الكتاب: ذبائح أهل الكتاب
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: الشيخ مهدي نجف
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبع بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد / سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد

تحريم
ذبائح أهل الكتاب
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ مهدي نجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
هبط الإسلام - آخر الديانات الإلهية - على أرض الحجاز القاحلة، ومنذ
اللحظة الأولى كانت لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله، من المتدينين المتواجدين
في المنطقة - سواء الحنفاء أم المنتمون إلى الشرائع السماوية السابقة مواقف
متميزة.
فهم - على ما كانوا عليه من جهل وانحراف - قد كانوا أقرب إلى ما جاء
به الإسلام من سائر العرب المشركين، فهم يجتمعون مع هذا الدين الجديد على
بعض الخطوط، ويتفقون معه في بعض الألفاظ، ويشتركون معا في بعض
المفاهيم، ويلتقون عند بعض النقاط الغيبية.
ولقد كانت على أيدي أنبياء الله المرسلين عليهم السلام، بذور الدين
منتثرة هنا وهناك، وهم بقايا جهودهم عليهم السلام.
والملتزمون بالأديان السابقة كانوا على مستويات مختلفة، ولهم إمكانات
متفاوتة، وتطلعات متغايرة فالحنيفية الإبراهيمية أقلها عددا وشوكة، واليهودية
أشدها تزمتا وتقوقعا، والمسيحية أكثرها عددا وانفلاتا.
3

ففي مكة كانت الحنيفية محدودة العناصر، في أفراد يشار إليهم بعدد
الأصابع، بينهم آباء النبي صلى الله عليه وآله وأمهاته، كانوا أسبق المتدينين إلى
اعتناق الإسلام.
إلا أن أهل الديانات الأخرى تلكؤوا في الالتحاق بالدين الجديد، اعتزازا
بمواقعهم، أو اغترارا بما عندهم، ولم يقفوا من الإسلام موقفا يتحلى بالإنصاف.
بينما كان المتوقع أن يبتهجوا بهذه الحركة الإلهية الجريئة التي قام بها نبي
الإسلام، مقتحما حصون الجاهلية العربية بما فيها من جهل وشرك وفساد، مناديا
في ديارها بالتوحيد والإيمان، متحملا كل الأخطار والأهوال في هذا السبيل،
واضعا لحياته في مهب حقدهم وعدوانهم وهجماتهم العسكرية، وهو يدعو
إلى ما يلتزمون به ويؤكد على أصول عقائدهم وقضاياهم.
ومن جانب أخر، فإن كتبهم السماوية مشحونة بالتبشير به، فما أحسن
هذه الفرصة، كي يلتفوا حوله، ويتكاتفوا معه ليزيحوا الجاهلية بكفرها وعتوها
وفسادها من الأرض ويثبتوا (كلمة الله العليا) وينشروا الهداية.
لكنهم - أي أهل الكتاب - بدلا من ذلك، اتخذوا مواقف عدائية ضد
الإسلام، بل، تواطؤوا مع أهل الكفر والشرك، ضد الإسلام ونبيه الكريم صلى
الله عليه وآله!
ومع كل هذه التصرفات المنافية لأبسط قواعد الحق، وأوضح مسائل
التدين، فإن الإسلام، وعلى صفحات قرآنه، ولسان نبيه، لم يعامل أهل الكتاب
إلا بشكل متميز.
فقد فتح أمامهم أبواب الحوار الفكري والعقيدي، ودعاهم إلى
(كلمة سواء).
4

بينما كانت الدعوة لغيرهم إلى الإسلام فقط، بعد الإقناع والتوعية،
واختيار حياة الإسلام أو موت الكفر والعناد.
أما أهل الكتاب، فكانوا مخيرين بين اختيار الإسلام، أو البقاء على
دياناتهم! بشروط المواطنة الصالحة، والالتزام بقوانين الدولة العامة، المعروفة
بشروط الذمة.
أما بالنسبة إلى عقائدهم وأفكارهم وشرائعهم، فإن الإسلام أكد على
الحق منها، ودعا إليه، ورفض ما طالته أيدي التحريف والتجاوز.
ومن تلك الأحكام، مسألة (ذبح الحيوان للأكل):
فإن شرائع السماء قررت قوانين وشروطا معينة، للحيوان الذي يأكله
الإنسان، في نوعيته، وفي كيفية قتله.
ومن الشروط الأساسية، أن يذكر اسم (الله) عليه عند ذبحه.
وقد وافق أهل الكتاب، شريعة الإسلام، في أصل هذا الشرط ومجمل ما
قررته الشريعة.
لكن فقهاء المسلمين اختلفوا في (ذبائح أهل الكتاب) هل يحل أكلها
للمسلمين، أو لا؟
وأساس هذا الخلاف هو: هل أن تسمية أهل الكتاب على ذبائحهم،
صحيحة يمكن اعتبارها، أو لا؟ فقولهم: (باسم الله) هل يقصدون به: اسم (الإلاه
الواحد الأحد، الفرد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد) هذا المسمى
الذي هو شرط الذبح عند المسلمين؟
بينما أهل الكتاب: النصارى منهم يقولون بالتثليث! واليهود منهم يقولون:
(عزير ابن الله) جل وعلا!!
5

فهم لا يعتقدون بالمسمى الذي هو الحق، وإن تلفظوا باسمه، بل هم
يكفرون، وإن ادعوا الإيمان، وتميزوا عن الكفار المشركين بهذا الادعاء، وبالارتباط
بشريعة وكتاب، لكن عقائدهم تلك لا تجعل التسمية الصادرة منهم، هي التسمية
المطلوبة الصحيحة المشروطة في حلية المذبوح!
وليس المراد بالتسمية مجرد اللفظ، وذكر الاسم فقط، من دون إرادة المعنى،
والمسمى الحق.
وقد ذهب جمهور فقهاء الشيعة الإمامية إلى الحكم بحرمة ذبائح أهل
الكتاب، ووافقهم بعض فقهاء العامة.
أما جمهور فقهاء العامة فيقولون بحلية ذبائح أهل الكتاب وهو مذهب
بعض الشيعة، ومستند العامة في ذلك أمران:
الأول: أن ظاهر حال أهل الكتاب هو معرفة الله، ووصفه بالتوحيد،
فيكتفى بهذا الظاهر، حتى يعلم خلافه.
الثاني: قوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) في سورة
المائدة (5) الآية: 6.
وقد أجاب الشيعة عن ذلك:
أما الأول: فبأن اليهود والنصارى - وإن كانوا على ظاهر الاعتقاد بوجود
الله، ويقول قوم منهم بتوحيده، إلا أن ذلك يخالف في تفاصيله المعتقد الحق
الذي عليه المسلمون، وقد ثبت في كتب العقائد انحرافهم عن الحق، والتزامهم
بالباطل، وكفاهم كفرا وخروجا: إنكارهم لنبوة الرسول صلى الله عليه وآله وما
جاء به من القرآن وأحكامه.
فكيف يلتزم بإيمانهم الاسمي، ومعتقدهم الظاهري في الله، مع أنهم
6

لا يقصدون بهذا الاسم، ما يعتقده المسلمون من الحق!؟
وأما الثاني، فقد أجابوا عنه بجوابين:
أولا: قال قوم بأن المراد بأهل الكتاب في الآية هم الذين آمنوا بالإسلام
ممن كانوا يهودا أو نصارى، وإنما أطلق عليهم اسم (أهل الكتاب) باعتبار صفتهم
السابقة كما يطلق المشتق على ما انقضى عنه المبدأ.
وثانيا: وقال قوم بأن المراد بالطعام المذكور في الآية هو خصوص الحبوب،
من المزروعات، دون اللحوم من الحيوانات، وهذا وارد في بعض الحديث أيضا.
هذا، ولكن الدليل الأساسي عند فقهاء، الشيعة هو الأحاديث المتضافرة،
الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، الدالة على النهي عن أكل ذبائح أهل
الكتاب.
هذا موجز ما فصله الشيخ المفيد قدس الله سره في هذه الرسالة، التي
تتميز - بعد كونها واحدة من ذخائر تراثنا الغالي - بالمزايا التالية.
1 - فهي واحدة من كتب الشيخ الفقهية على منهج الفقه المقارن فنجده
يقدم نظر المخالفين، بكل أدلتهم، وعلى اختلاف الاحتمالات ويفصل الرد عليهم
جزءا فجزءا.
ثم يستدل على الحق الذي يراه، بالقرآن، حسب ما يدل على ظاهر
الألفاظ الواردة فيه، ومفهومها اللغوي العرفي.
ثم يستند إلى الثوابت الفقهية، التي تعطي القطع بالملاكات والمدارك
المعتمدة عند الفقهاء.
ثم يرد دعوى توحيد أهل الكتاب الذي استند إليه المخالفون.
2 - يستعمل في رد المخالفين أدلتهم المعتمدة عندهم، وطرق استدلالاتهم
7

الخاصة بهم، وإن لم تكن صحيحة عند المؤلف:
مثل ما عمله في الفصل الثالث، حيث رد على القول بجواز ذبائح أهل
الكتاب بدعوى التزامهم بالتوحيد.
فردهم بأنه قول مخالف لاتفاق العامة أنفسهم، وقول بالفصل بينهم إذ هم
لا يفرقون بين من يعتقد التوحيد من أهل الكتاب ومن لا يعتقد ذلك! والقول
بالفصل، خلاف الاجماع المركب، لأنه خرق له.
وفي الفصل السادس، يحاول رد الحكم بحلية ذبائح أهل الكتاب،
متمسكا بالقياس الذي يقول به العامة أنفسهم.
3 - احتواؤها على الأحاديث الدالة على الحرمة، وقد ذكر منها عشرة
بأسانيدها ومتونها، ولهذا أثره في دعم ما ورد في المجاميع الحديثية بالتصحيح.
كما أن الشيخ أكد على هذه الأحاديث بأنها مما (ورد من الطرق
الواضحة، بالأسانيد المشهورة وعن جماعة بمثلهم - في الستر والديانة
والثقة والحفظ والأمانة - يجب العمل، وبمثلهم في العدد يتواتر الخبر).
وبهذا النص يمكننا استخلاص آراء الشيخ في المجالات التالية:
1 - المنهج الرجالي الذي اعتمده الشيخ.
2 - رأيه في الخبر المتواتر، وما به يحصل التواتر.
3 - وجوب العمل بالأخبار، إذا كانت مثل هذه في وضوح الطرق واشتهار
الأسانيد.
4 - اعتماد الشهرة السندية.
5 - يمكن اعتبار ذلك توثيقا عاما لرواة الأحاديث التي وردت بحرمة ذبائح
أهل الكتاب، وعلى الأقل هذه التي ذكرها الشيخ في هذه الرسالة.
8

والذي ينبغي أن نختم به هذه النظرة، هو ما ذهب إليه بعض الشيعة من
القول بحلية ذبائح أهل الكتاب، فقد ذهب بعض أصحابنا إلى ذلك استنادا إلى
روايات دلت عليه:
وقد ختم الشيخ المفيد رسالته بتوجيه تلك الروايات، بعد وصفه لمن تعلق
بها ب‍ (شذاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا) فذكر لذلك وجهين:
الأول: حمل أخبار الحلية على (التقية من السلطان، وإشفاق الإمام عليهم
السلام من أهل الظلم والطغيان، إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة
الناصبية، وضد لما يفتي به سلطان الزمان، ومن قبله من القضاة والحكام).
الثاني: إن التحليل إنما جاء في الحديث لذبيحة من أسلم من أهل
الكتاب وأقر بالتوحيد، بقرينة رواية معاوية بن وهب، حيث قال في من حكم
بحلية ذبيحته من أهل الكتاب -: أعني من يكون على أمر موسى وعيسى.
فإن اتباع موسى وعيسى، بصورة صحيحة، يؤدي إلى اتباع النبي محمد
صلى الله عليه والله، والإيمان بشريعته التي اشترط فيها أن يذكر الذابح اسم الله
الواحد الذي لا شريك له.
أما ما جاء في الرواية الثالثة من روايات التحريم التي أوردها الشيخ، وهي
رواية شعيب العقرقوفي الذي سمع الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن أكل
ذبائح أهل الكتاب.
قال شعيب:
فلما خرجنا من عنده، قال لي أبو بصير: كلها فقد سمعته وأباه - جميعا -
يأمران بأكلها.
ثم سأل الإمام عن ذلك، فقال: لا تأكلها.
9

قال شعيب: فقال لي أبو بصير: كلها، وفي عنقي.
فسأل الإمام ثانية، فقال: لا تأكلها.
فقال أبو بصير: سله ثالثة.
قال شعيب: فقلت: لا أسأله بعد مرتين.
فالذي يظهر لأول وهلة أن أبا بصير بإظهار رأيه في قبال كلام الإمام عليه
السلام - أولا - ثم بإصراره على رأيه المخالف ثانيا وثالثا، يعارض مكررا ما يظهر
من كلام الإمام عليه السلام في التحريم؟
فيتصور فيه تجاوزه عن حد الأب مع الإمام عليه السلام على أقل
الفروض!
وقد حاول الحجة المفضال السيد عبد الرسول الشريعتمدار الجهرمي أن
يوجه عمل أبي بصير بما ملخصه: أن أبا بصير كان قد سمع الباقر عليه السلام
في عصره، وسمع الصادق عليه السلام في أوائل عهده، يأمران بكل ذبائح أهل
الكتاب، وحيث أن في تلك الفترة، كان الوضع مؤاتيا للأئمة عليهم السلام أن
يعلنوا عن الحقائق الدينية باعتبارها فترة ضعف بني أمية وانشغالهم عن مسائل
الدين بأنفسهم فلم يكن ذلك العهد، عهد تقية أو خوف، بل عهد نشر العلم و
الاعلان (عن مر الحق) كما في بعض النصوص.
فحمل أبو بصير ذلك التحليل على الحكم الواقعي، وحمل ما سعه الآن،
وفي نهاية عصر الصادق عليه السلام حيث عاد الملوك إلى سيرتهم الأولى في
الضغط على الأئمة عليهم السلام، حمله على التقية والحكم الظاهري، وجعل
ما سمعه أولا قرينة على هذا.
وهذا التصرف من أبي بصير يعتبر نوعا من إعمال الاجتهاد، والترجيح
10

بين الروايات، في عصر حضور الأئمة عليهم السلام.
ويظهر من سكوت الأئمة عليهم السلام عن أبي بصير، وتصرفاته هذه،
بل والإصرار على الإرجاع إليه مع علمهم بهذه التصرفات الاجتهادية، يظهر من
ذلك رضاهم عليهم السلام بأمثال هذه الاجتهادات، وعدم معارضتهم لها،
والتزامهم بإجزاء العمل على طبقها.
أقول: هذا ما أفاده السيد المحقق دام ظله في رسالته (حول الاجتهاد و
الأخبار).
لكن تصرف أبي بصير في نهي الإمام عليه السلام في هذه الرواية
بالحمل على التقية غير ممكن:
لأن التقية إنما تصدق فيما إذا كان حكم الإمام عليهم السلام موافقا
للعامة بينما الحكم الأول الذي سمعه أبو بصير هو الموافق للعامة، وما ذكره في
رواية شعيب هذه مخالف لهم، فكيف يخفى مثل ذلك على أبي بصير الفقيه
الكبير، فيحمل هذا الأخير على التقية.
ولذلك نرى الشيخ المفيد - في هذه الرسالة - قد حكم على رواية الجواز
بالتقية.
والذي أراه أن أبا بصير كان يرى حمل النهي عن الأكل على خصوص
بعض الأفراد، أو على الكراهة، عملا بما سمعته من رواية الأمر بالأكل، جمعا
بين الحكمين، وعملا بالروايتين.
وهذا - أيضا - نوع من إعمال الاجتهاد.
فحمل رواية الحل، على ذبائح طائفة من أهل الكتاب، وهم الذين اعتنقوا
الإسلام، لقربهم من المراكز الإسلامية الكبرى، أما الذين بقوا على اليهودية
11

والمسيحية فذبائحهم محرمة، كأهل الجبل البعيدين عن المراكز العلمية ويؤيد
هذا الحمل رواية معاوية بن وهب - التي أوردها الشيخ أخيرا - المتضمنة لحكم
الإمام عليه السلام، وقد سأله عن ذبائح أهل الكتاب؟ فقال عليه السلام: لا بأس،
إذا ذكروا اسم الله عز وجل ثم قال عليهم السلام: وإنما أعني منهم من يكون
على أمر موسى وعيسى.
. فكونهم على أمر موسى وعيسى، يعني اعتقادهم بالحق الذي جاءا به،
بما فيه التبشير بدين الإسلام والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وآله. وهذا
التوجيه هو الذي ذكره المفيد - كما مر - وجها ثانيا لرواية الجواز، في نهاية هذه
الرسالة، التي هي - على اختصارها - أجمع ما ألف حول الموضوع، وأحسم كتاب
لشأفة النزاع فيه.
ونحمد الله على توفيقه، ونسأله الرضا عنا
بفضله وإحسانه والعفو عنا بكرمه
وجلاله، إنه ذو الجلال والإكرام.
وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي
12

صورة من النسخة المخطوطة
13

صورة من النسخة المخطوطة
14

صورة من النسخة المخطوطة
15

صورة من النسخة المخطوطة
16

تحريم
ذبائح أهل الكتاب
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
17

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على سيدنا
محمد وآله الطاهرين.
اختلف أهل الصلاة في ذبائح أهل الكتاب، فقال جمهور العامة
بإباحتها (1).
وذهب نفر من أوائلهم إلى حظرها (2).

(1) أنظر المدونة الكبرى 2: 67، وبداية المجتهد 2: 436، وأحكام القرآن للجصاص
1: 125، والمبسوط للسرخسي 12: 226، والمحلى 7: 454، والمغني لابن قدامة
11: 36، والمجموع 9: 78.
(2) جاء في المدونة الكبرى 2: 67 (قال ابن القاسم: رأيت مالكا يستثقل ذبائح اليهود
والنصارى ولا يحرمها).
19

وقال جمهور الشيعة بحظرها (1).
وذهب نفر منهم إلى مذهب العامة في إباحتها (2).
واستدل الجمهور من الشيعة على حظرها بقول الله تعالى: (ولا
تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى
أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (3).
قالوا: فحظر الله سبحانه بتضمن هذه الآية، أكل كل ما لم يذكر
عليه اسم الله من الذبائح، دون ما لم يرده من غيرها بالإجماع والاتفاق.
فاعتبرنا المعني بذكر التسمية أهو اللفظ بها خاصة، أم هو شئ
ينضم إلى اللفظ، ويقع لأجله على وجه يتميز به مما يعمه وإياه الصيغة من
أمثاله في الكلام. فبطل أن يكون المراد هو اللفظ بمجرده، لاتفاق الجميع
على حظر ذبيحة كثير ممن يتلفظ بالاسم عليها، كالمرتد وإن سمى

(1) قال العلامة في المختلف 4: 127 (المشهور عند علمائنا تحريم ذبائح الكفار مطلقا،
سواء كانوا أهل ملة كاليهود والنصارى والمجوس، أو لا، كعباد الأوثان والنيران
وغيرهما. ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة
وابن إدريس).
أنظر الانتصار: 188، والنهاية: 582، والخلاف 3: 349 مسألة 23، والمراسم:
209، والمهذب 2: 439، والكافي لأبي الصلاح: 277، والوسيلة: 361.
(2) منهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد والشيخ الصدوق، لكن شرط الشيخ الصدوق سماع
تسميتهم عليها، وساوى بينهم وبين المجوس في ذلك. وابن أبي عقيل صرح بتحريم
ذبيحة المجوسي، وخص الحكم باليهود والنصارى، ولم يقيد بكونهم أهل ذمة، وكذلك
الآخران. أنظر المقنع: 140، المختلف 4: 127.
(3) الأنعام: 121.
20

تجملا (1). والمرتد عن أصل من الشريعة مع إقراره بالتسمية واستعمالها (2)،
والمشبه لله تعالى بخلقه لفظا ومعنى، وإن دان بفرضها عند الذبيحة متدينا،
والثنوية والديصانية والصابئين والمجوس.
تثبت (3) أن المعني بذكرها هو القسم الثاني من وقوعها على وجه
يتخصص به من تسمية من عددناه وأمثالهم في الضلال، فنظرنا في ذلك،
فأخرج لنا دليل الاعتبار أنها تسمية المتدين بفرضها على ما تقرر في شريعة
الإسلام، مع المعرفة بالمسمى المقصود بذكره عند الذبيحة إلى استباحتها،
دون من عداه، بدلالة حصول الحظر مع التسمية ممن أنكر وجوب
فرضها، وتلفظ بها لغرض له دون التدين ممن سميناه، وحصوله أيضا مع
تسمية المتدين بفرضها إذا كان كافرا يجحد أصلا من الشريعة لشبهة
عرضت له، وإن كان مقرا بسائر ما سوى الأصل على ما بيناه، وحظر
ذبيحة المشبه وإن سمى ودان بفرضها كما ذكرناه.
وإذا صح أن المراد بالتسمية عند الذكاة، ما وصفناه من التدين
بفرضها على شرط ملة الإسلام، والمعرفة بمن سماه [لخروجه من اعتقاد ما
يوجب الحكم عليه بجملة من ساير الحياة] (4).
ثبت حظر ذبائح أهل الكتاب، لعدم استحقاقهم من الوصف ما
شرحناه، ولحوقهم في المعنى الذي ذكرناه بشركائهم في الكفر من المجوس
والصابئين وغيرهما من أصناف المشركين والكفار.

(1) في ب (تجهلا).
(2) أنظر المدونة الكبرى 2: 68، والأم 6: 164 و 8: 364، والمجموع 9: 79، وبداية
المجتهد 2: 436، والوجيز 2: 205، وأحكام القرآن للجصاص 1: 125.
(3) في ب (قلت) ولعل الصحيح: فثبت.
(4) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
21

سؤال: فإن قال قائل: فإن اليهود وغيرهم تعرف الله جل اسمه،
وتدين بالتوحيد، وتقربة، وتذكر اسمه على ذبائحها، وهذا يوجب الحكم
عليها بأنها حلال.
جواب: قيل له: ليس الأمر على ما ذكرت، لا اليهود من أهل
المعرفة بالله عز وجل حسب ما قدرت، ولا هي مقرة بالتوحيد في الحقيقة
[كما توهمت] (1)، وإن كانت تدعي ذلك لأنفسها، بدلالة كفرها بمرسل
محمد صلى الله عليه وآله، وجحدها لربوبيته، وإنكارها لإلهيته من حيث
اعتقدت كذبه صلى الله عليه وآله، ودانت ببطلان نبوته.
وليس يصح الاقرار بالله عز وجل في حالة الانكار له، ولا المعرفة
به في حالة الجهل بوجوده، وقد قال الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) (2) وقال: (ولو كانوا يؤمنون
بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) (3)، وقال: (فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما
قضيت ويسلموا تسليما) (4).
ولو كانت اليهود عارفة بالله تعالى، وله موحدة، لكانت به مؤمنة،
وفي نفي القرآن عنها الإيمان، دليل على بطلان ما تخيله الخصم.

(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(2) المجادلة: 22.
(3) المائدة: 81.
(4) النساء: 65.
22

فصل
على أن ما يظهره اليهود من الاقرار بالله عز اسمه وتوحيده، قد يظهر
من مستحل الخمر بالشبهة، ويقترن إلى ذلك إقراره بنبوة محمد صلى الله
عليه وآله، والتدين بما جاء به في الجملة، وقد أجمع علماء الأمة على أن
ذبيحة هذا محرمة، وأنه خارج عن جملة من أباح الله تعالى أكل ذبيحته
بالتسمية، فاليهود أولى بأن تكون ذبائحهم محرمة لزيادتهم عليه في الكفر
والضلال أضعافا مضاعفة.
فصل
مع أنه لا شئ يوجب جهل المشبهة بالله عز وجل إلا وهو موجب
جهل اليهود والنصارى بالله، ولا معنى يحصل لهم الحكم بالمعرفة، مع
إنكارهم لإلهية مرسل محمد صلى الله عليه وآله وكفرهم به، إلا وهو يلزم
صحة الحكم على المشبهة بالمعرفة، وإن اعتقدوا أن ربهم على صوره
الإنسان، بعد أن يصفوه بما سوى ذلك من صفات الله عز وجل، وهذا
ما لا يذهب إليه أحد من أهل المعرفة، وإن ذهب علمه على جميع المقلدة.
على أنه ليس أحد من أهل الكتاب يوجب التسمية، ولا يراها عند
الذبيحة فرضا، وإن استعملها منهم إنسان، فلعادة مخالطة [من أهل
الإسلام، أو التجمل بذلك والاستحباب، وهذا القدر كاف في تحريم
ذبايحهم بما قدمناه] (1).

(1) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
23

فصل
مع أن مخالفينا لا يفرقون بين ذبائح اليهود والنصارى، وليس في
جهل النصارى بالله عز وجل وعدم معرفتهم به لقولهم بالأيام (1)، والجواهر،
والأب، والابن، والروح، والاتحاد شك ولا ريب.
وإذا ثبت حظر ذبائح النصارى بما وصفناه، وجب حظر ذبائح
اليهود، للاتفاق على أنه لا فرق بينهما في الإباحة والتحريم.
فصل
وشئ آخر، وهو أنه متى ثبت لليهود والنصارى بالله عز وجل
معرفة، وجب بمثل ذلك أن للمجوس بالله تعالى معرفة، ولعبدة الأصنام
من قريش ومن شاركهم في الاقرار بالله تعالى معرفة، واعتقادهم بعبادة
الأصنام القربة إليه عز اسمه، فإن كان كفر اليهود والنصارى لا يمنع من
استباحة ذبائحهم لإقرارهم في الجملة بالله تعالى، فكفر من عددناه لا
يمنع أيضا من ذلك، وهذا خلاف للاجماع، وليس بينه وبين ما ذهب إليه
الخصم فرق مع ما اعتمدناه من الاعتلال.
فصل
ومما يدل أيضا على حظر ذبائح اليهود وأهل الكتاب وجميع الكفار،
أن الله جعل اسمه جعل التسمية في الشريعة شرطا في استباحة الذبيحة،

(1) في بعض النسخ: بالأقانيم.
24

وحظر الاستباحة على الشك والريب، فوجب اختصاصها بذبيحة الدائن
بالشريعة، المقر بفرضها، دون المكذب بها، المنكر لواجباتها، إذا كان غير
مأمون على نبذها، والتعمد لترك شروطها لموضع كفره بها، والقربة بإفساد
أصولها، وهذا موضح عن حظر ذبائح كل من رغب عن ملة الإسلام.
فصل
وشئ آخر، وهو أن القياس المستمر في السمعيات، على مذاهب
خصومنا يوجب حظر ذبائح أهل الكتاب من قبل أن الاجماع حاصل على
حظر ذبائح كفار العرب، وكانت العلة في ذلك كفرهم، وإن كانوا مقرين
بالله عز وجل، فوجب حظر ذبايح اليهود والنصارى لمشاركتهم من ذكرناه
في الكفر، وإن كانوا مقرين لفظا بالله جل اسمه على ما بيناه.
وشئ آخر، وهو أنا وجمهور مخالفينا نرى إباحة من سها عن ذكر
الله من المسلمين لما يعتقد عليه من النية من فرضها (1)، فوجب أن يكون
ذبيحة من أبى فرض التسمية محظورة، وإن تلفظ عليها بذكرها، وهذا
مما لا محيص عنه.
سؤال فإن قالوا فما تصنعون في قول الله عز وجل: (اليوم أحل لكم
الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) (2)

(1) قال القرطبي في تفسير 7: 75 (إن تركها سهوا أكلا جميعا وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل).
وقال في المصدر السابق: وإن تركها عمدا لم يؤكلا، وقاله في الكتاب مالك وابن القاسم
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعيسى وأصبغ وقاله سعيد بن
جبير وعطاء واختاره النحاس.
(2) المائدة: 5.
25

وهذا صريح في إباحة ذبائح أهل الكتاب.
جواب: قيل له: قد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المعنى في هذه
الآية من أهل الكتاب، من أسلم منهم وانتقل إلى الإيمان، دون من أقام
على الكفر والضلال، وذلك أن المسلمين تجنبوا ذبائحهم بعد الإسلام كما
كانوا يتجنبونها قبله، فأخرهم الله تعالى بإباحتها، لتغير أحوالهم عما كانت
عليه من الضلال.
قالوا: وليس بمنكر أن يسميهم الله أهل كتاب وإن دانوا بالإسلام
كما سمى أمثالهم من المنتقلين عن الذمة إلى الإسلام، حيث يقول:
(وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليهم وما أنزل إليهم
خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم
إن الله سريع الحساب) (1) فأضافهم بالنسبة إلى الكتاب وإن كانوا على ملة
الإسلام، فهكذا تسمى من أباح ذبيحته من المنتقلين عما لزمه، وإن كانوا
على الحقيقة من أهل الإيمان والإسلام.
وقال الباقون من أصحابنا: إن ذكر طعام أهل الكتاب في هذه
الآية يختص بحبوبهم وألبانهم، وما شاكل ذلك دون ذبائحهم، بما قدمنا
ذكر من الدلائل وشرحناه من البرهان، لاستحالة التضاد بين حجج الله
تعالى والقرآن، ووجوب خصوص الذكر بدلائل الاعتبار، وهذا كاف لمن
تأمله.
سؤال: فإن قال قائل: خبروني عما ذهبتم إليه من تحريم ذبائح أهل
الكتاب أهو شئ تأثرونه عن أئمتكم من آل محمد عليهم السلام أم
حجتكم فيه ما تقدم لكم من الاعتبار دون السماع [الشياع] من جهة

(1) آل عمران: 199.
26

النقل والأخبار؟!
جواب: قيل له: عمدتنا في ذلك أقوال أئمتنا الصادقين من آل
محمد صلى الله عليه وآله وما صح عندنا من حكمهم به، وإن كان الاعتبار
دليلا قاطعا عند ذوي العقول والأديان، فإنا لم نصر إليه من ذلك دون ما
ذكرناه من الأثر ووصفناه.
فإن قال: فإنني لم أقف من قبل على شئ ورد من آل محمد عليهم
السلام في هذا الباب فاذكروا جملة من الروايات فيه لأضيف مفهومه إلى
ما قد استقر عندي العلم به من دليل القرآن، على ما رتبتموه من
الاستدلال.
قيل له: أما إذا آثرت ذلك للبيان، فإنا مثبتوه لك والله الموفق
للصواب.
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، وأبو جعفر محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه جميعا، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي
ابن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن المفضل بن صالح، عن
زيد الشحام قال: سئل الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن ذبيحة
الذمي، فقال: لا تأكلها، سمى أم لم يسم (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبد
الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن
محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل، فسألني أحدهما عن الذبيحة - يعني

(1) أخرجه الشيخ الكليني في الكافي 6 ج 238 الحديث 1، ورواه الشيخ الطوب في التهذيب
9: 65 الحديث 276، والاستبصار 4: 82 الحديث 309.
27

ذبيحة أهل الذمة - فقلت في نفسي: والله لأبرد لكما على ظهري، لا
تأكل.
قال محمد بن يحيى: فسألت أنا أبا عبد الله عليه السلام عن ذبيحة
اليهود والنصارى، فقال: لا تأكل (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد
ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن
سويد، عن شعيب العقرقوفي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام
ومعنا أبو بصير وأناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب،
فقال لهم أبو عبد الله عليه السلام: قد سمعتم ما قال الله عز وجل في
كتابه، فقالوا له: نحب أن تخبرنا أنت. فقال: لا تأكلوها.
قال: فلما خرجنا من عنده قال لي أبو بصير: كلها، فقد سمعته
وأباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير: سله، فقلت:
جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب؟
فقال: أليس قد شهدتنا اليوم بالغداة وسمعت؟.
قلت: بلى.
قال: لا تأكلها.
فقال لي أبو بصير: كلها وفي عنقي. ثم قال: سله ثانية، فسألته،
فقال لي مثل مقالته الأولى: لا تأكلها.
فقال لي أبو بصير: سله ثالثة، فقلت: لا أسأله بعد مرتين (2).

(1) رواه الشيخ الطوسي في التهذيب 9: 67 الحديث 286، والاستبصار 4: 84 الحديث
318 باختصار.
(2) أخرجه الشيخ الطوسي في التهذيب 9: 66 الحديث 282، وأخرج في الاستبصار 4:
83 صدر الحديث.
28

وأخبرني عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن
سدير، عن الحسين بن المنذر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا
قوم نختلف إلى الجبل، والطريق بعيد بيننا وبين الجبل فراسخ، فنشتري
القطيع والاثنين والثلاثة، فيكون في القطيع ألف وخمسمائة وألف وستمائة،
وألف وسبعمائة شاة، فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة، فنسأل الرعاة الذين
يجيئون بها عن أديانهم، فيقولون: نصارى، فأي شئ. قولك في ذبائح
اليهود والنصارى؟ فقال لي: يا حسين هي الذبيحة، والاسم لا يؤمن عليه
إلا أهل التوحيد.
ثم إن حنانا لقي أبا عبد الله عليه السلام، فقال: إن الحسين بن
المنذر روى عنك أنك قلت: إن الذبيحة لا يؤمن عليها إلا أهلها، فقال
عليه السلام: إنهم أحدثوا - فيها شيئا.
قال حنان: فسألت نصرانيا، فقلت: أي شئ تقولون إذا ذبحتم؟
فقال: نقول باسم المسيح (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن
محمد بن يحيى، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحسين
ابن عبد الله بمثل معنى الأول (2).
وعنه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحسين
ابن عبد الله قال: اصطحب المعلى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور في
سفر، فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى، فامتنع الآخر من أكلها،
فلما اجتمعا عند أبي عبد الله عليه السلام أخبراه بذلك، فقال عليه

(1) أخرجه الكليني في الكافي 6: 239 الحديث 2 و 3.
(2) أخرجه في الكافي 6: 239 الحديث 6، والفقيه 3: 211 الحديث 975، والتهذيب
9: 66 الحديث 280.
29

السلام: أيكما الذي أبى؟ فقال المعلى: أنا. فقال له: أحسنت (1).
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب عن علي
ابن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل: أصلحك الله إن لنا جارا قصابا
فيجيئ بيهودي فيذبح له، حتى يشتري منه اليهود، فقال: لا تأكل من
ذبيحته ولا تشتري منه (2).
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري، عن
محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن
ابن مسكان، عن قتيبة الأعشى، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه
السلام وأنا عنده، فقال له: الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني،
فيعرض فيها العارض، فيذبح، أنأكل ذبيحته؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تدخل ثمنها مالك، ولا تأكلها،
فإنما هو الاسم، ولا يؤمن عليه إلا مسلم.
فقال له الرجل: فما نصنع في قول الله تعالى: (اليوم أحل لكم
الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) (3).
فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يقول: إنما هي
الحبوب (4).

(1) أخرجه الكليني في الكافي 6: 239 الحديث 7، والشيخ الطوسي في التهذيب 9: 64
الحديث 272، والاستبصار 4: 83 الحديث 313.
(2) أخرجه الطوسي في التهذيب 9: 67 الحديث 283، والاستبصار 4: 84، والكافي 6:
240 الحديث 8.
(3) المائدة: 5.
(4) رواه الشيخ الكليني في الكافي 6: 240 الحديث 10، والشيخ الطوسي في التهذيب 9:
64 حديث 270 والاستبصار 4: 81 الحديث 300.
30

وبهذا؟ الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن ذبائح أهل الكتاب قال فقال: والله ما يأكلون ذبائحكم،
فكيف تستحلون أكل ذبائحهم، إنه هو الاسم ولا يؤمن عليها إلا
مسلم (1).
وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد
ابن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي المغرا، عن سماعة، عن أبي
إبراهيم موسى بن جعفر قال: سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى، فقال:
لا تقربوها (2).
فهذه جملة مما ورد عن أئمة آل محمد صلى الله عليه وآله في تحريم
ذبائح أهل الكتاب، قد ورد من الطرق الواضحة بالأسانيد المشهورة،
وعن جماعة بمثلهم - في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة - يجب
العمل، وبمثلهم في العدد يتواتر الخبر، ويجب العمل لمن تأمل ونظر، وإذا
كان هذا هكذا ثبت ما قضينا به من ذبائح أهل الكتاب والحمد لله.
فأما من تعلق من شذاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا بما رواه أبو بصير
وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن ذبيحة أهل الكتاب
فأطلقها (3).
فإن لذلك وجهين أحدهما التقية من السلطان، والاشفاق على

(1) الكافي 6: 241 الحديث 16، وانظر تفسير علي بن إبراهيم 1: 163.
(2) رواه الشيخ الكليني في الكافي 6: 239 حديث 5، والشيخ الطوسي في التهذيب 9:
63 الحديث 266 والاستبصار 4: 81 الحديث 299 بطريق الحسين بن سعيد عن فصاله
عن أبي المغرا باختلاف يسير باللفظ.
(3) ليس هذا لفظ الحديث، بل هو نقل لمعنى الحديثين الذين رواهما الشيخ الطوسي قدس
سره في التهذيب [9: 68 برقم 287 و 292] نصهما: الحسين بن سعيد، عن ابن أبي
عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة عن حمران قال: سمعت أبا جعفر..
وحديث أبي بصير التي تقدمت الإشارة إليه فلاحظ.
31

شيعته من أهل الظلم والطغيان، إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة
الناصبية وضد لما يفتي به سلطان الزمان، ومن قبله من القضاة والحكام.
والثاني ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: لا بأس
إذا ذكروا اسم الله عز وجل، وإنما (1) أعني منهم من يكون على أمر موسى
وعيسى (2).
فاشترط عليه الاسم وقد بينا أن ذلك لا يكون من كافر لا يعرف
المسمى ومتى سمى فإنه يقصد به إلى غير الله جل وعز. ثم إنه اشترط أيضا
فيه اتباع موسى وعيسى وذلك لا يكون إلا لمن آمن بمحمد صلى الله عليه
وآله واتبع موسى وعيسى عليهما السلام في القبول منه، والاعتقاد لنبوته،
وهذا ضد ما توهمه المستضعف من الشذوذ، والله الموفق للصواب.
* * *

(1) في الكافي (ولكني).
(2) الكافي 6: 240 - 241 حديث 14.
32