الكتاب: المعتبر
المؤلف: المحقق الحلي
الجزء: ٢
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتصحيح : عدة من الأفاضل / إشراف : ناصر مكارم شيرازي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة سيد الشهداء (ع) - قم
ردمك:
ملاحظات:

من منشورات
مؤسسة سيد الشهداء (ع)
قم - إيران
تحت إشراف آية الله ناصر مكارم الشيرازي
المعتبر
في شرح المختصر
تأليف:
نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن
المحقق الحلي (قدس سره)
المتوفى سنة 676 ه‍
المجلد الثاني
حققه وصححه عدة من الأفاضل
1

بسم الله الرحمن الرحيم
" بشرى لرواد العلم والمعرفة "
يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها ومفكريها والمتقدمين
بهم في ميادين الوعي والثقافة من أعلى ما لديها رأس مال
والحديث الوارد فيما يرثه الأنبياء لأممهم:
" إن الأنبياء لم يرثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ
بحظ وافر "
يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي إحياء
آثارهم حياة الإسلام والمسلمين وامتداد لحياة القرآن والسنة النبوية الشريفة وآثار
الأئمة المعصومين عليهم السلام
ومن المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الآثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان
نتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه وعواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا
سوى أن نحمد الله على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا وبعيدا عن الاضمحلال،
ولكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء والمحققين أما لكونها بصورة
5

مخطوطات تحتفظ بها المكتبات في مخازنها، أو أن طباعتها رديئة ومغلوطة، ولا
يمكن أن يستفيد منها إلا القليل، وقد قام " المركز العلمي لسيد الشهداء " الذي اهتم
بتأسيسه جماعة من العلماء وأهل الخير بتركيز فعالياته على طبع المخطوطات أو
تجديد طباعة المطبوع بصورة رديئة من التراث العلمي لا برز علماء الإسلام بصورة
أنيقة بالاستفادة من النسخ المصححة وتحقيق عميق على منابع الأحاديث حتى يسهل
لرواد العلم والفضيلة الاستفادة منها
* * *
ومن الكتب التي جاءت في طليعة هذه الجهود العلمية كتاب " المعتبر "
للمحقق (نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن الحلي المتوفى 676 ه‍)
صاحب كتاب شرايع الإسلام الذي يعتبر من أهم الكتب الفقهية اعتبارا لدى الشيعة الإمامية
ويتضمن هذا السفر القيم بالإضافة إلى المباحث الفقهية الاستدلالية الهامة
الموافقة لمذهب أهل البيت عليهم السلام آراء ونظريات علماء أهل السنة وجاء بصورة
" فقه مقارن موجز "، غني بمحتواه فنشكر الباري تعالى على هذا التوفيق ونأمل
منه دوامه لإخراج الذخائر العلمية الأخرى
وقد بذلنا ما في جهدنا في تصحيح الكتاب ومقابلتها بنسخ مصححة
قوبلت مع نسخة المحقق نفسه أو غيره مما يعود تاريخه إلى القرن العاشر
أو القرن الثالث عشر تفضل بها غير واحد من أعلام العصر شكر الله فضلهم
وزادهم خيرا
وأرى من اللازم أن أشكر كلا من السادة الفضلاء الكرام الأمجاد:
6

* الشيخ محمد علي الحيدري
* والسيد مهدي شمس الدين
* والسيد أبو محمد المرتضوي
* والسيد علي الموسوي
الذين ساهموا في تحمل مشاق التحقيق من منابع هذا السفر القيم فزاد الله
تأييداتهم وأجزل أجرهم وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء
كما وأشكر " الحاج محمد آقا كلاهي " دامت تأييداته لتقبله نفقات الطبع
والنشر فزاده الباري توفيقا وكرامة
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا والحمد لله رب العالمين
قم - الحوزة العلمية
ناصر مكارم الشيرازي
7

كتاب الصلاة
وهي في اللغة الدعاء قال الله سبحانه: (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم)
(1) وقال الشاعر:
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مضطجعا "
وقد يتجوز بها في الرحمة. وهي في الشرع عبارة عن عبادة مخصوصة،
تارة تكون ذكرا " محضا " كالصلاة بالتسبيح، وتارة فعلا مجردا كصلاة الأخرس،
وتارة تجمعهما كصلاة الصحيح، ووقوعها على هذه الموارد وقوع الجنس على
أنواعه، وفي وقوعها بالحقيقة على صلاة الجنازة تردد، أشبهه أنها على الحقيقة
اللغوية، والمجاز الشرعي، إذ لا يفهم عند الإطلاق إلا ذات الركوع، والسجود،
وما قام مقامهما.
أما صلاة الجنازة، فهي دعاء للميت، كدعاء الإنسان لأخيه الحي، فكما ليس
هذا صلاة شرعية بالإطلاق، فكذا ذلك.
والصلاة أفضل العبادات، وأهمها في نظر الشرع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

1) سورة التوبة: 103.
9

(لا يزال الشيطان ذعرا من أمر المؤمن ما حافظ على الصلاة الخمس فإذا ضيعهن
اجترء عليه) (1) وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن عمود الدين الصلاة،
وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحت نظر في عمله وإن لم تصح لم
ينظر في بقية عمله).
(2) وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (انتظار الصلاة بعد الصلاة كنز من
كنوز الجنة) (3) وقال عليه السلام: (لكل شئ وجه ووجه دينكم الصلاة)، (4) وعنه
عليه السلام قال: (ما من صلاة تحضر إلا نادى ملك بين يدي الله أيها الناس قوموا إلى
نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها.
(5) والكلام في الصلاة، أما في المقدمات، وأما في المقاصد، والمقدمات سبع:
المقدمة الأولى
[في أعدادها]
وهي واجبة، ومندوبة، فالواجبات تسع، الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة،
والعيدين، والكسوف، والأموات، والزلزلة، والآيات، والطواف، وما يلتزمه
الإنسان بنذر، وشبهه، وما عداه مسنون. وهي تنقسم إلى نوافل اليوم، والليلة، وغير
ذلك.
أما وجب الصلاة الخمس، فمعلوم ضرورة، لا يختلف أهل الإسلام فيه.

1) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 7 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 8 ح 13.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 2 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 6 ح 4.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 7.
10

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. وإقامة الصلاة. وإتيان الزكاة. وصيام شهر رمضان.
وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) (1) ولا تجب إلا على البالغ العاقل المتمكن
من الطهور، وليس الإسلام شرطا في الوجوب. وإن كان شرطا في الأداء.
وعددها في الحضر، سبع عشرة ركعة، الظهر أربع بتشهدين وتسليم، والعشاء
والعصر كذلك، والمغرب ثلاث، بتشهدين وتسليم والعشاء مثل الظهر، والصبح
ركعتان بتشهد، وتسليم.
وتسقط في السفر، من كل رباعية ركعتان، وعلى ذلك كله، إجماع المسلمين،
وإنما الخلاف في القصر، هل هو عزيمة أم لا؟ وسنوضح القول فيه. وباقي الواجبات
سيرد مفصلا في أماكنه إن شاء الله تعالى.
وما عدا ذلك، فليس بواجب، وهو مذهب أهل العلم، وقال أبو حنيفة:
(الوتر واجب، وهو عنده ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، لا يزاد عنها، ولا ينقص،
وأول وقته، بعد المغرب والعشاء مقدمة وآخره الفجر). واستدل على الوجوب
بقوله عليه السلام: (إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها) (2) وقوله عليه السلام (الوتر حق) (3)
لنا التمسك بالأصل، فيما روى عبادة بن صامت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (خمس
صلاة افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئا جعل الله له عهدا
يوم القيامة أن يدخل الجنة). (4)
وبما روى طلحة بن عبد الله (أن أعرابيا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما فرض الله

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب الإيمان باب 5 ص 45.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 180 (مع تفاوت).
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 470.
4) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 467.
11

علي من الصلاة؟ قال: خمس صلوات، قال: علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن
تتطوع). (1) وعن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وآله: (ثلاث علي فرض وعليكم تطوع
الوتر والفجر وركعتا الفجر). (2) وعن علي عليه السلام قال: (الوتر ليس بحتم وإنما
هو سنة، ولأنه يصلي على الراحلة اختيارا، ولا شئ من الواجب كذلك). (3)
ومن طريق الأصحاب، ما رواه محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الوتر
قال (إنما كتب الله الخمس والوتر ليس مكتوبة إن شئت صليتها وتركها قبيح). (4)
واستدلال أبي حنيفة ضعيف لأن زيادة الصلاة لا يستلزم الوجوب فإن استدل
بقوله فصلوها فالجواب إنا بتقدير صحة نقل هذه اللفظة ننزلها على الاستحباب
بدلالة الأخبار الصريحة التي تلوناها وكذا قوله: الوتر حق لأن غايته أنه ليس باطلا
وليس كلما ليس باطلا واجبا بل قد يكون حقيقة الاستحباب، ولأنه لو كان واجبا لما
انفرد بنقله الواحد لأن البلوى به تكون عامة.
وأما النوافل فتنقسم إلى راتبة، وغيرها، ثم الراتبة إلى أهمية، ودونها،
ولنتكلم في الرواتب التابعة للفرائض، فالمشهور عندنا: ثلاث وعشرون ركعة،
قبل الفجر ركعتان، وقبل الظهر ثمان، وقبل العصر مثلها وبعد المغرب أربع، وبعد
العشاء ركعتان من جلوس بتشهد وتسليم تعدان بركعة.
قال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعده، وقبل
العصر أربع، وإن شئت ركعتان وركعتان بعد المغرب وأربع قبل العشاء وأربع
بعدها وإن شئت ركعتان.
وقال الشافعي: ركعتان قبل الفجر واثنتان قبل الظهر واثنتان بعده، وركعتان

1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 467.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 468.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 468.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 16 ح 1.
12

بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وبه قال أحمد لما روى ابن عمر قال: (حفظت
عن رسول الله صلى الله عليه وآله عشر ركعات) (1)، وعد كما ذكر الشافعي.
لنا ما رواه الفضيل بن يسار، والفضل بن عبد الملك، وبكير بن أعين، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من التطوع مثل الفرض، ويصوم
من التطوع مثل الفرض. (2)
وما رواه حنان قال: (سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي ثمان ركعات للزوال وأربعا للأولى وثمانيا
بعدها وأربعا للعصر وثلاثا للمغرب وأربعا بعدها والعشاء أربعا وثمانيا صلاة الليل
وثلاثا للوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين). (3)
فأما الركعتان من جلوس بعد العشاء فقد رواها جماعة منهم الحارث النصري،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وركعتين بعد العشاء كان أبي يصليهما وهو قاعد وأنا
أصليهما وأنا قائم) (4) وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام قلت: (إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع فبعض يصلي أربعا وأربعين
وبعض يصلي خمسين فقال: أنا أصلي واحدا وخمسين ثم عد بأصابعه حتى قال:
وركعتين من قعود يعدان بركعة من قيام). (5)
وما رواه الأصحاب مما ينقص عن ذلك ليس بمناف لأن الأمر بما لا يبلغ
هذا العدد لا ينافي الأمر بالزيادة، وكذا ما رواه الجمهور فإنه وإن قصر عما ذكرناه
غير مناف له إذ ليس فيما يستدلون به نهى عما زاد عليه فتكون الزيادة في أخبارنا

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 209.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 4.
3) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 9.
5) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 7.
13

سليمة عن المعارض.
لا يقال لو كان النبي صلى الله عليه وآله يفعل ما ذكرتموه لنقل لأنا نقول: وهل يراد أكثر
من نقل أهل البيت عليهم السلام على أن ما ذكروه لو لزم لما جاز لهم العمل بأكثر أخبار
الآحاد أصلا لأن أكثرها ينفرد الواحد بها، على أن النوافل قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصليها في منزله لقوله عليه السلام (عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في
بيته إلا الصلاة المكتوبة) (1) رواه مسلم.
وعنه عليه السلام قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي). (2)
وعلى هذا ربما خفيت لذلك ولا يمنع جواز اقتصاره عليه السلام على القدر الذي ذكروه
لأنها ليست واجبة فأمكن أن يقتصر الرسول صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات على ما فعلوه
فيتوهم المشاهد أن ذلك القدر هو الراتب، ولكن الأفضل ما نقله أهل البيت عليهم السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله.
أما صلاة الليل فالمشهور عندنا أنها إحدى عشرة ركعة ثمان صلاة الليل،
واثنتان الشفع، ثم يوتر بواحدة، وبه قال أحمد وزيد بن ثابت، وابن عباس،
وعايشة، وأبو حنيفة لكنه يجمع بين الثلاث الأخر بتسليمة واحدة يجعلها الوتر.
لنا ما رووه عن عايشة عن النبي صلى الله عليه وآله قالت: (كان يصلي ما بين أن يفرغ من العشاء
إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر فيها بواحدة) (3) ورووا
عنهما بلفظ آخر (كانت صلاته في شهر رمضان وغيره بالليل ثلاث عشرة ركعة منها
ركعتا الفجر) (4) وفي رواية منها الوتر وركعتا الفجر). (5)

1) صحيح البخاري ج 1 ح 213.
2) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ص 3002.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 17 ح 122.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 17 ح 127.
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 17 ح 128.
14

ومن طريق الأصحاب ما رواه سليم بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ثمان من آخر الليل، ثم الوتر ثلاث ركعات ويفصل بينهما بتسليم، ثم ركعتي
الفجر) (1) وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ومن الفجر ثمان
ركعات، ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثم ركعتان قبل صلاة الفجر). (2)
وسأل سعد بن سعد الأشعري أبا الحسن الرضا عليه السلام (الوتر فصل أو وصل؟
قال: فصل) (3) وفي رواية يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام إن شئت سلمت
في ركعتي الوتر وإن شئت لم تسلم) (4) وهذه الرواية متروكة عندنا.
ويجوز السعي في الحاجة، وأن يجدد الطهارة بعد التسليم ثم يرجع فيوتر
بالواحدة، ورووا عن نافع عن ابن عمر (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الوتر فقال:
أفصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم) إذا ثبت ما قلناه كانت الرواتب حينئذ أربعا
وثلاثين ركعة والفرائض سبع عشرة ركعة فتكمل إحدى وخمسين وهو تفصيل
ما رواه الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الفريضة والنافلة إحدى
وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة جالسا يعدان بركعة).
(5) مسألة: ويسقط في السفر نوافل الظهرين وهي: ست عشرة ركعة، وعليه
علماؤنا لأن قصر الفريضة تحتما يدل بالفحوى على كراهية التنفل.
ويؤيده ما رواه أبو يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يا بني لو صلحت
النافلة في السفر تمت الفريضة) (6) ولا ينتقض ذلك بالعشاء لأنا نسقط نافلتها وما

1) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 16.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 14 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 15 ح 12.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 15 ح 16.
5) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 21 ح 4.
15

قبلها نافلة المغرب وليس في المغرب قصر فكذا نافلتها.
وروى سيف التمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنما فرض الله على المسافر
ركعتين ليس قبلهما ولا شئ بعدهما إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك) وهذه
وإن دلت على الاقتصار على صلاة الليل فإنا نلحق بها أربع ركعات عقيب المغرب
وركعتي الفجر لما رواه الحرث بن المغيرة قال: قال: أبو عبد الله عليه السلام: (أربع ركعات
بعد المغرب لا تدعهن في سفر ولا حضر). (1)
ومثله روى أبو بصير (2) عنه وروى الحرث عنه عليه السلام أيضا (كان أبي لا يدع
ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر) (3) وعن الرضا عليه السلام (صل ركعتي
الفجر في المحمل) (4) وهل تسقط الركعتان من جلوس بعد العشاء سفرا؟ فيه
قولان، قال الشيخ في المصباح: نعم، وقال في النهاية: بالجواز.
لنا رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الصلاة في السفر ركعتان
ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب فإن بعدها أربع ركعات). (5)
وأما وجه الجواز فلما رواه الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام (إنما صارت
العشاء مقصورة وليس تترك ركعتيهما لأنها زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بهما بدل
كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع). (6)
مسألة: ركعتا الفجر أفضل من الوتر، وللشافعي قولان، لنا ما روى مسلم،

1) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 24 ح 8.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 24 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 25 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 24 ح 3.
5) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 24 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 29 ح 3.
16

عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (صلوهما ولو طردتكم الخيل) (1)
ورواه عن عايشة أنها قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله على شئ من النوافل أشد
معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح). (2)
ومن طريق الأصحاب عن علي عليه السلام في قوله تعالى (إن قرآن الفجر كان
مشهودا) (3) قال: ركعتا الفجر يشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار) (4) وليس
هذا حجة الأفضلية فقد روي عن الصادق عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فلا يتبين إلا بوتر) (5) ثم الركعات الأربع بعد المغرب لما رواه الحرث بن مغيرة،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في السفر ولا حضر
وإن طلبتك الخيل). (6)
ثم صلاة الليل لما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حدثني أبي عن
جدي، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: (قيام الليل صحة البدن، ورضى الرب،
وتمسك بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله، وتعرض لرحمته). (7)
عن فضل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السلام (إن البيوت التي يصلى فيها صلاة
الليل تضئ لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض). (8) وقال النبي صلى الله عليه وآله في
وصيته لأبي ذر (احفظ وصية نبيك من ختم له بقيام ليله ثم مات فله الجنة). (9)

1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 471.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ص 501.
3) سورة الإسراء: 78.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض باب 13 ح 19 رواه عن علي بن الحسين (ع)
5) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 3 ح 8.
6) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 24 ح 8.
7) بحار الأنوار ج 84 ص 144 (مع تفاوت).
8) بحار الأنوار ج 84 ص 154.
9) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 39 ح 24.
17

ويكره الكلام بين المغرب ونوافلها لما رواه أبو الفوارس قال: (نهاني أبو
عبد الله عليه السلام أن أتكلم بين الأربع التي بعد المغرب) (1) وينبغي أن يسجد للشكر بعد
السابعة لا بعد الفريضة لقول أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام (ما كان أحد من آبائي
يسجد إلا بعد السابعة) (2) ولو سجد بعد الفريضة جاز لما روي عن موسى عليه السلام
(أنه سجد عقيب الثالثة من المغرب وقال لا تدعها فإن الدعاء فيها مستجاب). (3)
والفضيلة في النوافل التسليم آخر كل ركعتين ليلا كان أو نهارا وبه قال
الشيخ في المبسوط والخلاف، واختاره الشافعي، وسوى أبو حنيفة من الاثنتين
والأربع والست والثمانية ليلا واقتصر على الاثنتين والأربع نهارا.
لنا ما رووا عن عايشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مفتاح الصلاة الطهور
وبين كل ركعتين تسليمة) (4) وعن البارقي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
(صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) (5) ولأن المنقول في تطوعاته عليه السلام ركعتان ركعتان،
وهل تجوز الزيادة على الاثنتين من غير تسليم؟ قال في المبسوط: لا، وقال في
الخلاف: إن فعل خالف السنة، وقال أبو حنيفة: بكراهية ما زاد على أربع نهارا،
وأجاز الشافعي ما شاء.
لنا أن الصلاة وظيفة شرعية فيقف تقديرها على مورد الشرع، ولأن تطوعات
النبي صلى الله عليه وآله مقصورة على الصلاة مثنى مثنى فيجب اتباعه فيه، وهل يجوز الاقتصار
على الواحدة؟ الأشبه لا، إلا في الوتر.
وبه قال الشيخ في الخلاف: وقال أحمد في إحدى الروايتين يجوز الاقتصار

1) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 30 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 31 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 31 ح 2.
4) سنن الترمذي ج 2 أبواب الصلاة ص 3 وعن ابن عمر ص 300.
5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 486.
18

على الواحدة لما روى قابوس عن أبيه قال: (دخل عمر المسجد فصلى ركعة فقيل له
إنما صليت ركعة؟ قال: هي تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص).
لنا أنه مخالفة للتقدير الشرعي فيكون منفيا ولما رووه عن ابن مسعود (أن
النبي صلى الله عليه وآله نهى عن البتيراء يعني الركعة الواحدة) وجواب ما رووه أنه حكاية فعل
عمر ومن الجايز أن يكون رأيا له فلا يعترض به على التوظيف المسنون.
ويستحب أن يقرأ في الأوليتين من صلاة الليل الحمد وقل هو الله أحد ثلاثين
مرة فقد روي (أن من قرأها يتنفل فليس بينه وبين الله ذنب) (1) وروي (في الأولى
بالإخلاص وفي الثانية بالحمد).
ويستحب التخفيف مع ضيق الوقت والإطالة مع السعة، ولو خشي الفجر
صلى ركعتين وأوتر بعدها ثم صلى ركعتي الفجر والغداة وقضى ما فاته، ولو طلع
الفجر اقتصر على ركعتي الفجر وصلى الغداة، وفي رواية (يقدم صلاة الليل). (2)
وهي نادرة نعم لو تلبس من صلاة الليل بأربع أتم وإن طلع لرواية محمد بن النعمان
عن أبي عبد الله عليه السلام (ولو نسي ركعتين من صلاة الليل وأوتر ثم ذكرهما قضاهما
وأعاد الوتر).
وأفضل ما يقرأ في ركعتي الفجر الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية بالحمد
وقل هو الله أحد رواه الجمهور عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله (3) ورويناه بطرق
عن أهل البيت عليهم السلام منها رواية يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (4) ويستحب
الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جانبه الأيمن وقراءة خمس آيات من آخر آل

1) بحار الأنوار ج 84 باب كيفية صلاة الليل ص 197 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 48 ح 3.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 726 ص 502.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 16 ح 2.
19

عمران والدعاء بالمروي، ولو سجد بدل الضجعة جاز، وعن أحمد بن حنبل ليس
الاضطجاع سنة.
لنا ما رووه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا صلى أحدكم
ركعتي الفجر فليضطجع) (1) وعن عايشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى ركعتي
الفجر اضطجع على شقه الأيمن). (2)
ومن طريق الأصحاب ما رواه سليمان بن خالد قال: (سألته عما أقول: إذا
اضطجعت على يميني بعد ركعتي الفجر فقال أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ خمس آيات
التي في آخر آل عمران وقل وساق الدعاء). (3)
وعن إبراهيم بن أبي البلاد قال: (صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام صلاة الليل
فلما فرغ جعل مكان الضجعة سجدة) (4) وقال الشيخ في التهذيب: ويجوز بدلا
من الاضطجاع السجدة، والمشي، والكلام إلا أن الاضطجاع أفضل، ولا يجوز
التنفل قبل المغرب، وذهب إلى جوازه قوم من أصحاب الحديث من الجمهور.
لنا أنه إضرار بالفريضة فلا يجوز ولما رواه سيف بن عمير، عن أبي بكر،
عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: (إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع) (5)
وعن أديم بن الحر عنه عليه السلام (لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة) (6) والأحاديث
التي يستدلون بها قد أطرحوها المحققون منهم فتكون ساقطة.
مسألة: صلاة الضحى غير مستحبة، وأطبق الجمهور على استحبابها، لما

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 415 (مع تفاوت).
2) البخاري كتاب الوتر ج 2 ص 31.
3) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 32 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 33 ح 7.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 35 ح 7.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 35 ح 6.
20

رواه أبو هريرة قال: (أوصاني خليلي بثلاث صيام، ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي
الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد) (1) ومثله عن (أبي الدرداء) (2) قالوا وأكثرها
ثمان، لرواية أم هاني (أنه صلى الله عليه وآله دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمانيا). (3)
لنا ما رووه عن عايشة قالت: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وآله يصلي الضحى قط). (4)
وروى مسلم أيضا عن عايشة قيل: (أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الضحى؟ قالت:
لا، إلا أن يجئ من مغيبه) (5). ولأن النبي صلى الله عليه وآله حريص على صلاة النوافل، فلو
كانت مشروعة لما خفي حالها عن نسائه فلا تنفرد به الواحدة.
وروى أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى أبي بكر قال: (رأى أبو بكر
ناسا يصلون الضحى، فقال: إنهم ليصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا عامة
أصحابه) (6) وقد قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (ما حدثني أحد أنه رأى رسول
الله صلى الله عليه وآله يصلي الضحى، إلا أم هاني). (7)
وروى الأصحاب عن علي عليه السلام (أنه أنكرها) (8) وروى زرارة، ومحمد بن
مسلم، والفضيل قالوا: (سألنا هما عن الصلاة في رمضان نافلة الليل جماعة فقال:
إن النبي صلى الله عليه وآله صعد على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس الصلاة بالليل
في شهر رمضان في النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة فلا تجمعوا في رمضان

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 13 ح 85.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 13 ح 86.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 13 ح 77.
4) سنن أبي داود كتاب الصلاة ص 398 (مع تفاوت).
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 13 ح 717.
6) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 45.
7) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 13 ح 80.
8) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 31 ح 3.
21

لصلاة الليل، ولا تصلوا الضحى فإن ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها
إلى النار). (1)
والجواب عما ذكروه أن رواية أبي هريرة، وأبي الدرداء معارضة برواية
عايشة، فإنه عليه السلام كان أكثر مقامه في بيتها، ويبعد أن يوصي أصحابه بما لا يهتم به،
ولأن ما ذكروه من الوصية أمر مطلق، فيحتمل التقييد بالعود من السفر، وقد روت
ذلك عايشة، ولا ينافي ذلك رواية أم هاني، لأنها أخبرت بفعله عند فتح مكة، ولا
يبعد أن يكون فعل ذلك شكرا لله على الفتح كما كان يفعله شكرا على السلامة عند
العود، ونحن نسلم استحباب صلاة الشكر، لا يقال: الصلاة خير موضوع، فتكون
مستحبة لأنا نقول: أما الإتيان بها باعتبار كونها نافلة مبتدأة فلا تمنع منه، أما إذا
فعلت مع اعتقاد مشروعيتها في هذا الوقت بالخصوصية فإنه يكون معتقدا بدعة،
والمنع ليس إلا مع هذا الاعتقاد.
مسألة: السواك مستحب، أمام صلاة الليل، وهو مذهب علمائنا، وروى
الجمهور عن ابن عباس قال: (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله فتسوك وتوضأ) (2)، وعن
عايشة قالت: (كنا نعد رسول الله صلى الله عليه وآله سواكه، وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه
ويتسوك، ويتوضأ، ويصلي). (3)
ويستحب التنفل، بين المغرب والعشاء زيادة عن الراتب بأربع، اثنتان ساعة
الغفلة واثنتان بعدها، وهو اتفاق علمائنا لما رواه الجمهور عن أنس بن مالك في
تأويل قوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) (4) قال: (كانوا يتنفلون ما بين

1) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 10 ح 1.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 26 ح 191.
3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الصلاة ص 30.
4) سورة السجدة: 16.
22

المغرب والعشاء ويصلون). (1)
ومن طريق الأصحاب عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام (يصلي
ركعتين يقرأ في الأولى الحمد ومن قوله (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) إلى قوله
(تنجي المؤمنين) وفي الثانية الحمد وعنده مفاتح الغيب إلى آخر الآية ثم
يدعو بدعائها ولا يسأل الله حاجته إلا أعطاه ما سأل). (2)
وروي عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: (أوصيكم بركعتين بين العشائين تقرء في الأولى الحمد، وإذا زلزلة ثلاث
عشرة مرة، وفي الثانية، الحمد مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، فمن فعل
ذلك في كل شهر كان من الموقنين، فإن فعل في كل سنة كان من المحسنين، فإن فعل
في كل جمعة كان من المصلحين، فإن فعل في كل ليلة زاحمني في الجنة، ولم يحص
ثوابه إلا الله تعالى). (3)
والتطوع جالسا جايز، ويستحب كل اثنتين بواحدة، ويسلم عقيب كل ركعتين
من جلوس، ولو احتسب كل ركعة قاعدا بركعة قائما جاز أيضا، والأول أفضل،
وهو إطباق العلماء، روى مسلم بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (صلاة الرجل قاعدا
نصب الصلاة) (4) ورووه عنه عليه السلام أيضا (من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا
فله نصف أجر القائم) (5) وعن عايشة قالت: (لم يمت النبي صلى الله عليه وآله حتى كان يصلي
كثيرا من صلاته وهو جالس) (6).

1) تفسير القرطبي ج 8 ص 5183.
2) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلاة المندوبة باب 20 ص 249.
3) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلاة المندوبة باب 17 ص 247.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 735.
5) صحيح البخاري ج 2 باب صلاة القاعد ص 59.
6) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 490.
23

ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا، قال يضعف ركعتين بركعة) (1)
يتربع في حال قرائته، ويثني رجليه في حال ركوعه.
وأسقط أبو حنيفة استحباب ذلك، قال: لأن مع سقوط القيام يسقط هيئته.
وليس حجة، لأن سقوط القيام للمشقة لا يستلزم سقوط ما لا مشقة فيه. وعن أنس
(أنه صلى متربعا فلما ركع ثنى رجليه) (2) وقيل لا يثني رجليه إلا حال السجود
لأن هيئة الرجلين لا تختلف في حال القيام والركوع، ومذهبنا الأول.
ويؤيده ما رواه حنان، عن أبيه سدير، عن أبي جعفر عليه السلام (ما أصلي النوافل
إلا قاعدا منذ حملت هذا اللحم) (3) والراويان واقفيان، لكنها مطابقة لأحاديث
صحيحة، وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قلت: (ما
تقول من صلى وهو جالسا من غير عذر كانت صلاته ركعتين بركعة؟ فقال: ليس
هو هكذا هي لكم تامة) (4). ولا طعن برواية ابن أبي حمزة، وإن كان واقفيا لوجود
ما يعضدها.
وأفضل من ذلك أن يقوم للركوع، ثم يجلس، لما رووا عن عايشة (أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام، فقرء، ثم ركع) (5) وفي
أخرى (كان إذا قرأ قائما ركع وسجد قائما، وإذا قرأ وهو قاعد، ركع وسجد
وهو قائم).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية حماد بن عيسى عن أبي الحسن

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 5 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 11 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 4 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 5 ح 1.
5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة باب 490.
24

قال: (إذا أردت أن تصلي وأنت جالس فاقرء وأنت جالس، فإذا كنت في آخر
السورة فقم، وأتمها، واركع، يحتسب لك بصلاة القائم) (1) وفي معناه رواية
زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (2) والوتر ركعة واحدة لما رووا عن ابن عمر، وابن
عباس، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (الوتر ركعة من آخر الليل). (3)
والقنوت فيها مستحب في جميع السنة، وهو قبل الركوع باتفاق الأصحاب
وقال الشافعي بعده. لنا ما رواه الجمهور عن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوتر فيقنت
قبل الركوع) وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله (قنت قبل الركوع). (5)
ومن طريق الأصحاب رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا نسي القنوت
فذكره، وقد أهوى للركوع فليرجع قائما فليقنت ثم ليركع وإن كان وضع يديه
على ركبتيه مضى في صلاته) (6) وليس فيه دعاء موظف، بل آكده الاستغفار، وقال
الشافعي: يدعو بما رواه الحسن بن علي عليه السلام قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله
كلمات أقولهن في دعاء الوتر وساق الدعاء). (7)
لنا ما روى إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما أقول في الوتر؟
قال: (ما قضى الله سبحانه على لسانك) (8) وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن
القنوت في الوتر هل فيه شئ موقت يتبع؟ فقال: لا، اثن على الله عز وجل، وصل

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 9 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 9 ح 1، إلا أنه رواها عن أبي جعفر (ع).
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 752 ص 518.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الإقامة باب 12 ح 1182 ص 374.
5) سنن ابن ماجة ج 1 ص 374 إلا أنه رواها عن أبي بن كعب.
6) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 15 ح 2.
7) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب إقامة الصلاة باب 116 ص 372.
8) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 9 ح 1.
25

على النبي صلى الله عليه وآله واستغفر لذنبك العظيم) (1) ولا حجة فيما ذكره الشافعي لأنه ليس في
الأمر به تعيينا فيكون الأمر به دعاء لا لخصوصية.
وعن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله تعالى:
(وبالأسحار هم يستغفرون) (2) قال: في الوتر في آخر الليل سبعين مرة) (3)
ويستحب الدعاء، بعد رفع الرأس من الركوع أيضا، لما رواه أحمد بن عبد العزيز
قال: (حدثني بعض أصحابنا قال: كان أبو الحسن الأول عليه السلام إذا رفع رأسه من آخر
ركعة الوتر، قال: هذا مقام من حسناته نعمة منك إلى آخر الدعاء).
ويجوز أن يدعو في قنوته على عدوه، وأن يسأل ما شاء، ويدل عليه ما رويناه
عن أبي عبد الله عليه السلام (حين سأله الفضل، ما أقول في الوتر؟ قال: ما قضى الله على
لسانك) (4) وما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تدعو في الوتر
على العدو، وإن شئت سميتهم، وتستغفر، وترفع يديك حيال وجهك وإن شئت
تحت ثوبك). (5)
المقدمة الثانية
[في المواقيت]
مسألة: لكل صلاة وقتان، أول، وآخر، فالأول للفضيلة، والآخر للجزاء
وبه قال: علم الهدى وابن الجنيد وقال الشيخان في المقنعة، والنهاية، والمبسوط

1) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 9 ح 2.
2) سورة الذاريات: 18.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 10 ح 7.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 9 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 13 ح 1.
26

والخلاف، الأول لمن لا عذر له، والثاني لمن له عذر لقول أبي عبد الله عليه السلام (لكل صلاة
وقتان وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا، إلا من عذر). (1)
لنا ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (أحب الوقت إلى الله تعالى، حين
يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل، فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس) (2) وما
ذكره الشيخ، يحمل على الفضيلة يدل عليه قوله عليه السلام (وأول الوقت أفضله) والمفاضلة
تقتضي الرجحان مع التساوي في الجواز وقوله عليه السلام (وليس لأحد أن يجعل آخر
الوقتين وقتا إلا من عذر) وسلب للجواز الذي لا كراهية فيه توفيقا بين اللفظتين.
مسألة: وأول وقت الظهر زوال الشمس، وهو إجماع العلماء ويدل عليه قوله
تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) (3) ودلوكها هنا هو الزوال، خلافا لابن مسعود.
ولا عبرة بخلافه لأنه منقرض. وروي عن ابن عباس أنه قال: (الدلوك هو الزوال) (4)
وعن عمران (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: دلوك الشمس زوالها). (5)
ويدل عليه أيضا ما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وآله: (أن رجلا سأله عن وقت
الصلاة، فقال: صل معنا فلما زالت الشمس، أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر) (6)
وعن أبي بريدة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي الهجير التي يدعونها الأولى حين
تدحض الشمس). (7)
ومن طريق الأصحاب كثير، منه ما رواه عيسى بن أبي منصور، عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 13.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 5.
3) سورة الأسرى: 78.
4) سنن البيهقي ج 1 ص 364.
5) سنن البيهقي ج 1 ص 364، إلا أنه رواها عن ابن عباس.
6) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد والصلاة السجود ح 613 ص 428.
7) صحيح البخاري ج 1 ص 144 إلا أنه رواها عن ابن برزة
27

عليه السلام (إذا زالت الشمس فصل سبحتك، فقد دخل وقت الظهر) (1) وعن منصور بن
حازم، عنه عليه السلام " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، إلا أن بين يديها سجة). (2)
ومن لم يصل النفل فالتعجيل له أفضل، وحكي عن مالك أنه قال أحب تأخير
الظهر حتى يصير الفئ ذراعا لما روي (أن حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامة فإذا
صار الفئ ذراعا صلى الظهر) لنا قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) والأمر
للوجوب ولأنه محافظة على الصلاة فكان أولى.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في الخبر الذي تلوناه
وعنه عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن وقت الصلاة أوله أفضل أو أوسطه أو آخره؟ فقال:
أوله قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله يحب من الخير ما تعجل). (3)
والجواب عن خبر مالك بالمعارضة برواية جبرئيل عليه السلام (4) وبما رووه عن
أبي بريدة وبما رووه عن جابر قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي الظهر بالهاجرة) (6)
وعن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل قال: كان النبي صلى الله عليه وآله قال لي: (عجل الصلاة
الأولى بعد أن تميل الشمس). ثم نقول: يمكن أن يكون الخبر محمولا على من
يصلي النافلة فإن التنفل جايز حتى يصير الفئ ذراعا فإذا بلغ ذلك صلى الظهر وترك
النافلة.
ويدل على ذلك ما رواه أحمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم
عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 5 ح 8.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 5 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 12.
4) التاج ج 1 كتاب الصلاة ص 141.
5) صحيح البخاري ج 1 كتاب المواقيت ص 144 إلا أنها رواها عن أبي برزة.
6) صحيح البخاري ج 1 كتاب المواقيت ص 143.
28

حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة، فإذا مضى من فيئه ذراعا صلى الظهر، فإذا مضى
ذراعان صلى العصر، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: أتدري لم جعل الذراع، والذراعان؟
قال: لمكان الفريضة لك، أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ
فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة، فإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة
وتركت النافلة). (1)
مسألة: والصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا، وهو اختيار الشيخ في
التهذيب والمبسوط والخلاف وابن أبي عقيل وكثير من الأصحاب وقال في الخلاف:
ومن الأصحاب من أوجبها مضيقا، وقال المفيد (ره) في المقنعة: إن أخرها ثم
اخترم في الوقت قبل أن يؤديها في آخر الوقت كان مضيعا لها، وإن بقي حتى يؤديها
في آخر الوقت وفيما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه وفي هذا فحوى التضييق.
وقال: في مسألة المواقيت إن أخرها لغير عذر كان عاصيا، ويسقط عقابه لو
فعلها في بقية الوقت، وحكي عن أبي حنيفة أنها لا تجب إلا في آخر الوقت لأن
المكلف مخير قبل ذلك والتخيير ينافي الوجوب.
لنا قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس) (2) والأمر للوجوب ويدل
على اللغة، قوله تعالى (إلى غسق الليل) وما روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله
(أن جبرئيل صلى به في اليوم الثاني، حين صار ظل كل شئ مثله قال: وما بينهما
وقت). (3)
وما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله). (4)

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 3 و 4 (مع تفاوت).
2) سورة الأسرى: 78.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 364.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 11.
29

وما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له: يكون أصحابنا مجتمعين
في المكان، فيقوم بعضهم يصلي الظهر، وبعضهم يصلي لعصر؟ قال: كل واسع) (1)
وعن محمد بن مسلم قال: (ربما دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقد صليت الظهر،
والعصر، فيقول: صليت الظهر؟ فأقول نعم والعصر، فيقول: ما صليت الظهر فيقوم
مسترسلا غير مستعجل فيغتسل، أو يتوضأ ثم يصلي العصر). (2)
وجواب ما ذكر أبو حنيفة أنا نقول لا نسلم أن التخيير ينافي الوجوب إنما
ينافي الوجوب المضيق، أما الموسع فلا، أما للعزم على أدائه، أو الإتيان به في
شئ من الوقت وتحقيق ذلك في الأصول.
مسألة: وآخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله، ثم يمتد وقت الإجزاء
حتى يبقى للغروب قدر أربع ركعات فيختص الوقت للعصر. وبهذا قال علم الهدى
في الجمل، وابن الجنيد وهو قول عطا وطاوس.
وقال الشيخ في الخلاف والجمل: للمختار حتى يصير ظل الشخص مثله
ثم يخرج وقت الاختيار، ويبقى وقت الاضطرار كما قلناه وهو مذهب الشافعي،
وفي بعض رواياتنا إلى أربعة أقدام، وهي أربعة أسباع الشخص، وبه قال الشيخ (ره)
أيضا في موضع من التهذيب وهو اختيار علم الهدى في المصباح، وقال أبو حنيفة:
آخره إذا صار ظل كل شئ مثليه، (لأنه عليه السلام أمر بلا لا أن يؤذن للظهر في اليوم
الثاني والشمس بيضاء مرتفعة). (3)
لنا قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) (4) والغسق:

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 7 ح 8.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 7 ح 10.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة ح 613 ص 428.
4) سورة الأسرى: 78.
30

الظلمة بالنقل عن أئمة اللغة والتفسير، والظاهر أن الغاية والبدأة لصلاة واحدة. لا
يقال: لو كان كذلك لم يبق للعصر وقت لأنا نمنع ذلك ونقول: جواز فعل العصر
بمعنى أنه يصح نسبته ما عدا وقت الاختصاص إليهما، ولأنهم أجمعوا على استحباب
الأبراد بالظهر.
رووا عن أبي ذر (أن النبي صلى الله عليه وآله قال للمؤذن أبرد حتى رأينا في التلول) (1).
وهذا لا يكون إلا بعد تجاوز المثل ولأن الحائض تؤدي الظهر والعصر إذا طهرت
قبل أن تغرب الشمس، ذهب إليه طاوس، ومجاهد، والنخعي، والزهري، وربيعة
ومالك، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبو ذر، وأحمد بن حنبل.
ورواه الأثرم وابن المنذر بإسنادهما عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن
عباس قالا (في الحائض إذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر
جميعا) (2) ومثل ذلك لا يقال إلا توقيفا ومثله روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام وداود الجرجاني، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (3)، ولو خرج الوقت ببلوغ
المثل، لما وجب الأداء، ولا القضاء، لأن العذر يكون مستوعب الوقت، كما لو
طهرت بعد الغروب.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (أحب
الوقت إلى الله عز وجل أوله، حين يدخل وقت الصلاة، فإن لم تفعل فإنك في وقت
منهما حتى تغيب الشمس). (4)
احتج الشافعي: بما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أمني جبرئيل

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة ح 616 ص 431.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 386 و 387.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 11.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 5.
31

عليه السلام عند البيت مرتين ففي الأولى صلى الظهر حين كان الفئ مثل الشراك، والعصر
حين صار ظل كل شئ مثله، والمغرب حين وجبت الشمس، والعشاء حين غاب
الشفق، والفجر حين برق الفجر، وفي الثانية صلى الظهر حين صار ظل كل شئ
مثله، والعصر حين صار ظل كل شئ مثليه، والمغرب لوقته الأول) (1) وفي رواية
بريدة (حين غاب الشفق ثم صلى الآخرة حين ذهب ثلث الليل وقال: يا محمد هذا
وقت الأنبياء من قبلك والوقت فيما بين هذين). (2)
ومثل ذلك روى أصحابنا عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام (قال أتى
جبرئيل عليه السلام بالمواقيت فأمر النبي عليه السلام أن يصلي الظهر حين زالت الشمس، والعصر
حين زاد الظل قامة، والمغرب حين غربت الشمس، والعشاء حين سقط الشفق،
ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره النبي صلى الله عليه وآله فصلى الظهر، ثم لما زاد قامتين
أمره فصلى العصر، ثم لما غربت الشمس أمر فصلى المغرب والعشاء حين ذهب
ثلث الليل وقال ما بينهما وقت). (3)
ويمكن أن يحتج الشيخ بذلك وبما رواه محمد بن حكيم قال (سمعت
العبد الصالح يقول: أول وقت الظهر زوال الشمس، وأخر وقتها قامة من الزوال،
وأول العصر قامة، وآخر وقتها قامتان قلت: في الشتاء والصيف؟ قال: نعم) (4)
وعلى القول الآخر له ولعلم الهدى ما رواه إبراهيم الكرخي، عن موسى عليه السلام
قلت: (متى يخرج وقت الظهر؟ قال: بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام قلت:
فمتى يدخل وقت العصر؟ قال: إن آخر الظهر هو أول العصر) (5) وما رواه الفضيل
ابن يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحائض تطهر بعد مضي أربعة أقدام

1) سنن البيهقي ج 1 ص 364.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 364.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 32.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 10 ح 5.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 32.
32

قال: لا يجب عليها قضاء الظهر لأن الوقت دخل وهي حائض وخرج وهي حائض) (1)
والجواب عن رواية جبرئيل عليه السلام أن وصف ذلك بكونه وقتا وكون ما بينهما
وقتا لا يدل على نفي ما زاد إلا بدليل الخطاب وهو متروك، على أنا ننزله على وقت
الفضيلة لقوله عليه السلام: (يا محمد هذا وقت الأنبياء قبلك) (2) لأن من شأن الأنبياء
الاهتمام بالعبادات ومن المكروه أن يترك النبي صلى الله عليه وآله الصلاة من غير عذر حتى
يتجاوز ذلك القدر والبحث ليس إلا في التحريم وفوات وقت الأداء، والخبر لا
يدل على أحدهما.
وأما استدلال الشيخ بخبر ابن حكيم، وإبراهيم الكرخي فإنهما يدلان على
كون ذلك آخر وقت الظهر مطلقا ولا يدل أحدهما على الاختيار، فليس حملهما
على ذلك بأولى من حملها على الفضيلة فكأنه قال: آخر وقت الظهر الأفضل قامة
أو أربعة أقدام.
على أن في رواية الكرخي ما أجمع الأصحاب على خلافه وهو قوله (إن
آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر) والمعلوم أن أوله عند الفراغ منها لا بعد
مضي أربعة أقدام، ثم نقول: الدليل على إرادة الفضيلة ما رواه عبيد بن زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن
هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغرب الشمس). (3)
ومثله روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وعنه في أخبر آخر (فإن لم تفعل فإنك
في وقت منهما جميعا حتى تغرب الشمس) (4) وهذا اللفظ نص على الاختيار، ولو قال:

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 364.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 4 ح 5.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 5.
33

يحمل على العذر بما رواه جماعة منهم عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا
في عذر) (1) قلنا: المراد منه الكراهية لا التحريم.
ودل على ذلك قوله (وأول الوقت أفضله) ولو كان التأخير عن أول الوقت
محرما لما كان أفضل بل كان واجبا، ثم يعارض بما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب
الشمس) (2) فيكون الترجيح لما ذكرناه لأنه أخف حكما.
وأما خبر الفضل فضعيف لأنه واقفي فتكون الأخبار التي ذكرناها أرجح
لسلامة سندها ولرجحان رواتها في العدالة، ولأنه تضمن ما ذكر أكثر فقهائنا على
خلافه، فإن الشيخ (ره) قال في الخلاف ما صورته من أدرك قدر ما يصلي خمس
ركعات قبل الغروب لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقل من ذلك لم تلزمه
الظهر عنده ولو خرج الوقت يمضي أربعة أقدام لما ثبت هذا الحكم.
فإن قيل قد ذكر في التهذيب أن العذر إذا استمر حتى مضى أربعة أقدام من
الزوال لم تجب الظهر قلنا: قصد بذلك التوفيق بين خبر الفضل بن يونس وغيرها
مما رواه جماعة عن أبي عبد الله عليه السلام وعن موسى عليه السلام وعن الرضا عليه السلام (أن الحائض
إذا طهرت قبل الغروب وجب عليها الصلاتان) والنقل به كثير والكثرة أمارة الرجحان
فيسقط خبر الفضل لمرجوحيته فلا يفتقر إلى التأويل، فإذا الصواب ما قلناه.
واعترض بعض المتأخرين على قول أصحابنا (إذا زالت الشمس دخل وقت
الصلاتين) وزعم أن الحذاق وأصحاب البحث ينكرون هذا اللفظ من حيث إن
الظهر يختص بمقدار أربع ركعات فلا يشترك الوقتان إلا بعد قدر إيقاع الظهر، لأنه

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 13.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 10. 9
34

ما درى أنه نص من الأئمة عليهم السلام أو درى وأقدم.
وقد رواه زرارة، وعبيد، والصباح بن سيابة، ومالك الجهني، ويونس
من العبد الصالح عن أبي عبد الله عليه السلام ومع تحقق كلامهم يجب الإعشاء بالتأويل لا
الإقدام بالطعن، على أن فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به أفترى؟ لم يكن فيهم
من يساوي هذا الطاعن في الحذق. ويمكن أن يتأول ذلك من وجوه:
أحدهما: أن الحديث تضمن (إلا أن هذه قبل هذه) وذلك يدل على أن المراد
بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص.
الثاني أنه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل أي وقت فرض وقوعها فيه أمكن
فرض وقوعها فيما هو أقل منه، حتى لو كانت الظهر تسبيحة كصلاة شدة الخوف
كانت العصر بعدها، ولأنه لو ظن الزوال فصلى ثم دخل الوقت قبل إكمالها بلحظة
أمكن وقوع العصر في أول الوقت إلا ذلك القدر فلقلة الوقت وعدم ضبطه كان التعبير
عنه بما ذكر في الرواية الخص العبادات وأحسنها.
الثالث: أن هذا الإطلاق يفيد في رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى قدر أربع
ركعات دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس قدر أربع ركعات فيخرج
وقت الظهر ويبقى للعصر حتى تغرب الشمس) (1) وأخبار الأئمة وإن تعددت في
حكم الخبر الواحد.
مسألة: وأول وقت العصر عند الفراغ من فرض الظهر وهو إجماع علمائنا
والمحكي عن ربيعة، وأطبق الباقون على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يخرج وقت
الظهر، لما رووه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (أول وقت الظهر زوال

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 4 ح 7.
35

الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر). (1)
وبه رواية عن أهل البيت عليهم السلام رواها يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا تزال في وقت الظهر حتى يصير الظل قامة وهو آخر الوقت، فإذا صار الظل قامة
دخل وقت العصر) (2) ورواية الكرخي (3) تدل عليه أيضا.
لنا ما رواه البخاري عن أبي أمامة قال: (صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر
ثم دخلنا على أنس وهو يصلي العصر فقلنا: يا أبا عمر ما هذه الصلاة؟ قال العصر وهذه
صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله التي كنا نصلي معه) (4) لا يقال لعلها بعد أن صار الظل مثل
الشخص، لا نا نقول: لو كان كذلك لم حصل التعجب منه، ولا السؤال لأن أئمة
الصلاة من شأنهم الاهتمام في أول الوقت، أو مقاربه فيكون العصر المسؤول
عنها وقعت في وقت الظهر.
وروى مالك (أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الصلاتين في الحضر) (5) وهو دليل
الجواز، ولا تحمل ذلك على أنه فعل الظهر في آخر وقتها، والعصر في أوله، لأن
ذلك لا يكون جمعا، ولأنه يصح الجمع بينهما في السفر، ويحق النسك ولو لم يكن
ذلك وقتا لهما لما جاز ذلك، كما لا يجوز الجمع بين صلاة العصر والمغرب في وقت
إحديهما.
ورووا عن ابن عباس أنه قال: (ألا أخبركم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر؟
كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في مكان الزوال، وإذا

1) سنن البيهقي ج 1 ص 376.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 10 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 32.
4) صحيح البخاري ج 1 ص 144.
5) سنن البيهقي ج 3 كتاب الصلاة ص 166.
36

سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينهما وبين العصر في وقت العصر). (1)
وما رووا عن أحمد بن حنبل بسنده عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين
الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا سفر (2) وفي لفظ آخر (من
غير خوف ولا مطر) (3) قيل لم فعل ذلك؟ قال: لئلا يحرج أمته). (4)
ومن طريق أهل البيت ما رواه عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس الظهر والعصر، حين زالت الشمس في جماعة
من غير علة). (5)
وما رواه صباح، وسفيان ابن النمط، ومالك الجهني، وزرارة، وعبيد عن
أبي عبد الله عليه السلام، ويونس عن عبد الصالح (إذا زالت الشمس، فقد دخل وقت
الصلاتين) (6) فإن قيل: العصر هو العشاء وبه سميت صلاة العصر فلا تقدم قبله،
قلنا: العشاء من الزوال إلى الليل، ذكر ذلك جماعة منهم الجوهري قال: العصران
الغداة، والعشاء.
وقال الهروي: العشاء، ما بعد زوال الشمس إلى غروبها، وصلاة العشاء
صلاة الظهر والعصر. وقال الجوهري: أيضا. وقال قوم: إن العشاء من زوال الشمس
إلى طلوع الفجر. وما روي من طرقهم وطرقنا مخالفا ما ذكرنا محمول على الفضيلة،
أو لمن يصلي النوافل لتسلم الأحاديث عن التنافي.
مسألة: آخر وقت العصر للفضيلة حتى يصير الفئ قامتين، والإجزاء ما لم
تغرب الشمس وهو اختيار علم الهدى في الجمل وابن الجنيد.

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الصلاة ص 163 (مع تفاوت).
2) مسند أحمد بن حنبل 1 ص 283.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 6 ح 54 ص 491.
4) مسند أحمد بن حنبل 1 ص 283.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 4 ح 6.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 4 ح 8 و 9 و 11 و 10 و 1 و 5.
37

وقال الشيخ في الجمل وفي المبسوط والخلاف إذا صار ظل كل شئ مثليه
للمختار، وللمعذور إلى الغروب. وبه قال الشافعي وقال علم الهدى في المصباح: يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة مثل ستة أسباعه للمختار. وقال أبو حنيفة: إن
تصفر الشمس لما رواه عبد الله بن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وقت العصر
ما لم تصفر الشمس). (1)
لنا قوله تعالى (أقم الصلاة طرفي النهار) (2) وكما أن أحد طرفيه أول جزء
منه يكون الطرف الآخر آخر جزءا، وقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل). (3)
لا يقال: يحمل على المقاربة لأنا نقول: ذلك خلاف الظاهر ولا يقال يحمل
على المعذور لأنه أول التشريع، ولا يحمل الإطلاق على النادر، لما رووه عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
فقد أدرك العصر). (4)
ومن طريق الأصحاب ما رواه معمر بن يحيى قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: وقت العصر إلى غروب الشمس) (5) وما يذكرونه من الأخبار لا حجة فيه
لأنه لا يمتنع أن يكون ما دلت أخبارهم وقتا، وما دلت دلائلنا عليه زيادة عن
ذلك الوقت فلا منافاة.
فإن احتج الشيخ برواية الكرخي عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: (كما أن رجلا

1) سنن البيهقي ج 1 ص 366.
2) سورة هود: 114.
3) سورة الأسرى: 78.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة ح 608 ص 424.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 9 ح 13.
38

لو أخر العصر إلى قرب أن تغيب الشمس لم يقبل منه) (1) وما روى ربعي، عن
أبي عبد الله عليه السلام (إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال: من أخطأ وقت الصلاة فقد
هلك، فإنما الرخصة للناسي، والمريض، والمدنف، والمسافر، والنائم). (2)
فالجواب: إنما ذكره تمسك بخبر الواحد في تقييد ما دل القرآن على
إطلاقه، وتنزيله على تأكيد الفضيلة أولى ليبقى الدليل القرآني على إطلاقه، والأخبار
التي تلوناها.
ثم يؤيد ذلك قوله عليه السلام في حديث ربعي (إنا لنقدم ونؤخر) ولا يريد مع
العذر لأن ذلك لم يقل بالهلاك معه أحد، ولأنه تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله بإقامة الصلاة
(للدلوك إلى الغسق) وهو ظلمة الليل، وهو عليه السلام لم يكن مضطرا في حال هذا
الخطاب فيسقط اختياره.
وإن احتج علم الهدى بما رواه محمد بن علي بن محبوب، عن العبيدي،
عن سليمان بن جعفر، عن الفقيه عليه السلام (آخر وقت العصر ستة أقدم ونصف). (3)
فالجواب: أنه غير مانع من الزيادة وقد وجدت الدلالة عليها، وفي رواية
ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (العصر على ذراعين،
فمن تركها حتى يصير إلى ستة أقدام فذلك المضيع) (4) قلنا: يمكن أن يراد تضييع
الفضيلة، فإن أفضل الوقت أوله وكلما قرب من الأول كان أفضل مما يليه.
ودل على ذلك اختلاف الأحاديث في الحث، فإن منها ما تضمن قدمين،
ومنها ما تضمن أربعة أقدام، وستة أقدام، وأول الغروب وهذا الاختلاف دلالة الترخيص

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 32.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 7 ح 7.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 9 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 9 ح 2.
39

وأمارة الاستحباب.
مسألة: أول وقت المغرب عن غروب الشمس، وهو إجماع العلماء، وآخره
للفضيلة إلى ذهاب الشفق، والإجزاء إلى أن يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء وفي
رواية إلى ربع الليل وبه قال علم الهدى في الجمل وابن الجنيد في المختصر ويمتد
وقت المضطر حتى يبقى للفجر قدر العشاء، وقال عطا وطاوس: يمتد وقتها إلى
طلوع الفجر. وبه رواية عن مالك.
وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: آخره للمختار إلى ذهاب الشفق،
وللمضطر كما قلناه وبه قال علم الهدى في المصباح، وابن أبي عقيل، وهو مذهب
أبي حنيفة، وأحمد لما روى عبد الله بن عمر قال: (إن النبي صلى الله عليه وآله قال: وقت المغرب
ما لم يغيب الشفق) (1) ورووا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إن للصلاة أولا
وآخرا، وأول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وآخر وقتها حين يغيب الأفق). (2)
وللشافعي قولان: أحدهما كقول أبي حنيفة، والآخر ليس لها إلا وقت واحد
لأن جبرئيل عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وآله في اليومين أن يصليها حين غربت الشمس ورووه
عن ابن عباس ورويناه نحن عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام. (3)
لنا ما رواه ابن المنذر، وغيره، عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس
قالا في الحائض (تطهر قبل طلوع الفجر تصلي المغرب والعشاء) (4) ولو لم يكن
الوقت ممتدا لما وجب لأن عذرها يكون شاملا للوقت، كما لا يجب لو طهرت بعد
الفجر، وهو دليل امتداد وقت الضرورة.

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 باب 210.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 232.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 10 ح 5.
4) سنن البيهقي ج 1 ص 387.
40

وأما وقت الإجزاء لغير المضطر، فلأن وقت العشاء إلى انتصاف الليل، فيكون
المغرب مساوية لها لأنهما صلوتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر والعصر، ولأن وقت
الظهر ممتد مع وقت العصر ما لم يتضيق، فيمتد وقت المغرب كذلك لعدم الفارق.
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه) (1)
وعنه، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل) (2) قال: إن الله تعالى افترض أربع صلوات صلاتان أول وقتهما من عند
الزوال إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه واثنتان أول وقتهما غروب الشمس إلى انتصاف
الليل إلا أن هذه قبل هذه). (3)
والجواب عما ذكروه من الأحاديث: أن نحملهما على آخر وقت الفضيلة،
توفيقا بين الروايات، ويؤيده ما رواه داود الصرمي قال: (كنت عند أبي الحسن الثالث
عليه السلام يوما فجلس يحدث حتى غاب الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما
خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب، ثم دعا بالماء
فتوضأ وصلى) (4) ولا تحمل على الضرورة، إذ ليس هناك أمارة الاضطرار، ولا
يستحب تأخير المغرب. وفي بعض رواياتنا (تؤخر حتى تظهر النجوم وقد أنكرها
الصادق عليه السلام ونسبها إلى كذب أبي الخطاب) (5) فهي إذا متروكة.
والجواب عما احتج به الشافعي لأحد قوليه أن نقول: ما دلت عليه رواية ابن
عباس لا يمنع من الزيادة وقد روي ما يدل على امتداد المغرب إلى سقوط الشفق من

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 24.
2) سورة الأسرى: 78.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 10 ح 4.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 11 ح 10.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 18 ح 18.
41

ذلك رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله (أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وآخره
حتى يغيب الأفق) (1) وفي رواية عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله (وقت المغرب ما
لم يغب الشفق). (2)
مسألة: أول وقت العشاء إذا مضى من الغروب قدر صلاة المغرب، لكن
الأفضل تأخيرها حتى يسقط الشفق المغربي، وتكره قبل ذلك إلا مع العذر، وهو اختيار
علم الهدى في الجمل وابن الجنيد.
وقال الشيخ في المبسوط والخلاف أول وقتها سقوط الشفق وهو قول علم
الهدى في المصباح وإجماع من خالفنا لرواية ابن عباس (أن جبرئيل أمر النبي صلى الله عليه وآله
أن يصلي العشاء حين غاب الشفق، وفي المرة الثانية حين ذهب ثلث الليل) (3) ومن
طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام (أن جبرئيل عليه السلام أمر النبي
صلى الله عليه وآله وقال: مثل ذلك). (4)
لنا رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام وقد ذكرناها (5) وما رواه زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله المغرب والعشاء قبل الشفق من غير
علة في جماعة) (6) وروى سعيد بن حمير، عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين
المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر) (7) وعنه في رواية أخرى (من غير خوف

1) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 232.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ومواضع الصلاة ح 173 ص 427.
3) التاج ج 1 كتاب الصلاة ص 142.
4) الوسائل ج أبواب المواقيت باب 16 ح 10.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 24.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 22 ح 2.
7) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 32 ح 4.
42

ولا مطر) (1) وجواب ما ذكروه تنزيله على الاستحباب، ولا منافاة على هذا التقدير.
مسألة: آخر وقت العشاء للفضيلة إلى ثلث الليل، وللإجزاء إلى انتصاف الليل، وهو مذهب علم الهدى، وابن الجنيد، وقال الشيخ في الخلاف الأظهر بين
أصحابنا إلى ثلث الليل وعن الشافعي مثل القولين، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر
وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال: أبو حنيفة: يمتد إلى طلوع الفجر، وهو قول مالك لقول النبي صلى الله عليه وآله
(ليس التفريط في النوم، وإنما التفريط في اليقظة) (2) وهو أن يؤخر الصلاة حتى
يدخل وقت الأخرى وهذا يدل على أنه لا يكون عاصيا بتأخيرهما إلى قبل طلوع الفجر
واستدل الشيخ بأن الثلث مجمع على توقيته ويقتصر عليه أخذا بالمتيقن.
لنا ما رواه البخاري، عن أنس قال: (أخر رسول الله صلى الله عليه وآله العشاء إلى نصف
الليل) (3) وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لولا ضعف الضعيف، وسقم
السقيم، لأمرت بهذه الصلاة أن تؤخر إلى شطر الليل) (4) والشطر هو النصف وهو
يدل على الجواز إن لم يدل على الرجحان.
ومن طريق الأصحاب ما رواه بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أول
وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها غسق الليل وهو نصف الليل) (5) وما ذكره
أبو حنيفة لا يمكن تنزيله على العموم، لأن صلاة الصبح لا تؤخر حتى يدخل أخرى
فيحمل على صلاة الجمع كالظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء.
ثم ما ذكروه يعارض بما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 6 ح 54 ص 491.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 305.
3) صحيح البخاري باب مواقيت الصلاة وفضلها ص 150.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الصلاة باب 8 ص 226.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 6.
43

الله صلى الله عليه وآله: (لولا أخاف أن أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل، وأنت في
رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق، نادى ملكان من رقد عن
الصلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه) (1) والوعيد دليل المنع، ويحمل
ما ذكره على حال الضرورة، توفيقا بين الأحاديث.
وجواب حجة شيخنا أبي جعفر نسلم له أو الثلث على اليقين، لكن ما زاد
أيضا يقين مع وجود الدلالة التي أشرنا إليها، وأما أن وقت الاضطرار ممتد ما لم يطلع
الفجر ففيه لنا روايات منها:
ما روي عن أبي بصير، وابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن نام رجل
ولم يصل صلاة المغرب والعشاء، ثم استيقظ قبل الفجر، قدر ما يصليهما فليصلهما
وإن خشي أن تفوته إحديهما فليبدأ بالعشاء الآخرة) (2) وما روى ابن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إذا طهرت المرأة من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء) (3)
ومثل معناه عن داود الجرجاني عن أبي عبد الله عليه السلام.
مسألة: أول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني وهو البياض المنتشر في الأفق
ويسمى الصادق لأنه يصدقك عن الصبح يسمى صبحا من قولك رجل أصبح إذا جمع
لونه بياضا وحمرة، ولا اعتبار بالأول المسمى (ذنب السرحان) لخروجه مستدقا
صاعدا في الأفق كذنب الذئب.
وعلى ما ذكرناه إجماع أهل العلم وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ركعتي الصبح إذا عرض الفجر ضاحيا) (4)
وروى

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 17 ح 7.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 62 ح 3 و 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 10.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 27 ح 5.
44

الحصين بن أبي الحصين قال: (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام إن رأيت أن تعلمني أفضل
الوقتين، فكتب بخطه الفجر هو الخيط الأبيض وليس هو الأبيض صعدا ولا تصل
في سفر، ولا حضر حتى تبينه وآخر وقته طلوع الشمس) (1) وهو اختيار علم الهدى
وابن الجنيد، وقول أبي حنيفة.
وقال الشيخ في الخلاف: للمختار إلى أن يستقر الصبح، وللمضطر إلى طلوع
الشمس وهو قول الشافعي وأحمد وقال: ابن أبي عقيل منا: آخره أن تبدو الحمرة
فإن تجاوز ذلك دخل في وقت الأخير.
لنا ما رووه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله (وقت الفجر ما لم تطلع الشمس) (2)
وعن أبي هريرة عنه (ع) (أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وآخر وقتها حين
تطلع الشمس) (3) وروى أبو داود، عن أبي موسى عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه بدأ
وأقام الفجر حين النشق حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه ولا يعرف من إلى
جنبيه فلما كان الغد صلى الفجر وانصرف فقلنا: قد طلعت الشمس) (4) وعن النبي.
صلى الله عليه وآله (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها) (5).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (وقت الغداة
ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) (6) فإن احتج الشيخ بما رواه أبو بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: متى يحرم على الصائم الطعام؟ فقال: إذا كان الصبح
كالقبطية البيضاء فقلت: متى تحل الصلاة؟ قال: إذا كان كذلك فقلت: ألست في

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 28 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 13.
3) الموطأ ج 1 كتاب وقوت الصلاة باب 3 ص 10. والوسائل ج 2 أبواب المواقيت باب 30 ح 4.
45

وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: لا إنما نعدها صلاة الصبيان)
(1) وعن ابن سنان لكل صلاة وقتان، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من
عذر أو علة ". (2)
فالجواب: إنما نحمل التعجيل على الفضيلة، والتأخير على الجواز توفيقا
بين الحديثين، وقد صرح الشيخ بذلك في تهذيب الأحكام قال: " إنا لا نريد بالجواب
هنا ما يستحق به العقاب، لأن الوجوب على ضروب، منها: ما يستحق بتركه العقاب،
ومنها: ما يكون الأولى فعله، ولا يستحق بالإخلال به العقاب وإن استحق ضربا من
اللوم.
مسألة: ويستقر به الوجوب بأن يمضي من أول الوقت قدر الطهارة، وفعل
الفريضة، ولا يستقر بدونه، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف، وبه قال
الشافعي، وقال أحمد: يستقر بإدراك جزء منها لأنها صلاة وجبت أداءا فوجبت قضاءا
كالتي أمكن أداؤها.
لنا أنه لم يدرك الأداء فلم يجب القضاء، وجواب ما ذكره أنا لا نسلم وجوبها،
وإنما تجب لو وسعها الوقت وإلا لكان التكليف بها تكليفا بما لا يطاق.
واستدل الشيخ على ما قلناه بإجماع الفرقة، وكذا قال: لو لحق من أوله مقدار
ثماني ركعات لزمه الصلاتان لاشتراك الوقتين، أما لو أدرك من آخر الوقت ركعة
وجبت أداءا ومع الإخلال قضاءا ولا تجب بدونها، وقال أبو حنيفة: يدركها ولو
بتكبيرة الإحرام وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
لنا قوله عليه السلام: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " (3) وقوله عليه السلام:

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 28 ح 2
2) الوسائل 3 ج أبواب المواقيت باب 3 ح 13
3) الموطأ ج 1 كتاب وقوت الصلاة باب 3 ص 10. والوسائل ج 2 أبواب
المواقيت باب 30 ح 4.
46

" من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " (1) والتقييد
دليل الاقتصار.
فروع
الأول: قال الشيخ في المبسوط: إذا أدرك من الصلاة آخر الوقت ركعة
فما زاد كان مؤديا لجميعها وفي الأصحاب من قال: يكون قاضيا، ومنهم من قال:
يكون قاضيا لبعضها، والأول هو الحق لقوله عليه السلام (من أدرك ركعة من الوقت فقد
أدرك الوقت). (2)
الثاني: قال (ره): لو أدرك من آخر العصر أربعا فقد فات الظهر، وتعيين
العصر ولو أدرك خمسا فقد أدرك الصلاتين، ويشترط السعة للطهارة.
الثالث: قال أيضا: المجنون، والمغى عليه، والذي يبلغ، أو يسلم حكمه
حكم الحائض.
الرابع: قال: متى أفاق المجنون، أو المغمى عليه قبل آخر الوقت بركعة
وجب عليه الصلاة، ولو عاد إليه الجنون قبل انقضاء الوقت، أو عند الانقضاء لم
يلزمه القضاء، لأنه لم يلحقه جميع الوقت الذي يمكنه أداء ركعة من الفرض فيه.
الخامس: قال: إذا بلغ الصبي في أثناء الصلاة بما لا يفسدها أثم، وإن
بلغ بما ينافيها استأنف من رأس.

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 30 ح 5.
2) ولعل المصنف (ره) أبدل كلمة الصلاة بالوقت وإلا فالموجود في الخلاف من
أدرك ركعة من الصلاة)، مع أنا لم نعثر على رواية بهذا اللفظ لا في طرقنا ولا في طرق
العامة وكتبهم كصحاح الست والسنن والموطأ، نعم يحتمل أن يكون فيما بيديه من الأصول
الأربعمائة رواية بهذا اللفظ.
47

مسألة: وقت نافلة الظهر من الزوال حتى يبلغ زيادة الظل قدمين، ونافلة
العصر إلى أربعة أقدام، هذا قول الشيخ في النهاية وقال في الجمل والخلاف: من
زوال الشمس حتى يصير الفئ مثل الشخص، والعصر بعد الفراع من الظهر حتى
يصير الفئ مثليه، وبمعناه قال في المبسوط.
واختلفت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام في ذلك، وأشهرهما ما دل عليه لفظه (ره)
في الخلاف يدل عليه ما رواه عبد الله بن سنان، وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان
حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، فإذا مضى
ذراعان صلى العصر، ثم قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان لمكان الفريضة؟ لك
أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا بلغ فيئك ذراعا " بدأت بالفريضة
وتركت النافلة، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة) (1) وهذا
يدل على بلوغ المثل والمثلين لأن التقدير (أن الحائط ذراع) فحينئذ ما روي من
القامة والقامتين جار هذا المجرى.
ويدل عليه ما روى علي بن حنظلة، عن أبي عبد الله قال: في كتاب علي عليه السلام (القامة ذراع) (2) وعنه عليه السلام قلت: وكم القامة؟ قال: (ذراع، إن قامة رجل رسول
الله كانت ذراعا) (3) فبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا ".
أما ما روى عمر بن حنظلة، عنه عليه السلام (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر،
إلا أن بين يديها سبحة، وذلك إليك إن شئت طولت، وإن شئت قصرت) (4) وفي

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 3 و 4
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 14.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 16.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 5 ح 1.
48

رواية أخرى (إلى أربعة أقدام) (1) وفي رواية (ثلثي القامة). (2)
وفي رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام (وقت الظهر بعد الزوال
قدم) (3) يحمل على أن التفويض في الإطالة والتقصير ما لم يبلغ المثل، ورواية ثلثا
القامة والقدم على أن الأفضل الاقتصار عليه، وإن جاز ما زاد حتى يبلغ قامة.
وفي روايات نادرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة النهار ست عشرة ركعة
أي النهار إن شئت في أوله وإن شئت في وسطه وإن شئت في آخره وهي في مواقيتها
أفضل) (4) وقال الشيخ في التهذيب: يحتمل هذه رخصة لمن علم من حالة أنه إن
لم يقدمها اشتغل عنها.
واستدل برواية محمد بن مسلم، قال (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتغل
عن الزوال فيعجل من أول النهار؟ قال: نعم إذا علم أنه يشتغل عجلها في صدر
النهار كلها) (5)، أما في الجمعة فتقديم النوافل أفضل لتقع الجمعة عند الزوال.
تتمة: معنى الزوال ميل الشمس عن وسط السماء، ويعرف ذلك بزيادة ظل
الشخص المنصوب بعد نقصانه.
ويعتبر الذراع من حيث يزيد ظل الشخص لا من أصل الشخص، ولو لم يكن
للأرض ظل كمكة فعند الزوال يظهر للشخص فئ فيعلم الزوال بظهوره، وقد يعلم
الزوال لمن يتوجه إلى الركن العراقي بأن يستقبله فإذا أخذت الشمس إلى حاجبه
الأيمن فقد زالت، وفي كل يوم يزيد قدر الظل الذي تزول الشمس عليه حتى تأخذه
غايته ثم ينقص بالنسبة حتى تأخذ النهاية.

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 22.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 23
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 11.
4) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 13 ح 17
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 37 ح 1.
49

وقد رد ذلك جماعة من الفضلاء فالذي رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: (تزول الشمس في نصف حزيران على نصف قدم، وفي النصف من
تموز، وأيار على قدم ونصف، وفي النصف من آب، ونيسان على قدمين ونصف
وفي النصف من أيلول، وآذار على ثلاثة ونصف، وفي النصف من تشرين الأول،
وشباط على خمسة ونصف، وفي النصف من تشرين الثاني، وكانون الآخر على
سبعة ونصف، وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف). (1) وعندي في هذه
الرواية توقف، لتضمنها نقصانا " عما دل عليه الاعتبار.
وهل المعتبر بزيادة الظل قدر الشخص المنصوب؟ أو قدر الظل؟ فيه
قولان، قال الأكثرون: المعتبر قدر الشخص المنصوب.
وقال الشيخ في التهذيب (المعتبر قدر الفئ الأول لا قدر الشخص) واستدل
بما رواه صالح بن سعيد، عن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عما جاء في الحديث أن صلي الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين، وذراعا "
وذراعين، وقدما وقدمين، كيف هذا؟ وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم
قال: إنما قال: ظل القامة ولم يقل قامة الظل، فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة
ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة، وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت
محصورا بالذراع والذراعين فهذا تفسير القامة والذراع والذراعين) (2) وهذه الرواية
ضعيفة، لأن صالح بن سعيد مجهول، والرواية مرسلة، ومتنها مضطرب لا يدل على
المطلوب، فالأولى الرجوع إلى ما عليه الأكثر.
ويؤيده ما رواه يزيد بن خليفة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: (إن عمر بن
حنظلة أنبأنا [أتانا] عنك بوقت فقال: إذا لا يكذب علينا قلت: ذكر أنك قلت: إذا

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 11 ح 3 (مع اختلاف)
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 34.
50

زالت الشمس لم تسعك إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن الظل يصير
قامة وهو آخر الوقت ثم لا تزال في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء
قال صدقت) (1) وفي رواية زرارة، عن عمر بن سعيد بن هلال، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا صار مثليك فصل العصر). (2)
مسألة: ويعرف الغروب بذهاب الحمرة المشرقية، وفي هذا روايتان:
إحديهما: استتار القرص، وأومى إليه في المبسوط قال: إذا غابت عين العين
علم غروبها قال: ومن أصحابنا من يراعي زوال الحمرة من المشرق وهو أحوط،
رواه جماعة منهم عمر بن أبي نصر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا توارى القرص
كان وقت الصلاة وافطر). (3)
وروى إسماعيل بن الفضل الهاشمي عنه عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي المغرب حين تغرب الشمس حين يغيب حاجبها) (4) وفي رواية حريز، عن
أبي أسامة أو غيره قال (صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب
فرأيت الشمس لم تغب وإنما توارت بالجبل فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال بئس ما
صنعت إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو عادت وليس على الناس أن
يبحثوا). (5)
والثانية: إذا ذهب الشفق المشرقي، وهو اختيار الشيخ في النهاية وعليه عمل
الأصحاب، ورواه جماعة عن أبي عبد الله عليه السلام منهم محمد بن شريح (وقت المغرب

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 5 ح 6.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 13.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 30.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 27.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 20 ح 2.
51

إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة، وقيل تشتبك النجوم). (1)
وفي رواية ابن أشيم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته
يقول: وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق قال: ثم إن المشرق مظل على
المغرب هكذا ورفع يمينه فوق يساره فإذا غابت الشمس من هنا ذهبت الحمرة من
هنا) (2) وابن أشيم ضعيف، والرواية مرسلة لكنها مطابقة لأحاديث كثيرة يعضدها عمل
الأصحاب والاعتبار، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (إذا أقبل الليل من هنا وأدبر
النهار من هنا وغربت الشمس أفطر الصائم). (3)
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: صلاة الوسطى هي الظهر، واستدل بإجماع
الطايفة وبه قال زيد بن ثابت، وعايشة، وعبد الله بن شداد، وقال علم الهدى: هي
العصر محتجا " بإجماع الشيعة وبمثله قال أبو حنيفة وأحمد وقال الشافعي ومالك هي
الصبح وقيل: هي المغرب.
لنا ما رووه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي الظهر لهاجرة فاشتد ذلك على
أصحابه (4) فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) (5) ورووا عن
عايشة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة
العصر) (6) والعطف يقتضي المغايرة لا يقال: الواو زائدة كما في قوله (ولكن رسول
الله وخاتم النبيين) (7) لأنا نقول: جعلها زائدة على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 12.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 16 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الصيام ص 216
4) سنن البيهقي ج 1 ص 458.
5) سورة البقرة: 238
6) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ص 159
7) سورة الأحزاب: 40.
52

مع الموجب.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى هي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة والعصر وقال في القراءة حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين). (1)
واحتج الشافعي بقوله (وقوموا لله قانتين) (2) والقنوت يختص بالصبح،
واحتج أبو حنيفة، وأحمد بقوله عليه السلام يوم الأحزاب (شغلونا عن صلاة الوسطى)
صلاة العصر، واحتج من قال: بالمغرب بأنها الوسطى من أول صلاة فرضت
والجواب عن حجة الشافعي أنا لا نسلم أن القنوت يختص الدعاء، بل قد يطلق
ويراد به الطاعة والسكون، سلمناه لكن لا نسلم اختصاص الصبح بالقنوت، لأن الذي
نختاره عموم استحبابه في الصلاة، ولو سلمناه لم يكن دالا لأنا نسلم أن الأمر بالقيام
حالة القنوت يستلزم الوسطى وإن اختص بالصبح.
وجواب ما ذكره أبو حنيفة الطعن في الرواية، فإن مالكا مع قرب عهده أطرحها
ثم هي معارضة بما رويناه، والترجيح بأنها أشق الصلوات فعلا، لإيقاعها في الهاجرة
في وقت ينازع الإنسان إلى النوم والراحة، وليس كذلك العصر فكانت بالتأكيد أولى.
وجواب من قال بالمغرب أن يقال: كما يحتمل أن يكون وسطى الصلوات
يحتمل أن يكون وسط النهاريات، وما ذكرناه من النقل يعطي أولوية ما ذكرناه.
مسألة: وقت نافلة المغرب بعدها إلى ذهاب الحمرة المغربية، وهو مذهب
علمائنا، ويدل عليه أنه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الإقبال على النافلة حسنا،
وعند ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا تصلح للنافلة.

1) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 2 ح 1
2) سورة البقرة: 238
53

ويؤيد ذلك ما روى عمر بن حريث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان النبي
صلى الله عليه وآله يصلي ثلاثا " المغرب وأربعا بعدها) (1) ويدل على أن آخر وقتها ذهاب الحمرة
ما روي من منع النافلة في وقت فريضة روى ذلك جماعة منهم محمد بن مسلم،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع). (2)
مسألة: وركعتا الوتيرة تمتد بامتداد العشاء، وعليه علماؤنا، لأنها نافلة
للعشاء فتكون مقدرة بوقتها.
مسألة: ووقت صلاة الليل بعد انتصافه، وكلما قرب من الفجر كان أفضل،
وعليه علماؤنا أجمع، وقال الشافعي: إن جزأ الليل أثلاثا كان الثلث الأوسط
أفضل، لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام
نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه) (3) وعن عايشة (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام
أول الليل ويحيي آخره). (4)
ومن طريق الأصحاب عن فضيل، عن أحدهما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي بعد ما
ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة) (5) وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه لا يصلي شيئا " إلا بعد
انتصاف الليل) (6) وعن عبيدة النيسابوري قلت لأبي عبد الله: (يروى عن النبي صلى الله عليه وآله
أن في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلا استجيب له فقال: ما بين نصف الليل

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ح 627 ص 436.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 35 ح 3.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 160.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 739 ص 510.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 43 ح 3.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 43 ح 4.
54

إلى الثلث الثاني، قلت: ليلة من الليالي أو كل ليلة؟ قال: كل ليلة). (1)
وأما أنه كلما قرب من الفجر كان أفضل فلقوله: وبالأسحار هم يستغفرون وقوله
تعالى (والمستغفرين بالأسحار) (2) وروى إسماعيل بن سعد الأشعري قال: (سألت
أبا الحسن عن ساعات الوتر، قال: أحبها إلى الفجر الأول، وسألته عن أفضل
ساعات الليل، قال: الثلث الباقي وسألته عن الوتر بعد الصبح، قال: نعم قد كان أبي
ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح) (3) وعن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (متى أصلي
صلاة الليل قال صلها آخر الليل). (4)
ويكره النوم بعدها لما روى سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن
الأخير أنه قال: (إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ولكن ضجعة بغير نوم فإن صاحبه
لا يحمد على ما قدم من صلاته). (5)
مسألة: وركعتا الفجر بعد الفراغ من الوتر، وتأخيرها حتى يطلع الفجر الأول
أفضل، ويمتد حتى تطلع الحمرة، أما أنهما بعد الوتر فهو مذهب أهل العلم، وأما
تأخيرها إلى طلوع الفجر الأول ففيه روايتان:
إحديهما: يعقبان صلاة الليل وبه قال الشيخان في النهاية والمبسوط: ولو لم
يطلع الفجر، وهي رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنهما من صلاة الليل) (6)
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام عن أبي جعفر عليه السلام قلت: (الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟

1) الوسائل ج 4 أبواب الدعاء باب 26 ح.
2) سورة آل عمران: 17.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 48 ح 2.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 45 ح 6.
5) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 35 ح 1.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 3.
55

فقال قبل طلوع الفجر فإذا بلغ الفجر فقد دخل وقت الغداة) (1) وعن أحمد بن محمد
ابن أبي بصير (سألت الرضا عن ركعتي الفجر قال أحسبهما في صلاة الليل) (2)
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (ركعتي الفجر من صلاة الليل؟ قال
نعم). (3)
والثانية: وقتهما من طلوع الفجر الأول، وبه قال علم الهدى وهي رواية
عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (صلهما بعد ما يطلع الفجر) (4)
وعن يعقوب بن سالم، عن أبي عبد الله (صلهما بعد الفجر، واقرء في الأولى قل
يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد). (5)
ولما تعارض الحديثان نزلنا الأول على الجواز والثانية على الاستحباب،
وحملنا لفظ الفجر على الأول ليناسب الأخبار، فإن الفجر الأول من الليل، وقد تأول
الشيخ بمثل ذلك في التهذيب، وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إني
لأصلي صلاة الليل فأفرغ وأصلي الركعتين وأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر فإن
استيقظت عند الفجر أعدتهما) (6) وهو محمول على الاستحباب أيضا "، وتقدمان على
صلاة الفريضة حتى تطلع الحمرة فيخرج وقتهما.
أما جواز فعلهما بعد الفريضة فلما رواه ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان إذا أذن المؤمن وطلع الفجر صلى ركعتين) (7) وعن أبي سلمة قال: (سألت

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 7.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 4.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 5.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 6.
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 50 ح 8.
7) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 723 ص 500 (مع تفاوت).
56

عايشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة يصلي ثمان
ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يصلي ركعتين بين النداء
والإقامة). (1)
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عن
ركعتي الفجر قال: صلهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر) (2) ولأنها نافلة مرتبة
على الفريضة فتساوتها في الوقت كالنوافل المتقدمة، وأما أن آخر وقتها طلوع الحمرة
فلأنه وقت يتضيق فيه وقت الفريضة للمتأبد غالبا فيمنع النافلة.
ويؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين
اللتين قبل الفجر، قال: قبل الفجر ومعه وبعده قلت: فمتى أدعها حتى أقضيها؟ قال:
إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة) (3) وعن علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل لا يصلي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر
أيركعهما، أو يؤخرهما؟ قال: يؤخرهما). (4)
مسألة: لا تستفتح فريضة قبل وقتها، وهو مذهب أهل العلم خلا ابن عباس
ففي رواية عنه (جواز استفتاح الظهر للمسافر قبل الزوال بقليل) ونحوه قال الحسن
والشعبي: وخلافهم منقرض فلا عبرة به.
ويؤكد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(من صلى من غير وقت فلا صلاة له) (5) ولا تعارضه رواية الحلبي عن أبي عبد الله

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 738 ص 509.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 52 ح 3.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 52 ح 5.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 51 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 13 ح 10.
57

عليه السلام قال: (إذا صليت شيئا " من الصلاة في السفر في غير وقتها لا يضر) (1) لأن الشيخ
حملها على جواز التأخير لعذر وقضاها بعد الوقت، ولا تقدم نافلة الليل على انتصافه
إلا المسافر، أو من يخشى غلبة النوم، والقضاء من الغد نهارا " أفضل، وبه قال الثلاثة
وأتباعهم: وحكي عن زرارة بن أعين (كيف تقضي صلاة قبل وقتها إن وقتها بعد
انتصاف الليل).
لنا ما روى معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (رجل من مواليك
يريد القيام لصلاة الليل فيغلبه النوم، فربما قضى الشهر، والشهرين قال: قرة عين له،
ولم يرخص له في أول الليل، وقال القضاء بالنهار، أفضل، قلت: فإن من نسائنا
الجارية تحب الخير تحرص على الصلاة فيغلبها النوم، وربما ضعف عن القضاء فهي
تقوى عليه في أول الليل، فرخص لهن إذا ضعفن وضيعن القضاء) (2) ويفهم من فحوى
الترخيص للمرأة الترخيص للمعذور محافظة على السنن.
مسألة: إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثم خرج وقتها أتمها مقدمة على
الفريضة، وكذا العصر، ذكره الشيخ (ره) في النهاية، ولعل معوله على رواية عمار
ابن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الرجل يصلي الزوال إلى أن يمضي
قدمان فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك
وللرجل أن يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى إلى أن يمضي أربعة أقدام فإن مضت
أربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا " فلا يصلي النوافل، وإن كان قد صلى ركعة
فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر) (3) وهذه الرواية سندها فطحية، لكن
يعضدها أنه محافظة على سنته لم يتضيق وقت فريضتها.

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 13 ح 9.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 45 ح 1 و 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 40 ح 1 (مع تفاوت).
58

أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة المغربية ولم يكملها ابتدأ بالعشاء
ولا يزاحم بما بقي لأن النافلة لا تزاحم غير فريضتها لما روي (أنه لا تطوع في وقت
فريضة) (1) روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام (إذا دخلت الفريضة فلا
تطوع) (2) وما رواه أبو بكر عن جعفر بن محمد قال: (إذا دخل وقت صلاة مفروضة
فلا تطوع) (3).
مسألة: وإن تلبس من صلاة الليل بأربع زاحم بها الفريضة محققة ما لم يخش
فوات الفرض، ولو طلع الفجر ولما يكمل أربعا " بدأ بالفريضة، وهو مذهب علمائنا
وذكر ذلك الشيخان في المقنعة والنهاية.
ومقتضى الدليل المنع من النافلة في وقت الفريضة، فيستوي ما دون الأربع
بما لو لم يدرك من النافلة شيئا، لكن عمل على الأربع تبعا " للمنقول، وقد رواه
جماعة منهم محمد بن النعمان قال: قال: أبو عبد الله عليه السلام: (إذا صليت أربع ركعات
من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع) (4) أما لو طلع الفجر
ولم يصل، ففيه روايتان:
إحداهما يتم النافلة مزاحما " بها الفريضة، روى ذلك جماعة منهم عمر بن
يزيد قلت: (أقوم وقد طلع الفجر فإن بدأت بالفريضة صليتها في وقتها وإن بدأت
بصلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء، فقال: ابدأ بصلاة الليل والوتر
ولا تجعل ذلك عادة). (5)
والأخرى: يبدؤ بالفجر رواها أيضا " عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال: (سألته عن

1) سنن البيهقي ج 2 ص 482 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 35 ح 3.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 35 ح 7.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 47 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 48 ح 5.
59

صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال: صلهما بعد الفجر) (1) واختلاف الفتوى
دليل التخيير.
مسألة: وتصلي الفرائض أداءا وقضاءا ا لم تتضيق الحاضرة، والنوافل ما لم
يدخل وقت الفريضة، وهو مذهب علمائنا وأما الفرائض فعليه إجماع أهل العلم
ولقوله عليه السلام (من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيق وقت حاضرة).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (أنه سئل عن رجل
صلى بغير طهور، أو نسي صلوات لم يصلها، أو نام عنها قال: يقضها إذا ذكرها
أي ساعة ذكرها، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب
وقت هذه التي حضرت وهذا أحق بوقتها فليصلهما) (2) وأما النوافل فلما روينا من
الأحاديث المانعة من النافلة في وقت الفريضة خلا ما نبين أنه يكره.
مسألة: يكره ابتداء النوافل عند طلوع الشمس، وغروبها وقيامها إلا يوم
الجمعة بعد الصبح وبعد العصر عدا النوافل المرتبة وما له سبب عند الطلوع والغروب
والزوال، قال: في الخلاف: كلما يبتدأ من النوافل يكره في هذه الأوقات دون ماله
سبب كقضاء الفرائض، وتحية المساجد، وصلاة الزيارة، وصلاة الطواف،
والإحرام، والمنذور، والكسوف، والجنازة، وبه قال الشافعي.
ومنع أبو حنيفة الصلاة كلها عند طلوع الشمس، وغروبها، وقيامها عدا
عصر يومه وكره النوافل مطلقا " بعد الصبح والعصر، وقال المفيد (ره) في المقنعة:
تكره النوافل ابتداءا وقضاءا عند طلوع الشمس وغروبها، وأجازها قضاءا بعد الصبح
والعصر وما ذكره الشيخ هو الوجه خلا زوال يوم الجمعة.
لنا ما روى جبير بن مطعم، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (يا بني عبد المطلب لمن ولي

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 48 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 2 ح 3.
60

منكم شيئا " من أمور الناس فلا يمنع أحدا " طاف بالبيت وصلى أي وقت شاء من ليل
أو نهار) (1) وعن عايشة قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي في يوم بعد العصر
إلا صلى ركعتين)). (2)
ومن طريق الأصحاب ما رواه حسان بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته
عن قضاء النوافل فقال ما بين طلوع الشمس إلى غروبها) (3) وعن جميل بن دراج،
عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن قضاء صلاة الليل قال: نعم بعد طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل) (4) وعن محمد بن فرج (كتب عبد الصالح
إلي وصل بعد الفجر من النوافل ما شئت، وصل بعد العصر من النوافل ما شئت) (5)
وسليمان بن هارون، عن أبي عبد الله عليه السلام عن قضاء النوافل بعد العصر فقال: (نعم
إنما هي النوافل فاقض منها ما شئت). (6)
واحتج أبو حنيفة بما رواه عقبة بن عامر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ثلاث
أن يصلي بهن وأن يقبر فيها موتانا إذا طلعت الشمس حتى ترتفع وحتى تقوم وإذا
تضيقت) (7) أي ومالت إلى الغروب، ومن أخبارنا ما يطابق مذهبه.
منهما ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
إن الشمس تطلع بن قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان وقال: لا صلاة بعد

1) سنن البيهقي ج 2 ص 458.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 80.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 39 ح 9.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 39 ح 14.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 38 ح 5 (مع اختلاف).
6) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 39 ح 11.
7) سنن البيهقي ج 2 ص 454.
61

العصر حتى تصلي المغرب) (1) وعن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (لا
صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس). (2)
والجواب لما تعارضت الأخبار، حملنا النهي على ما يبتدأ لئلا يقع التناقض،
وفي أخبارنا ما هو صريح بالقضاء فهي أخص، وقد قال بعض فضلائنا: إن كان ما
تقول الناس: إنها تطلع بين قرني الشيطان فما أرغم الشيطان بشئ أفضل من الصلاة
فصلها وأرغم الشيطان.
مسألة: والأفضل في كل صلاة تقديمها في أول وقتها إلا المغرب لمن أفاض
من عرفات، والعشاء حتى يسقط الشفق، ولا تؤخر بعد ذلك، وبه قال الشافعي وقال
أحمد وأبو حنيفة: يستحب تأخيرها إلى آخر وقتها إن لم يشق، والظهر لمن يصلي
جماعة في الحر الشديد فإنه يستحب الأبراد بها لقوله عليه السلام (إذا اشتد الحر فابردوا
بالصلاة) (3) ولو صلاها في منزله، أو في بلاد باردة، فالتعجيل أفضل، لزوال
المعنى الموجب للتأخير ولقوله عليه السلام (الوقت الأول رضوان الله والأخير عفو الله) (4)
وقوله عليه السلام (إن الله يحب من الخير ما يعجل). (5)
مسألة: ولا يجوز الدخول في الصلاة قبل وقتها وهو إجماع أهل العلم عدا
ما حكيناه، لو دخل ظانا دخول الوقت ثم تبين فساد ظنه أعاد إلا أن يدخل ولما
يتم، وبهذا قال الشيخ (ره) في المبسوط وقال في النهاية: من دخل في الصلاة
عامدا "، أو ناسيا "، فإن دخل ولما يفرغ منها فقد أجزأته. وقال علم الهدى وابن
الجنيد: وهو مذهب من خالفنا أجمع يعيد على كل حال، وما ذكره علم الهدى هو

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 38 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 38 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 8 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 16.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 3 ح 12.
62

الأصل، لأنه مع العمد منهي عن الشروع فيكون فعله فاسدا "، ومع الظن أو النسيان
أدى ما يؤمر به فلا يكون مجزيا " عن المأمور.
ويؤيد ذلك ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من صلى في غير
وقت فلا صلاة له) (1) لكن ترك العمل بهذا الأصل لرواية إسماعيل بن رياح،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت
فدخل وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك) (2) والرواية تحمل على الظن لاستحالة
تنزيلها على العلم، أو على رؤية العين فتعين أنها لا تجزي إلا على هذا التقدير،
فحينئذ ما ذكره في المبسوط (ره) أوجه بتقدير تسليم الرواية، وما ذكره المرتضى
أرجح بتقدير إطراحها أما ما ذكره في النهاية فلم أقف على مستند يشهد له.
فروع
الأول: لو شك في الوقت لم يصل حتى يتيقنه، أو يغلب على ظنه مع عدم
الطريق إلى العلم وسكر في يوم الغيم بالعصر.
الثاني: لو أخبره العدل عن علم بالوقت ولا طريق له سواء بنى على خبره،
ولو كان له طريق لم يبن لأن الظن بدل عن العلم فيشترط عدم الطريق إليه.
الثالث: لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلده، لقوله عليه السلام (المؤذن
مؤتمن) (3) ولأن الأذان مشروع للإعلام بالوقت فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به.
الرابع: لو أخر الصلاة حتى بقي أقل من قدرها أثم، لأنه تأخير لبعض
الصلاة عن وقتها.

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 13 ح 7.
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 25 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 3 ح 2.
63

زيادات
الأولى: قال في المبسوط: معرفة الوقت واجبة لئلا يصلي في غير الوقت.
الثانية: قال إذا أستر الشمس غيم وتحقق الزوال بادر ليدرك فضيلة الوقت،
ولو غلب على ظنه مضى وقت النوافل بدأ بالفريضة وقضى النافلة.
الثالثة: قال: الأعمى يقلد غيره في دخول الوقت، فإن انكشف أنه صلى
قبل الوقت أعاد، ولو تبين أنهما بعده كان جائزا، ولا يجوز مع سلامة الحاسة
تقليد الغير، ويستظهر إذا لم يكن له معرفة حتى يغلب على ظنه دخول الوقت.
الرابعة: قال: يكره تسمية العشاء بالعتمة، وكذا تسمية الصبح بالفجر، قلت:
لعله استند إلى ما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم
فإنها العشاء فإنهم يعتمون بالإبل) (1).
المقدمة الثالثة
[في القبلة]
استقبال القبلة في الصلاة الواجبة واجب وشرط وهو إجماع العلماء كافة،
ولقوله تعالى (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره) (2) والشطر النحو، والجهة، قال لقيط:
لقد أظلكم من شطر ثغركم * هول له ظلم تغشاكم قطعا "
ويسقط اشتراطا " في شدة الخوف لعدم التمكن، ولقوله تعالى (فأينما تولوا

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الصلاة باب 13 ص 230.
2) سورة البقرة: 150.
64

فثم وجه الله) (1) وقوله عليه السلام (إن كان الخوف أشد فصلوا مستقبليها ومستدبريها) (2)
ورخص في النافلة.
مسألة القبلة هي الكعبة مع الإمكان، وإلا جهتها وهو قول علم الهدى في
المصباح والجمل، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف: الكعبة قبلة أهل
المسجد، وقبلة أهل الحرم، والحرم قبلة من كان خارجا " عنه. وقال بعض الشافعية:
القبلة عين الكعبة على التقديرات لما رواه أسامة بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى قبل
الكعبة وقال: هذه القبلة) (3). لنا إجماع العلماء على وجوب استقبالها لمن هو مشاهد
لها، وخبر أسامة الذي رويناه.
ومن طريق الأصحاب ما روي عن أحدهم (أن بني عبد الأشهل أتوا وهم في
الصلاة وقد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس فقيل إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة
فتحول النساء إلى مكان الرجال والرجال إلى مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين
إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين فلذلك سمي مسجد القبلتين) (4).
وأما أن الاستقبال إلى الجهة لمن بعد، وجهل عين الكعبة، فلقوله تعالى
(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (5) ولأن تكليف إصابة العين يستلزم
إبطال صلاة النصف المتطاول في السمت المستقيم، وإبطال صلاة العراقي،
والخراساني لبعد ما بينهما وقبلتهما واحدة، إذ لا يمكن كل واحد منهما محاذاة عين
الكعبة.
واحتج الشيخ لقوله بإجماع الفرقة، وبأن المحذور في استقبال عين الكعبة

1) سورة البقرة: 115.
2) السنن الكبرى ج 2 ص 8.
3) السنن الكبرى ج 2 ص 9.
4) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 2 ح 2.
5) سورة البقرة: 150.
65

لازم لمن أوجب استقبال جهتها لأن لكل مصل جهة، والكعبة لا تكون في الجهات
كلها، ولا كذلك التوجه إلى الحرم لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجها "
إلى جزء منه، وربما رواه مكحول، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: (الكعبة قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة
لأهل الدنيا) (1) ومثله روى أبو الوليد، عن جعفر بن محمد، وبمعناه روى الحجال
عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام (2) وفي رواية المفضل بن عمر في بيان علة
التحرف عن القبلة إلى اليسار إيماءا إلى ذلك.
(3) والجواب أما الإجماع فلم يتحققه لوجود الخلاف من جماعة من أعيان
فضلائنا، واحتمال المشارك لهم في الفتوى، ولا نسلم أن المحذور يلزم في استقبال
الجهة كما يلزم في عين الكعبة، لأنا نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة، لا نفس
البنية وذلك متسع يمكن أن يوازي جهة كل مصل، على أن الإلزام في الكعبة لازم
في الحرم وإن كان طويلا.
وأما الأخبار فسند الأول ضعيف، والثاني كذلك، والمعروف منه زيدي،
ورواية الحجال مرسلة، والمفضل بن عمر مطعون فيه، قال النجاشي: هو فاسد
المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به.
مسألة: لو صلى في الكعبة استقبل أي جدرانها شاء، وقد اختلف قول الشيخ
(ره) في صلاة الفريضة جوف الكعبة، فقال في النهاية، والمبسوط، والجمل،
والاستبصار، بالكراهية، وفي الخلاف لا يجوز اختيارا "، وكذا حكي عن مالك،
وقوله الأول أظهر.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 10 (إلا أنها رواها عن ابن عباس).
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 3 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 4 ح 2.
66

لنا قوله تعالى (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (1)
ولأن الاستقبال ليس إلى البنية بل إلى جهتها، وإلى كل جزء منها، وإلا لبطلت صلاة
من صلى على الجبل، أو في مكان مستقل، أو استقبل طرف ركن منها بحيث لا يوازيه
منها إلا عرض جسده، ولأن البنية لو زالت لكانت الصلاة إلى موضعها وإلى كل
جزء منه، واحتج بإجماع الفرقة، وبأن القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فيكون القبلة
جملتها لا غير، فالمصلي في وسطها غير مستقبل جملتها، وبما رواه محمد بن مسلم
عن أحدهما قال: (لا يصلي المكتوبة في الكعبة) (2).
الجواب: أما الإجماع على الكراهية فمسلم، ولكن كراهيته لا تتضمن تحريما "
والبحث ليس فيه، وأما أن القبلة جملتها فلا نسلم، بل وكل جزء منها، فإن المصلي
لو وقف على طرف ركن من أركانها بحيث يكون مستندا " ببدنه تلك لكان مستقبلا
وإن لم يكن مستقبلها، على أن استقبالها بأجمعها مستحيل، فإن المصلي بإزائها لا
يحاذيه منها إلا قدر بدنه، والباقي خارج عن مقابلته.
وأما خبر محمد فمحمول على الكراهية، لأنه لا ينهض أن يكون حجة بانفراده
في التحريم، أما حال الضرورة فلا بأس بصلاة المكتوبة فيها، وهو إجماع العلماء،
وكذا لا بأس بالنوافل، بل هي مستحبة، وهو اتفاق أيضا " عدا محمد بن جرير،
وإذا تقرر ما ذكرناه، فمن صلى وسطها استقبل أي جدرانها شاء، وهو اتفاق العلماء.
فرع
قال في الخلاف: إذا استهدم البيت صلى إلى موضعه، ولو صلى جوف
العرصة، أبقى بين يديه شيئا " ولو صلى إلى طرفها وليس بين يديه منها شئ لم يصح

1) سورة البقرة: 125.
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 17 ح 1.
67

وقال بعض الشافعية: لا يصح على التقديرين. لنا ما بيناه عن كون العرصة وكل
جزء منها قبلة، فما استقبله أجزءه، وكذا البحث لو صلى داخلها إلى الباب وكان
مفتوحا " ولا عتبة.
مسألة: لو صلى على سطحها أبرز بين يديه منها ولو قليلا، وبمثله قال أبو
حنيفة: وقال الشيخ في الخلاف: يصلي مستلقيا " متوجها " إلى البيت المعمور بالإيماء
وقال في المبسوط: وإن صلى كما يصلي جوفها كانت صلاته ماضية، سواءا كان
للسطح سترة من نفس البناء، أو مغرورا " فيه وسواء وقف على سطح البيت أو على
حايطه، إلا أن يقف على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جز، من البيت.
ولم يجز الشافعي على سطحها إلا أن يكون لها سترة من بنائها أو متصلا بها
كالقصب المغروز، والجبل الممدود ولو كان عليه إزار، وما ذكره في المبسوط
حسن، ويلزم منه وجوب أن يصلي قائما " على السطح، لأن جواز الصلاة قائما " يستلزم
الوجوب لأن القيام شرط مع الإمكان.
واحتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة، وبما رواه علي بن محمد، عن
إسحاق بن محمد، عن عبد السلام، عن الرضا عليه السلام في الذي تدركه الصلاة وهو فوق
الكعبة قال: ((إن قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه، ويفتح عينيه إلى السماء
ويقصد بقلبه القبلة في السماء البيت المعمور، ويقرء فإذا أراد أن يركع غمض عينيه
فإذا أراد رفع رأسه من الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك) (1).
الجواب: أما الاستدلال بالإجماع فبعيد مع ما ذكرناه عنه في المبسوط،
ولو تحقق إجماعا " لما عدل عنه، وأما الرواية فقد بينا أن القبلة جهة الكعبة لا نفس
البنية، فلا معنى لقوله إن قام لم يكن له قبلة، وبالجملة فإن الرواية مخصصة،

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 19 ح 2.
68

لعموم الأمر بالقيام ومنافية لقوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (1)
وقاضية بالاستدبار والاقتصار على الإيماء في الركوع والسجود مع القدرة، وتخصيص
العموم المقطوع به برواية الواحد غير جائز، فيسقط اعتبارها.
مسألة: وكل إقليم يتوجهون سمت الركن الذي يليهم لما بيناه من وجوب
استقبال الكعبة ما أمكن، والذي يمكن أن يستقبل كل إقليم الركن الذي يليهم.
وللقبلة علامات: فأهل المشرق، يجعلون المشرق محاذيا " للمنكب الأيسر،
والمغرب يقابله، والجدي خلف المنكب الأيمن، لكن الجدي ينتقل، لأنه عند طلوع
الشمس مكان الفرقدين عند غروبها، والدلالة القوية القطب الشمالي وهو نجم شمالي
خفي حوله أنجم دائرة، والفرقدان في طرف منها، والجدي في الطرف الآخر،
فإذا حصل القطب الشمالي جعله العراقي خلف أذنه اليمنى دائما " فإنه لا يتغير، وإن
تغير كان يسيرا "، ومن حقق الوقت عند الزوال من أهل العراق جعل الشمس عند
الزوال على طرف حاجبه الأيمن مما يلي الأنف.
وقد روى محمد بن مسلم، عن أحدهما قال: (سألته عن القبلة، فقال: ضع
الجدي في قفال وصل) (2) وكل من جعله قبلته الحرم أمر بالتياسر، وهل هو على
الوجوب؟ ظاهر كلام الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل والخلاف الوجوب،
وقد بينا ضعف الرواية بذلك.
والأقرب أنا لو قلنا بالاستقبال إلى الحرم لقلنا باستحباب التياسر لعدم الدلالة
على الوجوب، ورواية المفضل دالة أنه للاستظهار والاحتياط لا تحتيما "، والانحراف
إلى يسار المصلي، لما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل لم صار الرجل ينحرف في الصلاة
إلى اليسار؟ قال: لأن للكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، واثنان منها على

1) سورة البقرة: 150.
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 5 ح 1.
69

يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف إلى اليسار (1).
مسألة: فاقد العلم يجتهد، فإن غلب على ظنه جهة القبلة لا مارة بنى عليه، وهو
اتفاق أهل العلم، ويؤيده ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يجزي التحري
أبدا " إذا لم يعلم أين وجه القبلة) (2) ولو لم تحصل الأمارات، واشتبهت الجهات،
صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات، وهو مذهب علمائنا.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يصلي ما بين المشرق، والمغرب، ويتحرى الوسط،
ثم لا يعيد، لقوله عليه السلام (ما بين المشرق والمغرب قبلة) (3) وهذا حق إن تبين له المشرق
والمغرب، ويؤيده ما روى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت الرجل يقوم
في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا قال:
قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة) (4) لكن بتقدير أن تخفى عليه
الجهات كان القول ما قلناه، لأن الاستقبال بالصلاة واجب ما أمكن، ولا يتحصل الاستقبال
إلا كذلك فيجب.
ويؤيده ما رواه خداش، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت إن هؤلاء
المخالفين يقولون إذا أطبقت علينا وأظلمت ولم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في
الاجتهاد فقال: ليس كما يقولون إذا كان كذلك فليصل إلى أربع وجوه) (5).
فروع
الأول: لو لم يتسع الوقت للأربع صلى ما يتسع له مرتين، أو ثلاثا " ولو
ضاق اقتصر على المرة، وكان مخيرا " في الجهات، لأن التقدير تساوي الأمارات

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 4 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 6 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 2 ح 9.
4) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 10 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 8 ح 5.
70

فيسقط الترجيح، وكذا لو منعته ضرورة من عدو، أو سبع، أو مرض.
الثاني: لا يعول على الاجتهاد من له طريق إلى العلم، لأن الاستقبال على اليقين
ممكن فيسقط اعتبار الظن، لقوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) (1).
الثالث: العالم بالعلامات لا يقلد غيره، أما فاقدها، ومن لا يعرفها قال في
المبسوط: يقلد العدل إذا أخبر بجهة معينة وظاهر كلامه في الخلاف الاقتصار على
الصلاة إلى الجهات الأربع مع السعة، والتخير مع الضيق، وقال الشافعي: يقلد
غيره، ووجه ما ذكره في الخلاف، أن له مندوحة عن التقليد، لأن الوقت إن كان
واسعا " صلى الصلاة إلى أربع جهات، وإن كان ضيقا " تخير في الجهات، ووجه ما
ذكره في المبسوط أن قول العدل أحد الأمارات المفيدة للظن، وكان العمل به لازما "
ولا يرجع إلى التقليد من له قوة الاجتهاد.
الرابع: الأعمى يقلد غيره، ولو كان امرأة، أو صبيا "، قاله في المبسوط،
وظاهر كلامه في الخلاف التسوية بينه وبين من لا يعرف أمارات القبلة في الصلاة إلى
أربع جهات، وما ذكره في المبسوط أشبه لأنه لا طريق له إلى الاجتهاد فكان كالعامي
بالنسبة إلى العالم، ولو استقبل برأيه فأصاب قال في المبسوط لم يعد، وإن أخطأ أعاد
وعندي مع الإصابة تردد، ولو كان مع ضيق الوقت قال: كان صلاته ماضية، وفي
هذا الإطلاق أيضا " إشكال.
الخامس: إذا صلى الأعمى بقول واحد فأخبره الآخر بخلافه، فإن تساويا
عدالة مضى في صلاته، وإلا عمل بأعدلهما.
السادس: لو صلى بقول بصير ثم أبصر عول على رأيه، فإن وافق استمر، وإن
خالف عدل، ولو احتاج إلى تأمل كثير فهل يتم أو يستأنف؟ فيه تردد أحوطه الاستيناف
ولو صلى بصيرا فعمي استمر، فإن التوى وأمكن الرجوع إلى اليقين رجع، وأتم

1) سورة البقرة: 150.
71

وإن اشتبه واتفق المسدد أتم، وإن تطاول الأمد استأنف متوقعا، فإن لم يتفق من يقلده
والوقت واسع صلى إلى الجهات الأربع، وإن ضاق الوقت فإلى جهة كالمبصر.
السابع: المتخير في الجهات إذا دخل في الصلاة فغلب على ظنه الخطأ مال
إلى الجهة المظنونة واستمر، قال في المبسوط: ما لم يكن مستدبرا " والوجه
الاستيناف ما لم يكن بين المشرق والمغرب.
الثامن: لو اختلف المجتهدون لم يأتم بعضهم ببعض، وبه قال في المبسوط:
لأن كل واحد يعتقد خطأ الآخر، كما لو أحدث أحدهم ولم يعلم. وقال أبو ثور: يصح
الايتمام لأن كل واحد صلاته صحيحة بالنسبة إلى ظنه، وليس كذلك الحديث لأن الصلاة
تبطل معه، ولو صلى الإمام والمأمومون إلى جهة لظن الإصابة فتبين في أثنائها الخطأ
مال إلى جهة ظنه، وتبعه المأمومون إن ظنوا ما ظن، وإن خالفوه بقوا على ظنهم وأتموا
منفردين، وكذا لو اختلفوا صلى كل منهم إلى جهة ظنه وأتم مع الإمام من وافق ظنه.
التاسع: إذا اجتهد وصلى فهل يعيد اجتهاده، ولو أراد الصلاة ثانيا " قال الشيخ
في المبسوط: نعم إلا أن يعلم أن الأمارات لم يتغير، ولو تغير اجتهاده لم يعد ما
صلاه إلا مع العلم، ولو كان في أثناء الصلاة استدار إلى القبلة ما كان منحرفا " لأن ذلك
فرضه واستأنف لو كان مشرقا " أو مغربا " أو مستدبرا ".
العاشر: لو قلد مجتهدا " فأخبر بالخطأ متيقن استدار ما كان بين المشرق
والمغرب وإلا استأنف.
مسألة: من ترك الاستقبال متعمدا أعاد في الوقت وخارجه، وهو إجماع العلماء
ولو صلى ظانا ثم تبين الخطأ وهو بين المشرق والمغرب فإن كان في الصلاة استدار
لأنه متمكن من الإتيان بشرط الصلاة فيجب، ولو تبين بعد فراغه لم يعد، وهو مذهب
العلماء، ولقوله عليه السلام (ما بين المشرق والمغرب قبلة) (1) ولو بان أنه صلى إلى المشرق

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب إقامة الصلاة ص 223.
72

أو المغرب أعاد في الوقت ولم يعد لو خرج، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يعيد
مطلقا "، وللشافعي قولان.
لنا أنه أخل بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتيان به على شرطه ممكن فيجب
كما لو أخل بطهارة ثوب، ولا كذا لو خرج وقته، لأن القضاء تكليف ثان يتوقف
ثبوته على دلالة غير ما دل على المأمور بالوقت ومع عدمها فلا قضاء.
ويؤيده ما رواه الأصحاب، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله الرجل يكون
في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي إلى غير القبلة ويضحي فيعلم أنه صلى إلى غير
القبلة كيف يصنع؟ قال: (إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن مضى الوقت فحسبه
اجتهادا ") (1) ومثل معناه روى عبد الرحمن بن الحجاج (2) عنه وزرارة (3) عن أبي
جعفر عليه السلام ويعقوب (4)، عن أبي الحسن موسى عليه السلام.
واحتج أبو حنيفة بما رواه عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وآله
في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك
للنبي صلى الله عليه وآله (5) فنزل (فأينما تولوا فثم وجه الله) (6) ولحديث (7) جابر أيضا " ولأنه أتى
بما أمر به فيخرج عن العهدة.
وجواب أبي حنيفة الطعن في رواية عامر بما ذكره أصحاب الحديث منهم،
فإنه من حديث أشعب وهو ضعيف عندهم، وكذا رواية جابر، قالوا: رواها عنه
محمد بن سالم، ومحمد بن عبد الله العزيزي، عن عطا، عن جابر، وهما ضعيفان،
ومع ذلك غير دال على موضع النزاع لتضمنه خروج الوقت، ونحن فلا ننازع في

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 11 ح 6.
2) الوسائل ج 4 أبواب القبلة باب 11 ح 8 و 3 و 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب القبلة باب 11 ح 8 و 3 و 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القبلة باب 11 ح 8 و 3 و 2.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 11.
6) سورة البقرة: 115.
7) سنن البيهقي ج 2 ص 11.
73

سقوط القضاء بعد خروج الوقت، وقوله أتى بما أمر به قلنا: لا نسلم بل عن جملة
أمر به استقبال القبلة وهو شرط، والتقدير عدمه.
وقد روى الأصحاب أخبار رواية متكررة أصلها معمر بن يحيى، عن أبي
عبد الله عليه السلام (عن رجل صلى إلى غير القبلة، ثم تبينت القبلة، وقد دخل وقت وفي
صلاة أخرى، قال: يصليها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها إلا أن يخاف فوت
التي دخل وقتها (1) وهذا مثل أحد قولي الشافعي.
والجواب أن في طريق هذه الطاطري، ومحمد بن زياد، وهما ضعيفان،
ويحتمل أن يكون صلى إلى جهة واحدة مع سعة الوقت، ومع عدم أمارة تدل على
الجهة التي استقبلها.
فرع
قال في النهاية: إذا صلى إلى غير القبلة ناسيا " أو لشبهة أعاد إن كان الوقت باقيا "
ولو كان خرج لم يعد وكان ألحقه بالظان، وفيما ذكره (ره) إشكال.
مسألة: لو صلى ظانا "، أو مع ضيق الوقت ثم تبين أنه استدبر القبلة، قال
الشيخان: يعيد لو كان الوقت باقيا "، ويقضي لو كان خارجا، وقال علم الهدى: لا
يقتضي لو علم بعد خروج الوقت، وهو الأصح. لنا أن القضاء فرض مغير للأداء
يتوقف على الدلالة ولا دلالة، ويؤيده ما رويناه من الأخبار الأولى وخبر عبد الرحمن
ابن الحجاج، وزرارة، ويعقوب، فإنها دلت بإطلاقها على موضع النزاع.
واحتج الشيخ (ره) في الخلاف بما رواه عمار بن موسى، عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل صلى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته،
قال: (إن كان متوجها " فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 9 ح 5.
74

وإن كان متوجها " إلى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة) (1).
والجواب الطعن في الرواية لضعف سندها، فإن عمارا " فطحي فلا يترك بخبره
الخبر السليم، ثم لا نسلم دلالتها على موضع النزاع، فإنها تضمنت أنه علم وهو
في الصلاة، وهو دال على بقاء الوقت، أو محتمل، ونحن فلا نمنع وجوب الإعادة
مع بقاء الوقت، والنزاع ليس إلا إذا علم بعد خروجه.
مسألة: ولا تصلي الفريضة على الراحلة اختيارا "، وهو مذهب العلماء كافة،
ويؤيده ما رواه عبد الله بن سنان قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (يصلي الرجل شيئا " من
الفرائض راكبا من غير ضرورة فقال: لا، ويجوز مع الضرورة) (2) وهو مذهب
علمائنا وخالف الباقون. لنا قوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ") (3) وهو
يدل بفحواه على الضرورات.
ومن طريق الأصحاب، ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله
عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: (لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض) (4) وروى
مندل بن علي بن دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الفريضة
في المحمل في يوم وحل ومطر) (5) ويستقبل في فرضه بتكبيرة الإحرام، ثم بما
أمكن من صلاته، لقوله تعالى (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (6) ويسقط
مع العجز.
وتصلي النافلة على الراحلة سفرا " مع الاختيار، ذكره ابن أبي عقيل، وهو

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 10 ح 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 14 ح 4.
3) سورة البقرة: 239.
4) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 14 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 14 ح 9.
6) سورة البقرة: 150.
75

اتفاق علمائنا، وقول الشافعي، وأبي حنيفة طويلا كان السفر، أو قصيرا "، وقال مالك:
يجوز في الطويل وهو حسب ما تقصر فيه الصلاة لأنه رخصة فاختص بالطويل.
لنا ما رووه (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يوتر على بعيره إلا الفرائض) (1) وهو يدل
بفحواه على غير الوتر من النوافل، وعن عمر (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي سبحته حيث
ما توجهت به ناقته والسجة النافلة) (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سأله أحمد بن النعمان أصلي في المحمل وأنا مريض فقال أما النافلة فنعم وأما
الفريضة فلا) (3) والمنع من الفريضة هنا محمول على مرض لا يشق معه النزول،
بدلالة ما سبق، قال الشيخ في الخلاف: ويتوجه إلى القبلة بتكبيرة الإحرام لا غير
وقال الشافعي: يلزمه حال الركوع، والسجود أيضا ".
لنا قوله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) (4) وقد استفاض النقل أنه في
النافلة، ومن طريق الأصحاب ما رواه إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت:
(إني أتحرى على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل فقال: ما هذا الضيق أما لك في
رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة؟) (5) وروى ابن أبي نجران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته
عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل، قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة
ثم كبر فصل حيث ذهب بك بعيرك) (6).
وتجوز صلاة النافلة على الراحلة في غير السفر، ذكره الشيخ في المبسوط

1) سنن البيهقي ج 2 ص 6.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 4.
3) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 14 ح 10.
4) سورة البقرة: 115.
5) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 15 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 15 ح 13.
76

والخلاف وبه قال أبو سعيد الإسطخري وقال باقي أصحاب الشافعي: لا يجوز، لنا
قوله تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال ابن عمر: (نزلت في النوافل حيث توجه
بك بعيرك) (1) واللفظ على إطلاقه.
ومن طريق الأصحاب ما رواه حماد بن عثمان، عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال: (في الرجل يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار، قال لا بأس) (2) وإنما
خصصنا السفر في الأصل، لأنه وفاق منا، والخلاف في غير السفر، فإن ابن أبي عقيل
منا منع ذلك، ويجوز التنفل ما يشاء، ولو كان مختارا "، وفي الفرائض مع الضرورة
وقال أبو حنيفة: يجوز مع الخوف، ولو في الفرائض، وقال أحمد: طالب العدو
إذا خاف فوته، جازت الفريضة ماشيا " على إحدى الروايتين عنه.
لنا في الفريضة قوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ") (3) وفي النافلة،
لأنه تعظيم لله سبحانه، وذكر له، فكان مستحبا " على الأحوال، ويؤيده ما رواه أبو
عبد الله أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن حماد عن الحسين بن المختار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي وهو يمشي تطوعا "، قال: نعم) (4)
قال أحمد بن أبي بصير: وسمعته من الحسين بن المختار.
المقدمة الرابعة
[في لباس المصلي]
مسألة: لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ، وهو مذهب علمائنا أجمع

1) سنن البيهقي ج 2 ص 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 15 ح 10.
3) سورة البقرة: 239.
4) نقل هذا الحديث في الوسائل عن المعتبر ج 3 ص 245.
77

لأن الميتة نجسة، والدباغ غير مطهر، وطهارة اللباس شرط لصحة الصلاة، وقد مر
تقرير المقدمتين، ولما رووه عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا تنتفعوا من الميتة
بشئ) (1) والدباغ لا يخرجه عن كونه ميتة.
ومن طريق الأصحاب، ما رواه محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن
أبي عبد الله عليه السلام في الميتة قال: (لا يصلي في شئ منه ولا شثع) (2) وما رواه
البزنطي، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن جلد
الميت أيلبس في الصلاة؟ فقال: لا، ولو دبغ سبعين مرة) (3) ويكفي في الحكم
بذكاته ما لم يعلم أنه ميتة وجوده في يد مسلم، أو في سوق المسلمين، أو في بلد
الغالب فيه المسلمون، روى إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح (أنه قال لا يلبس
بالصلاة في الفرو اليماني وما صنع في أرض الإسلام قلت فإن فيها غير أهل الإسلام؟
قال: إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس) (4).
مسألة: وكذا لا يجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه، ولو ذكي ودبغ
وهنا بحوث:
الأول: في السباع، وهو ما لا يكتفي في اغتذائه بغير اللحم كالأسد، والنمر
وقد أجمع أصحابنا على المنع من الصلاة في جلده ولو دبغ، خلافا " للجمهور فإن
أبا حنيفة طهره وإن لم يدبغ، والشافعي طهره بالدباغ.
لنا أن الصلاة فيه انتفاع به والانتفاع منهي عنه، لما رووه عن المقدام بن
معدي كرب، عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه نهى عن جلود السباع، والركوب عليها) (5)

1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 310 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 1 ح 2.
3) المستدرك الوسائل ج 1 أبواب لباس المصلي باب 2 ص 201.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 55 ح 3.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 19.
78

والنهي المطلق ينصرف إلى المنفعة الظاهرة، وهو الانتفاع بها، ترك العمل بهذا
النص في الاستعمال في غير الصلاة، فيعمل به في الصلاة.
ومن طريق الأصحاب ما رواه إسماعيل بن سعد بن الأحرص قال: (سألت
الرضا عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع فقال: لا تصل فيها) (1) وما رواه هاشم الخياط
قال: (سمعت موسى بن جعفر عليه السلام يقول: ما أكل الورق والشجر فلا بأس أن يصلي
فيه وما أكل الميتة فلا تصل فيه) (2).
وما رواه ابن أبي عمير، عن ابن أبي بكير، عن زرارة قال: (أخرج أبو عبد الله
عليه السلام كتابا "، زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله أن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله
فالصلاة في وبره، وشعره، وجله، وبوله، وروثه، وكل شئ منه فاسد، لا يقبل تلك
الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله تعالى أكله، ثم قال: يا زرارة، فإن كان مما
يؤكل لحمه فالصلاة في وبره، وبوله، وروثه، وألبانه، وكل شئ منه جائز إذا علمت
أنه ذكي قد ذكاه الذابح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله، أو حرم عليك
أكله، فالصلاة في كل شئ منه فاسد ذكاه الذابح أو لم يذكه) (3) وابن بكير وإن
كان ضعيفا "، إلا أن الحكم بذلك مشهور عن أهل البيت عليهم السلام، ولأن خروج الروح
من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع من الانتفاع بالجلد، ولا تنهض
الذباحة مبيحة ما لم يكن المحل قابلا، وإلا لكانت ذباحة الآدمي مطهرة جلده.
لا يقال: هنا الذباحة منهي عنها، فيختلف الحكم لذلك، لأنا نقول: ينتقض
بذباحة الشاة المغصوبة، فإنها منهي عن ذباحتها، ثم الذباحة تفيد الحل، والطهارة،
وكذا بالآلة المغصوبة، فبان أن الذباحة مجردة لا يقتضي زوال حكم الموت ما لم يكن

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 6 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 2 ح 1.
79

للمذبوح استعداد قبول أحكام الذباحة، وعند ذلك لا نسلم أن الاستعداد التام موجود
في السباع.
لا يقال: فلزم المنع من الانتفاع بها في غير الصلاة، لأنا نقول: علم جواز
استعمالها في غير الصلاة بما ليس موجودا " في الصلاة فيثبت لها لهذا الاستعداد
لكن ليس تاما " تصح معه الصلاة، فلا يلزم من الجواز هناك لوجود الدلالة الجواز
هنا مع عدمها.
البحث الثاني: ما لا يؤكل لحمه وليس سبعا " كالقنفذ، واليربوع، والحشرات
لا تصلي في جلودها، لأن وقوع الذكاة عليها مشكوك فيه، بل الأقرب أن الذكاة
عليها لا يقع، والدباغ لا يطهر الميتة، وطهارة الثوب شرط في الصلاة.
البحث الثالث: الخنزير لا يصلى في جلده ولو دبغ، وهو مذهب أهل العلم
أما الكلب فأجمع علماؤنا أنه نجس العين لا يقع عليه الذكاة، ولا يطهر بالدباغ،
وقال أبو حنيفة، وداود: يطهر.
لنا أن الكلب نجس العين فلا يطهره الذكاة، ولا الدباغ، لأنه لا يجوز بالدباغ
عن كونه كلبا " ميتا " والكلب نجس، والميتة محرمة أكلا ولبسا ". ويؤيد ذلك ما روى
أبو سهيل القرشي (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لحم الكلب حرام هو؟ قال: هو نجس
أعيدها ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس) (1).
أما المسوخ وهي التي ذكرها محمد بن الحسن الأشعري، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: (الفيل مسخ كان ملكا زانيا "، والذئب أعرابيا " ديوثا " والأرنب كان
امرأة تخون زوجها ولا تغسل من حيضها، والوطواط كان يسرق تمور الناس، والقردة
والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، والجريث، والضب فرقة من بني
إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 10.
80

البحر، وفرقة في البر، والفأرة هو الفويسقة، والعقرب كان نماما "، والدب، والوزغ
والزنبور كان لحاما " يسرق في الميزان) (1).
وقد أطلق شيخنا الطوسي رحمه الله في مسائل الخلاف فقال: المسوخ نجسة
ولعله إشارة إلى هذا، كذا قال المفيد في المقنعة وعلم الهدى في المصباح، وعندي
في ذلك كله توقف، والرواية التي تلوناها شاذة، وقد روي (أنه لا بأس بأمشاط
العاج) (2) وهو يدل على طهارة عظم الفيل.
والوجه الطهارة في ذلك كله، وإن كان حراما "، ورواية أبي العباس الفضل (3)
دلت على طهارة أسئار هذه الحيوانات، وطهارة سؤرها، دلالة على طهارة عينها،
فإن قلنا بالنجاسة له يقع الذكاة عليها قطعا "، وإن قلنا بالطهارة ففي وقوع الذكاة عليها
تردد، أقربه أنها لا تقع، لأن طهارة الحيوان بالذبح مستفادة من الشرع، والأصل حرمة
الذبح، فلا يكون الذبح مطهرا "، ولا الدباغ، لما سلف، فيتعين المنع منها مطلقا ".
مسألة: كل ما يحرم أكله يحرم الصلاة في شعره، وصوفه، ووبره، إلا ما
تشتبه، وهو قول علمائنا. لنا أن جواز الصلاة في شئ من ذلك مع المنع من جواز
الصلاة في جلده مما لا يجتمعان، أما عندنا فللمنع من الأمرين، وأما عند أبي حنيفة
فلجواز الأمرين إلا في الآدمي، والخنزير، وأما عند الشافعي فلجواز الصلاة في
الجلد بعد دباغه دون شعره، لكن الثابت هو المنع من الصلاة في الجلد بما بيناه
فيثبت المنع من الصوف، والشعر
ويؤيد ذلك رواية ابن بكير (4) التي سبقت وما رواه إبراهيم بن محمد قال:

1) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المحرمة باب 2 ح 7.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 26 (إلا أنه روي عن أنس رأيت رسول الله
يمشط بمشط من عاج.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 11 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 2 ح 1.
81

(كتبت إليه يسقط علي ثوبي الوبر، والشعر، مما لا يؤكل لحمه من غير تقية، ولا
ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه) (1) وروى الوشاء قال: (كان أبو عبد الله عليه السلام
يكره الصلاة في وبر كل شئ لا يؤكل لحمه) (2) وعن أحمد بن إسحاق الأبهري
قال: (كتبت إليه أسأله هل يجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير تقية، ولا ضرورة؟
فكتب لا تجوز الصلاة فيها). (3)
وهذه الأخبار وإن كانت ما بين مرسل، أو عن ضعيف، لكن الفتوى بهذا
مشهورة بين فقهاء أهل البيت اشتهارا " ظاهرا " فالعمل بها لازم، والكلام في الثوب
الذي يلي وبر الثعالب، وفي الذي تحت جلده يبنى على القولين، فإن قلنا بالطهارة
فلا يجب، وإن قلنا بالنجاسة فلا يتعدى نجاسته إلا مع رطوبته لا مع يبسه، وقد
أطلق المنع في النهاية وقال: بما فصلناه في المبسوط، والخبر بالمنع مقطوع
السند شاذ، فيسقط اعتباره.
مسألة: وفي القلنسوة من جلد ما لا يؤكل لحمه تردد، أحدهما المنع،
تمسكا " بما دل على المنع من الجلد، قد ذكرناه منه طرقا "، والثاني ما أومأ إليه في
التهذيب متأولا رواية جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام عن الصلاة في جلود الثعالب
(فقالت إذا كانت ذكية فلا بأس) بما صورته يحتمل أنه أراد إذا كان على مثل القلنسوة،
وما أشبهه مما لا يتم الصلاة بها، أما القلنسوة، والتكة من وبر ما لا يؤكل، فللشيخ
قولان:
أحدهما: المنع، قال في النهاية: ولا يجوز الصلاة في القلنسوة، والتكة إذا
عملا من وبر الأرانب.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 2 ح 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 2 ح 5.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 7 ح 5.
82

والثاني: الكراهية، قال في المبسوط لنا على المنع ما سبق في الجلود،
فإن احتج بما رواه محمد بن عبد الجبار (كتبت إلى أبي محمد أسأله هل أصلي في
قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب
لا تحل الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيا " حلت الصلاة فيه) (1).
والجواب: ترجيح ما ذكرناه من المنع، فإنها تتضمن القول، والقول
أرجح من الكتابة، ولو سلمنا التساوي لكان ما دلت عليه هذه مخالفا " لما دلت عليه
أخبارنا، إذ هي دالة على قلنسوة عليها وبر، وأخبارنا تضمنت المنع مما يعمل من
وبر الأرانب، وبين القولين فرق.
ثم تعارض ذلك زيادة عما ذكرناه بما رواه علي بن مهزيار قال: (كتب إليه
إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل يجوز الصلاة في
وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها) (2) ثم اعلم
بعد ذلك أن العمل بما ذكرناه أحوط، وإن كان القول بالكراهية محتملا.
مسألة: والصوف، والشعر مما يؤكل لحمه يجوز الصلاة فيه، وإن أخذ من
ميتة جزا "، وهو إجماع علمائنا، وقول أبي حنيفة، وأحمد، خلافا " للشافعي.
لنا أنه طاهر قبل موت الحيوان فيكون طاهرا " بعده لعدم صدق الموت عليه،
ولأن طهارته غير موقوفة على الذكاة، فلا يكون الموت منجسا " له كما لو جز من
الحي، ويؤيد ذلك ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالصلاة
فيما كان من صوف الميتة أن الصوف ليس فيه روح) (3).
فإن احتج الشافعي بأنه متصل بذي روح ينمي بنمائه فيكون حيا " ينجس بالموت،

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 14 ح 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 14 ح 3.
3) من لا يحضره الفقيه ج 1 فيما يصلى فيه وما لا يصلى فيه ح 810 ص 172.
83

وبأنه يتعلق به الأرش فيكون كعضو من الحي، وبأن السن يحس بما يعرض له من
ضرس وهو دليل الحياة.
والجواب: سلمنا أنه ينمي لكن لا نسلم أنه يلزم أن يكون حيا "، إذا الفرق
بين النمو والحياة ظاهر، أما الأرش فلا نسلم أنه يستلزم الحياة، بل لم لا يستتبع
زوال الزينة، كما يستتبع زوال الحياة، أما الإحساس فيحتمل أن يكون لانصباب
الجزة جريفة، أو رطوبة حامضة يحدث فيه ما يوجب إحساس موضع الاتصال به
من الحي لا لأن الحس فيه.
فرع
اشترط الشيخ (ره) في المبسوط في جواز الجز استعماله، وكأنه نظر إلى
أن نزعه يستصحب شيئا " من مادته وهي نجسة، فلهذا اشترطنا نحن غسله إن لم يجز،
أو يقطع منه موضع الاتصال.
مسألة: تجوز الصلاة في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب، والخز
دابة بحرية ذات أربع تصاد من الماء وتموت بفقده، قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن الله
أحله، وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان، وجعل ذكاتها موتها) (1) كذا روى
محمد بن سليمان الديلمي، عن قريب، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام.
وعندي في هذه الرواية توقف، لضعف محمد بن سليمان، ومخالفتها لما
اتفقوا عليه من أنه لا يؤكل من حيوان البحر إلا السمك، ولا من السمك إلا ما له
فلس، وحدثني جماعة من التجار أنها القندس، ولم أتحققه، أما الجواز في الخالص
فهو إجماع علمائنا مذكا " كان، أو ميتا " لأنه طاهر في حال الحياة ولا ينجس بالموت
فتبقى على الطهارة.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 8 ح 4.
84

ويؤيد ما ذكرناه ما رواه الأصحاب عن جماعة منهم معمر بن خلاد قال:
(سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الصلاة في الخز قال: صل فيه) (1) وهل تجوز
الصلاة في جلده؟ فيه تردد أقربه الجواز، يؤيد ذلك رواية سعد بن سعد، عن الرضا
عليه السلام قال: (سألته عن جلود الخز قال: هو ذا يلبس فقلت ذاك الوبر جعلت فداك
قال: إذا حل وبره حل جلده)) (2) أما المغشوش بوبر الأرانب والثعالب ففيه
روايتان:
أحدهما: رواية محمد بن يعقوب الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد
ابن محمد، رفعه (عن أبي عبد الله عليه السلام في الخز الخالص لا بأس به، أما الذي يخلط
فيه وبر الأرانب، أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه) (3) ورواية أيوب بن نوح
رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (الصلاة في الخز الخالص لا بأس به، أما الذي
يخلط فيه وبر الأرانب، أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه) ().
والثانية: رواية داود الصرمي قال: (سألته وتارة يقول: سأل الرجل أبا
الحسن الثالث عليه السلام عن الصلاة في الخز يغش بوبر الأرانب، فكتب يجوز
ذلك) (5) والوجه ترجيح الروايتين الأوليتين وإن كانتا مقطوعتين، لاشتهار العمل
بهما بين الأصحاب، ودعوى أكثرهم الإجمال على مضمونهما.
مسألة: وفي فرو السنجاب قولان، أحدهما المنع، اختاره الشيخ في الأطعمة
من النهاية، والثاني الجواز، اختاره في الخلاف، وفي كتاب الصلاة من النهاية،
وقال في المبسوط: أما السنجاب، والحواصل فلا بأس بالصلاة فيهما بلا خلاف.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 8 ح 5.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 10 ح 14.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 9 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 9 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 9 ح 2.
85

ويؤيده رواية مقابل بن مقابل قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في
السمور، والسنجاب، والثعالب فقال: لا خير في ذا كله ما خلا السنجاب، فإنه دابة
لا تأكل اللحم) (1) وفي رواية علي بن راشد عن أبي جعفر الثاني قال: (صل في
الفنك، والسنجاب وأما السمور، فلا تصل فيه) (2).
فإن احتج المانع بما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (أن كان شئ حرام أكله،
والصلاة في وبره، وشعره، وجلده، وبوله، وروثه، وكل شئ منه فاسد لا تقبل
تلك الصلاة) (3) أجبنا بأن خبرنا خاص والخاص مقدم على العام، وبأن ما ذكروه
من الخبر روي عن ابن أبي بكير وفيه طعن، وليس كذلك علي بن راشد لأنه مطابق
لما دل عليه إطلاق الأمر بالصلاة.
مسألة: وفي الثعالب، والأرانب روايتان، أشهرهما المنع، أما المانعة
فرواها محمد بن أبي زيد، عن الرضا عليه السلام (سئل عن جلود الثعالب الذكية، قال:
لا تصل فيها) (4) وعلي بن مهزيار (عن رجل سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في جلود
الثعالب، فنهى عن الصلاة فيها) (5) وأما المبيحة، فرواها جميل، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال: إذا كانت ذكية فلا بأس) (6).
واعلم أن المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب، ووبر الخز
والعمل به احتياط في الدين، وقد روى محمد بن يحيى عن العباس، عن ابن أبي عمير
عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن فرو السمور، والسنجاب

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 3 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 3 ح 5.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 7 ح 6.
5) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 7 ح 8.
6) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 7 ح 9.
86

والثعالب، وأشباهه، قال: لا بأس بالصلاة فيه) (1).
وعن علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام سألت عن لباس الفراء.
والسمور، والفنك، والثعالب، وجميع الجلود قال: لا بأس بذلك) (2) وطريق
هذين الخبرين أقوى من تلك الطرق ولو عمل بهما عامل جاز، لكن على الأول
عمل الظاهرين من الأصحاب، منضما " إلى الاحتياط للعبادة.
مسألة: لا تجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة، وفي
الحرب، أما تحريم لبسه للرجال فعليه علماء الإسلام، وأما بطلان الصلاة فيه فهو مذهب
علمائنا، ووافقنا بعض الحنابلة إذا كان ساترا " للعورة، وأطبق الباقون على صحتها.
لنا على تقدير كونه ساترا " للعورة أنه منهي عن الستر به والنهي يدل على فساد
المنهي عنه لما عرفت، لا يقال: النهي عن الستر لا يرتفع معه الستر لأنه فعل حقيقي
لا ينتفي بالنهي، كما لو قال لا تقم فإن النهي لا يرفع اسم القيام مع تحققه فيكون شرط
الصلاة حاصلا، لأنا نقول: لا نسلم أن شرط الصلاة حاصل، لأنا نسلم أن الستر
مراد كيف كان بل سترا مأمورا به، وإلا لزم كون الستر مأمورا به منهيا عنه باعتبار واحد
وهو محال، وأما إذا كانت العورة مستورة بغيره فقد اتفق الثلاثة وأتباعهم على إبطال
الصلاة فيه، وخالف فقهاء الجمهور عدا أحمد فعنه روايتان.
لنا أن الصلاة فيه محرمة فتكون باطلة، أما التحريم فلما رواه الترمذي، بإسناده عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا تلبس الحرير فإن من لبس الحرير في الدنيا
لم يلبسه في الآخرة) (3) وما رواه حذيفة قال: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نشرب في
آنية الذهب، والفضة، وأن يأكل فيها، وأن يلبس الحرير والديباج) (4) ومع

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 4 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 5 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 422.
4) سنن البيهقي ج 1 ص 28.
87

تحقق النهي يكون القيام، والقعود، والسجود فيه محرما، وأما البطلان فلما ثبت أن
النهي يدل على فساد المنهي عنه.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن عبد الجبار قال: (كتبت إلى أبي محمد
عليه السلام هل يصلي في قلنسوة حريرا "، أو ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض) (1)
وعن أبي الحارث عن الرضا عليه السلام (هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا) (2)
وفي رواية محمد بن بزيع عن الرضا عليه السلام (سألته عن الصلاة في ثوب ديباج فقال:
ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس) (3).
ونزلها الشيخ في حال الحرب، وهو حسن، ويجوز لبسه مع الضرورة،
وفي الحرب وهو اتفاق علمائنا، أما الضرورة فلأن معها يسقط التكليف كالبرد
الشديد دفعا " للحرج، وأما في الحرب فقد ذكره الشيخ في التهذيب والنهاية، وبه
قال عروة وعطا، وتردد ابن حنبل.
لنا ما رووه أنه كان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس يلبسه في الحرب
بمحضر من التابعين ولم ينكروه ولأنه تحصل به قوة القلب ومنع لضرر الزرد عند
حركته فجرى مجرى الضرورة.
ومن طريق الأصحاب ما رواه سماعة بن مهران قال: (سألت أبا عبد الله عن
لباس الحرير، والديباج، فقال: أما في الحرب فلا بأس) (4) وإن كان فيه تماثيل،
وسماعة وإن كان واقفيا " لكنه ثقة، فإذا سلم خبره عن المعارضة عمل به، ويجوز لبسه
للقمل لما روي (أن عبد الرحمن بن عوف، والزبير شكوا إلى النبي القمل فرخص

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 11 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 11 ح 7.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 11 ح 10.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 12 ح 3.
88

لهما في قميص الحرير) (1).
وقال الراوندي في الرابع: لم يرخص لبس الحرير لأحد إلا لعبد الرحمن
فإنه كان قملا، والمشهور أن الترخيص لعبد الرحمن والزبير، ويعلم من الترخيص
لهما بطريق القمل الترخيص لغيرهما بفحوى اللفظ، ويقوى عندي عدم التعدية.
ولا بأس أن تلبسه المرأة اختيارا "، وهو قول العلماء كافة، وهل تحرم عليها
الصلاة فيه؟ قال أبو جعفر بن بابويه: نعم، وأجازه الثلاثة وأتباعهم، لأن الأمر بالصلاة
مطلق فيكون التقييد منافيا " له، لكن ترك العمل بالإطلاق في حق الرجل فيبقى معمولا
به في المرأة، وقال ابن بابويه: النهي عن الصلاة في الحرير مطلق فيتناول المرأة
بإطلاقه.
والجواب: المنع لما ادعاه من إطلاق النهي عن الصلاة في الحرير، والرواية
التي يشير إليها لا تبلغ حجة في تقييد إطلاق الأوامر القرآنية، وفي التكة، والقلنسوة
من الحرير تردد أظهره الجواز مع الكراهية، وبه قال الشيخ في النهاية والمبسوط
ووجه الجواز ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كلما لا تجوز الصلاة فيه
وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم، والقلنسوة، والخف، والزنار يكون
في السراويل ويصلى فيه) (2).
ووجه المنع عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير، وما رواه محمد
ابن عبد الجبار قال: (كتبت إلى أبي محمد هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو
قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض) (3) لكن لما تعارضت الأحاديث
قضي بالكراهية توفيقا "، وهل يجوز الوقوف على الحرير، وافتراشه؟ فيه تردد،

1) صحيح مسلم ج 3 كتاب اللباس باب 26 ص 1647.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 14 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 14 ح 1.
89

والمروي الجواز، روى ذلك علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، قال:
(سألته عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلى حرير ومثله من الديباج يصلح
للرجل أن ينام عليه، والتكاة، والصلاة، قال: يفرشه ويقوم عليه، ولا يسجد عليه) (1)
ومنشأ التردد عموم تحريمه على الرجال.
ويجوز الصلاة فيما لم يكن محضا " كالممزوج بالقطن، والكتان، وغيرهما
من المحلل، ولو كان عشرا " ما لم يكن مستهلكا " بحيث يصدق على الثواب أنه إبريسم
وهو مذهب علمائنا، وقول ابن عباس، وجماعة من أهل العلم، وقال أبو حنيفة
والشافعي: يحرم إذا كان الحرير أكثر، ولو تساويا، فللشافعي قولان.
لنا ما رواه أبو داود، الأثرم عن ابن عباس أنه قال: (إنما نهى عن الثوب
الحرير المصمت (2)، أما العلم وسد الثوب فليس به بأس، ولأنه لا يصدق على
الثوب أنه حرير مع المزج، فيكون الأصل الحل.
ويؤيد ذلك ما روى يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس
بالثوب أن يكون علمه سداه أو زره حريرا " إنما كره الحرير المبهم للرجال) (3)
وما رواه زرارة قال: (سمعت أبا جعفر نهى عن لباس الحرير للرجال والنساء،
إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته، أو سداه خز أو كتان، أو قطن، وإنما كره
الحرير المحض للرجال والنساء) (4).
ولا بأس بثوب مكفوف به يريد بالكف ما يجعل في رؤس الأكمام وأطراف
الأذيال، وحول الزيق قاله الشيخ في النهاية والمبسوط، ويدل على جوازه ما رووه

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 15 ح 1.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 313.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 13 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 13 ح 5.
90

عن عمر (نهى النبي عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثا " أو أربع) (1) ومن طريق
الأصحاب ما رواه جراح المدايني، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه كان يكره أن يلبس
القميص المكفوف بالديباج) (2).
فروع
الأول: ما يخاط من الحرير، بالكتان والقطن لا يزول التحريم عنه، وكذا
لو بطن به الثوب، أو ظهر به لعموم النهي.
الثاني: الحشو بالإبريسم لا يرفع التحريم لعموم المنع، وقال الشافعي:
يرفع لأنه لا خيلاء فيه، وليس وجها " لأنا لا نسلم أن التحريم للخيلاء، بل كما يحتمل
ذلك يحتمل أن يكون لعلة السرف، أو لمنع النفس عن المبالغة في الرياش.
وأما رواية الحسين بن سعيد قال: (قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى
أبي الحسن الرضا يسأله عن الصلاة في ثوب حشرة قز كتب إليه وقرأته لا بأس
بالصلاة فيه) (3) فالرواية ضعيفة، لإسناد الراوي إلى ما وجده في كتاب لم يسمعه
من محدث، وقال أبو جعفر بن بابويه، المراد قز الماعز لا قز الإبريسم.
الثالث: يحرم على الولي تمكين الصغير من لبس الحرير، لقوله عليه السلام (حرام
على ذكور أمتي) (4) وقال جابر: (كنا ننزعه من الصبيان ونتركه على الجواري)
فالأشبه عندي الكراهية، لأن الصبي ليس بمكلف فلا يتناوله الخبر، وما فعله جابر
وغيره يمكن أن يحمل على التنزه والمبالغة في التورع.

1) صحيح مسلم ج 3 كتاب اللباس باب 2 ح 2069 ص 1644.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 11 ح 9.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 47 ح 1.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب اللباس باب 19 ص 1190.
91

مسألة: لا يجوز الصلاة في ثوب مغصوب مع العلم به
، والتحريم متفق عليه
وهل تبطل معه الصلاة؟ قال الثلاثة وأتباعهم: نعم، وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك:
لا تبطل، ولأصحاب أحمد قولان.
لنا أن الحركة فيه محرمة وهي جزء الصلاة فيكون فاسدا "، لأن النهي يقتضي
فساد المنهي فتكون الصلاة فاسدة لفساد جزئها، لا يقال: لا نسلم أن النهي يتناول
الصلاة ولا جزئها ولا شرطها بل تناول اللبس وليس أحد الأقسام، لأنا نقول: النهي
عن المغصوب نهي عن وجوه الانتفاع والحركة فيه انتفاع فيكون محرمة، والنهي
عن الحركة نهي عن القيام، والقعود، والسجود، وهو جزء الصلاة.
ثم اعلم أني لم أقف على نص عن أهل البيت بإبطال الصلاة، وإنما هو شئ
ذهب إليه المشايخ الثلاثة منا، وأتباعهم والأقرب أنه إن كان ستر به الغورة أو سجد
عليه، أو قام فوقه كانت الصلاة لأن جزء الصلاة يكون منهيا " عنه وتبطل الصلاة
بفواته أما لو لم يكن كذلك لم تبطل، وكان كلبس خاتم مغصوب.
فروع
الأول: لو جهل الغصب لم تبطل الصلاة لارتفاع النهي.
الثاني: لو صلى وفي يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردد، أقربه أنها
لا تبطل لما قلناه في الخاتم المغصوب، ومنشأ التردد رواية موسى بن أكيل النميري،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (جعل الله الذهب حلية أهل الجنة فحرم على الرجال لبسه
والصلاة فيه) (1).
الثالث: تكره الصلاة في خاتم حديد، قال الشيخ في النهاية والمبسوط،
وقال المفيد في المقنعة: إذا صلى وفي إصبعه خاتم حديد لم يضره ذلك.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 30 ح 5.
92

وقال بعض أصحاب الحديث منا: بالمنع لرواية موسى بن أكيل، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (جعل الله الحديد في الدنيا زينه الجن، والشياطين فحرم على
المسلمين لبسه في الصلاة إلا أن يكون قتال عدو وقال: لا تجوز الصلاة في شئ
من الحديد فإنه نجس ممسوخ) (1) والوجه ما ذكره الشيخ، فإن الحديث المذكور
شنع، إذ لا أحد من طوائف المسلمين ينجس الحديد فإذا هو ساقط لا عبرة فيه.
مسألة: ولا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم ليس له ساق كالنعل السندي،
والشمشك قاله الشيخان في النهاية والمقنعة، ومستند ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله، وعمل
الصحابة، والتابعين، وقال في المبسوط: تكره الصلاة في الشمشك، والنعل السندي
ولا بأس فيما له ساق كالخفين، والجر موقين، والجر موق كعصفور خف واسع
قصير يلبس فوق الخف، ويدل على جوازه فعل النبي صلى الله عليه وآله، والصحابة، والتابعين.
ويؤيده روايات، منها رواية الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الخفاف
التي تباع في السوق قال: اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه) (2) ورواية
إبراهيم بن مهزيار قال: (سألته عن الصلاة في جرموق، وبعث إليه بجرموق،
فقال: يصلى فيه) (3).
ويستحب الصلاة في النعل العربي، وهو فتوى علمائنا قال عبد الله بن المغيرة:
إذ صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة، وروى عبد الرحمن
ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا صليت فصل في نعليك فإنه يقال ذلك
من السنة) (4) وعن معاوية بن عمار قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي في نعليه غير

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 32 ح 6.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 38 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 38 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 37 ح 1.
93

مرة ولم أره ينزعهما قط) (1).
وتكره الصلاة في الثياب السود خلا العمامة، والخف قاله الأصحاب: روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم) (2) وأمره
عليه السلام بهذا اللون يدل على اختصاصه بالمصلحة الراجحة فيكون ما يضاده غير مشارك
في المصلحة، وأشد الألوان مضادة للبياض السواد.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب، ما رواه أحمد بن محمد بن رفعه عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (يكره السواد إلا في ثلاث: العمامة، والخف، والكساء) (3) ويكره
للرجال المزعفر والمعصفر، لما رووه عن عبد الله بن عمر قال: (رأى النبي صلى الله عليه وآله
على ثوبين معصفرين، قال: هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) (4) ورووا عن النبي
صلى الله عليه وآله (أنه نهى الرجال عن المزعفر) (5).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن المغيرة، عمن حدثه، عن زيد بن
خليفة، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه كره الصلاة في المشبع بالعصفر، والمضرج
بالزعفران) (6).
ويكره في الأحمر، لرواية حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تكره
الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم) (7) والمفدم، بسكون الفاء المصبوغ
المشبع بالحمرة، وروي في أخبارنا كراهية المثيرة الحمراء، فإنها مثيرة إبليس،

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 37 ح 4.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 247.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 19 ح 1.
4) صحيح مسلم ج 3 كتاب اللباس باب 4 ح 2077 ص 1647.
5) صحيح البخاري ج 7 كتاب اللباس باب 33 ص 196.
6) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 59 ح 3.
7) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 59 ح 2.
94

وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا أركب الأرجوان ولا ألبس
المعصفر) (1).
ويكره في ثوب واحد للرجال قال الشيخ في المبسوط: يجوز إذا كان
صفيقا "، ويكره إذا كان رقيقا " إلا أن يكون تحته ميزر يستر عورته، وقال علم الهدى
في المصباح، وقال أحمد بن حنبل: الفضيلة في ثوبين، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
(إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما) (2) وروى ابن عمر (رأى نافعا " يصلي في
ثوب واحد، فقال: لو ذهبت إلى الدار كنت تذهب في ثوب واحد؟ قال: لا، قال:
الله أحق أن تتزين له أم الناس) (3).
ويدل على ما قلناه ما روى البخاري بإسناده عن جابر قال: (رأيت رسول
الله يصلي في ثوب واحد متوشحا " به) (4).
ومن طريق الأصحاب، ما رواه جماعة منهم زرارة قال: (صلى بنا أبو جعفر
في ثوب واحد) (5) وما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن
الرجل يصلي في ثوب واحد، قال: إذا كان القميص صفيقا فلا بأس) (6) وقال في
الخلاف: ويجوز في قميص واحد وإن لم يزده، ولا يشد وسطه سوى كان واسع
الجيب، أو ضيقه روى ذلك زياد بن سوقه، عن أبي جعفر عليه السلام (7) ولو حكى القميص
ما تحته لم تجز الصلاة، لأن ستر العورة شرط الصلاة ولم يحصل، هذا إذا حكى
لون الصورة، فإن حكى الخلقة جاز لتحقق الستر، ولأن ذلك يحصل مع الصفيق.

1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 442.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 236.
3) صحيح البخاري ج 1 كتاب الصلاة باب 52 ح 514 ص 368.
4) غير مطبوع.
5) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 22 ح 6.
6) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 21 ح 1.
7) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 23 ح 1. 21
95

ويكره أن يأتزر فوق القميص، ذكره الثلاثة في النهاية والمبسوط والمصباح
والمقنعة لرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا ينبغي أن يتوشح بإزار فوق
القميص إذا صليت، فإنه من الجاهلية) (1) وفي رواية موسى بن عمر بن بزيع قلت
للرضا عليه السلام: (أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة؟ فقال: لا بأس به) (2).
وعن موسى بن القسم البجلي قال: (رأيت أبا جعفر الثاني يصلي في قميص
قد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي) (3) والوجه أن التوشح فوق القميص مكروه، وأما
شد الميزر فوقه فليس بمكروه، ودل على كراهية التوشح رواية أبي بصير.
ويؤكد إرادة الكراهية ما روي من جوازه في رواية علي بن يقطين عن عبد
الصالح عليه السلام (سألته هل يصلي الرجل وعليه إزار متوشح به فوق القميص؟ فكتب
نعم) (4) ويكره اشتمال الصماء وهو اتفاق، واختلف في كيفيته، فقال الشيخ في
المبسوط: هو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكب واحد
كفعل اليهود.
وعن أبي سعيد الخدري (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن اشتمال الصماء) (5) وهو
أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن ويرد طرفيه تحت منكبه الأيسر وعن ابن
مسعود (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يلبس الرجل ثوبا " واحدا " يأخذ بجوانبه عن منكبيه) (6)
تدعى تلك الصماء.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 24 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 24 ح 5.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 24 ح 6، (إلا أنه فيه عن موسى بن
القاسم.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 24 ح 7.
5) مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 6.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 238 بهذا المضمون.
96

وقال بعض الشافعية: إن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره فتبدو
عورته، وقال أبو عبيد: إن تخلل جسدك بثوبك وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه
على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن
فيغطيهما جميعا ".
وما ذكره الشيخ أولى، لما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: (إياك
والتحاف الصماء، قلت: وما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت
جناحك فتجعله على منكب واحد) (1) وفي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى
ابن جعفر عليه السلام قال: (سألته هل يصلح أن يجمع الرجل طرفي ردائه على يساره؟
قال: لا يصلح ولكن أجمعهما على يمينك أو دعهما) (2) والمعول على ما سبق،
وتتحقق الكراهية وإن كان تحته غيره لعموم النهي.
ويكره في عمامة لا حنك لها، وعليه علماؤنا، ولما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه
نهى عن الاقتعاط، وأمر بالتلحي) والاقتعاط هو أن لا يدير العمامة من تحت ذقنه.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه جماعة منهم عيسى بن حمزة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (من اعتم فلم يدر العامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن
إلا نفسه) (3) ويكره أن يؤم بغير رداء، والرداء الثوب الذي يجعل على المنكبين،
ومستنده ما رواه سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما " في
قميص ليس عليه رداء، فقال: لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي
بها) (4).

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 25 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 25 ح 7.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 26 ح 2.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 53 ح 1.
97

ويكره أن يصحب معه حديدا " بارزا "، كذا ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط
وفي رواية موسى بن أكيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (الرجل في السفر يكون
معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا " المفتاح يخشى الضياع،
قال: لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة، ولا بأس بالسيف وكلالة
السلاح في الحرب وفي غير ذلك لا يجوز في شئ من الحديد فإنه نجس مسخ) (1)
قال الشيخ في التهذيب: وقد قدمنا في رواية عمار أن الحديد متى كان في
غلاف فإنه لا بأس بالصلاة فيه ونحن نقول: قد بينا أن الحديد ليس بنجس بإجماع
الطوائف، فإذا ورد التنجيس حملناه على الكراهية استصحابا فإن النجاسة قد تطلق
على ما يستحب أن يجتنب، وتسقط الكراهية مع ستره وقوفا " بالكراهية على موضع
الاتفاق ممن كرهه.
ويكره في ثوب يتهم صاحبه، يعني التهمة بعدم التوقي من النجاسات احتياطا "
للصلاة، ويكره في ثوب فيه تماثيل، وقال الشيخ في المبسوط والثوب إذا كان فيه
تمثال وصورة لا تجوز الصلاة فيه.
ويمكن أن يحتج بما روى عمر بن خالد، عن أبي جعفر عليه السلام، ومحمد بن
مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن جبرئيل أتاني فقال:
إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا " فيه كلب، ولا تمثال جسد) (2) ونفور الملائكة عن
الشئ مؤذن بالكراهية، وفي رواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الثوب يكون
في عمله مثال الطير أو غير ذلك أيصلي فيه؟ قال: لا) (3).
ويكره في خاتم فيه صورة، روى عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 32 ح 6.
2) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 33 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 45 ح 15.
98

يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال لا يجوز الصلاة فيه وليست هذه
مما يعتمد، لكن لا بأس باجتنابه كراهية لا تحريما، ويكره للمرأة في خلخال له
صوت وربما كان مخافة اشتغالها به، ويكره لها منقبة، وللرجل متلثما هذا إذا لم
يمنع سماع القراءة فإن يمنع لم يجز، وقال المفيد في المقنعة: لا يجوز وأطلق.
لنا ما روى ذرعة، عن سماعة قال (سألته عن الرجل يصلي فيتلوا القرآن
وهو متلثم، فقال: لا بأس به، وإن كشف عن فيه فهو أفضل، قال: وسألته عن
المرأة تصلي متنقبة، قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به وإن سفرت
فهو أفضل) (1).
وما ذكره المفيد، الظاهر أنه يريد به الكراهية لما رواه الحلبي قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام هل يقرأ الرجل في صلاة وثوبه على فيه؟ فقال: لا بأس بذلك إذا
سمع الهمهمة) (2) وقيل: يكره في قباء مشدود إلا في الحرب، قاله الثلاثة، وإنما
حكاه قولا لعدم الظفر بمستندهم.
مسائل ثلاث:
الأولى: ما تصح الصلاة فيه، يشترط خلوه من النجاسة، وأن يكون مملوكا "
أو مأذونا " فيه وقد مر البحث فيه.
الثانية: عورة الرجل قبله، ودبره، وستر ما بين السرة والركبة أفضل،
وستر الجسد أكمل، وستر العورة واجب وشرط في صحة الصلاة، أما الوجوب
فعليه علماء الإسلام، وأما كونها شرطا " فعليه علماؤنا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
وأحمد: واختلف أصحاب مالك، فقال بعضهم: شرط مع الذكر دون النسيان،

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 35 ح 6.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 35 ح 3.
99

وقال آخرون: ليس شرطا " بل هو واجب غير مختص بالصلاة، كوجوب بر الوالد وصلة
الرحم.
لنا قول النبي صلى الله عليه وآله (لا تقبل صلاة حائض إلا بخمار) (1) ولا قائل بالفصل،
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر
عليه السلام (سألته عن رجل قطعت عليه الطريق فبقي عريانا " وحضرت الصلاة، قال: إن
أصاب حشيشا " يستر عورته أتم صلاته في الركوع، والسجود، وإن لم يصب شيئا "
يستر عورته أومأ وهو قائم) (2).
وعورة الرجل قبله، ودبره وهو قول الثلاثة في النهاية والمبسوط والمصباح
والمقنعة وبه قال ابن أبي ذيب وداود، وأحد قولي أحمد بن حنبل قال علم الهدى:
وروي أن العورة ما بين السرة، والركبة هو قول أبي حنيفة والشافعي وأحد الروايتين
عن أحمد.
لنا ما رواه البخاري عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وآله حسر الإزار عن فخذه يوم خيبر
حتى أني لا نظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وآله) (3) وعن عايشة (كان رسول الله في
بيته كاشفا " عن فخذيه، وأذن لأبي بكر، وعمر وهو على تلك الحال) (4).
واستدل الشافعي بما روي عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
(أسفل السرة وفوق الركبة من العورة) (5) ومثل معناه (روى عمر بن شعيب عن
أبيه عن جده) (6) والجواب التوفيق بين الروايتين بالوجوب، والاستحباب وليست
الركبة من العورة بإجماع علمائنا، وقال أبو حنيفة: من العورة لما روي عن النبي

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة باب 132 ص 215.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 50 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 230.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 231.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 229.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 229.
100

قال: الركبة من العورة، ولأنها حد فلا تدخل في المحدود كالسرة.
أما المرأة الحرة فجسدها عورة خلا الوجه بإجماع علماء الإسلام، ولقول
النبي صلى الله عليه وآله (جسد المرأة عورة) (1) وكذا الكفان عند علمائنا، وبه قال مالك
والشافعي، وقال الخرفي من الحنابلة: هما عورة.
لنا أن العادة ظهورهما للأخذ والعطاء فلم يكونا من العورة، ولما روي عن
ابن عباس في قوله (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) (2) قال: (الوجه والكفان) (3)
أما ظهر القدمين فقد قال الشيخ في المبسوط: لا يجب سترهما، وبه قال أبو حنيفة
وقال الشافعي، ومالك: يجب سترهما. لنا أنهما يظهران غالبا " فكانا كالكفين، بل
ظهورهما ليس بفاحش مثل ظهور الوجه.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب، ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (قلت: ما ترى للرجل أن يصلي في قميص واحد؟ قال: إذا كان كثيفا " فلا
بأس والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفا "، يعني إذا كان سترا ") (4).
ووجه الدلالة أنه أخبره بالدرع وهو القميص والمقنعة وهي للرأس فدل على
أن ما عدا ذلك مستحب، والأفضل أن تغطي جسدها بثلاثة أثواب درع، وقناع،
وإزار، رواه جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد الله عن المرأة تصلي في درع،
وخمار فقال: يكون عليها ملحفة تضمها عليها) (5).
وعن ابن يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (تصلي المرأة في ثلاثة أثواب

1) الوسائل ج 18 أبواب مقدمات النكاح باب 24 ح 4.
2) سورة النور: 31.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 225.
4) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 21 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 28 ح 11.
101

إزار، ودرع، وخمار) (1) فأما رواية عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا بأس أن تصلي المرأة المسلمة الحرة مكشوفة الرأس) (2) فطرحه الضعف من
عبد الله بن بكير فلا تترك لخبره الأخبار الصحيحة المتفق على مضمونها، وقال الشيخ
في التهذيب: يحمل على الصغيرة.
فرع
تبطل الصلاة بظهور شئ من العورة مع العلم، وإن الفوات شرط الصلاة،
وقال في المبسوط: لو انكشفت سترهما ولا تبطل صلاته، ولا تبطل مع عدم العلم،
ومن ليس معه إلا وزرة، أو سروال يصلي فيه ولا يجب أن يطرح على عاتقه شيئا " بل
يستحب، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك.
وقال أحمد بن حنبل: يجب لما روى أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا
يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ) (3) وعن بريدة قال: (نهى
النبي أن يصلى في سراويل ليس عليه رداء) (4).
لنا أنه صلى ساترا " للعورة فلا يجب ما زاد ولما روي (أنه صلى في ثوب واحد
متوشحا " به) (5) ورواياته محمولة على الاستحباب، ويدل على الاستحباب ما رواه
محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لبس السراويل جعل على عاتقه
شيئا " ولو حبلا) (6).

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 28 ح 8.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 29 ح 5.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 23 8.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 236.
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 284 ص 369.
6) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 22 ح 2.
102

مسألة: الصبية والأمة تجزيان بستر الجسد، ولا يجب عليهما ستر الرأس،
وهو إجماع علماء الإسلام عدا الحسن البصري، فإنه أوجب لهما الخمار إذا تزوجت
واتخذها لنفسه، ولا عبرة بخلاف الحسن مع الإجماع على خلافه.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام
(قلت يرحمك الله الأمة تغطي رأسها إذا صلت؟ فقال: ليس على الأمة قناع) (1)
وهل يستحب لها القناع؟ قال به عطا، ولم يستحب الباقون لما رووه (أن عمر كان
ينهى الإماء عن التقنع وقال: إنما القناع للحرائر، وضرب أمة لآل أنس رآها بمقنعة
وقال اكشفي، ولا تشبهي بالحرائر) وما قاله عطا حسن لأن الستر أنسب بالخفرة
والحياء، وهو مراد من الحيرة، والأمة وما ذكروه عن فعل عمر جايز أن يكون رأيا " رآه.
فروع
الأول: المدبرة، وأم الولد، والمكاتبة المشروطة، والمطلقة التي لم يؤد
من مكاتبها كالأمة القن، ولو تحرر منها شئ بكتابة أو غيرها فهي كالحرة.
الثاني: لو أعتقت في الصلاة وأمكنها الستر من غير إبطال وجب، وإن
خشيت فوت الصلاة واحتاجت إلى فعل كثير استمرت، وكذا الصبية إن بلغت بما
لا يفسد الصلاة، وقال في الخلاف تستمر المعتقة وأطلق.
الثالث: لا يجوز كشف ما عدا رأسها اقتصارا " بالإذن على مورد النص، كذا
قال الشيخ في الخلاف والمبسوط ويقرب عندي جواز كشف وجهها، وكفيها،
وقدميها كما قلناه في الحرة.
المسألة الثالثة: لا يسقط فرض الصلاة مع عدم الساتر، وعليه علماء الإسلام
لأنه شرط مع التمكن فلا تسقط المشروط بفواته، ولو وجد ساترا " من حشيش ستر

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 29 ح 1.
103

به إجماع "، وكذا لو وجد طينا " وقال بعض الحنابلة لا يجب لأنه يتناثر ولأنه يضر
ولا يستر منه الخلقة.
لنا أنه نوع من ساتر فيجب لإمكان الستر، ولقول الصادق عليه السلام (النورة سترة) (1)
وما ذكروه لا حجة فيه، لأن التناثر بعد الاستظهار به لا يضر، وستر الخلقة لا يجب
مع عدم التمكن، ولو أستر ثم انكشفت عورته ولم يعلم فصلاته ماضية، لما رواه
علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي وفرجه
خارج لا يعلم به هل عليه إعادة؟ قال لا إعادة عليه وقد تمت صلاته) (2).
وإذا عدم الساتر قال علم الهدى في المصباح والجمل: يصلي قاعدا " مؤميا "
وبه قال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: ولعل علم الهدى استند إلى رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (فيمن خرج من سفينة عريانا " قال: إن كان امرأة جعلت يداها على
فرجها وإن كان رجلا وضع يده على سوئته ثم يجلسان فيؤميان إيماءا ولا يرفعان ولا
يسجدان فيبدو ما خلفهما) (3).
واستند أحمد إلى ما روي عن عبد الله بن عمر (أن قوما " انكسرت سفينتهم
فخرجوا عراة قال: يصلون جلوسا " يؤمون إيماءا) ولم يخالفه أحد من الصحابة، وقال
الشافعي ومالك: يصلي قائما " بركوع، وسجود لقول النبي صلى الله عليه وآله (صل قائما " فإن
لم تستطع فجالسا ") (4) فلا يسقط القيام بفوات السترة، ولا الركوع، والسجود،
لأنهما ركنان.
وقال الشيخان في الخلاف والمبسوط والمقنع إن كان بحيث يراه أحد صلى
جالسا "، وإلا قائما "، وفي الحالين يكون مؤميا " لركوعه، وسجوده وهذا التأويل حسن

1) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 18 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 27 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 50 ح 6.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 304.
104

معتمد يشهد به رواية ابن مسكان، عن بعض أصحابه، وعن أبي عبد الله عليه السلام (في
الرجل يخرج عريانا " فيدرك الصلاة، قال: يصلي عريانا " قائما " إن لم يره أحد فإن رآه
أحد صلى جالسا ") (1) ويحتمل التخيير بين الأمرين، وبه قال من الجمهور ابن جريح.
لنا ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام، سألته عن رجل
قطع عليه، أو غرق فبقي عريانا " كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشا " يستر عورته
أتم صلاته بالركوع، والسجود، وإن لم يصب شيئا " يستر عورته أومأ وهو قائم) (2)
ومع تعارض الروايتين يلزم التخيير، فإن قلنا: بالتخيير فهو لاستضعاف الرواية
المفصلة بطريق جهالة الراوي عن أبي عبد الله عليه السلام.
وجواب علم الهدى المعارضة بخبر علي بن جعفر عليه السلام، وجواب أبي حنيفة
المنع من وجوب متابعة الصحابي في فتواه، وقوله لم ينكر عليه أحد، قلنا: هذا
يمكن أن يكون حجة بتقدير أن يشتهر فتواه بين الصحابة ولا نسلم اشتهارها، ولو
سلمنا اشتهارها لكان سكوت الباقين غير حجة لاحتماله غير الرضا، وقد بينا ذلك
في أصول الفقه.
وجواب الشافعي أن نسلم أن القيام مع القدرة شرط لكن ستر العورة أيضا "
شرط ولا نسلم سقوط اشتراطه هنا، فغايته إن ركع وسجد أخل بالستر، وإن ستر
أخل بهما، ولا رجحان، لكن إبداء العورة أفحش فكان مراعاتها أولى.
فروع
الأول: فاقد الستر لو وجد حفيرة دخلها، وصلى قائما "، وركع، وسجد وقال
الشيخ: يدخلها ويصلي قائما "، ولم يصرح بالركوع والسجود وهو بناء على قوله

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 50 ح 3.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 50 ح 1.
105

بوجوب القيام مع أمن المطلع، ومنع ذلك جماعة من الجمهور ممن أوجب الصلاة
جالسا "، لأن الساتر لا يلصق بجلد المصلي فجرى مجرى عدمه.
لنا أن الستر يحصل عن المشاهدة ولا نسلم أن التصاق الساتر شرط، ويؤيد
ذلك ما رواه أيوب بن نوح، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (العاري
الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فسجد فيها، وركع) (1).
الثاني: لو وجد وحلا، أو ماءا كدرا بحيث لو نزله ستر عورته لم يجب نزوله
لأن فيه ضررا ومشقة.
الثالث: لو وجد ما يستر إحدى العورتين وجب، وصلى كالعاري لأن ستر
العورتين واجب، فلا يسقط وجوب إحديهما بفوات الأخرى، وستر القبل أولى لأن
الدبر مستور بالأليتين.
الرابع: قال في المبسوط: لا بأس أن يصلي الرجل في ثوب وإن لم يزر
جيبه فإن كان في الثوب خرق لا يحاذي العورة فلا بأس به، وإن حاذى العورة لم
يجز، ولو كان جيبه واسعا " بحيث لو ركع بانت له عورة لم يجب ستر ذلك وكانت
صلاته ماضية، وقد روى ذلك رجل، عن أبي عبد الله قلت: (يقولون الرجل
إذا صلى وأزراره محلولة ويده داخل القميص إنما يصلي عريانا "؟ قال: لا بأس) (2)
الخامس: لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم تبطل صلاته تطاولت
المدة قبل علمه أو لم تطل كثيرا كان الكشف أو قليلا لسقوط التكليف مع عدم العلم.
مسألة: الجماعة مستحبة للعراة رجالا كانوا أو نساءا، ويصلون صفا واحدا
جلوسا يتقدمهم الإمام بركبتيه " وهو اختيار علمائنا، وقال أبو حنيفة: يصلون فرادى
وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 50 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 23 ح 4.
106

لنا قوله عليه السلام (صلاة الرجل في جماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين
درجة) (1) ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(الصلاة في الجماعة تفضل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين
صلاة) (2) وهذه الألفاظ جارية على عمومها.
مسألة: إذا اجتمع العراة صلوا جلوسا " يتقدمهم الإمام بركبتيه، وكيف
يصلون؟ فيه قولان: أحدهما: بالإيماء جميعا "، اختاره علم الهدى، والآخر: يومئ
الإمام، ويركع من خلفه ويسجد، اختاره في النهاية وتشهد به رواية إسحاق بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يتقدمهم أمامهم فيجلس ويجلسون خلفه، يومئ الإمام
بالركوع والسجود وهم يركعون، ويسجدون خلفه على وجوههم) (3) وهذه حسنة
لا يلتفت إلى من يدعي الإجماع على خلافها.
فروع
الأول: لو كان مع العراة ثوب اختص به صاحبه، وصلى قائما " راكعا " وساجدا "
واستحب له إعارته لغيره لأنه معونة على التقوى ووجب قبوله لإمكان الشرط، ويؤم
بهم صاحب الثوب، ولا يأتم بعار، وإن بذل لهم الثوب بذلا مع سعة الوقت سقطت
الجماعة لإمكان ستر العورة مع الانفراد.
الثاني: لو بذل لهم وخافوا فوت الوقت هل يصلون عراة أو يتوقعون؟ قال
الشافعي: يتوقعون كالمتيمم مع وجود الماء، والأقرب أن يصلون عراة قاله الشيخ
في المبسوط: محافظة على تحصيل المشروط، وليس كالمتيمم فإن التراب ليس

1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 59.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 51 ح 2.
107

مطهرا مع وجود الماء.
الثالث: إذا اجتمع النساء، والرجال فإن قلنا بتحريم المحاذاة لم تجتمع
النساء مع الرجال إلا مع حائل، وإن قلنا بالكراهية جاز وإن كان الرجال مع
النساء صفا " واحدا ".
الرابع: لو كان صاحب الثوب أميا مع عراة قراء لم يؤمهم لأن الأمي لا
يؤم القارئ ولم يأتم بأحدهم، لأن القاعد لا يؤم القائم.
الخامس: إذا اجتمع الرجال والنساء عراة فلصاحب الثوب ولاية التخصيص
والنساء أولى، لأن عورتهن أفحش، ولا يلزم العاري تأخير الصلاة إلى آخر الوقت،
كذا يختار الشيخ في النهاية، وقال علم الهدى في المصباح وسلار: يجب أن يؤخر
رجاءا لحصول السترة، ويمكن أن يقال مع ظن تحصيل السترة يؤخر، ومع عدم
الظن يعجل.
السادس: لو صلى الرجل ثم صلت المرأة إلى جانبه بطلت صلاتها دونه
على القول بتحريم المحاذاة، روى ذلك علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر
عليه السلام (عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي قال لا يفسد ذلك على القوم
وتعيد المرأة) (1) ووجهه أن النهي متناول صلاة المرأة لا صلاة الباقين.
المقدمة الخامسة
[في المكان]
مسألة: لا تصح الصلاة في مكان مغصوب مع العلم بالغصبية اختيارا " وهو
مذهب الثلاثة وأتباعهم، ووافق الجبائيان وأحمد في إحدى الروايتين وخالف الباقون.
لنا صلاة منهي عنها والنهي يدل على فساد المنهي، لا يقال: هذا باطل بالوضوء

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 9 ح 1.
108

في المكان المغصوب، وبإزالة عين النجاسة بالماء المغصوب، وبأن النهي يدل
على الفساد حيث يكون النهي متناولا لنفس العبادة وليس في صورة النزاع كذلك،
بل النهي متناول لعارض خارج عن ماهية الصلاة فلا يكون مبطلا، لأنا نقول: الفرق
بين الوضوء في المكان والصلاة فيه أن الكون بالمكان ليس جزءا من الوضوء ولا
شرطا " فيه.
وليس كذلك الصلاة، فإن القيام جزء من الصلاة وهو منهي عنه لأنه استقلال
في المكان المنهي عن الاستقلال فيه وكذا السجود فإذا بطل القيام والسجود وهما
ركنان بطلت الصلاة، وإزالة عين النجاسة ليست بعبادة إلا مع نية التقرب، وإذا
جاز أن يقع غير عبادة أمكن إزالة النجاسة وإن كان المزيل عاصيا " بالإزالة كما يصح
إزالة عين النجاسة من الكافر والطفل.
أما الصلاة فإنها لا تقع إلا عبادة فلا تقع صحيحة مع النهي عنها، وقوله
النهي لم يتناول العبادة، قلنا: النهي يتناول العبادة بطريق اللزوم ليتناوله القيام،
والسجود، ويلزم من بطلانهما بطلان الصلاة، إذا ثبت هذا كان البطلان تابعا " للنهي
فلا يتحقق مع عدم العلم بالغصب فخرج من هذا الجاهل والمضطر.
فروع
الأول: قال في المبسوط: لا فرق بين الغاصب وغيره ممن أذن له في الصلاة
فيه، والوجه الجواز لمن أذن له المالك ولو أذن للغاصب.
الثاني: لو أذن له في الدخول إلى داره والتصرف جاز أن يصلي لأنه من
جملة التصرف، وكذا لو علم بشاهد حاله الإذن.
الثالث: يجوز الصلاة في البساتين، والصحاري ما لم يكره المالك لأن
الإذن معلوم بالعادة.
109

الرابع: من حصل في ملك غيره فأمره بالخروج فإن كان الوقت واسعا " لم
يصل، وإن ضاق صلى وهو خارج جميعا " بين الواجبين.
مسألة: وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلي قولان، أحدهما، المنع
مصليا " بصلاته، أو منفردة محرما "، أو أجنبية، والآخر: الجواز على الكراهية،
والأول اختيار الشيخين في النهاية والمقنعة، لكن الشيخ في النهاية والمبسوط حرم
المحاذاة وتقدمها إلا مع حائل، أو تباعد والمفيد منع المحاذاة ولو في صف
واحد، وأبطل الشيخان صلاتهما، والثاني مذهب علم الهدى في المصباح وهو
أولى، وشرط آخرون في الجواز التباعد عشرة أذرع.
لنا أن الأمر بالصلاة مطلق والتقييد ينافيه فلا يثبت بخبر الواحد، ويؤيد
ذلك روايات منها ما رواه العلاء، عن محمد، عن أحدهما (في الرجل يصلي في
الحجرة وامرأته أو بنته تصلي بحذائه في الزاوية قال: لا ينبغي ذلك وإن كان بينهما
شبرا " أجزءه يعني إذا كان الرجل متقدما " بشبر) (1) وفي رواية أبي بصير (إذا كان
بينهما شبرا " وذراع) (2) والظاهر من هذا اللفظ الكراهية، وفي رواية جميل، عن
أبي عبد الله عليه السلام (الرجل يصلي والمرأة بحذائه قال: لا بأس) (3).
واحتج آخرون برواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يصلي حتى
يجعل بينها وبينه عشرة أذرع، وعن يمينه، وشماله مثل ذلك، فإن صلت خلفه فلا
بأس) (4) ونزل كل رواية نطقت بالجواز على هذا التفصيل، والجواب الطعن في
الخبر فإن رجاله فطحية ورواياتنا سليمة فكانت أولى، ولأن روايتنا مطابقة للإطلاقات

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 5 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 5 ح 3.
3) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 5 ح 6.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 7 ح 1 ص 431 (مع تفاوت).
110

المعلومة فلا تتقيد بالخبر الضعيف.
ولو كان بينهما حائل، أو قدر عشرة أذرع سقط المنع إجماعا " منا، ولو كانت
متأخرة عنه ولو يسيرا "، أو مسقط الجسد، أو غير متشاغلة بالصلاة لم تمنع صلاته،
ولو كانا في موضع لا يمكن التباعد صلى الرجل أولا والمرأة ثانيا " عندنا استحبابا "،
وعند الشيخ وجوبا "، ولا يشترط طهارة موضع الصلاة، ولا طهارة موضع المساجد،
ويشترط طهارة موضع السجود، وتحقيق ذلك قد سبق.
فرع
قال في المبسوط: إن صلت خلف الأم بطلت صلاة من إلى جانبيها، ومن
يحاذيها من خلفها دون غيرهم، ولو صلت إلى جنبه بطلت صلاتها وصلاة الإمام ولا
تبطل صلاة المأمومين، ويلزم على قوله أن تبطل صلاة من يحاذيها من ورائها.
مسألة: يستحب الفريضة في المسجد إلا في الكعبة والنافلة في المنزل، وأما
الكعبة فقد بينا خلاف فقهائنا في الصلاة فيها، وأما استحباب الفريضة في غير الكعبة
من المساجد فلمواظبة النبي صلى الله عليه وآله وحثه على الصلاة في مسجده، ولأنه موضع
للعبادة فكانت الصلاة فيه أولى.
ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت عليهم السلام من طرق، منها رواية السكوني،
عن جعفر عن أبيه، وعن علي عليه السلام قال: (صلاة في بيت المقدس بألف صلاة، وفي
المسجد الأعظم مائة صلاة، وفي مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة، وفي السوق
اثنتي عشرة صلاة، وصلاة الرجل في بيته صلاة واحدة) (1) وعنه عليه السلام (من مشى
إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سجت له الأرض إلى الأرضين

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 64 ح 2.
111

السابعة) (1).
وأما أن النافلة في المنزل أفضل فهو فتوى علمائنا، وذكره الشيخ في النهاية
والمبسوط لأن العبادة في حال الاستتار أبلغ في الإخلاص، وقد تبين هذا المعنى
في قوله تعالى (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو
خير لكم) (2) يريد النوافل، وفيه تنبيه على أن الاستتار بالنوافل أفضل، وقد
سلف طرف من ذلك في أول كتاب الصلاة.
ويزيده بيانا " ما رواه زيد بن ثابت قال: (جاء رجال يصلون بصلاة النبي
صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا " وأمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم) (3) وروى زيد بن ثابت
أيضا " عنه عليه السلام أنه قال: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (4).
وتكره الصلاة في الحمام، وبيوت الغائط، ومبارك الإبل، ومساكن النمل،
ومرابط الخيل، والبغال، والحمير، وبطون الأودية، وأرض السبخة، والثلج إذا
لم تتمكن جبهته من السجود، وبين المقابر إلا مع حائل، وفي بيوت النيران،
والمجوس إلا أن ترش، وبيوت الخمور، وجوار الطرق، وأن يكون بين يديه
نار مضرمة، أو مصحف مفتوح.
ومستند ذلك النقل، فمنه رواية الفضل بن يسار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقوم
في الصلاة فأرى بين يدي العذرة، فقال: تنح عنها إن استطعت ولا تصلي على
الجواد) (5) وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر (عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
مسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها، فقال: إن كان نزه من بالوعة فلا تصل

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 4 ح 1.
2) سورة البقرة: 271.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 231 ص 539.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين ح 231 ص 539.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 31 ح 1.
112

فيه، وإن كان من غير ذلك فلا بأس) (1).
وروى عبد الله بن الفضل، عمن حدثه قال: (عشرة مواضع لا تصل فيها الطين
والماء، والحمام، والقبور، ومسان الطرق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى
الماء، والسنج، والثلج) (2) وعن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تصل في بيت
فيه خمر، أو مسكر) (3) وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصلاة في
ظهر الطريق فقال: لا بأس أن تصلي في الظواهر التي بين الجواد، فأما على الجواد
فلا) (4).
وعن سماعة (سألته عن مرابض الغنم، والبقر فقال إن نضحته بالماء، وقد
كان يابسا " فلا بأس فأما مرابض الخيل، والبغال فلا) (5) وعن أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام (سألته عن الصلاة في السبخة لم تكرهه؟ فقال: لأن الجبهة لا تقع
مستوية، فقلت: إن كان فيها أرض مستوية، قال: لا بأس) (6) وعن داود الصرمي
قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثلج فقال: إن أمكنك أن لا تسجد عليه فلا تسجد
وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه) (7).
وروى البزنطي، عن عبد الكريم، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته
عن الصلاة في السبخة، فكرهه، لأن الجبهة لا تقع مستوية، فقلت: إن كانت أرضا "

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 18 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 15 ح 6 و 7.
3) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 31 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 19 ح 2.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 17 ح 4.
6) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 20 ح 7.
7) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 28 ح 3.
113

مستوية، قال: لا بأس) (1) وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصلاة
في بيوت المجوس فقال: رش وصل) (2) عن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل
يصلي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته، قال: لا، قلت: فإن كان في غلاف قال:
نعم) (3) (ولا يصل وفي قبلته نارا "، أو حديدا "، قلت: أن يصلي وفي قبلته مجمرة
شبه، قال نعم فإن كان فيها نار فلا يصل فيها حتى ينجيها عن قبلته، وفي القنديل
المعلق، قال: لا تصل بحياله) (4).
وعن علي بن جعفر، عن أخيه قال: (لا يصلح أن يستقبل المصلي النار) (5)
وفي رواية (يجوز أن يصلي والنار، والسراج، والصورة بين يديه إن الذي يصلي
له أقرب من الذي بين يديه) (6) قال الشيخ في التهذيب: هي شاذة، وليست
مستندة فلا يعمل بها.
وعن محمد بن مسلم قلت: (أصلي والتماثيل قدامي وأنا أنظر إليها، فقال:
لا، اطرح عليها ثوبا "، ولا بأس إذا كانت عن يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت
رجليك، أو فوق رأسك، فإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا) (7) وروى عمار،
عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يصلي بين القبور فقال: لا يجوز ذلك إلا أن
يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة بين يديه، وعشرة عن خلفه، وعشرة عن
يمينه، وعشرة عن شماله، ثم يصلي إن شاء) (8).

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 20 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 14 ح 3.
3) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 27 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 30 ح 2.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 30 ح 1.
6) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 30 ح 4.
7) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 32 ح 1.
8) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 25 ح 5.
114

وعن معمر بن خلاد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالصلاة بين المقابر
ما لم يتخذ القبر قبلة) (1) قال المفيد (ره) في المقنعة: وقد روي أنه لا بأس بالصلاة
إلى قبلة فيها قبر إمام، والأصل ما قدمناه، ولا ريب أن اطراحه لهذه الرواية لضعفها،
وشذوذها، واضطراب لفظها.
وقال الأصحاب في النهاية والمبسوط والمقنعة والمصباح: ويكره بالبيداء،
ووادي ضجنان، ووادي الشقرة، وذات الصلاصل، وقيل الشقرة موضع مخصوص،
وقال آخرون: ما فيه شقايق النعمان، وقيل: هذه مواضع خسف فتكره الصلاة فيها
لذلك.
روى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تكره الصلاة في ثلاث
مواطن بالطريق البيداء وهي ذات الجيش وذات الصلاصل، وضجنان) (2) وعن ابن
فضال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تصلي في وادي الشقرة) (3)
ينبغي لمن صلى في الطريق أن يجعل بين يديه حائلا ولو كومة من تراب،
أو حنطة، روى ذلك السكوني، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا صلى أحدكم بأرض فلات فليجعل بين يديه مثل مؤخرة
الرجل فإن لم يجد فحجرا، فإن لم يجد فسهما، فإن لم يجد فيخط في الأرض بين
يديه) (4).
وروى معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يجعل العنزي بين يديه إذا صلى) (5) والعنزة العصا في أسفلها حديده وليس ذلك

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 25 ح 3 (إلا أن فيه عن الرضا " ع ")
2) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 23 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 24 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 4.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 1.
115

بواجب، وروي من طرق كثيرة عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل هل تقطع صلاة الرجل
شئ مما ميز به فقال لا تقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادارؤا ما استطعتم) (1).
واعلم أن ما تلوناه من الأحاديث مع كونها آحادا " لا يخلو من ضعف، لكن
عمل أكثر الأصحاب بها مبالغة في تحصين الصلاة من نقص الثواب، ولا بأس بالعمل
بها متابعة لفتوى كثير من علمائنا.
مسألة: ولا بأس بالصلاة في البيع، والكنايس، ومرابض الغنم ذكر ذلك
الشيخان في النهاية، والمقنعة، والمبسوط، والوجه في الجواز عدم المانع فتكون
الصلاة جائزة لقوله عليه السلام (جعلت لي الأرض مسجدا " وترابها طهورا " أينما أدركتني
الصلاة صليت) (2).
ويؤيد ذلك ما رواه عيص بن القسم، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (البيع
والكنايس يصلى فيها؟ قال: نعم) (3) وعن الحكم بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (صل فيها قد رأيتها ما أنظفها) (4) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالصلاة
في مرابض الغنم) (5).
مسألة: وقيل تكره إلى باب مفتوح، أو إنسان مواجه، ذكر ذلك أبو الصلاح
الحلبي (ره) وهو أحد الأعيان، ولا بأس باتباع فتواه.

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 11 ح 8.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 222.
3) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 13 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 13 ح 3.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 17 ح 1.
116

المقدمة السادسة
[فيما يسجد عليه].
مسألة: لا يجوز السجود على ما ليس بأرض، ولا من نباتها كالجلود،
والصوف، وبه قال علماؤنا، وأطبق الجمهور على الجواز. لنا أن السجود وظيفة
شرعية تتلقى كيفيتها عن الشرع والسجود على الأرض وما أنبتته مما وقع الاتفاق عليه،
فيقتصر عليه ولأن السجود أبلغ شئ في التذلل فيكون على أبلغ الأحوال وأتمها
في الخضوع، ولأن سجود النبي صلى الله عليه وآله على الأرض بيان للواجب المطلق فيكون
واجبا ".
روى خباب قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حر الرمضاء في جباهنا،
وأكفنا فلم يشكنا) (1) وهو دليل سجوده على الأرض لأنه لو كان سجوده على
الفرش مساويا " للأرض لما افتقروا إلى الشكوى ولا شكاهم، وعن رافع بن أبي
رافع، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله
تعالى، ثم يسجد ممكنا " جبهته من الأرض) لا يقال: كل مستقل أرض لأنا نقول:
الإطلاق ينصرف إلى المعهود.
ثم يدل على أن المراد نفس الأرض ما روي عن الصادق عليه السلام وقد سئل عن
السجود على الحصر والبواري فقال: (لا بأس وأن تسجد على الأرض أحب إلي،
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحب أن يمكن جبهته الأرض، فإني أحب لك ما كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يحبه) (2).
ومن طريق الأصحاب ما روى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل

1) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 108.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 17 ح 4.
117

يصلي على البساط من الشعر، والطنافس، قال: لا تسجد عليه، وإن قمت عليه
وسجدت على الأرض فلا بأس وإن بسطت عليه الحصر وسجدت على الحصر فلا
بأس) (1) (وقال هشام بن الحكم لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عما يجوز السجود عليه
وما لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلا على الأرض، أو على ما أنبتت الأرض) (2)
ويجوز في حال التقية، روى ذلك علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام (عن
السجود على المسح والبساط فقال لا بأس في حال التقية) (3).
مسألة: ولا يجوز أن يسجد على ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن
لأن مواظبة النبي صلى الله عليه وآله على السجود على الأرض تقضي الاقتصار على فعله، لأن
ذلك من كيفيات سجود الصلاة فيتبع لقوله صلى الله عليه وآله (صلوا كما رأيتموني أصلي) (4).
مسألة: ويجوز على ما أنبتت الأرض لأن النبي صلى الله عليه وآله سجد على الخمرة
وهي منسوجة من سعف النخل، ولما روي عن أبي عبد الله عليه السلام في الخبرين المتقدمين.
مسألة: ولا يسجد على ثمرة وإن كانت من النبات اقتصارا على ما كان النبي
صلى الله عليه وآله يسجد عليه من الأرض، والحصر، والبواري، وما جانسها من النبات، ولما
روى هشام، وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يجوز الصلاة إلا على الأرض وما
أنبتته الأرض إلا ما أكل أو لبس) (5).
مسألة: وفي القطن، والكتان روايتان، أشهرها المنع، أما المبيحة فاختيار
علم الهدى في المسائل الموصلية قال: يكره السجود على الثوب المنسوج من قطن
أو كتان كراهية تنزه وطلب فضل لا أنه محظور ومحرم، وروى ياسر الخادم قال:

1) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 3 ح 1 و 2.
4) صحيح البخاري ج 1 كتاب الأذان ص 162.
5) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 1 ح 1.
118

(مر بي أبا الحسن وأنا أصلي على الطبري وقد ألقيت شيئا، فقال: مالك لا تسجد
عليه؟ أليس هو من نبات الأرض) (1).
وروى داود الصرمي (سألت أبا الحسن الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على
القطن والكتان من غير تقية؟ قال: جائز) (2) أما المانعة فاختيار الشيخين في المبسوط
والمقنعة، والنهاية والقول الآخر لعلم الهدى، ومن تابعهم قال علم الهدى في المصباح
السجود يجب أن يكون على الأرض الطاهرة، وعلى ما أنبتت الأرض إلا ما أكل،
أو لبس، ويدخل في المأكول جميع الثمار التي يغتذى بها، وما لبس إنما هو القطن
والكتان وما اتخذ منهما.
ولا يجوز على الثوب المنسوج من أي جنس اتخذ يؤيده ما روى زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تسجد على الثوب الكرسف، ولا على الصوف، ولا
على شئ من الحيوان، ولا على طعام، ولا على شئ من الثمار، ولا على شئ
من الرياش) (3) والذي اختاره علم الهدى في الموصليات حسن، لأن فيه جميعا بين
الأخبار، وتأويل الشيخ في الجمع بأن الجواز محمول على التقية، أو الضرورة
منفي بما رواه الحسن بن علي بن كيسان الصنعاني قال: (كتبت إلى أبي الحسن الثالث
عليه السلام أسأله عن السجود على القطن، والكتان من غير تقية، ولا ضرورة إلى ذلك،
قال: جائز) (4).
وفي السجود على القير، والصهروج روايتان: أحدهما المنع، وعليها العمل
وفي رواية المعلي بن خنيس، عن أبي عبد الله عليه السلام (5) الجواز، وهي محمولة على

1) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 5.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 6.
3) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 7.
5) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 6 ح 4.
119

الضرورة. ولا يسجد على شئ من بدنه لما بيناه من متابعي فعل النبي صلى الله عليه وآله وما روي
من حصر السجود على الأرض (1) وما أنبتته، ويجوز عند الضرورة لما روي عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (أخاف الرمضاء، قال: اسجد على بعض ثوبك، قلت: ليس
علي ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه، ولا ذيله، قال: اسجد على طرف ظهر كفك
فإنها أحد المساجد) (2).
قال في المبسوط: ولا يسجد على الزجاج، ولا على الرماد، ولا على السجادة
المعمولة بالسيور إن كانت طاهرة تشمل الجبهة، ويجوز على المعمولة بالخيوط،
وفي رواية يكره السجود على شئ ليس عليه ساتر الجسد، وهي رواية غياث بن
إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه، عن علي وفي أكثر الروايات الجواز لما روي
(أن النبي صلى الله عليه وآله كان يسجد على الخمرة) (4) وعن حمران بن أعين عن أحدهما قال:
(كان أبي يصلي على الخمرة فإذا لم تكن خمرة جعل حصا على الطنفسة حيث
يسجد) (5).
وقال في المبسوط ويسجد على القرطاس إذا لم تكن فيه كتابة، أو كان، وكان
المصلي أميا " أو في موضع مظلم، ويكره لو لم يكن كذلك، روى جميل، عن أبي
عبد الله عليه السلام (كره السجود على قرطاس فيه كتابة) (6) ودل على أن الكراهة تنزه لا حظر
ما رواه داود بن فرقد (عن أبي الحسن عليه السلام على القرطاس المكتوب عليه هل يجوز

1) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 4 ح 5.
3) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 4 ح 5.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ح 270 ح 458.
5) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 2 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 7 ح 3.
120

السجود عليه؟ فكتب يجوز) (1).
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: يجوز السجود على ما هو حامل له ككور
العمامة طرف الرداء وبه قال الشافعي: خلافا لأبي حنيفة، ولا ريب في ذلك
بتقدير أن يكون ما هو حامل له مما لا يجوز السجود عليه كالصوف، والشعر، والقطن
والكتان، على إحدى الروايتين.
أما بتقدير أن يكون مما يجوز السجود عليه مثل الخوص، والنبات ففيه
الإشكال، فإن كان الشيخ منع لكونه محمولا كما قال الشافعي، فنحن نطالبه بالدلالة
على الدعوى، وإن تمسك في العمامة بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا تصيب جبهته الأرض،
قال: لا يجزيه ذلك حتى تصل جبهته إلى الأرض) (2) كان دالا في المنع عليها لا
على ما ادعاه من المنع المطلق، ويراعى فيه أن يكون مملوكا وأن يكون خاليا من
نجاسة وقد مر البحث فيه.
المقدمة السابعة
في الأذان والإقامة، والنظر في المؤذن، وما يؤذن له
وكيفية الأذان ولواحقه
الأذان في اللغة (الإعلام) وفي الشرع اسم للأذكار الموضوعة للإعلام
بدخول أوقات الصلاة، وهو من وكيد السنن اتفاقا، وروى مسلم عن ابن عمر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة، تغبطهم الأولون،
والآخرون رجل ينادي بالصلاة الخمس في كل يوم وليلة، ورجل يؤم قوما وهم به

1) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 7 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 14 ح 1.
121

راضون، وعبد أدى حق الله وحق مواليه) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أذن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة) (2)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر، مؤذن أذن احتسابا،
وأما أم قوما وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه) (3).
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (من أذن سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة
ولا ذنب له) (4) وعن علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (للمؤذن فيما بين الأذان
والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم
يختارون على الأذان قال: كلا أنه يأتي على الناس زمان يطرحون الأذان على ضعفائهم
وتلك لحوم حرمها الله على النار) (5) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن من أطول
الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون) (6).
وعن علي بن جعفر عليه السلام قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأذان في المنارة
أسنة هو؟ فقال: إنما كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وآله في الأرض ولم تكن يومئذ منارة) (7) وقال في المبسوط: يكره الأذان في الصومعة، وقال فيه: ولا فرق بين أن يكون
الأذان في المنارة أو على الأرض.
والأولى استحباب العلو منارة كان أو غيرها، لما روى عبد الله بن سنان، عن

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 26.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 2 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 2 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 2 ح.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 2 ح 4.
6) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 2 ح 6.
7) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 16 ح 6.
122

أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة وكان عليه السلام يقول
لبلال: إذا دخل الوقت يا بلال أعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان، فإن الله
قد وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء) (1).
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (من سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا " رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال مصدقا محتسبا: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، أكفي بهما عن كل من أبى وجحد، وأعين بهما
من أقر وشهد كان له من الأجر عدد من أبى وجحد وعدد من أقر وشهد) (2).
وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام لمحمد بن مسلم إذا سمعت المنادي ينادي بالأذان
وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول) (3) وروى عمار الساباطي،
عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان
والإقامة قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله، وليقل من ذلك الحرف إلى
آخره ولا يعيد الأذان كله) (4).
وعن علي عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (يؤمكم أقرؤكم ويؤذن لكم أفصحكم) (5)
وفي حديث آخر (خياركم) (6) وروى محمد بن راشد قال: (حدثني هشام بن
إبراهيم أنه شكى إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام سقمه، وأنه لا يولد له، فأمره أن يرفع
صوته بالأذان في منزله، قال: فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي، قال محمد بن
راشد: وكنت دائم العلة فلما سمعت ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 16 ح 7.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 45 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 45 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 33 ح 4.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 16 ح 4 و 3.
6) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 16 ح 4 و 3.
123

عيالي العلل) (1).
والأذان عند أهل البيت عليهم السلام وعلى لسان جبرئيل تلقيا روى حماد، عن منصور
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لما هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله صلى الله عليه وآله كان رأسه في
حجر علي، فأذن جبرئيل وأقام فلما انتبه رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا علي أسمعت؟ قال:
نعم، قال أحفظت؟ قال: نعم، قال: ادع بلالا فعلمه فدعى علي عليه السلام بلالا وعلمه) (2)
وأطبق محدثوا الجمهور على خلاف ذلك ورووا (أن عبد الله بن زيد قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بالناقوس ليجمع به الناس طاف بي وأنا نائم رجل يحمل
ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعوا
به إلى الصلاة قال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول الله
أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي
على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر،
الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول
الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على
الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله
أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بما رأيت فقال:
أنها رؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ليؤذن به فإنه أندى صوتا
منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقي عليه ويؤذن، فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو
في بيته فخرج وهو يجر رداه فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 18 ح 1.
2) مستدرك ج 1 ص 252.
124

مثل الذي رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فلله الحمد) (1).
ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام أنسب بحال النبي صلى الله عليه وآله، فإن الأمور المشروعة
منوطة بالمصالح والاطلاع عليها مما يقصر عنه فظن البشر فلا يعلمها مفصلة إلا الله،
فلا يكون النبي صلى الله عليه وآله فيها الخيرة، ولأن الأمور المشروعة مع خفتها وقلة أذكارها
مستفادة من الوحي الإلهي فما ظنك بالمهم منها.
وفي رواية ابن أذينة، عن زرارة، والفضل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (لما أسرى برسول الله إلى السماء فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة فأذن
جبرئيل عليه السلام وأقام، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وصف الملائكة والنبيون خلف رسول
الله صلى الله عليه وآله) (2) وفي هذا إشعار بأنه وحي من الله، إذ من البعيد أن يكون مستند النبي
صلى الله عليه وآله إلى عبد الله بن زيد.
مسألة: يعتبر في المؤذن العقل، والإسلام وهو إجماع العلماء كافة لأن المجنون
لا حكم لعبادته، لاختصاصه بما أوجب رفع القلم، والكافر ليس أهلا للأمانة،
والمؤذنون أمناء لقول النبي صلى الله عليه وآله (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن اللهم ارشد الأئمة
واغفر للمؤذنين) (3) وفيه إشعار بكون المؤذن ممن يصح له الاستغفار.
ويؤيد ذلك ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يجوز أن
يؤذن إلا رجل مسلم عارف) (4) ولا يعتبر البلوغ، وهو اتفاق علمائنا، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يعتبر إذا أذن الرجال، وعن أحمد بن حنبل روايتان،
إحديهما لا يعتد بأذانه كما لا يعتد بروايته، ولقوله عليه السلام (يؤذن لكم خياركم) (5).

1) سنن البيهقي ج 1 ص 390.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 8.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 431.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 26 ح 1.
5) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الأذان والإقامة ح 726 ص 240.
125

لنا ما رووه عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس (أن عمومته كانوا يأمرونه أن
يؤذن لهم وهو غلام، وأنس بن مالك شاهد لا ينكر ويصلون جماعة).
ومن طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله، عن أبيه
(أن عليا " عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم) (1) وجواب قياس
أحمد المطالبة بالجامع، والخبر يدل على الأمر بالخيار، ولا يدل على المنع من أذان
الصغار، ويؤذن العبد وهو إجماع العلماء، والألفاظ الدالة على الحث على الأذان
عامة تتناول العبد كما تتناول الحر، ولأنه يصح أن يؤم فجاز أن يؤذن.
وليس على المرأة أذان، ولا إقامة وإن أذنت لم تسمع الرجال، وفي رواية
زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (إذا شهدت الشهادتين فحسبها) (2) ويجوز أن تؤذن
للنساء ويعتدن به وعليه علماؤنا، وقال مالك وأبو حنيفة: لا أذان على النساء وقال
الشافعي: إن أذن وأقمن فلا بأس.
لنا ما رووه عن عايشة، أنها كانت تؤذن وتقيم) (3) ورووه عن أم ورقة (أن
النبي صلى الله عليه وآله أذن لها أن تؤذن، وتقيم، وتؤم نساء أهل دارها) (4).
ومن طريق الأصحاب ما روى سماعة بن مهران (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المرأة تؤم النساء؟ فقال: لا بأس) (5) وإذا جاز أن تؤمهن جاز أن تؤذن لهن، لأن
منصب الإمامة أتم، وتسر أذانها.
ويؤيد ما ذكرناه بطريق الأصحاب ما رواه النصر، وفضالة عن عبد الله،

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 32 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 14 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 408.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 130.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 20 ح 11.
126

عن أبي عبد الله عليه السلام (عن المرأة تؤذن قال: حسن إن فعلت) (1) ولا تؤذن للرجال لأن
صوتها عورة ولا يجتزء به، وقال في المبسوط: يعتد به ويقيمون لأنه لا مانع منه.
لنا أنها إن جهرت فهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد، وإن أخفت عنهم
لم يجتزء به لعدم السماع، والخنثى لا يؤذن للرجال لاحتمال أن تكون امرأة.
مسألة: والأفضل أن يكون عدلا، وهل يعتد بأذان الفاسق؟ قال أصحابنا:
نعم، وقال أحمد في إحدى الروايتين: لا، لأنه لا يقبل خبره، ولا روايته. لنا
يصح منه الأذان الشرعي لنفسه لكونه عاقلا كاملا فيعتبر أذانه عملا بإطلاق الألفاظ
في الأمر بالأذان، وما احتج به أحمد ضعيف، لأنا نطالبه بالجامع، والفرق أن إخبار
الفاسق يحتمل الكذب، وليس كذا إيقاعه للأذان.
ويستحب أن يكون صبيا لأن الانتفاع به أبلغ لقول النبي صلى الله عليه وآله (ألقه على بلال
فإنه أندى صوتا منك)، (2) ولما روي عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن الصادق
عليه السلام (إذا أذنت فلا تخفين صوتك، فإن الله يأجرك مد صوتك) (3) وأن يكون بصيرا
بالأوقات ليأمن من الغلط متطهرا، وعليه فتوى العلماء، واشترط إسحاق بن راهويه
طهارته لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله (لا تؤذن إلا متطهرا) (4).
لنا عمل المسلمين في الأوقات على خلاف ما ذكره، واتفاق العلماء على
استحباب ذلك، وعليه ينزل خبر أبي هريرة روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا بأس أن يؤذن على غير طهر، ولا يقيم إلا على وضوء) (5).

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 14 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 390.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 16 ح 5.
4) سنن البيهقي ج 1 ص 397.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 9 ح 3.
127

فرع
لو أحدث في خلال الأذان تطهر، وبنى، وفي الإقامة يستأنف، قال الشيخ
في المبسوط: يكره للأعمى لأنه لا يميز الوقت، فإن كان معه من يسدده جاز، ويستحب
أن يكون قائما على مرتفع من الأرض لأن القصد به الإعلام ومع الارتفاع يكون
الانتفاع أتم.
وروى حمران قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الأذان جالسا فقال: لا يؤذن
جالسا إلا راكب أو مريض) (1) وقد روي جواز الأذان جالسا، دون الإقامة رواه
جماعة منهم محمد بن مسلم، وأحمد محمد، عن عبد صالح (2)، وبالجملة فكلها
آداب، ويستحب استقبال القبلة بالأذان، ويتأكد في الإقامة، ذكره الشيخ في
المبسوط والنهاية والجمل.
وقال علم الهدى في المصباح: ويجوز الأذان بغير وضوء ومن غير استقبال
القبلة إلا في الشهادتين، والإقامة لا يجوز إلا على وضوء، واستقبال القبلة، ويكره
الالتفات به يمينا، وشمالا يريد به أن يخرج عن القبلة، قال في المبسوط: يكره أن
يلتوي ببدنه كله عن القبلة.
وقال أبو حنيفة: يستحب أن يدور بالأذان في المئذنة، والوجه أن الاستقبال
سنة لما روي (أن مؤذني النبي صلى الله عليه وآله كانوا يستقبلون القبلة) (3) والالتواء خروج
عن القبلة ويكره أن يكون ماشيا، أو راكبا ويتأكد في الإقامة وعليه علمائنا روى
ذلك جماعة منهم أبو بصير، وعبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس أن

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 13 ح 11.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 13 ح 5 و 6.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 391.
128

يؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ولا تقم وأنت راكبا أو جالسا إلا من علة
وفي أرض ملصة) (1).
ويكره الكلام في الأذان، ويتأكد في الإقامة، ويستحب لمن تكلم أن يستأنفها
قاله الشيخ في النهاية، قال الزهري: يعيدها من أولها، أما الكراهية فبالإجماع
من العلماء.
ويؤيده ما رواه جماعة من الأصحاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (أيتكلم
الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس، قلت: في الإقامة؟ قال: لا) (2) وقد روي الجواز
وهو دليل الكراهية، رواه حماد بن عثمان، والحسن بن شهاب، عن أبي عبد الله
عليه السلام (عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة قال: نعم) (3) وفي رواية لا بأس أن يتكلم
وهو يقيم وبعد ما يقيم.
مسألة: ولو أخل بالأذان والإقامة ناسيا وصلى تداركهما ما لم يركع واستقبل
صلاته استحبابا، وبه قال: علم الهدى في المصباح، وابن أبي عقيل: ولو تعمد
لم يرجع، وقال الشيخ في الخلاف بخلاف ما قلناه، وقال في المبسوط: المنفرد
إذا صلى بغير أذان، وإقامة استحب له الرجوع ما لم يركع، ويؤذن، ويقيم
ويستقبل صلاته ولم يفصل.
لنا مع النسيان أنه أخل بالأذان معذورا فجاز أن يستدركه قبل الركوع، لأن
الركوع ركن فلا يسوغ إبطال الصلاة بعده، ويؤيد ذلك ما رواه الحلبي، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع
فانصرف فأذن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت ركعت فأتم صلاتك) (4).

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 13 ح 8.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 9 و 10.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 29 ح 3.
129

وقد روي ما يخالف ذلك من طرق، منها رواية زرارة، عن أبي عبد الله قلت:
(الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبر، قال يمضي في صلاته ولا يعيد) (1) قال
الشيخ في التهذيب: الأول محمول على الاستحباب، وهو رجوع عما ذكره في
النهاية، وما قاله في التهذيب جيد في الجمع بين الخبرين.
وفي رواية علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى أن
يقيم الصلاة قال: إن كان فرغ من صلاته فقد مضت صلاته، وإن لم يكن فرغ من
صلاته فليعد) (2) قال الشيخ في التهذيب: وهذا الخبر محمول أيضا " على الاستحباب
وما ذكره يحتمل، لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر، أما مع العمد
فلا يعيد، وقال الشيخ في التهذيب: يعيد، وقال ابن أبي عقيل: إن تركه متعمدا " أو
استخفافا " فعليه الإعادة.
لنا إبطال الصلاة على خلاف الدليل، لكن ترك العمل بالخلاف المقتضي
في النسيان عملا بما تلوناه فيبقى الدليل المقتضي للمنع من إبطال العمل في العمد
سليما " عن المعارض، ونحن نطالب الشيخين بدليل ما ادعياه.
مسألة: الأذان ليس بواجب، بل من وكيد السنن، وعليه علمائنا، وهو
قول أبي حنيفة، والشافعي، وقال بعض أصحاب مالك هو فرض وبه قال عطا، ومجاهد
والأوزاعي، وقال أبو بكر بن عبد العزيز والاصطخري هو فرض كفاية، ومن أوجبه
فإنما أوجبه على أهل المصر، وقال مالك: يجب في مساجد الجماعة التي يجمع فيها.
واستدل الموجبون بما روي عن مالك بن الحويرث قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله
أنا ورجل نودعه فقال: إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما) (3)

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 29 ح 7.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 28 ح 4.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 120.
130

واحتج من قال بالكفاية (بأنه عليه السلام كان يجتزي بمن يؤذن له) (1).
لنا إخلال النبي صلى الله عليه وآله بفعله دليل على عدم وجوبه، وروى الجمهور، عن
علقمة قال: (دخلنا على عبد الله بن عمر فصلى بنا بغير أذان ولا إقامة) (2) وأما أنه
ليس بواجب على الكفاية فلعدم النكير على الإخلال به في بعض الأمصار، ولأنه
لو كان واجبا " على أهل كل مصر لعلم ذلك من الشرع، لأنه مما لو كان لاشتهر
القول به.
ويؤيد ذلك ما رواه زرارة قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان
والإقامة حتى دخل في الصلاة قال: فليمض في صلاته إنما الأذان سنة) (3) واختلفوا
في وجوبه في الجماعة، قال الشيخ في المبسوط والجمل وعلم الهدى: هما واجبان
وقال الشيخ في الخلاف: هما سنتان مؤكدتان على الرجال، وهو الوجه، والإقامة
أفضل من الأذان لتوارد الحث عليها، وهو دليل الأرجحية.
لنا التمسك بالأصل فإن مقتضاه عدم الوجوب، وما رووه عن عبد الله بن عمر
واستند الموجبون إلى رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أحدهما قال:
(إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن
يفوتك يجزيك الإقامة إلا في الفجر والمغرب) (4).
والجواب: الطعن في الرواية بضعف السند، فإن علي بن حمزة واقفي،
وبأنه يحتمل تنزيلها على الاستحباب، ودل على ذلك التزام المنفرد بالإقامة، ودل
على أنها غير لازمة.

1) سنن البيهقي ج 1 ص 404.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 406 (إلا أنه عن ابن مسعود).
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 29 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 7 ح 1.
131

فروع
الأول: قال في المبسوط: ولو صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم تحصل
فضيلة الجماعة، والصلاة ماضية، وقال علم الهدى في الجمل والمصباح وابن أبي
عقيل: الإقامة واجبة على الرجال دون الأذان إذا صلوا فرادى، ويجبان عليهم في
المغرب والعشاء، وقال الشيخ في الخلاف بالاستحباب، وهو الأولى.
لنا مقتضى الأصل عدم الوجوب ولا معارض فلا وجوب، ويؤيد ذلك رواية
زرارة التي سبقت، وما رواه عمر وبن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الإقامة
بغير أذان في المغرب قال: ليس به بأس) (1).
فإن احتج بما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجزيك
إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان) (2) وما رواه سماعة قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام (لا تصل الغداة، والمغرب إلا بأذان وإقامة) (3).
والجواب: أن الإجزاء كما يجوز أن يريد الإجزاء في الصحة يحتمل الإجزاء
في الفضيلة، ثم يعارضه بما رويناه من الرواية، وقال علم الهدى: أيضا " يجب الأذان
والإقامة سفرا " وحضرا " والوجه جواز الاجتزاء بالإقامة في السفر، لما رواه جماعة،
عن أبي عبد الله عليه السلام منهم حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يجزيه في السفر، والحضر إقامة ليس معها أذان؟
قال: نعم لا بأس به).

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 6 ح 6.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 5 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 5 ح 5.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 5 ح 3.
132

وبما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته
يقول: يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة تجزي إقامة واحدة) (1) قال الشيخ
في المبسوط والجمل والخلاف: الأذان لا يختص بقبيل بل يكفي ظاهر الإسلام،
وهو مذهب علمائنا، وقال الشافعي: أحب أن أكون ممن جعل النبي صلى الله عليه وآله فيهم الأذان
كأبي محذورة، وسعد القرط. لنا ظواهر الأخبار المتضمنة للحث على الأذان مطلقة
فلا يثبت التقييد.
الثاني: قال في المبسوط: إذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم، لقوله عليه السلام
(لو يعلم الناس ما في الأذان، والصف الأول لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه) (2)
وهو دليل جواز الاستهمام فيه.
الثالث: قال المبسوط أيضا ": يجوز أن يكون المؤذنون اثنين اثنين إذا أذنوا
أذانا " واحدا "، ولو أخذ واحدا " بعد آخر لم يكن مسنونا "، يعني أن يبني كل واحد
على فصول الآخر، ولا بأس أن يؤذن جماعة في وقت واحد كل واحد في زاوية من
المسجد وأن يؤذن واحد ويقيم غيره، وأن يفارق موضعه ثم يقيم عملا بالأصل وهو
حسن، وقد روي (أن أبا عبد الله كان يقيم بعد أذان غيره) (3).
الرابع: قال: يجوز أن يعطى المؤذن من بيت المال، ومن خاص الإمام،
وقال في الخلاف: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان، لما روى السكوني، عن جعفر،
عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: (آخر ما فارقت حبيبي أن قال: يا علي إذا صليت
فصل صلاة أضعف من خلفك، ولا تتخذن مؤذنا " يأخذ على أذانه أجرا ") (4) وأقل

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 5 ح 9.
2) مستدرك الوسائل ج 1 باب استحباب تولى الأذان ص 249.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 31 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 38 ح 1.
133

ذلك الكراهية وقال علم الهدى في المصباح: يكره أخذ الأجرة على الأذان.
الخامس: قال في المبسوط أيضا ": يجوز أن يضع المؤذن إصبعيه في أذنيه
وقال أحمد بن حنبل: يستحب أن يجعل أصابعه مصمومة على أذنيه، لما روي عن
أبي جحيفة (أن بلالا أذن وجعل إصبعيه في أذنه) (1) ورووا (أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بلالا
بذلك وقال: إنه أرفع لصوتك) (2) وروى الأصحاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان) (3).
السادس: قال في المبسوط: إذا أذن ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام استأنف
وإذا ارتد بعد الأذان جاز أن يقيم غيره ويعتد به، وقال الشافعي: لا يعتد بأذانه، لنا
أنه أذن أذانا " مشروعا " محكوما " بصحته فلا يؤثر الارتداد المتعقب، وما ذكره الشيخ
من الحجة تلزم في الموضعين.
السابع: قال في المبسوط أيضا ": لو أذن بعض الأذان ثم أغمي عليه وتمم غيره
ثم أفاق جاز البناء عليه.
الثامن: قيل: لا يقم لهم حتى يأذن له الإمام، لأن بلالا كان يستأذن النبي صلى الله عليه وآله
وبما رووه عن علي عليه السلام أنه قال: (المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة)
التاسع: قال الشيخ في المبسوط: إذا أذن في مسجد جماعة دفعة لصلاة بعينها
كان ذلك كافيا " لكل من يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد، ويجوز أن يؤذن ويقيم
فيما بينه وبين نفسه، وإن لم يفعل فلا بأس عليه.
الثاني: فيما يؤذن له:
مسألة: لا يؤذن لغير الصلاة الخمس أداءا، وقضاءا استحبابا للرجال،

1) سنن البيهقي ج 1 ص 396.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 396.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 17 ح 2.
134

والنساء المنفرد، والجامع، هذا اختيار الشيخ في الخلاف، وقال علم الهدى: يجبان
في الجماعة. وتجب الإقامة على المنفرد في غير المنفرد، ويجبان في الغداة،
والمغرب، وقد مضى البحث في ذلك، وأما أنه لا يؤذن لغير الخمس فعليه إجماع
علماء الإسلام.
مسألة: ويتأكد استحبابهما فيما يجهر فيه بالقراءة، وآكده الغداة، والمغرب
ذكر ذلك الشيخ في المبسوط لأن الجهر بها يؤذن بعناية الشرع والتنبيه عليها، وفي
الأذان زيادة تنبيه فيتأكد فيها، ويدل على التأكيد في المغرب، والغداة ما روى
الأصحاب عن الصباح بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تدع الأذان في
الصلاة كلها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير) (1).
مسألة: قاضي الفرائض الخمس يؤذن لأول ورده ثم يقيم لكل واحدة،
ولو اقتصر على الإقامة في الكل جاز، وبه قال الشيخ في المبسوط والخلاف ولو
جمع بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل، والورد الجزء ومنه قرأت وردي
وبما قلناه قاله الشيخان: يدل على ذلك ما رووه، عن أبي عبيدة بن عبيد الله، عن أبيه،
قال: (إن المشركين شغلوا النبي صلى الله عليه وآله يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب
من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن فأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر،
ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء) (2).
وقد روى مالك، عن أبي سعيد (أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بلالا بالإقامة في كل
صلاة ولم يأمره بالأذان) (3) ولأن الأذان إعلام بدخول أوقات الصلاة فلا معنى لإيقاعه
بعد فواتها.

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 6 ح 3.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 403.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 402.
135

ويؤيد ذلك ما روى الأصحاب، عن موسى بن عيسى قال: (كتبت إليه:
رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة) (1) وقال
أبو حنيفة: يستحب الأذان والإقامة لكل صلاة لأن ما سن للصلاة في أدائها سن في
قضائها وهو حسن.
مسألة: ويجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان، وإقامتين، كذا قال الثلاثة
وأتباعهم لأن الجمعة تجمع صلواتها، وتسقط ما بينهما من النوافل إلا في رواية، قال
الشيخ في المبسوط: ومن جمع بين صلاتين في وقت الأولى أو الثانية أذن وأقام
للأولى منهما ويقيم للأخرى بغير أذان، ووجه ذلك أن الأذان إعلام بدخول الوقت
فإذا صلى في وقت الأولى أذن لوقتها ثم أقام للأخرى، لأنه لم يدخل وقت يحتاج
إلى الإعلام به، ولو جمع بينهما في وقت الثانية أذن لوقت الثانية ثم صلى الأولى،
لأنهما مترتبة عليها ثم لا يعاد الأذان للثانية، روى رهط منهم الفضيل، وزرارة، عن
أبي جعفر عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وبين
المغرب والعشاء بأذان وإقامتين) (2) وكذا لو جمع بين الظهرين بعرفة وبين المغرب
والعشاء بمزدلفة.
ويؤيد ذلك ما رواه ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (السنة في الأذان
يوم عرفة أن يؤذن ويقيم للظهر، ثم يصلي، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك
في المغرب والعشاء بمزدلفة) (3) وروى مسلم (أن النبي جمع بين الظهر، والعصر
بعرفة وبين المغرب، والعشاء بمزدلفة بأذان واحد وإقامتين).
مسألة: ولو صلى في مسجد جماعة ثم جاء آخرون لم يؤذنوا ما دامت

1) الوسائل ج 3 أبواب الأذان والإقامة باب 37 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 36 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 36 ح 1.
136

الصفوف باقية، فلو أنقضت أذن الآخرون وأقاموا، وبه قال الشيخ في المبسوط
والنهاية، والوجه أن الأذان إعلام بدخول الوقت وقد حصل فلا معين لا عادته، أما
إذا تفرق الصفوف فإن صلاته بعد ذلك كالصلاة المستأنفة، ويدل على ذلك ما رواه
أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن
ويقيم؟ قال: إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم، وإقامتهم، وإن كان
الصف تفرق أذن وأقام) (1).
مسألة: ولو أذن بنية الانفراد ثم أراد أن يصلي جماعة استحب الاستيناف،
وبه قال الشيخ في المبسوط، وروى ذلك أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو
ابن سعيد المدائني، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام
(سئل عن رجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة
هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا، ولكن يؤذن ويقيم) (2) وفي
هذه الرواية ضعف، فإن سندها فطحية، لكن مضمونها استحباب تكرار الأذان
والإقامة، وهو ذكر الله وذكر الله حسن، والأقرب عندي الاجتزاء بالأذان والإقامة
وإن نوى الانفراد.
ويؤيد ذلك ما رواه صالح بن عقبة، عن أبي مريم الأنصاري قال: (صلى بنا
أبو جعفر عليه السلام في قميص بغير إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة، فلما انصرف قلت له:
صليت بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فقال: قميصي كثيف فهو
يجزي ألا يكون على إزار ولا رداء، وأني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزاني
ذلك) (3) وإذا اجتزء بأذان غيره مع الانفراد فأذانه أولى.

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 25 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 27 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 30 ح 2.
137

الثالث: في كيفيته:
مسألة: لا يؤذن الفريضة قبل دخول وقتها إلا في الصبح رخصة ثم يعاد بعد
دخوله أما الأذان قبل الوقت فغير مجز، وعليه علماء الإسلام، وفي الصبح يجوز
قبل وقته عندنا، وبه قال مالك والشافعي: ومنع أبو حنيفة لما روى بلال (أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا) (1).
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (أن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن
ابن أم مكتوم) (2) ورووا أنه عليه السلام قال: (لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال فإنه
يؤذن بليل لينبه نائمكم) (3) وهو صريح في الجواز، ورووا عن الحارث قال:
(أمرني النبي صلى الله عليه وآله فأذنت فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله؟ وهو ينظر ناحية المشرق
ويقول: لا، حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه
فأقمت) (4).
وجواب أبي حنيفة الطعن في سند روايته، قال ابن عبد البر منهم: إنه ليس
حجة لضعف سنده وانقطاعه، ولا يشترط أن يكون مؤذنان، وقال بعض الحنابلة:
يشترط في تقديم الأذان ذلك كفعل بلال وابن أم مكتوم، وليس وجها، لأن العلة
في التقديم يستحب على الصورتين، ويستحب أن يعاد بعد الصبح ليعلم بالأول قرب
الوقت، وبالثاني دخوله، ولئلا يتوهم بذلك طلوع الفجر، وبه قال الشيخ في
المبسوط.

1) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ص 147.
2) السنن الكبرى للبيهقي ج 1 ص 427.
3) صحيح مسلم كتاب الصيام ج 2 ص 768.
4) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ص 142.
138

يؤيد ما قلناه ما رواه فضالة، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت: إن
لنا مؤذنا " يؤذن بليل فقال إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم إلى الصلاة، وأما السنة فإنه
يتأدى من طلوع الفجر) (1).
مسألة: وفصوله على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا، الأذان ثمانية
عشر، والإقامة سبعة عشرة، وهو مذهب السبعة ومن والاهم [تابعهم] ورواية أبي
بكر الخضرمي وكليب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه حكى الأذان فقال: الله
أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي
على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على
خير العمل، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله (2).
ومثله روى المعلي بن خنيس (3)، عن أبي عبد الله عليه السلام وعن إسماعيل الجعفي
قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا "، الأذان
ثمانية عشر حرفا "، والإقامة سبعة عشر حرفا ") (4) وفي رواية عبد الله بن سنان، عن
أبي عبد الله عليه السلام (التكبير في أول الأذان مرتان) (5) وكذا في رواية الفضيل بن يسار (6)
عن أبي جعفر عليه السلام.
وكذا قال مالك: قال الشيخ في التهذيب: وجه الاقتصار على التكبيرتين أنه

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 8 ح 7 (إلا أن فيه عن النفر عن ابن سنان).
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 9.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 6.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 5.
6) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 8.
139

قصد إفهام السائل كيفية التلفظ لا تعريف العدد، ويدل على ذلك ما رواه زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات، وتختمه بتكبيرتين
وتهليلتين) (1) وأجمع الأصحاب على التهليل في آخره مرتان، وأطبق الباقون على
المرة.
لنا ما رووه عن أنس قال: (أمر بلالا أن يشفع الأذان ويؤثر الإقامة) (2)
ورواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام الباقر قال: (لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله
حضرت الصلاة فأذن جبرئيل وأقام، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى فقلنا كيف الأذان؟
فعده حتى قال آخره الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله) (3) وقول
حي على خير العمل في الأذان والإقامة سنة لا يصح الأذان مع تركها، وأطبق
الجمهور على إنكاره.
لنا ما رواه الأصحاب عن أهل البيت عليهم السلام قال: (لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله
أذن جبرئيل وأقام) (4) وذكروا ذلك فيهما، وفصول الإقامة مثنى مثنى، عدا التهليل
في آخرها فإنه مرة واحدة، وهو مذهب الشيعة من فقهائنا ومن تبعهم، وبه قال أبو
حنيفة، وقال مالك: فصول الإقامة عشر كلمات.
لنا ما رواه الترمذي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله (فإن الإقامة سبع عشرة كلمة)
ومن طريق الأصحاب ما رواه صفوان بن مهران الجمال قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى مثنى) (5).
ويجوز في السفر وعند العذر الإقامة مرة مرة، وكذا الأذان، رواه النعمان

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 2.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ص 286.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 8.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 8.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 19 ح 4.
140

الرازي قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: يجزيك من الإقامة طاق طاق في
السفر) (1) وعن أبي عبيدة قال (رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبر واحدة واحدة، فقلت له
في ذلك فقال: لا بأس إذا كنت مستعجلا) (2) وإنما قلنا على أشهر الروايات لأن في
بعضها سبعة وثلاثين فصلا، وفي بعضها ثمانية وثلاثين فصلا، وفي بعضها اثنين
وأربعون فصلا، كذا حكى الشيخ في النهاية وكل ذلك متروك، وما يقال من الزيادة
عن ذلك بدعة.
مسألة: والترتيب شرط كذا قال الشيخ في الجمل والمبسوط ومعناه أنه لو
أخل به لم يعتد به في الجماعة، ولا يكون آتيا " بالسنة، لأنها عبادة متلقاة عن صاحب
الشرع فيقتصر على صفتها المنقولة، ويؤيد ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (من سهى في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي
على آخره) (3).
مسألة: والسنة في الوقوف على فصوله متأنيا " في الأذان حادرا " في الإقامة،
وهو قول علمائنا والمروي عن أحمد، واستحب الباقون الإعراب، لنا ما رووه عن
النبي صلى الله عليه وآله (إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر) (4) ورووا عن إبراهيم النخعي
قال: (شيئان مجزومان الأذان والإقامة).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (الأذان جزم
بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حدر) (5) ومثله روى خالد بن نجيح (6) عن

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 21 ح 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 21 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 33 ح 1.
4) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 165.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 24 ح 2.
6) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 15 ح 3 و 4.
141

الصادق عليه السلام.
مسألة: ويستحب الفصل بينهما بركعتين، أو جلسة، أو سجدة، أو خطوة
خلا المغرب فإنها لا تفصل بين أذانيها إلا بخطوة، أو سكتة، أو تسبيحة، وعليه علماؤنا
ومثله حكي عن أحمد بن حنبل، ولم يستحب الشافعي، وأبو حنيفة ذلك لما رووا
(أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا إذا أذن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين) (1).
وما رووا عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه قال لبلال: اجعل بين أذانك وإقامتك
بقدر ما يفرغ الأكل من أكله، والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل بقضاء حاجته
والمعتصر: هو الذي يصيب من الشئ ويأخذ منه).
وروى الأصحاب عن سليمان بن جعفر الجعفري قال: سمعته يقول: (أفرق
بين الأذان والإقامة بجلوس، أو ركعتين) (2) وروى سيف بن عمير، عن بعض
أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فإن بينهما
نفسا ") (3) وروى الحسن بن شهاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بد من قعود بين
الأذان والإقامة) (4).
وروى ابن أبي عميرة، عن أبي علي صاحب الأنماط، عن أبي عبد الله عليه السلام
أو أبي الحسن قال: (يؤذن للظهر على ست ركعات، ويؤذن للعصر على ست
ركعات بعد الظهر) وقد روي الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها، روى إسحاق
الجريري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من جلس بين أذان المغرب والإقامة كان
كالمتشحط بدمه في سبيل الله) (5).

1) صحيح البخاري ج 1 كتاب الأذان ص 161.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 11 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 11 ح 7.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 11 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 11 ح 10.
142

وروى الجمهور عن أبي هريرة قال: (جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة
في المغرب سنة) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: (رأيته أذن وأقام من غير أن يفصل
بينهما بجلوس) (1).
مسألة: من تكلم في خلال الأذان لم يعده عامدا " كان أو ساهيا "، لكن إن
تطاول الكلام بحيث يخرج عن نظام الموالاة أعاد، وكذا لو سكت بين فصولها
طويلا يخرج به في العادة عن الأذان، أو أغمي عليه ويلا، أوجن كذلك، أما
الإقامة فيعيد استحبابا " لو تكلم في خلالها، وإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أكدت
الكراهية، وبه قال أكثر الأصحاب في المبسوط.
وقال الثلاثة في المقنعة والنهاية والمصباح: حرم الكلام إلا ما يتعلق بالصلاة
من تسوية صف أو تقديم إمام، ومستند ذلك ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
قال المؤذن: قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكونوا اجتمعوا من شتى
وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان) (2).
وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أقام المؤذن فقد حرم الكلام
إلا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام) (3) وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام (لا تكلم إذا أقيمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة) (4) والوجه تنزيل
هذه الأخبار على الكراهية.
مسألة: يكره الترجيع إلا للإشعار، قال الشيخ في المبسوط: الترجيع غير
مسنون، وهو تكرار التكبير والشهادتين في أول الأذان فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرار

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 11 ح 9.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 7.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 5.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 3.
143

الشهادتين، ويشهد لقوله رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لو أن مؤذنا " أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة، أو حي على الفلاح
المرتين، والثلاث، وأكثر من ذلك، إذا كان إماما " يريد القوم ليجمعهم لم يكن
به بأس) (1).
وقال الشافعي: يستحب الترجيع وهو تكرار الشهادتين في أول الأذان مرتين
مرتين يخفض بالأولى صوته تعويلا على أذان أبي محذورة لكن لتكراره سبب
وهو تهمته في الاقرار بالشهادتين، ذكر ذلك جماعة من أصحاب الحديث منهم، فسقط
اعتبار ما ذكره.
ويكره في أذان الغداة، وغيرها الصلاة خير من النوم، قال في المبسوط:
يكره التثويب وهو قول الصلاة خير من النوم، وهو قول أكثر علمائنا، وأطبق
الجمهور على استحبابه في الغداة حسب، عدا الشافعي فإن له قولين، وقال أبو
حنيفة: التثويب أن يقول: بين أذان الفجر وإقامته حي على الصلاة مرتين، حي
على الفلاح مرتين.
احتج الجمهور بما رووه عن أبي محذورة قلت: (يا رسول الله صلى الله عليه وآله علمني
سنة الأذان فقال: بعد قوله حي على الفلاح فإن كان في صلاة الصبح قلت: الصلاة
خير من النوم، الصلاة خير من النوم) (2) لنا ما رووه عن عبد الله بن زيد (3) فإنه
لم يذكر ذلك في أذانه ولا أهل البيت حين حكوا أذان الملك.
والجواب عن رواية أبي محذورة الطعن فيها من وجوه:
أحدها أن الشافعي كره ذلك وعلل بأن أبا محذورة لم يذكره.

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 23 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 422.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الأذان ص 232.
144

الثاني الطعن فيه فقد روى الجمهور أن النبي صلى الله عليه وآله خص أبا محذورة
بالشهادتين سرا " ثم بالترجيع جهرا " لأنه لم يكن مقرا " بهما، وقد روى جماعتهم أنه
كان من المستهزئين، يحكي أذان مؤذني رسول الله صلى الله عليه وآله ويقول: لا شئ عندي
أبغض من النبي صلى الله عليه وآله ولا مما يأمرني به (1)، ومن هذه حاله لا يعول على روايته،
ولأنه لو كان مشروعا " لما اختص بنقله أبو محذورة، لأنه من الأمور العامة التي
لا يخفى لو شرعت، وما قاله أبو حنيفة غير معروف.
روى معاوية بن وهب قال: (سألت أبا عبد الله عن التثويب الذي يكون بين
الأذان والإقامة فقال: ما نعرفه) (2) وقال إسحاق من الجمهور: هذا شئ أحدثه
الناس، وقال أبو عيسى: هذا التثويب الذي أنكره أهل العلم.
وفي كتاب أحمد بن أبي نصر البزنطي، من أصحابنا قال: حدثني عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (الأذان الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وقال: في آخره لا إله إلا الله مرة، ثم قال: إذا
كنت في أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل، وقل:
بعد الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ولا تقل في الإقامة: الصلاة خير من النوم،
إنما هو في الأذان).
قال الشيخ في الاستبصار: هو للتقية، ولست أرى هذا التأويل شيئا "، فإن في
جملة الأذان حي على خير العمل وهو انفراد الأصحاب فلو كان للتقية لما ذكره،
لكن الوجه أن يقال: فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه.

1) سنن البيهقي ج 1 ص 394.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 22 ح 1.
145

الرابع: في اللواحق:
مسألة: من السنة حكاية قول المؤذن لما روي عن أبي سعيد الخدري (أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا سمعتم النداء فقولوا كما يقول المؤذن) (1) قال الشيخ في
المبسوط: من كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذن، وكذا لو كان
يقرأ القرآن قطع وقال كقوله لأن الخبر على عمومه.
وقال في المبسوط أيضا ": روي إذا قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله أن
يقول: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا " صلى الله عليه وآله عبده ورسوله،
رضيت بالله ربا "، وبالإسلام دينا "، وبمحمد رسولا، وبالأئمة الطاهرين أئمة، ثم يقول:
اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا " صلى الله عليه وآله الوسيلة، والفضيلة،
وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة) (2).
ويقول عند أذان المغرب: (اللهم هذا إقبال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات
دعاتك، فاغفر لي)، وأن يتم ما نقص المؤذن من أذانه تحصيلا لكمال السنة ويؤيد
ذلك ما رواه عبد الله بن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا نقص
المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه) (3).
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا سمع الإمام أذانا " جاز أن تجزى به في الجماعة، ولو كان المؤذن
منفردا "، ودل على ذلك رواية صالح بن عقبة، عن أبي مريم الأنصاري، عن أبي

1) سنن النسائي ج 2 ص 23.
2) مستدرك الوسائل ج 1 باب استحباب حكاية الأذان عند سماعه ص 255.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 30 ح 1.
146

جعفر الباقر عليه السلام (1) وقد سبقت وليس من السنة أن يلتفت الإمام بعد الفراغ من الإقامة
يمينا " وشمالا، ولا يقول استووا يرحمكم الله، لعدم ما يدل على تشريعه.
الثانية: من أحدث في الصلاة أعادها، ولم يعد الإقامة، وبه قال الشيخ في
المبسوط لأن الطهارة ليس من شرطها فلا يكون له أثر في إعادتها، أما لو تكلم
أعاد الإقامة والصلاة لما سلف من الرواية عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
(لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة) (2) وما رواه أبو هارون
المكفوف قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم
ولا تؤم بيدك) (3).
الثالثة: من صلى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، وإن خشي فوات
الصلاة اقتصر على تكبيرتين وقد قامت الصلاة، وبذلك قال الشيخ في النهاية
والمبسوط: والوجه أن ذلك أهم فصول الإقامة.
ويؤيده رواية معاذ بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا دخل الرجل
المسجد وهو لا يأتم بصاحبه فخشي أن هو أذن وأقام أن يركع الإمام فليقل: قد قامت
الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وليدخل في الصلاة) (4)
وإنما قدم الشيخ التكبير لأن الواو تقتضي الجمع لا الترتيب، وينبغي أن يكون
العمل على صورة الرواية لأنه نهاية الإقامة فيحصل الترتيب المشترط، ويسقط ما
تقدم لأجل ضيق الحال، ويقوم المأموم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، وبه قال
أحمد ومالك، وقال الشافعي: إذا فرغ المؤذن من الإقامة.

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 30 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 10 ح 12.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 34 ح 1.
147

وقال أبو حنيفة: إذا قال حي على الصلاة فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر،
يدل على ما قلناه رواية حفص وستأتي.
الآداب: روى السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام
(أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس) (1).
وعن عمار الساباطي قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بد للمريض أن
يؤذن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه، سئل فإن كان شديد الوجع قال: لا بد من
أن يؤذن ويقيم لأنه لا صلاة إلا بأذان وإقامة) (2).
وعن عمران الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان في الفجر قبل
الركعتين، أو بعدهما فقال: إذا كنت إماما " تنتظر جماعة فالأذان قبلهما وإن كنت
وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما) (3) وعن حفص بن سالم (سألت أبا
عبد الله عليه السلام، قال: إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة، أيقوم القوم على أرجلهم أو
يجلسون حتى يجئ إمامهم؟ قال: بل يقومون على أرجلهم قال: فإن جاء إمامهم
وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم) (4) وهذه الأخبار تتضمن آدابا فلا مشاحة في
طرقها.
تم الجزء الأول، ويتلوه الجزء الثاني وأوله، وأما المقاصد فثلاثة، وإنما
تركنا تاريخ فراغه لأن صاحبه أيده الله تعالى بنى أن يجمع الاثنين في واحد، فكانا
كالكتاب الواحد فلذا تركنا بسم الله الرحمن الرحيم.

1) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 31 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 35 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 39 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 41 ح 1.
148

وأما المقاصد فثلاثة:
(الأولى) في أفعال الصلاة وهي: واجبة، ومندوبة، والواجب ثمانية:
الأول: النية، واجبة في الصلاة لقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين) (1) ولا يتحقق الإخلاص من دون النية، ولأنها يمكن أن تقع
على وجه غير مرادة فلا يختص بمراد الشارع إلا بالنية، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
(إنما الأعمال بالنيات) (2) وما روي عن الرضا عليه السلام أنه قال (لا عمل إلا بالنية) (3).
والإخلاص هو نية التقرب، ومحلها القلب، ولا اعتبار فيها باللسان، ولا
يحتاج إلى تكلفها لفظا " أصلا، كذا ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف وقال بعض
الشافعية: يستحب أن يضاف اللفظ، وقال آخرون منهم: يجب.
وقول الشيخ حسن، لأن الأفعال يفتقر في وقوعها على وجوهها إلى الإرادة
وهي من فعل القلوب ولا أثر للفظ في اختصاص الفعل بوجه دون وجه فيسقط اعتباره
عملا بالأصل، وهل هي جزء من الصلاة؟ أو شرط في صحتها؟ الأقرب أنها شرط،
لأن الشرط هو ما يقف عليه تأثير المؤثر، أو ما يقف عليه صحة الفعل، ولأن أول
الصلاة التكبير والنية مقارنة أو سابقة فلا يكون جزء.
ويشترط في نية الصلاة تعيين الفريضة وكونها فرضا أداءا، كذا قال الشيخ
(ره)، وقال ابن أبي هريرة، يكفي نية الظهر لأن الظهر لا يكون إلا فرضا "، وقال
المروزي: ينوي ظهرا " فريضة.
لنا جنس الفعل لا يستلزم وجوهه إلا بالنية، كل ما أمكن أن يقع على أكثر
من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية فينوي الظهر ليتميز عن بقية

1) سورة البينة: 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 1 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 1 ح 1.
149

الصلوات، والفرض ليتميز من إيقاعه ندبا " كمن صلى منفردا " ثم أدرك الجماعة وكونها
أداءا ليتميز عن القضاء.
مسألة: يشترط نية القصر والإتمام ولو كان مخيرا " بين الإتمام والقصر،
كما يقال في المسافر إذا كان في أحد الأماكن الأربعة، وكذا لو دخل عليه الوقت
وهو حاضر بقدر ما يصلي ثم سافر، فإن الإتمام أفضل على رأي الشيخ، إذا تقرر
ذلك فحيث يكون القصر لازما " أو التمام لا يفتقر إلى نية أحدهما، لأن الفرض
متعين له، أما إذا كان مخيرا " فلأنه لا يتعين أحدهما بالنية، بل جائز أن يقتصر على
الركعتين، وجائز أن يتم فلا يحتاج أحدهما إلى تعيين.
مسألة: ويتعين استحضار النية مع التكبير ناويا " تكبير الصلاة، وقال أبو
حنيفة: يجوز أن تتقدم على التكبير بالزمان اليسير وليس بوجه، لأنه جزء من الصلاة
وعبادة، ووقوع الفعل على ذلك الوجه موقوف على النية، ويستدام ليقع الأفعال
بعدها منوية، ويقتصر على استدامة حكمها لصعوبة استدامة النية نفسها، لما يعرض
للإنسان من العوارض الصارفة عن استدامة النية دفعا " للحرج.
فروع
الأول: قال في الخلاف: إذا دخل في صلاته ثم نوى أنه خارج منها، أو
سيخرج، أو تردد هل يخرج أم لا؟ لم تبطل صلاته، وبه قال أبو حنيفة: وقال
الشافعي: تبطل ثم قال الشيخ: ويقوى في نفسي أنها تبطل لأنه عمل بغير نية.
الثاني: قال في المبسوط: من كان عليه الظهر والعصر فنوى بالصلاة أداؤهما
لم يجز عن أحدهما، لأنهما لا يتداخلان، ولم ينو واحدة بعينها.
الثالث: قال في المبسوط: لو عزم على فعل ما ينافي الصلاة من حدث،
أو كلام، أو فعل خارج عنها ثم لم يفعل لم تبطل صلاته لأن ذلك ليس رافعا " للنية
الأولى.
150

الرابع: قال في المبسوط: لو نوى القيام أو القراءة أو الركوع أو السجود
غير الصلاة بطلت صلاته لأنها عمل بغير نية تطابقها.
الخامس: قال في الخلاف: إذا نقل بنية من ظهر إلى عصر فاتت كان جائزا "،
ولو نقلها إلى عصر بعده لم يصح، وإن نقل النية من فرض إلى تطوع لم تجز عن
أحدهما، وينبغي أن يستثني الشيخ هنا مواضع الإذن في نقل الواجب إلى الندب
كمن كان يصلي فرضا " ثم جاء إمام يقتدى به، ومن سبق إلى غير سورة الجمعة يوم
الجمعة
السادس: روى عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل
قام في صلاة فريضة فصلى ركعة وهو يرى أنها نافلة فقال: هي التي قمت فيها ولها
وإذا قمت في فريضة فدخلك الشك بعدها فأنت في الفريضة، وإنما يحسب للعبد من
صلاته التي ابتدأ في أول صلاته) (1).
الثاني: التكبير، وهو ركن في الصلاة، ونعني بالركن ما تبطل الصلاة
بالإخلال به عمدا "، وسهوا " إذا ذكره، كذا فسره الشيخ في المبسوط، وهو قول
علماء الإسلام عدا الزهري، والأوزاعي، فإنهما أبطلا الصلاة بتركه عمدا " لا سهوا "
وقال: لو نسيها أجزأته تكبيرة الركوع.
لنا قوله عليه السلام (تحريمها التكبير) (2) وهو دليل على أن الدخول فيها موقوف
عليه، وقول النبي صلى الله عليه وآله (لا يقبل الله امرء حتى يضع الطهور موضعه ثم يكبر).
ومن طريق الأصحاب ما رواه جماعة منهم عبيد بن زرارة، وزرارة وذريح
ابن محمد المحاذي، عن أبي عبد الله عليه السلام كل يقول (سألته عن رجل ينسى تكبيرة
الافتتاح قال: يعيد) (3) وعن الفضل بن عبد الملك، وابن أبي يعفور، عن أبي

1) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 2 ح 3.
2) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 101.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 2 ح 3 و 4.
151

عبد الله عليه السلام قال: (في الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟
قال: لا، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنه لم يكبر) (1).
وفي روايات أصحابنا ما يطابق مذهب الزهري، روى ذلك جماعة منهم أحمد
ابن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له: (رجل نسي أن
يكبر تكبيرة الافتتاح حتى كبر للركوع، قال: أجزأه) (2) وعن أبي بصير قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يكبر فبدأ بالقراءة فقال: إن ذكر وهو
قائم فليكبر، وإن ركع فليمض في صلاته) (3) وحمل الشيخ ذلك على الشك.
مسألة: ولا يكون داخلا في الصلاة إلا بإكمال التكبير وبه قال الشيخ في
الخلاف، وقال الكرخي: ليس من الصلاة والصلاة ما بعد التكبير، لأنه مضاف إليها
والمضاف مغاير للمضاف إليه.
لنا قوله (أن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح،
والتكبير، وقراءة القرآن) (4) فإن قيل هي مضافة إلى الصلاة في قوله عليه السلام (تحريمها
التكبير) (5) قلنا: حق ولا يقتضي ذلك المغايرة، فإن جزء الشئ يضاف إليه كما
يقول يد زيد ووجهه ورأسه.
مسألة: ولا تنعقد الصلاة إلا بقول الله أكبر مرتبا "، كذا ذكره الشيخ في
المبسوط وهو قول علمائنا، وبه قال مالك، وقال الشافعي: لو قال الله أكبر جاز
وبه قال ابن الجنيد منا: لكن كرهه ولم يحرمه وعقد به الصلاة، وقال أصحاب

1) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 3 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 3 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 2 ح 10.
4) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 249.
5) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 1 ح 10.
152

الشافعي، يجوز أن ينكس فيقول: الأكبر الله، وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل اسم
من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم، مثل الله الجليل، والله العظيم، لقوله تعالى
(وذكر اسم ربه فصلى) (1).
لنا اقتصار النبي صلى الله عليه وآله على الصورة التي قلناها وهي امتثال في مقابلة الأمر
المطلق فيكون بيانا، ولقوله عليه السلام (صلوا كما رأيتموني أصلي) (2) وما أجازه أصحاب
الشافعي من النكس لا يصح لأنه لا يكون تكبيرا "، أو ما قاله أبو حنيفة: ليس حجة
لأنه إخبار عن ذكر الله، وفعل النبي صلى الله عليه وآله مبين له فيقتصر عليه، ولا تنعقد الصلاة
بمعناه ولا بغير العربية وهو مذهب علمائنا.
وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: تنعقد.
لنا ما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وآله واقتصاره على التكبير، ولأن التكبير إذا
أطلق انصرف إلى اللفظ العربي لا غير، ولو لم يحسن بالعربية تعلم، فإن تعذر،
أو ضاق الوقت تكلم بلغته كذا قال الشيخ في المبسوط: وبه قال الشافعي: وقال
قول منهم يكون كالأخرس، وما ذكره الشيخ حسن، لأن التكبير ذكر فإذا تعذر
صورة لفظة روعي معناه.
فرع
قال الشيخ في المبسوط: لا تنعقد الصلاة بمعناه مع القدرة، ولا مع إدخال
الألف واللام، ولا مع الاقتصار على بعضها، ومن أحسن النطق بهما وتكلم بغيرها
لم تنعقد صلاته، وما ذكره جيد ومستنده ما قلناه.
مسألة: الأخرس ينطق بالممكن، فإن تعذر النطق أصلا قال الشيخ في المبسوط:

1) سورة الأعلى: 15.
2) صحيح البخاري ج 1 أبواب الأذان باب 8 ص 163.
153

يكون تكبيره إشارته بإصبعه، وايماؤه، وقال قوم منهم: تسقط فرضه عنه لأن الإشارة
وحركة اللسان تبع اللفظ فإذا سقط اللفظ سقط توابعه.
لنا أن اللفظ ومعناه مرادان شرعا " فسقوط أحدهما بالعجز لا يستلزم سقوط
الآخر، ويشترط فيها القيام فلو كبر قاعدا " مع القدرة لم يجز، لأن التكبير جزء من
الصلاة والقيام مع القدرة شرط في الصحة، ولو انحنى قبل إكمال التكبير، قال في
الخلاف: يصح وهو حسن، وقال الشافعي: إن كانت الصلاة فريضة بطلت وانعقدت
والوجه أنها إن بطلت لم تنعقد نافلة لأنه لم ينو النافلة، وللمصلي الخيرة في تعيينها
من السبع.
روى الأصحاب استحباب التوجه بسبع تكبيرات، مستندها ما رواه جماعة
منهم الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك، ثم
ابسطهما بسطا "، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم قل: اللهم أنت الملك الحق المبين لا
إله إلا أنت، سبحانك أني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم
كبر تكبيرتين ثم قل: لبيك وسعديك، والخير بين يديك، والشر ليس إليك
والمهدي من هديته، لا ملجأ منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت
سبحانك رب البيت، ثم يكبر تكبيرتين، ثم يقول: وجهت وجهي للذي فطرت
السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، حنيفا " مسلما " وما أنا من المشركين) (1).
وفي رواية زرارة، عن أبي جعفر (يجزيك أن تقول: وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا " مسلما " وما أنا من المشركين، إن
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا
من المسلمين، قال: ويجزيك تكبيرة واحدة) (2).

1) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 8 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 8 ح 2.
154

وفي رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا افتتحت الصلاة فكبر
إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثا "، وإن شئت خمسا "، وإن شئت سبعا "، كل ذلك مجز
عنك، غير أنك إذا كنت إماما " لم تجهر إلا بتكبيرة واحدة) (1).
وقال الجمهور: ويكبر واحدة ثم يقول: وجهت وجهي، ثم تقول سبحانك
اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ومنهم من يقتصر على هذا، قال المفيد
في المقنعة: ويستحب التوجه بسبع تكبيرات في سبع صلوات.
وكذا قال الشيخ في المبسوط، وقال في الخلاف: في مواضع مخصوصة
من النوافل، وقال في التهذيب: ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته
ولم أجد به خبرا " مسندا "، وقال: هي في أول كل فريضة وأول صلاة الليل، والوتر
وأول نافلة الزوال، وأول نوافل المغرب، وأول ركعتي الإحرام، وزاد المفيد
الوتيرة، والذي أقول: استحباب ذلك في كل صلاة عملا بإطلاق الحديث.
وقال كثير من الجمهور: ليس قبل تكبيرة الإحرام دعاء مسنون لقوله تعالى
(فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب) (2) وليس فيما ذكروه حجة لأن
الرغبة إليه في الدعاء أتم من التكبير والقراءة ثم إن لم يكن فهو محتمل، وإذا تقرر
ذلك فتكبيرة الإحرام فرض فإن نوى بها أول التكبيرات وقعت البواقي في الصلاة،
وله أن ينوي بتكبيرة الإحرام ما شاء من السبع.
وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن أخف ما يكون من التكبير
قال: ثلاث تكبيرات، فإن كنت إماما " أجزأك أن تكبر واحدة، وتجهر بها وتسر
ستا ") (3) وعن زرارة قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام استفتح الصلاة بسبع تكبيرات

1) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 7 ح 3.
2) سورة الانشراح: 7 - 8.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 12 ح 1.
155

ولاء) (1).
وسنن النطق بتكبيرة الإحرام أن يأتي بها على وزن أفعل من غير مد، وقال
في المبسوط: لا يجوز أن يمد لفظة أكبر فيقول: أكبار جمع كبر وهو الطبل والتحريم
حق إن قصد، وإن لم يقصد لم يحرم، وكان كمد الألف، ورفع اليدين به مستحب
في كل صلاة فرض ونفل، ولو نسيه وذكر قبل انتهاء التكبير رفع، ولو انتهى لم
يرفع عمدا " ونسيانا " لأنه سنة.
ويستحب ضم الأصابع والاستقبال بباطنهما القبلة عند التكبير، وقال علم الهدى
وابن الجنيد: يجمع بين الأربع ويفرق بين الإبهام، وقال الشافعي: يطلق أصابعه
لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وآله كان ينشر أصابعه) (2).
لنا ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله (كان يرفع يديه مدا ") (3) وما رواه حماد
ابن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه) (4).
وخبر الشافعي ليس حجة لأن النشر يحصل ببسط الكف وإن كانت أصابعه مضمومة
كما يقال: نشرت الثوب وكذا رواية الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (ارفع كفيك
ثم ابسطهما) (5) يحتمل ما ذكرناه، ولو كان يداه تحت ثيابه رفعهما، لما روى وابل
ابن حجر قال: (رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في الشتاء يرفعون أيديهم في ثيابهم في
الصلاة) ويستحب للمرأة أيضا " لعموم الندب.
ويستحب أن يسمع الإمام من خلفه التكبير ليكبروا تبعا " له، وأن يرفع المصلي
بهما يديه محاذيا " وجهه، رفع اليدين سنة بغير خلاف بين العلماء، واختلف الرواية

1) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 7 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 27.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 27.
4) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 8 ح 1.
156

في حده قال الشيخ في المبسوط: يحاذي بهما شحمتي أذنيه وهي رواية أبي بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا افتتحت الصلاة وكبرت فلا تجاوز أذنيك) (1) وفي
رواية ابن عمار قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح) (2)
ومثله روى منصور بن حازم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام والروايتان متقاربتان.
وقال الشافعي: يرفعهما إلى حد المنكبين، وما ذكره الشيخ أولى، وهو اختيار
أبي حنيفة، لنا ما روي (أن وابل بن حجر كان يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه) (4)
وما روى أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله إذا كبر رفع يديه فلم تجاوز أذنيه).
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير وقد سلف، ويكره أن يتجاوز بهما
رأسه، لما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا افتتحت وكبرت، فلا تتجاوز أذنيك
ولا ترفع يديك فتجاوز بهما رأسك) (5) وروي عن علي عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله مر
برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه، فقال: ما لي أرى قوما " يرفعون أيديهم فوق
رؤسهم كأنها آذان خيل شمس) (6).
ويستحب التعوذ أمام القراءة في كل صلاة مرة، قال الشيخ في الخلاف،
وهو مذهب علمائنا به، وقال الشافعي في أحد قوليه، وأبو حنيفة وأحمد وقال مالك:
لا يستحب في الفريضة، ويستحب في قيام رمضان، وحكي عن محمد بن سيرين
أنه كان يتعوذ بعد القراءة.

1) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 9 ح 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 9 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 9 ح 6.
4) سنن ابن ماجة ج 2 كتاب الصلاة ص 123.
5) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 9 ح 5.
6) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 10 ح 4.
157

لنا قوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) (1) وهو على عمومه،
وروى أبو سعيد الخدري (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتعوذ قبل القراءة فيقول: أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم) (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثم تعوذ
من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب) (3) وصورته أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، وقل بعد ذلك أن الله هو السميع العليم وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي،
وقال ابن حي: يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
لنا إنما اعتبرناه لفظ القرآن المجيد ولم يثبت غيره، وهو مستحب في
أول ركعة من الصلاة، وقال الشافعي: في أحد قوليه يتعوذ في كل ركعة ويسر به.
الثالث: القيام، وإنما أخره عن النية وتكبيرة الإحرام لأنه لا يصير جزء من
الصلاة إلا بهما، وعلة الشئ سابقة عليه، وهو واجب وركن مع القدرة، وعليه
إجماع العلماء، ولما روي عنه أنه قال لرافع بن خديج: (صل قائما "، فإن لم تستطع
فقاعدا ") (4).
ومن طريق الأصحاب ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المريض يصلي
قائما "، فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا ") (5) وما رواه ابن حمزة، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله تعالى (الذين يذكرون الله قياما " وقعودا " وعلى جنوبهم) (6) قال:

1) سورة النحل: 98.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 35 (مع تفاوت).
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 8 ح 1.
4) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 426 (إلا أنه رواها عن عمرو بن حصين).
5) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 13.
6) سورة آل عمران: 191.
158

الصحيح يصلي قائما "، والمريض يصلي جالسا "، وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف
من المريض الذي يصلي جالسا " (1).
مسألة: ولو تعذر الاستقلال اعتمد، ولو عجز في البعض أتى بالممكن لأن
القيام شرط وتحصيله بالاعتماد ممكن فيجب، ولأن القيام يجب في جميع أفعال
الصلاة فإن عجز عن البعض لا يسقط الآخر، وقد روى عبد الله بن سنان، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تستند إلى جدار وأنت تصلي إلا أن تكون مريضا ") (2).
فرع
لو عجز عن الركوع وأمكنه القيام مؤميا " وجب، ولم يجزه قاعدا "، وقال أبو
حنيفة: إذا عجز عن الركوع قائما " كان مخيرا " في الصلاة قائما " وقاعدا ".
لنا أن القيام شرط مع القدرة لما روي عن عمران بن الحصين، عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: (صل قائما " فإن لم تستطع فجالسا) (3) فشرط في الجلوس عدم الاستطاعة
عن القيام، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه قال في المريض: إن لم يستطع أن يركع
ويسجد أومأ ويجعل سجوده أخفض من ركوعه) (4) ولو عجز أصلا صلى قاعدا "
وهو إجماع العلماء، وفي حد العجز عن القيام روايتان:
إحديهما: مراعاة التمكن، روى ذلك جميل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما حد
المريض الذي يصلي قاعدا "؟ قال: إن الرجل ليوعك ويخرج ولكنه أعلم بنفسه إذا
قوي فليقم) (5) وفي رواية عن الباقر عليه السلام قال: (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ذاك

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 10 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 304.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 305.
5) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 6 ح 3.
159

إليه هو أعلم بنفسه) (1).
والأخرى: رواية سليمان بن حفص المروزي قال: (قال الفقيه: المريض
إنما يصلي قاعدا " إذا صار الحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته إلى أن
يفرغ قائما ") (2).
والرواية الأولى أولى لأن القيام شرط مع القدرة فلا يتعين العدول إلى الصعود
إلا مع التعذر، أما الثانية فليست معتبرة لأن المصلي قد يتمكن أن يقوم بقدر صلاته
ولا يتمكن من المشي بقدر قيامها، وقد يتمكن من المشي ولا يتمكن من الوقوف.
مسألة: ولو وجد المصلي قاعدا " خفا " قام وأتم صلاته، وهو مذهب علمائنا
وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وقال محمد بن الحسن الشيباني: يبطل قياما " على
العريان إذا وجد ساترا " في أثناء الصلاة، لنا أنه أتى بما أمر به فيكون مجزيا "،
وقياسه باطل لأنا نمنع الأصل.
مسألة: ومن عجز عن القعود صلى مضطجعا " على جانبه الأيمن مؤميا "، وهو
مذهب علمائنا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، قال الجوهري: ضجع إذا ألقى
جنبه بالأرض واضطجع مثله، ومن أصحابهما من قال: يصلي مستلقيا " مستقبل القبلة
لأن المريض معرض المبرء فلو عرض له البرء كان مستقبلا لو جلس ولا كذلك
المضطجع.
لنا قوله تعالى (الذين يذكرون الله قياما " وقعودا " وعلى جنوبهم) (3) وقال
المفسرون أراد به الصلاة في حال المرض، ولما رواه عمران بن حصين، عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: (فإن لم تستطع فصل قاعدا "، فإن لم تستطع جالسا " فعلى جنبك) (4) وإذا

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 6 ح 4.
3) سورة آل عمران: 191.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 304.
160

عجز عن الاضطجاع وجب أن يصلي مستلقيا " مؤميا " أيضا " برأسه، فإن لم يستطع برأسه
أومأ بعينه.
وقال أبو حنيفة: يؤخر الصلاة لأن فرض السجود لم يتعلق في الأصل بالعين
والقلب فلا ينتقل الإيماء إليهما كما لا ينتقل إلى اليد، ولأن الإيماء بالقلب هو مجرد
النية ومجرد النية لا يكون صلاة.
لنا رواية ابن الحصين فإن لم تستطع قائما " فعلى جنبك موميا "، ولما رواه
أصحابنا عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا
يوجه كما يوجه الرجل في لحده، وينام على جانبه الأيمن، ثم يؤمي بالصلاة، فإن
لم يقدر على جانبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه جايز، ويستقبل بوجهه القبلة، ثم يؤمي
بالصلاة إيماءا) (1) والإيماء يقع على الإيماء بالرأس والعين أيضا.
وفي رواية محمد بن إبراهيم، عمن حدثه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المريض
إذا لم يقدر على الصلاة جالسا " صلى مستلقيا "، يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع
غمض عينيه، ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من
الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون
فتحه عينيه رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد وينصرف) (2).
وهذه يدل على انتقاله بعد العجز عن الصلاة قاعدا " إلى الاستلقاء، لكن الرواية
الأولى أشهر وأظهر بين الأصحاب، لأنها مسندة وهذه مجهولة الراوي، والمراد
بقوله (وكذا لو عجز وصلى مستلقيا ") معناه وكذا لو عجز عن الصلاة على جانبه
صلى مستلقيا " مؤميا "، ولو عجز عن السجود جاز أن يرفع إليه ما يسجد عليه، ولم
يجز الإيماء، خلافا " للشافعي وأبي حنيفة لأن ذلك أتم من الإيماء وهو مجز مع

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 10 (إلا أنه نقله عن عمار).
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 13.
161

الضرورة ولأن تكليفه السجود يستلزم الحرج، وتكليفه الإيماء عدول عن السجود
مع القدرة عليه.
ويؤيد ذلك روايات من طرق الأصحاب، منها رواية أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا " فيسجد عليه؟ فقال:
لا إلا أن يكون مضطرا " ليس عنده غيرها، وليس عليه شئ مما حرم الله إلا وقد
أحله لمن اضطر إليه) (1).
واحتج الشافعي بما روي عن ابن مسعود (أنه دخل على مريض يعوده فرآه
يسجد على عود فأشرغه ورمى به، وقال: هذا مما عرض به لكم الشيطان).
وجوابه أنه لا حجة في فعل ابن مسعود، يجوز أن يكون رأى ذلك رأيا "، أو
لما توهم من التشبه بعبادة الأوثان، وقد روى زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ما يدل
على ذلك قال: (سألته عن المريض هل يسجد على الأرض أو على مروحة أو سواك
يرفعه؟ فقال هو أفضل من الإيماء وإنما كره من كره السجود على المروحة من
أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله وإنا لم نعبد غير الله قط فاسجد على المروحة
أو على سواك أو عود) (2).
فرع
كل ذي عذر يمنعه عن القيام والقعود صلى مستلقيا " دفعا " للحرج، خلافا " لمالك
روى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام جواز ذلك فقال: (ليس شئ حرم الله إلا وقد
أباحه لمن اضطر إليه).
مسألة: لو تلبس بالصلاة مضطجعا " أو مستلقيا " ثم قدر على الجلوس والقيام

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 7.
2) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 15 ح 1 و 2.
162

انتقل إلى ما يقدر عليه وأتم، ذكر ذلك الشيخ، وقال أبو حنيفة: يستأنف لأن اقتداء
الراكع الساجد بالمؤمي غير جائز، فلا يبني إحدى الصلاتين على الأخرى.
لنا أنه أتى بما أمر به بشروطه فيكون مجزيا "، وقياسه باطل لعدم الجامع
ولوجود الفارق، وهو أن الإمام متبوع والراكع الساجد لا يجوز له الإيماء فلم
يتحقق التبع.
مسألة ولا يلصق المصلي قائما " قدميه بل يفرجهما من ثلاث أصابع إلى شبر
لأنه أمكن في صلاته، ويؤيده ما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا قمت
في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى، دع بينهما فصلا إصبعا " إلى شبر) (1) وفي
رواية حماد ثلاث أصابع (2).
مسألة: إذا صلى قاعدا " يتربع قاريا "، ويثني رجليه راكعا " كذا ذكر في النهاية،
وقيل: ويتورك متشهدا "، قال الشيخ: والأفضل أن يصلي متربعا " وإن افترش جاز
وقال في المبسوط: ويتورك في حال التشهد، وقد سلف البحث في ذلك في أول
كتاب الصلاة، وروى حمران بن أعين، عن أحدهما قال: (كان أبي عليه السلام إذا صلى
جالسا " تربع فإذا ركع ثنى رجليه) (3).
وبيان أنه على الاستحباب ما رواه معاوية بن ميسرة، عن أبي عبد الله عليه السلام
(سئل أيصلي الرجل وهو جالس متربع ومبسوط الرجل؟ فقال لا بأس بذلك) (4).
قال ابن بابويه في كتابه الكبير: قال الصادق عليه السلام في الصلاة في المحمل: (صل
متربعا " وممدود الرجلين وكيف ما أمكنك) (5) وعن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 17 ح 2 و 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 17 ح 2 و 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 11 ح 4.
4) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 11 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 11 ح 5.
163

عليه السلام قال: (إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس، فإذا بقي من السورة
آيتان فقم قائما " ما بقي واركع واسجد) (1) وإنما قال في الأصل وقيل لأنه حكاية كلام
الشيخ في المبسوط.
الرابع: القراءة.
مسألة: القراءة واجبة في الصلاة وشرط فيها، وبه قال علماؤنا وجميع الفقهاء
خلا صالح بن حي وابن عليه (2) والأصم.
لنا قوله تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) (3) وقوله عليه السلام (لا صلاة إلا
بقراءة) (4) ولأن خلاف المذكورين منقرض، وهي متعينة بالحمد في كل ثنائية،
والأوليين من الثلاثية والرباعية وقال أبو حنيفة: لا يجب ويجزي مقدار ثلاث آيات
من أي القرآن شاء، وفي إحدى الروايتين عن أحمد يجزي مقدار آية لأن النبي
صلى الله عليه وآله لما علم الأعرابي قال له: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) (5) وقوله تعالى
(فاقرؤا ما تيسر منه) ولأن الفاتحة وساير القرآن سواء في الأحكام وكذا في الصلاة.
لنا فعل النبي صلى الله عليه وآله ومواظبته على ذلك وفعل الصحابة والتابعين، وقوله عليه السلام
(لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب) (6) ومن طريق الأصحاب ما رواه جماعة منهم
محمد بن مسلم قال: (سألته عن الذي لم يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال: لا
صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات) (7) وقولهم لم يعلم الأعرابي ممنوع،

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 9 ح 2.
2) كذا في النسخ فظاهر أن الصحيح ابن عالية.
3) سورة المزمل: 20.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 42 ص 297.
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 45 ص 298.
6) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 34 ص 295.
7) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 1 ح 1.
164

فإن الشافعي روى أنه قال: (ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله) وقولهم (الفاتحة
كساير القرآن) قلنا: لا نسلم في كل شئ، والتعويل في القرآن على النص الذي
تلوناه، ثم هو حكاية فعل فلعله لم يكن يحسن فاقتصر مع ضيق الوقت على ما تيسر له.
فرع
قال الشيخ: من قدم شيئا " منها على شئ فلا صلاة له، ولو قرأ في خلالها
من غيرها سهوا " ثم عاد إلى موضعه أجزأ، ولو تعمد استأنف، ولو نوي قطعها وقطع
القراءة استأنف صلاته، وإن لم يقطع القراءة استمر، ومن أخل بإصلاح لسانه في
القراءة مع القدرة أبطل صلاته، ولو كان ناسيا " لم يبطل، وفي كل ثالثة من الفرائض
ورابعه هو بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح.
وقال الشافعي ومالك وأحمد: يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وقال أبو
حنيفة: يجب في الأولتين ولا يجب في الأخيرتين قراءة سورة، وعن الحسن لو
قرأ في ركعة أجزأه، وعن مالك لو قرأ في ثلاث أجزأه، لما رووه ورويناه عن علي
عليه السلام أنه قال: (اقرأ في الأولتين وسبح في الأخيرتين) (1) ولأن القراءة لو تعينت
في الأخيرتين لتبين الجهر فيها كالأولتين.
واحتج الشافعي بما روى أبو قتادة (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في أولي الظهر بأم
الكتاب وسورتين، يطول الأولى ويقصر الثانية، ويقرأ في الأخيرتين بأم الكتاب) (2).
والجواب: إن خبر أبي قتادة إخبار عما فعله عليه السلام وعلى تقدير التخيير بين
القراءة والتسبيح لا يكون فعل النبي صلى الله عليه وآله منافيا "، فإن قيل: ما روي عن علي عليه السلام يرويه

1) سنن البيهقي ج 2 ص 63.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 66.
165

الحرث وقد ذكر الشعبي أنه كان كذابا " قلنا: أما الحرث فالمشهور عنه الصلاح
والنزاهة وإن كان من خواص علي عليه السلام، والمعلوم من حال الشعبي الانحراف عن علي
عليه السلام وعن أصحابنا فلا يطعن بقوله فيهم مع أن الشعبي على أبلغ غاية في الضعف
لما كان عليه من متابعته بني أمية ومبايعتهم حتى أنه يعد في شيعتهم.
ثم ما ذكره الحرث، عن علي عليه السلام متواتر عن أهل البيت عليهم السلام رواه جماعة
منهم معاوية بن عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في
الركعتين الأخيرتين قال: للإمام فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك
فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح) (1) وزرارة وعن أبي جعفر الثاني قلت: ما يجزي من
القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: (أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويكبر ويركع) (2) وعبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام عن الركعتين
الأخيرتين من الظهر قال: (تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك فإن شئت فاتحة الكتاب
فإنها حمد ودعاء) (3) وعلي بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألت عن الركعتين
ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فذاكر الله، قلت
أي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء إن شئت سبحت، وإن شئت قرأت) (4).
ولا تصح الصلاة مع الإخلال بالفاتحة عمدا " ولو بحرف وكذا إعرابها
وترتيب آيها، وعليه علماؤنا أجمع، أما بطلان الصلاة مع العمد فلقوله (لا صلاة
إلا بفاتحة الكتاب) (5) وقول الصادق عليه السلام في رواية محمد بن مسلم وقد سأله عمن

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 5.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 3.
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 34 ص 295.
166

لم يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال: (لا صلاة له) (1) والإخلال بجزء منها إخلال بها
لأن الإتيان بها إتيان بجميع أجزائها فيلزم أن يكون الإخلال بالجزء إخلالا بها.
وأما الإعراب فقد قال بعض الجمهور بجوازه إذا لم يخل بالمعنى، والوجه
ما ذكرناه لأنه كيفية لها وكما وجب الإتيان بحروفها وجب الإتيان بالإعراب المتلقى
عن صاحب الشرع، وكذا التشديد في مواضعه، ذكره الشيخ في المبسوط،
والبحث في الترتيب كذلك لأن مع الإخلال بترتيب آيها لا يتحقق الإتيان بها، ولو
أخل بشئ من ذلك ناسيا " لم يقدح في الصحة، وهو مذهب أكثر علمائنا لقوله عليه السلام
(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (2) ولم يرد رفع النسيان نفسه فيرتفع حكمه، لأنه
أقرب المجازات إلى لفظه.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب روايات، منها رواية منصور بن حازم قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: (إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، فقال:
أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، فقال: تمت صلاتك) (3) وحكى
الشيخ عن بعض الأصحاب أن القراءة ركن يجب إعادة الصلاة مع الإخلال بها ولو
نسيانا ".
ولو أخل بالقراءة نسيانا " في الأوليين فروايتان، إحديهما يقرأ في الأخيرتين
تعيينا "، والأخرى يبقى على التخيير، وهو الأصح، والبسملة آية من الحمد ومن
كل سورة عدا البراءة، وفي النمل آية، وبعض آية، فإخلاله بها كالإخلال بغيرها من
آي الحمد وكما لا يجزي مع الإخلال بغيرها من الآي فكذا البسملة، أما أنها آية
من الحمد فهو مذهب علمائنا وأكثر أهل العلم، وقال مالك والأوزاعي: لا يقرأها

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 16 أبواب الإيمان باب 16 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 29 ح 1.
167

في أول الحمد.
لنا ما رووه عن نعيم قال: (صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم ثم قرأ بأم الكتاب، ثم قال: والذي نفسي بيده أني لأشبهكم بصلاة رسول
الله صلى الله عليه وآله) (1) وعن ابن المنذر (أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن
الرحيم) (2) وعن أم سلمة مثل ذلك وعدها آية الحمد لله رب العالمين وعدها
آيتين) (3) ورووا عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم
الله الرحمن الرحيم فإنها آية منها) (4).
ويجب إيقاعها في أول الحمد ليحصل الترتيب المنقول، وما رواه مالك
(من كون النبي صلى الله عليه وآله لم يقرأها) (5) فهي رواية بالنفي فيكون الإثبات أرجح، وربما
يكون النبي صلى الله عليه وآله قرأها ولم يسمع الراوي فأخبر عن حاله.
ومن طريق الأصحاب روايات منها رواية معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي
عبد الله عليه السلام إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟
قال: نعم قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟
قال: نعم) (6) وفي رواية محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يكون إماما " يستفتح الحمد ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم قال لا يضره) (7) وعن
عبيد الله بن علي الحلبي، ومحمد بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنهما سألاه

1) سنن البيهقي ج 2 ص 46.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 43 (إلا أن فيه رواها عن ابن عمر).
3) سنن البيهقي ج 2 ص 44.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 45.
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 50 ص 299 (إلا أنه رواها عن أنس ابن مالك).
6) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 11 ح 5.
7) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 12 ح 5.
168

عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إن شاء
سرا " وإن شاء جهرا " قال أفتقرأها مع السورة الأخرى فقال: لا) (1) قال الشيخ: هذا
محمول على النافلة وكذا كلما ورد على هذا النهج.
مسألة: ولا تجزي القراءة بالترجمة ولا بمراد فيها من العربية، وهو مذهب
علمائنا، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك.
لنا قوله تعالى (قرآنا " عربيا ") (2) وقوله (بلسان عربي مبين) (3) ويلزم
أن لا يكون ترجمته بغير العربية قرآنا "، ولأن القرآن معجز بلفظه ونظمه ومعناه
فلو كان معناه قرآنا " لما تحقق الإعجاز، ولكانت التفاسير قرآنا "، ويلزم أن لو كانت
الترجمة قرآنا " أن يكون ترجمة الشعر شعرا " حتى يكون من أتى بترجمة شعر امرئ
القيس نظما " أن يكون بعينه شعر امرئ القيس وهذا خروج عن المعروف.
مسألة: يجب على من لم يحسن القراءة تعلمها، ولو ضاق الوقت قرأ ما يحسن
وتعلم لما يستأنف، أما وجوب التعليم فعليه اتفاق علماء الإسلام ممن أوجب
القراءة، ولأن وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلم تحصيلا للواجب، وأما الاقتصار
على ما يحسن مع ضيق الوقت فلأنه حال لا يتسع لزيادة عن ذلك فيقصر على
الممكن، وعليه الاتفاق أيضا ".
مسألة: ولو لم يحسن ولم يتيسر التعلم أو ضاق الوقت قرأ من غير ها ما تيسر
وإلا سبح الله وكبره وهلله، وقال الشيخ: ذكر الله وكبره ولا يقرأ المعنى بغير
العربية، وقولنا بعد ذلك بقدر القراءة يزيد على الاستحباب، لأن القراءة إذا سقطت.
لعدم القدرة سقطت توابعها وصار ما تيسر من الذكر والتسبيح كافيا، ودل على

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 12 ح 2.
2) سورة طه: 113.
3) سورة الشعراء: 195.
169

الاستحباب ما رواه محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام
إذا صلى يقرأ في الأوليين من صلاة الظهر سرا "، ويسبح في الأخيرتين على نحو
من صلاة العشاء، وكان يقرأ من الأولتين من صلاة العصر سرا "، ويسبح في الأخيرتين
على نحو من صلاة العشاء، وكان يقول أول صلاة أحدكم الركوع) (1).
فرع
لو أحسن منها آية اقتصر عليها لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها، وهل
يكررها سبعا "؟ الأشبه لا، وقال أحمد بن حنبل: نعم وللشافعي مثل القولين.
لنا ما رواه عن رفاعة بن رافع (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قمت إلى الصلاة
فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره) (2) فاقتصر من القرآن
على ما معه ولم يأمر بالتكرار، ولو قرأ غيرها هل يجب أن يأتي بعدد آيها؟ الأشبه
لا، وقال بعض الشافعية: نعم لأنها بدل، ولو أحسن بعض آية هل يجب قرائتها؟
قال بعض الجمهور: لا (لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر الأعرابي أن يحمد الله، ويكبره
ويهلله) (3) وقوله الحمد لله بعض آية ولم يأمره بتكرارها ولا اقتصر عليها وهو حسن
ولو قيل: إن كان البعض ما يسمى قرآنا " أمكن لقوله عليه السلام فإن كان معك قرآنا " فاقرأ
به، ولأن آية الدين لو نقصت كلمة لما خرج الباقي عن كونه قرآنا ".
وما الذي يجزي من الذكر؟ قال أحمد بن حنبل: المجزي ما علمه النبي
صلى الله عليه وآله رجلا قال: (يا رسول الله لا أستطيع أن آخذ شيئا " من القرآن، فعلمني ما يجزيني
فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 9.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 380.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 381.
170

قال: هذا لله فما لي؟ قال: اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وعافني) (1).
وقال بعض الشافعية: يزيد كلمتين أخراوين حتى يقوم مقام سبع آيات، وقد
بينا نحن أن ذلك غير لازم، ولا أمنع الاستحباب ليحصل المشابهة، ودل على أنه
غير لازم اقتصار النبي صلى الله عليه وآله في تعليمه ما يجزيه على الكلمات المذكورة، وقال
الشيخ في الخلاف: إذا لم يحسن شيئا " من القرآن ذكر الله وكبره وهلله ولا يقرأ
معنى القرآن.
مسألة: ويحرك الأخرس لسانه بالقراءة، قال الشيخ في المبسوط: وينبغي
أن يضيف إلى ذلك عقد قلبه بها لأن القراءة معتبرة فمع تعذرها لا يكون تحريك
اللسان بدلا إلا مع النية.
مسألة: وفي وجوب سورة مع الحمد في الفرائض للمختار مع سعة الوقت
وإمكان التعلم روايتان (2)، لا خلاف بين الأصحاب في جواز الاقتصار على الحمد
في النوافل وفي حال الاضطرار كالخوف ومع ضيق الوقت بحيث إن قرأ السورة
خرج الوقت وعدم إمكان التعلم، والخلاف لو اختلت أحد هذه الشرائط قال الشيخان
في النهاية والمبسوط والمقنعة يجب ضم سورة إلى الحمد، وقال في الخلاف:
الظاهر من روايات أصحابنا وجوب قراءة سورة مع الحمد في الفرائض، ولا يجزي
الاقتصار على أقل منها، وبه قال بعض أصحاب الشافعي: إلا أنه جوز بدل ذلك
قدر آيها من القرآن، وقال بعض أصحابنا: ليس ذلك بواجب، وبه قال الشافعي
وغيره من الجمهور.
لنا ما رواه ورويناه عن النبي صلى الله عليه وآله نقلا يبلغ التواتر، ورواه طائفة منهم
عن أبي قتادة (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقرأ في الأولين من الظهر بفاتحة الكتاب،

1) سنن البيهقي ج 2 ص 381.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 4 ص 736.
171

وسورتين يطول في الأولى، ويقتصر في الثانية وكذا في العصر) (1) وأمر معاذا "
فقال له: (أقرأ بالشمس وضحيها، وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى) (2)
ومتابعته في الصلاة واجبة لأن فعله امتثال في مقابلة الأمر المطلق المشترك بينه وبين
أمته، ولقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3) وروى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها) (4).
ومن طريق الأصحاب ما رواه يحيى بن عمران الهمداني قال: (كتبت إلى
أبي جعفر عليه السلام ما تقول فيمن قرأ أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة
تركها فقال العياشي ليس بذلك بأس فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه) (5)
وعن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تقرأ في المكتوبة بأقل من
سورة ولا بأكثر) (6).
وأما الجواز في حال الضرورة فعليه الوفاق، ويؤيده ما رواه حسين الصيقل
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (أيجزي عني أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا
كنت مستعجلا أو أعجلني شئ؟ فقال: لا بأس) (7) وما رواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز
للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار) (8) وهذا الخبران يدلان على

1) سنن البيهقي ج 2 ص 66 (مع تفاوت).
2) سنن البيهقي ج 2 ص 393.
3) صحيح البخاري ج 1 كتاب الأذان باب 8 ص 163.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 59.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 11 ح 6.
6) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 4 ح 2.
7) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 2 ح 4.
8) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 2 ح 5.
172

ما تضمنا نطقا "، وعلى غير ذلك من الضرورات فحوى.
وعلى ذلك يحمل ما رواه علي بن رباب، والحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (الحمد وحدها تجزي في الفريضة) (1) قال الشيخ في التهذيب: دل على
ذلك ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة
بفاتحة الكتاب في الأولتين إذا ما أعجلت به حاجته أو تخوف شيئا ") (2).
واعلم أنما ذكره الشيخ تحكم في التأويل، والظاهر أن فيه روايتين وحمل
إحديهما على الجواز والأخرى على الفضيلة أقرب، ويدل على ذلك أيضا " ما رواه
حريز بن عبد الله، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن السورة تصلي في
الركعتين من الفريضة؟ فقال: نعم إذا كانت ست آيات نصفها في الركعة الأولى،
والنصف الآخر في الركعة الثانية) (3) ويدل على الجواز أيضا " ما روى زرارة، عن
أبي جعفي عليه السلام (في رجل قرأ سورة فغلط، أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في
قرائته أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى غيرها؟ قال: كل ذلك لا بأس به، وإن
قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع) (4).
وفعل النبي صلى الله عليه وآله الذي استدللنا به يعارضه قوله عليه السلام للأعرابي وقوله (لا
صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وهو دليل الإجزاء، وروى إسماعيل بن الفضل قال:
(صلى بنا أبو عبد الله وأبو جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر المائدة فلما سلم
التفت إلينا فقال: إنما أردت أن أعلمكم) (5).
ولو قرن بين سورتين مع الحمد في الفرائض ففيه روايتان:

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 2 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 2 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 5 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 4 ح 7.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 4 ح 7.
173

إحديهما: المنع، قد ذهب إليه الشيخ في المبسوط والنهاية وقال (الأظهر أن قراءة سورة مع الحمد في الفريضة واجبة) وفي أصحابنا من قال:
يستحب واستدل برواية محمد بن مسلم، عن أحدهما قال: (سألته أيقرأ الرجل
السورتين في ركعة؟ قال: لكل سورة ركعة) (1).
والأخرى: الجواز، رواها زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (إنما يكره الجمع
بين السورتين في الفريضة) (2) والوجه الكراهية توفيقا "، وإليه أومأ في الاستبصار،
قال الشيخ في المبسوط: قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أنه إن قرأ بعض سورة
أو قرن ما بين سورة بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة، وقال ابن الجنيد: لو قرأ
بأم الكتاب وبعض سورة في الفرض أجزأه، ويجوز أن يكرر السورة في الركعتين،
وأن يقرأ السورتين متساويتين فيهما، والأفضل أن يقرأ أطولهما في الأولى، وأقصرهما
في الثانية، وقال في الخلاف: لا ترجيح.
لنا المنقول من النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة روى أبو قتادة (أن النبي صلى الله عليه وآله كان
يقرأ في الأولتين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر
في الأخرى، وكذا في العصر والصبح) (3) ولا نعرف استحباب قراءة السورة التي
تلي الأولى في الركعة الثانية، ويجوز لمن لم يحفظ أن يقرأ في المصحف لأن القدر
الواجب هو القراءة محفوظه كانت أو لم تكن، ويؤيد ذلك ما رواه الحسن بن زياد
الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يصلي وهو ينظر المصحف يقرأ فيه،
ويضع السراج قريبا " منه، قال: لا بأس) (4).

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 8 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 8 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 66.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 41 ح 1.
174

وكان لرسول الله سكتتان سكتة بعد الحمد وأخرى بعد السورة وقال أحمد:
سكتة بعد الافتتاح، وأخرى بعد الحمد، وأنكر مالك وأبو حنيفة ذلك، روى سمرة
قال: (حفظ لرسول الله صلى الله عليه وآله سكتة بعد الحمد) (1).
ولنا ما رواه جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام (إن رجلين اختلفا في صلاة
رسول الله صلى الله عليه وآله كم كان له من سكتة؟ فكتب إلى أبي ابن كعب فقال: كان له سكتتان،
إذا فرغ من أم القرآن، وإذا فرغ من السورة) (2) ولأن المقتضي السكوت عقيب
الحمد مقتض لسكوته بعد السورة.
مسألة: ولا يقرأ في الفريضة سورة من سور العزائم الأربع، ولا سورة يقصر
الوقت عن قرائتها، أما قراءة العزائم فمنعه الأكثر من علمائنا، وأطبق الجمهور على
خلافه، وقال ابن الجنيد منا: لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، وإن كان
في فريضة أومى فإذا فرغ قرأها وسجد.
لنا أن سجود التلاوة واجب وزيادة السجود في الصلاة مبطل، فلو قرأ
العزيمة لزم أحد الأمرين أما الإخلال بالسجود الواجب أو زيادة سجود وكلاهما
منفيان.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه ابن بكير، عن زرارة، عن أحدهما
عليه السلام قال: (لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة) (3)
وما روى عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: (من قرأ اقرأ باسم ربك فإذا ختمها
فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع، وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد
يجزيك الإيماء والركوع، ولا تقرأ في الفريضة وأقرأ في التطوع) والأولى في

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الإقامة ص 275.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 46 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 40 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 40 ح 2.
175

طريقها ابن بكير وهو ضعيف، والثانية طريقها عثمان وسماعة وهما واقفيان، مع أنه
موقوفة على سماعة، لكن التحقيق إنا إن قلنا: بوجوب سورة مضافة إلى الحمد
وحرمنا الزيادة لزم المنع من قراءة سورة العزائم وإن أجزنا أحدهما لم نمنع ذلك
إذا لم يقرأ موضع السجود.
يوضع ذلك ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (عن الرجل يقرأ في
المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها،
وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها) (1)
وأما تحريم ما يفوت الوقت بقرائته فقد قاله في المبسوط: لأنه يلزم منه الإخلال
بالصلاة أو بعضها حتى يخرج الوقت عمدا وهو غير جائز.
مسألة: وتجهر من الخمس واجبا " في الصبح وأولتي المغرب والعشاء، ويسر
الباقي، قال أبو الصلاح: وهو مذهب الشيخين وأتباعهما ومن الجمهور ابن أبي
ليلى وقال علم الهدى: هو من السنن الوكيدة حتى روي (أن من تركهما عامدا "
أعاد) (2) وأطبق الجمهور على الاستحباب، وبه قال ابن الجنيد منا.
لنا (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجهر في هذه المواضع ويسر ما عداها) (3) وفعله
وقع امتثالا في مقابلة الأمر المطلق فيكون بيانا " ولقوله عليه السلام (صلوا كما رأيتموني
أصلي) (4).
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (في
رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: إن

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 40 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 2 6 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 192 و 193 و 194.
4) صحيح البخاري كتاب الأذان باب 8 ص 163.
176

فعل ذلك متعمدا " فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسيا " أو ساهيا " ولا
يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته) (1) وكذا البحث في الإخفات وأما رواية
علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يصلي الفريضة
مما يجهر فيه هل له أن لا يجهر، قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل) (2) قال في
التهذيب: هذا لا يعمل عليه وهو تحكم من الشيخ (ره) فإن بعض الأصحاب
لا يرى وجوب الجهر بل يستحبه مؤكدا.
وأقل الجهر أن يسمع غيره القريب، والإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث
يسمع لو كان سميعا "، وهو إجماع العلماء، ولأن ما لا يسمع لا يعد كلاما " ولا قراءة.
ويؤيد ذلك ما روى ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: (لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه) (3) وعن علي بن
رئاب عن الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على
فيه؟ فقال: لا بأس بذلك إذا أسمع أذنية الهمهمة) (4) ولا يعارض ذلك، ما رواه علي
ابن جعفر عليه السلام، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلح له أن
يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ فقال: لا
بأس ألا يحرك لسانه يتوهم توهما ") (5) لأن الشيخ في التهذيب حمله من على كان
مع قوم لا يقتدى بهم ويخاف من إسماع نفسه القراءة، واستدل لما رواه محمد بن
أبي حمزة، عمن ذكره، عن أبي عبد الله قال: (يجزيك من القراءة معهم مثل حديث

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 26 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 25 ح 6.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 33 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 33 ح 4.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 33 ح 5.
177

النفس) (1).
ولو استدل على التخيير في الجهر والإخفات بقوله تعالى (ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها) (2) أمكن الجواب بأن ظاهره غير مراد إذ ظاهره نفي الجهر
والإخفات وهو غير ممكن بل المراد نفي الجهر الزائدة عن العادة والإخفات القاصر عن
السماع، ودل على ذلك رواية سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن قوله
تعالى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال: المخافة دون سمعك، والجهر أن ترفع
صوتك شديدا ") (3).
والجهر والإخفات من أحكام القراءة، وما عداها من أركان الصلاة فأنت فيه
بالخيار، روى ذلك علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: (سألته عن
التشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت للرجل أن يجهر به؟ قال: إن شاء
جهر، وإن شاء لم يجهر) (4).
وليس على المرأة جهر وهو إجماع العلماء، لكن لا تقتصر في الإخفات عن
إسماع نفسها حد الإسماع لو كانت تسمع، وروي فمن أخل بالقراءة في الأولتين
ناسيا " (قرأ في الأخيرتين وجوبا ") (5) والوجه بقاؤها على التخيير لفوات محل القراءة
المتعينة.
والمعوذتان من القرآن يقرأ بهما في الصلاة فرايضها ونوافلها، وعليه علماء
أهل البيت عليهم السلام، وقد كان خلافا " ثم انقرض والآن إجماع المسلمين على ذلك،
وروايات من أهل البيت عليهم السلام به كثيرة، منها رواية منصور بن حازم قال: (أمرني

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 52 ح 3.
2) سورة الإسراء: 110.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 33 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 20 ح 2.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 30 ح 6.
178

أبو عبد الله عليه السلام أن أقرأ المعوذتين في المكتوبة) (1) وعن داود بن فرقد، عن مولى
سالم قال: (أمنا أبو عبد الله عليه السلام في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين) (2).
مسألة: ومن السنن الجهر بالبسملة في موضع الإخفات في أول الحمد وأول
السورة، البحث هنا في شيئين، أحدهما هل هي آية من الحمد أم لا؟ عندنا نعم
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: ليست آية من الحمد ولا من غيرها،
ولأحمد بن حنبل مثل القولين.
لنا ما رووه عن أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا قرأتم الحمد فاقرؤا
بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب، والسبع المثاني بسم الله الرحمن الرحيم
آية منها) (3) وما رووه عن أم سلمة (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: بسم الله الرحمن الرحيم
وعدها آية الحمد لله رب العالمين وعدها آيتين حتى انتهى على الفاتحة) ولأنها
ثابتة في المصاحف إثبات القرآن ويقرؤها القراء في أوايل السور كما يقرؤنها بعض
آية في النمل.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: نعم قلت: بسم الله الرحمن
الرحيم من السبع المثاني؟ قال: نعم، هي أفضلهن).
واحتج أبو حنيفة بما رواه أبو هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (يقول الله:
قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي)
وساق الحديث قال فلو كانت البسملة من الحمد لبدأ بها ولا حجة فيه لأن قسمة الصلاة
ليست قسمة السورة ولأنه أراد ذكر التساوي في قسمة الصلاة لا قسمة السورة، وهل

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 47 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 47 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 45.
179

هي آية من كل سورة؟ قال الشيخ في الخلاف والمبسوط نعم وقال ابن الجنيد من
أصحابنا: هي من غيرها افتتاح لها، وما ذكره الشيخ هو المشهور بين أصحابنا،
ومستنده قراءة القراء وإثباتها في المصحف والحكم بكون ما اشتمل عليه قرآنا ".
البحث الثاني: إذا تقرر أنها آية من الحمد فحيث يجب الجهر بالحمد يجب
الجهر بها وحيث يجب الإخفات أو يستحب يستحب بها الجهر خاصة، وهو انفراد
الأصحاب في الفرض والنفل سفرا " وحضرا " جماعة وفرادى، وبه قال الثلاثة: في النهاية
والخلاف والمبسوط والمقنعة والمصباح، وقال علم الهدى في المصباح: ومن
أصحابنا من يرى الجهر بها في كل صلاة للإمام أما المنفرد فيجهر بها في صلاة الجهر
ويخفت بها في الإخفات، والجمهور على خلاف هذا الإطلاق، والشافعي ومن قال
بقوله يجهر مطلقا "، والباقون يسرون مطلقا ".
لنا ما رواه الجمهور (أن أبا هريرة صلى فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وقال:
أنا أشبهكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله صلى فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم) (1) وروى
ابن المنذر (أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم) (2) وأخبارهم
بالقراءة إخبار عن السماع، ولا نعني بالجهر إلا إسماع الغير، وقد روي عن أبي
هريرة أنه قال: (ما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا
عليكم) (3).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي نجران، عن صفوان قال:
(صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما " وكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن
الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى

1) سنن البيهقي ج 2 ص 46.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 43 (إلا أنها رواها عن ابن عمر).
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 43 ص 297.
180

ما سوى ذلك) (1).
وقال بعض المتأخرين: ما لا يتعين فيه القراءة لا يجهر فيه لو قرئ وهو
تخصيص لما نص عليه الأصحاب ودلت عليه الروايات، فإن تمسك بوجوب الإخفات
نقضنا عليه بما يتعين فيه القراءة من الاخفائية، فإن تمسك بنص الأصحاب أو بالمنقول
لزمه العمل بالإخفات في كل موضع يقرأ فيه تعين أو لم يتعين عملا بالإطلاق.
مسألة: ترتيل القراءة مستحب، ونعني بالترتيل في القراءة تبيينها من غير
مبالغة، وبه قال الشيخ: وربما كان واجبا " إذا أريد به النطق بالحروف من مخارجها
بحيث لا يدمج بعضها في بعض، ويدل على الثاني قوله تعالى (ورتل القرآن
ترتيلا) (2) والأمر للوجوب على الأول ما روى بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل قرائته، وإذ مر بآية فيها ذكر الجنة أو النار سأل الله
الجنة وتعوذ بالله من النار، وإذا مر بيا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا قال: لبيك ربنا) (3)
ولو أطال الدعاء في خلال القراءة كره، وربما أبطل إن خرج عن نظم القراءة المعتاد.
مسألة: ويستحب في النوافل قراءة سورة بعد الحمد، وعلى ذلك اتفاق العلماء
ويستحب أن يقرأ في الظهرين والمغرب بقصار المفصل مثل سورة القدر، وإذا جاء
نصر الله والهيكم، وفي العشاء بمتوسطاته كالطارق، والأعلى، وإذا السماء انفطرت
وما أشبهها، وفي الصبح بمطولاته كالمدثر، والمزمل، وهل أتى، وما أشبهها،
ذكر ذلك الشيخ (ره) في المبسوط وهو حسن، وأومأ إلى بعضه المفيد (ره) وعلم الهدى.
وروى الجمهور (أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الصبح

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 11 ح 1.
2) سورة المزمل: 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 18 ح 1.
181

بطوال المفصل، وفي الظهر بأوساطه، وفي المغرب بقصاره) وعن ابن عمر (كان
النبي صلى الله عليه وآله يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد).
والذي ينبغي العمل عليه ما رواه محمد بن مسلم (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
القراءة في الصلاة فيها شئ موقت؟ قال: لا إلا الجمعة يقرأ بالجمعة والمنافقين،
قلت له: فأي السور أقرأ في الصلوات؟ قال: أما الظهر والعشاء فيقرأ فيهما سواء
والعصر والمغرب سواء، وأما الغداة فأطول، ففي الظهر والعشاء بسبح اسم ربك
الأعلى، والشمس وضحيها ونحوها، والعصر والمغرب إذا جاء نصر الله، والهيكم
التكاثر ونحوها، والغداة بعم يتسائلون وهل أتيك حديث الغاشية، ولا أقسم بيوم
القيامة، وهل أتى) (1).
وعن عيسى بن عبد الله القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يصلي الغدوة بعم يتسائلون، وهل أتيك حديث الغاشية، ولا أقسم بيوم القيامة،
وشبهها، ويصلي الظهر بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحيها، ويصلي المغرب
بقل هو الله أحد، وإذا جاء نصر الله، وإذا زلزلت، ويصلي العشاء الآخرة بنحو ما
يصلي الظهر، ويصلي العصر بنحو من المغرب) (2) ولا خلاف أن العدول عن ذلك
إلى غيره جائز، وعليه فتوى العلماء وعمل الناس كافة.
مسألة: ويستحب في ظهري يوم الجمعة بسورتها، وبالمنافقين، ذكره الشيخ
في المبسوط، وقد اختلف الأقوال في ذلك ومستندهم ما روي عن أهل البيت عليهم السلام
من طرق، من ذلك ما روى محمد بن مسلم (قلت لأبي جعفر عليه السلام: القراءة في
الصلاة فيها شئ موقت؟ قال: لا، إلا في يوم الجمعة يقرأ فيها الجمعة والمنافقين) (3).

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 48 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 48 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 70 ح 5.
182

وعنه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله
بشارة لهم، وتوبيخا " للمنافقين، فلا ينبغي تركهما، ومن تركهما متعمدا " فلا صلاة
له) (1).
وروى حريز وربعي رفعاه إلى أبي جعفر عليه السلام قال: (يستحب أن يقرأ في
عتمة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين، وفي الصبح مثل ذلك، وفي الجمعة مثل
ذلك، وفي صلاة العصر مثل ذلك) (2) ورواية أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد،
وفي العشاء الآخرة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى، وفي غداة الجمعة بالجمعة
وقل هو الله، وفي صلاة الجمعة بالجمعة [بسورة الجمعة] والمنافقين، وفي عصر
الجمعة بسورة الجمعة وقل هو الله أحد) (3) وهذا مقام استحباب فلا مشاحة في اختلاف
الروايات إذ العدول إلى غيره جائز.
ودل على أن هذه الأوامر على الفضل والاستحباب ما رواه علي بن يقطين
عن أبي الحسن موسى عليه السلام ومحمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن
أيضا " (سألته عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا " فقال لا
بأس) (4) وهذه الإطلاقات كلها تتناول المصلي جمعة وظهرا " للجامع والمنفرد والمسافر
والحاضر، وفي رواية (من صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين أعاد) (5)
وقد ذهب إلى ذلك بعض أصحاب الحديث منا، قال ابن بابويه في كتابه
الكبير: وفي الظهر والعصر بالجمعة والمنافقين فإن نسيتهما أو واحدة منهما في صلاة

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 70 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 49 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 49 ح 4.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 71 ح 1 و 4.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 72 ح 1.
183

الظهر وقرأت غيرهما ثم ذكرت فارجع إلى صورة الجمعة والمنافقين ما لم تقرأ
نصف السورة، فإن قرأت نصف السورة فتم السورة واجعلها ركعتي نافلة وسلم
وأعد صلاتك بالجمعة والمنافقين.
وقال علم الهدى: إذا دخل الإمام في صلاة الجمعة وجب أن يقرأ في الأولى
بسورة الجمعة والثانية بالمنافقين يجهر بهما لا يجزيه غيرهما، وقد روى أن المنفرد
أيضا " يلزمه قرائتهما (1)، روى عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام (من صلى الجمعة
بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة) (2) قال الشيخ في التهذيب: المراد بهذا الخبر
الترغيب، واستدل على ذلك برواية علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الجمعة ما أقرأ فيهما؟ قال: اقرأهما بقل هو الله أحد) وما ذكره (ره) حسن.
مسألة: نوافل النهار إخفات، ونوافل الليل جهر، هذا هو الأفضل وعليه
علماؤنا أجمع، ويدل عليه ما روى الجمهور عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحسن بن علي بن فضال، عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (السنة في صلاة النهار بالإخفات، والسنة في صلاة
الليل بالإجهار) (3) والرواية وإن كانت ضعيفة السند مرسلة لكن عمل الأصحاب
على ذلك.
مسألة: ويستحب للإمام إسماع من خلفه الصلاة الجهرية ما لم يبلغ العلو،
وهو اتفاق، ولأن المأموم لا قراءة عليه، وعليه الاستماع، قال في المبسوط: وعلى
الإمام أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ العلو، فإن احتاج إلى ذلك لم يلزمه بل

1) الوسائل ج 1 أبواب القراءة في الصلاة باب 71 ح 2.
2) الإستبصار ج 1 في القراءة في الجمعة ص 415.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 22 ح 2.
184

يقرأ وسطا، والوجه أن القدر الذي يدخل به في كونه جاهرا " كاف والزيادة على
الأفضل ما لم يتجاوز العادة، ويؤيد ذلك ما روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كما يقول: ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا " مما
يقول) (1) قاله في التهذيب [المبسوط].
مسائل أربع:
الأولى: قال المفيد وعلم الهدى في الانتصار: يحرم قول آمين آخر الحمد
وقال الشيخ في المبسوط: وقول آمين يقطع الصلاة سرا " أو جهرا " في آخر الحمد
أو قبلها للإمام والمأموم، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: هو سنة للإمام والمأموم
وقال مالك: ليس بسنة للإمام.
لنا قوله عليه السلام (اللهم إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين) (2)
والتأمين من كلامهم، وقوله عليه السلام (إنما هي التكبير، والتسبيح وقراءة القرآن) (3)
وإنما للحصر وليس التأمين أحدها. ولأن معناه اللهم استجب، ولو نطق بذلك
بطلت صلاته، وكذا ما قام مقامه، ولأن النبي صلى الله عليه وآله علم الصلاة جماعة ولم يذكر
التأمين.
فمن ذلك ما رواه أبو حميد الساعدي في جماعة من الصحابة منهم أبو قتادة
(قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: أعرض علينا، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم
يكبر حتى يقر كل عضو في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي

1) الوسائل ج 5 أبواب الجماعة باب 52 ح 3.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ح 33 ص 381.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ح 33 ص 382.
185

بهما منكبيه ثم يركع) (1).
والزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وآله غير مشروع ولأن التأمين يستدعي سبق دعاء
ولا يتحقق الدعاء إلا مع قصده فعلى تقدير عدم القصد يخرج التأمين على حقيقته
فيكون لغوا " ولأنه لو كان النطق بها تأمينا " لم يجز إلا لمن قصد الدعاء لكن ليس
ذلك شرطا " بالإجماع، أما عندنا فللمنع مطلقا "، وأما عند الجمهور فللاستحباب
مطلقا ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ بإسناده إلى محمد بن سنان، عن محمد
الحلبي، ورواه أحمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه، عن عبد الكريم، عن محمد
الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته أقول: إذا فرغت من فاتحة الكتاب آمين
قال: لا) (2) ويمكن أن يقال: بالكراهية ويحتج يما رواه الحسين بن سعيد، عن
أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن قول الناس جماعة حين
يقرؤا فاتحة الكتاب: آمين، قال: ما أحسنها وأخفض الصوت بها) (3).
ويطعن في الروايتين الأولتين بأن إحديهما رواية محمد بن سنان وهو مطعون
فيه، وليس عبد الكريم في النقل والثقة كابن أبي عمير فتكون رواية الإذن أولى لسلامة
سندها من الطعن ورجحانها، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالإذن
والكراهية توفيقا "، ولأن رواية المنع يحتمل منع المنفرد والمبيحة تتضمن الجماعة
ولا يكون المنع في إحديهما منعا " في الأخرى، والمشايخ الثلاثة منا يدعون الإجماع
على تحريمها وإبطال الصلاة بها، ولست أتحقق ما ادعوه، والأولى أن يقال: لم
يثبت شرعيتها فالأولى الامتناع من النطق بها.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 24.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 17 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 17 ح 5.
186

واحتج الجمهور على مشروعيتها بما رووه عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال: إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين، فإنه من وافق
قوله قول الملائكة غفر الله له) (1) وفي رواية أخرى عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: إذا أمن الإمام فأمنوا) (2) وفي رواية وابل بن حجر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا قال: ولا الضالين قال: آمين ورفع بها صوته وقال عليه السلام لبلال: لا تسبقني
بآمين) (3).
والجواب الطعن في السند فإن أبا هريرة اتفق له مع عمر بن الخطاب واقعة
شهد فيها عليه أنه عدو الله وعدو المسلمين وحكم عليه بالخيانة، وأوجب عليه عشرة
آلاف دينار ألزمه بها بعد ولايته البحرين، ومن هذه حاله لا يسكن إليه في النقل،
ولأن ذلك لو كان مشروعا " لم يختص به أبو هريرة لأنه من الأمور التي لو وقعت في
صلوات النبي صلى الله عليه وآله لاشتهرت، فانفراد الواحد بها قادح في روايته.
وأما رواية وابل بن حجر وكون النبي صلى الله عليه وآله كان يرفع بها صوته فلو كانت
حقا " لما أنكر الجهر بها لأن ذلك كان يجب أن يسمع من النبي صلى الله عليه وآله سماعا " مشهورا "
لا يخفى نقله عن مالك، فإذن الروايتان يتطرق إليهما الشك والواجب فيهما التوقف.
المسألة الثانية: قال ابن بابويه: الضحى، وألم نشرح سورة واحدة فلا
تنفرد بإحداهما عن الأخرى، وكذا الفيل، ولإيلاف، وبه قال الشيخان في النهاية
والمبسوط وعلم الهدى وهذا يستمر على القول بوجوب قراءة سورة على التمام
منضمة إلى الحمد في أولتي كل صلاة وقد سلف البحث فيه، أما وجوب قرائتهما
في الركعة الواحدة على رأي من أوجب السورة لكل ركعة فمستنده ما رواه الحسين

1) سنن البيهقي ج 2 ص 55.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 57.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 56.
187

ابن سعيد، عن الفضالة، عن العلاء، عن زيد الشحام قال: (صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام
الفجر فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة واحدة) (1).
وذكر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه عن المفضل قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا الضحى
وألم نشرح وسورة الفيل ولإيلاف قريش) (2) وما تضمنته الروايتان دال على الجواز
وليس بصريح في الوجوب الذي ادعوه.
وهل تعاد البسملة في الثانية؟ قال الشيخ في التبيان: لا، وقال بعض المتأخرين:
تعاد لأنها آية من كل سورة، الوجه أنهما إن كانتا سورتين فلا بد من إعادة البسملة
وإن كانت سورة واحدة كما ذكر علم الهدى والمفيد وابن بابويه فلا إعادة للاتفاق
على أنها ليست آيتين من سورة واحدة، وإنما قال: الأشبه أنها لا تعاد لأن المستند
التمسك بقضية مسلمة في المذهب وهي أن البسملة آية من كل سورة، فبتقدير كونهما
سورة واحدة يلزم عدم الإعادة.
ولقائل أن يقول: لا نسلم أنهما سورة واحدة بل لم لا يكونان سورتين وإن
لزم قرائتهما في الركعة الواحدة على ما ادعوه فنطالبه بالدلالة على كونهما سورة
واحدة وليس في قرائتهما في الركعة الواحدة دلالة على ذلك، وقد تضمنت رواية
المفضل تسميتهما سورتين، ونحن فقد بينا أن الجمع بين السورتين في الفريضة مكروه
فيستثنيان في الكراهية.
الثالثة: يجزي بدل الحمد في الأواخر تسبيحات أربع، صورتها (سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) وقد اختلف قول الأصحاب فيما يقوم
مقام الحمد، فقل المفيد (ره) بما قلناه ورواه زرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام:

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 10 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 10 ح 5.
188

ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر وتركع) (1) وقال الشيخ: هو مخير بين القراءة
وعشر تسبيحات، وكذا قال ابن أبي عقيل وعلم الهدى في المصباح قال: تقول:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات وتزيد في الثالثة والله أكبر.
وقال حريز بن عبد الله السجستاني في كتابه: تسع تسبيحات وأسقط التكبير
من الثلاث، ورواه عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين
مع الأربع الركعات المفروضات شيئا " إماما " كنت أو غير إمام قلت: ما أقول فيهما؟
قال: إن كنت إماما " فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات ثم تكبر
وتركع) (2) وبه قال أبو جعفر بن بابويه.
وقال في النهاية: تكرر ذلك ثلاث مرات مع كل مرة والله أكبر فيكون اثنى
عشر فصلا، وقد روى عبيد بن زرارة أيضا " قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين
الأخيرتين من الظهر قال: تسبح وتحمد الله تعالى وتستغفر لذنبك) (3) وعن علي
ابن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الركعتين ما أصنع فيهما قال:
إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر الله فهما سواء) (4).
وفي رواية الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قمت في الركعتين
الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر " (5) ثم اختلفت الرواية

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 1 (إلا أن في الوسائل له ذيل لم يذكره هنا).
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 7.
189

أيهما أفضل، ففي رواية (1) هما سواء، وفي أخرى التسبيح أفضل (2) وفي رواية
(إن كنت إماما فالقراءة أفضل، وإن كنت مأموما " وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل) (3)
والوجه عندي القول بالجواز في الكل إذ لا ترجيح وإن كانت الرواية الأولى أولى،
وما ذكره في النهاية أحوط لكن ليس بلازم.
فرع
وهل ترتيب هذا الذكر لازم أشبهه لا، لاختلاف الرواية فيه، فقد روى الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قمت في الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله
والله أكبر) (4) وقوله لا تقرأ ليس فيهما بل هي بمعنى غير كأنه قال: غير قارئ.
مسألة: لو قرأ في النافلة سورة من العزائم سجد عند تلفظه بذكر السجود،
فإن كان السجود في آخر السورة مثل سورة (اقرأ باسم ربك) يسجد ثم يقوم
فيقرأ الحمد ليكون ركوعه عن قراءة، وقال الشيخ في المبسوط: وإذا كانت السجدة
في آخر السورة قرأ الحمد أو سورة أخرى أو آية من القرآن، وإن كان السجود لا
في آخرها نزل فسجد ثم قام فقرأ ما بقي منها وركع بعده.
وعول القائل الأول على ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه سئل
عن الرجل يقرأ السجدة في آخر السورة قال: يسجد ثم يقوم يقرأ فاتحة الكتاب ثم
يركع ويسجد) (5) وروى وهب بن وهب جواز أن يركع بها) (6) لكن وهب عامي

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 42 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 11.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 51 ح 7.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 37 ح 1.
6) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 37 ح 3.
190

ضعيف فلا يعتمد على روايته مع وجود ما يخالفها من الأخبار الصحيحة.
ولو نسي السجدة حتى ركع سجدها إذا ذكر، روى ذلك محمد بن مسلم،
عن أحدهما قال: (سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد،
أيسجد؟ قال: إذا ذكر إذا كانت من العزائم) (1) ولو كان مع إمام ولم يسجد
الإمام ولم يتمكن من السجود فليؤم إيماءا، رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق، أو شيئا " من العزائم
وفرغ من قرائته ولم يسجد فأوم لها) (2) وهذه الروايات وإن كانت لا تخلو من
ضعف لكن النظر يؤيدها لأن السجود واجب عندنا لوجود الأمر المطلق، ومع
عدم التمكن من السجود فالإيماء قائم مقامه.
ويجوز العدول من سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف، ويكره في قل هو
الله أحد، وسورة الحجر، وقال علم الهدى: يحرم وقد روى عمر بن أبي نصر،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يرجع من كل سورة إلا قل هو الله أحد، وقل يا أيها
الكافرون) (3) والوجه الكراهية لقوله تعالى (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) (4) ولا
يبلغ الرواية المذكورة قوة في تخصيص الآية.
الخامس: الركوع، وهو: في اللغة الانحناء، قال الشاعر:
لا تهين الفقير علك أن * تركع يوما " والدهر قد رفعه
ويجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والزلازل والرياح المظلمة ووجوبه
في كل ركعة متفق عليه بين علماء الإسلام، ولقوله تعالى (اركعوا واسجدوا) (5)

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 39 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 38 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 35 ح 1.
4) سورة المزمل: 20.
5) سورة الحج: 77.
191

ولأن النبي صلى الله عليه وآله (أمر الأعرابي بالركوع حين علمه الصلاة) (1) والأمر للوجوب،
وأما كونه في كل ركعة مرة فعليه الإجماع أيضا "، وخبر الأعرابي، وفعل النبي عليه السلام،
وأما تكراره في الكسوف والزلازل فسيأتي، وصلاة الكسوف مثل صلاة الزلازل،
وإنما ذكر ذلك لاختلاف السبب.
وأما كونه ركنا " في الصلاة فقد بينا أن اسم الركن في الصلاة موضوع لما لا
يصح الصلاة من دونه ولو تركه سهوا " أو جهلا، ويدل على كونه ركنا " وجهان:
أحدهما: إن الصلاة لا يتحقق اسمها من دونه إذ هي مجموع ركعات ولا
يتقوم المجموع إلا بالأجزاء، ويؤيد ما رويناه عن علي عليه السلام أنه قال: (أول الصلاة
الركوع) (2).
وأما الثاني: فما روي من طرق كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام، منها رواية أبي
بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا تفق الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد
سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة) (3) ورواية رفاعة عن عبد الله عليه السلام (عن
الرجل ينسى الركوع حتى يسجد ويقوم قال: يستقبل) (4) وإسحاق بن عمار، عن
أبي إبراهيم عليه السلام، عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتى يضع كل شئ من
ذلك موضعه) (5) وروى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله فرض
من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ
القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي) (6) وقال الشيخ: وهو ركن في الصبح

1) سنن البيهقي ج 2 ص 88.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 9 ح 6.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 2.
6) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 3 ح 1.
192

والمغرب وصلاة السفر والأولتين من كل فريضة، وسنبين التحقيق في ذلك.
مسألة والواجب فيه الانحناء قدرا " تصل معه كفاه ركبتيه، ولو عجز اقتصر
على الممكن وإلا أومأ، هذا قوله في المبسوط وعليه العلماء كافة، أما وجوب الانحناء
فلأنه عبارة عن الركوع وقد بينا وجوبه، وأما التحديد المذكور فهو قول العلماء
كافة، عدا أبي حنيفة لأن النبي صلى الله عليه وآله (كان يركع كذلك) (1).
وقوله قدرا " تصل كفاه ركبتيه إشارة إلى أن وضع اليدين على الركبتين غير
واجب بل ذلك بيان لكيفية الانحناء، ويدل على ذلك ما روى أنس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: (إذا ركعت فضع كفيك على ركبتك) وهو يستلزم الانحناء المذكور.
ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن عمار، وابن مسلم، والحلبي، قالوا:
(وبلغ بأطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك
إلى ركبتيك أجزاك ذلك، واجب أن تمكن كفيك من ركبتيك فإذا أردت أن تسجد
فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا ") وما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (وتمكن
راحتيك من ركبتيك) (2) وسنبين أن الوضع غير واجب، فتلخص وجوب الانحناء
هذا القدر.
وأما الانحناء القدر الممكن مع تعذر ما دللنا عليه فلأن الزيادة تكليف ما ليس
في الوسع فيكون منفيا "، وأما الإيماء مع التعذر فلأنه هو القدر الممكن فيقتصر عليه
ويؤيده روايات، منها ما رواه إبراهيم الكرخي قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل شيخ
لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود، فقال: ليؤم برأسه إيماءا
وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو

1) سنن البيهقي ج 2 ص 85.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 28 ح 1.
193

القبلة إيماءا) (1).
فرع
قال في المبسوط: من هو في صورة الراكع لزمن أو كبر يقوم على حسب
حاله ثم ينحني للركوع قليلا ليكون فرقا بين القيام والركوع وإن لم يفعل لم يلزمه
وهو حسن، لأن ذلك حد الركوع ولا يلزم الزيادة عليه.
مسألة: الطمأنينة فيه بقدر ذكر الواجب واجبة، ومعنى الطمأنينة: السكون
حتى يرجع كل عضو مستقره وإن قل، وهو واجب باتفاق علمائنا، وقال الشيخ في
الخلاف: هو ركن، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: ليس بواجب لقوله
تعالى (اركعوا واسجدوا) (2) وهو يتحقق بمجرد الانحناء فيتحقق الامتثال، لنا
قوله عليه السلام للأعرابي (ثم اركع حتى تطمئن راكعا ") (3) وعن ابن مسعود البدري،
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يجزي صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع
والسجود) (4).
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية حماد الطويلة قال عليه السلام: (ثم
ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات، ثم سوى ظهره، ومد عنقه) (5) ورواه زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلام (فإذا ركعت فصف قدميك واجعل بينهما شبرا "، وأقم صلبك،
ومد عنقك) (6) وقول الشيخ هو ركن في موضع المنع، لأنا سنبين أن الصلاة
لا تبطل بتركه سهوا " والركن ما تبطل الصلاة بتركه سهوا " أو عمدا ".

1) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 1 ح 11.
2) سورة الحج: 77.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 88.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 88.
5) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
6) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
194

وإنما قلنا: بقدر الذكر الواجب لأنا سنبين أن الذكر فيه واجب وإذا كان
واجبا فلا بد من السكون بقدر أداء الواجب، ويد على ذلك ما رووه، عن ابن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (إذا ركع أحدكم وقال سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث "
فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا سجد فقال سبحان ربي الأعلى ثلاثا " فقد تم سجوده
وذلك أدناه) (1).
لا يقال: أنتم لا ترون وجوب الثلاث قلنا: حق لكن ظاهرها وجوب الطمأنينة
بالقدر المذكور فإذا ثبت أن التسبيحة الواحدة يجزي دل على أن التمام يحصل بها
أيضا "، وجواب أبي حنيفة أنا نسلم أن الركوع مجز لكن فعل النبي صلى الله عليه وآله بين
القدر الواجب منه فيرجع في بيانه إليه.
مسألة: وتسبيحة واحدة كبرى مجزية، صورتها سبحان ربي العظيم،
أو سبحان الله ثلاثا "، ومع الضرورة تجزي الواحدة الصغرى، وقال أبو الصلاح:
لا يجزي أقل من ثلاث اختيارا "، وبه قال ابن أبي عقيل، وقال الشيخ: يجزي ذكر
الله وأطلق، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يستحب قول سبحان ربي العظيم وقال مالك:
ليس في الركوع والسجود شئ محدود وسمعت أن التسبيح في الركوع والسجود
وقال الشيخ في الخلاف: بوجوبه وبه قال أحمد وأهل الظاهر.
لنا ما رواه عقبة بن عامر قال: (لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) (2)
قال: اجعلوها في ركوعكم) (3) وأما استحباب الشك فما رووه عن ابن مسعود (أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وذلك
أدناه) (4) ومعناه الاستحباب لأن الرواية الأولى دلت على الأمر المطلق وهو يقتضي
الاجتزاء بالمرة.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 86.
2) سورة الواقعة: 74.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 86.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 86.
195

ومن طريق الأصحاب ما رواه هشام بن سالم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التسبيح في الركوع والسجود فقال: تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم
وفي السجود سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث، والفضل
في سبع) (1) وأما أن الصغرى لا يجزي أقل من ثلاث، فلما رواه معاوية بن عمار
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة، قال: ثلاث
تسبيحات مترسلا يقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله) (2) وأما أن مع الضرورة
تجزي الواحدة الصغرى فعليه فتوى الأصحاب.
وأما أن الذكر مخبر فيمكن أن يستند فيه إلى ما رواه هشام بن الحكم، وهشام
ابن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع
والسجود لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال: نعم كل هذا ذكر الله) (3) وفيه
معنى التعليل، فلو لم يكن الذكر كافيا " لما كان تشبيهه بالذكر دلالة على الجواز.
ويجوز أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي السجود سبحان ربي
الأعلى وبحمده، وهذه اللفظة مستحبة عندنا وتوقف فيه أحمد، وأنكرها الشافعي
وأبو حنيفة، لأنها زيادة لم يحفظ.
لنا ما رووه عن حذيفة في بعض حديثه (لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في ركوعه:
سبحان ربي العظيم وبحمده وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده) (4).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام،
وأبي بكر الحضرمي عنه أيضا " قال: (يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا ") 5)

1) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 4 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 5 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 7 ح 1 و 2.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 85.
5) الوسائل ج 4 من أبواب الركوع باب 4 ح 5.
196

وقولهم لم يحفظ شهادة بالنفي فرواية الإثبات أولى.
مسألة: رفع الرأس من الركوع والطمأنينة بعده واجب قاله الشيخ، وهو
مذهب علمائنا، وقال في الخلاف: وهو ركن وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
ليس بواجب.
لنا خبر الأعرابي فإن النبي صلى الله عليه وآله قال له: ثم ارفع حتى تعتدل قائما ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه) (1) وخبر
حماد بن عيسى في صفته تعليم أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (ثم ركع وسبح ثلاثا "،
ثم استوى قائما " فلما استمكن من القيام قال: سمع الله لمن حمده ثم كبر وهو قائم،
ورفع يديه حيال وجهه، ثم سجد ولما فرغ قال: يا حماد هكذا فصل) (2) والمراد
منه بيان الكيفية لا اختصاص حماد.
مسألة: والسنة فيه أن يكبر له وهو قائم يرفع يديه بالتكبير محاذيا " وجهه ثم
يرسلهما بعد انتهاء نطقه بالتكبير ثم يركع.
[وهنا بحوث]
الأول: هل تكبير الركوع والسجود واجب؟ فيه قولان: الظاهر الاستحباب،
قال الشيخ: تكبير الركوع مع باقي التكبيرات سنة مؤكدة على الظاهر من المذهب
ولا يبطل الصلاة بتركها عمدا " ولا نسيانا " وإن ترك الأفضل، وقال سلار: ومن أصحابنا
من ألحق تكبير الركوع والسجود يعني بالواجب وبه قال إسحاق وداود، لقوله عليه السلام

1) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 16 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 1 ح 1.
197

(لا يتم صلاة أحد من الناس حتى يكبر ثم يركع حتى يطمئن) (1) وبالاستحباب
قال أكثر أهل العلم، وعن أحمد روايتان.
لنا على الاستحباب (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر في كل رفع وخفض) (2) رواه أنس وأما أنه على الاستحباب فلقوله عليه السلام للأعرابي (ثم اقرأ ما تيسر من القرآن
ثم اركع) وترك ذكره دليل عدم وجوبه لأنه وقت الحاجة إلى البيان ولأن الأصل
عدم الوجوب ولا معارض له.
ويؤيد ذلك ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته أدنى ما
يجزي من التكبير في الصلاة قال: تكبيرة واحدة) (3) وجواب ما احتج إسحاق أن
تقول: نفي التمام لا يستلزم نفي الصحة فإن التام هو الذي لم ينقص منه شئ ومندوبات
الصلاة معدودة منها فيتحقق عدم التمام بفوات بعضها.
البحث الثاني: الأفضل أن يكبر للركوع وهو قائم ثم يركع، وهو اختيار
الأصحاب، وقال الشيخ في الخلاف: ويجوز أن يهوي بالتكبير فإن أراد المساواة
فهي ممنوع وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي.
لنا ما رووه عن أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
(يقرأ ثم يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه ثم يركع) (4).
ومن طريق الأصحاب عدة روايات منها رواية حماد في صفة صلاة أبي عبد الله
عليه السلام قال: (ثم رفع يديه حيال وجهه وقال الله أكبر وهو قائم ثم ركع) (5).
البحث الثالث: رفع اليدين بالتكبير مستحب في كل رفع ووضع إلا في

1) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ح 856 ص 226.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 67.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 1 ح 5.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 72.
5) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
198

الرفع من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده من غير تكبير ولا رفع يديه وهو
مذهب علمائنا، وقال الشافعي: في الركوع والرفع منه دون السجود لما روى سالم،
عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه
وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع ولا يرفع بين السجدتين) (1) ولم يستحب أبو حنيفة
الرفع لغير الافتتاح، لما روى عبد الله بن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يرفع يديه
في تكبيرة الافتتاح ولا يعود) (2).
وعن أبي بكر، وعمر (أنهما كان لا يرفعان يديهما إلا عند الافتتاح) (3) وقال
علم الهدى في الانتصار: انفردت الإمامية بوجوب رفع اليدين في تكبيرة الصلاة
كلها، ولا أعرف ما حكاه علم الهدى.
لنا ما رووه (أن المشروع أولا رفع اليدين) (4) ثم ادعوا النسخ ولم يثبت
ولو ثبت انتفى الوجوب وبقي الاستحباب لأنه يحصل برفع أحد جزئي الواجب،
ويدل على أن سقوطه عند رفع الرأس من الركوع رواية أبي حميد قال: (ثم يكبر
فيرفع يديه بحذاء منكبيه ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده) (5).
ولم يذكر التكبير ولا الرفع.
ومن طريق الأصحاب رواية زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (فإذا
أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا ") (6) ورواية حماد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (فلما استمكن قايما "، قال: سمع الله لمن حمده، ثم كبر وهو

1) سنن البيهقي ج 2 ص 69.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 79.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 79.
4) الجوهر النقي في ذيل السنن للبيهقي ج 2 ص 74.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 72.
6) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
199

قائم ورفع يديه حيال وجهه، ثم سجد) (1).
ويدل على استحباب رفع اليدين في التكبيرات مطلقا " ما رواه زرارة قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: (رفعك يديك في الصلاة وبينها) (2) ولأن رفع اليدين في تكبيرة
الافتتاح فيه تفخيم بحال التكبير فيكون مرادا " فيه كله.
وقد روي في بعض أخبارنا استحباب رفع اليدين عند الرفع من الركوع
أيضا "، روى ذلك معاوية بن وهب قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه إذا ركع
وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد السجود للثانية) (3) وروى ابن مسكان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (يرفع يديه كلما أهوى إلى الركوع والسجود وكلما رفع رأسه
من ركوع وسجود وقال: هي العبودية) (4) وما احتج الشافعي وأبو حنيفة لا حجة
فيه، لأن رواية النفي لا يعارض الإثبات، ولأنه فعل مندوب فجاز الإخلال به في
وقت من الأوقات والراوي حكى ما رأى فلا ينتفي ما لم يره.
البحث الرابع: يرفع يديه حذاء وجهه، وفي رواية إلى أذنيه (5) وبها قال
الشيخ وقال الشافعي: إلى منكبيه وبه رواية عن أهل البيت عليهم السلام أيضا " لكن الأشهر
ما رواه حماد بن عيسى في خبره الطويل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثم رفع يديه
حيال وجهه وقال: الله أكبر وهو قائم ثم ركع).
البحث الخامس: من السنة أن يبدأ برفع يديه عند ابتدائه بالتكبير ويكون
انتهاء الرفع عند انتهاء التكبير ويرسلهما بعد ذلك وهو قول علماؤنا ولم أعرف فيه
خلافا " ولأنه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا كذلك.

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 2 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 2 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 2 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 9 ح 1.
200

مسألة: ومن السنة وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الأصابع،
وهو اتفاق العلماء عدا ابن مسعود فإنه قال: يطبق إحدى كفيه على الأخرى ويجعلهما
بين ركبتيه، لنا خبر أبي حميد الساعدي قال: (إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه) (1)
ومن طريق الأصحاب روايات منها رواية حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات) وفي رواية زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: (ومكن راحتيك من ركبتيك تدع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى،
وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج بين أصابعك) (2) ولأن خلاف ابن مسعود
منقرض فلا عبرة به.
ويستحب رد ركبتيه إلى خلفه وأن يسوي ظهره ويمد عنقه محاذيا " ظهره وهو
مذهب العلماء، روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا ركع عصر ظهره) (3) يعني عصره
حتى يعتدل، وعن عايشة (وكان عليه السلام إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصبو به ولكن
بين ذلك) (4).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام قال:
(وأقم صلبك ومد به عنقك) (5) وفي خبر حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثم
ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات الأصابع ورد ركبتيه إلى خلفه، ثم سوى ظهره
ومد عنقه) (6)
.
مسألة ويستحب أن يدعو أمام التسبيح، وأن يسبح ثلاثا " فما زاد يريد بالدعاء
ما يتضمن التعظيم للرب سبحانه لأن الدعاء مأمور به مطلقا "، ولأن الصلاة تعظيم لله

1) سنن البيهقي ج 2 ص 84.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 85.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 85.
5) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
6) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
201

سبحانه فكل ما ناسبه من الدعاء كان حسنا "، ويؤيد ذلك ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (أما الركوع فعظموا الرب فيه، وأما السجود فاجتهدوا بالدعاء فضمن أن
يستجاب لكم) (1). ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن الباقي قال: (إذا أردت أن
تركع فقل وأنت منتصب الله أكبر وأركع، وقل: رب لك ركعت ولك أسلمت
وبك آمنت وعليه توكلت وأنت ربي خشع لك سمعي، وبصري، وشعري، وبشري،
ولحمي، ودمي، ومخي، وعصبي، وعظامي، وما أقلت قدماي غير مستنكف،
ولا مستكبر، ولا مستحسر سبحان ربي العظيم وبحمد ثلاثا ") (2) وقد روى الشافعي
ما يقارب هذا الدعاء عن علي عليه السلام (3) وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله لكنه قدم التسبيح
وقد بينا فيما سلف أن الواجب واحدة.
ويؤيد ذلك ما رواه أبو بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يقول:
سبحان الله العظيم وبحمده ثلاثا " في الركوع وثلاثا " في السجود فمن نقص واحدة
نقص ثلث صلاته ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته ومن لم يسبح فلا صلاة له) (4)
وهذا على تقدير أن يسبح ثلاثا " كبرى، أما الصغرى وهي سبحان الله فلا يجزي مع
الاختيار وأقل من ثلاث وتجزي واحدة مع الاضطرار.
وقال الشيخ: وأكمل التسبيح سبع، وقال الشافعي: أكمله خمس، وبعض
أصحابه يقول: ثلاث، والوجه استحباب ما يتسع له العزم ولا يحصل معه السأم إلا
أن يكون إماما " فيكون التخفيف أليق لئلا يلحق السأم، وقد روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كان

1) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 348.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 1 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 87.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 4 ح 5.
202

إذا صلى بالناس خفف بهم إلا أن يعلم منه الانشراح لذلك) (1).
ويدل عليه ما روى أبان بن تغلب قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو
يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة) (2) وفي رواية حمزة بن حمران
(كنا نصلي مع أبي عبد الله عليه السلام فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده أربعا " أو ثلاثا " وثلاثين تسبيحة) (3).
مسألة: ثم ينتصب ويقول بعد انتصابه (سمع الله لمن حمده) استحبابا "
إماما كان أو مأموما "، وبه قال علماؤنا والشافعي، وقال أبو حنيفة: يقولها الإمام دون
المأموم، وقال إسحاق: قول سمع الله لمن حمده عند الرفع واجب، ولا حمد مثل
القولين.
لنا عدم الوجوب أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلم الأعرابي وهو وقت الحاجة،
فإن قيل: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تتم صلاة أحدكم وساق الحديث
حتى قام: ثم يقول: سمع الله لمن حمده) (4) قلنا: التمام قد يطلق على جملة الأفعال
الواجب والندب وليس قوله لا تتم كقوله (لا يصح ولأن الأصل عدم الوجوب فلا
يثبت المنافي إلا مع الدلالة.
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية حريز، عن زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: (ثم قل: سمع الله لمن حمده وأنت منتصب) (5) ويستحب الدعاء
بعده بأن يقول: (الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة) إماما " كان أو مأموما "

1) الأمر بالتخفيف وارد في سنن البيهقي ج 3 كتاب الصلاة ص 117.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 6 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 6 ح 2.
4) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ح 857 ص 227.
5) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 1 ح 1.
203

ذكر ذلك الشيخ في الخلاف وهو مذهب علمائنا وقال الشافعي: يقول الإمام والمأموم:
(ربنا ولك الحمد). وعن أحمد روايتان، إحديهما كما قال الشافعي، والأخرى لا يقولها المنفرد،
وفي وجوبها عنه روايتان وقال أبو حنيفة: يقولها المأموم دون الإمام.
لنا أن قوله (سمع الله لمن حمده) إذ كار بالحمد وجبت عليه فيستحب
لهما، واللفظان في معنى واحد، لكن المروي في أخبار أهل البيت عليهم السلام ما قلناه،
ولأن ما قلناه أفصح لفظا " وأبلغ في الحمد فيكون أولى، ويؤيده ما رواه أحمد بن
حنبل في مسنده، عن حذيفة بن اليمان قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان
إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ثم قال: الحمد لله ذي الملكوت،
والجبروت، والكبرياء، والعظمة) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه جماعة منهم زرارة عن الباقر عليه السلام (ثم قل:
سمع الله لمن حمده أهل الجود، والكبرياء، والعظمة) (2) وقال الشيخ في المبسوط:
وإن قال: ربنا ولك الحمد لم تفسد صلاته، ومن الجمهور من أسقط الواو من قوله
ربنا ولك الحمد لأنها زيادة لا معنى لها، وقال بعض أهل اللغة: الواو قد تزاد في.
كلام العرب وهي هنا مزيدة، قال الشيخ في المبسوط: تكره القراءة في الركوع
والسجود وليس بمبطل للصلاة وهو حسن، وقد روى الجمهور عن (أنه
نهى عن القراءة في الركوع والسجود) (3).

1) سنن النسائي ج 2 ص 199 (إلا أن فيه لبعض هذه الرواية).
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 1 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 87.
204

فروع
الأول: لو عكس فقال: من حمد الله سمع له لم يأت بالمستحب لأنه خلاف
المنقول.
الثاني: لو عكس فقال: الحمد لله رب العالمين ونوى المستحب بعد الرفع
من الركوع جاز لأن انضمام هذه النية لم تغير شيئا " من مقاصد اللفظ.
الثالث: لو منعه مانع عن رفع رأسه من الركوع كالمرض وغيره سقط عنه وسجد
لأن القيام خرج عن وسعه فسقط ما يقال معه، ولو زال العارض بعد السجود لم يقم
الركوع لأنه يلزم منه زياد السجود إن أعاده أو تقديم السجود على الركوع إن لم
يعده وكلاهما منفيان، ولو زال المانع قبل السجود قال في المبسوط: مضى في
صلاته وفيه إشكال لأن الانتصاب والطمأنينة واجبان والإتيان بهما ممكن ولم يحصل
المنافي.
الرابع: قال في الخلاف: إذا خر ساجدا " فشك في الركوع مضى في صلاته،
وقال الشافعي: ينتصب قائما " ثم يسجد عن قيام واستدل بإجماع الفرقة على أن من
شك في شئ وقد انتقل عنه إلى حالة أخرى لا حكم له ولأن إيجاب الانتصاب منفي
بالأصل وإيجابه يقف على الدلالة.
الخامس: لو ركع فاطمأن فسقط إلى الأرض سجد ولم يحتج إلى القيام لأن
محله فات لعذر فلم يجب وفيه إشكال، أما لو سقط قبل ركوعه رجع وأتى به لأن
الركوع واجب ومحله باق فيجب الإتيان به، ولو ركع ولم يطمئن فسقط ففي إعادة
الركوع تردد أقربه أنه لا يعيد لأن الركوع المشروع حصل فلو أعاد زاد ركوعا "
وهو غير جائز.
مسألة: قال في المبسوط: يكره أن يركع ويداه تحت ثيابه، ويستحب أن
205

يكون بارزة أو في كمه، ولو خالف لم تبطل صلاته، وما قاله حسن نعم لو كان زيقه
واسعا " ولا ساتر له كاللحية أو غيرها بحيث يرى عورته لو ركع فالأشبه أن صلاته
تبطل لأن ستر العورة مع الإمكان شرط ولم يحصل.
السادس: السجود وهو في اللغة: الخضوع، قال الشاعر: [يرى الأكم
فيها سجدا للحوافر] وفي الشرع: وضع الجبهة على الأرض، والسجدة بالفتح
الواحدة وبالكسر الاسم.
مسألة: تجب في كل ركعة سجدتان وهما ركن في الصلاة، فلو أخل بهما
عمدا " أو سهوا " أعاد، وهو مذهب العلماء كافة، ودل عليه النص القرآني وتعليم
النبي صلى الله عليه وآله للأعرابي وروايات أهل البيت منها رواية حماد بن عيسى (1) وزرارة (2)،
والطمأنينة فيهما واجبة، وقال الشيخ في الخلاف: الطمأنينة ركن، ولا يستمر على
تفسيره الركن إذا الإخلال بها سهوا " غير مبطل عندنا والركن ليس كذلك، أما لو
أخل بها عمدا " بطلت الصلاة وسيأتي تحقيق ذلك.
مسألة: السجود على الأعضاء السبعة واجب في كل سجدة وهي الجبهة،
والكفان، والركبتان، وإبهاما الرجلين وهو مذهب الشيخين وأتباعها وأحمد بن
حنبل عدا علم الهدى فإنه قال: ومفصل الكفين عند الزندين ولم يذكر الكفين،
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب على غير الجبهة لقول النبي صلى الله عليه وآله (سجد وجهي) (3)
ولو ساواه غيره لما خصه بالذكر ولأن وضع الجبهة يسمى سجودا " ولا كذا غيره
فينصرف الأمر المطلق إلى ما به يحصل مسماه ولأنه لو وجب على غير الجبهة لوجب
كشفه كالجبهة وللشافعي مثل القولين.

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 109.
206

لنا ما رووه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (أمرت بالسجود على
سبعة أعظم اليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، الجبهة) (1).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه حماد بن عيسى في حكاية صلاة أبي عبد الله
عليه السلام قال: (وسجد على ثمانية أعظم الكفين، والركبتين، أنامل إبهامي الرجلين،
والجبهة، والأنف وقال: سبع فيها فرض وهي الجبهة، والكفان، والركبتان،
والإبهامان، ووضع الأنف على الأرض سنة) (2).
وجواب أبي حنيفة لا نسلم إن اختصاصها بالذكر يدل على عدم الوجوب
عن غيرها بجواز أن يكون الاختصاص بالذكر لما يختص به سجودا " من مزية الخضوع
الذي يحصل بها، وقوله وضع الجبهة يسمى سجودا " قلنا: حق وكذا ما ينضم إليها
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: (سجد لحمي وعظمي وما أقلته قدماي) (3) وقوله لو وجب
على غير الجبهة لوجب كشفه قلنا: لو نسلم فما الجامع ثم يبدي الفارق.
فرع
لو أخل بها عامدا " بطل صلاته، وكذا لو أخل بأحدها لأنه جزء من الصلاة
فلا يتحقق مع فواته، ولا كذا لو تركها أو أحدها نسيانا " لعدم تحقق الوجوب معه،
ووضع الجبهة على ما يجوز السجود عليه شرط في صحته وقد سلف بيانه، ولا يشترط
ذلك في غير الجبهة وعليه علماؤنا أجمع وسنبينه فيما بعد.
مسألة: لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد
به مع الاختيار، وعليه علماؤنا لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع

1) سنن البيهقي ج 2 ص 103.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
3) مستدرك الوسائل ج 1 ص 324 (بهذا المضمون).
207

وقد قدر الشيخ حد الجواز بلبنة ومنع ما زاد، وربما كان المستند ما رواه عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن السجود على الأرض المرتفعة فقال:
إذا كان موضع جبهتك مرتفعا " عن موضع يديك قدر لبنة فلا بأس) (1).
ويدل على نفي الجواز عما زاد رواية عبد الله بن سنان أيضا، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (سألته عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من مقامه؟ فقال: لا ولكن يكون
مستويا " (2) ويلزم من مجموع الروايتين المنع عما زاد عن اللبنة، ولو كان بجبهته
ما يمنع للسجود عليها احتفر حفيرة ليقع السليم على الأرض لأن الجبهة عضو واحد
وما وقع منه على الأرض أجزأ وكذا باقي المساجد، ودل على الإجزاء بما يصيب
الأرض من الجبهة ما روي عن الصادق عليه السلام قال: (ما بين قصاص شعرك إلى موضع
الحاجب ما وضعت منه أجزأك) (3).
مسألة: ولو تعذر الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه، وهو مذهب علمائنا
وبه قال أحمد، ومنعه أبو حنيفة.
لنا أن السجود فرض فيجب أن يؤدى على القدر الممكن لأن ذلك أشبه
للسجود من الإيماء فكان الإتيان به واجبا " ويؤيده من طريق الأصحاب روايات، منها
رواية الكرخي، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (شيخ لا يستطيع القيام ولا يمكنه
الركوع والسجود قال: يؤمي رأسه إيماءا وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد
فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه إيماءا) (4) ويجزي ما أصاب الأرض من الجبهة،
وشرط بعض الأصحاب قدر الدرهم.
لنا قول الصادق عليه السلام (ما بين قصاص شعرك إلى موضع الحاجب ما وضعت

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 11 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 10 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 9 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 20 ح 1.
208

منه على الأرض أجزأك) (1) وكذا لا يشترط ملاقاة الأرض بجملة العضو من كل
مسجد بل يكفي الملاقاة ببعضه، وأفضل السجود أن يلقى الأرض بمساجده كلها.
مسألة: ولو تعذر السجود على الجبهة سجد على أحد الجبينين لأنهما مع
الجبهة كالعضو الواحد فقام كل واحد منهما مقامها، ولأن السجود على أحد الجبينين
أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء والإيماء سجود مع تعذر الجبهة فالجبين أولى.
وأما الذقن فلقوله تعالى (يخرون للأذقان سجدا ") (2) والذقن: مجتمع
اللحيين وإذا صدق عليه السجود وجب أن يكون مجزيا " في الأمر بالسجود، ويؤيد
ما ذكرناه ما رواه إسحاق بن عمار عن بعض أصحابنا، عن مصادف قال: (خرج
دمل فكنت أسجد على جانب فرآني أبو عبد الله عليه السلام فقال: ما هذا؟ قلت: لا أستطيع
أن أسجد لمكان الدمل فقال: احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى يقع جبهتك
على الأرض) (3) وهذا الخبر وإن كان مرسلا لكن العمل يؤيده وما أشرنا إليه من الاعتبار
وفي رواية أخرى مرسلة (سئل أبو عبد الله عليه السلام عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود
عليها فقال: يضع ذقنه على الأرض إن الله سبحانه يقول: (يخرون للأذقان سجدا ") (4)
وأما الإيماء فدل عليه روايات منها رواية إبراهيم الكرخي التي سلفت في الركوع.
مسألة: والذكر فيه واجب أو التسبيح؟ والبحث فيه كما في الركوع وقد سلف
وروى عقبة بن عامر قال: (لما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله:
اجعلوها في سجودكم) (5).
ومن طريق الأصحاب رواية حماد وزرارة، والطمأنينة في كل واحدة بقدر

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 9 ح 1.
2) سورة الإسراء: 107.
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 12 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 12 ح 2.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 86.
209

الذكر واجبة، وهو مذهب علمائنا، وقال الشيخ: هي ركن، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: بالاستحباب.
لنا فعل النبي صلى الله عليه وآله، ورواية أبي حميد الساعدي، ومن طريق أصحابنا رواية
حماد بن عيسى (1) وغيرها ولأن الذكر فيهما واجب فتعين الطمأنينة بقدره، ورفع
الرأس من الأول والطمأنينة فيه واجب وهو مذهب علمائنا وقال في الخلاف: هو ركن
والوجه الوجوب أما كونه ركنا " فلا وقال أبو حنيفة: الرفع واجب ولو عرض إصبع
ومعه يتحقق السجدتان أما الطمأنينة فلا.
لنا رواية أبي حميد الساعدي وقول النبي صلى الله عليه وآله للأعرابي ثم ارفع رأسك حتى
تطمئن ومن طريق الأصحاب رواية حماد وزرارة وغيرهما.
وسنة التكبير للسجدة الأولى قائما " والهوي بعد إكماله سابق " بيديه، أما استحباب
التكبير قائما " فهو فتوى الأصحاب، وبه قال أحمد، وقال في الخلاف: يجوز أن يهوي
به، وهو مذهب الشافعي.
لنا حكاية فعل النبي صلى الله عليه وآله وخبر الساعدي، والأعرابي، ومن طريق الأصحاب
خبر حماد عن أبي عبد الله عليه السلام، وأما استحباب سبق اليدين فهو مذهب علمائنا وبه قال
مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: يضع ركبتيه أولا لما رواه وابل بن حجر قال: ((رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سجد وضع يديه بعد ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه) (2)
وعن أبي هريرة (إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل) (3)
وعن أبي سعيد (كنا نضع اليدين قبل الركبتين وأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين) (4).

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 98.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 100 (رواه بلفظة جمل بدل الفحل).
4) سنن البيهقي ج 2 ص 100.
210

لنا ما رووه عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا سجد أحدكم
فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يتورك تورك البعير) (1).
ومن طريق أهل البيت (ع) ما رواه العلاء، عن محمد بن مسلم قال: (رأيت
أبا عبد الله (ع) يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل
يديه) (2) وما رواه زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: (قال: إذا أردت أن تسجد فارفع
يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك تضعهما قبل ركبتيك) (3)
وخبر وابل بن حجر لا حجة فيه لأنه حكاية فعل والقول أرجح من الفعل، ولأن
ما ذكرناه كيفية مندوبة فجاز أن يفعلها النبي صلى الله عليه وآله في وقت دون وقت، ورواية أبي
هريرة معارضة بروايته الأخرى ومع التعارض يتطرق الشك، وقول أبي سعيد أمرنا
لا نعلم منه الأمر فلعله غير النبي صلى الله عليه وآله ممن له ولاية الأمر رأيا " منه.
وقد روي عن أهل البيت جواز ذلك أيضا " وإن كان ما ذكرناه أفضل، روى
الجواز سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه
على الأرض قبل يديه) (4) وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (سألته عن
وضع اليدين قبل الركبتين قال: لا يضره ذلك بأيهما بدأ صح) (5).
ويستحب أن يكون موضع جبهته مساويا " لموقفه لأن ذلك أنسب بالاعتدال
المراد في السجود وأمكن للساجد، وأيد ذلك رواية عاصم بن حميد، عن أبي بصير
قال: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد، وقال: إني

1) سنن البيهقي ج 2 ص 99.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 1 ح 5.
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 1 ح 3.
211

أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه) (1).
فرع
لو وقعت جبهته على المرتفع فإن كان أزيد من لبنة وجب جرها وإن كان دون
ذلك يستحب جرها إلى المعتدل، وفي رواية أخرى (رفعه ثم وضعه) (2) والأولى
أنسب تقصيا " من الزيادة إلا مع الاضطرار ويمكن الجمع بينهما بأن يحمل الأولى
على مرتفع يصح معه السجود فيجب السحب لئلا يزيد في السجود، وإن كان أزيد جاز
الرفع لأن السجود لا يتحقق معه.
مسألة: ويستحب أن يصيب الأرض بأنفه مضافا " إلى جبهته وهو الإرغام،
ولا يجوز الاقتصار على الأنف دون الجبهة، وقال إسحاق: يجب السجود على الأنف
كالجبهة لقوله عليه السلام ((لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبهة) (3)
واجتزأ أبو حنيفة بأيهما اتفق لأنهما كالعضو الواحد.
لنا قوله عليه السلام (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) (4) ولم يذكر الأنف فيحمل
روايتهم على الاستحباب، ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت عليهم السلام منه ما رواه زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن حد السجود فقال: ما بين قصاص الشعر إلى موضع
الحاجب ما وضعت منه أجزأك) (5) وأما استحباب الإرغام بالأنف فعليه علماؤنا،
وروى ذلك زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: السجود على
سبعة أعظم: الجبهة واليدين، والركبتين، والابهامين، وترغم الأنف، إرغاما

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 10 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 8 ح 4.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 104) رواه مع تفاوت يسير).
4) سنن البيهقي ج 2 ص 101.
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 9 ح 2.
212

والفرض السبعة والارغام سنة من النبي صلى الله عليه وآله) (1).
فرع
قال علم الهدى: الإرغام بطرف الأنف الذي يلي الحاجبين ولعل الأقرب
إصابة الأرض بشئ منه ليتحقق المعنى معه.
مسألة: ويستحب الدعاء أمام التسبيح وعليه فتوى العلماء، لما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله (أنه قال: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فضمن أن يستجاب لكم) (2)
وروى أبو هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول في السجود: اللهم لك سجدت، ولك
أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي سجد وجهي الذي خلقه وصوره وشق سمعه
وبصره تبارك الله أحسن الخالقين) (3).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا سجدت
فكبر وقل: اللهم لك سجدت وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي سجد
وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره والحمد لله رب العالمين، تبارك الله أحسن
الخالقين ثم قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات) (4) وفي رواية عبد الله بن سنان
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (أدعو الله وأنا ساجد، قال: نعم ادع الله للدنيا والآخرة) (5).
مسألة: ويستحب الدعاء بين السجدتين وهو فتوى الأصحاب وجماعة من
أهل العلم، وأنكره أبو حنيفة ويدل عليه ما رواه أبو داود ابن ماجة، عن ابن عباس
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 4 ح 2.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 207.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 109.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 2 ح 1.
213

وعافني وارزقني) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا رفعت
رأسك بين السجدتين فقل: اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وعافني أني لما نزلت
إلي من خير فقير تبارك الله رب العالمين) (2).
مسألة: ويستحب التكبير إذا استوى جالسا " عقيب الأولى ثم يكبر للسجدة
الثانية قاعدا " ثم يسجد ثم يكبر بعد جلوسه، وقال علم الهدى في المصباح: وقد
روي أنه إذا كبر للدخول في فعل من الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه والخروج
بعد الانفصال عنه والوجه إكمال التكبير قبل الدخول والابتداء به بعد الخروج.
وعليه روايات الأصحاب، فمن ذلك رواية حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالسا " قال: الله أكبر ثم قعد على فخذه
الأيسر ووضع قدم الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال: أستغفر الله ربي وأتوب إليه
ثم كبر وهو جالس وسجد ثانية وقال كما قال الأول) (3) وما روي مما يخالف ذلك
محمول على الجواز.
مسألة: قال الشيخ: يستحب الجلوس بين السجدتين متوركا "، وقال في
المبسوط: الأفضل أن يجلس متوركا " ولو جلس معقبا " بين السجدتين وبعد الثانية
جاز، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: يجلس مفترشا "، لرواية أبي حميد الساعدي.
وكيفية التورك أن يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا " ويقضي
بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمني على باطن
قدمه اليسرى، وكيفية الافتراش أن يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى

1) سنن البيهقي ج 2 ص 122.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 2 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
214

من تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على الأرض معتمدا " عليها إلى القبلة، وقال
علم الهدى: يجلس مماسا " بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى على الأرض رافعا " فخذه
اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل
بركبتيه معا " القبلة، وما ذكره الشيخ أولى.
لنا ما رووه عن ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجلس في وسط الصلاة
وفي آخرها متوركا ") لا يقال: المراد حالة التشهد لأنا نقول:
إطلاق اللفظ
يقتضي فعل ذلك في الصلوات كلها وليس في الكل تشهدان.
ومن طريق الأصحاب ما رواه حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام (فلما
استوى جالسا " قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر ووضع ظاهر قدمه اليمنى على
طرف قدمه اليسرى وقال: استغفر الله ربي وأتوب إليه ثم كبر وهو جالس وسجد
الثانية) وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا جلست في الصلاة فلا تجلس
على يمينك واجلس على يسارك) (1).
مسألة: جلسة الاستراحة مستحبة، قاله الشيخ، وبه قال أبو حنيفة: وهو
المروي عن مالك وأكثر أهل العلم وقال علم الهدى: واجبة وبه قال الشافعي: لرواية
أبي حميد ومالك بن الحويرث (2).
لنا مقتضى الأصل عدم الوجوب ولا معارض له، وما رواه أبو هريرة (أن
النبي صلى الله عليه وآله كان ينهض على صدور قدميه) (3) ومثله (روي عن أبي بكر وعمر) (4)
ولو جلس بعد السجود لما نهض كذلك، وما ذكروه عن أبي حميد يحمل على

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 5 ح 4.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 123.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 124.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 125.
215

الاستحباب جمعا " بين المختلف، وما رواه ابن الحويرث من فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه
حكاية فعل ولعل ذلك العلو لكونها سنة لا لأنها واجبة.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: (رأيت أبا جعفر وأبا
عبد الله عليه السلام إذا رفعا رؤسهما من الثانية نهضا ولم يجلسا) (1).
ويدل على الاستحباب ما رواه أبو بصير قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا رفعت
رأسك من السجدة الثانية حين تريد أن تقوم فاستو جالسا " ثم قم) (2) ويؤيد ذلك ما رواه
الأصبغ عن علي عليه السلام قال: (كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم
فقيل له: كان أبو بكر وعمر إذا رفعا من السجود نهضا على صدور أقدامهما كما ينهض
الإبل، فقال: إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس إن هذا من توقير الصلاة) (3).
ويستحب الدعاء عقيب الجلوس من الثانية يريد به ما يتضمن تسبيحا " وتعظيما "
لله أو ما روي من قوله بحول الله وقوته أقوم وأقعد لأن الدعاء حسن على الأحوال،
ضرورة أن الأمر به مطلق ولأنه حالة من حالات الصلاة فلا يخلي من ذكر.
ويؤيد ذلك ما رواه جماعة من الأصحاب منهم عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إذا قمت من السجود قلت: اللهم رب بحولك وقوتك أقوم وأقعد
وإن شئت قلت: وأركع وأسجد) (4) وفي رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا قام الرجل من السجود قال: بحول الله أقوم وأقعد) (5).
مسألة: والمستحب أن يقوم معتمدا " على يديه سابقا " برفع ركبتيه، وهو قول

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 5 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 5 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 5 ح 5.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 13 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 13 ح 2.
216

علمائنا، وبه قال مالك والشافعي هنا، وقال أبو حنيفة وأحمد: يرفع يديه أولا ويعتمد
بركبتيه إلا مع المشقة لما روي عن علي عليه السلام قال: (من السنة إذا نهض الرجل
في الركعتين الأولتين ألا يعتمد على يديه إلا أن يكون شيخا " كبيرا ") (1)
لنا ما رووه عن مالك بن الحويرث في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (لما
رفع رأسه استوى قاعدا " ثم اعتمد بيديه على الأرض) (2) لأنه أسهل على المصلي
وأمكن وأيسر فيكون مراد الله سبحانه.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام
يضع يديه قبل ركبتيه وإذا سجد وأراد القيام رفع ركبتيه قبل يديه) (3)
ويستحب التجافي في السجود وهو أن لا يضع بعض أعضائه على بعض وأن
يجنح بعضديه، ودل عليه رواية أبي عبيد (أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا سجد جافي عضديه
عن جنبيه) (4) وقال البراء كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سجد جنح ورفع عجيزته) (5)
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: (كان علي عليه السلام إذا سجد يتخوى كما
يتخوى البعير الضامر يعني عند بروكه) (6) وفي رواية زرارة قال: (لا تفرش
ذراعيك افتراش السبع ذراعه ولا تضع ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح
مرفقيك وابسط كفيك على الأرض وإن كان تحتهما ثوب لم يضر وإن أفضيت بهما
إلى الأرض فهو أفضل ولا تفرجن أصابعك في سجودك ولكن ضمهن) (7).

1) سنن البيهقي ج 2 ص 136.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 135 و 123 و 121.
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 1 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 114 (رواه عن أبي صالح).
5) سنن البيهقي ج 2 ص 115.
6) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 3 ح 1.
7) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
217

مسألة: يكره الإقعاء بين السجدتين قاله في الجمل: وبه قال معاوية بن عمار
منا، ومحمد بن مسلم والشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال الشيخ: بالجواز وإن
كان التورك أفضل، وبه قال علم الهدى.
لنا ما رووه عن علي عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تقع بين السجدتين) (1)
وعن أنس قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما
يقع الكلب) (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يقع
بين السجدتين) (3) والدليل على أن النهي ليس للتحريم ما رواه عبيد الله الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين) (4) والاقعاء
أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه.
وقال بعض أهل اللغة هو: أن يجلس على ألييه ناصبا " فخذيه مثل إقعاء الكلب،
والمعتمد الأول لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره، ونفخ موضع السجود مكروه،
لما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (الرجل ينفخ موضع سجوده
فقال: لا) (5) ودل على الكراهية ما رواه إسحاق بن عمار، عن رجل من بني عجل
قلت: (المكان يكون فيه الغبار أنفخه إذا أردت السجود؟ قال: لا بأس) (6) والجمع
بالجواز والكراهية.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 120.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 120 (إلا أنه عن علي مع تفاوت).
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 6 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 6 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 7 ح 1.
6) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 7 ح 3.
218

زيادات
مسألة: يجب إيراد الجبهة للسجود على ما يصح السجود عليه، ويستحب
في اليدين دون غيرهما، ويسقط مع الضرورة، وبه قال علماؤنا والشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا يجب لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله سجد على كور عمامته) (1) ولأنه حائل
لا يمنع السجود لو كان منفصلا فلا يمنع متصلا، وقال أحمد: يستحب مباشرة الجبهة
واليدين.
لنا ما رواه عن حباب قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حر الرمضاء في
وجوهنا وأكفنا فلم يشكنا) (2) ولو جاز لما شكوا ولا شكاهم، وقول من قال المراد
بقوله لم يشكهم أي لم يحوجهم إلى الشكوى تأويل بعيد ينفيه ظاهر الواقعة.
لا يقال: إبراز الكفين غير واجب عندكم وقد جمع بينهما في الحكم فيكون
إبراز الجبهة مستحبا " كإبراز اليدين، لأنا نقول: الظاهر كذا لكن دل الدليل على
جواز ستر اليدين فيبقى حكم الجبهة على الأصل، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
(إذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض) (3).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد وعليه العمامة لا يصيب جبهته الأرض قال: لا يجزيه
ذلك حتى يصل جبهته إلى الأرض) (4) وأما خبر أبي حنيفة فقد قال بعض الشافعية:
لا أصل له قال: ويمكن أن يكون أصاب مع ذلك بعض جبهته عليه السلام وأما قياسه

1) رواه البيهقي في سننه حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في ج 2 ص 106.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 105.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 102.
4) الوسائل ج 3 أبواب ما يسجد عليه باب 14 ح 1.
219

فضعيف لأنا نطالبه بالجامع.
مسألة: والاعتدال في السجود مستحب وهو قول العلماء لما رووا عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: (اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه كالكلب) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تفترش
ذراعيك افتراش السبع، وابسط كفيك، ولا تجعلهما بين ركبتيك، ولكن تحرفهما
عن ذلك شيئا ") (2) ويستحب أن يضع راحته على الأرض مبسوطتين مضمومتي
الأصابع محاذتي منكبيه موجهات إلى القبلة، وهو مذهب العلماء لما روى أبو حميد
في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وعن وائل بن حجر قال: (سجد رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل
كفيه بحذاء أذنيه.) (3)
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ولا تلزق
كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تفرجن أصابعك،
ولكن ضمهن جميعا ") (4).
فروع
الأول: لو أراد السجود فسقط من غير قصد أجزأته إرادته السابقة، ولو لم
تسبق نية السجود ففي الإجزاء تردد أشبهه الإجزاء لأنه لم يخرج بذلك عن هيئة
الصلاة ونيتها.
الثاني: لو نوى ترك السجود فسقط لا للسجود لم يجزه، وفي بطلان الصلاة
تردد أشبهه البطلان لوجود ما ينافي الصلاة.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 113.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 112.
4) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
220

الثالث: لو سجد فعرض له ألم ألقاه على جنبه ثم عاد إلى السجود فإن تطاول
انقلابه لم يجزه وإلا أجزأه لبقائه على النية.
السابع: التشهد، الشهادة خبر قاطع ومنه شهد الرجل بكذا إذا أخبر عن
يقين، والتشهد تفعل منه.
وفي الباب مسائل:
مسألة: التشهد واجب في كل ثنائية مرة، وفي كل ثلاثية ورباعية مرتين،
وهو مذهب علمائنا أجمع، وبه قال أحمد والليث بن سعد، وقال الشافعي: الأول
سنة لأنه يسقط بالنسيان والثاني فرض، وقال أبو حنيفة: كلا هما سنة لكن الجلوس
في الثاني بقدر التشهد واجب لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلمها الأعرابي وهو وقت الحاجة
وقال مالك: بالاستحباب.
لنا على وجوب الأولى ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله فعله وواظب على فعله،
وكذا الصحابة والتابعين، ولأنه عليه السلام أمرهم أن يقولوه والأمر للوجوب، وسجد
ابن عباس لما نسيه، وعن ابن مسعود أنه قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله التشهد في
وسط الصلاة وآخرها) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه سورة بن كليب قلت: (أدنى ما يجزي من
التشهد، قال: الشهادتان) (2) وقال أحمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه: (التشهد
تشهدان في الثانية والرابعة) (3) فأما الذي في الثانية فما ذكره معاوية بن عمار، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام وعنه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لما فرغ من

1) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 459.
2) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 4 ح 6.
3) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 4 ح 3 (بهذا المضمون).
221

التشهد وسلم قال حماد: هكذا صل) (1) وروى يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (التشهد في كتاب علي عليه السلام شفع) (1).
قال الشافعي: يسقط مع النسيان لا نسلمه، بل يجب قضاؤه عندنا، ودل
على ذلك رواية محمد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل ينسى
التشهد قال: يرجع فيتشهد) (2) ولو سلمنا عدم القضاء لما سلمنا كون ذلك دالا على
عدم الوجوب كما لو نسي التسبيح مع وجوبه عندنا، وبالجملة فلا بد لدعواه من
دليل، ثم نقول: متى يكون عدم القضاء دلالة على عدم الوجوب إذا سقط لا إلى
بدل أم إلى بدل؟ وهذا لو سقط لوجب به سجدتا السهو.
لنا على وجوب التشهد الثاني فعله عليه السلام ودوامه عليه وأمره الصحابة به وتلقينه
إياهم، ومن طريق الأصحاب كثير سيأتي في غضون هذا الباب.
مسألة: وواجباته الجلوس بقدره، والشهادتان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
وعلى آله، أما وجوب الجلوس بقدره فلأن النبي صلى الله عليه وآله فعله، والصحابة، والتابعون،
وظاهره الوجوب، لأن فعله عليه السلام وقع امتثالا في مقابلة الأمر المطلق فيكون بيانا "
واجبا " بما عرف، ولأنه إذا ثبت وجوب التشهد وجب الجلوس بقدره ليكمله قاعدا،
إذ لا يجوز الانصراف قبله ولا القيام عمدا " ولما يكمله.
وصورة الشهادتين ما رواه محمد بن مسلم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (التشهد
في الصلاة قال: مرتان، قلت: وكيف مرتان؟ قال: إذا استويت جالسا " فقل: أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد ا عبده ورسول ثم تنصرف،
قلت: قول العبد التحيات لله، والصلوات الطيبات قال: ذاك اللطف يلطف العبد

1) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 4 ح 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 9 ح 4.
222

ربه) (1) وما رواه عبد الملك بن عمر الأحول، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التشهد.
في الركعتين الأولتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا " عبده ورسول) (2) وفي رواية أبي بصير عنه عليه السلام (أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأن محمدا رسوله).
وبالجملة فالقدر الذي توجبه الشهادتان من غير زيادة وبه قال الشيخ في
المبسوط والخلاف وابن الجنيد: ودل على ذلك رواية سورة بن كليب وقد سلفت
وما زاد فهو سنة أما رواية حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قلت: (ما يجزي
من التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال: أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، قلت: فما يجزي من التشهد في الأخيرتين؟ قال: الشهادتان) (3) فهي
دالة على هذا القدر وليست مانعة من وجوب الزيادة فالعمل بما يتضمن الزيادة أولى.
وفي رواية أخرى (إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه) (4) فهي محمولة
على حمد مضاف إلى الشهادتين لا أن ذلك كاف عن الشهادتين، وكذا ما روي عن
أبي جعفر (ع) قال: (قل في التشهد بأحسن ما علمت فلو كان موقتا هلك الناس) (5)
فلعله بيان لما يقال من الأذكار والأدعية المندوبة وهو أنسب بقوله (لو كان موقتا "
هلك الناس) ومع هذا الاحتمال لا يكون مصادما للأخبار الصريحة.
واختلف الجمهور في أفضل التشهد بعد اتفاقهم على التخيير فيه، فقال أحمد
وإسحاق: أفضله رواية عبد الله بن مسعود قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وآله التشهد كما
تعلمني [علمني] السورة التحيات لله، والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي

1) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 4 ح 4.
2) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 3 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 4 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 5 ح 2.
5) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 5 ح 1.
223

ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله،
وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله) (1).
وقال مالك، أفضله تشهد عمر بن الخطاب (التحيات لله والصلوات الطيبات
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله) (2).
وقال الشافعي: أفضله ما روي عن ابن عباس، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يعلمني التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فيقول: قولوا: التحيات المباركات
الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا " رسول الله) (3).
وقال الشافعي: أقل المجزي خمس كلمات التحيات لله السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا " رسول الله، وقد ضعفوا خبر عمر بأنه لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وأكثر
أهل العلم من الصحابة على خلافه، وضعفوا خبر ابن عباس بأنه مفرد بروايته واختلف
عنه ألفاظه، واعتمد أكثرهم على رواية ابن مسعود.
وخلافنا معهم في موضعين أحدهما إنا لا نوجب غير لفظ الشهادتين وهم أوجبوا
غير لفظ التحيات والتسليم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى عباد الله وإن كنا لا نمنع جوازه
وندبيته.
ولنا على ذلك أن الأصل عدم الوجوب ولا تصادمه رواياتهم لأن التشهد مما
يعم به البلوى فلو كان ما ذكروه واجبا " لما تفرد به الواحد وخير الواحد غير معمول

1) سنن البيهقي ج 2 ص 138.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 142 (رواه مع تفاوت يسير).
3) سنن البيهقي ج 2 ص 140.
224

به فيما يعم تكليفه، لأن منصب النبوة يرتفع عن اختصاص ابن مسعود برواية
تكليف عام لازم للأمة بحيث لا ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله من غير طريقه، نعم إذا كان ندبا "
جاز أن يقتصر النبي صلى الله عليه وآله في إبلاغه بطريق الواحد.
لا يقال: القدر المشترك بين الروايات منقول من طرق متعددة وهو القدر الواجب
لأنا نقول: الظاهر أن كل واحد منهم نقل وختم نقله فأخذ المشترك طرح لكل واحدة
من الروايات وطعن في الناقل ولأن اسم التشهد مأخوذ من الشهادة وقولنا: التحيات
لله والسلام ليس من ألفاظ الشهادة فلا يقع عليه اسم التشهد ويجب أن يختص بما
يسمى شهادة، لا يقال: اسم بعض الشئ قد يطلق على كله، لأنا نقول ذلك مجاز
فلا يصار إليه.
الموضع الثاني: تقديمهم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين على الشهادتين
فإنا نمنع جواز ذلك ونحكم فيه بإبطال الصلاة لأن التسليم خروج عن الصلاة لقوله
عليه السلام (وتحليلها التسليم) (1) ويلزمهم أن يكون الشهادتان خارجتين عن الصلاة لأنها
واقعة بعد التسليم.
ولو قال: إنما يخرج بقوله (السلام عليكم) قلنا: هذا تحكم لأن إطلاق
التسليم يتناول فعل السلام فاختصاص أحدهما بمراد صاحب الشرع تحكم، ولأن
قوله (علينا وعلى عباد الله الصالحين) تتناول الحاضرين عن الصلحاء وغير هم من
صلحاء الغائبين وقوله السلام عليكم يختص الحاضرين فلو كان الخروج بالسلام
على الحاضرين مخرجا " عن الصلاة لكان السلام من الحاضرين وغيرهم أولى.
ويؤيد ما قلناه: ما روي عن أهل البيت عليهم السلام من طرق، منها رواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كلما ذكرت الله والنبي صلى الله عليه وآله فهو من الصلاة وإذا قلت

1) سنن البيهقي ج 2 ص 173.
225

السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت) (1) وعن أبي كهمس، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الركعتين الأولتين إذا جلست فيهما فقلت وأنا جالس:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت:
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف) (2).
أما الصلوات عن النبي صلى الله عليه وآله فإنها واجبة في التشهدين، وبه قال علماؤنا أجمع
وقال الشيخ: هو ركن وبه قال أحمد، وقال الشافعي: مستحبة في الأولى وركن من
الصلاة في الأخير، وأنكر أبو حنيفة ذلك واستحبها في الموضعين، وبه قال مالك:
لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعلم الأعرابي ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال لعبد الله بن مسعود (عقيب ذكر
الشهادتين: فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك أو قضيت صلاتك) (3).
لنا ما رووه عن عايشة قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تقبل صلاة إلا بطهور
وبالصلاة علي) ورووه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا صلى أحدكم فليبدأ
بحمد الله ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وآله) (4) ولأنه لو لم تجب الصلاة عليه في التشهد
لزم أحد أمرين أما خروج الصلاة عليه عن الوجوب أو وجوبها في غير الصلاة ويلزم
من الأول خروج الأمر المطلق من الوجوب، ومن الثاني عبرة مخالفة الإجماع.
لا يقال: ذهب الكرخي إلى وجوبها في غير الصلاة في العمر مرة وقال
الطحاوي: كلما ذكر قلنا: الإجماع سبق الكرخي والطحاوي فلا عبرة بتخريجهما
وقول أبي حنيفة لم يعلمه الأعرابي قلنا: يحمل على أنه لم يكن ثم تجدد الوجوب
لأن ما ذكرناه زيادة تضمنها الحديث الصحيح عندهم فيكون العمل به أرجح، ولأن

1) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 4 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 4 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 174.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 147 (رواه عن فضالة بن عبيد الأنصاري).
226

التمام قد يحمل المقارنة أو بمعنى أنها تمت مع أفعالها الباقية التي من جملتها الصلاة
عليه.
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من صلى
ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله وتركه عامدا " فلا صلاة له) (1) أما قول الشيخ أنها ركن
فإن عني الوجوب والبطلان بتركها عمدا " فهو صواب وإن عنى ما يفسر به الركن فلا.
مسألة: الصلاة على آله عليه السلام واجبة في التشهد وهو مذهب علمائنا،
وبه قال التويجي من أصحاب الشافعي وأحد الروايتين عن أحمد، وقال الشافعي:
يستحب.
لنا ما رواه كعب بن عجزة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في صلاته: اللهم
صلى على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد) (2) فيجب متابعته
لقوله عليه السلام (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3) وحديث جابر الجعفي، عن أبي جعفر،
عن ابن مسعود الأنصاري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله من صلى صلاة ولم يصل فيها
علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه) (4) وإقران الأهل به في الحكم دليل الوجوب
لما بيناه من وجوب الصلاة عليه.
فروع
الأول: من لم يحسن التشهد والصلاتين وجب عليه التعلم، ولو ضاق الوقت
أو عجز أتى بما أمكن ولو لم يقدر عنه.

1) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 10 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 148.
3) صحيح البخاري ج 1 كتاب الأذان باب 18 ص 163.
4) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب التشهد باب 7 ص 334.
227

الثاني: لا يجزي بغير العربية وتجزي الترجمة لو لم يقدر على التعلم بالعربية
كما قلناه.
الثالث: الترتيب واجب يبدأ بالشهادة بالوحدانية، ثم النبوة، ثم بالصلاة
عليه وعلى آله، ولو عكس لم يجزه وقوفا " على ما نقل عن صاحب الشرع، وقال
الشافعي: يجزيه لحصول المعنى ولا نسلم أن المراد هو المعنى كيف كان، وقال أيضا ":
ذكر من غير جنس المعجز فلا يجب فيه الترتيب كالخطبة، وجواب ما ذكره منع
المساواة لأنه ذكر متعين اللفظ فخالف الخطبة لأن المأمور في الخطبة بما يسمى
خطبة وليس موضع النزاع كذلك.
مسألة: ويستحب الجلوس في التشهدين متوركا " وبه قال مالك، وقال أبو
حنيفة فيهما مفترشا "، وقال الشافعي وأحمد: في الأول مفترشا " وفي الثاني متوركا "،
لرواية أبي حميد. وبالجملة عند الشافعي يتورك لكل تشهد يتعقبه التسليم.
لنا ما رواه ابن مسعود قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس وسط الصلاة
وآخرها متوركا ") وما رووه عن ابن الزبير قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قعد في
الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه وفرش قدمه اليمنى) (1) واللفظ على
إطلاقه.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام
وزرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا قعدت في تشهدك فالصق ركبتيك بالأرض
وفرج بينهما، ولكن ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، وأليتاك على
الأرض وطرف إبهام اليمنى على الأرض، وإياك والقعود على قدمك، فلا تبصر في
التشهد والدعاء) (2).

1) سنن البيهقي ج 2 ص 130.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
228

وحجة الشافعي غير لازمة لأن أبا حميد وصف فعل النبي صلى الله عليه وآله ولعله رآه مرة
وليس كذلك ما رواه ابن مسعد وما قاله ابن الزبير، فإنه لا يقال كان يفعل إلا مع
الاستمرار والكثرة.
مسألة: ومن السنة وضع يديه على فخذيه مبسوط الأصابع مضمومة، قاله
في المبسوط، وهو مذهب علمائنا، وقال أحمد كما قلناه: في اليسرى، وفي اليمنى
كذلك لكن يعقد الخنصر والبنصر، واختلفت الروايات بين أصحاب الشافعي، فقال
محققهم بالتخيير فيها.
لنا ما رواه أبو داود بإسناده قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قعد يدعو يضع
يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى ويشير بإصبعه) (1) ومن
طريق الأصحاب ما يقاربه (2).
مسألة: ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين قاله الشيخ في المبسوط
والنهاية، ودل على الاستحباب روايات، منها رواية أبي بصير قال: (صليت خلف
أبي عبد الله عليه السلام فلما كان في آخر تشهده رفع صوته حتى سمعنا، فلما انصرف قلت
كذا ينبغي للإمام أن يسمع تشهده من خلفه؟ قال: نعم) (3) ورواية حفص بن البختري
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه شيئا ") (4)
وفي حفص ضعف لكن الفتوى مشهورة بين الأصحاب.
وقال أحمد: السنة إخفاؤه لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يجهر به وليس حجة، لأنا
لا نسلم أنه لم يكن يجهر به، ولو استند إلى رواية قلنا: رواية النفي لا تقبل لأنه إخبار

1) سنن البيهقي ج 2 ص 131.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 6 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 6 ح 1.
229

عن عدم سماعه وليس عدم السماع مستلزما عدم المسموع، ولو استلزم العدم لم يلزم
أن يكون دائما لأن الجهر به سنة فجايز أن يجهر تارة ويخفى أخرى.
ويدل على الجواز ما رواه علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن الماضي
عليه السلام هل يصلح أن أجهر بالتشهد وبالقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال:
إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر) (1).
مسألة: والدعاء في التشهد جائز سواء كان مما ورد به الشرع أو لم يكن للدنيا
والآخرة ما لم يكن مطلوبا " محرما "، وقال أبو حنيفة: يجوز بما ورد به الشرع لا غير،
وقال أحمد: يجوز بما يقرب من الله دون ما يقصد به ملاذ الدنيا كسؤال الجارية
الحسناء والدار القرار كقوله عليه السلام (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس
إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) (2).
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لابن مسعود: (ثم لتتخير من الدعاء
ما أعجبه) (3) وفي حديث مسلم بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله (لتتخير [ليختر] بعد من
المسألة ما شاء وما أحب) (4) وفي حديث أبي هريرة (إذا تشهد أحدكم فليتعوذن
من أربع ثم يدعو لنفسه بما بدا له) (5) ولا حجة في حديثهم بعد ورود هذه الأحاديث.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه بكر بن حبيب قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام:
أي شئ أقول في التشهد والقنوت؟ قال: قل بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا "
هلك الناس) (6) وعن معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة
في ساعة واحدة فتلا هذا القرآن وكانت تلاوته أكثر من دعائه ودعا هذا وكان

1) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 20 ح 1.
2) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد ح 33 ص 381.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 153.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 153.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 154.
6) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 5 ح 1.
230

دعاؤه أكثر من تلاوته أيهما أفضل؟ قال: كل فيه فضل، قال: قلت: قد علمت أن
كلا حسن، فقال: الدعاء أفضل أما سمعت قول الله عز وجل (ادعوني أستجب
لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (1) هي والله العبادة
هي والله أفضل) (2).
مسألة: وأفضل التشهد ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
جلست في الثانية فقل: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله، أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين
يدي الساعة، و
أشهد أن ربي نعم الرب، وأن محمدا " نعم الرسول، اللهم صلى على
محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته، ثم تحمد الله مرتين أو ثلاثا "
ثم تقوم، فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله أرسله بالحق
بشيرا " ونذيرا " بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا " نعم الرسول،
التحيات لله الصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الغاديات الرائحات السابغات
الناعمات لله، ما طاب وزكى وطهر وما خلص وصفا " فلله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهدا أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا " ونذيرا " بين
يدي الساعة، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور،
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وسلم على محمد
وآل محمد، وترحم على محمد وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وآل محمد، وامنن
علي بالجنة، وعافني من النار، ثم قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته

1) سورة غافر: 60.
2) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 6 ح 1.
231

السلام على أنبياء الله ورسله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (1).
وفي رواية أحمد بن أبي نصر البزنطي، عن معاوية بن عمار، عن أبي بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام (فإذا قلت: هذا فقد خرجت من الصلاة) وفي رواية زرعة، عنه
(ثم تسلم) (2) وقد روي في هذه الرواية زيادات أخر، فلا بأس لكل ما يزاد من الدعاء
فإن الدعاء حسن على كل حال، والاعتماد على هذه ليس إلا بما دل على استحباب
الدعاء والتخير منه ما أراد المصلي.
مسألة إذا قام من التشهد الأول لم يقم بالتكبير واقتصر على قوله (بحول
الله وقوته أقوم وأقعد) وقال المفيد: يقوم إلى الثالثة بالتكبير.
لنا أن تكبير الصلوات الخمس محصور في خمس وتسعين تكبيرة خمس
للافتتاح، وخمس للقنوت، والباقي للركوع، والسجود، فلو قام بالتكبير إلى
الثالث لزاد أربعا ".
والدليل على أن لكل قنوت تكبيرا " ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (التكبير في الصلاة الفرض في الخمس خمس وتسعون تكبيرة للقنوت
خمس) (3) وما رواه الصباح المزني قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: خمس وتسعون
تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات منها تكبير القنوت) (4).
ويدل على أن القيام إلى الثالثة لا يستدعي تكبيرا " ما رواه محمد بن مسلم،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا جلست في الركعتين الأولتين تشهدت ثم قمت فقل:
بحول الله وقوته أقوم وأقعد) (5) ثم إنا نطالب الشيخ المفيد (ره) بالدلالة على ما قاله.

1) بحار الأنوار ج 82 باب التشهد ص 290.
2) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 3 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 5 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 5 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 14 ح 1.
232

مسألة: التسليم واجب في الصلاة والإخلال له عمدا " مبطل لها لا سهوا "،
وبه قال ابن أبي عقيل منا وعلم الهدى وتقي بن نجم وقال الشافعي: هو ركن في
الصلاة وقال الشيخان: هو مسنون، وقال أبو حنيفة: ليس التسليم من الصلاة ولا
متعينا " للخروج به بل الخروج من الصلاة بكل مناف لها سواء كان من فعل المصلي
كالتسليم والحدث أوليس من فعله كما لو فجئه طلوع الشمس أو وجد المتيمم الماء
وتمكن من استعماله.
لنا على وجوبه فعل النبي صلى الله عليه وآله له ومواظبته واقتصاره في الخروج من الصلاة
عليه وفعله عليه السلام هذا امتثالا للأمر المطلق فيكن بيانا " وكذا فعل الصحابة والتابعين،
ولم ينقل عن أحدهم الخروج من الصلاة بغيره، ولقوله عليه السلام (تحريمها التكبير وتحليلها
التسليم) (1).
لا يقال: كون التحليل بالتسليم لا يستلزم انحصار التحليل فيه بل يمكن أن
يكون به وبغيره لأنا نقول: الظاهر إرادة حصر التحليل فيه لأنه مصدر مضاف إلى
الصلاة فيتناول كل تحليل يضاف إليها، ولأن التسليم وقع خبرا " عن التحليل فيكون
مساويا " أو أعم من المبتدأ فلو وقع التحليل بغيره لكان المبتدأ أعم من الخبر، ولأن
الخبر إذا كان مفردا " كان هو المبتدأ بمعنى أن الذي صدق عليه أنه تحليل للصلاة
صدق عليه أنه التسليم.
ثم يلزم على قوله الخروج من الصلاة لا بما ينافيها أو وقوع الحدث في
الصلاة لأنه قبل الحدث أما أن يخرج من الصلاة أو لا يخرج ويلزم من الأول الخروج
بغير المنافي وهو خلاف مذهبه ومن الثاني وقوع الحديث في الصلاة بتقدير أن
يحدث.
أما قول الشافعي أنه ركن فنحن نمنع ذلك ونطالبه بدليله لا نا نعني بالركن

1) سنن البيهقي ج 2 ص 173.
233

ما تبطل الصلاة بالإخلال به عمدا وسهوا ونحن نمنع من إبطال الصلاة بتركه سهوا "
وسيأتي تقرير ذلك.
وأما الأصحاب فمنهم من قال: آخر الصلاة الصلاة على النبي وبها يخرج
من الصلاة ولو أحدث بعد ذلك لم تبطل صلاته وقبل ذلك تبطل، وهذا ظاهر كلام
المفيد (ره) ومنهم أوجب قول (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وجعله
آخر الصلاة وأشار بالاستحباب إلى قوله عليه السلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
وهو قول الشيخ في المبسوط.
ومنهم من أوجب قول (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وجعله متعينا "
للخروج من الصلاة وهو مذهب علم الهدى وأبي الصلاح، والذي نراه نحن أنه
لا يخرج من الصلاة إلا بأحد التسليمين أما السلام عليكم أو السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين وبأيهما بدأ كان خارجا " من الصلاة وكان الآخر مندوبا "، والدليل على
أن كل واحد منهما كاف في الخروج من الصلاة قوله عليه السلام (وتحليلها التسليم) وهو
يقع على كل واحد منهما.
ويؤيد ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السلام منها رواية أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت إماما " فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول:
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم
تؤذن القوم وأنت مستقبل القبلة، فتقول السلام عليكم) (1).
فإن قيل: يلزم من الاقتصار في الخروج على ما يسمى تسليما " الخروج بقوله
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وآله من
جملة أذكار الصلاة فلا يخرج به ويجري مجر الدعاء والثناء على الله سبحانه، ويدل
على ذلك روايات:

1) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 2 ح 8.
234

منها رواية أبي كهمش، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الركعتين
الأولتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس: السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين فهو انصراف) (1) وعن الحلبي قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: كلما ذكرت
الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وآله فهو من الصلاة، فإذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين فقد انصرفت) (2).
وأما أنه لو لم يقل ذلك وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كان خروجا "
جائزا " فعليه إجماع علماء الإسلام كأنه لا يختلفون فيه وإنما الخلاف في تعيينه للخروج.
ولو قيل: ما ذكرتموه خروج عن الإجماع لأن الخروج منحصر في قولين
أما بقوله السلام عليكم وأما بفعل المنافي قلنا: لا نسلم ذلك، والمنقول عن أهل
البيت عليهم السلام ما ذكرناه، وقد صرح الشيخ بما ذكرناه في التهذيب فإنه قال: عندنا
من قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في التشهد فقد انقطعت صلاته، فإن
قال: بعد ذلك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جاز وإن لم يقل جاز أيضا ".
ولو قيل احتججتم بفعل النبي صلى الله عليه وآله وهو لم يخرج إلا بقوله (السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته) فيجب الاقتصار عليه، قلنا: دل على الجواز قوله عليه السلام (وتحليلها
التسليم) (3) وهو يصدق على كل ما يسمى تسليما " مما ذكر الصلاة على ما يقصد به
الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة، ثم نقول لمن ذهب إلى أن التسليم كله سنة لو خرج
من الصلاة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والدعاء لما بطلت صلاة المتمم في السفر لأنه
لا يقتصر على قوله إلى ما يخرج به من الصلاة، وكذا من زاد في الصلاة ساهيا " أو

1) الوسائل ح 4 أبواب التسليم باب 4 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 4 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 173.
235

عامدا "، وهو خلاف المنقول للصاحب.
أما صورته فإن اقتصر على (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) فالواجب
أن يأتي بها على صورتها المنقولة عن آل الرسول صلى الله عليه وآله، ولو ترجمها أو نكسها لم
يجزه ويبطل صلاته لو فعله عمدا " لأنه كلام في الصلاة غير مشروع، وإن بدأ بالسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته فإنه يجزي أن يقول: السلام عليكم ويقتصر به.
قال الشافعي وقال أبو الصلاح: الفرض أن يقول السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته وبما قلناه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد في مختصر الأحمدي
قال: يقول: السلام عليكم فإن قال: ورحمة الله وبركاته كان حسنا ".
لنا ما رواه سعد بإسناده عن علي عليه السلام (أنه كان يسلم عن يمينه وشماله
السلام عليكم السلام عليكم) (1).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه البزنطي في جامعه عن عبد الله بن أبي
يعفور قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة قال: يقول:
السلام عليكم) (2) وما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثم تؤذن القوم
وأنت مستقبل القبلة فتقول: السلام عليكم وكذا إذا كنت وحدك) (3) والتحقيق أنه
إن بدأ بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين كان التسليم الآخر مستحبا " يأتي به بأحسن
ما قبل، وإن بدأ بالسلام عليكم أجزأه هذا اللفظ وكان قوله ورحمة الله وبركاته
مستحبا " يأتي منه بما شاء، ولو قال: سلام عليكم ناويا " به الخروج فالأشبه أنه يجزي،
وبه قال الشافعي.
لنا أنه يقع عليه اسم التسليم فيكون مجزيا " ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها

1) سنن البيهقي ج 2 ص 178.
2) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 2 ح 11.
3) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 2 ح 8.
236

فتكون مجزية، ولو نكس لم يجز لأنها خلاف المنقول وخلاف تحية القرآن،
وقال الشافعي: يجزيه لأن المعنى يحصل.
لنا أن الاقتصار على التسليم المعتاد، وما نطق به القرآن بناء على اليقين
فيقتصر عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عنه فقال لأبي تميمة:
ولا تقل: عليك السلام ولا نسلم للشافعي أن المراد المعنى كيف كان.
مسألة: وتجزي الواحدة إماما كان أو مأموما " أو منفردا " وعن أحمد في الصلاة
المفروضة روايتان.
لنا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقتصر على الواحدة مرة وعلى اثنين أخرى وهو
دليل الجواز، ولقوله عليه السلام (وتحليلها التسليم) (1) وهو يحصل بالمرة، ولأن بالواحدة
يخرج من الصلاة فلا يجب ما زاد.
مسألة: السنة في التسليم أن يسلم المنفرد تسليمة إلى القبلة ويؤمي بمؤخر
عينه، والإمام بصفحة وجهه، والمأموم تسليمتين بوجهه يمينا " وشمالا، وبه قال الشيخ
في النهاية وأبو الصلاح، قال الشيخ في المبسوط أيضا ": الإمام والمنفرد يسلمان تجاه
القبلة.
لنا رواية عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن كنت
إماما " أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن لم يكن
عن يسارك أحد سلم واحدة) (2) وأما الإشارة بمؤخر العين فقد ذكره الشيخ في
النهاية وهو من المستحب عنده وربما أيده ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي في جامعه عن عبد الكريم، عن أبي بصير قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا
كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك) (3).

1) سنن البيهقي ج 2 ص 173.
2) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 2 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب التسليم باب 2 ح 12.
237

فرع
قال الشيخ في المبسوط: من لا يحسن التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
فيجب عليه التعلم ولو ضاق الوقت أتى بما يحسنه ويجب عليه التعلم لما يستقبل
من الصلاة.
ومندوبات الصلاة خمسة:
الأول: التوجه بسبع تكبيرات منها واحدة واجبة هي تكبيرة الإحرام وثلاثة
أدعية وقد سلف ذكر ذلك وكيفية إيقاعها وصورة الأدعية فيما سلف.
الثاني: القنوت وهو مستحب في كل ثانية فرضا " كانت الصلاة أو نفلا،
ويستحب في المفردة من الوتر، وفي الجمعة قنوتان أحدهما في الأول قبل الركوع
والآخر في الثانية بعده، ولو نسيه قضاه بعد الركوع، وفي الفصل مسائل:
الأولى: اتفق الأصحاب على استحباب القنوت في كل صلاة فرضا " كانت
أو نفلا مرة وهو مذهب علمائنا كافة، وقال الشافعي: يستحب في الصبح خاصة بعد
الركوع، ولو نسيه سجد للسهو لأنه سنة كالتشهد الأول، وفي سائر الصلاة إن
نزلت نازلة قولا واحدا " وإن لم ينزل فعلى قولين، وبقوله قال أكثر الصحابة ومن
الفقهاء مالك قال وفي الوتر في النصف الأخير من رمضان لا غير، وقال أبو حنيفة:
ليس القنوت بمسنون بل هو مكروه إلا في الوتر خاصة فإنه مسنون، وقال أحمد:
إن قنت في الصبح فلا بأس وقال: يقنت امرء الجيوش.
لنا أن القنوت دعاء فيكون مأمورا " به لقوله تعالى (ادعوني أستجب لكم) (1)
وقوله (وقوموا لله قانتين) (2) ولأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافيا " للصلاة،

1) سورة غافر: 60.
2) سورة البقرة: 238.
238

وما رواه أحمد بن حنبل، عن الفضل بن عباس قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصلاة
مثنى مثنى، وتشهد في كل ركعتين، وتضرع، وتخشع، ثم تضع يديك ترفعهما
إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك وتقول يا رب) (1).
وعن البراء بن عازب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي صلاة مكتوبة
إلا قنت فيها) (2) ورووا عن علي عليه السلام (أنه قنت في الصلاة المغرب على أناس
وأشياعهم) (3) وقنت النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الصبح فقال: (اللهم أنج الوليد بن الوليد
وسلمة بن هشام وعباس بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة واشدد وطأتك على مضر
ورعل وذكوان وأرسل عليهم سنين كسني يوسف) (4).
ومن طريق أهل البيت عليهما السلام روايات، منها رواية زرارة، عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام قال: (القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع) (5) وروى
محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام أيضا " قال: (القنوت في كل ركعتين في التطوع
والفريضة) (6) وروى صفوان الجمال قال: (صليت مع أبي عبد الله أياما " فكان يقنت
في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها) (7).
فأما رواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألت عن القنوت
قبل الركوع أو بعده؟ قال: لا قبله ولا بعده) (8) وفي رواية يونس بن يعقوب عنه عليه السلام

1) سنن البيهقي ج 2 ص 487.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 198.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 13 ح 2.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 197.
5) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 3 ح 1.
6) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 2 ح 3.
7) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 1 ح 3.
8) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 4 ح 2.
239

قال: (لا يقنت إلا في الفجر) (1) فيحمل على نفي الوجوب لا نفي الاستحباب،
ويجوز أن يدعو في قنوته للمسلمين عموما ولإنسان معين لأن جواز الدعاء عموما
إنما حسن لكونه دعاء للمؤمنين فيكون الخصوص أولى ولأن النبي صلى الله عليه وآله دعا في
قنوته لقوم بأعيانهم (2) وعلى آخرين بأعيانهم، ويجوز أن يسأل الله ما هو مباح من
أمور الدنيا، وأنكره أبو حنيفة وأحمد لأنه يشبه كلام الناس.
لنا أن الدعاء مأمور به مطلقا " فلا يختص موضعا، وما رووه عن فضالة عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم يصلي علي،
ثم يدعو بعده بما شاء) (3) وروي عن أبي الدرداء أنه قال: (إني لأدعو في صلاتي
لسبعين أخا من إخواني بأسمائهم وأنسابهم) (4) ولم ينكر أحد ذلك من الصحابة.
ويؤيد ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه عبد الرحمن بن سبابة قال:
(قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدعو الله وأنا ساجد؟ قال: نعم ادع للدنيا والآخرة فإنه
رب الدنيا والآخرة (5)) وعن إسماعيل بن الفضل قال: (سألت أبا عبد الله عن القنوت
وما يقال فيه فقال: ما قضى الله على لسانك ولا أعلم فيه شيئا " موقتا ") (6) وما رواه علي
ابن مهزيار قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة بكل شئ يناجي
ربه قال: نعم) (7).
وهل يجوز بغير العربية؟ قال سعد بن عبد الله: لا، وقال محمد بن الحسن

1) الإستبصار ج 1 السنة في القنوت ح 1280 ص 340 طبع جديد.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 200.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 147.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 245 (رواه بلفظة ثلثين).
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 17 ح 2.
6) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 9 ح 1.
7) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 19 ح 1.
240

الصفار: بالجواز واختاره ابن بابويه وهو أشبه لأن اسم الدعاء يقع عليه فيكون
جائزا " ولقوله عليه السلام (كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام) (1) يريد ليس
بكلام مبطل، ويستحب في المفردة من الوتر قبل الركوع وبعده لأن الوتر نافلة
يقصد بها التعظيم للرب والاستعطاف والاسترحام فجاز من كل صنف ما يتخيره
المصلي وفي كل موضع منه.
ويدل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله ودعواته في الوتر واختلافها وهو
يدل على عدم الانحصار، ومن روايات أهل البيت عليهم السلام كثير منه ما رواه عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تدعو في الوتر على العدو وإن شئت سميتهم
وترفع يديك في الوتر حيال وجهك وإن شئت تحت ثوبك) (2) وفي رواية عبد الله
ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (القنوت في المغرب في الثانية وفي الغدوة
والعشاء مثل ذلك وفي الوتر في الثالثة) (3).
وفي رواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل ينسى القنوت في الوتر
أو غير الوتر، قال: ليس عليه شئ وقال: إن ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل
أن يضع يده على الركبتين فليرجع قائما " وليقنت ثم ليركع، وإن وضع يديه على
ركبتيه فليمض في صلاته وليس عليه شئ) (4) وهذا الخبر يدل على القنوت قبل
الركوع.
ويدل على القنوت أيضا " فيه خاصة بعد الركوع في الركعة الواحدة ما روي
عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: (كان إذا رفع رأسه من آخر ركعة الوتر قال:

1) الوسائل ج أبواب القنوت باب 19 ح 4.
2) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 12 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 3 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 15 ح 2.
241

هذا مقام من حسناته نعمة منك إلى آخر الدعاء) (1) ويدل على الاستحباب ما روي
من جواز تركه رواه محمد بن سهل، عن أبيه، عن الرضا عليه السلام " (في الرجل ينسى
القنوت قال: لا إعادة عليه) (2) وعن معاوية بن عمار قال: (سألته عن الرجل ينسى
القنوت حتى يركع يقنت قال: لا) (3).
ومحله الأفضل قبل الركوع، وهو مذهب علمائنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك:
لرواية ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وآله قنت قبل الركوع) (4) وروي ذلك عن أبي (5)
وابن عباس وأنس وقال الشافعي: في الصبح بعد الركوع لرواية أبي هريرة (6)
قنوت النبي صلى الله عليه وآله.
ويدل على ما قلناه رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام (كل قنوت قبل
الركوع إلا في الجمعة) (7) وفي رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (القنوت
في كل صلاة في الثانية قبل الركوع) (8).
وخبر الشافعي معارض بما رواه الجمهور عمن ذكرناه والكثرة أمارة الرجحان
ويجوز الاقتصار به على ثلاث تسبيحات، ذكره الشيخ وفي رواية علي بن أبي
حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام (أدنى القنوت خمس تسبيحات) (9) ويتأكد فيما
يجهر فيه، ويدل على ذلك ما رواه محمد بن مسلم (ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام القنوت

1) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب القنوت باب 16 ص 320.
2) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 15 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 18 ح 4.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 207 (رواه عن أنس).
5) سنن البيهقي ج 2 ص 206.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 206.
7) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 12.
8) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 3 ح 1.
9) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 6 ح 1.
242

في كل الصلوات فقال: أما ما لا يشك فيه فما يجهر فيه بالقراءة) (1).
المسألة الثانية: قال ابن بابويه: القنوت سنة واجبة من تركه عمدا " أعاد،
لقوله تعالى (وقوموا لله قانتين) (2) وروى ذلك ابن أذينة، عن وهب، عن أبي
عبد الله قال: (القنوت في الجمعة والوتر والعشاء والعتمة والغداة فمن ترك القنوت
رغبة عنه فلا صلاة له) وبه قال ابن أبي عقيل: واتفقا أنه لا يعيد الصلاة لو تركه
نسيانا "، لما رواه عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن نسي الرجل القنوت في
شئ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شئ وليس له أن يدعه
(4) متعمدا ") وقال الباقون منا: بالاستحباب.
لنا أن الأصل عدم الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يقنت تارة ويترك أخرى
وهو دليل الجواز، وما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام قال:
(قال أبو جعفر عليه السلام: في القنوت إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت) (5) واستدلاله
ضعيف لأنه يتضمن وجوب الدعاء قائما " والأمر المطلق لا يقتضي التكرار في الصلاة
والأدعية فأما ما يتحقق معه الامتثال فلا يكون دالا على القنوت المخصوص، ورواية
وهب محمولة على الاستحباب توفيقا " بين الروايتين.
ويستحب فيه الإجهار، وقال علم الهدى: يجهر في المجهورة ويخافت فيما
يخافت فيه، وقد روي الجهر به على كل حال وقال الشافعي: يخافت به لأنه مسنون
فأشبه التشهد الأول.
لنا أنه جهر بتقديس الله وتعظيمه وسؤال فضله فكان حسنا "، ويؤيده ما روي

1) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 2 ح 5.
2) سورة البقرة: 238.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 2 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 15 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 4 ح 1.
243

عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (القنوت كله جهار) (1) وجواب الشافعي منع أصل
قيامه وفرعه والمطالبة بالجامع ولا يكفي الشبه في الاستحباب ولا يختص القنوت
دعاء ووجبه ما سبق من حديث إسماعيل بن الفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا
أعلم فيه شيئا " موقتا ") (2) وقد روي في أدعية القنوت أحاديث لا بأس بها وبتخطيها
إلى غيرها.
المسألة الثالثة: القنوت في الجمعة مرتان في الأول قبل الركوع وفي
الثانية بعده قاله الشيخان في النهاية والمبسوط والخلاف والمقنعة، وقال علم الهدى
في المصباح: اختلفت الرواية فروي أن الإمام يقنت في الأولى (3) قبل الركوع وكذا
من خلفه، ومن صليها منفردا " أو في جماعة ظهرا " قنت في الثانية قبل الركوع،
وروي أنه (4) إذا صليها جمعة مقصورة قنت قنوتين في الأولى قبل الركوع وفي الثانية
بعد الركوع.
وأنكر ابن بابويه القنوتين واقتصر على الواحد في الصلوات كلها، وذكر أن
زرارة تفرد به وليس كما قال، وأطبق الجمهور على خلاف ذلك، والذي يظهر أن
الإمام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة ركعتين ومن عداه يقنت مرة جامعا " كان أو منفردا ".
ويدل على ذلك رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كل القنوت
قبل الركوع إلا في الجمعة فإن القنوت في الأولى قبل الركوع وفي الآخرة بعد
الركوع) (5) وعن سماعة قال: سألته (6) وذكر مثله، ورواية معاوية بن عمار قال:

1) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 21 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 9 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 خ 1 و 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 4.
5) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 12.
6) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 8.
244

(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قنوت الجمعة: إذا كان إماما " قنت في الركعة
الأولى وإن كان يصلي أربعا " ففي الركعة الثانية قبل الركوع) (1).
وفي رواية إسماعيل الجعفي، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (أنت رسولي إليهم إذا صليتم جماعة ففي الركعة الأولى وإذا صليتم وحدانا "
ففي الركعة الثانية) (2) فيمكن أن يريد بالجماعة هنا الجمعة ولا يلزم من اقتصاره
على ذكر القنوت في الأولى عدم استحبابه في الثانية.
المسألة الرابعة: لو نسي القنوت قبل الركوع قضاه بعده، وهو اختيار
الشيخ في المبسوط، وقال الشيخان في النهاية والمقنعة: لو لم يذكر حتى ركع
في الثالثة قضاه بعد فراغه من الصلاة لما رواه أبو بصير قال: (سمعته يذكر عند
أبي عبد الله عليه السلام قال: الرجل إذا سهى في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس) (3)
ولنا ما رواه زرارة، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل
ينسى القنوت حتى يركع قال: يقنت بعد الركوع فإن لم يذكر حتى ينصرف فلا
شئ عليه) (4) ويمكن أن يقال بالتخيير وإن كان تقديمه على الركوع أفضل ويدل
على ذلك ما رواه معمر بن يحيى، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (القنوت قبل الركوع
وإن شئت بعده) (5) وليس في الأخبار التي استدل بها الشيخان دلالة على أن الإتيان
بعد الركوع قضاء.
الثالث: شغل النظر بما يمنعه عما يشغل عن الصلاة فقال الشيخان في الجمل
والنهاية والمبسوط والمقنعة وعلم الهدى في المصباح ينظر في قيامه إلى موضع

1) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 5 ح 5.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 16 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 18 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 3 ح 4.
245

سجوده، وفي ركوعه إلى بين رجليه، ودل على ما ذكروه روايات منها رواية غياث
ابن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام قال: (لا تتجاوز بطرفك
في الصلاة موضع سجودك) ورواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا
قمت إلى الصلاة فليكن نظرك إلى موضع سجودك) (1) وفي رواية زرارة، عن
أبي جعفر عليه السلام أيضا " في الركوع (وأقم صلبك ومد عنقك، وليكن نظرك إلى ما
بين قدميك) (2).
وقال في النهاية: وغمض عينيك فإن لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك
وقد روي جواز التغميض حماد بن عيسى في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله [أبي عبد الله
عليه السلام] قال: (ثم ركع وسوى ظهره ومد عنقه وغمض عينيه) (3) وروى مسمع،
عن أبي عبد الله عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة) (4).
ويمكن تقديم العمل برواية حماد بما عرف من وجوب تقديم الخاص على
العام، وينظر في حال قنوته إلى باطن يديه ذكر ذلك بعض الأصحاب وهو بناءا على
أن القانت يجعل باطن كفيه إلى السماء والنظر إلى السماء في الصلاة مكروه رواه
زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (اجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء) (5) وتفيض
العين كذلك فتعين شغلها بما يمنعها من النظر إلى ما يشغل والإقبال بالقلب إلى الصلاة
من فضلها.
الرابع: وضع كفي المصلي في حال قيامه على فخذيه محاذيا " ركبتيه
مضمومتي الأصابع ذكر ذلك ابن بابويه والشيخان وعلم الهدى والمستند النقل

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 284.
5) الوسائل ج 4 أبواب القيام باب 16 ح 3.
246

المشهور عن أهل البيت عليهم السلام منه ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (إذا قمت إلى
الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ودع بينهما فصلا إصبعا " إلى شبر وارسل يديك
وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك) (1).
وما رواه حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أرسل يديه جميعا " على
فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع مفرجات
واستقبل بأصابع رجليه جميعا " القبلة) (2).
ويكبر للقنوت رافعا " يديه وقال المفيد: يقنت بغير تكبير وقد سلف ما يدل
على استحباب التكبير، وأما رفع اليدين بالتكبير فروي ذلك عن علي عليه السلام وابن
مسعود وابن عباس وأبي هريرة.
ومن طريق الأصحاب ما روى محمد بن سليمان قال: كتبت إلى الفقيه أسأله
عن القنوت فقال: (إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين) (3) وهو يدل مع
عدم الضرورة على الرفع، ويجعل كفيه حال قنوته تلقاء وجهه وهو قول الأصحاب
روى أحمد بن حنبل بإسناده إلى محمد بن إبراهيم قال: (أخبرني من رأى النبي
صلى الله عليه وآله عند أحجار البيت يدعو هكذا وأشار بباطن كفيه نحو وجهه).
ومن طريق الأصحاب رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(تدعو في الوتر على العدو إن شئت سميتهم وتستغفر وترفع يديك حيال وجهك
وإن شئت تحت ثوبك) (4) وتتلقى بباطنهما السماء وقيل بظاهرهما وكلا الأمرين
جائز.

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 12 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب القنوت باب 13 ح 1.
247

الخامس: التعقيب سواء كان مما ورد به الأثر أو غيره مما يختار الإنسان
لدينه ودنياه لكن ما ورد به الأثر أفضل وقال أبو حنيفة: يقتصر على ألفاظ القرآن
والأدعية المأثورة، قلنا قول النبي صلى الله عليه وآله (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وقوله
عليه السلام (ثم يدعو لنفسه) (1).
وروى أنس قال: (جاءت أم سليمان إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله
علمني دعاءا أدعو به في صلاتي فقال: احمدي الله عشرا وسبحي الله عشرا ثم اسألي
ما شئت) (2) ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله كانوا يدعون بما لم يتعلموه ولم ينكره
والتابعون بعده كذلك ولم يتناكروه (وقال النبي صلى الله عليه وآله: لرجل ما تقول في صلاتك؟
قال: أشهد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وصوبه) (3).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا) (4) وعن الوليد بن صبيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد) (5).
قال الراوي: يعني بالتعقيب الدعاء عقيب الصلوات، والأذكار المنقولة في
ذلك كثيرة أفضلها تسبيح الزهراء عليها السلام وإنما نسب إليها لأنها السبب في تشريعه روى
صالح بن عقبة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ما عبد الله بشئ أفضل من تسبيح الزهراء
عليها السلام ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام) (6) وكان يقول:
(تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يوم دبر كل صلاة أحب إلي من صلاة ألف ركعة في كل

1) سنن البيهقي ج 2 ص 153.
2) سنن النسائي ج 2 باب الذكر بعد التشهد ص 151.
3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 218.
4) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 5 ح 2.
5) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 1 ح 1.
6) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 9 ح 1.
248

يوم) (1).
وروى محمد بن عذافر قال: (دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام فسأله
عن تسبيح فاطمة عليها السلام فقال: الله أكبر حتى عد أربعا " وثلاثين مرة، ثم قال: الحمد
لله حتى بلغ سبعا " وستين، ثم قال: سبحان الله حتى بلغ مأة يحصيها مأة بيده جملة
واحدة) (2).
وروى أبو بصير قال: (يبدأ بالتكبير أربعا " وثلاثين، ثم بالحمد ثلاثا " وثلاثين،
ثم بالتسبيح ثلاثا " وثلاثين) (3) ومثله رووه عن كعب بن عجرد قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (معقبات لا يخيب [لا يحسب] قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثا " وثلاثون
تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة) (4).
وروى أبو هريرة قال: (جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: ذهب أهل
الدبور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم يصلون كما تصلي ويصومون
كما تصوم ولهم فضول أموال يحجون بها ويعتمرون ويتصدقون فقال ألا أحدثكم
بحديث إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم وكنتم خير من
أنتم بين ظهرانيهم إلا من عمله بمثله تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة
ثلاثا " وثلاثين فاختلفنا بيننا فقال بعضنا تسبيح ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين
وتكبر أربعا وثلاثين فرجعت إليه فقال: تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثا " وثلاثين) (5).
وروى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أن رسول الله عليه السلام قال لأصحابه:

1) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 9 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 10 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 10 ح 2.
4) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 216.
5) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 216.
249

أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من الثياب والآنية ووضعتم بعضه على بعض ترونه يبلغ
السماء قالوا: لا يا رسول الله فقال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاته سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين مرة، وهن يدفعن الهدم، والغرق،
والحرق، والتردي في البئر، وأكل السبع، وميتة السؤر البلية التي نزلت على العبد
في ذلك اليوم) (1).
وعن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من سبح تسبيح الزهراء عليها السلام
قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له ويبدأ بالتكبير) (2).
خاتمة
مسألة: يقطع الصلاة ما يبطل الطهارة ولو كان سهوا "، وبه قال الخمسة
وأتباعهم والشافعي في الجديد، وقال الشيخ في الخلاف وعلم الهدى في المصباح
إذا سبق الحدث ففيه روايتان أحدهما يعيد الصلاة، والأخرى يعيد الوضوء ويبني
عليه صلاته، وبه قال مالك والشافعي في القديم ولأبي حنيفة تفصيل.
واستدل على البناء بقوله عليه السلام (من قاء أو رعف أو أمذى فلينصرف فليتوضأ
وليبن علي ما مضى في صلاته ما لم يتكلم " (3) وقال في المبسوط وقد روى إذا سبقه
الحدث (4) جاز أن يعيد الوضوء ويبني على صلاته، والأحوط الأول.
لنا على الأول ما رواه علي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا فسا أحدكم
وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة) (5) ولقوله عليه السلام (إن الشيطان

1) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 15 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب التعقيب باب 7 ح 1.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الإقامة باب 137 ص 386 (مع تفاوت).
4) الإستبصار ج 1 فيما يقطع الصلاة ح 1535 - 1536.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 255.
250

يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيقول: أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا " أو يجد
ريحا ") (1).
ومن طريق أهل البيت ما رواه أبو بكر الحضرمي، عن أبي جعفر، وأبي
عبد الله عليه السلام قال: (لا يقطع الصلاة إلا أربع: الخلاء، والبول، والريح، والصوت) (2)
وما رواه عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون في صلاته ويخرج منه حب
القرع قال: إن كان ملطخا " بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع
الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة) (3).
ولأن الطهارة شرط في صحة الصلاة ومع زوال الشرط يزول المشروط،
وحجة أبي حنيفة ضعيفة لأنا لا نسلم كون الرعاف والقئ والمذي ناقضا " للطهارة،
ويحمل قوله وليتوضأ على غسل ما أصاب الثوب من ذلك مأخوذ من الوضاءة وهو
لتحسين، كما يقال: وضاء وجهه أي: غسله لأنها حقيقة لم تهجر ولو هجرت
أمكن المصير إليها لوجود الدلالة.
وما حكاه الشيخ وعلم الهدى هو إشارة إلى ما رواه فضل بن يسار قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: (أكون في الصلاة فأجد غمزا " في بطني أو أذى أو ضربانا "
فقال: انصرف ثم توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة متعمدا "،
وإن تكلمت ناسيا " فلا بأس عليك، فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا "، قلت:
وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم وإن قلب وجهه عن القبلة) (4).
قال علم الهدى في المصباح: لو لم يكن الأذى والغمز ناقضا " للطهارة لم

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 330 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 1 ح 2.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 5.
4) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 1 ح 9.
251

يأمره بالانصراف والوضوء، وما ذكره لا دلالة فيه على جواز البناء مع سبق الحدث
لأن الأذى والغمز ليس بناقض.
وقد ذكر في كتابة المذكور في نواقض الوضوء ما صورته (فالذي ينقض
الطهارة ويوجب الوضوء: البول والغائط والريح والنوم الغالب على العقل وما جرى
مجراه من الإغماء والمرض) ثم قال في آخر ذلك: وليس ينقض الوضوء شئ
خارج عما ذكرناه من فلس أو دم سائل أو مذي أو مس فرج أو غير ذلك، ومما
وقع الخلاف فيه.
وقال الشيخ في الاستبصار وليس كان من وجد أذى كان محدثا " وليس في الخبر
أنه أحدث ثم قال (ره): وأما قوله ما لم ينقض الصلاة متعمدا " فلا يدل على أنه إذا
كان ساهيا " لا يجب عليه الإعادة إلا من حيث دليل الخطاب وقد يترك عند من قال به
لدليل فحينئذ لم يتلخص ما حكيناه من البناء مع سبق الحث، ولعل الشيخ لما
لمح ذلك قال بالجواز في المبسوط ولم يتحتم.
ويؤكد ما ذكرناه من أن الغمز في البطن لا يبطل الوضوء ولا الصلاة ما
رواه عبد الله بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه
وهو يستطيع الصبر عليه أيصلي على تلك الحال أم لا يصلي، قال: إن احتمل الصبر
ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر) (1).
فرع
على القول بالبناء قال الشيخ لو سبقه الحدث فأحدث ناسيا " استأنف، وبه
قال أبو حنيفة، وقال الشافعي في القديم: يبني لأنه حدث طرأ على حدث فلم يكن
له حكم، ولنا التمسك بإطلاق الأحاديث.

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 8 ح 1.
252

مسألة: الالتفات يمينا " وشمالا ينقض ثواب الصلاة، والالتفات إلى ما وراءه
يبطلها لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة فالالتفات بكله تفويت لشرطها.
ويؤيد ذلك رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا استقبلت القبلة
بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك) (1) إن الله تعالى يقول لنبيه
في الفريضة: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره) (2).
وأما كراهية الالتفات يمينا " وشمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فلرواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد إذا كان
الالتفات فاحشا " إن كنت قد تشهدت فلا تعد) (3) وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله) (4).
مسألة: والكلام بحرفين فصاعدا " يبطل الصلاة عمدا " لا سهوا "، وعليه علمائنا،
وبه قال الشافعي، وقال مالك: إن كان لمصلحة لم يبطلها ولو كان لغير الصلاة كأن
يقول للأعمى: البئر أمامك أو ينبه من يحترق، والاتفاق على أن العمد لغير مصلحة
يبطلها، والكلام جنس يقع على القليل والكثير والكلم جمع كلمة نبق ونبقة مثل سبق.
ودل على أن ما تركب من حرفين كلمة قسمة سيبويه الكلام إلى اسم، وفعل،
وحرف مثل من وعن وتسمية ذلك كلمة يستلزم وقوع الكلام الذي هو الجنس عليه،
أما الدليل على أن العمد يبطل فقوله عليه السلام (إنما صلاتنا هذه تكبير وتسبيح وقرآن
ليس فيها شئ من كلام الناس) (5) وهو خبر يراد به النهي فيكون منافيا " للصلاة.

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 9 ح 3.
2) سورة البقرة: 144.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 3 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 3 ح. 3
5) سنن البيهقي ج 2 ص 249.
253

ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام (1) وأما الذي يدل
على أن الكلام سهوا " لا يبطل ما رووه في سهو النبي صلى الله عليه وآله (2) وإتمام الصلاة بعد
كلامه ولقوله عليه السلام (رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (3).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يسهو
في الركعتين ويتكلم قال: يتم ما بقي من صلاته) (3) وعن عبد الرحمن بن الحجاج
قال: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسيا " يقول: أقيموا صفوفكم
قال: يتم صلاته ثم ليسجد سجدتين) (4).
فرع
قال الشيخ: النفخ بحرفين يوجب الإعادة، وكذا الأنين، والتأوه، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: النفخ يبطلها وإن كان بحرف واحد، والتأوه للخوف من
الله عند ذكر المخوفات لا يبطلها ولو كان بحرفين ويبطلها لو كان لغير ذلك كألم يجده
لنا أن تعمد الكلام يخرج من الصلاة لمنافاته لها فلا يختلف حاله، وروى
طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: (من أن في صلاته فقد
تكلم) (5) وتفصيل أبو حنيفة حسن وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة
ووصف إبراهيم بذلك يؤذن بجوازه.
مسألة: القهقهة عمدا " تبطل الصلاة وعليه الاتفاق، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 2 ح 4.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 356.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 5.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 4 ح 1.
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 25 ح 2.
254

قال: (من قهقه فليعد صلاته) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه ابن أبي عمير، عن رهط (سمعوه ما يقول:
التبسم الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وإنما يقطع الضحك الذي
فيه القهقهة) (2) يريد بذلك بقطع الصلاة دون الوضوء لأن القطع لا يطلق إلا على
الصلاة ولم تجز العادة باستعمال ذلك في الوضوء، وروى جميل عن زرارة، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة) (3).
مسألة: الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة يبطلها وعليه العلماء لأنه يخرج
عن كونه مصليا "، وهو ما يسمى في العادة كثيرا " والقليل كمسح جبهته أو إصلاح
ردائه، وقتل القملة والبرغوث لا تبطل الصلاة لأنه في حيز القليل وهو مروي لنا
وكذا قتل الحية والعقرب وقد روى أبو رافع (أن النبي صلى الله عليه وآله قتل عقربا " وهو يصلي) (4)
مسألة: البكاء لأمور الآخرة كالخشية من النار لا يقطع الصلاة عمدا " ولا
سهوا " ويقطع لو كان لأمور الدنيا، وبه قال في النهاية والمبسوط ولأنه فعل خارج
عن أفعال الصلاة فيكون قاطعا " كالكلام، ويدل على التفصيل ما رواه نعمان بن عبد
السلام، عن أبي حنيفة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن البكاء في الصلاة
أيقطع الصلاة؟ فقال: إن كان لذكر جنة أو نار فذلك أفضل الأعمال في الصلاة،
وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة) (5).
مسألة: في وضع اليمين على الشمال في حال القراءة قولان أحدهما حرام

1) الوسائل ج 16 أبواب الإيمان باب 16 ح 3 (إلا أن فيه عوض رفع - وضع)
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 7 ح. 3
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 7 ح 1 (إلا أنه رواها عن أبي
عبد الله " ع ").
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب إقامة الصلاة باب 146 ص 395.
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 5 ح 4.
255

وتبطل الصلاة وبه قال الشيخان وعلم الهدى وابنا بابويه وأتباعهم، وقال أبو الصلاح:
بالكراهية، احتج علم الهدى على التحريم والإبطال بالإجماع وبأنه فعل كثير فيكون
مبطلا، وقال الشيخ في الخلاف: لا يجوز وضع اليمين على الشمال ولا الشمال
على اليمين في الصلاة لا فوق السرة ولا تحتها.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: باستحباب وضع اليمين على الشمال ثم
قال الشافعي: فوق السرة وأبو حنيفة تحت السرة، والمشهور عن مالك استحباب
الإرسال إلا مع طول النافلة.
واحتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة وذكر أنهم لا يختلفون في ذلك
وبأن أفعال الصلاة متلقاة عن صاحب الشرع وليس في الشرع ما يدل على تشريعه
وبأن الاحتياط يقتضي اطراح ما وقع الخلاف فيه لكونه مبطلا.
وبما روي من طريق الأصحاب عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (قلت
له: الرجل يضع يده في الصلاة اليمنى على اليسرى فقال: ذلك التكفير فلا تفعله) (1)
ولأنه سنة المجوس فيكره لقول النبي صلى الله عليه وآله (خالفوهم) (2).
واستدل الجمهور على الاستحباب بما رووه عن سهل بن سعد قال: (كان
الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو
حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله) (3) وعن ابن مسعود (أن النبي
صلى الله عليه وآله مر به وهو واضع شماله على يمينه فوضعها على شماله في الصلاة) (4) وعن
وائل بن حجر قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فوضع يديه على صدره إحديهما

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 15 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 80.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 28.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب إقامة الصلاة باب 3 ص 266 (مع تفاوت في العبادة).
256

على الأخرى) (1).
والوجه عندي الكراهية أما التحريم فيشكل لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال
الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلت عليه الأحاديث
عن أهل البيت عليهم السلام من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين.
واحتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا خصوصا " وقد وجد من أكابر
الفضلاء من يخالف في ذلك ولا نعلم من رواه من الموافق كما لا يعلم أنه لا موافق
له، وقوله وهو فعل كثير في غاية الضعف لأن وضع اليدين على الركبتين ليس
بواجب ولم يتناول النهي وضعهما في موضع معين فكان للمكلف وضعهما كيف شاء.
وأما احتجاج الطوسي (ره) بأن أفعال الصلاة متلقاة قلنا: حق لكن كما لم
يثبت تشريع وضع اليمين لم يثبت تحريم وضعهما فصار للمكلف وضعها كيف شاء
وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم.
وقوله الاحتياط يقتضي طرح ذلك قلنا متى؟ إذا لم يوجد ما يدل على الجواز
أم إذا وجد؟ لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع أو نقول
متى يحتاط إذا علم ضعف مستند المانع أم إذا لم يعلم؟ ومستند المانع هنا معلوم
الضعف، وقوله عندنا تكون الصلاة باطلة قلنا: لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود
ما يقتضي البطلان، وأما الاقتراح فلا عبرة به.
وأما الرواية فظاهرها الكراهية لما تضمنه من قوله أنه تشبه بالمجوس، وأمر
النبي صلى الله عليه وآله بمخالفتهم ليس على الوجوب لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية
وأنه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح
من الكراهية أولى، ويؤكد ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به الأعرابي، وكذا
رواية أبي حميد حكاية صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله.

1) سنن البيهقي ج 2 ص 30 (مع تفاوت في العبارة).
257

وأما احتجاجات الشافعي وأبي حنيفة فخبر سهل بن سعد غير دال على الأمر،
وقول أبي حازم لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قول شاك في نسبته إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ورواية ابن مسعود واقعة مخصوصة فلا عموم لها، ورواية وابل بن
حجر مخالفة لفعلهم لأنهم بين واضعها فوق سرته وواضعها تحتها وإعراضهم عن
مضمون روايته دليل ضعفها.
مسألة: ويحرم قطع الصلاة إلا لخوف ضرر، قال في المبسوط: ومتى
رأى دابة له انقلبت، أو غريما " يخاف فواته، أو ما يخاف ضياعه، أو غريقا " يخاف
هلاكه، أو حريقا " يلحقه، أو شيئا " من ماله، أو طفلا يخالف سقوطه جاز أن يقطع
الصلاة ويستوثق منه ثم يستأنف صلاته، وما ذكره صواب لأن في البقاء على حاله
ضرر والضرر منفي شرعا ".
ويؤيده ما رواه حريز بن عبد الله، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما " لك قد أبق أو غريما " لك عليه مال أو حية
تخافها على نفسك فاقطع لصلاة واتبع الغلام أو الغريم واقتل الحية) (1) وفي
رواية سماعة قال: (سألته عن الرجل يكون قائما " في صلاته الفريضة فينسى كيسه
أو متاعه يتخوف ضيعته أو هلاكه، قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل
الصلاة، قلت: فيكون في الصلاة فتقلبت دابته ويخاف أن تذهب أو يصيب منها
عيبا " قال: لا بأس أن يقطع صلاته) (2) وينبغي أن يخص جواز قطعها بالحال التي
لا يمكن تحصيل الغرض بدون ذلك فأما إن أمكن بدون قطعها لم يجز القطع.
ويؤيد ذلك رواية عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في
الصلاة فيرى الحية أيجوز أن يتناولها؟ قال: إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 21 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 21 ح 2.
258

وليقتلها وإلا فلا) (1) يعني إذا لم يخف وفي رواية إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: (في رجل يصلي ويري الصبي يحثو إلى النار أو الشاة
تدخل البيت تفسد الشئ قال: فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبني على صلاته ما
لم يتكلم) (2).
مسألة قال الشيخ في المبسوط والخلاف: الأكل والشرب يفسدان الصلاة،
وروي جواز شرب الماء (3) في النافلة وما لا يمكن التحرز منه مثل ما يخرج من بين
الأسنان لا يفسد لو ازدرده، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، واحتجا بقول النبي صلى الله عليه وآله
(كفوا أيديكم في الصلاة) وليس بواضح في الدلالة لأن الأكل قد يمكن بدون
اليد ولو قال اللفظ يستعمل في الأكل قلنا مجازا " واستعارة فإذا " الشيخ يطالب بالدلالة
على أن مطلق الأكل والشرب يبطلها نعم ولو تطاول فعله أمكن القول بالبطلان نظرا "
إلى كونه فعلا كثيرا " لا إلى كونه أكلا وشربا ".
وربما قالوا: أنه اشتغال عن العبادة بما ينافيها وهو باطل بالأفعال اليسيرة
فإنا نتكلم على تقدير الأكل اليسير ويقولون شرط الصوم في الصلاة شرط وما أبطل
الصوم أبطل الصلاة وهو تحكم محض.
مسألة: قال في المبسوط والخلاف: لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة
لأن الأصل الإباحة وإنما منعناه في الفريضة بالإجماع، وقال الشافعي: لا يجوز في
نافلة ولا فريضة ثم استدل برواية سعيد الأعرج (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أني أريد
الصوم وأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب، وأكره أن أصبح
وأنا عطشان، وأمامي قله وبيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، قال: تسعى إليها وتشرب

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 19 ح 4.
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 21 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 23 ح 1 و 2.
259

منها حاجتك وتعود في الدعاء) (1).
وقوله (ره) منعناه في الفريضة بالإجماع لا نعلم أي إجماع أشار إليه والرواية
المذكورة غير دالة على دعواه لأنه ادعى الجواز في النافلة مطلقا " والرواية تدل على
الوتر خاصة بالقيود التي تضمنها الحديث وهي إرادة الصوم وخوف العطش وكونه
في دعاء الوتر ولا يلزم من جواز الشرب على هذا التقدير جوازه في النافلة مطلقا "،
أما التمسك في الجواز بالأصل فتمسك صحيح لكن يستحب على الفريضة والنافلة
حتى يثبت الإجماع الذي ذكره.
مسألة: وفي الصلاة والشعر معقوص وهو جمعه في وسط الرأس وشده قولان
قال في النهاية والمبسوط والخلاف: بالتحريم والإعادة لو صلى كذلك، وقال المفيد
وأبو الصلاح وكثير منا: بالكراهية، وبه قال أبو حنيفة وهو الوجه.
لنا أن الأصل الجواز وهو سليم عن المعارض، أما الكراهية فلما رواه أبو
رافع قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أصلي وقد عقصت شعري فأطلقه) و (2) لو
كان محرما " لنهاه على التحريم لأنه موضع الحاجة.
واحتج الشيخ بما رواه مصادف، عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل صلى فريضة
وهو معقوص الشعر قال يعيد صلاته) (3) وجوابه تضعيف الرواية لأن مضمونها مما
لو كان لازما " لما خفي فانفراد مصادف بنقلها يمنع بظاهرها فتحمل على الكراهية لأن
المكروه قد لا تتوفر الدواعي إلى نقله فأمكن أن ينفرد به الواحد.
مسألة: يكره الالتفات بوجهه يمينا " وشمالا ولو التفت بكله أبطل صلاته،
وقال بعض الحنفية: بالتحريم مستدلا برواية عبد الله بن سلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 23 ح 1.
2) سنن الدارمي كتاب الصلاة باب في عقص الشعر ص 320.
3) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 36 ح 1.
260

(لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة للملتفت) وجوابه منع الرواية بضعف عبد الله
ابن سلام، ثم الالتفات قد يكون بكله وقد يكون بوجهه والثاني لا يبطل والأول
يبطل لأنه بالتفات وجهه لا يخرج عن الاستقبال بخلاف الالتفات بكله، وعلى هذا
التقدير يمكن حمل رواية عبد الله بن سلام على الالتفات بكله، ويدل على ما ذكرناه
ما روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله) (1).
مسألة: ويكره التثاؤب، والتمطي، والعبث، والتنخم، والبصاق، وفرقعة
الأصابع وعليه فتوى العلماء لأن التثاؤب، والتمطي، والعبث استراحة في الصلاة
وتغيير لهيئتها المشروعة، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: (لا تفرقع
أصابعك وأنت تصلي) وروي (أنه كان يأخذ النخامة في ثوبه وهو يصلي).
ويؤيده ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه سئل عن الرجل يريد
الحاجة وهو في الصلاة، قال: يؤمي برأسه ويشير بيده والمرأة تصفق بيدها) (2)
(وعن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطى، قال: هو من الشيطان ولن يملكه) (3) وفيه
إشعار بأرجحية الامتناع مع الإمكان، ولأن استحباب الإقبال على الصلاة بالقلب
يمنع من التعريض للتشاغل.
وروى أبو بصير قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك
بين يدي الله، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك، فاقبل قبل صلاتك، ولا تمتخط ولا
تبزق، ولا تنقض أصابعك، ولا تورك، فإن قوما " عذبوا بنقض الأصابع والتورك في
الصلاة) (4) وفحوى هذه الرواية تمنع من العبث بل هو بالكراهية أولى.
مسألة: ويكره نفخ موضع السجود لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أربع

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 3 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 9 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 11 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 9.
261

من الجفاء أن ينفخ موضع الصلاة، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة،
وأن يبول قائما "، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه) وروى محمد بن مسلم، عن أبي
عبد الله جعفر عليه السلام قلت: (الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ قالا: لا) (1).
ودل على الكراهية رواية رجل من بني العجل (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المكان يكون عليه الغبار أنفخه إذا أردت أن أسجد؟ قال: لا بأس) (2) وفي رواية أبي
بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالنفخ في الصلاة موضع السجود
ما لم يؤذ أحدا ") (3) وهذه حسنة ويعضدها مقتضى الأصل، ويكره التأوه بحرف
وقد مضى ما يدل عليه.
مسألة: ويكره مدافعة الأخبثين أو لا لما فيه من التشاغل عن الإقبال على
الصلاة، وثانيا " لما رواه أبو بكر الحضرمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تصلي وأنت تجد شيئا " من الأخبثين) (4) وما رواه هشام
ابن الحكم، عنه (ع) قال: " لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة (5) " ويكره لبس الخف
الضيق في الصلاة لما يحصل له معه من الشغل ويؤيد ذلك الرواية (6).
مسألة: يجوز للمصلي تسميت العاطس بأن يحمد الله، ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله
وأن يحمد الله إذا عطس، لأنه مناجاة للرب وشكر على نعمه ويدل على ذلك أيضا "
ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا عطس الرجل فليقل: الحمد لله) (7).

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 7 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 7 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 7 ح 2.
4) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 8 ح 3.
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 8 ح 2.
6) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 8 ح 5.
7) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 18 ح 1.
262

وعن أبي بصير قلت له: (أسمع العطسة فأحمد الله وأصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأنا في
الصلاة؟ قال: نعم ولو كان بينك وبين صاحبك البحر) (1) وهل يجوز تسميته بالدعاء
له إذا كان مؤمنا "؟ عندي فيه تردد، والجواز أشبه بالمذهب.
مسألة: إذا قال: سلام عليكم رد مثل قوله سلام عليكم ولا يقول: وعليكم
السلام لأنه كلام ليس من القرآن وهو مذهب الأصحاب قاله الشيخ في النهاية والمبسوط
والخلاف وهو حسن.
وقال الحسن البصري: يرد مثل قوله ولم يعتبر ما قلناه، ومنعه أبو حنيفة نطقا "
وإشارة لرواية ابن مسعود قال: (خرجت إلى الحبشة وبعضنا يسلم على بعض ثم
حدث فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يرد وقال: إن مما أحدث الله أن لا يتكلم
في الصلاة) (2) وقال الشافعي: يرد إشارة بيده أو رأسه لما روي عن بلال (أنه كان
يشير بيده) (3).
ويدل على ما قلناه: رواية عثمان بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته
عن الرجل يسلم عليه في الصلاة؟ قال: يرد بقوله سلام عليكم ولا يقول: عليكم
السلام فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما " يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد عليه
النبي صلى الله عليه وآله هكذا) (4) وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام ((أن عمارا " سلم على
رسول الله صلى الله عليه وآله فرد عليه ذكره البزنطي في جامعه) (5).
وما رواه محمد بن مسلم قال: (دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة
فقلت السلام عليك، فقال: السلام عليك، قلت: كيف أصبحت؟ فسكت فلما

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 18 ح 4.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 248 (مع تفاوت).
3) سنن البيهقي ج 2 ص 259.
4) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 16 ح 2.
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 17 ح 3.
263

انصرف قلت له: أيرد السلام وهو في الصلاة؟ قال: نعم مثل ما قيل له) (1) ولأن
الأمر برد السلام مطلق فيتناول بإطلاقه حال الصلاة كما يتناول غيرها.
لا يقال: السلام من كلام الناس فلا ينطق به في الصلاة لقوله عليه السلام (ليس
فيها شئ من كلام الناس) (2) لأنا نقول: لا نسلم أنه من كلام الناس لأن القرآن يتضمن
مثل هذا اللفظ، ولو قيل إذا قصد به رد السلام خرج عن القرآن قلنا: لا نسلم لأنه
باعتبار نظمه يكون قرآنا " وباعتبار قصد رد السلام يكون ردا " فإن الداعي بالقرآن لا
يخرج بقصده الدعاء عن القرآن كما لو قال في الصلاة: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان الخ ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا الخ) (3) فإنه لا
يخرج عن القرآن وإن قصد الدعاء.
وفي رواية عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا سلم عليك رجل
من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك) (4)
وفي رواية منصور بن حازم، عنه قال: (يرد عليه خفيا ") (5) وهذه الروايات محمولة
على الجواز لعدم الرجحان، وجواب أبي حنيفة لعله سلم بغير قوله سلام عليكم،
وجواب الشافعي أن الإشارة برأسه لا يمنع من انضمام النطق بلسانه.
فرع
لو سلم عليه بغير اللفظ المذكور لم يجز إجابته، نعم لو دعا له وكان

1) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 16 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 249.
3) سورة الحشر: 10.
4) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 16 ح 4.
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 16 ح 3.
264

مستحقا " وقصد الدعاء لا رد السلام لم أمنع منه لما ثبت من جواز الدعاء لنفسه ولغيره
في أحوال الصلاة بالمباح.
مسألة: يجوز الدعاء في أحوال الصلاة قائما "، وقاعدا "، وراكعا "، وساجدا "،
ومتشهدا، ومعقبا بما هو مباح من أمور الدين والدنيا، وهو فتوى الأصحاب،
لقوله تعالى (ادعوني أستجب لكم) (1) وقوله تعالى (قل ما يعبؤا بكم ربي
لولا دعاؤكم) (2) وهو دال على تعلق غرض الشارع به مطلقا "، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
(دعا على قوم ولقوم قائما) (3) وقال: (ادعوا الله في سجودكم فإنه ضمن أن يستجاب
لكم). (4)
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (كلما كلمت الله به في صلاة الفريضة فلا
بأس به) (5) وليس بكلام، وفي رواية علي بن مهزيار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي به ربه قال: نعم) (6) ولا ريب
أن قول القائل اللهم اغفر لفلان وما شاكله مناجاة للرب.
زيادات
مسألة: لا يقطع الصلاة من يمر بين يدي المصلي حيوانا " كان أو إنسانا "،
ذكرا " كان أو أنثى، ولو كانت حايضا "، أو نفساء، ويستحب أن يدرؤا من ذلك ما
استطاع ما لم يؤد إلى الإبطال لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا يقطع الصلاة

1) سورة الممتحنة: 60.
2) سورة الفرقان: 77.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 200.
4) مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 219 (مع تفاوت).
5) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 13 ح 3.
6) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 13 ح 1.
265

شئ فادرؤا ما استطعتم) (1) روي أنه قال: (إذا مر بين يدي المصلي إنسان فليدرأه
فإن انصرف وإلا فليقاتله فإنما هو شيطان) (2).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا يقطع الصلاة شئ كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ) (3) وما رواه
ابن أبي يعفور قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما
يمر به قال: لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرؤا ما استطعتم) (4).
مسألة: ولو جعل بينه وبين ما يمر به حاجزا " زالت الكراهية، وقد روى
ذلك أبو بصير قال: (كان رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا " وكان إذا صلى وضعه بين
يديه يستر به ممن يمر بين يديه) (5) وعن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى) (6) وقال أبو عبد الله عليه السلام:
(إذا [إن] كان بين يديك قدر ذراع مرتفع من الأرض فقد استترت) (7) وفي رواية
محمد بن إسماعيل، عن الرضا عليه السلام قال: (يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط
بين يديه خطة) (8) وفي رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرجل فإن لم يجد فحجرا "، فإن لم يجد فسهما "، فإن لم يجد فليخط بين

1) سنن البيهقي ج 2 ص 278.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 267.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 4 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 11 ح 9.
5) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 1.
7) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 11 ح 10.
8) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 3.
266

يديه) (1) وأنكر أبو حنيفة الخط.
لنا " ما رووه عن أبي هريرة قال: قال أبو القاسم: (إذا صلى أحدكم فليجعل
تلقاء وجهه شيئا " فإن لم يكن فلينصب عصا فإن لم تكن معه فليخط خطأ ") (2).
مسألة: يكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر،
روى الجمهور عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن التخصر في الصلاة) (3).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما روى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا تنقض أصابعك ولا تتورك فإن قوما " عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة) (4).
مسألة: يكره السدل في الصلاة ذكره علم الهدى (ره) في المصباح وبه
قال أبو حنيفة، ولم يكرهه مالك، وكرهه الشافعي للخيلاء دون غيره، وفسروه
بوضع الثوب على الرأس أو الكتف وإرسال طرفيه.
لنا ما رووه عن أبي هريرة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وآله عن السدل) (5) وقال
الشيخ في التهذيب: ذكر ذلك علي بن الحسن بن بابويه، وسمعناه مذاكرة ولم
أجد به حديثا " مسندا ".
مسألة: قال الشيخ (ره) في الخلاف: إذا عرض للرجل أو المرأة حاجة
فله الإيماء بيده وضرب إحدى يديه على الأخرى، وضرب الحائط، والتسبيح،
والتكبير سواء نبه بذلك إمامه، أو غيره، أو حذر أعمى من ترد، أو بلغته مصيبة
فقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون) (6) قصد القرآن أو يقرأ آية يفتح بها على غيره

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 12 ح 4.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 270.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 287.
4) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 9.
5) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 206.
6) سورة البقرة: 156.
267

إذا غلط، وبه قال الشافعي، لكنه كره للمرأة أن تسبح وقصرها على التصفيق، وقال
أبو حنيفة: إن قصد بالتسبيح مصلحة الصلاة كإعلام الإمام شيئا " نسيه لم تبطل صلاته
وتبطل لو لم يقصد بذلك لكن يكره لغير ضرورة، وروى أبو العباس الفضل، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان الرجل مصليا " فلا يشير إلى شئ ولا يؤمي إلى شئ
إلا أن لا يجد بدا ").
ولنا مع الضرورة ما رووه عن سهل الساعدي (أن النبي صلى الله عليه وآله قال للناس
إذا أتاكم شئ في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) (1) وعن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن ناحية بن حبيب سأله أضرب الحائط لأوقظ الغلام؟ قال: نعم) (2).
(ومر رجل بأبي عبد الله عليه السلام وهو بين السجدتين فرماه بحصاة فأقبل إليه) (3) ولأن
هذه أفعال يسيرة لا يخرج بها الإنسان عن كونه مصليا " فلا يؤثر البطلان ولأن التنبيه
بالتسبيح يخرجه عن كونه تسبيحا " فيكون جايزا " لقوله عليه السلام (إن صلاتنا هذه تسبيح
وقراءة ودعاء) (4).
لا يقال: هو وإن كان تسبيحا " وذكر الله تعالى لكنه خطاب الآدمي فأشبه غيره
من الكلام كما لو قال: يا يحيى خذ الكتاب فإن صلاته تبطل وإن كان مثله قرآنا ".
لأنا نقول: لا نسلم أنه يخرج عن كونه تسبيحا " لأنه يقصد الأمرين بخلاف
الكلام الذي ليس بقرآن، ولو قال: (يا يحيى خذ الكتاب) (5) وقصد القرآن
وتنبيه الإنسان لم تبطل صلاته فدعواه في موضع النزاع، والأصل فيه أن القرآن
بقصد المخاطبة به لا يخرج عن كونه قرآنا " فإذا قصد القرآن فإن الأمرين لا يتنافيان

1) سنن البيهقي ج 2 ص 162 (مع تفاوت وأنها رواها عن أبي هريرة).
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 9 ح 8.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 10 ح 1.
4) سنن النسائي ج 3 كتاب السهو باب 20 ص 17.
5) سورة مريم: 12.
268

لأن من دعا بسورة من القرآن أو آية منه يسمى داعيا " قاريا ".
ويؤيد ذلك ما روى عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن ذكر
السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل قل هو الله أحد فقال: إذا كنت تدعو
بها فلا بأس) (1).
مسألة: لا يقطع الصلاة الرعاف، ولا قئ، ولو عرض الرعاف أزاله وأتم
صلاته ما لم يفعل ما ينافي الصلاة، وهو قول الأصحاب، لأنا بينا أن ذلك ليس
بناقض للطهارة والإزالة من مصلحة الصلاة فلا تبطلها.
ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يأخذه
القئ والرعاف في الصلاة كيف يصنع؟ قال: ينفتل فيغسل أنفه ويعود في صلاته
وإن تكلم فليعد الصلاة وليس عليه وضوء) (2) وفي رواية أبي حمزة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا يقطع الصلاة إلا رعاف وإن في البطن فادرؤهن ما استطعتم) (3) وهي
نادرة فإن صحت حملت الإعادة على الاستحباب.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قرأ المصلي آية رحمة استحب له أن يسألها،
أو آية عذاب استعاذ ربه منها، وبه قال الشافعي وكره أبو حنيفة ذلك لأنه موضع
قراءة.
لنا ما رووه عن حذيفة بن اليمان قال: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأ
سورة البقرة فما مر بآية رحمة إلا سألها ولا بآية عذاب إلا استعاذ منها، ثم قرأ آل
عمران والنساء وفعل مثل ذلك) (4) وفي أخبار أهل البيت (5) ما يماثله.

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 9 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 2 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 2 ح 14.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 309.
5) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 18 ح 1 و 2.
269

مسألة: حكم المرأة في الصلاة حكم الرجل لكن لا جهر عليها ولا أذان ولا
إقامة، فإن أذنت وأقامت خافتت فيها، ويستحب لها اعتماد ما رواه زرارة قال:
(إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، ولا تفرج بينهما، وتضم يديها إلى
صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ
كثيرا، فإذا جلست فعلى أليتيها كما يقعد الرجل، فإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود
وبالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمت
فخذيها ورفعت ركبتيها، فإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا) (1)
وفي رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله قال: (إذا سجدت المرأة بسطت
ذراعيها) (2).
مسألة: سجدة الشكر مستحبة عقيب الفرائض، وعند تجدد النعم، ودفع
النقم قاله الشيخ رحمه الله في الخلاف، وهو قول الأصحاب، وبه قال الشافعي،
وقال مالك: تكره، وعن أبي حنيفة روايتان إحديهما تكره والثانية ليست مشروعة.
لنا على مشروعيتها ما رواه أبو بكر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء
شئ يسره خر ساجدا ") (3) وروى عبد الرحمن بن عوف قال: (سجد رسول الله
صلى الله عليه وآله فأطال فسألناه قال: أتاني جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد من صلى عليك مرة
صلى الله عليه عشرا " فخررت شكرا " لله) (4) وسجد علي عليه السلام (شكرا " يوم النهروان
لما وجدوا ذا الثدية) (5) (وسجد أبو بكر لما بلغه فتح اليمامة) وقتل مسيلمة ومفهوم
هذه الأحاديث يؤذن بأرجحيتها في نظر الشرع فيستحب فعلها عقيب الفرائض لأنها

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 4.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 3 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 370 (إلا أنها رواها عن أبي بكرة).
4) سنن البيهقي ج 2 ص 371.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 371.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 371.
270

مظنة التعبد وموضع الخضوع، والشكر على التوفيق لأداء العبادة.
ويؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام منه رواية مرازم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك، وترضي بها
ربك، وتعجب الملائكة منك، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب
تعالى الحجاب بين الملائكة وبين العبد) (1).
وعن إسحاق بن عمار قال: (إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع
لا يراك أحد فالصق خدك بالأرض، وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل
بطنك وآخر ظهرك، وليكن تواضعا " لله فإن ذلك أحب) (2) ويستحب فيها التعفير،
وهو: أن يلصق خده الأيمن بالأرض، ثم خده الأيسر وهو مذهب علمائنا ولم يعتبره
أحد من الجمهور.
لنا أن السجدة وضعت للتذلل، والخضوع بين يدي الرب. والتعفير أبلغ
في الخضوع والذل فيكون مرادا " لله سبحانه.
ويؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان
موسى بن عمران إذا صلى لم ينتقل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر
بالأرض قال إسحاق: رأيت من يصنع ذلك قال محمد بن سنان: يعني موسى بن
جعفر عليه السلام في الحجر في جوف الليل) (3) واختلفت الرواية فيما يقال فيها ومحصله
ما يتخيره الإنسان من الأدعية، وفيه روايات ليست مرضية الإسناد لكنها أدعية حسنة
ليست منافية للمقصود فاعتمادها حسن من حيث كونها دعاء.
وأما ما رواه سعد بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (سألته

1) الوسائل ج 4 أبواب سجدتي الشكر باب 1 ح 5.
2) الوسائل ج 4 أبواب سجدتي الشكر باب 7 ح 5.
3) الوسائل ج 4 أبواب سجدتي الشكر باب 3 ح 3.
271

عن سجدة الشكر فقال: أي شئ سجدة الشكر؟ فقلت: إن أصحابنا يسجدون بعد
الفريضة سجدة واحدة ويقولون: هي سجد الشكر، فقال: إنما الشكر إذا أنعم الله
على عبد نعمة أن يقول: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا
لمنقلبون) (1)، والحمد لله رب العالمين) (2).
فإنه ليس منافيا " لما قلناه لأنه يحتمل اختصاص تسمية السجدة بسجدة الشكر
لما يكون عند تجدد النعم لأن الشكر اعتراف بالنعمة لا لأن السجود عقيب الفريضة
غير مراد وليس ما ذكره من الدعاء مانعا " من السجود بل جايز أن يكون ذلك القول
حالة سجوده، ولأنه إذا جاز السجود شكرا " على النعم فمن المعلوم أن الإنسان لا
ينفك من نعمة متجددة من الله ولو لم تكن إلا تمكينه من النفس ورده الذي به قوام
البدن وتمام الحياة، قاله الشيخ في الخلاف: وليس في سجدة الشكر تكبير الافتتاح
ولا تكبير السجود، ولا تشهد، ولا تسليم وقال في المبسوط: يستحب التكبير لرفع
رأسه من السجود ولعله تشبيه بسجدة التلاوة، وقال الشافعي: هي كسجدة التلاوة.
لنا أن وضع الجبهة يسمى سجودا " فيتحقق معه الامتثال وما زاد فهو خارج
عن مسمى السجود فيكون منفيا " بالأصل.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: سجدات القرآن خمس عشرة في الأعراف
والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج موضعان، والفرقان وزادهم
نفورا "، والنمل، وألم تنزيل، و ص، وحم السجدة، والنجم، وإذا السماء انشقت
واقرأ باسم ربك، أربع فرض وهي: سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقرأ
باسم ربك، ووجوبها على القارئ والمستمع، ويستحب للسامع، والباقي ندب.
وقال الشافعي: السجدات أربع عشرة وأنكر سجدة صلى الله عليه وآله وكلها مسنونة

1) سورة الزخرف: 13 و 14.
2) الوسائل ج 4 أبواب سجدتي الشكر باب 1 ح 6.
272

وقال أبو حنيفة: السجدات أربع عشرة وأسقط الثانية من الحج وكلها عنده واجبة
على القارئ والمستمع والسامع.
لنا على وجوب الأربع ما روي عن علي عليه السلام أنه قال: (عزائم السجود
أربع) (1) ولأنه يتضمن الأمر بالسجود فتكون واجبة وما عدا الأربع غير صريح في
الأمر فيكون ندبا "، وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قرأ شئ من
العزائم الأربع فسمعتها فأسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا " وإن كانت
المرأة لا تصلي وسائر القرآن أنت فيه بالخيار) (2).
ويدل على سجدة صلى الله عليه وآله ما روي عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله سجدها) (3)
وروى غيره (أنه سجدها وقرأ (أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده) (4)) ويدل
على السجدة الثانية في الحج ما رواه عقبة بن عامر قال: (سأل رسول الله صلى الله عليه وآله في
الحج سجدتان؟ فقال: نعم من لم يسجدهما فلا يقرءها) (5) قال الشيخ في الخلاف:
موضع السجود في حم السجدة عند قوله (واسجدوا لله) وقال في المبسوط: عند
قوله (إن كنتم إياه تعبدون) والأولى أولى، وقال الشافعي وأهل الكوفة: عند قوله
(وهم لا يسمعون).
لنا أن الأمر بالسجود مطلق فيكون للفور فلا يجوز التأخير، ويجوز فعلها
في الأوقات التي يكن فيها النوافل وبه قال الشافعي: خلافا " لمالك وأبي حنيفة.
لنا أن الأمر بالسجود مطلق فيتناول الأوقات بإطلاقه ولا يفتقر إلى تكبيرة
إحرام، ولا تشهد، ولا تسليم لأن الأمر بالسجود لا يتناول غيره فيكون ما عداه منفيا "

1) سنن البيهقي ج 2 ص 315.
2) الوسائل ج 4 أبواب قراءة القرآن باب 42 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 318.
4) سورة الأنعام: 90.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 317.
273

بالأصل، وقال الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف: ويكبر عند الرفع من السجود
وربما كان المعتمد ما رواه زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ا ذا قرأت
السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك) (1).
وما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام (فيمن يقرأ السجدة من القرآن
من العزائم فلا يكبر حتى [حين] يسجد ولكن يكبر حين يرفع رأسه) (2) ورواه
البزنطي في جامعه، ولا يشترط استقبال القبلة تمسكا " بإطلاق الأمر، ولو فاتت قال
في المبسوط: يقضي العزائم وجوبا " وفي الندب هو بالخيار، وقال في الخلاف:
من تعلقت ذمته بفرض أو سنة فلا يبرء إلا بقضائه ولعل الوجه أن يقال بالأداء لعدم
التوقيت فيكون مما حرمنا له على التسمية.
المقصد الثاني
[في بقية الصلوات]
وهي: واجبة، ومندوبة، فالواجبات منها: الجمعة وهي ركعتان تسقط معها
الظهر، وعلى هذا إجماع العلماء كافة ويدل على الوجوب قوله تعالى (يا أيها
الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) (3) وقول النبي
صلى الله عليه وآله الجمعة حق على كل مسلم إلا أربعة) (4) وقول الصادق عليه السلام (إن الله فرض
في كل أسبوع خمسا " وثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كل مسلم أن يشهدها إلا
خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصبي) (5).

1) الوسائل ج 4 أبواب قراءة القرآن باب 42 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة القرآن باب 42 ح 10.
3) سورة الجمعة: 9.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 1 ح 21.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 1 ح 14.
274

مسألة: ووقتها ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شئ مثله، وفي هذا بحثان:
أحدهما: في أول وقتها وهو الزوال بمعنى أنه يجوز أن يخطب في الفئ
الأول فإذا زالت صلى، ويجوز أن يؤخر الخطبة حتى يزول، وقال الشيخ في الخلاف
وفي أصحابنا من أجاز الفرض عند قيام الشمس قال: واختاره علم الهدى وقال ابن
أبي عقيل: يخطب إذا زالت الشمس فإذا فرغ من الخطبة وأقام المؤذن استفتح
الصلاة، وبه قال علم الهدى أيضا " في المصباح وقال أحمد: أول وقتها حين يرتفع
النهار، وقال الشافعي: لا يجوز الأذان والخطبة إلا بعد الزوال فإن قدمها أو قدم
الخطبة لم يجزيه، فإن أذن قبل الزوال وخطب وصلى بعده صحت جمعته، ولم يجزيه
الأذان وكان كمن صلى الجمعة بغير أذان، وقال أبو حنيفة ومالك: كما قلناه.
لنا ما رواه سلمة بن الأكوع قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة
الجمعة ثم ينصرف وليس للحيطان فئ) (1) وما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حتى تزول قدر شراك ويخطب
في الظل الأول) (2) وعن أبي عبد الله (ع) قال " (الجمعة عند الزوال ووقت العصر
يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة يستجب التكبير بها) (3).
البحث الثاني: آخر وقت الجمعة إذا صار ظل كل شئ مثله وهو وقت الظهر
الاختياري، وبه قال أكثر أهل العلم، وقال أبو الصلاح: إذا مضى مقدار الأذان والخطبة
وركعتي الجمعة فقد فاتت ولزم أداؤها ظهرا "، وقال الشيخ (ره) في المبسوط
والتهذيب: أن بقي من وقت الظهر قدر خطبتين خفيفتين صحت الجمعة، وقال مالك:
تصح في وقت العصر.

1) سنن البيهقي ج 3 ص 191.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 5.
275

لنا على مالك ما رواه أنس قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذا مالت
الشمس) (1) وما رواه سلمة بن الأكوع قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله
وينصرف وليس للحيطان فئ) (2) وعلى أبي الصلاح ما روي عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة) (3) ولأن المسلمين لا يبادرون
عند الزوال وهو دليل عدم التضيق.
فإن احتج بما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك) (4) وبما رواه زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: (إن من الأمور أمورا مضيقة، وأمورا موسعة وإن صلاة الجمعة
من الأمر المضيق إنما لها وقت واحد حين زوال الشمس، ووقت العصر يوم الجمعة
وقت الظهر في سائر الأيام) (5).
أجبنا بأن ذلك لو صح لما جاز التأخير عن الزوال بالنفس الواحد، (وبأن
النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب في الفئ الأول فيقول جبرئيل عليه السلام: يا محمد صلى الله عليه وآله قد
زالت
الشمس فأنزل فصل) (6) وهو دليل على تأخير الصلاة عن الزوال بقدر قول جبرئيل
عليه السلام ونزوله صلى الله عليه وآله ودعائه أمام الصلاة ولو كان مضيقا " لما جاز ذلك.
فرع
قال الشيخ (ره): إذا انعقدت الجمعة فخرج وقتها ولما تتم أتمها جمعة، وبه

1) سنن البيهقي ج 3 ص 190.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 191 (مع تفاوت).
3) بحار الأنوار ج 86 كتاب الصلاة ص 173.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 4.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 3.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 4.
276

قال مالك، وقال الشافعي: بقاء الوقت شرط فإذا خرج أتمها ظهرا "، وقال أبو حنيفة
تبطل. لنا أن الوجوب تحقق باستكمال الشرائط فيجب إتمامها.
مسألة: تسقط الجمعة بالفوات وتقضى الوظيفة ظهرا " هنا بحثان:
أحدهما: وظيفة الوقت ما هي عندنا الجمعة وليس له إسقاطها بغيرها، وقال
أبو حنيفة: فرض الوقت الظهر وتسقط بالجمعة لقوله عليه السلام (أول وقت الظهر حين
تزول الشمس) (1) وهو عام فيتناول يوم الجمعة كغيره، وقال محمد بن الحسن
الشيباني: الفرض هو الجمعة وله إسقاطه بالظهر، وللشافعي مثل القولين.
لنا أنه مأمور بالجمعة منهي عن الظهر فلا يكون المنهي عنه فرضا "، وقوله
عليه السلام (إن الله كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة) (2) وظاهره الوجوب
على التعيين.
البحث الثاني: مع الفوات يصلي أربعا ظهرا " بنية الأداء إن كان وقت الظهر
باقيا "، وإن خرج الوقت صلى أربعا " بنية القضاء عن الظهر لأن مع الفوات تسقط
الجمعة ويجب الظهر أداءا لسعة وقت الظهر وإمكان فوات الجمعة مع بقائه فيكون
الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر لانتقال الوجوب إليه، وقوله في الأصل وتقضي
ظهرا " يريد وظيفة الوقت لا الجمعة.
مسألة: ولو لم يدرك الخطبة وأدرك الصلاة فقد أدرك الجمعة، وكذا لو أدرك
ركعة وأدرك الإمام راكعا " في الثانية، قاله الشيخ (ره) في الخلاف وعلم الهدى (ره)
وبه قال الشافعي وأحمد، وشرط في النهاية والاستبصار إدراك تكبيرة الركوع في الثانية
وقال أبو حنيفة: ولو أدرك معه اليسير منها، ولو سجود السهو بعد التسليم لأن سجود
السهو يعيده إلى حكم الصلاة.

1) صحيح البخاري ج 1 باب وقت الظهر ص 143.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 22.
277

واحتج على الاجتزاء باليسير بقوله عليه السلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) (1)
وبما روي في بعض الأخبار (من أدرك الإمام جالسا " قبل التسليم فقد أدرك الصلاة).
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وبه قال: (من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فقد
أدركها ومن أدرك ما دونها صلى أربعا ").
ومن طريق الأصحاب: ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته
عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة فقال: يصلي ركعتين فإن فاتته الصلاة فلم يدركها
فليصل أربعا ") (2) وروى الفضل بن عبد الملك قال: (إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك
الجمعة فإن فاتته فليصل أربعا ") (3) واستند الشيخ فيما ذكره في النهاية إلى ما رواه
محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر
الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة) (4) وروى محمد بن مسلم أيضا "،
عنه عليه السلام قال: (لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرتها مع الإمام) (5).
ولنا ما رواه عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدركت الإمام
وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع الإمام
رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك) (6) ومثله روى سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله
عليه السلام (7)، قال في الاستبصار: يحمل هذان الخبران على إدراك الصف مع كونه قد
أدرك تكبيرة الركوع، وما ذكره (ره) كلفة بعيدة في التأويل مع أن اللفظ غير محتملها.

1) سنن البيهقي ج 1 ص 407 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 26 ح 3.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 26 ح 4.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 44 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 44 ح 3.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 45 ح 2.
7) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 45 ح 1.
278

ثم استدل لهذا التأويل بما ينافيه وهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت
إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإن
قام فالحق بالصف وإن جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فالحق بالصف) (1) وهذا
صريح بما قلناه ناقض بصريحه ما قاله والجواب عما استند إليه من وجوه:
أحدها إن رواياته أصلها واحد وهو محمد بن مسلم وما ذكرناه نحن مروي
من طرق.
والثاني أكثر الأصحاب على ما قلناه وهو أمارة الرجحان وهذا هو معنى
قولنا على الأشهر.
والثالث إن التكبير ليس من واجبات الركوع فلا يكون لفواته أثر في فوات
الاقتداء، وحينئذ يمكن حمل روايته على نفي الاعتداد بها في الفضيلة لا في الإجزاء،
ثم بعد هذا البحث النظر في شروطها ومن تجب عليه ولواحقها وسننها.
مسألة: السلطان العادل أو نائبه شرط وجوب الجمعة وهو قول علمائنا،
وقال أبو حنيفة: يشترط وجود الإمام وإن كان جائرا " لقوله عليه السلام (فمن تركها في
حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله) (2) وأن السلطان
يسوي بين الناس في إيقاعها فلا يفوت بعضها، وقال الشافعي: لا يشترط لأن عليا
عليه السلام صلى بالناس العيد وعثمان محصور، ولأنها عبادة بدنية فلا تفتقر إقامتها إلى
السلطان كالحج، والبحث في مقامين:
أحدهما في اشتراط الإمام أو نائبه، والمصادمة مع الشافعي، ومعتمدنا
فعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه كان يعنى لإمامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء فكما

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 46 ح 3.
2) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب إقامة الصلاة باب 78 ص 343.
279

لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا " من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة وليس
هذا قياسا " بل استدلال بالعمل المستمر في الأعصار فمخالفته خرق للإجماع.
ويؤيد ذلك ما روي عن أهل البيت عليهم السلام من طرق منها رواية محمد بن
مسلم قال: (لا تجب الجمعة على أقل من سبعة: الإمام، وقاضيه، ومدعي حقا "،
ومدعى عليه، وشاهدان، ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام) (1) وجواب الشافعي
على ما رأينا أن عليا " عليه السلام كان هو الإمام فلا يفتقر إلى إذن غيره وعلى رأي غيرنا
أن عثمان كان محصورا " فكان عذرا " ومع تعذر الوصول يجوز الاجتماع ولأنه حكاية
فعل ومن المحتمل أن يكون عن إذن، وأما قياسه على الحج فباطل لأن الحج لا
يفتقر إلى الاجتماع بخلاف الجمعة وكانت الجمعة كإقامة الحدود.
المقام الثاني: اشتراط عدالة السلطان، وهو انفراد الأصحاب خلافا " للباقين،
وموضع النظر أن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن غالبا " والحكمة موجبة حسم مادة
الهرج وقطع نائرة الاختلاف ولن يستمر إلا مع السلطان، ثم المعنى الذي باعتباره
وقت نيابة الجمعة على إذن الإمام موجب عدالته إذ الفاسق يسرع إلى بواعث طبعه
ومرامي أهويته لا إلى مواقع المصلحة فلا يتحقق حسم مادة الهرج على الوجه
الصواب، ما لم يكن العادل ولأن الفاسق لا يكون إماما " فلا يكون له أهلية الاستنابة.
لا يقال: لو لزم ما ذكرتم لما انعقدت الجمعة ندبا " مع عدمه لانسحاب العلة
على الموضعين وقد أجزتم ذلك إذا أمكنت الخطبة، لأنا نجيب: بأن الندب لا تتوفر
الدواعي على اعتماده فلا يحصل الاجتماع المستلزم للفتن إلا نادرا ".
والجواب عما ذكره أبو حنيفة من الاكتفاء بالجائر منع الحديث أو لا ثم منع
دلالته على موضع النزاع لتضمنه من تركها جحودا " واستخفافا بحقها واحد لا يتركها
مع الجائر ولا العادل استخفافا " بل يستحب الاجتماع فيها وعقدها مع وجود السلطان

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 2 ح 9.
280

ولو كان جائرا " إذا كان إمام الجماعة عدلا ما سنبينه من منع إمامة الفاسق فلا
يتحقق الوعيد وليس الوعيد المتوجه على وصف معين يتوجه مطلقا ".
مسألة: العدد شرط في انعقاد الجمعة، وعليه إجماع العلماء، ولنا في أقله
روايتان: إحديهما سبعة، وهو اختيار الشيخ في النهاية والخلاف، والأخرى خمسة،
وهو اختيار المفيد، وعلم الهدى، وابن أبي عقيل، وأكثر الأصحاب، وقال الشافعي
وأحمد: أقله أربعون، لما روي عن جابر (مضت السنة في كل أربعين جمعة) (1)
وقال أبو حنيفة: تنعقد بأربعة أحدهم الإمام لقوله عليه السلام (الجمعة واجبة على كل مسلم
في جماعة) (2) وأقل الجماعة ثلاثة ولم ينقل أصحاب مالك عنه تقديرا "، لنا أن
الاجتماع معتبر فيعتبر جمع لو وقع بين اثنين نزاع كان عندهما شاهدان فيكونون
أربعا ".
ولو قيل: فيكتفي بالأربع مع الإمام قلنا: بتقدمه يتعذر عليه الاطلاع على
متجدداتهم، ولأن الأمر بالسعي إلى الجمعة بصيغة الجمع وأقل محتملاته ثلاثة،
وكما كان الإمام خارجا " عن الجمع المشترط فكذا المؤذن الذي يسعى مشروط
بندائه فيكون المجموع خمسة.
وحجة الشافعي ضعيفة لجواز أن يخبر لا عن سنة النبي صلى الله عليه وآله، ولأنه لا يلزم
من كون الجمعة في الأربعين أن لا يكون في غير الأربعين، ولأن النبي صلى الله عليه وآله جمع
في اثني عشر جمعة، وكذا جمع مصعب ابن عمير في زمن النبي صلى الله عليه وآله.
وحجة أبي حنيفة دالة على قولنا لأن الجماعة غير الإمام عنده فيكون غير
المؤذن فيكونون خمسة.
والسبعة رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (تجب الجمعة

1) سنن البيهقي ج 3 ص 177.
2) التاج الجامع للأصول ج 1 ص 274.
281

على سبعة ولا تجب على أقل منهم) (1) والأخرى رواية زرارة قال: (كان أبو جعفر
عليه السلام يقول: لا يكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط:
الإمام وأربعة) (2) ومثله روى ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تجمع
القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد وإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة) (3).
ونحن نرى العمل على الوجوب مع الخمسة لأنها أكثر ورودا " ونقله مطابقة
لدلالة القرآن، ولو قال: الأخبار بالخمسة لا تتضمن الوجوب وليس البحث في
الجواز بل في الوجوب، ورواية محمد بن مسلم تتضمن سقوط الوجوب عمن قل
عددهم عن سبعة فكانت أدل على موضع النزاع قلنا: ما ذكرته وإن كان ترجيحا " لكن
روايتنا دالة على الجواز ومع الجواز يجب لقوله تعالى (فاسعوا إلى ذكر الله) (4)
فلو عمل برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد، ولا
كذا مع العمل بالأخبار التي اخترناها، على أنه لا يمكن العمل برواية محمد بن
مسلم لأنه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطا " فسقط اعتبارها.
فرع
لو أحرم فنقص العدد المعتبر أتم جمعة لا ظهرا " وهو أحد أقوال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: إن كان بعد أن صلى ركعة أتمها جمعة وإن كان قبل ذلك أتمها ظهرا "،
لنا أن الصلاة انعقدت فوجب الإتمام لتحقق شرط الوجوب، واشتراط الاستدامة
منفي بالأصل.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 2 ح 9.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 2 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 2 ح 7 (إلا أنه رواها عن
منصور بن حازم).
4) سورة الجمعة: 9.
282

مسألة: الخطبتان شرط في انعقاد الجمعة وهو قول علمائنا أجمع، وقال
الحسن البصري: يجوز بغير خطبة، وقال أبو حنيفة: تجزي الخطبة الواحدة لما
روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كتب إلى مصعب بن عمير أن اجمع من قبلك وذكرهم بالله
وازدلف إليه بركعتين) وما روي (أن عثمان خطب في أول جمعة ولي فقال: الحمد
لله ثم ارتج عليه فقال: إنكم إلى إمام فقال: أحوج منكم إلى إمام قوال: وإن الإمام
أبا بكر وعمر كانا يريان وإن لهذا المقام مقالا وستأتيكم الخطب من بعد وأستغفر
الله العظيم لي ولكم وترك وصلى) وقال الشافعي: لا بد من خطبتين كما قلناه وعليه
أكثر أهل العلم.
لنا أن النبي صلى الله عليه وآله خطب خطبتين (1) امتثالا للأمر المطلق فيكون بيانا " وبيان
الواجب واجب، ولأن الخلفاء بعده على قاعدة واحدة في المواظبة على فعلهما
فيكون إجماعا ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه البزنطي في جامعه، عن داود بن الحصين،
عن أبي العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا جمعة إلا بخطبة وإنما جعلت ركعتين
لمكان الخطبتين) (2) وأما قول البصري فمطرح بالإجماع، وبفعل النبي صلى الله عليه وآله
والصحابة، وبما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليها السلام قال: (يصلون أربعا " إذا
لم يكن من يخطب) (3).
وحجة أبي حنيفة ضعيفة لأن فعل عثمان ليس بحجة في مقابلة فعل النبي صلى الله عليه وآله
والصحابة ولأنه يمكن أن يكون ذلك لتعذر الخطبة ولا يلزم من الرخصة مع التعذر
حصولها مع زواله.

1) سنن البيهقي ج 3 ص 198.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 6 ح 9.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 3 ح 1.
283

مسألة: قال الشيخ في المبسوط والخلاف: لا بد من اشتمال الخطبة على
حمد الله، والثناء عليه، والصلاة على النبي وآله، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة
من القرآن، وبه قال الشافعي، وقال علم الهدى في المصباح: يحمد الله، ويمجده
ويثني عليه، ويشهد لمحمد بالرسالة، ويرشح الخطبة بالقرآن، ثم يفتح الثانية
بالحمد والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، والدعاء لأئمة المسلمين.
وقال أبو حنيفة: يجزي ولو قال: الحمد لله والله أكبر، أو سبحان الله، أو لا إله إلا الله، وقال محمد بن الحسن: لا بد مما يقع عليه اسم الخطبة.
لنا أن ما ذكره أبو حنيفة لا يسمى خطبة ولو قال: الذكر اليسير يسمى
خطبة لما (أن رجلا قال: يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال: لئن قصرت
الخطبة فقد أطلت المسافة) قلنا: قد يسمى اللفظ اليسير خطبة على سبيل المبالغة
في وصفه كما يوصف البليغ بالخطيب وإن لم يخطب.
وأما عند إطلاق الخطبة فلا تعرف منه الكلمة الواحدة، والذي اعتمده ما
رواه سماعة قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: ينبغي للإمام الذي يخطب الناس أن يخطب
وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد وآله ويوصي بتقوى الله، ثم يقرأ
سورة قصيرة من القرآن، ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على
محمد وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فرغ أقام
المؤذنون وصلى بالناس ركعتين) (1).
مسألة: ويجب تقديمها على الصلاة ولما روى عبد الله بن سنان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يخطب في الفئ الأول فيقول جبرئيل
عليه السلام: يا محمد قد زالت الشمس فأنزل وصل) (2) وإنما جعلت الجمعة ركعتين من

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 25 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 8 ح 4.
284

أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام، ولما روى أبو مريم، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (سألته عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الصلاة أو بعد؟ قال: قبل الصلاة
ثم يصلي) (1).
مسألة: يجب أن يخطب قائما " إلا مع العذر وبه قال الشافعي: ولم يوجبه
أبو حنيفة.
لنا أن النبي صلى الله عليه وآله خطب قائما " فيجب متابعته بما عرف ويؤيد ذلك رواية
معاوية بن وهب قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: أول من خطب وهو جالس معاوية
استأذن الناس في ذلك من وجع كان في ركبتيه، ثم قال عليه السلام: الخطبة وهو قائم
خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصلا بين الخطبتين) (2).
مسألة: وهل الجلسة بين الخطبتين واجبة؟ فيه تردد، وجه الوجوب فعل
النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الجمع بعده، ولما روي عن أهل البيت عليهم السلام من طرق إحديهما
رواية معاوية بن وهب التي سلفت عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يخطب وهو قائم ثم
يجلس جلسة لا يتكلم فيها).
ووجه الاستحباب أنه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقق فيه معنى
الوجوب ولأن فعل النبي صلى الله عليه وآله كما يحتمل أن يكون تكليفا " يحتمل أنه للاستراحة
وليس فيه معنى التعبد، ولأنا لا نعلم الوجه الذي أوقعه عليه فلا يجب المتابعة
وتحقيقه في أصول الفقه.
مسألة: وليس من شرطها الطهارة وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم،
وقال الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف: من شرط الخطبة الطهارة، وبه قال
الشافعي في الجديد: ولا ريب أن الطهارة من الحديث الأكبر شرط لجواز دخول

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 15 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 16 ح 1.
285

المسجد فلا بد من اعتباره لا لأنه شرط في الخطبة، أما لو خطب محدثا " حدثا أصغرا
ولاقى المسجد ثم تطهر فصلى ففيه الوجهان.
لنا أنها ذكر الله تعالى فيكون مراده مطلقا " لقوله تعالى (اذكروا الله ذكرا "
كثيرا ") (1) ولأنها ليست صلاة ولا طواف فلا يشترط فيهما الطهارة عملا بالنافي
السليم عن المعارض.
احتج الشافعي بأنهما يقومان مقام ركعتين لما روي (أن عمر قال: إنما قصرت
الصلاة لمكان الخطبة) فيعتبر فيهما الطهارة. واحتج الشيخ بأن مع الطهارة يتيقن
صحتهما فكانت واجبة.
ويمكن أن يحتج بأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده كانوا يتطهرون أولا
فيجب المتابعة، وجواب ما ذكره الشافعي لا نسلم أنهما يقومان مقام ركعتين
غايته إن قصر الصلاة باعتبارهما ولا نسلم أنه يلزم من ذلك أن يكونا بدلا منهما بل
كما يحتمل البدلية يحتمل أن التخفيف لمكان التطويل فلا يكون بدلا بل سببا "، سلمنا
أنهما بدل ولكن لا نسلم أن حكم البدل حكم المبدل منه من كل وجه.
ثم من المعلوم أنه ليس حكمهما حكم الركعتين بدلالة سقوط اعتبار القبلة،
وعدم اشتراط طهارة الثوب، وعدم البطلان بكلام الخاطب في أثنائها، وعدم
الافتقار إلى التسليم فإذا " لا معنى لحجته.
وجواب ما ذكرناه الشيخ لا نسلم أن الاحتياط حجة فإن إيجاب ما ليس بواجب
إثم كما أن إسقاط الواجب إثم، ونحن فلا نعلم وجوب الطهارة فلو ألزمنا الخاطب
بها لألزمناه تكليفا ليس بمعلوم.
ثم نقول: متى يجب الاحتياط إذا لم يوجد دليل الإطلاق أم إذا وجد؟ وقد
وجد الأمر المطلق فسقط اعتبار الاحتياط، وما يقال من كون النبي صلى الله عليه وآله يتطهر أمام

1) سورة السجدة: 33.
286

الخطبة قلنا: مسلم لكن لا نسلم أنه لكونه شرطا " بل من الجائز أن يكون لاستهجان
الفصل بين الخطبة والصلاة بالطهارة، أو لأن الحال لا يتسمع أما مراعاة للحاضرين،
وأما لضيق الوقت، والمحافظة على تعجيل الفريضة، ثم إنا لا نعلم الوجه الذي كان
يوقع الطهارة عليه فلا يجب متابعة فيه، وتحقيق ذلك في أصول الفقه، أما استحباب
الطهارة قبل الخطبة فعليه الاتفاق.
مسألة: وفي وقت إيقاعها قولان أحدهما بعد الزوال، وبه قال ابن أبي عقيل
وأبو الصلاح: والآخر بجواز قبله عند وقوف الشمس وبه قال الشيخ (ره) في كتبه.
لنا على الجواز رواية أنس قال: (كذا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله الجمعة
إذا مالت الشمس) (1) وهو دليل جواز إيقاع الخطبة قبل ميلها، ومن أخبارنا ما رواه
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخطب في الظل
الأول) (2) وما روى ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وقت الجمعة عند الزوال
ووقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة) (3).
مسألة: قال في الخلاف: ومن شرطها العدد كما هو شرط في الصلاة فلو
خطب من دونه ثم أحرم مع العدد لم تصح، وبه قال الشافعي ولم يشترطه أبو حنيفة.
مسألة: يستحب أن يكون الخطيب بليغا " ليكون أبصر باختيار الألفاظ المحركة
مواظبا " على الصلوات ليكون عظاته وقع في القلوب، متعمما " مرتديا " لأنه أنسب
بالوقار، ومعتمدا " في حال الخطبة على شئ اتباعا " لفعل النبي صلى الله عليه وآله (فإنه كان يخطب
وفي يده قضيب) (4) وأن يسلم أولا ثم يجلس أمام الخطبة، ثم يقوم على مرتفع

1) سنن البيهقي ج 3 ص 190.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 8 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 8 ح 5.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 11 ح 9 (مع تفاوت).
287

فيخطب جاهرا "، أما التسليم فاستحبه علم الهدى في المصباح لكن قبل جلوسه، أما
السلام وهو جالس فقد أنكره الشيخ (ره) في الخلاف وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: يستحب أن يجلس ويسلم على الناس.
ولنا أن عمل الناس على خلاف ما ذكره الشافعي والمتابعة أولى، روى
ذلك عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على
قوس أو عصا، وليقعد بين الخطبتين) (1) وعمرو بن جميع رفعه عن علي عليه السلام قال:
(من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس) (2).
وعن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج إلى الجمعة
قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون ويقوم على مرتفع لتبلغ خطبته من بعد) (3)
وكذا المراد بالجهر وقال البزنطي، وعلم الهدى يقول: آخر كلامه أن الله يأمر بالعدل
والإحسان (4) إلى آخر الآية.
مسألة: لا تصح الجمعة للمنفرد ولو اجتمع العدد لأن من شرط صحتها
الجماعة، وعليه عمل المسلمين كافة ولأن تسميتها جمعة من الاجتماع فلا يتحقق من
دونه، كما رواه حريز، عن زرارة قال: (فرض الله من الجمعة إلى الجمعة خمسا "
وثلاثين صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة) (5).
مسألة: لا تنعقد جمعتان وبينهما أقل من ثلاثة أميال سواء كانتا في مصر واحد
أو مصرين فصل بينهما نهر عظيم كدجلة أو لم يفصل، وهو مذهب علمائنا، ولم يعتبر
غيرهم الأميال لكن اختلفوا، فقال الشافعي ومالك: لا تجمع في بلد واحد وإن عظم

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 6 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 28 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 28 ح 2.
4) سورة النحل: 90.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 1.
288

إلا في مسجد واحد، وأجاز أبو حنيفة في موضعين استحسانا " لأن (عليا " عليه السلام كان
يخرج إلى الحنانة في العيد ويستخلف من يصلي في المصر لضعفة الناس) وإذا
جاز في العيد جاز في الجمعة، وأجاز أبو يوسف في بلد ذي جانبين إذا لم يكن
بينهما جسر، لأن مع الجسر يعودان كالبلد الواحد.
لنا لو صحتا مع التقارب لصحت في مسجد ومع بعد المسافة يشق الإتيان
فلا بد من تقدير يرفع به المشقة والقدر الذي يمكن تكلفه لأكثر الناسخ فرسخ فكان
الاعتبار به ولا معنى لاعتبار البلد فقد يكون متباعد الأطراف ولو جاز عقد جمعتين
لجاز عقد ما زاد ولو لم يجز عقد جمعتين لوجب الاجتماع وإن تطاول البلد فراسخ
فيلزم المشقة فعلم أن ما قلناه أنسب برفع الحرب ولأن الجمعة تسقط عن المريض
لمشقة الحضور فمن زادت مسافته على الفرسخ أولى بالرخصة.
ويؤيد ما قلناه ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا يكون
بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال، وإذا كان بين الجماعتين من الجمعة ثلاثة أميال
فلا بأس أن يجمع بهؤلاء وهؤلاء) (1).
مسألة: البلوغ، وكمال العقل، والذكورية، والحرية، والحضر، والسلامة
من المرض شرط لوجوب الجمعة، وعليه إجماع العلماء، ولقول النبي صلى الله عليه وآله (من
كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا على امرأة، أو مسافر، أو عبد، أو
صبي، أو مريض) (2) ولما روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
الله عز وجل فرض في كل سبعة أيام خمسا " وثلاثين صلاة منها صلاة واجبة على كل
مسلم أن يشهدها إلا خمسة: المريض، والمملوك، والمسافر، والمرأة، والصبي) (3).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 7 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 184.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 14.
289

أما البلوغ وكمال العقل فشرط في الصلوات كلها بالإجماع، ولقوله عليه السلام
(رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق) (1) وقال بعض
الأصحاب: وتسقط عن الكبير والأعمى لأن المشقة تلحقها بتكليفهما فتسقط كما
تسقط عن المريض والمسافر.
ودل على ذلك ما رواه حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (فرض
الله الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد
والمرأة، والمريض، والأعمى) (2).
وشرط الشيخ (ره) في النهاية والمبسوط والجمل أن لا يكون أعرج، وقال
علم الهدى في المصباح: وقد روي أن العرج عذر ولم يذكره في جمل العلم ولا
المفيد في المقنعة، فإن كان يريد المقعد فهو أعذر من المريض والكبير لأنه ممنوع
من السعي فلا يتناوله الأمر بالسعي وإن لم يرده ذلك فهو في موضع المنع.
مسألة: قال ابن أبي عقيل: تجب الجمعة على من إذا صلى الغداة في أهله
أدرك الجمعة، وربما كان مستنده في ذلك ما رواه ابن أذينة، عن زرارة قال: (قال
أبو جعفر عليه السلام: الجمعة واجبة على من إذا صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة) (3).
وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: تسقط عمن كان على أكثر من فرسخين
وتجب على من كان على فرسخين فما دونهما، وكذا قال علم الهدى في المصباح
وبه قال الزهري، وقال مالك: يحضر من كان على ثلاثة أميال ولا يخص من كان
على أزيد.
وقال أبو حنيفة: لا تجب على من خرج عن المصر، وقال الشافعي: تجب

1) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 100 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 4 ح 1.
290

على من يبلغه النداء من البلد مع سكون الهواء والمؤذن الصيلت للمستمع الصحيح
السمع، ولا ريب بيننا أنها تسقط عمن زاد منزله عن فرسخين وإنما البحث في من
كان على فرسخين، ففيه روايتان:
إحديهما لا يجب، رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (فرض الله
الجمعة ووضعهما عن تسعة، الصغير، والكبير، والمجنون، والمسافر، والعبد،
والمرأة، والمريض، والأعمى، ومن كان على رأس فرسخين) (1).
والأخرى رواية محمد بن مسلم وحريز كل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الجمعة فقال: تجب على من كان منها على فرسخين فإن زاد فليس عليه شئ) (2)
وهذه الرواية أشهر وأكثر.
وروى زرارة، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (تجب الجمعة
على من كان منها على فرسخين) (3) وخبر ابن أبي عقيل على الاستحباب ولأنه يختلف
بحسب أحوال الناس فالتقدير بالفرسخين أنسب، قال علم الهدى (ره): وروي أن
من يخاف على نفسه ظلما "، أو ماله فهو معذور، وكذا من كان متشاغلا بجهاز ميت
أو تعليل والد أو من يجري مجراه من ذوي الحرمات الوكيدة ليسعه التأخير
والمحبوس، والممنوع عنها فلا شك في عذره.
روى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه السلام (قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس أن
يدع الجمعة في المطر) (4) والمشي إلى الجمعة أفضل من الركوب لقوله عليه السلام (إذا
سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار) (5) ويتحتم عند النداء ويستحب

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 4 ح 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 4 ح 5.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 23 ح 1.
5) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 383 (مع تفاوت).
291

من أول النهار خلافا " لمالك.
مسألة: لو حضر من سقط عنه وجبت عليه عدا الصبي، والمجنون، والمرأة،
واختلف الفقهاء في انعقادها بالعبد، والمسافر لو حضرا فقال الشيخ في الخلاف:
تنعقد بهما إذا تم العدد وبه قال أبو حنيفة، وقال في المبسوط: لا تنعقد بهما ولا
تجب، وبه قال الشافعي.
لنا ما دل على اعتبار العدد مطلق فيتناول العبد والمسافر بإطلاقه لأنهما ممن
يصح منهم الجمعة فينعقد بهما لعدم المانع.
احتج المانعون بأنهما ليسا من أهل فرض الجمعة فلا تنعقد بهما كالصبيان ولأن
الجمعة إنما تنعقد لهما تبعا " لغيرهما ولأن الجمعة لو انعقدت بهما لانعقدت بالعبيد
والمسافرين على الانفراد.
والجواب: قوله ليسا من أهل فرض الجمعة قلنا: مسلم لكن قبل حضورهما
أما مع حضورهما فلا نسلم وليس كذلك الصبيان لعدم الوجوب في حقهم على
التقديرين.
وقوله: لو انعقدت بهما لانعقدت منفردين قلنا: نلتزم فما المانع، وقال الشيخ
(ره) في التهذيب: وكل هؤلاء الذين سقطت عنهم الجمعة متى حضورها لزمهم
الدخول فيها وأن يصلوها كغيرهم ويلزمهم سماع الخطبة والصلاة ركعتين وإن لم
يحضروا لم يجب وكان عليهم الصلاة أربع ركعات ولم يستثن وإطلاقه يقتضي
دخول المرأة.
واحتج بما روى حفص بن غياث، عن بعض مواليهم (أن الله فرض الجمعة
على المؤمنين والمؤمنات ورخص للمرأة، والمسافر، والعبد أن لا يأتوها فإذا
حضروها سقطت الرخصة ويلزمهم الفرض الأول فقلت عمن هذا فقال: عن مولانا
292

أبي عبد الله عليه السلام) (1) وحفص بن غياث ضعيف، والمروي عنه مجهول، وما تضمنه
من وجوب الجمعة على المرأة مع حضورها ففيه تردد.
أما العبد، والمسافر فإذا قلنا بانعقادها بهما جاز أن يؤما لأنهما من أهل الجمعة
والمريض ومن سقطت عنه لعذر كالأعمى والأعرج ومن بعد فمع تكلف الحضور
يجب عليه لأن السقوط لمشقة السعي فمع تكليفه يجب لزوال المشقة، ولا تنعقد
بالكافر وإن وجبت عليه.
فروع
الأول: الأفضل للمسافر حضور الجمعة وكذا للعبد إن أذن مولاه ليخرج
من الخلاف، وإن منعه لم يستحب.
الثاني: الأفضل للمرأة أن لا تسعى إلى الجماعة لأنها ليست أهلا لحضور
مجامع الرجال ولو كانت منسية لقوله عليه السلام (بيوتهن خير لهن) (2) ولما روى أبو
همام، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (إذا صلت المرأة في المسجد مع الإمام ركعتي
الجمعة فقد نقضت صلاتها، لتصل في بيتها أربعا " أفضل) (3).
الثالث: إذا نوى المسافر إقامة تمنع القصر لا مستوطنا " لزمته الجمعة لقوله
عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة) (4) واستثنى الخمسة وليس
من نوى الإقامة أحدهم وهل تنعقد به الأشبه بالمذهب نعم لأن ما دل على اعتبار العدد
مطلق.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 18 ح 1.
2) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ح 567 ص 155.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 22 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 184.
293

الرابع: العبد المدبر والمكاتب كالقن، وكذا من تحرر بعضه أما لو هاباه
مولاه فهل يجب في الوقت المختص به قال في المبسوط: نعم والوجه لا عملا
باشتراط الحرية.
الخامس: قال في الخلاف: من سقطت عنه الجمعة لعذر جاز أن يصلي
ظهرا " في أول الوقت جماعة ومنفردا محافظة على الوقت.
السادس: إذا صلى المعذور ظهرا " ثم راح إلى الجمعة لم تبطل إلى الظهر،
وقال أبو حنيفة: تبطل. لنا أنه أدى فرضه مشروعا " فيكون مجزيا ".
أما اللواحق: فمسائل:
الأولى: إذا زالت الشمس وهو حاضر حرم السفر، ويكره بعد الفجر قبل
الزوال قاله الشيخ (ره) في المبسوط والنهاية، وبه قال الشافعي في القديم، وقال
أبو حنيفة: لا يحرم. لنا الفرض وجب والسفر يستلزم الإخلال بالواجب فيحرم
إلا مع العذر.
فرع
العذر ما يخاف معه على نفسه أو ماله من حرق أو سرق، أو غرق، وما شاكله
إذا أخل وقع ذلك بالتخلف، وكذا لو ضل له ولد، أو رقيق، أو حيوان وأمكن
تداركه مع الإخلاف.
الثانية: في الإصغاء إلى الخطبة قولان: أحدهما الوجوب قاله الشيخ (ره)
في النهاية، والثاني الاستحباب قاله في المبسوط وهو أشبه.
لنا أن الوجوب منفي بالأصل ولا معارض، ورووا (أن رجلا سأل النبي
صلى الله عليه وآله السقيا وهو يخطب وفي الجمعة الآتية سأله رفعها وسأله آخر عن الساعة فقال
له ما أعددت لها فقال حب الله ورسوله فقال إنك مع من أحببت).
294

واحتج المانع بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إذا قلت لصاحبك انصت
فقد لغوت) (1) (وسأل أبو الدرداء أبيا " عن سورة تبارك متى أنزلت والنبي صلى الله عليه وآله
يخطب فلم يجبه ثم قال له أبي ليس لك من صلاتك إلا ما لغوت فأخبر النبي صلى الله عليه وآله
فقال: صدق أبي) (2) وعن النبي صلى الله عليه وآله (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو
كمثل الحمار يحمل أسفارا ")
والجواب: لا نسلم أن وصفه بكونه لاغيا " يدل على التحريم وظاهر أنه لا
يدل لاحتمال أنه مناف للأدب ولأنه لو كان محرما " لأنكر عليه ولأمره بالاستغفار،
وكذا تشبيه بالحمار ليس بصريح في التحريم، وقال الشيخ: إذا أخذ الإمام بالخطبة
حرم الكلام، وبه قال علم الهدى في المصباح، وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي (إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصموت).
وقال في الخلاف: أيضا " يكره الكلام للخطيب وللسامع وليس بمحظور ولا
مفسد للصلاة وهو الأولى لأنه مقتضى الأصل ولا معارض، ولا بأس بالكلام بعد الخطبة
حتى يقام للصلاة وهو اتفاق علمائنا عملا بالأصل السليم عن المعارض، وما روى
محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي
لأحد أن يتكلم حتى يفرغ من خطبته فإذا فرغ تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة) (3)
وهذه اللفظة صريحة في الكراهية.
فرع
قال علم الهدى في المصباح: ويحرم أيضا " من الأفعال ما لا يجوز مثله في

1) سنن البيهقي ج 3 ص 219.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 219.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 4 ح 1.
295

الصلاة، ولا بأس أن يتكلم بعد فراغ الإمام من الخطبة إلى أن تقام الصلاة، ولعله
ظن ذلك لكونها بدلا من الركعتين الأخيرتين، لكنه ضعيف.
الثالثة: الأذان الثاني بدعة، وبعض أصحابنا يسميه الثالث، لأن النبي صلى الله عليه وآله
شرع للصلاة أذانا "، وإقامة فالزيادة ثالث على ترتيب الاتفاق، وسميناه ثانيا " لأنه يقع
عقيب الأذان الأول وما بعده يكون إقامة والتفاوت لفظي، فمن قال بدعة.
احتج برواية حفص بن غياث عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: (الأذان الثالث
يوم الجمعة بدعة) (1) لكن حفص المذكور ضعيف، وتكرير الأذان غير محرم،
لأنه ذكر يتضمن التعظيم للرب، لكن من حيث لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله ولم يأمر به كان
أحق بوصف الكراهية، وبه قال الشيخ في المبسوط، وقيل أول من فعل ذلك عثمان،
وقال عطا: أول من فعله معاوية، قال الشافعي: ما فعله النبي صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر
أحب إلي.
الرابعة: يحرم البيع بعد النداء، قال في الخلاف: إذا جلس على المنبر بعد
الأذان، ويكره بعد الزول قبل الأذان، وقال مالك وأحمد: إذا زالت الشمس حرم
البيع جلس الإمام أو لم يجلس.
لنا قوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع) (2) فينتفي النهي قبل النداء ولأن البيع محلل بالإطلاق، فينتفي في
موضع الإجماع فيبقى التحليل قبله، وأما الكراهية فللتخلص من الخلاف، ولو باع
هل ينعقد؟ فيه قولان قال في الخلاف: لا، وبه قال مالك وأحمد، لأنه منهي عنه
والنهي يقتضي فساد المنهي، وقال في المبسوط: الظاهر من المذهب أنه لا ينعقد
لأنه منهي عنه.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 49 ح 1.
2) سورة الجمعة: 9.
296

وفي أصحابنا من قال: ينعقد وإن كان محرما " ويملك به ما يملك بالعقد الصحيح
وهذا أشبه لأنه عقد وقع من أهله في محله فينعقد الملك ولا نسلم أن النهي يقتضي
الفساد، وتحقيق ذلك في الأصول.
فرعان
الأول: يخص التحريم بمن يجب عليه السعي لأن النهي لمن أمر بالسعي.
الثاني: هل يحرم غيره من العقود؟ الأشبه بالمذهب لا خلاف لطائفة من الجمهور،
لنا اختصاص النهي بالبيع فلا يعدي إلى غيره.
الخامسة: لو لم يكن إمام الأصل ظاهرا " سقط الوجوب ولم يسقط الاستحباب
وصليت جمعة إذا أمكن الاجتماع والخطبتان، وبه قال الشيخ في المبسوط، وأنكره
سلار بن عبد العزيز.
لنا ما رواه الفضل بن عبد الملك قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب جمعوا إذا كانوا
خمسة نفر وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين) (1) وعن زرارة قال: (حثنا أبو
عبد الله عليه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت: قعدوا عليك فقال:
لا إنما عنيت عندكم) (2) وعن عبد الملك، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (مثلك يهلك
ولم تصل فريضة فرضها الله قلت: كيف أصنع؟ قال: صلوا جماعة يعني صلاة
الجمعة) (3).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 2 ح 6.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 5 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 5 ح 2.
297

فرع
ليس من شرط الجمعة المصر وهو المشهور في المذهب، وفي رواية طلحة
ابن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: (لا جمعة إلا في مصر يقام فيه
الحدود) (1) وعن حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: (ليس على أهل
القرى جمعة ولا خروج في العيدين) (2) وطلحة بن زيد بتري، وحفص بن غياث
عامي فلا عمل على روايتهما.
فروع
الأول: قال الشيخ في المبسوط:
من ليس بمستوطن منزلا كالأكراد والبادية
ففي وجوب الجمعة عليهم تردد أشبهه الوجوب عملا بإطلاق الأوامر.
الثاني: قال: من كان بينه وبين الجمعة فرسخان وفيهم العدد المعتبر جمعوا
لنفوسهم وإلا وجب الحضور.
الثالث: قال: من زاد على فرسخين وفيهم العدد وجبت عليهم وإن لم يكن
صلوا ظهرا ".
السادسة: إذا حضر إمام الأصل لم يؤم غيره إلا مع العذر، وهو مذهب علمائنا
لأن الإمامة متوقفة على إذنه فلا يتقدم على منصبه، أما مع العذر فجائز يشترط إذنه،
ويؤيد ذلك رواية حماد بن عيسى، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: (إذا
قدم الخليفة مصرا " من الأمصار جمع بالناس وليس ذلك لأحد غيره) (3).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 3 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 3 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 20 ح 1.
298

السابعة: لو ركع مع الإمام في الأولى ومنعه زحام عن السجود لم يركع
مع الإمام في الثانية، فإذا سجد الإمام سجد ونوى بهما الأولى سلمت له ركعة ثم
يتم بركعة بعد تسليم الإمام وهذا متفق عليه، فإن لم ينو بالسجدتين الأولى قال الشيخ:
بطلت صلاته، وقال في المبسوط: يحذفهما ويسجد سجدتين ينوي بهما الأولى
وتكمل له ركعة ويتمها بأخرى، قال: وقد روي أنه تبطل صلاته وقال علم الهدى
(ره) في المصباح كقول الشيخ في المبسوط.
وجه الأول أنه زاد ركنا " هو السجدتان فتبطل صلاته كما لو زاد ركعة، ويؤيد
ذلك ما رواه زرارة، وبكير ابنا أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا استيقن الرجل
أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا استيقن يقينا ") (1)
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (2).
ووجه الثاني ما رواه حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أدرك
الجمعة وقد ازدحم الناس فدخل مع الإمام وركع الإمام ولم يقدر على السجود،
ثم قام وركع الإمام ولم يقدر على الركوع في الثانية، وقدر على السجود كيف
يصنع؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: أما الركعة الأولى فهي إلى الركوع تامة، فلما سجد
في الثانية فإن نوى الركعة الأولى فقد تمت الأولى فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعة
يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم، وإن لم ينو تلك السجدة للركعة الأولى لم تجز عنه
الأولى ولا الثانية، وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة الأولى وعليه بعد
ذلك ركعة تامة يسجد فيها) (3) وهذه الرواية ضعيفة السند فلا عبرة بها، فالأشبه
ما ذكره في النهاية والمبسوط.

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 19 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 19 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 17 ح 2.
299

فروع
الأول: لو زوحم عن السجود لم يسجد على ظهر غيره وصبر حتى يتمكن
من السجود ثم التحق، وبه قال مالك، وقال الشافعي: يسجد على ظهر غيره، وبه
قال أبو حنيفة وأحمد. لنا أنه سجود لا يجزي مع الإمكان والإمكان متحقق فلا يجزي
وقوله عليه السلام (مكن جبهتك من الأرض) (1).
الثاني لو زوحم عن الركوع والسجود صبر حتى يتمكن من الركوع
والسجود ثم يلتحق، وبه رواية عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام (2)
الثالث: لو زوحم عن الركعتين ولم يمكنه الالتحاق حتى سجد الإمام فالأشبه
بالمذهب إتمامها ظهرا ".
الكلام في سنن الجمعة:
مسألة: يستحب التنفل يوم الجمعة بعشرين ركعة زيادة عن كل يوم بأربع
ركعات، وهو مذهب علمائنا خلافا " للجمهور، واستحب أحمد ركعتين بعد الجمعة
وإن شاء أربعا " وإن شاء ستا "، واستحب أبو حنيفة أربعا " لما روى أبو هريرة، عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: (من كان منكم مصليا " بعد الجمعة فليصل بعدها أربعا ") (3).
ورووا استحباب أربع قبل الجمعة لرواية عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه
قال: (كنت ألقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا زالت الشمس قاموا فصلوا أربعا ")
وعن أبو عبيدة، عن عبد الله بن مسعود (أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا " وبعدها أربعا ").

1) الوسائل ج 4 أبواب أفعال الصلاة باب 1 ح 18.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 17 ح 12.
3) صحيح مسلم ج 2 كتاب الجمعة باب 18 ح 67 ص 600.
300

واختلف الرواية عن أهل البيت عليهم السلام في ترتيب نافلة الجمعة، فما ذكرناه
اختيار الشيخ رحمه الله تعالى في كتبه، وفي ذلك روايات: الأولى: رواية ابن
خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أما أنا إذا كان يوم الجمعة فكانت الشمس من
المشرق مقدارها من المغرب في وقت العصر صليت ست ركعات، فإذا انتفخ النهار
صليت ست ركعات، فإذا زاغت الشمس صليت ركعتين، ثم صليت الظهر بعدها
ثم صليت بعدها ستا ") (1) ومثل ذلك رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن
الرضا عليه السلام (2) ومثل ذلك روى يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح (3) وزاد فيه إذا
أردت أن تتطوع يوم الجمعة في غير سفر، وساق الحديث كالأول.
الثانية: اختيار شيخنا الطوسي رحمه الله في كتبه، قال في الاستبصار: الذي
أعمل فيه وأفتي به تقديم النوافل كلها يوم الجمعة قبل الزوال.
واستدل برواية علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن النافلة
التي تصلى يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال: قبل الصلاة) (4) وعن
سعيد بن سعد الأشعري، عن الرضا عليه السلام قال: (سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم
هي ركعة قبل الزوال؟ قال ست ركعات بكرة، وست بعد ذلك، وست بعد ذلك
ثماني، وركعتان بعد الزوال، وركعتان بعد العصر، فهذه اثنتان وعشرون ركعة) (5)
فهذه الرواية انفردت بزيادة ركعتين وهي نادرة.
الثالثة: رواية عقبة بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته أيما أفضل
أقدم الركعة يوم الجمعة أو أصليها بعد الفريضة؟ فقال: لا بل تصليها بعد الفريضة

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 11 ح 12.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 11 ح 13.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 11 ح 10.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 11 ح 3.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 11 ح 5.
301

أفضل) (1) ومثله روى سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام (2) وحمل الشيخ
رحمه الله هاتين الروايتين على ما إذا زالت الشمس ولم تصل النافلة فإنه يؤخرها
ولا بأس بتأويله (ره).
مسألة: يستحب حلق الرأس، وقص الأظفار، وأخذ الشارب والتطيب،
ولبس أفضل ثيابه، والسعي على سكينة، ووقار لأنه يوم اجتماع بالناس فيجتنب
ما ينفروه لقول النبي صلى الله عليه وآله (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر،
ويدهن من دهن، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي
ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له) (3).
ورووا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من اغتسل يوم الجمعة واستن
[واستاك]، ومس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ولم يتخط رقاب
الناس، وأنصت إذا خرج الإمام، ثم ركع ما شاء الله أن يركع كان كفارة بينها وبين
الجمعة) (4).
وروى هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله قال: (ليتزين أحدكم يوم الجمعة
ويتطيب ويسرح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيأ للجمعة، وليكون عليه في
ذلك اليوم السكينة والوقار) (5).
وعن محمد بن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته
يقول من أخذ من شاربه، وقلم من أظفاره يوم الجمعة، ثم قال: بسم الله وعلى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 13 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 13 ح 1.
3) مستدرك الوسائل ج 1 كتاب الجمعة باب 30 ص 414.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 243.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 47 ح 2.
302

سنة محمد وآل محمد كتب الله له بكل شعرة، ولكل قلامة عتق رقبة، ولم يمرض
إلا مرض الموت) (1).
وإن يحلق رأسه غسله بالخطمي، روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (من أخذ مشاربه، وقلم أظفاره، وغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة،
كان كمن أعتق رقبة) (2) وروى عبد الله بن هلال قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: قال:
خذ من أظفارك، وشاربك كل جمعة فإن لم يكن فيها شئ فزكها فلا يصيبك جذام،
ولا برص، ولا جنون) (3) وروى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله
عز وجل (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (4) قال: (في العيدين والجمعة) (5)
ويستحب مباكرة المسجد خلافا " لمالك فإنه أنكر استحباب السعي قبل النداء.
لنا روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا كان يوم الجمعة وقف على كل باب من أبواب
المساجد ملائكة يكتبون الأول فالأول) (6).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام:
إن الجنان لتزخرف، وتزين يوم الجمعة لمن أتاها، وأنكم تتسابقون إلى الجنة
على قدر سبقكم إلى الجمعة، وأن أبواب الجنة لتفتح لصعود أعمال العباد) (7).
ويستحب الدعاء أمام التوجه، وروى أبو بصير، عن أحدهما قال: (إن العبد
المؤمن يسأل الله الحاجة فيؤخر الله عزو جل قضاها التي سئل إلى يوم الجمعة) (8).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 35 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 32 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 33 ح 11.
4) سورة الأعراف: 31.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 47 ح 1.
6) صحيح مسلم ج 2 كتاب الجمعة ح 25 ص 587.
7) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 42 ح 1.
8) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 41 ح 1.
303

وروى مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ادع في
العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء اللهم من تهيأ، وتعبأ، وأعد
واستعد إلى آخر الدعاء) (1).
ويكره لمن أتى الجمعة أن يتخط الناس وبه قال الشافعي، وقال مالك: إن لم
يكن ظهر الإمام لم يكره، وكذا إن كان له موضع عادية الجلوس فيه، لنا أنه أذى
فيجتنب ولما روى عبد الله بن ميسر قال: (أتى رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
والنبي يخطب، فقال له: اجلس فقد آذيت الناس) (2).
مسألة: يستحب الجهر جمعة، وظهرا " أما إذا صليت جمعة فالجهر فيها مستحب
لا يختلف فيه أهل العلم، وأما إذا صليت ظهرا " ففيه تردد، قال في الخلاف: من
صلى الظهر منفردا " يوم الجمعة أو المسافر يستحب له الجهر، وقال علم الهدى رحمه
الله تعالى في المصباح: وروي أن الجهر إنما يلزم من صلاها مقصورة بخطبته أو
صلاها ظهرا " في جماعة يدل على ما ذكره الشيخ (ره) ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام (سألته عن القراءة يوم الجمعة إذا صليت وحدي أربعا " أجهر بالقراءة؟ قال:
نعم) (3).
ويدل على ما رواه علم الهدى (ره) ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (صلوا في السفر جمعة جماعة بغير الخطبة، واجهروا بالقراءة) (4)
ومن الأصحاب من منع الجهر إلا في الجمعة خاصة روى ذلك جميل قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال: (يصنعون كما يصنعون في

1) بحار الأنوار ج 86 كتاب الصلاة ص 329.
2) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ح 1118 ص 292.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 73 ح 3.
4) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 73 ح 6.
304

غير يوم الجمعة في الظهر، ولا يجهر الإمام إنما يجهر إذا كانت خطبة يوم الجمعة) (1)
وروى محمد بن مسلم قال: (سألته عن صلاة الجمعة في السفر قال: يصنعون
كما يصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنما يجهر إذا كانت خطبة) (2)
وتأولهما الشيخ (ره) في الاستبصار تأويلا ضعيفا "، واستدل على التأويل بما لا حجة
فيه، وعندي هاتان الروايتان أولى، وأشبه بالمذهب.
ولو اختلت شرائط الجمعة فصلاة الظهر في جامع البلد أفضل أولا لما ثبت
من فضل الصلاة في المسجد الجامع على غيره من المساجد، وثانيا " رواه محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر قال: (من ترك الجمعة ثلاثا " متواليا " طبع الله على قلبه) (3)
روى جابر قال: (كان أبو جعفر يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس
قدر رمح، فإذا كان شهر رمضان يكون قبل ذلك).
وينبغي أن يقدم المصلي ظهره على صلاة الإمام إذا كان ممن لا يقتدى به،
وإن صلى معه ركعتين ينوي بهما الظهر، فإذا سلم الإمام أتم كان جائزا "، أما فضيلة
التقديم فلا يستقبل بالإتيان بصلاته على الوجه التام، وأما جواز الاتباع والإتمام،
فلما رواه حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في كتاب علي عليه السلام إذا صلوا الجمعة
في وقت فصلوا معهم، ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين آخرتين قلت:
فأكون قد صليت أربعا " لنفسي لم أقتد به قال: نعم) (4).
وإن صلى في منزله ثم صلى معهم جاز لما روى أبو بكر الحضرمي قال: (قلت
لأبي جعفر عليه السلام: كيف تصنع يوم الجمعة؟ قال: كيف تصنع أنت؟ قلت: أصلي في

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 73 ح 8.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 73 ح 9.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 1 ح 15.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 29 ح 1.
305

منزلي، ثم أخرج فأصلي معهم، قال: كذلك أصنع أنا) (1).
مسألة: عدالة الإمام شرط فلو أم الفاسق لم ينعقد، وأعيدت ظهرا " وكذا
أرباب الأهواء، والبدع، وهو مذهب علمائنا أجمع، وخالف الباقون، وعن أحمد
روايتان، إحداهما وجوب الإتمام، وكذا في الإعادة روايتان.
لنا أن أمر الايتمام بالفاسق ركون إلى الظالم نفسه فيكون حراما " لقوله تعالى
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (2) ويلزم من النهي فساد الصلاة،
وما رووه عن جابر قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا تؤمن امرأة رجلا،
ولا فاجر مؤمنا " إلا أن يقهره بسلطان، أو يخاف سيفه أو سوطه) (3).
ومن طريق الأصحاب ما رواه سعيد بن إسماعيل، عن أبيه، عن الرضا قال:
(قلت: رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال: لا) (4)
وروى عبد الله بن عذافر، عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن إمام لا بأس به إلا أنه يسمع
أبويه الكلام الغليظ الذي يغضبهما أقرء خلفه قال: لا تقرأ خلفه إلا أن يكون عاقا
قاطعا) (4) وعن أبي عبد الله البرقي قال: (كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أتجوز الصلاة
خلف من وقف على أبيك وجدك، فأجاب لا تصل وراءه) (5).
واحتج الجمهور: بقوله عليه السلام (صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله) وبقوله
(فاسعوا إلى ذكر الله) (6) وهو يعلم أن من الولاة الفسقة، ولأن الحسن والحسين
عليهما السلام كانا يصليان مع مروان، والجواب يحتمل الخبر إذا لم يعرف منه فسق وأظهر

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 29 ح 3.
2) سورة هود: 113.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الإقامة باب 78 ص 343.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 11 ح 10.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 10 ح 5.
6) سورة الجمعة: 9.
306

كلمة الإسلام فإن خبرنا خاص وهو مقدم على العام، والآية دالة على السعي، ولا تدل
على حال الإمام، وصلاة الحسن والحسين عليهما السلام حكاية حال فلعل ذلك لقهرهما
بسلطانه، كما تضمنه خبر جابر، ويمكن أن يكون بعد صلاتهما في منازلهما.
يشهد لهذا الاحتمال ما رووه عن أبي ذر (ره) قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله
كيف أنت صانع إذا كان عليك امرأ يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قلت: فما تأمرني
قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم قضاءا فإنها لك نافلة) (1).
فروع
الأول: لو كان السلطان جايرا ثم نصب عدلا استحب الاجتماع وانعقدت
جمعة، وأطبق الجمهور على الوجوب. لنا: ما بينا أن الإمام العادل، أو من نصبه
شرط الوجوب، والتقدير عدم ذلك الشرط، أما الاستحباب فلما بيناه من الإذن
مع عدمه.
الثاني: لو خفى فسقه ثم بان بعد الصلاة صحت الجمعة، ولم يعد لأنها صلاة
مأمور بها فتكون مجزية.
الثالث: لو شك في إسلامه لم تنعقد الجمعة، وقال بعض الجمهور: تصح لأن
الظاهر أنه لا يتقدم للإمامة إلا مسلم، ولنا: أن ظهور العدالة شرط فلا تصح مع الشرك
الرابع: الاختلاف في مسائل الفقه مع اعتقاد الحق لا يمنع الإمامة لأن الموالاة
بين المسلمين ثابتة مع الاختلاف في الفروع، وتعديل بعضهم بعضا " وهو إجماع،
فلا يكون قادحا " في العدالة.
الخامس: إذا اعتقد المجتهد شيئا " من الفروع، ثم خالفه قدح في عدالته،
وكذا المقلد إذا أفتاه العالم، أما لو عدل من عالم إلى آخر مع تساويهما في العلم،

1) سنن أبي داود ج 1 كتاب الصلاة ح 431 ص 117.
307

والعدالة لم يقدح في عدالته، ولا تنعقد الجمعة بإمامة من لم يبلغ، وإن صح منه
التطوع، وللشافعي قولان، لنا: أن الجماعة شرط الجمعة، وسنبين أنه لا تنعقد
به جماعة.
ومنها صلاة العيدين: صلاة العيدين فريضة على الأعيان مع شرائط الجمعة،
وهو مذهب علمائنا أجمع، وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما: أنها واجبة، وليست
فرضا " لأن الخطبة مشروعة لها فكانت كالجمعة، وقال أحمد: فرضها على الكفاية
لأن الأذان لم يشرع لها فكانت كصلاة الجنازة، وقال أكثر أصحاب الشافعي، ومالك:
هي سنة لخبر الأعرابي (1)، ولأنها صلاة لم يشرع لها الأذان، فكانت كصلاة
الاستسقاء.
لنا: قوله تعالى (فصل لربك وانحر) (2) وقال أكثر المفسرين: المراد
صلاة العيد وظاهر الأمر الوجوب ولأن النبي صلى الله عليه وآله فعلهما مواظبا " فتجب لقوله صلى الله عليه وآله
(صلوا كما رأيتموني أصلي) (3).
ومن طريق الأصحاب رواية جميل وأسامة وغيرهما (عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: صلاة العيد فريضة) (4) وحجة مالك ضعيفة لأن الأعرابي غير مستوطن والاستيطان
شرط وجوبها لأن الأعرابي سئل عن نفسه ويمكن أن يختص بحال تسقط عنه صلاة
العيد فلا تسقط في حق غيره، وقياسهم على الاستسقاء باطل لأنا نطالب بالجامع،
ثم ينقض عليهم بصلاة الجنازة والصلاة المنذورة.
وحجة أحمد ضعيفة أيضا لأنا نطالب بعلية الجامع، والظاهر أنه لا يصلح

1) وقد تقدم.
2) سورة الكوثر: 2.
3) صحيح البخاري ج 1 باب بدء الأذان ص 163.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 1 ح 4.
308

للعلية لأنه وصف سلبي والاشتراك في المسلوب لا يقتضي الاشتراك في الأحكام، ثم
ينقض ذلك بالصلاة المنذورة، وإذا تحقق الوجوب فالأصل في الواجب تعلقه
بالأعيان.
وأما رواية زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة العيدين مع الإمام
سنة) (1) فقد حملها الشيخ في التهذيب على أن فرضها علم بالسنة وهو حسن لأن
الواجب قد تطلق عليه السنة من حيث واظب عليه.
مسألة: ويشترط في وجوبها شروط الجمعة، لأن النبي صلى الله عليه وآله صلاها مع
شرائط الجمعة فيقف الوجوب على صورة فعله، ولأن كل من قال بوجوبها على
الأعيان اشترط ذلك، وقد بينا الوجوب فيجب الاشتراط لعدم الفارق، ووجود
الإمام العادل وإذنه شرط الوجوب والبحث فيه كما في الجمعة وقد سلف.
ويؤكد ذلك رواية زرارة، عن أحدهما عليه السلام قال: (إنما صلاة العيدين على
المقيم ولا صلاة إلا مع إمام) (2) ومعمر بن يحيى، عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام
قال: (لا صلاة يوم الفطر ولا الأضحى إلا مع إمام) (3).
فرع
من امتنع من إقامتها مع الشرائط قهر ولو امتنع قوم قوتلوا لإقامتها.
مسألة: وتستحب مع عدم الشرائط وبعضها جماعة وفرادى في السفر والحضر
ويصلي كما تصلي في الجماعة، وبه قال الشافعي، وقال في المبسوط: وإن شاء أن
يصليها أربع ركعات جاز، ومنع أبو حنيفة إلا في الجماعة وعن أحمد روايتان.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 1 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 2 ح 7.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 2 ح 11.
309

لنا أنها عبادة فات شرط وجوبها فتكون مستحبة لاشتمالها على تعظيم الله
سبحانه والثناء عليه كالحج، ويدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من لم يشهد الجماعة في العيدين فليغتسل وليتطيب بما
وجد وليصل وحده كما يصلي في الجماعة) (1).
مسألة: ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال، وبه قال الشافعي، وقال
الشيخ في المبسوط: إذا طلعت وانبسطت، وقال ابن أبي عقيل: بعد طلوع الشمس
لرواية سماعة قال: (سألته عن الغدو إلى المصلى في الفطر والأضحى فقال: بعد
طلوع الشمس) (2) وقال أحمد: حين ترتفع قدر رمح لأن ما قبل ذلك تكره فيه
الصلاة، لرواية عقبة بن عامر (كان رسول الله صلى الله عليه وآله ينهانا عن ثلاثة أوقاف أن نصلي
فيهن وأن نقبر موتانا) (3) ولأن النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الخلفاء لم يصلها حتى
ارتفعت الشمس.
لنا أن الصلاة مضافة إلى اليوم فتجب بأوله كصلوات الأوقات، وما روى
زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس في الفطر ولا الأضحى أذان ولا إقامة أذانهما
طلوع الشمس فإذا طلعت خرجوا) (4).
وما احتج به الشيخ رحمه الله رواية سماعة وهو واقفي وروايته مرسلة، وما
احتج به أحمد ضعيف لأنه منع من تعظيم الله بخبر واحد ولا يترك العمومات المعلومة
بخبر الواحد، مع أنه معارض بما روي عن الأئمة عليهم السلام (ما أرغم الشيطان بشئ
خير من الصلاة) (5) ولأنه عندنا فرض ولا يترك الفرض في الأوقات المشار إليها

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 3 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 29 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 454.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 29 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 38 ح 8.
310

لكن يستحب تأخيرها حتى ترتفع الشمس، أما للتفصي من الخلاف، وأما لما ورد
من كونهما بعد طلوع الشمس، وأما فعل النبي صلى الله عليه وآله فربما كان التأني ليتوفر الناس
وكذا الصحابة.
مسألة: لو فاتت عمدا " أو نسيانا " فرضا " أو نفلا لم تقض، وقال الشيخ رحمه
الله: إن شاء صلى أربعا " وإن شاء اثنتين من غير أن يقصد القضاء، وقال أحمد:
يقضيها أربعا " بتسليمة وإن شاء بتسليمتين.
لنا أن القضاء تكليف مستأنف فيقف على الدلالة ولا دليل فيكون منفيا "
بالأصل السليم عن المعارض، ويؤيد ذلك ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه) (1) فإن احتج الشيخ
(ره) بما رواه أبو البختري، عن جعفر عليه السلام قال: (من فاتته صلاة العيد فليصل
أربعا ") (2) فجوابه الطعن في السند فإن أبا البختري كان ضعيفا " فلا عمل على روايته.
مسألة: وهي ركعتان يكبر في الأولى خمسا " وفي الثانية أربعا " عدا تكبيرة
الافتتاح وتكبيرتي الركوعين فيكون الزائد تسعا "، وهو مذهب أكثر الأصحاب،
وقال ابن أبي عقيل وابن بابويه: سبع عدا تكبيرة الافتتاح، وقال المفيد (ره):
يقوم إلى الثانية بالتكبير وعده من تكبيرات الثانية، وقال الشافعي: اثنتا عشرة تكبيرة
فيها سبع في الأولى وخمس في الثانية عدا تكبير الافتتاح والركوعين، لما روي
عن عايشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر في العيدين اثنتا عشرة تكبيرة سوى
الافتتاح وتكبير الدخول في الركوع).
وقال أحمد: في الأولى سبع عدا تكبير الركوع وفي الثانية خمس كذلك
لما روي عن عايشة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كبر في الأضحى وفي الفطر سبعا " وخمسا "

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 2 ح 3.
2) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب صلاة العيد باب 3 ص 428.
311

سوى تكبير الركوع) (1) وقال أبو حنيفة: الزايد ثلاث في كل ركعة لما روى أبو
موسى عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه كان يكبر في الأضحى والفطر أربع تكبيرة على
الجنازة) (2).
لنا ما رووه عن عبد الله بن عمر قال: (قال نبي الله: التكبير في العيد سبع
في الأولى وخمس في الأخير) (3) وظاهره أن ذلك كل التكبير وعن البراء بن
عازب قال: (كبر رسول الله صلى الله عليه وآله في العيد تسعا " خمسا " في الأولى وأربعا " في
الثانية).
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التكبير
في الفطر والأضحى اثنتا عشرة تكبيرة يكبر في الأولى واحدة ثم يقرأ ثم يكبر
بعد القراءة خمس تكبيرات، والسابعة يركع بها، ثم يقرأ في الثانية ويكبر أربعا "
والخامسة يركع بها) (4) ومثله روى يعقوب بن يقطين (5) عن العبد الصالح.
وحجة الشافعي ضعيفة لانفراد عايشة بها في واقعة مشهورة ثم يعارضها ما احتج
به أحمد وهو دليل عدم ضبطها لذلك، ورواية أبي موسى قد ضعفها الخطائي وذكر
أن الراوي عن أبي موسى مجهول، ثم إن التحقيق: أن التكبير مستحب فجايز أن
يقتصر على ما شاء منه ويؤيد ذلك ما رواه الأصحاب، عن الرضا عليه السلام قال: (يزيد في
الركعتين ستا " وإن شاء ثلاثا " وخمسا " وإن شاء خمسا " وسبعا ") قال الشيخ (ره) في التهذيب:
وهذا يدل على أن الإخلال بها لا يضر.
مسألة: وموضع التكبيرات الزائدة بعد القراءة في الركعتين على الأشهر،

1) سنن ابن ماجة 1 كتاب إقامة الصلاة باب 156 ص 407.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 290.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 285 (إلا أنه رواها عن عبد الله عمر وبن العاص).
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 7.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 8.
312

وقال الشافعي وأحمد: قبل القراءة فيهما، وقال أبو حنيفة: في الأول قبل القراءة
وفي الثانية بعد القراءة، لما روي عن أبي موسى (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يوالي بين
القرائتين) وبه رواية أهل البيت عليهم السلام من طرق.
لنا أن موضع القنوت في الصلاة بعد القراءة، فيكون هنا كذلك لأن أول
أذكار الصلاة القراءة، ويؤيده ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان تفتح، ثم تقرأ، ثم تكبر خمس تكبيرات
ثم تكبر وتركع بالسابعة، ثم تقوم فتقرأ، ثم تكبر أربع تكبيرات، قال: وكذا
صنع رسول الله صلى الله عليه وآله) (1) وكذا روى أبو بصير (1)، ومحمد بن مسلم (1)، وإسماعيل
الجعفي (1)، عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإنما قلنا: على الأشهر لروايات أخر منها، رواية هشام بن الحكم، عن أبي
عبد الله عليه السلام في صلاة العيدين قال: (يصلي بالقراءة) (2) ومثله رواية عبد الله
الحلبي (2).
قال الشيخ (ره) في التهذيب: هذه تحمل على التقية وليس هذا التأويل
بحسن فإن ابن بابويه ذكر ذلك في كتاب بعد أن ذكر في خطبته أنه لا يودعه إلا ما هو
حجة له واختاره ابن الجنيد (ره) منا، لكن الأولى أن يقال فيه روايتان أشهرها بين
الأصحاب ما اختاره رحمه الله تعالى.
مسألة: ويقنت مع كل تكبير بما يشاء والأفضل ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام
أما الجواز فعليه اتفاق علمائنا، وقال الشافعي: يقف بين التكبيرتين قدر آية لا طويلة
ولا قصيرة فيقول: لا إله إلا الله والحمد لله، وقال مالك: يقف قدر ذلك ساكتا "، وقال
أبو حنيفة: يوالي بين التكبيرات.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 2 و 7 و 11.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 16.
313

لنا ما رووه عن ابن مسعود (أنه كان يكبر ويهلل ويصلي على النبي
صلى الله عليه وآله) (1) وما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الكلام الذي
يتكلم به بين التكبيرتين في العيدين فقال: ما شئت من الكلام الحسن) (2) وأما
استحباب الإتيان بما نقل عن أهل البيت عليهم السلام فلأنهم أبصر بما يناجي به الرب.
وأفضل ما نقلناه عنهم ما رواه جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان أمير
المؤمنين عليه السلام إذا كبر في العيدين قال بين كل تكبيرتين أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا " عبده ورسوله اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل
الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك في هذا اليوم
الذي جعلته للمسلمين عيدا " ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا " وكرامة وشرفا " ومزيدا " أن تصلي
على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت على عبد من عبادك وصل على
ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات اللهم إني أسألك خير ما سألك به
عبادك المرسلون وأعوذ بك بما استعاذ منه عبادك المرسلون) (3) ومثله روى محمد
ابن عيسى بن أبي منصور (4) عن الصادق عليه السلام، لكن لم يذكر الشهادتين. مسألة: التكبيرات الزائدة في القنوت بينهما مستحب، قال الشيخ (ره) في
التهذيب من أخل بالتكبيرات لم يكن مأثوما " لكن يكون تاركا " فضلا، وقال في
الخلاف: يستحب أن يدعو بين التكبيرات بما يسبح له، وأيد ذلك رواية محمد
ابن مسلم التي سلفت.
مسألة: رفع اليدين مع كل تكبيرة سنة، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال

1) سنن البيهقي ج 3 ص 292.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 26 ح 1.
3) التهذيب ج 3 في صلاة العيدين ح 47 ص 140.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 26 ح 2.
314

مالك: يرفع في الأولى.
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن وذكر
من جملتها تكبيرات العيد) وعن عمر (أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة) (1). ومن
طريق الأصحاب ما رواه يونس قال: (سألته عليه السلام عن تكبير العيدين قال: يرفع يديه
مع كل تكبيرة) (2).
فرع
إذا نسي التكبيرات أو بعضها حتى ركع مضى في صلاته ولا قضاء، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يأتي بها راكعا " وقال الشيخ (ره): يقضيها بعد الصلاة.
لنا أنه ذكر تجاوز محله فيسقط بالنافي السليم عن المعارض، وإن ذكر
قبل الانحناء أتى بها لبقاء محلها " ولو قلنا: بتقديم التكبير لم يأت بها لفوات محلها
ولو شك وهو قائم بنى على اليقين، ولو قدمها قبل القراءة ناسيا " أعاد على الرواية
الأخرى لأن موضعها باق.
قال الشيخ (ره) في المبسوط: لو أدرك بعض التكبيرات مع الإمام أتم مع
نفسه ولو خاف فوت الركوع أتي بها بغير قنوت وإن خاف القنوت تركها وقضى
بعد التسليم وفي قوله هذا تردد، ولو ترك التكبير عامدا " قال ابن الجنيد (ره) منا: أعاد
الصلاة ولا بأس به إن قصد الاستحباب وإلا فلا، قال أيضا " والزيادة فيه كالنقصان،
وسنن هذه الصلاة تشمل مسائل:
مسألة: التطيب ولبس أحسن الثياب والعمامة شاتيا وقايظا، وعلى ذلك
اتفاق العلماء ورووا عن عايشة قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما على أحدكم أن يكون

1) سنن البيهقي ج 3 ص 293.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 30 ح 1.
315

له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته وعيده) (1) وروى الأصحاب، عن أبي عبد الله عليه السلام
في قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (2) قال: (العيدان والجمعة) (3) وروى
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجهر الإمام بالقراءة ويعتم قايضا وشاتيا وقال: إن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك). (4)
مسألة: ويستحب الإصحار بها إلا بمكة، وقال الشافعي: إن كان المسجد ضيقا
فالمصلى أفضل، وإن كان واسعا " فالمسجد أفضل لأن المسجد موضع العبادة
لنا فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة.
ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(يخرج الإمام إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج
إلى البقيع فيصلي بالناس) (5) وروى محمد بن يحيى رفعه، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل مكة
فإنهم يصلون في المسجد) (6) ولما رواه الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أتي
بخمرة يوم الفطر فأمر بردها، وقال: هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب أن ينظر إلى
آفاق السماء ويضع جبهته على الأرض) (7).
مسألة: ولا أذان في صلاة العيدين بل يقول المؤذن: الصلاة ثلاثا " وقال ابن
أبي عقيل منا يقول: الصلاة جامعة، وكذا قال الشافعي، وقال أكثر الجمهور:

1) سنن البيهقي ج 3 ص 242 (مع تفاوت يسير).
2) سورة الأعراف: 31.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة باب 47 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 11 ح 3
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 17 ح 6.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 17 ح 8.
7) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 17 ح 5.
316

لا ينادي بشئ لأن جابرا " قال: (لا أذان يوم الفطر، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شئ) (1)
ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله فلا يسن.
لنا أن التنبيه على الصلاة حسن لأنه قد يخفى اشتغال الإمام بالصلاة، وإنما
اخترنا التنبيه بما قلنا: لما روى إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (صلاة
العيدين فيها أذان وإقامة؟ قال: لا ولكن ينادي: الصلاة ثلاث مرات) (2).
والجواب عن رواية جابر أنها موقوفة عليه فلا حجة فيها، وقولهم ولم ينقل
عن النبي صلى الله عليه وآله قلنا: فلا يكون واجبا " أما يكون حسنا " لما فيه من الفائدة التي أشرنا
إليها.
مسألة: ويخرج الإمام ماشيا " حافيا " على سكينة ووقار لما روي (أن النبي
صلى الله عليه وآله لم يركب في عيد ولا جنازة) (3) وعن علي عليه السلام قال: (من السنة أن يأتي
العيد ماشيا " ويرجع ماشيا ") وأما كونه حافيا " فلا ريب أنه أبلغ في الخضوع لله، وقد
روي أن الرضا عليه السلام فعل ذلك (4)، ورووا أن بعض الصحابة كان يمشي إلى الجمعة
حافيا " وقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما
الله على النار) (5) وأما السكينة والوقار فمستحب على كل التقديرات وأحوال
العبادات.
مسألة: يستحب أن يطعم في الفطر قبل خروجه شيئا " من الحلاوة، وفي
الأضحى بعد عوده مما يضحي به، وهو قول أكثر العلماء، وقال أحمد: إن كان
له ذبح آخر وإلا فلا يبالي أن يطعم قبل خروجه.

1) صحيح مسلم كتاب صلاة العيدين ح 5 ص 604.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 7 ح 1.
3) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب صلاة العيد باب 15 ص 430.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 19 ح 1.
5) مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 479.
317

لنا ما روى بريدة قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر
ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) ولأن يوم الفطر يجب الإفطار فيه فيستحب
المبادرة إليها، وفي الأضحى مأمور بالصلاة لا غير فيستحب المبادرة إليها.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه جراح المدايني، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (أطعم يوم الفطر قبل أن تصلي ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام) (1)
وظاهره إطلاق الكراهية والأكل من الأضحية مستحب فكان الأكل بعد عوده لأن
الصلاة قبل التضحية، وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تأكل يوم الأضحى
إلا من أضحيتك، إن قويت وإن لم تقو فمعذور) (2).
مسألة: العدد شرط في العيدين كالجمعة، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:
لا يشترط وقال ابن أبي عقيل منا: يعتبر في الجمعة خمس وفي العيدين سبع وفرقه
متروك بالإجماع، لنا كل من أوجب العيدين شرط العدد وقد بينا الوجوب.
مسألة: ويسقط العيدان عن المرأة، والمسافر، والعبد وجوبا " لا استحبابا "،
لنا ما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله لم يصل العيد بمنى لكونه مسافرا ") ولما روي (من
أنها لا تقام إلا في مصر) والبحث فيه كالجمعة، أما النساء فلا شبهة عندي في أنه
لا يستحب في حق ذوات الهيئة، ويستحب لمن عداهن، لقول أبي عبد الله عليه السلام
(لا يخرجن وليس على النساء خروج أقلوا لهن الهيئة حتى لا يسألونكم الخروج) (3)
وروى عبد الله بن سنان قال: (إنما رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للعواتق في الخروج في
العيدين للتعرض في الرزق) (4) وما روي عن أم عطية قالت: (كنا نؤمر أن نخرج يوم

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 12 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 12 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 28 ح 2.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 28 ح 1.
318

العيد حتى تخرج البكر والحيض يرجون بركة ذلك اليوم) (1) فلعله إشارة لما ذكرناه
مسألة: وتجزي قراءة سورة مع الحمد في كل ركعة، وهذا وفاق، واختلف
في الفضل فالأكثر منا على أن الأفضل في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالشمس،
وقال الشيخ رحمه الله تعالى: في الأولى بالشمس وفي الثانية بالغاشية، وقال أحمد:
في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالغاشية، وبه قال ابن أبي عقيل منا.
وقال الشافعي: بقاف في الأول واقتربت في الثانية، وقال أبو حنيفة: لا توقيت
وما ذكرناه ذكره في النهاية رواية إسماعيل بن الجعفي (2)، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
وما ذكره في الخلاف رواية معاوية بن عمار (3)، والكل حسن، أما ما ذكره الشافعي
فلم يرد في أخبار أهل البيت عليهم السلام (4) ورووا من طرقهم فلا مشاحة فيه.
مسألة: التكبير ليلة الفطر مستحب وهو قول فضلائنا وأكثر علماء الجمهور،
وظاهر كلام ابن الجنيد (ره) الوجوب، وبه قال داود: ولقوله تعالى (ولتكملوا
العدة ولتكبروا الله على ما هديكم) (5) وقال ابن عباس: إن كبر الإمام كبر معه
وإلا فلا وهو ضعيف لقوله تعالى (ولتكبروا الله على ما هديكم) ولأنه شعار كثير
من الصحابة وتعظيم لله سبحانه.
ويدل عليه من طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه النقاش، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (أما أن في الفطر تكبيرا " ولكنه مستحب) (6) وقول داود باطل لأنه منفي بالأصل
السليم عن المعارض، والآية ليس دالة على الأمر فلا تدل على الوجوب، وهو

1) سنن البيهقي ج 3 ص 306.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 10.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 10 ح 2.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 294.
5) سورة البقرة: 185.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العبد باب 20 ح 2.
319

عقيب أربع صلوات أولهن في المغرب ليلة الفطر وآخرهن صلاة العيد، وقال
الشافعي: من غروب الشمس إلى خروج الإمام، وفي رواية أخرى إلى فراغ الإمام
من الصلاة وبه قال أحمد، وقال بعض الشافعية: إن قيدنا الاستحباب بعقيب ثلاث
صلوات المغرب والعشاء والصبح.
لنا أن التكبير عقيب الصلوات يحصل به الامتثال فلا يدل الإطلاق على
ما زاد فيكون منفيا " ولأن تكبير الأضحى مختص بالفرائض فيكون الفطر كذلك.
ويدل على ما قلناه ما رواه سعيد النقاش، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أما أن
في الفطر تكبيرا " ولكنه مسنون، قلت: وأين هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب،
والعشاء، والفجر وصلاة العيد) (1).
فرع
قال البزنطي في جامعه: ينبغي أن يكبر الناس في الفطر إذا خرجوا في العيد
لقوله تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون) (2)
وقال أبو حنيفة: يكبر يوم الأضحى ولا يكبر يوم الفطر لأن ابن عباس سمعه يوم
الفطر فقال: أمجانين الناس.
لنا أن عليا عليه السلام فعل ذلك، وابن عمر، وجماعة من الصحابة، وحجة أبي
حنيفة ضعيفة لأن ابن عباس لا يرى التكبير إلا مع الإمام ولا حجة فيما ينفرد به، ويستمر
كذلك حتى يأتي المصلى والحجة فعل علي عليه السلام.
مسألة: وقد اختلفت الروايات في كيفيته فقال الشيخ (ره) في النهاية: يكبر
مرتين في أوله، وقال البزنطي: يكبر في الأضحى ثلاثا "، وقال ابن بابويه: (كان

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 20 ح 2.
2) سورة البقرة: 128.
320

علي عليه السلام يبدأ بالتكبير في الأضحى إذا صلى الظهر يوم النحر ويقطع عند الغداة من
أيام التشريق يقول في دبر كل صلاة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) (1) وبه قال أبو حنيفة وإسحاق وأحمد، لرواية
جابر عن النبي صلى الله عليه وآله، وقال ابن الجنيد (ره): يكبر أربعا " ويقول: لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من
بهيمة الأنعام، الحمد لله، الله أكبر على ما أبلانا، وقال الشافعي: يكبر ثلاثا " في
أوله كما كبر جابر.
ولا ريب أن ذلك تعظيم لله وذكر مستحب فلا فايدة في المضايقة عليه، ويحسن
عندي ما رواه النقاش، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تقول في الفطر: الله أكبر، الله
أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا) وفي
الأضحى يكبر مرتين في أوله والزيادة التي ذكرها أصحابنا حسنة لقوله تعالى
(ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون) (2).
مسألة: وأوله في الأضحى عقيب الظهر يوم العيد، وهو مذهب علمائنا،
والمشهور عن الشافعي وقول عثمان وابن عباس ومالك، وقال أبو حنيفة: عقيب صبح
عرفة وبه قال أحمد: لرواية جابر (أن النبي صلى الله عليه وآله كبر عقيب صبح عرفة) ولقوله
تعالى (فاذكروا الله في أيام معلومات) (3) وهي: العشر فإذا لم يشرع في الجميع
تعين موضع الخلاف.
لنا قوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) والمراد أيام التشريق
وليس فيها ذكر مأمور به سوى التكبير وعرفة ليس منها، ولأن عليا " عليه السلام بدأ بالتكبير

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 21 ح 6.
2) سورة البقرة: 128.
3) سورة الحج: 28.
321

كما ذكرناه، ولأن التكبير عقيب الرمي وأول فريضة بعد الرمي يوم النحر ظهره.
ويؤيد ذلك أيضا " ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التكبير
في أيام التشريق عقيب صلاة الظهر يوم التحريم) ثم يكبر عقيب كل فريضة إلى
صبح الثالث من التشريق فيكون التكبير عقيب خمس عشرة صلاة لمن كان بمنى،
وبه قال مالك، وهو المشهور عن الشافعي، وقال أبو حنيفة: إلى عصر يوم النحر
لقوله تعالى (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) وهي: عشر ذي الحجة ولا
يكبر قبل عرفة بالإجماع فيكبر في عرفة والنحر.
لنا قوله تعالى (واذكروا الله في أيام معدودات) المراد أيام التشريق
فتعين الذكر فيها أجمع لكن لما جاز النفر في الثاني عقيب الصبح سقط فيما زاد
ولأن التكبير بمنى ولا يستقر أحد بمنى بعد الزوال.
ويدل على ذلك أيضا " ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(يكبر إلى صلاة الفجر من الثالث) (1) وحجة أبي حنيفة ضعيفة لأنه يحتمل إرادة
ذكر الله على الهدي والضحية ومع الاحتمال لا دلالة، قال علماؤنا: ويكبر من
كان بغير منى عقيب عشر صلوات آخرها الصبح من ثاني التشريق، ولم نعرف لغير
أصحابنا هذا الفرق.
لنا أن الناس في التكبير تبع الحاج ومع النفر الأول يسقط التكبير فيسقط
عمن ليس بمنى، ويدل على ذلك أيضا " ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (التكبير في الأمصار عقيب عشر صلوات فإذا نفر الحاج النفر الأول
أمسك أهل الأمصار ومن أقام بمنى يصلي الظهر والعصر فليكبر) (2).
مسألة: قال الشيخ (ره) في الخلاف: والتكبير عقيب الفرائض المذكورة
لا غير للجامع، والمنفرد، والمسافر، والحاضر، والنساء وبه قال مالك، وقال

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 21 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 21 ح 1.
322

أبو حنيفة: إنما يستحب للجامع دون المنفرد لما روي عن ابن مسعود قال: (إنما التكبير على من صلى في جماعة) ولأنه ذكر مختص بالعيد فليختص بالجماعة،
وقال الشافعي: يكبر عقيب الفرائض والنوافل منفردا " وجامعا " لأن الصلوات متساوية
في استحباب الذكر، وبه رواية لأصحابنا نادرة.
لنا فعل الصحابة والتابعين في التكبير عقيب الفرائض فينتفي ما زاد بالأصل
السليم عن المعارض، ويدل عليه أيضا " ما روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (التكبير عقيب خمس عشرة صلاة آخرها الصبح من يوم الثالث وبغيرها عقيب
عشر آخرها الصبح من يوم الثاني).
وحجة أبي حنيفة ضعيفة لأنه استناد إلى فتوى ابن مسعود وابن عمر ولا حجة
فيما ينفردان به، وقوله ذكر مختص بالعيد فاختص بالجماعة لا حجة فيه لتجرده عن
البرهان، وحجة الشافعي أيضا " ضعيفة لأنه قياس للنافلة على الفريضة، ولا جامع ولأن
الفريضة مختصة بما لا يوجد في النافلة فجاز استناد الحكم إلى الفارق كالأذان،
وقوله ذكر حسن قلنا: مسلم باعتبار الإتيان به مطلقا " لا باعتبار مشروعيته هنا والبحث
ليس إلا في هذا.
فرعان
الأول: من صلى وحده كبر ولو أخل الإمام كبر هو، ولو نسي كبر حيث
يذكر.
الثاني: قال الشيخ (ره) في الخلاف: من نسي صلاة يكبر عقيبها قضاها
وكبر، وقال الشافعي لا يكبر لفوات محله، لنا قوله من فاتته صلاة فريضة
فليقضها كما ذكرها وقد كان من شأنها التكبير عقيبها فتقضى كذلك.
مسألة: إذا أدرك الإمام في الثانية دخل معه، فإذا قضى الإمام صلاته أتم هو،
323

ولو أدركه يخطب جلس فسمع الخطبة ولا قضاء، خلافا " للشافعي لأن القضاء منفي
بالأصل السليم عن المعارض.
ويدل على ذلك ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من لم يصل مع
الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه) (1) وفي رواية أخرى عن
زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجلس حتى يفرغ من خطبته ثم يقوم فيصلي) (2)
فرع
ولو صليت العيد في المسجد هل يجوز أن تصلي التحية والإمام يخطب؟
الأقرب نعم لعموم الأمر بصلاة التحية كما في الجمعة.
مسألة: والخطبتان مستحبتان فيهما بعد الصلاة، وتقديمهما أو إحديهما بدعة،
ولا يجب حضورهما ولا استماعهما، أما استحبابهما فعليه الإجماع وفعل النبي صلى الله عليه وآله
والصحابة والتابعين.
وأما أنهما بعد الصلاة فلما رواه جابر قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
فبدأ بالصلاة قبل الخطبة) (3) وأما أنه لا يجب استماعهما فلما رواه عبد الله بن الثابت
قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله العيد فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن
أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب). (4)
وقيل: إن أول من قدم الخطبة مروان فقال له رجل: خالفت السنة كانت
الخطبة بعد الصلاة فقال: نترك ذلك يا أبا فلان فقام أبو سعيد فقال: أما هذا فقد قضى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد، باب 2 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 4 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 296.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 301 (إلا أنه رواها عن عبد الله بن السائب).
324

ما عليه (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله من رأى منكرا " فلينكره بيده فإن لم يستطع فبلسانه
فإن لم يستطع فبقلبه) (1) وهذا دليل البدعة.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام قال معاوية بن عمار: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(الخطبة بعد الصلاة وإنما أحدثها قبل الصلاة عثمان). (2)
مسألة: يستحب أن يجلس بين الخطبتين، وهو قول أكثر أهل العلم، وروى
ذلك محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: (الصلاة قبل الخطبتين) (3) وهو
قول أكثر أهل العلم، يخطب قائما " ويجلس بينهما، وروي عن جابر قال: (خرج
رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الفطر والأضحى فخطب قائما " ثم قعد ثم قام) (4).
مسألة: وكيفيتها كخطبة الجمعة، وعليه العلماء لا أعرف فيه خلافا ".
مسألة: ويكره نقل المنبر من موضعه بل يعمل منبر من طين، أما كراهية نقل
المنبر فهو فتوى العلماء وعمل الصحابة ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينقله وهو دليل الأرجحية،
ومن طريق الأصحاب ما رواه إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يحرك
المنبر من موضعه ولكن يصنع شبه المنبر من طين يقوم عليه فيخطب الناس) (5).
مسألة: إذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي العيد، ويكره قبل ذلك
يعني بعد الفجر أما لو خرج قبل الفجر لم يكره، أما التحريم بعد طلوع الشمس
فلأنه وقت تعينت فيه الفريضة والسفر يستلزم الإخلال بها فيحرم، وأما الكراهية بعد
طلوع الفجر فلأنه شروع فيما يلزم منه الإخلال بالعبادة مع قرب وقتها فالمحافظة
عليها أولى، ودل على الكراهية ما روي عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي

1) سنن البيهقي ج 3 ص 297.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 11 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 11 ح 2.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 299 (إلا أنه رواها عن ابن عباس).
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العبد باب 33 ح 1.
325

عبد الله عليه السلام قال: (إذا أردت الشخوص يوم العيد فانفجر الصبح وأنت في البلد فلا
تخرج حتى تشهد ذلك العيد) (1).
مسألة: إذا اتفق العيد يوم الجمعة فمن صلى العيد مع الإمام فهو بالخيار
في حضور الجمعة، ويستحب للإمام إعلامهم ذلك في خطبته، وبه قال أحمد، وقال
أبو الصلاح: لا تسقط وبه قال الشافعي وأبو حنيفة: تمسكا " بعموم الآية والأخبار
ولأن سقوط إحديهما بالأخرى مناف للأصل، وقال بعض الشافعية: تسقط عمن حضر
البلد من غير أهله.
لنا ما رواه زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وآله (أنه صلى العيد ورخص في
الجمعة) (2) وعنه عليه السلام قال: (إذا اجتمع في يومكم عيدان فمن شاء أجزاه عن
الجمعة وإنا مجمعون) (3) وروي (أن ابن الزبير صلى العيد ولم يخرج إلى الجمعة
وذكر ذلك لابن عباس فقال أصاب السنة).
ومن طريق الأصحاب ما رواه سلمة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (اجتمع
عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فقال: (هذا يوم اجتمع فيه عيدان فمن أحب
أن يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فإنه له رخصة يعني من كان متنحيا ") (4).
والذي يقوى عندي أن الرخصة لمن لم يكن من أهل البلد، ويلحقه المشقة
بالعود والإقامة، وينبه على ذلك ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله، عن أبيه
عن علي عليهم السلام (أنه كان يقول: إذا اجتمع عيدان في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام أن
يقول للناس في خطبته الأولى: أنه قد اجتمع لكم عيدان وأنا أصليهما جميعا "، فمن

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 27 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 317.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 318.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 15 ح 2.
326

كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف فقد أذنت له) (1) وهل تسقط عن الإمام؟ ظاهر
كلام الشيخ رحمه الله تعالى في الخلاف نعم، والوجه عندي أنها لا تسقط عنه،
وبه قال علم الهدى في المصباح: تمسكا " بالعمومات والأخبار وسلامتهما عن معارض
صريح.
مسألة لو ثبت يوم الثلاثين أن الهلال بالأمس صلى العيد إن ثبت قبل الزوال،
وإن كان بعده ولا قضاء، وكذا لو ثبت ليلا، وقال الشافعي: يقتضي لو ثبت ليلة
إحدى وثلاثين من العيد، لقوله عليه السلام (فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون،
وعرفتكم يوم تعرفون) (2) قال: ولا تقضى لو كان الثبوت بعد الزوال لفوات وقتها
وقال أبو حنيفة وأحمد: تقضى من الغد لما روي (أن ركبا " شهدوا عند النبي صلى الله عليه وآله
بالهلال فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم). (3)
لنا صلاة موقتة فات وقتها فلا تقضى بالأصل السليم عن المعارض، وقول
أبي عبد الله عليه السلام (من لم يصل مع الإمام فلا صلاة له، ولا قضاء عليه) (4) وخبر
الركب لا حجة فيه لاحتمال عدم الوثوق بهم فلزمهم الإفطار تدينا " بما ادعوه من
الرؤية ولم يثبت بشهادتهم الهلال والغدو إلى العيد تبعا " لعمل الناس، والخبر الآخر
لا حجة فيه لأن اليوم السالف قد كان من شأنه أن يفطر فيه لقوله عليه السلام (صوموا لرؤيته
وأفطروا لرؤيته) (5).
مسألة: قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: روت العامة (أن عليا " عليه السلام خلف
من يصلي بضعفة الناس) والذي أعرفه من روايات أصحابنا: أنه لا يجوز وما

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 15 ح 3.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 317 (مع تفاوت يسير).
3) سنن البيهقي ج 3 ص 317 (مع تفاوت يسير).
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 2 ح 3.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 206.
327

ذكره حق روى محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال الناس لأمير
المؤمنين عليه السلام: ألا تخلف من يصلي العيدين بالناس قال: لا أخالف السنة) (1).
مسألة: يستحب التعريف عشية عرفة بالأمصار روى أصحاب أحمد أنه قال:
أما أنا فلا أفعله، لنا: أنه ذكر وتعظيم لله وابتهال إليه فيكون مستحبا "، وروي عن
أحمد أنه قال: فعله غير واحد ولأن ابن عباس فعله وعمرو بن حريث وقد حضر
التعريف بغير عرفة محمد بن واسع ويحيى بن معين وهما من أفاضل الجمهور.
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغسل، وليتطيب، وليصل وحده كما
يصلي في الجماعة) (2) وقال: في يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون
الله عز وجل (3).
ومنها صلاة الكسوف: يقال: كسفت الشمس وكسفها الله فهي كاسفة،
ويستعمل الكسف في القمر وأجود الكلام اختصاص الكسف بالشمس والخسف
بالقمر، والنظر في سببها وكيفيتها وأحكامها.
مسألة: قال علماؤنا: صلاة الكسوفين فرض على الأعيان، وقال الشافعي
وأبو حنيفة وأحمد: هما سنة، وقال مالك: ليس لخسوف القمر سنة.
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله
يخوف الله بهما عباده ولا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا) (4)
ومثله روى الأصحاب، عن أبي الحسن موسى عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله (5) وأمره على

1) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب صلاة العيد باب 14 ص 430.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة العيد باب 3 ح 1.
3) الوسائل ج 10 أبواب الحج باب 25 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 320.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف باب 1 ح 10.
328

الوجوب.
ومن طريق الأصحاب، ما رواه جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة
الكسوف فريضة) (1) ويبطل قول مالك بما رووه، عن ابن عباس (أنه صلى لخسوف
القمر ركعتين وقال: إنما صليت لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي). (2)
مسألة: قال الأصحاب: وتصلى مثل هذه الصلاة للزلزلة وجوبا "، وقال
الشافعي: لا تصلى لغير الكسوفين لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعل، وقال أحمد وأبو حنيفة:
إن صلى فحسن.
لنا أن الأمر بالكسوف لعله التخويف فيكون في الزلزلة كذلك لأنها أشد
خوفا " ولما رووا عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إن هذه الآيات التي يرسل
الله لا يكون لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا) (3) ومثله روى أبي بن
كعب عنه عليه السلام (4) وما رواه سليمان الديلمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد
الله زلزلة الأرض أمر الملك أن يحرك عروقها فتتحرك بأهلها قلت: فإذا كان ذلك
فما أصنع؟ قال: صل صلاة الكسوف) (5) وهذه الرواية ضعيفة السند.
ومن طريق الأصحاب ما روى زرارة، والفضيل، ومحمد بن مسلم، وبريد
عن كليهما عليهما السلام أو عن أحدهما عليهما السلام (أن صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات
والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس
خلفه) (6) ويبطل قول الشافعي بفعل ابن عباس فإنه صلى الزلزلة بالبصرة.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 1 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 338.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 320.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 326.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 2 ح 3.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 1.
329

مسألة: وهل يصلي لأخاويف السماء كالظلمة الشديدة، والصيحة، والرياح؟
قال الشيخ رحمه الله تعالى في الخلاف: نعم وبه قال علم الهدى (ره) وابن الجنيد،
والمفيد، وسلار، واقتصر الشيخ (ره) في الجمل، والمبسوط على الرياح الشديدة،
والظلم الشديدة، وقال أبو حنيفة: الصلاة للآيات حسنة، وأنكر الباقون.
لنا أنه استدفاع لضرر المخوف فكان كالكسوف والزلزلة، ولما رووه
من عموم الأمر بالصلاة للآيات كما تضمنه خبر أبي بكر، وأبي عن النبي صلى الله عليه وآله.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، ومحمد بن مسلم قالا: (قلنا لأبي جعفر
عليه السلام: كل الرياح والظلم يصلى لها؟ فقال: كل أخاويف السماء عن ظلمة أو ريح أو
فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن) (1).
مسألة: ووقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء ذهب إليه الشيخان في
النهاية والجمل والمبسوط والمقنعة وسلار وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: إلى
أن ينجلي لقوله (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة حتى ينجلي) (2) فإن احتج
الشيخ (ره) بما رواه حماد بن عيسى، عن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ذكروا انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته قال: إذا انجلى منه شئ فقد
انجلى) (3) فلا حجة في ذلك لاحتمال أن يكون إرادة تساوي الحالين زوال الشدة
لا بيان الوقت.
ويدل على أن آخر الوقت هو الانجلاء ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد) (4) ولو كان

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 2 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 341.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 4 ح 3 (مع تفاوت في السند)
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 8 ح 1.
330

يخرج بالأخذ في الانجلاء لما استحب الإعادة، كما يستحب بعد الانجلاء، ولأن
وقت الخوف ممتد فيمتد وقت الصلاة لاستدفاعه.
مسألة: ولا قضاء مع (الفوات وعدم العلم واحتراق بعد القرص) ويقضي
لو علم، وأهمل، أو نسي، وكذا لو احترق القرص كله على التقديرات، وفي
ذلك بحوث:
الأول: القضاء يتعين مع العلم والفوات، عمدا "، ونسيانا "، وإن احترق
بعض القرص، وقال في النهاية والمبسوط: لا يقتضي مع النسيان، وقال علم الهدى
في المصباح: لا يقضي لو احترق بعضه، ويقضي لو احترق كله، وأطلق.
لنا قوله عليه السلام (من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها) وقوله عليه السلام (من
نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من نسي
صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها) (2) وما روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
صلاة الكسوف (إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك
قضاءها) (3).
الثاني: إذا لم يعلم وقد احترق بعضه ثم علم لم تقض جماعة ولا فرادى،
وهو اختيار الشيخ (ره) في التهذيب، وقال المفيد (ره): إذا احترق القرص كله
ولم تعلم حتى أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة، وإن احترق بعضه ولم تعلم
حتى أصبحت صليت القضاء فرادى.

1) سنن ابن ماجة ج 1 باب 10 ح 698 ص 227، سنن النسائي ج 1 مواقيت
ص 293 - 296.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 10 ح 10.
331

لنا صلاة لم تجب أداءا فلم تجب قضاءا، عملا بالأصل السليم عن المعارض، ويؤيد ذلك: ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا انكسف القمر فلم تعلم
حتى أصبحت ثم بلغك فإن احترق كله فعليك القضاء وإن لم يحترق كله فلا قضاء
عليك) (1) وما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا انكسفت
الشمس كلها ولم تعلم وعلمت فعليك القضاء وإن لم تحترق كلها فلا قضاء عليك) (2)
الثالث: إذا احترق القرص كله وجب القضاء، علم أو لم يعلم، نسي الصلاة
أو تعمد، وهو قول أكثر علمائنا، وأطبق الباقون على عدم القضاء في الصور كلها،
لقوله عليه السلام (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حتى ينجلي) (3) فلا يجب
الصلاة بعد الغاية، ولأن الرغبة بالصلاة في رد القرص إلى حاله، ومع حصول
ذلك يستغنى عن الصلاة.
لنا: أن القول بعدم القضاء مع القول بوجوبها مما لا يجتمعان، أما عندنا
فلوجوب الأمرين، وأما عند المخالف فلانتفائهما، وقد بينا الوجوب فيجب القضاء،
ولقوله (من فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها).
ومن طريق الأصحاب رواية حريز ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام التي
سبقت، وما احتجوا به ضعيف، فإن الغاية لوجوب الأداء، ولا يلزم منه عدم القضاء،
وقولهم المراد بالصلاة رد القرص تحكم، بل لم لا يكون علامة لوجوب الصلاة،
ثم لا نسلم أن الرغبة إلى رده تستلزم عدم الشكر على الابتداء برده، وفي رواية علي
ابن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: (إذا فاتتك فليس عليك قضاء) (4)

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 10 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 10 ح 2.
3) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 140.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 10 ح 11.
332

وهي محمولة على عدم العلم واحتراق بعض القرص مراعاة للتفصيل في الروايات
السابقة.
مسألة: وهي ركعتان تشتمل كل ركعة على ركوعات خمس، وقال أبو
حنيفة: ركعتان كالصبح لرواية قبيضة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (إذا رأيتم ذلك
فصلوا كإحدى صلاة صليتموها من المكتوبة) (1) ورواية نعمان بن بشير عن النبي
صلى الله عليه وآله (أنه صلى ركعتين) (2) وقال الشافعي وأحمد: يركع أربعا " كل ركوعين
بسجدتين، لرواية ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله (أنه صلى ركوعين ثم سجد) (3)
وعن عايشة (أنها وصفت صلاته عليه السلام في كل ركعة ركوعين)) (4).
لنا: ما رواه أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه ركع خمس ركوعات ثم
سجد سجدتين وفعل في الثانية مثل ذلك) (5) ومثله روي عن علي عليه السلام عن النبي
صلى الله عليه وآله (6) ولا حجة في رواية أبي حنيفة، لأن الخمس قد تطلق عليها الركعة، فاحتمل
أنه صلى ركعتين بعشر ركوعات، وكذا لا حجة في رواية ابن عباس وعايشة،
لاحتمال أن يكونا حكيا ما سمعا، وقد لا ينضبط لهما ما فعله عليه السلام، ولأنه مع التعارض
روايتنا أرجح، لصغر سن ابن عباس عن سن أبي، وسن علي عليه السلام في زمن النبي
صلى الله عليه وآله، ولأن عايشة لا تخالط الجماعة، فيشتبه عليها ما يفعله النبي صلى الله عليه وآله مع أن أبيا "
أضبط منها، وكذا علي عليه السلام، ولأن روايتنا تتضمن زيادة، فكانت أرجح وأولى،

1) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 141.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 333.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 321 و 327.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 321.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 329.
6) سنن البيهقي ج 3 ص 329 (رواه عن الحسن البصري بأن عليا " (ع) صلى خمس
ركعات).
333

ولأنها مثبتة فلا تعارضها النافية.
لا يقال: وقد روي عن علي عليه السلام كما نقل عن ابن عباس، قلنا: هو منزه أن
يتناقض ما يرويه مع ضبطه وعلمه، ثم يؤيد ما روي عن علي عليه السلام ما نقل عن أبنائه
عليهم السلام، وقد روى زرارة، والفضيل، وبريد بن معاوية، ومحمد بن مسلم بعضهم عن
أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام، وأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وبعضهم
عن أحدهما عليهما السلام قال: (صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات صلاها رسول
الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه ففرغ وقد انجلى كسوفها) (1).
وروى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة الكسوف عشر ركعات
بأربع سجدات) (2) وهما عليهما السلام أضبط لنقل أبيهم، فإن قيل: قد روى جابر (أنه صلى الله عليه وآله
كبر ثلاثا " في كل ركعة)) (3) وروي في أخباركم (ثمان ركعات في كل ركعة
بسجدتين) (4) وكما تركت هذه تركت الخمس، قلنا: ترك الثلاث بالإجماع،
والثمان لا يلزم منه ترك الخمس، لعدم ما أوجب بترك الثلاث والثمان.
مسألة: وكيفيتها أن يقرأ الحمد وسورة أيها اتفق، أو بعضها، ثم يركع،
فإذا انتصب قرأ الحمد ثانيا "، وسورة إن كان أتم الأولى، وإلا قرأ من حيث قطع
فإذا أكمل خمسا " سجد سجدتين، ثم قام بغير تكبير فقرأ وركع معتمدا " ترتيبه الأول
ثم يتشهد ويسلم.
هذا مذهب علمائنا لم يختلفوا. روى ذلك زرارة، والفضيل، ومحمد بن مسلم
وبريد بن معاوية عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام (تبدأ فتكبر لافتتاح الصلاة

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 325 (رواه عن جابر أن النبي صلى ركعتين في ثلاث
ركوعات.. وكان إذا ركع قال الله أكبر).
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 5.
334

ثم تقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب
وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم
تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة
ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا رفعت
رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا سجدتين ثم تقوم فتصنع كما صنعت
أولا قلت وإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ففرقها بينها قال أجزأته أم القرآن في
أول مرة وإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم القرآن) (1).
وزعم بعض المتأخرين: أن الحمد لا تتكرر وجوبا "، وقوله خلاف فتوى
الأصحاب، والمنقول عن أهل البيت عليهم السلام ولأنها كيفية متلقاة، فلا تترك بالوهم.
مسألة: ويستحب فيها " الجماعة " وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وقال
أبو حنيفة: لا تستحب في الخسوف لمكان المشقة، وقال الثوري: لا تصلى إلا مع
الإمام، أما الاستحباب، فلأن النبي صلى الله عليه وآله (صلاها في الجماعة) (2) وصلى ابن
العباس الخسوف في جماعة (3) ولأنها عندنا واجبة، والجمع في الفرائض مستحب.
ويؤيد ذلك: ما روي عن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: (انكسفت الشمس في
زمان النبي صلى الله عليه وآله فصلى بالناس ركعتين) (4) وأما جواز الانفراد، فلما روى روح
ابن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الكسوف
تصلى جماعة؟ قال: (جماعة وفرادى) (5).
ويتأكد استحباب الاجتماع عند عموم الكسوف، لما رواه ابن أبي يعفور عن

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 1.
2) سنن النسائي ج 3 باب الأمر بالنداء لصلاة الكسوف ص 127 و 128.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 338.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 9 ح 1.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 12 ح 1.
335

أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا انكسفت الشمس أو القمر فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا
إلى إمام يصلي بهم وأيهما انكسف بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلي وحده) (1).
مسألة: صلاة الكسوف تلزم الرجال، والنساء، والمسافر، والحاضر، وليس
الاستيطان شرطا "، ولا المصر، ولا الإمام، لعموم الأمر، لكن لا تستحب للنساء ذوات
الهيئة حضور جماعة الرجال، بل يصلين منفردات، ولو اجتمعن صلت بهن إحديهن
ويستحب للعجايز ومن لا هيئة لها الاجتماع، ولو مع الرجال.
فرع
ولو أدرك المأموم بعض الركوعات فالذي يظهر فوات تلك الركعة، لأن
الركوع ركن فيها، ولا يتحمله الإمام، فينبغي المتابعة حتى يقوم في الثانية، فيستأنف
الصلاة مع الإمام، فإذا قضى صلاته أتم هو الثانية.
مسألة: ويستحب (الإطالة) بقدر الكسوف، وأن يكون ركوعه وسجوده
بقدر قراءته وأن يقرأ السور الطوال مع السعة، أما الإطالة فاستحبابها متفق عليه،
ورووا عن عايشة قالت: (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى رسول الله
صلى الله عليه وآله في المسجد والناس خلفه وقرأ قراءة طويلة وركع ركوعا " طويلا) (2) ولأنها
لاستدفاع الخوف ولطلب عود نورهما، فيستمر باستمرار الكسوف.
ومن طريق أهل البيت: ما رواه عمار عن أبي عبد الله أنه قال: (إذا صليت
الكسوف فإلى أن يذهب الكسوف من الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك
أفضل) (3) وأما استحباب إطالة الركوع، فلما رووه عن عايشة وما رواه عبد الله بن

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 12 ح 2.
2) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 130.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 8 ح 2، باب 4 ح 5.
336

عمر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله قالت: (قام قياما " طويلا وركع ركوعا " طويلا) (1)
وظاهره المساواة في نظره. ومن طريق أهل البيت عليهم السلام: ما رواه زرارة، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (ويطيل القنوت على قدر القراءة والركوع والسجود فإن تجلى قبل أن
يفرغ فأتم ما بقي) (2) وأما استحباب السور الطوال مع السعة، فمتفق عليه، لكن
الشيخ (ره) قال في المبسوط والخلاف: يقرأ بعد الحمد بالكهف والأنبياء، وما
شابههما، وفي رواية أبي بصير قال: (مثل يس والنور) (3).
وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد: في الأولى البقرة، أو عدد آيها، وفي
الثانية بآل عمران، أو عدد آيها، ثم في كل ركعة أقل من سابقتها، وفي الركوع
الأول نحو مأة آية، وفي كل ركوع أقل مما قبله، وليس هذا موضع مضايقة، فإن
الكل جايز، أما لو ضاق الوقت لم تجز الإطالة، كما لا يجوز في الفرائض الموقتة.
مسألة: قال أصحابنا: ويطيل السجود، وبه قال أحمد، وقال الشافعي، ومالك:
لا يطيل السجود، لأنه لم ينقل.
لنا: أن السجود أحد أركان الصلاة، فيكون مساويا " للركوع في استحباب
الإطالة، ولأنه أبلغ في موضع الرغبة والرهبة، فكان إطالته أبلغ في تحصيل المراد
ولقوله عليه السلام (ادعوا الله في سجودكم فإنه ضمن أن يستجاب لكم) (4).
ويؤيد ذلك: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يطيل الركوع
والسجود) (5). وقول الشافعي لم ينقل ليس بجيد، لأن المروي عن ابن عمران

1) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 130 و 137.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 2.
4) صحيح مسلم ج 1 كتاب الصلاة ح 207 (رواه مع تفاوت)
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
337

النبي صلى الله عليه وآله (ركع ركوعا " طويلا وسجد سجودا " طويلا) (1) قال الشيخ رحمه الله
تعالى: صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر سواء، فإن أراد في الكيفية لا في الإطالة
فمسلم، وأن أراد في الإطالة فليس بجيد، لما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة خسوف القمر وهما سواء في
القراءة والركوع والسجود) (2).
مسألة: لو فرغ قبل أن ينجلي أعاد الصلاة استحبابا، وإن اقتصر على الدعاء
جاز، وقال الباقون: لا يعاد، لأنه لم ينقل، وقال بعض فقهائنا: يعاد وجوبا ".
لنا: أن الوجوب منفي بالأصل، ولا معارض، وما روى محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي) (3) وما
رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وإن أحببت أن تفرغ من صلاتك قبل أن يذهب
الكسوف فهو جائز) (4) ودليل الاستحباب: رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد) (5) ويلزم من التوفيق بين الروايتين حمل هذه على
الاستحباب.
مسألة: يستحب أن يكبر كلما انتصب من الركوع، إلا في الخامس، والعاشر
فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وهو مذهب علمائنا، وقال الباقون: يقول في كل
رفع سمع الله لمن حمده، لرواية عايشة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله. (6)
لنا: أن التكبير أتم في باب التعظيم والإجلال، فكان أولى، ولأن الركوعات
وإن تكررت فهي مجرى الركعة الواحدة، فكان ذلك في آخرها، ويؤيد ذلك:

1) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 137.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 8 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 8 ح 1.
6) سنن النسائي ج 3 صلاة الكسوف ص 130.
338

ما رواه محمد بن مسلم عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (يركع ويكبر ويرفع رأسه
بالتكبير إلا في الخامسة والعاشرة يقول سمع الله لمن حمده) (1).
مسألة: ويستحب أن يقنت خمس قنتات قبل الركوع الثاني، والرابع،
والسادس، والثامن، والعاشر، وأنكره الباقون، ومستنده النقل المشهور عن أهل
البيت عليهم السلام روى ذلك الفضيل، وزرارة، وبريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام، وأبي
عبد الله عليه السلام قال: (والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع ثم في الركعة الرابعة
والسادسة والثامنة والعاشرة) (2) لأن القنوت مظنة الإجابة، فيشرع في موضع الحاجة
كما قنت النبي صلى الله عليه وآله (على جماعة من المشركين) (3).
مسألة: ويستحب أن يصلي (تحت السماء)، وقال الشافعي: يكون في
المساجد، وأطلق. لنا: أنه مقام خضوع واسترحام وطلب، فيشرع البروز بها،
كالاستسقاء، ولما روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (وإن استطعت أن
تكون صلاتك بارزا " لا تحت بيت فافعل) (4).
مسألة: ويستحب فيها (الجهر) وبه قال مالك، وأحمد، وقال الشافعي،
وأبو حنيفة: لا يجهر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر، لما روى سمرة
قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله في كسوف الشمس فلم أسمع له صوتا ") (5) ولأنها
صلاة نهار فيكون إخفاتا ".
لنا: ما رووه عن عايشة عنه صلى الله عليه وآله (أنه جهر في صلاة الكسوف) (6) ولا حجة
في خبرهم، لأن خبر الإثبات أرجح، ولأن عدم سماعه لا يدل على عدم المسموع

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 1 و 8.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 19 6.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 7 ح 6.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 335.
6) سنن البيهقي ج 3 ص 335.
339

وقياسهم باطل بصلاة الاستسقاء.
مسألة: لو اتفق في وقت فريضة حاضره بدأ بما يخشى فوته، ولو اتسع
وقتاهما تخير في الإتيان بأيهما شاء، ما لم تتضيق الحاضرة فتعين الأداء، وهو
مذهب أكثر الأصحاب، اختيار الشيخ رحمه الله، وبه قال الشافعي، وأبو الصلاح (ره)
منا، وتردد الشيخ (ره) في المبسوط، وقال في النهاية: يبدأ بالفريضة الحاضرة،
ثم قال: ولو دخل في الكسوف ثم دخلت الحاضرة قطع وصلى الفريضة الحاضرة،
ثم عاد إلى الكسوف فأتمه، وبه قال علم الهدى رضي الله عنه في المصباح.
لنا: صلاتا فرض اجتمعتا فلا يتعين إحديهما للوجوب، لأنه ينافي وجوب
الأخرى، وما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (خمس
صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وإذا نسيت فصل إذا
ذكرت وصلاة الكسوف والجنازة) (1).
لا يقال: لعله أراد الإتيان بها في الأوقات المكروهة، لأنا نقول: يحمل على
الجميع تنزيلا للفظ على عمومه، ويؤيد ذلك أيضا ": ما رواه محمد بن مسلم قلت لأبي
عبد الله عليه السلام ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء فإن صلينا الخسوف خشينا
أن تفوت الفريضة قال: (إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم
عد فيها) (2) ومثله ما روى أبو أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام عن صلاة
الكسوف يخشى فوت الفريضة قال: (اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا إلى
صلاتكم) (3).

1) الوسائل ج 9 أبواب الإحرام باب 19 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 5 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 5 ح 3.
340

فروع
الأول: لو خشي فوت الحاضرة قدمها على الكسوف، ولو دخل في الكسوف
قبل تضييق الحاضرة، وخشي أن لو أتم فوات الحاضرة قطع إجماعا "، وصلى الحاضرة
وهل يتم من حيث قطع؟ قال: الثالثة: نعم، وظاهر الروايتين يدل عليه، وعندي فيه
تردد، لأن الفعل الكثير مبطل لكل صلاة فرض.
الثاني: لو اتفقت مع صلاة منذورة موقتة بدأ بما يخشى فوته، ولو أمن فوتهما
تخير فيهما.
الثالث: لو اشتغل بالحاضرة مع ضيق وقتها فانجلى الكسوف، ولم يحصل
تفريط فالأشبه أنه لا قضاء لعدم استقرار الوجوب.
الرابع: قال في المبسوط: إذا اجتمعت مع صلاة الجنازة والاستسقاء بدأ
بالجنازة، ثم الكسوف، ثم الاستسقاء، لأنه سنة، والوجه تقديم ما يخشى عليه
الفوات، أو التغير، وإن تساويا تخير، أما الاستسقاء فيؤخر على كل حال، لأن
المندوب لا يزاحم الواجب.
الخامس: لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب، وفي وجوبها
مع قصور الوقت عن أخف الصلاة تردد.
السادس: لو كسفت، ثم سترها الغيم لا تسقط، لأن الأصل بقاء الخسف،
وكذا القمر، أما لو غابت منكسفة ولم يصل فالأصل بقاء الكسف أيضا "، وقال
الباقون: لا يصلي لذهاب سلطانها، وكذا لو طلع القمر منخسفا، ثم طلعت عليه
الشمس، لذهاب سلطانه، وفوات المعنى الذي شرعت له الصلاة.
لنا: قوله عليه السلام (إذا رأيتم ذلك فصلوا) (1) وما احتجوا به ضعيف، لأنا

1) سنن النسائي ج 3 باب الأمر بالصلاة عند الكسوف ص 126.
341

لا نسلم أن مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه، ولأن ما ذكره اجتهاد معارض للنص، فالعمل بالنص أولى.
مسألة: لو اتفق الكسوف مع نافلة قدم الكسوف، ولو فاتت النافلة راتبة
كانت أو لم تكن، وهو مذهب علمائنا، وقال أحمد: يقدم الآكد.
لنا: أنا بينا أنها واجبة، فتكون مقدمة، ويؤيد ذلك: ما رواه محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت إذا كان علينا صلاة آخر الليل وأتتنا صلاة الكسوف فبأيهما
نبدأ فقال: (صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح) (1).
مسألة: قال علماؤنا: وتصلى في وقت الكراهية، وبه قال الشافعي، ومنع
أبو حنيفة، وعن أحمد روايتان: أشهرهما المنع، لرواية عقبة بن عامر قال: (ثلاث
ساعات كان النبي صلى الله عليه وآله ينهانا أن نصلي فيها ونقبر موتانا) (2) ولأن النبي صلى الله عليه وآله (نام
عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس فأخرها حتى ابيضت ونام بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله حتى طلع قرن الشمس فأجلسه حتى تعلقت ثم قال صل الآن) (3).
لنا قوله عليه السلام (فإذا رأيتم ذلك فصلوا) (4) ولأنها صلاة واجبة موقتة، فلا
يتناوله النهي المطلق، ويؤيد ذلك: ما رواه الأصحاب عن محمد بن نجران قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: (وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس
وعند غروبها) (5) ومثله روى جميل عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " (6).
مسألة: ولا تصلى على الراحلة مع الإمكان، وتجوز مع الضرورة، وقال
ابن الجنيد رحمه الله تعالى: استحب أن يصليها على الأرض، وإلا فبحسب حاله،

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 5 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 454، سنن النسائي ج 1 ص 275.
3) التاج ج 1 ص 147 (رواه مع تفاوت) وصحيح البخاري ج 1 ص 154.
4) سنن النسائي ج 3 ص 131.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 4 ح 2.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 4 ح 2.
342

وقال الباقون: تصلى على الراحلة اختيارا " كالنوافل.
لنا: أنها واجبة فلا تصلى على الراحلة، كغيرها من الفرائض، ويؤيد ذلك:
ما رواه الأصحاب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (أيصلي الرجل
شيئا من الفرائض على الراحلة فقال لا) (1) وما رووه عن علي بن فضل الواسطي
قال كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله: (إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر
على النزول فكتب إلي صل على مركبك الذي أنت عليه)) (2).
مسألة: ولا يستحب لها (الخطبة) وبه قال أبو حنيفة، وظاهر مذهب أحمد،
وقال الشافعي: يستحب كخطبتي الجمعة، لرواية عايشة عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه فرغ
وقد تجلت فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى
لا يخسفان لموت أحد ولا لحياة أحد فإذا رأيتم ذلك فادعوا وكبروا وصلوا
وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد صلى الله عليه وآله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني
أمته، يا أمة محمد صلى الله عليه وآله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ") (3).
لنا: أن شرعية الخطبة منفي بالأصل السليم عن المعارض، وما ذكره من
حديث عايشة لا حجة فيه، لأنه لم يتضمن خطبة، بل دعاءا وتكبيرا وإعلاما بحكم
الكسوف، وليس ذلك من الخطبة في شئ.
ومنها صلاة الجنازة: والنظر فيمن تصلى عليها وكيفيتها ولواحقها.
مسألة: تجب الصلاة على كل مسلم ومن بحكمه ممن بلغ ست سنين فصاعدا "
ويستوي الذكر والأنثى، والحر والعبد، ولفظ الإسلام يطلق على كل مظهر للشهادتين
ما لم يعتقد خلاف ما يعلم من الدين ضرورة، فخرج من هذه: القادحون في علي

1) الوسائل ج 3 أبواب القبلة باب 14 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الكسوف والآيات باب 11 ح 1.
3) سنن النسائي ج 3 ص 152، وسنن البيهقي ج 3 ص 338.
343

عليه السلام أو أحد الأئمة عليهم السلام، كالخوارج، ومن غلا فيه، أو في غيره، كالبصرية،
والسبابية، والخطابية، ومن عداهم تجب الصلاة عليه، لقوله صلى الله عليه وآله (صلوا على كل
بر وفاجر) (1) ولأن الملائكة صلت على آدم عليه السلام وقالت لولده (هذه سنة موتاكم) (2)
ولما روى سعيد بن غزوان عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
(صلوا على المرحوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا " من أمتي
بغير صلاة) (3) وروي عن جعفر أيضا " عن أبيه عليهما السلام قال: (صل على من مات من
أهل القبلة) (4).
ويشترط في وجوب الصلاة على الصبي: بلوغ الحد الذي يمرسون على
الصلاة، وقدره الشيخ رحمه الله تعالى بست سنين، وقال أبو حنيفة: تجب الصلاة
لو ولد حيا "، وقال الشافعي: تجب ولو كان سقطا "، وقال سعيد بن المسيب: تجب
حين تجب عليه الصلاة.
لنا: أن الصلاة استغفار للميت، وشفاعة من لم يؤمر بالصلاة لا وجوبا " ولا ندبا "
لا معنى للشفاعة فيه، فيسقط لسقوط المعنى المقتضي لها، ويؤيد ذلك: ما رواه
زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام سئل (متى يصلي على الصبي؟ قال: إذا عقل الصلاة،
قلت: متى تجب عليه؟ قال: إذا كان ابن ست سنين) (5) وما رواه علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: (سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو

1) سنن البيهقي ج 3 ص 121.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 5 ح 22.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 37 ح 3.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 37 ح 2 (إلا أنه رواه عن الصادق " ع "
عن أبيه الخ).
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 13 ح 1.
344

ابن خمس سنين؟ قال: إذا عقل الصلاة صلى عليه) (1).
مسألة: ويستحب وإن لم يبلغ ذلك إذا ولد حيا "، لما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله
(إذا استهل المولود غسل وصلي عليه) (2) ولما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا تصلي على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل وإذا استهل فصل
عليه) (3) وما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: (يصلى على الصبي
على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام) (4) والتوفيق بين هذه وما قبلها بالاستحباب.
فرع
لو خرج أقله أو خرج بعضه واستهل ثم مات استحب الصلاة عليه، وقال
أبو حنيفة: لا يصلى عليه حتى يكون الخارج أكثره. لنا: أن شرط الصلاة حصل
وهو الاستهلال، فيسقط اعتبار الأكثر.
مسألة: والأحق بميراثه أحق بالصلاة عليه، لثبوت الأولوية في طرفه بحكم
الآية، وما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يصلي
على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يجب) (5) ولأن له مزية الاختصاص فكان
أولى من غيره.
فرع
قال الشيخ (ره) في المبسوط: الأب أولى الأقارب، ثم الولد، ثم ولد الولد

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 13 ح 4.
2) سنن ابن ماجة كتاب الجنائز باب 26 (رواه مع تفاوت).
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 14 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 14 ح 2
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 23 ح 1.
345

والجد من قبل الأب، ثم الأخ من قبل الأب والأم، ثم الأخ من قبل الأب، ثم الأخ
من قبل الأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال، وبالجملة من كان
أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه.
فرع
لو تساويا الأولياء قدم الأقرء، ثم الأفقه، ثم الأسن، وقال الشافعي: يقدم
الأسن في الجنازة: لنا: قوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) (1) وهو على إطلاقه، وفي
الزوج مع الأخ روايتان، أشهرهما: الولاية للزوج، لأنه أقوى في الميراث، إذ له
مع الأخوة النصف ومع الأبوين.
ويؤيد ذلك: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (المرأة تموت من
أحق بالصلاة عليها؟ قال: زوجها، قلت: الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟
قال: نعم) (2) والرواية الأخرى، عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟
فقال: الأخ) (3) وكذا رواية حفص بن البختري (4) والرواية الأولى أرجح لوجهين
أحدهما ضعف أبان، وابن البختري، وسلامة سند الأولى، والثاني للزوج الاطلاع
على عورة المرأة، وليس كذلك المحارم.
مسألة: ولا يؤم الولي إلا مستكملا شرائط الإمامة، وإلا استناب، وعلى هذا
اتفاق علمائنا، وسنبين الشرائط المعتبرة في الإمام، وأنها معتبرة في كل موضع،

1) سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب 46 ح 980.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 24 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 24 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 24 ح 4.
346

ويستحب للولي تقديم الهاشمي إذا استكمل الشرائط، لقوله عليه السلام (قدموا قرشيا
ولا تقدموها) (1) ولأنه مع استكمال الشرائط يرجح بشرف النسب، ولا يجوز له
التقدم إلا مع إذن الولي، وعليه الإجماع، وإن حضر إمام الأصل فهو أحق بالصلاة
إذا قدمه الولي، وعليه اتفاق العلماء، ولما رواه السكوني عن جعفر عليه السلام عن أبيه
عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا حضر سلطان الله جنازة فهو
أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي وإلا فهو غاصب) (2).
مسألة: وتؤم المرأة النساء فتقف بينهن، ولا تبرز لتبعد بذلك عن سنة الرجال
ولما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (المرأة تؤم النساء قال لا إلا على
الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن تكبر ويكبرن) (3) وإنما قال في
الأصل، والعاري كذلك لأنه يقوم في الجنازة ولا يقعد، وينضم إلى الصف، ولا يبرز.
ويجوز للشابة أن تخرج إلى الجنازة على كراهية، وأما الجواز فلما رواه
يزيد بن خلف عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (توفيت زينب فخرجت أختها فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وآله في نسائها صلت [فصلت] عليها) (4) وأما الكراهية فلأنه لا يؤمن
الافتتان، ولما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس ينبغي للشابة أن تخرج
إلى الجنازة تصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن) (5).
مسألة: وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية، وعلى ذلك علماؤنا، وبه
قال ابن مسعود، وزيد بن أرقم، وقال الشافعي: يكبر أربعا لقوله عليه السلام (في صلاة

1) سنن البيهقي ج 3 ص 121.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 23 ح 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 25 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 39 ح 1 و 2.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 39 ح 3.
347

العيد أربع تكبيرات كتكبير الجنازة ولا يسهو) (1) ورووا عن ابن عباس (ثلاث
تكبيرات) (2). لنا: ما رووه عن زيد بن أرقم (أنه صلى وكبر خمسا وقال رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله يكبرها) (3).
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية أبي بصير عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
قال: (كبر رسول الله صلى الله عليه وآله خمسا) (4) وعن قدامة بن زايدة قال: سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول: (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على ابنه إبراهيم فكبر عليه خمسا) (5) وعن أبي
ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن التكبير على الميت فقال خمسا) (6) وحجتهم
ضعيفة أصلها أبو موسى، وقال الخطائي منهم أن الراوي عنه مجهول.
لا يقال: قد نقل (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى أربعا) قلنا: حق وكما نقل الأربع
نقل الخمس، فيعمل بالخمس لتضمنها الزيادة، لأن رواية الإثبات أولى من النفي،
وقد روي عن أهل البيت عليهم السلام: أن الصلاة بالأربع للمتهم في دينه، لأنه لم يكن
يدعو له فسقطت التكبيرة التي تتعقب الدعاء للميت يبين ذلك: ما رواه هشام بن
سالم وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر على
قوم خمسا وعلى آخرين أربعا فإذا كبر أربعا اتهم يعني الميت) (7).
وروى إسماعيل بن همام عن أبي الحسن عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(صلى رسول الله صلى الله عليه وآله على جنازة خمسا وصلى على أخرى فكبر أربعا " فالتي كبر
عليها خمسا " حمد الله ومجده في الأولى ودعا في الثانية للنبي وفي الثالثة للمؤمنين

1) لم نعثر عليه.
2) لم نعثر عليه.
3) صحيح مسلم ج 2 باب الصلاة على القبر ح 72 ص 659.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 5 ح 8.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 5 ح 11.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 5 ح 9.
7) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 5 ح 1.
348

والمؤمنات وفي الرابعة للميت وانصرف في الخامسة والتي كبر عليها أربعا " كبر
وحمد الله ومجده ودعا في الثانية لنفسه وأهله ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة
وانصرف في الرابعة ولم يدع له لأنه كان منافقا ") (1).
مسألة: ولا يتعين بينها دعاء، وأفضله أن يكبر ويشهد الشهادتين، ثم يكبر
ويصلي على النبي وآله، ثم يكبر ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر ويدعو للميت،
وينصرف بالخامسة مستغفرا "، وهو مذهب علمائنا، وقال الشافعي: يكبر ويقرأ الحمد
ثم يكبر ويشهد الشهادتين ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر
الثالثة ويدعو للميت، ثم يكبر الرابعة ويسلم بعدها، لما روى طلحة عن ابن
عباس (أنه صلى على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب وقال لتعلموا أنها سنة) (2) ولقوله
صلى الله عليه وآله (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (3).
لنا: ما رووه عن ابن مسعود أنه قال: (ما وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وآله قولا
ولا قراءة وكبر كما كبر الإمام واختر من طيب القول ما شئت) (4).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قالا سمعناه يقول: (ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا أن تدعو
بما بدا لك) (5) وما رواه معمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر الباقر
عليه السلام قال: (ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك) (6).
وأما استحباب ما ذكرناه فرواه محمد بن مهاجر عن أمه أم سلمة قال: سمعت

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 2 ح 9.
2) صحيح البخاري ج 2 ص 112.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 428.
4) لم نجده.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 7 ح 1.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 7 ح 1.
349

أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم
كبر وصلى على الأنبياء وعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت
ثم كبر الخامسة وانصرف) (1).
مسألة: وليس فيها (قراءة ولا تسليم) وقال الشافعي: يقرأ بعد التكبيرة
الأولى الحمد ويسلم عقيب الرابعة، لرواية ابن عباس، وقال أبو حنيفة: لا يقرأ
فيها ولكن يسلم، أما سقوط القراءة فلرواية عبد الله بن مسعود، وأما التسليم فلأن
كل صلاة يدخل فيها بالتكبير يخرج منها بالتسليم.
لنا: رواية ابن مسعود قال: (لم يوقت لنا رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة الجنازة
قولا ولا قراءة اختر من طيب القول ما شئت) (2) وذلك ينفي ما قالوه.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ليس
في الصلاة على الميت تسليم) (3) وما رواه زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
قالا: (ليس في صلاة الميت تسليم) (4) فأما رواية زرعة عن سماعة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (الصلاة على الميت خمس تكبيرات فإذا فرغت سلمت عن يمينك) (5)
وسويد السباني قال فيما أعلم قال الرضا عليه السلام: (يقرأ في الأولى بأم الكتاب) (6)
فهما ساقطتان، لضعف زرعة وسماعة، وشك سويد، ثم تعارضهما الأحاديث الكثيرة
مشهورة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، والكثرة أمارة الرجحان.
قال الشيخ (ره): تكره القراءة في صلاة الجنازة، وبه قال أبو حنيفة،

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 2 ح 1.
2) لم نجده.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 9 ح 3.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 9 ح 2.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 2 ح 6.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 2 ح 8.
350

وأصحابه، ومالك، وقال الشافعي: تجب، وهي شرط.
لنا: ما سبق من الأحاديث قال الشافعي، ويسر بها نهارا "، ويجهر بها ليلا،
وعندنا المخافتة أولى، وبه قال أبو حنيفة: لأنه دعاء فيسر به كساير الدعوات، ولأن
دعاء السر أقرب إلى القبول، لبعده عن الرياء.
مسألة: يدعى بعد الرابعة للميت إن كان مؤمنا "، وعليه إن كان منافقا "، ويقرأ
الآية إن كان مستضعفا، وإن كان مجهولا سأل الله أن يحشره مع من يتولاه، وللطفل
أن يجعله لأبويه فرطا "، وروى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا صليت
على المؤمن فادع له وإن كان مستضعفا " فكبر وقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (1) وعن ثابت بن أبي المقدام قال: كنت مع أبي
جعفر عليه السلام قال فسمعته يقول: (اللهم هذا عبدك ولا أعلم منه سوءا فإن كان مستوجبا
فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه) (2).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (مات عبد الله بن أبي سلول فحضر
النبي جنازته، فقيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره؟ فقال:
ويلك وما يدريك ما قلت إني قلت اللهم احشي جوفه نارا " واملأ قلبه نارا " وأصله
نارك) (3).
وروي عن أبي الحسن عليه السلام (أنه صلى على منافق فقال: اللهم العن فلانا "
عبدك وأخره في عبادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه يوالي أعدائك ويعادي
أوليائك ويبغض أهل بيت نبيك) (4) وعن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 3 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 3 ح 7.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 4 ح 4.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 4 ح 6 (إلا أنه رواه عن أبي عبد الله
" ع " عن الحسين بن علي " ع ").
351

(في الصلاة على الطفل اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا " وأجرا ") (1).
مسألة: ولا يصلى على الغائب، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يجوز
ذلك كما صلى النبي صلى الله عليه وآله على النجاشي.
لنا: لو جاز ذلك لصلى النبي صلى الله عليه وآله في الأمصار، وعلى الأعيان من
الصحابة، ولو فعل ذلك لاستفاض به النقل، ولأن استقبال القبلة بالميت شرط،
ولم يحصل، وصلاة النبي صلى الله عليه وآله على النجاشي قيل إن الأرض طويت له حتى صار
كأنه بين يديه، وغيره لا يحصل له ذلك، ولأنه حكاية فعل لا عموم له، ويمكن
أن يكون دعاءا له لا كصلاة الجنازة، وقد روى ذلك محمد بن مسلم وزرارة قال:
قلت: (فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا إنما دعا له) (2).
مسألة: ولا يصلي عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه، لأنه فعل النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه،
ولما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى
عليه وهو عريان) (3) وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (لا يصلى على المدفون
ولا على العريان) (4) وروى عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (في العريان قال
يحفر له ويوضع في لحده ويوضع على عورته فيستر باللبن والحجار) (5) وفي
رواية (والتراب ثم يصلي عليه ثم يدفن) (6).
القول في سننها:
مسألة: يقف الإمام من الرجل عند وسطه، ومن المرأة عند صدرها، وبه
قال أبو الصلاح الحلبي، وقال الشيخ (ره): يقف عند رأس المرأة والرجل، وقال

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 12 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 18 ح 5.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 36 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 18 ح 8.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 36 ح 1.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 36 ح 2.
352

الشافعي: عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، ولما رواه سمرة بن جندب قال: (صليت
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله يوم صلى على أم كعب وكانت نفساء فوقف عند وسطها) (1)
وقال أبو حنيفة: يقف في الوسط.
لنا: أن التباعد عن محارمها أبعد من وساوس النفس فكان أولى، ويدل على
ذلك: ما رواه عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: (من صلى على امرأة فلا يقم في وسطها ويكون مما يلي صدرها
وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه) (2) وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم من الرجال بحيال السرة ومن النساء دون ذلك قبل الصدر) (3)
وقد روي عن أبي الحسن موسى عليه السلام (أنه يقوم من المرأة عند رأسها) (4) والكل
جائز.
مسألة: وإذا اتفق جنازة رجل وامرأة جعلت المرأة إلى القبلة والرجل إلى
الإمام، وبه قال جميع الفقهاء، وعكس الحسن البصري. لنا: ما رووه عن أبي
هريرة وابن عمر (كانا يقدمان النساء إلى القبلة والرجال مما يلي الإمام) (5).
ومن طريق الأصحاب رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال (سألته
كيف يصلى على الرجال والنساء؟ قال: الرجل مما يلي الإمام) (6) ومثله روى
زرارة والحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما؟

1) سنن البيهقي ج 4 ص 34.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 27 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 27 ح 3.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 27 ح 2.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 33.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 32 ح 1 (رواه كذلك: الرجل أمام النساء مما يلي الإمام).
353

قال: يكون الرجل مما يلي القبلة) (1) لكن هذه الرواية نادرة، وتحمل على الجواز،
وإن كان الأفضل ما ذكرناه.
ويدل على الجواز رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس
أن يقدم الرجل وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل ويقدم المرأة يعني في الصلاة على
الميت) (2).
قال الشيخ (ره) في الخلاف: لو اجتمع رجل وصبي وخنثى وامرأة قدم
الصبي إلى القبلة، ثم المرأة، ثم الخنثى، ثم الرجل، ولو كان الصبي ممن تجب
عليه الصلاة قدمت المرأة إلى القبلة، وقال الشافعي: يجعل الصبي إلى الإمام والمرأة
إلى القبلة كيف كان، لما روي (أن أم كلثوم وابنها من عمر ماتا فقدمت جنازتها إلى
القبلة وابنها إلى الإمام بمحضر عباس وأبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة وقالوا كذلك
السنة) (3).
لنا: أنه لا يجب الصلاة عليه وتجب على المرأة، فمراعاة الواجب أولى،
فتكون مرتبة أقرب إلى الإمام، ولو قيل كما قال الشافعي كان حسنا "، لما رواه ابن بكير
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (في جنائز الرجال والصبيان والنساء قال
توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك) (4) وهذه وإن كان
سندها ضعيفا " لكنها سليمة عن المعارض.
مسألة: والجماعة إذا صلوا تقدمهم الإمام والمؤتمون خلفه صفوفا "، وإن كان
فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، وإن كان فيهن حائض انفردت بارزة عنهن وعنهم، ولو

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 32 ح 7.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 32 ح 6.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 32 ح 11.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 32 ح 3.
354

كانا نفسين وقف الآخر خلفه بخلاف صلاة الجماعة، ولا يقف على يمينه، وقد روى
ذلك القسم بن عبيد القمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل صلى على جنازة
وحده قال نعم قلت فاثنان قال يقوم الإمام وحده والآخر خلفه ولا يقوم إلى جنبه) (1)
وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (خير الصفوف في الصلاة
المقدم وفي الجنائز المؤخر، قيل: ولم؟ قال: صار سترة للنساء) (2).
مسألة: وأن يكون المصلي (متطهرا " حافيا ") أما استحباب الطهارة، فلما رواه
عبد الحميد بن سعد عن أبي الحسن عليه السلام قلت: (أيجزيني أن أصلي على الجنازة وأنا
على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر أحب إلي) (3) وأما مستند الجواز، فلما رواه
يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن الجنازة أصلي على غير وضوء؟
قال: نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير
وضوء) (4) وروى عبد الرحمن ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (في الحائض
تصلي على الجنازة؟ قال: نعم ولا تقف معهم تقف منفردة) (5).
وأما استحباب التخفي، فلما رووه عن بعض الصحابة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله
يقول: (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمها الله على النار) (6) ولأنه موضع اتعاظ
فكان الإخبات والتذلل فيه أنسب بالرقة والخشوع.
مسألة: الفقهاء على استحباب رفع اليدين بالتكبير الأول وفيما عداه لنا:

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 28 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 29 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 3.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 22 ح 1 و 3.
6) صحيح البخاري جمعة ج 3 باب 18 ص 9، سنن النسائي ج 6 جهاد باب 9
ص 14.
355

روايتان إحديهما رواية عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صليت خلفه
على جنازة فكبر خمسا " يرفع يديه مع كل تكبيرة) (1) وبه قال الشافعي، والأخرى
رواية أبان الوراق وغياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان علي عليه السلام يرفع
يديه في أول التكبير ثم لا يعود حتى ينصرف) (2) وبه قال أبو حنيفة قال: لأن الأيدي
لا ترفع في الصلوات إلا مرة.
لنا: أن رفع اليدين مراد الله في أول التكبير، وهو دليل اختصاصه بالرجحان
فيكون مشروعا " في الباقي تحصيلا لتلك الأرجحية، ولا حجة في الرواية لأنه فعل
مستحب، فجاز أن يفعل مرة ويخل به أخرى، ولأن ما دل على الزيادة كان أولى
وأما قياس أبي حنيفة فنمنع الحكم في الأصل، ثم نسلم ونطالب بالجامع.
مسألة: تكره الصلاة على الجنازة في (المساجد) والأفضل في المواضع
المعتادة إلا بمكة، وكرهه مالك مطلقا "، وقال أبو حنيفة: يكره في مسجد الجماعة لا
فيما بني من المساجد لصلاة الجنائز، وقال الشافعي: بالجواز مطلقا ".
لنا: أنه لا يؤمن خروج ما يلطخ المسجد فيجب استظهارا "، ويؤيد ما ذكرناه
ما رواه الأصحاب عن أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلوي قال: (كنت في مسجد
فجئ بجنازة وأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول عليه السلام فوضع مرفقه في
صدري وجعل يدفعني حتى أخرجني من المسجد ثم قال: يا أبا بكر أن الجنائز لا يصلى
عليها في المساجد) (3) ويدل على أنه على الكراهية: ما روى الفضل بن عبد الملك
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (يصلى على الميت في المسجد، قال: نعم) (4) ومثله

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 10 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 10 ح 5.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 30 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 30 ح 1.
356

روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (1).
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: من صلى على الجنازة كره له أن يصلي
عليها ثانيا "، وقال الشافعي، وأحمد: بالجواز، وقال أبو حنيفة: إذا صلى غير الولي
والسلطان أعاد الولي لخبر مسكينة (فإن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على قبرها) (2).
لنا: ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله
صلى على جنازة ثم جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة، فقال: إن الجنازة لا يصلى عليها
مرتين ادعوا له وقولوا خيرا ") (3).
ويدل على أن هذا النهي على الكراهية: ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر الباقر
عليه السلام قال: (صلى علي عليه السلام على سهل بن حنيف وكلما كبر خمسا " أدركه ناس فقالوا
لم ندرك الصلاة عليه فيضعه ويكبر عليه خمسا " حتى انتهى إلى قبله خمس مرات) (4)
وروي أيضا " (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى الناس عليه جماعة بعد جماعة بغير إمام) (5) وما
احتج به أبو حنيفة ضعيف، لأن الفرض يسقط بصلاة الواحد، فلا تجب الإعادة، وخبر
المسكينة ليس حجة، لأن غايته الجواز، ونحن فلا نمنعه.
أحكام هذه الصلاة:
مسألة: من أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي ولاء، وإن رفعت الجنازة ولو
على القبر، لأنها وجبت بالشروع، فيجب الإتمام، ويؤيد ذلك: ما رواه الأصحاب
عن عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يدرك من الصلاة على

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 30 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 4 ص 48.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 6 ح 23.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 6 ح 5.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 6 ح 10 (رواه مع تفاوت).
357

الميت تكبيرة قال يتم ما بقي) (1) ومثله عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام (2).
وروى القلانسي عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته في الرجل يدرك
تكبيرة أو تكبيرين قال يتم التكبير وهو يمشي معها وإذا لم يدرك التكبير كبر على
القبر وإن أدركهم وقد دفن كبر على القبر) (3) قال الأصحاب: ويتم ما بقي متتابعا "،
لما رواه عبد الله بن مسكان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدرك الرجل
التكبيرة والتكبيرتين في الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا ") (4).
مسألة: إذا لم يصل على الميت صلى على قبره يوما " وليلة لا أكثر، وبه قال
المفيد (ره)، وقال الشيخ (ره): يصلى عليه يوما " وليلة، وأكثره ثلاثة أيام، وقال أبو
حنيفة: يصلى على قبره (لأن النبي صلى الله عليه وآله فاتته الصلاة على المسكينة فصلى على قبرها) (5)
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من أجاز الصلاة أبدا "، ومنهم من قصرها على
زمان بقائه في القبر، ومنهم من قصرها على من كان في وقته من أهل الصلاة، والوجه
عندي: أنها لا تجب ولا أمنع الجواز.
لنا: أن المدفون خرج بدفنه على أهل الدنيا، فساوى من فنى في قبره، ولأنه
لو جازت الصلاة بعد دفنه لصلي على الأنبياء في قبورهم والصلحاء، وإن تقادم العهد.
ويؤيد ذلك: ما رواه الأصحاب عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الميت
يصلى عليه ما لم يوار التراب وإن كان قد صلي عليه) (6) ويونس عنه عليه السلام قال: (إن

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 17 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 17 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 1 7 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 17 ح 1.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 48.
6) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 6 ح 19.
358

أدركت الجنازة قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها) (1) وعن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال: (لا يصلى على المدفون) (2) وأما التقدير باليوم والليلة وثلاثة أيام، فلم أقف
به على مستند.
وما روي من الصلاة على القبر فمحمول على أحد الأمرين، أما الجواز، وأما
الدعاء المحض لا على الصلاة المعتادة، وهذا هو جواب خبر المسكينة، وقد روي
عن زرارة قال: (الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء، قلت: (فالنجاشي
لم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: لا إنما دعا له) (3).
قال الأصحاب: يجب أن يكون رأس الجنازة إلى يمين الإمام، وهو السنة
المتبعة، قالوا: ولو تبين أنها مقلوبة أعيدت الصلاة ما لم تدفن، واحتجوا في ذلك:
بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (سئل عن ميت صلي عليه فإذا رجلاه
موضع رأسه، قال: يسوى وتعاد الصلاة عليه ما لم يدفن فإن دفن فقد مضت الصلاة
عليه ولا يصلى عليه وهو مدفون) (4).
مسألة: يصلى على الجنازة في الأوقات الخمسة المكروهة ما لم تضيق
فريضة حاضرة، وبه قال الشافعي، وأحمد، وقال الأوزاعي: يكره في الأوقات الخمسة
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها، وقيامها، لرواية عقبة
ابن عامر.
لنا: عبادة مفروضة، فلا تكره، لأنها أدعية محضة لا تتضمن ركوعا " ولا سجودا "
فلا تكره كغيرها من الأدعية، ويؤيد ذلك: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 6 ح 20.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 18 ح 7 و 8 (رواه عن الصادق والرضا
عليهما السلام).
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 18 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 19 ح 1.
359

الباقر عليه السلام قال: (يصلى على الجنازة في كل ساعة أنها ليست صلاة ركوع ولا سجود
وإنما يكره عند طلوع الشمس وغروبها التي فيها الركوع والسجود) (1). عن عبيد الله
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس
وحين تطلع إنما هو استغفار) (2).
مسألة: ولو كان وقت فريضة تخير ما لم يخف فوات إحديهما، لما روي
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف فوت الفريضة) (3)
وقد روى هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ابدء بالمكتوبة قبل الصلاة
على الميت إلا أن يكون مبطونا " أو نفساء أو نحو ذلك) (4) ومع التعارض يتعين
التخيير.
مسألة: لو حضرت جنازة في أثناء التكبير تخير في الإتمام والاستيناف
على الأخرى، وإن شاء استأنف صلاة عليهما، لأن كل واحد من الأمرين يحصل به
الصلاة عليهما، ويؤيد ذلك: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام
قال (سألته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى قال إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا رفعوا الأولى
وأتموا التكبير على الأخيرة كل ذلك لا بأس به) (5).
وأما المندوبات: فمنها صلاة الاستسقاء: وهي مستحبة مع الجدب وبه قال أهل العلم، وقال

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 20 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 20 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 31 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 31 ح 1.
5) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 34 ح 1.
360

أبو حنيفة: لا صلاة للاستسقاء، وإنما هو دعاء واستغفار (لأن النبي صلى الله عليه وآله استسقى على
المنبر ونزل فصلى الجمعة ولم يصل للاستسقاء) (1) وفي رواية عنه (تصلى ركعتين
فرادى لأنها نافلة والأفضل في النوافل الانفراد) (2).
لنا: ما روي عن عايشة (أن النبي صلى الله عليه وآله دعا ثم فصل ركعتين) (3) وعن
ابن عباس (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين كما كان يصلي العيد) (4) وحجة أبي
حنيفة ضعيفة، لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وآله اشتغل بالجمعة فأغنت عن صلاة الاستسقاء
ولأنها مستحبة، فجاز أن يفعلها تارة، وأن يقتصر على الدعاء أخرى، فلا يخرج
بالإخلال في وقت عن الاستحباب، وقوله الفضل في النفل الانفراد معارض بما نقل
عن النبي صلى الله عليه وآله من الجمع والترجيح لجانب خصوص النفل.
مسألة: وهي ركعتان يقرأ في كل واحدة الحمد وسورة، ويكبر فيها كتكبير
العيد، وبه قال الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، وفي أخرى يصلي ركعتين
كصلاة التطوع، لرواية أبي هريرة (أنه عليه السلام صلى ركعتين ولم يذكر التكبير) (5).
لنا: ما رووه عن ابن عباس قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين كما كان يصلي
في العيد) (6) ورووا عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر
وعمر كانوا يصلون للاستسقاء يكبرون سبعا " وخمسا ") (7).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام
(أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الاستسقاء ركعتين وبدأ بهما قبل الخطبة وكبر سبعا " وخمسا "

1) سنن البيهقي ج 3 باب الاستسقاء بغير صلاة ويوم الجمعة على المنبر ص 353.
2) لم نعثر عليه.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 349.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 347.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 347.
6) سنن البيهقي ج 3 ص 347.
7) رواه البيهقي في سننه ج 3 ص 348 عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله صلى ركعتين
فيهما اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة.
361

وجهر بالقراءة) (1).
مسألة: ويقنت بين التكبيرات بالاستغفار، وسؤال الرحمة، وإرسال الغيث
وتوفير المياه، وأفضل ما يقال الأدعية المأثورة، لأنه القصد بالصلاة، وكان سؤاله
بين التكبيرات أقرب إلى الإجابة، وأما الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
فهي أليق لاختصاصهم من معرفة خطاب الله سبحانه بما لا يتحصل لغيرهم.
ومن سننها: صوم الناس ثلاثا "، وإعلام الناس ذلك، والخروج في الثالث،
ويستحب أن يكون الاثنين أو الجمعة، وقال الشافعي: يصوم ثلاثا "، ويخرج في
الرابع، وأما الصوم فلما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (دعوة الصائم لا ترد) (2)
وما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه أمر محمد بن خالد أن يأمر الناس بصيام ثلاثة
أيام ويخرج بهم في اليوم الثالث وسئل عليه السلام متى يخرج؟ قال: يوم الاثنين) (3).
وقال أبو الصلاح الحلبي (ره): يخرج يوم الجمعة، ولعل ذلك لما روي (أن
العبد ربما سئل فيؤخر إجابته إلى الجمعة) (4) وما قاله لا بأس به أيضا "، وقال علم
الهدى (ره): يخرج المنبر معه، ولعله إسناد إلى ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام في
قصة محمد بن خالد (فإنه أمره بإخراج المنبر) (5).
مسألة: ويستحب (الإصحار) بها إلا بمسجد مكة، أما الإصحار فليعلموا
ما ينشأ من السحاب، وما يجئ من الغيث، ولينظروا في آفاق السماء، ولما روي
عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج مبتذلا متذللا حتى أتى المصلى ثم صلى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 5 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 345.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجمعة وآدابها باب 41 ح 1.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 1 ح 2.
362

ركعتين كما يصلى في العيد) (1) وروى أبو البختري عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام
عن علي عليه السلام أنه قال: (مضت السنة أنه لا يستسقى إلا في البراري حيث ينظر الناس
إلى السماء ولا يستسقى في المساجد إلا بمكة) (2) وهذه الرواية وإن ضعف سندها،
فإن اتفاق الأصحاب على العمل بها.
مسألة: وتخرج الناس (حفاة على سكينة ووقار) لأن ذلك من أوصاف
المتذلل الخاشع، ولما روي عن أبي عبد الله عليه السلام حين سأله محمد بن خالد قال:
(يخرج يمشي كما يخرج يوم العيدين وبين يديه المؤذنون في أيديهم عنزهم حتى
إذا انتهى إلى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامة) (3).
قال علم الهدى (ره) ويستصحب الشيوخ والعجايز والأطفال من المسلمين،
لأنهم أقرب إلى الرحمة، وأسرع للإجابة، ويمنع اليهود والكفار، وفي رواية عن
أحمد (لا يمنعون ويؤمرون بالانفراد لأنه لا يؤمن أن ينزل عليهم العذاب فيعم).
لنا: أنهم مغضوب عليهم، وليسوا أهلا للإجابة، ولقوله تعالى (وما دعاء.
الكافرين إلا في ضلال) (4) قال بعض الأصحاب: ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم
ليكثروا البكاء والخشوع بين يدي الله سبحانه، فيكون ذلك أقرب للإجابة.
مسألة: وتصلى جماعة وفرادى، وبه قال العلماء، وقال أبو حنيفة: لم يسن
فيها الجماعة، فإن صلى الناس وحدانا " جاز. لنا: قول النبي صلى الله عليه وآله (الجماعة رحمة) (5)
وروي عنه أنه قال: (من صلى صلاة جماعة ثم سأل الله حاجة قضيت له) (6)
وروى

1) سنن البيهقي ج 3 ص 344.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 4 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 1 ح 2.
4) سورة الرعد: 14.
5) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 278.
6) لم نعثر عليه.
363

أنس (أن النبي صلى الله عليه وآله خرج للاستسقاء فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة) (1)
مسألة: ولا أذان لها ولا إقامة، وعليه إجماع العلماء، وروي عن أبي هريرة
قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين بلا أذان ولا إقامة) (2) وقال علم الهدى
(ره): بل يقول المؤذنون الصلاة ثلاثا "، وقال الشافعي، وأحمد: يقولون المؤذنون
الصلاة جامعة كصلاة العيدين ولا أرى بالقولين بأسا، ولا يشترط إذن الإمام لو صليت
جماعة، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وعن أحمد روايتان.
لنا: أن علة تشريعها حاصل، فلا يشترط فيها الأذان كغيرها من النوافل،
ويصلي في الأوقات كلها، ولو في الأوقات المكروهة، لأنها ذات سبب فلم تكره،
وقد سلف البحث فيه.
مسألة: قال علماؤنا: ويستحب للإمام (تحويل الرداء) يقلب ما على ميامنه
إلى مياسره وما على مياسره إلى ميامنه، ولا يسن لغيره، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: أن كان مقررا [معتورا] قلبه وإن كان مربعا " فقولان يحركه أو يقبله وقال
أحمد: باستحبابه في حق الجميع.
لنا: ما رووه عن عبد الله بن زيد (إن النبي صلى الله عليه وآله حول ردائه، وجعل عطافه
الأيسر على عاتقه الأيمن وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن) (3).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تصلى
ركعتين كصلاة العيدين في دعاء واجتهاد فإذا سلم نقل الذي على المنكب الأيمن
على الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإن النبي صلى الله عليه وآله كذا صنع) (4) وتفصيل

1) سنن البيهقي ج 3 ص 349 (رواه عن أبي إسحاق).
2) سنن البيهقي ج 3 ص 347.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 350 (رواه عن عباد بن تميم عن عمه وأما ما روى عبد الله
ابن زيد فيه اختلاف يسير).
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 1 ح 1.
364

الشافعي لا حجة فيه.
مسألة: يستحب للإمام (استقبال القبلة) مكبرا "، واليمين مسبحا "، واليسار
مهلا، والناس حامدا " من كل فصل مائة رافعا " صوته في ذلك كله، والناس يتابعونه،
والقصد به إيفاءا لجهات حق الاستغفار والتضرع والابتهال، لأنه لا يعلم إدراك
الرحمة من أي جنب.
وأيد ذلك ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (يقلب ردائه فيجعل الذي على
يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه ثم يستقبل القبلة فيكبر مائة رافعا " بها
صوته ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبح مائة رافعا " بها صوته ثم يلتفت إلى الناس
عن يساره فيهلل الله مائة رافعا " بها صوته ثم يستقبل الناس فيحمد الله مائة ثم يرفع
يديه ويدعو فأني أرجو أن يجابوا) (1).
مسألة: ويخطب بعد الصلاة خطبتين كالعيد، وبه قال الشافعي، وعن أحمد
روايتان، أحديهما: يخطب واحدة، والأخرى: لا يخطب أصلا، وبه قال أبو حنيفة
لرواية ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله رقا المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه) (2). لنا:
ما رووه عن أبي هريرة قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتين ثم خطبنا) (3).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رسول
الله صلى الله عليه وآله صلى الاستسقاء ركعتين وبدأ بالصلاة قبل الخطبة) (4) وحجة أبي حنيفة
ضعيفة، لأنه نفى المشابهة بخطبة مشار إليها، فلا يكون نفيا " للخطبة مطلقا ". قال أكثر
الأصحاب: والخطبة قبل الصلاة، والحجة ما رووه عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 1 ح 2.
2) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 313.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 347.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 5 ح 1.
365

عليه السلام وطلحة وإن كان ضعيفا " فالرواية مقبولة بين الأصحاب، وقد روى إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الخطبة في الاستسقاء قبل الصلاة) (1) ولو قيل
بالتخيير كان حسنا "، وإنما قلنا بالخطبتين لتشبيه الاستسقاء بالعيد.
مسألة: يبالغ في الدعاء والاستغفار، ويعاودون إن تأخرت الإجابة، أما تأكيد
الاستغفار فلقوله تعالى (استغفروا ربكم إنه كان غفارا " * يرسل السماء عليكم
مدرارا ") (2) وأما معاودة السؤال فعليه اتفاق الأصحاب، وبه قال مالك، والشافعي
ومنع إسحاق (لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج إلا مرة) (3).
لنا: قوله عليه السلام (إن الله يجب الملحين في الدعاء) ولأن سبب ابتداء
الصلاة باق فيبقى الاستحباب، وكون النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج إلا مرة فلاستغنائه بالمرة
عن المعاودة، ولو سقوا بعد التأهب لم يخرجوا، وكذا لو سقوا قبل الصلاة لحصول
الغرض بالصلاة، نعم يستحب صلاة الشكر.
ومنها نافلة شهر رمضان: والكلام في استحبابها وكميتها وكيفية إيقاعها
أما استحبابها فقد اختاره الأكثر، وقال بعض أصحاب الحديث منا: لم يشرع لرمضان
زيادة نافلة عن غيره، واحتجاجهم من المعقول بأن الأصل عدم التشريع ولن يوجد
ما ينافيه، فتعين العمل به، ومن المنقول بما رواه الجمهور عن عايشة قالت: (ما كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة منها الوتر) (4).
وما رواه الأصحاب عن محمد بن مسلم قال: (سمعت إبراهيم بن هاشم
يقول هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وآله قيامه فذكرت ذلك

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستسقاء باب 5 ح 2.
2) سورة نوح: 10 ح 11.
3) الوسائل ج 4 أبواب الدعاء باب استحباب الإلحاح في الدعاء ص 1109.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 496 رواه بلا لفظة (ركعة منها الوتر).
366

لأبي جعفر عليه السلام فقال كذب ابن هشام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من الليل ثلاث عشرة
ركعة منها الوتر وركعتان قبل الفجر في رمضان وغيره) (1). وما رواه الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام سألاه عن الصلاة في رمضان فقال: (ثلاث عشرة ركعة منها الوتر
وركعتان الصبح بعد الفجر كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ولو كان خيرا " لم يتركه
رسول الله صلى الله عليه وآله) (2).
لنا: ما رواه الجمهور عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (من قام
رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) (3).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء شهر رمضان زاد في الصلاة وأنا أزيد فزيدوا) (4) وروى
منصور بن حازم عن أبي بصير أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (أيزيد الرجل في الصلاة
في رمضان قال نعم إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد زاد في رمضان فزيدوا) (5).
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزيد في
صلاته في شهر رمضان) (6) ولأن فيه تضاعف الحسنات، فينبغي اختصاصه بمزيد
اهتمام بأفضلها، وهو الصلاة، وجواب ما ذكروه من الاستدلال بالأصل وجود المنافي
وهو ما ذكرنا من الأحاديث، وجواب أحاديثهم المعارضة بأحاديث كثيرة دالة على
الاستحباب، وعلى أن الرسول صلى الله عليه وآله زاد فيه، والكثرة أمارة الرجحان، ولأن عمل
الناس في الآفاق على استحباب ذلك، فيكون العمل بما طابقه أولى.

1) لم نعثر عليه.
2) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 9 ح 1.
3) سنن ابن ماجة ح 1326.
4) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 2 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب. 2 ح 5.
6) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 2 ح 1.
367

وأما الكمية فعندنا (ألف ركعة) وهو طباق علمائنا القائلين بالزيادة، وقال
مالك: في كل ليلة ست وثلاثون ركعة اقتداءا بأهل المدينة، وقال الشافعي، وأبو
حنيفة، وأحمد: في كل ليلة عشرون ركعة هي خمس ترويحات كل ترويحة أربع
ركعات بتسليمتين، لما روي (أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي
بهم كل ليلة عشرين ركعة) (1) وعن علي عليه السلام (أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان
عشرين ركعة في كل ليلة) (2).
لنا: ما رواه مفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يصلي في شهر رمضان
إلى ألف ركعة) (3) وعن علي بن أبي حمزة قال سأل أبو بصير أبا عبد الله عليه السلام عن
الصلاة في رمضان فقال: صل في رمضان ما استطعت فإن استطعت أن تصلي في كل
يوم ألف ركعة فافعل فإن عليا " عليه السلام كان يصلي في آخر عمره كل يوم وليلة ألف
ركعة) (4) ومثله عن جميل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام (5).
وجواب ما ذكروه من الاقتصار على العشرين: إنا نساعد عليه لكن ما زاد عن
عشرين ليلة يزاد في كل ليلة عشر ركعات، لأن العشر الأواخر أفضل ليالي الشهر،
إذ ليلة القدر إحديها، فينبغي الاعتناء بالعبادة فيها زيادة عما سبق، فلعل ما نقلوه
إشارة إلى العشرين لا إلى الأواخر، وقد رووا (أن أبيا صلى بهم عشرين ليلة كل ليلة
عشرين ركعة ثم لم يظهر إليهم فقالوا أبق أبي) (6).
وما ذكره مالك لا حجة فيه، لأنه مخالف لما عليه عامة الفقهاء، وقد قال بعض

1) سنن البيهقي ج 2 ص 493 و 496.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 496.
3) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 5 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 5 ح 1.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 498.
368

علمائهم: إنما زاد أهل المدينة لمكان انفراد أهل مكة بالطواف بين الترويحات،
فجعلوا عوض كل طواف ترويحة فكانت ست عشرة.
وأما كيفية توزيعها: ففيه روايتان إحديهما (في كل ليلة عشرون ركعة إلى
عشرين وفي الأواخر في كل ليلة ثلاثون) ويضاف إلى ذلك في ليالي الأفراد الثلاثة
في كل ليلة مائة، والأخرى (تقصر في الأفراد على المائة) والأولى رواية مسعدة
ابن صدقة وسماعة بن مهران (1) والأخرى رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام
وإسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام (2).
وروى المفضل بن عمر (أن تمام الألف بعشر في كل جمعة من الشهر أربع
صلاة أمير المؤمنين عليه السلام وركعتان لابنه محمد وأربع صلاة جعفر بن أبي طالب (ره)
وفي ليلة الجمعة من العشر الأواخر عشرون ركعة بصلاة أمير المؤمنين عليه السلام وفي
عشية تلك الجمعة ليلة السبت عشرون لابنه محمد وقال صلاة أمير المؤمنين عليه السلام
أربع ركعات كل ركعة بخمسين مرة قل هو الله أحد وصلاة ابنه محمد ركعتان في
الأولى بالحمد وإنا أنزلناه مائة مرة وفي الثانية بالحمد وقل هو الله أحد مائة مرة) (3)
ونسب الشيخ (ره) هذه الصلاة إلى فاطمة عليها السلام.
وصلاة جعفر أربع، وسيأتي في كيفيتها مسألة منفردة، واختلفت الرواية فيما
يصلى منها بعد المغرب، ففي رواية مسعدة بن صدقة (يصلي ثمانيا " بعد المغرب
واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء) (4) وفي رواية سماعة بالعكس (5) وكذا الخلاف
في العشر الأواخر، ففي رواية علي بن أبي حمزة (بعد المغرب ثمان وبعد العشاء

1) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 2 و 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 1 و 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 3.
369

ما بقي) (1) وفي رواية سماعة في جماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ومن أبي محمد (يصلي
بعد المغرب اثنين وعشرين ركعة والباقي بعد العشاء) (2) وطرق هذه الروايات كلها
ضعيفة، لكن عمل الأصحاب أسقط اعتبار طرقها، ولا رجحان فيها فينبغي القول فيها
بالتخيير.
مسألة: تصلى هذه الصلوات فرادى، والجماعة فيها بدعة، وقال الشافعي:
الأفضل فيها الانفراد، وقال أحمد، وأبو حنيفة: باستحباب الجماعة (لأن عمر جمع
الناس على أبي) (3) ولم ينكر ذلك أحد الصحابة، فكان إجماعا، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
(جمع بها ثلاث ليال ثم امتنع خوفا " أن تكتب) (4) ولأنه عليه السلام خرج والناس يصلون
في ناحية المسجد، فقيل هؤلاء ليس معهم قرآن فهم يصلون بصلاة أبي فقال:
(أصابوا ونعم ما صنعوا) (5).
لنا: ما رووه عن زيد بن ثابت (أن الناس اجتمعوا فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وآله
فرفعوا أصواتهم وحصنوا الباب فخرج مغضبا وقال ما زال بكم منيعكم حتى ظننت
أنها ستكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة) (6) ولو كانت الجماعة فيها مشروعة لسارع إليها، ولما أزهد فيها.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل قالوا:
(سألناهما عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا إن النبي صلى الله عليه وآله خرج أول
ليلة من شهر رمضان ليصلي فاصطف الناس خلفه فهرب إلى بيته وتركهم ففعل ذلك

1) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 494.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 493.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 495.
6) سنن البيهقي ج 2 ص 494 (رواه مع تفاوت يسير).
370

ثلاث ليال وقال في اليوم الرابع على منبره وقال أيها الناس إن الصلاة بالليل في
رمضان نافلة في جماعة بدعة فلا تجتمعوا في ليالي شهر رمضان لصلاة الليل فإن ذلك
بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ثم نزل وهو يقول قليل في سنة
خير من كثير في بدعة) (1).
ولا حجة في قصة عمر لانقضاء زمن النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر، ولم ينقل الإجماع
وقولهم (صلى ثلاثا جماعة) (2) يبطل بالروايات الصريحة بالمنع من الإجماع،
ولأن عمر قال نعمت البدعة، ولو كانت الجماعة فيها سنة لما كانت بدعة.
مسألة: صلاة التسبيح وتسمى صلاة الحياة عندنا مشروعة مؤكدة الاستحباب
وأنكرها بعض الجمهور، وقال أحمد بن حنبل: لا تعجبني لأنه ليس فيها شئ يصلح.
لنا: ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام (أن جعفر بن أبي طالب قدم
يوم فتحت خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا " بقدوم جعفر بن أبي
طالب أم فتح خيبر والتزمه عليه السلام وقبل بين عينيه وقال: يا جعفر ألا أعطيك؟ ألا
أمنحك؟ ألا أحبوك؟ قال: بلى، قال: صل أربع ركعات متى صليتهن غفر لك
ما بينهن إن استطعت كل يوم، أو كل جمعة، أو كل شهر، أو كل سنة، قال: كيف
أصليها؟ قال: تفتتح الصلاة ثم تقرأ ثم تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر خمس عشر مرة وأنت قائم فإذا ركعت قلت ذلك عشرا فإذا رفعت رأسك
فعشرا وإذا سجدت فعشرا وإذا رفعت فعشرا وإذا سجدت الثانية فعشرا وإذا رفعت
رأسك عشرا فذلك خمس وسبعون تكون في الأربع ثلثمائة) (3).
واختلفت الرواية في القراءة، ففي رواية (تقرأ في كل ركعة قل هو الله أحد

1) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 10 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 2 ص 493.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة جعفر باب 1 ح 3.
371

وقل يا أيها الكافرون) (1) وفي رواية إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي الحسن موسى
عليه السلام (تقرأ إذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد) (2) وفي رواية
إبراهيم بن عبد الحميد عنه عليه السلام (تقرأ في الأولى إذا زلزلت وفي الثانية العاديات
وفي الثالثة إذا جاء نصر الله وفي الرابعة قل هو الله أحد، قلت: فما ثوابها؟ قال:
لو كان عليك رمل عالج ذنوبا " غفرت لك) (3) والأخيرة أشهر بين الأصحاب، وأيها
استعمل جاز.
وفي رواية أبان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من كان مستعجلا صلاها مجردة
ثم يقضي التسبيح، وهو ذاهب في حوائجه) (4).
وقال بعض الجمهور: إنما كان قول النبي صلى الله عليه وآله لعمه العباس محتجا " برواية
الترمذي بإسناده عن ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للعباس: يا عماه ألا أعطيك؟
ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلتها غفر الله لك ذنبك
أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته، أن
تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت قلت:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشر مرة ثم ساق الصلاة كما
ذكرناه أولا ثم قال: إن استطعت أن تصليها في كل يوم فافعل فإن لم تفعل ففي كل
جمعة فإن لم تفعل ففي كل شهر فإن لم تفعل ففي كل سنة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة) (5).
ونحن نقول روايتنا أرجح من هذه، لطعن أصحاب الحديث منهم في هذه
الرواية، وسلامة روايتنا عن المطاعن، ولأن نسبة ذلك إلى جعفر مروي من طرق

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة جعفر باب 1 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة جعفر باب 2 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة جعفر باب 2 ح 3.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة جعفر باب 8 ح 1.
5) سنن ابن ماجة باب 190 ح 1387.
372

متعددة، تارة عن أبي عبد الله عليه السلام، وتارة عن موسى، فكان المصير إليها أولى.
ومنها: صلاة (ليلة الفطر) وهي ركعتان، الأولى بالحمد وألف مرة قل هو
الله أحد، وقد ذكرها الشيخ (ره)، ولا بأس بها، فإن الصلاة خير موضع.
ومنها: صلاة ((يوم الغدير) وهي تجري مجرى الشكر لله على ما به من الهداية
تصلي ركعتين قبل الزوال بنصف ساعة، وقد روي بذلك روايات منها: رواية داود
ابن كثير الرقي عن أبي هارون عمار بن جوير العبدي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
(هو يوم عيد وسرور وصومه يعدل ستين شهرا " من أشهر الحرم يصلي فيه ركعتين
وأفضله قرب الزوال وهي الساعة التي أقيم فيها أمير المؤمنين عليه السلام بغدير خم علما "
للناس ثم تسجد وتقول شكرا " لله مائة مرة وتدعو بالدعاء) (1).
واعلم أن داود هذا مطعون فيه بالغلو، غير أن هذا يوم لا شك في فضله
ويضاعف الأجر بالقربات فيه، وأفضل القرب الصلاة، قال الشيخ (ره): اغتسل
في صدر النهار، فإذا بقي للزوال نصف ساعة فصل ركعتين تقرأ في كل واحدة منهما
الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات، وآية الكرسي عشر مرات، وإنا أنزلناه
عشر مرات، ثم تعقب بتسبيح الزهراء عليها السلام، ثم يدعو بما ذكره رحمه الله في كتب
الأدعية.
ومنها: صلاة (ليلة النصف من شعبان) وهي أربع ركعات تقرأ في كل
ركعة قل هو الله أحد مائة مرة، ثم يدعو بالمأثور، روى ذلك أبو يحيى الصنعاني
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام (2)، قال الشيخ (ره): ورواه عنهما ثلاثون رجلا
ممن يثق به) (3).

1) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 3 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 8 ح 2 (لكنه رواه عن علي
ابن محمد مرفوعة).
3) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 8 ح 4.
373

ومنها: صلاة (ليلة المبعث ويومها) أما الليلة، فقد روى صالح بن عقبة
عن أبي الحسن عليه السلام قال: (صل ليله سبع وعشرين من رجب أي وقت شئت من
الليل اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد أربع
مرات فإذا فرغت فقل وأنت في مكانك أربع مرات لا إله إلا الله والله أكبر والحمد
لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم ادع بما شئت) (1).
وروى الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام قال: (إذا صليت
العشاء ثم استيقظت أي ساعة من الليل إلى قبل الزوال صلى اثنتي عشرة ركعة تقرأ في
كل ركعة الحمد وسورة من خفاف المفصل إلى الجحد فإذا سلمت في كل شفع
جلست بعد التسليم وقرأت الحمد سبعا " والمعوذتين سبعا " وقل هو الله أحد سبعا " وقل
يا أيها الكافرون وإنا أنزلناه وآية الكرسي سبعا " سبعا " وقل بعد ذلك الدعاء) (2).
وأما صلاة اليوم، فقد رواها الربان بن الصلت قال: (أمرنا أبو جعفر الثاني
عليه السلام بصوم اليوم السابع والعشرين من رجب وأمرنا أن نصلي الصلاة التي هي اثنتي
عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا " وقل هو
الله أحد أربعا " والمعوذتين أربعا " وقلت: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد
لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعا " الله الله ربي ولا أشرك به شيئا " أربعا "
ولا أشرك به أحدا " أربعا ") (3).
ومن المندوب: ما ليس موقتا "، وهو كثير، كصلاة الشكر، وصلاة الحاجة،
وصلاة التوبة، وهي مذكورة في كتب العبادات، ومستندها النقل، ولو ضعف لم
يقدح لما يعضده من كون الصلاة أفضل عبادات الإنسان.

1) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 9 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب بقية الصلوات المندوبة باب 9 ح 3.
3) الوسائل ج 5 أبواب بقيه الصلوات المندوبة باب 9 ح 4.
374

مسألة: صلاة الاستخارة مشروعة مؤكدة، وهي أن تصلي ركعتين وتسأل
الله تعالى أن يجعل ما عزمت عليه خيره، وأنكر ذلك طائفة من الجمهور.
لنا: ما رووه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلمنا
الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا هم أحدكم
بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: اللهم إني أستجيرك بعلمك وأستقدرك
بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام
الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني وعاقبة أمري، أو قال: في
عاجل أمري وآجله فيسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرفي
ديني ومعيشتي وعاقبة أمري، أو قال: في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني
عنه وقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به ويسمي حاجته) (1).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات منها: رواية عمرو بن حريث عن أبي
عبد الله عليه السلام (صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار له) (2).
وروى عمرو بن شمر عن جابر بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام (3) وعلي بن حديد
عن مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد أحدكم شيئا " فليصل ركعتين وليحمد
الله وليثن عليه ثم يصلي على محمد وآل محمد، ثم يقول: اللهم إن كان هذا الأمر
خيرا " لي في ديني فيسره لي وقدره لي وإن كان على غير ذلك فاصرفه عني وسألته
أي شئ أقرأ فيهما فقال: ما شئت وإن شئت قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) (4).
وعمرو بن شمر وعلي بن حديد ضعيفان، لكن العمل بمضمون روايتهما

1) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 188 ح 1383.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستخارة باب 1 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستخارة باب 1 ح 3.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الاستخارة باب 1 ح 7.
375

مشهور بين الأصحاب، ولا بأس به، لأنه رغبة إلى الله وانقطاع إليه، ومضمونها
الدعاء، وهو حسن على كل حال، أما الرقاع فيتضمن افعل ولا تفعل، وفي خبر [خبره]
الشذوذ، فلا عبرة بها.
ومنها: صلاة الحاجة: وقد روى أصحابنا عدة روايات مذكورة في كتب
العبادات، وروى الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (من
كان له إلى الله حاجة أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء ثم ليصل
ركعتين ثم ليثن على الله تعالى وليصل على النبي صلى الله عليه وآله ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم
الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم الحمد لله رب العالمين أسألك موجبات رحمتك
وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم أسألك أن لا تدع لي ذنبا
إلا غفرته ولا هما " إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا " إلا قضيتها يا أرحم الراحمين) (1).
المقصد الثالث
[في التوابع]
وهي خمسة:
الأول: في الخلل الواقع في الصلاة، وهي أما عن عمد أو سهو أو شك.
مسألة: من أخل بواجب عمدا أبطل صلاته، شرطا كان كالطهارة والقبلة وستر
العورة، أو جزءا منها، سواء كان ركنا كالركوع، أو غير ركن كالقراءة وتسبيح
الركوع والسجود، أو كيفية كالطمأنينة، عالما "، أو جاهلا، لأن الإخلال بالشرط
يلزم الإخلال بالمشروط، ولو صحت مع الإخلال به لم يكن شرطا "، وقد أسلفنا
أنه شرط، والإخلال بالجزء إخلال بالحقيقة المجموعة من الأجزاء، فلا يكون المخل
به آتيا " بكمال الصلاة.

1) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 189 ح 1384.
376

وكذا كيفية الأفعال عدا الجهر والإخفات، فإن المخالفة فيه تبطل عمدا " لا
سهوا " باتفاق القائلين بوجوبه، ولما روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل جهر
فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: إن فعل ذلك متعمدا "
فقد نقض صلاته وعليه الإعادة وإن فعل ذلك ناسيا " أو ساهيا " أو لا يدري فلا شئ
عليه) (1).
وكذا تجب الإعادة لو فعل ما لا يجوز فعله في الصلاة من تروك الصلاة،
كالالتفات إلى ظهره، وقد سلف بيان ذلك، وكذا الصلاة في الثوب المغصوب،
والمكان المغصوب، والسجود على النجس مع العلم، لأنه منهي، والنهي يدل
على الفساد.
مسألة: من سهى عن ركن وكان محله باقيا " أتى به، لأن الإتيان به ممكن على
وجه لا يؤثر خللا، ولا إخلالا بهيئة الصلاة، ويدل على ذلك: ما رواه أبو بصير
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل يشك وهو قائم لا يدري ركع أو لم يركع
قال: يركع ويسجد) (2) ورواية علي بن يقطين عن موسى عليه السلام (في الرجل نسي
التكبير حتى قرأ قال: يعيد الصلاة) (3) وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (في
الرجل يصلي ولم يفتتح بالتكبير هل يجزيه تكبير الركوع؟ قال: لا بل يعيد صلاته
إذا حفظ أنه لم يكبر) (4).
ولو ذكر الإخلال بعد دخوله في ركن آخر استأنف، كما لو أخل بالقيام
حتى نوى، أو بالنية حتى افتتح، أو بالافتتاح حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد،

1) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 26 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 12 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 2 ح 5 (رواه بدل حتى قرأ " حتى
يركع ").
4) الوسائل ج 4 أبواب تكبيرة الإحرام باب 3 ح 1.
377

أو بالسجدتين حتى ركع، ويستوي في ذلك الأوليان، والآخران.
وقال الشيخ: تبطل لو كان من الأولتين، ويلفق في الأخرتين من الرباعيات،
فيحذف السجود، ويأتي بالركوع، وكذا يحذف الركوع ويأتي بالسجود، محتجا "
برواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع
قال: إن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة فيهما ويبني على صلاته وإن كان لم
يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة ويسجد سجدتين ولا شئ
عليه) (1) وبعض الأصحاب يلفق مطلقا "، ولا يعتد بالزيادة.
لنا: أنه أخل بركن من الصلاة حتى دخل في آخر فسقط الثاني، فلو أعاد
الأول لزاد ركنا "، ولو لم يأت به نقص ركنا "، وكلاهما مبطل على ما سيأتي، ولأن
الزائد لا يكون من الصلاة، وهو فعل كثير، فيكون مبطلا.
ويدل على ذلك: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أيقن
الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة) (2).
وعن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل ينسى الركوع حتى يسجد ويقوم قال:
يستقبل) (3) وعن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام (عن الرجل ينسى
الركوع قال يستقبل حتى يضع كل شئ موضعه) (4).
وجواب حجة الشيخ (ره): أنه خبر واحد، فلا يترك له الأكثر، ولأن
ظاهره الإطلاق، وهو متروك، وتأويله تحكم.

1) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 11 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 3.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 10 ح 2.
378

فرع
لو ترك ركوعا " من رباعية، ولم يدر من أي الركعات أعاد على ما قلناه،
وعلى مذهب من يلفق مطلقا " يضيف إليها ركعة، وعلى مذهب الشيخ (ره) يعيد،
لاحتمال أن يكون من الأولتين، ولو تيقن سلامتها أضاف إليها ركعة.
فرع
لو ترك سجدتين ولم يدر من أي الأربع، فعلى ما قلناه، يعيد وعلى المذهب
الآخر تم له ثلاث، ويضيف إليها ركعة، وعلى قول الشيخ (ره) يعيد إلا أن يتحقق
أنها من الأخرتين، فتصير الرابعة ثالثة، ويتمم بركعة، ويسقط حكم الركوع
المتخلل، لأنه وقع سهوا ".
مسألة: ويعيد الصلاة لو زاد ركوعا "، عمدا "، أو سهوا "، وقال الشافعي،
وأحمد، وأبو حنيفة: لا يعيد لو زاد سهوا " ويسجد للسهو (لأن النبي صلى الله عليه وآله صلى
الظهر خمسا " فلما قيل له سجد للسهو) (1).
لنا: أنه تغيير لهيئة الصلاة، وخروج عن الترتيب الموظف، فتبطل معه الصلاة،
وأنه فعل كثير خارج عن أفعال الصلاة، فيكون مبطلا، ويدل على ذلك: رواية
زرارة وبكير وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته
المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا) (2) وروى منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام (عن رجل صلى وذكر أنه زاد سجدة فلا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها
من ركعة) (3) وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل استيقن أنه زاد

1) سنن البيهقي ج 2 ص 341.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 19 ح 1 و 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 14 ح 2.
379

سجدة قال: لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة) (1).
وجواب خبرهم: أنه حكاية حال، فلعله عليه السلام لم يتيقن ما قالوه، فأحدث
عنده شكا "، والشك في الزيادة لا تبطل، وتجب معه سجدة السهو.
فرع
وكذا لو زاد سجدتين، لما ذكرناه: من أنه تغيير للهيئة المشروعة، ولأنه
فعل كثير ليس معدودا " من الصلاة، فيكون مبطلا، وكذا لو أخل بالنية حتى كبر،
وبالتكبير حتى قرأ، وبالقراءة حتى ركع.
فرع
لو زاد خامسة، ولم يجلس عقيب الرابعة اتفق الأصحاب على وجوب الإعادة،
وبه قال أبو حنيفة، ولو جلس عقيب الرابعة، فللشيخ (ره) قولان، أحدهما: يعيد
لما ذكرناه، والثاني: لا يعيد، وقال الشافعي: صلاته تامة على التقديرين، ويسجد
للسهو.
لنا: على الأول: إنها زيادة مغيرة لهيئة الصلاة، فيكون مبطلة، ولما رواه
أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (2) وعلى
الثاني: إن نسيان التشهد غير مبطل، فإذا جلس قدر التشهد يكون قد فصل بين الفرض
والزيادة.
ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل استيقن أنه صلى
الظهر خمسا " فقال: إن علم أنه جلس في الرابعة فصلاته الظهر تامة ويضيف إلى

1) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 14 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 2.
380

الخامسة ركعة ويسجد سجدتين فيكونان نافلة ولا شئ عليه) (1) وفي رواية زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام (عن رجل صلى خمسا " فقال: إن كان جلس في الرابعة قدر التشهد
فقد تمت صلاته) (2).
مسألة: لو سلم ثم تيقن نقصان عدد صلاته أتي بما نقص إن كان على حاله،
ويتشهد، ويسلم، ويسجد للسهو، فإن فعل ما ينافي الصلاة عمدا " أو سهوا " أعاد
كالاستدبار والحدث، وإن فعل ما لا يبطل سهوا "، كالكلام فقولان:
أما الأول: فلا يمكن الإتيان بالفايت من غير خلل في هيئة الصلاة، فيجب تحصيلا
للواجب: ويؤيده روايات: منها رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام
قلت: (أجئ إلى الإمام وقد سبقني بركعة فلما سلم وقع في قلبي أني أتممت ولما
طلعت الشمس ذكرت قال إن كنت في مقامك فأتم بركعة) (3).
وأما الثاني: فلأنه فعل مناف للصلاة، فلا يصح معه الإتمام، وبه روايات
منها: رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليها السلام (إذا حول وجهه عن القبلة استقبل
الصلاة استقبالا) (4) وفي رواية الحسين بن أبي العلاء عنه عليه السلام قال: (إن كنت
انصرفت فعليك الإعادة) (5).
أما الكلام وما لا يبطل معه عمدا "، ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام (في الرجل يتكلم ثم يذكر أنه لم يتم صلاته قال يتم ما بقي من صلاته ولا شئ
عليه) (6) وبه قال الشيخ، وقال يتم صلاته ما لم يتكلم، أو يستدبر القبلة.
مسألة: لو نسي القراءة أتى بها ما لم يركع، فإن ركع استمر، ولا سهو عليه،

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 19 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 19 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 6 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 6 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 6 ح 1.
6) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 9.
381

إلا على القول به مع الزيادة والنقصان، وقال الشافعي: إن لم يذكر إلا بعد الركوع
أعاد الصلاة، لقوله عليه السلام (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (1).
لنا: أن النسيان عذر، فيسقط معه الوجوب، ولا يلزم عليه الركوع والسجدتان
لأن ذلك ركن في الصلاة، فلا تصح من دونه، ولأن ذلك مجمع على وجوبه،
فلا يساوي المختلف فيه، ويؤيد ذلك روايات: منها رواية منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (صليت المكتوبة ونسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال: أليس قد
أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك) (2) وما احتج به
لا يتناول موضع النزاع، لأنا نتكلم على تقدير النسيان، وقد بينا أن مع النسيان
يسقط الوجوب.
وكذا لو نسي الذكر في الركوع، أو الطمأنينة فيه أو رفع الرأس منه،
أو الطمأنينة في الانتصاب، أو الطمأنينة في السجود، أو الذكر فيه، أو رفع الرأس
منه، أو السجود على الأعضاء السبعة، أو الطمأنينة بعد الرفع، أو الطمأنينة في
الجلوس للتشهد، فإن ذكر ومحله باق أتى به، وإن ذكر بعد فوات محله استمر،
وقال الشافعي: الطمأنينات ركن في الصلاة تبطل بفواتها.
لنا على وجوب الإتيان به مع بقاء محله: أنه أمكن فعل الواجب في محله
من غير إحداث خلل في الصلاة، فيجب مجاوزة محله، فلأن السهو عذر يسقط معه
الوجوب، ولأن ذلك كيفيات للأفعال، فيسقط بفواتها، ولأن ذلك مختلف في وجوبه،
فلا يساوي الأركان المتفق على وجوبها، وقد روى القداح عن جعفر بن محمد عن
أبيه (أن عليا " عليه السلام سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا "؟ قال: تمت صلاته) (3).

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 428.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 29 ح 2.
3) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 15 ح 1.
382

مسألة: من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو في السورة قرأ الحمد وأعادها، إن
قلنا بوجوب السورة مع الحمد، لأن الترتيب واجب، والإتيان به ممكن من غير تغيير لهيئة الصلاة، فيجب، ولأن محل القراءة ما دام باقيا "، فيجب الإتيان بالحمد
لبقاء محلها، ويدل على الترتيب فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين (1).
ومن طريق الأصحاب رواية محمد بن مسلم قال: (سألته عن الرجل لا يقرأ
فاتحة الكتاب في صلاته؟ قال: لا صلاة له إلا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات) (2)
ويدل على وجوب التدارك: رواية سماعة قال: (سألته عن الرجل ينسى فاتحة
الكتاب في صلاته؟ قال: فيقرأها ما دام لم يركع فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في
جهر أو إخفات) (3) وسماعة وإن كان واقفيا " إلا أن روايته سليمة عن المعارض،
وعمل الأصحاب يؤيدها وما ذكرناه من الحجة.
مسألة: من ذكر أنه لم يركع أتى به ما لم يسجد، لأن محله باق، والإتيان
به ممكن، وكذا من ترك سجدة حتى قام رجع وسجد ما لم يركع، فإن ركع
استمر، فإذا سلم قضى السجدة وسجد للسهو، وبه قال الشيخ (ره).
وقال بعض الأصحاب: إن كان من الأولتين أعاد، لما روى البزنطي عن الرضا
عليه السلام قال: (إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت
حتى يصح لك اثنتان وإذا كان في الثالثة والرابعة وتركت سجدة بعد أن تكون حفظت
الركوع أعدت السجود) (4).
وقال أبو حنيفة: يرجع فيسجد ما لم يسجد في الثانية، ولو سجد في الثانية

1) سنن البيهقي ج 2 ص 348.
2) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 27 ح 4.
3) الوسائل ج 4 أبواب القراءة في الصلاة باب 28 ح 2 (رواه مع تفاوت يسير)
4) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 14 ح 3.
383

قضى فيما بعد وسجد للسهو، وقال الشافعي: يرجع ما لم يسجد في الثانية ولو سجد
في الثانية تمت الأولى بسجدة، وتبطل ما تخلل وحصل له ركعة ملفقة، وقال مالك:
إن ذكر قبل أن يطمئن راكعا " رجع إلى السجود، وإن ذكر بعد طمأنينته في الركوع
بطلت الأولى واعتد بالثانية.
لنا على وجوب الرجوع ما لم يركع: اتفاق العلماء، ولأن القيام ليس ركنا "
يمنع عن العود إلى السجود، وأما لو ركع فقد أتى بفعل يمنع العود إلى السجود،
لأنه بغير هيئة الصلاة إذا الركوع يعود مزيدا " لو سقط، وقد بينا أن زيادة الركوع
مبطل.
ويؤيد ما قلناه: رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي
أن يسجد السجدة الثانية حتى قام، قال: فليسجد ما لم يركع) (1) وأما أنه إذا ذكر
بعد الركوع مضى في صلاته، فلئلا تغير هيئة الصلاة، ولما رواه إسماعيل بن جابر
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى
يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء) (2) وفي وجوب سجدتي السهو قولان، أظهرهما:
الوجوب، وبه قال الشيخان، وعلم الهدى، وأتباعهما.
فرع
وكذا لو نسي السجدتين وذكر قبل الركوع أتى بهما، وعاد إلى القيام،
لأن محل السجود باق، إذ لو لم يكن باقيا " لما صح الرجوع إلى السجدة الواحدة.
مسألة: من نسي التشهد الأول، ثم ذكر رجع وتشهد ما لم يركع، ولا
سهو عليه، فإن ركع مضى في صلاته، وقضاه بعد التسليم، وسجد السهو، وبه
قال في المبسوط والخلاف والنهاية، واختاره الحسن البصري، وقال الشافعي،

1) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 14 ح 1.
2) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 14 ح 1.
384

وأبو حنيفة: إن ذكر بعد قيامه واعتداله لم يعد، ومضى في صلاته، ويعود لو كان
قبل ذلك، وقال مالك: إن ذكر بعد رفع أليتيه من الأرض لم يرجع، ويرجع لو
كان دون ذلك.
لنا: أنا بينا أن القيام ليس حائلا يمنع العود إلى السجود، فلا يمنع العود
إلى التشهد، لأن محله أقرب إلى القيام ولأن زيادة القيام فعل يسير وقع سهوا " عنه،
فلا يقدح في الصلاة، فيكون الإتيان بالتشهد واجبا "، لبقاء محله، ويؤيد ذلك رواية
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قمت من الركعتين من الظهر أو غيرها ولم
تتشهد فيهما فذكرت قبل أن تركع فاجلس وتشهد وأتم صلاتك وإن لم تذكر حتى
تركع فليتم صلاته وليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم) (1).
وإنما قلنا لا سهو عليه، فلرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يسهو
في الصلاة فينسى التشهد؟ فقال: يرجع ويتشهد، قلت: أيسجد سجدتي السهو؟
فقال: لا ليس في هذا سجدتا السهو) (2) ومثله رواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام
وأما إذا ركع، فلأن الركوع حائل لأنه يمنع العود، ولأنه يلزم إبطاله، وهو مجمع
على وجوبه لتحصيل التشهد مع الاختلاف فيه، وأيد ذلك رواية الحلبي السابقة.
مسألة: قال الشيخ (ره): من نسي الصلاة على النبي وآله وذكر بعد التسليم
قضاها، ويمكن أن يكون ذلك، لأنه فعل واجب وجزء من التشهد لا يتم إلا به، فلا
يسقط بالتسليم، وربما تأيد ذلك: بما رواه حكم بن حكيم قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي من الصلاة ركعة أو سجدة أو الشئ منها ثم يذكر بعد ذلك؟
فقال يقضي ذلك بعينه، فقلت: يعيد الصلاة؟ قال: لا) (3) ولو نسي الجهر والإخفات

1) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 9 ح 3.
2) الوسائل ج 4 أبواب التشهد باب 9 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 6.
385

مضى في صلاته، لما بينا أن ذلك يجب مع الذكر على أحد القولين لا مع النسيان.
فرع
قال بعض المتأخرين: لو أخل بالتشهد الأخير حتى سلم وأحدث أعاد
الصلاة، لأنه أحدث في الصلاة ووقع التسليم في غير موضعه، وليس بوجه، لأن
التسليم مع السهو مشروع، فيقع موقعه، ويقضي التشهد، لما روى حكم بن حكيم
عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشئ منها ثم
يذكر بعد ذلك؟ قال: يقضي ذلك بعينه، فقلت: يعيد الصلاة؟ فقال: لا) (1).
والشك فيه مسائل:
مسألة: قال علماؤنا: من شك في عدد الثنائية، كالصبح، وصلاة السفر،
والجمعة، والمغرب أعاده، وكذا لو شك في عدد الأولتين من الرباعية، وقال
الشافعي: يبني على اليقين، وقال أبو حنيفة: يبني على ظنه فإن فقده بنى على اليقين،
لأن الأصل عدم المشكوك فيه، ولما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من لم يدر أنه
صلى ثلاثا " أو أربعا " فليلق الشك وليبن علي اليقين) (2).
لنا: أن الذمة مشغولة على اليقين، وما أتي به يحمل الصحة والبطلان، فيكون
الاشتغال باقيا "، وإنما قلناه أنه يحتمل للأمرين، لأن بتقدير الانفصال يحتمل النقصان،
فلا يكون إتيانا بالمأمور به، وبتقدير البناء على الأقل يحتمل الزيادة، وقد بينا أن
زيادة الركوع مبطل عمدا وسهوا.
ويدل على ما قلناه من طريق الأصحاب روايات: منها رواية العلاء عن أبي
عبد الله عليه السلام (سألته عن الشك في الغداة؟ قال: إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنين

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 6.
386

فأعد الصلاة من أولها والجمعة أيضا، والمغرب إذا لم يدر كم ركعة صلى) (1).
وعن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: (سألته عن السهو في المغرب، قال:
يعيد حتى يحفظ أنها ليست مثل الشفع) (2) و (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصلي ولم يدر واحدة صلى أو اثنين؟ قال: يستقبل حتى يستيقن أنه أتم وفي الجمعة
وفي المغرب وفي الصلاة في السفر) (3) وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (في
الرجل لا يدري صلى ركعتين أم ثلاثا "؟ قال: يعيد، قلت: أليس يقال لا يعيد الصلاة؟
قال: إنما ذلك في الثلاث والأربع) (4).
وعن رفاعة (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يدري أركعة صلى أم اثنتين؟
قال: يعيد) (5) وعن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لي (إذا لم تحفظ الأولتين فأعد
صلاتك) (6) فإن قيل: فقد روي عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام
(في الرجل لا يدري صلى ركعة أو ركعتين؟ قال: يبني على الركعة) (7) ومثله روى
ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يتم بركعة) (8).
فالجواب إن هذه الأخبار مطلقة، وما ذكرناه مقيد بالفرائض، فتحمل هذه
على النوافل، وقد قال محمد بن بابويه: بأي هذه الأخبار أخذ كان صوابا "، لكن
المشهور ما ذهب إليه الشيخ: لا ما قاله ابن بابويه رحمه الله تعالى.

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 2 ح 8 (رواه عن سماعة)
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 2 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 2 ح 2.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 9 ح 3.
5) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 12.
6) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 13.
7) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 23.
8) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 22.
387

وجواب ما احتج به الجمهور: إن إلقاء الشك والعمل باليقين قد يكون بما
قلناه، ومع الاحتمال يكون ما ذكرناه أرجح، لأنه أحوط.
مسألة: ولو كان شكه في الكيفية من الأولتين لا في العدد قال الشيخ (ره):
يعيد، وليس بمعتمد، ولعله استنادا " إلى ما روي عن الرضا عليه السلام: قال: (الإعادة في
الأولتين والسهو في الأخيرتين) (1) وهذا اللفظ مجمل لا دلالة له، إذ يحتمل الشك
في العدد لا في غيره، ومن لم يدر كم صلى أعاد، لأنه لا طريق له إلى خلوص
الذمة إلا بذلك.
ويؤيده روايات منها: رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
لم تدر في ثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أو أربع فأعده ولا تمض على
الشك) (2) وفي رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: إذا لم تدر كم صليت ولم
يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة).
مسألة: إذا شك في فعل وكان محله باقيا " أتى به، وإن تجاوز محله استمر،
ركنا " كان ما شك فيه، أو غيره، مثل أن يشك في تكبيرة الافتتاح وقد قرأ، أو في
القراءة وقد ركع، أو في الركوع وقد سجد، أو في السجود، أو في التشهد وقد
قام، لأن مع بقاء محله يكون الإتيان به ركنا " من غير خلل، فيجب، ويدل على
ذلك روايات: منها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل شك وهو
قائم فلا يدري ركع أم لم يركع؟ قال يركع ويسجد) (4).

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 1 ح 10 (رواه كذلك:
الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 15 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 15 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 12 ح 2.
388

فرع
لو شك في السجود فسجد، ثم تبين أنه كان سجد لم يعد الصلاة، ولو كان
ركوعا " أعاد، لأن زيادة الركوع مبطل، ولا كذا السجود، ويؤيد ذلك: رواية
محمد بن مسلم ومنصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تعد الصلاة من سجدة
وتعيدها من ركعة) (1).
أما إذا تجاوز محله فلرفع الحرج، لأن مراعاة الشك بعد الانتقال يعرض
غالبا "، فيكون اعتباره حرجا "، ويدل على ذلك: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن
أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع؟ قال:
قد ركع) (2) وما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا خرجت من شئ ودخلت
في غيره فشكك ليس بشئ) (3) وما رواه إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا " قال: (إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شك في السجود بعد ما قام
فليمض كل شئ شك فيه قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) (4).
وقال الشيخ (ره): إذا شك في السجود وقد قام رجع فسجد، فإن كان مستنده
ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نهض في سجوده
فشك قبل أن يستوي قائما " فلم يدر سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد) (5) فليس دالا
على ما ذكره، لأنه لا يتحقق الانتقال إلا مع الانتصاب

1) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 14 ح 2.
2) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 13 ح 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 23 ح 1.
4) الوسائل ج 4 أبواب الركوع باب 13 ح 4، وأبواب السجود باب 15 ح 4
5) الوسائل ج 4 أبواب السجود باب 15 ح 6.
389

فرع
قال علم الهدى (ره): لو شك في الركوع وهو قائم أتي به، فإن ذكر أنه
كان ركع أهوى ساجدا "، ولو رفع رأسه أعاد، وقال الشيخ (ره): إذا كان في
الأولتين أعاد على التقديرين، وإن كان في الأخيرتين وكما قال علم الهدى (ره)
قال ابن أبي عقيل: يعيد وأطلق، وهو أشبه بالصواب، لأنه زاد ركوعا "، وليس
رفع الرأس جزء من الركوع بل انفصال عنه، ولو قال ركوعه مع هويه لازم فلا
يعد زيادة، منعنا ذلك لأنه قصد الركوع، وزيادة الركوع مبطل.
قال الشيخ (ره): لو شك في قراءة الحمد وهو في السورة أعاد الحمد والسورة
ولعله بناء على أن محل القرائتين واحد، وظاهر تلك الأخبار يسقط هذا الاعتبار.
مسألة: إذا حصل في الأوليين على اليقين وشك في الزايد بنى على ظنه،
سواء كان أول مرة أو متكررا "، وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك أول ما عرض له استأنف
وإن تكرر بنى على ظنه، وقال الشافعي يبني على اليقين لقوله عليه السلام (من شك في
صلاته فلم يدر صلى ثلاثا " أو أربعا " فليلق الشك وليبن علي اليقين) (1).
لنا: ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أجزأ ذلك
إلى الصواب فليتم عليه) (2) وفي حديث أبي سعيد (يتحرى الصواب) (3).
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لم تدر ثلاثا " صليت أو أربعا " أو وقع وهمك على الثلاث
فابن عليه وإن وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف) (4) وما ذكره الشافعي

1) سنن البيهقي ج 2 ص 333.
2) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 133.
3) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 133 (رواه عن عبد الله).
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 7 ح 1.
390

لا حجة فيه، لأنه يتناول موضع الشك لا موضع الظن.
مسألة: وإن تساوت الاحتمالات بنى على الأكثر وسلم، ثم أتى بما شك
فيه، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: يبني على اليقين ويطرح الشك لما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر صلى ثلاثا " أو أربعا " فليلق الشك وليبن علي
اليقين وإذا أراد أن يسلم سجد سجدتين) (1).
لنا: أن الذمة مشغولة بالصلاة، والبناء على الأقل يحتمل زيادة الركعة، وهي
مبطلة عمدا " وسهوا "، كما بينا، والقول بالإعادة هنا متروك إجماعا "، فتعين العمل
بما قلناه، ولأن التسليم في غير موضعه لا يبطل سهوا "، فلا يبطل هنا، لأنه يجري مجرى
السهو، فيكون ما ذكرناه أحوط.
ويؤيد ما ذكرناه: ما رواه عمار بن موسى قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
السهو في الصلاة؟ قال: إذا سهوت فابن علي الأكثر فإذا فرغت وسلمت فقم وصل
ما ظننت أنك نقصت فإن كنت أتممت لم يكن عليك في هذا شئ وإن ذكرت أنك
كنت قد نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت) (2).
فأما رواية سهل بن اليسع عن الرضا عليه السلام أنه قال: (يبني على يقينه ويسجد
سجدتي السهو) (3) فهي رواية واحدة، وأكثر الروايات على خلافها، وقال ابن
بابويه: صاحب هذا السهو بالخيار بأي خبر شاء منها أخذ، فهو مصيب، وخبرهم
لا نسلم دلالته على موضع النزاع، لأن البناء على اليقين يحتمل ما يتيقن معه براءة
الذمة، وقد بينا أن ذلك ليس بما قالوه.
فإذا تقرر ذلك فالمسائل أربع:

1) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 132 (رواه مع تفاوت يسير).
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 8 ح 3.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 13 ح 2.
391

الأولى: من شك بين الاثنتين والأربع بعد إكمال الاثنتين بنى على الأربع
وسلم، ثم استأنف ركعتين من قيام، روى ذلك محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
(في الرجل يصلي ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال: يسلم ثم يقوم
فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف وليس عليه شئ) (1).
وفي رواية ابن أبي يعفور قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يدري
ركعتين صلى أم أربعا "؟ قال: يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات
يقرأ فيهما فاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم فإن كان صلى أربعا " كانت هاتان نافلة وإن
كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع فإن تكلم فليسجد سجدتي السهو) (2).
فأما رواية محمد بن مسلم أيضا " قال: (سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم
أربعا "؟ قال: يعيد الصلاة) (3).
قال الشيخ (ره): يحتمل أن يكون ذلك في المغرب، أو الغداة التي لا يجوز
الشك فيها، ولا بأس بهذا التأويل، فإنها رواية نادرة، وأكثر الروايات على خلافها
وتنزيلها على التأويل حسن.
الثانية: لو كان الشك بين الثلاث والأربع بنى على الأربع وسلم، ثم
استأنف ركعتين من جلوس، أو ركعة من قيام، روى ذلك جماعة منهم عبد الرحمن
ابن سيابه وأبو العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لم تدر ثلاثا " صليت أم أربعا "
ووقع رأيك على الثلاث فابن علي الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف
وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس) (4).

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 11 ح 6.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 11 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 11 ح 7.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 7 ح 1.
392

ومثله روى الحسن بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام (1) وفي رواية جميل
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن لا يدري صلى ثلاثا " أم أربعا " ووهمه في
ذلك سواء فقال إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة
وهو قائم وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات) (2) وهذه وإن كانت مرسلة فقبول
الأصحاب يؤيدها.
الثالثة: لو شك بين الاثنتين والثلاث بنى على الثلاث وسلم، ثم أتى بركعتين
من جلوس، وعلم ذلك من الشك بين الثلاث والأربع، ولو صلى ركعة من قيام لم
استبعده، لأنهما تقومان مقام ركعة، ولأن الفائت ركعة من قيام، والإتيان بمثابة
الفائت أولى.
الرابعة: لو شك بن الاثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع وسلم،
ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس، روى ذلك محمد بن أبي عمير عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا " أم
أربعا " قال: يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم
فإن كان صلى أربعا " كانت نافلة وإلا تمت الأربع) (3).
مسألة: لا سهو على من كثر سهوه، ونريد بذلك البناء على ما شك فيه بالوقوع
ولا يجب سجود السهو، لأن وجوب تداركه يقتضي الحرج، وهو منفي، إذ لو كان
به اعتبار لما أنفك متداركا "، فيقع في ورطة تتعذر معها الصلاة، ويؤيد ذلك: ما رواه
عبد الله بن سنان عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كثر عليك السهو فامض
في صلاتك) (4) ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام (إذا كثر عليك

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 10 ح 6.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 10 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 13 ح 4.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 16 ح 3.
393

السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو من الشيطان) (1) ولا تقدير
للكثرة شرعا "، فيرجع إلى ما يسمى في العادة كثرة، وذلك يجده الإنسان منه نفسه.
وقال بعض المتأخرين: هو الذي يكثر ويتواتر، وحده أن يسهو في شئ واحد،
أو فريضة واحدة (ثلاث مرات) أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس، أعني ثلاث
صلوات، فيسقط بعد ذلك حكم السهو، ولا يلتفت إلى سهو في الفريضة الرابعة،
ويجب أن نطالب هذا القائل بمأخذ دعواه، فإنا لا نعلم لذلك أصلا في لغة ولا شرع
والدعوى من غير دلالة تحكم.
مسألة: ولا حكم للسهو في السهو، لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا "، فلا
يتخلص من ورطة السهو، ولأن ذلك حرج فيسقط اعتباره، ولأنه شرع لإزالة حكم
السهو، فلا يكون سببا " لزيادته، ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب: ما رواه حفص بن
البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس على السهو سهو ولا على الإعادة إعادة) (2)
وحفص هذا وإن كان ضعيفا "، لكن قبول الأصحاب يجبر ضعفه.
مسألة: قال في الخلاف: ولا سهو على المأموم بل وجود سهوه كعدمه، وقال
علم الهدى (ره): ليس على المأموم إذا سهى سجدة السهو، وهو قول جميع الفقهاء
وقال مكحول: إن قام مع قعود إمامه سجد للسهو، ولا اعتبار بخلاف مكحول لانقراضه.
لنا: ما رواه الجمهور عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ليس على
من خلف الإمام سهو فإن سهى الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو فإن سهى المأموم
فليس عليه سهو والإمام كافيه) (3).
ومن طريق الأصحاب ما روي عن الرضا عليه السلام قال: (الإمام يحمل أوهام من

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 16 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 25 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 352.
394

خلفه إلا تكبيرة الافتتاح) (1) وعن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس
على من خلف الإمام سهو) (2) وحفص وإن كان ضعيفا " فالعمل والاعتبار والأحاديث
تعضد روايته، والذي أراه أن ما يسهو عنه المأموم إن كان محله باقيا " أتى به، وإن كان
تجاوز محله وكان مبطلا استأنف، وإن كان مما يبطل فلا قضاء عليه، ولا سجود سهو
عملا بالأحاديث المذكورة.
فروع
الأول: لو أنفرد الإمام بالسهو لم يجب على المأموم متابعته في السجود للسهو
خلافا " للشافعي، وأبي حنيفة، وللشيخ في الخلاف، وقال الشيخ (ره): لو لم يسجد
الإمام سجد المأموم، وقال أبو حنيفة: لا يسجد.
لنا: أن الإمام انفرد بموجب السهو فلا يتبع، كما لو أنفرد بما لا يوجب الإعادة
ولأن صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الإمام، فلا تجب متابعته فيما ينفرد به، ولو
سهى المأموم لم يجب على الإمام سجود السهو، لأنه لم يسه، ولا على المأموم،
لأنه لا سهو عليه، ولا سهوا " بما يوجب سجود السهو وجب عليهما فلو لم يسجد الإمام
سجد المأموم.
الثاني: لو دخل مع الإمام في أثناء صلاته فسهى الإمام فيما بقي لم يتبعه
المأموم، وكذا لو كان سهوه فيما سبق به، لأنه ينفصل عن الإتمام بتسليم الإمام،
ولا سهو على الإمام إذا حفظ عليه المأموم، لما رواه حفص عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ليس على الإمام سهو) (3) والمراد بذلك إسقاط حكم الشك، لا ما يتحقق نسيانه
ولو شك في عدد النافلة تخير في البناء على الأقل والأكثر، والبناء على الأقل أفضل

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 24 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 24 ح 3.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 24 ح 3.
395

وهذا متفق عليه بين الأصحاب، لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر على ما أراد.
الثالث: من (تكلم) في الصلاة عامدا " أعاد سهوه، وقال الشافعي: إن كان
واجبا " كإجابة النبي صلى الله عليه وآله لم تبطل الصلاة، لخبر أبي هريرة قال: (خرج النبي صلى الله عليه وآله
وأبي في الصلاة فقال: السلام عليك يا أبي فلم يجبه فلما فرغ قال: وعليك السلام
يا رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: ما منعك أن تجيبني لما دعوتك؟ قال: كنت في الصلاة،
فقال: لم تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم؟ فقال: لا أعود) (1)
وقال مالك: يجوز منه ما يتعلق بمصلحة الصلاة، لأن ذا اليدين تكلم ولم يأمره
النبي صلى الله عليه وآله بالإعادة.
ولنا: أن الكلام عمدا " خروج من قيد الصلاة، فيكون مبطلا، ولأن الصلاة
عبادة شرعية متلقاة من صاحب الشرع، فيجب فعلها على وجهها المشروع، ولأن
النبي صلى الله عليه وآله قال: (التسبيح للرجل والتصفيق للمرأة) (2) فلو كان الكلام مشروعا " لما
حصر ذلك في القسمين.
وحجة الشافعي ضعيفة، لأنه استناد إلى خبر واحد في تكليف عام، فلا يعمل
به، مع أنه يجوز أن يكون الإنكار لمكان الإخلال برد السلام، وعندنا يجوز في
الصلاة، ثم يحتمل أن يكون ذلك مخصوصا " بالنبي صلى الله عليه وآله، فلا يجوز في غيره من
الصور، وحجة مالك ضعيفة، لأن كلام ذا اليدين في حكم السهو عنه إذا لم يتحقق
حال الصلاة، وإن كان ناسيا " لم يعد وسجد للسهو، وبه قال الشافعي ما لم يتطاول
الكلام، وقال أبو حنيفة: ويعيد لقوله عليه السلام (ليس فيها شئ من كلام الناس) (3) ولأن
ما أوجب الإعادة عمدا " يوجبها نسيانا "، كالحدث.

1) رواه البيهقي في سننه ج 2 ص 376 (مع تفاوت يسير).
2) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 65.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 360.
396

لنا: أن حكم النسيان مرفوع، فيسقط اعتباره، ولأنهم رووا (أن النبي صلى الله عليه وآله
على اثنتين وتكلم ولم يعد) (1). ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية عبد الرحمن
ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الرجل يتكلم في الصلاة ناسيا " يقول
أقيموا صفوفكم، قال: يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو) (2).
وجواب ما ذكره أبو حنيفة: أن دلالة الخبر على أن كلام الناس ليس من الصلاة ولا يلزم من ذلك الإبطال، والبحث ليس إلا فيه، وما ادعاه من أن ما يوجب الإعادة
عمدا " يوجب سهوا "، ثم وقياسه على الطهارة باطل، لأن إبطال الصلاة هناك لإبطال
الطهارة، وهو فيهما واحد، ولا كذلك الكلام لأن عمده منهي عنه دون سهوه، إذ
لا يتحقق النهي مع السهو.
فأما رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم،
قال: يتم ما بقي تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه) (3) فغير دالة على سقوط سجود
السهو، لأنه يحتمل نفي الإثم لا نفي السجود، قال علماؤنا: ومن سلم في غير
موضعه ناسيا " سجد للسهو، وبه قال الشافعي: وأبو حنيفة، لأنه كلام زايد، فيجب
كما لو تكلم بغيره.
ويؤيد ذلك: قوله عليه السلام (لكل سهو سجدتان) (4) وما رواه عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام (عن الرجل صلى ثلاث ركعات وظن أنها أربع فسلم ثم ذكر أنها ثلاث
قال: يبني على صلاته ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو) (5).
ومن شك بين الأربع والخمس وهو جالس سلم وسجد للسهو، وبه قال

1) سنن البيهقي ج 2 باب الكلام في الصلاة على وجه السهو.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 4 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 5.
4) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 136.
5) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 14.
397

الشيخان، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وأنكر الشيخ ذلك في الخلاف. لنا:
ما رواه الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر
صلى خمسا " أو أربعا " فليطرح الشك وليبن علي اليقين ثم يسجد سجدتين) (1). ومن
طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت لا تدري
أربعا " صليت أم خمسا " فاسجد سجدتي السهو وبعد تسليمك ثم سلم بعدها) (2) ولأن
الشك بينهما لا يبطل الصلاة ولا يوجب تلافيا، فتنجبر بسجدتي السهو.
فرع
قال في الخلاف: لو شك بين الأربع والخمس وهو قائم قعد وبنى على
الأربع، وسلم، ولو ركع، ثم شك أعاد الصلاة وقال في الخلاف: لا تجب
سجدتا السهو في الصلاة إلا في أربعة مواضع، من تكلم ناسيا "، أو سلم في غير موضعه
أو نسي السجدة، أو التشهد حتى ركع، ولا يجب فيما عدا ذلك، زيادة كان، أو
نقصانا "، متحققة كانت، أو متوهمة، وعلى كل حال.
ومن أصحابنا من أوجب سجدتي السهو لكل زيادة ونقصان، وحجة ما ذكره:
التمسك بالأصل واستضعاف الرواية وحجة الموجبين روايات: منها رواية سفيان.
ابن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تسجد للسهو في كل زيادة ونقصان) (3)
ورواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أنقصت أم
زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا
خفيفا) (4) وقال علم الهدى في المصباح: من قعد في حال قيام أو قام في

1) سنن البيهقي ج 2 ص 331.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 14 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 32 ح 3.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 14 ح 4.
398

حال قعود فعليه سجدتا السهو، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، لقوله عليه السلام (لكل سهو
سجدتان).
روي من طريق الأصحاب، ما يدل على ذلك رواه عمار عن أبي عبد الله (سألته
عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو قال: إذا أردت أن تقعد من غير خلل فقمت أو
تقوم فقعدت أو تقرأ فسبحت) (1) فينبغي أن نقول إن تلافاه لم يسجد للسهو
لنا: التمسك بالأصل، ولأنه فعل وقع في محله فلا يجبر بالسجود، وخبرهم
لا يعمل به مطلقا "، فهو متروك الظاهر، ومع خصوصيته تمنع تناوله موضع النزاع،
وخبر الأصحاب نادر ينفرد به عمار الساباطي، وهو فطحي، فلا يعمل به، ويعارضه
بما رواه سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا
السهو) (2).
مسألة: سجدتا السهو (بعد التسليم) وهو اختيار أكثر الأصحاب، وبه
قال أبو حنيفة، وقال مالك: إن كان لنقصان فقبل التسليم، وإن كان لزيادة فبعده،
وبه قال قوم من أصحابنا، لما روى سعد بن سعيد الأشعري قال الرضا عليه السلام (في
سجدتي السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت بعده) (3) وللشافعي كالقولين،
والمشهور عنه استحباب التقديم، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه سجد قبل التسليم ثم
سلم) (4) وروي عن الزهري قال: (كان آخر الأمرين السجود قبل التسليم) (5).
وروى مثله أبو الجارود عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (هما قبل التسليم فإذا سلمت

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 32 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 23 ح 4.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 5 ح 4.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 334.
5) سنن البيهقي ج 2 ص 341.
399

ذهبت حرمة صلاتك) (1).
لنا: ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لكل سهو سجدتان بعد أن تسلم) (2)
ولأن النبي صلى الله عليه وآله سجدهما بعد التسليم، وروي عن عبد الله بن جعفر عن النبي صلى الله عليه وآله
(من شك في صلاته فليسجد بعد التسليم) (3).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي
عليه السلام قال: (سجدتا السهو بعد السلام وقبل الكلام) (4) ولأن زيادة السجدتين قبل
التسليم مبطل بما أسلفناه، ولأنه تغيير لهيئة الصلاة من اتباع السجود التشهد، وهو
غير موجود في شئ من صور الصلاة، وجواب حجة الشافعي: احتمال أن الإشارة
بالسجود قبل التسليم إلى تسلم سجدتي السهو، وقول الزهري لا حجة فيه، لأنه ليس
صحابيا " يحكي آخر أمر النبي صلى الله عليه وآله، وأبو الجارود ضعيف، فلا معول على ما ينفرد
به، ورواية سعد نادرة مخالفة لأكثر المنقول، والترجيح لجانب الكثرة.
قال الشيخ (ره): إذا أردت أن تسجد للسهو، فاستفتح بالتكبير، واسجد
عقبه، وارفع رأسك، ثم تعود إلى السجدة الثانية، وتقول بسم الله وبالله السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وغير ذلك من الأذكار، ويتشهد بعدهما تشهدا "
خفيا تأتي بالشهادتين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وتسلم بعده.
وما ذكره الشيخ (ره) من التكبير والقول في السجود مستحب، لما روى عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال:
لا إنما هما سجدتان فقط) (5) فإذا " القدر الواجب السجدتان والشهادتان والصلاة على

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 5 ح 5.
2) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 136.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 336.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 5 ح 3.
5) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 20 ح 3.
400

النبي صلى الله عليه وآله والتسليم، وعلى ذلك علماؤنا أجمع.
وأما وجوب التشهد فقد رواه عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا
لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير
ركوع ولا قراءة تشهد فيهما تشهدا خفيفا) (1).
وأما وجوب التسليم، فقد رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال
(إذا كنت لا تدري أربعا " صليت أم خمسا " فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم
بعدهما) (2) وبذلك قال الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد، وفي رواية عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (ليس فيهما تشهد بعد السجدتين) (3) لكن هذه الرواية متروكة،
لأن صحيح الأخبار ورد مخالفا " لها.
وقال أبو حنيفة: إذا أراد السجود كبر وسجد وسبح فيهما ورفع بتكبيرة،
لأنها معتبرة بسجدات الصلاة، فيفعل فيهما ما يفعل في سجدات الصلاة، وأنا لا أمنع
جواز ذلك، لكن ليس ذلك شرطا " فيهما، وقد روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن كان الذي سهى هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع ليعلم من خلفه) (4).
وقال الأصحاب فيهما ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
(في سجدتي السهو بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد قال وسمعته مرة
أخرى يقول: بسم الله وبالله والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (5) وقال
الشافعي، وأبو حنيفة: يسبح فيهما كما يسبح في سجدات الصلاة، وما ذكره الأصحاب
مناف للمذهب، ثم لو سلمناه لما وجب فيهما ما سمعه، لاحتمال أن يكون ما قاله

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 14 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 14 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 20 ح 3.
4) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 20 ح 3.
5) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 20 ح 1.
401

على وجه الجواز لا وجه اللزوم، وأما ما ذكره الشافعي، وأبو حنيفة: فهو قياس لا
جامع له، ولأن سجدات الصلاة جزء من الصلاة، فلا يلزم من الجزءان ما يلزم في
الجزء.
قال الشيخ في الخلاف: وهما واجبتان وشرط في صحة الصلاة، وبه قال
مالك، وقال الكرخي: واجبتان وليسا شرطا "، وقال الشافعي، وأكثر أصحاب أبي
حنيفة: هما مسنونتان. لنا: ما رويناه من الأحاديث المتضمنة للأمر بالسجود، وظاهر
الأمر الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وآله سجد عقيب السهو على ما ذكروه فيكون السهو
سببا "، ولأن متابعة النبي صلى الله عليه وآله في الصلاة واجبة، فيتبع فيما يجبر به.
فروع
الأول: من نسيهما لزمه الإتيان بها، تطاولت المدة، أو لم تطل، وقال أبو
حنيفة: ما لم يخرج عن المسجد أو لم يتكلم، وقال الشافعي: ما لم تطل المدة وفي
حد التطاول له قولان، أحدهما: ما لم يقم عن مجلسه، وفي الجديد يرجع إلى
العرف. لنا: أنه مأمور بهما مطلقا " فيأتي بهما عند الذكر، ليتحقق الامتثال، ويؤيد
ذلك: ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل ينسى سجدتي السهو قال يسجدهما
متى ذكر) (1).
الثاني: قال الشيخ في الخلاف: إذا سهى بأنواع مختلفة، أو متجانسة،
فالأحوط أن يقول لكل سهو سجدتان، وقال الأوزاعي: يتداخل متجانسها لا مختلفها،
وقال باقي الفقهاء: لا يلزمه إلا سجدتان، لأن النبي صلى الله عليه وآله في غير موضع تكلم ثم أتم
وسجد سجدتي السهو.
وجه ما ذكره الشيخ (ره): إن كل واحد من تلك الأسباب لو أنفرد أوجب

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 32 ح 2.
402

سجدتي السهو، فمع الإجماع يكون كذلك عملا بمقتضى السبب، لأن تداخل
الأسباب خلاف الظاهر، ولأن جبران الحج لا يتداخل، فكذا هنا لتساويهما في الدلالة
المقتضية لعدم التداخل، ولما رووه من قوله عليه السلام (لكل سهو سجدتان) وجواب
خبرهم منع أصله، فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله سهى في صلاته، وقد روى ذلك
عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت: (هل سجد رسول الله صلى الله عليه وآله
سجدتي السهو قط؟ فقال: ولا سجدها فقيه) (1).
قال الشيخ (ره): بهذا اعمل: وأما أخبار سهو النبي صلى الله عليه وآله فقد ذكرناها، لأن
ما يتضمنه من الأحكام معمول عليه، وإلا فهي موافقة لمذهب العامة هذا حكاية كلامه
ولأنه حكاية فعل، والقول أرجح من الفعل، على أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله لم
يتحقق ما قالوه، فيكون سجوده احتياطا ".
الثالث: لو نسي أربع سجدات من أربع ركعات قال الشيخ (ره) يقضيهن
ويسجد لكل واحدة سجدتين يقضيهن في آخر الصلاة وتمت صلاته، وقال الشافعي:
يخلص له ركعتان إن جلس جلسة الفصل، أو حصل ما قام مقامها من جلسة الاستراحة
أو القيام فيسجد سجدة ويصلي ثلاث ركعات. لنا: أن ترتيب السجدة على الركوع
يسقط مع النسيان، فلا يبطل ما تخللها من أفعال الصلاة، فإذا قضاهن فقد أكمل صلاته
وقد سلف البحث في وجوب سجدات السهو.
الثاني: في القضاء.
مسألة البلوغ، وكمال العقل، والإسلام شرط وجوب القضاء، لما يقتضي
من الصلوات، وهو اتفاق العلماء، ولقوله صلى الله عليه وآله (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ
وعن المجنون حتى يفيق) (2) ولقوله عليه السلام (الإسلام تجب ما قبله) (3) فمن ترك الصلاة

1) الوسائل ج 5 أبواب الخلل الواقع في الصلاة باب 3 ح 13.
2) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 15.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 199.
403

الواجبة مع استكمال الشرائط لزمه قضاءها، وعليه إجماع العلماء، ولقوله عليه السلام (من
فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها) (1) وكذا لو تركها نسيانا "، أو لنوم، لقوله عليه السلام (من
نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها) (2).
وكذا لو فاتته لسكر أو ما شبهه، لأنه بمقتضى العادة سبب الفوات، فيلزمه
القضاء، ولا قضاء مع الإغماء المستوعب للوقت، إلا أن يدرك منه قدر الطهارة ومن
الصلاة ولو ركعة، وقال أبو حنيفة: يقضي خمس صلوات فما دون ولا يقضي لو أغمي
عليه أكثر من خمس، لأن عليا عليه السلام أغمي عليه يوما " وليلة فقضى، وعمار أغمي عليه
أربع صلوات فقضيهن، وعن ابن عمر (أنه أغمي عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض) (3)
وفي بعض أخبار أهل البيت عليهم السلام (يقضي يوما " وليلة وفي بعضها ثلاثة أيام) (4).
لنا أن زوال العقل سبب لزوال التكليف، فلا يجب مع الإفاقة، ولأنها
صلاة سقط وجوبها أداءا فسقط قضاءا، كما تسقط عن الصبي والمجنون.
ويؤيد ذلك: ما رواه أبو بصير عن أحدهما عليهما السلام وعبيد الله الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المريض هل يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال: لا إلا
الصلاة التي أفاق في وقتها) (5) وعنه عليه السلام (في الرجل يغمى عليه نهارا " ثم يفيق قبل
غروب الشمس قال يصلي الظهر والعصر ومن الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة
الليل) (6).
أما رواية رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المغمى عليه شهر " ما يقضي

1) سنن ابن ماجة ح 696 و 697 (رواه مع تفاوت يسير).
2) سنن النسائي ج 1 مواقيت ص 293 - 296.
3) سنن البيهقي ج 1 ص 387.
4) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 3 ح 10 و 11.
5) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 3 ح 1.
6) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 3 ح 21.
404

من الصلاة؟ قال: يقضيها كلها إن أمر الصلاة شديد) (1) وفي رواية أخرى (يقضي
صلاة اليوم الذي أفاق فيه) (2) فيحمل الاستحباب توفيقا بين الروايات، وحجة أبي
حنيفة ضعيفة لأنها حكاية فعل، فلا يكون دالة على الوجوب، وحمله على التطوع
أشبه.
مسألة: فاقد الطهارتين تسقط عنه الصلاة، لقوله عليه السلام (لا صلاة إلا بطهور) (3)
وفي وجوب القضاء قولان، أحدهما: الوجوب، وبه قال الشيخ (ره)، وعلم الهدى
(ره)، والآخر: السقوط، وهو أحد قولي الشيخ، والمفيد (ره)، وهو أشبه، لأنها
صلاة سقط وجوبها في وقتها، فلا تجب بعد خروجه، ولأن القضاء تكليف مبتدأ
يتوقف على دلالة الشرع، وحيث لا دلالة فلا قضاء، نعم يستحب القضاء تفصيا " من
الخلاف، وهو مرادنا هنا بالاحتياط.
مسألة: الحواضر مرتبة كالظهر والعصر والمغرب والعشاء والفايتة على
الحاضرة، وفي ترتيب الفوائت على الحاضرة تردد، أشبه الاستحباب، أما ترتيب
الظهر على العصر والمغرب على العشاء فهو فتوى العلماء، ولما رواه الأصحاب عن
أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلا أن هذه
قبل هذه) (4) ولما رووه عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام قال: (من نسي الظهر حتى دخل وقت العصر بدأ بالظهر ثم بالعصر ولو دخل في العصر ثم ذكر الظهر عدل
نيته) (5) أما الفايتة على الحاضرة، فالأولى تقديمها على الحاضرة ما دام وقت الحاضرة
واسعا "، وقال أبو جعفر بن بابويه: الأفضل تقديم الحاضرة.

1) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 4 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 3 ح 22 و 25.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 2 ح 3.
4) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 4 ح 5 و 21.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 6 ح 8.
405

لنا: ما رواه زرارة وأبو بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام قال: (إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت آخر فإن كنت تعلم أنك إذا صليت
التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك) (1) وهذا يدل على الصلاة
الواحدة.
أما الفوائت فقد اتفق الأصحاب على ترتيبها، ولم يشترطه الشافعي بالقياس
على قضاء رمضان، ولأن وجوب الترتيب على خلاف الأصل، فيكون منفيا "، وقال
أبو حنيفة: ترتيب ما لم تدخل في التكرار، وقال أحمد: ترتب وإن كثرت. لنا: فاتت
مترتبة فتقضى كذلك، لقوله عليه السلام (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته) (2) وهو يعم
الفريضة وكيفيتها، ولأن النبي صلى الله عليه وآله فاتته صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا "، وفعله
بيان، فتجب متابعته.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كان عليك
قضاء صلوات فابدأ بأولهن فإذن لها وأقم ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة) (3) وما احتج
به الشافعي قياس من غير جامع، والفرق بين رمضان والفرايض: إن ترتيب الفرائض
لمعنى فيها وترتيب أيام رمضان لتحصيل صيام الشهر، لا لمعنى يختص ترتيب الأيام،
وأما فرق أبي حنيفة بين ما يدخل في التكرار وما لا يدخل فهو تحكم، لا وجه له.
وترتيب الفوائت على الحاضرة استحبابا " لا وجوبا "، وقال الثلاثة وأتباعهم:
تقدم الفوائت ما لم يتضيق الحاضرة، ولو بدأ " بالحاضرة مع ذكر الفوائت لم تصح
الحاضرة، وأعادها عند تضييق وقتها، أو مع انتهاء الفوائت لقوله عليه السلام (من فاتته
صلاة فوقتها حين يذكرها) (4) وقوله عليه السلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 62 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 6 ح 1 (رواه مع تفاوت يسير).
3) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 1 ح 4.
4) لم نجده.
406

ذكرها فذلك وقتها) (1).
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية زرارة عن أبي جعفر (سئل عن
رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها قال يصليها إذا ذكرها في
أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا " فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف
أن يذهب وقت هذه، وهذه أحق بوقتها) (2) ولأنه مأمور بها على الإطلاق، والأوامر
المطلقة على التضييق، فيمنع الموسع، ولأن الفوائت مرتبة، فترتب على الحاضرة.
لنا: قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) (3) وهو
أمر على الإطلاق، وقوله عليه السلام (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين) ولأن الأصل
عدم وجوب الترتيب، ولأنها مع الكثرة تستوعب الوقت، فلا يحصل الترتيب
بخلاف الصلاة الواحدة.
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قلت:
(يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب ويذكر عند العشاء قال يبدأ بالوقت الذي
هو فيه فإنه لا يأمن من الموت فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ثم يقضي
ما فاته الأول فالأول) (4) ومنها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب العشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما
فليصلهما وإن خاف أن يفوته إحديهما فليبدء بالعشاء فإن استيقظ بعد الفجر فليصل
الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس) (5) ومنها رواية أبي بصير عن

1) سنن ابن ماجة كتاب الصلاة باب 10.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 2 ح 3.
3) سورة الإسراء: 78.
4) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 2 ح 5.
5) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 62 ح 4.
407

أبي عبد الله عليه السلام كذلك (1).
وجواب أخبارهم من وجوه، أحدها: إنها آحاد وخبر الواحد لا يخص
القرآن، لا يقال: الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وآله، لأنا نقول: هو خطاب له وللأمة، وبيانه
في أخبار كثيرة مؤيدة لذلك، فإن روي عن الأئمة عليهم السلام من طرق عدة حين سألوا
عن هذه الآية فقالوا: (إن الله افترض أربع صلوات اثنتان حين تزول الشمس حتى
يغيب واثنتان حين تغرب الشمس حتى ينصف الليل) (2) ولا خلاف بين المفسرين
أن هذا الخطاب وإن توجه إلى النبي صلى الله عليه وآله فليس مخصوصا به.
والثاني: إن أخبارهم غير دالة على موضع النزاع لأن غايتها وجوب الإتيان
بالفايتة ما لم يتضيق الحاضرة، ونحن نقول بموجبه إذ لا خلاف في وجوب القضاء
ما لم يتضيق الحاضرة، بل الخلاف في الترتيب، ولا يلزم من وجوب قضائها عند الذكر
ما لم يتضيق الحاضرة وجوب ترتيبها على الحاضرة وسقوط وجوب الحاضرة، كما
يقال خمس صلوات تصلي في كل وقت ما لم يتضيق الحاضرة منها (الكسوف
والجنازة) وليستا مترتبتين على الحاضرة، ترتيبا " يمنع الحاضرة.
والثالث: إنها معارضة بما ذكرناه من الأخبار، فيكون العمل بما ذكرناه
أرجح، لأنه أيسر أبعد من الحرج، وأخبارهم عسر وحرج، والعسر منفي، وكذا
الحرج، وقولهم: مأمور بها على الإطلاق، قلنا: مسلم ولكن لا نسلم أن الأوامر
المطلقة دالة على الفور بل لا يدل على الفور ولا التراخي، وإنما تدل على الوجوب
المحتمل لكل واحد من الأمرين.
ولو قالوا ادعي عن المرتضى: أن أول الشرع على التضيق، قلنا: يلزمه ما
علمه أما نحن فلا نعلم ما ادعاه، على أن القول بالتضييق يلزم منه منع من عليه صلوات

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 62 ح 3.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 2 ح 1.
408

كثيرة أن يأكل شبعا "، وأن ينام زايدا " عن الضرورة، ولا يتعيش إلا لاكتساب قوت
يومه له ولعياله، وأنه لو كان معه درهم ليومه حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده
والتزام ذلك مكابرة صرفة، والتزام سوفسطائي.
ولو قيل: قد أشار أبو الصلاح الحلبي إلى ذلك، قلنا: نحن نعلم من المسلمين
كافة خلاف ما ذكره، فإن أكثر الناس تكون عليهم صلوات كثيرة، فإذا صلى الإنسان
منهم شهرين في يومه استكثره الناس، وقد جاء في أخبار الأئمة ما يدل على السعة
منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن نسي عشاء الآخرة حتى طلع الفجر
قال يدعها حتى تطلع الشمس وتذهب الحمرة) (1) ولو كانت على التضييق لما أجاز
تأخيرها، وفي رواية الحسن بن أبي زياد الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي
الظهر حتى صلى ركعتين من العصر قال: ليجعلهما الأولى، قلت: فإن نسي المغرب
حتى صلى ركعتين من العشاء، قال: فليتم صلاته ثم ليقض المغرب وقال إن العصر
ليس بعدها صلاة) (2) ولو كانت مضيقه لما اجتنب أوقات الكراهية.
فروع
الأول: يجب الترتيب مع (الذكر) ويسقط مع النسيان، فلو قدم الحاضرة
على الفائتة ناسيا لم يعد.
الثاني: لو دخل في صلاة ثم ذكر أن عليه سابقة مرتبة عدل إلى السابقة،
كمن دخل في العصر فذكر الظهر، أو في العشاء فذكر المغرب، أو في صلاة فائتة
فذكر ما قبلها.
الثالث: لو أكمل صلاة العصر ثم ذكر أن عليه الظهر، ففي رواية زرارة

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 62 ح 3 (رواه مع تفاوت يسير).
2) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 63 ح 5.
409

(يجعلها الظهر فإنما هي أربع مكان أربع) (1) قال: الشيخ في الخلاف: يحمل على
أنه قارب الفراغ منها، لأنه لو كان انصرف عنها بالتسليم لما صح نقل النية، وهذا
التأويل ضعيف، لأنه قال فذكرتها بعد فراغك، ولا يستعمل بعد في المقاربة، بل
يلزمه العمل بالخبر إن صححه وإلا طرحه.
والوجه: أنه إن كان أتى بالعصر في أول وقت الظهر صلى الظهر وأعاد العصر
وإن كان المشترك صحت العصر ويأتي بالظهر أداءا، لأن الترتيب يسقط مع النسيان
وقال زفر: ولا يسقط الترتيب مع النسيان، لأنه شرط في صحة الصلاة، وكل ما كان
شرطا " مع الذكر كان شرطا " مع النسيان، وما ذكره خلاف ما عليه المسلمون، فإنه
لا ينفك مكلف أن ينسى صلاة ثم يذكرها بعد المدة المتطاولة، ويلزم من ذلك قضاء
صلاته، فلا ينفك أحد في الأكثر قاضيا "، وهذا من أعظم الحرج.
الرابع: لو فاته ظهر وعصر من يومين وجهل السابق، ففي سقوط الترتيب
تردد، وجه الوجوب: أنه أمكن الإتيان بالترتيب المشترط فلا يسقط، ووجه السقوط:
عدم العلم بالسابق، والترتيب تخمين وكلفة فلا يصار إليه، فإن قلنا بالترتيب صلى
الظهر، ثم العصر، ثم الظهر ليحصل اليقين بالترتيب، وكذا لو فاتته الظهر والعصر
والمغرب كل فريضة من يوم قضى الظهر ثم العصر، ثم الظهر، ثم المغرب، ثم
الظهر، ثم العصر، ثم الظهر ليحصل الترتيب على يقين، وكذا لو فاتته صلوات
سفر وحضر وجهل الأول ففي الترتيب احتمالات، أحدها: السقوط، والثاني:
البناء على الظن، والثالث: الاحتياط بالترتيب بأن يقضي الرباعيات من كل يوم
مرتين تماما وقصرا.
الخامس: لو تلبس بنافلة ثم ذكر فريضة أبطلها واستأنف الفريضة، ولا
يكفي العدول لفوات نية الفرض، وهي شرط.

1) الوسائل ج 3 أبواب المواقيت باب 63 ح 1.
410

مسألة: يقضي صلاة السفر قصرا " ولو في الحضر، وصلاة الحضر تماما " ولو
في السفر، وقد أجمع العلماء: على قضاء صلاة الحضر تماما " حضرا وسفرا، أما صلاة
السفر فعندنا تقضى قصرا "، وكذا قال أبو حنيفة، ومالك، وقال أحمد: تقضى أربعا "،
وكذا قال داود، وهو أحد أقوال الشافعي، لأن القصر رخصة في السفر وقد زال
محلها، ولأنها وجبت قبل الذكر وهو حاضر، فأشبه ما لو وجبت ابتداءا في الحضر.
لنا: صلاة وجبت قصرا "، واستقرت بالفوات كذلك، فتقضى كما فاتت،
ولأن فرض المسافر القصر، فكما لا تؤدى تماما " فكذا القضاء.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (رجل فاتته
صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: يقضيها كما فاتته إن كانت صلاة سفر أداها
في الحضر مثلها) (1) وروى زرارة عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام (إذا نسي الرجل
صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم فليقضها أربعا " مسافرا " كان أو مقيما " ولئن نسي
ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا " كان أو مقيما ") (2).
وجواب الشافعي: إنها وإن كانت رخصة لكنها عزيمة سنبينه، فيكون
قضائها كذلك، وقوله وجبت عند الذكر، قلنا: لكن لا ابتداء بل قضاء، والقضاء
تابع للمقضي، وفرق بين وجوبها ابتداءا وقضاءا، فإن في الابتداء لا يجوز إسقاط
فرضها بركعتين، وليس كذلك صلاة السفر.
مسألة: يقضي (المرتد) ما فات من العبادات زمان ردته، وهو مذهب
الثلاثة، وأتباعهم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا تقضى، وعن
أحمد روايتان، لقوله (الإسلام يجب ما قبله) (3) ولأنها عبادة تركها في حال كفره

1) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 6 ح 4.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 199.
411

فلا يجب قضاؤها كالكافر الأصلي.
لنا: عبادة وجبت بعد انعقاد وجوبها عليه، فيلزمه قضاؤها، ولأنا نجبره على
أدائه في حال الارتداد، فيجبر على قضائها حال استقامته، ولأن مقتضى الدليل
وجوب القضاء على كل مكلف بالأداء إذا اجتمعت فيه شرائط الوجوب، ترك العمل
به في حق الكافر الأصلي، ويعمل به فيما عداه، وما احتجوا به مخصوص بما يلزمه
من حقوق الناس، كالديون، والقصاص، وكما خص بذلك احتياطا وحسما لمادة
التسلط، فكذا ما نحن بسبيله.
فرع
لا يقضي المرتد ما فات زمان إغمائه وجنونه، قال الشافعي: يقضيه لأنه ترك
بسبب الارتداد، فيسقط اعتبار الإغماء، وقال الشيخ: إن كان الإغماء بسببه كشرب
المسكر، والمرتد لزمه القضاء، وإن كان من قبل الله كالجنون والإغماء لم يقض
ووجه ما ذكره الشيخ (ره): إن الإغماء والجنون سبب لسقوط التكليف كما في
حق المسلم، فيسقط القضاء في حق الكافر، لاجتماعهما في السبب، وقوله الفوات
بسبب كفره، قلنا حق لكن القضاء يجب فيما وجب أداؤه، ولا نسلم وجوب الأداء
مع الجنون والإغماء.
مسألة: من فاتته فريضة من يوم ولا يعلمها على اليقين صلى اثنتين وثلاثا "
وأربعا "، وبه قال الثلاثة، وقال أبو الصلاح: يقضي صلاة يوم ليحصل تعيين الفريضة
الفائتة في أحدها.
لنا: أن القضاء يتناول القدر الذي اشتغلت به الذمة، وهو الصلاة الواحدة،
فلا يلزم ما عداه، لكن لما كانت الصلوات مختلفة احتاط في الإتيان بمختلفها، واليقين
في النية يسقط لعدم العلم به، وروى علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (من نسي صلاة من صلاة يومه ولم يدر من أي صلاة هي
412

صلى ركعتين وثلاثا " وأربعا ") (1) وما ذكره غير لازم، لأنه لا يكون متيقنا " في كل
صلاة القدر اللازم من الأربع، فإذا نوى ما في ذمته انصرف إلى الفائتة يقينا " فكان
أولى.
مسألة: من فاته ما لم يحصه من الفرائض فليقض من جنس الفائت مكررا " حتى
يغلب الوفاء، لأن الذمة مشغولة بالفائت، فلا يحصل اليقين بالبراءة إلا كذلك، ولو
كان الفائت صلاة واحدة من كل يوم لا يعلم عددها صلى اثنتين وثلاثا " وأربعا " مكررا "
حتى يغلب الوفاء، ولو كان الفائت الخمس صلى صلوات أيام كذلك.
ويستحب قضاء النوافل الموقتة، وعليه إجماع الأصحاب، وروى إبراهيم
ابن عبد الله بن سالم قلت لأبي عبد الله عليه السلام (رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري
ما هو من كثرته كيف يصنع، قال: يصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرته فيكون
قد صلى بقدر ما عليه، قلت: فإنه ترك ولا يقدر على القضاء من شغله، قال: إذا كان
شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله للدنيا
أو تشاغل عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله مستخفا " مضيعا " لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله
قلت: إنه لا يقدر على القضاء، قال: يتصدق بصدقة مد لكل مسكين مكان كل
صلاة، قلت: وكم الصلاة، قال: مد لكل ركعتين من صلاة الليل وكل ركعتين
من صلاة النهار، قلت: لا يقدر، قال: مد لكل أربع ركعات، قلت: لا يقدر؟ فقال:
مد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل والصلاة أفضل) (2).
ومن فاتته النوافل لمرض لم يتأكد القضاء، وكان مخيرا "، والقضاء أفضل،
روى ذلك مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (أصلحك الله على نوافل كثيرة كيف
أصنع؟ قال اقضها، قلت: إنها كثيرة؟ قال: اقضها، قلت: لا أحصيها؟ قال: توخ

1) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 11 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 18 ح 2.
413

قلت: كنت مريضا " لم أصل نافلة، قال: ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح
كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر فيه) (1).
المقصد الرابع
[في الجماعة والنظر في أطراف]
الأولى: الجماعة مستحبة في الفرائض متأكدة في الخمس، ولا تجب إلا
في الجمعة، والعيدين مع الشرائط عندنا، وبه قال أكثر العلماء، وقال أحمد:
تجب في الخمس وليست شرطا "، وقال ابن شريح: تجب في الخمس على الكفاية
وقال داود: على الأعيان، لقوله عليه السلام (ما من ثلاثة في قرية لا تقام فيهم الصلاة إلا
استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاضية) (2) ولما روي
عنه عليه السلام أنه قال: (هممت أن آمر بحطب ثم آمره بالصلاة فيؤذن لها ثم أن رجلا
يؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) (3).
وقد روى هذا الحديث بطريق أهل البيت عليهم السلام عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سمعته يقول: (إن أناسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أبطأوا عن الصلاة في
المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوشك أن يدع قوم الصلاة في المسجد أن يؤمر بحطب
فيوضع على أبوابهم ويوقد عليهم فتحترق بيوتهم) (4).
لنا: قوله عليه السلام (تفضل صلاة الجماعة [الجمعة] صلاة الغد بخمس وعشرين
صلاة) (5) ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينكر على من تأخر، وقال صلينا في رجالنا، ولأنا لم

1) الوسائل ج 3 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها باب 19 ح 1 والباب 20 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 54.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 55.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 2 ح 10.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 60.
414

نر أحدا " من فقهاء الإسلام يحكم بفسوق من صلى منفردا "، وما رووه لا حجة فيه على
الوجوب، لأنه أجاز أن الجماعة تطرد الشيطان وإن الانفراد ربما يؤدي إلى استحواذه
وهو مؤذن بالاستحباب.
وقوله عليه السلام: (فعليك بالجماعة يؤذن بالحث دفعا " للاستحواذ، وكذا قوله لقد
هممت أن آمر بالصلاة: فاهتمامه ولم يفعل ولم يضيق دليل عدم الوجوب، ولا ينبغي
ترك الجماعة إلا لعذر عام، كالمطر، والوحل، والرياح الشديدة، أو خاص، كالمرض،
والخوف، ومدافعة الأخبثين، وحضور الطعام مع قوة الشهوة، أو فوات رفقة، أو
هلاك طفل، أو مداواة عليل، ويمثل ذلك ما شاكله، لكن لا ينتفي هذا الحث إلى
الوجوب، ولا يجب على جار المسجد السعي وإن سمع إقامة الصلاة، لقوله عليه السلام
(جعلت لي الأرض مسجدا وأينما أدركتني الصلاة صليت) (1) وقوله عليه السلام (لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد) (2) يراد به الاستحباب والمبالغة في نقصان ثواب المنفرد عن الجماعة.
مسألة: ولا يجمع في نافلة عدا ما استثني، وهي (صلاة الاستسقاء والعيدين).
مع اختلال شرائط الوجوب، وهو اتفاق علمائنا، وقال أحمد، وجماعة منهم: يجوز
الاجتماع في النوافل وسن في الاستسقاء والكسوف والتراويح.
لنا: ما رووه عن زيد بن ثابت قال: (جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله
صلى الله عليه وآله فخرج مغضبا وأمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم) (3) وعنه عليه السلام (أفضل الصلاة
صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (4).
ومن طريق الأصحاب رواية ابن سنان، وسماعة بن مهران جميعا " عن أبي

1) صحيح البخاري ج 1 ص 91 و 119 (مع تفاوت يسير).
2) سنن البيهقي ج 3 ص 57.
3) سنن البيهقي ج 2 ص 494.
4) سنن البيهقي ج 2 ص 494.
415

عبد الله عليه السلام، وإسحاق بن عمار عن الرضا عليه السلام قال: (لما دخل رمضان فاصطف الناس
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس هذه نافلة ولا يجمع لنافلة فليصل كل منكم
وحده في منزله وليعمل ما علمه الله من كتابه واعلموا أنه لا جماعة في نافلة فافترق
الناس) (1).
مسألة: ويدرك المأموم الركعة بإدراك الركعة وبإدراك الإمام راكعا " على تردد
أما إدراكه بإدراك الركعة من أولها فعليه اتفاق العلماء، وأما بإدراك الإمام راكعا " ففيه
روايتان، وهو منشأ التردد، وقد سلف تحقيق ذلك في الجمعة، وأقل ما تنعقد به الجماعة
(إمام ومؤتم) وعليه اتفاق العلماء، وقول النبي صلى الله عليه وآله (الاثنان وما فوقهما جماعة) (2)
ولأن النبي صلى الله عليه وآله أم بابن عباس مرة وبابن مسعود مرة وبحذيفة أخرى وروى
الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام سألته (أقل ما تكون الجماعة قال رجل وامرأة) (3).
مسألة: ولا تصح وبين الإمام والمأموم (حائل) يمنع المشاهدة، وهو قول
علمائنا، وإحدى الروايتين عن أحمد، سواء كان من حيطان المسجد، أو غيره، وقال
الشافعي: يجوز إذا كان المسجد واحدا " ولا يجوز إن كان المأموم خارج المسجد،
وقال أبو حنيفة: يجوز ولو صلى في داره إذا علم صلاة الإمام، وقال علم الهدى:
ينبغي أن يكون بين كل صفين قدر مسقط الجسد، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي
لا يتخطى لم يجز، ولعله استناد إلى رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن صلى
قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك لهم بإمام) (4).
وقال الشيخ (ره): الحائط وما يجري مجراه مما يمنع مشاهدة الصفوف يمنع

1) الوسائل ج 5 أبواب نافلة شهر رمضان باب 7 ح 6.
2) سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ح 972 ص 312.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 4 ح 7.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 62 ح 4.
416

صحة الصلاة والاقتداء بالإمام، وكذلك الشبابيك، والمقاصير يمنع الاقتداء بإمام
الصلاة إلا إذا كانت مخرقة لا يمنع مشاهة الصفوف، وهذا كما قلناه.
لنا: أن مع عدم المشاهدة يتعذر الاقتداء، ولأن ما يمنع المشاهدة يمنع
اتصال الصفوف، وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كان بينهم سترا " أو جدارا "
فليس ذلك بصلاة إلا لمن كان حيال الباب) (1) وقال هذه المقاصير لم تكن في زمان
أحد من الناس، وإنما أحدثها الجبارون، ليس لمن صلى خلفها مقتديا " بصلاة من
فيها صلى.
فروع
الأول: (الطريق) ليس بحايل يمنع الايتمام، وكذا النهر، وقال أبو الصلاح:
النهر حايل، وقال أبو حنيفة: النهر والطريق حايل لأنهما ليسا محلا للصلاة، فأشبه
بما يمنع الاتصال لنا: عموم الأحاديث الدالة على استحباب الجماعة، فكما تتناول
غير هذه الصورة بإطلاقها، فكذا هذه، وجواب أبي حنيفة: إنا لا نسلم أن النهر
والطريق ليسا محلا للصلاة، ولو سلمناه لا نسلم أن ذلك يمنع الاتصال، ثم يبطل
ما ذكروه بالايتمام في الجنازة والعيد، فقد روي (أن أنسا أيتم وبين يديه الطريق) (2).
الثاني: قال الشيخ: ما يمنع الاستطراق ولا يمنع المشاهدة كالمقاصير
المخرقة لا يمنع الايتمام تمسكا " بعموم الأمر بالايتمام، وقال في الخلاف: لا تصح
وقال أبو حنيفة: بالجواز في الكل إذا علم صلاة الإمام.
الثالث: قال في المبسوط: الجماعة في السفينة جايزة سواء كانا في سفينة
واحدة، أو كان الإمام في سفينة والمأموم في سفينة أخرى، وسواء شد بعضها إلى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 59 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 111.
417

بعض أو أرسلت، وكذا لو كان الإمام في السفينة والمأموم في الشرط إذا لم يحل حايل.
الرابع: قال الشيخ (ره): يجوز أن يؤم (المرأة) من وراء الجدار، ولعله
استنادا " إلى رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي بالقوم
وخلفه دار فيها نساء هل يصلين خلفه، قال: نعم، قلت: إن بينه وبينهن حائطا " وطريقا "
قال: لا بأس) (1) ويؤيد ذلك: أن المرأة عورة والجماعة عبادة مهمة في نظر الشرع
فيجمع لها بين الصيانة وتحصيل الفضيلة، ويستوي في ذلك الحسناء، والشيوهاء،
والشابة، والمسنة.
الخامس: لو كان الحايل قصيرا " لا يمنع الرجل النظر إلى أمامه، أو إلى الصف
الذي تقدمه ويمنع لو جلس فالأقرب أنه ليس مانعا " من الايتمام.
السادس: من صلى خارج المسجد مؤتما " بمن في المسجد سواء صلى على
سطح، أو على الأرض، أو بين الجداران إذا شاهد الإمام، أو الصف الذي تقدمه،
ولو كان الصف الذي هو أمامه لا يشاهد إلا به تصح صلاة الصفين.
السابع: لو كان الحايل بين الصفوف صحت صلاة من يلي الإمام وبطلت
صلاة من وراء الحائل.
الثامن: روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا أرى بالصفوف بين
الأساطين بأسا " ولا بأس بوقوف الإمام في المحراب) (2).
مسألة: لا يجوز التباعد عن الإمام بما لم يجز العادة به إلا مع اتصال الصفوف
وقال الشافعي: لا بأس به في المسجد الواحد، وحد البعد بما زاد عن (ثلاثمائة ذراع)
واختلف أصحابه في التعليل، فقال قوم: ما زاد بعد في العادة، وقال آخرون: اعتبر
ذلك بصلاة النبي صلى الله عليه وآله في الخوف (لأنه صلى بطائفة وانصرف إلى العدو مؤتمة

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 60 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 59 ح 2.
418

وبينهما غلوة سهم) (1) ودعوى شهادة العادة بعيد، والعلة الأخرى: قياس لحال
الاختيار على حال الاضطرار، وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (إن صلى قوم
وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك لهم بإمام وأي صف كان أهله يصلون وبينهم
وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة وقال عليه السلام يكون
ذلك قدر مسقط الجسد) (2) لكن اشتراط ذلك مستبعد، فيكون على الأفضل.
مسألة: ولا يؤتم بمن هو أعلى منه بما يعتد به، كالأبنية، وللشيخ قولان:
أحدهما: التحريم، والثاني: الكراهية، وبه قال أبو حنيفة، وإحدى الروايتين عن
أحمد، وقال الشافعي: إن قصد التعليم لم يكره، لرواية سهل قال: (رأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله يصلي على المنبر فكبر وكبرت الناس وراءه ثم ركع وهو على المنبر
ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ ثم أقبل على الناس
فقال أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي) (3).
لنا: ما رووه (أن عمار بن ياسر رضي الله عنه صلى بالمدائن على دكان والناس
أسفل عنه فتقدم حذيفة فأنزله ولما فرغ قال له ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وآله إذا أم الرجل
القوم فلا يقومن في مقام أرفع من مقامهم قال عمار فلذلك اتبعتك) (4) وما رووه
(أن حذيفة أم وهو على دكان فأنزله ابن مسعود فلما فرغ قال ألم تعلم أنهم كانوا
ينهون عن ذلك قال بلى) (5).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم ولو كان

1) لم نجده.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 62 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 108.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 109.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 108.
419

أرفع منهم بقدر إصبع إلى شبر وكان أرض مبسوطة أو في موضع فيه ارتفاع فقام
الإمام في المرتفع إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس) (1) وجواب الشافعي: منع
الرواية ولو سلمت أمكن أن يكون علوا " لا يعتد به، كالمرقاة السفلى، على أن جواز
ذلك في حق النبي صلى الله عليه وآله لا يستلزم الجواز في غيره.
ويأتم الأعلى بالأسفل ولو كان سطحا " غالبا "، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة،
وقال مالك: يعيد إذا صلى فوق السطح بصلاة الإمام في الأرض.
لنا: أنه ليس فيه ما ينافي الايتمام فكان جايزا "، ويؤيد ذلك ما رواه عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن كان الإمام على شبه الدكان أو موضع
أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم وإن كان الإمام أسفل من موضع المأموم فلا بأس
وقال لو كان رجل فوق بيت أو غير ذلك والإمام على الأرض جاز أن يصلي خلفه
ويقتدي به) (2).
مسألة: تكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر، وفي الجهرية
لو سمع ولو همهمة، ولو لم يسمع قرأ.
هنا مسائل:
الأولى: تسقط القراءة عن المأموم، وعليه اتفاق العلماء، وقال الشيخان:
لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ولو همهمة، ولعله استناد
إلى رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من رضيت قراءته فلا تقرأ
خلفه) (3) وفي رواية الحلبي عنه عليه السلام قال: (إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ
خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع قراءته) (4)

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 63 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 63 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 14.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 1.
420

والأولى أن يكون النهي على الكراهية، لرواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فأنصت وإن لم تسمع
فاقرأ) (1) والتعطيل بالإنصات يؤذن بالاستحباب.
الثانية: إذا لم يسمع الجهرية ولا همهمة فالقراءة أفضل، وبه روايات منها:
رواية عبد الله بن المغيرة عن قتيبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت خلف من ترتضي
به في صلاة يجهر بها ولم تسمع قراءته فاقرأ فإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ) (2)
ويدل على أن ذلك على الفضل لا على الوجوب رواية علي بن يقطين عن أبي الحسن
عليه السلام (في الرجل يصلي خلف من يقتدي به يجهر في القراءة فلا يسمع القراءة قال
لا بأس إن صمت وإن قرأ) (3).
الثالثة: أطلق الشيخ (ره) استحباب قراءة الحمد في الإخفاتية للمأموم،
والأولى ترك القراءة في الأولتين، وفي الأخيرتين روايتان، إحديهما رواية ابن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان مأموما " على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين) (4)
والأخرى رواية أبي خديجة عنه عليه السلام قال: (إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك
يقرؤن فاتحة الكتاب) (5).
مسألة: يجب (متابعة الإمام) في أفعال الصلاة، وعليه اتفاق العلماء، ولقوله
عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به) (6) فلو رفع رأسه قبل الإمام ناسيا " عاد معه ولو كان

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 7.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 11.
4) روى مثله في الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 31 ح 3 عن
زرارة عن أبي جعفر (ع) وأما ما رواه ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) ففيه ".. فلا تقرأ
خلفه في الأولتين ويجزيك التسبيح في الأخيرتين ".
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 32 ح 6.
6) سنن ابن ماجة 846، 1237، 1238، 1239.
421

عامدا "، أو خلف من لا يقتدى به استمر، وبه قال الشيخ (ره).
ويدل على الأول: أن النسيان يسقط معه اعتبار الزيادة، ويؤيد ذلك: رواية
محمد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عمن ركع مع الإمام
يقتدي بن ثم رفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد ركوعه) (1) وعن الفضل بن يسار
عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه
من السجود، قال: فليسجد) (2).
وأما العمد فلو عاد زاد ركنا عامدا، وليس هناك عذر يسقط معه اعتبار الزيادة،
ويؤيد ذلك: رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يرفع رأسه
من الركوع قبل الإمام أيعود ويركع إذا أبطأ الإمام؟ قال: لا) (3) وهذا غياث بتري
ضعيف السند، ولكن يعضد روايته الاعتبار الصحيح.
لا يقال: رواياتكم بالعود مطلقة ومع تسليمها كيف تحمل على النسيان، لأنا
نقول: النسيان عذر يمكن متابعة الإمام معه فليس كذلك العمد، لأنها زيادة مقصودة،
فلا يسقط اعتبارها، وكذا إذا كان متبعا " لمن لا يجوز الاقتداء به لأنه يكون كالمنفرد،
فيقع ركوعه وسجوده في محله، فلا يسوغ له العود.
مسألة: ولا يقف المأموم قدام الإمام، وتبطل به صلاة المؤتم، وهو قول
علمائنا، وأبي حنيفة، والشافعي في الجديد، وأحمد، وقال مالك: يصح لأنه
لا يمنع الاقتداء لأن الموقف سنة لا يؤثر فواته.
لنا: أن الذي اخترناه فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين، فيجب اتباعه،
ومخالفته خروج عن المشروع، ولأن المأموم يحتاج إلى استعلام حال الإمام

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 48 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 48 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 48 ح 6.
422

بالالتفات إلى ما وراءه، وذلك مبطل، ولأنه موقف ليس لأحد من المؤتمين فلا
تصح معه الصلاة، وقول مالك يمكن الاقتداء مع ذلك قلنا: لا نمنع الإمكان، بل
نمنع وقوع ذلك شرعا "، لأنه مخالف للهيئة التي كان يتعمدها رسول الله صلى الله عليه وآله
وصحابته، ثم لا نسلم أن إمكان الاقتداء موجب لوقوع الاقتداء كما هو مع الحائل.
مسألة: نية الايتمام شرط، وعليه اتفاق العلماء، ولا يشترط نية الإمام، وبه
قال الشيخ (ره)، ومذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة: يشترط لو أم النساء، وقال
أحمد: يشترط فيهما لقوله عليه السلام (الأئمة ضمناء) (1) ولا يضمن إلا مع النية.
لنا: ما رووه عن أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فجئت فقمت إلى جنبه
وجاء رجل آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا) (2) ولأن أفعال صلاة الإمام متساوية
منفردا " وجامعا "، فلا يعتبر نية الإمامة، وجواب ما ذكروه، أنا لا نسلم أن الضمان
يستلزم العلم، ولم لا يكفي في ثبوت هذا الضمان نية المأموم.
فروع
الأول: لو صلى بصلاة من سبقه بركعة فزايدا صح ايتمامه في الفرض
والنفل، وقال أحمد: يصح في النفل، وعنه في الفرض روايتان. لنا: أن نية
الإمام ليست معتبرة كما بيناه، وما روي عن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله دخل في
صلاته فتوضأ ابن عباس وصلى صلاته) (3) وأحرم عليه السلام منفردا " ثم جاء جابر وآخر
فصليا بصلاته وكانت فرضا ".

1) روى أحمد بن حنبل في مسنده ج 2 ص 232 وابن ماجة في سننه ح 981
بلفظة " الإمام ضامن ".
2) سنن البيهقي ج 3 ص 95 (رواه عن جابر).
3) سنن البيهقي ج 3 ص 99.
423

الثاني: لا بد من (تعيين الإمام) لتيسر متابعته، فلو صلى خلف اثنين لم
تصح صلاته، لتعذر المتابعة، وكذا لو اقتدى بمقتد، وكذا لو اقتدى بأحد المصلين
من غير تعيين.
الثالث: لو صلى اثنان وقال كل منهما كنت مأموما " لم تصح صلاتهما، لأن
كلا منهما وكل الأمر إلى صاحبه، وقد روى ذلك السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
ولو قال كل منهما كنت إماما " صح وقال أحمد: لا يصح لأنه نوى الإقامة ولا مأموم.
لنا: أن كلا منهما احتاط بصلاته بما يجب على المنفرد، فلم يلزمه الإعادة، ونية الإمامة
ليست منافية لصلاة المنفرد، فلم تقدح في الصلاة، وقد روى السكوني، عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أبيه أن عليا " عليه السلام قال: (صلاتهما تامة) (2).
الرابع: لو قال كل منهما لم أدر نويت الإمامة أو الايتمام أعادا، لأنه لم
يحصل الاحتياط في أفعال الصلاة على اليقين.
مسألة: لا يشترط تساوي الفرضين، فلو صلى ظهرا " مع من يصلي العصر
يصح، وهو قول علمائنا، وبه قال الشافعي، ومنع أبو حنيفة لقوله عليه السلام (إنما جعل
الإمام ليؤتم به فلا يختلفوا على أئمتكم) (3) ولأن من يصلي ظهرا " لا يأتم بمن يصلي
الجمعة، وعن أحمد روايتان.
لنا: هما متساويان في الأفعال الظاهرة، فكان الايتمام جايزا "، ولأن ايتمام
المفترض بالمتنفل جائز بما سنبينه، فمع اتفاق الفريضة أولى، وروى حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أم قوما " فصلى العصر وهي لهم ظهرا فقال لي
أجزأت عنه وأجزأت عنهم) (4).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 29 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 29 ح 1.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 2 باب 314.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 53 ح 1.
424

والجواب عن خبره: أنه يحتمل المتابعة في الأمور التي تجب متابعته فيها،
كالتكبير إذا كبر، والركوع إذا ركع، والسجود إذا سجد كما بين في الخبر
من قوله (إذا كبر وكبروا) إلى آخره، دون ما لا يتابع فيه، وأما الجمعة فمن
حضرها وجبت عليه، فلا تجزيه الظهر مع وجوب الجمعة، ثم ينتقض ما احتج به
بمن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الأخيرة، فإنه يأتم بما بقي وينوي الظهر لا
الجمعة.
فرع
لو اختلفت كيفياتهما لم يصح الايتمام كالعيدين والكسوف، لتعذر المتابعة
في الركوع.
مسألة: يقتدي المفترض بمثله والمتنفل بمثله فيما يصح الايتمام فيه، والمتنفل
بالمفترض، أما المفترض بالمتنفل فعندنا جايز، وبه قال الشافعي، ومنع أبو حنيفة،
ومالك، وعن أحمد روايتان.
لنا: ما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين
وسلم وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين تلك الصلاة فتكون الثانية له نفلا) (1) وعن
جابر (كان معاذا " يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وآله العشاء ثم ينصرف إلى بني سليم فيصلي
بهم) (2) فهي له تطوع ولهم مكتوبة.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: (كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام أني أحضر المساجد مع جيرتي فيأمروني بالصلاة بهم وقد
صليت قبل أن رأيتهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي فأمرنا بأمرك لانتهى إليه

1) سنن البيهقي ج 3 ص 259.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 85.
425

فقال صل بهم) (1).
مسألة: يستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام، وهو قول العلماء، لرواية
ابن عباس، ويقف الجماعة خلفه، لرواية جابر وأنس (2) ما رواه محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام قال: (الرجلان يؤم أحدهما الآخر يقوم عن يمينه فإن كانوا أكثر
قاموا خلفه) (3).
فرع
هذا الموقف سنة فلو خالف لم يبطل الايتمام، ولو كان صبي وبالغ جعلهما
خلفه، ولو وقفا حياله صح، كما لا تضاف المرأة. لنا: التمسك بالأصل، ولأنه
متنفل فجاز أن يضاف المفترض كالبالغ المتنفل، ولو أم اثنين فوقفا إلى جنبه أخرهما
الإمام، وقال أبو حنيفة: يتقدم الإمام.
لنا: رواية جابر قال (وقفت إلى يمين النبي صلى الله عليه وآله وجاء آخر فوقف عن يساره
فأخذنا بيديه وصيرنا إلى خلفه) (4) والمرأة تقف خلف الإمام، وكذلك لو كن أكثر
من واحدة، لقوله عليه السلام (أخروهن من حيث أخرهن الله) ومن طريق الأصحاب:
ما رواه أبو العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يؤم المرأة فقال نعم
تقف وراءه) (5).
مسألة: ولا يتقدم أمام (العراة) بل يجعلهم صفا "، ويقعد وسطهم بارزا " بركبتيه
ذكر ذلك الثلاثة وأتباعهم، وبه قال أكثر أهل العلم، ولعل التوسط لكون نسبتهم

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 54 ح 5.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 95 و 99.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 23 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 95.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 19 ح 5.
426

إليه على السواء فيتمكنون من متابعته، ولأنهم سترة له، وروى عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة قال يتقدمهم إمامهم
بركبتيه يصلي بهم جلوسا " وهو جالس) (1).
مسألة: يستحب أن تؤم المرأة النساء في الفرض والنفل، وبه قال الشافعي
وكره أبو حنيفة، ومالك، لأنه يكره لها الأذان، فيكره ما يراد الأذان له، وفي رواية
الحلبي وسليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يؤمهن في النافلة فأما في
المكتوبة فلا) (2).
لنا: ما رووه (أن النبي صلى الله عليه وآله أمر ورقة بن عبد الله بن الحارث أن تؤم أهل
دارها) (3) وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (المرأة تؤم النساء قال لا بأس) (4)
وحجة مالك ضعيفة، لأن كراهة الأذان لكراهية رفع الصوت، ثم يبطل ما ذكروه
بالصلوات التي لا أذان لها، كالجنازة، والمنذورة، والعيدين، والكسوف فتقف
المرأة وسط النساء يدل على ذلك: ما رووه عن عايشة (أنها كانت تقف وسطهن) (5)
وعليه اتفاق القائلين بإمامة النساء، ورووا عن صفوان بن سليم أنه قال: (من السنة
إن صلت بنسوة أن تقف وسطهن).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه بعض أصحابنا (عن المرأة تؤم النساء، قال:
نعم تقف وسطهن) (6) وأما الروايتان عن أهل البيت عليهم السلام فهما نادرتان لا عمل عليهما
ولو أم الرجال والنساء قام الرجال خلفه وتأخر النساء، ولو كان رجلا واحدا " كن

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 51 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 20 ح 9 و 12.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 130.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 20 ح 11.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 130.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 20 ح 10.
427

خلفه والرجل إلى جانبه روى ذلك عبد الله بن المغيرة عن القسم بن الوليد عن أبي
عبد الله عليه السلام (1) وكذا لو أيتم النساء والصبيان تقدم الصبيان، لرواية عبد الله بن سنان
قال: (يتقدمون ولو كانوا عبيدا ") (2).
مسألة: ومن صلى منفردا " يستحب أن يعيد صلاته إماما ومأموما أي صلاة اتفق
في أي وقت اتفق، وهو مذهب علمائنا، وقال الشافعي: يشترط أن يقام وهو في
المسجد ويدخل وهم يصلون، وقال: يعيد إن صلى وحده إلا المغرب، وقال أبو
حنيفة: لا تعاد الفجر ولا العصر، لأنها نافلة فلا تفعل في وقت النهي، ولا تعاد المغرب
لأن التطوع لا يكون بوتر.
لنا: ما رووه (أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبعض أصحابه إذا أحببت فصل مع الناس
وإن كنت قد صليت) (3) وعن أبي ذر قال: (إن خليلي أوصاني أن أصلي الصلاة لوقتها
فإذا أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ولا يقال إني صليت فلا أصلي) (4) وعن زيد بن
الأسود عن أبيه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله الفجر فإذا هو برجلين لم يصليا
معه، فقال: علي بهما، فقال: ما منعكما تصليا معنا؟ فقالا: صلينا في رجالنا، فقال:
إذا صليتها في رجالكما ثم أتيتما جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة) (5).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يصلي
الفريضة ثم يجد قوما " يصلون جماعة أيجوز أن يعيد الصلاة معهم، قال: نعم وهو
أفضل، قلت: فإن لم يفعل، قال: ليس به بأس) (6) واشتراط الشافعي لا وجه له

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 19 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 23 ح 3 (رواه عن عبد الله بن مسكان).
3) سنن النسائي ج 2 كتاب الإقامة ص 112.
4) صحيح مسلم كتاب المساجد ج 1 ح 238 و 342.
5) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 161.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 54 ح 9.
428

لأنه تقييد لهذه الأحاديث المطلقة، وكذا قول أبي حنيفة، فإن النهي الذي أشار إليه
عام وهذه خاصة، فتقدم العام، وأما جواز إقامتها إماما فقد سلف في خبر ابن بزيع (1).
مسألة: يستحب أن يخص بالصف الأول (الفضلاء) وعليه اتفاق العلماء
رووا عن ابن مسعود الأنصاري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ليليني منكم أولوا
الأحلام ثم الذين يلونهم) (2) ثم الصبيان ثم النساء روى جابر بن يزيد عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام قال: (ليكن الذين يلون الإمام أولوا الأحلام) (3) وأفضل الصفوف أولها
وأفضل أولها ما دنى من الإمام.
ويستحب أن يسبح المأموم إن فرغ من القراءة قبل الإمام، ويمكن أن يكون
ذلك لتحصيل قصار الذكر وكراهية القيام صامتا " ويدل على ذلك: ما رواه زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبله قال امسك آية
ومجد الله واثن عليه فإذا فرغ فاقرأ الآية واسجد) (4) ويحسن أن يكون ذلك فيما
يخافت الإمام فيه، لا ما يجهر فيه بالقراءة، فإن الانصات أفضل.
مسألة: ويقوم الإمام والمؤتمون إذا قال المؤذن (قد قامت الصلاة) ويقول
قد قامت الصلاة وقال الشيخ (ره) في الخلاف: إذا فرغ المؤذن من الأذان، وبه
قال الشافعي، قال أبو حنيفة: إذا قال المؤذن حي على الصلاة.
لنا: إنما ذكرناه أخبار عن الإقامة، فيجب المبادرة للتصديق، ودل على ذلك
أيضا " رواية حفص بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قال المؤذن قد قامت

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 54 ح 5.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 97.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 7 ح 2.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 35 ح 1 (لكنه رواه بدل واسجد
" واركع ").
429

الصلاة قام القوم على أرجلهم) (1) وقول أبي حنيفة ضعيف، لأن الدعاء إلى الصلاة
ليس أمرا " بالقيام إليها، ويكره أن يقف منفردا " عن الصف إلا مع العذر، وبه قال
الشافعي، وأبو حنيفة، وقال أحمد: يعيد صلاته، وكذا لو وقف على يسار الإمام،
وليس على يمينه أحد، لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بهم وانصرف ورجل وراء
الصف فقال له النبي صلى الله عليه وآله استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف) (2).
لنا: أن أبا بكر ركع خلف الصف وأخبر النبي صلى الله عليه وآله فلم يأمره بالإعادة (3)
وما تضمنه خبرهم من الأمر بالإعادة يحمل على الاستحباب توفيقا " بين الروايتين،
ولا يكره أن يجمع في المسجد ثانيا " بالصلاة الواحدة، سواء جمع إمام الحي، أو
غيره، وقال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك: يكره إذا كان له إمام رابت ليتوفروا عليه،
وقال أحمد: يكره في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله خاصة.
لنا: قوله عليه السلام (صلاة الجماعة تفضل صلاة الغد بخمس وعشرين صلاة) (4)
وهو على إطلاقه، وروى الترمذي قال: (جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
أيكم يتجر على هذا فقام رجل فصلى معه) (5) وفي رواية (فلما صليا قال هذان جماعة)
وروي في بعض أخبارنا (منع الإمام الثاني من الأذان إذا كانت الصفوف باقية) (6)
وروي بعض الأصحاب عن زيد بن علي عن آبائه قال: (دخل رجلان المسجد وقال
صلى علي عليه السلام بالناس فقال لهما إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم) (7)

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 42 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 105.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 106.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 60.
5) سنن الترمذي ج 2 أبواب صلاة ص 50، سنن البيهقي ج 3 ص 68.
6) الوسائل ج 4 أبواب الأذان والإقامة باب 25 ح.
7) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 65 ح 3.
430

وقد اختار ذلك الشيخ (ره) في النهاية، والروايتان ضعيفتان.
الطرف الثاني في الإمام.
مسألة: يعتبر فيه (العقل) وعليه اتفاق العلماء، لأن المجنون لا صلاة له،
نعم لو كان الجنون يعرض له أدوارا " صح في الوقت الذي يعلم إفاقته، لحصول
شرائط الإمامة فيه، و (الإيمان) شرط في الإمام.
ومن ليس بمؤمن نوعان:
الأول: من خرج عن الإسلام لا تصح إمامته ولو كان عدلا في نحلته،
وعليه إجماع علماء الإسلام، ولقوله تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار) (1) ولأن الأئمة ضمناء، والكافر ليس أهلا لضمان الصلاة.
فرع
لو صلى بصلاة مظهر الإسلام فبان كافرا "، ففي الإعادة قولان، أحدهما:
يعيد، وهو اختيار علم الهدى في أحد قوليه، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد،
والثاني: لا يعيد، وهو اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي (ره) في النهاية.
لنا: أنها صلاة مأمور بها شرعا "، فتكون مجزية، ولأن الاطلاع على الباطن
متعذر فيكفي بصلاح الظاهر، ونحن نتكلم على هذا التقدير، ودل على ذلك أيضا ":
ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوم خرجوا من
خراسان أو بعض الجبال فكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي
قال لا يعيدون) (2).
وهل يحكم بإسلامه بمجرد الصلاة؟ قال الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف:

1) سورة هود: 113.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 37 ح 1.
431

لا سواء صلى في جماعة أو منفردا " ما لم يتلفظ بالشهادتين، وقال الشافعي: يحكم
عليه بالإسلام لكن لا يلزمه حكمه بمعنى أنه لو أنكر الإسلام لم يحكم بردته، سواء
صلى جماعة، أو منفردا "، وقال أبو حنيفة: يحكم بإسلامه وردته لو صلى في جماعة
ثم أنكر الإسلام، وقال محمد: يحكم بإسلامه إذا صلى جامعا " أو منفردا " في المسجد،
ولا يحكم لو صلى منفردا " في بيته.
لنا: أن الصلاة ليست هي الإسلام وإن كانت شعارا " كغيرها من العبادات الإسلامية
فلا يصير بها مقرا " بالإسلام، وما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أمرت
أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) (1) وهو دليل على انحصار الإسلام في
الشهادة، واشتراط الشهادة للنبي صلى الله عليه وآله معلوم باتفاق علماء الإسلام.
الثاني: مخالف أهل الحق لا يؤتم به وإن أطلق عليه اسم الإسلام، وهو
اتفاق علمائنا، وقال الشافعي: إكراه إمامة المظهر للبدع، وبه قال أبو حنيفة، وقال
مالك: لا يؤتم ببدعي. لنا: أن البدعي فاجر وظالم، فلا يؤتم به لقوله تعالى (ولا
تركنوا إلى الذين ظلموا) (2) وقول النبي صلى الله عليه وآله (لا يؤمن فاجر مؤمنا ") (3).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه فضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام
وأبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (عدو الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به) (4)
وقال البرقي كتبت إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام " أتجوز الصلاة خلف من وقف على
أبيك وجدك فأجاب لا تصل وراءه) (5) وعن إسماعيل الجعفي قلت لأبي جعفر عليه السلام

1) سنن ابن ماجة ج 1 المقدمة باب 71 و 72.
2) سورة هود: 1 13.
3) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 78.
4) لم نجده.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 10 ح 5.
432

(رجل يحب أمير المؤمنين عليه السلام ولا يبرء من عدوه قال هذا مخلط وهو عدو لا تصل
خلفه إلا أن تتقيه) (1).
مسألة: ظهور العدالة شرط في الإمام، وبه قال مالك، وأحمد في إحدى
الروايتين إلا في الجمع والأعياد، ثم تردد في الإعادة فيهما، وقال الشافعي، وأبو
حنيفة: بالجواز فيهما لقوله عليه السلام (لا تكفروا أحدا من أهل ملتكم بالكباير والصلاة
خلف كل إمام والجهاد مع كل أمير والصلاة على كل ميت) (2).
لنا: قوله عليه السلام (لا تؤمن امرأة رجل ولا فاجر مؤمنا " إلا أن يقهره بسلطان أو يخاف
سطوته أو سيفه) (3) ولأن الايتمام ركون والفاسق ظالم، فلا يركن إليه لعدم الثقة
باحتياط للصلاة.
ومن طريق الأصحاب: ما روى خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا تصل خلف الغالي وإن كان يقول بقولك والمجهول المجاهر بالفسق وإن
كان مقتصدا) (4) وروى الحسن بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام قال (لا تصل خلف من
لم تثق بدينه وأمانيه) (5) وما رواه سعيد بن إسماعيل عن أبيه قال قلت للرضا عليه السلام
(رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال: لا) (6) والخبر
الذي احتجوا به نادر وهو يخص عموم القرآن ويعارض الأحاديث التي تلوناها،
وما يوافق القرآن من الأحاديث أولى مما ينافيه، مع أن ذلك الحديث متروك الظاهر
فإن أمير البغاة أمير ولا يجاهد معه، والميت منهم لا يصلى عليه على الصحيح من

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 10 ح 3.
2) لم نجده.
3) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 78.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 10 ح 6.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 11 ح 8.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 11 ح 10.
433

الأقوال، والصلاة خلف المعتزلة ينكرها أصحاب الشافعي.
فرع
لو ائتم بمن ظاهره العدالة فبان فاسقا " فيه قولان، قال علم الهدى (ره): يعيد،
وقال الشيخ (ره): لا يعيد، وهو الأصح، لأنها صلاة مشروعة في ظاهر الحكم
فتكون مجزية، ولو صلى خلف جنب أو محدث وهو يعلم أعاد، ولو كان جاهلا
فأعلمه الإمام قال علم الهدى (ره) في المصباح: لزم الإمام الإعادة ولم يلزم القوم.
وقد روي أنهم إن علموا في الوقت لزمهم الإعادة، ولو صلى بهم بعض الصلاة
ثم علموا حدثه أتم القوم في رواية جميل (1) وفي رواية حماد عن الحلبي (2)
يستقلبون صلاتهم هذه حكاية، والوجه عندي: أنه لا إعادة عليهم في شئ من الصور
المذكورة خلافا " لأبي حنيفة، لما ذكرنا أولا.
ودل على ذلك روايات: منها رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام
(في رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم، قال: لا بأس) (3) وفي
رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على
غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته قال يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على
غير طهر) (4) ومثله روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في قوم صلى بهم إمامهم وهو
غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 6 (رواه حماد بن عيسى عن
معاوية بن وهب).
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 8.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 4.
434

هو الإعادة وليس عليه أن يعلمهم هذا عنه موضوع) (1).
فأما ما روي (أن عليا " عليه السلام صلى بالناس على غير طهر فخرج مناديه أن أمير
المؤمنين عليه السلام صلى على غير طهر فأعيدوا فليبلغ الشاهد الغائب) (2) قال الشيخ (ره)
في التهذيب: هذا خبر شاذ مخالف للأحاديث على أن فيه ما يبطله.
مسألة: قال علماؤنا (طهارة المولد) شرط في الإمام ونعني به من لم يتحقق
ولادته عن زنا، وقال الشافعي: يكره، وكره مالك اتخاذه وابتا، ولم يكره
الباقون، لقوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) (3) ولما روي عن عايشة أنها قالت (ليس
عليه من وزر أبويه شئ) (4).
لنا: أن الإمامة منصب فضيلة فلا يؤهل بها الناقص، وقوله عليه السلام (ولد الزنا
شر الثلاثة) (5) لا يقال: لعله أراد شر الثلاثة نسبا "، لأنا نقول: هذا المضمر لا دلالة
عليه بل ظاهر الخبران شره أعظم من شر أبويه.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا تقبل
شهادة ولد الزنا ولا يؤم بالناس) (6) ولأن شهادته غير مقبولة فإمامته غير جايزة لعدم
الفارق، وقول عايشة ليس عليه من وزر أبويه شئ لا ينافي ما قلناه، لأنا نسلم أنه
ليس عليه إثم الزنا، ولكن الأبوان شران باعتبار الزنا، وهو شر باعتبار ولادته عن
الزنا، وقوله (يؤمكم أقرؤكم) عام فيصرف إلى من تصح منه الإمامة.
وفي اشتراط (البلوغ) روايتان، إحديهما: لا يشترط، وبه قال الشيخ (ره) في
النهاية، وعلم الهدى رضي الله عنه في المصباح، وهو قول الشافعي، لما روى عمر

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 36 ح 9.
3) سنن ابن ماجة كتاب الأذان باب 5 وكتاب الإقامة باب 46.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 91.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 91.
6) الوسائل ج 18 أبواب الشهادات باب 31 ح 4.
435

ابن مسلم (أن النبي صلى الله عليه وآله قال لقومه يؤمكم أقرؤكم فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع
سنين) (1). ومن طريق أهل البيت عليهم السلام رواية طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه،
عن علي عليهم السلام قال: (لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم ويؤم) (2).
والثانية: يشترط، وبه قال الشيخ (ره)، واختار أبو حنيفة، وأحمد، ومالك
لأن الإسلام والعدالة شرط في الإمامة، ولما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم حتى يحتلم) (3) قال الشيخ (ره)
في التهذيب: يحمل خبر طلحة على من بلغ ولم يحتلم، وليس بتأويل جيد، لتوارد
الروايتين على صفة واحدة مع تنافي الحكم، لكن الأولى العمل برواية إسحاق لعدالته
وضعف طلحة، ولأن ذلك أظهر في الفتوى بين الأصحاب، وهو نوع من رجحان.
مسألة: قال أصحابنا لا يؤم (القاعد) القائم، وبه قال مالك في إحدى الروايتين
ومحمد بن الحسن، وقال أحمد: يجوز بشرطين أن يكون إمام الحي وأن يكون
عذرة مما يرجى زواله، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: يجوز مطلقا " (لأن النبي صلى الله عليه وآله
صلى قاعدا والناس قيام) (4) وقال أحمد: يلزم المؤتم بإمام الحي أن يصلي قاعدا "
لما روي عن عايشة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى وهو شاك في بيته قاعدا " وصلى ورائه
قوم قياما " فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرفوا قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع
فاركعوا وإذا رفع فارفعوا) (5).
لنا: ما رواه الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا يؤمن أحد بعدي جالسا) (6)

1) سنن البيهقي ج 3 ص 91.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 14 ح 8.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 14 ح 7 (رواه عن الصادق " ع " عن علي " ع ").
4) سنن البيهقي ج 3 ص 80.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 79 (إلا أنه ليس فيها " وهو شاك ").
6) سنن البيهقي ج 3 ص 80.
436

ولأن القيام ركن لا يجوز الإخلال به لتمكن منه، فإذا عجز الإمام عنه لم تجز متابعته
فيه، لتحقق العذر في حقه دون المؤتم، ولأن الجماعة سنة فلا يترك لها الفرض،
وخبر الشافعي غير دال، لاختصاص النبي صلى الله عليه وآله بما لا يوجد في غيره، ومن طريق أهل
البيت عليهم السلام ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام قال: (لا يؤم
المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء) (1).
مسألة: ولا يؤم (الأمي) القارئ ويريد بالأمي هنا من لا يحسن قراءة الحمد
أو لم يحسن القراءة، وبهذا قال علماؤنا، ومالك، والشافعي في الجديد، وله قول
آخر بالجواز، لأنه عجز عن ركن وكان كالقاعد بالقيام، وقال أبو حنيفة: تفسد صلاة
الإمام والمؤتم، لأن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم، فإذا عجز، فسدت صلاته.
لنا: أن القراءة واجبة مع القدرة، فلو أتم أخل بالواجب لأن الإمام يتحمل
القراءة عن المأموم ومع عجزه لا يتحقق التحمل، وما احتج به أبو حنيفة يبطل بإمامة
صاحب الفالج صحيحا "، ويجوز أن يؤم الأمي مثله لاستوائهما في الأفعال.
فروع
الأول: إذا أم الأمي قاريا وأميا أعاد القارئ خاصة، ولو أم قاريا واحدا
بطلت صلاة المؤتم، وقال أحمد: تبطل صلاتهما لأن الإمام نوى الإمامة، وقد صار
فذا، وما احتج به أحمد ضعيف، لأن نية الإمامة لا تخرجه عن الإتيان بصلاة المنفرد
الثاني: لو ائتم القارئ بمن لا يعلم حاله في الإخفاتية صحت صلاته، لأن
الظاهر أنه لا يتقدم إلا وهو بشرائط الإمامة، فيكون مأمورا " بها في الظاهر، وكذا
في الجهرية لو خفت عنه القراءة.
الثالث: لو أم (الأخرس) مثله جاز، ومنعه أحمد، لأنه يترك ركنا " لا يرجى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 22 ح 1.
437

زواله وهو القراءة، فلم يصح كالعاجز عن الركوع والسجود. لنا: أنهما متساويان
في الأفعال، فكان كالأمي بمثله، وهل يؤم أميا " يمكن أن يقال لا، لأنه يقدر على
المنطق بالتكبير، والأخرس عاجز، والأقرب: الجواز، لأن التكبير لا يتحمله الإمام
وهما في القراءة سواء.
مسألة: لا يؤم مؤوف اللسان (1) صحيحا "، ويؤم مثله إذا تساويا في النطق،
أما الأول: فلأن الصحيح تلزمه القراءة لتمكنه، ومع عجز الإمام لا يصح التحمل
وأما الثاني: فلأنهما متساويان في الأفعال، فصحت الإمامة كالقاريين، والألثغ
والأخن (2) لا يؤم صحيحا "، لأنه يحل بما يجب على الصحيح النطق به، والإمام
عاجز عن تحمله عنه، وقال الشيخ (ره) في المبسوط: يكره إذا لم يقدر على تغييره
ولو أم بمثله جاز أما التمتام والفأفأة (3) فالايتمام بهما جايز، لأنه يكرر الحرف
ولا يسقطه وكذا الإرب وهو الذي يغير به حبسة ثم ينطلق.
مسألة: ولا تؤم (امرأة) رجلا ولا (خنثى) لاحتمال كونه رجلا، وعليه
اتفاق العلماء، ولقوله عليه السلام (أخروهن من حيث أخرهن الله) ولأن المرأة مأمورة
بالخفر والاستتار والإمام بالظهور والاشتهار، ويلزم من الاحتمال المذكور أن لا يؤم
الخنثى رجلا.
مسألة: (صاحب المنزل والإمارة والمسجد) أولى من غيره إذا استكملوا
الشرائط، وعليه اتفاق العلماء، وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (لا يؤم الرجل في بيته

1) مؤوف: مضروب بآفة.
2) الألثغ: من كان بلسانه لثغة ولدغة أي ثقل في لسانه، والأخن: من أخرج الكلام
من أنفه.
3) تمتم في الكلام: عجل فيه ولم يفهمه، وفأفأ الرجل: أكثر الفاء وتردد فيها في
كلامه.
438

ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) (1) وقال عليه السلام (من زار قوما " فلا
يؤمهم ويؤمهم رجل منهم) (2) ورووا (أن حذيفة وابن مسعود خلا بيت أبي سعيد
مولى أبي أسيد وهو عبد فتقدم أبو ذر فقالوا وراك فالتفت إلى أصحابه فقال أكذلك
هو قالوا نعم فتأخر وقدموا أبا سعيد) (3).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه ابن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام:
قال: (لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه) (4) وأما كراهية التقدم
على إمام المسجد الرابت فلأنه يجري مجرى منزله، ولأن ذلك يحدث وحشة.
مسألة: وإذا (تشاح الأئمة) قدم من يختاره المأمومون إذا كان بصفات
الإمامة، لقوله عليه السلام (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة أحدهم من تقدم قوما " هم له
كارهون) (5) فإن اختلفوا قدم الأقرء لكتاب الله تعالى، وهو قول أكثر فقهائنا، وبه
قال أحمد، وقال الشافعي، أكثر أصحاب أبي حنيفة: يقدم الأفقه لأن الفقه يحتاج
إليه في الصلاة كلها، والقراءة في بعضها، فكان ما يحتاج إليه في الصلاة كلها أولى،
ولأن العارف بالفقه أبصر بتدبير الصلاة من القارئ، ولنا: قوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم
لكتاب الله) (6) وقال أيضا " (يؤمكم أكثركم قرآنا ") (7).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن) (8) ولو قيل: إنما قدم القارئ لمكان

1) سنن البيهقي ج 3 ص 125.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 126.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 126.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 28 ح 1.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 27 ح 6.
6) سنن البيهقي ج 3 ص 125.
7) سنن البيهقي ج 3 ص 91.
8) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 28 ح 1.
439

أن الصحابة كان أعرفهم بالسنة أقرؤهم للقرآن، قلنا: اللفظ جار على إطلاقه، ولأن
ما ذكروه لو كان مرادا " لما نقلهم بعد القراءة إلى الأعلم بالسنة، فإن تساووا في
القراءة قال الشيخان: يقدم الأعلم بالسنة، وقال علم الهدى: يقدم الأسن، ثم
الأعلم بالسنة، لما رواه مالك بن الحويرث وصاحبه قال (يؤمكما أكبركما) (1).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال يؤم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن تساويا فأقدمهم هجرة، فإن تساويا فأسنهم،
فإن كانوا سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة) (2).
لنا: أن العلم بالسنة أهم من السن لأنه يحتاج فيه إلى تدبير الصلاة ولا كذلك
السن، وخبر ابن الحويرث لا حجة فيه، لأنه حكم في واقعة، فلعله عليه السلام علم فيهما
التساوي إلا في السن، وخبر أبي عبيدة فهو على الجواز، ونحن فلا نمنعه وإنما
ندعي الأولوية، فإن تساووا في الفقه فأقدمهم هجرة، لأنهما أشرف من علو السن،
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يفضل بالسبق، فإن تساووا في الهجرة فالأسن، وهل يرجح
(بالأصبح) قال الشيخان: نعم، ورواه المرتضى رضي الله عنه في المصباح رواية
ولا أرى لهذا أثرا " في الأولوية، ولا وجها " في شرف الرجال.
مسألة: لو أحدث الإمام قدم من يتم بهم، وهو مذهب علمائنا، وبه قال
الشافعي في الجديد، وقال في القديم لا يجوز. لنا: أن صلاة المأموم لا تبطل بصلاة
الإمام، فإذا قدم من يصلح للإمامة كان أتمها فلا ينفك المأموم من إقامة الجماعة والعمل
بالسنة، وروى الأصحاب عن علي عليه السلام قال (من وجد أذى فليأخذ بيده رجل فليقدمه
يعني إذا كان إماما) (3).

1) سنن ابن ماجة كتاب الإقامة باب 46.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 28 ح 1.
3) الوسائل ج 4 أبواب قواطع الصلاة باب 2 ح 8.
440

ويكره أن يستناب المسبوق، لأنه يحتاج أن يستنيب ثانيا "، ودل على ذلك:
رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة
لا ينبغي أن يقدم إلا من شهد الإقامة) (1) ولو قدم من سبق جاز أن يستنيب ثانيا "
وقد رواه طلحة بن زيد عن جعفر عليه السلام ومعاوية بن عمار عنه (2).
ولو مات الإمام قدم المأمومون من يتم بهم، ودل على ذلك: رواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أم قوما " بركعة ثم مات قال يقدمون رجلا آخر
ويعتدون بالركعة ويغتسل من مسه) (3).
مسألة: يكره أن يأتم (الحاضر) بالمسافر، وكذا المسافر، وبه قال أبو
حنيفة، وقال الشافعي: إنما يكره أن يأتم الحاضر بالمسافر لأن المسافر يتم صلاته
مع المقيم. لنا: أن كل واحد منهما يفارق إمامه على ما اخترناه، والمفارقة مكروهة
للمختار، ودل على ما ذكرناه: ما رواه عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يؤم
الحضري المسافر ولا المسافر الحضري فإن أم قدم من يتم بهم) (4) وبموجب التعليل
الذي ذكرناه تزول الكراهية لو تساوى فرضاهما، كالايتمام في المغرب والغداة.
ويكره أن يؤم (المتيمم) متطهرا "، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ومنع
محمد بن الحسن الشيباني، لما روى عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (لا يؤم المتيمم
المتوضئين طهارة) (5) لنا: ما رواه (أن عمرو بن العاص صلى بأصحابه وهو متيمم
وعرف النبي صلى الله عليه وآله ذلك فلم ينكره) (6) ولأن المتيمم متطهر طهارة شرعية، فجاز

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 41 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 40 ح 3 و 5.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 43 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 18 ح 6.
5) سنن البيهقي ج 1 ص 234 (رواه عن جابر).
6) سنن البيهقي ج 1 ص 225.
441

الايتمام به، وفي ايتمام (المرأة الطاهرة) بالمستحاضة (والصحيح) بمن به السلس
تردد، أقربه: الجواز، لأن كل واحد منهما طهارة شرعية، فجاز الايتمام بهما.
وفي إمامة (الأجذم والأبرص) قولان، أحدهما: المنع، وهو اختيار علم
الهدى في المصباح، والشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط والجمل، والثاني:
الكراهية، وإليه أومأ المفيد وهو الوجه.
لنا: قوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) وقوله عليه السلام (يؤم القوم أقرؤهم) (1) وما
رواه ثعلبة بن ميمون عن عبد الله بن زيد قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المجذوم
والأبرص يؤمان المسلمين، قال نعم، قلت هل يبتلى بهما المؤمن، قال نعم وهل
كتب البلاء إلا على المؤمن) (2) قال الشيخ في التهذيب: تحمل على الضرورة،
ويمكن أن يكون محمولا على قوم هذه صفاتهم، والتأويلان ضعيفان، لأنه تخصيص
لكل واحد من الحديثين، وعدول عن ظاهر هما، والأقرب: إن المنع على الكراهية
توفيقا بين الخبرين.
مسألة: يكره إمامة (المحدود) بعد توبته، لأن مع توبته يزول فسقه، لكن
لا تزول نقص مرتبته، والإمامة منصب فضيلة، وعلى هذا يحمل كلام من أطلق المنع
من الأصحاب، قال علم الهدى رضي الله عنه في المصباح، والشيخ رحمه الله تعالى
في المبسوط والنهاية، وأبو الصلاح (ره): لا يؤم الأغلف، والوجه أن المنع مشروط
بالفسوق، وهو (التفريط مع الاختتان) مع التمكن لا مع العجز
وبالجملة فليس الغفلة مانعة باعتبارها ما لم ينضم إليها الفسوق بالإهمال،
ونطالب المانعين بالعلة، فإن احتجوا بما رواه أبو الجوزاء عن الحسين بن علوان
عن عمران بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: (الأغلف لا يؤم

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 28 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 15 ح 1.
442

القوم وإن كان أقرؤهم لأنه ضيع من السنة أعظمها ولا تقبل له شهادة ولا يصلى
عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا " على نفسه) (1).
فالجواب من وجهين، أحدهما: الطعن في سند الرواية، فإنهم بأجمعهم
زيدية مجهولوا الحال، والثاني: أن نسلم الخبر ونقول بموجبه، فإنه تضمن ما يدل
على الإهمال والاختتان مع وجوبه، فلا يكون المنع معلقا " على الغلفة، فإن ادعى
مدعي الإجماع، فذلك يلزم من يعلم ادعاءه.
وقال الشيخ (ره) في النهاية والجمل والمبسوط: لا يؤم (الأعرابي)
بالمهاجرين، وكذا قال علم الهدى (ره) في المصباح، وبه قال مالك، لقوله تعالى
(الأعراب أشد كفرا " ونفاقا " وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) (2)
والذي نختاره: أنه إن كان ممن لم يعرف محاسن الإسلام ولا وصفها فالأمر كما
ذكروه، وإن كان وصل إليه ما يكفيه اعتماده ويدين به ولم يكن ممن تلزمه المهاجرة
وجوبا " جاز أن يؤم، لقوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) وقول الصادق عليه السلام (لا يتقدمن
أحدكم الرجل في منزله ولا في سلطانه) (3) وحجة مالك يتخرج على هذا التأويل.
قال علماؤنا: ولا بأس بإمامة (الأعمى) إذا كان له من يسدده، وكرهه
الآخرون. لنا: قوله عليه السلام (يؤمكم أقرؤكم) ولأن العمى ليس نقصا "، وقد عمى بعض
الأنبياء، وروي من طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال
(لا بأس أن يصلي الأعمى بالقوم وإن كانوا هم الذين يوجهونه) (4).
الطرف الثالث في الأحكام: إذا دخل المسجد فركع الإمام وخاف فوت

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 13 ح 1.
2) سورة التوبة: 97.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 28 ح 1.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 21 ح 1.
443

الركوع جاز أن يكبر ويركع ويمشي راكعا " حتى يلحق قبل رفع رأس الإمام،
وكرهه الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، لما روي (أن أبا بكر فعل ذلك فقال له النبي
صلى الله عليه وآله زادك الله حرصا " ولا تعد) (1) وجواب خبرهم: أنه يحتمل أن يكون النهي عن
تأخيره عن الصلاة، فكأنه يقول لا تعد إلى التأخر.
لنا: أن الدخول في الصلاة تحصيل فضيلة الجماعة، والمشي في الركوع
لإدراك الصف غير مبطل، فلا يكره، ويدل على ذلك: ما رواه محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام (في الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة قال يركع قبل
أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم) (2).
قال الأصحاب: ويستحب للإمام إذا أحس بداخل أن يطيل ركوعه حتى
يلحق به، وقال الباقون بالكراهية. لنا: أنه تحصيل فضيلة الاجتماع، لأن للإمام
بكل من صلى خلفه حسنة، ودل على ذلك أيضا ": ما رواه جابر عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (يا جابر انتظر مثل ركوعك) (3).
فرع
لو ركع فمشى فسجد الإمام قبل التحاقه سجد على حاله وقام، فإذا ركع الإمام
ثانيا " ركع ومشى في ركوعه، وكره الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، وقال أحمد:
تبطل صلاته، وقد بينا أن ذلك مستحب، وروى ما ذكرناه عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا خفت أن يركع قبل أن تصل إليه فكبر واركع

1) سنن البيهقي ج 3 ص 106.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 4 6 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 50 ح 1 (لكنه رواه بدل مثل: مثلي
ركوعك).
444

فإن رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف وإن جلس فاجلس مكانك فإذا
قام فالحق بالصف) (1).
فرع
وإذا كان الإمام في محراب داخل في الحائط، فإنه يكره للإمام، ولا تصح
صلاة من إلى جانبه إذا منعهم الحائط من مشاهدته، وتصح صلاة من يحاذيه ومن
خلفهم من الصفوف.
مسألة: إذا شرع في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات تحصيلا
لفضيلة الجماعة، ولو كان في فريضة نقلها إلى النفل وأتمها اثنتين استحبابا "، ليجمع
بين إكمال النافلة وفضيلة الجمع، ولو كان إمام الأصل قال الشيخ: قطعها واستأنف
الصلاة معه، لما له من المزية الموجبة الاهتمام بمتابعته، وعندي فيه تردد، ولو كان
ممن لا يقتدى به استمر، لأنه ليس بمؤتم به في الحقيقة.
ويؤيد ذلك: ما رواه سماعة قال (سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام
وقد صلى ركعتين من فريضة، فقال إن كان إماما " عدلا فليصل أخرى ولينصرف
وليجعلهما تطوعا " وليدخل مع الإمام في صلاته (ومثله روى سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله عليه السلام) (2) قال (فإن لم يكن إمام عدل فليبن علي صلاته كما هو ويصلي
ركعة أخرى معه ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا " عبده ورسوله صلى الله عليه وآله ثم يتم صلاته معه على ما استطاع فإن التقية واسعة وليس
شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله) (3).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 46 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 56 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 56 ح 2.
445

فرع
إذا صلى خلف من لا يصلح للإمامة خوفا " لم يعد، وفي رواية عن أحمد: يعيد
لأنه نوى أن لا يعتد بها، ولنا: أنه أتى بالأفعال الواجبة على التمام فكانت مجزية؟
أما كونه نوى أن لا تعتد بها، فنحن لا نتكلم على هذا التقدير.
مسألة: ما يدركه المأموم يكون أول صلاته، فإذا سلم الإمام أتم المأموم
ما بقي، وهو مذهب علمائنا كافة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: آخر صلاة
الإمام آخر صلاة المأموم إذا كان مسبوقا "، لقوله عليه السلام (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فاقضوا) (1).
لنا: أن صلاة المأموم لا تبتنى على صلاة الإمام لما بيناه من جواز اختلاف
الفرضين، فلو كانت صلاة المأموم على هيئة صلاة الإمام لتغيرت هيئة صلاة المأموم
فيكون كما لو قلبها منفردا "، ولأنها مفتتحة بالتكبير فكانت أولا كالمنفرد، وقد روى
ما قلناه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (إذا أدرك الرجل بعض الصلاة جعل ما أدرك
أول صلاته إن أدرك من الظهر أو العصر ركعتين قرئ فيما أدرك مع الإمام مع نفسه
أم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم الإمام
قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين) (2).
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قلت (الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة
مع الإمام وهي الأولى كيف يصنع إذا جلس الإمام، قال: يتجافى ولا يتمكن من
القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له ثانية فليلبث قدر ما يتشهد، ثم يلحق بالإمام
وسألته عن الرجل يدرك مع الإمام الركعتين الأخيرتين، قال: اقرأ فيهما فإنهما لك

1) سنن البيهقي ج 3 ص 93.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 47 ح 4.
446

أولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها) (1).
وعن علي عليه السلام قال (يجعل ما يدرك مع الإمام من الصلاة أولها) (2) ولأن
الاتفاق على أن مع إدراك الركعة من المغرب يجب الجلوس عقيب السجدة
الثانية للتشهد، والجواب عن خبرهم: أنه يحتمل ما فات من الصلوات لا من أبعاضها
وهو أقرب، فإن القضاء لا يستفاد به مع الإطلاق إلا ما يأتي به بعد خروج وقته، مع أنه معارض بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (وما فاتكم فأتموا) (3).
مسألة: من أدرك الإمام بعد رفعه من الركوع استحب أن يكبر ويسجد معه
السجدتين ولا يعتد بهما، وإن تربص حتى يقوم الإمام ويستفتح معه كان جايزا "، وإنما
لم يعتد بالسجدتين لأن زيادتهما مبطل للصلاة على ما أسلفناه، ودل على ذلك: ما رواه
معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا سبقك الإمام بركعة فإذا ركعت وقد رفع
رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها) (4).
أما لو أدركه بعد السجدة الأخيرة جاز أن يكبر ويجلس معه في تشهده
يتشهد إن شاء أو يصمت، فإذا سلم الإمام قام وبنى على تلك التكبيرة إن كان نوى
الافتتاح وبه قال علم الهدى (ره) في المصباح، والشيخ (ره) في المبسوط، وأما
رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أدرك الإمام جالسا " بعد الركعتين، قال
تفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم) (5) محمولة على الجواز.
لا يقال: هو فعل كثير، لأنا نقول: هي من أفعال الصلاة لتحصيل فضيلة الاجتماع

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 47 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 47 ح 6.
3) سنن ابن ماجة كتاب المساجد باب 14 ح 775.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 49 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 49 ح 4.
447

فجرى مجرى بعض أفعالها، على أن عمارا " روى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " كما قلناه
فكان أرجح.
مسألة: يجوز أن يسلم قبل الإمام مع العذر، أو نية الانفراد، وبه قال الشيخ
(ره) في المبسوط، والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز وتبطل الصلاة.
لنا: أن نية الايتمام ليس بواجبة، ثم لا تجب بالشروع فجاز أن ينفرد، ثم
لا يبطل الصلاة لأنه أتى بها على الوجوه المشروعة، ولا كذا لو كان ناويا للايتمام
وليس له عذر، ودل على ذلك: ما رواه أبو المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل
يصلي خلف الإمام فسلم قبل الإمام، قال: ليس بذلك بأس) (1) وقد روي عن الرضا
عليه السلام (في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل التشهد فتأخذه البولة أو يخاف على شئ
أو مرض كيف يصنع، قال يسلم وينصرف ويدع الإمام) (2).
مسألة: يصف الرجل خلف الإمام، ثم الصبيان، ثم النساء، ولو جاء رجل
تأخرن وجوبا " إذا لم يكن موقف أمامهن وهو اتفاق، لقوله عليه السلام (أخروهن من حيث
أخرهن الله) ولما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يؤم النساء، قال
نعم وسئل إذا كان معهن صبيان، قال يتقدموهن ولو كانوا عبيدا) (3).
خاتمة
تبني المساجد جما لا مشرفة (4) رواه طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 64 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 64 ح 2 (رواه عن علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر " ع " مع تفاوت يسير).
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 23 ح 3 (رواه عن عبد الله بن مسكان)
4) المشرف من المكان العالي والمطل على غيره، والحصن الأجم: الذي لا شرف له.
448

عليه السلام (أنه قد رأى مسجدا قد أشرف فقال كأنه بيعة وقال إن المساجد تبنى جما) (1) روى
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن المساجد المظللة يكره القيام فيها قال نعم
ولكن لا يضر كم الصلاة فيها اليوم ولو كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك) (2).
ويكون الميضاة (3) على أبواب المساجد، لما رواه عبد الحميد عن أبي إبراهيم
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشرائكم وبيعكم
واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم) (4) ويستحب أن يكون المنارة مع حائطها
لما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (أن عليا عليه السلام مر على منارة طويلة فأمر
بهدمها، ثم قال لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد) (5).
ويستحب للداخل إليه أن يقدم يمينه، والخارج يساره، لأن اليمين أشرف
فيدخل بها إلى الموضع الشريف، وبعكسه الخروج، ويتعاهد نعله استظهارا " للطهارة
ولما روي عن جعفر عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (تعاهدوا نعالكم عند أبواب
مساجدكم ونهى أن يتنعل الرجل وهو قائم) (6) ولقوله عليه السلام (جنبوا مساجدكم
النجاسة) (7).
ويدعو داخلا وخارجا " لأن المساجد مظنة الإجابة وروي عن جعفر عليه السلام قال
(إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلا طاهرا "، واحمد الله وصل
على النبي صلى الله عليه وآله وعنه إذا دخلت المسجد، فقل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 15 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 9 ح 2.
3) الميضاة: الموضع الذي يتوضأ فيه.
4) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 25 ح 3 والباب 27 ح 2.
5) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 25 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 24 ح 1.
7) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 24 ح 2.
449

صلى الله عليه وآله وصلاة ملائكته على محمد وآل محمد السلام ورحمة الله وبركاته اللهم اغفر لي
وافتح لي أبواب فضلك، وإذا خرجت فقل مثل ذلك) (1) وعن عبد الله بن الحسن
قال (إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرجت
فقل اللهم اغفر لي وافتح أبواب فضلك) (2).
ويستحب كنسها والإسراج فيها، لما روي عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله (من كنس المسجد يوم الخميس ليلة الجمعة فأخرج من ترابه ما يذر
في العيدين غفر الله له) (3) وما رواه أنس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
(من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا " لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون
له ما دام في المسجد ضوء من ذلك السراج) (4) ولأنه قد لا يستغني من يصلي فيه عن
الاستعانة بالضوء، ولأنه ترغيب للمترددين إليه [فهو من الخيرات] فيؤمن الخراب
عليه.
ويجوز هدم ما استهدم لإعادته ليؤمن على من يدخله، ويستعمل آلته في غيره
إذا تعذر إعادته، أو فضل عن قدر حاجته، لأنها مشتركة في كونها موضعا " للعبادة.
زيادات
هشام بن الحكم عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (من
بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة) (5) قال أبو عبيدة الحذاء (فمر بي أبو عبد الله عليه السلام
في طريق مكة وقد سويت أحجارا "، فقلت جعلت فداك نرجوا أن يكون هذا من ذاك

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 39 ح 2 و 4.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 39 ح 5.
3) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 32 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 34 ح 1 (رواه عن أنس عن النبي " ص ")
5) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 8 ح 1.
450

فقال نعم) (1) وعن أبي عبد الله عليه السلام (من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب
ولا يابس إلا سجت له إلى الأرض السابعة) (2).
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله (من كان القرآن
حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا " في الجنة) (3) وعن العيص بن القسم (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن البيع والكنايس هل تصلح نقضها لبناء المساجد قال نعم) (4) وعن السكوني.
عن جعفر عن آبائه عليهما السلام قال (نهى النبي صلى الله عليه وآله عن رطانة الأعاجم في المساجد) (5)
وعنه عليه السلام قال (من سمع النداء في المسجد فخرج منه من غير علة فهو منافق إلا أن
يريد الرجوع إليه) (6).
ويحرم زخرفتها ونقشها، لأن ذلك لم يفعل في زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولا في زمن
الصحابة، فيكون إحداثه بدعة، ولما روى عمرو بن جميع قال سألت أبا عبد الله عليه السلام
(عن الصلاة في المساجد المصورة فقال أكرة ذلك ولكن صلوا فيها اليوم ولو قام
العدل لرأيتم كيف يصنع) (7).
ولا يجوز أن يؤخذ منها ما يستدخل في طريق أو ملك، لأنه موضع اختص
بالعبادة، فلا يصرف إلى غيره، ويجب أن يعاد لو أخذ، ويحرم إدخال النجاسة إليها
لقوله صلى الله عليه وآله (جنبوا مساجدكم النجاسة) (8) وغسل النجاسة فيها، لأن ذلك يعود إليها

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 8 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 4 ح 1.
3) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 3 ح 2.
4) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 12 ح 2.
5) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 16 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 35 نح 1.
7) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 15 ح 1.
8) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 24 ح 2.
451

بالتنجيس، ولما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الوضوء في المساجد
فكرهه من الغايط والبول) (1).
ويكره إخراج الحصى منها، ويعاد لو أخرج، يدل على ذلك: رواية وهب
عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال (إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها
أو في مسجد آخر فإنها تسبح) (2) ويكره تعليتها لأنه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وآله في مسجده
فقد روي (أنه كان قامة) (3).
ويكره أن تكون محاريبها داخلة في الحائط، لما روى طلحة بن زيد عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليهما السلام (أنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المسجد
ويقول إنها مذابح اليهود) (4) وتجنب البيع والشراء لما روي عن أبي إبراهيم عليه السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (جنبوا مساجدكم بيعكم وشراءكم) (5) ولا تمكنوا المجانين
والصبيان منها، لقوله صلى الله إليه وآله (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم) (6).
ويكره إنفاذ الأحكام فيها، لأنه يسمع مشاجرة الخصوم والتنازع بالكذب
ويكره تعريف الضوال فيها، لأنه موضع العبادة فيكره ما عداها، وكذا إقامة الحدود
لما يتخوف من حدوث حادثة فيه.
ويكره إنشاد الشعر، لما روي عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (من
سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا له فض الله فاءك إنما يصنت المساجد
للقرآن) (7).

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 57 ح 1.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 26 ح 4.
3) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 9 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 31 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 27 ح 2.
6) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 27 ح 2.
7) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 14 ح 1 (إلا أنه رواه عن علي بن
الحسين عن النبي " ص ").
452

ويكره النوم فيها لما لا يؤمن معه من حصول نجاسة، وقد روى زيد الشحام
عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (1) قال
سكر النوم وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (لا بأس به إلا في المسجدين) (2) ويدل
على الكراهية: رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن النوم في المسجد
الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله قال نعم أين ينام الناس) (3).
ويكره عمل الصنايع فيها، وقد رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال (نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله عن سل السيف في المسجد وبرئ النبل قال إنما بني لغير ذلك) (4).
ويكره دخولها وفي فمه رائحة البصل والثوم، لأنه يؤذي المجاور، وقد روى
زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال (من أكل شيئا " من المؤذيات ريحها
فلا يقربن المسجد) (5) وكشف العورة، لأن ذلك استخفاف بالمسجد، وهو محل
وقار، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد
عن العورة) (6).
والبصاق فيه فإن فعله سترة بالتراب استحبابا "، لما روى غياث بن إبراهيم
عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال (البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنه) (7)
وعن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (من تنخع في المسجد ثم
ردها في جوفه لم تمر بدءا إلا أبرأته) (8) وعن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال (من دفن

1) سورة النساء: 43.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 18 ح 2.
3) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 18 ح 1.
4) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 17 ح 1.
5) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 22 ح 9.
6) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 37 ح 1.
7) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 19 ح 4.
8) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 20 ح 1.
453

نخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا " قد أعطي كتابه بيمينه) (1) وهذا النهي
على الكراهية لما رواه عبيد بن زرارة قال (كان أبو جعفر عليه السلام يصلي في المسجد ويبصق
أمامه وعن يمنيه وشماله وخلفه على الحصى ولا يغطيه) (2).
المقصد الخامس
[في صلاة الخوف]
وهي غير مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله بل حكمها مستمر، وهو قول العلماء عدا أبي
يوسف، فإنه قال مختصة بالنبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة) وقيل إنه رجع.
لنا: أن عليا " عليه السلام صلاها في حرب معاوية (3) وحذيفة بن اليمان بطبرستان في
إمارة سعيد بن العاص (4) وروى الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام جوازها من طرق (5)
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله وزرارة ومحمد بن مسلم وفضيل بن يسار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (إذا كانت صلاة الخوف في المغرب فرقهم فرقتين) (6).
مسألة: وهي مقصورة حضرا " وسفرا " جماعة وفرادى، وهو قول أكثر الأصحاب
وقول ابن عباس، وطاوس، والحسن، لكن قالوا: فرض المأموم ركعة واحدة،
وقال بعض الأصحاب: لا يقصر إلا سفرا "، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد،
وقال الشيخ في المبسوط: يقصر سفرا " وحضرا " إذا صليت جماعة وإذا لم يكن السفر

1) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 20 ح 2.
2) الوسائل ج 3 أبواب أحكام المساجد باب 19 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 252.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 252.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة روايات عديدة في الباب 1 و 2.
6) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 2 ح 2.
454

صلى المنفرد تماما.
لنا قوله تعالى (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك
وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ثم قال ولتأت طائفة
أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) (1) وهو تصريح بالاقتصار على ركعتين من غير
تفصيل، فيحمل على إطلاقه، وأيضا " قوله تعالى (فإذا ضربتم في الأرض فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) (2) ولا جايز أن يريد بالضرب سفر
القصر، وإلا لكان اشتراط الخوف لغوا "، ولأنه تكرر عن النبي صلى الله عليه وآله فعلها، ولم ينقل
عنه الإتمام، وما قاله الشيخ (ره) في المبسوط لما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
(قلت صلاة الخوف وصلاة السفر يقصران، قال نعم وصلاة الخوف أحق أن يقصر
من صلاة السفر الذي لا خوف فيه ولم يشترط الجماعة) (3).
مسألة: وإذا صليت جماعة، والعدو في خلاف جهة القبلة، ولا يؤمن هجومه
وأمكن أن يفترقوا فرقتين تقاوم كل واحدة العدو جاز أن يصلوا صلاة ذات الرقاع،
وقال أحمد: لا يشترط كون العدو في خلاف القبلة لأنه قد يكون في القبلة على وجه
لا يمكن أن يصلي بهم صلاة عسفان، لانتشارهم، أو الخوف من كمين، فالمنع من
هذه يقضي إلى تقويتها.
لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله فعلها على هذه الصورة (4) فتجب متابعته، وعلى تقدير
ما ذكره يمكن العدول إلى الانفراد، إذ ليس الصلاة محصورة في هذا الصلاة وصلاة
عسفان، ويشترط كون المصلين بحيث يمكن قسمتهم فرقتين لتقع الصلاة على الوجه

1) سورة النساء: 104.
2) سورة النساء: 103.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 1 ح 1 (رواه مع زيادة يسيرة)
4) سنن البيهقي ج 3 ص 253.
455

الذي أوقعها النبي صلى الله عليه وآله عليه، ولو احتاج إلى تفريقهم ثلاثا "، أو أربعا " قال في
المبسوط: لا لأنها مقصورة، ويصلي بفرقتين ركعتين، ثم يعيدها بالباقين، فتكون
له نفلا، ولهم فرضا "، وهل يشترط كون كل فرقة ثلاثة فصاعدا "، قال الشافعي: نعم،
لقوله تعالى (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى) (1) وهي
كناية لا تقع بالحقيقة على أقل من ثلاثة، ويمكن أن لا يكون شرطا " لأن ما دون الثلاثة
فرقة، ويصح الكناية عنها بالجماعة للاحتمال، ثم الكناية في الآية راجعة إلى من
صلى مع النبي صلى الله عليه وآله، فلا يكون ذلك شرطا " كما لا يشترط عدد من صلى معه، ويشترط
عدم الأمن من الهجوم لو اجتمعوا جميعا " في الصلاة.
وأما كيفيتها ففي الثنائية يصلي بالأولى ركعة، ثم يقوم في الثانية مطيلا قرائته
حتى يتم من خلفه، ثم تأتي الأخرى فيركع بها، ثم يسجد ويجلس متشهدا " مطيلا
حتى يتم من خلفه، ثم يسلم بهم وهو مذهب الأصحاب، وبه قال أحمد، وقال
الشافعي: كما قلناه، لكن في أحد قوليه يقف في الثانية مطيلا من غير قراءة، وليس
بجيد، لأن القيام من غير قراءة مع إمكانها لا وجه له، إذ ليس هنا عذر تسقط معه
القراءة، وقال مالك كما قلناه غير أنه يقول إذا سلم الإمام قضوا ما فاتهم كالمسبوق
في الجماعة.
لنا: قوله تعالى (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) (2) وظاهره
مصاحبة صلاتهم كلها صلاته، ولا يتحقق ذلك إلا بتوقعه إياهم حتى يتموا، وحديث
سهل بن أبي خثيمة كذا أن النبي صلى الله عليه وآله قعد حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم سلم (3).
وقال أبو حنيفة: يصلي بطائفة ركعة، ثم ينصرف إلى العدو وهم في صلاتهم
وتأتي الأخرى التي لم تصل فتصلي مع الإمام ركعة، ويسلم الإمام، وترجع هذه

1) سورة النساء: 104.
2) سورة النساء: 104.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 253.
456

إلى العدو، وهي في الصلاة، ثم تأتي الأولى فتصل ركعة منفردة، ولا تقرأ لأنها
مؤتمة، ثم تنصرف إلى العدو، وتأتي الأخرى تصلي في موضع الصلاة ركعة ثانية
منفردة، وتقرأ فيها، لأنها فارقت الإمام بعد فراغة فهي كالمسبوق، واحتج برواية
ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى كذلك) (1).
لنا: ما رووه عن صالح بن حوات بن جبير (أن النبي صلى الله عليه وآله يوم ذات الرقاع
صلى بطائفة ركعة وثبت قائما " وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا إلى العدو وجاءت الأخرى
فصلى بهم ثانية، ثم ثبت جالسا " وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم) (2) ومثله روي عن
أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن سهل بن أبي خثيمة (3).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (يقوم
الإمام وتجئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بهم الإمام
ركعة ويقوم ويقومون، فيصلون ركعة أخرى، ثم يسلم بعضهم على بعض وينصرفون
إلى مقام أصحابهم، ويجئ الآخرون فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الإمام
ويقومون فيصلون ركعة أخرى، ثم يسلم وينصرفون بتسليمه) (4).
فروع
الأول: هل يجوز التخيير في القولين، قال أبو حنيفة، وأحمد، وبعض
أصحاب الشافعي: نعم لاختلاف النقل، والوجه لا، لأنها عبادة متلقاة عن صاحب
الشرع فيقتصر على ما صح نقله، ولم يثبت غيره.
الثاني: قال في المبسوط: ينبغي أن ينوي الطائفة الانفراد القيام إلى

1) سنن البيهقي ج 3 ص 261.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 253.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 253.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 2 ح 4.
457

الثانية فإذا فعلت ذلك وسهت بعد مفارقة الإمام لحقها حكم سهوها.
الثالث: قال أيضا ": إذا سهى الإمام في الركعة الأولى ما يوجب سجدتي
السهو مع الطائفة الأولى، فإذا فرغت هذه الطائفة من تمام صلاتها كان عليه أن
تسجد سجدتي السهو لسهو الإمام، وفيما ذكره الشيخ (ره) إشكال، لأنا لا نسلم
أنه يلزم المأموم سهو الإمام، وما ذكره الفقهاء من قوله عليه السلام (إنما جعل الإمام ليؤتم
به) لا يتناول موضع النزاع، وقال: لو سهت هي في الركعة الأولى لم يعتد بهذا
السهو، وهذا حسن.
الرابع: لا تجب على الطائفة الثانية متابعة الإمام فيما سهى فيه في الأولى،
قال الشيخ (ره) في المبسوط: وإن تبعته كان أحوط، ولو سهى في الركعة التي
يصلي بهم تبعوه إذا سجد لسهوه، وعندي أن البحث فيه كما في الأول، وما ينفرد
به المأمومون من السهو يختصون بسجوده، ولا يجب على الإمام متابعتهم فيه.
الخامس: تجوز هذه الصلاة حضرا قصرا " عند حصول السبب، وقال الشافعي،
وأبو حنيفة: يجوز لكن يقتصر، ومنع مالك. لنا: قوله تعالى (وإذا كنت فيهم
فأقمت لهم الصلاة) (1) الآية وهي دالة على الإطلاق.
السادس: لو فرقهم أربعا " وصلى بكل طائفة ركعة، قال الشيخ (ره) في
الخلاف: بطلت صلاة الجميع لأنها لم تشرع كذلك، وقال أبو حنيفة: تصح صلاة
الإمام دون المأمومين، لأنه لم يخل بشئ من واجبات الصلاة، وللشافعي قولان،
أحدهما: يصح الجميع، والثاني: تبطل صلاة الإمام دون الأولى والثانية، وفيما
ذكره إشكال، وكان الأقرب صحة الجميع إن نوى المأمومون الانفراد عنه مفارقة
الإمام.
مسألة: وللأصحاب في المغرب روايتان، إحديهما: رواية الحلبي عن أبي

1) سورة النساء: 104.
458

عبد الله عليه السلام قال (يصلي بالأولى ركعة ويقف في الثانية حتى يتموا ثم تأتي الأخرى،
فيصلي بهم ركعتين، ويجلس عقيب ثالثة حتى يتموا، ثم يسلم عليهم) (1) وهو أحد
قولي الشافعي.
والأخرى: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (يفرقهم فرقتين يصلي بالأولى
ركعتين، ثم يجلس بهم، ويشير إليهم ويصلي كل واحد منهم ركعة، ثم يسلموا
وقاموا مقام أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى، وكبروا ودخلوا في الصلاة، وقام
الإمام، فصلى بهم ركعة، ثم يسلم، ثم قام كل واحد منهم صلى ركعة شفعها بالتي
صلى مع الإمام، ثم قام، فصلى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت للإمام ثلاث ركعات،
وللأولتين ركعتان في جماعة، والأخرى وحدانا "، فصار للأولى تكبيرة الإحرام
والافتتاح، وللأخرين التسليم) (2) قال الشيخ (ره): وقد روى هذا الحديث أيضا "
فضيل، ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (3) قال الإنسان مخير في الخبرين بأيهما
عمل فقد أجزأ، وما ذكره حسن.
مسألة: وفي أخذ السلاح تردد، أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات
الصلاة، وبه قال الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف، وداود، وأحد قولي الشافعي،
وقال أبو حنيفة، وأحمد: باستحبابه، وهو أحد قولي الشافعي. لنا: قوله تعالى
(وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) (4) والأمر المطلق للوجوب، والتردد إنما هو
لاحتمال أن يكون الأمر استظهارا في التحفظ.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 2 ح 4.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 2 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 2 ح 2.
4) سورة النساء: 104.
459

فرع
لو قلنا بالوجوب لم تبطل الصلاة بالإخلال، لأنه ليس جزء من الصلاة، ولا
شرطا فيها، فلم يكن مؤثرا.
مسألة: إذا انتهى الحال إلى المسابقة فالصلاة بحسب الإمكان قائما أو ماشيا
أو راكبا، ويسجد على قربوس سرجه أولا مؤميا، ويستقبل القبلة ما أمكن، وإلا
بتكبيرة الإحرام، ولا يمنعهم الحرب، ولا الكر، ولا القر، وهو قول أكثر أهل
العلم، وقال أبو حنيفة: لا يصلي مع المسايفة، ولا مع المشي، لأن النبي صلى الله عليه وآله
(أخر الصلاة يوم الخندق) (1) وقال الشافعي: لو صلى مع الضرب والطعن، أو
المشي، أو فعل ما يطول بطلت، لأن ذلك مبطل في غير الخوف، فيكون مبطلا
فيه يمضي فيها، ويعيد.
لنا: قوله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ") (2) وروي عن ابن عمر قال
(إن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما " على أقدامهم، أو ركبانا " مستقبل
القبلة، وغير مستقبلها) (3) ورووا مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله (4) وقول الشافعي لا
يبطل باستدبار القبلة، والصلاة راكبا "، والإيماء فإنه مبطل حال الاختيار لا حال
الخوف، ولأنه إن أخر الصلاة لم يجز عنده، وإن ترك المحاربة عرض نفسه
للهلكة، فلزم جواز فعلها، وقوله مبطل حال الاختيار فيكون كذلك مع الخوف
غير لازم، لأنا نطالب بوجه الجمع.

1) مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 25.
2) سورة البقرة: 239.
3) موطأ مالك ج 1 صلاة الخوف ح 3 ص 184.
4) سنن ابن ماجة كتاب إقامة الصلاة ح 1258.
460

ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة والفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال (صلاة الخوف عند المطاردة وتلاحم القتال يصلي كل إنسان منهم
بالإيماء حيث كان وجهه) (1) وعن الحلبي عن أبي جعفر عليه السلام قال (صلاة الزحف
إيماء برأسك والمطاردة يصلي كل إنسان على حياله) (2).
مسألة: ولم يتمكن من الإيماء حال المسايفة اقتصر على تكبيرتين عن
الثنائية، وثلاث عن الثلاثية، يقول في كل تكبيرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنه يجزيه عن الركوع والسجود.
لنا: ما رواه الأصحاب عن محمد بن مسلم وزرارة والفضيل عن أبي جعفر
عليه السلام قال (إن أمير المؤمنين عليه السلام ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر والعصر والمغرب
والعشاء إلا بالتكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، والدعاء) (3) وعن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال (صلاة الزحف على الظهر إنما هو إيماء برأسك، وتكبير
والمسايفة تكبير بغير إيماء) (4) وعن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا
المغرب فإن لها ثلاثا) (5) وهذه وإن كانت مرسلة إلا أنها مطابقة للعمل والأخبار
الصحيحة.
مسألة: كل أسباب الخوف يجوز معها القصر، والانتقال إلى الإيماء مع
الضيق، والاقتصار على التسبيح إن خشي مع الإيماء، وإن كان الخوف من لص،
أو سبع، أو غرق، وعلى ذلك فتوى علمائنا. لنا: قوله تعالى (وإذا ضربتم في
الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 4 ح 8.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 4 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 4 ح 8.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 4 ح 2.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 4 ح 3.
461

كفروا) (1) وهو دال بمنطوقه على خوف العدو، وبفحواه على ما عداه من
المخوفات.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام (عن الرجل يخاف من لص، أو عدو، أو سبع كيف يصنع، قال يكبر
ويؤمي برأسه) (2) وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (الذي يخاف اللص والسبع
يصلي صلاة المواقفة إيماءا على دابته، قلت أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء
ولا يقدر على النزول، قال تيمم من لبد سرجه، أو من معرفة دابته فإن فيها غبارا "،
ويصلي، ويجعل السجود أخفض من الركوع، ولا يدور إلى القبلة، ولكن أين
ما دارت دابته، ويستقبل القبلة، بأول تكبيرة حين يتوجه) (3) وعن علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال (يستقبل الأسد ويصلي، ويؤمي برأسه إيماءا،
وهو قائم، وإن كان الأسد على غير القبلة) (4).
فروع
الأول: لو صلى ركعة صلاة الخوف، ثم أمن أتم صلاة أمن ولم يستأنف
وكذا لو صلى آمنا "، ثم خاف أتم صلاة خائف، ولا فرق بين أن يكون راكبا " فينزل
أو نازلا فيركب، وفرق الشافعي في أحد قوليه، لأن الركوب فعل كثير، وليس
كذلك النزول، وليس بحجة، لأنه فعل مأذون فيه شرعا "، فصار كجزء من الصلاة.
الثاني: لو كان حائل فخافوا إزالته صلوا صلاة الخوف على حسب حالهم.

1) سورة النساء: 101.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 3 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 3 ح 8.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الخوف والمطاردة باب 3 ح 3.
462

الثالث: لو رأوا العدو فصلوا صلاة الخوف، ثم بان الحائل، أو توهموا
العدو فصلوا وبان الغلط لم يعيدوا في الحالين، لأنه صلاة مشروعة مأمور بها
فتكون مجزية.
الرابع: يجوز أن تصلى الجمعة عند الخوف على صفة صلاة الخوف،
بأن يخطب بالأولى، ويصلى بهم ركعة، ويقوم في الثانية فتأتي الثانية، فيصلون معه
والحجة عموم الأخبار، وظاهر الآية، ويشترط لهم شروط الجمعة، ولا يجب أن
يخطب للفرقة الثانية، وقال الشيخ (ره): لا تنعقد الجمعة الثانية إلا بالخطبة،
والوجه أن ذلك لا يجب، لأنها جمعة واحدة فأجزأت الخطبة الواحدة كالمسبوق.
الخامس: يجوز صلاة الخوف جماعة وإن كانوا ركبانا "، ومنع أبو حنيفة
لأنه يكون بينهم وبين الإمام طريق وهو حائل، وقد بينا نحن أن الطريق ليس
بحائل يمنع الايتمام، فبطل متمسكه.
السادس: وصلى بالأولى ركعتين وبالثانية كذلك لم يجز، لأن الجمعة
لا تقام مرتين، فيحتاج أن يصلي بالثانية ظهرا "، لا جمعة.
السابع: لا يجوز أن يلي صلاة الخوف في طلب العدو لأنه حالة أمن
مسألة: قال الشيخ: إذا كان العدو في جهة القبلة وأمن المسلمين هجومهم
لم يصلوا صلاة ذات الرقاع، ويجوز أن يصلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وآله بعسفان (فإنه
عليه السلام صف المسلمين صفين وركع بهم جميعا "، وسجد الصف الذين يلونه سجدتين
والصف الآخر قيام يحرسونه، ثم قاموا فسجد الصف الأخير، وتأخر الصف الذي
يليه، وتقدم الآخرون إلى مقام الأول، ثم ركع وركعوا جميعا "، وسجد بالصف
الذي يليه، والآخرون ورائهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله والصف الذي يليه سجد
الآخرون، ثم جلسوا جميعا "، وكذا صلى بهم يوم بني سليم) (1).

1) سنن البيهقي ج 3 ص 257.
463

ويشترط لهذه الصلاة شروط ثلاثة، كثرة المسلمين، وكون العدو في القبلة،
وأن يكونوا على مستو من الأرض بحيث لا ساتر من جبل وشبهه، وعندي في هذه
الرواية توقف لأني لم أستثبتها بطريق محقق عن أهل البيت عليهم السلام، وقال الشيخ
(ره) في المبسوط: إذا كان في المسلمين كثرة تقاوم كل فرقة العدو وجاز أن يصلي
بفرقة ركعتين، ويسلم بهم، ثم يصلي بالأخرى ركعتين نفلا له وفرضا لهم، وروي
عن أبي بكر (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى كذلك ببطن النخل) (1).
تفريع
قال الشيخ في المبسوط: لو صلى صلاة الخوف في حال الأمن صحت
صلاة الإمام والمأموم، وإن تركوا الأفضل من حيث فارقوا الإمام، سواء كان
ذات الرقاع، أو عسفان، أو بطن النخل، وقال في المبسوط: كل قتال كان واجبا "،
أو مندوبا "، أو دفعا " عن النفس والمال جاز فيه صلاة الخوف، ولو كان محظورا "
كالفار من الزحف، وقاطع الطريق لم يجز، ولو صلوا كذلك كانت ماضية، لأنهم
لم يخلوا بشئ عن أفعال الصلاة، وإنما يصيرون منفردين بعد أن كانوا مجتمعين
وذلك لا يبطل، ولو صلوا صلاة شدة الخوف لم تجزهم، ويعيدون.
مسألة: الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان إيماءا، ولا يقصر أحدهما
عدد صلاته إلا في السفر، أو خوف، لأن مقتضى الأصل لزوم الإتمام ترك العمل به
بسبب السفر، أو الخوف، ومع انتفائهما يجب بقاء الحكم في الباقين.

1) سنن البيهقي ج 3 ص 159.
464

المقصد السادس
[في صلاة المسافر]
والنظر في الشروط والقصر. والشروط خمسة:
الأول: (المسافة) وهي (أربعة وعشرون ميلا) مسير يوم تام، وهو مذهب
علمائنا أجمع، وإحدى الروايتين عن ابن عباس، وقال الأوزاعي عامة العلماء قائلون
به، وبه تأخذ، وقال الشافعي، وأحمد: ثمانية وأربعون ميلا بالهاشمية، وذلك مسير
يومين قاصدين، وبه قال مالك، لقول ابن عباس وابن عمر (يا أهل مكة لا تقصروا
الصلاة في أدنى من أربعة برد من عسفان إلى مكة) (1) ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر
من الحل والشد، فجاز التقصير فيها.
وقال داود: يلحق الحكم بالسفر القصير كالطويل، لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله
كان إذا سافر فرسخا " قصر الصلاة) (2) وعن أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج ثلاثة
أميال، أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) (3) وقال أبو حنيفة: مسير ثلاثة أيام، لقوله
عليه السلام (يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن) (4) ولأن الثلاثة متفق عليها، وليس فيما
دون ذلك اتفاق ولا توقيف.
لنا: أن مسير يوم يسمى سفرا "، فيثبت معه القصر، أما أن مسير اليوم سفر فلقوله
عليه السلام (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسير يوم إلا مع ذي محرم) (5).
ولأن القصر لو لم يثبت مسير يوم لما ثبت مع ما زاد، لأن مشقته تزول براحة

1) سنن البيهقي ج 3 ص 137.
2) لم نجده.
3) صحيح مسلم ج 1 صلاة المسافرين ح 12 ص 481.
4) سنن ابن ماجة كتاب الطهارة ح 556.
5) سنن البيهقي ج 3 ص 139.
465

الليل، وقد روى الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال (إنما وجبت التقصير في ثمانية
فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر، لأن ثمانية فراسخ مسير يوم للعامة والقوافل والأثقال
فوجب التقصير في مسير يوم، قال ولو لم تجب في مسير يوم، لما وجب في مسير
سنة لأن كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا
اليوم لما وجب في نظيره) (1).
ولأن مقتضى الدليل وجوب القصر مع السفر كيف كان، ترك العمل فيما نقص
عن يوم فيعمل به في اليوم، وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال (سافر
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذي خشب، وهي مسيرة يوم عن المدينة يكون إليها بريدان أربعة
وعشرين ميلا، فقصر، وأفطر، فصار سنة) (2).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (في
التقصير حده أربعة وعشرون ميلا يكون ثمانية فراسخ) (3) وعن علي بن يقطين عن
أبي الحسن الأول عليه السلام قال (يجب التقصير إذا كان مسيرة يوم) (4) وعن أبي أيوب
عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن التقصير فقال في بريدين أو بياض يوم) (5).
وحجة الشافعي ضعيفة، لأنه استناد إلى قول ابن عمر، وليس حجة، وقول
ابن عباس معارض برواية مسير اليوم عنه، وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأنا لا نسلم أن
ذلك حد السفر، بل لم لا يكون بيانا " لمدة المبيح، ثم هو معارض برواية اليوم التي
رويناه، وحجة داود ضعيفة، لأن تقصير النبي صلى الله عليه وآله في تلك المواطن لا يدل على أنها

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 1 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 1 ح 4 (رواه ابن عبد الله بن يحيى
عن الصادق " ع ").
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 1 ح 14 (رواه بلا " يكون ثمانية فراسخ ")
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 1 ح 16.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 1 ح 7.
466

هي المقصودة بانفرادها، فجايز أن يكون عليه السلام يرخص بالتقصير عند تلك الغاية مع
قصد المسافة، ومع الاحتمال لا يبقى حجة.
مسألة: الفرسخ (ثلاثة أميال) اتفاقا "، والميل أربعة آلاف ذراع، وفي بعض
أخبارنا عن أهل البيت عليهم السلام (ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع) (1) وقال بعض أصحاب
الشافعي: اثني عشر ألف قدم، وقال أهل اللغة: قدر مد البصر من الأرض.
لنا: أنا بينا أن المسافة تعتبر بمسير اليوم، وللإبل بالسير العام، وذلك
يشهد لما قلناه، ولأن الوضع اللغوي يقارب ما قلناه لكان المصير إليه أولى.
فرع
لو شك في المسافة لزم الإتمام، لأنه هو الأصل، فلا يترك إلا مع اليقين، وكذا
لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح، ولو تعارضت البينتان أخذ بالمشتبه وقصر.
مسألة: إذا كانت المسافة أربعة فراسخ، وأراد الرجوع ليومه لزمه القصر في
صلاته وصومه، وهو قول أكثر الأصحاب، وللشيخ قولان، أحدهما: كما قلناه، والآخر
في التهذيب: التخيير.
لنا: إذا عزم العود فقد شغل يومه بالسير، وكان كالمسافر ثمانيا "، ويؤيد ذلك:
ما رواه معاوية بن وهب قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدنى ما يقصر فيه الصلاة قال بريد ذاهبا "
وبريد جائيا) (2) وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال (سألته عن التقصير،
قال في بريد، قلت في بريد، قال إذا ذهب بريدا "، ورجع بريدا " فقد شغل يومه) (3)
وعليه تحمل الأخبار الواردة بالقصر في أربعة فراسخ، وما ذكره في التهذيب ليس

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 2 ح 13.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 2 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 2 ح 9.
467

بمعتمد، ولا وجه له.
ولو لم يرد الرجوع من يومه قال ابن بابويه (ره): يكون مخيرا " في صلاته
وصومه، وبه قال المفيد (ره)، وقال الشيخ (ره): يتخير في صلاته دون صومه،
ومنع علم الهدى (ره) القصر في كل واحد من الأمرين. لنا: أن شرط القصر المسافة
ولم تحصل، فيسقط المشروط، وبالجملة فإنا نطالبهم بدليل التخيير.
فرع
لو كانت المسافة دون الأربع لم يقصر وجوبا "، ولا تخييرا "، ولو كانت أكثر من
خمس ولم تبلغ ثمانيا " كان الحكم ثابتا " كما هو في الأربع
مسألة: لا بد من كون المسافة مقصودة، فلو قصد ما دون المسافة، ثم قصد ما
دونها دائما " لم يقصر في ذهابه، وكذا لو خرج غيرنا ومسافة لم يقصر ولو قطع مسافات
نعم مع عوده إن بلغ المسافة عاد مقصرا "، لأنه ينوي المسافة، وعلى ذلك فتوى
العلماء، ويؤيده: ما رواه صفوان عن الرضا عليه السلام (في الرجل يريد أن يلحق رجالا
على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، قال لا يقصر ولا يفطر، لأنه لم
يرد السفر ثمانية فراسخ، وإنما خرج ليلحق بأخيه، فتمادى به المسير) (1).
مسألة: ولو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان، وتوقع رفقته قصر ما بينه وبين
شهر، ما لو ينو الإقامة، أو العود، ولو كان دون ذلك أتم، لأن قصد المسافة شرط
القصر إذا غاب عنه جدران البلد، أو خفي أذان أهله، وإذا توقع رفقه فإن عزم العود
إن لم يلحقوا به لم يجز القصر بأن عزم السفر لو لم يلحقوا قصر لأنه لم يعد عن عزمه
وإن كان عزم السفر، ثم توقع قصر ما بينه وبين شهر، لأنه غاية التقصير مع الاستقرار
بما سيأتي.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 4 ح 1.
468

ولو كان ما قطعه من المسافة لم يتجاوز موضع الأذان أتم، لأن ذلك بحكم
البلد، وإلى هذا أومئ في المبسوط، وقال في النهاية: إن كان سار أربعة فراسخ
كان الحكم كذلك، وإن كان دون الأربع أتم، وكأنه عول على الرواية.
الشرط الثاني: أن لا يقطع السفر بعزم الإقامة، فلو عزم مسافة وفي أثنائها له
منزل قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا "، أو عزم الإقامة في أثناء المسافة عشرة أيام فصاعدا "
أتم، لأن مسافته لم تبلغ مسافة القصر، وانقطع سفره بمنزله، فإن استأنف مسافة قصر
وإن كان دونها أتم، ولو قصد مسافة القصر وعلى رأسها منزل قد استوطنه القدر
المذكور قصر طريقه، وأتم في منزله.
ولو مر ببلد له فيه أهل أو منزل لم يستوطنه، أو استوطنه دون المدة قصر، ولا
عبرة بالأهل، ولا بذلك المنزل، لما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال (كل
منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك أن تتم منه) (1) وعنه عليه السلام (عن الرجل يمر
ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه أيتم أم يقصر؟ قال يقصر إنما هو
المنزل الذي يستوطنه) (2).
مسألة: إذا استوطن منزلا ستة أشهر فصاعدا " أتم إذا مر به، وقصر طريقه إن
كانت مسافة، وقال الشافعي: لا يلزمه التمام، لأن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة مروا في حجهم
بمكة ولهم فيها مساكن ولم يتموا (3).
لنا: أنه لا بد من حد للاستيطان، وحيث لم يحده الشرع قدرناه بما يسمى في
العادة استيطانا، ومن أقام في ملكه هذه القدر فقد مر عليه فصلان مختلفان فقضى العرف
بأنه وطن، وأيد ذلك: ما رواه إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال (سألته عن

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 14 ح 6.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 14 ح 7.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 136.
469

الرجل يقصر في ضيعته، فقال لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام، إلا أن يكون له فيها
منزل يستوطنه، فقلت ما الاستيطان، فقال أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر،
فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها) (1).
الشرط الثالث: أن لا يكون السفر (معصية) واجبا كان، أو مندوبا أو مباحا،
وبه أكثر أهل العلم، وعن ابن مسعود: لا يقصر إلا في حج، أو جهاد، لأن
الواجب لا يترك إلا لواجب، وقال العطا: لا يقصر إلا في سبيل الخير، لأن النبي صلى الله عليه وآله
قصر في واجب أو ندب (2). لنا: قوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة) (3) وما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه قال لرجل أراد السفر
إلى البحرين في تجارة صل ركعتين) (4).
ولا يترخص العاصي بسفره كالآبق، وقاطع الطريق، وتابع الجاير، والعادي
والتاجر بالمحرمات، وبه قال الشافعي، وأحمد، وقال أبو حنيفة: يترخص لأنه مسافر
فيترخص كالمطيع.
لنا: أن الرخصة إعانة على السفر ورفق لتحصيل غرض السفر، فالإذن له إعانة
على المعصية، ولأن الخطاب بالرخصة توجه إلى الصحابة، وكانت أسفارهم مباحة
فلا تثبت الرخصة فيما خالف سفرهم، ويدل على ذلك: ما رواه الأصحاب عن عمار
ابن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول (من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون
سفره في الصيد، أو في معصية الله، أو رسولا لمن يعصي الله، أو في طلب شحناء، أو
سعاية في ضرر على قوم من المسلمين) (5) وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 14 ح 11.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 4 باب 430.
3) سورة آل عمران: 101.
4) لم نجده.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 8 ح 3.
470

عليه السلام قال (الباغي والعادي ليس لهما أن يقصروا في الصلاة) (1) وما احتج به الحنفي
ضعيف، لأنه قياس للمعصية على الطاعة، والفرق ظاهر، فلا يسند الحكم إلى المشترك.
مسألة: قال علماؤنا (اللاهي بسفره) كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص في صلاته
ولا في صومه، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: يترخص.
لنا: أن اللهو حرام، فالسفر له معصية، ولأن الرخصة لتسهيل الوصول إلى
المصلحة، ولا مصلحة في اللهو، ويؤيد ذلك: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
(سألته عمن يخرج عن أهله بالصقورة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاث هل
يقصر من صلاته؟ فقال لا يقصر إن خرج في اللهو) (2) وجواب احتجاجه بالآية
كالجواب عن استدلال أبي حنيفة، وقد سلف.
مسألة: يقصر لو يصيد لقوته وقوت عياله، لأنه سعي مأذون فيه، بل مأمور
به، وكلاهما يوجب التقصير، ويؤيد ذلك: ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن
المسير للصيد، قال إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر) (3) ولو كان للتجارة
قال الشيخ في النهاية والمبسوط: يقصر صلاته ويتم صومه، وتابعه جماعة من
الأصحاب، ونحن نطالبه بدلالة الفرق، ونقول إن كان مباحا " قصر فيهما، وإن لم
يكن أتم فيهما، ويؤيد ذلك: ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا
قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت) (4).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 8 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 9 ح 1.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 9 ح 5.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 4 ح 1.
471

فرع
لو قصد مسافة، ثم مال في أثنائها إلى الصيد، قال ابن بابويه (ره): يتم
حال ميله ويقصر عند عوده إلى الطريق، وهو حسن.
الشرط الرابع: أن لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا "، وقال بعضهم: أن
لا يكون سفره أكثر من حضره، وهذه عبارة غير صالحة، وقد اعتمدها المفيد (ره)
وأتباعه، ويلزم على قولهم لو أقام في بلده عشرة وسفر عشرين أن يلزم الإتمام في
السفر، وهذا لم يقله أحد، ولا ريب أنها عبارة بعض الأصحاب، وتبعها آخرون.
ولو قال: يتقيد ذلك بأن لا يقيم في بلده، قلنا: فحينئذ لا يبقى بكثرة السفر
اعتبار، وقد خبط بعض المتأخرين، وادعى الإجماع على هذه العبارة لوجودها في
بعض التصانيف، وليس مثل ذلك إجماعا ".
والذين يلزمهم الإتمام سفرا " وحضرا " (سبعة) على رواية السكوني، وهم
الجابي الذي يدور في جبايته، والآمر الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور
في تجارته من سوق إلى سوق، والراعي، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر
ومنبت الشجر والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، والمحارب الذي
يقطع السبيل (1).
وفي رواية زرارة أربعة (المكاري والكري والراعي والاشقان [والاشتقان]) (2)
وقيل هو أمير البيدر، وقيل هو البريد، وفي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
قال (ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، ولا على المكاري، والجمال) (3)

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 11 ح 9.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 11 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 11 ح 4.
472

وظاهر هذه الروايات لزوم التقصير للمذكورين كيف كان، لكن الشيخ (ره)
يشترط أن يقيموا في بلدهم عشرة أيام، لرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأقل قصر في سفره بالنهار، وأتم
بالليل، وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة
أيام أو أكثر قصر في سفره، وأفطر) (1) وهذه الرواية تتضمن المكاري.
ولقائل أن يخص هذا الحكم بهم دون غيرهم ممن يلزمه الإتمام في السفر،
لكن الشيخ رحمه الله تعالى قيد الباقين بهذه الشرطية، وهو قريب من الصواب
وبعض المتأخرين عمل ببعض هذا التقييد، وأنكر الآخر، وادعى أن اشتراط إقامة
عشرة أيام مجمع عليه، وخمسة الأيام خبر واحد، وهو قلة تفطن، فإن دعوى
الإجماع في مثل هذه الأمور غلط.
فأما رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم قال (سألته عن المكاريين الذي
يكرون الدواب يختلفون كل أيام أعليهم التقصير إذا سافروا؟ قال: نعم) (2) فالمراد
به من لم يقم عشرة أيام تنزيلا على رواية عبد الله بن سنان.
فرع
الذي أهله معه وسفينته منزلة لا يقصر، وبه قال أحمد، وقال الشافعي يقصر،
لقوله عليه السلام (إن الله وضع عن المسافر الصوم) (3). ولنا: أن التقصير يستدعي
مفارقة الموطن، ولا يتحقق مع كون السفينة منزله، ومستقر أهله.
الخامس: شرط الترخيص (أن يتوارى جدران البلد أو يخفى أذانه) وقال

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 12 ح 5.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 12 ح 2 و 3.
3) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 12 ح 1667.
473

بعض أصحاب الحديث من أصحابنا: إذا خرج من منزله، لقول أبي عبد الله عليه السلام (إذا
خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه) (1) وقال الشافعي، وأبو حنيفة: إذا فارق
بيوت المصر، لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبتدي القصر إذا خرج من المدينة) (2)
وقال عطا: إذا نوى السفر قصر في البلد.
لنا: أن السفر شرط القصر، وهو لا يتحقق في بلده ومع حيطان البلد، فلا بد
من تباعد يطلق على بالغه السفر، وليس بعد مفارقة البيوت إلا ما قلناه، ولأن النبي
صلى الله عليه وآله كان يقصر على فرسخ من المدينة، وفرسخين، فيكون بيانا، وقال عليه السلام (إذا
خرجت من المدينة مصعدا " من ذي الحليفة صليت ركعتين حتى أرجع إليها) (3)
وظاهره بيان لموضع الترخيص، فلو اكتفي بمفارقة البيوت لما كان لذكرى ذي
الحليفة معنى.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال (إذا
كنت في الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان فقصر) (4) وما احتج به الشاذ منا يحتمل
مع خروجه من منزله أن يبلغ موضعا " لا يسمع فيه الأذان جمعا " بين دلالتي الحديثين،
وكذا الجواب عما استدل به الجمهور، فإنه يحتمل مع الخروج أن يبلغ ذي الحليفة،
أو مقاربها، لأن التمسك بالمبين أولى.
واختلف الأصحاب عند عوده، فقال الشيخ (ره) في النهاية والمبسوط،
ومن تابعه: يقصر حق يبلغ الموضع الذي ابتدء فيه القصر، وقال علم الهدى (ره):
حتى يدخل منزله، لنا: أنا بينا الحد الذي يدخل به في كونه مسافرا " فيكون هو الحد
الذي به يدخل في الحضر.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 7 ح 5.
2) لم نجده.
3) لم نجده.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 6 ح 3.
474

ويؤيد ذلك: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا كنت في
الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك) (1) وربما
كان مستند علم الهدى (ره) ما رواه العيص وإسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (لا يزال المسافر مقصرا " حتى يدخل أهله أو منزله) (2) لكن الرواية الأولى
هي المشهورة، وهي أنسب بالأصل.
أما النظر في القصر ففيه مسائل قال علماؤنا: القصر في الصلاة والصوم عزيمة،
وقال أبو حنيفة: هو عزيمة في الصلاة دون الصوم، وقال الشافعي: بالتخيير فيهما،
وعن مالك في قصر الصلاة روايتان، أشهرهما: التخيير، لما روي عن عايشة أنها
قالت (سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فأفطر وصمت، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله، قال
أحسنت) (3) وعن عطا عن عايشة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتم في السفر ويقصر) (4)
وعن أنس (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يسافرون، فيتم بعضا "، ويقصر بعضا "،
فيصوم بعضا "، ويفطر بعضا "، فلا يعيب أحد على أحد) (5).
لنا: الإجماع على أن فرض السفر ركعتان، فتكون الزيادة محرمة، كما لو
صلى الصبح أربعا "، وسئل ابن عمر (عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فمن خالف
السنة كفر) (6) وعن ابن عباس (من صلى في السفر أربعا " كان كمن صلى في الحضر
ركعتين) (7).

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 6 ح 3.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 7 ح 4.
3) سنن النسائي ج 3 كتاب التفسير باب 4 ص 122.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 141.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 244.
6) سنن البيهقي ج 3 ص 140.
7) لم نجده.
475

ومن طريق الأصحاب لما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاث ركعات) (1)
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال (صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر فقال أعد) (2).
فأما كونه عزيمة في الصوم، فلقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه
ومن كان مريضا " أو على سفر فعدة من أيام أخر) (3) فأوجب على الحاضر الصوم وعلى
المسافر القضاء، والتفصيل قاطع الشركة، والإضمار على خلاف الأصل، ولأن
الصوم يلزم على الحاضر بمشاهدة الشهر، فيلزم القضاء بنفس الشهر، وإذا لزم
القضاء سقط وجوب الأداء الأعلى رأي داود، وهو ضعيف، وقوله عليه السلام (ليس من
البر الصيام في السفر) (4) وروي جابر (أن النبي صلى الله عليه وآله بلغه أن أناسا " صاموا، فقال
أولئك العصاة) (5) وخبر عايشة لا حجة فيه، لاحتمال أنها صامت جاهلة بفرض القصر
فجاز صومها.
وأما قولها (كان في السفر يتم ويقصر) فلعله ليس في السفر الواحد، بل يتم
في القصر، يقصر في الطويل، وخبر أنس حكاية فعل الصحابة، وهي مسألة اجتهادية
فجايز أن يرى بعضهم الإتمام دون البعض، ولا يدل على التخيير.
مسألة: اختلف الأصحاب في أربعة مواطن (مكة والمدينة وجامع الكوفة
والحاير) فقال: الثلاثة وأتباعهم: يتخير المسافر في الصلاة بين الإتمام والتقصير،
والإتمام أفضل، فقال ابن بابويه (ره): يقصر ما لم ينو المقام عشرة، والأفضل أن
ينوي المقام بها، ليوقع صلاته تماما "، واحتج الأولون بروايات منها: رواية حماد

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 16 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 17 ح 6.
3) سورة البقرة: 185.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 242.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 241.
476

ابن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن،
حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين عليهم الصلاة والسلام) (1)
ومثله ما روى عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله عليه السلام قال (تتم الصلاة
في المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام) (2)
وينبغي أن ينزل الخبر المتضمن لحرم أمير المؤمنين عليه السلام على مسجد الكوفة
أخذا " بالمتيقن، أما الإتمام بمكة والمدينة فلا يختص بمسجدهما فإن تضمنته بعض
الروايات كان اهتماما " بهما وتعظيما "، ويدل على تعلق التخيير بنفس مكة والمدينة
روايات، منها: رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإتمام
بمكة والمدينة، فقال أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة) (3).
واحتج ابن بابويه بروايات، منها: رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن
الرضا عليه السلام قلت (الصلاة بمكة تمام أو تقصير، فقال قصر ما لم تعزم مقام عشرة) (4)
ومنها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن التقصير في الحرمين
والتمام، فقال لا يتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام) (5) والروايات بما ذكره
الثلاثة أكثر وأرجح، ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأخبار وجوب الإتمام، فكأنه
يقول لا تتم وجوبا " حتى تجمع على المقام.
مسألة: إذا أتم المقصر عامدا " عالما " أعاد، وقال أبو حنيفة: إن قعد قدر التشهد
لم يعد.
لنا: أنه جلوس لم ينو به الصلاة، فكانت الزيادة بعد، كما لو كانت قبله،

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 25 ح 1.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 25 ح 14.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 25 ح 5.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 25 ح 32.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 25 ح 34.
477

ولأنه فعل كثير ليس من الصلاة، فيكون مبطلا بعد الجلوس، كما هو قبله ولأنا
بينا أن التسليم متعين للخروج من الصلاة فلا يكون الجلوس بقدره كافيا "، ويؤيد
ذلك: ما رووه عن ابن عباس قال (من صلى في السفر أربعا " كمن صلى في الحضر
ركعتين) (1). ومن طريق الأصحاب: ما رواه الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
(صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر فقال أعد) (2).
ولم أتم جاهلا بوجوب التقصير لم يعد، وبه قال الشيخ (ره)، وأكثر الأصحاب
وقال أبو الصلاح: يعيد في الوقت. لنا: قوله عليه السلام (الناس في سعة ما لم يعلموا)
ولأن الأصل صلاة الحضر فمع الجهل ورجوعه إلى الأصل يكون معذورا "، ولأن
القضاء عقوبة، والجهل شبهة، فلا يترتب عليها العقوبة، ويؤيد ذلك: رواية زرارة
وابن مسلم قالا قلنا لأبي جعفر عليه السلام (رجل صلى في السفر أربعا " أيعيد أم لا؟ قال إن
كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه وفسرت ولم
يعلمها لم يعد) (3).
قال الأصحاب: ولو أتم ناسيا " أعاد في الوقت لا في خارجه، لأن مع بقاء
الوقت يمكن الإتيان بالصلاة في الوقت على وجهها فيجب، ولا يلزم مثل ذلك مع
الجهل بالقصر، لأن التكليف لا يلزم إلا مع العلم.
ويؤيد ما ذكرناه: ما رواه العيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن
رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال إن كان في الوقت فليعد، إن كان الوقت مضى
فلا) (4) وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل ينسى فيصلي في السفر

1) لم نجده.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 17 ح 6.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 17 ح 4.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 17 ح 1.
478

أربع ركعات، قال إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، وإن لم يذكر حتى مضى ذلك
اليوم فلا إعادة) (1) وحملها الشيخ رحمه الله في التهذيب على الاستحباب.
مسألة: لو دخل الوقت عليه حاضرا " قدر الطهارة والصلاة فزائدا " ثم سافر
والوقت باق فيه أربع روايات:
إحداها: رواية إسماعيل بن جابر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام (يدخل على وقت
الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي، فقال صل وأتم، قلت دخل علي
وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج، فقال صل وقصر، فإن
لم تفعل فقد خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله) (2).
الثانية: رواية محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل يدخل من
سفره وقد دخل عليه وقت الصلاة وهو في الطريق، فقال يصلي ركعتين، فإن خرج
إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا ") (3).
الثالثة: رواية إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عليه السلام (في الرجل يقدم من
سفره في وقت الصلاة، قال إن كان لا يخاف الوقت فليتم، وإن خاف خروج الوقت
فليقصر) (4) وبه قال الشيخ في المبسوط.
الرابعة: رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول (إذا كان
في سفر ودخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسافر حتى دخل أهله، قال إن
شاء قصر وإن شاء أتم، والإتمام أحب إلي) (5).
لا يقال: كيف يصح القول بالتخيير، وقد روي بشير النبال قال (خرجت مع

1) الوسائل ج 4 أبواب صلاة المسافر باب 17 ح 2.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 21 ح 2.
3) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 21 ح 5.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 21 ح 6.
5) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 21 ح 9.
479

أبي عبد الله عليه السلام حتى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام يا نبال لم يجب على أحد
من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا " غيري وغيرك وذاك أنه دخل وقت الصلاة قبل
أن تخرج) (1) والوجوب ينافي التخيير، لأنا نقول: إن الواجب المخير يطلق على
كل واحد من خصلتيه الوجوب، ولو قلت بالاستحباب أمكن أن يكون عبر عن
الاستحباب المؤكد بالوجوب، والرواية الأولى أشهر وأظهر في العمل.
مسألة: ولو فاتت هذه الصلاة قضاها على حال فوتها لا على حال وجوبها،
وقال علم الهدى (ره) وابن الجنيد: يقضي على حسب حالها عند دخول أول وقتها،
وقد روى ذلك زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل دخل عليه وقت الصلاة في
السفر، فأخر الصلاة حتى قدم، فنسي حين قدم أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال
يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأن الوقت دخل وهو مسافر، كان ينبغي له أن يصليها
عند ذلك) (2).
لنا: صلاة فاتت قصرا " فتقضى كذلك، لقوله عليه السلام (من فاتته صلاة فليقضها
كما فاتته) (3) وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (يقضي ما فاته كما فاته إن كانت
صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقضها في الحضر صلاة
الحضر) (4).
لا يقال: استقرت بأول الوقت في ذمته، فيقضي بحسب الاستقرار قلنا: لا نسلم
الاستقرار مع الانتقال، لأنا نتكلم على القول بوجوب القصر إذا سافر والوقت باق،
وكذا بوجوب الإتمام إذا حضر والوقت باق، وقوله عليه السلام فاتت بأول الوقت غلط،

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 21 ح 10.
2) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 6 ح 3.
3) لم نجده.
4) الوسائل ج 5 أبواب قضاء الصلوات باب 6 ح 1.
480

لأنه لا يطلق الفوات إلا مع خروج الوقت، وكيف يقال فيمن سافر ووقت الفريضة
باق أنها فاتت، ولو تحقق الفوات والاستقرار بأول الوقت لما عدل إلى صلاة الحال
الثانية، فثبت أن الفوات لا يطلق إلا عند آخر الوقت، ولا تستقر صفة الصلاة في الذمة
إلا على الوصف الذي فاتت عليه.
والجواب عما استدلوا به من الخبر: أنه يحتمل أن يكون دخل مع ضيق
الوقت عن أداء الصلاة أربعا "، فقضى على وقت إمكان الأداء.
مسألة: إذا نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرا " أتم، ولو نوى دون ذلك
قصر، ولو تردد قصر ما بينه وبين ثلاثين يوما "، ثم أتم ولو صلاة واحدة، وقال
الشافعي: يتم إذا نوى إقامة أربعة أيام غير يوم دخوله وخروجه، لقوله عليه السلام (يقيم
المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا ") (1) فدل على أن الثلاث في حكم السفر.
وقال أبو حنيفة: حد ذلك خمسة عشر يوما " مع اليوم الذي يخرج منه،
وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير قالوا (إذا قدمت وفي نيتك
الإقامة خمس عشر ليلة فأكمل الصلاة) (2) ولم يعرف لهما مخالف، وقال أحمد:
إذا نوى الإقامة إحدى وعشرين صلاة أتم، لأن النبي صلى الله عليه وآله قصر هذه بمكة (3).
لنا: ما رووه عن علي عليه السلام قال (يتم الصلاة الذي يقيم عشرا " والذي يقول
أخر اليوم أخرج غدا " شهرا ") ومن طريق الأصحاب: ما رواه زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام (في المسافر إذا قدم بلده، قال إن دخلت أرضا " وأيقنت أن لك بها مقام عشرة
أيام فأتم الصلاة، وإن لم تدر مقامك بها تقول غدا " أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك

1) سنن البيهقي ج 3 ص 147.
2) لم نجده.
3) سنن البيهقي ج 3 ص 153.
481

وبين شهر) (1) ومثله روى سدير ومحمد بن مسلم عنه عليه السلام (2).
وما ذكره الشافعي لا حجة فيه، لأنه يقال أقام فلان بموضع كذا يوما " شهرا "،
وليس إطلاق المقام على هذه العدة باعتبارها بل باعتبار اللبث، فقد يقال أقام فلان
في سفره يوما " في بلد فلان ويومين، ولا يلزم أن يكون تلك إقامة تنافي السفر.
وقول أبي حنيفة: لم يوجد لابن عباس وابن عمر مخالف ليس بجيد، فإن
المخالف من الصحابة وغيرهم حاصل، والنقل به ظاهر، وقولهما غير حجة، وقد
روى البخاري عن ابن عباس (أنه أقام بموضع تسع عشرة ليلة فيقصر الصلاة،
وقال نحن إذا أقمنا تسع عشرة ليلة قصرنا الصلاة، وإن زدنا على ذلك أتممنا) (3)
ورووا عن عايشة أنها قالت (إذا وضعت الزاد والمزاد فأتم الصلاة) (4) فدعواه
الإجماع مع هذه الاختلافات تسامح.
وحجة أحمد ضعيفة، لأن قصر النبي صلى الله عليه وآله هذه المدة لا يدل على نية الإقامة،
ونحن مع عدم نية الإقامة فوجب القصر في أكثر من هذه المدة، ولو قالوا: انفرد
علي بالفتوى ليس حجة، قلنا: مع اختلاف الصحابة قوله أرجح لما شهد له من
رجحان القضاء، ولأنا نعلم من حاله أنه لا يرى الاجتهاد في الأحكام، فلا يكون قوله
إلا توقيفا ".
مسألة: لو نوى الإقامة ثم بدا له رجع إلى القصر ما لم يصل على التمام،
ولو صلى صلاة على التمام استمر، لأن النية بمجردها لا يصير بها مقيما "، فإذا فعل
صلاة على التمام أظهر من حكم الإقامة فعلا، فلزم الإتمام لانقطاع السفر بالنية والفعل

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 15 ح 9.
2) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 15 ح 16 (ورواه سويد من غفلة عن علي " ع " مثله).
3) سنن البيهقي ج 3 ص 150.
4) لم نجده.
482

ولو يصل صلاة على التمام كان حكم سفره باقيا، لأن المسافر لا يصير مقيما بمجرد
نية الإقامة، كما لو نوى الإقامة ثم رجع.
ويؤيد ذلك: ما رواه أبو ولاد الخياط قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام (كنت نويت
الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا بعد كما ترى، قال إن كنت صليت بها صلاة فريضة
واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت دخلتها وعلى نيتك
التمام فلم تصل فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك فأنت في تلك الحال بالخيار،
إن شئت فانو المقام عشرا وأتم، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبينه شهر، فإذا
مضى شهر فأتم الصلاة) (1).
مسألة: لو ائتم المسافر بالمقيم لم يتم، واقتصر على فرضه، وسلم منفردا
واتفق الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد على وجوب المتابعة، سواء أدركه في آخر
الصلاة، أو أولها، لقوله عليه السلام (لا تخلفوا عن أئمتكم) (2) وقال الشعبي، وطاوس:
له القصر، وقال مالك: إن أدرك ركعة أتم وإن كان أقل فله القصر، لقوله عليه السلام (من
أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) (3).
لنا: أن فرض المسافر التقصير، فلا يزيد على فرضه، كما لو اقتدى من يصلي
الصبح بمن يصلي الظهر على مذهب كثير منهم، والخبر الذي احتجوا به متروك
الظاهر عند الكل، فإن الحاضر لا يقصر مع المسافر، ويؤيد ذلك: ما رواه الأصحاب
عن حماد بن عثمان ومحمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن المسافر
يصلي خلف المقيم، قال يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء) (4) وفي رواية أخرى

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 18 ح 1.
2) رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج 2 ص 314 والبيهقي في سننه ج 3 ص 79
كذلك جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب المساجد باب 30 ص 423.
4) الوسائل ج 5 أبواب صلاة الجماعة باب 18 ح 2.
483

(يصلي صلاته ثم يسلم ويجعل الأخيرتين سبحة) (1).
مسألة: يجوز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء سفرا " وحضرا "
في وقت الأولى والثانية، وأجازه الشافعي، وأحمد سفرا "، ومنع أبو حنيفة إلا بحق
النسك، قال: لأن المواقيت لا يثبت إلا بالتواتر، فلا يترك بخبر الواحد، وقد سبق
تقرير هذه، وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأن الأخبار بالجمع في السفر يكاد يبلغ
التواتر، ولأن ما ذكره تحكم، إذ مضمونها حكم شرعي علمي فجاز العمل بها،
فقد روي عن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا حد السير جمع بين المغرب والعشاء) (2)
وروى مسلم (أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا عجل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر
فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء) (3).
مسألة: لو سافر بعد الزوال ولم يصل النوافل مع إمكان الإتيان بها قضاها
سفرا " وحضرا "، لأنا بينا: أن النوافل المرتبة يستحب قضاؤها، ويستحب أن يقول
المسافر عقيب كل صلاة فريضة يقصر فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر ثلاثين مرة جبرا " للفريضة، روي ذلك عن العسكري عليه السلام قال (يجب
على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر ثلاثين مرة تماما " للصلاة وقوله عليه السلام يجب يريد به شدة الاستحباب.

1) الوسائل ج 5 أبواب صلاة المسافر باب 18 ح 5.
2) سنن البيهقي ج 3 ص 159.
3) صحيح مسلم ج 1 كتاب صلاة المسافرين باب 5 ص 488.
484

كتاب الزكاة
وهي في اللغة الزيادة والنمو والتطهير وفي الشرع اسم لحق يجب في المال
يعتبر في وجوبه النصاب وسميت بذلك لأن بها يزداد الثواب ويطهر المال من حق
المساكين ومؤديها من الإثم.
ووجوبها معلوم بالكتاب والسنة والإجماع فمن منعها جاهلا عرف وألزم
وإن كان عالما " مستحلا فهو مرتد ولو كان لا مستحلا أخذت منه من غير زيادة وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك، وقال إسحاق بن راهويه: يؤخذ وشطرا " من ماله
وقوله عليه السلام (من أعطاها مؤتجرا " فله أجرها ومن أبا فإنا نأخذها وشطر ماله) (1).
لنا قوله عليه السلام (في المال حق سوى الزكاة) (2) وقوله عليه السلام (لا يحل مال امرء
مسلم إلا عن طيب نفس منه) (3) وجواب إسحاق منع الخبر، فإن فضلاء الجمهور
اطرحوه، ونحن فلا نعرفه من طريق محقق ولو اعتصم مانع الزكاة ولم يقدر عليه
إلا بالمتأخرة جاز قتاله ولم يحكم بكفره إذا لم يعلم منه إنكار وجوبها لأن المنع

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 114.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 7 ح 16.
3) رواه في الوسائل ج 19 أبواب القصاص في النفس باب 1 ح 3 " بتغيير ما ".
485

فسوق وعلى الإمام إزالته مع القدرة.
وما يخرج عند الحصاد والصرام وهو الضغث والكف من الطعام، مستحب
وليس من الزكاة وقال في الخلاف يجب وليس بوجه.
والزكاة قسمان زكاة مال وزكاة بدن والأول أركانه أربعة:
الركن الأول
[من يجب عليه]
وفيه مسائل: الأولى: يشترط في وجوبها الكمال ولا تجب زكاة العين على صبي ولا
مجنون باتفاق علمائنا وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي وأحمد: يجب في مالهما لقوله
عليه السلام (من ولي يتيما " له مال فليتجر له ولا يتركه حتى [حرما "] تأكله الصدقة) (1)
ولأن من وجب العشر في زرعه، وجب ربع العشر في ماله ولأن الطفل يجب في
ماله نفقة الأقارب، وقيم المتلفات فالزكاة كذلك.
لنا قوله عليه السلام (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق) (2)
ولأن أوامر الزكاة لا تتناول المجنون والصبي، فلا تجب في أموالهما ولأنها عبادة
يفتقر أداؤها النية، فلا يجب على من تعذر عليه
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (ليس في مال
اليتيم زكاة) (3) وجواب ما استدلوا به الطعن في الرواية، فقد حكى بعض أصحاب
الحديث أنها موقوفة على عمر ومع الاحتمال لا تكون حجة وأما القياس على العشر

1) سنن الترمذي كتاب الزكاة باب 15.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الحج ص 325.
3) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 1 ح 8.
486

فهو من غير جامع، ثم الفرق إن العشر يجب في الزرع مرة ولا تأكله الزكاة،
بخلاف العين، وقيم المتلفات تترتب على الاتلاف لا على القصد كما يلزم النايم،
ونفقة الأقارب لا تفتقر إلى نية، بخلاف الزكاة.
ولو اتجر له من إليه النظر في ماله أخرجها عنه استحبابا " وعليه إجماع علمائنا،
روى ذلك سعيد السمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال (ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن
يتجر به) (1)، وكذا البحث في مال المجنون والمجنونة ولو ضمن الولي المال
واتجر لنفسه كان الربح له إن كان مليا وعليه الزكاة استحبابا " روى ذلك منصور الصيقل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن مال اليتيم يعمل به قال (إذا كان عندك مال وضمنته
فلك الربح وأنت ضامن للمال، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت
ضامن) (2) ولو لم يكن مليا " أو لم يكن وليا " ضمن المال والربح لليتيم ولا زكاة على
أحدهما وروى سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (الرجل يكون عنده مال
اليتيم فيتجر به أيضمنه؟ قال نعم، قلت فعليه زكاته؟ قال لا لعمري لا أجمع عليه
خصلتين الضمان والزكاة) (3).
وفي زكاة غلاتهما روايتان إحديهما الوجوب، ذهب إليه الشيخان ومن تابعهما
و به قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وروى ذلك زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا (ليس في مال اليتيم العين شئ، فأما الغلات فعليها
الصدقة واجبة) (4) والأخرى الاستحباب، ذهب إليه علم الهدى (ره) وسلار

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 2 ح 2 (وقال في ذيله " فإن
اتجر به فالربح لليتيم وإن وضع فعلى الذي يتجر به ").
2) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 2 ح 7 (وفي ذيله " للمال ").
3) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 2 ح 5.
4) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 1 ح 2 وعبارته هكذا: " ليس
على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شئ فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة ".
487

والحسن بن أبي عقيل العماني وظاهر كلام ابن الجنيد وروى ذلك أبو بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال (ليس في مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس عليه
جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن بلغ فليس عليه فيما مضى زكاة،
ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة مثل ما على غيره
من الناس) (1) والقول بالوجوب فيه احتياط ومعنى قولنا الوجوب أحوط، أي
دليله الاحتياط، ولكن الاحتياط ليس دليلا تاما "، إذ لا يسلم من المعارضة.
وقال الشيخان يجب في مواشي الأطفال الزكاة، كما تجب في غلاتهم،
وتابعهما جماعة من الأصحاب، وعندي في ذلك توقف لأنا نطالبهم بدليل ذلك
والأولى أنه لا زكاة في مواشيهم، عملا بالأصل السليم عن المعارض، ولما ذكرناه
من الوجوه الدالة على عدم الوجوب على الطفل.
ويؤيد ذلك أيضا " ما رواه محمد بن أحمد بن أبي نصر البزنطي قال حدثني
عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال (ليس على مال اليتيم زكاة) (2)
وهو يعم العين وغيره.
مسألة: وألحق الشيخان المجانين بالصبيان في إيجاب الزكاة في مواشيهم
غلاتهم، ويجب التوقف في ذلك ومطالبتهما بدليل ما ذكراه، فإنا لا نرى وجوب
الزكاة على مجنون، ثم لو سلمنا الوجوب في غلة الطفل تبعا " لما ادعياه، فمن أين
يلزمه مثله في المجنون؟ فإن جمع بينهما بعدم العقل، كان جمعا " بقيد عدمي لا يصلح
للعلة.

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 1 ح 11 وعبارته هكذا: "..
وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى.. ".
2) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 1 ح 6 (عن هذا الموضع من
المعتبر).
488

ويمكن الفرق بين الطفل والمجنون بأن الطفل لبلوغه التكليف غاية محققة
فجاز أن يجب الزكاة في ماله لانتهاء غاية الحجر، وليس كذلك المجنون، وإذا
تحقق الفرق، أمكن استناد الحكم إلى الفارق.
مسألة: الحرية شرط، فلا تجب الزكاة على مملوك، أما إذا قلنا لا يملك،
فلا يجب، لأن المال للمولى فعليه زكاته وفي بعض روايتنا يملك فاضل الضريبة،
وقال بعض أصحابنا وأرش الجناية، فعلى هذا التقدير، يلزم العبد زكاة ذلك المال
ولو ملكه مولاه ما لا، هل يملكه؟ قال أصحابنا لا يملك، لأنه مال، فلم يملك المال
بالتمليك كالبهيمة، وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن الشافعي وأحمد،
والأخرى يملك لأنه آدمي يملك النكاح، فيملك المال كالحر.
ثم قالا في أحد الروايتين لا زكاة عليه لأن ملكه ناقص والزكاة إنما تجب
في ملك تام، ولا على مولاه لأنه غير مالك، وهذا ضعيف لأن على تقدير أن يملك
يكون ملكه تاما إذ له التصرف فيه كيف شاء، فتجب عليه كما يجب على الحر،
لكنا لا نرى أنه يملك والزكاة على المولى.
والبحث في المدبر وأم الولد كما في القن ولا زكاة على مكاتب، لأن ما في
يده ملك مولاه، ولا على موليه، لأنه ممنوع من التصرف فيه وقال أبي ثور: تجب
عليه الزكاة، وأوجب أبو حنيفة في غلته، لأن العشر مؤنة الأرض ولا زكاة، لنا قوله
عليه السلام (لا زكاة في مال المكاتب) (1) ولأنه ممنوع من التصرف فيه إلا بالاكتساب،
فلا يكون ملكه تاما " ولو عجز استقر ملك المالك، واستقل الحول، وضمه إلى ماله
كالمال الواحد.

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 4 ح 5
(عن علي (ع) قال: " ليس في مال المكاتب زكاة ").
489

فرع
من كان بعضه حرا "، ملك من كسبه بقدر حريته، فإن بلغ نصابا " لزمته زكاته
ملكه كامل فيه كالحر.
فرع
تجب الزكاة على الكافر وإن لم يصح منه أداؤها، أما الوجوب فلعموم الأمر
وأما عدم صحة الأداء، فلأن ذلك مشروط بنية القربة، ولا تصح منه، ولا قضاء
عليه لو أسلم، لقوله عليه السلام (الإسلام يجب ما قبله) (1) ويستأنف لماله الحول عند
إسلامه.
مسألة: الملك شرط وجوب الزكاة، وعليه اتفاق العلماء، والتمكن من
التصرف في المال شرط الزكاة، فلا تجب في المغصوب ولا في المال الضايع،
ولا في الموروث عن غائب حتى يصل إلى الوارث أو وكيله، ولا فيما سقط في
البحر حتى يعود إلى مالكه فيستقبل به الحول، وبه قال أبو حنيفة، للشافعي فيه
قولان لأنه مال مملوك.
لنا أنه مال تعذر التصرف فيه فلا تجب فيه الزكاة كما المكاتب ويؤيد ذلك
من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات: منها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (لا صدقه على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك) (2) وجواب ما ذكره أنا
لا نسلم أن الملك يكفي في الوجوب ما لم يكن متصرفا فيه بيده أو يد نايب عنه،

1) الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 (نقل عنه في الجواهر ح 15 ص 61).
2) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة.. باب 5 ح 6 وعبارته هكذا: " لا صدقة " على الدين ولا على المال.. ".
490

ويستحب إذا عاد إليه أن يزكيه عن سنة واحدة، وقال مالك، يجب.
لنا أن الموجب لسقوط ما قبل السنة موجود في السنة، فيسقط الوجوب فيها
كغير أما الاستحباب فلأنها صدقه وخير للفقراء، فيكون مستحبا "، وأيد ذلك
ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال (لا زكاة
عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد وإن كان يدعه وهو قادر على أخذه فعليه
الزكاة لما مر من السنين). (1)
فرع
الوقف من النعم السائمة لا زكاة فيه ولو كثر، لأنه ملك ناقص لا يصح التصرف
فيه لغير الاستنماء، فلا تجب فيه الزكاة، ولأن الزكاة لو وجبت فيه لوجبت في العين
فيخرج به عن الوقف وذلك باطل.
مسألة: للأصحاب في زكاة الدين قولان: أحدهما لا زكاة فيه حتى يصل إلى
صاحبه، ويحول عليه الحول، وبه قال عكرمة، وعايشة، وابن عمر، لأن ملكه غير
تام، وروى أصحابنا عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس في الدين
زكاة قال لا، وعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام (الدين عليه زكاة، قال:
لا حتى يقبضه، قلت فإذا قبضه عليه زكاة؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده) (2)
ولأنه مال لم يتعين ملكه إلا بالقبض، فيكون كغير المملوك.
والآخر فيه الزكاة إذا كان تأخيره من جهة صاحبه، بأن يكون على ملي باذل
وهو مذهب الشيخين في النهاية والمبسوط، ومذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك
وأحمد، ثم اختلفوا، فأوجب الشافعي إخراج زكاته في الحال، لأنه قادر على أخذه
والتصرف فيه فكان كالوديعة. وقال أبو حنيفة وأحمد: لا تخرج زكاته حتى يحصل

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 5 ح 7.
2) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 6 ح 3
491

في يده، لأن الزكاة تجب على وجه المواساة، فلا يخرج عن مال غير مستنفع به،
بخلاف الوديعة، لأنها في يد نائب في الحفط.
حجة الشيخين أنه مال مملوك، اجتمعت فيه شروط الزكاة. وأيد ذلك ما رواه
الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام من طرق: منها رواية درست عن أبي عبد الله عليه السلام قال
(ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فإذا كان لا يقدر
على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه). (1)
فرعان
الأول: لو كان الدين على معسر، أو جاحد، أو مماطل، لم تجب زكاته،
وبه قال أبو حنيفة لأنه غير مقدور على الانتفاع به، فأشبه مال المكاتب، وللشافعي
وأحمد روايتان، وقال مالك: إذا قبضه زكاه لعامه وجوبا " وعندنا استحبابا ".
لنا أن مع تعذر القبض، يجري مجرى المفقود، أو المغصوب فتسقط زكاته
وقد روي ما يدل على ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كل دين يدعه صاحبه إذا
أراد أخذه فعليه زكاته وما لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة) (2) وما قاله مالك
ليس بطائل وقد سلف بيانه.
الثاني: لو كان الدين مؤجلا لم تجب زكاته على صاحبه، لأنه غير قادر
على انتزاعه، فكان كدين المعسر والجاحد.
مسألة: مال القرض يملك بالقبض، فإن تركه المقترض بحاله حولا، لزمته
زكاته دون المقرض، ولو اتجر به استحب، أما الأول فلاجتماع شروط الزكاة فيه

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 6 ح 7.
2) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 6 ح 5 إلا
أن فيه قال: ".. وما كان يقدر على.. ".
492

ويدل عليه أيضا " ما روى الأصحاب عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال: (القرض زكاته على
المقترض إن كان موضوعا " عنده حولا وليس على المقرض زكاته لأنه مال المقترض
ليس ذلك لأحد غيره له أن يلبس ويأكل منه وينكح ولا يزكيه بل يزكيه فإنه عليه.
أما الثاني فيما يدل عليه في زكاة التجارة.
الثاني: فيما يجب فيه ويستحب:
يجب في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وفي الحجرين: الذهب والفضة،
وفي الغلاة الأربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب. ولا يجب في غير ذلك، وهو
مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد وبه قال: الحسن، وابن سيرين، والحسن بن صالح
ابن حي، وابن أبي ليلا، وإحدى الروايتين عن أحمد. وقال الشافعي: لا يجب في
التمر والزبيب ولا في حب، إلا ما كان قوتا " وقت الاجنان إلا الزيتون، ففيه روايتان.
وقال أبو حنيفة: يجب في كل ما يقصد به نماء الأرض عدا القصب والحطب والحشيش
لقوله عليه السلام (فيما سقت السماء العشر). (2)
لنا ما رواه عن ابن عمر قال: (إنما سن رسول الله صلى الله عليه وآله في الحنطة والشعير
والتمر والزبيب) (3) ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (العشر في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب) وعن معاذ بن الجبل قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا نأخذ الصدقة إلا من
هذه الأربع الحنطة والشعير والتمر والزبيب) (4) ولأن الأصل عدم الوجوب، فثبت
في موضع الاتفاق.
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 7 ح 1.
2) صحيح البخاري ج 2 كتاب الزكاة باب 55 ص 155.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 129 (روي من طرق مختلفة).
4) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 129.
493

عليه السلام سئل عن الزكاة قال: (الزكاة على تسعة أشياء الذهب والفضة والحنطة الشعير
والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم وعفا رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك) (1)
ومثله روى يزيد بن معاوية وأبو بكر الحضرمي والفضيل بن يسار عن أبي جعفر (2)
وأبي عبد الله عليه السلام.
وقوله عليه السلام (فيما سقت السماء العشر) (3) مخصوص بما استثناه أبو حنيفة،
من القصب والحطب والحشيش، وبما استثناه الشافعي فيما ليس بمستثنات وإنما
خص للمعنى المشترك، فيخص بما ذكرناه، ولا ما رويناه من الأحاديث، دالة على
سقوط الزكاة عما عدا الأجناس التسعة، والخاص مقدم على العام.
مسألة: ويستحب الزكاة فيما ينبت الأرض مما يكال ويوزن، إذا بلغ
الأوساق كالأرز، والدخن، والسمسم، والذرة، والعدس، والماش، والزيتون،
وقال أبو حنيفة: يجب في ذلك كله. وقال الشافعي: يجب فيما كان قوتا " كالذرة
والدخن.
لنا الأصل عدم الوجوب وهو سليم عن المعارض فيعمل به. وأما الاستحباب
فلأنه معونة للفقراء، فكان مستحبا "، وأكد ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال: (سألته
عما يزكى من الحرث فقال: البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس
والسمسم كل هذا يزكى وأشباهه) (4) وعن أبي مريم عنه عليه السلام قال: ((كل ما يكال

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 8 ح 11.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 8 ح 4 (قالا:
فرض الله عز وجل الزكاة مع الصلاة في الأموال وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله في تسعة أشياء وعفى
- رسول الله صلى الله عليه وآله - عما سواهن في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير
والتمر والزبيب، وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك).
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 4 ح 6.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 9 ح 4.
494

بالصاع فبلغ الأوساق ففيه الزكاة). (1) لا يقال ظاهر هذه الرواية الوجوب لأنا نقول هي معارضة بروايات: منها
رواية زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ليس في شئ أنبتت الأرض
من الأرز والذرة والحمص والعدس وساير الحبوب والفواكه زكاة إلا أن يباع
بذهب أو فضة ثم يحول عليه الحول فيؤدى عنه ما مائتي درهم خمسة دراهم ومن
كل عشرين دينارا " نصف دينار) (2) ومع التعارض تحمل الأولى على الاستحباب
والثانية على عدم الوجوب ليزول المنافاة.
مسألة: لا يجب في شئ من الحيوانات زكاه إلا الأنعام، فعلى هذا لا زكاة
في الحمير، والبغال، والرقيق، وجوبا " ولا استحبابا ". ويستحب في الخيل الإناث
السائمة، في كل عتيق ديناران في كل برزون دينار. وقال أبو حنيفة: تجب في
الخيل إذا كانت إناثا أو إناثا وذكورا في كل فرس دينار، ولا تجب لو كانت
ذكورا ". وأنكر الشافعي ومالك وأحمد. واحتج أبو حنيفة برواية جابر قال (في
الخيل السائمة في كل فرس دينار) (3) ولأنه حيوان يطلب نماؤه غالبا " فكان كالنعم.
لنا ما روي عن علي عليه السلام أنه جعل على كل فرس عتيق دينارين وعلى كل برزون
دينارا ") (4) وما رواه زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام (هل على البغال شئ فقال لا قلت

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 9 ح 3 وتمام عبارته
هكذا: (عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الحرث ما يزكى منه فقال البر والشعير والذرة
والأرز والسلت والعدس كل هذا مما يزكى وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق).
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 9 ح 9 وعبارته
هكذا: ".. وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة إلا أن
يصير ما لا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول وقد صار ذهبا " أو فضة.. الحديث ".
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 119.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة باب 16 ح 1 (قريب بهذا المضمون).
495

، فكيف صار على الخيل قال لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن وليس على الخيل
الذكور شئ) (1) وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ليس على المسلم في فرسه وغلاته
زكاة) وعنه عليه السلام قال: (ليس في الجبهة ولا في الكسعة ولا في النخة صدقة).
وقال أهل اللغة: الجبهة الخيل، والكسعة الحمير، والنخة الرقيق. وقيل البقر
العوامل فيجمع بين هذه، بنفي الوجوب وثبوت الاستحباب في الخيل.
مسألة: ليس في الخضروات زكاة، كالبطيخ، والبادنجان، والبقول، ولا فيما
لا يكال، كورق السدر والأس ولا في الأزهار، وكالعصفر والزعفران، ولا فيما ليس
بحب، كالقطن، والعسل.
لنا الأصل عدم الوجوب، وهو سليم عن المعارضة وما رووه عن علي عليه السلام قال
ليس في الفاكهة والبقل والتوابل والزعفران زكاة) وما روي عن عايشة أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: (ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر صدقة) (2) وعن معاذ أنه كتب إلى رسول
الله صلى الله عليه وآله يسأله عن الخضروات، وهي البقول فقال (ليس فيها شئ). (3)
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ليس في الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة) (4) ورواية زرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا: (عفي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخضروات قلت
وما الخضر؟ قال كل شئ لا يكون له بقاء كالبقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما
يكون سريع الفساد). (5) ومثله روى الحلبي عنه عليه السلام. (6)

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة باب 16 ح 3 (والرواية طويلة).
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 129.
3) الترمذي كتاب الزكاة باب 13.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 11 ح 10 و 9.
5) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 11 ح 10 و 9.
6) الظاهر أن مراده الرواية الثانية من الباب 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما
تستحب فيه من المجلد 6 من الوسائل.
496

فرع
قال الشيخ (ره): العلس، كالحنطة والسلت كالشعير، وقد قال بعض أهل اللغة:
العلس، نوع من الحنطة والسلت نوع من الشعير، وعندي في ذلك توقف.
مسألة: وفي زكاة أموال التجارة قولان: أحدهما الوجوب، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة وأحمد لما روي عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرنا أن نخرج الزكاة
مما نعده للبيع، (1) ولأن عمرا أمر بها ولم يخالفه أحد من الصحابة، فكان إجماعا. والثانية
الاستحباب، وبه قال الشيخ (ره) في النهاية والجمل وأكثر الأصحاب،
وقال داود ومالك: لا زكاة فيها، لكن مالك يقول: إذا قبض ثمنها زكاها لعام واحد
لقوله عليه السلام (عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق). (2)
لنا الوجوب منفي بالأصل السليم عن المعارض لأنه تسلط على مال المسلم،
وهو منفي بقوله عليه السلام: (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه) (3) وقوله عليه السلام:
(ليس في الجبهة، ولا في النخة، ولا في الكسعة صدقة) وإذا سقط الزكاة عن
هذه مطلقا "، لم يجب في غيرها لأنه فضل.
ويؤيد ذلك ما رواه زرارة قال: (كنت قاعدا " عند أبي جعفر عليه السلام فقال: يا زرارة
أن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان: كل مال من ذهب أو
فضة يدار ويعلم به ويتجر، ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر: ما اتجر به
أو دير وعمل به، فلا زكاة فيه، وإنما الزكاة فيه إذا كان ركازا " أو كنزا " موضوعا " فإذا

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 147.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 118.
3) الوسائل ج 19 أبواب القصاص في النفس باب 1 ح 3 (مع تفاوت يسير).
497

حال عليه الحول، ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: القول
ما قال أبو ذر). (1)
وجواب خبرهم أن سمرة لم ينقل صفة لفظ النبي صلى الله عليه وآله، فلعله ليس على صفة
تقتضي الوجوب، وأمر عمر ليس حجة وقد وجد المخالف في الصحابة، منهم ابن
عباس رضي الله عنه.
وأما الاستحباب فلأنه معونة للفقراء، وخير لحالهم فيكون مراد الله تعالى. ويؤكد
ذلك رواية محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى متاعا " متى
يزكيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وإن كان حبسه
بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه) (2) وسألته عن الرجل توضع عنده
الأموال يعمل بها؟ فقال: (إذا حال الحول فليزكها) وقد روي (إذا لم يصب رأس
ماله ومضى عليه سنون زكاه لسنة واحدة) رواه العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام.
القول في زكاة الأنعام:
والنظر في الشروط واللواحق، والشروط أربعة:
الأول: النصب: وليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، فإذا بلغت خمسا "
ففيها شاة. ثم في كل خمس شاة حتى تبلغ عشرين وعليه علماء الإسلام وقال الخمسة
ومن تابعهم فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمسين شياة، فإذا زادت واحدة ففيها بنت
مخاض. وأطبق الجمهور علي بنت المخاض في خمس وعشرين، وبه قال ابن أبي
عقيل، لما روي في كتاب أبي بكر إلى البحرين (فإذا بلغت خمسا " وعشرين إلى
خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض) (3) وفي رواية أخرى (فإذا بلغت خمسا " وعشرين

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 14 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 13 ح 3.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 9 ص 573.
498

ففيها بنت محاض). (1)
وقد روى الأصحاب مثل ذلك عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد
العجلي الفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام (في كل خمس شاة حتى
تبلغ خمسا " وعشرين فإذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض). (2)
لنا أن الخمس الزائدة على العشرين كالخمس الساقة، ولأنا ننقل من الشاة
إلى الجنس بزيادة خمس في شئ من نصب الزكاة المنصوصة. ويؤيد ذلك ما رواه
الجمهور عن علي عليه السلام قال: (في خمس وعشرين خمس شياة). (3)
فإن قيل قد ذكر ابن المنذر أنه لم يصح عن علي عليه السلام ذلك. قلنا هو إن لم
يعلم صحته فقد ثبت نقله بطرق محققة عن أهل البيت عليهم السلام، والشهادة بالنفي غير
مقبولة. ويؤيد ذلك ما روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام وعبد الرحمن بن الحجاج
عنه وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (في خمس وعشرين خمس من
الغنم). (4) وجواب ما ذكروه أنه يحتمل أن يكون ذلك رأيا " لأبي بكر.
فإن قيل روي أن النبي صلى الله عليه وآله كتبه لأبي بكر وكتبه أبو بكر لأنس. قلنا لو صح
ذلك لما خالفه علي عليه السلام وقد بينا صحة النقل عن علي عليه السلام. ثم ما ذكره معارض
بالروايات التي نقلناها عن أهل البيت عليهم السلام.
وأما رواية الأصحاب فقد تأولها الشيخ بتأويلين: أحدهما: قال تضمر وزادت
واحدة، وقد يجوز الإضمار لتسلم الروايات الآخر. والآخر: حملها على التقية.
والتأويلان ضعيفان.

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 9 ص 574.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 6 (والرواية طويلة).
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 4 (روى عن أبي عبد الله " ع ").
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 2 و 3.
499

أما الإضمار: فبعيد في التأويل وأما التقية: فكيف تحمل على التقية ما اختاره
جماعة من محققي الأصحاب؟ ورواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي؟ وكيف
يذهب مثل علي بن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن اختار ذلك مذهب الإمامية من
غيرهم؟
والأولى أن يقال فيه روايتان أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم على
أنه يمكن التأويل بما يذهب إليه ابن الجنيد، وهو أنه يجب في خمس وعشرين بنت
مخاض أو ابن لبون، فإن تعذر فخمس شياة، ولا فرق بين أن يضمر التعذر، أو يضمر
زيادة واحدة، وليس أحد التأويلين أولى من الآخر.
مسألة: روى أبو بصير وعبد الرحمن بن الحجاج وزرارة عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهما السلام قالا: (إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض فإن لم يكن فابن
لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإن زادت فابنة لبون إلى خمس وأربعين فإن زادت فحقة
إلى ستين فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن
زادت فحقتان إلى عشرين ومائة وهذا مذهب علماء الإسلام فإن زادت ففي كل خمسين
حقة وفي كل أربعين بنت لبون) (1) وبه قال علماؤنا والشافعي وأحمد، فيكون في
مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون.
وقال مالك: العامل بالخيار، إن شاء أخذ منها ثلاث بنات لبون وإن تركها
حتى تبلغ مائة وثلاثين فيأخذ منها حقة وبنتي لبون. وقال الثوري وأبو حنيفة: في
مائة وعشرين حقتان، وهو ما وجب في إحدى وتسعين ثم يستأنف الفريضة ففي كل
خمس، شاة حتى تبلغ خمسا " وأربعين، ففيها حقتان وبنت مخاض.
ثم ينتقل بزيادة خمس شاة حتى تبلغ مائة وخمسا " وسبعين، فتكون فيها ثلاث
حقان وبنت مخاض لرواية عمر بن حرم أن النبي صلى الله عليه وآله كتب ذلك في فرائض الإبل

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 2 و 4 و 3.
500

قال: (إذا بلغت مائة وعشرين ففيها حقتان فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين
حقة) (1) فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل فما كان أقل من خمس وعشرين
ففيه الغنم في كل خمس ذو شاة.
لنا قوله عليه السلام: فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة وفي
كل أربعين بنت لبون) (2) ومثل ذلك روي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام. (3)
وجواب حجة أبي حنيفة، المعارضة بما رويناه، ثم الترجيح أن خبره روي
بطريق آخر مطابقا " لروايتنا، ولأن ما ذكرناه أنسب بالأصل، فإنه انتقل عن حقتين
وبنت مخاض بزيادة خمس إلى حقة ثالثة، وليس ذلك في شئ من مواضع زكاة
الإبل ونجاتي الإبل ونجتها وعرابها في الزكاة سواء لتناول الاسم لها.
فرع
إذا اجتمع في مال الأمران كالمائتين، فالخيار إلى المالك في إخراج أربع
حقات أو خمس بنات لبون، لأن الامتثال يتحقق بإخراج أحدهما، فلا يتسلط على
المالك. فقال الشافعي الخيرة للساعي، لأنه وجد سبب الفرضين، فكان الخيار إلى
المستحق كالخيرة في قتل العمد. وما ذكره ضعيف، لأنه يبطل التخيير في خبر أسنان
الزكاة.
مسألة: والبقر والجواميس جنس واحد، تضم بعضها إلى بعض، وكذا
الضان والمعز، وعلى ذلك أهل العلم. ولا زكاة في بقر الوحش ولا في الظباء،
وعليه الإجماع، إلا قول شاذ لأحمد. ولا فيما تولد بين الظباء والشاة. وقال أبو

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 89.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 1 و 2 و 3.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 6.
501

حنيفة يلحق بحكم الأمهات، وقال أحمد يجب فيه مطلقا " والوجه مراعاة الاسم.
مسألة: وليس فيما دون ثلاثين من البقر زكاة، وبه قال جميع العلماء خلا
سعيد بن المسيب والزهري، فإنهما قالا: في كل خمس، شاة حتى تبلغ ثلاثين،
ففيها تبيع، لأنها عدلت بالإبل في الهدي والأضحية فكذا في الزكاة.
لنا أن ما ذكروه منفي بالأصل السليم عن المعارض، ولأن خلافهما منقرض،
فيسقط اعتباره ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله أرسل معاذا " إلى اليمن، وأمره (أن يأخذ
من البقر من كل ثلاثين تبيعا " ومن كل أربعين مسنة)، (1) وظاهره أنه كل الحكم.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل
وبريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وليس
في أقل من ذلك شئ، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ أربعين، ففيها مسنة، ثم ليس فيها
شئ حتى تبلغ ستين، ففيها تبيعان أو تبيعتان، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة،
وفي ثمانين مسنتان، وفي تسعين ثلاث تبايع) (2) وهو قول العلماء خلا رواية عن أبي
حنيفة أن في الزائد على الأربعين في كل بكرة ربع عشر مسنة تفصيا " من جعل الوقص
تسعة عشر إذ أوقاصها الباقية تسعة.
لنا ما روى معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا " ومن
كل أربعين مسنة ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيع وأمرني أن لا آخذ
بين ذلك شيئا ") (3) والوجه الذي تعلل به ضعيف لأن أوقاص البقر مختلفة، وكذا
الإبل، فلا يجب اطراد القياس فيها.

1) سنن البيهقي ج 4 ص 98، والسنن لابن ماجة ج 1 باب 12 ص 576.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 4 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 99.
502

فرع
الجواميس كالبقر في الزكاة، لأنهما جنس واحد، وعلى ذلك اتفاق العلماء.
مسألة: ليس فيما دون الأربعين من الغنم زكاة، فإذا بلغت أربعين ففيها شاه،
ثم ليس في الزائد شئ حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين، ففيها شاتان، ثم ليس في
الزيادة شئ حتى تبلغ مائتين وواحدة، ففيها ثلاث شياة. هذا كله بغير خلاف، إلا
ما حكى الشعبي عن معاذ قال: (في مائتين وأربعين ثلاث شياة وفي ثلاثمائة وأربعين
أربع شياة). والحكاية ضعيفة، لأنها مخالفة الإجماع.
وقال أصحاب الحديث لم يلق الشعبي معاذا "، فهي إذا " ساقطة، فإذا بلغت الشياة
ثلثمائة وواحدة فروايتان: إحديهما: في كل مائة شاة حتى تبلغ أربعمائة، وعلى هذا
لا يتغير الفريضة من مائتين وواحدة إلى أربعمائة، به قال المفيد (ره)، وعلم الهدى
وقال الشافعي، وأبو حنيفة، وروى ذلك محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا زادت الغنم عن مائتين، ففيها ثلاث شياة إلى ثلثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل
مائة، شاة). (1)
والآخر: في ثلاثمائة وواحدة، أربع شياة حتى تبلغ أربعمائة، ففي كل مائة
شاة، وعلى هذا لا تزداد الفريضة حتى تبلغ خمسمائة. نعم فإذا بلغت أربعمائة،
صارت نصبا " لا عفو فيها، وبه قال الشيخ في كتبه ومن تابعه.
وروى ذلك زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير بريد والفضيل عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (إذا بلغت الغنم مائتين وزادت واحدة ففيها ثلاث شياة ثم
ليس فيها شئ حتى تبلغ ثلثمائة ففيها مثل ذلك فإذا زادت واحدة ففيها أربع حتى

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 2.
503

تبلغ أربعمائة فإذا بلغت أربعمائة كان في كل مائة، شاة وسقط الأمر الأول وليس على
ما دون المائة بعد ذلك شئ وليس في النيف شئ وقالا كل ما لا يحول عليه الحول
عند ربه فلا شئ عليه). (1)
مسألة: الفريضة تتعلق بكل واحدة من النصب، ولا يتعلق بما بين النصب من
الاشتياق وبه قال أبو حنيفة وأكثر الفقهاء وهو أحد قولي الشافعي وقال في الإملاء:
الشاة وجبت في التسع من الإبل.
لنا قوله عليه السلام (ليس في الزائد شئ حتى يبلغ ستا " وثلاثين فإذا بلغتها ففيها
بنت لبون) (2) وما رووه عن معاذ قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن آخذه من البقر
من كل ثلاثين تبيعا " ومن كل أربعين مسنة وأمرني أن لا آخذهما بين ذلك شيئا ") (3)
ولأن تقدير النصب على أن الفريضة فيها، فيكون ما زاد عفوا ". ودل على ذلك أيضا "
ما روى زرارة ومحمد بن مسلم وفضيل وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام قالا في زكاة الإبل: (ليس في النيف شئ ولا في الكسور شئ). (4)
فروع
الأول: تجب الزكاة بحول الحول، ولا يشترط التمكن من الأداء في الوجوب
وبه قال أبو حنيفة وأحد قولي الشافعي، وقال مالك: التمكن من الأداء، شرط في
الوجوب. وفائدة الخلاف أنه إذا تلف المال قبل التمكن، لم يضمن إذا لم يقصد
الفرار، لأنها عبادة يشترط في وجوبها، إمكان أدائها كالصلاة.

1) الوسائل ج 5 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 98.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 4 ح 1.
504

لنا قوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (1) وما بعد الغاية
بخلاف ما قبلها. ولأنه لو حال عليه أحوال، ولم يتمكن من الأداء، وجب عليه زكاة
الأحوال، وهو دليل الوجوب، وقياسه باطل لأن البحث ليس في وجوب التسليم
بل في استقرار الفريضة في المال، وليس ذلك مشروطا " بالتمكن.
أما الضمان فمشروط بالتمكن فمتى تلف المال من غير تفريط ولا سبب منه
قبل التمكن من الأداء، لم يضمن، لأن ذلك واجب في عين المال، لا في ذمة المالك
وكان في يده كالأمانة. وقال أحمد في إحدى الروايتين لا تسقط عنه، وكأنه بناء على
أن الزكاة تجب في الذمة، فعلى ما قلناه، لو تلف النصاب من غير تفريط قبل التمكن
من الأداء، لم يضمنه المالك، ولو تلف بعضه سقط عنه بالنسبة.
الثاني: لو طالبه الإمام، فمنع ثم تلف النصاب، ضمن، لأنه تمكن من
تسليمه إلى من يجب تسليمه إليه، فضمن وبه قال أبو حنيفة.
الثالث: لا تسقط الزكاة بموت المالك، وبه قال الشافعي ومالك، وقال أبو
حنيفة: إذا أوصى بها خرجت من الثلث، وإن لم يوص بها سقطت، لأنها عبادة من
شرطها النية، فسقطت بموت من هي عليه كالصوم.
لنا حق واجب في المال للفقراء فخرج عن ملك الميت فلا يرثه الوارث كالوديعة
وجواب أبي حنيفة أن النية معتبرة في الإخراج لا في الوجوب، فلم يسقط بوفاة المخرج
بخلاف الصوم.
الرابع: لو كان معه تسع من الإبل، وحال عليها الحول، فالشاة في الخمس
فلو تلف منها أربع لم تنقص الشاة، ومن أوجب الشاة في النصاب والشق أسقط من
الشاة بقدر ما تلف من التسع هذا إن تلف بغير تفريط من المالك.
الشرط الثاني: السوم، وهو شرط في الأنعام، فلا تجب في المعلوفة، وبه

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 101.
505

قال العلماء إلا مالكا " فإنه أوجب في المعلوفة بالظواهر الموجبة في الجنس. وقال
قوم إن مالكا " تفرد بذلك.
لنا قوله عليه السلام: (في سائمة الغنم الزكاة) (1) وهو يدل على اختصاص الزكاة
بالسايمة، وما روي عن علي عليه السلام قال: (ليس في البقر العوامل صدقة) (2) ومثله روي
عن معاذ وجابر. ولأن الزكاة تجب في المال الذي يطلب نتاجه ونماؤه والعطف
يستوعب النماء.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم وبريد وفضيل بن يسار وزرارة
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (ليس على المعلوفة شئ إنما ذلك على السائمة
الراعية قلت فما في النجت السائمة قال مثل ما في الإبل العراب) (3).
فرع
لو علفها بعض الحول. قال الشيخ (ره) في الخلاف: اعتبر الأغلب وبه
قال أبو حنيفة، لأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير، ولأنه لو اعتبر السوم في
جميع الحول لما وجبت إلا في الأقل، ولأن الأغلب يعتبر في سقي الغلات فيعتبر
في السوم.
وقال الشافعي ينقطع الحول بالعلف ولو يوما " إذا نوى العلف وعلف، لأن
السوم شرط كالملك فكما ينقطع بزوال الملك ينقطع بزوال السوم، ولأن العلف
مسقط والسوم موجب فإذا اجتمعا سقطت الزكاة، كما لو كان معه نصاب بعضه سايم

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 100.
2) وجدنا رواية على هذا المضمون عن أبي عبد الله (ع) في الوسائل ج 6 أبواب
زكاة الأنعام باب 7 ح 5.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 7 ح 1 وباب 3 ح 1.
506

وبعضه معلوف. وما ذهب إليه الشافعي جيد لأن السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب،
وقولهم العلف اليسير لا يقطع الحول ممنوع فإنه لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها.
الشرط الثالث: الحول، وهو معتبر في الحجرين والحيوان. وعليه فتوى
العلماء، وقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (1) وما رواه زرارة عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (كل شئ من الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم
ليس فيها شئ حتى يحول عليه الحول) (2) ورووا عنهما أيضا " (كل ما لم يحل
عليه الحول عند ربه فلا زكاة عليه) (3) وعنهم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنما الزكاة
على الذهب والفضة الموضوع إذا حال عليه الحول وما لم يحل عليه الحول فليس
فيه شئ) (4).
مسألة: ويتم الحول عند استهلال الثاني عشر وهو مذهب علمائنا. ويدل
على ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: (رجل كانت له مائتا درهم
فوهبها بعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا " من الزكاة؟ فقال: (إذا دخل الشهر الثاني
عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه الزكاة) (5).
مسألة: لا تجب الزكاة في السخال حتى يحول عليه الحول. وليس حول
الأمهات حوال السخال لقوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (6).

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 15 ح 6.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 9 ح 4.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 8 ح 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 15 ح 5.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 12 ح 2.
6) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 15 ح 6.
507

فروع
الأول: لو كان معه نصاب من الإبل والغنم فنتجت في أثناء الحول، اعتبر
لها حول بانفرادها، ولا يكون حول أمهاتها حولا لها وبه قال الحسن والنخعي. خلافا "
لأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد قالوا: لأنه نماء من جنسه فأشبه النماء المتصل
في زيادة أعواض التجارة.
لنا قوله عليه السلام: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (1) ومن طريق
الأصحاب ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: (ما كان من هذه إلا صاف ليس
فيه شئ حتى يحول عليه الحول منذ نتج) (2) وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
(ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شئ إلا ما حال عليه الحول عند الرجل وليس
في أولادها شئ حتى يحول عليه الحول) (3). وقياسه على أمتعة التجارة ضعيف
لأنا نمنع المقيس عليه.
الثاني: لو ملك أربعين من الغنم ومضى عليها بعض الحول، ثم ملك واحدة
وثمانين لم يضم إلى الأصل، واعتبر لها حول وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة:
تضم إلى ما عنده وتجب الزكاة فيها بتمام حول الأول، لأنه يضم إلى جنسه في
النصاب فتضم إليه في الحول كالنتاج، ولأن إفراده بالحول يحوج إلى ضبط أوقات
التملك، وقدر الوجوب في كل وقت وهو حرج.
لنا قولة عليه السلام (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (4). وقياسه على
النتاج ممنوع في الأصل. ولو سلمناه لأمكن الفرق، لأن النتاج متولد عن النصاب

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 15 ح 6.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 9 ح 4 و 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 9 ح 4 و 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب الذهب والفضة باب 15 ح 6.
508

وليس كذا موضع النزاع. وأما الحرج فمعارض بما يتوجه على المالك من الضرر
بالتعجيل.
الثالث: الملك والنصاب معتبر في أول الحول إلى آخره. اعتبر أبو حنيفة
وجود النصاب طرفي الحول ولو نقص في وسطه على ما حكى.
لنا الحديث (1) المذكور، ولأن الملك والسوم معتبر في أحول كله فكذا
في النصاب. وروى الحلبي وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت الرجل عنده مائتا
درهم غير درهم أحد عشر شهرا " ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر
أعليه زكاتها؟ فقال: (لا حتى يحول عليها الحول وهي مائتا درهم ثم قال إن لم تمض
عليها جميعا " الحول فلا شئ فيها) (2).
الرابع: لو أنكر المالك الحول قبل، لأنها عبادة فيرجع إلى قوله فيها ولقول
علي عليه السلام لساعيه: (ولا تدخل عليهم دخول متسلط) (3).
الخامس: لو ملك دون النصاب، فنتج في أثناء الحول ما يتم به النصاب،
استونف الحول عند كمال النصاب. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وقال مالك: يعتبر
الحول من حين ملك الأمهات. وعن أحمد روايتان لأن المعتبر حول الأمهات دون
السخال إذا كانت نصابا " فكذا لو لم تكن. لنا نصاب لم يحل عليه الحول فلا يجب
فيه، وهذا الفرع يسقط عنا، لأنا لا نرى ضم السخال إلى الأمهات ولو كانت الأمهات
نصابا.
السادس: لو ملك أربعين شاة ثم ملك أخرى في أثناء الحول، فعند تمام
حول الأولى تجب فيها شاة، فإذا تم حول الثانية ففي وجوب الزكاة فيها وجهان:

1) وهو قوله (ع): " لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ".
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 6 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 14 ح 7.
509

أحدهما الوجوب لقوله عليه السلام (في أربعين شاة شاة) (1) والثاني لا تجب لأن الثمانين
ملك الواحد فلا تجب فيها أكثر من شاة.
السابع: إذا حال على السخال الحول، وجبت الزكاة وقال أبو حنيفة:
لا تجب في العجاجيل، ولا الفصلان، ولا في صغار الغنم حتى يكون معها كبار،
لقول أبي بكر (في عهدي أن لا آخذ من واضع اللبن شيئا "). وقال الشافعي: فيها
واحدة منها لقول أبي بكر (لو منعوني علقا " مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
لقاتلتهم عليه كما أقاتلهم على الصلاة، ولأنها تعد مع الكبار فتعد إذا انفردت.
ولنا قول الصادق عليه السلام: (كلما كان من هذه الأصناف ليس فيه شئ حتى
يحول عليه الحول منذ نتج) (2) ويقوى عندي أنه لا تجب فيه الزكاة حتى يستقل
بالرعي، ويطلق عليه اسم السوم، فإذا بلغ ذلك أنعقد حوله وكان فيه كافي الكبار.
الثامن: إذا مات المالك استأنف الوارث الحول، كما لو انتقلت بغير
الميراث.
مسألة: لو ثلم النصاب قبل الحول، فإن لم يقصد الفرار فلا زكاة ولو كمل
الحول، لأن وجود النصاب في الحول شرط الوجوب ولم يحصل، ولو قصد الفرار
ففي الوجوب عند تمام الحول روايتان:
إحديهما: الوجوب، وهي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قلت
الرجل لا يجعل لأهله الخثل من مائة دينار أو مائتين وأراني قد قلت ثلثمائة فعليه الزكاة؟
قال: (ليس فيه زكاة) قلت إنه فر به من الزكاة؟ فقال: (إن كان فر به من الزكاة
فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتحمل به فليس عليه زكاة) (3) وبهذا قال الشيخ (ره)

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 9 ح 4.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 11 ح 6.
510

في النهاية والمبسوط والجمل وهو مذهب مالك وأحمد، لأنه قصد إسقاط الزكاة
فلا تسقط، كما لو طلق في مرضه فرارا " من مشاركة الزوجة وراثه، وكمن قتل مورثه
لتعجل ميراثه.
والأخرى: لا تجب، وروى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت
له أن أخي أصاب أموالا كثيرة وأنه جعل ذلك المال حليا " يريد أن يفر به من الزكاة
فقال: (ليس على الحلي زكاة) (1) وزرارة بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام قلت:
إذا أحدث فيها قبل الحول؟ قال: يجوز ذلك قلت إنه فر بها من الزكاة؟ قال:
(ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها) فقلت: فإنه يقدر عليها؟ فقال: وما
على [علمه] أنه يقدر عليها وقد خرجت عن ملكه) (2) وهذا أولى وهو مذهب
الشيخ (ره) في التهذيب، والمفيد، وعلم الهدى، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة،
لأن شرط الوجوب منتف فينتفي الوجوب.
لنا قوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة) (3)، (وكذا ليس
فيما دون مائتين درهم من الورق صدقة) (4) وقولهم قصد إسقاط الواجب قلنا حق
لكن لا نسلم أنه لا يسقط وقياسه على المريض باطل لأن مع المرض يتعلق حق الوارث
بمال الموروث، ولهذا منع من الوصية بما زاد على الثلث فمنع من إسقاطه.
وليس كذا الزكاة فإنه لا تجب إلا عند الحول على النصاب. وليس قتل
الموروث كموضع النزاع، لأن حسم مادة القتل مراد الله تعالى والطمع في الميراث
يحمل على الفعل المحرم فمنع حسما " ولا كذلك تصرف المالك في ماله.

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 11 ح 4.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة النقدين باب 12 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 2 ح 7.
511

الشرط الرابع: أن يقصد بها الاستنماء، فلا يجب في العوامل وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة وأحمد. وقال مالك: فيها الزكاة، عملا بالعموم الدال على وجوب
الزكاة في النصاب من الجنس.
لنا ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ليس في البقر العوامل شئ) (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه بريد بن معاوية ومحمد بن مسلم وفضيل بن يسار وزرارة
وأبو بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (ليس على الإبل العوامل والبقر
شئ إنما الصدقة على السايمة الراعية) (2) وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كل
شئ من هذه الأصناف الدواجن والعوامل ليس فيها شئ) (3) وفي رواية إسحاق
ابن عمار عن أبي إبراهيم قال: (سألته عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ قال: نعم) (4)
قال الشيخ في التهذيب: لو سلم هذا الحديث من المطاعن كان محمولا على الاستحباب.
وأما اللواحق فمسائل:
مسألة: الشاة المأخوذة في الزكاة أقلها الجذعة من الضان أو الثنية من
المعز وبه قال الشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا تؤخذ إلا الثنية فيهما. وقال مالك:
الواجب الجذعة فيهما.
لنا ما رواه سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نهينا أن نأخذ
الراضع، وأمرنا الجذعة والثنية يجزي الذكر والأنثى (5) لأنه عليه السلام أطلق لفظ الشاة
فيدخل فيه الذكر والأنثى. وكذا يجزي لو كانت من غير غنمه أو من غير جنس غنم

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 7 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 7 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 7 ح 6.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 7 ح 8.
5) سنن النسائي كتاب الزكاة باب 12 ص 30.
512

البلد لما قلناه.
فرع
لو أخرج من جنس من الإبل بعيرا " لم يجز وكذا حكي عن مالك. قال
الشافعي وأبو حنيفة: يجزي إذا كان مما يجزي في الزكاة، لأنه يجزي عن الأكثر
فأجزى من الأقل.
ولنا أنه أخرج غير الواجب فلا يجزي عنه، كما لو أخرج بعيرا " عن أربعين
شاة. نعم لو أخرجه بالقيمة السوقية وكان مساويا " لقيمة الشاة أو أكثر جاز.
مسألة: الفرائض المأخوذة في الإبل، أو لها بنت المخاض، وهي التي استكملت
سنة ودخلت في الثانية، وسميت بذلك لأنه بلغت حدا " يحمل أمها ولو كانت حايلا
والماخض الحامل وبنت اللبون هي التي استكملت سنتين ودخلت في الثالثة، وسميت
بذلك لأن أمها حق أن تضع وتصير ذات اللبن، والحقة هي التي استكملت ثلاثا "
ودخلت في الرابعة، أي استحقت أن يطرقها الفحل، أو يحمل عليها، والجذعة هي
التي لها أربع ودخلت في الخامسة، لأنها تجذع أي يسقط سنها وهي أعلى سنين
توجد في الزكاة، والتبيع من البقر هو الذي له سنة ودخل في الثانية. قيل لأن قرنه
يتبع أذنه أو يتبع أمه، والمسنة هي التي استكملت سنتين ودخلت في الثالثة ولا
يؤخذ في الزكاة من البقر غير ذلك.
فرع
لو رضي رب المال بإعطاء المسنة موضع التبيع قال أكثر الجمهور يجزي
لأنه مجزي عن أكثر من ثلاثين. والأقرب أنه لا يجزي، لأنه أخرج غير الواجب
فيقدر بالتقويم السوقي، كما لو أخرج من غير الجنس.
513

مسألة: ولا تؤخذ المريضة، ولا الهرمة، ولا ذات العور والهرمة الكبيرة؟
وذات العوار المعيبة لقوله عليه السلام: (لا تؤخذ في الصدقة الهرمة ولا ذات العوار ولا تيس
إلا ما شاء المصدق) (1). ولا تؤخذ الربي وهي التي تربي ولدها إلى خمسة عشر يوما وقيل
إلى خمسين يوما " لأن في أخذها إضرار بولدها، ولا الأكولة وهي السمينة المعدة
للأكل، لأن في ذلك تحكما " على المالك، ولا فحل الضراب لأنه من كرايم المال إذ
في الغالب لا يعد للضرب إلا الجيد من الغنم، ولا الحامل لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
(أنه نهى أن يؤخذ شافعا ") (2) أي حاملا فإن تطوع المالك جاز.
مسألة: من وجبت عليه سن وليس عنده وعنده أعلى بسن، دفعها وأخذ شاتين
أو عشرين درهما ". ولو كان عنده الأدون، دفعها وشاتين أو عشرين درهما " وبه قال
الشافعي وأحمد ومالك. وقال الثوري: يدفع مع الأدون شاة أو عشرة دراهم، لأن
الشاة مقومة في الزكاة بخمسة دراهم إذ نصاب الغنم أربعون ونصاب الفضة مائتا درهم.
وقال أبو حنيفة: يدفع قيمة ما وجب عليه أو السن الأدون، وفصل ما بينهما بالقيمة
تفصيا " من إضرار الفريقين.
لنا قوله عليه السلام: (من ليس عنده جذعة وعنده حقه قبلت منه ويجعل معها شاتين
أو عشرين درهما ومن بلغت عنده الحقة وليست عنده الجذعة قبلت منه ويعطيه المصدق
عشرين درهما أو شاتين) (3) ثم ساق أسنان الزكاة كذلك.
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن زمعة عن أمه عن جذامة أن أمير المؤمنين
عليه السلام كتب له في الكتاب الذي كتبه له بخطه حين رتبه على الصدقات: (ومن بلغت
عنده من إبل الصدقة الجذعة وليست عنده وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 10 ح 3.
2) سنن النسائي كتاب الزكاة باب 15 ومسند أحمد بن حنبل باب 3 و 414.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 13 ح 1.
514

أو عشرين درهما " ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده جذعة قبلت منه
ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما " ومن بلغت صدقته الحقة وليست عنده وعنده
ابنة لبون قبلت منه ويعطي المصدق معها شاتين أو عشرين درهما " ومن بلغت صدقته
بنت اللبون وليست عنده وعنده بنت مخاض قبلت منه ويعطي المصدق شاتين معها
أو عشرين درهما " ومن بلغت صدقته بنت المخاض وليست عنده وعنده بنت اللبون
قبلت منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ") (1).
وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأنها لا يصار إلى التخريج مع وجود النص ولا
إلى العموم مع وجود الخصوص ومن ليس عنده بنت مخاض أجزأه ابن اللبون
لقوله عليه السلام: (فإن لم يكن فيها بنت مخاض أجزأه ابن لبون) (2).
ومن طريق الأصحاب ما رووه (3) عن علي عليه السلام قال: (ومن لم يكن عنده
ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه وليس معه شئ).
فروع
الأول: لو عدمها جاز أن يشتري ابن اللبون. وللشافعي قولان. وعن مالك:
يلزمه بنت مخاض لأن مع عدمها لا يكون واجدا " لابن اللبون فيتعين عليه ابتياع
ما يلزم الذمة وهو بنت المخاض، ولأنهما استويا في العدم فلا يجزي كما لو وجدا.
لنا مع ابتياعه يكون له ابن اللبون فيجزيه.
الثاني: لو كان عنده بنت مخاض مريضة، وعنده ابن اللبون أجزأه، لأن
المريضة غير مقبولة في الصدقة فجرت مجرى المعدومة.
الثالث: لو وجد بنت مخاص أعلى من صفة الواجب، لم تجزئه ابن اللبون

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 13 ح 2.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 13 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 13 ح 2.
515

وكلف دفعها أو ابتياع بنت مخاض مجزية.
الرابع: لو أخرج عن بنت اللبون حقا "، أو عن الحقة جذعا " جذعا " لم يجز ولم
يقم مقام الأنثى وإن علت سنة. وقال بعض الجمهور يجزي كما يجزي ابن اللبون
عن بنت المخاض.
لنا أن ثبوت الحكم في بنت المخاض ثابت بالنص، على خلاف مقتضى
الدليل لأنه يحتمل النقص عن قيمة الواجب فلا يعدي حكمه، ولأن تخصيصه ابن
اللبون بالذكر دليل على عدم مساواة غيره.
الخامس: لو أخرج عن بنت المخاض بنت اللون وعن بنت اللبون حقة
فالأنسب الإجزاء لأنه تجري مع استعارة الجبران فمع عدمه أولى.
السادس: لو عدم السن الواجبة والتي تليها لم ينتقل إلى الثالثة بالجبران.
وقال الشافعي: ينتقل ويجبر بأربع شياة أو أربعين درهما ".
لنا أن النقد المذكور على خلاف مقتضى الدليل فيقتصر به على مورد النص.
السابع: لو أخرج عن الجذعة بنتي لبون، فالأقرب أنهما لا يجزيان إلا بالتقويم
السوقي لأنه أخرج غير الواجب فاعتبرت قيمته كما لو أخرج غير الجنس.
الثامن: يخرج عن الإبل من جنسها، فعن النجاتي نجية، وعن العراب
عربية، وعن السمان مثلها، وكذا المهاذيل. لو قيل يخرج من أيها شاء إذا كانت
بالصفة الواجبة كان حسنا " لأنها في الزكاة جنس واحد.
التاسع: يجوز أن يدفع عن الإبل من شياة البلد وغيرها وإن كان أدون قيمة
لأن الاسم يتناولها. أما الغنم فإن الفريضة تجب في العين فلا تدفع من غير صفتها
إلا بالتقويم على القول به.
مسألة: يجوز إخراج القيمة في الزكاة عن الفضة والذهب والغلاة. وبه
قال علماؤنا أجمع وهو قول أبي حنيفة. وقال الشافعي لا يجزي.
516

لنا أن معاذا " كان يأخذ من أهل اليمن الثياب عوضا " عن الزكاة ولأن الزكاة
وجبت جبيرا " للفقراء ومعونة وربما كانت الأعواض في وقت أنفع.
وروى الأصحاب عن البرقي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال كتبت إليه هل يجوز
جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب في الذهب
من الدراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه؟ فأجاب عليه السلام
(أيما تيسر يخرج) (1) وروي علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال: سألته عن
الرجل يعطي زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك؟ قال:
(لا بأس) (2).
قال المفيد (ره): ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا أن تعدم
الأصناف المخصوصة. وقال الشيخ (ره) في الخلاف: يجوز إخراج القيمة في
الزكاة كلها أي شئ كانت القيمة ويكون القيمة على وجه البدل لا على أنها أصل
وبه قال أبو حنيفة وفي أصحابه من قال الواجب أحد الشيئين فأيهما أخرج كان أصلا
ولم يجيزوا المنافع كسكنى الدار، ومنع الشافعي من إخراج القيمة في شئ من
الزكوات، واقتصر على إخراج الفضة عن الذهب وإخراج الذهب عن الفضة لا غير.
واستدل شيخنا بإجماع الفرقة وأخبارهم. وفي استدلاله بالإجماع إشكال،
والأخبار غير دالة على موضع النزاع، فإذا " ما ذهب إليه المفيد (ره) أحوط. ثم
نتوقف مع المفيد (ره) في جواز القيمة مع عدم الفريضة من الحيوان.
مسألة: إذا كان النصاب مراضا " لم يكلف شراء صحيحة، لأن الزكاة تجب
في العين فيؤخذ منها ولو لم يكن فيها الفريضة المقدورة كلف شراء صحيحة، ولو
اشترى مريضة أجزأت، وعلى القول بالقيمة تجزي قيمه المريضة.

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 14 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 14 ح 2.
517

فرع
لو كان في المراض السن الدني، ولم تكن فيها الفريضة، جاز أن يدفع
الأدنى منها ومعها شاتين أو عشرين درهما "، لأن له التبرع بالفضل، وليس له دفع
الأعلى مريضة أخذ الجبران، لأن فيه ضررا " على الفقراء.
ولو كان وليا " ليتم لم يخرج الأدنى مع الجبران، على القول بوجوب الزكاة
في حيوان الطفل، لأنه ليس له التبرع بماله.
مسألة: لا تأثير للخلطة في الزكاة، سواء كانت خلطة أعيان، أو أوصاف
بل يزكى كل واحد منهم زكاته منفردا "، وبه قال أبو حنيفة، وخلطة الأعيان شركة
مشاعة كما يكون لاثنين نصاب فلا زكاة عندنا لنقصان مال كل منها عن النصاب.
ولو كان بينهما ثمانون كان على كل واحد شاة وخلطة الأوصاف أن يكون مال كل
منهما متميزا " عن صاحبه ويشتركان في المرعى، والمراح، والراعي، والفحل،
وألحق آخرون الحوض، والمحلب أي موضع الحلب.
وقال الشافعي: يزكيان زكاة الرجل الواحد تساويا أو تفاوتا، فلو كان
لأحدهما شاة وللآخر تسعة وثلاثون كان عليهما شاة ويترادان الفضل لقوله عليه السلام
(لا يجمع بين متفرق ولا يفترق بين مجتمع) (1) خشية الزكاة وما كان من الخليطين
فإنها يتراجعان بينهما بالسوية. وقال مالك: يعتبر في الخلطة أن يكون مال كل واحد
نصابا " مع الاشتراك في المرعى والراعي. وقال عطا وطاوس: المعتبر بخلطة الأعيان
دون الأوصاف.
لنا ما روى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا كانت سليمة الرجل ناقصة عن
أربعين فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها وقال من لم تكن له إلا أربع من الإبل فليس

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 11 ح 1.
518

فيها صدقة) (1) ولأن النصاب شرط في وجوب الزكاة كالحول وكما لا يبني حول
إنسان على غيره فكذا النصاب ولا حجة في خبرهم لأنه كما يحتمل إرادة الأمران
والاجتماع في مكان، يحتمل إرادة ذلك في الملك وهو أقرب، لأنه لو ترك على
المكان لزم أن لا تجمع بين مال الواحد إذا افترق في المكان. لكل ذلك منفي
بالاتفاق، ولا حجة في قوله، ويترادان الفضل لأن ذلك قد يمكن في شركة الأعيان
إذا كان بينهما مثلا ستون لأحدهما ثلثاها، فيرجع صاحب العشرين بثلث شاة أو مائة
لأحدهما ستون ولآخر أربعون، فإن الساعي يأخذ شاتين وسطا " فيكون لصاحب
الأكثر الرجوع على صاحب الأقل.
ولو قيل الخليط عند الإطلاق لا يفهم منه الشريك كان خطأ فإن المخالطة
بالشركة حقيقة وبالوصف مجاز، على أنهم قسموا الخلطة إلى القسمين، وهو دليل
على تسميتهما خلطة وصاحبها خليط.
ولو احتجوا برواية سعد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (الخليطان ما اجتمعا في
الحوض والفحل والراعي) (2). كان لنا مطالبتهم بتصحيح الخبر، فإنا لا نعرفه
بطريق محقق ولو سلمنا صحته أمكن أن يكون ذلك بيانا " لتسمية من استكمل ماله
تلك الصفات خليطا " ولا يلزم من تسميته خليطا " وجوب الزكاة في ماله وإن كان دون
النصاب.
فروع
الأول: كما لا خلطة في النعم، فليست معتبرة في غيره، وبه قال كثير ممن
أثبت الخلطة في النعم. وقال الشافعي: يثبت في الجميع بالقياس على الخليطة في

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 85 و 86.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 106.
519

النعم، وقد بينا ضعف المقيس عليه.
الثاني: لو باع صاحب النصاب نصفه بعد مضي الحول، لم تجب الزكاة عند
تمام الحول، ولا مع استيناف حول. وقال الشافعي: ويجب عليه وعلى شريكه اعتبارا "
بالخلطة.
الثالث: لو استأجر من النصاب راعيا " بشاة، بطل الحول أفردها، أو خلطها،
لنقصان المال عن النصاب. وقال الشافعي: إن خلطها لزمهما شاة بالحساب بناءا على
الخلطة.
الرابع: لو كان لإنسان أربعون في بلد، وعشرون في آخر، مختلطة مع آخر
بعشرين، لزمه في الأربعين شاة، وكان العشرون عفوا "، ولا شئ على الخليط. وقال
الشافعي: يجب عليهما شاة على الخليط ربعها، لأن المختلطة تضاف إلى النصاب
المفرد، فيكون الجميع كالمال الواحد، لكن صاحب الأربعين له ستون فعليه ثلاثة
أرباع الشاة.
الخامس: لو كان له ستون مختلطة مع ثلاثة، لكل واحد عشرون كان عليه شاة
ولا شئ على الشركاء. وقال الشافعي: على صاحب الستين نصف شاة. وعلى كل
واحد من الخلطاء سدس شاة، لأن الجميع يضم كمال الرجل الواحد، فيجب فيه شاة
تقسم عليهم بالحصص.
مسألة: الزكاة تجب في العين لا في الذمة حيوانا " كان المال؟ أو زرعا "، أو عينا "
أو فضة، وبه قال أكثر أهل العلم. للشافعي وأحمد قولان لأنها لو وجبت في العين
لكان للمستحق إلزام المالك بتسليمها منه ولمنع المالك من التصرف فيه إلا مع إخراج
الفرض ولأن تعيينها فيه يستلزم سقوط الفريضة لو تلف النصاب ولأنها زكاة فتجب في
الذمة كالفطرة.
520

لنا قوله عليه السلام (في أربعين شاة، شاة) (1) وقوله: (في خمس من الإبل، شاة) (2)
وقوله: (فيما سقطت السماء العشر) (3) وقوله: (في عشرين مثقالا نصف مثقال) (4)
وقوله (في الرقة ربع العشر) (5). وظاهر هذه الألفاظ، وجوب الفرض في العين
ولأن الزكاة طهر للمال، فكانت في عينه كخمس الغنيمة والركاز.
وجواب ما احتجوا به، أن نقول لا نسلم أن وجوبها في العين يستلزم تسلط
المستحق على إلزام المالك بتسليمها منه، لأنه وجبت جبرا وإرفاقا للفقير، فجاز أن يكون
العدول عن العين تخفيفا عن المالك يسهل عليه دفعها وكذا الجواب عن جواز التصرف
إذا ضمن الزكاة، وقولهم يلزم سقوط الفريضة لو تلف النصاب من غير تفريط، فنحن
نقول بموجبه. وأما الفطرة فإنها وجبت تزكية للبدن، تطهيرا له، فتعلقت بالذمة وليس
كذا زكاة المال
فروع
الأول: لو حال على النصاب حولان، أو أكثر، لم يؤد زكاته، فعلى قولنا تجب
زكاة الحول الأول، ولا يجب ما زاد لنقصان النصاب بحق الفقراء. وعلى القول بوجوب
الزكاة في الذمة، تجب زكاة الأحوال، لأنها وجبت في الذمة فكان ملك النصاب باقيا ".
الثاني: لو كان معه أكثر من نصاب، وحال عليه حول، أو أحوال ولم يؤد
وجبت زكاة الأحوال حتى ينقص النصاب، لأن النقصان ينجبر من العفو.
الثالث: لو كان عنده نصاب، فحال عليه حول، ثم نتج سخلة انجبر بها

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 2 ح 1 و 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 4 فيه أحاديث متضمنة لهذا العنوان.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 5 و 10.
5) مسند أحمد بن حنبل كتاب الزكاة باب 1 و 12.
521

النصاب ووجبت الزكاة إذا حال عليه الحول، ويعتبر الحول من حين نتجت.
الرابع: لو كان له خمس من الإبل وحال عليها حول وأحوال، فإن لم يؤد
زكاته، فعليه شاة واحدة، ولو أدى عن كل عام، وجبت في كل عام، لأن النصاب لم
تنقص عينه.
[القول في زكاة الذهب والفضة]
لا خلاف في وجوب الزكاة فيهما، ويدل أيضا " عليه قوله تعالى (الذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (1) ومن
الحديث قوله (من أتاه الله ما لا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع فيطوق
ثم يأخذ بلهزمته يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: (ولا تحسبن الذين
يبخلون بما آتيهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به
يوم القيامة) (2)) (3).
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (ما من رجل منع حقا " في ماله إلا
طوقه الله به حية من نار يوم القيامة) (4) وقال عليه السلام (من منع قيراطا من الزكاة
فليس بمؤمن ولا مسلم وهو قوله تعالى (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا " فيما
تركت) (5)) (6).
ويشترط في وجوب الزكاة فيهما، النصاب، والحول، وكونهما مضروبين

1) سورة التوبة: الآية 34.
2) سورة البقرة: الآية 180.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 81.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 6 ح 1.
5) سورة المؤمنون: الآية 99 - 100.
6) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 4 ح 3.
522

بسكة المعاملة دراهم ودنانير. والبحث في ذلك يشتمل على مسائل:
مسألة: لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ، ففيه
نصف مثقال وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد. وقال عطا والزهري:
لا نصاب للذهب، وإنما يقوم بالفضة، إذا بلغت قيمته مائتي درهم وجب الزكاة. وقال
الحسن: لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارا "، وبه قال أبو جعفر بن
بابويه رحمهما الله تعالى وجماعة من أصحاب الحديث منا.
واحتج ابن بابويه رحمه الله تعالى بما رواه أبو بصير والفضيل ومحمد بن.
مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (في الذهب في كل
أربعين مثقالا مثقال وفي الورق في كل مائتي درهم خمسة دراهم، وليس في أقل من
أربعين مثقالا شئ ولا في أقل من مائتي درهم شئ). (1)
لنا ما روى زهير عن علي عليه السلام وقال: (لا أحسبه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس
عليك في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين دينارا " ويحول عليها الحول ففيها نصف
دينار) (2) وعن أبي عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من كل عشرين دينارا "
نصف دينار ومن كل أربعين دينارا " دينار). (3)
ومن طريق الأصحاب ما رواه عدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام ورواه يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قالا:
(ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب شئ، فإذا أكملت عشرين مثقالا ففيها
نصف مثقال) (4). ويؤيد ذلك أن مقتضى الدليل وجوب الأنفال من كل رزق لقوله

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 13 وذيله في الباب 2 ح 7.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 138.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 4 ص 571.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 10 و 8 و 9.
523

تعالى (أنفقوا مما رزقناكم) (1) فيسقط الوجوب فيما عدا الزكاة، وعما نقص
عن عشرين دينارا " بالإجماع والإنفاق هو الزكاة لقوله عليه السلام: (كلما أديت زكاته
فليس بكنز) (2) ولا يعارض ذلك بقوله: (ولا يسئلكم أموالكم) (3) لأن الأخبار عن
جميع المال أو الحيف لقوله: (إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا). (4)
والجواب عما احتج به بعض الأصحاب، إنما ذكرناه أشهر في النقل، وأظهر
في العمل، فكان المصير إليه أولى. وقال الشيخ (ره) في الخلاف: وقد تأولنا
الرواية الشاذة، وأشار إلى هذه الرواية، وقال في التهذيب: (يحمله قوله (وليس
فيما دون الأربعين دينارا " شئ) على أن المراد بالشئ دينار، لأن لفظ الشئ يصح
أن يكنى به عن كل شئ). وهذا التأويل عندي بعيد وليس الترجيح إلا بما ذكرناه
فروع
الأول: لو تساوت الموازين في نقصان النصاب بالحبة، لم تجب الزكاة،
ولو اختلف بما جرت به العادة وجبت وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد، وقال
مالك: تجب الزكاة وإن تساوت الموازين بنقصان الحبة والحبتين.
لنا قوله عليه السلام: (ليس عليك في الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا). (5)
الثاني: لا يجب في المغشوشة زكاة حتى يبلغ صافيها عشرين مثقالا، لعين
ما ذكرناه. وقال أبو حنيفة: يعتبر الأغلب، فإن غلبت الفضة فهو بحكم الفضة لأن

1) سورة البقرة: الآية 254.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 3 ح 26.
3) سورة محمد صلى الله عليه وآله: الآية 36.
4) سورة محمد صلى الله عليه وآله: الآية 37.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 10.
524

الفضة لا تنطبع إلا بالغش اليسير، وإن غلب الغش كانت كالعوض تعتبر بالقيمة. فعلى
قولنا إن كانت نصابا " لا غير فلا زكاة فيها، وإن كانت أزيد وعلم أن الخالص يبلغ
نصابا " جاز أن يزكى من العين إن شاء، ومن غيرها خالصا بقدر الواجب، ولو شك
في بلوغ الخالص نصابا " جاز أن يخرج مستظهرا " محتاطا لذمته، ولو لم يتبرع لم
يؤمر بسبكها ولا الإخراج، لأن بلوغ النصاب شرط الوجوب ولم يعلم.
الثالث: عرف أن خالصها نصاب ولم يعلم كميتها. قال الشيخ (ره) في
المبسوط: يؤمر بسبكها إن لم يتبرع بالاحتياط في الإخراج، وبه قال الشافعي وأحمد
وعندي في ذلك توقف، لأن فيه إضرارا بالمالك ويقرب أن يأخذ منه اليقين، أما
من العين، أو من غيرها خالصا، ويطرح المشكوك فيه لأنه لا يعلم اشتغال الذمة بزكاته.
مسألة: ليس في الزايد شئ حتى يبلغ أربعة دنانير، ففيها قيراطان، وكذا
يعتبر فيما زاد، وليس في الكسور شئ، وبه قال أبو حنيفة والشعبي والزهري
والحسن البصري. وقال أحمد والشافعي ومالك: تجب في زيادتها وإن قلت بالنسبة
لقوله عليه السلام (هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما " درهم وليس عليكم شئ
حتى يتم مائتين فإذا كانت مائتين فخمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك) (1) ولأنه مذهب
علي وابن عمر ولا مخالف لهما من الصحابة فكان إجماعا ".
ولنا قوله عليه السلام (من كل أربعين درهما " درهم، وهو تقدير شرعي، فلا يجب
فيما نقص) (2) وعن معاذ عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة
دراهم ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين درهما ") (3) والدينار في الشرع مقدر بعشر
دراهم فيكون الأربعون مقدرة بأربعة دنانير والدرهم مقدر بقيراطين.

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 135.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 2 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 135.
525

ومن طريق الأصحاب ما رواه عدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام قالا: (ليس فيما دون العشرين مثقالا شئ فإذا بلغ ففيه نصف مثقال إلى أربعة
وعشرين ففيه ثلاثة أخماس دينار وإلى ثمانية وعشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد
أربعة). (1) وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ليس فيما دون العشرين من
الذهب شئ وليس فيما دون المائتين من الفضة شئ، فإذا زادت تسعة وثلاثين
فليس فيها شئ حتى تبلغ أربعين وليس في شئ من الكسور شئ حتى تبلغ
الأربعين وكذا الدنانير على هذا الحساب). (2)
ولا حجة فيما ذكره الشافعي، لاحتمال أن يكون قوله فما زاد بحساب
مفسرا " بقوله في كل أربعين درهم.
فإن قالوا روايتكم عن معاذ يرويها عبادة عنه ولم يلقه عبادة ويرويها أبو العطوف
ابن منهال وقد ضعفه مالك وقال هو دجال، قلنا هو وإن ضعف عند مالك، فقد
روي عن أهل البيت عليهم السلام ما يطابقه ولأن خبركم رواه الحرث عن علي عليه السلام وقال
أحسبه عن النبي صلى الله عليه وآله فرواه شاكا "، ونسبتهم ما ذكروه إلى علي عليه السلام ضعيفة، لإجماع
أهل البيت عليهم السلام على خلاف ما حكوه وهم أعرف بمذهبه.
مسألة: لا زكاة في الحلي محرما " كان أو محلا. وقال الشافعي: لا زكاة في
المحلل ويجب في المحرم كالمنطقة للمرأة وحلي السيف، وكالخلخال للرجال
والسوار. وقال أبو حنيفة: تجب في الكل. وقال مالك: يزكى لعام واحد. وقال
الحسن وقتادة: زكاة المحلل عاريته. وحجة أبي حنيفة قوله صلى الله عليه وآله: (في الرقة ربع
العشر) (3) وقوله لامرأة عليها مسكتان من ذهب هل تعطين زكاة هذا؟ قالت لا، قال

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 2 ح 6 وصدره في الباب 1 ح 9
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 134.
526

أيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار). (1)
لنا ما روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (ليس في الحلي زكاة) (2) ولأنه
معد للانتفاع لا للنماء فكان كثياب البذلة والبقر العوامل. ويدل عليه من طريق
الأصحاب ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وسأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة
فقال لا). (3)
وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأنا لا نسلم أن الرقة اسم الفضة مطلقا "، بل اسم
للدراهم المضروبة بالسكة المعاملة السايرة في الناس، ذكر ذلك أبو عبيد قال أبو
عبيد: وكذا الأواقي ليس معناه إلا الدراهم كل أوقية أربعون درهما.
وحديث المرأة مطعون فيه حتى قال الترمذي: ليس يصح في هذا الباب
شئ، ويمكن أن يكون المراد بإعطاء زكاة المسكتين إعارتهما، فقد قيل زكاة
الحلي إعارته من مأموم والإعارة على الاستحباب لأنه عليه السلام قال ما يدل على التحريض
على الاعطاء، وقد قال أحمد روى عن خمسة من الصحابة أن زكاة الحلي إعارته.
فروع
الأول: لو كان الحلي معدا " للإجارة أو لغير ذلك من وجوه الاكتساب،
لم تجب فيه الزكاة. وقال بعض الجمهور: تجب لأنه مال يستنمي مع بقائه فكان
كالسائمة.
لنا قوله عليه السلام: (ليس في الحلي زكاة). وكذا لو كان محرما ". وقال الشيخ
رحمه الله تعالى تزكيه وكذا قال الشافعي. لنا إطلاق الخبر وما روي عن الحلبي

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 140.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 9 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 9 ح 5.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 9 ح 2.
527

عن أبي عبد الله عليه السلام قلت الحلي فيه زكاة قال (لا) (1) ولا عبرة بقياسهم مع معارضة
النص.
الثاني: كون الذهب دنانير منقوشة بسكة المعاملة والدراهم كذلك شرط في
الزكاة فعلى هذا، النقار، والسبائك لا زكاة فيها لأنها تجري مجرى الأمتعة. ويؤيد
ذلك ما رواه علي بن يقطين عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: (ليس في سبائك الذهب
ونقار الفضة زكاة قال وكل مال لم يكن ركازا " فلا زكاة فيه قلت وما الركاز قال
الصامت المنقوش) (2) وعن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام قال:
(ليس على التبر زكاة إنما هي على الدراهم والدنانير). (3)
الثالث: لو فر بسبكها ففي وجوب الزكاة روايتان وقد سلف تحقيق مثل ذلك.
الرابع: لا فرق بين كثير الحلي وقليله في سقوط الزكاة. وقال بعض الحنابلة:
يباح ألف مثقال فما زاد حرم، وفيه الزكاة لقول جابر وقد سئل عن ذلك فقال (ذلك
كثير.)
ولنا قوله عليه السلام (ليس في الحلي زكاة) (4) ومن طريق الأصحاب ما رواه رفاعة
قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة فقال: (لا وإن بلغ
مائة ألف). (5)
الخامس: لا يضم الدراهم إلى النقار ولا السبائك إلى الذهب وقال الجمهور
بأجمعهم: يضم لأنه جنس واحد.
لنا أن أحدهما لا تجب فيه الزكاة فلا يضم إلى الآخر كالجنسين المختلفين.

1) الوسائل ج 6 أبواب الزكاة الذهب والفضة باب 9 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب الزكاة الذهب والفضة باب 8 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 8 ح 3.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 9 ح 2.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 9 ح 4.
528

السادس: ما يجري على السقوف والحيطان من الذهب محرم، ويكره ما يجري
من الفضة، ولا زكاة في الجميع ولو بلغ النصاب. وقال الشافعي وباقي الفقهاء:
إن كان لو جمع وسبك بلغ نصابا " ففيه الزكاة.
لنا ما سبق من اشتراط كون النصاب دراهم أو دنانير، فلا تجب مع عدم الشرط.
السابع: حلية السيف واللجام بالذهب حرام لأنه من السرف، ولا زكاة فيه.
وقال الشافعي: بتحريم الذهب ولزوم الزكاة.
لنا ما سبق، ولأنه مال لا يستنمي فأشبه الأمتعة.
الثامن: لو كان معه نصب خلخال وزنه مائتا درهم، وقيمته لأجل الصنعة
ثلثمائة، لم تجب الزكاة عندنا. وقال أبو حنيفة: يجزيه خمسة دراهم ولا عبرة بالصنعة
وقال الشافعي: لا يجزئه لأن القيمة تضم إلى وزنه. وهذا الفرع يسقط عنا بما بيناه.
مسألة: ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم، ففيها خمسة دراهم،
وعليه علماء الإسلام. والمعتبر كون الدرهم ستة دوانيق، بحيث يكون كل عشرة
منها سبعة مثاقيل وهو الوزن المعدل، فإنه يقال إن السود كانت ثمانية دوانيق والطبرية
أربعة دوانيق فجمعا وجعل درهمين، وذلك موافق لسنة النبي صلى الله عليه وآله. ولا عبرة بالعدد
وقال المغربي يعتبر العدد، لكن الإجماع على خلافه فلا عبرة بقوله ويعتبر التحقيق
في الوزن. ولو تساوت الموازين بنقصان الحبة في النصاب لم تجب الزكاة.
فرع
لا يضم عروض التجارة إلى الفضة ولا إلى الذهب، وأطبق الجمهور على
ضمها لأن الزكاة تجب في قيمة العروض.
ولنا أنهما مالان مختلفان فلا يضم أحدهما إلى الآخر كالجنسين المختلفين
من الأموال الزكاتية، وتعللهم بالتقويم ضعيف، ولأن القيمة غير مملوكة مع بقاء
529

العرض فلا تضم إلى العين المملوكة.
فروع
الأول: حلية السيف واللجام بالفضة جايز. وتردد الشيخ ولا زكاة فيه،
وللشافعي قولان.
الثاني: قال الشيخ في الخلاف: لا نص لأصحابنا في تذهيب المحاريب،
وتفضيضها، وتحلية المصاحف، وربط الأسنان بالذهب، والأصل الإباحة. واختلف
أصحاب الشافعي وكلما أجازوه لا زكاة فيه وما حرموه ففيه الزكاة عندهم.
الثالث: أواني الذهب والفضة محرمة ولا زكاة فيها، وكذا اتخاذها. وفي
اتخاذها للشافعي قولان. وعندنا لا زكاة فيها، وعنده فيها الزكاة، وقد سلف تحقيق
ذلك.
مسألة: من خلف لأهله نفقة قدر النصاب فزايدا "، أو حال عليه الحول وجبت
فيها الزكاة إن كان حاضرا "، ولا تجب لو كان غائبا "، ومنع الفرق متأخر منا: متعللا
بأن شروط الزكاة إذا اجتمعت وجبت الزكاة في الموضعين وإلا سقطت في الموضعين.
ولنا ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قلت: رجل خلف
عند أهله نفقة ألفين للسنتين هل عليهما زكاة فقال: (إن كان شاهدا " فعليه زكاته، وإن
كان غائبا " فليس عليه زكاة) (1) وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن كان
شاهدا " فعليه زكاته وإن كان غائبا " فليس فيها شئ) (2). ولأنه مال مملوك متمكن من
التصرف فيه، فيلزمه زكاته، أما مع الغيبة فلا يتمكن من التصرف لأنه أخرجه عن
يده بتسليط أهله على الانتفاع به فجرى مجرى مال لا يتمكن منه.

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 17 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 17 ح 3 إلا أن فيها (فعليها زكاة)
530

مسألة: لا يجبر الجنس بغير جنسه، بمعنى أنه لو كان معه دون النصاب لم
يتمم بقيمة جنس آخر ولا بأجزائه. واتفق الجمهور على أنه لا يتمم نصاب الغنم
بغير جنسه. واختلفوا فيما عداه فقال أبو حنيفة: يضم الذهب إلى الفضة لأنها متفقة
في كونها أثمانا وأروشا وقيما للمتلفات. وقال أحمد في إحدى الروايات: يضم
الذهب إلى الفضة والحنطة إلى الشعير والقطنيات، لأنها متفقة في الافتيات كما يضم
العلس إلى الحنطة وهو المحكي عن مالك وما ذهب أصحابنا إليه قال الشافعي.
لنا قوله عليه السلام (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) (1) وقوله (ليس
فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة) (2) وقوله صلى الله عليه وآله (ليس فيما دون خمسة
أوسق من التمر صدقة) (3) ويؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل عنده مائة درهم وعشرة دنانير قال: (إن لم يفر بها فليس عليها زكاة)
قلت: ولا يكسر الدنانير على الدراهم ولا الدراهم على الدنانير قال: لا (4). ولأنها
أموال مختلفة في القيم والصفات فلا يضم بعضها إلى بعض كالماشية.
وما احتج به الخصم ضعيف، لأنا لا نسلم أن تساويهما فيما عددوه يوجب
ضم أحدهما إلى الآخر، وأما العلس والحنطة فضمهما لاشتراكهما في الجنسية وكذا
السلت والشعير على قول من يرى ذلك.
[القول في زكاه الغلات]
أجمع فقهاء الإسلام على وجوب الزكاة في الغلات الأربع، الحنطة، والشعير
والزبيب، وقد سلف بيان ذلك. وهل يجب فيها حق سوى الزكاة؟ قال الشيخ (ره)

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 133.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 1 ح 5.
3) سنن ابن ماجة ج 2 كتاب الزكاة باب 6.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 5 ح 3.
531

في الخلاف: نعم وهو ما يخرج يوم الحصاد والجذاذ من الضغث بعد الضغث
والحفنة بعد الحفنة، وبه قال الشافعي لقوله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده) (1)،
وليس المراد الزكاة لأنها لا تجب إتيانها إلا بعد التصفية والتذرية، فيكون ما وجب
عليه عند الحصاد غيرها.
وما روت فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (في المال حق سوى
الزكاة) (2). وبما رواه محمد بن مسلم وأبو بصير وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله تعالى (وآتوا حقه يوما حصاده) قالوا جميعا " قال: (هذا من الصدقة يعطى
المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ) (3) وتردد
علم الهدى رضي الله عنه في الوجوب والوجه الاستحباب.
مسألة: لا تجب الزكاة في شئ من الحب والتمر حتى يبلغ خمسة أوسق،
والوسق ستون صاعا "، والصاع أربعة أمداد، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك. وقال
أبو حنيفة: تجب الزكاة فيه وإن قل، لقوله عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) (4) ولأن
الحول لا يعتبر فيه، فلا يعتبر النصاب.
لنا قوله صلى الله عليه وآله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) (5)، وخبرنا خاص فيكون
العمل به أولى لقوله صلى الله عليه وآله: (في الرقة ربع العشر) (6) وتخصيصه بقوله: (إذا بلغت
الفضة مائتا درهم ففيها خمسة دراهم) (7)، فلا عبرة بقياسه، لأنه من غير جامع إذ

1) سورة الأنعام: الآية 141.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 7 ح 16.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 13 ح 1.
4) صحيح البخاري ج 2 كتاب الزكاة باب 55 ص 155.
5) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 134.
6) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 134.
7) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الذهب والفضة باب 2 ح 6.
532

جمعه بوصف سلبي لا تأثير له في اشتراك الحكم، مع أن الفرق حاصل وهو أن الزرع
تكميل نماؤه عند انعقاده، فلم يعتبر فيه الحول، بخلاف غيره، فإن الحول مظنة نمائه
غالبا " فلم يتحدا في العلة.
والوسق ستون صاعا " يكون ثلثمائة صاع، ولا خلاف فيه، والصاع أربعة أمداد
باتفاق العلماء إلا في رواية شاذة لنا. واختلف الفقهاء في المد والمروي عن أهل البيت
عليهم السلام (أنه رطلان وربع)، فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي. وقال ابن أبي نصر
منا: رطل وربع بالعراقي وقال الشافعي وأحمد: رطل وثلث، فيكون الصاع خمسة
أرطال وثلث. وقال أبو حنيفة: المد رطلان، فيكون الصاع ثمانية أرطال.
واحتج الشافعي بأن مالكا " أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار،
فشهدوا أن آبائهم أخبروهم أنهم كانوا يؤدون الصدقة إلى النبي صلى الله عليه وآله بهذا الصاع
واحتج أبو حنيفة بما رواه أنس أن (النبي صلى الله عليه وآله كان يتوضأ بمد ويغتسل بالصاع ثمانية
أرطال) (1)، فيكون النصاب عندنا ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي، وعند الشافعي
وأحمد ألفا " وستمائة رطل بالعراقي.
لنا اختلاف الروايات في تقدير المد فوجب التوقف إذ ليس بعض أرجح
من بعض، وقد روى الأصحاب من طرق عدة ما ذكرناه، منها رواية الحسين بن
سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع) (2) والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال بأرطال
المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي، فيجب الأخذ بالأوفى في التقدير صيانة لمال
المسلم عن التسلط، ولأن النصاب شرط على ما بيناه، ولا نعلم حصوله إلا مع التقدير
إلا على، فيقف الوجوب عليه.

1) صحيح البخاري ج 1 كتاب الطهارة ص 62 (روى عن ابن جبر).
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 50 ح 1.
533

وحجة الشافعي بعيدة، إذ لو كان ذلك ظاهرا " بين أهل المدينة لما خفي على
الباقر عليه السلام وهو سيدها، ولما أخبر مالك أن عبد الملك تجرى صاع عمر ولكان صاع
النبي صلى الله عليه وآله بالتجري. ورواية أبي حنيفة عن أنس تعارض ما رواه الشافعي، فتعين
التوقف حتى يثبت ما تجب به الزكاة. ويؤيد ذلك كتاب أبي الحسن موسى بن جعفر
عليهما السلام فإنه كتب (الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي) (1).
فأما ما روي في أخبارنا من وجوب الزكاة في الوسق والوسقين، وغير ذلك
من الاختلافات، فهو متروك لا عمل عليه، ولو صح نقله حمل على الاستحباب توفيقا "
بين الروايات.
فرع
لو تساوت الموازين في النقصان اليسير ولو رطل، لم تجب فيه. واختلف
أصحاب الشافعي في النقصان اليسير كالرطل والرطلين.
لنا قوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) (2)، ولو اختلف الموازين
الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير، ويعتبر بلوغ الأوساق عند الجفاف، فلو صار
رطبا " أو الكرام عنبا " وبلغ النصاب لم يكن به اعتبار، واعتبر النصاب عند جفافه،
وعليه اتفاق العلماء، وهو يدل على ما قلناه.
مسألة: وتتعلق الزكاة بها إذا صار الزرع حنطة وشعيرا "، وبالتمر إذا صار
تمرا وزبيبا. وقال الشيخ (ره) في المبسوط: في الحبوب إذا اشتد، وفي الثمار
إذا بدأ صلاحها، وبه قال الجمهور. وفائدة الخلاف أنه لو تصرف قبل صيرورته
تمرا " وزبيبا "، لم يضمن، وعلى قولهم يضمن لتحقق الوجوب،

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 7 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 134.
534

ولا يجب الإخراج عند الجميع في الحبوب إلا بعد التصفية، ولا في الثمار إلا بعد
التشميس والجفاف. ولو تلف قبل ذلك من غير تفريط لم يضمن، ولو تلف بعده
ولو يتمكن من الأداء لم يضمن أيضا "، وإن تمكن ولو يؤد ضمن سواء فرط في
الاحتفاظ، أو أهمل، لما بينا فيما سلف أن التمكن من الأداء شرط في الضمان.
فرع
إذا كان للمالك نخيل يطلع بعضها قبل بعض، ضمنت ثمراتها، لأنها ثمرة
سنة واحدة سواء اتفقت في الإطلاق والإدراك، أو اختلفت وما يطلع في السنة مرتين
قال في المبسوط: لا يضم لأنه كثمرة سنتين، والوجه أنه يضم وغلته ضعيفة حسا ".
مسألة: يجوز الخرص على أرباب النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء
وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الخرص لأنه تخمين،
وحور لا يجوز العمل به، ومن أصحابه من أنكره عنه وزعم أنه يجوز لكن لا يلزم.
لنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث (1) عبد الله بن رواحه يخرص على يهود نخلهم
حين يطيب الثمار، وما رواه غياث بن أسيد (2) (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث على
الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم) وما احتجوا به ضعيف، لأنه تخمين
مشروع فكان كقيم المتلفات.
فروع
الأول: وقت الخرص حين يبدو صلاح الثمرة لأنه وقت الأمن على الثمرة
من الجائحة غالبا "، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله (3) كان يبعث عبد الله خارصا " للنخيل حين
تطيب.

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 123.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 121.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 123.
535

الثاني: يجزي خارص واحد، لأن الأمانة معتبرة فيه فلا يتطرق إليه التهمة
ولأن النبي صلى الله عليه وآله اقتصر على الواحد.
الثالث: صفة الخرص أن يقدر الثمرة لو صارت تمرا "، والعنب لو صار
زبيبا "، فإن بلغ الأوساق وجبت الزكاة، ثم خيرهم بين تركه أمانة في يدهم،
وبين تضمينهم حق الفقراء، أو يضمن لهم حقهم فإن اختاروا الضمان كان لهم
التصرف كيف شاؤوا، وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف بالأكل، والبيع،
والهبة، لأن فيها حق المساكين.
الرابع: لو تلفت الثمرة بغير تفريط منهم، مثل عروض الآفات السماوية
والأرضية، أو ظلم ظالم، سقط ضمان الحصة لأنها أمانة، فلا تضمن بالخرص.
وقال مالك: يضمن ما قال الخارص، لأن الحكم انتقل إلى ما قال، وليس بوجه
ولو تلف بعضها لزمه زكاة الموجود حسب.
الخامس: لو ادعى المالك غلط الخارص، فإن كان قوله محتملا، أعيد الخرص
أو عالم بما يدعيه، وإن لم يكن محتملا سقطت دعواه.
السادس لو زاد الخرص كان للمالك، ويستحب بذل الزيادة، وبه قال ابن
الجنيد (ره)، ولو نقص فعليه تحقيقا " لفايدة الخرص. وفيه تردد لأن الحصة في يده
أمانة، ولا يستقر ضمان الأمانة كالوديعة.
السابع: لا يستقصي الخارص، بل يخفف ما يكون به المالك مستظهرا "،
وما يجعل للمارة. وقال جماعة من الجمهور، منهم أحمد بن حنبل: يترك الثلث
أو الربع لما روى سهل بن أبي خثيمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقول (إذا خرصتم
فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع). (1)

1) سنن الترمذي كتاب الزكاة باب 17.
536

لنا ما رواه أبو عبيدة بإسناده أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا بعث الخراص قال:
(خففوا على الناس فإن في المال العبرية والواطية والآكلة) (1) قال أبو عبيدة:
والعبرية هي النخلة أو النخلات يهب الإنسان تمرها، والواطية سموا بذلك لوطيهم
بلاد الثمار مجتازين. وما ذكروه من الثلث والربع إجحاف بالمساكين، نعم يقال إن للمارة أن يأكلوا.
وقيل لبعض أهل البيت عليهم السلام أن التجار اشتروا الثمرة بأموالهم؟ قالوا (اشتروا
ما ليس لهم فإذا تحتسب على أرباب الزكاة ما يجب عليهم بذله للمجتازة وتقديره
إلى نظر الخارص أما تقديره بالثلث والربع فلا)، وما ذكروه من الحديث خبر
واحد مناف للأصل، لأنه تسلط على مال الفقراء ونقص له فيكون منفيا ".
الثامن: ظاهر كلام الشيخ (ره) جواز الخرص في الزرع، كما هو في
النخل، والكرم، وأنكر ذلك أحمد، ومالك، وخصه بالنخل والكرم، اقتصارا " على
ما فعله سعاة النبي صلى الله عليه وآله، ولعل ما ذكره مالك أشبه بالمذهب وبه قال ابن الجنيد
منا. لأنه نوع من تخمين، وعمل بالظن، فلا يثبت إلا في موضع الدلالة، وتشبيهه
بالنخل والكرام قياس فلا يعتمد، مع أنه من غير جامع، والفرق ظاهر، لأن الزرع
منه مستتر وثمر الكرم والنخل ظاهر، فالخرص فيه أقرب إلى الإصابة دون الزرع،
ولأن أرباب النخل والكرم قد يحتاجون إلى تناوله رطبا " قبل جذاده واقتطافه، وليس
كذلك الزرع إلا فيما نقل.
التاسع: لو اقتضت المصلحة، تجفيف الحمل جاز، وسقط من الزكاة
بحسابه، ولو كان قبل بلوغه جاز تجفيفه وقطعه أصلا لما يراه من مصلحة نفسه وأصوله،
ولو اختار الخارص قسمة الثمرة حملا جاز ولو كان رطبا "، لأن القسمة تمييز الحق
وليست بيعا " فيمنع بيع الرطب بمثله على رأي من منع، ويجوز له بيع نصيب

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 124.
537

المساكين من رب المال، وغيره، ويجوز عندنا تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة
الساعي.
ويجوز لرب المال قطع الثمرة وإن لم يستأذن الخارص ضمن أو لم يضمن،
ومنع الشيخ في المبسوط إذا لم يضمن المالك الخرص قال: لأنه تصرف في مال
الغير فيقف على الإذن. وليس بوجه لأن المالك مؤتمن على حفظها فله التصرف
بما يراه مصلحة.
العاشر: لو أخذ الساعي رطبا " عن التمر، اعتبر عند جفافه، فإن كان بقدر
الواجب وإلا أخذ النقصان ورد الفاضل. ولو دفع المالك عن التمر رطبا " لم يجزيه
ولو كان لو جف كان بقدر الواجب لأنه غير الواجب عليه، فلو هلك أعاد الساعي
مثله أو قيمته إن تعذر، نعم لو دفعه بالقيمة السوقية جاز.
الحادي عشر: زروع المالك الواحد يضم بعضها إلى بعض وإن اختلفت
جفافها وأوقات إدراكها، لأنها لعام واحد.
الثاني عشر: لو باع الثمرة قبل بلوغها ثم بلغت في يد المشتري، فإن كان
مسلما " فالزكاة عليه دون البايع، وإن كان ذميا " لم تؤخذ منه ولا من البايع، ولو
اشتراها للمسلم بعد ذلك لم تجب عليه، لأنها بلغت في ملك غيره.
مسألة: لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا تمت في الملك، لا ما يبتاع ثمرا "،
ولا ما يستوهب، وعليه اتفاق العلماء، ولا يتكرر الزكاة فيها، وعلى ذلك اتفاق العلماء
أيضا " عدا الحسن البصري ولا عبره بانفراده.
ويؤيد ذلك ما رواه زرارة وعبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أيما
رجل كان له حرث أو ثمرة فصدقها فليس عليه شئ ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه
وإنما عليه صدقة العشر فإذا أداها مرة فلا شئ عليه فيها حتى يحول ما لا ويحول عليه
538

الحول وهو عنده) (1)، ولأنها أموال ليست معدة للنماء فلا تجب فيها الزكاة كالثياب
والآلات. نعم لو ابتاعها للتجارة لحقت بأمتعاتها وسنبين الحكم فيها إن شاء الله تعالى.
مسألة: وما سقي سيحا " أو بعلا أو عذيا " ففيه العشر. وما سقي بالناضح أو
الدوالي ففيه العشر البعل ما شرب بعرقه من غير سقي والعذي ما سقته السماء قال أبو
عبيد العثري: ما سقته السماء، وسمته العامة العذي والعثري اشتقاقه من العاثور،
وهي الساقية العثور فيها، وضابط ذلك أنما تسقي بآلة ترفع الماء إليه كان فيه نصف
العشر كالدالية والسالية، والدولاب.
وما سقي بالغيث أو السيح أو شرب بعرقه من غير سقي ففيه العشر، وعلى ذلك
اتفاق فقهاء الإسلام ولما روى معاذ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن وأمرني أن
آخذ مما سقت السماء، أو سقي بعلا العشر، وما سقي بدالية نصف العشر) (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام والحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قالا: (ما سقي بالرشا والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر، وما سقت السماء
والسيح أو كان بعلا ففيه العشر فإن اجتمع الأمران متساويين ففيه ثلاثة أرباع العشر) (3)
وعليه اتفاق العلماء.
ولأن كل واحد لو أنفرد لكان له حكمه فإذا اجتمعا أعطى كل واحد منهما
حكمه. ويؤيد ذلك ما رواه الأصحاب عن جماعة منهم معاوية بن شريح عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت: الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحا " فقال: (نصف نصف
العشر ونصف بالعشر) (4).

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 11 ح 1.
2) سنن ابن ماجة ج 2 كتاب الزكاة ص 581.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 4 ح 2 و 5.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 6 ح 1.
539

فإن اجتمع السقيان وكان أحدهما أغلب حكم للأكثر، وبه قال أبو حنيفة
وأحمد، وقال الشافعي في أحد قوليه: يسقط على السقيات لأن كل سقي لو أنفرد كان
له حكم، فعند الاجتماع كذلك كما لو تطاويا فلا يسقط اعتبار أحدهما.
لنا أن ضبط السقيات مما يشق فيسقط اعتباره اعتبارا " باليسير، ويؤيد ذلك
ما رواه معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد
الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا " في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك
في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر فقال: (نصف العشر) (1).
فرع
إذا كان له زرعان، يسقي أحدهما بالناضح ضما " وكانا كالغلة الواحدة في تكميل
النصاب، ويؤخذ من كل واحد منهما ما وجب فيه.
مسألة: خراج الأرض يخرج وسطا "، وتؤدى زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا "
لمسلم، وعليه فقهاؤنا، وأكثر علماء الإسلام. وقال أبو حنيفة: لا عشر في الأرض
الخراجية، لقوله عليه السلام (لا يجتمع عشر وخراج في أرض واحدة) (2)، ولأن العراق
فتح عنوة، ولم ينقل أخذ العشر عن إمام عادل، ولا جاير، ولأنهما حقان لله تعالى
فلا يجتمعان في المال الواحد كزكاة السايمة والتجارة.
لنا قوله عليه السلام (فيما سقت السماء العشر) (3)، ولأنهما حقان مختلفان، لمستحقين
متغايرين، فلم يسقط أحدهما بالآخر. وما رواه الأصحاب عن محمد بن مسلم وأبي
بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كل أرض دفعها السلطان فعليك فيما أخرج الله منها

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 6 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 132.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 4 ح 6.
540

ما قاطعك عليه وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك فيما يحصل
في يدك بعد مقاسمته لك). (1)
ولا حجة لأبي حنيفة في الخبر، لأن الخراج والعشر لا يجتمعان إذا كان الخراج
جزية وعقوبة، ونحن نتكلم إذا كان الزرع لمسلم، وقوله لا يجتمعان في المال الواحد
كزكاة السايمة والتجارة، قياس ضعيف، لأن التجارة وزكاة السوم زكاتان ولا يزكى
المال من وجهين وليس كذلك الخراج والزكاة، لأن الخراج يلزم الأرض والزكاة
في الزرع والمستحقان متغايران.
مسألة: زكاة الزرع بعد المؤنة كأجرة السقي، والعمارة، والحافظ، والمساعد
في حصاد وجذاذ، وبه قال الشيخان في النهاية، والمقنعة، وابن بابويه، وأكثر
الأصحاب، وهو مذهب عطا. وقال في المبسوط والخلاف: هي على رب المال دون
الفقراء، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد، لقوله عليه السلام (فيما سقت السماء
العشر أو نصف العشر فلو لزم الفقراء منها نصيب لقصر نصيبهم عن الفرض.
لنا أن المؤنة سبب زيادة المال، فيكون على الجميع كالخراج على غيره من
الأموال المشتركة، ولأن إلزام المالك من دون الشركاء حيف عليه، وإضرار به،
فيكون منفيا "، لقوله تعالى (ولا يسئلكم أموالكم) (2) وحجتهم لا تتناول موضع
النزاع، لأن العشر مما يكون نماء وفائدة فلا يتناول المؤنة.
مسألة: الدين لا يمنع الزكاة إذا كان للمالك ما ينهض بقضائه من غير أن
يستوعب النصاب، ولا ينقصه وكذا لو لم يكن مال سواه، أو كان له مال لا ينهض
بالدين بل ينقص النصاب أو يستوعبه، فعندنا لا يمنع الزكاة أيضا " سواء كانت أموال
الزكاة باطنية، كالذهب، والفضة، وأمتعة التجارة، أو ظاهرة، كالنعم، والحرث،

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الغلات باب 7 ح 1.
2) سورة محمد: الآية 36.
541

وبه قال الشافعي في الجديد، وقال مالك: يمنع في الباطنية لا في الظاهرة. وقال
أحمد: يمنع في الباطنية وفي الظاهرة روايتان. وقال أبو حنيفة: يمنع إذا توجهت
به المطالبة إلا في الحرث، لأن العشر عنده ليس زكاة بل هو حق للأرض.
لنا الأخبار الدالة على وجوب الزكاة مطلقة، فيسقط اعتبار الدين، ولأن
الشرائط المعتبرة في الزكاة موجودة مع الدين، فتجب الزكاة كما تجب مع عدمه
ولأن سعاة النبي صلى الله عليه وآله كانوا يأخذون الزكاة من غير مسألة عن الدين ولو منع لزمهم
السؤال عنه.
واحتج المانعون بما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا كان لرجل ألف
درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه) ولقوله عليه السلام (أمرت أن آخذ الزكاة من
أغنيائكم فأردها على فقرائكم) (1) ومن عليه دين يستغرق أمواله يعطى الزكاة فيكون
فقيرا " فلا تجب عليه الزكاة، ولأن المدين محتاج إلى قضاء دينه فكان صرف ماله
إلى قضاء دينه أولى من الصدقة به.
والجواب عن الخبر أنه واحد فيما يعم به البلوى، فلا يعمل به، لأن أكثر
الصحابة لم ينفكوا من الديون فلو منع، لسقطت عنهم ولكان ذلك مستفيضا " لا يختص
بنقله الواحد، وقوله (أمرت أن آخذ الزكاة من أغنيائكم)، لا يدل على اختصاص
الغني إلا بدليل الخطاب وهو متروك، على أن الزكاة قد يأخذها من وجبت عليه فلو
كان عند الإنسان نصاب لا يقوم به مائتا درهم مثلا وقد حال عليهما الحول عنده فإنه
يزكيها ويقبل الزكاة لمؤنة عياله، وكذا قد يقبل الفطرة من تجب عليه زكاة المال
إذا كان النصاب لا يقوم بمؤنته.
وقوله المدين يحتاج إلى قضاء دينه فلا يصرف ماله في الصدقة، قلنا لا نسلم
أن ذلك مال له بل مال الفقراء ولا يقضي دينه بمال غيرة.

1) سنن البيهقي ج 7 كتاب الصدقات ص 8.
542

فروع
الأول: قال مالك لو ملك ما يقضي به الدين من غير النصاب لم يمنع الوجوب
سواء كانت أموال الزكاة من جنس الدين أو غيره كمن منعه مائتا درهم وعليه مثلها،
وله عروض يجعل الدين في العروض وتجب الزكاة في المائتين. وقال أبو حنيفة:
يصرف الدين إلى جنسه وسقط الزكاة ثم تجب الزكاة في العروض إذا كانت للتجارة
وإلا فلا شئ فيها، لأن الدين يقضى من جنسه مع التشاح فيكون فيما جانسه.
الثاني: لو كان له مائتان فنذر الصدقة بمائة منها، سقط الزكاة، وللشافعي
على القول بأن الدين لا يمنع وجهان: أحدهما: النذر يمنع، والآخر: لا يمنع ويخرج
خمسة دراهم ويتصدق بمائة وقال محمد بن الحسن: يخرج خمسة دراهم من كل
مائة درهمان ونصف ويتصدق بسبعة وتسعين درهما " ونصف.
لنا أن النذر يتعلق بالعين، فلا يصير ملك النصاب تاما ".
الثالث: لو ملك مائتين وحال عليها الحول فتصدق بها، فإن نوى الزكاة
صح، وإن لم ينو ضمن حصة الفقراء. وللشافعي قولان: أحدهما كما قلناه، والثاني
تقع الخمسة عن الفرض والباقي عن النفل.
لنا أن الزكاة تفتقر إلى النية، فلا تصح من دونها.
الرابع: إذا استقرض ألفا " ورهن بها ألفا "، لزمه زكاة القرض إذا بقي في يده
حولا. وتردد الشيخ (ره) في زكاة الرهن على وجهين: أحدهما سقوط الزكاة، لأنه
مال ممنوع منه، والثاني لزوم الزكاة فيه أيضا "، وهو الأصح، لأنه مال مملوك قادر
على التصرف فيه فجرى مجرى المال الغائب في يد الوكيل.
الخامس: لو مات وعليه دين وله نخيل بقيمته، فهي باقية على حكم مال الميت
لم يملكها الوارث، فإن مات بعد بلوغ ثمرتها حق الوجوب اجتمع فيها حق الديان
والزكاة، وإن بلغت بعد موته لم تجب الزكاة، لأن الوجوب سقط عنه بموته ولم
543

يملكها الوارث فلا تجب عليه الزكاة واختلف أصحاب الشافعي: فمنهم القائل بما
قلناه، ومنهم من أوجب الزكاة على الوارث بناءا على أن الوارث يملك التركة،
ويتعلق بها الدين كالرهن فيكون الثمرة للوارث ويجب فيها الزكاة كالرهن.
لنا قوله تعالى (من بعد وصية يوصي بها أو دين) (1) فلا يكون للوارث
نصيب إلا بعد قضاء الدين.
السادس: لا تسقط الزكاة بموت المالك، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
تسقط ولا تجب إلا أن يوصي بها، لأنها عبادة فتسقط بالموت كالصلاة والصوم.
ولنا أن الزكاة حق للآدمي، فلا تسقط بالموت كالدين، لأنه دين لله فيجب
قضاؤه لقوله عليه السلام (دين الله أحق أن يقضى). (2)
[القول فيما يستحب فيه الزكاة]
مسألة: الحول يشترط في مال التجارة وإن يطلب برأس المال أو بالزيادة
وكون قيمته نصابا " فصاعدا " سواء قلنا بالوجوب، أو الندب. أما اشتراط الحول،
فعليه اتفاق علماء الإسلام، ويؤيده قوله عليه السلام (لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول). (3)
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها قال: (إذا حال عليها الحول
فليتركها). (4)

1) سورة النساء: الآية 12.
2) صحيح البخاري ج 2 كتاب الزكاة ص 139.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 13 ح 3.
544

فروع
الأول: لو كان عنده ما قيمته نصاب فزاد في أثناء الحول، وجبت الزكاة
عنده تمام الحول في الأصل، ولم تجب في الزيادة. وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد:
يزكي الجميع، لأن حول الفائدة حول الأصل.
لنا أن الفائدة لم يحل عليها الحول، فلا يجب فيها الزكاة، وقولهم حول
الفائدة حول الأصل، دعوى مجردة عن حجة، ولو قاس على النتاج، منعنا الأصل
كما تمنع الفرع، وكذا لو باع السلعة بعد الحول بزيادة وهنا أولى، وكذا لو مضى
عليها نصف الحول وقيمتها نصاب ثم باعها بزيادة مائة، لم تضم إلى الأصل فكان
ما نص له حكم نفسه، خلافا " للشافعي.
الثاني: قال الشيخ: إذا اشترى عرضا " للتجارة بدراهم أو دنانير كان حول
السلعة حول الأصل، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة: لأن زكاة التجارة في
القيمة فكانا كالمال الواحد، ويقوى عندي أنه لا زكاة فيه، لأنه مال لم يحل عليه
الحول، ولا حجة في كونها تزكى بالقيمة، لأن الحول معتبر في السعلة وإن زكيت
بالقيمة كما تجب الزكاة في خمس من الإبل والفريضة فيها شاة، ولو كان الثمن
زكاتيا " من غير الأثمان كالماشية، استأنف الحول، واختلف أصحاب الشافعي على
قولين.
لنا أنه مال لم يحل عليه الحول فلا تجب فيه الزكاة.
الثالث: لو اشترى سلعة للتجارة بسلعة للقنينة جرت في الحول من حين
ابتياعها، وبه قال الشافعي وأبي حنيفة وأحمد. وقال مالك: لا تدور في حول التجارة
حتى يشتري بمال تجب فيه الزكاة كالذهب والورق. لنا كل ظاهر دل على وجوب
الزكاة في عروض التجارة واستحبابها يتناول ذلك.
545

الرابع: لو ملك سلعا " في أشهر متعاقبة وقيمة كل واحد نصاب، زكى كل
سلعة عنده تمام حولها فإن كانت الأولى نصابا " وليس الباقي كذلك، فكلما حال
عليه الحول يضم إلى الأول ويزكي كالمال الواحد من كل أربعين درهما درهم.
وقال الشافعي: فيما زاد ربع العشر، ولو كان الأول دون النصاب والثاني نصاب
جرتا في الحول عند بلوغ النصاب ووجبت الزكاة عند انتهاء حول الثانية.
مسألة: بلوغ القيمة نصابا " شرط في الوجوب، وعليه علماء الإسلام، فلو
ملك ما ينقص عن النصاب ثم تم في أثناء الحول، استأنف الحول من حين بلوغه
وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك، ثم اختلفوا، فالذي يختار الأصحاب
اعتبار وجود النصاب من أول الحول إلى آخره، فلو ملك ما قيمته نصاب فنقص في
أثناء الحول ثم تم استأنف الحول من حين تمامه، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال
مالك: ينعقد الحول على ما دون النصاب، فإذا تم الحول وقد كمل نصابا "، وجبت
الزكاة. وقال أبو حنيفة: يعتبر النصاب في أول الحول وآخره، لا في وسطه، لأن
التقويم يشق في جميع أيام الحول فيسقط اعتباره.
لنا لو وجبت الزكاة مع نقصانه في وسطه الحول، لوجبت في زيادة متجددة
لم يحل عليهما الحول، ولأن النصاب معتبر، فيكون في جميع الحول كما في غيره
من أموال الزكاة.
وقوله يشق التقويم، ليس بطائل، لأنه لا يخفى مع المعرفة بأحوال الأسواق
والأنس بالقيم.
فروع
الأول: إذا ملك سلعة للتجارة قيمتها نصاب فصاعدا " ثم باعها في أثناء الحول.
قال الشيخ (ره) في الخلاف: استأنف حول الثمن عنده، ولا يوجب زكاة التجارة
546

وبنى على قول من يوجب، وبه قال الشافعي، لأن الزكاة تجب في القيمة، فكان
مالا واحدا "، والوجه الاستيناف على التقديرين، لأن الحول معتبر في السلعة وإذا
نض الثمن كان غيرا " لها فلا يكون حول أحدهما حولا للآخر، ولأنهما زكاتان
متغايرتان فلم يكن حول أحدهم حول الأخرى، كما لو كان الأصل ماشية.
الثاني: إذا حال الحول قومت بالثمن الذي اشتريت به، سواء كان نصابا "
أو أقل، ولا يقوم بنقدهم البلد، وفرق الشافعي وقال أبو حنيفة يقوم بالأحوط للفقراء
لأن تقويمها نظرا " لهم فاعتبر مالهم فيه الحظ.
لنا أن نصب العرض مبني على ما اشترى به، فيجب اعتباره به، ويؤيده ذلك
ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن طلب برأس ماله فصاعدا " ففيه الزكاة وإن طلب
بالخسران فلا زكاة فيه) (1) وذلك لا يعرف إلا مع التقويم بما اشترى به.
الثالث: قال الشيخ: لو بادل ذهبا " بذهب، أو فضة بفضة لم ينقطع الحول،
وينقطع لو بادل بغير جنسها، لقولهم الزكاة في الدنانير والدراهم، ولو يفرقوا بين
تبدل الأعيان وبقائها فتحمل عليهما. وقال الشافعي: يستأنف. وقال أبو حنيفة: يبني
في المبادلة بالأثمان جنسا " كان أو جنسين، ويستأنف في الماشية ولو اتفق الجنس.
والأشبه عندي انقطاع الحول بالمبادلة، لأنه مال تجب الزكاة في عينه،
فيعتبر بقاؤه، ولأن الثاني مال غير الأول فلا تجب فيه الزكاة، لأنه لا زكاة في مال لم
يحل عليه الحول. وحجة الشيخ، ضعيفة، لأن الزكاة وإن وجبت في الدراهم والدنانير
فإنها لا تجب مطلقا " بل الحول معتبر فيها إجماعا ".
الرابع: لو ضارب بألف فربحت ألفا " لزم المالك زكاة الألف عند حول الحول
دون الربح، لأنه لم يحل عليه الحول، فإذا حال حوله وجبت زكاة حصة المالك
عليه والباقي على العامل، إن قلنا للعامل حصة، وهو الأصح في المذهب وإن قلنا له

1) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب من تجب عليه الزكاة باب 12 ص 512.
547

الأجرة، فالجميع على المالك، ومع القول بأن العامل يملك الحصة متى يخرج
تردد الشيخ بين تعجيل الإخراج وتأخيره إلى القسمة، ووجه التردد أن الربح وقاية
لرأس المال فيتأخر الإخراج حتى يقسم والربح يملك الفقراء حصتهم منه بظهوره
فلم يكن وقاية وهذا الوجه أقوى.
مسألة: يشترط في وجوب الزكاة نية الاكتساب بها عند تملكها، وهو اتفاق
العلماء وأن يكون اكتسابها بفعله كالابتياع والاكتسابات المحللة.
وهل يشترط أن يكون تملكها بعوض؟ فيه تردد، أشبهه أنه شرط فلو ملكه بهبة
واحتطاب، أو احتشاش لم يجب لما روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن أمسك متاعه يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة وإن حبسه وهو يجد رأس ماله
فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله) (1) وما رواه أبو الربيع الشامي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إن أمسكه التماس الفضل على رأسه ماله فعليه الزكاة) (2)، وهذا
يدل على اعتبار رأس المال فيه، ولأن المقصود بالتجارة الاكتساب ولا يتحقق المعنى
إلا إذا كمان للسلعة رأس مال معلوم.
فرع
قال الشيخ لو نوى بمال القنية للتجارة لم يدر في حول التجارة بالنية، وبه
قال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، لأن التجارة عمل فلا يصير كذلك بالنية، كما
لو نوى سوم المعاملة ولم يسمها. وقال إسحاق: يدور في الحول بالنية، وبه رواية عن
أحمد لما رواه عن سمرة قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نخرج الصدقة مما نعده
للبيع) (3) وبالنية يصير كذلك.

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 13 ح 3.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 13 ح 4.
3) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 95.
548

وهذا عندي قوي لأن التجارة هو أن يطلب به زيادة على رأس ماله، وينوي
بها البيع كذلك، فيجب الزكاة بظاهر الروايتين اللتين سبقتا. وقولهم التجارة عمل،
قلنا لا نسلم أن الزكاة تتعلق بالفعل الذي هو البيع بل لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب
الربح، وذلك يتحقق بالنية ولأنه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صح بالنية اتفاقا "، فكذا
لو نوى الاكتساب.
مسألة: لا يجمع زكاة التجارة والعين في المال الواحد، اتفاقا " ولقوله عليه السلام
(لا شئ في الصدقة) فلو ملك أربعين شاة للتجارة وحال الحول وقيمتها نصاب. فإن
قلنا باستحباب التجارة سقطت هنا، لأن الواجب مقدم على الندب، وإن قلنا بالوجوب
قال الشيخ (ره) في الخلاف والمبسوط: تجب زكاة العين دون التجارة، وبه قال
الشافعي في الجديد، لأن وجوبها متفق عليه ولأن وجوبها مختص بالعين، وفي
القديم تجب زكاة التجارة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، لأنها أحظ للمساكين والحجتان
ضعيفتان.
أما الاتفاق على الوجوب فهو مسلم لكن القائل بوجوب زكاة التجارة موجب
كما يوجب زكاة المال فلم يكن عنده رجحان.
وأما كونها مختصة بالعين، فهو موضع المنع، ولو سلم لم يكن في ذلك رجحان
لاحتمال كون ما يلزم القيمة أولى، وأما كونه أحظ للفقراء فلا نسلم وجوب مراعاة
ألاحظ للمساكين، ولم لا يجب مراعاة ألاحظ للمالك، لأن الصدقة عفو المال
ومواساة فلا يكون سببا لا ضرار المالك ولا موجبة للتحكم في ماله.
ولو كان له عبيد للتجارة قيمتهم نصاب وجب عليه عند الحول زكاة الفطرة
والتجارة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: تجب
زكاة التجارة، لأن الاجتماع منفي فتجب زكاة التجارة دون صدقة الفطرة لأنه أحظ
للفقراء.
549

لنا زكاتان وجبتا بسببين متغايرين فلا تسقط أحدهما الأخرى ولا حجة فيما
ذكره، لأن ما ذكرناه أحظ، ولو قال: لا تجمع الزكاتان في مال واحدة؟ قلنا:
والأمر كذلك، فإن زكاة العبد ليس فيه، ولا في قيمته بل في ذمة المالك، بخلاف
زكاة التجارة والمال.
مسألة: قال الشيخ: زكاة التجارة تتعلق بالقيمة وتجب فيها، وبه قال الشافعي
في أحد قوليه، وأحمد. وقال أبو حنيفة: تتعلق بالسلعة فإن أخرج عنها فهو الواجب
وإن عدل إلى القيمة فقد أخرج بدل الزكاة لقوله عليه السلام (في النز (بالزاء) صدقة) (1)
ولأنها زكاة تختص بالمال فكانت زكاتها فيه.
احتج الشيخ بأن النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها، ويؤيد ذلك ما رواه
إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير)
وتمسك الشيخ ضعيف، أما قوله النصاب معتبر بالقيمة، قلنا مسلم لكن ليعلم بلوغها
القدر المعلوم ولا نسلم أنه لوجوب الإخراج منها، وأما الرواية، فغير دالة على
موضع النزاع، لأنها دالة على أن الأمتعة تقوم بالدراهم والدنانير ولا يلزم من ذلك
إخراج زكاتها منها، فإذا ما قاله أبو حنيفة أنسب بالمذهب.
مسألة: وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة واستحبابها،
فلو نقص رأس المال ولو قيراطا " في الحول كله أو في بعضه لم تجب الزكاة وإن
كان ثمنه أضعاف النصاب، وعند بلوغ رأس المال يستأنف الحول، وعلى ذلك
فقهاؤنا أجمع وخالف الجمهور.
لنا: أن الزكاة شرعت إرفاقا للمساكين فلا تكون سببا لإضرار المالك، فلا
تجب مع الخسران.
لا يقال: تنقص العلة بالنقصان في أموال زكاة العين لأنا نقول الزكاة تجب

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 147
550

في المختلف، لأنه مقاوم للنماء فالغرض المقصود به حاصل وليس كذلك مال
التجارة، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
أمسك متاعه يبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه
الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله) (1) وهل زكاة التجارة لعام واحد أم لكل عام؟
حكى الشيخ للأصحاب قولين: أحدهما عن ربيعة لعام واحد وبه قال مالك والثاني
لكل عام وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويقرب أن يزكى في كل عام لأن سبب الوجوب
في العام الأول موجود في العام الثاني.
مسألة: لو بلغت السلعة بأحد النقدين نصابا " وقصرت بالآخر، وجبت الزكاة
لأنه بلغ نصابا " بأحد النقدين فتجب فيه الزكاة كما لو كان عينا "، ولو اشترى مائتي
قفيز بمائتي درهم وحال عليها الحول وقيمتها كذلك، ثم نقصت قيمتها قبل إمكان
الأداء فصارت على النصف مثلا، لم يضمن النقصان، لعدم التفريط، ولزمه خمسة
أقفزة أو قيمتها درهمان ونصف. وقال أبو حنيفة: يخرج خمسة أقفزة أو خمسة دراهم
لأنه القدر الواجب عند الحول.
قال في الخلاف: ولو زادت فصارت على الضعف مثلا كان بالخير في إعطاء
خمسة دراهم أو قيمتها قفيزين ونصف، لأن الدراهم هي القدر الواجب عند الحول
والبدل يراعى قيمته وقت العطاء. وقال محمد وأبو يوسف: يخرج عشرة دراهم أو
خمسة أقفزة، لأن المعتبر بالقيمة وقت الإخراج.
مسألة: لا تستحب الزكاة في الخيل حتى تكون إناثا " سائمة ويحول عليها
الحول، أما السوم، فمتفق عليه عند من أوجب واستحب، ولأن العلف مستوعب
للفائدة فلا تجب معه الزكاة كما لا تجب معه في الأنعام.
ويؤيد ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس فيما يعلف شئ

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 13 ح 3.
551

إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مراجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى
ذلك فليس فيه شئ) (1) وأما اعتبار الأنوثية، فلأن الزكاة لا تجب إلا فيما يقام
للنتاج، فلا يجب في الذكورة. وقال أبو حنيفة: تجب في الذكور والإناث، ولو
انفرد الذكور والإناث فروايتان.
لنا أن زكاة الحيوان مختصة بما يقام للنتاج، وليس ذلك موجودا " في الذكور
ويؤيد ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس في الخيل الذكور شئ
قلت وكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ قال: (لأن البغال لا تنتج
والخيل الإناث تنتج) (2) ويعتبر فيها الحول، وهو اتفاق من زكى الخيل وجوبا أو
ندبا "، ولقوله عليه السلام (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (3).
مسألة: يخرج عن العتيق دينارين، وعن البرزون دينار. وقال أبو حنيفة:
يخير أربابها أن يؤدوا عن كل فرس دينارا " واحدا "، أو يقوم الجميع ويؤخذ عن كل
مائتي درهم خمسة دراهم، محتجا " بكتاب عمر إلى أبي عبيدة في صدقة الخيل.
لنا ما رواه الأصحاب عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (وضع أمير
المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وعلى
البرازين دينارا ") (4) ومع التعارض خبرنا أرجح، لاختصاصه بالتفصيل، فتحمل
رواية عمر على البرازين لأن المفصل أولى.
مسألة: ما يخرج من الأرض عدا الغلاة أربع، يستحب فيه الزكاة إن
كان مكيلا أو موزونا "، ويشترط فيه بلوغ النصاب، لقوله عليه السلام (ليس فيما دون خمسة
أوسق صدقة) (5) وكذا قدر المخرج وهو العشر، إذا لم يلزمه كلفة ونصب العشر

1) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 16 ح 3.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 16 ح 3.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه باب 16 ح 1.
5) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 125
552

معها والبحث في اختلاف السقي، واتفاقه كما في الغلات الأربع.
الركن الثالث
[في وقت الوجوب]
لا تجب الزكاة في الحيوان أو الأثمان حتى يحول عليها الحول، وهو أن
يمضي لها في ملكه أحد عشر شهرا " ثم يهل الثاني عشر وهي في ملكه ويكون الشرايط
موجودة فيه كله، وهي النصاب، وإمكان التصرف، والسوم في الماشية، وكونها
دراهم ودنانير في الأثمان، وقد سلف بيان ذلك، وعند تمامه يجب دفعها على الفور
وبه قال الشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: له التأخير ما لم يطلب بها، لأن الأمر بها
مطلق فلا يختص زمانا " كما لا يختص مكانا ".
لنا أن المستحق مطالب بشاهد الحال، فيجب التعجيل كالوديعة والدين الحال
ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا وجد لها موضعا "
فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها) (1) وكذا الوصي إذا لم يدفع ما أوصي
إليه بدفعه وكذا من وجه له زكاة مال ليصرفه ووجد لها موضعا " فلم يفعل ثم هلك كان
ضامنا ".
ويجوز التأخير لعذر، مثل عدم المستحق، أو منع ظالم لأن الزكاة معونة
وإرفاق فلا تجعل سببا لضرر المالك، ولأنه يجوز الامتناع من تسليم الوديعة والدين
عند خوف الضرر وفي الزكاة كذلك.
ويجوز له عزلها بنفسه، كما يجوز له تفرقها وإن لم يستطع إذن الساعي، لأن
له ولاية الإخراج فيكون له ولاية التعيين، ولأن الزكاة تجب في العين وهو أمين على
حفظها فكان أمينا " على إفرادها. ولأن له رفع القيمة فكان له إفرادها، ولأنه لا منع من

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 39 ح 1.
553

إفرادها لمنع من التصرف في النصاب فكان إضرارا " به.
ويؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا حال الحول فاخرجها عن ملك ولا تخلطها بشئ وأعطها كيف شئت) (1). ويؤيد ذلك
أيضا " ما روي من بعثها إلى بلد أخرى إذا لم يجد مستحقا " ولا يضمن لو تلف، وهو دليل
على جواز إفرادها من ماله. وهل يجوز تأخيرها مع العزل إلى شهر وشهرين؟ فيه
روايات بالجواز: منها رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس
بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين) (2) ورواية يونس بن يعقوب عنه عليه السلام قلت:
زكاتي تحل على شهر أفيصلح أن أحبس منها شيئا " مخافة أن يجيئني من يسألني؟
فقال: (إذا حال الحول فاخرجها من مالك ولا تخلطها بشئ وأعطها كيف شئت)
قلت: وإن أنا كتبتها وأثبتها أيستقيم لي ذلك؟ قال: (نعم) (3).
وعندي الأشبه أن التأخير إنما يسوغ للعذر، ومع العذر لا يتقدر التأخير
بوقت، بل يكون موقوفا " على زوال العذر، لأن مع زواله يكون مأمورا بالتسليم،
والمستحق مطالب فلا يجوز التأخير، ويؤيد ذلك أيضا " ما رواه عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقي بعضها يلتمس بها المواضع
فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر قال: (لا بأس) (4) ولو أخر مع إمكان التسليم
ضمن وقد سلف تحقيقه.
مسألة: لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب، وهو المشهور للأصحاب
وبه قال مالك وداود. وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: بالجواز، لما روى (5) أن العباس

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 52 ح 2.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 49 ح 11.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 52 ح 2.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 53 ج 1.
5) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 111.
554

سأل رسول الله صلى الله عليه وآله في تعجيل صدقته فرخص له، ورووا عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله
قال لعمر: (قد أخذنا زكاة العباس عام أول للعام) (1)، وفي رواية (كنا تعجلنا
صدقة العباس) (2)، ولأنه حق للآدمي فجاز تعجيله عن وقته كتعجيل الدين المؤجل
ولأن الكفارة تؤدى قبل الحنث لحصول سببها وهو اليمين فالزكاة كذلك.
لنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تؤدى الزكاة قبل حلول الحول) (3)،
ولأن حلول الحول شرط الوجوب، فلم يجز تقديم الواجب عليه كما لا يقدم قبل
تمام النصاب، ولأن العبادات المؤقتة لا تقدم على أوقاتها فالزكاة كذلك.
ويؤيد ذلك ما رواه الأصحاب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قلت:
الرجل عنده المال يزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: (لا ولكن حتى يحول عليه
الحول أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة ولا يصوم رمضان إلا
في شهره إلا قضاء وكل فريضة إنما تؤدى إلا إذا حلت) (4). وما رواه زرارة قلت: لأبي
جعفر عليه السلام أيزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال: (لا تصلي الأولى قبل الزوال) (5).
وأما الرواية المبيحة فمن طرق: منها راية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت: الرجل لا تحل عليه الزكاة إلا في المحرم أيجعلها في شهر رمضان؟
قال: (لا بأس) (6) والرواية الأولى أشهر وأنسب بالمذهب، لكن الشيخ نزل هذه
الرواية وأمثالها على أن التقديم على سبيل الفرض لا أنه زكاة معجلة، ومثله قال ابن
الجنيد.
وقال المفيد في المقنعة: وقد جاء رخص على الصادقين عليهما السلام في تقديمها

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 111.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 111.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 111.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 51 ح 2.
5) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 51 ح 3.
6) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 49 ح 9.
555

شهرين قبل محلها، وجاء ثلاثة أشهر وأربعة أشهر عند الحاجة إلى ذلك. واستدل
الشيخ لتأويله بروايات منها رواية ابن أبي عمير عن الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام عن
رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطي قبل رأس السنة؟ قال: (يعيد المعطي الزكاة) (1).
وما ذكره الشيخ (ره) ليس حجة على ما ادعاه إذ يمكن القول بجواز التعجيل
مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة، فتنزيله على القرض تحكم
وكان الأقرب ما ذكره المفيد من تنزيل الرواية على ظاهرها في الجواز فيكون فيه
روايتان، ويمكن أن يجيب الشيخ عما قالوه، بأنه يمكن حمل التعجيل المذكور على
القرض، لما ذكرناه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله المانع من التعجيل صونا " لإخباره
عن التناقض كما فعلنا في الأخبار المنسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام.
وقوله يجوز تقديمها كالدين، قلنا الدين حق ثابت مستقر في ذمة المدين.
فجاز تعجيله قبل وقته وليس كذلك الزكاة، فإنها لا تجب ولا تثبت في الذمة ولا في
العين إلا عند الحول، وقياسه على الكفارة ضعيف لأنا لا نسلم جواز تقديم الكفارة
قبل الحنث.
فروع
الأول: اتفق القائلون بجواز تقديم الزكاة من الجمهور على المنع من
التقديم قبل بلوغ النصاب، لأنه لم يحصل سبب يسند إليه الجواز، واختلفوا لو
عجل زكاة نصاب الموجود وزكاة ما يرجو نماؤه أو ريحه منه، فأجاز أبو حنيفة
لأنه نماء النصاب فيكون تابعا " له كنماء الماشية، ومنع الشافعي وأحمد، لأنه عجل
زكاة ما لم يملكه فلم يصح كما لو عجل زكاة النصاب قبل كماله.
الثاني: اختلفوا لو عجل زكاة أكثر من حول، فمنهم من منع اقتصارا "

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 50 ح 1.
556

على المنقول، ومنهم من أجاز قياسا " على المنصوص إذ يشتركان في أنه تقديم مع
وجود سبب الوجوب.
الثالث: اختلفوا في تعجيل زكاة الزرع، فمنع قوم، وأجاز آخرون بعد
وجود الطلع والحصرم وبنات الزرع، واتفقوا على المنع قبل ذلك.
تفريع
ذكره الشيخ بناء على أن التقديم قرض على الزكاة، ومعنى ذلك أنه يستحقه
القابض عوضا " عن الزكاة إذا كملت شروط الوجوب والاستحقاق:
الأول: قال: إذا تسلف الساعي لا بمسألة المالك ولا للفقراء وهلك في يده
ضمن، فرط أو لم يفرط، وبه قال الشافعي، لأنه قبضه عدوانا ". وقال أبو حنيفة:
لا يضمن إلا أن يفرط، لأن له ولاية في المال وليس بوجه لأنا نمنع ولايته على التسلط
إذا لم يكن المالك مانعا ".
الثاني: قال: لو تسلفها بمسئلتهما وتغيرت صفتهما أو صفة أحدهما قبل
الدفع، ثم هلكت بغير تفريط، فضمانها عليهما، وللشافعي وجهان. وهذا لا يجئ
على القرض لأن الفقراء لا اعتبار بمسئلتهم، إذ لا يستحقون شيئا على التعيين بحيث
يصلح لهما التصرف فيه بالإذن، فيكون الساعي كالوكيل للمالك في التسليم فتجب
على المالك الإعادة، كما لو تلفت في يد وكيله، ولو سلمها إلى أهل السهمان، كان
ضمانها عليهم.
الثالث: ما يتعجله أهل السهمين، يقع مترددا " بين أن يقع زكاة أو يسترد،
وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: متردد بين أن يقع زكاة أو تطوعا " وليس هذا
وجها "، لأن المالك لم يقصد التطوع فلا يصرف إلى غير ما قصده.
الرابع: قال إذا عجل ثم أيسر المعطي، فإن أيسر بذلك المال فقد وقعت
557

موقعها، وإن أيسر بغيره استعاده أو يقيم عوضه. وفيما ذكره الشيخ خلل من وجهين:
أحدهما: إن ما ينمي يجب أن يكون ملكا " للقابض، لأنه قرض على ما قررنا ونماء
القرض لمالكه، فإذا كان التقدير أن غناه بنمائه وكان النماء ملكا " له لم يجز صرف
الزكاة إليه كما لو كان غنيا " بغيره.
والثاني: إنما يأخذه على سبيل القرض يملكه المقترض ويخرج عن ملك
الدافع فلا يكون محسوبا من النصاب، فيجب على المالك زكاة ما في يده وإن كان
نصابا " فصاعدا "، ولا يضم عليه ما أخذه القابض.
الخامس: لو كان له أربعون شاة فجعل شاة وحال الحول، جاز أن يحتسب
لها، لأن ما يعجله يكون دينا "، فإذا كان متمكنا " من استعادته كان كما هو حاصل عنده
فلم يكن النصاب ناقصا ". وهذا ليس بجيد لأنا بينا أن ما يدفعه يكون قرضا "، ولا
ريب أن القرض يخرج عن ملك المقترض فلا يتم به النصاب وكذا لو كان في يده
عشرون شاة وله في ذمة إنسان عشرون بالسلم وحال الحول بعد حولها على المسلم
إليه لم يضم إلى ما في يده، ولم يجب عليه الزكاة، وكذا هنا.
السادس: كل ما يجعله قرضا " على الزكاة إذا حال الحول وبقي المالك،
والمال والقابض على الشروط المعتبرة، تقع زكاة، ومع تغييرها أو بعضها،
يستعيدها المالك إن شاء، وعليه الزكاة مما في يده.
السابع: إذا دفع القرض فإن ذكر أنه قرض على الزكاة، فله ارتجاعه مع
اختلال الشروط، وإن لم يذكر فالظاهر أنه صدقة ولا يرتجع. ولو اختلفا فادعى
المالك أنه عرفه أنها قرض على الزكاة، وأنكر القابض، فالقول قوله مع يمينه.
الثامن: إذا تغيرت حال المالك أو حال القابض استعيدت العين إن كانت
موجودة، وقيمتها عند القبض إن كانت مفقودة، ولو زادت زيادة متصلة مع بقائها
كان ذلك للمالك، ولو كانت الزيادة منفصلة كالولد واللبن والصوف، قال الشيخ
558

في المبسوط: يستعيدها المقترض. وليس بجيد لأنه نماء حصل في ملك القابض
فلا يستعيده المقترض.
ثم قال: ولو عجل شاة من نصاب وبقيت في يد القابض وحال الحول،
احتسب بها من النصاب ووقعت زكاة عنه، وهذا ليس بجيد، لأن بالقرض خرجت
عن ملكه لما قلناه فلا يضم إلى ما في يد المالك، وحينئذ إن كان بقي في يده نصاب
جاز احتسابها واستعيدت.
مسألة: النية شرط في أداء الزكاة، وهو مذهب العلماء، خلا الأوزاعي
قال: إنها دين فلا تعتبر لها النية كساير الديون.
لنا أن الدفع يحتمل الوجوب والندب والزكاة وغيرها فلا يتعين لأحد الوجوه
إلا بالنية ولأنها عبادة أمر بإيقاعها على وجه الإخلاص ولا يتحقق الإخلاص إلا مع
القصد وهو المراد بالنية، وقياس الأوزاعي باطل لأن الدين متعين المالك، فيكفي
قبضه وليس كذلك الزكاة فإن القابض لا يختص بها إلا بالقبض، والنية اعتقاد بالقلب
فإذا اعتقد عند دفعها أنها زكاة تقربا " إلى الله كفى ذلك، ولو كان نائبا " عن غيره
كوصي اليتيم والوكيل اعتقد ذلك عند التسليم.
فروع
الأول: يجب أن تكون النية مقارنة لدفعها، ويجوز تقديمها، وقال بعض
الجمهور: يجوز بالزمان اليسير، لأنه تجوز النيابة فيها فلا يعتبر المقارنة.
لنا لو لم تقع مقارنة لوقع الدفع بغير نية لأن ما سبق إن لم يستدم خلا الدفع
من النية، وقياسه ضعيف لأنه من غير جامع، ولو دفع الموكل إلى الوكيل لم تجز
عن نية الوكيل مقارنا " الدفع، ولو نوى الوكيل عند الدفع لم يجز عن نية الموكل
حال التسليم إلى الوكيل، ولو دفع المالك إلى الساعي لم يحتج الساعي إلى نية
559

عند الدفع لأن الساعي كالوكيل لأهل السهمين.
الثاني: لو نوى إن كان ماله الغائب سالما " فهذا زكاته، وإن كان تالفا " فهو
تطوع، صح ويجزيه لو كان سالما "، ولو نوى أنه زكاة لأحد المالين صح لأن
التعيين ليس شرطا "، ولو قال هذا زكاة أو تطوع لم يجز عن الواجب لأنه لم يخلص
له، ولو نواه عن ماله الغائب فبان تالفا " ففي جواز صرفه إلى غيره من أمواله تردد،
أقربه عندي الجواز.
الثالث: لو امتنع المالك من التسليم أخذها الإمام كرها "، ولم يعتبر نية المالك
ولو أخذها طوعا " اعتبرت نية المالك. وقال الشافعي: لا يعتبر نية المالك إذا أخذها
الإمام لأنه له ولاية القسمة، فكان كالقاسم بين الشركاء. وما ذكره ضعيف، لأن
الإمام وإن كان قاسما " فإنه لا يخرج الزكاة عن كونها عبادة تفتقر إلى النية، ولأن
الإمام كالوكيل فتعتبر نيته.
وقال بعض الجمهور: لا تجزي الزكاة إذا أخذها ما لم ينوها المالك وإن جاز
أخذها كالصلاة فإنه يكره الممتنع، ولا تجزي من دون النية وليس بشئ لأن الزكاة
مال متعين للفقراء في يد المالك، للإمام الإجبار على قسمة المشترك وعلى تسليمها
فجاز له إفرادها عند امتناع المالك والنيابة في تسليمها جائز وليس كذلك الصلاة.
مسألة: يجوز للمالك تفريق الزكاة واختلفوا في الأفضل، فقال أحمد: الأفضل
تفريقها بنفسه. وقال الشافعي: دفعها إلى الإمام العادل أفضل. وقال أبو حنيفة: لا يفرق
الأموال الظاهرة إلا الإمام، لقوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) (1).
لنا أن الزكاة حق لأهل السهمان فجاز دفعها إليهم كساير الحقوق، ولكن
الأفضل دفعها إلى الإمام لأنه أبصر بمواقعها.

1) سورة التوبة: الآية 103.
560

وما ذكره من الآية، معارض بآيات كثيرة متضمنة لأمر المالك بالإخراج
كقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلى قوله ويؤتوا الزكاة) (1)
فيكون
الأخذ واجبا " على الإمام إذا دفع المالك.
مسألة: إذا أخذ الزكاة الجايز ففيه روايتان: إحداهما الإجزاء، روى ذلك
جماعة منهم عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام في الزكاة فقال: (ما أخذه منكم
بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا " ما استطعتم فإن المال لا يبقى أن يزكى مرتين) (2)
وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة، محتجا " بما روي عن ابن عمر أنه سئل عن مصدق
ابن الزبير ومصدق يجده الحروري فقال: (أيهما رفعت إليه أجزءك) إليه ذهب
الشيخ في المبسوط والخلاف، وروى ذلك عن حريز عن أبي أسامة قلت لأبي
عبد الله عليه السلام جعلت فداك هؤلاء المصدقون يأتونا فيأخذون منا الصدقة تعطيهم إياها؟
فقال: (لا إنما هم قوم عصبوكم (أو قال ظلموكم) وإنما الصدقة لأهلها) (3)
وقال في التهذيب: الأفضل إعادتها جمعا " بين الروايات، ولو عزلها المالك
فأخذها الظالم أو تلفت من غير تفريط، لم يلزمه ضمان لأن له ولاية العزل فتعود بعد
العزل أمانة في يده، فإذا غصب عليها لم يضمن، ولو أخذها قبل العزل لم تلزم
المالك حصة الفقراء مما أخذ إن لم يفرط وأدى هو زكاة ما بقي معه.
مسألة: لا يلزم المالك أن يدفع من خيار ماله، ولا يقبل منه أدونه ويخرج
من أوسطه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله (4) نهى أن يخرج الزكاة من مصران الفارة
ومن أم جعرور، والمراد النهي عن إخراج الأدون ومنه قوله تعالى: (ولا تيمموا

1) سورة البينة: الآية 5.
2) السائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 20 ح 3.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 20 ح 6.
4) الموطأ كتاب الزكاة باب 19 ج 1 ص 270
561

الخبيث منه تنفقون) (1) وروي عنه عليه السلام (أنه نهى أن يؤخذ خرزات المال) وهو
خياره وقد روى الأصحاب أن المصدق يقسم المال قسمتين ويخير المالك حتى
تبقي الفريضة) (2).
وقال بعض الجمهور: يقسم المال ثلاثة أصناف: أجود، وأدون، وأوسط،
وتؤخذ الفريضة من الأوسط، وما ذكره الأصحاب أعدل لأن فيه وصولا إلى الحق
من غير تسلط على أرباب المال.
مسألة: المهر إذا كان زكاتيا " معينا " جرى في الحول من حين العقد وإن لم
يقبضه، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجري فيه قبل القبض لأنه مضمون على
الزوج فكأنه لم يزل عن ملكه. ولنا أنه مال مملوك ملكا " تاما " فتجب فيه الزكاة، كما
لو كان في يد الوكيل أو الودعي ولو كان الزوج مانعا " لم يجر فيه وكان كالمغصوب
ومع تمكنها منه تستأنف الحول.
مسألة: إذا قبضت المهر وطلقها قبل الدخول رجع بنصف المهر مما بقي
في يدها وكانت الزكاة من نصيبها، وللشافعي قولان: أحدهما ترجع بنصف الموجود
ونصف القيمة المخرج لأن القدر المخرج يجري مجرى التالف فكما لو تلف الكل
لزمها نصف القيمة كذا في تلف البعض.
لنا أنه يمكن الرجوع بنصف المفروض فلا ترجع بالقيمة، ولا كذا لو تلف
الكل لأنه لا طريق إلى استعادة نصف المقروض، ولو طلقها قبل الإخراج أخذ نصف
الموجود وأخرجت الزكاة من نصيبها لمثل ما قلناه، ولو تلف النصف فله الباقي
وعليها الزكاة ولو كان الكل باقيا قاسمهما ولزمها في نصفها الزكاة لمثل ما قلناه.
مسألة: لو اشترى ماشية زكوية جرت في الحول من حين العقد، ولو كان

1) سورة البقرة: الآية 267.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 14 ح 3.
562

في العقد خيارا " سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري أولهما لأن المبيع يملك بالعقد
في الأصح، ولو ورد في الخيار استأنف البائع الحول. مسألة: لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه صح فيما عدا الزكاة
فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشيخ (ره): صح الرهن في الجميع وكذا البيع.
وفيه إشكال لأن العين غير مملوكة له وإذا أدى العوض ملكها ملكا " مستأنفا " افتقر بيعها
إلى إجازة مستأنفة كمن باع مال غيره ثم اشتراه، ولو رهن نصابا " فحال عليه الحول
في يد المرتهن قال الشيخ في المبسوط: إذا كان للراهن مال غيره كلف الزكاة منه
وسلم الرهن. وفيه إشكال لأن خروج حصة الفقراء عن الرهن بحق الله تعالى فكانت
كالتالف فلا يلزم الراهن البدل، نعم لو أخرج البدل تبرعا " أمكن ما قال.
مسألة: لو وقف عليه أربعون شاة لم تجب فيها الزكاة وإن حال عليها الحول
أما لأنه غير مالك لها، أو لأن ملكه ناقص لمشاركة غيره من الطبقات في استحقاقها،
نعم لو حصل من نمائها نصاب وجبت فيه الزكاة لأنه ملك له.
مسألة: اللقطة تجري في الحول من حين يملكها الملقط، فإن قلنا تدخل في
ملكه بتعريفها سنة جرت في الحول بعده، وإن قلنا لا تدخل في ملكه بعد التعريف
إلا باختياره جرت في الحول من حين الاختيار وسيأتي تحقيق ذلك في بابه إن شاء
الله تعالى.
مسألة: المرتد إذا كان عن فطرة ملكت عليه أمواله وجرت في الحول من
حين ارتداده. وإن كان لا عن فطرة لم تخرج أمواله عنه ووجبت عليه الزكاة إن كان
الحول قبل ردته وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: تسقط لأن أداها مشروط بالنية
وليس المرتد من أهلها فيسقط كالصلاة.
ولنا أنه حق للآدمي فلا يسقط بالارتداد كغيره من الحقوق والنية يسقط اعتبارها
في طرفه كما يسقط اعتبارها في المسلم الممتنع من أدائها، ولو حال عليها الحول في
563

حال ردته أخدت منه سواء بقي أو لحق بدار الحرب. وقال الشافعي وأحمد: تسقط
لأنه ممنوع من ماله وقلنا هو متحرم بالإسلام فيلزمه أحكامه.
قال الشيخ في المبسوط: وإن لحق بدار الحرب فلا يقدر عليه زال ملكه
وانتقل ماله إلى ورثته إن كان له ورثة وإلا فإلى بيت المال وفيما ذكره إشكال، لعدم
ما يدل على زوال ملكه والأقرب أنه لا يزول إلا بقتله أو موته نعم يمنع منه.
مسألة: الغنيمة تملك بالحيازة وتجب الزكاة إذا بلغت حصة الواحد نصابا "
وحال عليها الحول، ولا يجب الإخراج إلا عند قبضه لأن الزكاة تجب في عينه سواء
كانت الغنيمة جنسا " أو أجناسا ". وقال الشافعي: تجب لو كانت أجناسا " لأن للإمام الخيرة
في تعيين حصة الغانم. ونحن نمنع ذلك والمأمور لا تسقط عنه الزكاة لأنه مالك لماله
ملكا " تاما " إلا أن يتبرع أمواله ويمنع منها لأنها تعود كالمغصوبة وإمكان التصرف شرط
الوجوب.
الركن الرابع
[في المستحق]
و النظر في الأصناف والأوصاف واللواحق.
والأصناف ثمانية: الفقراء، والمساكين وقد اختلفت في أيهما أسوء حالا.
قال الشيخ في المبسوط والجمل: الفقير الذي لا شئ له والمسكين من له بلغة لا تكفيه
وبه قال الشافعي، واحتج بقوله تعالى (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في
البحر) (1) ولقوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) (2) ومن شأنهم البدئة بالأهم،
ولأنه فعيل بمعنى مفعول كأنه مكسورة فقارة الظهر، ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (اللهم

1) سورة الكهف: الآية 79.
2) سورة التوبة: الآية 60.
564

احييني مسكينا واحشرني مع المساكين ونعوذ بالله من الفقر) (1) وهو يد على أنه
أشد حالا.
وقال أصحاب أبي حنيفة: المسكين هو الذي لا شئ له، والفقير من له أدنى
شئ، محتجين بما نقل عن أئمة اللغة. قال يعقوب: رجل فقير له بلغة ومسكين أي
لا شئ له. وكذا حكوا عن يونس وأبي زيد وابن دريد وأبي عبيدة وعن يونس
قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله بل مسكين، وهذا هو المنقول عن أهل
البيت عليهم السلام روى ذلك أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الفقير الذي لا يسأل
والمسكين أجهد منه والبائس أجهد منهم) (2).
ولا ثمرة لتحقيق أحد المذهبين في هذا المقام، وربما كان له أثر في غيره لأن الزكاة تدفع إلى كل واحد منهما والعرب تستعمل كل واحد منهما في معنى الآخر.
والضابط في الاستحقاق من ليس بغني وقد اختلف في الغنى الذي يمنع الأخذ
فقال الشيخ: من ملك نصابا " تجب فيه الزكاة أو قيمته وقال في المبسوط وفي أصحابنا
من قال: من ملك نصابا " تجب فيه الزكاة كان غنيا " تحرم عليه الصدقة، وذلك قول
أبي حنيفة. وقال أبو حنيفة: من ملك نصابا " فصاعدا " عدا ثياب بدنه وما يتأبث به ومسكنه
وخادمه، وفرسه، وكتب العلم أن كان من أهله لأن الزكاة تجب عليه ولا تجب إلا
على الغني، لقوله عليه السلام لمعاذ (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على
فقرائهم) (3).
وقال أحمد في إحدى الروايتين: من ملك خمسين درهما " أو قيمتها فهو غني،
لما روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من سأل وله قيمه مال بعينه

1) سنن البيهقي ج 7 كتاب الصدقات ص 12.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 3.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 96.
565

جاءت مسلة يوم القيامة خدوشا " وخموشا " أو كدوحا " في وجهه).
قيل وما الغنى؟ قال: من ملك خمسون درهما " أو قيمتها من الذهب. وقال
الحسن وأبو عبيد: الغني من يملك أربعين درهما "، لما روى أبو سعيد الخدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من سأل وله قيمة أوقية فقد الحق والأوقية أربعون درهما ") وفي
أخبارنا عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تحل لمن كان له
عنده أربعون درهما " يحول عليها الحول وإن أخذها أخذها حراما ") وقال الشافعي
ومالك: الغنى ما تحصل به الكفاية، وهذا عندي هو الوجه، وبه قال الشيخ (ره) في
قسم الصدقات.
لنا أن الفقر هو الحاجة، يوضح ذلك: قوله تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء
إلى الله) (1) أي المحتاجون إليه، ومن ليس له كفاية فهو محتاج، وقوله عليه السلام (لا تحل
الصدقة إلا لثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يجد سدادا " من عيش أو قواما " من عيش) (2).
وما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام
قلت: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي قال
لا تصلح للغني قلت: الرجل يكون له ثلثمائة درهم في بضاعة وله عيال فإن أقبل عليها
أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها؟ قال: فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن يسعه
وليأخذ لمن لم يسعه من عياله) (3) وفي رواية سماعة قال: (قد يحل لصاحب سبع
المائة وتحرم على صاحب الخمسين لقصورها عن مؤنة الأول) (4) وقال: (يصلح
لصاحب الدار والخادم إلا يكون داره دار غلة يخرج من غلتها ما يكفيه وعياله فإن لم

1) سورة الفاطر: الآية 17.
2) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 120.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 8 ح 3.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 8 ح 6.
566

تكن الغلة تكفيه له ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت
له الزكاة) (1).
وجواب أبي حنيفة أنه يحتمل أن يكون إطلاق الغنى على المزكين باعتبار
الأكثر، أو لأن الغنى الموجب للزكاة غير الغنى المانع من أخذها، وإطلاق اللفظ
لا بحسب التواطي بل بالاشتراك.
وجواب أحمد الطعن في خبره فقد ضعفه كثير منهم، وجواب الحسن وأبي
عبيدة أن الإلحاق قد يجامع استحقاق الزكاة وليس تحقق الإلحاق في حق مالك
الأربعين دالا على عدم استحقاق الزكاة، وخبرنا محمول على من يملك أربعين وهو
غني عنها، ودل عليه قوله (ويحول عليها الحول) وهو دليل على قيام المؤنة من
غيرها مع أن ظاهره متروك بالإجماع.
فروع
الأول: من له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكاتي لا تحل له وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: تحل له بناء على علته.
لنا قوله عليه السلام: (لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب) (2) ولأنه يملك ما
يغنيه من الصدقة فيخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقر.
الثاني: من ملك نصابا " زكاتيا "، أو نصبا " تقصر عن مؤنته ومؤنة عياله حلت له
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تحل له.
لنا أنه محتاج فيتناوله اسم الفقر، ولأن ما معه لو كان غير زكاتي حلت له الصدقة
فلو كان غنيا " بالنصاب لكان غنيا " بقيمته.

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 9 ح 1.
2) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 118.
567

الثالث: لو كان له مال معد للإنفاق ولم يكن مكتسبا "، ولا ذا صناعة، أمكن أن
تعتبر الكفاية له ولعياله حولا، وبه قال ابن الجنيد، لأن مثل ذلك يسمى فقيرا " بالعادة
وأمكن أن يمنع من الزكاة حتى يستنفذ ما معه بالإنفاق، لكن الأول أولى لما روي
من جواز تناوله من ملك ثلثمائة درهم أو سبعمائة مع التكسب القاصر فمع عدم
التكسب أولى.
الرابع: إن ادعى الفقر عومل بما يعلم من حاله، وإن جهل عومل بدعواه
ولم يكلف يمينا "، ولو ادعى حاجة عياله، ففي القبول من دون إحلافه تردد، أشبهه
القبول، لأنه مسلم ادعى ممكنا "، ولم يظهر ما ينافي دعواه، لو عرف له مال وادعى
ذهابه، قال الشيخ: يكلف البينة، لأنه ادعى خلاف الظاهر، والأشبه أن لا يكلف بينة
تعويلا على ظهور عدالته وكذا البحث في العبد إن ادعى العتق والكتابة.
مسألة: تعطى أطفال المؤمنين عند الحاجة، ولا يشترط عدالة الأب تمسكا "
بعموم الآية ويؤيد ما ذكرنا ما روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: الرجل يموت
ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ قال: (نعم فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا
تعطوهم) (1).
فرع
ولا تعطى أطفال المشركين إلحاقا " بآبائهم ولا المملوك، لأنه لا يملك، فيكون
العطاء لمولاه، ولأنه غني بمولاه.
فرع
لو دفعها فبان الأخذ غير مستحق ارتجعت، فإن تعذر فلا ضمان على الدافع
وهنا بحوث:

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 6 ح 1.
568

الأول: لو دفعها الإمام أو نائبه إلى من ظاهره الفقر، فبان غنيا " فلا ضمان على
الإمام، لأن ظهور الفقر كاف لتعذر الاطلاع على الباطن، فإن كانت باقية ارتجعت
وإن تلفت رجع على القابض ولو مات معسرا " تلفت من المستحق.
الثاني: لو أخرجها المالك، قال الشيخ في المبسوط: لا ضمان عليه فإن عرفه
أنها زكاة ارتجعت وإن تعذر لم يضمن المالك، وإن دفعها مطلقا " لم ترتجع، لأن
الظاهر أنها صدقة وقال أبو حنيفة: تقع مجزية، لما روى أبو هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: (قال رجل لا تصدقن بصدقة توضعها في غني فيحدث الناس، فقيل له:
أما صدقتك فقد قبلت لعل الغني أن يعسر فينفق مما أعطاه). وقال أبو يوسف:
لا تجزيه لأنه وضع الصدقة في غير موضعها فلم يخرج من عهدتها.
وروى بعض أصحابنا مثل ذلك في رواية مرسلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
رجل يعطي زكاته رجلا يظن أنه معسر فبان موسرا "؟ قال: (لا يجزي عنه) (1). وللشافعي
وأحمد قولان، والوجه أنه إن دفعها من غير اجتهاده، ضمن المالك، إن اجتهد
لم يضمن، لأنها أمانة فعليه الاستظهار في دفعها.
ويؤيد ذلك ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: رجل عارف أدى
الزكاة إلى غير أهلها؟ قال: (يؤديها إلى أهلها لما مضى) قلت: فإنه لم يعلم أهلها وقد
كان طلب واجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع؟ قال (ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى) (2)
وروى عن زرارة عنه عليه السلام قال: (إن اجتهد فقد برئ وإن قصر في الاجتهاد والطلب
فلا) (3).
الثالث: قال الشيخ في المبسوط: إذا دفعها إلى من ظاهره الإسلام أو الحرية

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 2 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 2 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 2 ح 2.
569

أو العدالة فبان كافرا "، أو رقا "، أو فاسقا "، أو بان أنه ممن تجب عليه نفقة، كان الحكم فيه
كما قلناه في الغني. وقال أحمد: لو بان كافرا "، أو عبدا "، أو هاشميا "، أو من تلزمه نفقته
لم تجزه لأنه دفعها إلى غير المستحق فلم يجزيه كالدين، ولأن حاله لا يخفى غالبا "
مع الفحص فلم يكن كالغني فإن حاله يخفي في الأغلب، كما قال تعالى (يحسبهم
الجاهل أغنياء من التعفف) (1).
لنا أن الدفع واجب فيكتفي في شرطه بالظاهر تعليقا " للوجوب على الشرط
الممكن، فلم يضمن لعدم العدوان في التسليم المشروع، وقياسه على الدين باطل
لأن مستحق الدين متغير فلا يجوز دفعه إلا مع اليقين، وفرقه بين هذا الصور والغنى
ضعيف، لأن الخفاء والظهور متطرق على الجميع على سواء، نعم لو بان عنده لم
يجزئه لأن المال يخرج عن ملكه فجرى مجرى عزلها عنها من غير تسليم.
الرابع: والعاملون جباة الصدقات ولهم نصيب من الزكاة وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: يعطي عوضا وأجرة لا زكاة، لأنه لا يعطى إلا مع العمل ولو فرقها والإمام
أو المالك لم يكن له حظ الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا ولأنه يأخذها مع الغنى
والصدقة لا تحل لغني.
لنا قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) (2) فمقتضى
النص، التسوية بين الفقراء، والعاملين في الاستحقاق، ولأنها لو كانت أجرة لافتقر
إلى تقدير العمل أو تعيين الأجرة وكل ذلك منفي بعمل النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام بعده
ولأنه لو كان أجرة لما منع منها آل الرسول عليهم السلام.
ويؤيد ذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام. من ذلك ما روي عن أبي
عبد الله عليه السلام جعفر بن محمد عليهما السلام قال: (الزكاة تحل للذين وصف الله تعالى في كتابه

1) سورة البقرة: الآية 273.
2) سورة التوبة: الآية 60.
570

الفقراء والمساكين والعاملين عليها) (1) وعن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت: قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها) (2) أكل
هؤلاء يعطى؟ فقال: (إن الإمام يعطي هؤلاء جميعا ") (3).
لا يقال الفقراء يستحقون على كل حال والعاملون لا يستحق إلا مع العمل، قلنا
هذا مسلم فلم يسقط الاستحقاق بهذا الفرق. قوله الزكاة لا تدفع عوضا "، قلنا ونحن
لا ندفعها عوضا " بل استحقاقا " مشروطا " بالعمل، قوله تدفع إليه مع الغنى قلنا مسلم قوله
ولا يستحق الزكاة غني قلنا لا نسلم وهذا لأن استحقاقه باعتبار كونه عاملا لا باعتبار كونه
فقيرا " كما يعطى ابن السبيل وإن كان غنيا " في بلده.
مسألة: وهل يجب على الإمام أن يبعث ساعيا " في كل عام، قال الشيخ في
المبسوط: نعم لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعثهم في كل عام فتجب متابعته. ويمكن أن يقال
هذا إذا علم أنها لا تجمع إلا به أما لو عرف أن قبيلا يؤدونها لم تجب بعثه إليهم.
وقال في المبسوط: يشترط في العامل شروط ستة الأول البلوغ، وكمال العقل
والحرية، والإسلام، والأمانة، والفقه، ولو اختل أحدها لم يصلح. وقال أحمد
في رواية عنه: يجوز أن يكون كافرا " لقوله (والعاملين عليها) وهو على عمومه
وقلنا الأمانة معتبرة ولا يتحقق مع الكفر. وعندي في اشتراط الحرية والفقه تردد، إذ
الغرض يحصل بإذن المولى وسؤال العلماء.
لا يقال العامل يستحق نصيبا " والعبد لا يملك ومولاه لم يعمل، لأنا نقول عمل
العبد كعمل المولى.

1) مستدرك الوسائل ج 1 كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة باب 1.
2): توبة 60.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 1.
571

فروع
الأول: لا يجوز للإمام أن يأخذ من الزكاة شيئا " ولو جبى المال، لأنه هاشمي
ولأن له في بيت المال رزقا " بتولية أمر المسلمين، وهذا من جملة مصالحهم.
الثاني: لا يجوز أن يتولى الهاشمي العمالة، لأن ما يأخذه زكاة، وهي ما تحل
لهاشمي، ولأن الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي صلى الله عليه وآله ذلك فقال:
(الصدقة أو ساخ الناس فلا تحمل لمحمد وآل محمد) (1)، وبه قال الشافعي. وقال
بعض أصحابه: يجوز لأنه يأخذ أجرة. أما لو تولى جباية زكاة الهاشمية، أو فرض
له أجرة من غير الزكاة، لم استبعده، وقال الشيخ في المبسوط هذا إذا تمكنوا من
الأخماس، فلو لم يتمكنوا من الأخماس جاز أن يتولوا الصدقات، ويجوز لهم أخذ
الزكوات عند الحاجة.
وهل تحل لمواليهم؟ قال أكثر الأصحاب: نعم. وقال أبو حنيفة: لا تحل
لقول النبي صلى الله عليه وآله لأبي رافع (أن الصدقة محرمة على محمد وآل محمد وأن مولى
القوم من أنفسهم) ولنا قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) (2) وهو
على عمومه.
وما ذكر من الخبر، لا يصلح مخصصا " للآية. ومن طريق الأصحاب، رواية
جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تحل لمواليهم وتحل لهم) (3) وما روي من منع (4)
الموالي يحمل على الكراهية. وقال الشيخ في المبسوط: الإمام بالخيار بين أن

1) مستدرك الوسائل ج 1 كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة باب 16 وسنن
البيهقي ج 7 كتاب الصدقات ص 32.
2) سورة التوبة: الآية 60.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 34 ح 4.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 34 ح 5 و 6.
572

يستأجر بأجرة معلومة، لمدة معلومة، أو يعقد له جعالة، فإذا وفي العمل وحصل له
بنصيبه قدر الأجرة، وإلا دفع إليه القيمة، وإن زاد كان لأهل السهمان.
وليس ما ذكره الشيخ، بلازم بل جايز إلا بالقرض، لأن له نصيبا " بفرض الله.
فلا يشترط في استعماله غيره. ويؤيد ذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ما يعطى المصدق؟ قال: (ما يرى الإمام ولا يقدر له شئ) (1).
مسألة: والمؤلفة قلوبهم، وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام في الصدقة
وإن كانوا كفارا ". قال الشيخ في المبسوط: المؤلفة عندنا هم الكفار، الذين يستمالون
بشئ من الصدقات إلى الإسلام يتألفون ليستعان بهم على قتال المشركين ولا يعرف
أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام. وقال المفيد (ره): المؤلفة قلوبهم ضربان مسلمون
ومشركون، وبه قال الشافعي. وقال المشركون: ضربان: ضرب لهم قوة وشوكة
وآخر لهم شرف وقبول.
والمسلمون أربعة: قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظراؤهم، وقوم في نياتهم
ضعف فيعطون لتقوى نياتهم، وقوم من الأعراب في طرف بلاد الإسلام وبإزائهم
قوم من أهل الشرك فإذا أعطوا رغب الآخرون، وقوم بإزائهم قوم آخرون من أصحاب
الصدقات فإذا أعطوا جبوها وإن لم يعطوا احتاج الإمام إلى مؤنة في بعث من يجئ
زكواتهم، ولست أرى بهذا التفصيل بأسا " فإن في ذلك مصلحة، ونظر المصلحة
موكول إلى الإمام.
وهل سقط هذا القسم بعد النبي صلى الله عليه وآله؟ قال الشيخ في الخلاف: نعم، وبه
قال أبو حنيفة والشافعي، لأن الله سبحان أعز الدين فلا يحتاج إلى التألف. وقال الشيخ
في المبسوط: لم يذكر أصحابنا هذا التفصيل ومع وجود الإمام يفعل في ذلك ما يراه
مصلحة فما يفعله حجة. وما ذكره الشيخ حسن والظاهر بقاء حكم المؤلفة وأنه

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 4.
573

لم يسقط لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعتمده إلى حين وفاته ولا نسخ بعده.
مسألة: سهم الرقاب يدخل فيه المكاتبون والعبيد إذا كانوا في ضر وشدة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: يختص المكاتبين لا من يشتري ويعتق لقوله عليه السلام (فك
رقبة إن تعين في عتقها)، ولأن الصدقة يراعى فيها الملك، والعبد لا يملك. وقال
مالك وأحمد: والرقاب يدخل فيهم العبيد يشترون ويعتقون من السهم ولم يشترط
الفرض.
لنا قوله تعالى (وفي الرقاب) (1) والمراد إزالة رقبتها فيتناول الجميع،
وإنما شرطنا الشدة والضر لما رواه الأصحاب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام جعفر بن
محمد في الرجل تجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة يعتقها فقال (إذا تظلم قوما "
آخرين حقوقهم ثم قال إلا أن يكون عبدا " مسلما " في ضرورة تشتريه وتعتقه).
وحجة أبي حنيفة، ضعيفة لأنا لا نسلم أن قوله عليه السلام (فك الرقبة) إن تعين
في عتقها ينافي ما ذكرناه، وقوله: الزكاة يراعى فيها الملك قلنا: لا نسلم اعتبار
ذلك في كل الأصناف ومن وجبت عليه كفارة ولم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من
الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها في كفارته. روى ذلك علي بن إبراهيم في كتاب
التفسير عن العالم عليه السلام قال: (وفي الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ أو الظهار
أو الإيمان وليس عندهم ما يكفرون جعل الله لهم سهما " في الصدقات ليكفر عنهم) (3).
وعندي أن ذلك أشبه بالغارم لأن القصد به إبراء ذمة المكفر مما في عهدته،
ويمكن أن يعطى من سهم الرقاب لأن القصد به اعتاق الرقبة. وقال الشيخ في
المبسوط: الأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا " فيشتري هو ويعتق عن

1) سورة البقرة: الآية 177.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 43 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 7.
574

نفسه. ولو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه وإن لم يكن في ضر،
وعليه فقهاء الأصحاب، روى ذلك عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعا " ليدفعها إليه فنظر إلى مملوك يباع فاشتراه بها
فأعتقه هل يجوز ذلك قال: (نعم لا بأس) (1).
فرعان
الأول: المكاتب لا يعطى من سهم الرقاب إلا إذا لم يكن عنده ما يؤديه في
كتابته وهل يعطى قبل حلول النجم الأشبه نعم لعموم الآية.
الثاني: إن صرفه فيما عليه فقد وقع موقعه وإن صرفه في غير ذلك. قال الشيخ
في المبسوط: لا يرتجع، سواء عجز نفسه، أو أبرأه المولى، أو تطوع عليه متطوع
وفيما ذكره إشكال، والوجه أنه إن دفع إليه ليصرفه في الكتابة ارتجع بالمخالفة، لأن
للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف.
مسألة: والغارمون هم المدينون في غير معصية، ولا خلاف في جواز تسليمها
إلى من هذا شأنه. أما لو أنفقه في المعصية لم يقض عنه وللشافعي قولان.
لنا أن القضاء عنه إغراء أرباب المعصية فيمنع حسما ". ويؤيد ذلك ما روي
عن الرضا عليه السلام قال: (يقضي ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله
عز وجل وإن كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام) (2)، ولأن الزكاة
معونة وإرفاق على وجه القربة وهو ينافي قضاء دين المعصية، وجاز مع توبته أن
يعطى من سهم الفقراء إن كان بصفتهم، ولو أعطي من سهم الغارمين لم أمنع منه.
فلو جهل فيما إذا أنفقه قال في النهاية: لا يقضى عنه، وربما كان مستنده رواية

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 43 ح 2.
2) مستدرك الوسائل ج 1 كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة باب 28.
575

محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد عن الرضا عليه السلام قلت:
فهو لا يعلم فيماذا أنفقه في طاعة أم معصية؟ قال: (يسعى في ماله فيرده عليه وهو
صاغر)، والوجه جواز عطيته لأنا لا نحمل تصرف المسلم إلا على المحلل، ولأن
تتبع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره، والرواية ضعيفة السند
لا يعمل بها.
ويشترط فيه وفي المكاتب الإيمان، وفي اشتراط العدالة تردد وسيأتي تحقيقه
ولا يعطى مع الغنى، وللشافعي قولان.
لنا قوله عليه السلام (لا تحل الصدقة لغني) (1)، وقوله عليه السلام (ترد في فقرائهم) (2)
ويعطى بقدر دينه، فإن صرفه في موضعه فلا بحث وإن صرفه في غيره استعيد، لخلافه
قصد المالك، وبه قال الشافعي، وقال الشيخ في المبسوط والجمل: لا يرتجع لأنه
ملكه بالقبض فلا تحكم عليه. قلنا ملكه ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ له
غيره، ولو قضى دينه من ماله أو من غيره لم يجز أخذ عوضه من الزكاة بفوات
مصرفها.
ويجوز أن يقضي الدين عن الحي وإن يقاص بما عليه للمزكي ويقضي الدين
عمن تجب نفقته مع عجزه عنه، لدخوله تحت العموم، ولأن القضاء هو مصرف
النصيب لا تمليك المدين، وكذا لو كان الدين على ميت قضي عنه. وقال أحمد
وجماعة من الجمهور لا يقضي لأن الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه والغريم
ليس بغارم فلا يدفع إليه.
لنا الغرض إخلاء ذمة الغارم وهو يحصل بالقضاء عنه منه ولا نسلم أن الشرط
تمليك الغارم. ويؤيد ما ذكرناه ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 8 ح 8.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 96.
576

سألته: عن رجل عارف توفي وترك عليه دينا " قد ابتلي به لم يكن بمفسد ولا معروف
بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ قال: (نعم) (1).
مسألة: وقد اختلف في السبيل المذكور في آية الزكاة. فقال الشيخ في النهاية
والجمل: المراد به الجهاد، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، وأبو يوسف،
لأن إطلاق السبيل ينصرف إلى الجهاد فيحمل عليه. وقال أحمد، ومحمد بن الحسن:
يصرف في معونة الحاج لما روي (أن رجلا جعل بعيره في سبيل الله فأمره النبي
صلى الله عليه وآله أن يحمل عليه الحاج). وقال في المبسوط والخلاف: تدخل فيه الغزاة،
ومعونة الحاج، وقضاء الديون عن الحي والميت، وبناء القناطر، وجميع سبل
الخير والمصالح وهو الوجه.
لنا أن السبيل هو الطريق فإذا أضيف إلى الله سبحانه كان عبارة عن كل ما يكون
وسيلة إلى الثواب، ولا نسلم أن عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد. ويؤيد ما ذكرناه
ما رواه علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال: (وفي سبيل الله قوم
يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون، وقوم مؤمنون ليس لهم ما يحجون به
وفي جميع سبل الخير) (2) وما ذكروه من الخبر لا حجة فيه، إذ من الجائز أن يكون
أمر بذلك لعموم كونه من المصالح لا لخصوص كونه معونة الحاج.
فرع
هل يشترط في الغازي الفقر؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف: لا، وبه
قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يشترط لقوله عليه السلام (أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم
فأردها في [إلى] فقرائكم) (3).

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 46 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 7.
3) سنن البيهقي ج 7 كتاب الصدقات ص 8.
577

لنا قوله تعالى (وفي سبيل الله) وهو على إطلاقه، ولما رووه عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة) (1) وذكر من جملتهم الغازي. وما
ذكره من الخبر، لا يقتضي اختصاصها بالفقراء ولأن ما ذكره ينتقض بابن السبيل، فإنه
يعطى وإن كان غنيا " في بلده قادرا " على الاستدامة في سفره.
مسألة: وابن السبيل وهو المتقطع به ولو كان غنيا " في بلده قادرا "، والضيف
ولو كان سفرهما معصية منعا وهنا بحوث:
الأول: قال الشيخ: ابن السبيل هو المجتاز بغير بلده لا المنشي سفرا " من
بلده، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأبو حنيفة: كلاهما مراد من الآية عملا بإطلاق
اللفظ، وبه قال ابن الجنيد. وما ذكره الشيخ هو الظاهر من مذهبنا، وأيد ذلك،
ما روي عن العالم عليه السلام قال: (ابن السبيل هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة
الله فيقطع بهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات) (2).
الثاني: قال الشيخ: والمنشئ سفره من بلده، وإن كان فقيرا " أعطي من سهم
الفقراء لا من سهم أبناء السبيل.
الثالث: قال: إن كان سفره طاعة أعطي، وإن كان في معصية منع، وإن كان
مباحا " فعندنا يعطى كالطاعة ومنع آخرون. لنا عموم الآية.
الرابع: يدفع إليه قدر كفايته لوصوله إلى بلده مع حاجته أو قصور نفقته،
فإن صرفه في ذلك فقد وقع موقعه، وإن صرفه في غيره هل يرتجع قال الشيخ في
المبسوط: نعم، وقال في الخلاف: لا يرتجع، لأن الاستحقاق له بسبب السفر فلا
يحتكم عليه فيما يدفع إليه والوجه استعادته إذا دفع إليه بقصد الإعانة اقتصارا " على

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 27 ص 590 (إلا أن فيه: لا تحل لغنى
إلا لخمسة..).
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 1 ح 7.
578

قصد الدافع ولو وصل بلده وفي يده فضل استرجع لأنه غني في بلده.
فرع
إذا قال مال لي، أعطي ولم يكلف بينة ولا يمينا "، ولو قال كان لي مال
وتلف، قال الشيخ: لا يقبل إلا ببينة. والأقرب عندي القبول، لأن تلف المال قد يخفى
فيؤدي المنع إلى إضراره.
وأما الأوصاف فأربعة.
الأول: الإيمان، وهو معتبر إلا في المؤلفة، فلا يعطى الكافر، وعلى ذلك
أهل العلم، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لمعاذ: (أعلمهم أن في أموالهم صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) (1) وكذا لا يعطى غير الإمامي وإن اتصف
بالإسلام، ونعني به كل مخالف في اعتقادهم الحق كالخوارج والمجسمة وغيرهم
من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الإيمان وخالف جميع الجمهور في ذلك
واقتصروا على اسم الأسلم.
لنا أن الإيمان هو تصديق النبي صلى الله عليه وآله في كل ما جاء به والكفر جحود ذلك،
فمن ليس بمؤمن كافر وليس للكافر زكاة لما بيناه، ولأن مخالف الحق معاد لله
ورسوله فلا تجوز موادته والزكاة معونة ومودة وإرفاق فلا تصرف إلى معاد.
ويؤيد ذلك ما اشتهر من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام، منها رواية محمد
ابن مسلم وبريد وزرارة وفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا:
(في الرجل يكون في بعض أهل الأهواء كالحرورية والمرجية والعثمانية والقدرية ثم
يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج
أوليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير الزكاة

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 1 ص 568.
579

فإنه لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية) (1).
فرع
وإذا لم يوجد المؤمن هل يصرف إلى غيرهم؟ فيه قولان أشبههما أن زكاة
المال لا تدفع إلى غير أهل الولاية، وفي رواية يعقوب بن شعيب عن العبد الصالح
عليه السلام قال: (إذا لم يجد دفعها إلى من لا ينصب) (2) وهي نادرة وفي طريقها أبان بن
عثمان وفيه ضعف.
أما زكاة الفطرة ففيها روايتان مع عدم المستحق: إحديهما: تدفع إلى
المستضعف ممن لا يعرف بنصب، لرواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان
جدي يعطي فطرته الضعفة ومن لا يتولى وقال: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم فإن لم
تجدهم فلمن لم ينصب) (3).
والأخرى المنع، وهو الأشبه بالمذهب لما قررته الإمامية من تضليل مخالفها
في الاعتقاد وذلك يمنع الاستحقاق، وأيد ذلك برواية إسماعيل (4) بن سعد الأشعري
عن الرضا سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ فقال: (لا ولا زكاة الفطرة)
ولأن مستحقه متعين فلا تبرأ العهدة بصرفه إلى غيره.
الثاني: العدالة، وقد اعتبرها الشيخ (ره) في الأصناف إلا المؤلفة، وبه
قال علم الهدى وقال قوم من أصحابنا: لا تعتبر، وهو الأقوى عندي، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة، ومالك، وأحمد. واحتج المرتضى بإجماع الطائفة، والاحتياط، وبكل

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 3 ح 2.
2) الوسائل ج 6 المستحقين للزكاة باب 5 ح 7.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 15 ح. 3
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 5 ح 1.
580

ظاهر من القرآن، أو سنة متيقنة بمنع معونة الفاسق. واقتصر آخرون منا على
مجانبة الكبائر، لما روى داود الصرمي قال: (سألته عن شارب الخمر يعطى من
الزكاة شيئا "؟ قال: لا) (1) ولا قائل بالفرق.
لنا التمسك بإطلاق اللفظ، والأصل عدم اشتراط ما زاد على المنطوق، ولما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: (اعط من وقعت في قلبك الرحمة له، وقوله عليه السلام
(لكل كبد حرى أجر)، وما روى سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: أطعم سائلا لا
أعرفه مسلما "؟ قال: (اعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ولا تعط من نصب لشئ
من الحق أو دعا إلى شئ من الباطل).)
وجواب علم الهدى أنا لا نعلم ما ادعاه من الإجماع، وكيف والخلاف موجود
من طائفة منا، لا نعلم أعيانهم، والاحتياط لا يتقيد به إطلاق الألفاظ القرآنية،
والأخبار والآيات التي أشار إليها، لم يذكرها وما يوجد من ذلك ظاهره المنع من
معونة الفاسق على فسقه فلا يتناول موضع النزاع غير أن في العمل بما قاله تخلصا "
من الخلاف، فكان أولى لا أنه لازم، وخبر داود المسؤول فيه مجهول فلا عمل عليه.
الوصف الثالث: أن لا يكن ممن تجب نفقته وهم الوالدان وإن علوا،
والأولاد وإن سفلوا، والمملوك، والزوجة، ولا خلاف بين العلماء في وجوب
الإنفاق على المذكورين، وفيما عداهم خلاف يأتي في موضعه، فكل من تجب
نفقته لا يجوز تسليم زكاة المنفق عليه، لأنه غني به. وقد روى ذلك (2) عبد الرحمن
ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا " الأب والأم
والولد والمملوك والمرأة) وروى أيضا " عدة من أصحابنا عن موسى عليه السلام قلت:
من الذي يلزمني من ذوي قرابتي حق لا أحتسب الزكاة عليه؟ قال: (الوالدان

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 17 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 13 ح 1.
581

والولد) (1).
ومن لا تجب النفقة عليه من الأقارب يجوز دفع الزكاة إليه بل صرفها إليهم
أفضل من الأجانب.
فروع
الأول: أن ينتصف من تجب نفقته بصفة غير صفة الفقر والمسكنة، جاز
أن يعطوا من سهم تلك الصفة، مثل أن يكون أحدهم عاملا، أو غازيا "، أو من أبناء
السبيل، فيدفع إليه بقدر حاجته الزائد عن نفقة نفسه لأنها واجبة على غيره وكذا لو
كان مكاتبا " جاز أن يعطيه المولى من زكاته ما يغنيه وعليه فك رقبة. وقال أبو حنيفة:
لا يعطيه المولى لأن ما يعطيه يكون ملكا " له، فلا يكون إخراجا صحيحا، وبه قال
ابن الجنيد.
ولنا التمسك بإطلاق الآية وتعليله ضعيف لأن الكتابة قطعت المولى عن
المكاتب فكان ما يدفعه ككسبه.
الثاني: لا يعطي الزوجة من سهم الفقراء والمسكنة مطيعة كانت أم عاصية
إجماعا " لتمكنها من النفقة ولو سافرت بإذنه لم تجب عليها نفقة الحضر واحتسب
الزائد من سهم أبناء السبيل، ولو كان سفرها بغير إذنه سقطت نفقة الحضر ولم
يعطها لسفرها من سهم أبناء السبيل، لأنها عاصية.
الثالث: لو كانت الزوجة مكاتبة، جاز أن يعطيها من سهم الرقاب، لأن ذلك
ليس بلازم له، وكذا لو ركبها دين أعطيت من سهم الغارمين.
الرابع: يجوز أن تدفع زكاتها إلى زوجها، وبه قال الشافعي، ومنع أبو
حنيفة وعن أحمد روايتان، إحديهما المنع لأنه أحد الزوجين فلم يجز دفع زكاتها

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 13 ح 2.
582

إليه كما لا يدفع زكاته إليها، ولأنهما تتنفع به بلزوم نفقة المعسر أو الموسر فصار
ما تدفعه إليه عائدا " إليها نفقة فكان كالنفقة على رقيقها ودوابها.
لنا أنه فقير لا تجب نفقته عليها فجاز الدفع إليه لعموم الآية وقياسهم الزوج
على الزوجة، باطل لأن الزوجة تجب لها النفقة، وليس كذلك الزوج.
وقولهم ينتفع به قلنا لا نسلم أن هذا القدر من الانتفاع يمنع صرف الزكاة
كما لا يلزم ذلك في صاحب الدين إذا دفع إلى مدينه ليصير موسرا ".
الخامس: لو كان في عياله من لا تجب نفقته كاليتيم الأجنبي، جاز الإنفاق
عليه من زكاته، ومنع أحمد لأنه يستغني بها عن تحمل مؤنته. وليس ما اعتل به
شيئا " لأنه تخصيص لعموم الآية واجتهاد ضعيف، فإنا لا نسلم أن هذا القدر من الانتفاع
يمنع صرف الزكاة وكل من يعجز عنه المنفق يعطي من الزكاة أما كل نفقته، أو
تتمتها.
الوصف الرابع: أن لا يكون هاشميا " وفيه مسائل:
الأولى: صدقة غير الهاشمي محرمة على الهاشمي، وعلى ذلك إجماع علماء
الإسلام، ولقول النبي صلى الله عليه وآله ((الصدقة محرمة علي بني هاشم) (1)، وقوله عليه السلام
(هذه الصدقة أوساخ الناس فلا تصح لمحمد صلى الله عليه وآله وآل محمد) (2) ومن طريق
الأصحاب روايات، منها رواية محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله
عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (الصدقة أوساخ الناس فلا تحل لبني عبد المطلب) (3)
وتحل صدقة بعضهم لبعض، وبه قال أبو يوسف فيما حكي عنه، وأطبق الباقون
على المنع.

1) مستدرك الوسائل 1 كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة الباب 16 (فيه
أحاديث على هذا المضمون).
2) مستدرك الوسائل 1 كتاب الزكاة أبواب المستحقين للزكاة الباب 16 (فيه
أحاديث على هذا المضمون).
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 2.
583

لنا أن الأوساخ كلمة ذم لمن تضاف إليه فلا يكون بنو هاشم مرادين بها فلا
يكون زكاتهم أوساخا، فلا تحرم على مثلهم، ويؤيد ذلك ما رواه جماعة عن أبي
عبد الله عليه السلام منهم إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألته عن الصدقة التي حرمت
علي بني هاشم ما هي: قال: ((الزكاة) قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال:
(نعم) (1) ومنهم جميل بن دراج عنه عليه السلام قلت: تحل لمواليهم؟ قال: (تحل
لمواليهم ولا تحل لهم إلا صدقة بعضهم على بعض) (2) ومثله روى زرارة (3) عنه عليه السلام.
الثانية: لا تحرم عليهم المندوبة، وبه قال أبو حنيفة وأكثر العلماء وعن الشافعي
وأحمد روايتان، إحديهما المنع، لعموم قوله عليه السلام (لا تحل لنا الصدقة) (4).
ولنا الاتفاق على جواز الوقف عليهم، والوقف صدقة ومعروف، وقد قال
عليه السلام (كل معروف صدقة) (5)، وما رويناه أمام هذه، ويؤكد ذلك ما رواه عبد الرحمن
ابن الحجاج عن جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: أتحل الصدقة
لبني هاشم؟ فقال: (إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا فأما غير ذلك
فليس به بأس، ولو كان كذلك لما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة هذه المياه عامتها
صدقة) (6).
الثالثة: وهل تحرم المندوبة على النبي صلى الله عليه وآله؟ قال علماؤنا: لا تحرم وعلى
ذلك أكثر أهل العلم، وللشافعي وأحمد قولان، أحدهما التحريم، لما روي أن كان
يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وقال: إني لأجد التمرة ساقطة فلا آكلها أخشى أن يكون

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 32 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 34 ح 4.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 34 ح 5.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 6.
5) الوسائل ج 6 أبواب الصدقة باب 41 ح 1 و 2.
6) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 31 ح 3:
584

صدقة) (1)، وقوله عليه السلام (لا تحل لنا الصدقة) (2).
لنا قوله عليه السلام (كل معروف صدقة) (3)، وقد كان يستقرض المال ويهدي له
وكل ذلك صدقة وربما فرق قوم بين ما يخرج على سبيل سد الخلة ومساعدة الضعف
طلبا " للأجر، وبين ما جرت العوايد بالتردد كالقرض والهدية.
الرابعة: الذين يمنعون الزكاة من ولد عبد المطلب وهم اليوم بنو أبي طالب
والعباس، والحرث، وأبي لهب، لقوله عليه السلام (يا بني عبد المطلب أن الصدقة لا تحل
لي ولا لكم) (4)، وقوله عليه السلام (إن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب) (5)، وقول
جعفر بن محمد عليه السلام (أن الصدقة لا تحل لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم) (6)
وعلى تحريمها على هؤلاء إجماع العلماء. وهل يدخل معهم بنو المطلب؟ قال أبو
حنيفة: لا وهو اختيار أكثر علمائنا. وقال الشافعي: نعم، وبه قال المفيد في الرسالة
الغرية، لقوله عليه السلام لقوله عليه السلام (إنا وبنو المطلب لم نفرق في جاهلية ولا إسلام نحن وهم شئ
واحد).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو كان عدل
ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة أن الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه
سمعتهم ولا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا " ويكون ممن تحل له الميتة) (7).
لنا التمسك بعموم آية الصدقة وما ذكروه من الخبر، ليس له لفظ عموم

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 123.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 6.
3) الوسائل ج 6 أبواب الصدقة باب 41 ح 2 و 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 1.
5) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 2.
6) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 3.
7) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 33 ح 1.
585

وظاهره غير مراد إذ ليس أحدهما الآخر فالمقصود به غير ظاهره، ويحتمل أن يرادهما
شئ واحد في الشرف، أو المودة، أو الصحبة والنصرة، ومع الاحتمال يسقط
الاحتجاج به، وأما خبر الأصحاب فأصله واحد وهو نادر فلا يخصص به عموم القرآن.
الخامسة: قال علماؤنا إذا منع الهاشميون من الخمس، حلت لهم الصدقة
وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي، وأطبق الباقون على المنع، لأنهم منعوا
تشريفا " وتعظيما " ودفعا " عن تناول الأوساخ والمعنى موجود مع المنع.
ولنا أن المنع إنما هو لاستغنائهم بأوفر المالين، فمع تعذره يحل لهم الآخر،
ويؤيد ذلك ما رواه أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أعطوا من الزكاة بني
هاشم من أرادها فإنها تحل لهم وإنما تحرم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الإمام الذي يكون
بعده وعلى الأئمة) (1).
قال الشيخ في التهذيب: هذا لم يروه إلا أبو خديجة، ويحتمل أن يكون أراد
حال الضرورة، واستثناء النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لأنه لم يبلغ حالهم الضرورة إلى
أكل الزكوات وغيرهم قد يضطر، وقد سلف البحث في مواليهم وإن الزكاة تحل
لهم.
وأما زوجات النبي صلى الله عليه وآله فقد قال بعض الجمهور يحرم عليهن لأن عايشة ردت
سفرة من الصدقة وقالت: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. ولنا التمسك بعموم الآية
ومنع الخبر فإنه لم يثبت ولو ثبت لكان نادرا " لا يخص به العموم المقطوع به.
القول في اللواحق، وهي تشتمل مسائل:
الأولى: يجب دفع الزكاة إلى الإمام إذا طلبها، ولو لم يطلبها جاز للمالك
الانفراد بإخراجها سواء كانت ظاهرة أو باطنة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز تفريق الظاهرة
إلا إلى الإمام عليه السلام وللشافعي قولان أحدهما كما قال لقوله تعالى (خذ من أموالهم

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 29 ح 5.
586

صدقة تطهيرهم وتزكيهم بها) (1) ولأن أبا بكر قال: (لو منعوني عناقا " مما كانوا
تؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لقاتلهم عليها) (2) ولم ينكره أحد من الصحابة، فكان
إجماعا ".
وقلنا مال معلوم المصرف فتبرأ الذمة بصرفه فيه كالدين وكالأموال الباطنة،
وقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو أن رجلا حمل زكاته على عاتقه
فقسمها علانية كان ذلك حسنا " جميلا) (3) أما الآية فلا دلالة فيها على المنع، لأنا
نوجب التسليم مع مطالبة الإمام. وقول أبي بكر، لا دلالة فيه لأن ذلك بسبب امتناعهم
عن إخراجها وعن تسليمها، ونحن نتكلم على تقدير دفعها إلى المستحق.
ولو ادعى المالك الإخراج، قبل ولم يكلف بينة ولا يمينا "، وكذا لو قال المال
الوديعة، أو قال لم يحل عليها الحول. وقال الشافعي: يكلف اليمين إذا ادعى خلاف
الظاهر فإن حلف وإلا ألزم.
لنا أنه مؤتمن على المال، وله ولاية الإخراج فيكون القول قول فيه، ولأنها
عبادة تؤدى بحق الله فلم يكلف عليها يمينا " كغيرها من العبادات، ولما روي إن عليا "
قال لعامله: (فإن أجابك منهم مجيب فامض معه وإن لم يجبك فلا تراجعه).
الثانية: يستحب دفع الزكاة إلى الإمام، ومع فقده إلى الفقيه المأمون من
الإمامية، لأنه أبصر بمواقعها، ولأنه إذا دفعها إلى الإمام برئ باطنا " وظاهرا "، ولو
دفعها هو إلى المستحق برئ ظاهرا " فكان دفعها إلى الإمام أولى، فإذا قبضها الإمام
أو الفقيه منه برئ، ولو تلفت قبل التسليم لأن الإمام ونائبه كالوكيل لأهل السهمان
فجرى قبضه مجرى قبض المستحق.

1) سورة التوبة: الآية 103.
2) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 93.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 54 ح 1.
587

الثالثة: يجوز أن يخص بها بعض الأصناف، ولا يجب بسطها على الثمانية
وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقال الشافعي: تجب قسمة كل صنف منها على الأصناف
الستة الموجودين على السواء، ويجعل لكل صنف ثلاثة أسهم فصاعدا " فإن لم يوجد
إلا واحد من ذلك الصنف صرف حصة الصنف إليه، تمسكا " بظاهر الآية. وقال مالك:
يقدم موضع الحاجة ويعطي الأولى فالأولى.
لنا أن النبي صلى الله عليه وآله صرفها تارة في المؤلفة، وتارة فيمن يحمل حماله، وأعطى
سلمة بن منحر صدقة قومه. واحتجاجه بالآية ضعيف لأن اللام فيها للاختصاص لا
للملك كما يقول باب الدار فلا يقتضي وجوب التسوية في العطاء، نعم الأفضل قسمتها
في الأصناف ليخرج به من الخلاف.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقسم صدقة أهل البوادي فيهم وصدقة أهل
الحضر في الحضر ولا يقسمها بينهم بالسوية إنما يقسمها على قدر من يحضره منهم
قال وليس في ذلك شئ موقت) (1).
الرابعة: لو لم يوجد مستحق وجب عزلها والايصاء بها، قاله الشيخان ودل
على ذلك رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا حال الحول فأخرجها
عن مالك ولا يخلطها بشئ) قلت: أما إن أنا أكتبها وأثبتها أيستقيم لي؟ قال: نعم) (2)
ولأن بقائها في جملة ماله قد يشتبه على الورثة، أو فواته الموت فإفرادها والايصاء
بها احتياط للمستحق.
الخامسة: لو عدم المستحق في بلده نقلها ولم يضمن لو تلفت، ويضمن لو
نقلها مع وجود المستحق. هنا بحثان:

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 28 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 52 ح 2.
588

الأول: نقل الصدقة من بلدها مع وجود المستحق غير جائز، لأنه تأخير للدافع
مع مطالبة المستحق بشاهد الحال فيضمن لأنه عدوان فيجزي لو وصلت إلى المستحق
بيانا ". ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل بعث
زكاة ماله ليقسم فضاعت هل عليه ضمانها؟ قال: (إذا وجد لها موضعا " فلم يدفعها
فهو لها ضامن حتى يدفعها.
الثاني: لو عدم المستحق في البلد جاز نقلها مع ظن السلامة ولم يضمن لو
تلفت، لأن دفعها واجب، فإذا لم يمكن إلا بالنقل جاز ولا يضمن، لأنه تصرف
مأذون فيه فلم يترتب عليه الضمان. ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها
خرجت من يده) (2) ويلزم مع جواز نقلها الاقتصار على أقرب الأماكن التي يوجد
فيها المستحق.
السادسة: لو مات العبد المبتاع من الزكاة ولا وراث له فماله لأرباب الزكاة
وعليه علمائنا، وحجتهم ما رواه عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أخرج زكاة ماله فلم يجدها موضعا " فاشترى به مملوكا " فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال:
(نعم لا بأس بذلك) قلت فإنه اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث
فمن يرثه؟ قال: (يرثه الفقراء الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما اشترى بمالهم، ويمكن
أن يقال تركته للإمام لأن الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة لأنه أحد مصارفها
فتكون كالسائبة) (3). وتضعف الرواية بأن في طريقها ابن فضال، وهو فطحي، وعبيد
الله بن بكير، وفيه ضعف، غير أن القول بها عندي أقول لمكان سلامتها عن المعارض
وإطباق المتحققين منا على العمل بها.

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 39 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 39 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 43 ح 2.
589

السابعة: قال الشيخان وابنا بابويه وأكثر الأصحاب: لا يعطى الفقير أقل مما
يجب في النصاب الأول، وهو خمسة دراهم، أو عشر قراريط وقال سلار: ويجوز
الاقتصار على ما يجب في النصاب الثاني، وهو درهم، أو عشر دينار، وبه قال ابن
الجنيد، ولم يقدره علم الهدى، وكذا قال الجمهور.
والقول الأول أظهر بين الأصحاب، وأشهر في الروايات، رواه أبو ولاد الخياط
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة
دراهم) (1) ورواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يجوز دفع الزكاة
أقل من خمسة دراهم فإنها أقل الزكاة). (2)
فأما القول الآخر فرواه محمد بن أبي الصهبان قال: كتبت إلى الصادق عليه السلام
هل يجوز أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة فقد اشتبه ذلك
علي؟ فكتب: (ذلك جايز) (3) فالترجيح للأولى لأنها مشافهة وأقوى سندا " على أن
هذه يمكن حملها على أن العطية من النصاب الثاني والثالث، فإنه يجوز إذا أدى
مما وجب في الأولى إلى الفقير أن يعطى ما وجب في النصاب الثاني إلى غيره أو
إليه، بحيث لا يعطى الفقير أقل مما وجب في النصاب الذي أخرج منه الزكاة.
وأما قول علم الهدى، فلم أجد به حديثا " يستند إليه والإعراض عن النقل
المشهور مع عدم المعارض اقتراح، والتمسك بقوله تعالى: (آتوا الزكاة) (4)
غير دال لأنه أمر بالإيتاء، ولا يدل على كيفية ذلك الإيتاء فيرجع فيه إلى الكيفية
المنقولة ولا حد لأكثر ما يعطى الفقير ومنع جماعة من الجمهور ذلك، واقتصروا
على ما لا يبلغ حد الغنى، وهو تمسك ضعيف، لأن المنع من تسليم الزكاة إلى الغني

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 23 ح 3.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 23 ح 4.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 23 ح 4.
4) سورة البقرة: الآية 43 و 83 و 110.
590

لا يستلزم المنع من دفع ما يصير به غنيا "، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (خير
الصدقة ما أبقت غنى) (1).
وعن أهل البيت روايات منها رواية سعد بن غزوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(اعطه من الزكاة حتى تغنيه) (2)، وعن إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال: (نعم حتى
تغنيه) (3)، وعن عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟
قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (إذا أعطيت فأغنه) (4).
الثانية: يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا "، ولا بأس بعوده إليه
بميراث، وشبهه، وهو قول علمائنا أجمع، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة. وقال
أحمد: لا يجوز ولو اشتراها لم يصح، لما روي عن عمر قال حملت على فرس في
سبيل الله وأردت ابتياعه فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: (لا تبعه ولا تعد في صدقتك) (5)
ولو أعطاكه بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في فيئه.
ولنا قوله (لا تحل الصدقة إلا لخمسة رجال رجل ابتاعه بماله) (6) ولأن
القابض ملكها ملكا " تاما " فكان لمخرجها ابتياعها كما يكون لغيره، وكما لو رهبها ثم
ابتاعها، وروى الأصحاب عن جعفر عليه السلام قال: (فإن تتبعت نفس صاحب الغنم فإذا
أخرجها فليقومها فيمن يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها) (7)
وجواب خبرهم، تنزيله على الكراهية توفيقا " بين الخبرين.

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 129.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 24 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 24 ح 3.
4) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 24 ح 4.
5) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 108.
6) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الزكاة باب 27 ص 590 (على هذا المضمون).
7) الوسائل ج 6 أبواب الزكاة الأنعام باب 14 ح 3 (عن أبي عبد الله " ع ").
591

مسألة: إذا قبض الإمام الصدقة دعا لصاحبها، وهل هو على الوجوب؟ للشيخ
قولان قال في الخلاف: نعم، وبه قال داود. وقال في موضع آخر: بالاستحباب،
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة:
لنا قوله تعالى (وصل عليهم) (1) والأمر للوجوب، وقد بينا أن مع عدم
الإمام يسقط عنهم المؤلفة والسعاة، وأما سهم السبيل فمن حصته بالجهاد يسقط إلا
أن ينفق وجوب الجهاد مع عدمه، ومن لم يخصه بالجهاد لم يسقط كله.
مسألة: ينبغي أن تعطى زكاة الذهب والفضة والتبرع أهل المسكنة، وزكاة
النعم أهل التجمل، روى ذلك عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (صدقة
الظلف والخف تدفع إلى المتجملين من المسلمين، وصدقة الذهب والفضة وما كيل
بالقفيز مما أخرجت الأرض للفقراء المدقعين) (2) قال ابن سنان وكيف ذلك؟ قال:
(لأن المتجملين يستحيون من الناس فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس).
مسألة: ومن يستحي من طلبها يتوصل إلى مواصلته، روى ذلك أبو بصير
قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه منها ولا
أسمي له أنها من الزكاة؟ قال: (اعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن) (3).
ولو اجتمع في المستحق أسباب جاز أن يعطى بكل سبب نصيبا " لوجود
المقتضي لذلك النصيب.
القسم الثاني: زكاة الفطرة وهي واجبة وفرض، وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: واجبة وليست فرضا. وقال داود: هي سنة. ودل على الوجوب
قوله تعالى (قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى) (4) وفي تفسير أهل البيت

1) سورة التوبة: الآية 103.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 26 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 58 ح 1.
4) سورة الأعلى: الآية 14 و 15.
592

عليهم السلام المراد بها الفطرة ومثله عن سعيد بن المسيب وعن ابن عباس قال: فرض
رسول الله صلى الله عليه وآله صدقة الفطرة، طهرة للصائم من الرفث، وطعمة للمساكين (1).
وامتناع أبي حنيفة من إطلاق الفرض عليها لا وجه له، لأن الدلالة عليها قطعية مؤكدة.
وأركانها أربعة:
الأول: من تجب عليه تجب على البايع العاقل الحر الغني. أما اشتراط
البلوغ، فعليه علمائنا أجمع، وبه قال محمد بن الحسن. وقال الباقون: تجب في
مال اليتيم، ويخرجها عنه الولي.
لنا قوله تعالى (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ) (2)، وظاهره سقوط
الحكم، ولأنه ليس محلا للخطاب فلا يتوجه إطلاق الأمر إليه، وما روى الأصحاب
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة
حتى يدرك فإذا أدرك كان عليه مثل ما على غيره من الناس) (3)، وما رواه محمد بن
القسم بن الفضل قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الوصي يزكي زكاة
الفطر عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فقال: (لا زكاة على مال اليتيم) (4) وكذا البحث
فيمن ليس بكامل العقل.
قال علماؤنا: ولا تجب على مملوك، وبه قال أبو حنيفة، وأكثر أهل العلم،
وقال داود تجب على العبد. لنا أنه لا مال له، ووجوبها مشروط بالغنى، ولا تجب
على الفقير، وهو مذهب علمائنا، ونعني به من يستحق أخذ الزكاة. وقال الشافعي:
تجب على من فضل عن مؤنته ومؤنة عياله ليوم وليلة صاع، وبمثله قال ابن الجنيد

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 111.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الحج ص 325.
3) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 1 ح 11.
4) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه باب 1 ح 4.
593

لقوله عليه السلام: (أدوا صدقة الفطر أما غنيكم فيزكيه وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما
أعطى). لنا قوله (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) (1).
لا يقال يصرف هذا إلى زكاة المال، لأنا نقول هو عدول عن الظاهر بالاقتراح
فلا يصار إليه، ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية يزيد بن فرقد عن أبي
عبد الله عليه السلام قلت: على المحتاج صدقة الفطرة قال: (لا) (2)، ورواية الحلبي عنه
عليه السلام عن رجل يأخذ من الزكاة عليه فطرة؟ قال: (لا) (3)، ولأن الزكاة جبر للفقير
ومواساة له فلو وجبت عليه كان إضرارا " وتضييقا فإذا ثبت هذا فالذي يجئ عليه
وجوبها على من كان كسبه أو صنعته تقوم بأوده، وأود عياله مستمرا " وزيادة صاع أو
يكون بيده ما هو معد للإنفاق بما يمونه وعياله حولا.
وقال الشيخ في الخلاف: أن يملك نصابا " زكاتيا " أو قيمته. وفي المبسوط:
أن يملك ما يجب فيه زكاة المال. وقال أبو حنيفة: أن يملك ما في درهم أو ما قيمته
نصاب غير مسكنه، وأثاثه، وثيابه، وثياب حشمه وخادمه قال: لأن زكاة المال تجب
عليه ولا تجب إلا على الغني فيلزمه الفطرة.
لنا وجود الكفاية يمنع من أخذها، فيجب عليه، ويدل على ذلك قول أبي
عبد الله عليه السلام: (من حلت له لا تحل عليه ومن حلت عليه لا تحل له) (4). وما ذكره
الشيخ، لا أعرف به حجة، ولا قائلا من قدماء الأصحاب فإن كان معوله على ما احتج
به أبو حنيفة، فقد بينا ضعفه.
وبالجملة فإنا نطالبه من أين قاله، وبعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع.

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 164.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 2 ح 4.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 2 ح 9.
594

وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ومنع القيمة، وادعى اتفاق الإمامية
على قوله، ولا ريب أنه وهم.
ولو احتج بأن مع ملك النصاب، تجب الزكاة بالإجماع، منعنا ذلك، فإن
من ملك النصاب ولا يكفيه لمؤنة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة، وإذا أخذ الزكاة
لم تجب عليه الفطرة، لما روي عن أبي عبد الله عليه السلام في روايات عدة، منها رواية الحلبي
ويزيد بن فرقد ومعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن رجل يأخذ من الزكاة
عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا) (1).
فأما رواية الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: أعلى من قبل الزكاة زكاة فقال:
(أما من قبل زكاة المال فإن عليه زكاة الفطرة وليس عليه لما قبله زكاة وليس على
من قبل الفطرة فطرة) (2) فمحمول على الاستحباب لما سنبين إن المستحق للفطرة
هو المستحق لزكاة المال.
مسألة: وتجب الفطرة على الكافر لكن لا يصح منه أدائها. أما الوجوب
فلأنه مكلف يصح تناول الخطاب له، فتجب عليه كما تجب على المسلم، وقد أنكر
ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد قالوا: لأنه ليس من أهل الطهرة والزكاة طهرة.
وقلنا الطهرة ممكنة بتقديم إسلامه كما نقول هو مخاطب بالعبادات، ومن
شرطها النية وقد كان يمكنه تقديمها فصح أمره بها. ولا يصح منه إخراجها لأنها عبادة
تفتقر إلى النية ولو فات وقتها لم يجب عليه قضاؤها، لقوله عليه السلام (الإسلام يجب
ما قبله) (3).
مسألة: لو كان للكافر عبد مسلم، لم يكلف إخراج الفطرة عنه، وحكي عن

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 2 ح 1 و 5 و 8.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 2 ح 10.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 199 و 204.
595

أحمد لزوم الإخراج عنه، لأنه من أهل الطهرة، فوجب أن تؤدى عنه الزكاة. لنا
أن الفطرة عبادة تفتقر إلى النية ولا تصح من الكافر، ولأنه لا يكلف الفطرة عن نفسه
لمانع قائم به فلا يكلف عن غيره.
وقولهم العبد المسلم من أهل الطهرة، قلنا مسلم لكنه فقير فلا تجب عليه
الفطرة. ولو قال هو غني بمولاه، قلنا لكن لا يفضل في ملكه عن قدر كفايته ما يجب
فيه الزكاة، على أنا نمنع من بقاء المسلم في يد الكافر ويجبر على بيعه، لكن هذا
على تقدير إسلامه في آخر جزء من الشهر ثم يهل الهلال ولم يبع.
مسألة: ويجب أن يخرج الفطرة عن نفسه ومن يعوله من صغير، وكبير،
وذكر، وأنثى، وحر، وعبد ولو كانوا كفارا "، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي
وأحمد: يشترط فيهم الإسلام لقوله عليه السلام من المسلمين، ولأن الزكاة طهرة للصائم
وليس الكافر من أهل الطهرة. ولنا قوله عليه السلام (أدوا عن كل حر وعبد صغير وكبير
يهودي أو نصراني أو مجوسي).
لا يقال قد طعن في هذا الحديث بأنهم لا يعرفونه، لأنا نقول ليس ذلك طعنا "
لازما " إذ قد يستند عن بعض الناقلين ما يستدركه الآخر.
ومن طريق الأصحاب روايات: منها رواية الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا: (على الرجل أن يعطي عن كل من يعول
من حر وعبد وصغير وكبير) (1)، وهو على إطلاقه وخبرهم غير دال على موضع
النزاع، إلا بدليل الخطاب، وهو ضعيف.
وقولهم الزكاة طهرة قلنا حق لمن يخرجها إذا لم تكن طهرة لمن تخرج بسببه
كما تخرج عن الطفل والمجنون وليس عند أحدهما ما يوجب التطهير، وقد روى

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 6.
596

الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام (1)
قال: (يؤدي الرجل زكاته عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي
وما أغلق عليه بابه)، وهذا وإن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه.
فروع
الأول: لو كان له عبيد للتجارة لزم المولى زكاة الفطرة عنهم ولم تسقط زكاة
التجارة وجوبا " واستحبابا "، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد. وقال أبو حنيفة:
لا تلزمه الفطرة لأنه لا تجتمع في المال الواحد زكاتان كما لا تجتمع في السائمة
الزكاتان.
لنا قوله عليه السلام (صدقة الفطرة على الحر والعبد ممن يمونون) (2)، وقوله عليه السلام
(إلا أن في الرقيق صدقة الفطرة) (3)، وحجته ضعيفة لأن المنع من اجتماع الزكاتين
في السائمة لأنه مال واحد فلا تجتمع فيه زكاتان، وليس كذلك الفطرة لأنها تجب
لطهارة البدن وزكاة التجارة في القيمة مع أنه قياس لزكاة الفطرة على زكاة المال
وليس بينهما جامع.
الثاني: لو ملك عبده عبدا " كان على المولى زكاتهما لأنهما جميعا " ملك للمولى
لأن العبد لا يملك شيئا ".
الثالث: عبيد المضاربة يلزم المولى فطرتهم. وقال أحمد: تخرج من مال
المضاربة لأن مؤنتهم منها والزكاة تلزم من يلزمه الإنفاق. ولنا: أن الزكاة يلزم
المولى عن عبده لأنه من عياله وعليه نفقته وإن أخرجت من مال المضارة، ثم تنتقض

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 9.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
3) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 108.
597

حجته بالعبد الغائب والمغصوب فإنه وإن استغني عن مولاه فالفطرة لازمة له، لأن
نفقته واجبة في الأصل عليه.
الرابع: تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته، والآبق والمرهون
والمغصوب، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأكثر أهل العلم. وقال أبو حنيفة: لا تلزمه
زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز.
لنا: أن الفطرة تجب على من يجب أن يعوله، وبالرق تلزم العيلولة، فتجب
الفطرة، وحجة ضعيفة لأنا لا نسلم أن نفقته تسقط عن المالك مع الغيبة وإن اكتفى
بغير المالك، كما لو كان حاضرا " واستغنى بكسبه، وكذا لو رده صاحب الجعالة أخذ
من الجعالة نفقته.
الخامس: لو كان له مملوك لا يعلم حياته. قال الشيخ في الخلاف: لا تلزم
فطرته. وللشافعي قولان: أحدهما تلزمه لأن الأصل بقاؤه. واحتج آخرون لذلك
أيضا " بأنه يصح عتقه في الكفارة إذا لم يعلم له موتا ". واحتج الشيخ بأنه لا يعلم أن
له مملوكا " فلا تجب عليه زكاته. وما ذكره الشيخ حسن لأن الزكاة انتزاع مال
يتوقف على العلم بسبب الانتزاع ولم يعلم.
وقولهم الأصل البقاء، معارض بأن الأصل عدم الوجوب، وقولهم يصح عتقه
في الكفارة عنه جوابان: أحدهما المنع ولا يلتفت إلى من يقول الإجماع على جواز
عتقه، فإن الإجماع لا يتحقق من رواية واحدة وفتوى اثنان أو ثلاثة والجواب الآخر
الفرق بين الكفارة ووجوب الزكاة إذ العتق إسقاط ما في الذمة من حق الله، وحقوق
الله مبنية على التخفيف، والفطرة إيجاب مال على مكلف له يثبت سبب وجوبه عليه.
السادس: المملوك الكافر إذا كان له زوجة كافرة يجب على المولى الفطرة
عنهما، ومنع الشافعي وألزم أبو حنيفة الزكاة عن الزوج ولم يلزم عن الزوجة بناء
منه على أن الفطرة لا تتحمل بالزوجية.
598

لنا: عموم الأحاديث، منها ما رووه عن ابن عمر قال (1): أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
بصدقة الفطرة عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن يمونون، ونحن نتكلم على
تقدير المؤنة.
السابع: يلزمه فطرة عبده المدبر والمكاتب المشروط عليه لأن ملكه مستقر
فهو كغيره، وإن كان مطلقا " لم يتحرر منه شئ، فكذلك وإن تحرر منه لزمه فطرته إن
انفرد بمؤنته وإن أنفق من كسبه فعليه بحساب ما بقي منه ويسقط بقدر ما تحرر، قاله
الشيخ في الخلاف والمبسوط، لأنه ليس حرا ".
والأقرب أنها عليهما بالحصة إن ملك بالحرية لما تجب معه الفطرة. وقال
الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: لا يلزم المولى لأنه ليس من عياله لسقوط نفقته، ولا يلزمه
فطرة نفسه لأن ملكه ليس تاما ". وقال مالك: يلزم المولى فطرته لأنه رق ما بقي عليه
درهم فهو كساير عبيده.
لنا أنه رق ما بقي منه فيجب فطرته على المولى كالقن، ولأن ما في يده ملك
لمولاه، وإنما منع بسبب الكتابة فلم يخرج عمن يمونه المولى. ويؤيد ذلك ما رواه
محمد بن أحمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يؤدي الرجل زكاته عن
مكاتبه ورقيق امرأته وكذا يؤدي الزكاة عن عبد مكاتبه) (2).
وقال الشافعي: لا تجب عليه فطرته، لأنه ليس من عياله ولا على المكاتب
لأن ملكه ليس تاما ". وقال أحمد: تجب زكاته في مال المكاتب، لأن مؤنته عليه،
وبمثل ذلك رواية عن أهل البيت عليهم السلام رواها علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
(الفطرة عليه) (3). لنا أنه ملك للمولى كما هو مالك لمولاه فتلزمه فطرته.

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 164.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 9.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 17 ح 3.
599

ومن بعضه حر، ففطرته عليه وعلى مولاه إن ملك بالحرية ما تجب معه الفطرة
وإلا فعلى مولاه حصة الرق. وقال الشافعي وأحمد: فطرته عليهما. وقال مالك:
على الحر بحصته وليس على العبد شئ. لنا أنه من يصح تناول الخطاب له وقد
ملك ما تجب معه الزكاة فتجب عليه بحصته وعلى المولى حصة الرق كما لو كان
لاثنين.
مسألة: لو كان عبد بين اثنين فزكاته عليهما وبه قال الشافعي وأحمد. وقال
أبو حنيفة: لا فطرة عليهما لأن كل واحد منهما ليس له عليه ولاية كاملة فكان كالمكاتب
ولأن من لا يلزمه جميع الفطرة لا يلزمه بعضها كالوصي.
لنا: ما رووه عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله الصدقة على كل حر
وعبد ممن يمونون (1) ومؤنته عليهما [فطرته عليهما]. وكذلك لو ملكا عبيدا " أو ملك
جماعة عبدا " أو عبيدا " مشاعا ". وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأنه لا معنى لاشتراط الولاية
مع وجود النص، وكذا قوله من لا تلزمه الفطرة لا يلزمه بعضها دعوى مجردة،
وقياسه على الوصي بعيد لأنه بجامع سلبي.
فرع
يجوز أن يتفقا في جنس الإخراج وإن يختلفا. وقال الشافعي يخرجان من
غالب قوت البلد. وسنبين أن ذلك غير واجب.
مسألة: يجب على الزوج إخراج الفطرة عن زوجته، وبه قال الشافعي،
ومالك، وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يتحمل بالزوجية، لما روي عن ابن عمر:
(فرض النبي صلى الله عليه وآله الفطرة على كل مسلم) (2)، وإذا وجبت عليها لم يتحملها الزوج

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 161.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 162 وفي السنن لابن ماجة ج 2 ص 584.
600

كزكاة المال، ولأن فطرته لا تجب عليها فكذا هي.
لنا ما روي (أن رسول الله صلى الله عليه وآله فرض الزكاة على كل حر وعبد وذكر وأنثى
ممن يمونون) (1)، والزوجة ممن يمونها الزوج، وطعنهم في هذه الرواية لا وجه
له، فإن أصحاب الحديث منهم نقلوه نقلا مستفيضا "، وكذا رواه وروينا عن جعفر
ابن محمد عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وآله فرض صدقة الفطر على الصغير والكبير والحر
والعبد والذكر والأنثى ممن يمونون) (2)، فقد صار هذا الخبر من المشاهير. وقياس
الزوجة على الزوج ضعيف لأن الزوج ليس من عيال الزوجة.
فروع
الأول: إن كان للمرأة من يخدمها وهي من أهل ذلك فعلى الزوج فطرته،
لأن مؤنته عليه وأن كان بأجرة فلا فطرة عليه لأن ما يستحقه أجرة لا نفقه، ولو لم تكن
من أهل الاخدام لم يلزمه فطرته ولا نفقته.
الثاني: لو شرطت نفقة أجير الخدمة لزمه فطرته، ولو قيل لا يلزمه فطرته كان
أولى لأن النفقة المشترطة كالأجرة.
الثالث: قال الشيخ في المبسوط: لو نشزت الزوجة سقطت نفقتها، ولا تلزمه
فطرتها، لأن الزكاة تتبع العيلولة أو وجوبها فإذا سقطت فلا زكاة، لقوله عليه السلام (ممن
يمونون) (3)، ولقول أبي عبد الله عليه السلام (يخرجها عن نفسه ومن يعوله) (4).
وقال بعض المتأخرين: الزوجية سبب لإيجاب الفطرة لا باعتبار وجوب مؤنتها
ثم تخرج فقال يخرج فقال يخرج عن الناشز والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها،
ولم يبد حجته عدا دعوى الإجماع من الإمامية على ذلك، وما عرفنا أحدا " من فقهاء

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
4) مستدرك الوسائل ج 1 أبواب زكاة الفطرة باب 5.
601

الإسلام فضلا عن الإمامية أوجب الفطرة عن الزوجة من حيث هي زوجة، لا بل ليس
تجب فطرة إلا عمن تجب مؤنته أو يتبرع بها عليه فدعواه إذا " غريبة من الفتوى والأخبار.
الرابع: إذا طلقها رجعيا " لم تسقط عنه فطرتها إذا أهل الهلال وهي في العدة
لأنها في عياله ولو طلقها بائنا " لم تلزمه.
الخامس: قال الشيخ في الخلاف: المرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر
أو تحت مملوك أو الأمة تحت مملوك أو معسر، فالفطرة على الزوج، فإذا كان لا يملك
شيئا " لم يلزمه شئ، لأن المعسر لا تجب عليه الفطرة ولا يلزم الزوجة ولا مولى الأمة
لأن لا دليل عليه. وللشافعي قولان: أحدهما يجب عليها أن تخرج عن نفسها وعلى
المولى عن أمته.
وما ذكره الشيخ جيد، لأنها صارت من عيال الزوج ونفقتها عليه، فإذا كان
فقيرا " لم تجب عليه فطرتها، ولو قلنا يجب عليها فطرتها لأنها ممن يصح أن يزكى
والشرط المعتبر موجود فيها، وأنها تسقط عنها بوجوبها على الزوج فإذا لم تجب
عليه وجبت عليها كان قويا " وكذا على مولى الأمة.
وقال في الخلاف: إذا أخرجت المرأة الزكاة عن نفسها بإذن زوجها أجزءت
عنها، وإن لم يأذن لم تجزأ عنها، وللشافعي قولان، أحدهما: لا تجزئ ولو كان
بإذنه، لأنها لازمة للزوج وساقطة عن الزوجة، وما ذكره الشيخ، حسن لأنه إذا
أذن لها كان كالمخرج لها كما لو أمرها بأداء الدين عنه أو العتق.
مسألة: الولد الصغير فطرته على أبيه إذا كان معسرا " لأنه من عياله، وبه قال
الشافعي، وأبو حنيفة، لكن أبو حنيفة أوجبها لأن له عليه ولاية.
ولو كان الصغير موسرا " كانت نفقته في ماله وفطرته على أبيه، لأنه من عياله،
كذا قال الشيخ (ره). ولو قيل لا يجب على أبيه فطرته لأنه لم يمنه ولا ممن يجب أن
يعوله ولا على نفسه لما شرطناه من البلوغ، كان قويا ".
602

أما الولد الكبير فله حكم نفسه إن كان غنيا " فمؤنته وفطرته على نفسه، وإن
كان فقيرا " فنفقته وفطرته على أبيه، وكذا القول في الوالد والوالدة والجد والجدة،
لقوله عليه السلام (على الصغير والكبير والذكر والأنثى ممن يمونون) (1)، وولد الولد
حكمه حكم الولد للصلب وقد مضى.
مسألة: المتبرع بالعيلولة تلزمه الفطرة، مثل أن يضم أجنبيا "، أو يتيما "، أو ضيفا "
ويهل الهلال وهو في عيلته، وعليه اتفاق علمائنا، وبه قال أكثر أصحاب أحمد بن
حنبل. وأطبق الجمهور على خلافه، لأن مؤنته ليست واجبة فلا يلزمه فطرته كما
لو لم يعلمه.
لنا قوله عليه السلام (أدوا صدقة الفطر عمن تمونون) (2)، وما روي عن أهل البيت
عليهم السلام في روايات منها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: (كل
من ضممت إلى عيالك من حر وعبد فعليك أن تؤدي الفطرة عنه) (3) وما روي عنه
عليه السلام عن أبيه قال: (صدقة الفطرة على كل صغير وكبير حر أو عبد عن كل من يعول) (4).
وقوله مؤنته غير لازمة فكان كما لو لم يعلمه، قلنا لا نسلم التساوي ولم لا يكتفي
بالمؤنة لازمة كانت أو غير لازمة عملا بإطلاق اللفظ، ويؤيد ذلك ما رواه عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر
يوم الفطر فيؤدي عنه الفطرة قال: (نعم) (5).
ثم اختلف الأصحاب فشرط بعضهم في الضيافة الشهر كله، وشرط آخرون

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 161.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 8.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 9.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 2.
603

ضيافة العشر الأواخر، واقتصر آخرون على آخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال
وهو في ضيافته، وهذا هو الأولى لقوله عليه السلام (ممن تمونون) (1) وهو يقتضي الحال
والاستقبال، وتنزيله على الحال أولى، لأنه وقت الوجوب، والحكم المعلق على
الوصف يتحقق عند حصوله لا مع مضيه ولا مع توقعه.
مسألة: الشروط المعتبرة في الوجوب تعتبر آخر جزء من الشهر واستمرارها
حتى يهل الهلال، فلو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو ملك الفقير ما تجب معه الفطرة
وأهل الهلال وهي باقية، وجبت الفطرة فلو زالت قبل الهلال أو حدثت بعده لم تجب
ولكن يستحب لو حصلت ما بين الهلال إلى الزوال من يوم العيد، وكذا لو ولد له أو
ملك عبدا " أو تزوج امرأة وتحرير هذا عند بيان وقت الوجوب وسيأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة: والفقير مندوب إلى إخراجها عن نفسه وعن عياله، وإن استحق أخذها
ومع الضيق يدير صاعا " على عياله ثم يتصدق به على غيره، لأن الصدقة مستحبة على
الإطلاق فتتناول الغني والفقير. وقال بعض الأصحاب: تجب على الفقير وإن قبل
الزكاة، لما روى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: الفقير الذي يتصدق عليه عليه صدقة
الفطرة؟ قال: (نعم يعطي ما يتصدق به عليه) (2).
وما روى إسحاق بن عمار قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل لا يكون عنده شئ
من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه من الفطرة وحدها يعطيه غريبا " أو يأكل هو وعياله؟ قال:
(يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه يترددونها فتكون عنهم جميعا " فطرة
واحدة) (3) والجواب أن ذلك محمول على الاستحباب توفيقا " بينه وبين الأخبار
السالفة.

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 15.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 3 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 3 ح 3.
604

الركن الثاني
[في جنسها وقدرها]
والضابط إخراج ما كان قوتا " غالبا " كالحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب،
والأرز، والأقط، واللبن، وهو مذهب علمائنا. وقال الشافعي: يخرج ما كان قوتا "
على الاختيار من الحبوب، وله في الأقط قولان، وأجاز اللبن مع عدم الأقط على
القول بالأقط. ومنع أبو حنيفة من الأقط الأعلى وجه القيمة. ومنع الباقون من الأرز
إلا على وجه القيمة. واقتصر أحمد على الأجناس الخمسة الحنطة، والشعير، والمتر
والزبيب، والأقط، لرواية أبي سعيد الخدري (1).
لنا على الأقط رواية أبي سعيد قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله الفطرة
صاعا " من طعام، أو صاعا " من تمر، أو صاعا " من زبيب، أو صاعا " من أقط)، وإذا جاز
إخراج الأقط لكونه قوتا " جاز إخراج اللبن، لأنه قوت أهل البادية غالبا " واقتياطهم
الأقط نادر.
ودل على ما ذكرناه ما رواه زرارة وابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الفطرة
على كل قوم ما يغدون عيالاتهم لبن أو زبيب أو غيره) (2)، وعن أبي الحسن العسكري
عليه السلام قال: (وعلى أهل طبرستان الأرز ومن سكن البوادي فعليهم الأقط) (3).
مسألة: وأفضل هذه الأجناس التمر، وفي رواية عن الشافعي أفضلها البر لأنه
يحتمل الادخار، ولنا التمر أسرع تناولا، وأقل كلفة، فكان أفضل، ودل على ذلك
روايات، منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التمر في الفطرة

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 113.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 8 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 8 ح 2.
605

أفضل من غيره لأنه أسرع منفعة) (1)، وعن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لئن أعطي صاعا " من تمر أحب إلي من أن أعطي صاعا " من ذهب في الفطرة) (2).
وبعده الزبيب لأنه يشارك التمر في سرعة الانتفاع. وقيل بعد التمر البر. وقال
آخرون أعلاها قيمة. وقال آخرون ما يغلب على قوت البلد، ولعل هذا أجود، لرواية
العسكري (3) المتضمنة لتميز الفطرة وما يستحب أن يخرجه أهل كل إقليم.
مسألة: ولو غلب بلده قوت فأخرج غيره من هذه الأجناس جاز، وللشافعي
قولان أحدهما المنع. لنا تصريح الروايات بالتخيير وهو دليل عدم التضييق.
مسألة: وهي من جميع الأجناس صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله، وبه قال الشافعي
ومالك، وأحمد. وقال أبو حنيفة: من الحنطة نصف صاع، وعنه في الزبيب روايتان
لما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه بعث مناديا " في فجاج
مكة إلا أن صدقة الفطرة واجبة على كل مسلم ذكر وأنثى صغير وكبير نصف صاع
من بر، وخطب صلوات الله عليه فقال: (صدقة الفطرة نصف صاع من بر أو صاع
من شعير) (4).
ولنا رواية أبي سعيد الخدري وقد سلفت (5)، ورواية ثعلبة عن أبيه قال: قال
النبي صلى الله عليه وآله: (أدوا صدقة الفطرة صاعا " من قمح أو قال من بر) (6).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 10 ح 7.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 10 ح 6.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 8 ح 2.
4) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 113.
5) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 113.
6) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 114.
606

سألته عن الفطرة فقال: (كل إنسان صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من زبيب) (1)
وعن معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: (يعطي أصحاب الإبل والغنم في الفطرة من
الأقط صاعا ") (2) وعن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (زكاة الفطرة صاع
من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط) (3).
فأما رواية الحلبي وعبد الله بن سنان ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
المتضمنة لنصف صاع من بر (4)، فقد ذكر الأصحاب وغيرهم أن ذلك غير في
زمن عثمان، أو زمن معاوية روى ذلك جماعة من الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(صدقة الفطر صاع فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح) (5).
وفي روايات الجمهور عن أبي سعيد الخدري قال: زكاة الفطر صاع من طعام
أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب أو أقط فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية فكان فيما
كلم الناس أني لأرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعا " من تمر فأخذ الناس بذلك
قال أبو سعيد: ولا أزال أخرجه كما كنت أخرجه.
ومثله روى الأصحاب عن عبد الرحمن (6) الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لما كان زمن معاوية عدل الناس ذلك إلى نصف صاع من حنطة) وروي عن أمير
المؤمنين عليه السلام (أنه سئل عن الفطرة فقال: صاع من طعام، فقيل أو نصف صاع؟ فقال:

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 5 ح 11.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 11 و 12 و 13.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 9.
6) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 10.
607

(بئس الاسم الفسوق) (1)) (2) والأحاديث التي احتج بها أبو حنيفة قد ضعفها
أصحاب الأحاديث منهم، فلا حجة فيها، والأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام
قد بينا وجهها.
مسألة: قال الشيخ: واللبن يجزي منه أربعة أرطال بالمدني ولعل حجته رواية
سعد عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن سليمان عن الحسن بن علي عن القسم بن الحسن
عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة قال: (يتصدق
بأربعة أرطال من اللبن) (3)، والرواية ضعيفة السند مرسلة فلا حجة فيها، ولأن الأقط
لا يجزي إلا صاع فاللبن أولى لأن الأقط جوهره، مع أن ظاهرها الاجتزاء مع عدم
التمكن من الفطرة، ولا بأس بذلك مع عدم التمكن وإنما فسره بالمدني لرواية محمد
ابن الريان قال: كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة كم تؤدى فكتب: (أربعة أرطال
بالمدني) (4)، والرواية في الضعف على ما ترى.
فرع
لا يجزي إخراج صاع من جنسين إلا على وجه القيمة، ويجزي لو أخرج أصواعا "
من أجناس، ولو غلب على قوته جنس جاز أن يخرج من جنس آخر، ولو كانت دونه
قيمة، والأفضل أن يخرج إلا على قيمة ولا يخرج معيبا " كالمسوس من التمر والمدود
من الحب.
مسألة: يجوز إخراج قيمة الصاع مع وجود الأجناس المنصوصة ومع تعذرها
وبه قال أبو حنيفة، ومنع الشافعي ومالك وأحمد، لأن إخراج القيمة عدول عن

1) سورة الحجرات: الآية 11.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 21.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 7 ح 3.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 7 ح 5.
608

المنصوص فلم يجز.
لنا أن القيمة أعم نفعا "، فكان إخراجها مجزيا " إن لم يكن أفضل، ويدل عليه
أيضا " ما رووه أن عمر كان يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم، ويؤيد ذلك أيضا "
ما روي (1) أن معاذا " كان يقول: ايتوني بعروض ثياب آخذها منكم مكان الذرة والشعير
فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين.
لا يقال: لعل ذلك كان للجزية لا للزكاة لأنا نقول: يحمل على الجميع.
ولو قال: الصدقة لا تحمل إلى غير بلدها وإنما تحمل الجزية. قلنا: ولعله لم
يجد هناك مستحقا " فجاز حملها لذلك. ويؤكد ذلك من طريق الأصحاب روايات،
منها رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: ما تقول في الفطرة يجوز أن
يؤديها بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟ قال: (نعم أن ذلك أنفع يشتري ما يريد) (2).
وقولهم: إخراج القيمة عدول عن المنصوص، غير وارد لأن النصوص لم
تمنع العدول، ولعل ذكر الأجناس لبيان أجزائها لا لانحصار الإجزاء فيها ولا تقدير
في قيمتها، بل المرجع إلى القيمة السوقية وقت الإخراج. وقدر بعض الأصحاب
بدرهم، وآخرون بأربعة دوانيق، وليس ذلك بشئ بل يقوم الواجب في كل وقت
بما يساويه لأن القيمة بدل عن الواجب فتعتبر قيمته في وقت الإخراج، ودل على ذلك
أيضا " ما ذكرنا من الرواية.
مسألة: قال في الخلاف: لا يجزي الدقيق والسويق من الحنطة والشعير على أنهما أصل، ويجزيان بالقيمة، وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
تعطى الفطرة دقيقا " مكان الحنطة؟ قال: (لا بأس يكون أجرة طحنه بقدر ما بين الحنطة

1) صحيح البخاري ج 2 كتاب الزكاة الباب 33 ص 144.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 9 ح 6.
609

والدقيق).
وقال أبو حنيفة: يجزيان أصلا، لما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أدوا
الفطرة قبل الخروج، فإن على كل مسلم مدين من قمح أو دقيق) (2) ولأنه تعجيل للمنفعة
وإسقاط المؤنة، وبمثله قال بعض فقهائنا، لما رواه حماد وبريد ومحمد بن مسلم عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالوا: سألناهما عن زكاة الفطرة؟ فقالا: (صاع من تمر
أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت) (3). ومنع
الشافعي أصلا وقيمة لأنه لا يرى إخراج القيمة.
والوجه ما ذكره الشيخ في الخلاف لأن النبي صلى الله عليه وآله نص على الأجناس المذكورة
فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها.
وجواب ما رواه أبو هريرة، حمل الخبر على القيمة، أو مع تعذر الأجناس
المنصوصة، وكذا الخبر المروي من طريق الأصحاب، ويدل على ذلك ما رواه محمد
ابن مسلم قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (الصدقة لمن لم يجد الحنطة والشعير
والقمح والعدس والذرة نصف صاع من ذلك كله أو صاع من تمر أو صاع من زبيب) (4).
مسألة: ولا يجزي الخبز على أنه أصل ويجزي بالقيمة. وقال شاذ منا:
يجزي لأن نفعه معجل، وليس بوجه لاقتصار النص على الأجناس المعينة فلا يصار
إلى غيرها إلا بالقيمة. وقيل السلت شعير فيجزي في الزكاة أصلا لا بالقيمة.
مسألة: والنية معتبرة في الإخراج، لأنها عبادة فتفتقر إلى الإخلاص، وأنها
فطرة، ولا نعني بالنية إلا ذلك وقد سلف تقريره في زكاة المال.

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 9 ح 5.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 160 و 172 و 174.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 17.
4) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 6 ح 13.
610

الركن الثالث
[في وقت الوجوب]
تجب الفطرة بغروب الشمس آخر يوم من شهر رمضان، وبه قال الشافعي في
الجديد، وأحمد، وإحدى الروايتين عن مالك. وقال ابن الجنيد وجماعة من الأصحاب:
تجب بطلوع الفجر يوم العيد، وبه قال أبو حنيفة، لما رواه ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وآله
كان يأمرنا أن نخرج الفطرة قبل الخروج إلى المصلى، وهو لا يأمرنا بتأخير الواجب
عن وقته) (1).
ولنا أنها تضاف إلى الفطرة فكانت واجبة عنده، ويدل على ذلك رواية معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: مولود ولد ليلة الفطر أعليه فطرة؟ قال: (لا قد
خرج الشهر) وعن يهودي أسلم ليلة الفطر أعليه فطرة؟ قال: (لا) (2). وما روي
أن ولد قبل الزوال يخرج عنه الفطرة وكذا إن أسلم، تحمل على الاستحباب توفيقا "
بين الروايات. وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لاحتمال أن يكون الأفضل إخراجها قبل
الصلاة.
وقوله: لا يأمرنا بالتأخير عن وقت الوجب قلنا: متى إذا لم يشتمل التأخير
على مصلحة أم إذا اشتمل وهنا التأخير مشتمل على مصلحة لأنه يجمع فيه بين إيتاء
الزكاة والصلاة كما تؤخر المغرب لمن أفاض من عرفة إلى المشعر، ليجمع بينها
وبين العشاء، وإن كان التقديم جايزا "، أو لأن حاجة الفقير إليها نهارا " فكان دفعها في
وقت الحاجة أفضل من دفعها ليلا.
وقوله: كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الخروج، لا يدل على أن ذلك الوقت
وقت الوجوب، بإجماع الناس، لأن الصلاة لا تكون إلا بعد طلوع الشمس وانبساطها

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 111.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 11 ح 2.
611

والوجوب عنده يتحقق مع طلوع الفجر فقد صارت حجته غير دالة على موضع النزاع.
فروع
الأول: لو وهبه عبدا " قبل الهلال ثم أهل ولم يقبض، للشيخ قولان: أحدهما
في الخلاف: القبض ليس شرطا " فالفطرة على الموهوب. والثاني في المبسوط:
القبض شرطا " فالفطرة على الواهب لأن ملكه باق عليه ولو قبل ومات قبل الهلال
وقبل القبض فقبضه الورثة. قال الشيخ في المبسوط: لزم الورثة فطرته. وليس
ما ذكره الشيخ مطابقا " للمذهب، بل تبطل الهبة لأنها لم تنتقل إلى الوراث.
الثاني: لو أوصي له بعبد ومات الموصي فإن قبل قبل الهلال؟ فعليه فطرته
وإن قبل بعده، قال الشيخ لم يلزم أحدا " فطرته لأنه ليس ملكا لأحد، ولو مات
الموصي أيضا قبل الهلال قام ورثته مقامه في قبول الوصية، فإن قبلوا قبل الهلال
لزمهم فطرته، وإن قبلوا بعده لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكا لأحد في تلك الحال.
الثالث: لو مات وعليه دين وله عبد ففطرته في تركته ولو مات قبل الهلال
لم يلزم أحدا فطرته لأنه ليس ملكه لأحد ولو لم يكن عليه دين كانت فطرته على
الورثة.
مسألة: يستحب إخراج الفطرة يوم العيد ويتضيق عند الصلاة، لما روي عن ابن
عباس قال: (هي قبل الصلاة زكاة مقبولة وبعد الصلاة صدقة من الصدقات) (1)، ومثله
روى الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الفطرة إن أعطيت قبل الخروج إلى
العيد فهي فطرة وإن أعطى بعد ما يخرج فهي صدقة) (2).

1) سنن ابن ماجة ج 2 كتاب الزكاة باب 21 ص 585.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 12 ح 2.
612

مسألة: ويجوز تقديمها من أول الشهر، وبه قال الشافعي، لأن سبب الصدقة
الصوم والفطر منه فجاز التقديم لوجود أحد السببين، كتقديم زكاة المال بعد كمال
النصاب وقبل الحول، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز تقديمها إلا على وجه القرض،
كما قلناه في زكاة المال.
وقال أبو حنيفة: يجوز تقديمها قبل الشهر من أول الحول، لأنها زكاة فكانت
كزكاة المال. وقال أحمد: يجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو بيومين، لأن القصد بها
إغناء الفقير عن الطلب والمسألة في ذلك اليوم، وقد روي عن الصحابة أنهم كانوا
يقدمونها بيوم أو يومين، فيقتصر على ما فعلوه.
لنا أن في تقديمها جبرا لحال الفقير، وقبل الشهر لم يحصل سبب يسند إليه
التقديم، فينبغي ما قبل الشهر، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه زرارة وبكير والفضيل بن يسار
ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا: (على
الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر وعبد صغير وكبير يعطى يوم الفطر فهو
أفضل وهو في سعة أن يعطيها في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره) (1).
وأما المنع قبل الشهر، فلدلالة الأصل السليم عن المعارض، ولأن الزكاة المالية
لا تقدم قبل جريان المال في الحول فكذا الفطرة لا تقدم قبل الشهر فإن أخرها عن صلاة
العيد أثم، وبه قال الشافعي، لأنه تأخير للواجب عن وقته المضروب له.
وفي رواية عن أهل البيت عليهم السلام: (يجوز تأخيرها إلى هلال ذي القعدة) (2)
وتأولها الشيخ بانتظار المستحق، وليس بمعتمد لأنه لو كان كذلك لم يتقدر بزمان،
لكن الرواية ضعيفة السند شاذة فلا عبرة بها، ولا يأثم لو أخر لعذر أو عدم المستحق
إجماعا، فإن كان عزلها، أخرجها مع الإمكان، وإن لم يكن عزلها قال الشيخان: يكون

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 12 ح 4.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 13 ح 3.
613

قضاء، وبه قال الشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة.
وقال الحسن بن زياد: تسقط لأنها حق تعلق بيوم العيد فيسقط لفواته كالأضحية
وبه قال بعض فقهائنا، وهو حسن، لقوله عليه السلام (هي قبل الصلاة زكاة مقبولة وبعد
الصلاة صدقة من الصدقات) (1) والتفصيل يقطع الشركة، لكن الأحوط القضاء تفصيا
من الخلاف.
فقال بعض المتأخرين: تكون أداء دائما وليس شيئا لأن وجوبها موقت فلا
يتحقق وجوبها بعد الوقت، إذ لو كان الوقت ممتدا لما تضيقت عند الصلاة ولوجبت
واستحبت على من بلغ أو أسلم بعد الزوال كما تجب الصلاة لو بلغ أو أسلم ووقتها
باق وإذا عزلها صح العزل، كما قلنا في زكاة المال. ثم إن وجد مستحقها ولم يدفعها
مع زوال العذر ضمن لتفريطه في التسليم، ومع العذر لا يضمن لو تلفت، خلافا لأحمد.
وقال أبو حنيفة: يزكي ما بقي إلا أن ينقص عن النصاب فرط أو لم يفرط.
لنا أنها صارت أمانة فلا يضمن مع عدم التفريط، والبحث في نقلها إلى غير
بلدها وفي الضمان وعدمه كما قلناه في زكاة المال.
الركن الرابع
[في مصرفها]
وهو مصرف زكاة المال وهو ستة أصناف: الفقراء، والمساكين، والرقاب
والغارمون، وسبيل الله، وابن السبيل، ويجوز صرفها في واحد، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجب قسمتها على الأصناف الستة، ويخص كل صنف بثلاثة أسهم.
وقال مالك: يجوز أن يخص بها الفقراء والمساكين وقد سلف البحث في ذلك. لنا
التمسك بعموم الآية ولأنها زكاة، فكان مصرفها مصرف زكاة المال.

1) سنن أبي داود ج 2 كتاب الزكاة ص 111.
614

ولا يعطى كافرا ذميا كان أو غيره، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك. وقال أبو
حنيفة: يجوز أن يعطى فقراء أهل الذمة، لقوله عليه السلام (تصدقوا على أهل الأديان)،
ولأنها صدقة ليس للإمام في أخذها حق، فجاز صرفها إلى أهل الذمة كصدقة التطوع.
لنا التمسك بعموم الآية، والمراد بها فقراء المسلمين ومساكينهم، ولأن زكاة
المال لا تدفع إلى الذمي إجماعا فلا تدفع إليه زكاة الفطرة وجواب أبي حنيفة، منع
الرواية ومطالبته بتصحيحها، وقياسه ضعيف، لأن الجامع سلبي، والوصف السلبي
لا يفيد العلية.
مسألة: يجوز أن يتولى المالك صرفها إلى المستحق، وهو اتفاق العلماء،
لأنها من الأموال الباطنة وصرفها إلى الإمام أو من نصبه أولى. ومع التعذر إلى فقهاء
الإمامية فإنهم أبصر بمواقعها، ولأن في ذلك جمعا بين براءة الذمة، وإظهار أداء
الحق.
وتعطى الفطرة وزكاة المال صاحب الدار والخادم، ولا يكلف بيعهما، ولا بيع
أحدهما لمكان حاجته إليهما، فجرى ذلك مجرى ثياب مهنته، وقد روى ذلك غير
واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في الرجل له دار وخادم وعبد يقبل الزكاة؟
فقال: (نعم) (1) وروى سعد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (تحل
الزكاة لصاحب الدار والخادم) (2).
مسألة: ولا يعطى الواحد أقل من صاع، وبه قال الشيخان وكثير من فقهائنا.
وأطبق الجمهور على خلافه، لأنه صرف الصدقة إلى مستحقها، فجاز كما يجوز
صرفها إلى الواحد ولأن الأمر بإعطائها مطلق فيجزي إعطاء الجماعة.
فإن احتج المانعون بما رواه أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله

1) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 9 ح 3 و 2 و 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 9 ح 4.
615

عليه السلام قال: (لا يعطى أحد أقل من رأس) (1) قلنا الرواية مرسلة، فلا تقوى أن تكون
حجة، والأولى أن يحمل ذلك على الاستحباب تفصيا من خلاف الأصحاب.
ويدل على جواز الشركة ما رواه إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا إبراهيم عن
صدقة الفطر قلت: أجعلها فضة وأعطيها رجلا واحدا واثنين؟ قال: (تفرقها أحب
إلي) (2)، فأطلق استحباب التفرقة من غير تفصيل.
أما لو اجتمع من لم يتسع لهم، قسمت عليهم وإن لم يبلغ نصيب الواحد
صاعا، لأن منع البعض أذية المؤمن فكانت التسوية أولى.
مسألة: ويجوز أن يعطى الواحد ما يلزم الجماعة، وبه قال أبو حنيفة، ومالك.
وقال الشافعي يجب قسمة الصدقة على ستة أصناف، ويدفع حصة كل صنف إلى ثلاثة
كما ذكر في زكاة المال، وقد سلف البحث فيه.
وينبغي أن يخص بها الأقارب، ثم الجيران مع الاستحقاق، لقوله عليه السلام ((لا صدقة
وذو رحم محتاج) (3)، وقوله: (أفض الصدقة على ذي الرحم الكاشح) (4) وقوله
عليه السلام (جيران الصدقة أحق بها) (5) وينبغي ترجيح الأفضل في الدين والعلم على غيره
ثم الأحوج، وليس ذلك لازما لما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (اعطهم على الهجرة
في الدين والفقه والعقل) (6).
مسألة: ولا يخرج عن الجنين، وبه قال العلماء وعن أحمد روايتان، أحدهما:

1) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 16 ح 2.
2) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 16 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب الصدقة باب 20 ح 4.
4) الوسائل ج 6 أبواب الصدقة باب 20 ح 1.
5) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الفطرة باب 9 ح 10.
6) الوسائل ج 6 أبواب المستحقين للزكاة باب 25 ح 2.
616

الإخراج، لأن عثمان أخرج عنه، ولأنه آدمي تصح الوصية له وبه فتخرج عنه
كالمولود.
لنا: أنه لا يتعلق به الأحكام إلا بعد الولادة فلا يزكى عنه، ولأن الزكاة مشروطة
بالعيلولة أو وجوبها وليست متحققة في حقه، وفعل عثمان لا حجة فيه لاحتمال أن يكون
فعله اجتهادا، ولا نسلم أن صحة الوصية يستلزم إخراج الفطرة.
مسألة: ولا تسقط الفطرة بالموت وتخرج من أصل تركة الميت كالدين، وبه
قال الشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة: تسقط إلا أن يوصي بها فتخرج من الثلث.
لنا أنها حق تعلق بذمة الميت فلا تسقط بالموت كغيره من الحقوق.
مسألة: لا يستقر ملك مستحق الزكاة إلا بالقبض، فلو مات لم يكن لوارثه
المطالبة، لأن للمالك الاختيار في المستحقين فلا يستحق الفقير شيئا على التعيين إلا
بالقبض، والبحث في زكاة المال كذلك.
ومال الغنيمة يملك بالحيازة ويستقر بالقسمة فإذا كان نصيبه نصابا لم يجز في
الحول لأنه غير متمكن من التصرف فيه فلا تجب به زكاة الفطرة لما ذكرناه
[تم التحقيق من كتاب الزكاة في يوم الخميس، 7 رمضان المبارك 1404 ه‍]
617

كتاب الخمس
يجب في ستة أشياء:
الأول: الغنائم التي تؤخذ من دار الحرب من الأموال والأناسي والأرضين
والآلات وجميع ما يصح تملكه ما لم يكن غصبا من مسلم، وسيأتي شرح القول فيها
إن شاء الله تعالى.
الثاني: المعادن وهي كل ما استخرج من الأرض مما كان فيها، وهو مشتق عن
عدن بالمكان إذا أقام فيه، ومنه جنات عدن. والخمس فيها واجب على اختلافها
منطبعة كانت كالذهب والفضة والحديد والرصاص، أو غير منطبعة كالياقوت والفيروزج
والبلخش والعقيق، أو المائعة كالنفط والقار والكبريت. وقال الشافعي: لا يجب إلا في
الذهب والفضة، لقوله عليه السلام (لا زكاة في حجر) (1) والواجب زكاة وهو ربع العشر.
وقال أبو حنيفة: في رواية تجب في المنطبعة دون غيرها، والواجب خمس لا زكاة
كما قلناه.
لنا أنه مال حصل من الأرض فوجب فيه الخمس كالزكاة، ولأنه غنيمة فيجب
فيه الخمس، لعموم الآية (2)، ولقوله عليه السلام (ما لم يكن في طريق مائي أو قرية عامرة

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 146.
2) سورة الأنفال: الآية 41.
619

ففيه وفي الركاز الخمس) (1)، ولأن المعدن ركاز لقوله عليه السلام (الركاز هو الذهب
والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السماوات والأرض) (2)، وقال (في السيوب
الخمس) (3) وهي عروق الذهب والفضة التي تحت الأرض.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: سألته عن
المعادن ما فيها؟ فقال: (كلما عالجته بمالك مما أخرج الله منه من حجارته ففيه
الخمس) (4) وسأله محمد بن مسلم عن الملاحة فقال: (فيها الخمس) فقلت: النفط
والكبريت يخرج من الأرض؟ فقال: (هذا وأشباهه فيه الخمس) (5) وما احتج به
الشافعي نقول به، لأنا لا نوجب فيها الزكاة وإنما نوجب الخمس فنفي أحدهما
لا يقتضي نفي الآخر.
والركاز هو الكنز المدفون وفيه الخمس بغير خلاف، وهو مشتق من الركز
وهو الصوت الخفي، ويقال ركز رمحه في الأرض أي أخفى أسفله. وقيل هو دفين
الجاهلية. وقيل هو المعدن.
ويشترط لتملكه أن يكون في أرض الحرب، سواء كان عليه أثر الجاهلية،
أو أثر الإسلام، أو في أرض الإسلام وليس عليه أثر الإسلام كالسكة الإسلامية، أو
ذكر النبي صلى الله عليه وآله، أو أحد ولاة الإسلام. وإن كان عليه أثر الإسلام فللشيخ قولان أحدهما:
كاللقطة، والثاني: يخمس إذا لم يكن عليه أثر ملك.

1) سنن ابن ماجة ج 2 ص 839 الباب 4 من كتاب اللقطة.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 152.
3) الوسائل ج 6 أبواب زكاة الأنعام باب 6 ح 4.
4) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 3 ح 3.
5) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 3 ح 4.
620

فروع
الأول: يجب الخمس على مخرجه حرا كان أو عبدا أو مكاتبا.
الثاني: إذا كان المعدن في المباح فالخمس لأربابه، والباقي لو أجده، وإن
وجد في ملك فالخمس لأربابه، والباقي لصاحب الملك.
الثالث: إذا وجد في ملك إنسان، فإن عرفه فهو له، وإن أنكره عرف الذي
باعه المالك، فإن عرفه فهو أحق به وإلا فهو لواجده.
الرابع: قال في الخلاف: الذمي إذا عمل في المعدن منع منه، فإن أخرج
شيئا ملكه وأخذ منه الخمس، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يؤخذ منه شئ
لأن المأخوذ زكاة ولا زكاة على ذمي.
الخامس: حق الخمس في نفس المخرج من المعدن ويملك المخرج ما عدا
الخمس. وقال الشافعي: يملك الجميع ويجب عليه حق الزكاة. ولنا قوله عليه السلام:
(وفي الركاز الخمس) (1) ويستوي في ذلك الصغير والكبير.
السادس: إذا استأجر لطلب الكنز فالموجود للمستأجر وإن استأجر لا له فهو
للأجير هذا في المباح.
السابع: لو اكترى دارا فوجد كنزا فهو للمالك، ولو اختلفا. قال في المبسوط:
القول قول المالك. وفي الخلاف: قول المستأجر، لأن المالك لا يكري دارا فيها
دفين إلا نادرا. وما ذكره في المبسوط أجود لأن دار المالك كيده فلا وجه لاستبعاده.
الثالث: الغوص، وهو ما يخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر، وبه
قال الزهري وإحدى الروايتين عن أحمد. وأنكره الباقون، لما رووه عن ابن عباس

1) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 3 ح 3.
621

أنه قال: (ليس في العنبر شئ إنما هو شئ ألقاه البحر) (1) ولأنه لو كان فيه شئ
لنقل فيه سنة.
لنا أن الذي يخرج منه يخرج من معدن، فيجب فيه الخمس بما دل على وجوبه
في المعادن البرية، ويؤيد ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السلام، منها رواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ قال: عليه الخمس) (2)
وفي رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (عن
أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن
معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ قال: (إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس) (3).
وقول ابن عباس لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون قاله اجتهادا.
وقولهم: لو كان فيه شئ لنقل فيه سنة قلنا: تواترا أو آحادا والأول ممنوع
وإلا لبطل كثير من الأحكام، والثاني مسلم وقد نقل عن فضلاء أهل البيت عليهم السلام وعلى
من وجد الركاز إظهاره، وبه قال الشافعي.
وعن أبي حنيفة هو بالخيار بين كتمانه ولا شئ عليه، وبين إظهاره وإخراج
خمسه. لنا قوله عليه السلام (وفي الركاز الخمس) (4) فيجب إظهاره وإخراج الحق منه
لأنه حق لغيره فيجب دفعه إليه.
فرع
قال الشيخ: ما يصاد منه من الحيوان لا خمس فيه، وما يخرج من الغوص،
أو يؤخذ قفا ففيه الخمس. والأقرب أن الحيوان ليس من باب الغوص كيف أخرج،

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 146.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 7 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 7 ح 2.
4) سنن ابن ماجة ج 2 ص 839 الباب 4 من كتاب اللقطة.
622

نعم هو من باب الأرباح والفوائد التي تعتبر فيها مؤنة السنة.
الرابع: أرباح التجارات والصنائع والزراعات وجميع الاكتسابات. قال
كثير من الأصحاب: فيها الخمس بعد المؤنة على ما يأتي. وقال ابن أبي عقيل: وقد
قيل الخمس في الأموال كلها، حتى على الخياط، والنجار، وغلة الدار، والبستان،
والصانع في كسب يده، لأن ذلك إفادة من الله وغنيمة.
وقال ابن الجنيد: فأما ما استفيد من ميراث، أو كد بدن، أو صلة أخ، أو ربح
تجارة، أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه، لاختلاف الرواية في ذلك، ولأن لفظ فرضه
محتمل هذا المعنى، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها.
وقال أبو الصلاح الحلبي: الميراث والهدية والهبة فيه الخمس. وأنكر قوله بعض
المتأخرين. وأطبق الجمهور على إنكار ذلك كله.
لنا قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه) (1) والغنيمة اسم
للفائدة وكما يتناول هذا اللفظ غنيمة دار الحرب بإطلاقه يتناول غيرها من الفوائد،
ويدل على ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات منها رواية محمد بن الحسن
الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني أخبرني الخمس على جميع
ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع؟ فكتب بخطه:
(الخمس بعد المؤنة) (2).
وفي رواية علي بن مهزيار: وقد اختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على
الضياع الخمس بعد مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله؟ فكتب وقرأه علي
ابن مهزيار (عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان) (3)، وفي رواية

1) سورة الأنفال: الآية 41.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 8 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 8 ح 4.
623

حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: (واعلموا أنما غنمتم من شئ
فإن لله خمسه) قال: (هو والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك
في حل ليزكوا) (1).
الخامس: روى جماعة من الأصحاب أن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم فإن
عليه الخمس، ذكر ذلك الشيخان ومن تابعهما، ورواه الحسن بن محبوب عن أبي
أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
(أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا " فإن عليه فيها الخمس) (2).
وقال مالك: يمنع الذمي من شراء أرض المسلم إذا كانت عشيرته لأنه تمنع
الزكاة، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس، وهو قول أهل البصرة
وأبي يوسف ويروى عن عبيد الله بن الحسن العنبري، وظاهر هذه الأقوال يقتضي
أن يكون ذلك مصرف الزكاة عندهم لا مصرف خمس الغنيمة
وقال الشافعي وأحمد: يجوز بيعها من الذمي، ولا خمس عليه ولا زكاة كما لو باع
السائمة من الذمي، لأن الذمي لا يؤخذ منه الزكاة. والظاهر أن مراد الأصحاب أرض
الزراعة لا المساكن.
السادس: قال كثير من علمائنا: إذا اختلط الحرام بالحلال ولم يتميز قدره
ولا مستحقه، أخرج خمسه ليحل له الباقي، ولعله الحجة ما رواه الحسن بن زياد عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أني
أصبت ما لا لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال: (أخرج الخمس من ذلك المال فإن
الله قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعمل [يعلم]) (3).

1) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 8.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 9 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 10 ح 1.
624

ومثل ذلك روى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي
عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال إني كسبت
مالا أغمضت في مطالبه حلاله وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه من
الحرام وقد اختلط علي؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (تصدق بخمس مالك فإن الله
قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك) (1).
ولا يعارض ذلك ما رواه عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة) (2) لأنا نسلم ذلك ولا نوجبه إلا فيما يطلق عليه
اسم الغنيمة، وقد بينا أن كل فائدة غنيمة.
مسألة: ولا يجب في الكنز شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا، وبه قال الثلاثة
وأتباعهم، والشافعي في الجديد وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يجب في قليله
وكثيره، لقوله عليه السلام (في الركاز الخمس) (3)، وهو على إطلاقه، ولأنه مال كافر فلم
يعتبر فيه النصاب كالغنيمة.
ولنا: أن النصاب يعتبر في المعدن فيعتبر في الركاز لأنه معدن، ولأنه لو كان
ذهبا أو فضة اعتبر فيه النصاب، لقوله عليه السلام: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق
صدقة) (4) وليس فيما دون عشرين مثقالا صدقة، وإذا اعتبر في زكاة الذهب والفضة
اعتبر في الباقي، لعدم الفارق.
وفي اعتبار النصاب في المعدن للشيخ قولان قال في المبسوط والنهاية: يعتبر
وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد. وقال في الخلاف: لا يعتبر، وبه قال أبو حنيفة

1) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 10 ح 4.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 2 ح 1.
3) سنن ابن ماجة ج 2 كتاب اللقطة الباب 4 ص 839 وصحيح البخاري كتاب
المساقاة الباب 3.
4) سنن البيهقي ج 4 كتاب الزكاة ص 133.
625

لأنه ركاز ولا نصاب في الركاز، ولأنه لا يعتبر له الحول فلا يعتبر له النصاب.
ولنا: ما ذكرناه من العمومات السابقة، ويدل عليه من طريق أهل البيت عليهم السلام
ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عما أخرج المعدن
من قليل وكثير هل فيه شئ؟ قال: (ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة
عشرين دينارا) (1).
وقول أبي حنيفة: هو ركاز، قلنا: نسلم لكن لا نسلم أن الركاز لا نصاب له.
وقوله لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب، قياس ضعيف، لأن الجامع سلبي ثم يبطل
بصدقات الزرع فإنه لا يعتبر لها الحول ويعتبر فيه النصاب.
فرع
والنصاب يعتبر بعد المؤنة، وقال الشافعي وأحمد: المؤنة على المخرج لأن
الواجب زكاة، وقلنا المؤنة وصلة إلى حصوله فكانت من الأصل كالشريكين،
ولا نسلم أن الواجب زكاة النصاب المعتبر في المعدن قدر عشرين دينارا. وقال ابن
بابويه وأبو الصلاح: نصابه دينار واحد، والمشهور ما تضمنته رواية أحمد بن محمد
ابن أبي نصر (2) التي ذكرناها.
مسألة: ويعتبر في الغوص بلوغه دينارا، ولم يعتبر ذلك أحد غيرنا ممن أوجب
في الغوص.
لنا أنه معاش أهل الضائقة فلو وجب في قليله لكان إضرارا بهم، فاعتبر له قدر
يبقى بعد المواساة ما يتسع به الغائص، ويدل على اعتبار ما ذكرناه ما روى محمد
ابن علي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عما يخرج من البحر
من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة؟ قال: (إذا

1) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 4 ح 1.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 4 ح 1.
626

بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس) (1). وهذا الجواب ورد عن ما يخرج من البحر خاصة
دون المعادن لما سلف من تعيين نصابها.
مسألة: ولا يجب في بقية الأرباح والفوائد إلا ما فضل عن مؤنته ومؤنة عياله،
وعليه اتفاق علمائنا، لأنه لا صدقة إلا عن ظهر غنى، فلو وجب الخمس فيما يقصر عن مؤنة
من كسبه لكان إضرارا به، ودل على ذلك ما روي من طريق الأصحاب وهو روايات
منها: رواية علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري قال: سئل أبو جعفر
الثاني عليه السلام عن الخمس أهو على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير؟ فكتب بخطه:
(الخمس بعد المؤنة) (2) وكتب وقرأه علي بن مهزيار (الخمس بعد مؤنة الرجل
ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان) (3).
مسألة: ولا يعتبر في غنائم دار الحرب ولا في الأرض التي ابتاعها الذمي من
المسلم، ولا في المال المختلط حرامه بحلاله، مقدار، بل يجب الخمس فيه مطلقا "
من غير تقدير. قال الشيخ في المبسوط: إذا اختلط الحلال بالحرام حكم بالأغلب
فإن كان الأغلب حراما احتاط في إخراج الحرام.
وكذا لو ورث ما لم يعلم أن المورث جمعه من محضور ومحلل، فإن غلب
على ظنه، أو علم أن الأكثر حرام احتاط في إخراج الحرام منه، وإن لم يتميز له أخرج
الخمس وصار الباقي حلالا. وما ذكره الشيخ تفصيل لم تدل عليه الرواية، فإن
كانت عنده ثابتة فتفصيله غير لازم.
مسألة: ويقسم الخمس ستة أقسام، ثلاثة للنبي صلى الله عليه وآله وهي: سهم الله وسهمه
صلى الله عليه وآله، وسهم ذوي القربى، وبعده للإمام القائم عليه السلام مقامه، وثلاثة لليتامى، والمساكين

1) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 7 ح 2.
2) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 8 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب ما يجب فيه الخمس باب 8 ح 4.
627

وأبناء السبيل منهم خاصة، وهنا بحوث:
الأول: في كيفية قسمته وفيه روايتان: أحدهما: كما قلناه، وبه قال أبو العالية
الرياحي. والأخرى: يقسم خمسة أقسام، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة: سهم للرسول
فمصرفه المصالح، وسهم لذي القربى ومصرفه فيهم، والثلاثة الأخرى: لليتامى،
والمساكين، وأبناء السبيل من المسلمين كافة، وقال مالك: خمس الغنيمة مفوض
إلى اجتهاد الإمام يصرفه فيمن شاء. وقال أبو حنيفة: يسقط بموت النبي صلى الله عليه وآله سهمه
وسهم ذي القربى، وتبقى الثلاثة الأخرى يقسم فيهم.
لنا: قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه) (1) وعد
ستة أصناف فيجب قسمته على أقسام الآية، ودل على ذلك أيضا من طريق أهل البيت
عليهم السلام روايات، منها: رواية يونس قال: يقسم الخمس ستة أقسام: سهم لله، وسهم
للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء
السبيل) (2) وفي رواية الصفار عن أحمد بن محمد رفع الحديث قال: (فأما الخمس
فيقسم على ستة أسهم) (3) وعددهم كما تضمنته الآية.
البحث الثاني: سهم ذي القربى لا يسقط بموت النبي صلى الله عليه وآله، وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة: يسقط بموته إلا أن يعطيهم الإمام لحق الفقر والمسكنة ولا يعطى
الغني منهم.
لنا قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي
القربى) (4) فأضافه إليهم بلام الاختصاص، كما أضاف بقية السهام إلى أربابها،
فكما لا يسقط نصيب أولئك، لا يسقط نصيب ذي القربى.

1) سورة الأنفال: الآية 41.
2) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 7 (عن حماد بن عيسى)
3) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 9.
4) سورة الأنفال: الآية 41.
628

البحث الثالث: قال الشيخ في الخلاف: عندنا أن المراد بذي القربى:
الإمام القائم مقام النبي صلى الله عليه وآله خاصة، وبه قال المفيد وعلم الهدى. وقال آخرون منا:
المراد به: ذوو قرابة النبي من ولد هاشم. وقال الشافعي: المراد به: ذوو قربى النبي
من ولد هاشم وولد المطلب، يستوي فيه القريب والبعيد، والصغير والكبير، الذكر
والأنثى، لكن للذكر سهمان، وللأنثى سهم لأنه مستحق بالإرث. وقال المزني من
أصحابه: يستوي فيه الذكر والأنثى، لأنه مستحق بالقرابة.
لنا قوله تعالى: (ولذي القربى) (1)، وهو لفظ مفرد فلا يتناول أكثر من
الواحد فينصرف إلى الإمام، لأن القول بأن المراد واحد مع أنه غير الإمام منفي
بالإجماع.
لا يقال: أراد الجنس كما قال وابن السبيل، لأنا نقول تنزيل اللفظ الموضوع
للواحد على الجنس مجاز، وحقيقة إرادة الواحد فلا يعدل عن الحقيقة. وليس كذلك
قوله: ابن السبيل، لأن إرادة الواحد هنا إخلال بمعنى اللفظ، إذا ليس هناك واحد
متعين يمكن حمل اللفظ عليه.
ويدل على ما قلناه أيضا من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات منها: رواية أحمد
ابن محمد عن بعض أصحابنا رفع الحديث قال: (والحجة في زمانه له النصف
خاصة والنصف الآخر لليتامى والمساكين وأبناء السبيل) (2) وفي رواية ابن بكير
عن بعض أصحابه قال: (وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول صلى الله عليه وآله وهو الإمام) (3)
والحجة كما ترى ضعيفة، لكن الشيخ ادعى إجماع الفرقة.
البحث الرابع: سهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل في آية الخمس،

1) سورة الأنفال: الآية 41.
2) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 9.
3) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 2.
629

المراد بهم من كان من آل الرسول خاصة، وهم ولد هاشم بن عبد المطلب، وعليه
أكثر علمائنا. وقال ابن الجنيد: يدخل معهم بنو المطلب، ويشركهم غيرهم من أيتام
المسلمين، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، لكن لا يصرف إلى غير القرابة إلا بعد كفايتهم
ولم أعرف له موافقا من الإمامية، وأما شركة بني المطلب فالخلاف فيهم مر في
الزكاة، وأطبق الجمهور على عمومه في أيتام المسلمين ومساكينهم وأبناء سبيلهم
متمسكين بإطلاق اللفظ وعمومه.
لنا أن الخمس عوض عن الزكاة فيختص به من يمنع منها ولأن اهتمام النبي
صلى الله عليه وآله بخير بني هاشم أتم من اهتمامه بغيرهم، فلو شارك غيرهم لكان الاهتمام بذلك
الغير أتم لانفراده بالزكاة، ومشاركته في الخمس، ولأن بني هاشم أشرف الأمة،
والخمس أرفع درجة من الزكاة فيخص به القبيل الأشرف، وكما لا يشارك الهاشمي
غيره في الزكاة، يجب أن لا يشاركه غيره في الخمس.
ويدل على ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات منها رواية سليم بن قيس
عن أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى: (ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل) (1) قال: (منا خاصة ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم نبيه وأكرمنا
أن يطعمنا أو ساخ أيدي الناس) (2) ورواية الصفار عن أحمد بن محمد عن بعض
أصحابنا رفع الحديث قال: (والنصف الباقي لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من
آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله سبحانه ذلك مكان
الخمس) (3).
البحث الخامس: يخص به من ينسب إلى عبد المطلب بالنبوة، وفي استحقاق

1) سورة الأنفال: الآية 41.
2) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 7.
3) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 9.
630

من ينسب إليه بالأم قولان: أحدهما: المنع وهو الأظهر، واختاره الشيخ في المبسوط
والثاني: الاستحقاق وهو اختيار علم الهدى.
لنا إطلاق النسب يقتضي الانتساب بالأب، لأنه لا يقال تميمي إلا من نسبته
إلى تميم بالأب، وكذا لا يقال هاشمي إلا من انتسب إلى هاشم بالأب، ويؤيد ذلك
ما روي عن عبد الصالح بن الحسن عليه السلام قال: (ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه
من سائر قريش فإن الصدقة تحل له وليس له من الخمس شئ لأن الله تعالى يقول:
* (ادعوهم لآبائهم) * (1)) (2).
وفي بني المطلب للأصحاب قولان: أحدهما: يستحقون في الخمس نصيبا
كبني هاشم، وبه قال ابن الجنيد، وأحد قولي المفيد، وبه قال الشافعي، لقول النبي
صلى الله عليه وآله: (إنا وبنوا المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام)، وقوله: (إنما بنو هاشم
وبنو المطلب شئ واحد والآخرون لا يستحقون شيئا) (3)، وبه قال الشيخ (ره)
وأبو حنيفة.
لنا أنهم يستحقون الزكاة فلا يستحقون الخمس، وإنما قلنا يستحقون الزكاة
ليتناول الآية لهم بعمومها، وروي عن العبد الصالح قال: (والذين جعل الله لهم
الخمس هم بنو عبد المطلب ليس فيهم من بيوتات قريش ولا من العرب أحد) (4)
وحجة الشافعي ضعيفة، لأن كونهم شئ واحد وكونهم لم يفترقوا لا يدل على استحقاقهم
الخمس، ولا خروجهم عن عموم آية الزكاة.
مسألة: هل تجب قسمته في الأصناف؟ ظاهر كلام الشيخ: نعم، والمروي
جواز قسمته بحسب رأي الإمام، روى ذلك أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي

1) سورة الأحزاب: الآية 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 8.
3) سنن البيهقي ج 7 كتاب الصدقات ص 31.
4) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 1 ح 8.
631

الحسن عليه السلام قال: وسأل عن قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه)
قال: (فما كان لله فللرسول، وما كان للرسول فهو للإمام) قيل: أرأيت إن كان صنف
أكثر من صنف أو أقل من صنف كيف يصنع؟ فقال: (ذلك إلى الإمام أرأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله كيف يصنع إنما كان يعطي على ما يرى كذلك الإمام) (1).
مسألة: مصرف الخمس من الركاز والمعادن، مصرف خمس الغنيمة، وبه
قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: مصرفه مصرف الزكوات.
لنا: أن ذلك غنيمة فيدخل تحت عموم الآية، وكذا بقية الأقسام التي يجب
فيها الخمس بغير ما ذكرناه من الدلالة.
مسألة: ولا يحمل الخمس عن بلده مع وجود المستحق، لأنه منع لتسليم
الحق مع مطالبة المستحق، ويضمن لو فعل لعدوانه بالتأخير مع القدرة، ويجوز مع
عدمه لأنه توصل إلى إيصال الحق إلى مستحقه.
وهل يعتبر في اليتيم الفقر؟ قال في المبسوط: لا، لعموم الآية، ولأنه لو
اعتبر الفقر لم يكن قسما " برأسه، ويكون داخلا تحت قسم الفقراء، ويمكن القول
باعتباره لأن الخمس جبر ومساعدة فيخص به أهل الخصاصة، ولأنه يصرف على
قدر الكفاية فإذا كان غنيا فقد استغنى بماله من المساعدة بالخمس، ولا يعتبر الفقر
في ابن السبيل وتغير حاجته في سفره، والبحث فيه هنا كالبحث في باب الزكاة
وقد سلف.
ويعتبر الإيمان في أخذه كيلا يساعد الكافر على كفره، وفيه احتياط في البراءة
ولأنه محاد لله بكفره فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة وقد سلف تحقيقه في كتاب الزكاة
ولا تعتبر العدالة لأنه تستحق ذلك بالقرابة، فلا يشترط زيادة ويعطي من حضر البلد
ولا يتبع الأباعد دفعا للمشقة.

1) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 2 ح 1.
632

ويلحق بهذا الباب مسائل:
الأولى: في الأنفال، وهو جمع نفل ونفل وأصله الزيادة، ومنه النافلة،
ونعني به ما يخص الإمام فمن ذلك كل أرض انجلى أهلها، أو سلموها بغير قتال،
أو باد أهلها، أو لم يكن لها أهل، لقوله تعالى (وما أفاء الله على رسوله منهم فما
أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) (1).
وفي رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الأنفال ما كان من أرض
لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا أو أعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة
أو بطون أو دية فهذا كله من الفئ والأنفال لله وللرسول وما كان للرسول يضعه حيث
يجب وهو للإمام بعده) (2).
وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3) سألته عن الأنفال؟ فقال: (ما كان من
الأرضين باد أهلها) قال الشيخان: رؤوس الجبال والآجام من الأنفال، وقيل: المراد
به ما كان من الأرض المختصة به وظاهر كلامهما الإطلاق، ولعل مستند ذلك رواية
الحسن بن راشد عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: (وله رؤوس الجبال وبطون الأودية
والآجام) (4)، والراوي ضعيف.
ومن الأنفال صفايا الملوك وقطايعهم، ومعنى ذلك إذا فتحت أرض من أهل
الحرب، فما كان يختص به ملكهم مما ليس بغصب من مسلم يكون للإمام كما كان
للنبي صلى الله عليه وآله، ويدل على ذلك مضافا إلى ما نقل من سيرة النبي صلى الله عليه وآله، ما رواه سماعة

1) سورة الحشر: الآية 6.
2) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 10.
3) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 11.
4) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 4.
633

ابن مهران قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: (كل أرض خربة أو شئ يكون للمملوك
فهو خالص للإمام ليس للناس فيه سهم) (1) وفي رواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (قطائع الملوك كلها للإمام ليس للناس فيها شئ) (2).
ومن الأنفال ما يصطفيه من الغنيمة كالفرس الجواد والجارية الرائقة والثوب
الفاخر ما لم يجحف بالغانمين اتباعا " لما كان يفعله النبي صلى الله عليه وآله.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن صفو المال؟ قال: الإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفارة والسيف
القاطع والدرع قبل أن يقسم الغنيمة) (3) وقال الجمهور: يبطل ذلك بموته.
لنا: أن اختصاصه عليه السلام بذلك أنما كان لعنايته بمصالح الناس وتعبية جيوشهم
ومقاومة عدوهم، فيجب أن يكون ذلك لمن قام مقامه.
وأيد ذلك روايات عن أهل البيت عليه السلام، ومن الأنفال ميراث من لا وارث له
ينقل إلى بيت المال وهو للإمام خاصة، روى ذلك أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى؟ فقال: (هو من أهل هذه الآية: (يسألونك
عن الأنفال) (4).
وأطبق الجمهور على أنه يكون للمسلمين، عند الشافعي بالتعصيب، وعند
أبي حنيفة بالموالاة، وسيأتي البحث في ذلك في كتاب المواريث مستوفا " إن شاء الله
ولا فرق بين أن يكون الميت مسلما أو ذميا.
قال الشيخان في المقنعة والنهاية: والمعادن للإمام خاصة فإن كانا يريدان

1) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 8.
2) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 6.
3) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 15.
4) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 14.
634

ما يكون في الأرض المختصة به أمكن، أما ما يكون في الأرض لا يختص بالإمام،
فالوجه أنه لا يختص به لأنه أموال مباحة تستحق بالسبق إليها والإخراج لها، والشيخان
يطالبان بدليل ما أطلقاه.
وقال الشيخ (ره) في المبسوط: العسل والمن فيهما الخمس، فإن كان يريد
حال حصولهما كما قال في المعادن، فلا نسلم ما ادعاه وإن كان يريد أنهما من المكاسب
والغنائم المستفادة التي يراعى فيها مؤنة السنة فمسلم، لكن لا يختص ذلك ما ذكره
بل وفي كل ما يجتني ويلتقط كالترنجبين والشرخشك وغير ذلك.
الثانية: قال الثلاثة: إذا قاتل قوم من غير إذن الإمام فغنموا فالغنيمة للإمام.
وقال الشافعي: هي كغنيمة من أذن له. وقال أبو حنيفة: هي لهم ولا خمس لأنه اكتساب
مباح من غير جهاد، فكان كالاحتطاب والاحتشاش. ولا حمد مثل القولين، وقول
ثالث: لا شئ لهم فيه لأنهم عصاة بفعلهم، فلا تكون المعصية وسيلة إلى الفائدة.
وما ذكره الأصحاب ربما عولوا فيه على رواية العباس الوراق عن رجل سماه
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا غزى قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام
وإن غزوا بأمره كان للإمام الخمس) (1).
وبعض المتأخرين يستسلف صحة الدعوى مع إنكاره العمل بخبر الواحد
فيحتج لقوله يدعي إجماع الإمامية، وذلك مرتكب فاحش إذ هو يقول: إن الإجماع
إنما يكون حجة إذ علم أن الإمام في الجملة فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه فلا
يكون علمه حجة على من لم يعلم.
الثالثة: قال: لا يجوز التصرف فيما يخصه مع وجوده إلا بإذنه لأنه تصرف
في مال الغير فيقف على إذن المالك لقوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيبة

1) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 1 ح 16.
635

نفس منه)) (1)، ولما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام وسأله بعض تجار فارس الإذن
في الخمس فقال: (لا يحل مال إلا من وجه أحله الله إن الخمس عوننا على ديننا وعيالنا
وموالينا فلا تزووه عنا فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما يمهدون ليوم
فاقتكم والمسلم من يفي لله بما عاهد وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف
بالقلب) (2).
وقال لآخرين (وقد سألوه أن يجعلهم من الخمس ما أمحل هذا تمحضونا المودة
بألسنتكم وتزوون عنا حقا " جعله الله لنا لا نجعل أحدا منكم في حل) (3) وعن أبي جعفر
الثاني عليه السلام قال: (يثب أحدهم على أموال آل محمد صلى الله عليه وآله وأيتامهم ومساكينهم
وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يقول اجعلني في حل والله ليسألنهم الله عن
ذلك يوم القيامة سؤالا حثيثا) (4).
الرابعة: وفي حال الغيبة لا بأس بالمناكح، وبه قال المفيد في المقنعة، وألحق
الشيخ المساكن والمتاجر. أما المناكح فلأنها مصلحة عامة يعسر التفصي منها فوجب
في نظرهم عليهم السلام الإذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقهم لا بمعنى إن الواطئ
يطأ الحصة المختصة بالإباحة، بل لأن الذي يجب عليه الخمس يجوز أن يخرج
القيمة فكان الثابت في الذمة هو قدر قيمة الحصة، فإذا عفى الإمام ملك الحصة مالك
الأمة ووطئ بالملك التام.
ويدل على ذلك روايات، منها: رواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال: (إن
أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي وقد طيبنا

1) الوسائل ج 19 أبواب القصاص في النفس باب 1 ح 3 (مع تفاوت يسير).
2) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 3 ح 2.
3) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 3 ح 3.
4) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 3 ح 1.
636

ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكوا أولادهم) (1) وعن ضريس الكناسي (2) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (أيدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري! فقال:
من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم) وروى
الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا) (3).
أما المساكن والمتاجر فربما يكون الشيخ (ره) قد اعتمد على رواية عمر بن
يزيد في قصة أبي يسار مسمع بن عبد الملك مع أبي عبد الله عليه السلام حين حمل إليه أموالا
فقال: (ضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض هم فيه مختلفون [محللون]
محلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا) (4).
وعن أبي خديجة سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل وأنا حاضر
حلل لي الفروج فخرج فقال: رجل ليس يسألك أن يعرض الطريق إنما يسألك خادمة
يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة فقال: (هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم
والغائب والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما والله
لا يحل إلا لمن أحللنا له) (5).
وقال ابن الجنيد لا يصح التحليل إلا لصاحب الحق في زمانه إذ لا يسوغ تحليل
ما يملكه غيره، وهذا ليس بشئ لأن الإمام لا يحل إلا ما يعلم أن له الولاية في تحليله
ولو لم يكن له ذلك لاقتصر في التحليل على زمانه ولم يقيده بالدوام ويؤيد ذلك
ما رواه أبو خالد الكابلي قال: قال (إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت

1) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 5.
2) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 3.
3) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 10.
4) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 12.
5) الوسائل ج 6 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام باب 4 ح 4.
637

المال رجلا واحدا فلا يدخلن قبلك شئ فإنه إنما يعمل بأمر الله) (1).
الخامسة: يصرف الخمس إليه مع وجوده كما كان يصرف إلى النبي صلى الله عليه وآله
وفي الانفراد بإخراج ما عدا حصة الإمام تردد، أقربه الجواز أما مع عدمه فيجوز
الانفراد بإخراج حصة اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، وسيأتي بيان ما يعمل في
حصته عليه السلام.
وعلى الإمام أن يفرقه على الأصناف على قدر حاجتهم وله ما يفضل عن كفايتهم
وعليه أن يتم من حصة ما يعوزهم، كذا ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط، والمفيد
في المقنعة، وجماعة من فضلائنا، ورواه حماد بن عيسى قال: رواه لي بعض أصحابنا
عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه السلام قال: (يقسم نصف الخمس بينهم على
الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم شئ فهو للوالي وإن عجز
أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به وإنما صار
عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم) (2).
وما رواه الصفار عن أحمد بن محمد قال: حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث
قال: (والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فإن
فضل شئ فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه من عنده كما صار له الفضل كذلك
يلزمه النقصان) (3) وربما منع ذلك قوم من وجوه ثلاثة:
الأول: إن مستحق الأصناف يختص بهم فلا يجوزه التسلط على مستحقهم
من غير إذنهم لقوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه) (4).

1) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 2 ح 3.
2) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 3 ح 1.
3) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 3 ح 2.
4) رواه في الوسائل ج 19 أبواب القصاص في النفس باب 1 ح 3 (مع تفاوت
يسير).
638

الثاني: إن الله سبحانه جعل للإمام قسطا وللباقين قسطا فلو أخذ الفاضل وأتم
الناقص لم يبق للتقدير فائدة.
الثالث: إن الذين يجب الإنفاق عليهم محصورون وليس هؤلاء من الجملة،
فلو أوجبنا عليه إتمام ما يحتاجون إليه لزدنا فيمن يجب عليهم الإنفاق فريقا لم يقم عليه
دلالة.
وربما طعنوا في الأولى من الروايتين بجهالة الراوي، وفي الثانية بإرسالها
والذي ينبغي العمل به اتباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء، ولم يعلم من باقي
العلماء ردا لما ذكر، من كون الإمام يأخذ لما فضل ويتم ما أعوز وإذا سلم النقل عن
المعارض، ومن المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فإنا نعلم مذهب
أبي حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنهم واحدا، وربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل
وإن علمنا نقل المتأخرين له.
وليس كلما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة. ولو قال إنسان
لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا
كان متجاهلا، وكذا مذهب أهل البيت ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل
أو أسند إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ولا رده الفضلاء منهم.
ثم نعود إلى جواب المانعين قوله عليه السلام: حق الأصناف الثالثة مختص بهم
فلا يتسلط على مستحقهم، قلنا: لا نسلم استحقاقهم له كيف كان، بل استحقاقهم له
لسد خلتهم على وجه الكفاية، ولهذا يمنع الغني منهم.
وقولهم في الوجه الثاني: لو أخذ الفاضل وأتم الناقص لم يكن للتقدير فائدة
قلنا: لا نسلم أن تعدد الأصناف لبيان مقادير الاستحقاق بل كما يحتمل ذلك يحتمل
أن يكون لبيان المستحقين كما في آية الزكاة، ولهذا لا تجب قسمته عليهم بالسوية
بل يجوز أن يعطى صنفا " أكثر من صنف نظرا " إلى سد الخلة وتحصيلا للكفاية.
639

ويدل على ذلك رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام قيل:
أرأيت إن كان صنف أكثر من صنف أو أقل من صنف كيف يصنع؟ فقال: (ذلك
إلى الإمام عليه السلام أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله كيف صنع إنما كان يعطي كما ترى وكذلك
الإمام) (1) وهذا صريح بالتعداد ليس لبيان النصيب وإن كل نصيب يستحقه واحد
لا بشركة الآخر.
لا يقال: قد أجمعنا على وجوب قسمته ستة أقسام وإن لكل صنف قسما وقد
ذهب إلى ذلك جماعة من الأصحاب، قلنا: لا ريب أنه يقسم ستة لكن إذا فضل عن
قوم نصيبهم جاز صرفه إلى غيرهم.
قولهم في الوجه الثالث: لا تجب نفقتهم فلا يتم لهم. قلنا: لا نسلم أن
الإتمام يستلزم وجوب النفقة، لأنا بينا أن حصصهم الثلاث تبسط عليهم بالكفاية لا
بالقسمة، ولا يستبقي فاضل قبل له، بل يقسم على الصنفين الآخرين، وإن كان بعضهم
لا تجب عليه نفقة البعض الآخر، وكذا الإمام عليه السلام هذا مع وجوده عليه السلام.
وما الذي يفعل مع غيبته؟ قال المفيد (ره): اختلف أصحابنا في الخمس عند
الغيبة، فمنهم من أسقطه لغيبة الإمام عليه السلام، محتجا بأحاديث الترخص فيه، ومنهم
من أوجب كنزه، لما روي (أن الأرض تخرج كنوزها عند ظهور الإمام وأن الله
يدله عليها) ومنهم من يصله الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب ومنهم من
يرى عزله، فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره أوصى به إلى من يثق به في عقله
ودينه، ليسلمه إلى الإمام أن أدركه، وإلا أوصى به هكذا إلى أن يظهر.
قال الشيخ (ره) في التهذيب: وهذا أوضح من جميع ما تقدم، لأنه حق
وجب لمالك لم يرسم فيه بما يجب الانتهاء إليه، فيجب حفظه ويجري مجري الزكاة
عند عدم المستحق، كما لا يحكم بسقوطها ولا التصرف فيها بل يجب حفظها بالنفس

1) الوسائل ج 6 أبواب قسمة الخمس باب 2 ح 1.
640

والوصية، فإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في النصف الخالص للإمام.
ومصرف النصف الآخر لليتامى والمساكين وأبناء السبيل على ما جاء في القرآن
كان على صواب، وبمعناه قال في النهاية والمبسوط، وكذا قال أبو الصلاح والحلبي
وابن البراج، وقال المفيد رحمه الله في الرسالة الغرية: ومتى فقد إمام الحق ووصل
إلى إنسان ما يجب فيه الخمس، فليخرجه إلى يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء
سبيلهم، وليوفر قسط ولد أبي طالب لعدول الجمهور عن صلتهم، ولمجئ الرواية
عن أئمة الهدى بتوفر ما يستحقونه من الخمس في هذا الوقت على فقراء أهلهم
وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
وما ذكره المفيد رحمه الله حسن، لما أسلفناه من وجوب إتمام ما يحتاجون
إليه من حصته عند وجوده، وإذا كان هذا لازما له في حضوره كان لازما في غيبته،
لأن ما وجب بحق الله مطلقا لا يسقط بغيبته من يلزمه ذلك، لكن يجب أن يتولى
صرف ما يحتاجون إليه من حصة من له النيابة عنه في الأحكام وهو (الفقيه المأمون)
من فقهاء أهل البيت عليهم السلام على وجه التتمة لمن يقصر حاصله من مستحقه عما يضطر
إليه لا غير.
641

كتاب الصوم
وهو يستدعي بيان أمور
الأول: الصوم في اللغة (الإمساك) مطلقا، وفي الشرع (إمساك خاص)
ومن شرط صحته (النية) واجبا كان أو نقلا، وبه قال جميع الفقهاء، وقال زفر
إذا تعين صوم رمضان بأن كملت شروط وجوبه لم يفتقر إلى النية، ويجب فيما عداه
لنا: قوله تعالى (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) (1)
وقوله تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (2) ولا نعني بالنية إلا نية
التقرب مع الإخلاص، وقد رووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (الأعمال بالنيات) (3)
وقال صلى الله عليه وآله (لا صيام لمن ما (لم) يبت الصيام من الليل) (4).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها ما روى عن الرضا عليه السلام أنه قال:
(لا قول إلا بعمل ولا عمل إلا بنية ولا نية إلا بإصابة السنة) (5) ولأن الصوم قد يقع
طاعة وغير طاعة، فلا يختص بأحدهما إلا بالنية.

1) سورة الليل: الآية 20.
2) سورة البينة: الآية 5.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 11 ص 7.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 213.
5) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 13 ص 7.
643

مسألة: يكفي في شهر رمضان (نية القربة) وغيره لا بد فيه من (التعيين)
ونعني بالتعيين، أن ينوي وجه ذلك الصوم وبالقربة: أن يقتصر على نية التقرب وقال
أبو حنيفة: إن كان حاضرا لم يفتقر إلى التعيين ولو نوى غيره لم يقع إلا عنه، وإن كان
مسافرا ونوى مطلقا وقع عن رمضان، وإن نوى عن نذر أو كفارة وقع عما نواه.
ولو نوى نفلا فهل يقع عن رمضان؟ فيه روايتان، وقال الشافعي: لا بد في ذلك من نية التعيين (وهو أن يصوم غدا من شهر رمضان فريضة) ولو أطلق أو نوى غيره
فرضا أو نفلا، لم يقع عن رمضان، ولا عن ما نواه مسافرا كان أو حاضرا، لأنه صوم
واجب فافتقر إلى التعيين كصوم القضاء، ولأنه واجب مضاف إلى وقته فافتقر إلى
التعيين كالصلاة وقال أحمد: لا يفتقر إلى نية الفرض مع النية القربة والتعيين، لأنه
لا يكون إلا فرضا.
لنا: أن المراد من نية التعيين وقوع الفعل بها على أحد وجهيه، فإذا لم يكن
الفعل إلا وجه واحد استغنى عن نية التعيين، كرد الوديعة وتسليم الأمانات المتعينة.
ويمكن أن يحتج بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (1) فإذا
حصل الصوم مع نية القربة فقد تحقق الامتثال، وكان ما زاد منفيا، وحجة الشافعي
ضعيفة، لأن القضاء أمر زائد على كونه صوما فافتقر إلى نية تخصه.
مسألة: وكل صوم لا يتعين زمانه كالنذور المطلقة والكفارات والقضاء وصوم
النفل، فلا بد فيه من نية التعيين، وعليه فتوى الأصحاب، ووافق الجمهور، إلا في
النافلة، لنا: زمان وليس متعين الصوم، فلا يتعين إلا بالنية.
فروع
الأول: لو نوى المسافر في شهر رمضان صوما غير رمضان لم يصح واجبا

1) سورة البقرة: الآية 181.
644

كان أو ندبا، وبه قال الشافعي، وإن خالفنا في العلة، وتردد الشيخ، وقال أبو حنيفة: يقع عما نواه، كما أن صومه في السفر غير مستحق، لأنه يجوز تأخيره من غير مشقة
فصار كالصوم في غير رمضان، وقال أبو يوسف ومحمد: يقع عن رمضان، لأن الصوم
مستحق، ورخص فيه للعذر، فإذا صام لم يترخص، وعن أبي حنيفة في النافلة روايتان.
لنا: قوله عليه السلام (ليس من البر الصيام في السفر) (1) لأنا سنبين أن الصوم في
السفر منهي عنه فلا يقع طاعة.
الثاني: النذر المعين بزمان هل يكفي فيه نية القربة أو يفتقر إلى التعيين؟ قال
الشيخ: يفتقر لأنه زمان لم يعينه الشرع في الأصل للصوم، فافتقر إلى التعيين، وقيل
لا يفتقر لأن الشرع وإن لم يعين زمانه في الأصل، فقد تعين بالنذر، وكما لا يفتقر رمضان
إلى نية التعيين لتعيين زمانه، فكذا النذر.
الثالث: نية التعيين لا يكفي عن نية القربة، وقال الشيخ: يكفي نية التعيين عن
القربة، لأنها لا ينفك عنها، وفيه ضعف لأنهما أمران متغايران يجوز قصد أحدهما
مع الغفول عن الآخر.
الرابع: إذا نوى الحاضر في شهر رمضان غيره من الصيام، مع جهالته بالشهر
وقع عن رمضان لا غير، وكفت نية القربة وسقطت نية التعيين، وكذا إن كان عالما
بالشهر ونوى غيره، وقيل: لا يجزي مع العلم، لأنه لم يطلق فيصرف إلى صوم
ذلك الزمان، وصرف الصوم إلى غيره لا يصح، فلا يجزي عن أحدهما، والأول
أولى، لأن النية المشترطة حاصلة، وهي نية القربة، وما زاد لغو لا عبرة به، فكان
الصوم حاصلا بشرطه، فيجزي عنه.
مسألة: وقت نية الصوم المعين (ليلا حتى يطلع الفجر) ولا يجوز تأخيرها
مع العلم، ولو أخرها وطلع الفجر، فسد صوم ذلك اليوم، ووجب قضاؤه، وإن

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 11 ص 126.
645

تركها ناسيا، أو لعذر جاز تجديدها إلى الزوال.
وقال أبو حنيفة: يجوز تجديدها إلى الزوال في شهر رمضان، والنذر المعين
إلى الزوال، ولا يفسد الصوم بالإخلال بها ليلا، لما روي (أن ليلة الشك أصبح
الناس فجاء أعرابي شهد برؤية الهلال، فأمر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادي من لم يأكل فليصم
ومن أكل فليمسك) (1) ولأنه صوم لم يثبت في الذمة، فجاز أن ينويه قبل الزوال
كالنفل، وقال الشافعي: لا يصح إلا بنيته من الليل، وفي مقارنتها للفجر وجهان،
ولا يجزي النية نهارا سواء فاتت لعذر أو لغيره، لقوله عليه السلام (من لم يبت الصيام من الليل
فلا صيام له) (2).
لنا: أن من ترك النية عامدا، فقد أخل بشرط الصحة، فيكون صومه فاسدا لعدم
شرطه، فلا ينعقد بعد ذلك، وليس كذلك مع العذر، ويحتج لما ذكرناه بقوله عليه السلام
(لا صيام لمن لم يجمع من الليل) (3) وعلى العذر بما رواه أبو حنيفة (من كون
النبي صلى الله عليه وآله أمر بالصيام مع العذر) وهو عدم العلم بالهلال، ويساويه النسيان.
مسألة: كل ما ليس بمتعين كالقضاء والنذر غير المعين، فوقت نيته (الليل
مستمرا إلى الزوال) وقال أبو حنيفة: لا يجزي ما لم ينو ليلا، لقوله عليه السلام (من لم
يبت الصيام من الليل فلا صيام له) (4) وهو جار على عمومه إلا موضع الخصوص،
ولأنه زمان لا يوصف نهاره بتحريم الأكل من أوله، فإذا لم ينو من الليل لم يوصف
أوله بالتحريم، بخلاف الصوم المعين، وقال علم الهدى: وقت نية الصوم الواجب
من قبل الفجر إلى الزوال، ولعله أراد وقت التضييق.
لنا: أنه صوم لم يتعين زمانه، فجاز تجديد نيته إلى قبل الزوال كصوم النافلة
ودل على دل ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها رواية صالح بن عبد الله،

1) صحيح البخاري آحاد 4 وسنن أبي داود صوم 14 وسنن النسائي صيام 66
و 68.
2) سنن البيهقي ج 4 ص 213.
3) سنن البيهقي ج 4 ص 213.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 213.
646

عن أبي إبراهيم عليه السلام قلت (رجل جعل لله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوي الصوم
ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم فقال هذا كله جايز) (1)
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن موسى عليه السلام (عن الرجل يصبح
ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان أله أن يصوم
ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال نعم له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان) (2).
وإنما قدرناه بنصف النهار، لأن الصوم الواجب يجب أن يأتي به من أول
النهار، أو بنية تقوم مقام الإتيان به من أوله، وقد روي (أن من صام قبل الزوال حسب
له يومه) روى ذلك هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له الرجل يصبح لا
ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال عليه السلام إن هو نوى قبل
الزوال حسب له يومه) (3).
وأيد ذلك: ما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يكون
عليه أيام من شهر رمضان يريد أن يقضيها متى ينوي الصيام؟ قال هو بالخيار إلى أن
تزول الشمس، فإذا زالت فإن كان ينوي الصوم فليصم، وإن كان نوى الإفطار فليفطر
سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال لا) (4).
مسألة: وفي وقتها الصيام النافلة روايتان، أصحهما جواز تجديدها إلى الزوال
وبه قال أبو حنيفة، وقال علم الهدى: يجزي بعد الزوال، وقال مالك: لا يجزي
حتى ينوي من الليل، وقال الشافعي: يجزي قبل الزوال، وبعد الزوال روايتان:
إحداهما: المنع لأن النية لم تصحب معظم العبادة، فأشبه ما إذا نوى مع الغروب.

1) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 4 ص 5.
2) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 6 ص 5.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 8 ص 6.
4) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 10 ص 6.
647

لنا: ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله ورواه الأصحاب عن علي عليه السلام قال (كان
يدخل على أهله فيقول عندكم شئ وإلا صمت فإن كان عندهم شئ أتوه به وإلا
صام) (1) والرواية الأخرى رواها هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (الرجل
يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال إن هو نوى
الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت
الذي نوى) (2) وهو يدل على جواز الصوم بعد الزوال.
وقال الشيخ في الخلاف: لم أعرف به نصا، وربما كان لعدم التصريح في الرواية، قال الشيخ: وتحقيق ذلك أن يبقى بعد النية من الزمان ما يمكن صومه، لا
أن يكون انتهاء النية مع انتهاء النهار.
فرع
وهل سري النية في اليوم إلى أوله أو يكون صومه من حين نوى؟ فيه روايتان
إحداهما: رواية هشام بن سالم التي ذكرناها، والأخرى: لا تسري النية إلى ما قبل
إيقاعها ويكون له من حين نوى، روى ذلك عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (إن بدا له أن يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنه يحسب له من الساعة التي
نوى فيها) (3) والرواية الأولى أقرب، واختاره في الخلاف، لأنه لو كان صائما
من حين نوى لجاز مع إفطاره قبل النية، ولا تبطل النية ليلا بالأكل والشرب بعدها
خلافا لبعض الشافعية، لقوله تعالى (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود من الفجر) (4).

1) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 7 ص 6.
2) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 8 ص 6.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 3 ص 5.
4) سورة البقرة: الآية 183.
648

مسألة: قال الشيخ: أو نوى قبل الهلال صوم الشهر أجزأته النية السابقة،
إن عرض له ليلة الصيام سهو، أو نوم، أو إغماء، فإن كان ذاكرا فلا بد له من تجديدها
وبمعناه قال في النهاية والجمل، وقال في الخلاف: أجاز أصحابنا في نية شهر رمضان
خاصة أن يتقدم على الشهر بيوم أو أيام، ولم يذكر مستندا، ولعل ذلك لكون المقارنة
غير مشروطة، فكما جاز أن يتقدم من أول ليلة الصوم، وأن يعقبها النوم والأكل
والشرب والجماع، جاز أن يتقدم على تلك الليلة بالزمان المقارن، كاليومين والثلاثة
لكن هذه الحجة ضعيفة، لأن تقديمه في أول ليلة الصوم مستفاد من قوله عليه السلام (من
لم يبت نية الصيام من الليل فلا صيام له) (1) ولأن إيقاعها قبل الفجر بحيث يكون
طلوعه عند إكمال النية عسر، فينتفي، وليس كذلك التقدم بالأيام، ولأن الليلة متصلة
باليوم اتصال آخر النهار، إذ لا حائل، وليس كذلك ما قبلها.
مسألة: قال الثلاثة وأتباعهم: نية واحدة من أول شهر رمضان خاصة كافية
للشهر كله، وفي غيره لا بد من نية لكل يوم، وبه قال مالك، وحكي عن زفر، وقال
الباقون لا بد من تجديد النية لكل يوم، لأن كل يوم عبادة منفردة عن الآخر لا تفسد
بفساد ما قبله، ولا بما بعده فصار كصلوات متعددة.
لنا: أن عبادة واحدة، حرمته واحدة، وتخرج منه بمعنى واحد هو الفطر،
فصار كصلاة واحدة.
واعلم أن هذا الاحتجاج لا يتمشى على أصولنا، لأنه قياس محض، لكن علم
الهدى يدعي على ذلك الإجماع، وكذا الشيخ أبو جعفر (ره)، والأولى تجديد النية
لكل يوم في ليله لأنا لا نعلم ما ادعياه من الإجماع.
مسألة: يستحب صوم (يوم الثلاثين)، من شعبان، إذا لم ير الهلال بنية
لندب على أنه من شعبان، فإن اتفق الهلال أجزأ عن رمضان، ولا يكره لو نوى مع

1) سنن البيهقي ج 4 ص 213.
649

ذلك الاحتياط لرمضان، ويحرم بنية أنه مع شهر رمضان، ولو صام من غير نية
لم يجز.
وقال المفيد: إنما يستحب مع الشك في الهلال لا مع الصحو وارتفاع
الموانع، ويكره لا مع ذلك إلا لمن كان صائما قبله، وقال الشافعي، يكره إفراده
بالصوم بنية أنه من شعبان، وأن يصومه احتياط لرمضان، ولا يكره متصلا بما قبله،
أو موافقا لعادة له في ذلك اليوم، لقوله عليه السلام (لا تتقدموا الشهر بيوم ولا يومين إلا
أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم) (1) وقال أحمد: إن كان صحوا كره وإن
كان غيما لم يكره وإن أصابه تحرزا (2) لرمضان كره.
وقال أبو حنيفة: إن صامه تطوعا لم يكره، وإن صامه احتياطا لرمضان كره،
واحتجوا بما رووه عن ابن مسعود (لأن أفطر يوما من رمضان ثم أقضي أحب إلي
من أن أزيد فيه ما ليس منه) (3) ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله قال (من صام يوم الشك فقد
عصى أبا القاسم) (4).
لنا ما روي عن علي عليه السلام أنه قال (لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي أن
أفطر يوما من شهر رمضان) (5) ومثل ذلك رووه عن عايشة (6) وقالوا كانت عائشة
تصومه، ولأن الاحتياط للفرائض من خصائص أهل الإيمان، فلا وجه لكراهية هذه
النية
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية بشير النبال عن أبي عبد الله

1) سنن البيهقي ج 4 ص 207.
2) تحرزا أي حفظا ووقاية.
3) سنن البيهقي ج 4 ص 208.
4) سنن أبي داود صوم 10.
5) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 5 ح 9 ص 14.
6) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 126.
650

عليه السلام قال (سألته عن صوم يوم الشك فقال عليه السلام صمه فإن يك من شعبان كان تطوعا
وإن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له) (1) فأما رواية قتيبة الأعشى قال: قال أبو
عبد الله عليه السلام (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صيام ستة أيام، العيدين، وأيام التشريق،
واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان) (2) والجواب عنه وعما تقدم من أخبار
الخصم: أن ذلك محمول على صومه بنية أنه من شهر رمضان ليرتفع التنافي بين
الأخبار.
ويدل على هذا التأويل ما رواه محمد بن شهاب الزهري قال سمعت علي بن
الحسين عليه السلام يقول (يوم الشك أمرنا بصومه ونهينا عنه أمرنا أن نصومه على أنه من
شعبان ونهينا أن نصومه على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال) (3).
فروع
الأول: إذا صامه بنية أنه من شعبان (ندبا) ثم بان أنه من رمضان والنهار
باق جدد نية الوجوب، ولو لم يعلم حتى انقضى النهار فقد أجزأ، لأنا بينا أن نية
القربة كافية في الزمان المتعين للصوم.
الثاني: لو صام بنية أنه من شهر رمضان كان الصوم فاسدا، ولا يجزي لو
بان أنه من رمضان، وتردد الشيخ في الخلاف، نعم لو ثبت الهلال قبل الزوال جدد
النية وأجزأه.
الثالث: لو صام بنية أنه واجب أو ندب لم يصح صومه، ولو ثبت أنه من
رمضان لم يجزأه، إلا أن يثبت قبل الزوال فيجدد نيته.

1) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 5 ح 3 ص 12.
2) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 6 ح 2 ص 16.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 6 ح 4 ص 16.
651

الرابع: لو نوى إن كان من رمضان فهو فرض، وإن لم يكن من رمضان
فهي نافلة، قال في الخلاف: يجزيه ولا يلزمه القضاء، وقال الشافعي: لا يجزيه وعليه
القضاء لأن نيته ليست جازمة، واحتج الشيخ: بأن نية القربة كافية، وقد نوى القربة
وما قاله الشيخ ليس بجيد، لأن نية التعيين تسقط فيما يعلم أنه من شهر رمضان، لا
فيما لا يعلم، ولأن ما ذكره يبطل بما ذكره في النهاية.
الخامس: إذا أصبح مفطرا في يوم الشك لاعتقاد أنه من شعبان، فبان أنه من
رمضان، فإن كان قبل الزوال تجدد نيته، وصام، وأجزأه، إذا لم يكن أفسد صومه
وإن بان ذلك بعد الزوال أمسك بقية نهاره، وعليه القضاء، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: يمسك وعليه القضاء على التقديرين، وقد سلف أصل هذه.
السادس: لو نوى الخروج لم يبطل صومه، وقال الشافعي في أحد قوليه:
يبطل، لأن النية شرط في صحته ولم يحصل. ولنا: أن النية شرط انعقاده، وقد
حصل، فلا يبطل بعد انعقاده، ولا نسلم أن دوام النية شرط.
الثاني: فيما يمسك عنه، وفيه مقصدان:
الأول: يجب الإمساك عن (الأكل) و (الشرب) المعتاد وغيره أما تحريم
المعتاد فعليه إجماع العلماء، ويدل عليه قوله تعالى (وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (1)
وروى محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول (لا يضر الصائم ما صنع إذا
اجتنب ثلاث خصال الطعام والشراب والنساء) (2).
وكذا يفطر لو تناول ما ليس بمعتاد، كالحصاة، والحديد، والتراب، أو
شرب ما ليس بمعتاد، كعصارة الأشجار، والأوراد، لأن الصوم إمساك عما يصل

1) سورة البقرة: الآية 183.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 1 ح 1 ص 19.
652

إلى الجوف، وتناول هذه الأشياء في الإمساك، فكان مفسدا للصوم.
فروع
الأول: لو اقتلع بلسانه ما ينشب بين أسنانه، وابتلعه بطل صومه، ولو لم
يخرجه.
الثاني: لو جمع في فمه قلسا (1) وابتلعه، فإن كان خاليا من الغذاء لم يفطر
لما رواه محمد بن مسلم قال (سألت أبا عبد الله عن القلس يفطر الصائم؟ قال لا) (2)
وكذا لو أبرز لسانه به ثم أعاده وابتلعه، ولو مازجه غذاء، وتعمد اجتلابه أفطر،
وإن لم يبتلعه، ولو لم يتعمد لم يفطر باجتلابه، وأفطر بابتلاعه عمدا.
الثالث: لو اجتلب نخامة من صدره أو رأسه، وابتلعه لم يفطر، وقال الشافعي:
يبطل صومه لأنه لا ضرورة له.
ولنا: أن ذلك لا ينفك منه الصائم إلا نادرا، فوجب العفو عنه (لعموم البلوى
به) ويؤيد ذلك: ما رواه غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا بأس أن يزدرد الصائم
نخامته) (3).
والجماع قبلا ودبرا ولا خلاف أن (الجماع قبلا) يفسد الصوم، سواء أنزل
أو لم ينزل، وعليه إجماع العلماء، وقوله تعالى (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب
الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) (4).

1) قلس (الرجل): خرج من بطنه إلى فمه طعام أو شراب ملء الفم أو دونه فإذا
غلب فهو القئ.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 30 ح 4 ص 63 (لكنها كذلك
" أيفطر الصائم " وأما المروي بلفظة " يفطر الصائم " فهي عن أبي جعفر " ع ").
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 39 ح 1 ص 77.
4) سورة البقرة: الآية 187.
653

وكذا لو وطئها (ميتة) وإن لم ينزل، أو في (الدبر) فأنزل، وإن لم ينزل
فروايتان، أشهرهما: أنهما يفطران، والأخرى: عن علي بن الحكم عن رجل عن
أبي عبد الله عليه السلام قال (إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها
وليس عليها غسل) (1) قال الشيخ (ره): هذا خبر غير معمول عليه، وهو مقطوع
الإسناد لا يعول عليه.
وفي فساد الصوم بوطئ (الغلام) تردد، وإن حرم، وهذا يبنى على وجوب
الغسل، وقد بينا: أن الوجوب أولى، فالافطار أولى، لأنه أجنب مختارا، والبحث
في الموطوء كالبحث في الواطئ.
ولو وطئ (بهيمة) ولم ينزل، يبني على وجوب الغسل، وقال الشيخ:
لا يجب الغسل ويفطر، والأولى إيجاب الغسل والحكم بالإفطار، وإن لم ينزل، لأنه
فرج حيوان، فيجب بوطئه الفطر، ويفطر بإنزال الماء (بالاستمناء والملامسة والقبلة)
اتفاقا قال الشيخ: لو نظر إلى محرمة بشهوة فعليه القضاء، ولو كانت محللة، فلا
شئ عليه، وكذا لو تسمع، أو أصغى إلى حديث، فأمنى، والصواب أنه لا قضاء
في الجميع.
وإيصال (الغبار الغليظ) مثل غبار النقص والدقيق إلى الحلق، قال الشيخ:
وخالف الجمهور في ذلك وفي أخبارنا رواية عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام (سألته عن
الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه، قال (ع) لا بأس وسأله
عن الصائم يدخل الغبار في حلقه، قال عليه السلام لا بأس) (2).
لنا: أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم، فكان مفسدا له، ويؤيد ذلك:
ما رواه سليمان الجعفري قال سمعته يقول (إذا شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 12 ح 3 ص 481.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 22 ح 2 ص 48.
654

في أنفه وحلقه غبار، فإن ذلك له فطر، مثل الأكل والشرب والنكاح) (1) وهذه
الرواية فيها ضعف، لأنا لا نعلم العامل، وليس الغبار كالأكل والشرب، ولا كابتلاع
الحصى والبرد.
مسألة: من أجنب وتعمد البقاء على الجنابة من غير ضرورة حتى يطلع الفجر
فيه روايتان، أصحهما: أنه يفطر، وبه قال أبو هريرة، وروى ذلك عبد الحميد عن
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل
متعمدا حتى أصبح، قال عليه السلام يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين
مسكينا) (2) وبهذه أخذ علماؤنا إلا شاذا، والأخرى: رواية حبيب الخثعمي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب
ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر) (3) وبمثل مضمون هذه فتوى الجمهور.
لنا: ما رووه عن أبي هريرة قال (من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصوم
من يومه) (4) ولأن حدث الجنابة مناف للصوم، فلا يصح معه، وأيد ذلك ما سلف
من الرواية، وأما رواية الخثعمي فتحمل على أنه ترك الغسل متعمدا لعذر، توفيقا
بين الروايتين.
ولو أجنب (فنام) ناويا للغسل حتى أصبح، فسد صوم ذلك اليوم، وعليه
قضاؤه، وعليه أكثر علمائنا، ومستندهم: ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل
يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح، قال عليه السلام يتم صومه ويقضي

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 22 ح 1 ث 48.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 2 ص 43.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 5 ص 44.
4) صحيح البخاري صوم 22 - 35 وسنن أبي داود صوم 36 وسنن البيهقي ج 4
ص 214.
655

يوما آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه، وجاز له) (1) ومثله روى محمد
ابن مسلم عنه عليه السلام، ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان، دون غيره من الصيام.
مسألة: قال الشيخان: (من كذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام)
فعل محرما وأفسد صومه، وبه قال الأوزاعي، وقال علم الهدى: لا يفسد، وبه قال
الجمهور، واحتج الأولون: بما رواه منصور بن يونس عن أبي بصير قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول (الكذبة ينقض الوضوء ويفطر الصائم، قلت هلكنا، قال عليه السلام
ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة عليهم السلام) (2).
وبما رواه عثمان بن عيسى عن سماعة قال (سألته عن رجل كذب في رمضان
فقال عليه السلام قد أفطر، وعليه قضاؤه وهو صائم، يقضي صومه، ووضوءه إذا تعمد) (3)
وادعى هؤلاء (إجماع الفرقة) وطعن الآخرون في الروايتين الأولى: بما تضمنت مما
اجتمعت العلماء على خلافه وهو نقض الوضوء، والثانية: بضعف عثمان بن عيسى
وسماعة، فإنهما واقفيان، مع أن المسؤول غير معلوم، والطعن في الأولى غير وارد،
لأن ترك ظاهر الرواية في أحد الحكمين لا يوجب تركها في الآخر، لكن مع وجود
الخلاف بين الأصحاب لا ينهض الرواية أن يكون حجة، ودعوى الإجماع مكابرة.
مسألة: وفي (الارتماس) قولان، أحدهما: إفساد الصوم، وهو اختيار الشيخين
والآخر: لا يفسد لكن يكره، وهو أحد قولي علم الهدى، وبه قال مالك، وأحمد،
وأطبق الباقون على خلاف القولين، وللشيخ قول بالتحريم، لكنه لا يوجب قضاء،
ولا كفارة، وهو حسن.
واحتج على التحريم بروايات، منها: رواية محمد بن مسلم قال سمعت أبا

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 15 ح 2 ص 41.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 2 ح 2 ص 20.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 2 ح 3 ص 20.
656

جعفر عليه السلام يقول (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال الأكل والشرب
والارتماس في الماء) (1) وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (الصائم يستنقع في
الماء ولا يرمس رأسه) (2) وعن حريز عنه عليه السلام قال (لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه
في الماء) (3) وعن العلاء عن محمد بن مسلم قال (الصائم لا يغمس رأسه في الماء) (4)
وهذه الروايات مع كثرتها سليمة عن المعارض، وهي دالة على المنع، وظاهره
التحريم.
وأما الدليل على أنه لا يجب به قضاء ولا كفارة فما رواه إسحاق بن عمار قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام (صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال عليه السلام
ليس عليه قضاء ولا يعودن) (5) ويمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط للصوم
فإن المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء إلى جوفه، فيحرم، وإن لم يجب
منه قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه، ما يوجب الفطر.
مسألة: وفي (السعوط ومضغ العلك) (6) تردد، وقد منع المفيد رحمه الله من
السعوط، وأبو الصلاح، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، لأنه يصل إلى الدماغ، وقد
قال النبي صلى الله عليه وآله لبعض أصحابه (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) (7) وليس

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 1 ح 1 ص 18 (رواه بدل
أربع خصال " ثلاث خصال ").
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 7 ص 24.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 8 ص 24 (رواه بلفظة
" يرتمس ").
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 2 ص 22.
5) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 6 ح 1 ص 27.
6) السعوط: إدخال الدواء في الأنف، والعلك: الصمغ.
7) سنن البيهقي ج 4 ص 261.
657

الاستنشاق إلا للتخوف من وصول الماء إلى الدماغ، وكل ما أدى إلى ذلك يحرم
ويفسد الصوم.
ومنع الشيخ الطوسي من مضغ العلك، ولعل المنع: لأنه لا يلتئم في الفم
إلا بعد تحلل أجزاء منه تشيع في الفم، ويتعدى مع الريق إلى المعدة وعمل الأصحاب
في ذلك على الكراهية، وأنه لا يفسد الصوم، وقال الشيخ: وليس في الأخبار أن
السعوط يوجب الكفارة وإنما وردت مورد الكراهية، وهذا القول صواب لأن السعوط
لا يتأدى إلى المعدة، فلا ينقض الصوم بالأصل السليم عن المعارض.
وقولهم يصل إلى الدماغ، قلنا: نفعه مسلم وجرمه لا نسلم ثم لو سلمنا وصوله
إلى الدماغ، منعنا أن ذلك يفسد، ولو قالوا أنه جوف قلنا: المشاركة في الاسم
لا يقتضي المشاركة في الحكم، ونحن فلا نسلم نقض الصوم إلا بماء يصل إلى المعدة
ومحل الغذاء، وما يسمى الإنسان به آكلا.
وقولهم نهى النبي صلى الله عليه وآله عن المبالغة في الاستنشاق للصائم، قلنا: لا نسلم
أن النهي لمكان وصوله إلى الدماغ، بل لم لا يجوز أن يكون لخوف مجاوزة الحلق
فإن مخرج الأنف إلى الحلق، فإذا بلغ كان سبقه إلى الحلق أسرع من سبقه إلى الدماغ
هذا مع تسليم الخبر، فإنا لم نستثنيه، ويؤيد ما قلناه: ما رواه غياث بن إبراهيم
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (أنه كره السعوط للصائم) (1).
وكذا تقول في العلك نعم لو تحقق تعدي شئ من أجزاءه إلى الحلق عمدا،
أو بتفريط في مضغه لا لحاجة أفسد الصوم، أما لا مع العلم فلا، ويؤيد ما ذكرناه:
ما رواه ليث المرادي قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم بمضغ العلك؟ قال عليه السلام
نعم إن شاء) (2) قال الشيخ في التهذيب: هذا خبر غير معمول عليه، فإن المراد أنه

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 7 ح 2 ص 28.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 36 ح 3 ص 74 (رواه عن أبي بصير عنه " ع ").
658

مكروه، ولفظة (لا بأس) ينافيه، فهو حسن، وإن كان يريد أنه حرام، فلا نسلم
ما ذكره، وقد تردد في الظاهر.
مسألة: أطبق الجمهور على أن (الحقنة) تفسد الصوم بالجامد والمائع.
قالوا: لأن ما وصل إلى الدماغ يبطل، فما وصل إلى الجوف أولى، وبه قال أبو
الصلاح والحلبي، وقال مالك يفطر بكثيرها لا بقليلها. قال الشيخ في الجمل والمبسوط:
لا بأس بالجامد وأفسد بالمائع، وقال الآخرون: بالتحريم وإن لم يفسد به.
لنا: أن الصوم عبادة شرعية انعقدت بمقتضى الشرع، فلا يفسد إلا بموجب
شرعي، عملا بالأصل السليم عن المعارض، ويؤيد ذلك: ما رواه علي بن الحسن
عن أبيه قال (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو
صائم؟ فكتب عليه السلام لا بأس بالجامد) (1).
أما المانعون فقد احتجوا بما رواه أحمد بن محمد أبي نصر عن الرضا عليه السلام
قال (سألته عن الرجل يحتقن يكون به العلة في شهر رمضان، فقال عليه السلام الصائم لا
يجوز أن يحتقن) (2) وطعنوا في الرواية الأولى: بأن الراوي علي بن الحسين عن
أبيه، وهما فطحيان، وهي مكاتبة، فيكون رواية البزنطي أولى، لسلامة سندها،
وكونها مشافهة، فإذن الوجه أن الاحتقان حرام على الوجهين، أما أنه يبطل الصوم
ويوجب القضاء أم لا؟ فسيأتي تحقيقه إن شاء الله.
فرع
قال في المبسوط: لو داوى جرحه بما يصل إلى جوفه، أفسد صومه، وكأنه

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 5 ح 2 ص 26 (ولكنه في إسناده
علي بن الحسين عن محمد بن الحسن عن أبيه، واللطف: الإمالة.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 5 ح 4 ص 27.
659

عنده في معنى الحقنة، وقال لو أخافه جان من غيره أمره لم يفطر، ولو أمره، أو طعن
نفسه أفطر، ولم يذكر المستند، فإن كان مستندا إلى ما يقوله الجمهور، من احتجاجهم
بخبر الاستنشاق، والمنع من المبالغة، فقد بينا أنه ضعيف، وإلا فالحقنة بالجامد
أبلغ، وهو لا يوجب بها قضاء، ويقتصر على الكراهية، وقد قال بمثل ما قلناه في
مسائل الخلاف.
مسألة: (القئ) عمدا يبطل الصوم، ولو ذرعه (1) لم يبطله، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة، وأحمد، ومالك، وحكي عن ابن عباس: أنه لا يبطل، وإن تعمد، وقال
به شاذ منا، وكأنه استناد إلى أن الصوم إمساك عما يتناول، لا عما يخرج، وعن أبي
ثور: أنه يجري مجرى الأكل.
لنا: اتفاق العلماء، ولا عبرة بانفراد ابن عباس، ويدل على ما قلناه: ما روي
عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وآله (من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه
قضاء، وإن استيقن فليقض) (2) ولأن استجلابه يلزم تردده في حلقه، فلا ينفك من
ابتلاع شئ منه، ولا كذا لو ذرعه.
ويؤكد ما رووه: ما رويناه عن أهل البيت عليهم السلام من ذلك رواية الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، وإن ذرعه من غير أن يتقيأ، فليتم
صومه) (3).
مسألة: لو قطر في (أذنه) دهنا، أو غيره لم يفطر، وقال أبو الصلاح،
يفطر، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك، وأحمد إذا وصل إلى دماغه.
لنا: أن الأصل الحل، والمنع موقوف على الدلالة الشرعية، وما احتجوا به
من خبر الاستنشاق قد بينا أنه غير دال على موضع النزاع، ويؤيد ما قلناه: ما روي

1) ذرعه القئ: سبق إلى فيه وغلبه.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 29 ح 1 ص 60.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 29 ح 1 ص 60.
660

عن أهل البيت عليهم السلام من ذلك رواية حماد عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن الصائم
يصب في أذنه الدهن، قال عليه السلام لا بأس) وعنه عليه السلام قال (سألته عن الصائم
يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال عليه السلام لا بأس به) (2).
ولو قطر دواء أو غيره في إحليله لم يفطر، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي
في أحد قوليه: يفطر، لأن للمثانة منفذا إلى الجوف، ولأنها كالدماغ في أنها من
باطن البدن.
لنا: أن المثانة ليست موضعا للاغتذاء، فلا يفطر بما يصل إليها، وكانت
كما لو استنشق غير مبالغ، وقولهم للمثانة منفذا إلى الجوف، قلنا: لا نسلم، بل
ربما كان ما يرد إليها من الماء على سبيل الرشح، ولا يبطل الصوم بالأمر المحتمل.
مسألة: ولا يبطل الصوم بشئ مما عددناه حتى يفعله (عمدا اختيارا) فعلى
هذا لو أكل أو شرب (ناسيا) لم يفطر، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك:
يفطر في الفرض لا في النفل، وقال عطا والثوري: يفطر فيهما، وقال أحمد: يفطر
بالجماع دون غيره.
لنا: ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب
فليتم صومه فإن الله أطعمه وسقاه) (3) وقوله عليه السلام (من أفطر في رمضان ناسيا فلا
قضاء عليه) (4).
ومن طريق الأصحاب: ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال أمير
المؤمنين عليه السلام يقول (من صام فنسي فأكل وشرب، فلا يفطر من أجل أنه نسي، فإنما

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 24 ح 2 ص 50.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 24 ح 1 ص 50.
3) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 26، ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 395.
4) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 39، وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 15.
661

هو رزق رزقه الله، فليتم صومه) (1) ومثله روى داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام
ويعلم من هذا حكم بقية المفطرات، فلا معنى للفرق.
ولو (أكره) على الإفطار لم يفسد صومه سواء وجر (2) في حلقه، أو أكره
على تناوله، وقال الشافعي: إن وجر في حلقه مكرها لم يفسد صومه، ولو أكره
حتى تناوله فوجهان.
لنا: قوله عليه السلام (رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) (3)
ولأن المكره لا خيرة له، فلا يتوجه له، فلا يتوجه إليه النهي، لا يقال: دفع عن نفسه الضرر بتناوله
فيلزمه القضاء، كالمريض، لأنا نقول: مقتضى الدليل سقوط القضاء في الموضعين،
لكن ترك العمل بالمقتضي في المرض عملا بالدليل، فيعمل بالمقتضي فيما عداه.
ولو فعله (جهلا بالتحريم) فوجهان، أحدهما: لأن له طريقا إلى العلم
فيتحقق التفريط في حقه، والثاني: لا يفسد، لأن الجاهل بالتحريم غير المتفطن
للسؤال، كالناسي، والأول أشبه، ولما رواه زرارة وأبو بصير قالا سألنا أبا جعفر عليه السلام
(عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله وهو محرم، وهو لا يرى إلا أن
ذلك حلال له، قال عليه السلام ليس عليه شئ) (4) والذي يقوى عندي فساد صومه،
ووجوب القضاء، دون الكفارة.
فرع
لو أكل أو جامع ناسيا فظن فساد صومه (فتعمد الأكل والشرب) قال الشيخ:

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 9 ح 9 ص 34.
2) وجر: أي طعن في حلقه.
3) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16 ص 60.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 9 ح 12 ص 35.
662

يفطر، وعليه القضاء، والكفارة، قال: وقال بعض أصحابنا يقضي ولا يكفر وما ذهب
إليه أشبه.
مسألة: لا يفسد الصوم بما يستدخل الفم إذا لم يتعد الحلق، كمص الخاتم
والخرز (1)، ومضغ الطعام للصبي، وزق الطائر، والسواك باليابس، لأن النبي صلى الله عليه وآله
قال لمن قبل امرأته (أرأيت لو تمضمضت) (2) فشبه القبلة بالمضمضة، وهو دلالة
على أن ما يحصل في الفم لا يفطر.
فرع
لو أدخل فمه شيئا، فإن كان عابثا وابتلعه ناسيا فعليه القضاء، وإن كان لغرض
صحيح فلا قضاء عليه، ولو تمضمض فابتلع سهوا، فإن كان متبردا فعليه القضاء وإن
كان للصلاة فلا شئ عليه، وكذا لو ابتلع ما لا يقصده، مثل الذباب، أو قطر المطر،
ولو فعل عمدا أفطر.
ولا بأس (باستنقاع الرجل) (3) في الماء، روى ذلك جماعه منهم محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بعود رطب
ويستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا
تحته ولا يغمس رأسه في الماء) (4).
مسألة: يكره (مباشرة النساء) تقبيلا ولمسا، لما لا يؤمن معه من متابعة نفسه
ولو كان آمنا على نفسه، كالشيخ، أو الشاب المالك أربه لم يكره، لما روي (أن النبي

1) الخرز: ما ينظم في السلك من الجزع والورع.
2) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 33، ومسند أحمد بن حنبل ح 1 باب 21.
3) استنقاع الرجل في الماء: دخله ومكث فيه يتبرد.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 2 ص 22 (ونضح المروحة
والبوريا: بله ورش الماء عليه والمروحة ما يقال بالفارسية " باد بزن ").
663

صلى الله عليه وآله كان يقبل ويلامس صائما) (1) وروي عن عائشة أنها قالت (كان أملككم لإربه)
وروى محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام سأل (هل يباشر الصائم أو يقبل
في شهر رمضان فقال إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق من نفسه ألا يسبقه
منيه) (3) وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يضع يده على جسد
امرأته وهو صائم فقال لا بأس) (4).
ويكره (الاكتحال) بما فيه مسك، روى ذلك سماعة قال (سألته عن الكحل
للصائم فقال إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس) (5) ويدل
على أن المسك مكروه: ما رواه صفوان بن يحيى عن حسين بن أبي غندر (قلت
لأبي عبد الله اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم فقال لا بأس) (6) وأما مع خلوه فلا
يكره، لما روى أبو رافع (أن النبي صلى الله عليه وآله اكتحل وهو صائم في رمضان) (7).
و (إخراج الدم) المضعف بقصد وحجامة وغيرهما، وقال أحمد: من حجم
أو احتجم أفطر، لقوله عليه السلام (أفطر الحاجم والمحجوم) (8).

1) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 23 وسنن أبي داود كتاب الصوم باب 33
وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 19 ومسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 62.
2) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 23.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 33 ح 13 ص 70.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 33 ح 16 ص 71.
5) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 25 ح 2 ص 52.
6) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 25 ح 11 ص 53.
7) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 31 وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 17.
8) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 32 وسنن أبي داود كتاب الصوم باب 28
وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 18 ورواه في الوسائل عباية بن ربعي قال سألت ابن
عباس عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله حين رأى من يحتجم في شهر رمضان: أفطر الحاجم والمحجوم
فقال: إنما أفطرا لأنهما تسابا وكذبا في سبهما على النبي صلى الله عليه وآله لا للحجامة (الوسائل
كتاب الصوم ص 55 ح 9).
664

لنا: رواية عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه قال (ثلاث لا يفطرن
الصائم القئ والاحتلام والحجامة وقد احتجم النبي صلى الله عليه وآله وهو صائم وكان لا يرى
بأسا للكحل للصائم) (1).
ويدل على الشرط المذكور ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال (سألت أبا عبد الله
عن الحجامة للصائم فقال لا بأس إذا لم يخف ضعفا) (2) ولأن الحجامة علاج لدفع
الأذى وليست طعاما ولا شرابا ولا ما يصل إلى الجوف، فكان الأصل حلها، نعم
إذا خشي الضعف خيف من العجز عن الصوم، فكره لما لا يؤمن إفضائها إليه.
ينبه على ذلك: ما روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سألته عن الصائم
يحتجم فقال إني أتخوف عليه الغشيان أو يثور به مرة قلت أرأيت إن قوي على ذلك
ولم يخش شيئا قال نعم إن شاء الله) (3) وجواب رواية أحمد: الطعن فيها، والمعارض
بالنقل المشهور (أن النبي صلى الله عليه وآله احتجم وهو صائم) (4).
وكذا البحث في دخول الحمام، يدل على ذلك: ما رواه محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام (سأل عن الصائم يدخل الحمام وهو صائم فقال لا بأس ما لم يخش
ضعفا) (5).

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 26 ح 11 ص 56.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 26 ح 2 ص 54.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 26 ح 1 ص 54، رواه بزيادة
(أما يتخوف على نفسه؟ قلت ماذا يتخوف عليه؟ قال الغشيان.. الخ) والمراد بيثور
به مرة: داء تنفتح منه عضلات الظهر وتتشنج ويوجع الرأس.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 26 ح 8 ص 55.
5) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 27 ح 1 ص 57.
665

و (شم الرياحين) ويتأكد في النرجس، ويدل على كراهيته: ما رواه الحسن
الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال لا ولا يشم
الريحان) (1) وينبه على أن ذلك على الكراهية: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال (الصائم يشم الريحان والطيب قال لا بأس) (2) ومثله روى عبد الرحمن بن
الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام وما رواه سعد بن سعد قال (كتب رجل إلى أبي الحسن
عليه السلام هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به فقال لا بأس به) (3).
والنرجس يتأكد في الكراهية، ويدل عليه ما رواه محمد بن العيص قال " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام ينهي عن النرجس فقلت جعلت فداك لم ذاك؟ قال لأنه ريحان
الأعاجم " (4).
و " الاحتقان " بالجامد مكروه لرواية علي بن الحسين عن أبيه قال " كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم فكتب لا بأس بالجامد " (5).
وقد سلف من القول في هذا ما عرفت.
ويكره " بل الثوب " على الجسد ولعله لما يعرض معه من كثرة مسام البدن
عند خروج الأبخرة، واحتقان الحرارة في باطن البدن المقتضية إلى احتياجه إلى التبريد، ودل عليه الكراهية: ما رواه الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام: " سألته عن
الصائم يلبس الثوب المبلول قال لا " (6) ورواه الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 13 ص 66.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 1 ص 64.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 10 ص 66.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 4 ص 65.
5) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 5 ح 2 ص 26 (واللطف:
الأمانة).
6) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 4 ص 23.
666

قلت " الصائم يبل الثوب على جسده قال لا " (1) والحسن بن راشد ضعيف،
والتعويل على رواية غيره، ودل على الكراهية: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال " يستنقع الصائم في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب " (2).
ويكره " جلوس المرأة في الماء "، وقال أبو الصلاح: يلزمها القضاء إذا
جلست إلى وسطها، لأنها تحمله بقبلها ودل على ذلك: رواية حنان بن سدير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال " سألته عن الصائم يستنقع في الماء قال لا بأس ولكن لا يغمس
رأسه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها " (3) وحنان المذكور واقفي، لكن
روايته حسنة مشهورة، فيحمل على الكراهية كما اختاره الشيخان.
المقصد الثاني: فيه مسائل:
الأولى: يجب القضاء والكفارة بتعمد " الأكل " و " الشرب " و " الجماع
قبلا " وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يجب القضاء، ولا يجب الكفارة إلا بالجماع،
وقال الليث والنخعي وسعيد بن جبير: لا تجب الكفارة بالجماع.
لنا: ما رووه عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وآله أمر الذي غش امرأته بالكفارة " (4)
وعن أهل البيت: ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام: سأل عن رجل أفطر
يوما من شهر رمضان متعمدا فقال إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال هلكت يا رسول الله
وقعت على أهلي قال تصدق واستغفر ربك فقال والذي عظم حقك ما تركت في البيت
قليلا ولا كثيرا فدخل رجل من الناس بمكيل فيه عشرون صاعا يكون عشرة أصوع
بصاعنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله خذ هذا التمر فتصدق به فقال قد أخبرتك أنه ليس

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 5 ص 23.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 2 ص 22.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 3 ح 6 ص 23.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 221.
667

في بيتي قليل وكثير قال فخذه واطعمه عيالك واستغفر الله، قال فلما رجعنا قال أصحابنا
أنه بدء بالعتق فقال أعتق أو صم أو تصدق " (1).
ويثبت هذا الحكم " بوطئ الميتة " و " النائمة " و " المكرهة " ويتحمل عنها
الكفارة لو أكره امرأته، وفي إكراه الأجنبية وجهان.
وقيل: إذا أفطر على محرم لزمه ثلاث كفارات، لروايات منها: رواية عبد السلام
ابن صالح الهروي قال قلت للرضا عليه السلام: " يا بن رسول الله قد روي عن آبائك فيمن
جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات وروي كفارة واحدة فبأي الخبرين
نأخذ قال بهما جميعا فمتى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان
فعليه ثلاث كفارات عتق رقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم
وإن نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة " (2). ولم يظهر العمل بهذه
الرواية بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها، وربما حملناها على الاستحباب،
ليكون آكد في الزجر، ويجب على المرأة الكفارة، كما يجب على الرجل، لأن
الجماع في القبل مناف للصوم، فيفسد به صوم المفعول والفاعل، وهو مذهب فقهائنا.
ويؤيد هذا من طريق أهل البيت روايات، منها: رواية المشرقي عن أبي
الحسن عليه السلام: " كتب من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم
يوما " (3).
مسألة: ومن وطئ امرأة في " دبرها " فإن أنزل لزمه القضاء والكفارة اتفاقا
من علمائنا، وإن لم ينزل، فقولان: أحدهما: كذلك، وبه قال الشافعي، وقال أبو

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 8 ح 2 ص 29 (رواه مع تفاوت
يسير).
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 10 ح 1 ص 35.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 10 ح 11 ص 31.
668

حنيفة: لا كفارة، وعليه القضاء، لأنه وطئ لا يتعلق به حد، فلا يتعلق به كفارة.
ولنا: أنه وطئ مقصود، فيجب به الكفارة، ولأنه فرج، فيجب به الغسل
والكفارة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله أمر من قال وقفت على أهله: بالكفارة، ولم يستفصله
فيحل على الوطئ مطلقا، وقول أبي حنيفة لا يتعلق به حد، نمنعه. ثم لو سلمنا أنه
لا يتعلق به، لمنعنا ملازمة ذلك، لعدم الكفارة كما في الأصل عندنا وعنده.
فروع
الأول: لو وطئ " غلاما " فأنزل لزمه الكفارة على ما تقرره، وإن لم ينزل
ففي وجوب الكفارة تردد، قال الشيخ: يلزمه الكفارة، مستدلا بإجماع الفرقة،
وبمثل فتواه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يلزمه القضاء حسب وجه ما قاله الشيخ:
أنه وطئ متعمدا يصير الإنسان به جنبا فتجب به الكفارة، ولأنه جماع في فرج،
فيجب به الكفارة، كما تجب في المرأة.
وهذه الاحتجاجات لا تيسر على مذهبنا، إذ حاصلها قياس، وهو متروك عندنا
لكن علم الهدى ادعى " إجماع الإمامية " على وجوب الغسل به على الواطئ
والموطوء، فبتقدير تحقق ما ادعاه، يجب القول بفساد الصوم، ويلزم من إفطاره
بالوطئ متعمدا بالكفارة.
الثاني: إن وطئ " بهيمة " فأنزل فسد صومه، وعليه القضاء والكفارة، بما
سنبين، وإن لم ينزل قال الشيخ: لا نص فيه، ويجب القول بالقضاء لأنه مجمع
عليه، دون الكفارة والغسل، إذ لا دلالة على أحدهما، وقال في المبسوط: عليه القضاء
والكفارة، وقال أبو حنيفة: لا غسل ولا حد ولا كفارة، وكذا لو وطئ " الطفل
الصغيرة " وقال الشافعي وأصحابه: فيها قولان أحدهما: عليه الحد والكفارة، والثاني:
لا حد، وفي الكفارة قولان، ولقائل أن يسقط القضاء أيضا على قوله بعدم الغسل،
669

لعدم الدلالة على القضاء، كما ذكره في الكفارة.
الثالث: من " أمنى " بالملاعبة والملامسة أو " استمنى " ولو بيده، لزمه
الكفارة، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يقضي ولا يكفر، اقتصارا بالكفارة
على موردها.
لنا: أنه أجنب مختارا متعمدا، فكان كالمجامع، ولأنه أفرط بإنزاله عمدا،
فلزمته الكفارة، لما روى: " أن رجلا أفطر فأمره النبي صلى الله عليه وآله بالكفارة " (1) ويؤيد ذلك:
ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام، منها رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعبث بأهله في رمضان حتى ينزل قال عليه السلام عليه مثل ما على
الذي يجامع " (2) وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل وضع يده
على شئ من جسد امرأته فأدفق قال عليه السلام يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق
رقبة " (3).
مسألة: ولو نظر أو تسمع لكلام أو حادث فأمنى، لم يفسد صومه، ولا قضاء
عليه، سواء نظر إلى محللة أو محرمة، وقال أبو الصلاح: لو أصغى فأمنى قضاء،
وفرق الشيخ في الظاهر بين نظر المحرمة والمحللة، وفرقه غير وارد.
مسألة: وفي وجوب الكفارة " بإيصال الغبار " إلى الحلق والدقيق روايتان
إحداهما: القضاء والكفارة، وبه قال الشيخ في الخلاف والمبسوط، ولعل مستنده
رواية سليمان الجعفري قال: " سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان
أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه الغبار فعليه "

1) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 37.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 4 ح 1 ص 25 (رواه عن عبد الرحمن
عن أبي عبد الله " ع ").
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 4 ح 5 ص 26.
670

صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح " (1) وفي هذه
الرواية ضعف من حيث جهل المسموع منه، لكنا بينا أن الازدراد (2) لما لا يؤكل
كالحصى، والبرد يفسد الصوم، فيجب به الكفارة، كما يجب بتناول المأكول
والمشروب، وربما كان الغبار كذلك.
والأخرى: لا قضاء ولا كفارة، روى ذلك عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال
" سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس " (3) وفي عمرو قول، غير أنه
ثقة، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال أبو الصلاح: إذا وقف في
الغبار لزمه القضاء، ورواية عمرو بن سعيد غير منافية، لأنا نقول بموجبها، فإنا لا نوجب
عليه قضاء ولا كفارة بدخول الغبار حلقه، وإنما يوجب بإدخاله حلقه قصدا واختيارا.
مسألة: وفي " الكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم السلام " قولان، وقد سلف
البحث في كون ذلك مفطرا، ولم ينهض الدلالة عليه، فإذن هو كبيرة من الكبائر
أما أنه يفسد الصوم، فلم يثبت، والأصل صحة الصوم وعدم الإيجاب.
مسألة: وفي تعمد " البقاء على الجنابة " روايتان، إحداهما: المنع، وهي
الأشهر، وعليها العمل، والثانية: الجواز، وهو مذهب الجمهور إلا أبا هريرة، فإنه
روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من أصبح جنبا في شهر رمضان فلا يصومن يومه " (4).
ولنا مضافا إلى ذلك: ما روي عن أهل البيت، منها رواية أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام: " في رجل أجنب بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال يعتق رقبة
أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا " (5) وعلى هذه عمل علمائنا، وكذا لو

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 1 ص 48.
2) ازدرد اللقمة: بلعها.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 32 ح 2 ص 48.
4) مسند أحمد بن حنبل ج 6 باب 216 وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 27.
5) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 2 ص 43.
671

" أجنب ونام " غيرنا وللغسل حتى طلع الفجر، لأن مع العزم على ترك الاغتسال
يسقط اعتبار النوم، ويعود كالمتعمد للبقاء على الجنابة،
مسألة: إذا تناول ما ليس أكله " معتادا " ولا شربه، كالحصا، والبرد،
والعصارات أفسد صومه، ووجب به القضاء والكفارة، وبه قال الشيخ، وقال الشافعي:
لا تجب الكفارة إلا بالجماع، وقال أبو حنيفة: لا تجب بما يؤكل إلا ما يقصد به إصلاح
البدن، كالأغذية، والأدوية.
لنا: أن ذلك مناف للصوم، فيكون مفسدا له، ويجب به الكفارة، لرواية أبي
هريرة: " أن رجلا فطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين
أو يطعم ستين مسكينا " (1) ولما روي سعيد بن المسيب: " أن رجلا قال يا رسول الله
أفطرت في شهر رمضان فقال له أعتق رقبة " (2) ولم يستفصله، فعم ما به الفطر.
مسألة: الكفارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا "
وهو مذهب أكثر الأصحاب، وبه قال مالك، ولعلم الهدى قولان، أحدهما: إنها
مرتبة، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بها مرتبا.
لنا: ما رواه مالك في الموطأ عن أبي هريرة: " أن رجلا أفطر في شهر رمضان
فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا " (3)
ومثله روى سعيد بن المسيب.
ومن طريق الأصحاب: ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل
أفطر يوما من شهر رمضان من غير عذر قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا قال فإن لم يقدر تصدق بما استطاع " (4).
والجواب عن حجتهم: إنا لا نسلم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله بالشئ بعد الشئ

1) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 14.
2) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 14.
3) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 14.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 8 ح 1 ص 28.
672

يكون دالا على الترتيب، إذ ليس بصريح فيه، ولو دل باللزوم لكان خبرنا أرجح
لأنه صريح بالتخيير، ولأنه يتضمن تخفيفا، واليسر مراد الله، ولأنا مع القول بالتخيير
يمكننا تنزيل خبرهم على الاستحباب، فيكون جامعين بين العمل بهما، وليس كذلك
لو أوجبنا الترتيب، بل يلزم منه سقوط خبر التخيير.
مسألة: قال علمائنا تجب الكفارة في " إفطار رمضان " و " النذر المعين "
و " قضاء رمضان بعد الزوال " و " الاعتكاف "، ولا يجب في شئ غيره، وأطبق الفقهاء
على أنه لا كفارة في غير رمضان اقتصارا على مورد الرواية، وبقي ما عداه بالأصل.
لنا: أن ما ذكرناه من الصيام تعين زمانه، كما تعين شهر رمضان، فصار الإفطار
فيه هتكا لحرمة صوم متعين، وموجبا للإثم، والكفارة مترتبة على ما تم الفطر في
الصوم المتعين زمانه، فيثبت حيث يثبت.
ويؤيد ذلك: ما رواه الأصحاب، أما الاعتكاف، فروايات منها: رواية أبي
ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام، ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " المعتكف إذا
جامع فعليه ما على المظاهر وعلى المعتكفة بإذن زوجها إذا تهيأت حتى واقعها فعليها
ما على المظاهرة " (1) وفي رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المعتكف إذا واقع
أهله فهو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " (2) ولا ريب أن العمل برواية الحناط وزرارة أولى
من سماعة، فإنه وإن كان ثقة لكنه واقفي، وأكثر الأصحاب على العمل بروايته،
وتنزيل الأخرى على الأفضل، وهو أولى.
وأما النذر: ففيه أخبار كلها مبنية على مكاتبات مجهولة خلاصتها: " من وقع
على أهله في يوم نذر صومه أنه يصوم يوما بدله وتحرير رقبة " (3) وفي رواية أخرى

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 6 ح 1 ص 406.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 6 ح 5 ص 407.
3) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 7 ح 1 و 2 و 3 ص 277.
673

" عليه عن كل يوم إطعام سبعة مساكين " (1) وسيأتي تحرير القول فيها في كتاب
النذر.
وأما قضاء رمضان، ففيه روايات، منها: رواية بريد العجلي عن أبي جعفر
عليه السلام: " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قال إن كان أتى أهله قبل
الزوال فلا شئ عليه وإن كان أتى أهله بعد الزوال فعليه أن يتصدق على عشرة
مساكين " (2) ومثله روى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام وفي رواية أخرى قال
" عليه ما على من أصاب في رمضان لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان " (3)
والعمل على الأولى والثانية على الاستحباب.
مسألة: من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر، فلا شئ عليه، لأن
نومه سائغ، ولا قصد له في بقائه، والكفارة مترتبة على التفريط أو الإثم، وليس
أحدهما مفروضا، أما لو أنتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء،
لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة، ولا كذا المرة الأولى، لأن في المنع منها تضييقا
على المكلف، ويدل على ما قلناه، روايات:
منها: رواية ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " الرجل يجنب في
شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال يتم صومه ويقضي يوما آخر وإن
لم يستيقظ حتى يصبح أتم نومه وجاز له " (4) وأوضح من ذلك ما رواه معاوية بن
عمار قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " الرجل يجنب في أول الليل ثم ينام حتى يصبح في
شهر رمضان قال ليس عليه شئ قلت فإنه يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال فليقض ذلك

1) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 7 ح 4 ص 277.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 29 ح 1 ص 253.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 29 ح 3 ص 254.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 15 ح 2 ص 41.
674

اليوم عقوبة " (1).
قال الشيخان: فإن انتبه ثم نام ثالثا، فعليه القضاء والكفارة، واستدل الشيخ
على ذلك برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل أجنب ثم ترك الغسل
متعمدا حتى أصبح قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا " (2) وبرواية
سليمان المروزي عن الفقيه قال: " إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل فعليه صوم
شهرين متتابعين مع صومه ذلك اليوم " (3) وبرواية عبد الحميد عن بعض مواليه قال
سألته: " عن احتلام الصائم قال إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل فإن
نام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم " (4).
وليس في هذه الأخبار ما يدل على ما قالاه، أما الأولى: فدالة على من تعمد
ترك الاغتسال، لا من تكرر نومه، وقد بينا أن من تعمد ذلك لزمته الكفارة، والثانية:
مطلقة، وليس حملها على تكرار النوم بأولى من حملها على التعمد، والثالثة:
مجهولة الراوي والمسؤول، فإذن لا حجة لما قالاه، والأولى سقوط الكفارة مع تكرار
النوم، وإيجابها مع التعمد.
مسألة: يجب القضاء في الصوم الواجب المتعين " دون الكفارة " بسبعة
أشياء، إنما اشترطنا " الوجوب والتعيين " لأن ما ليس بمتعين وإن فسد صومه، فليس
الإتيان ببدله قضاء، لأن القضاء اسم لفعل مثل المقضي بعد خروج وقته، وإلا فكل
صوم صادفه أحد ما نذكره، فإنه يفسد، فإن كان واجبا أتى بالبدل، ولا يسمى قضاء،
وإن كان متعينا فالبدل قضاء.
والذي يفسد به الصوم فلا تجب به الكفارة " أن يظن بقاء الليل " فيتناول

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 15 ح 1 ص 41.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 2 ص 43.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 3 ص 43.
4) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 16 ح 3 ص 43.
675

المفطر، والفجر طالع، مع القدرة على مراعاته، أو " يخلد إلى قول غيره " في أن
الفجر لم يطلع، فيتناول، والفجر طالع، مع القدرة على المراعاة أو " أخبر بطلوع
الفجر فظن المخبر كاذبا " وكان طالعا، لأن ذلك يتضمن تفريطا، ولا يتضمن مأثما
فوجب القضاء لإفساده الصوم بالتناول، ولم تجب الكفارة لعدم المأثم، وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة.
ويؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام: ما رواه سماعة بن مهران قال
سألته: " عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان فقال إن كان قام
فنظر فلم ير الفجر ثم عاد فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم ولا إعادة عليه وإن قام فأكل
وشرب ثم نظر إلى الفجر فرأى أنه قد طلع فليتم صومه ويقضي يوما آخر لأنه بدء
بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة " (1) ومثل هذا المعنى روى الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام.
ودل على الثانية: ما رواه معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " آمر
الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول لم يطلع فآكل ثم أنظر فأجده قد طلع حين
نظرت قال تتم يومك وتقضيه أما أنك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك
قضاؤه " (2).
ودل على الثالثة: ما رواه عيص بن القسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته: " عن
رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم
فكف بعضهم وظن بعضهم أنه يسخر فأكل قال يتم صومه ويقضي " (3) ويقضي لو

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 44 ح 3 ص 82، رواه الكليني
عن ابن أبي عمير وأما ما رواه معاوية بن عمار فهو يروى بدل (تتم يومك ثم تقضيه ما كان
عليك قضاؤه) (قال اقضه.. لم يكن عليك شئ).
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 46 ح 1 ص 84.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 47 ح 1 ص 85.
676

أخلد إليه في دخول الليل فأفطر وبان كذبه مع القدرة على المراعاة.
مسألة: من ظن دخول الليل " لظلمة عرضت لعارض من غيم أو غيره،
فأفطر، ثم تبين فساد ظنه وجب عليه الإتمام والقضاء، وبه قال المفيد، وأبو الصلاح
الحلبي، وفقهاء الجمهور محتجين بما رواه حنظلة قال: " كنا بالمدينة في شهر رمضان
وفي السماء سحاب فظننت أن الشمس غابت فأفطر بعضنا فأمر عمر من كان أفطر أن
يصوم مكانه " (1).
وربما كانت حجة المفيد ما رواه سماعة وأبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " في
قوم صاموا في شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود فرأوا أنه الليل فأفطر قوم فقال على
الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله يقول ثم أتموا الصيام إلى الليل فمن أكل قبل
دخول الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا " (2).
وقال الشيخ: إن لم يغلب على ظنه دخول الليل فكذلك، وإن غلب فليمسك
فليس عليه قضاؤه، محتجا بروايات منها: رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح
ورواية أبي جميلة عن زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل صام ثم ظن أن
الليل قد كان وأن الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ثم إن السحاب تجلى
والشمس لم تغب فقال تم صومه فلا يقضيه " (3).
وفي الاحتجاجين ضعف، أما خبر المفيد: ففي سنده محمد بن عيسى بن عبيد
اليقطيني عن يونس بن عبد الرحمن، وقد توقف ابن بابويه فيما يرويه محمد بن عبيد
عن يونس.
وأما روايات الشيخ: فالأولى رواية محمد بن الفضيل عن أبي الصباح، ومحمد

1) سنن البيهقي ج 4 ص 217.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 50 ح 1 ص 87.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 51 ح 4 ص 88.
677

ابن الفضيل ضعيف، كذا أبو جميلة، ومع ضعف الروايات يجب إطراحها فأما
رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وقوله " وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد
ذلك أعدت الصلاة ومضى صومك " (1) فليس حجة، لأنه ليس بصريح في سقوط
القضاء، فلا يتناول موضع النزاع.
والأولى ما اختاره المفيد (ره): من وجوب القضاء مطلقا، لأنه يتناول ما ينافي
الصوم عمدا، فيلزم القضاء، وتسقط الكفارة، لعدم العلم، ولحصول الشبهة.
مسألة: من تعمد " القئ " لزمه القضاء، دون الكفارة، وبه قال الشافعي،
وأبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وقال أبو ثور: يجب به القضاء والكفارة، كالأكل
والشرب، وقال علم الهدى: أخطأ ولا قضاء ولا كفارة، وربما يحتج: بأن الصوم
إمساك عما يصل إلى الجوف لا ما ينفصل عنها، فلم يكن منافيا.
لنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن
استبقى فليقض " (2).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد
سلفت، ومثل ذلك روى مسعدة بن صدقة ورواية عبد الله بن بكير، عن بعض أصحابنا
عنه عليه السلام (3) ويمكن أن يجيب عما احتج به لعلم الهدى: بأن ذلك اجتهاد في مصادمة
النص، فلا عبرة به.
مسألة: من " تمضمض " للصلاة فسبق الماء إلى حلقه، فلا شئ عليه، وإن
كان متبردا أو متلاعبا فسبق لزمه القضاء، وقال أبو حنيفة: يقضي على التقديرين،

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 51 ح 1 ص 87.
2) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 16، ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 498،
وسنن أبي داود كتاب الصوم باب 32.
3) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 29 ح 1 و 6 و 7 ص 61 و 62.
678

وللشافعي قولان.
ولنا: أنه فعل فعلا مأمورا به شرعا، فلا يترتب عليه عقوبة، أما لو كان
متبردا أو عابثا، فلأنه فرط بتعريض الصوم للإفساد، فلزمته العقوبة للتفريط، ولو ابتلع
الماء عامدا لزمته الكفارة، لأنه أفسد صومه عامدا، فكان كمن شرب، وفي رواية
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " إن كان لصلاة فريضة فلا قضاء عليه، وإن كان لنافلة
فعليه القضاء " (1).
مسألة: وفي " الحقنة " أقوال، أحدها: إيجاب القضاء مطلقا، وهو اختيار أبي
الصلاح، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وقال مالك: يفطر بالكثير ويجب
به القضاء، وثانيها: يجب القضاء بالاحتقان بالمائع، دون الجامد، وهو اختيار
الشيخ، وثالثها: أنه حرام، ولا يجب به قضاء ولا كفارة، وهو اختيار علم الهدى.
أما التحريم فقد أسلفنا البحث فيه، وأما وجوب القضاء والكفارة، أو أحدهما
فهو منفي بالأصل السليم عن المعارض، وقد روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن
جعفر " سأل عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان،
فقال لا بأس " (2).
ولأن الحقنة لا تصل إلى المعدة، ولا إلى مواضع الاغتذاء، فلا يؤثر فسادا
كالاكتحال، وقياس الجمهور الحقنة على ما يصل إلى الدماغ من الدواء ليس بلازم
لأنا نمنع الأصل المقيس عليه والفرع، واحتجاجهم بالمنع من المبالغة في الاستنشاق
للصائم، قد بينا ضعفه فيما سلف: على أنا لو سلمنا النهي عن الاحتقان لم يلزم من
النهي فساد الصوم، لاحتمال أن يكون حراما، لا لكون الصوم يفسد به، بل لحكمة
شرعية لا يلزمنا إبداؤها كما قلناه في الارتماس.

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 23 ح 1 ص 49.
2) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 5 ح 1 ص 26.
679

مسألة: تتكرر الكفارة بتكرر السبب مع تغاير أيام شهر رمضان، وهو اتفاق
علمائنا، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا تتكرر، لأنها عقوبة
على جنابة تكرر سببها قبل استيفائها، فتداخلتا كالحد، فإن تخلل التكفير ففي التكرار
عنه روايتان.
لنا: أن كل يوم عبادة منفردة عن الآخر لا يبطل ببطلان ما سبق، ولا يصح بصحته
فيجب ألا يتخذ أحد السببين فيهما، ولأن الكفارة عقوبة على إفساد صوم صحيح،
فيتكرر بتكرره، وقياس أبي حنيفة ضعيف، لأن الحد مبني على التخفيف، فلم يتكرر
الحد بتكرر سببه قبل استيفائه، وليس كذلك التكفير في مقابلة إفساد الصوم.
ولو تكرر منه الوطئ في اليوم الواحد، لم تتكرر الكفارة، لأن الوطئ
الثاني لم يقع في صومه صحيح، فكما لا يتكرر به القضاء، لم تتكرر به الكفارة،
وقال الشيخ: ليس لأصحابنا فيه نص، ولا ريب أنه وهم منه رحمه الله، وإلا فقد روي
عن الرضا عليه السلام: " أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطئ " (1). واختاره المرتضى (ره)، وقال
ابن الجنيد من أصحابنا: إن كفر عن الأول كفر ثانيا، وإلا فكفارة واحدة عنهما،
قال الشيخ: وإنما قاله قياسا، وذلك لا يجوز عندنا.
فرع
من أكل " مرارا " أو شرب أو أكل وشرب لم تتكرر الكفارة، وإن وجب
الإمساك، لأنه ليس بصوم صحيح، والكفارة تختص بما يحصل به الفطر، ويفسد
به الصوم الصحيح، ولأن النبي صلى الله عليه وآله أمره بالكفارة حين أخبره بالفطر، فكان الحكم
مختصا به كما لو نطق به النبي صلى الله عليه وآله.
وقال أحمد: يجب الكفارة بالوطئ لمن يلزمه الإمساك، وإن كان صومه

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 11 ح 3 ص 37.
680

فاسدا، لأنه وطئ محرم لحرمة رمضان، فوجب به الكفارة، كوطئ الصائم،
وجواب ما احتج به أحمد: أنا لا نسلم أن الكفارة وجبت لوطيه في رمضان، بل
كما يحتمل ذلك يحتمل أنها وجبت لكونه إفسادا لصوم صحيح، ومع الاحتمال
لا يكون ما ذكروه حجة.
مسألة: من أفطر " مستحلا " فهو مرتد، إن كان ممن عرف قواعد الإسلام،
وإن اعتقد العصيان عزر، فإن عاد عزر، فإن عاد قتل في الثالثة، وقيل في الرابعة،
وسيأتي تحقيقه في باب الحدود.
مسألة: قال علمائنا: من " أكره " امرأته على الجماع عزر خمسين سوطا،
وعليه كفارتان، ولا كفارة عليها، ولا قضاء، ولو " طاوعته " كان على كل واحد منهما
كفارة، وعزر كل واحد خمسة وعشرين سوطا، روى ذلك إبراهيم بن إسحاق
الأحمري عن عبد الله بن حماد عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل
أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال إن كان استكرهها فعليه كفارتان ويعزر بخمسين
سوطا وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة وضرب خمسة وعشرين سوطا
وضربت خمسة وعشرين سوطا " (1) وإبراهيم بن إسحاق هذا ضعيف متهم، والمفضل
ابن عمر ضعيف جدا، كما ذكر النجاشي، وقال ابن بابويه: لم يرو هذه غير المفضل
فإذن الرواية في غاية الضعف، لكن علماؤنا ادعوا على ذلك إجماع الإمامية، ومع
ظهور القول بها، ونسبة الفتوى إلى الأئمة يجب العمل بها.
ولنا: نسبة الفتوى إلى الأئمة عليهم السلام، باشتهارها بين ناقلي مذهبهم، كما يعلم

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 12 ح 1 ص 37، رواه كذلك
(إن استكرهها فعليه كفارتان وإن كان طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة وإن كان أكرهها فعليه
ضرب خمسين سوطا نصف الحد وإن كان طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة
وعشرين سوطا).
681

أقوال أرباب المذاهب بنقل أتباعهم مذاهبهم، وإن استندت في الأصل إلى الآحاد
من الضعفاء والمجاهيل.
فروع
الأول: قال الشيخ: إذا وطئها " نائمة أو مكرهة " لم يفطر، وعليه كفارتان،
ونحن نساعده على المكرهة وقوفا عندما ادعوه من إجماع الإمامية، أما النائمة:
فلأن في الإكراه نوعا من تهجم، ليس موجودا في النائمة، ولأن ذلك ثبت على
خلاف الأصل، فلا يلزم من ثبوت الحكم هناك، لوجود الدلالة بثبوته هنا مع عدمها.
قال الشيخ: ولو أكرهها لا جبرا، بل ضربها حتى أمكنته من نفسها، فقد أفطرت
لدفعها عن نفسها بفعلها التمكين، ولزمها القضاء دون الكفارة، لقولهم: " لا كفارة على
المكرهة " ونحن نقول: ولا قضاء، لقوله عليه السلام: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه " (1) ولأنا لا نسلم أنها تفطر مع الإكراه.
وقوله: رفعت عن نفسها الضرر بالإفطار، فصارت كالمريض، قلنا: هذا قياس
وهو متروك عندنا، ثم الفرق أن المريض سقط فرض الصوم عنه إلى القضاء، عملا
بالدليل، وليس كذلك موضع النزاع.
ولو " زنا " بها فعليه كفارة، وعلى رواية أخرى ثلاث كفارات، وهل يتحمل
عنها الكفارة لو طاوعته، الأشبه لا، لاختصاص الحكم بالوطئ المحلل، وقال
بعض فقهائنا: يتحمل مع إكراهها، لأن الزنا أغلظ حكما، وليس بوجه، لأنه قياس
مع وجود الفرق، فإن الكفارة لتكفير الذنب، وقد تغلظ الذنب، فلا يؤثر الكفارة
في عقابه تخفيفا، ولا سقوطا، فلا يثبت الحكم في موضع النزاع.
الثاني: من يصح منه الصوم يعتبر في الرجل " العقل " لأن التكليف يسقط

1) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16.
682

مع زوال العقل، فلا يكون صومه مأمورا به، و " الإسلام " لأنه شرط نية القربة،
وهي متعذرة من غير المسلم، وكذا يشترط في " المرأة " لأن الدلالة فيهما واحدة،
ولا يصح من " الحائض والنفساء " وعلى ذلك إجماع المسلمين، ومثله النفساء، ولو
صادف الحيض أو النفاس جزءا من النهار، أوله، وآخره، فسد صومها، وعليه
الاتفاق، نعم لو ظهرت وقد بقي من النهار بقية " استحب " لها الإمساك، وليس صوما.
ويؤيد ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام: " عن امرأة أصبحت صائمة في شهر رمضان فلما ارتفع النهار حاضت
قال تفطر وعن امرأة رأت الطهر في أول النهار قال تصلي وتتم صومها وتقضي " (1).
وفي " المغمى عليه " قولان، أحدهما: يفسد صومه بزوال عقله؟ والآخر: إن
سبقت منه نية الصوم كان باقيا على صومه، اختاره المفيد، وليس بوجه، لأن مع
زوال العقل يسقط التكليف وجوبا وندبا، ولا يصح الصوم مع سقوطه، ويصح من
الصبي المميز، لقوله عليه السلام: " مروهم بالصلاة لسبع " (2) ولا يجب لقوله عليه السلام: " رفع
القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ " (3) وفي رواية عن أحمد بن حنبل: يلزمه
الصوم، وليست متعمدة عندهم.
و " المستحاضة " بحكم الطاهر، يصح صومها إذا فعلت ما يلزمها من الأغسال
وقد سلف بيان ذلك.
ولا يصح الصوم الواجب من " المسافر " وفي صحة الندب منه قولان،

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 25 ح 5 ص 163.
2) صحيح البخاري كتاب الأذان باب 18 وكتاب الصوم باب 47، وسنن النسائي
كتاب الأذان باب 8.
3) صحيح البخاري كتاب الحدود باب 22 وسنن أبي داود كتاب الحدود باب 17.
683

والكراهية أولى لقوله عليه السلام " ليس من البر الصيام في السفر " (1).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام، منها: رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال
" ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في السفر في رمضان ولا غيره " (2) وعن عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: " عن الرجل يصوم صوما قد وقته
على نفسه فقال لا تصم في السفر ولا تقضي شيئا من صوم التطوع إلا ثلاثة الأيام التي
كنت تصومها من كل شهر لأني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح " (3) وعن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا صيام في السفر " (4).
ويصح من المسافر لو نذر يوما معينا، وشرطه سفرا وحضرا في قول مشهور
ذهب إليه الشيخان، وأتباعهما، واستدل على ذلك: بما رواه عبد الحميد عن أبي
الحسن عليه السلام قال: سألت " عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال يصومه أبدا
في السفر والحضر " (5).
قال الشيخ: يحمل هذا على من نذر يوما معينا، وشرط صومه سفرا وحضرا
واستدل على التأويل: برواية علي بن مهزيار قال كتب بندار مولى إدريس: " يا سيدي
نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه فما الذي يلزمني من الكفارة فكتب
وقرأته لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت
ذلك " (6) ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

1) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 413 عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن
(ع) وفي الفقيه ج 1 ص 50 عن محمد بن علي بن الحسين عن الصادق (ع).
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 11 ح 4 ص 143.
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 10 ح 6 ص 141.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 11 ح 1 ص 142.
5) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 10 ح 7 ص 141.
6) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 10 ح 1 ص 139.
684

ويجوز للمسافر صوم " ثلاثة أيام " لبدل دم المتعة في السفر، وسيأتي بيانه
في الحج، وكذا يصوم " ثمانية عشر يوما " من أفاض من عرفات عامدا عالما، وعجز
عن البدنة، وسيأتي تحقيقه، ولا يصح في واجب غير ذلك، وفيه قول آخر للمفيد
(ره) فإنه أجاز صوم ما عدا رمضان من الواجبات في السفر، لكنه قول نادر، وقد
وضح لك من نقل أهل البيت عليهم السلام ما ينافيه.
ويؤكد ذلك: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل يجعل
لله أن يصوم شهرا وأكثر من ذلك فعرض له أمر لا بد أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟
قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره " (1) والصوم
في السفر معصية، وكذا يصوم المسافر إذا عزم الإقامة في موضع عشرة أيام، أو كان
ممن يلزمه الصوم في السفر، وقد مر بيان ذلك في كتاب المسافر.
ويؤخذ الصبي بالصوم إذا بلغ " ست سنين " وأطاق الصوم استحبابا، ويلزم
وجوبا إذا بلغ " خمس عشرة " سنة، وسيأتي تحقيقه فيما بعد.
ويصوم المسافر ثلاثة أيام للحاجة بمدينة النبي صلى الله عليه وآله، لما رواه معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام وتصلي عند
أسطوانة أبي لبانة الأربعاء وليلة الخميس ويومها عند مقام النبي صلى الله عليه وآله وليلة الجمعة
ويومها عند الأسطوانة التي يلي مقام النبي صلى الله عليه وآله وتسأل حاجتك " (2).
والمريض لا يصح صومه مع التضرر لقوله عليه السلام: " لا ضرر ولا إضرار " (3) ولو
تكلفه لم يصح، لأنه منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي في العبادات، ويجب
عليه لو لم يتضرر، والإنسان على نفسه بصيرة.

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 10 ح 8 ص 141.
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 12 ح 1 ص 143.
3) الوسائل ج 17 ص 341 ح 3 و 4 و ص 376 ح 10.
685

الرابع: في أقسامه: وهي أربعة واجب ومندوب ومكروه ومحرم.
فالواجب ستة: صوم شهر رمضان، والكفارات، والنذور، وما في معناه،
وبدل دم المتعة، والاعتكاف، وقضاء الصوم الواجب المعين.
أما شهر رمضان فالنظر في علامته وشروطه وأحكامه:
الأول: علامته، وهو أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما، أو يرى الهلال قبل
ذلك، فمن رآه وجب عليه صومه، ولو أنفرد برؤيته، لقوله عليه السلام: " صوموا لرؤيته
وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما " (1) ولما روى علي بن جعفر عن
أخيه موسى قال سألته: " عن الرجل يرى هلال رمضان وحده لا يبصره غيره قال إذا
لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس " (2) وكذا لو رأى شائعا، ولا خلاف بين
العلماء في ذلك، ولو لم يتفق ففيه أقوال، قال سلار: تقبل شهادة الواحد في أوله،
وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: لا يقبل إلا شاهدان عدلان صحوا وغيما، وبه قال المفيد (ره)،
وعلم الهدى، وأكثر الأصحاب، والقول الثاني للشافعي، وقال الشيخ: لا تقبل مع
الصحو إلا خمسون نفسا، أو شاهدان من خارج البلد، وربما كانت حجته: ما رواه
حبيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا
عدد القسامة وكذا يجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة
فأخبرا أنهما رأياه أو أخبرا عن قوم أنهم صاموا للرؤية " (3) ومثله روى إبراهيم الخراز
عن أبي إبراهيم عليه السلام (4).

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 4 ح 1 ص 188.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 13 ص 210.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 10 ص 209.
4) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 16.
686

وقال أبو حنيفة: يعمل في الغيم بشاهد واحد عدل، ولو كان امرأة، أو عبد
لأنه خبر من أخبار الذين يشترط فيه العدالة، كإخبار النبي صلى الله عليه وآله، ومع الصحو
لا يقبل إلا جمع عظيم يحصل بخبرهم العلم، لأن انفراد الواحد مع توفر الدواعي،
وسلامة الحواس، وزوال الموانع بعيد، فانفراده مظنة التهمة، وكذا ما زاد على
الواحد ما لم يحصل اليقين.
ولنا: ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين فإن شهد
ذوا عدل فصوموا ".
ومن طريق الأصحاب: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال علي عليه السلام
" لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين " (1) وعنه عليه السلام، قال:
" إن عليا عليه السلام كان يقول لا أجيز في شهادة الهلال إلا شهادة رجلين " (2) ومنصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " صم لرؤية الهلال وافطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان
مرضيان بأنهما رأياه فاقضه " (3) وروى شعيب بن يعقوب عنه عليه السلام عن أبيه، أن عليا
عليه السلام، قال: " لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلا رجلين " (4).
والجواب عن خبر الأعرابي، وخبر ابن عمر: أنه لا يلزم من عمله عند خبرهما
انفرادهما بالرؤية، لأنه حكاية حال، فلعله عليه السلام عرف ذلك من غيرهما.
ولو قيل: الأصل عدم ذلك، قلنا: الأصل لا يفيد اليقين، والعمل بشهادة
الواحد مناف لما هو معلوم من شرعه عليه السلام، فيكون الاحتمال المذكور أرجح من
التمسك بالأصل، ولو قال: هو إخبار لا شهادة، منعنا ذلك، ومع ورود الصريح

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 7 ص 208.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 1 ص 207.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 4 ص 208.
4) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 11 ح 9 ص 209.
687

من الأخبار في اشتراط شاهدين يكون الاحتمال الذي ذكرناه أرجح.
والجواب عما احتج به شيخنا: أن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم
سوى قسامة الدم، ثم لا يفيد اليقين، بل قوة الظن، وهو يحصل بشهادة العدلين،
وبالجملة فإنه مناف لما عليه عمل المسلمين كافة، فكان ساقطا.
ولا اعتبار " بالجدول " لأن أصل ذلك مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط
مسير القمر، واجتماعه بالشمس، ولا يجوز التعويل على قول المنجم، لأنه مبني
على قواعد ظنية، مستفادة من الحدس الذي يخطئ أكثر مما يصيب، ولا يجوز
التعويل على قوله، لقول النبي صلى الله عليه وآله: " من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل
على محمد صلى الله عليه وآله " (1).
ولا " بالعدد " فإن قوما من الحشوية يزعمون أن شهور السنة قسمان ثلاثون
يوما، وتسعة وعشرون يوما، فرمضان لا ينقص أبدا، وشعبان لا يتم أبدا، محتجين
بأخبار منسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام، يصادمها عمل المسلمين في الأقطار بالرؤية،
وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال، فلا ضرورة إلى ذكرها.
وكذا لا عبرة " بغيبوبة القمر " بعد الشفق، فقد عول على ذلك قوم مستندين
إلى رواية إسماعيل بن الحر عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا غاب الهلال قبل الشفق
فهو لليلته وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين " (2).
وكذا لا اعتبار " بتطوقه " كما رواه محمد بن مرازم عن أبيه عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: إذا تطوق الهلال فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث " (3).
وكذا لا اعتبار بعد " خمسة أيام " من الماضية، كما رواه عمراني الزعفراني

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 15 ح 2 ص 215 رواه عن المصنف.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 9 ح 3 ص 204.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 9 ح 2 ص 203.
688

عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت: " السماء يطبق علينا اليوم واليومين فأي يوم نصوم قال
افطر اليوم الذي صمت فيه من السنة الماضية وصم يوم الخامس " (1) وهذه الروايات
شاذة، والعمل بها نادر، فلا يعول عليها.
أما رؤيته قبل الزوال، فقد روي به روايات، منها: رواية حماد بن عثمان عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية وإذا رأوه بعد
الزوال فهو لليلته المستقبلة " (2) وروى عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا
رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلته المستقبلة "
وروى عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك
اليوم من شوال وإذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان " (3) فقوة هاتين الروايتين
أوجب التردد بين العلم بهما، والعمل بما دلت عليه رواية العدلين، وبمثله قال إذا
أبو يوسف.
فرع
لو شهد بالهلال شاهدان، ولم ير بعد الثلاثين مع الصحو، لزم الفطر،
وللشافعي قولان، لأن عدم الرؤية مع الصحو يقين، والحكم بالشاهدين ظن، واليقين
مقدم على الظن.
ولنا: أن شهادة الاثنين يثبت بها الهلال، والصوم، فيثبت بها الفطر، وحكم
الهلال في البلاد المتقاربة واحد، ولا كذلك المتباعدة، بل يلزم من رأى، دون من
لم ير، وقد أفتى بذلك عبد الله بن عباس، ولو أنفرد بالرؤية، وأفطر لغير عذر،

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر
34 رمضان باب 10 ح 2 ص 205.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 8 ح 6 ص 202.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 8 ح 5 ص 202.
689

لزمته الكفارة، لأنه أفطر في يوم [صوم] صحيح مختارا، وقال أبو حنيفة: لا يكفر،
لأنه أفطر مع الشبهة، وليس شيئا، لأنا نتكلم على تقدير اليقين، ولا شبهة مع اليقين
وسواء ردت شهادته، أو لم ترد.
مسألة: ومن كان بحيث لا يعلم الأهلة يؤخر " شهرا " فإن استمر الاشتباه
أجزأه، وكذا إن صادف، أو كان بعده، ولو كان قبله قضاه، وبه قال أبو حنيفة،
وقال الشافعي: يقضي إلا مع الأمارة، أما لو كان قبله، فقولان، أحدهما: الإجزاء
لأنه أدى مع الأمارة مجتهدا، فيكون مجزيا.
لنا: أدى العبادة قبل وقتها، فلا يجزي، كما لو صلى قبل وقتها، فلا يجزي
ويدل على ذلك: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام، قلت له
: الرجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أي شهر هو قال يصوم شهرا
يتوخاه ويحسب فإن كان شهر الذي صامه قبل رمضان لم يجزه وإن كان بعده
أجزأه " (1).
ولو قيل: شرط صحة القضاء نية التعيين، وهو لم ينو القضاء، وإنما نوى
الأداء، قلنا: هو ينوي الوجوب عما في ذمته، فإذا كان التقدير انقضاء شهر رمضان
كان الثابت في الذمة القضاء، فيجب أن يجزي، لأن ذلك هو قصده، وأما إذا كان
صومه في الشهر، فقد بينا أن نية القربة كافية، ولأنه لا يقع فيه غيره، فكان مجزيا
على كل حال.
تفريع
ولو وافق " شوالا " قضى يوما آخر، ولو وافق " ذا الحجة " قضى العيد وأيام
التشريق إن كان بمنى، هذا إذا كانا تامين، ولو كانا ناقصين زاد يوما.

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 7 ح 1 ص 200.
690

والثاني: لو صام شهرا ناقصا، وكان شهر الناس تاما، قضى يوما، لأن عليه
بعدة الشهر.
مسألة: ووقت وجوب الإمساك " طلوع الفجر الثاني " وعليه إجماع العلماء
وقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر) (1) أما الجماع، فمحلل حتى يبقى لطلوع الفجر قدر الوقاع والاغتسال
ولم يعتبر غيرنا الاغتسال، واقتصروا على انتهاء الجماع مع نهاية الليل، لأنهم منعوا
الجماع نهارا، ولم يحرموا بقاء الجنابة، ولا غيره من الاغتسال.
فرع
لو غلب على ظنه اتساع الوقت فطلع، وهو مواقع نزع، ولا شئ عليه،
وكذا لو أنزل، والفجر طالع من مواقعه قبل الفجر، مع ظن السعة، وقال الشيخ:
عليه القضاء.
لنا: أنه فعل مأذون فيه، ولم يتضمن تفريطا، فلا يلزمه قضاء، كما بيناه
في دليل الأكل والشرب، أما لو بادر من غير مراعاة، أو أخلد إلى غيره مع قدرته
على تعرفه، لزمه القضاء دون الكفارة، لحصول الشبهة في إقدامه، كما مر في الإفطار
بالأكل.
مسألة: ووقت الإفطار " ذهاب الحمرة المشرقية " وهو وقت وجوب صلاة
المغرب، وقال آخرون: عند استتار القرص، وقد روى ذلك في أخبار أهل البيت،
وليس معتمدا، ويستحب تقديم الصلاة على الإفطار، لتضاعف أجر الطاعات مع
الصوم، وقد روى جماعة منهم جميل عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سأل عن الإفطار قبل
الصلاة أو بعدها قال إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم وإن

1) سورة البقرة: الآية 187.
691

كان غير ذلك فليصل وليفطر " (1).
وروى زرارة وفضيل عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " يصلي في رمضان ثم يفطر،
إلا أن يكون مع قوم ينتظرون الإفطار، فلا يخالف عليهم، وإلا فابدء بالصلاة، فقد
حضرك فرضان، الإفطار، والصلاة، وأفضلهما الصلاة، ثم قال تصلي وأنت صائم
وتختم بالصوم أحب إلي " (2).
وإذا اشتبهت الحال استظهر حتى يتيقن، ولو غاب القرص، وبقي له أمارة
الظهور، ففيه روايتان، أصحهما: وجوب الإمساك حتى يذهب علامات ظهوره.
الثاني: شروطه وهي قسمان:
الأول: شرائط الوجوب وهي ستة " البلوغ وكمال العقل " ولا خلاف بين
العلماء في سقوطه عن المجنون والمغمى عليه والصبي، إلا في رواية عن أحمد،
لقوله عليه السلام: " إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان " (3)
والرواية مرسلة: فلا عبرة بها وفي رواية لنا عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " الصبي إذا
أطاق الصوم ثلاثة أيام وجب عليه صوم شهر رمضان " (4) وقد انفرد بها السكوني
ولا عمل على ما ينفرد به.
فلو بلغ الغلام قبل الفجر وجب عليه الصوم إجماعا، وإن كان بعد الفجر
لم يجب، واستحب له الإمساك، سواء كان مفطرا، أو صائما، وقال أبو حنيفة: يجب
لأنه صار على حال لو كان عليها أول النهار لزمه الإمساك، كما لو قامت البينة بالهلال

1) الوسائل ج 7 أبواب آداب الصائم باب 7 ح 1 ص 107.
2) الوسائل ج 7 أبواب آداب الصوم باب 7 ح 2 ص 108.
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 29 ح 5 ص 168.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 29 ح 5 ص 168 (رواه عن
السكوني عن الصادق (ع) إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صوم
شهر رمضان).
692

في أثناء النهار، وقال الشافعي: إن كان أفطر استحب الإمساك، وفي القضاء قولان،
وإن كان صائما فوجهان، أحدهما: يتمه استحبابا، ويقضيه وجوبا، لفوات نية
التعيين، والثاني: يتم وجوبا ويقضيه استحبابا.
لنا: أن الصبي ليس من أهل الخطاب، فلا يتناوله الإمساك وجوبا، وأما
الاستحباب، فلأنه تمرين على الصوم، وليس بتكليف يتوقف على توجه الخطاب،
وإذا لم يصح خطابه في بعض النهار لم يصح في باقيه، لأن صوم بعض اليوم لا يصح.
وكذا البحث في المجنون، والكافر، ويؤيد ذلك: ما رواه العيص بن القسم
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته " عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام
هل عليهم أن يقضوا ما مضى ويومهم الذي أسلموا فيه قال ليس عليهم قضاء ولا يومهم
الذي أسلموا فيه إلا أن يسلموا قبل طلوع الفجر " (1).
الشرط الثالث والرابع: " الصحة والإقامة " أو حكمها، ولا خلاف في سقوطه
عن المريض المتضرر وكذا المسافر، فلو صام أحدهما، وقد عرف شرعية القصر،
لم يجزه، وبه قال أبو هريرة، وستة من الصحابة، وقال داود: يجوز أن يصوم،
وأن يفطر، ويلزمه القضاء على التقديرين، وقال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك،
وأحمد: هو بالخيار، فإن أفطر قضى، وإن صام أجزأه، واختلفوا في الأفضل.
لنا: قوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر) (2) والتفصيل يقطع الشركة، فكما يلزم الحاضر الصوم
فرضا مضيقا، يلزم المسافر القضاء كذلك، وإذا لزم القضاء مطلقا، سقط الصوم،
وقوله عليه السلام: " ليس من البر الصيام في السفر " (3) وروي عنه عليه السلام أنه قال: " الصائم في

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 22 ح 1 ص 238.
2) سورة البقرة: الآية 185.
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 11 ص 126.
693

السفر كالمفطر في الحضر " (1) وروي عن جابر:: أن النبي صلى الله عليه وآله بلغه أن أناسا صاموا
فقال أولئك العصاة " (2).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية يحيى بن أبي العلاء عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: " الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر في الحضر " (3) وعن
زرارة عن أبي جعفر قال " سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين قصر العصاة وقال
هم العصاة إلى يوم القيامة " (4) وعن محمد بن حكيم عن أبي عبد الله، قال: " لو أن رجلا
مات صائما في السفر ما صليت عليه " (5).
مسألة: ولو قدم المسافر، أو برئ المريض مفطرا، أمسكا بقية يومهما
استحبابا، وإن لم يفطرا، وكان قبل الزوال، أمسكا وجوبا، ولم يقضيا، وإن كان
بعد الزوال أمسكا استحبابا، وقضيا، وقال أبو حنيفة: يمسكان وجوبا على كل حال
وقال الشافعي: إن قدم المسافر مفطرا استحب له الإمساك، وإن كان صائما،
فلأصحابه قولان، أحدهما: يجب الصوم، لأن سبب الرخصة زال قبل الترخص،
والآخر: لا يجب، لأن الإفطار له مباح في أول النهار، فجاز في باقيه.
لنا: أفطر مع سقوط الفرض عنه باطنا وظاهرا، فلا يجب صوم الباقي، أما
لو لم يفعلا ما يفسد الصوم وكان قبل الزوال، لأنه أمكن أداء الواجب على وجه يؤثر
إليه في أوله، فوجب، وبعد الزوال يفوت محل النية، فلا يجب الصوم لفوات شرط
صحته، واستحب الإمساك لحرمة الزمان.
ويؤيد ذلك من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية أبي بصير عن

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 5 ص 124.
2) سنن البيهقي ج 4 ص 217 و ج 3 ص 124 (رواه عن زرارة عن أبي جعفر
(ع) قال: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما صاموا حين افطروا قصر عصاة).
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 5 ص 124.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 3 ص 124.
5) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 1 ح 9 ص 125.
694

أبي عبد الله قال سألته: " عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فقال إن قدمه قبل
الزوال فعليه صيام ذلك اليوم وبعده " (1) ومثله روي عن أبي الحسن موسى " في
رجل قدم من سفره في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال يصوم " (2) وما رواه
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال: " سألته عن الرجل يقدم من سفره بعد العصر في
شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض أيواقعها قال لا بأس " (3).
مسألة: وحكم من يلزم الصوم في السفر حكم المقيم، وقد أسلفنا تقريره
في باب الصلاة، وكذا من عزم الإقامة في بلد عشرة أيام، أو قام في بلد مترددا بين
الإقامة والسفر حتى انقضى شهر، يلزمه إتمام الصوم، كما يلزمه إتمام الصلاة.
فرع
إذا عرف المسافر أنه يصل موضع إقامته قبل الزوال، كان مخيرا بين الإمساك
والإفطار، والأفضل الإمساك ليدرك صوم يومه، لأن أداء الفرض ممكن فيندب إليه،
وروى ذلك جماعة عن أبي عبد الله منهم محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر عن
الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار قال
: إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر " (4)
ومثله روى رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام. (5)
الشرط الخامس والسادس: الخلو من " الحيض والنفاس " ولا خلاف بين
العلماء في سقوط الفرض بوجود أحدهما، ووجوبه مع انتفائهما، واستمرار ذلك

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 6 ح 6 ص 136.
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 6 ح 4 ص 135.
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 7 ح 4 ص 137.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 6 ح 3 ص 135.
5) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 6 ح 2 ص 135.
695

من زمن النبي، ولو زال عذرهما في أثناء النهار، لم يصح لهما صوم، أمسكتا، أو
كانتا مفطرتين، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة: يجب الإمساك، وعليهما القضاء.
لنا: أن الوجوب يسقط عنهما باطنا وظاهرا، فلم يجب عليهما إمساك ما بقي.
الثاني: " شرائط القضاء " وهي ثلاثة " البلوغ وكمال العقل والإسلام " فلا
يقضي ما فات لصغر، وعليه إجماع المسلمين كافة، ولأن الصغير لا يقبل الخطاب وقت
الأمر بالصوم، فلا يتناول خطاب القضاء، وأما كمال العقل فيندرج تحته مسئلتان:
الأولى: " المغمى عليه " لا يجب عليه قضاء ما فات في زمان إغمائه سواء كان
نوى الصيام، أو لم ينوه، قال المفيد، وعلم الهدى: لا يقضي إن سبقت منه النية،
ويقضي لو لم ينو، لأن النية شرط، ونية واحدة كافية للشهر كله، وبه قال الشيخ، وقال
الشافعي، وأبو حنيفة: يقضي زمان إغمائه، واختلفا في يوم إغمائه، وقال أبو حنيفة
لا يقضيه، لحصول النية المشترطة، وقال الشافعي: يقضيه لأنه لا اعتبار بنيته مع زوال
عقله، ويقضي لأنه مريض.
لنا: أنه مع الإغماء يزول عقله، فيسقط التكليف تبعا لزواله، كما يسقط مع
الجنون، لا يقال: هو مريض فيتوجه القضاء تمسكا بعموم الآية، لأنا لا نسلم أنه مريض
لكن زوال عقله يخرجه من تناول الخطاب له، فلا يكون داخلا تحت الأمر بالقضاء.
ويؤيد ذلك من طريق أهل البيت روايات، منها: رواية أيوب بن نوح قال
" كتبت إلى أبي الحسن الثالث أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته
أم لا؟ فكتب لا يقضي الصوم ولا الصلاة " (1) وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: " كل من غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ " (2).
المسألة الثانية: " المجنون " لا يقضي ما فاته لقوله: " رفع القلم عن ثلاث عن

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 24 ح 1 ص 161.
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 24 ح 3 ص 161.
696

الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق " (1) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
يقضي لأنه مريض فيتناوله وجوب القضاء.
وقلنا: زوال العقل يسقط علة توجه الخطاب، فلا يتناوله الأمر بالقضاء كالصبي
بل هو أولى، لأن الصبي قد يكون له أهلية الفهم، والتقييد بالأوامر الشرعية، وليس
كالجنون، والإسلام شرط في وجوب قضاء الصوم، فلو فاته في حال كفره، لم يجب
القضاء إذا أسلم، وعليه فتوى العلماء، ولقوله تعالى: (قل للذين كفروا أن ينتهوا
يغفر لهم ما قد سلف) (2) ولقول النبي " الإسلام يجب عما قبله " (3) وروى هارون
ابن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله: " أن عليا كان يقول في رجل أسلم في
نصف شهر رمضان ليس عليه القضاء إلا ما يستقبل " (4).
نعم لو فاته الصوم حال ردته قضاه عند استقامته، وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: لا يجب عليه القضاء، لقوله الإسلام يجب عما قبله.
ولنا: أنه ترك فعلا لزمه القيام به، وأقر بوجوبه عليه، فلزمه قضائه، كالمسلم
ولأنه في حال ردته يؤخذ بالقضاء، والآية والرواية يتناولان الكافر الأصلي، لأنه
لا يؤخذ بالعبادات حالة كفره، ولأن الأصلي لو ألزم القضاء، لكان سببا لامتناعه
عن الإسلام، وليس كذلك المرتد، لأنه إذا علم ذلك كان رادعا عن الردة.
فرع
لو عقد الصوم مسلما، ثم ارتد، ثم عاد، لم يفسد صومه، قال الشافعي:

1) صحيح البخاري كتاب الطلاق باب 11، وكتاب الحدود باب 22، وسنن أبي
داود كتاب الحدود باب 17، وسنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 15.
2) سورة الأنفال: الآية 39.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 199 - 204 - 205.
4) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 22 ح 4 ص 239.
697

يفسد في أحد قوليه، لقوله تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن
أشركت ليحبطن عملك) (1) قلنا: شرط الإحباط أن يموت على الشرك.
فرع
من غلب على عقله بشئ من قبله، كشرب المسكر، والخمر يلزمه القضاء، لأنه
سبب الإخلال، ولا كذا لو كان من قبل الله، أو من قبل غيره، والنائم إذا سبقت منه
النية، كان صومه صحيحا، لأنه أمر معتاد، لا يبطل به الصوم ولأنه لو كان مبطلا، لمنع
الشرع منه مع الصوم الواجب المتعين، لأنه يكون تعرضا لإفساد نية الصوم لو استمر.
وأما أحكامه فمسائل:
الأولى: وقت قضاء صومه ما بينه وبين الآتي، فلا يجوز الإخلال بقضائه،
حتى يدخل الثاني، لأن القضاء مأمور به، وجواز التأخر القدر المذكور معلوم من
السنة، فينتفي ما زاد إذا ثبت هذا، فلو مرض، ثم برء وأخر القضاء توانيا من غير
عذر، صام الحاضر، وقضى الأول إجماعا، وكفر عن كل يوم من الفائت بمد،
وبه قال الشافعي، ومالك، وستة من الصحابة، منهم أبو هريرة، وابن عباس وقال
أبو حنيفة: يقضي ولا يكفر.
لنا: ما رووه عن ابن عباس وابن عمر: " فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه
رمضان آخر يطعم عن الأول " (2).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
" في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض حتى يدركه شهر
رمضان آخر قال يتصدق عن الأول ويصوم الثاني فإن كان صح ما بينهما ولم يصم

1) سورة الزمر: الآية 65.
2) سنن البيهقي ج 4 ص 253.
698

حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول " (1).
ومثله رواية محمد مسلم قال: " سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه
شهر رمضان آخر قالا إن كان برء ثم توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر صام الذي
أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه " (2).
ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين في إيجاب الكفارة هنا، فإنه ارتكب ما لم
يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت، وروى ما ذكرنا مضافا إلى الروايتين
أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام وأبو بصير عن أبي عبد الله وعبد الله بن سنان
عنه عليه السلام، وهؤلاء فضلاء السلف من الإمامية، وليس لرواياتهم معارض ما يحتمل رده
إلى ما ذكرناه، فالمراد لذلك متكلف ما لا ضرورة له إليه.
أما لو استمر به المرض إلى رمضان آخر، ففيه قولان، أحدهما قول الشيخين
ومن تابعهما: أنه لا قضاء عليه، وعليه صيام الحاضر، والصدقة عن السالف، والآخر
قول أبي جعفر بن بابويه: أن عليه القضاء تمسكا بظاهر الآية.
ولنا: أن العذر استمر أداءا وقضاءا فسقطا، لأنا بينا: أن وقت القضاء ما بين
الماضي والآتي، فكان كما لو جن، أو أغمي عليه من أول وقت الصلاة حتى خرج.
ويؤيد ذلك من الروايات رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، ومحمد بن مسلم
عنهما، وأبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي بصير وعبد الله بن سنان عنه عليه السلام
قالوا بألفاظ مختلفة معناها واحد " إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثم صح
فإنما عليه لكل يوم أفطره فدية وهو مد لكل مسكين وإن صح ما بين الرمضانين
فإنما عليه أن يقضي الصيام فإن تهاون وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم
مد " (3).

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 25 ح 2 ص 245.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 25 ح 1 ص 244.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 25 ح 3 و 4 و 6 ص 245 و 246.
699

ومع ظهور هذه الأخبار، واشتهارها، وسلامتها عن المعارض، يجب العمل
بها، وتمسك ابن بابويه في وجوب القضاء، يسقط بما ثبت من انحصار وقت القضاء
فيما بين رمضانين، إلا أن يتركه متوانيا، أو مع القدرة على القضاء، فيستقر حينئذ
في ذمته، ولا يسقط بفوات وقته.
ولو صح فيما بينهما، وعزم على القضاء، واتفقت له أعذار مثل سفر يحتاج
إليه، أو أمر يضر به الصيام، ثم عرض مع ضيق الوقت ما يمنعه، كان معذورا لزمه
القضاء، لاستقراره في ذمته بالتفريط السابق، وعلى ذلك إجماع العلماء، ومن
روايات أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: ما رواه أبو الصباح عن أبي عبد الله قال
" إن كان صح فيما بين ذلك ولم يقضه حتى أدركه رمضان آخر فإن عليه أن يصوم
وأن يطعم كل يوم مسكينا فإن أدركه رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح وإن
تتابع المرض فعليه أن يطعم عن كل يوم مسكينا " (1).
فرع
هل يختص هذه الأحكام بالمرض؟ ظاهر كلام الشيخ في الخلاف: لا، بل
كان ما فات بمرض وغيره هذا حكمه، وفيه إشكال، لاختصاص النقل بالمرض.
مسألة: ولو استمر به المرض حتى مات، سقط القضاء عنه، فإن قضى عنه
كان مستحبا، وبه قال الشافعي، وقال قتادة: يطعم عنه. ولنا: الأصل عدم الإطعام،
وهو سليم عن المعارض، ولا عبرة بانفراد قتادة.
ولو برء زمانا يتمكن فيه من القضاء، ثم مات، ولو نقض فقد استقر في ذمته
القضاء، ويقوم به الولي، وقال الشافعي: يطعم عنه، ولا يصام، وبه قال مالك،

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 25 ح 3 ص 245 (مع تفاوت
يسير).
700

وقال أبو حنيفة: يطعم عنه إن أوصى، وقال أحمد: وإن كان الصوم نذرا صام عنه
وإن كان غيره أطعم عنه.
لنا: أن الصوم استقر في ذمته بالتمكن منه، فلا يسقط بموته كالدين، ويجب
على وليه القيام بالصوم الواجب عنه، لما روى عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " (1) وعن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها قال لو كان
على أمك دين أكنت قاضيه عنها فقال نعم قال فدين الله أحق أن يقضى " (2) وفي
رواية " جاءت امرأة ".
ومن أخبار أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله، قال: " سألته عن الرجل أدركه شهر رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ
قال: ليس عليه شئ ولكن يقضي عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضي " (3) وما رواه
أبان بن عثمان عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إذا صام الرجل رمضان فلم
يزل مريضا حتى مات فليس عليه شئ وإن صح ثم مرض ثم مات صام عنه وليه " (4).
مسألة: يقضي عن الميت " أكبر ولده الذكور " ما فاته من صيام بمرض
وغيره مما تمكن من قضائه ولم يقضه، وهو مذهب الشيخ، وقال المفيد: إذا لم
يكن إلا أنثى قضت عنه، وما ذهب إليه الشيخ أظهر في المذهب، وقد روى ذلك
حماد بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله قال " يقضي عنه أولى الناس به قلت فإن
كان أولى الناس به امرأة قال لا إلا الرجل " (5) وفي رواية محمد بن يحيى عن محمد

1) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 42، وسنن أبي داود كتاب الصوم باب 41.
2) سنن أبي داود كتاب الإيمان باب 24، وصحيح البخاري كتاب الصوم باب 42.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 2 ص 240.
4) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 7 ص 241.
5) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 6 ص 241.
701

قال: " كتبت إلى الأخير عليه السلام في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله
وليان هل يقضيان عنه جميعا فوقع يقضي عنه أكبر وليه عشرة أيام ولاء " (1) وفي هذين
ضعف، والأصل براءة ذمة الوارث، إلا ما حصل الاتفاق عليه، وهو ما ذهب إليه الشيخ
من اختصاص القضاء بالولد الأكبر الذكر.
فرع
قال الشيخ: لو لم يكن ولي من الذكور وكان إناث لم يجب عليهن القضاء
وكان الواجب الفدية من مال عن كل يوم مدين، وأقله مد، وقال علم الهدى في
الانتصار: يتصدق عنه عن كل يوم بمد من طعام، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه
وإن كان له وليان، فأكبرهما، فالشيخ يقدم الصوم على الصدقة، وعلم الهدى يعكس.
والذي ذهب إليه علم الهدى هو المروي، رواه أبو مريم عن أبي عبد الله
قال " إذا صام الرجل رمضان ولم يزل مريضا حتى يموت فليس عليه شئ وإن صح
ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه فإن لم يكن له مال صدق عنه وليه " (2).
وفي رواية أبان عن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام " فإن لم يكن له مال صام عنه
وليه " (3).
وأنكر بعض المتأخرين الصدقة عن الميت، وزعم أنه لم يذهب إلى القول
بها محقق، وليس ما قاله صوابا مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة، وفتوى الفضلاء
من الأصحاب، ودعوى علم الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره، فلا أقل من أن
يكون ذلك ظاهرا بينهم، فدعوى المتأخر إن محققا لم يذهب إليه تهجم.

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 3 ص 240.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 7 ص 241.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 7 ص 241.
702

فروع
الأول: قال الشيخ: إذا كان له أولياء في سن واحد قضوا بالحصص، أو يقوم
به بعض، فيسقط عن الآخرين، وبه قال أبو جعفر بن بابويه، وأنكر متأخر ذلك،
وزعم سقوط القضاء ما لم يكن أكبر، ظنا أن النص على الأكبر يمنع شركة
المتساويين، وليس كذلك، وقال الشيخ (ره): كل صوم كان واجبا على المريض
بأحد الأسباب الموجبة له، فمات، وكان متمكنا من قضائه، فإنه يتصدق عنه، أو
يصام عنه، وما ذكره رحمه الله صواب، وعليه دل ظاهر الروايات.
وقال أيضا: وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل سواء، وما يفوتها في أيام
حيضها وجب القضاء عليها، فإن لم يقض وماتت وجب على وليها القضاء عنها، إذا
فرطت فيه، أو يتصدق عنها على ما بيناه، وقال في النهاية: من وجب عليه صوم
شهرين متتابعين، فلم يصم، ومات، قضى الولي شهرا، وتصدق عن شهر.
الثاني: " المسافر " لا يصوم في سفره على ما بيناه، وإذا حضر، وأقام إقامة
يصح معها الصوم، وجب عليه القضاء، فإن ترك مع القدرة، ومات، قضي عنه.
ولو مات في سفره، ففي القضاء قولان، قال في الخلاف: لا يقضي عنه، لأنه لم
يستقر في ذمته، ولا يقضي إلا ما كان مستقرا، ومعنى الاستقرار: أن يمضي زمان
يتمكن فيه من القضاء ويهمل، وقال في التهذيب: يقضي عنه، ولو مات في السفر،
محتجا برواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل يسافر في شهر رمضان
فيموت قال يقضي عنه وليه، وإن حاضت امرأة في رمضان، فماتت لم يقض عنها،
والمريض في رمضان لم يصح حتى مات، لم يقض عنه " (1) وعن علاء بن محمد
عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 15 ص 243.
703

قبل أن يخرج رمضان هل يقضي عنها قال أما الطمث والمريض فلا وأما السفر فنعم " (1).
الثالث: قاضي ما يفوت من شهر رمضان " مخير " في الإفطار إلى الزوال،
فإذا زالت الشمس لزمه الصوم، فلو أفطر من غير عذر أمسك بقية يومه واجبا، ولم
يجزيه عن القضاء، وأطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام، وقال بعض
فقهائنا: لزمه كفارة يمين، وهو غلط، وإنما اقتصرنا على هذه، لأنها أخف الكفارات
والإطعام والصيام أخف ما كفر به في اليمين، فإنها أخف من العتق والكسوة،
وخالف الجمهور بأجمعهم، ولم يروا فيه كفارة.
أما جواز الإفطار، فلأنه صوم لم يتعين زمانه، فجاز الإفطار فيه، ولأن ما قبل
الزوال وقت لتجديد نية الصوم، وكل وقت يجوز تجديد النية فيه، إذا لم يكن زمانه
متعينا بالصوم، ولا كذلك بعد الزوال، لأنه واجب استقرت نية الوجوب فيه، وفات
محلها، فتعين الصوم، وأما الكفارة فلأنها مترتبة على ارتكاب الإثم بالإفطار في
الزمان المتعين للصوم، وهو متحقق هنا.
والعمدة ما اشتهر بين الأصحاب من النقل المستفيض عن أكابر أهل البيت
عليهم السلام، من ذلك: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال " صوم النافلة لك
أن تفطر فيه ما بينك وبين الليل وصوم قضاء لك أن تفطر فيه إلى الزوال فإذا
زالت الشمس فليس لك أن تفطر " (2).
وما رواه يزيد بن معاوية عن أبي جعفر: " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه
من شهر رمضان قال إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم
وإن أتى أهله بعد الزوال فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين " (3).

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23 ح 16 ص 243.
2) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 4 ح 9 ص 10.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 4 ح 1 ص 8 (رواه عن يزيد
العجلي).
704

وفي رواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إن كان فعل ذلك بعد
العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة
لذلك " (1).
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " عليه من الكفارة مثل ما على الذي
أصاب في رمضان لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان " (2) قال الشيخ: يحمل
على من أفطر تهاونا وليس حسنا، والأقرب أن يحمل على الاستحباب، جمعا بين
الروايات.
وفي رواية عمار سأل " إن نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت
الشمس قال أساء وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه " (3) قال
الشيخ: تحمله على أنه ليس عليه شئ من العقاب، وليس تأويل الشيخ بجيد، بل
الكفارة تلزم من أفطر، لأن من ترك نية الصوم لا يوجب كفارة، ولا يجب الكفارة في
قضاء الصوم، إلا بما يوجب الكفارة في صوم رمضان، لكن حكم هذا الصوم
أخف، فكانت كفارة مخففة.
الرابع: من ترك الاغتسال من الجنابة في شهر رمضان، حتى خرج الشهر،
قال الشيخ: عليه قضاء الصوم والصلاة، وقد روى ذلك حماد عن الحلبي عن أبي
عبد الله، قال " سألته عن رجل أجنب في شهر رمضان ونسي أن يغتسل حتى خرج
رمضان فقال عليه قضاء الصلاة والصيام " (4) وربما خطر التسليم لما تضمنت من
قضاء الصلاة، لأن الطهارة شرط لا يصح الصلاة مع عدمه عمدا وسهوا، أما الصوم

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 29 ح 2 ص 254.
2) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 29 ح 3 ص 254.
3) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 29 ح 4 ص 254.
4) التهذيب ج 1 ص 440 و 443 والوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب
30 ح 3 ص 171 لكن ذيله " قال عليه أن يقضي الصلاة والصيام ".
705

فلا يفسده إلا ما يتعمد، لا ما يقع نسيانا.
ويمكن أن يقال: فتوى الأصحاب على أن المجنب إذا نام مع القدرة على
الغسل ثم انتبه، ثم نام، وجب عليه القضاء سواء ذكر الاحتلام بعد ذكره الأول،
أو نسيه، وإذا كان التفريط السابق مؤثرا في إيجاب القضاء، فقد حصل هيهنا تكرر
النوم مع ذكر الجنابة أول مرة، فيكون القضاء لازما خصوصا، وقد وردت الروايات
الصحيحة الصريحة المشهورة بذلك.
فإن قيل: إنما وجب عليه القضاء في تكرر النوم مع نية الاغتسال، فيكون
ذاكرا للغسل ومفروطا فيه في كل نومه، قلنا: الذي ذكر نية الغسل بعض المصنفين
ولا عبرة بقوله مع وجود النصوص المطلقة، روى ذلك جماعة منهم ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله: " في الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح
قال يتم صومه ويقضي يوما آخر (1) " ومثله روي محمد بن مسلم وسماعة بن مهران
وغيرهما.
ولو قيل: إنما يلزم ذلك إذا تكرر النوم في الليلة الواحدة، قلنا: كما عمل
بتلك الأخبار في الليلة الواحدة، فإن لم يتعمد البقاء على الجنابة، جاز أن يعمل بهذا
الخبر في تكرر النوم في الليالي المتعددة، ولا استبعاد في هذا، إلا أن يستبعد في
ذلك.
ولا يقال: فيلزم الكفارة، لأنا نقول: قد بينا أن إيجاب الكفارة مع تكرر النوم
لم يثبت واقتصرنا على القضاء لا غير في الموضعين، وأما بقية أقسام الصوم فسيأتي
في أماكنها إن شاء الله.
والندب: من الصوم منه " ما لا يختص وقتا " ومنه " ما يختص " فما لم يختص
جميع أيام السنة، إلا الأيام المنهي عنها قال النبي صلى الله عليه وآله: " لكل شئ زكاة وزكاة

1) الوسائل ج 7 أبواب ما يمسك عنه الصائم باب 15 ح 2 ص 41.
706

الأبدان الصوم (1) " وقال عليه السلام " الصائم في عبادة وإن كان على فراش ما لم يغتب
مسلما (2) " وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه قال نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح (3) "
وعن أبي عبد الله (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله " الصيام جنة من النار (4) " وقال عليه السلام
" ثلاثة تذهبن البلغم وتزدن في الحفظ السواك والصوم وقراءة القرآن (5) ".
والموقت: كثير غير أن المؤكد منه " أربعة عشر صوما ":
" صوم ثلاثة أيام من كل شهر " وهي أول خميس في الشهر، وأول أربعاء في
العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الآخر، وروى حماد بن عثمان عن أبي عبد الله
قال " قبض رسول الله صلى الله عليه وآله على صيام ثلاثة أيام في الشهر وقال تعدلن صوم الدهر
وتذهبن بوجر الصدر، قال حماد الوجر: الوسوسة، وأصلها من الوجرة، وهي
دويبة منتنة، يكره العرب أكل ما يقع عليه، ومعنى تعدلن صوم الدهر، لأن الحسنة
بعشر أمثالها، فمن صام يوما من العشر، كان له ثواب من صام العشر، قال حماد قلت
فأي الأيام هي قال أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر وآخر خميس فيه
فقلت لم صارت هذه الأيام تصام فقال إن من قبلنا من الأمم كان إذا نزل على أحدهم
العذاب نزل في هذه الأيام المخوفة (6) " وقد روي خميس بين أربعائين، والأكثر
الأول.
ولو شق صومها في الصيف جاز تأخيرها إلى الشتاء، روى ذلك أبو حمزة

1) سنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 44.
2) الوسائل ج 7 أبواب آداب الصائم باب 2 ح 3 ص 98.
3) الوسائل ج 7 أبواب آداب الصائم باب 2 ح 2 ص 98.
4) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 2، وسنن أبي داود كتاب الصوم باب 25،
وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 1، ومسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 196 195.
5) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 1 ح 14 ص 292.
6) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 7 ح 1 ص 303.
707

قال قلت لأبي جعفر عليه السلام " صوم ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها
قال لا بأس (1) ".
ولو عجز تصدق عن كل يوم بمد، روى ذلك عيص بن القسم عن أبي عبد الله
عليه السلام " عمن لم يصم الثلاثة الأيام ويشد عليه الصيام هل فيه فداء قال مد من طعام في
كل يوم (2) وفي رواية عقبة بن مسلم عنه قال " يتصدق عن كل يوم بدرهم (3).
" صوم أيام البيض " وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر روى
ذلك الزهري عن أبي عبد الله عليه السلام (4).
و " صوم الأيام الأربعة " " مبعث " النبي صلى الله عليه وآله و " مولده " ويوم " دحو الأرض "
ويوم " الغدير " روى محمد بن ليث قال حدثني إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي
" ما الأيام التي يصام فيها فقصدت مولانا أبا الحسن علي بن محمد عليه السلام وهو بصيريا
ولم أبد ذلك لأحد من خلق الله فدخلت عليه فلما بصرني قال عليه السلام: يا إسحاق جئت
تسألني عن الأيام التي يصام فيهن هي أربعة أولهن يوم السابع والعشرين من رجب
يوم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله إلى الخلقة ويوم مولده عليه السلام وهو السابع عشرين من شهر
ربيع الأول ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض ويوم الغدير
فيه أقام رسول الله صلى الله عليه وآله أخاه عليا عليه السلام علما للناس وإماما قلت صدقت لذلك قصدت
أشهد أنك حجة الله على خلقه (5) ".
ويستحب صوم " عرفة " لمن لم يضعفه الصوم عن الدعاء مع تحقق الهلال

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 9 ح 3 ص 314.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 11 ح 1 ص 317.
3) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 11 ح 4 ص 318.
4) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 11 ح 1 و 3 ص 319 و 320،
(رواه عن النبي " ص ").
5) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 14 ح 3 ص 324.
708

يدل على ذلك: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال " سألته عن صوم
يوم عرفة قال من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة
فصمه وإن خشيت أن تضعف فلا تصمه " (1) وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي
جعفر عليه السلام قال " أكره أن أصومه أتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم
صوم " (2).
صوم " عاشورا " حزنا لا تبركا، يدل على الأول: ما رواه هارون بن مسعدة
بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه " أن عليا عليه السلام قال صوم التاسع والعاشر
يكفر ذنوب سنة " (3) ومثله عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليه السلام (4).
ويدل على الثاني: ما رواه جعفر بن عيسى قال " سألت الرضا عليه السلام عن
صوم عاشورا وما يقول الناس فيه فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه
الأدعياء من آل أمية لقتل الحسين عليه السلام وهو يوم يتشائم به آل محمد ويتشائم به أهل
الإسلام فلا يصام ولا يترك به " (5).
و " يوم الاثنين " يوم نحس فمن صامها، أو يترك بهما لقي الله ممسوح
القلب، وكان محشره مع الذين سنوا صومهما، والتبرك بهما، وجمع الشيخ
(ره) بين الأخبار بالتفصيل الذي ذكرناه.
ويستحب صوم " يوم المباهلة " يصام شكرا على ظهور نبينا صلى الله عليه وآله على الخصم
وما حصل فيه من التنبيه على فضل علي عليه السلام، واختصاصه بما لم يحصل لغيره من
الكرامة الموجبة، لإخبار الله أن نفسه نفس رسول الله صلى الله عليه وآله.

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 23 ح 4 ص 343.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 23 ح 6 ص 344.
3) الوسائل ج 7 أبواب المندوب باب 20 ح 2 ص 337.
4) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 20 ح 3 ص 337.
5) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 21 ح 3 ص 340.
709

وكل خميس وكل جمعة روى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال " رأيته
صائما يوم جمعة فقلت إن الناس يزعمون أنه يوم عيد فقال كلا أنه يوم حفص
ودعه " (1) وكره الشافعي صومه، إلا أن يصله بيوم قبله أو بعده، لرواية أبي هريرة
" عن النبي وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصوم يوم الاثنين والخميس " (2) وقال " إن
الأعمال تعرض على الله يوم الخميس والاثنين " (3).
و " أول ذي الحجة " يستحب صومه، وهو يوم مولود إبراهيم الخليل عليه السلام
روي عن موسى بن جعفر عليه السلام قال " من صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له
صوم ثمانين شهرا " (4) وفيه اتخذ الله إبراهيم خليلا ويقال زوجت فاطمة بعلي عليه السلام
وقيل: في السادس منه.
و " رجب " كله روي عن أبي جعفر عليه السلام " أن نوحا ركب السفينة أول يوم
من رجب وقال من صامه تباعدت عنه النار مسير سنة ومن صام سبعة أيام منه أغلقت
عنه أبواب النيران السبعة وإن صام ثمانية فتحت أبواب الجنة الثمانية ومن صام عشرة
أعطي مسئلته ومن صام خمسة وعشرين يوما منه قيل استأنف العمل فقد غفر لك ومن
زاد زاده الله " (5) وروي عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال " رجب نهر في الجنة أشد بياضا
من اللبن وأحلى من العسل من صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر " (6).
و " شعبان " كله، روى أبو الصباح قال سمعت أبا عبد الله يقول " صوم شعبان

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 5 ح 5 ص 301.
2) سنن الدارمي كتاب الصوم باب 41، ومسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 200 و 205.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 2 باب 268، وسنن النسائي كتاب الصوم باب 44.
4) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 18 ح 2 ص 334.
5) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 26 ح 1 ص 348.
6) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 26 ح 3 ص 350.
710

وشهر رمضان متتابعين توبة من الله " (1) وعن أبي جعفر عليه السلام قال " كان الله
صلى الله عليه وآله يصوم شعبان ويصله بشهر رمضان فكان يقول هما شهر الله فهما كفارة لما قبلهما
وبعدهما " (2) وعن أبي حمزة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله " من
صام شعبان كان طهرا له من كل زلة ووصمة وبادرة قال أبو حمزة قلت ما الوصمة
قال اليمين في المعصية فقلت وما لناذره قال اليمين عند الغصب والتوبة منها عند
الندم " (3) وعن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قلت " جعلت فداك كان أحد
من آبائك يصوم شعبان قال كان خبرا بأن رسول الله أكثر صيامه في شعبان (4).
مسألة: المسافر إذا قدم بلده، أو بلدا يعزم فيه الإقامة بعد الزوال، وقبله،
وقد تناول أمسك نهاره " استحبابا " وكذا المريض، وقد سلف البحث فيه.
أما " الحائض والنفساء " فتمسكان استحبابا، على كل حال، سواء أفطرتا
قبل الزوال، أو لم تفطرا قبل الزوال، أو بعده، لأن الحيض سبب يحرم معه الصوم
فلا يصح إلا أن يخلو من ذلك من أول النهار إلى آخره.
أما " الصبي والكافر " إذا زال عذرهما قبل الزوال، ولم يتناولا، فللشيخ
قولان، أحدهما: تجددان نية الصوم، ولا يجب عليهما القضاء، وهو قوي، لأن
الصوم ممكن في حقهما، ووقت النية باق.
لا يقال: لم يكن الصبي مخاطبا، لكنا نقول: لكنه صادر الآن مخاطبا، ولو
قيل: لا يجب صوم بعض اليوم، قلنا: متى إذا تمكن من نية يسري حكمها إلى أوله
وكذا البحث في " المغمى عليه ".

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 29 ح 1 ص 368.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 29 ح 5 ص 369.
3) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 28 ح 7 ص 362.
4) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المندوب باب 28 ح 16 ص 364.
711

مسألة: لا يصح صوم " الضيف " ندبا إلا بإذن مضيفه، ولا المرأة من غير إذن
زوجها، حاضرا كان، أو غائبا، ولا يشترط الشافعي إذنه، إلا مع حضوره، ولا طاعة
له في الواجب، ولا " المملوك " إلا بإذن مولاه هذا مما اتفق عليه علماؤنا، وأكثر
علماء الإسلام، وقد رويناه عن الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام وروي عنه عليه السلام
قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله " من نزل على قوم فلا يصم تطوعا ألا بإذنهم " (1).
وربما كانت الحكمة فيه أن منافع الاستمتاع بالزوجة مملوكة الزوج، فلا
يجوز أن يعرض نفسها للتصرف لما يمنعه، لو اتفق، والمملوك لا يملك من نفسه
شيئا، وتصرفه موقوف على إذن مولاه، والضيف ربما فوت مضيفه مقاصده فيه
بصوم، واستحببنا ذكر الواحد في الأصل، مراعاة للأدب مع الوالد، وليس بلازم
بل على الأفضل، ومن كان صائما ندبا، ودعي إلى طعام، فالأفضل إجابته إلى
الإفطار، لأن مراعاة المؤمن في مقاصده أفضل من ابتداء الصوم، وكل ما ذكرناه
متفق عليه عند الأصحاب.
مسألة: صوم " يوم الفطر والأضحى " حرام، وعليه اتفاق فقهاء الإسلام،
ولما رووه " أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن صوم هذين اليومين " (2) ولو نذر صومه لم ينعقد
وبه قال الشافعي، ومالك، وقال أبو حنيفة: ينعقد، وعليه قضاه، ولو صام أجزء
عن النذر، وسقط القضاء.
لنا: قوله عليه السلام " لا نذر في معصية الله " (3) وقوله عليه السلام " لا نذر إلا ما ابتغى به
وجه الله " وقوله عليه السلام " من نذر أن يعصي الله فلا يعصيه " (4) وسيأتي البحث في نذر

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 10 ح 1 ص 395.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 1 ح 3 و 7 ص 382 و 383.
3) الوسائل ج 16 أبواب الإيمان باب 8 ح 2 ص 128.
4) سنن ابن ماجة ح 2126.
712

المعصية في أبواب النذور إن شاء الله.
مسألة: صوم " أيام التشريق " حرام لمن كان بمنى، وهو إجماع علمائنا،
ولما رووه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله " نهى عن صوم ستة أيام الفطر والأضحى
وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه أنه من شهر رمضان " ومثل ذلك روى
الأصحاب عن قتيبة الأعشى قال قال أبو عبد الله عليه السلام " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن صوم
ستة أيام " (1) وذكرها.
وقال الشيخ: إنما يحرم على من كان بمنى، وعليه أكثر الأصحاب ودل على
ذلك: رواية معاوية بن عمار قال " سألت أبا عبد الله عن الصيام أيام التشريق فقال أما
الأمصار فلا بأس وأما بمنى فلا " (2) والعمل بهذا أولى من الأخبار المطلقة، لأنها ليست
على حد اليقين، فيؤخذ بما وقع الاتفاق عليه، وتمسكا فيما عداه بالأصل، وقال
الشافعي في أحد قوليه: يجوز صومها للمتمتع إذا لم يجد الهدي، لما روي عن ابن
عمر وعائشة " أنهما لم يرخص في صوم أيام التشريق إلا لمتمتع لم يجد الهدي " (3).
ولنا: التمسك بالأحاديث المانعة، وقول ابن عمر وعائشة موقوف عليها،
فلا حجة فيه مع وجود النهي العام، وقال بعض فقهائنا: القاتل في الأشهر الحرم
يصوم فيها، وإن دخل في صومه العيد وأيام التشريق، محتجا برواية زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام " سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام قال تغلظ عليه الدية
وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من الأشهر الحرم أو إطعام ستين مسكينا
قلت: فيدخل فيهما العيد وأيام التشريق قال يصومه فإنه حق لزمه " (4) والرواية المذكورة

1) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 7 ح 4 و 7 ص 382.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 1 ح 7 ص 383.
3) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 2 ح 1 ص 385.
4) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 8 ح 1 ص 278.
713

نادرة، مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها، ومخصصة لها، ولا يقوى الخبر الشاذ
على تخصيص العموم المعلوم، على أنه ليس فيه صريح لصوم العيد، والأمر المطلق
بالصوم في الأشهر الحرم، وليس بصريح في صوم عيدها، وأما أيام التشريق،
فلعله لم يكن بمنى، ونحن لا نحرمها إلا على من كان بمنى.
ويحرم " صوم الشك " على أنه من شهر رمضان، وقد سلف ما فيه مقنع.
وصوم نذر المعصية، وهو أن ينذر إن تمكن من المعصية الفلانية صام أو صلى
ويقصد الشكر على تيسرها، لا الزجر عنها لقوله عليه السلام " لا نذر إلا ما أريد به وجه
الله " (1).
وصوم " صمت " لأنه غير مشروع في ملة الإسلام، فيكون بدعة.
وأما صوم " الوصال " فهو منهي عنه، وظاهر النهي التحريم، وللشافعي فيه
وجهان، الكراهية، أو الحظر، واختلفت الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال " الوصال
في الصوم أن يجعل عشاه سحوره " (2) وفي رواية محمد بن سليمان عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال " إنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا وصال في صيام يعني لا يصوم الرجل يومين
متواليين من غير إفطار " (3) ولعل هذا أولى.
وصوم " الواجب سفرا " عدا ما استثني، وقد مر بيان ذلك.
الخامس: في " اللواحق " وهي مسائل:
الأول: " المريض " مع ظن الضرر بالصوم يلزمه الإفطار، سواء ظن ذلك
لأمارة، أو لتجربة، أو لقول عارف لقوله تعالى (ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر) (4) ولو صام لم يجزه، لأنه أتى بما لم يؤمر، بل بما نهي عنه، فلا

1) أصول الكافي ج 7 ص 442.
2) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 4 ح 7 ص 388.
3) الوسائل ج 7 أبواب الصوم المحرم والمكروه باب 4 ح 10 ص 389.
4) سورة البقرة: الآية 18.
714

يكون مجزيا، لما وجب عليه، وقد روي في بعض أخبار أهل البيت عليهم السلام " أجزاه " (1)
لكنه محمول على مريض يقوى على الصوم من غير ضرر.
الثانية: " المسافر " يلزمه الإفطار، ولو صام لم يجزه إن كان عالما بلزوم
التقصير، ولو كان جاهلا بوجوب القصر، أجزاه، لأن جهالته بالقصر موجب بقاه
على ما علم من وجوب الإتمام، فيكون مؤديا فرضه.
ويؤيد ذلك روايات، منها: رواية الحلبي ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن
بن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل صام في السفر فقال إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه " (2).
الثالثة: الشروط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في الإفطار، ويشترط في
الإفطار تبييت النية من الليل وفيه قولان آخران، أحدهما: الاعتبار بخروجه قبل
الزوال، ولا اعتبار بالنية، ولو خرج بعد الزوال أتم، وبه قال المفيد (ره)، وأبو
الصلاح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " سأل عن رجل يخرج من بيته وهو يريد السفر
قال إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم وإن خرج بعد الزوال
فليتم صومه " (3) وبمعناه روى محمد بن مسلم عنه عليه السلام. (4)
والآخرة: يفطر ولو خرج قبل الغروب، وبه قال علم الهدى، وروي ذلك

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 22 ح 2 ص 160 (رواه عن
عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) " عن رجل صام شهر رمضان وهو مريض قال يتم صومه
ولا يعيد يجزيه ".
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 2 ح 2 ص 127 (لكنه رواه
ابن أبي شعبة يعنى عبيد الله بن علي الحلبي وأما الرواية المروية عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله (ع) ففي عبارتها اختلاف يسير).
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 2 ص 131.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 1 ص 131.
715

عبد الله بن بكير عن عبد الأعلى مولى السام: " في رجل يريد السفر في شهر رمضان
قال يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل " (1).
ولنا: قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل (2) وهو على إطلاقه، ولا
يلزم ذلك علينا، لأن مع نيته من الليل يكون صوما " مشروطا " في نيته، ولأنه إذا عزم
من الليل لم ينو الصوم، فلا يكون صوما "، تاما "، ولو قيل: يلزم على ذلك لو لم يخرج
أن يقضيه، التزمنا ذلك، فإنه صام من غير نية، إلا أن يكون جدد نيته قبل الزوال.
ويؤيد ذلك من أحاديث أهل البيت عليهم السلام، روايات، منها: رواية رفاعة بن
موسى عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح
قال يتم صومه يومه ذلك (3) " ورواية علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام
" في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله وإن لم يحدث نفسه في الليل بالسفر
ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه (4) " وعن أبي بصير، قال: " إذا خرجت بعد طلوع
الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصلاة واعتد به من شهر رمضان (5) ".
والجواب عن رواية الحلبي: أنها مطلقة فيحمل على من نوى الصوم من
الليل، والإطلاق لا ينافي الصريح، وأما رواية عبد الأعلى ففي طريقها عبد الله بن
بكير، وهو ضعيف، ومع ذلك هي موقوفة على عبد الأعلى، ولا حجة في قوله،
وعلى التقديرات، فلا يترخص بالتقصير في الصلاة والصوم، حتى يخفى عليه أذان
البلد الذي كان متما " فيه، أو يغيب عنه جدرانه، وعلى ذلك علماؤنا، وقد ذكرنا في
كتاب الصلاة تحقيق ذلك.

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 14 ص 134.
2) سورة البقرة: الآية 183.
3) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 5 ص 132.
4) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 10 ص 133.
5) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 5 ح 12 ص 133.
716

الرابعة: " الشيخ الكبير " و " الشيخة " إذا عجزا عن الصوم تصدقا عن كل يوم بمد من طعام، وهو اختيار الشيخ في كتبه، وقال المفيد (ره)، وعلم الهدى،
وكثير من الأصحاب: لا يكفران مع العجز، ويكفران مع القدرة، إذا سبق الصيام،
وللشافعي مثل القولين، لأن عدم القدرة سبب لسقوط التكليف، فلا يلزم الفدية
لسقوط الصوم، ولقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من خرج (1) ودل على
ذلك أيضا: قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين (2)).
لنا: ما رووا عن ابن عباس: " قال الشيخ الكبير يطعم عن كل يوم مسكينا (3) "
وعن ابن هريرة قال: " من أدركه الكبر فلم يستطع صيام رمضان فعليه عن كل يوم
حد من قمح (4) " وروي: " أن أنسا " ضعف عن الصوم عاما " قبل وفاته وأفطر وأطعم (5) ".
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله
قال سألته عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال يتصدق بما يجزي عنه
إطعام مسكين لكل يوم (6) " وما رواه عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال سألت أبا الحسن
عليه السلام: " عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصيام في شهر رمضان
قال يتصدق كل يوم بمد من حنطة (7) " وفي رواية محمد بن مسلم عن ابن عبد الله
: " يتصدق كل يوم بمدين (8) " وهو محمول على الاستحباب.
وجواب ما احتج به المفيد (ره): أنا لا نسلم أن التكليف بالصوم غير محقق
وليس البحث فيه، بل البحث مع سقوطه هل تجب التكفير، وليس فيما ذكروه

1) سورة الحج: الآية 78.
2) سورة البقرة: الآية 180.
3) سنن البيهقي ج 4 ص 271.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 271.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 271.
6) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 15 ح 9 ص 151.
7) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 15 ح 4 ص 150.
8) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 15 ح 2 ص 150.
717

حجة، والتفصيل الذي ذكره لا حجة فيه، لأن الأحاديث بذلك مطلقة، فكان كالهم،
فيجب حملها على إطلاقها.
مسألة: و " ذو العطاش " يتصدق كل يوم بمد، ثم إن برأ قضى، أما الصدقة
فلعجزه عن الصوم، ويؤيده: ما رواه محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
" الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطر في شهر رمضان ويتصدقان
كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ولا قضاء عليهما وإن لم يقدر فلا شئ
عليهما (1) ".
وأما إن اتفق البرء يقضي، فلأنه مرض وقد زال، فيقضي كغيره من الأمراض
ثم لا يتملأ هذا من الشراب، وقد روى ذلك عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
: " في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه قال يشرب بقدر ما يمسك رمقه
ولا يشرب حتى يروي " (2).
مسألة: و " الحامل المقرب " و " المرضع القليلة اللبن " لهما الإفطار،
تتصدقان لكل يوم بمد، وتقضيان، وبه قال الشيخ: إن خافتا على أنفسهما أفطرتا،
وقضيتا، ولا كفارة، لأنهما أفطرتا للخوف، فكانتا كالمريض وإن خافتا على الولد،
فلهما الإفطار، وعليهما القضاء.
وفي ا لكفارة ثلاثة أقوال، أصحها: الوجوب لقوله تعالى: (وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين) (3) وقال ابن عباس: نسخت هذه الآية، وبقيت الرخصة
في الشيخ الكبير، والعجوزة والحامل، والمرضع.
ولنا أن المشقة التي يخشى معها على النفس، أو الولد يسقط وجوب الصوم

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 15 ح 1 ص 149.
2) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 16 ح 1 ص 152.
3) سورة البقرة: الآية 184.
718

لأنه حرج وإضرار، وهما منفيان، ويتصدقان جزاء لإخلالهما مع الطاقة، وإمكان الصوم.
ويؤيد ذلك: ما رواه محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام: " يقول الحامل
المقرب والمرضع القليل اللبن لا حرج عليهما إن يفطرا في شهر رمضان لأنهما يطيقان
الصوم وعليهما أن يتصدق كل واحد منهما في كل يوم يفطر فيه بمد من طعام وعليهما
قضاء كل يوم أفطرا فيه " (1) وما ذكره الشافعي من التفضيل لا وجه له مع وجود
الأحاديث المطلقة.
مسألة: صوم " النافلة " لا يجب بالشروع، ويجوز إبطاله، ولا يجب قضاه
لو أفطر فيه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب بالشروع، ولا يجوز إبطاله،
لقوله: (ولا تبطلوا أعمالكم) (2) ويقضي لو أبطله، لما روي أن عائشة قالت: " أصبحت
أنا وحفصة صائمتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اقضيا
يوما مكانه " (3) وعن النبي صلى الله عليه وآله: " أنه أفطر وقال سأقضي يوما مكانه " (4) ولأنها عبادة
صح الدخول فيها بنية النفل، فإذا أفسدها لزمه قضاها، كالحج.
لنا: ما رووه عن عائشة قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال هل عندك شئ
فقلت لا فقال إذا أصوم ثم دخل علي يوم آخر فقال هل عندك شئ فقلت نعم فقال إذا "
أفطر وإن كنت قد فرضت الصوم " (5).
ومن طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " الذي
يقضي رمضان بالخيار في الإفطار ما بينه وبين زوال الشمط وفي التطوع ما بينه وبين

1) الوسائل ج 7 أبواب من يصح منه الصوم باب 17 ح 1 ص 153.
2) سورة محمد صلى الله عليه وآله: الآية 33.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 6 ص 263، وسنن الترمذي كتاب الصوم باب 36.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 275.
5) سنن النسائي كتاب الصيام باب 67.
719

أن تغيب الشمس " (1) ومثله روى جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (2) ولأنه صوم
تبرع به، ولم يحصل له سبب وجوب، فكان فاعله بالخيار في إتمامه.
وجواب خبر عائشة وحفصة: أنه حكاية حال، فلعله كان واجبا "، أما النذر غير
معين، أو قضاء عن رمضان، ومع الاحتمال لا يكون حجة، وكذلك الخبر المتضمن
لإخباره عليه السلام أنه يقضيه لا يدل على الوجوب، وقد روي في أخبارنا: " أنه يكره إبطاله
بعد الزوال " روى ذلك مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه: " أن عليا " عليه السلام
قال الصائم تطوعا " بالخيار ما بينه وبين نصف النهار فإذا انتصف النهار فقد وجب
الصوم " (3) والمراد بالوجوب هنا شدة الاستحباب، وتأكده.
مسألة: كلما يشترط فيه " التتابع " إن أفطر في خلاله لعذر بنى، وإن كان
لغير عذر استأنف، إلا في ثلاثة مواضع " من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام
شهرا " ومن الثاني شيئا " ولو يوما فصاعدا " بنى ومن " وجب عليه صوم شهر متتابع
بالنذر فصام خمسة عشر يوما " وفي " ثلاثة أيام لدم المتعة إن صام يومين وكان الثالث
العيد " أفطر وأتم الثالث بعد أيام التشريق، إن كان بمنى، ولا يبنى لو كان الفاضل
غير العيد.
وفي هذه المسألة بحوث:
الأولى: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين، أما لكفارة، أو نذر، فأفطر
قبل أن يصوم من الثاني شيئا، لعذر من مرض أو حيض لم ينقطع تتابعه، وقال
الشافعي: يبني مع الحيض، وله في المرض قولان.
لنا: أن المرض ليس في المقدور دفعه، فلو وجب الاستيناف معه، لكان

1) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 4 ح 10 ص 10.
2) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 4 ح 4 ص 9.
3) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 4 ح 11 ص 11.
720

تعريضا لتكرار الاستيناف، مع عدم الوثوق بالتخلص، ولأنه بنى مع الحيض فيبني
مع المرض، ولأن الاستيناف عقوبة على التفريط، وتفريط مع ما يرد من قبل الله
سبحانه.
ويؤيد ذلك: روايات عن أهل البيت عليهم السلام، منها: رواية سليمان بن خالد قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام: " عن رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين
يوما ثم مرض فإذا برء يبني على صوم أم يعيد صومه كله قال بل يبني على ما صام ثم
قال هذا مما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شئ " (1) ومثله روى رفاعة
عن أبي عبد الله عليه السلام، ثم قال: " قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت
أيام حيضها قال تقضيها قلت قضتها ويئست من الحيض قال لا يعيدها أجزأها ذلك " (2).
وفي رواية جميل ومحمد بن حمران وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل
الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار يصوم شهرا ثم يمرض قال تستقبل فإن
زاد على الشهر من الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي " (3).
قال الشيخ: يحمل ذلك على مرض لا يمنع من الصوم، ويمكن أن يحمل
ذلك على الاستحباب، فإنه أليق من تأويل الشيخ.
البحث الثاني لو أفطر في الشهر الأول أو بعد إكماله قبل أن يصوم من الثاني
شيئا، لغير عذر استأنف، وهذا متفق عليه، فإن صام من الثاني يوما "، فما زاد جاز له
التناول، وأطبق الجمهور على خلاف ذلك.
لنا: أنه إذا صام من الثاني شيئا " تحققت المتابعة التي يحصل مع متابعة
الثاني الأول، بكله، أو ببعضه، ولأنه تابع في أكثر الصوم، وحكم أكثر الشئ
حكم كله، ويدل على ذلك روايات من أهل البيت عليهم السلام: ما رواه الحلبي عن أبي

1) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 3 ح 12 ص 274.
2) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 3 ح 10 ص 274.
3) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 3 ح 3 ص 272.
721

عبد الله عليه السلام، قال: " صيام كفارة الظهار شهران متتابعان والتتابع أن يصوم شهرا ومن
الآخر أياما أو شيئا منه فإن عرض له شئ أفطر ثم يقضي ما بقي عليه فإن صام شهرا
ثم عرض له شئ فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله " (1).
فروع
الأول: قال المفيد رحمه الله: لو تعمد الإفطار بعد أن صام من الشهر الثاني
شيئا، فقد أخطأ، وبنى على صومه، ولقائل أن يقول بأن التتابع هو أن يصوم شهرا
ومن الثاني شيئا يضعف توجيه الخطأ، إلا أن ذلك حد الجواز البناء، وإن لم يكن
حقيقة التتابع المراد فيه.
الثاني: قال في الخلاف: لو سافر قبل أن يصوم من الثاني شيئا انقطع
تتابعه، ولزمه الاستيناف.
الثالث: المرض والحيض عذر يصح معه البناء، وكذا كل عذر من قبل
الله سبحانه، لأنه لا قدرة للمكلف على دفعه، والاستيناف عقوبة، فلا يترتب إلا على
التفريط.
البحث الثالث: قال كثير من علمائنا: من نذر شهرا متتابعا غير معين فعليه
أن يصوم نصفه، فإن أفطر قبل ذلك لعذر أتم، وأن كان لغير عذر استأنف وإن كان
بعد إكمال النصف أتم، وإن أفطر عامدا لغير عذر فقال الشافعي: إن أفطرت المرأة
بحيض بنت، وقضت أيام حيضها، وإن مرض الناذر، ففي انقطاع التتابع قولان،
وقال أحمد: إن مرض أتم إذا عوفي، وعليه كفارة يمين، وإن أحب استأنف شهرا
ولا كفارة، ولم يعتبر أحد من الجمهور صوم النصف.
احتج الأصحاب: بما رواه موسى بن بكر تارة عن أبي عبد الله عليه السلام وتارة

1) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 3 ح 9 ص 273.
722

عن الفضل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " في رجل جعل على نفسه صوم شهر،
فصام من خمسة عشر يوما، ثم عرض له أمر، فقال جائز له أن يقضي ما بقي عليه،
وإن كان أقل من خمسة عشر يوما، لم يجز له، حتى يصوم شهرا تاما " (1).
فرع
قال الشيخ: لو سافر انقطع تتابعه وللشافعي قولان: بالتخريج على المرض،
ولو قيل: إن كان السفر ضروريا بنى، وإن كان اختيارا استأنف، كان حسنا.
البحث الرابع: صوم بدل دم المتعة، عشرة أيام، ثلاثة في الحج متتابعات
فإن صام يومين، ثم أفطر أعاد، إلا أن يكون الثالث العيد، فيأتي بثالث بعد أيام
التشريق، وأطلق الشيخ في الجمل البناء، وبما قلناه قال في تهذيب الأحكام، لأن
التتابع شرط فمع الإخلال به يجب الاستيناف ليحصل التتابع، ولكن إذا فصل
العيد، جاز البناء عملا بالرواية التي رواها عبد الرحمن بن أبي عبد الله: " فيمن صام
يوم التروية ويوم عرفة قال يجزيه أن يصوم يوما آخر " وعن يحيى الأزرق عن أبي
الحسن عليه السلام، قال: " سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا، وليس له هدي، فصام
يوم التروية ويوم عرفة، قال عليه السلام يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق " (2).
ويدل على أن التتابع معتبر فيها، روايات، منها: رواية إسحاق بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال عليه السلام: " لا تصام الأيام الثلاثة، متفرقة " (3).
مسألة: وهل يجوز صوم أيام التشريق. بدلا عن دم الهدي، فيه روايتان:
المشهور المنع، خلافا للشافعي في أحد قوليه، روى عبد الرحمن بن الحجاج عن

1) الوسائل ج 7 أبواب بقية الصوم الواجب باب 5 ح 1 ص 276.
2) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 52 ح 1 ص 167.
3) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 52 ح 2 ص 167.
723

أبي الحسن عليه السلام قيل له: " إن عبد الله بن الحسن يقول بصيام أيام التشريق، فقال عليه السلام
إن جعفر عليه السلام كان يقول إن رسول الله أمر من ينادي، أن هذه أيام أكل وشرب،
لا يصومن فيها أحد " (1).
وأما الرواية الأخرى: فقد رواها إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن
أبيه: " إن عليا عليه السلام كان يقول من فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج، فليصمها أيام
التشريق " (2). وهذه الرواية نادرة مخصصة للعموم المقطوع به من المنع عن صيام
أيام التشريق.

1) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 51 ح 4 ص 165.
2) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 51 ح 5 ص 165.
724

كتاب الاعتكاف
وهو في اللغة (اللبث المتطاول) واختص في الشرع (باللبث المتطاول
للعبادة). ومنه قوله تعالى (يعكفون على أصنام لهم) (1) وقوله (ظلت عليه
عاكفا) (2).
ويدل على مشروعيته: (الكتاب) و (السنة) و (الإجماع).
أما الكتاب: فقوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) (3).
وأما السنة: فلما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعتكف في العشر الأواخر من
شهر رمضان) (4). وعن عائشة (لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يعتكف، حتى مات).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية حماد بن عيسى عن أبي
عبد الله عليه السلام قال (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر، اعتكف في المسجد

1) سورة الأعراف: الآية 138.
2) سورة طه: الآية 97.
3) سورة البقرة: الآية 187.
4) صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب 1 - 6، وسنن أبي داود كتاب الصوم
باب 77، وسنن ابن ماجة كتاب الصيام باب 58 - 61.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 315.
725

وضربت له قبة شعر) (1).
(والكلام فيه يقع في شروطه وأقسامه وأحكامه)
وشروطه خمسة:
الشرط الأول النية) لأنه عبادة يقع على وجوه، فلا يختص بمراد الشرع
الأبنية تخصصه، فيفتقر إلى نية القربة ليقع عبادة، والوجوب، أو الندب ليقع على
وجه المأمور به.
الشرط الثاني: (الصوم) أي صوم اتفق واجبا " كان، أو ندبا، رمضان،
أو غيره، وعليه فتوى علمائنا. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وقال الشافعي وأحمد:
يصح بغير صوم لما روي عن عمر قال قلت (يا رسول الله صلى الله عليه وآله نذرت أن أعتكف
ليلة في الجاهلية، فقال أوف بنذرك) (2) ولو كان الصوم شرطا لم يجز ليلا، وعن
ابن عباس: ليس على معتكف صوم.
لنا: ما رووه عن عروة عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا اعتكاف إلا
بصوم) (3) وعن عمر قال قلت (يا رسول الله أني نذرت أن اعتكف يوما في الجاهلية
فقال اعتكف وصم) (4). ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية أبي داود عن أبي عبد الله
عليه السلام (قال لا اعتكاف إلا بصوم) (5) ورواية محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 7 أبواب كتاب الاعتكاف باب 1 ح 1 ص 397.
2) صحيح البخاري كتاب الاعتكاف ج 5 باب 15 - 16 وسنن أبي داود كتاب
الإيمان باب 25.
3) الموطأ كتاب الاعتكاف باب 4، سنن أبي داود كتاب الصوم باب 80.
4) سنن أبي داود كتاب الصوم باب 80.
5) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 2 ح 5 ص 399.
726

(لا يكون الاعتكاف إلا بصوم (1).
وجواب خبرهم: أن الليلة، قد يراد بها الليلة ويومها، كما يقال أقمنا في
موضع كذا ليلتين وثلاثا يراد به مع أيامها، وما رووه عن ابن عباس، موقوف عليه،
ولا حجة فيما ينفرد به.
إذا ثبت هذا فلا يصح الاعتكاف ليلا ما لم يضم إليه النهار ولا في نهار، لا يصح
صومه، كالعيدين، ولا ممن يحرم عليه الصوم، كالحائض والنفساء، والمريض المتضرر
بالصوم، والمسافر على القول بمنعه من الصوم، واجبه ومندوبه.
الشرط الثالث: أن يكون (ممن يصح منه نية القربة) فلا يصح اعتكاف
(الكافر) كما لا يصح منه الصوم، ولا غيره من العبادات ولا من (المجنون) لأنه ليس
من أهل العبادة، لخروجه بزوال عقله من التكليف.
فرع
لو (ارتد) المعتكف، ففي بطلان اعتكافه، قولان، أحدهما: يبطل، ذكره
في الخلاف، لأنه يقتل، إن كان عن فطرة، ويجب خروجه من المسجد، إن لم يكن
عن فطرة، ووجوب الخروج مناف الاعتكاف، والآخر: لا يبطل.
ولو رجع، بنى عليه، ذكره في المبسوط، وما ذكره في المبسوط، وما ذكر
في الخلاف، أشبه بالمذهب، لأن قعوده منهي عنه، فلا يكون متعبدا به.
ولا [يصح] من (المرأة والعبد) إلا بإذن الزوج والمولى، لأن منافع
الاستمتاع مملوكة للزوج، فلا تعرضها لما يمنع منها، ومنافع العبد مملوكة للمولى
فلا يجوز تصرفه فيها بغير إذنه.
وكذا (المدبر) ومن (بعضه رق) إلا أن يهابيه مولاه، فيعتكف في الزمان

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 2 ح 6 ص 399.
727

المختص به، وهل يعتكف (المكاتب) من غير إذن مولاه، قال الشيخ: لا إلا أن
يخرج إلى محض الحرية، وقال الشافعي: نعم، لأنه حق للمولى في منافعه،
وليس بجيد، لأنه لم يخرج بكتابته عن الرق، فتوابع الرق لاحقة به، إلا إطلاقه
للاكتساب.
فروع
الأول: لو نذرت المرأة (الاعتكاف)، أو العبد بإذن المولى، أو الزوج،
فإن كان (أياما " معينة) لم يجز له المنع، وإن كان غير معين جاز (ما لم يجب)،
وقال الشيخ: يجب عليه الصبر ثلاثة أيام، وهو أقل الاعتكاف، وهذا يصح،
لو قلنا الاعتكاف يجب بالشروع، أما إذا كان النذر غير متعين بزمان لم يجز
لأحديهما الدخول، إلا بإذن، لأن حق الزوج والمولى مضيق يفوت بالتأخير،
ولا كذا الاعتكاف.
وكذا البحث في (الأجير) زمان إجارته.
ويتجه البحث في (الضعيف) كذلك، لافتقار صومه تطوعا إلى الإذن.
ولو أذن للعبد فاعتكف فأعتق، أثم. قال الشيخ: ولو لم يأذن ودخل فأعتق
في الحال، لزمه، وليس بجيد: بأن ذلك الدخول لم ينعقد به الاعتكاف فلا يجب
إتمامه.
ولو (سكر) المعتكف، بطل اعتكافه، وقال الشافعي: لا يبطل واختلف
أصحابه على وجهين. لنا أن الاعتكاف لبث للعبادة، والسكران يخرج بسكره
عن التعبد، فيزول معنى الاعتكاف منه.
الشرط الرابع (الكمية) وقد أجمع فقهائنا: أنه لا يصح أقل من (ثلاثة أيام
بليلتين) وأطبق الجمهور على خلاف ذلك، فقال أبو حنيفة: لا يصح أقل من يوم،
728

لأنه لا يصح إلا يصوم، وأقله يوم، وقال الشافعي: يصح ساعة، كما يجوز أن
يتصدق بالقليل والكثير، وقال مالك: لا يصح أقل من عشرة أيام، لأن النبي صلى الله عليه وآله
اعتكف كذلك، ولم يعتكف أقل منها.
لنا: أن الاعتكاف هو (اللبث الطويل والإقامة للعبادة) واللحظة والساعة
ليست لبثا طويلا، ولا إقامة، فلا بد من تقديره بما يسمى لبثا طويلا، والصوم شرط
فيه، فليقدر أما بيوم، أو بثلاثة، أو عشرة، لانتفاء ما عدا ذلك بالإجماع. والتقدير
باليوم لا مماثل له في الشرع، والتقدير بالعشرة سنبطله فيقدر بالثلاثة، كصوم كفارة
اليمين وكفارة بدل الهدي.
وحجتنا على ذلك: روايات، منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال (لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام) (1) ومن اعتكف صام ورووه عن ابن
زيد عن أبي عبد الله قال (إذا اعتكف العبد فليصم) (2) وقال (لا يكون الاعتكاف أقل
من ثلاثة أيام) (3) وقول الشافعي ضعيف، لأن الاعتكاف لا يتحقق إلا مع لبث
وإقامة، ومنه قوله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) (4) يعني المقيم.
ويقال عكف على كذا (إذا قام عليه) فلا يكون اللحظة والساعة اعتكافا، وقيامه
على الصدقة باطل، لأن معنى الصدقة يحصل بالقليل والكثير، ولا كذا مسمى الاعتكاف
وحجة مالك ضعيفة، لأن فعل النبي صلى الله عليه وآله لا يمنع الأنقص.
فروع
الأول: لو نذر الاعتكاف (شهرا) ولم يعين، كان بالخيار في الاعتكاف

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 2 ص 404.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 2 ح 9 ص 399.
3) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 5 ص 405.
4) سورة الحج الآية 25.
729

متتابعا ومتفرقا، والمتابعة أفضل، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يلزمه المتابعة،
إلا أن ينوي نهار شهر، فلا يلزمه المتابعة.
لنا: أن النذر لم يتناول المتابعة، فلا يجب اعتبارها. ولأن الامتثال في الاثنان
بموجب النذر، متحقق متفرقا " ومتتابعان. لكن على مذهبنا لا تفرق أقل من ثلاثة أيام
الثاني: لو نذر اعتكاف (شهر معين) وجب اعتكافه ليلا ونهارا. ويدخل فيه
برؤية الهلال، لأن اسم الشهر يشتمل على الجميع. ولو فات قضاه. وكان بالخيار
في (تتابعه) لأن تتابع الشهر المتعين لضرورة الوقت، لا لأن التتابع صار وصفا
من لوازم النذر.
ولو نذر اعتكاف أيام، لم يلزمه المتابعة، إلا في كل اللبث، وقال أبو حنيفة:
يلزمه الأيام بلياليها، لأن ذكر أحد العددين بطريق الجمع يقتضي دخول الآخر تحته
لقوله تعالى (ثلاثة أيام إلا رمزا) (1) وقال (ثلث ليال سويا) (2) والقصة واحدة
ولأنه تعالى لما أراد فصل أحدهما من الآخر، قال (سخرها عليهم سبع ليال
وثمانية أيام حسوما ") (3) ويجب متابعتها، لأنها حكم تعلق بمدة يصح في جميعها
فكان متتابعا "، كاليمين على ترك الكلام.
وقلنا يجوز تفرقه ثلاثا ثلاثا ولا يدخل الليالي، بل ليلتان بين كل ثلاث، لما
قررناه من الأصل، وحجته ضعيفة، لأن دخول الأيام في الليالي وبالعكس لا يستفاد
من مجرد اللفظ، بل بالقرائن، وإلا فاليوم بحقيقته (ما بين الفجر إلى غروب الشمس)
والليلة ما عدا ذلك، واستعمال أحدهما في سماه منضما " لا يعلم بمجرد اللفظ.
وأما قياسه على الكلام فغلط، لأن النهي عن الشئ في الزمان، يقتضي رفع

1) سورة آل عمران: الآية 41.
2) سورة مريم: الآية 10.
3) سورة الحاقة: الآية 7.
730

ماهيته، بخلاف إيقاع الفعل الذي لا يصح تحققه متصلا ومتفرقا، كما لو نذر الإقامة
في مكان أيام، فإنه لا يلزم التتابع، ولو ترك يوما منها، فإن كان مضى له ثلاثة أيام صح
ما مضى، وبطل ما ترك، وأتم، وإن كان دون الثلاثة استأنفها، ولو كان شرط التتابع
وأخل بيوم منها، استأنف.
الثالث: قال الشيخ في الخلاف: إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام (متتابعات) لزمه
ثلاث بينها الليلتان، وإن لم يشترط التتابع، جاز أن يعتكف نهار ثلاثة أيام بغير ليال
وما ذكره الشيخ لا يستمر على مذهبه، وقد ذكر في هذا الكتاب أيضا ": إن أقل الاعتكاف
ثلاثة أيام بلياليهن، وهذا هو أشبه بالمذهب
الرابع: لو نذر اعتكاف (شهر رمضان معين) فأخل به قضاه صائما، لأنا
بينا: أن الصوم شرط الصحة، ولو أخره وقضاه في رمضان آخر، قال الشيخ:
يجزيه، وقال الشافعي: لا يجوز قضاؤه بغير صوم، ولو قضاه في رمضان آخر جاز)
وقال أبو حنيفة: لا يجزيه بل يجب أن يقضيه في غير شهر رمضان بصوم مختص
بالاعتكاف.
ولنا: أن المقتضي هو الاعتكاف، وهو اللبث للعبادة، والصوم شرط فيه،
فكيف اتفق كان به معتكفا.
الشرط الخامس: (المكان) وقد اختلف الأصحاب، فقال الشيخ وعلم
الهدى: لا يصح، إلا في المساجد الأربعة (مسجد مكة والمدينة والجامع بالكوفة
وبالبصرة) وأبدل أبو جعفر بن بابويه جامع البصرة بجامع المدائن.
واحتج علم الهدى والشيخ لذلك ((بإجماع الفرقة) وبأن الاعتكاف عبادة
شرعية، يقف العمل فيها على موضع الوقاف، وقال المفيد وابن أبي عقيل وجماعة
من الأصحاب: يصح في المساجد الأربعة وفي كل مسجد جامع، وبه قال الزهري.
وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما: يجوز في كل مسجد، وبه قال الشافعي،
731

والأخرى: يختص المساجد الأربعة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (كل مسجد
له إمام ومؤذن يعتكف فيه) (1) قال الشافعي والأولى (بالمرأة) الاعتكاف في مسجد
بيتها، ويعني به الذي تفرده للصلاة، وعندنا الرجل والمرأة سواء.
لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله اعتكف في مسجده، واعتكف علي عليه السلام في جامع الكوفة
والصحابة في مسجد مكة، وجماعة من الصحابة في مسجد البصرة، فيجب الاقتصار
على ما فعلوه، وأيد ذلك: ما روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا اعتكاف
إلا في مسجد جماعة، صلى فيه إمام عدل) (2) ولم يوجد إلا في هذه الأماكن، نعم
قد روي (أن الحسن عليه السلام صلى بمسجد المدائن) (3).
وربما كان احتجاج المفيد رحمة الله وموافقته، بما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال (كان علي عليه السلام يقول لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد الرسول
صلى الله عليه وآله أو مسجد جامع) (4) ومثله روى أبو الصباح عنه عليه السلام عن علي عليه السلام (5) وروى
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يصلح العكوف في غير مكة إلا في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله، أو في مسجد من مساجد الجماعة) (6).
وما ذهب إليه المفيد وأتباعه حسن، وهو الأولى، لأنه أقرب إلى مطابقة القرآن
وأبعد من تخصيصه، واعتكاف النبي صلى الله عليه وآله وغيره بالمساجد المذكورة لا يمنع من
غيرها، واحتجاج الشيخ بإجماع الفرقة لا نعرفه، ويلزم ذلك من عرف إجماعهم
عليه، وكيف يكون إجماع والأخبار على خلافه، والأعيان من فضلاء الأصحاب
قائلون بضده.

1) سنن البيهقي ج 4 ص 315.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 3 ح 8 ص 401.
3) روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 498.
4) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 3 ح 10 ص 402.
5) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 3 ح 5 ص 403.
6) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 3 ح 3 ص 400.
732

ولو قال (يقتصر على المتفق عليه) قلنا: متى يجب ذلك إذا لم يوجد الدلالة
على ما زاد عليه، أم إذا وجدت والدلالة موجودة والأخبار صريحة، وقد روى أحمد
بن أبي بصير في جامعه عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا اعتكاف
إلا بصوم وفي مسجد المصر الذي أنت فيه) (1).
فرع
قال في الحلاف: إذا نذر اعتكافا " في أحد المساجد الأربعة لزمه، ولا يجزيه
لو عدل إلى غير ما نذره، وقال الشافعي: إن نذر بالمسجد الحرام لزم، ولو نذر
بغيره لم يلزم، وجاز الاعتكاف حيث شاء.
لنا: أن الوفاء لا يتحقق إلا بالصفة المنذورة فيجب ألا يجزي مع عدمها.
مسألة: (ولا يجوز الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه)
وعليه اتفاق العلماء. ويدل على ذلك أيضا: ما روى عبد الرحمن ابن أبي نجران عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج المعتكف من المسجد إلا لحاجة) (2) وعن داود بن
سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (أني أريد أن أعتكف فقال عليه السلام لا تخرج من المسجد
إلا لحاجة لا بد منها، ولا تقعد تحت ظل حتى تعود إلى مجلسك) (3)
مسألة: فإن خرج لغير عذر أبطل اعتكافه، لأنه لبث في المسجد للعبادة فالخروج
منه مناف له.
فرعان
الأول: ويبطل بالخروج وإن قل، وقال الشافعي وأبو حنيفة، وقال أبو يوسف

1) الوسائل ج 7 كتاب اعتكاف باب 3 ح 11 ص 402.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 7 ح 5 ص 409.
) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 7 ح 3 ص 408.
733

ومحمد: لا يبطل بالقليل، لأن مثل ذلك محلل في موضع الجواز، وقلنا: ذلك
اليسير في موضع الجواز للضرورة بخلاف ما لو أنفرد
والثاني: يجوز أن يخرج رأسه (ليرجل شعره) (1) ويده وبعض أطرافه،
لما يعرض من حاجة إلى ذلك، لأن المنافي للاعتكاف خروج، لا خروج بعضه،
وقد روى الجمهور عن عائشة (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يدني إلى رأسه لا رجله وهو
معتكف وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) (2).
وأجاز أبو حنيفة: الخروج للجمعة، وقال الشافعي: يبطل بخرجه، لأنه كان
يمكنه الاعتكاف حيث يقام الجمعة، وربما سقط هذا على ما قلناه، ومن أن الاعتكاف
لا يكون إلا حيث يقام الجمعة، ولو اتفق إقامة الجمعة في غير الجامع لضرورة اتفقت
لم أمنع خروجه مع بقاء الاعتكاف، وقال أبو حنيفة: لا يطيل إلا بقدر الصلاة و
النافلة، وأجاز بعض أصحابه: الجلوس يوما، لأنه مكان يجوز ابتداء الاعتكاف فيه
والوجه أنه لا يجوز لأن المكان يتعين بإنشاء الاعتكاف فيه.
مسألة: قال الأصحاب: يجوز الخروج، لتشييع الجنازة، وعيادة المريض
وزيارة الوالدين، ولا يبطل اعتكافه، وخالف الجمهور في ذلك.
لنا: أن ذلك (مستحب مؤكد) والاعتكاف لبث للعبادة، فلا يكون مانعا " من
العبادة المؤكدة، لكن إذا خرج لا يقعد حتى يعود إلى معتكفه.
ويدل على ذلك: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((لا ينبغي للمعتكف
أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا يجلس حتى يرجع ولا يخرج في شئ
إلا لجنازة أو يعود مريضا ولا يجلس حتى يرجع (3)) وما رواه داود ابن سرجان عن

1) المرجل: المشط، رجل الشعر: سرجه.
2) صحيح البخاري كتاب الاعتكاف باب 3.
3) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 7 ح 2 ص 408.
734

أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تعقد تحت الضلال
حتى تعود إلى مجلسك (1)) ويجوز أن يأكل ما شاء في مجلسه والنهي مختص
بالقعود.
فروع
الأول: قال الشيخ: لا يمشي تحت الضلال، وقال أبو الصلاح لا تدخل تحت
سقف. وفي تحريم المشي تحت الضلال والوقوف تحته عندي توقف، وليس
المحرم إلا قعوده تحت ظل وغيره، وبه قال في المبسوط، وبمضمونه ورد النقل
عن أهل البيت عليهم السلام ولا أعرف مستند ما ذكراه.
الثاني: لا يجوز أن يصلي في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا (بمكة خاصة
فإنه يجوز أن يصلي في بيوتها، لأن لها حرمة ليست موجودة فيما سواه، ويدل على
ذلك ما رواه منصور بن حازم وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المعتكف بمكة يصلي
في أي بيوتها شاء، والمعتكف في غيرها، لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه) (2)
ولو خرج في غيرها لحاجة ضرورية، فتطاول [في] وقتها حتى ضاق وقت الصلاة
عن عوده وصلى، لم يبطل اعتكافه، ولأنه صار ضروريا "، فيكون معذورا فيه كالمضي
إلى الجمعة.
الثالث: يجوز أن يخرج (لإقامة الشهادة) إذا تعينت عليه (بأن لا يكون غيره)
أو (يتوقف عليه ثبوت الحكم)، ولا يبطل اعتكافه، وللشافعي قولان. لنا: أن إقامة
الشهادة مما لا بد منه فصار ضروريا "، فلا يكون مبطلا، كالخروج لقضاء الحاجة.
وإن لم يتعين الإقامة ودعي إليها قال الشيخ: تجب الإجابة ولا يبطل اعتكافه، وقال
الشافعي يبطل. لنا: مع دعائه إلى الإقامة يتعين الإجابة، فلا يمنع منه الاعتكاف.

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 7 ح 3 ص 408.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 8 ح 2 ص 410.
735

الرابع: قال الشيخ: يجوز أن يخرج (ليؤذن) في منائرة خارجة عن المسجد
وإن كان بينه وبين المسجد فضاء، ولا يكون ذلك مبطلا، وللشافعي قولان، أحدهما
المنع والإبطال، وفيما ذكره الشيخ إشكال، لأن الأذان وإن كان مندوبا فمن الممكن
فعله من غير خروج من المسجد، فيكون خروج لغير ضرورة، كما لو خرج لتصدق
على من يمكنه الصدقة عليه داخل المسجد.
الخامس: قال الشيخ: إذا (طلقت المرأة) خرجت، وقضت العدة، واستأنف
الاعتكاف، وهذا يصح على تقدير أن يكون الاعتكاف واجبا، ولم يشترط الرجوع
قال وإذا أخرجه السلطان ظلما، يبطل اعتكافه. وقضى ما فاته، لقوله عليه السلام (رفع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (1) فإن أخرجه لإقامة حد، أو استيفاء حق
بطل اعتكافه ويستأنف.
وينبغي هنا أن يقال: هذا إن لم يكن مضى له ثلاثة وإن مضى له ثلاثة صح
اعتكافها، وأتى بما زاد إن كان واجبا.
ولو خرج من مسجد الاعتكاف (ناسيا) لم يبطل اعتكافه، وعاد متمما، لقوله
عليه السلام (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (2).
وأما (أقسام الاعتكاف):
فإنه منقسم إلى (واجب وندب) فالواجب: ما وجب بنذر، أو يمين، أو عهد
أو قضاء، وهو يلزم بالشروع، والمندوب: ما تبرع به.
وفي لزومه بعد عقده (أقوال):
أحدها: يجب بالعقد، كما يقول في الحج، وهو اختيار الشيخ وأبو الصلاح
الحلبي، وبه قال أبو حنيفة.

1) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16 ص 60.
2) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16 (رواه بلفظة تجاوز).
736

والثاني: هو بالخيار ما لم يمض يومان، فإذا مضى يومان وجب.
الثالث: وهو اختيار ابن الجنيد، وظاهر كلام الشيخ في النهاية، وربما
كان المستند: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال (إذا اعتكف يوما "،
ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه، وإن قام يومين ولم يكن اشترط لم
يكن له أن يخرج ويفسح اعتكافه حتى يمضي [له] ثلاثة أيام) (1).
والرابع: لا يجب أصلا وله الرجوع فيه متى شاء، وهو اختيار علم الهدى،
ومذهب الشافعي، وأكثر الجمهور وهو الأشبه بالمذهب، لأنها عبادة مندوبة، فلا
يجب بالشروع كالصلاة المندوبة وغيرها من العبادات التي لا يلزم بالشروع.
ويمكن أن يستدل الشيخ على وجوبه بالشروع: بإطلاق الكفارة على المعتكف
وقد روي ذلك من طرق، منها: رواية أبي ولاد الخياط عن أبي عبد الله عليه السلام (في
المرأة يقدم زوجها وهي معتكفة فتهيأت له حتى يواقعها قال إن كانت خرجت من
المسجد قبل مضي ثلاثة أيام ولم يكن اشترطت في اعتكافها ما على المظاهر) (2)
وفي رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام (في معتكف واقع أهله قال عليه ما على من
أفطر يوما " من شهر رمضان) (3) وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (المعتكف إذا
واقع أهله كان عليه ما على المظاهر) (4) وجوب الكفارة مطلقا " دليل على وجوبه
مطلقا ".
والجواب عنه أن هذه مطلقة، فلا عموم لها، ويصدق بالجزء والكل فيكفي
في العمل بها، فلا يكون حجة في الوجوب، من أنها أخبار آحاد مختلف في العمل

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 1 ص 404.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 9 ح 2 ص 411.
3) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 1 ص 404.
4) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 6 ح 1 ص 406.
737

بها، فلا يكون حجة في الوجوب، وربما نزلناها على الاستحباب تخلصا " من الخلاف.
وقال الشيخ: إذا اعتكف ثلاثة فهو بعد ذلك بالخيار، فإن اعتكف آخرين
وجب الثالث وبمثله قال ابن الجنيد، وأبو الصلاح، وربما كان المستند: ما رواه
أبو عبيد عن أبي جعفر عليه السلام قال (من اعتكف ثلاثة فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء
زاد أياما " أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة، فلا يخرج
من المسجد حتى تستكمل ثلاثة أخر) (1).
وأما (أحكام الاعتكاف) فمسائل:
[الأولى]
يستحب: أن (يشترط) في اعتكافه كما (يشترط) في إحرامه، لأنها عبادة في
إنشائها الخيرة، فله اشتراط الرجوع مع العارض، ودل على ذلك أيضا ": ما رواه
عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا يكون اعتكافا " أقل من ثلاثة أيام، واشترط
على ربك في اعتكافك كما تشترط عقد إحرامك) (2) وما رواه محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام قال (إذا اعتكف يوما " ولم يكن اشترط، فله أن يخرج ويفسخ اعتكافه
وإن أقام يومين ولم يكن اشترط، فليس له أن يفسخ اعتكافه، حتى يمضي له ثلاثة
أيام) (3).
تفريع
قال الشيخ: متى شرط المعتكف على ربه أنه (إن عرض له عارض رجع فيه)
فله الرجوع أي وقت شاء ما لم يمض له يومان فإن مضى له يومان وجب عليه تمام

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 3 ص 404.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 9 ح 2 ص 411.
3) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 4 ح 1 ص 404.
738

الثالث، وإن لم يشترط وجب عليه بالدخول فيه (تمام ثلاثة أيام) لأن الاعتكاف
لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
وقال في النهاية: متى شرط جاز له الرجوع فيه، أي وقت شاء، فإن لم
يشترط لم يكن له الرجوع فيه، إلا أن يكون أقل من يومين، فإن مضى عليه يومان
وجب عليه تمام الثلاثة أيام، وما ذكره في النهاية أنسب بالرواية، ويجئ على مذهب
علم الهدى إن كان متبرعا "، أن يرجع متى جاء سواء شرط على ربه أو لم يشترط،
لأنها عبادة مبتدءة لا يلزم بالشروع، فجاز له الرجوع فيها.
وإن كان نذرا، فأما معينا بزمان، أو غير معين، ثم أما أن يشترط التتابع،
أو لا يشترط، على التقديرين، فأما أن يشترط على ربه الرجوع إن عرض عارض
أو لا يشترط فيتحصل من هذا التقسيم على مسائل ثمان:
الأول: عين زمانا وشرط التتابع واشترط على ربه، فعند العارض يخرج
عن اعتكافه ولا يجب إتمامه ولا قضاء.
الثاني: نذر معينا ولم يشترط على ربة، ثم عرض العارض، يخرج أيضا
ولا يجب إتمامه ولا قضاء،
الثالث: نذر معينا وشرط التتابع ويشترط على ربه، فإذا عرض عارض خرج
ومع زواله يقتضي اعتكافه متتابعا ".
الرابع: نذر معينا " ولم يشترط التتابع ولا شرط على ربه، فمن العارض
يخرج، ثم يقضي إن لم يكن منها ما يعتكفه.
الخامس: لم يعين زمانا وشرط المتابعة واشترط على ربه، فعند العارض
يخرج، ثم إن كان اعتكف ثلاثا أتى بما بقي وإلا استأنف.
السادس: لم يعين واشترط التتابع ولم يشترط على ربه، فإذا عرض خرج
واستأنف اعتكافا متتابعا ".
739

السابع: لم يعين واشترط على ربه ولم يشترط التتابع، فإذا عرض خرج
واستأنف.
الثامن: لم يعين ولا اشترط التتابع ولا شرط على ربه فمتى عرض خرج،
واستأنف إن لم يكن حصل له ثلاثة، وإن كان حصل أتم ما بقي.
هذا إن كان شرط ذلك كله في عقد النذر.
أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه، فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف
وإنما يصح فيما يبتدءه من الاعتكاف لا غير.
وإذا عرض للرجل ما (يمنع الصوم) أو (الكون في المسجد) أو (الطمث
للمرأة) خرج كل منهما، ثم قضى الاعتكاف إن كان واجبا "، وإلا فلا قضاء.
[المسألة الثانية]
يحرم على المعتكف (الاستمتاع بالنساء) جماعا وتقبيلا ولمسا بشهوة، ويبطل
به الاعتكاف، سواء أنزال أو لم ينزل، وقال الشافعي، وأبو حنيفة: يبطل بالجماع
عمدا. وللشافعي في القبلة واللمس قولان، وقال أبو حنيفة: إن قبل ولامس فأنزل
أبطل اعتكافه، وإن لم ينزل لم يبطل، لأنه فعل لا يبطل به الصوم، فلا يبطل به
الاعتكاف.
ولنا: قوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) (1) فيكون
منافيا للاعتكاف، فيفسد به، كالجماع، وقياس أبي حنيفة ضعيف، لأنه من غير
جامع.
فرعان
الأول: لو جامع (ناسيا) لم يبطل اعتكافه، وبه قال الشافعي، وقال أبو

1) سورة البقرة: الآية 183.
740

حنيفة: يبطل لأنه فعل منافي الاعتكاف، فكان عمده كنسيانه.
ولنا: قوله عليه السلام (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (1) وما ذكره من المنافاة،
لا نسلم مطلقا.
الثاني: يجوز أن يلامس بغير شهوة لما روي (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يلامس
بعض نسائه في اعتكافه).
[المسألة الثالثة]
يحرم على المعتكف (البيع والشراء) وبه قال الشيخ، لأن الاعتكاف لبث
للعبادة، فيمنع ما ينافيه، ودل على ذلك أيضا ": ما رواه أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع) (2)
فرع
فإن باع، قال الشيخ: بطل بيعه لأنه منهي عنه، والنهي يدل على الفساد،
والوجه أنه لا يبطل، كما قلناه في البيع عند النداء يوم الجمعة، وحجته قد بيناه في
الأصول ضعف مستندها، ويحرم عليه (شم الطيب والتلذذ بالريحان) وللشيخ فيه
قولان. ومستند المنع: رواية أبي عبيدة التي سلفت. قال الشيخ: وقيل يحرم
عليه (كل ما يحرم على المحرم). وذلك مخصوص بما قلناه، لأن لحم الصيد
لا يحرم عليه، وعقد النكاح مثله.
[المسألة الرابعة]
يفسد الاعتكاف (ما يفسد الصوم) لأنا قد بينا أنه لا يصح إلا بصوم، فيفسد
بفساد شرطه، ويجب الكفارة بالجماع في نهاره وليله، والكفارة (عتق رقبة أو صيام

1) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16 ص 60.
2) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 10 ح 1 ص 411.
741

شهرين أو إطعام ستين مسكينا ") وخالف جميع الفقهاء في ذلك، فقالوا: يفسد به
ولا تجب فيه كفارة لجماع ولا غيره.
ولنا: أنه زمان تعين للصوم وتعلق بإفساده الإثم، فتجب الكفارة فيه بالجماع
كما تجب في غيره من الصيام المعين، ودل على ذلك روايات، منها: رواية سماعة
وزرارة وأبي ولاد الخياط كلهم عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله وقد سلف إيرادها (1).
وقال المفيد وعلم الهدى: تجب الكفارة بكل مفطر تجب به الكفارة في
رمضان، فإن كان أراد الاعتكاف المنذور المختص بزمان معين كان حسنا، وأراد
الإطلاق فلا أعرف المستند، وإن كانا تمسكا بإطلاق الأحاديث، فهي مختصة
بالجماع حسب، دون ما عداه من المفطرات وإن كان يفسد به الصوم ويفسد الاعتكاف
تبعا " لفساد الصوم.
قال علم الهدى: يجب على المعتكف، إذا وطئ نهارا " (كفارتان) سواء
كان الاعتكاف في رمضان، أو غيره، والوجه عندي وجوب كفارة واحدة،
ولا يجب الكفارتان عليه إلا بالجماع في نهار شهر رمضان، ولو كان جماعه ليلا كان
فيه كفارة واحدة، رمضان كان، أو غيره،
وقال لو أكره المعتكف امرأة معتكفة (نهارا) كان عليه أربع كفارات، وإن
طاوعته معتكفة كان عليه كفارتان، وهذا ليس بصواب إذ لا مستند له، وجعله
كالإكراه في صوم رمضان قياس وتضعيف الكفارتين بالاعتكاف ضعيف أيضا "، لأن
إيجاب الكفارتين على المكره امرأته في شهر رمضان أو لم يكن معتكفا ثبت على
خلاف مقتضى الدليل، لأن المكره لم يفطر، فلا كفارة عليها، كما لو ضرب إنسان
غيره حتى أفطر بأكل وشرب لم يجب على المكره كفارة عن المكره، وإن كان
ثبوت الكفارتين في رمضان ثبت على خلاف الأصل، فلا تعدي الحكم، مع أن

1) الوسائل ج 7 كتاب الاعتكاف باب 6 ح 1 و 2 و 6 ص 406 و 407.
742

ثبوت ذلك الحكم في رمضان مستنده رواية المفضل بن عمر، وهو مطعون عليه،
ضعيف جدا "، ولم يرد من غير طريقه، لكن رأينا جماعة من الأصحاب قائلين به،
فقويت الرواية بذلك العمل، فلا يتعدى الحكم عن موضع النص.
مسألة: لو أفسد اعتكافه بغير الجماع (مما يوجب الكفارة في شهر رمضان
كالأكل والشرب لزمته الكفارة، إن كان وجب بنذر متعين بزمان، وإن لم يكن
النذر معينا " بزمان، أو كان الاعتكاف متبرعا " به لم يجب الكفارة وإن فسد الصوم
والاعتكاف، وأطلق الشيخان: لزوم الكفارة للمعتكف بالجماع وغيره من المفطرات
التي يجب بها الكفارة في شهر رمضان، كالأكل والشرب،
ولو خصا ذلك باليوم الثالث، أو الاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما،
لأنا بينا أن الشيخ ذكر في النهاية أن للمعتكف الرجوع في اليومين الأولين من
اعتكافه، وأنه إذا اعتكفهما، وجب الثالث، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب
الكفارة مع جواز الرجوع وجه، لكن يصح هذا على قول الشيخ رحمه الله في
المبسوط، فإنه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه.
قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: متى عرض للمعتكف مرض، أو جنون
أو إغماء، أو حيض، أو طلبه سلطان يخاف منه على نفسه أو ماله، فإنه يخرج، ثم
إن كان خرج وقد مضى أكثر مدة اعتكافه عاد بعد زوال عذره، ويبني على ما تقدم
وأتم ما بقي، وإن لم يكن مضى أكثر من النصف استأنف الاعتكاف، سواء كان
الاعتكاف واجبا "، أو مندوبا، لأنا قد بينا: أنه يجب بالدخول فيه إلا مستثناة من
الشرط، ولم يعطنا الشيخ العلة، فإن كان أجراه مجرى الشهرين المتتابعين فقيه بعد
من كونه قياسا محضا.
قال رحمه الله: من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه ففي أصحابنا من قال يقضي
عنه وليه، أو يخرج من ماله، من يبون عنه، لعموم ما روي (أن من مات وعليه
743

صوم واجب وجب على وليه القضاء عنه أو يتصدق عنه) (1) وما ذكره رحمه الله
إن كان دالا، فعلى وجوب قضاء الصوم، أما الاعتكاف فلا.
قال رحمه الله: وقضاء ما فات من الاعتكاف ينبغي أن يكون على الفور والبدار
وهذا حق، لأنه واجب وإخلاء الذمة من الواجب واجب.
قال (ره): وإذا أغمي على المعتكف أياما، ثم أفاق لم يلزمه قضاؤه، وهذا
مناف لما ذكره من التفصيل الأول.

1) الوسائل ج 7 أبواب أحكام شهر رمضان باب 23.
744

كتاب الحج
وهو في اللغة (القصد) ومنه رجل محجوج أي مقصود، ويقال حج الناس
فلانا أي اختلفوا إليه ومنه قول الشاعر:
وأشهد من عوف حلولا كثيرة * يحجون سب الزبرقان المزعفرا
قال الشيخ: واختص بقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده
متعلقة بزمان مخصوص وربما كان نظره إلى قوله تعالى (ولله على الناس حج
البيت) (1) وليس تسميته قصد البيت حجا يلزم أن يكون هو كل الحج، ويلزم
على قول الشيخ أن يخرج عرفة عن الحج، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله (الحج عرفة) (2)
والإجماع على كونها ركنا من الحج، فإذن الأسلم أن يقال: الحج اسم لمجموع
المناسك المرادة في المشاعر المخصوصة.
والحج فرض على كل مكلف مستطيع، من الذكور والإناث، وعلى ذلك
(إجماع المسلمين) كافة، ويدل عليه أيضا: قوله تعالى (ولله على الناس حج

1) سورة آل عمران آية 97.
2) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 57.
745

البيت من استطاع إليه سبيلا (1) وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (بني الإسلام
علي خمس، شهادة إلا إله إلا الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصيام
شهر رمضان) (2).
وما روي عن أهل البيت عليهم السلام، منها: رواية ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال
(من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنة عن ذلك حاجة بجحف به ولا مرض
لا يطيق فيه الحج ولا سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا) (3) وعنه عليه السلام قال (من
مات ولم يحج وهو صحيح فهو ممن قال الله تعالى (ونحشره يوم القيامة أعمى)
أعماه الله من طريق الجنة (4)) وعنه عليه السلام قال (إذا قدر الرجل على الحج ولم يحج
فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام (5)).
وتجب حجة الإسلام (وجوبا مضيقا) وبه قال مالك وأصحاب أبي حنيفة،
وقال الشافعي: تجب (موسعا) لأن فريضة الحج نزلت سنة ست من الهجرة، وأخر
النبي صلى الله عليه وآله الحج إلى ستة عشر من غير عذر.
لنا: أنه مأمور بالحج والأمر للوجوب، فالتأخير عنه تعريض لنزول العقاب
لو اتفق الموت، فيجب المبادرة صونا للذمة عن الاشتغال، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله
قال (من مات ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا (6)) والوعيد مطلقا
دليل التضييق وجواب حجة الشافعي: أنه تمسك بالفعل، والقول أرجح، ولأنا
لا نسلم عدم الإعذار، وعدم العلم بها لا يدل على عدمها في نفس الأمر.

1) سورة آل عمران: الآية 97.
2) صحيح البخاري كتاب الإيمان الباب 2.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 7 ح 1 ص 19.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 6 ح 7 ص 18.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 6 ح 10 ص 18.
6) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 7 ح 5 ص 21.
746

ويجب الحج بأصل الشرع في العمر (مرة واحدة) وعليه (إجماع العلماء)
ولقوله عليه السلام في جواب السؤال (بل الأبد (1)) وما روي في بعض الروايات (أن
الحج فرض على أهل الجدة في كل عام (2)) محمول على الاستحباب، لأن تنزيله
علي ظاهره مخالف لإجماع المسلمين كافة.
ولا يجب ما عدا حجة الإسلام إلا بأخذ أسباب الثلاثة (النذر وما في معناه
والاستيجار والإفساد).
ويستحب لفاقد الشرائط، أو بعضها كالفقير والمملوك مع إذن مولاه، وسيأتي
تحقيق ذلك كله. والنظر أما في المقدمات وأما في المقاصد.
المقدمة الأولى
[في شرائط حجة الإسلام]
وهي ستة. (البلوغ وكمال العقل)، فلا يجب على (الصغير) ولا (المجنون
وعليه العلماء كافة، لقوله عليه السلام (رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى
يفيق (3)).
ويصح إحرام الصبي المميز، وبالصبي غير المميز. أما المميز، فلأنه قادر
على الاستقلال بأفعاله، لكن يشترط (إذن الولي) لأن الحج يتضمن عزم المال،
وتصرف الصبي في ماله غير ماض، ولأصحاب الشافعي قولان، أحدهما: لا يشترط
لأنها عبادة يتمكن من استقلاله بإيقاعها، فأشبهت الصلاة والصوم، وقلنا: الفرق أن
الصلاة لا يتضمن عزمه مال، وليس كذلك الحج.

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 3 ح ص 12.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 2 ح 1 و 2 و 4 و 5 ص 10 و 11.
3) الوسائل ج 18 ص 317 ح 2.
747

أما غير المميز فلا أثر لفعله لأنه له قصد حقيقي، فيحرم عنه الولي، لما روي
الجمهور، عن رجالهم، والإمامية أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال (مر رسول الله صلى الله عليه وآله
وهو حاج، فقامت إليه امرأة ومعها صبي، فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أيحج عن مثل
هذا، فقال نعم ولك أجر (1)) وكذا المجنون: لأنه لا يكون أخفض حالا من الصبي
الذي لا يميز.
و (الولي) كل من له ولاية في ماله كالأب والجد للأب والوصي دون غيرهم
من الأقارب، وللأم أن يحرم بالصبي، وإن لم يكن لها ولاية، عملا بالرواية التي
تلوناها.
وإذا عقد للصبي (الإحرام) فعل بنفسه ما يقدر عليه، ونابه الولي فيما يعجز
عنه، لما روى جابر قال (حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومعنا النساء والصبيات فلبينا
عن الصبيات ورمينا عنهم (2)) ويلزم الولي نفقته الزائدة لأنه عزم أدخله عليه فلزمه
بالتسبيب.
وكلما يحرم على البالغ فعله، يمنع منه الصبي، فلا يجوز أن يعقد له عقد
نكاح، ولا أن يأكل لحم صيد، ولا غيره من المحرمات على المحرم، وكلما يلزم
من كفارة يلزم الولي إذا كان مما يلزم عمدا وسهوا، كالصيد، أما ما يلزم بالعمد
لا بالسهو فللشيخ فيه وجهان، أحدهما: لا يلزمه لأن عمد الصبي خطأ، والثاني: يلزم
الولي، لأن فعله عمد، قال: والأول أولى، وقال في التهذيب: كلما يلزم فيه
الكفارة فعلي وليه إن يقضي عنه.
وأما الهدي فلزم الولي، روى زرارة عن أحدهما قال (يذبح عن الصغار

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 20 ح 1 ص 37.
2) سنن ابن ماجة كتاب المناسك باب 68.
748

ويصوم الكبار، فإن قتل صيدا فعلى أبيه (1)) وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليه (2)) وللشافعي قولان،
أحدهما: يجب في مال الصبي، لأنه فعل لمصلحة، وليس وجها لأنه لا مصلحة للصبي
في الحج ولا في جناياته.
ولو حج الصبي، أو حج به، أو المجنون لم يجزيهما عن حجة الإسلام إذا
كملا، وقد روي ذلك الجمهور برجالهم عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام عن
جماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لو أن غلاما حج عشر سنين، ثم احتلم كان عليه
فريضة الإسلام (3)) ولو أدرك أحد الموقفين بالغا أجزأه على تردد، لأنه زمان يصح
إنشاء الحج فيه فكان مجزيا بأن يجد نية الوجوب، وبه قال الشافعي أبو حنيفة،
وأجاز في العبد، ومنع مالك فيهما.
الشرط الثالث: (الحرية)، فلا يجب على العبد، وعليه إجماع العلماء،
ولو حج بإذن الولي صح حجه، وعلى ذلك إجماع الفقهاء، ولا يصح من دون إذن
المالك، وبه قال داود، وقال باقي الفقهاء: يصح وللمولى فسخه.
لنا: أن منافعه مستحقة للمولى، فلا يجوز صرفها في غير ما يأذن فيه، وإذا
أذن له صح، لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (أيما
صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج أخرى (4)).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية سمع عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (لو أن عبدا " حج عشرة حجج كانت عليه حجة الإسلام استطاع إليه سبيلا (5)).

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 17 ح 5.
2) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 3 ح 1 ص 11.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج باب 13 ح 2 ص 30.
4) سنن البيهقي ج 4 ص 325.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج باب 19 ح 1 ص 36.
749

وروى إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم قال (سألته عن أم الولد أحجها مولاه
أيجزيها ذلك عن حجة الإسلام قال لا، قلت لها أجر في حجها قال نعم (1)).
مسألة: إذا أذن له مولاه لم يكن له منعه لو تلبس، وله منعه قبل التلبس.
ولو أذن ورجع، فإن علم العبد قبل التلبس لم يجر له، ولو تلبس كان باطلا، وإن لم
يعلم ففي انعقاد إحرامه تردد، قال الشيخ: الأولى أنه يصح وله أن ينسخ حجه لأن
دوام الإذن شرط في صحة انعقاده ولم يحصل.
والحكم في (المدبر وأم الولد والمعتق بعضه) كذلك، والأمة المزوجة
لمولاه منعها، ولزوجها، فلا يصح إحرامها إلا بإذنهما، لأن لكل واحد منهما حق
يفوت بالإحرام، وكذا (المكاتب) مطلقا ومشروطا، نعم لو تحرر بعضه وهابا المولى
أمكن أن يبادر في أيامه ولا يتوقف على إذن المولى إذا انقضى الحج فيها، ولو أحرم
بغير إذن المولى ثم أعتق كان إحرامه باطلا، سواء كان عتقه قبل الموقوف،
أو بعده.
نعم يصح أن ينشئ إحراما لو كان قبل أحد الموقفين، ولو أحرم بإذن ثم
أعتق قبل أحد الموقفين صح حجه، وأجزأه عن حجة الإسلام لأنه وقت يمكن إنشاء
الإحرام فيه، ولما روي معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في مملوك أعتق يوم
عرفة، قال إذا أدرك حد الموقفين فقد أدرك الحج وإن فاته الموقفات فقد فاته الحج
ويتم حجه ثم يستأنف حجة الإسلام فيما بعد (2)).
ولو أفسد حجه المأذون فيه، ثم أعتقه مولاه قبل فوات أحد الموقفين أتم حجه
وقضى في القابل، وأجزأه عن حجة الإسلام، وإن كان بعدهما أتم حجه وقضاه في
القابل، وعليه حجة الإسلام، ولا يجزي القضاء عنه،

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج باب 16 ح 6 ص 34.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج باب 17 ح 5 ص 35.
750

فرع
قال الشيخ: يبدء لحجة الإسلام قبل القضاء، ولو بدء بحجة القضاء انعقد عن
حجة الإسلام، وكان القضاء في ذمته. قال: ولو قلنا لا يجزي عن واحدة منهما كان
قويا.
ويمكن أن يحتج له: بأن مع تزاحم الفرضين يكون حجة الإسلام أولى،
لأن وجوبها فرض بنص القرآن، ولا كذلك القضاء، وأما أنه لا يجزي عن أحدهما
فلأن حجة الإسلام إذا كانت مقدمة على القضاء فإذا نوي القضاء لم يصح عما نواه،
ولا عن حجة الإسلام، لأنه لم ينوها.
قال: لو أعتق قبل الوقوف أتم حجه، وقضاء في القابل، وأجزء عن حجة
الإسلام، لأنه بعتقه ساوى الحر لو أفسد حجه.
قال: وجناياته في إحرامه لازمة له، لأنه ذلك بغير إذن مولاه، وليس ما
ذكر الشيخ بجيد، لأنه وإن جنى بغير إذنه فإن جنايته من توابع إذنه في الحج،
فيلزمه جنايته، ودل على ذلك ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال (المملوك كلما
أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام (1)) وأما
رواية عبد الرحمن بن أبي بخران عن أبي الحسن عليه السلام (عن عبد أصاب صيدا وهو
محرم، قال لا شئ على مولاه (2)) فهي محمولة على أنه أحرم بغير إذنه.
قال: وفرضه الصيام فإن ملكه قد أجزأه الصدقة به، ولو مات قبل الصيام جاز
أن يطعم المولى عنه، ويصوم في دم المتعة وليس على المولى الهدي عنه، ولو

1) الوسائل ج 9 أبواب كفارات الصيد وتوابعها باب 56 ح 1 ص 251.
(كلما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه..).
2) الوسائل ج 9 أبواب كفارات الصيد وتوابعها باب 56 ح 3 ص 252.
751

تطوع عنه جاز، وليس له منعه من الصيام، لأنه دخل في الحج بإذنه، وقد روي
بما ذكره الشيخ جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل أمر مملوكه أن
يتمتع، قال فمره فليصم وإن شئت فاذبح عنه (1)).
الشرط الرابع والخامس: (الزاد والراحلة) وهما شرط لمن يحتاج إليها
لعبد مسافته، أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته، ومن لا كلفة عليه
كالمكي فليس الراحلة معتبرة في حجه، وكفاه التمكن من المشي، وليس المراد
وجود عين الزاد والراحلة بل يكفيه التمكن منهما أما ملكا أو استيجارا.
وهنا مسائل:
الأولى: من لا راحلة ولا زاد أوليس له أحدهما لا يجب عليه الحج، وبه
قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وقال مالك: من قدر علي المشي وجب عليه،
لنا: أن النبي صلى الله عليه وآله (فسر السبيل بالزاد والراحلة (2) ولأنه عليه السلام سئل عن ما يوجب
الحج فقال (الزاد والراحلة (3)) فيقف الوجوب عليه.
ولو حج ماشيا لم يجزه عن حجة الإسلام، قال الباقون يجزيه. لنا: أن
الوجوب لم يتحقق، لأنه مشروط بالاستطاعة فمع عدمها يكون مؤديا ما لم يجب
عليه، فلا يجزيه عما يجب فيما بعد، وينبه على ذلك، روايات عن أهل البيت عليهم السلام
منهما: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لو أن رجلا معسرا أحجه رجل
كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج (4)).
الثانية: لو بذل له الركوب والزاد وجب عليه الحج مع استكماله بقية

1) الوسائل ج 10 أبواب الذبح باب 2 ح 1 ص 88.
2) سنن البيهقي ج 4 ص 327.
3) سنن البيهقي ج 4 ص 330.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 21 ح 5 ص 39.
752

الشروط، لتحقق الاستطاعة، وكذا لو حج به بعض إخوانه أو خدم حاجا ويوصل
معه.
ودل على ذلك روايات، منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قلت (إن عرض عليه الحج فاستحيى قال هو ممن يستطيع (1)) وما رواه معاوية بن
عمار عن عبد الله عليه السلام قلت (رجل لم يكن له مال يحج به فحج به بعض إخوانه هل
يجزي ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة، فقال بل هي حجة تامة (2)).
ويستحب له أن يحج بعد ذلك، لما رواه الفضيل ابن مالك عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت (رجل لم يكن له مال حج به بعض إخوانه أقضي حجة الإسلام، قال
نعم قلت لم يكن حج من ماله قال نعم قضى حجة الإسلام، وهي تامة وليست ناقصة
وإن أيسر فليحج (3)).
ولو بذل له هبة لم يجب القبول، لأنه تحصيل لشرط الوجوب وهو غير
لازم.
الثالثة: لا تباع في ثمن الراحلة والزاد (داره) التي يسكنها، ولا خادمه،
ولا ثياب بدنه، وعليه (الاتفاق) لأن ذلك مما يضطر إليه، فلا يكلف بيعه فيه،
ويكون الاتساع بمال زائد عليه.
تفريع
إن كان ماله دينا على موسر باذل فالحج واجب، لأنه كالموجود في يده، ولو
كان معسرا، أو على جاحد، أو مانع قوي، أو كان مؤجلا، لم يجب عليه الحج،

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 10 ح 1 ص 26. (ممن
يستطيع الحج).
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 10 ح 4 ص 26.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 10 ح 5 ص 26.
753

لأن الاستطاعة غير حاصلة، ولا يجب أن يستدين للحج، ولو كان له من يقضي إذا لم
يكن له مال يمكن القضاء منه، ولو كان لولده مال لم يجب عليه الحج باعتبار مال
ولده، صغيرا كان، أو كبيرا، لأن ملك الزاد والراحلة شرط وليس مال الولد مالا
للوالد، وفي رواية. يجوز أن يحج من مال ولده، وليست معتمدة، إلا أن يأخذ
قرضا " ويكون له ما يقضى.
ولو كان له مال قدر ما يحج به، وتاقت (1) نفسه إلى النكاح لزمه الحج، لأنه
فرض والنكاح سنة، وقال الشافعي يقدم النكاح إذا خاف العنت (2) لأن الحاجة إليه
عاجلة والحج على التراخي، والجواب: منع الدعوى في الموضعين. ولو حج عنه
غيره ممن يستطيع لم يجزيه عن حجة الإسلام.
ولا بد من فاضل عن الزاد والراحلة ما يمون عياله حتى يرجع إليهم، لأن نفقتهم
واجبة عليه، وهي حق للآدمي سابق على وجوب الحج، فيكون مقدما عليه.
ويؤيد ذلك من أحاديث أهل البيت عليهم السلام، ما رواه أبو الربيع عن أبي عبد الله
عليه السلام قيل له (ما السبيل، فقال السعة في المال إذا كان يحج ببعض يبقي بعض لقوت
عياله أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من ملك مائتي درهم) (3).
الشرط السادس: (إمكان المسير) ويدخل تحته (الصحة وإمكان الركوب
وتخلية السرب) (4) فلا يجب على المريض، ولا على المغصوب الذي لا يستمسك
على الراحلة، ولا من منعه عدو، أو سلطان، وعلى ذلك (اتفاق العلماء) لأن التكليف
مع هذه العوارض ضرر وحرج وعسر، والكل منفي، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه

1) تاقت نفسه إلى الشئ: اشتاقت إليه.
2) العنت: بفتحتين: الإثم والفجور والزنى، والعنت أيضا الوقوع في أمر شاق.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 9 ح 1 و 2 ص 24.
4) يقال طريق سرب أي يتتابع فيه الناس.
754

قال (من لم يمنعه عن الحج حاجة، أو مرض حابس، أو سلطان جائر فمات فليمت
يهوديا أو نصرانيا) (1). ومثله روى ذريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من مات ولم يحج
حجة الإسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجة يجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحج،
أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا) (2).
فروع
الأول: تخلية السرب أن يكون الطريق (آمنا) أو يجد (رفقة) يأمن معهم
علما أو ظنا، وأن (يتسع الوقت) لإدراك المناسك، ولو ضاق الوقت لم يجب في
ذلك العام، وإن تحصل الآلات التي يحتاج إليها في السفر، ولو كان هناك رفقة يحتاج
في اللحاق بهم إلى تحمل مشقة، أما بطي المنازل، أو حث شديد يضعف عنه لم
يجب تكلفه.
الثاني: لو كان له طريقان وأحدهما مخوف يسلك الآخر، طال، أو قصر،
إذا لم يقصر عنه نفقته، وكان وقته متسعا "، ولو لم يكن إلا طريق واحد وهو مخوف
أو بعيد يضعف قوته عن قطعه لمشقته لم يجب عليه.
الثالث: لو لم يندفع العدو إلا بمال أو حقارة قال الشيخ: لم يجب، لأن
التخلية لم يحصل، والأقرب إن كان المطلوب مجحفا لم يجب وإن كان يسيرا وجب
بذله، وكان ذلك كأثمان الآلات، ولو بذل المطلوب عنه غيره فانكشف العدو به لزمه
الحج، وليس له منع الباذل، لتحقق الاستطاعة.
الرابع: طريق البحر كطريق البر يجب مع غلبة الظن بالسلامة، ولو غلب
العطب (3) لم يجب.

1) سنن الدارمي كتاب المناسك باب 2.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 7 ح 1 ص 19.
3) العطب: الهلكة.
755

مسألة: لو استطاع فمنعه (مرض أو كبر أو عدو) ففي وجوب الاستنابة
قولان، أحدهما: لا يجب لأنه عبادة بدنية يسقط مع العجز، ولا يصح النيابة به
كالصلاة، ولأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، وإذا سقط عنه لم يجب الاستنابة، وبه
قال مالك، وقال الشيخ: يجب أن يستنيب من يحج عنه، وبه قال الشافعي، وأحمد.
لنا: ما رووه ورواه الأصحاب عن علي عليه السلام أنه كان يقول (إن رجلا لو أراد
الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم
ليبعثه مكانه) (1) وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا عليه السلام رأى
شيخنا لم يحج قط ولم يطق الحج من كبر فأمره أن يجهز رجلا يحج عنه) (2)
وأنه فعل يصح فيه النيابة، فمع تعذره عليه بنفسه يجب أن يستنيب فيه، كما في دفع
الزكاة، قال الشيخ: ولو زال عذره وجب أن يحج عن بدنه، لأن تلك عن ماله،
ولو مات ولم يتمكن أجزأت عنه.
مسألة: (الرجوع إلى كفاية) ليس شرطا، وبه قال أكثر الأصحاب، وقال
الشيخ (ره): هو شرط في الوجوب.
لنا: قوله (من استطاع إليه سبيلا) (3) والاستطاعة هي الزاد والراحلة مع
الشرائط التي قدمناها، فما زاد منفي بالأصل السليم عن المعارض، ويدل على ذلك
أيضا: قول أبي عبد الله عليه السلام (من كان صحيحا في بدنه مخلا سربه له زاد ورحلة
فهو ممن يستطيع الحج) (4) واستدل على ما ادعاه (بالإجماع) وبأن الأصل (براءة
الذمة). ودعواه الإجماع مع وجود الخلاف ضعيف، وتمسكه بالأصل مع وجود

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 24 ح 5 ص 44.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 24 ح 1 ص 43 (فيج عنه).
3) سورة آل عمران: الآية 97.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 8 ح 10 ص 23. (فهو
مستطيع الحج).
756

الدلالة على عدم الاشتراط أضعف.
مسألة: (الأعمى) يجب عليه الحج، وبه قال الفقهاء، وقال أبو حنيفة:
لا يجب عليه وإن اتفق من يسدده، لأنه لا يمكنه فعل الحج بنفسه، فلم يلزمه فرضه
كالزمن (1).
ولنا: قوله عليه السلام (من لم يمنعه عن الحج حاجة، أو مرض حابس، أو سلطان
جائز فمات فليمت يهوديا أو نصرانيا) (2) ولأن النبي صلى الله عليه وآله سأل عن السبيل ففسره
بالزاد والراحلة فيقول هو مستطيع فيجب عليه كغيره وقوله لا يتمكن من المناسك
بانفراده، قلنا: لا نسلم، فإنه مع سؤاله يتمكن من إيقاعها بنفسه كالمبصر، فإنه
لا يعرف (3) مواضع المناسك إلا بالإرشاد، وليس كالزمن الذي لا يستمسك على
الراحلة.
مسألة: الإسلام ليس شرطا في الوجوب، وهو شرط في الأداء وقال
الشافعي: هو شرط، لأنه لا يمكنه الأداء إلا بعد الإسلام، وبالإسلام يسقط الوجوب
وقلنا: يمكنه الأداء لأن تقديم الإسلام ممكن منه، وإذا كان الشرط ممكنا لم يمتنع
المشروط.
فرع
لو حج، ثم ارتد لم يعد حجه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة، ومالك:
ويستأنف الحج كأنه لم يحج، وكل ما فعله يحبط، وتردد الشيخ، وقوى الإعادة،
لأن ارتداده يدل على أن إسلامه لم يكن إسلاما، فلا يصح حجه، وما ذكره (ره)
بناء على قاعدة باطلة قد بينا فسادها في الأصول.

1) الزمن: من إصابته، في العاهة أي عدم بعض أعضائه وعطل قواه.
2) سنن الدارمي كتاب المناسك الباب 2، والوسائل ج 8 ص 19 ح 1.
3) سنن الترمذي باب 3 4.
757

ويؤكد ما قلناه: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (من كان مؤمنا فحج
ثم أصابته فتنة فأضرته بأن يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه
شئ) (1).
ولنا: أنه أوقعها على الوجه المشروع فيكون مجزية، ولو أحرم، ثم ارتد،
ثم عاد كان إحرامه باقيا، وبنا عليه لما قلناه، وللشافعي قولان.
مسألة: الشرائط المعتبرة في الرجل معتبرة في المرأة، ولا يشترط لها وجود
محرم، وقال أبو حنيفة: يشترط، لأن النبي صلى الله عليه وآله (نهى أن تسافر المرأة، وليس
معها محرم) (2) وقال الشافعي: ليس شرطا في الوجوب، وهو شرط في الأداء،
وقال الشيخ رحمه الله: هو في المندوب لا في الواجب.
لنا: قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) (3) وهو يتناول النساء كما
يتناول الرجال فلا يعتبر لهن زيادة عن الرجال، ويدل على ذلك روايات، منها:
رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام سألته (عن المرأة تحج بغير
محرم فقال إذا كانت مأمونة ولم تقدر على محرم فلا بأس) (4) ومثله عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام (5) وفي رواية صفوان بن مهران الجمال عنه عليه السلام (قلت المرأة
تأتيني ليس لها محرم فأحملها، قال المؤمن محرم المؤمن) (6) فإذن يكفي وجوده
الرفقة المأمونة ونهيه عليه السلام (أن يسافر من غير محرم) محمول على سفر غير واجب
أو مع عدم الأمن.

1) الوسائل ج 1 أبواب مقدمة العبادة باب 30 ح 1 ص 96.
2) صحيح بخاري كتاب الجهاد باب 140 سنن الدارمي - استئذان باب 46.
3) سورة آل عمران: الآية 97.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 58 ح 6 ص 109.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 58 ح 5 ص 109.
6) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 58 ح 1 ص 108.
758

مسألة: إذا اجتمعت شرائط الوجوب فحج (ماشيا) أجزأه، والحج ماشيا
أفضل، إذا لم يضعفه عن العبادة، لأن الشرط التمكن من الزاد والراحلة، ووجود
الشرائط، لا الركوب نفسه، وقد اختلفت الروايات في الأفضل، هل الركوب،
أو المشي، الجامع بينهما ما ذكرناه من التفصيل.
مسألة: إذا استقر الوجوب ومعناه (أن يتمكن من الحج) ويهمل مع القدرة
على إيقاعه كاملا، قضي عنه من أصل تركته، ولو لم يخلف سوى الأجرة، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يقضى عنه كالصلاة، ولو أوصى به خرج
من الثلث.
لنا: رواية بريد عن ابن عباس (أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وآله فقالت إن أمي
ماتت ولم تحج، فقال حجي عن أمك) (1) وخبر الخثعمية (2)، فإنه دال على كونه
دينا، وإذا ثبت أنه دين قضي من أصل التركة، كغيره من الديون، ويدل على ذلك
أيضا: ما رواه معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يموت ولم
يحج حجة الإسلام، ويترك مالا، قال عليه أن يحج من ماله رجلا صرورة لا مال
له) (3). وروى سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يموت، وعليه حجة
الإسلام، ولم يوص بها، وهو موسر، قال يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غيره) (4)
ومثله روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام (رجل مات وأوصى أن يحج عنه، فقال إن كان صرورة فمن جميع المال،
وإن كان تطوعا فمن ثلثه) (5).

1) صحيح البخاري ج 2 ص 23.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 24 ح 8.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 28 ح 1 ص 49.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 28 ح 4 ص 50.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 25 ح 1 ص 46.
759

ومن أين يحج عنه؟ الأفضل من بلده، ولو حج عنه من ميقات، جاز.
ولو قصر ماله حج عنه من أقرب المواقيت وبه قال الشيخ في المبسوط
والخلاف، وقال بعض المتأخرين: لا يجزي إلا من بلده إن خلف سعة، وإن قصرت
التركة حج عنه من الميقات، مدعيا تواتر أخبارنا، ورواية أصحابنا.
ولنا: أن الواجب في الذمة ليس إلا الحج، فلا يكون المسافة معتبرة، ولأن
الميت لو اتفق حضوره بعض المواقيت لا لقصد الحج أجزأه الحج من الميقات،
فكذا لو قضى عنه، ودعوى المتأخرين تواتر الأخبار غلط، فإنا لم نقف بذلك على
خبر شاذ، فكيف دعوى التواتر، ولعل مصير. إلى فتواه لكلام في النهاية ليس
بصريح فيما رآه،
ثم أكد ذلك بأن المحجوج عنه كان يجب عليه الحج من بلده، ويلزمه نفقة
طريقه فمع الموت ولنفقة لازمة، وما ذكره ليس بشئ، لأنا لا نسلم أنه يجب أن
يحج من بلده، بل لو أفاق المجنون عند بعض المواقيت، أو استغنى الفقير وجب
أن يحج من موضعه على أنه لم يذهب محصل على أن الإنسان يجب أن ينشئ حجة
من بلده، فدعواه هذه غلط، فما رتبه عليها أشد غلطا.
مسألة: إذا عجز عن الحج بنفسه وماله وقدر أن يحج مستطيعا لم يجب عليه
وقال الشافعي: يجب أن يحج ولده، وإن كان مستطيعا، وله في الأجنبي قولان.
لنا: شرط الوجوب، ليس حاصلا، فلا يتحقق الوجوب، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
سئل ما يوجب الحج، فقال الزاد والراحلة.
مسألة: من وجب عليه حجة الإسلام وهو مستطيع، لم يجب أن يحج عن
غيره. ولا أن يتطوع بالحج، ولو فقد الاستطاعة جاز له النيابة وإن كان ضرورة،
وقال الشيخ: لا يحج عن غيره، وله أن يتطوع عن نفسه، وقال أبو حنيفة، ومالك
يجوز أن يحج عن غيره، وأن يتطوع عن نفسه، وقال الشافعي: من لم يحج حجة
760

الإسلام لا يصح أن يحج عن غيره، ولو حج عن غيره، أو تطوع عن نفسه انعقد
عما وجب علية حجة سواء كان الواجب حجة الإسلام أو عن نذر ولو كان عليه حجة
الإسلام، فنذر حجة، وأحرم بالنذر انعقد عن حجة الإسلام، وبه قال أحمد
لنا: أن حجة الإسلام مضيقة فلا يجوز أن يعدل إلى ما يمنع عن أداء القرض
المضيق ولا النبي صلى الله عليه وآله (سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة، فقال أحججت، قال لا
قال فحج عن نفسك، ثم عن شبرمة) (1) ويدل على ذلك أيضا: ما روي عن أبي
الحسن موسى عليه السلام (عن الرجل الصرورة يحج عن الميت، قال نعم إذا لم يجد
الصرورة ما يحج به عن نفسه ولو كان ما يحج به عن نفسه لم يجز عنه حتى يحج
عن نفسه) (2).
مسألة: لا يحج المرأة (تطوعا) إلا (بإذن زوجها) ولو أحرمت، مبادرة كان
فاسدا، ولا يشترط إذنه في الواجب، وكذا المعتدة عدة رجيعة، أما التطوع بالحج
فلأن حق الزوج مضيق، فلا يجوز له الدخول فيها بمنعه، وللشافعي قولان، وأما
الواجب، فلا يعتبر إذنه فيه، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وقال الشافعي له منعها،
لأن الحج علي التراخي، وحق الزوج معجل.
لنا قوله عليه السلام (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) (3) وقوله عليه السلام (لا يمنعوا،
إماء الله مساجد الله، فإذا خرجن، فليخرجن بفلات) (4) والمعتدة عدة رجعية بحكم
الزوج، وللزوج الرجوع في طلاقها، والاستمتاع بها والحج يمنعه من حق الاستمتاع
بها، لو راجع فيقف على إذنه.

1) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 9.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 5 ح 1 ص 121.
3) الوسائل ج 11 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح 7 ص 422.
4) سنن البيهقي ج 3 ص 132.
761

ويدل على ما قلناه: ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال (سألته
عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام، تقول لزوجها حجتي من مالي، أله
يمنعها من ذلك؟ قال نعم ويقول لها حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا) (1)
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته (عن امرأة لم تحج ولها زوج
وأبي أن بأذن لها في الحج، فغاب زوجها هل لها أن تحج، قال لا طاعة له عليها في
حجة الإسلام) (2) وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا تحج
المطلقة في عدتها) (3) وعن محمد بن مسلم عن أحدهما قال (المطلقة تحج في
عدتها) (4) والجمع بينهما أنها تحج في الواجب دون الندب.
ويدل على التفصيل: ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (المطلقة
إن كانت صرورة حجت في عدتها وإن كانت حجت، فلا تحج حتى تقضي عدتها) (5)
وإذا كانت العدة بائنة، جاز أن تحج واجبا ومندوبا، وليس للزوج منعها، لانقطاع
العصمة بينهما، ينبه على ذلك: ما رواه أبو هلال عن أبي عبد الله عليه السلام قال (في
التي يموت زوجها أتخرج إلى الحج والعمرة) (6).
مسألة: إذا نذر غير حجة الإسلام يتداخلا (اتفاقا منا) ولو نذر حجا مطلقا،
وحج بنية النذر فيه قولان، أحدهما، الإجزاء، وبه قال الشيخ في النهاية، والآخر
لا يجزي أحدهما عن الأخرى، وبه قال في الجمل والمبسوط والخلاف.
وجه الأول: ما رواه رفاعة بن موسى النحاس قال سألت أبا عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 59 ح 2 ص 110.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 59 ح 1 ص 110.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 60 ح 3 ص 112.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 60 ح 1 ص 112.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 60 ح 2 ص 112.
6) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 60 ح 4 ص 112.
762

(عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله، هل يجزيه ذلك من حجة الإسلام، قال نعم،
قال أرأيت لو حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر أن يحج ماشيا، أيجزي ذلك
من مشيه؟ قال نعم) (1).
ووجه الآخر: أنهما فرضان سببهما مختلف، فلم يجزء أحدهما عن الآخر،
كما لو كان عليه حجة القضاء، وقال الشافعي: لا يقع إلا عن حجة الإسلام،
قال الشيخ: ولا يجزي حجة الإسلام عن النذر.
مسألة: لو نذر أن يحج (ماشيا) وجب مع التمكن، وعليه اتفاق العلماء،
ولأن المشي طاعة فيجب لقوله عليه السلام (من نذر أن يطبع الله فليطعه) (2) ولما روى رفاعة
بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله، قال فليمش) (3)
فأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله (من أنه أمر بأخت عقبة بن ما مر (أن تركب) (4) فهي
حكاية حال ولعله، علم منها العجز.
قيل: ويقوم في موضع العبور، لما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن
آبائه (أن عليا عليه السلام سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت، فمر بالمعبر، قال ليقم
في المعبر قائما حتى يجوز) (5) وهل هو على الوجوب، فيه وجهان، أحدهما: نعم
لأن الماشي يجمع بين القيام والحركة، فإذا فات أحدهما تعين الآخر، والأقرب
أنه على الاستحباب، لأن نذر المشي ينصرف إلى ما يصح المشي فيه، فيكون موضع
العبور مستثنى بالعادة.

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 27 ح 3 ص 49.
2) سنن ابن ماجة كتاب الكفارات الباب 16.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 34 ح 1 ص 59.
4) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 34 ح 4 ص 60، وسنن
ابن ماجة كتاب الكفارات باب 20.
5) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 27 ح 1 ص 64.
763

فلو ركب طريقه اختيارا أعاد ليأتي بالصفة المشروطة، وإن ركب بعضا قال
الشيخ قضاء ومشى ما ركب، وبه قال ابن عمر، وابن الزبير، وقيل: يقضي ماشيا
لإخلاله بالصفة المشترطة، وهو أجود.
ولو عجز ركب إجماعا، ومع العجز يسقط الوجوب، لأن التكليف منوط
بالوسع، وهل يسوق هديا؟ قال المفيد: لا، لعجزه عما نذره، فلا يحتاج إلى
جبر، وقال الشيخ: يسوق بدنة كفارة عن ركوبه، لما رووه أن النبي صلى الله عليه وآله (أمر
أخت عقبة بن عامر أن تركب وتسوق هديا) (1)، وما رواه الحلبي عن أبي عبد الله
قال (فليركب وليسق بدنه) (2) وفي رواية ذريح عن أبي عبد الله (عن رجل حلف
ليحج ماشيا، فعجز قال فليركب وليسق الهدي، إذا عرف الله منه الجهد) (3)
وأوجب الهدي الشافعي في أحد قوليه، وأحمد في أحد الروايتين، وأوجب
أبو حنيفة الهدي مع العجز والقدرة إذا ركب، لأنه خلل وقع في الحج، فيجبر
بالهدي، وأقله شاة، والذي يليق بمذهبنا: أنه إن ركب مع القدرة قضى، وكفر إن
كان الزمان متعينا، وإن كان مطلقا أتى به فيما بعد ولا كفارة، وإن ركب مع العجز
لم يجبره بشئ.
وحجة أبي حنيفة ضعيفة، لأنا لا نسلم أن الخلل وقع في الحج بحيث يجبر
بالهدي، لأن المشي ليس من أفعال الحج، فلا يوجب جبرانا، ثم لو كان خللا في
الحج لا نسلم أن كل خلل يجبر، بل وجود الجبران موقوف على الدلالة.
ويمكن أن يقال: إن الإخلال بالمشي ليس مؤخرا في الحج، ولا هو من
صفاته بحيث يبطل بفواته، بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور، فإن كان مع القدرة

1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 201.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 34 ح 3 ص 60.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 34 ح 2 ص 60.
764

وجب عليه كفارة خلف النذر، وحجه ماض.
مسألة: (المخالف) إذا حج، ثم استبصر، لم يقضي حجه، إلا أن يخل
بركن، لأن الشرط المعتبر في صحة العبادة (الإسلام) وهو محقق، ويدل على ذلك
ما رواه يزيد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (كل عمل عمله في حال
ضلاله ثم من الله عليه، فإن الله يأجره عليه، إلا الزكاة فإنه يعيدها، لأنه وضعها في
غير موضعها، وأما الصلاة والحج والصوم، فليس عليه قضاء) (1).
قال الشيخ: ولو كان أخل بركن أعاد، لأنه لم يأت بالحج على الوجه
المخلص للعهدة.
وهل المراد بالركن ما يعتقد أهل الحق أن الإخلال به مبطل للحج، أو ما يعتقده
الضال تدينا، الأقرب أن المراد ما يعتقده أهل الحق (ركنا) وإعادة الحج أفضل وإن
لم يحج، روى ذلك عمر بن أذينة قال (بعث [كتبت] إلى أبي عبد الله في رجل
لا يعرف هذا الأمر من الله عليه بمعرفته، أعليه حجة الإسلام، أو قد قضى حجه؟
قال قد قضى حجة فريضة الله والحج أحب إلي) (2).
القول في النيابة في الحج.
الاستيجار للحج جائزة وتبرء ذمة المحجوج عنه، إذا كان ميتا، أو ممنوعا،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يصح وإذا لبى وقع عن الأجير، وللمكري
ثواب النفقة، فإن بقي معه شئ يلزمه رده، فأما لو أوصى الميت بالحج عنه كان
تطوعا من الثلث.
لنا: خبر الخثعمية، وأخبار أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدا.
ويشترط في النائب (الإسلام)، لأنه عبادة مشروطة بنية القربة، ولا يصح من

1) الوسائل ج 8 أبواب مقدمة العبادات باب 31 ح 1 ص 97.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 23 ح 1 ص 42.
765

الكافر، وكذا لا يصح نيابة المسلم عنه، لأن النائب يقوم مقام المنوب عنه، فكما
لا يصح منه لا يصح من النائب عنه. قال الشيخان: لا ينوب عن (مخالف) في
الاعتقاد، إلا أن يكون أباه، وربما كان التفاتهم إلى تكفير من خالف الحق.
فلا يصح النيابة عمن اتصف بذلك.
ونحن نقول: ليس كل مخالف للحق لا يصح منع العبادة، ونطالبهم بالدليل
عليه، ونقول اتفقوا أنه لا يعيد عباداته التي فعلها مع استقامته سوى الزكاة،
والأقرب أن يقال: لا يصح النيابة عن (الناصب) ويعني به من يظهر العداوة والشنان
لأهل البيت عليه السلام، وينسبهم إلى ما يقدح في العدالة، كالخوارج، ومن ماثلهم.
ودل على ما قلناه: ما رواه وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت أيحج
الرجل عن الناصب، قال لا، قلت إن كان أبي. قال إن كان أبوك فنعم) (1).
قال الشيخان: ويصح عن الأب المخالف، وأنكر بعض المتأخرين النيابة
عنه أيضا، وزعم أن الإجماع على المنع مطلقا، ولست أدري الإجماع الذي
يدعيه أين هو؟ والتعويل إنما نقل عن الأئمة عليه السلام، والمنقول عنهم خبر واحد
لا غيره مقبول عند الجماعة، وهو يتضمن الحكمين معا، فقبول أحدهما، ورد الآخر
ودعوى الإجماع على ما قبله تحكمات مرغب عنها.
مسألة ولا يصح نيابة (المجنون) لأنه ليس من أهل الخطاب، ولأنه متصف
بما يوجب رفع القلم، فلا حكم لفعله، وكذا (الصبي) غير المميز، وليس للولي
أن يحرم به نائبا عن غيره، لأنه لا حكم لنية الولي إلا في حق الصبي، عملا بالنص
فلا يؤثر في غيره، وفي الصبي المميز (تردد) لأنه لا يصح منه الاستقلال بالحج،
والأشبه أنه لا يصح نيابة، لأن حجه إنما هو تمرين، والحكم بصحته بالنسبة إلى
ما يراد من تمرينه، لا لأنه يقع مؤثرا في الثواب له. ويدل على ذلك: قوله عليه السلام

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 20 ح 1 ص 135.
766

(رفع القلم عن ثلاثة ذكر منهم الصبي حتى يبلغ) (1).
ويشترط في صحة النيابة (نية النائب) عن المنوب عنه وتعيينه بالذكر أو
بالقصد، لأنه لا ينصرف فعل النائب إلى المنوب عنه، إلا كذلك، ولا ينوب من وجب
عليه الحج، وقد سلف البحث فيه، وينوب من لم يجب عليه، وهو اتفاق، لكن على
الكراهية.
ويصح نيابة (المرأة) عن المرأة وعن الرجل، لتساويهما في فروض المناسك
سواء كانت صرورة، أو لم يكن، وللشيخ قولان، أحدهما: المنع إذا كانت صرورة
وبه قال في التهذيب والاستبصار والنهاية لما روى مفضل عن زيد الشحام قال سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول (يحج الرجل الصرورة عن الصرورة، ولا يحج المرأة الصرورة
عن الرجل الصرورة) (2).
ولنا: أن الحج مما يصح فيه النيابة، والمرأة لها أهلية الاستقلال بالحج،
فيكون نيابتها جائزة، ويؤيد ذلك: ما رواه جماعة منهم رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (يحج المرأة عن أخيها وأختها وأبيها) (3) وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت (يحج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل، قال لا بأس) (4).
والجواب عن خبر المفضل، الطعن في سنده، فإن مفضل المذكور ينسب إلى
الغلو، وهو ضعيف جدا، فلا يصار إلى ما يتفرد به، على أنه يمكن أن يحمل على
الكراهية، ويدل على ذلك ما رواه علي بن أحمد بن أشيم عن سليمان بن جعفر قال
سألت الرضا عليه السلام (عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة، قال لا ينبغي) (5).

1) سنن البيهقي ج 4 ص 325.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 9 ح 1 ص 125.
3) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 8 ح 5 ص 124.
4) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 8 ح 2 ص 124.
5) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 9 ح 3 ص 126.
767

ولفظ لا ينبغي صريح في الكراهية، ولو قال: ابن أشيم ضعيف، قلنا: المفضل
أضعف منه.
مسألة: إذا مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عن المنوب عنه
ولو مات قبل ذلك لم يجزء، واختلف لفظ الشيخ (ره)، فتارة يقتصر على الإحرام
وبه قال في الخلاف، وذكر أنها منصوصة لأصحابه، لا يختلفون فيها، وتارة: كما
قلناه، وبه قال في النهاية والتهذيب، وقال أصحاب الشافعي: إن مات قبل أن يفعل
شيئا من الأركان رد، وإن كان بعد فعل بعضها ففيه قولان.
لنا على الشيخ: أن مقتضى الدليل بقاء الحج في الذمة. لأنه فعل لا يتم إلا
بإكمال أركانه، فلا تبرء الذمة بفعل بعضه، ترك العمل بمقتضى الدليل فيما إذا أحرم
ودخل الحرم أما للقول المشهور بين الأصحاب، أو لما رواه بريد بن معاوية قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل خرج حاجا ومعه حمل ونفقة وزاد، فمات في الطريق
فقال عليه السلام إن كان صرورة فمات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام) (1).
وإذا ثبت ذلك في حق الحجاج ثبت في حق نائبه، لأنه فعله كفعل المنوب عنه،
وروى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته (عن الرجل يموت فيوصي بحجة،
فيعطي رجل دراهم ليحج بها عنه فيموت قبل أن يحج ثم أعطى الدراهم غيره، قال عليه السلام
إن مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول) (2) فيبقى
معمولا بمقتضى الأصل فيما عداه.
تفريع
قال الشيخ: إن مات بعد الإحرام لم يستعد منه الأجرة ولا شئ منها، وإن

1) روي عن بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) في الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج
وشرائط باب 26 ح 2 ص 47.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 15 ح 1 ص 130.
768

مات قبل أن يدخل الحرم، تردد في الأجرة، فتارة قال: يستعاد منه، لأن الإجارة
وقعت على أفعال الحج، ولم يفعل منها شيئا، وتارة قال: يستحق من الأجرة بقدر
ما عمل، ويستعاد منه ما بقي، لأنه كما استؤجر على أفعال الحج استؤجر على
قطع المسافة، وقال هذا أقوى.
مسألة: ويأتي النائب بالنوع الذي وقعت الإجارة عليه، مثل أن يستأجر
للحج متمتعا، أو قارنا، أو مفردا، فلا يعدل إلى غيره، وهو المحكي عن علي بن
رئاب،
وقال الشيخ: إذا استأجره للقرآن فأفرد لم يصح وكذا لو استأجره للتمتع
فقرن أو أفرد ولو استأجره للإفراد فتمتع جاز، لأنه عدل إلى الأفضل، ولو قرن جاز
أيضا، لأنه أتى بالإفراد وزيادة، ولعله تمسك بما رواه أبو بصير عن أحدهما (في رجل
أعطى رجلا دراهم ليحج عنه حجة منفردة يجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟
قال نعم إنما خالف إلى الفضل والخير) (1).
لنا: أن الإجارة تناولت حجا معينا، فلا يكون متناولة لغيره، وما ذكره من
الرواية محمول على حج مندوب، والمقصد به الأجر، فيعرف الإذن من قصد
المستأجر، ويكون ذلك كالمنطوق به.
وقال الشافعي: إن علم من التخيير أجزاه، وإن لم يعلم كانت العمرة للأجير
والحج للمستأجر، أو على الأجير دم لا حلاله بين الإحرامين، وفي رد الأجرة بقدر
ما قابل العمرة قولان.
والذي يناسب مذهبنا: إذا لم يعلم منه التخيير وعلم إرادة التعيين يكون
متبرعا " بفعل ذلك النوع، ويكون للمنوب عنه بنية النائب، ولا يستحق أجرا، كما
لو عمل في ماله عملا بغير إذنه. أما في الحال التي يعلم قصد المستأجر تحصيل

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 12 ح 1 ص 128.
769

الأجر، لا حجا معينا، فإنه يستحق الأجرة، لأنه معلوم من قصده، وكان كالمنطوق به.
مسألة ولو استأجره ليحج على طريق، فعدل إلى غيره وأتى بأفعال الحج
أجزأه، لأنه أتى بالمقصود بالأجرة فيكون مجزيا، إذ لا أثر للطريق في الحج،
ويستحق كمال الأجرة، لأنه لم يخل بأمر مقصود، نعم لو كان له غرض متعلق بطريق
مخصوص، وشرط السفر بها، فعدل إلى غيره، صح الحج، وإبراء الذمة، ويرجع
عليه من الأجرة بتفاوت الطريق.
ويدل على أن العدول عن الطريق المعين لا أثر له في الحج: ما رواه حريز
بن عبد الله عن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أعطى رجلا حجة
يحج عنه من الكوفة، فحج من البصرة، قال (بأس) (1) وقال الشيخ: لا يرجع
عليه، لأنه لا دليل عليه، وليس بجيد، فإنا بيننا الدليل.
مسألة: ولا يستنيب النائب إلا مع الإذن، بمعنى أنه لو استأجر غيره لم
ينعقد الأجرة، نعم لو استعان بغير (ه) في الحج عن المستأجر صح الحج عنه، ولم
يستحق الحاج أجرة، ولا المستأجر الأول، وأما رواية عثمان بن عيسى عن الرضا عليه السلام
(قلت له ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها إلى غيره، قال لا بأس) (2) فهي
شاذة وعثمان بن عيسى واقفي ضعيف، لا يعمل بما ينفرد به، خصوصا عن الرضا عليه السلام
قال تغيره في زمان الرضا عليه السلام، ويمكن أن يحمل على ما إذا علم من قصد المستأجر
الأول الإذن، أو يحصل النيابة مطلقا من دون القصد إلى حجه بنفسه.
مسألة: لا يجوز للأجير أن يؤجر نفسه للنيابة عن آخر في السنة التي استؤجر
فيها، لأن فعله صار مستحقا للأول، فلا يجوز صرفه إلى غيره، ويجوز لو استأجره
مطلقا، أو في عام آخر.

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 11 ح 1 ص 127.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 14 ح 1 ص 129.
770

مسألة: قال الشيخان: وإذا صد الأجير عن بعض الطريق، كان عليه مما أخذ
بقدر نصيب ما بقي من الطريق، التي يؤدي فيها الحج، إلا أن يضمن العود لأداء
ما وجب، أما قولهما يرجع عليه بالمختلف فصواب، وأما قولهما إلا أن يضمن
العود لأدائه، فليس بجيد، لأن العقد تناول إيقاع الحج في زمان معين، ولم
يتناول غيره، فلا يجب على المستأجر الإجابة، نعم لو اتفق المؤجر والمستأجر
على ذلك جاز.
مسألة: لا يطاف عن حاضر متمكن من الطواف، لأنه عبادة تتعلق بالبدن،
فلا يصح بالنيابة فيه مع التمكن، نعم لو كان غايبا جاز، ويدل على ذلك: ما رواه
عبد الرحمن أبي بحران عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (الرجل يطوف عن
الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب، قلت وكم
قدر الغيبة، قال عشرة أميال) (1).
ويجوز لو كان مريضا، لا يستمسك الطهارة، ولو استمسك طيف به.
أما إذا كان متمكنا من الطهارة، فلأنه يمكن أن يطاف به، وليس الطواف
بالقدم شرطا، بل طواف الراكب كطواف الماشي، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يطوف
على ناقته، ولا فرق بين أن يكون الحامل إنسانا أو غيره، ويدل على ذلك: ما رواه
محمد بن الهيثم التميمي عن أبيه قال (حملت زوجتي في شق المحمل أنا في جانب
والخادم في جانب وطفت بها طواف الفريضة، واعتددت به لنفسي، ثم عرضت
ذلك على أبي عبد الله عليه السلام، فقال أجزأ عنك) (2).
أما من ليس قادرا على الطهارة، كالمبطون والمغلوب عن عقله، فإنه يطاف
عنه، لعدم تمكنه من الطهارة، ويدل على ذلك: ما رواه حريز بن عبد الله عن أبي

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 18 ح 3 ص 134.
2) الوسائل ج 8 أبواب الطواف باب 50 ح 1 ص 459.
771

عبد الله عليه السلام قال (المريض والمغمى عليه يرمى عنه ويطاف عنه) (1) وفي رواية
معاوية بن عمار قال (الكبير يحمل ويطاف به والمبطون يرمى عنه ويطاف عنه) (2).
ويطاف عمن لم يجمع الوصفين يعني الحضور والتمكن من الطهارة، فلو
حمل إنسانا وطاف به كان لكل منها طواف، وإن كان كل متمكن من السعي بنفسه
وقال الشافعي: لا يجزي عنهما ويجزي عن أحدهما. لنا: أن القصد بالطواف حاصل
في كل واحد منهما، وقد سلف من النقل ما يؤيد ذلك.
ولو حج عن ميت (تبرعا) برئ الميت، لأن الحج مما يصح فيه النيابة،
ولا يفتقر صحته إلى المسألة، ولا إلى العوض، فأجزأ المتبرع، ويدل على ذلك:
ما رواه عمار بن عمير قلت لأبي عبد الله عليه السلام (بلغني عنك أنك قلت لو أن رجلا مات
ولم يحج حجة الإسلام، فأحج عنه بعض أهله رجلا آخر، أجزأ عنه، فقال عليه السلام
أشهد على أبي أنه حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن رجلا أتاه فقال يا رسول الله إن أبي
مات ولم يحج حجة الإسلام فقال حج عنه فإن ذلك يجزي عنه) (3).
وجناية الأجير لازمة له، دون المستأجر لأنه عقوبة على جنايته، أو ضمان في
مقابلة إتلاف، فتخص الجاني.
ويستحب: أن يتلفظ باسم المنوب عنه في الموطن، يدل على ذلك: رواية
محمد بن مسالم عن أبي جعفر عليه السلام (ما يجب على من حج عن غيره، قال يسميه في
المواطن والمواقف) (4) ويدل على أن ذلك على استحباب: ما رواه منصور بن
عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام (الرجل يحج عن غيره، يذكره في المواطن كلها

1) الوسائل ج 8 أبواب الطواف باب 49 ح 1 ص 458.
2) الوسائل ج 8 أبواب الطواف باب 49 ح 6 ص 459.
3) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 31 ح 2 ص 54.
4) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 16 ح 1 ص 131.
772

قال إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، الله يعلم أنه قد حج عنه) (1).
ويستحب للنائب أن يعيد ما يفضل معه من الأجرة عن مؤنته، ليكون قصده بالنيابة
القربة، لا العوض، ويدل على أن ذلك غير لازم: أن الإجارة سبب لتملك الأجر
مع فعل ما استؤجر عليه، ويؤيد ذلك رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت أعطيت
الرجل دراهم يحج بها عنه، ففضل منها شئ، فلم يرده علي، قال عليه السلام هو له،
ولعله ضيق على نفسه) (2) وروى محمد بن عبد الله قمي عن الرضا عليه السلام قال: (سألته عن
الرجل يعطي الحجة يحج بها، فيفضل منها، أيردها؟ قال لا هو له) (3).
ويستحب: أن يتم للأجير لو أعوزته الأجرة، لأنها مساعدة للمؤمن، ورفق
به.
ويستحب: أن يعيد المخالف حجته، إذا استبصر، وكانت مجزية، وقد
سلف بيان ذلك. ويكره: أن تنوب المرأة الصرورة. وقد سلف.
مسائل
أ: من أوصى بحجة ولم يعين الأجرة انصرف الإطلاق إلى أجرة المثل،
لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق
به، وهو المراد من أجرة المثل.
ب: لو أوصى أن يحج عنه، وعرف منه إرادة التكرار، فإن عين اقتصر على
ما عينه، وإلا حج عنه، حتى يستوفي ثلث تركته، لأن الوصية لا تنفذ إلا في الثلث،
إذا لم يجز الوارث ما زاد، ويدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسين بن أبي خالد
عن أبي جعفر عليه السلام قال (سألته عن رجل أوصى أن يحج عنه، مبهما، قال يحج عنه

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 16 ح 4 ص 132.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 10 ح 1 ص 126.
3) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 10 ح 2 ص 126.
773

ما بقي من ثلثه شئ) (1) ولو أطلق الأمر ولم يعلم منه إرادة التكرار، اقتصر على
المرة لأنه القدر المتيقن.
ج: لو أوصى أن يحج عنه كل سنة بشئ معلوم فقصر عن الأجرة جمع
ما يمكن به الاستيجار، لأنه مال صرف في الحج، فيجب أن يعمل فيه بالقدر الممكن
ويدل على ذلك: ما رواه علي بن محمد الحصيني قال (كتبت إليه أن ابن عمي
أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينار في كل سنة، وليس يكفي، فما تأمر في ذلك
فكتب عليه السلام يجعل حجتين حجة، فإن الله تعالى عالم بذلك) (2).
د: لو حصل بيد إنسان مال الميت، وعليه حجة مستقرة، وعلم أن الوراث
لا يؤدون، جاز أن يقتطع قدر أجرة الحج، ويدفع إلى الوارث ما بقي، لأن الحج
دين على الميت، ولا يستحق الوارث إلا ما فضل عن الدين، ويؤيد ذلك: ما رواه
بريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله (سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس
لولده شئ ولم يحج حجة الإسلام، قال عليه السلام حج عنه وما فضل فأعطهم) (3).
ه‍: من مات وعليه حجة الإسلام، وأخرى منذورة، أخرجت حجة الإسلام
من أصل تركته، والمنذورة من الثلث، وقيل: يخرجان من أصل المال، لتساويهما
في شغل الذمة، والأول اختيار الشيخ رحمه الله، محتجا بما روى ضريس بن أعين
عن أبي جعفر عليه السلام قال (سألته عن رجل عليه حجة الإسلام، ونذر في شكر ليحجن
رجلا، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقيل أن يفي بنذره، فقال عليه السلام
إذا كان تارك مال حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله، ويخرج من ثلثه ما يحج
به عنه النذر، وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام حج عنه حجة الإسلام

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 4 ح 2 ص 120.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 3 ح 1 ص 119.
3) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 13 ح 1 ص 128.
774

مما ترك، وحج عنه وليه النذر، فإنما هو دين عليه) (1).
قال الشيخ في التهذيب: حج الولد على الاستحباب، لرواية ابن أبي يعفور
عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نذر إن عافى الله ابنه ليحجنه، فعافى الله الابن ومات
الأب، قال عليه السلام الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت هي واجبة على الابن
قال هي واجبة على الأب من ثلثه) (2).
تتمات
الأول: ليس من شرط الإجارة تعيين موضع الإحرام، وللشافعي قولان.
لنا: أن المواقيت متعينة لكل جهة، لا يجوز عندنا الإحرام قبلها، ولا بعدها، فهي
غنية عن التعيين.
الثاني: لو قال حج عني بنفقتك، كانت الإجارة باطلة، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: صحيحة. لنا: أن الأجرة مجهولة، فلا يصح معها الإجارة.
الثالث: لو قال له اثنان حج عنا، فإن أرادا حجة واحدة، وكانت مندوبة
صح، لأنها طاعة يصح النيابة فيها، فكما تصح النيابة فيها عن واحد يجوز عن اثنين
ولا كذا لو كان عن حجتين واجبتين، أو استأجراه ليحج عن كل واحد حجته،
وقال الشافعي: لو نوى لهما انقلب إليه.
ولنا: أن الحج عبادة يفتقر إلى النية، ولم ينوها لنفسه فلا ينقلب إليه. وقد
روي في أخبارنا، كما قال الشافعي، روى علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام
(في الرجل يشترك في حجته الأربعة والخمسة، فقال إن كانوا صرورة، فلهم أجر
ولا يجزي منهم من حجة الإسلام، والحجة للذي حج).

1) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 29 ح 1 ص 51.
2) الوسائل ج 8 أبواب وجوب الحج وشرائط باب 29 ح 3 ص 52.
775

الرابع: لو أحرم عن المستأجر، ثم أفسد حجه، فإن قلنا فيمن حج عن
نفسه وأفسد، أن الأولى حجة الإسلام، والثانية عقوبة، فقد برئت ذمة المستأجر
بإتمامها، والقضاء في القابل عقوبة، ولا ينفسخ الإجارة، وإن قلنا: الأولى فاسدة
والثانية قضاء لها، كان الجميع لازما للنائب، ولا يجزي عن المستأجر، وتستعاد منه
الأجرة إن كانت الإجارة متعلقة بزمان معين، وقد فات، وإن كانت مطلقة كان على
الأجير الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء، لأنها يجب على الفور.
ويمكن أن يقال الحجة الثانية مجزية عن المستأجر، لأنها قضاء عن الحجة
الفاسدة، كما يجزي عن الحاج عن نفسه، وهذا القول موجود في أحاديث أهل
البيت، والآخر تخرج، وغير مستند إلى رواية، روى الحسين بن عثمان عن إسحاق
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل حج عن رجل فاخترج في حجه شيئا،
يلزم فيه الحج من قابل، كفارة؟ قال هي للأول تامة وعلى هذا ما اخترج) (1).
ومن طريق صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار قلت (إن ابتلى بشئ يفسد
عليه حجه حتى يصير الحج عليه من قابل، أتجزي عن الأول، قال عليه السلام نعم، قلت إن الأجير ضامن للحج، قال نعم قلت وينبغي أن يكون العمل على هذا) (2).
الخامس: إذا أحرم الأجير عن نفسه وعن من استأجره، لم ينعقد الإحرام
عنهما، قال الشيخ: ولا عن واحد منها، لأن من شرط الإحرام النية، فإذا لم ينو
عن نفسه، ولم يصح النية التي نواها، فقد تجرد عن النية، قال الشافعي: ينعقد
عنه دون المستأجر، لأنه لم يصح عنهما، فوقع عنه، لأنه نوى التقرب بالإحرام،
فيكفي في صحته، وروى بما قاله الشافعي، سعيد بن أبي خلف عن أبي الحسن
موسى عليه السلام قال (إن نوى الحجة عن نفسه، وإن كان لا يسقط عنهما الفرض) (3).

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 15 ح 2 ص 130.
2) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 15 ح 1 ص 130.
3) الإستبصار ج 2 ص 322.
776

ولو استأجره فأحرم عن نفسه، فإن كان زمان الإجارة معينا لم يقع عن نفسه
وفي وقوعه عن المستأجر تردد، وقد روى ما يدل على وقوعه عن المستأجر، روى
ابن أبي حمزة والحسين عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل أعطى رجلا ما لا يحج به
عنه، فحج عن نفسه، قال عليه السلام هي عن صاحب المال) (1).
السادس: لو قال حج عني أو اعتمر بكذا، قال الشيخ في الخلاف: يكون
صحيحا، وقال الشافعي: الإجارة باطلة، وتردد الشيخ في المبسوط، والوجه
البطلان لجهالة العمل، ومع فعل أحدهما يصح، ويكون له أجرة المثل.
وكذا لو قال من حج عني فله دينار، أو عبد. أو عشرة دراهم. قال الشيخ:
يصح ويكون مع العمل مخيرا في دفع أيهما شاء. وقال الشافعي: الإجارة باطلة،
وله أجرة المثل، وهذا أنسب بالمذهب.
مسألة: لو استأجر الصحيح من يحج عنه الواجب لم يصح، ولو استأجر
المتطوع صح، وبه قال أبو حنيفة، وقال لا يصح أن يستأجر لفرض ولا لنفل، لأنه
عبادة بدنية، فلا يقوم بها الغير مع التمكن، كالصلاة ولنا: أن الحج طاعة يصح
فيها النيابة، فكان الاستيجار لها جائزا، وكذا يجوز أن يستأجر المريض من يحج
عنه تطوعا لعين ما قلناه.
مسألة: لو أحرم الغائب عمن استأجر، ثم نقلها إلى نفسه، لم يصح، فإذا
أتم الحج استحق الأجرة، وللشافعي قولان، أحدهما: يصح نقلها، لأن النبي صلى الله عليه وآله
سمع ملبيا " عن شبرمة، فقال (حج عن نفسك ثم عن شبرمة) (2).
لنا: إنما فعله وقع عن المستأجر، فلا يصح العدول بها بعد إيقاعها،
ولأن أفعال الحج استحقت لغيره بالنية الأولى فلا يصح نقلها) وإذا لم يصح نقلها

1) الوسائل ج 8 أبواب النيابة في الحج باب 22 ح 1 ص 136.
2) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 9.
777

فقد تمت الحجة لمن بداء بالنية له فله الأجرة، لقيامه بما شرط عليه.
مسألة: من مات بعد استقرار الحج عليه، وعليه دين، فإن نهضت التركة
بهما، صرف فيهما ما يقوم بهما، وإن قصرت التركة قسمت على أجرة مثل الحج،
وعلى الدين بالصحة، وللشافعي أقوال، أحدها كما قلناه والثاني: يقدم دين الآدمي
لأن له صرورة ولا صرورة لله، والثالث يقدم دين الله، لقوله عليه السلام دين الله أحق أن
يقضى) (1). لنا: أنهما دينان لزما الذمة، وليس أحدهما أولى، فوجب قسمة
التركة عليهما.
مسألة: يجوز أن يحج العبد عن غيره إذا أذن مولاه وقال الشافعي: لا يجوز
لنا: أن للعبد أهلية الحج فيجب أن يصح مع الإذن، ولأن الأخبار الدالة على جواز
النيابة مطلقة، فكما يتناول الحر بإطلاقها كذا العبد.
مسألة: من كان عليه حجة الإسلام وحجة النذر بدأ بحجة الإسلام، ولو حج
بنية النذر قال الشيخ: لم ينقلب إلى حجة الإسلام، وقال الشافعي: ينقلب. لنا:
أنه لم ينو حجة الإسلام، ولم يصب حجة (النذر)، فصار كما لو تجرد إحرامه عن
النية، وكذا لو كان المستأجر مغصوبا، وعليه حجة الإسلام والنذر، واستأجر بحجة
النذر لم ينقلب إلى حجة الإسلام، لعين ما ذكرناه.
مسألة: إذا استأجره ليحج عنه، فاعتمر، أو ليعتمر، فحج عنه، قال الشيخ
لم يقع عن أحدهما، سواء كان المستأجر حيا، أو ميتا وقال الشافعي: إن كان حيا
وقعت عن الأجير، وإن كان ميتا وقعت عن المستأجر، والوجه أنها يصح، سواء
كان المستأجر حيا أو ميتا ويبطل قول الشافعي بما بينا: من جواز النيابة عن الحي،
ويبطل ما قاله الشيخ: بأن المتبرع يصح نيابته، لكن لا يستحق أجرة، لإخلاله
بما وقعت الإجارة عليه، وتبرعه بما وقع منه.

1) صحيح البخاري كتاب الصوم باب 43، صحيح مسلم كتاب الصيام باب 155.
778

مسألة: إذا أحصر الأجير، كان له التحلل بالهدي، ولا قضاء عليه، لأنه
ليس في ذمته حج يأتي به، ويبقى المستأجر على ما كان عليه من وجوب الحج،
إن كان عليه واجبا.
مسألة: إذا فاته الوقت، فإن (بتفريط) لزمه التحلل بعمرة لنفسه، ويستعاد
منه الأجرة، إن كان الزمان معينا، وإن لم يكن بتفريط، قال الشيخ: له أجرة مثله إلي
حين الفوات، والأقرب: أن يكون له من الأجرة التي وقع عليها العقد بنسبة ما
أوقع من الأفعال، ويستعاد ما بقي.
مسألة: (المغصوب) إذا كان عليه حجة الإسلام وحجة النذر جاز أن يستأجر
رجلين، كل واحد يحجه في العام الواحد، لأنهما فعلان متباينان، وليس بينهما
ترتيب، فيجزي فعل كل واحد عما استؤجر له، وليس كذلك لو ازدحما على المكلف
الواحد.
المقدمة الثانية
[في أنواع الحج]
وهي ثلاثة: (تمتع) و (قران) و (إفراد).
ويدل على الحصر أن العمرة، أما يتقدم على الحج مع اتفاق شروط التمتع،
أو يبدأ بالحج، والأول تمتع، والثاني إفراد، ثم الإفراد، أما أن يضم إليه سياق،
أو لا يضم، والأول قران، والثاني إفراد.
ويدل على ذلك أيضا: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (سمعته
يقول الحج ثلاثة أصناف، منفرد، وقران، وتمتع بالعمرة بالحج [إلى الحج]،
وبها أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، والفضل فيها) (1). ومنصور بن الفضيل قال قال أبو

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 1 ح 1 ص 148.
779

عبد الله عليه السلام (الحج عندنا ثلاثة أوجه، حاج متمتع، وحاج مفرد سائق الهدي،
وحاج مفر للحج) (1).
مسألة: لا ينعقد الإحرام بالعمرة المتمتع بها إلا في (أشهر الحج) فإن أحرم
في غيرها، انعقد إحرامه بالعمرة المبتولة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وقال
أبو حنيفة: إذا أحرم في غير أشهر الحج، وطاف أقل من أربعة أشواط، ودخلت
أشهر الحج، فأتمها، وأحرم بالحج كان متمتعا، لأنه جمع بين أكثر أفعال العمرة
والإحرام بالحج، فصار كمن أحرم بها في أشهر الحج.
لنا: أن الإحرام بالعمرة نسك وركن فيها، فيعتبر وقوعه في أشهر الحج،
كما يعتبر وقوع باقيها. ولأن الحج لا يقع إلا في أشهر الحج، والعمرة داخلة فيه،
لقوله عليه السلام (دخلت العمرة في الحج هكذا وشبك بين أصابعه) (2) ويؤيد ذلك من
روايات الأصحاب: ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا يكون متعة إلا
في أشهر الحج) (3).
مسألة: أشهر الحج (شوال وذو العقدة وذو الحجة) وبه قال مالك، وهي
رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (4) وقال في المبسوط: وإلى قبل طلوع الفجر من
عاشر ذي الحجة، وبه قال الشافعي، وقال في المجمل: وتسعة من ذي الحجة، وفي
الخلاف: إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، وقال أبو حنيفة: إلى آخر العشر،
والمراد بالأول: الزمان الذي يصح أن يقع فيه شئ من أفعال الحج، كالطواف
والسعي وذبح دم الهدي، وبالثاني: الزمان الذي يصح إنشاء الإحرام بالحج فيه،

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 1 ح 2 ص 149.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 15 ح 1 ص 205.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 11 ح 5 ص 196.
780

ويختلف ذلك باختلاف إمكان الوقوف، ولا ريب أنه إذا طلع فجر العاشر من ذي
الحجة فقد فات الوقوف بعرفات، إلا أن يعرف من حاله أنه يتمكن من الوقوف
بالمشعر قبل طلوع الشمس، فعندنا يصح إنشاء الإحرام ويدرك الحج، وسيأتي
تحقيق ذلك.
والنية شرط في إحرام العمرة، وللشافعي قولان. لنا: أنها عبادة، فيفتقر إلى
النية، لأن الإحرام يقع على وجوه، فلا يختص ببعضها إلا بالنية، ويجب أن يكون
مقارنة الإحرام، وقال الشيخ: الأفضل أن يكون مقارنة، فإن فاتت جاز تجديدها إلى
قبل التحلل. لنا: أن الإحرام عبادة يفتقر إلى النية، فلا يصح مع عدمها.
ولا يقع العمرة متمتعا بها، حتى يأتي بالحج بعدها في عام واحد لما روى
سعيد بن المسيب قال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يعتمرون في أشهر الحج، فإذا
لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا) (1).
وأن يحرم بالعمرة من الميقات، وبالحج من مكة إلا مع العذر، ولا خلاف
في ذلك، ويؤيد ذلك: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت (كيف أتمتع؟ قال
عليه السلام يأتي الوقت فيلبي، فإذا أتى مكة، طاف، وسعى، وأحل من كل شئ، وهو
محتبس ليس له أن يخرج من مكة حتى يحج) (2) وروى حماد بن عيسى قال (من
دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج) (3).
وأفضل ما يحرم به (المسجد) وأفضل المسجد (تحت الميزاب) أو (مقام
إبراهيم) روى يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (من أي المسجد أحرم

1) سنن البيهقي ج 4 ص 356.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 5 ح 1 ص 183.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 22 ح 6 ص 219.
781

يوم التروية؟ فقال من أي المسجد شئت) (1) وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (إذا كان يوم التروية فاصنع ما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام،
ثم أهل بالحج، فإن كنت ماشيا فلب عند المقام، وإذا كنت راكبا، فإذا نهض بك
بعيرك) (2) وفي رواية معاوية بن عمار قال (إذا كان يوم التروية، فاغتسل، وادخل
المسجد حافيا، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم، أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول
الشمس، فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة
واحرم بالحج، ثم امض وعليك السكينة والوقار) (3).
وأفضل الوقت لإنشاء حج التمتع (يوم التروية) والمجزي، ما يعلم أنه يدرك
معه الوقوف، وتقديمه جائز، روى زرارة بن أعين قال قال أبو جعفر عليه السلام (المتعة
أن يهل بالحج في أشهر الحج، فإذا طاف وصلى ركعتين من خلف المقام، وسعى
بين الصفا والمروة، قصر وأهل وإذا كان يوم التروية أهل الحج وعليه الهدي، قلت
وما هو؟ قال عليه السلام أفضله بدنة، وأوسطه بقرة، وأخسه شاة) (4).
مسألة: ميقات حج التمتع (مكة) ولو أحرم من غيرها اختيارا لم يجزه،
وكان عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام بها، لأن النبي صلى الله عليه وآله (أمر الصحابة بالإحرام
من مكة حين أمرهم بالتحلل) (5) فيجب أن يتبع، ولأنها ميقات لحج التمتع بالاتفاق
وسنبين أنه لا يجوز تجاوز المواقيت (اختيارا) وإذا تجاوز من غير الميقات، وجب
العود إليها، ليحصل الوجه المشروع، ولو تجاوز (ناسيا) أو (جاهلا) عاد، فإن

1) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 21 ح 3 ص 246.
2) الوسائل ج 9 أبواب الإحرام باب 46 ح 2 ص 63.
3) الوسائل ج 9 أبواب الإحرام باب 52 ح 1 ص 71.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 5 ح 3 ص 183.
5) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
782

منع مانع أحرم من موضعه ولو كان بعرفه، وكذا لو خشي مع الرجوع فوات الحج
مسألة: لو دخل مكة (متمتعا) وخشي مع إتمام العمرة وإنشاء الحج فوته
وعرف أنه إذا نقل بينة إلى الإفراد أدرك الوقوف المجزي، وجب نقل نيته إلى
الإفراد، وإذا أتم حجه اعتمر بعده عمرة منفردة
وكذا الحايض والنفساء، لو منعهما عذرهما عن التحلل، وإنشاء الحج، نقلتا
حجمها إلى الإفراد، وأتيا بالعمرة بعده، لأن التمتع إنما يلزم مع الاختيار، ويزول
لزومه مع الاضطرار.
ويدل على ذلك روايات، منها: رواية جميل بن دراج قال سألت أبا عبد الله
عليه السلام (عن المرأة الحايض إذا قدمت مكة يوم التروية، قال عليه السلام تمضي كما هي إلى
عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج إلى التنعيم، فتحرم وتجعلها
عمرة) (1) ورواية إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام قال سألت (عن المرأة تجئ
متمتعة، فتطمث قبل أن تطوف بالبيت، حتى تخرج إلى عرفات، قال عليه السلام فيصير
حجة مفردة " (2).
وهذا إنما يكون إذا علمت أنها لا تطهر مع بقاء وقت الوجوب، ويدل على
ذلك: ما رواه أبو بصير قال قلت لأبي عبد الله " المرأة تجئ متمتعة، فتطمث قبل أن
تطوف بالبيت، فتكون طهرها ليلة عرفة فقال عليه السلام إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف
بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق الناس، فلتفعل) (3).
مسألة: التمتع فرض من ليس من حاضري المسجد الحرام، لا يجزيهم غيره
مع الاختيار، وهو مذهب علمائنا، والمشهور عن أهل البيت عليهم السلام، وأطبق الجمهور

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 21 ح 2 ص 214.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 21 ح 13 ص 216.
3) الوسائل ج 8 أبواب الطواف باب 84 ح 4 ص 498.
783

على خلافه.
لنا: قوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (1) وهذا
يدل على أنه فرضهم، فلا يجزيهم غيره، وقوله عليه السلام (من لم يسق الهدي فليحل
وليجعلها عمرة) (2) وهو أمر لمن كان معه فمن دخل مكة، وأكد ذلك من الأحاديث
ما رواه معاوية بن عمار وليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال (ما نعلم حجا لله غير
المتعة، إنا إذا ألقينا الله قلنا ربنا علمنا بكتابك وسنة نبيك) (3) وما روى زرارة عن
أبي جعفر الباقر عليه السلام (ذكر حاضري المسجد، فقال عليه السلام كل من وراء ذلك فعليه
المتعة) (4) وإذا ثبت أن ذلك فرضهم، وجب أن لا يجزيهم، لإخلالهم بما فرض
عليهم.
مسألة: حد حاضري المسجد الحرام من كان بين منزله وبين مكة (ثمانية
وأربعون) ميلا من كل جانب، وبه قال الشافعي، قال: لأنه مسافة القصر، وقال
الشيخ: من كان بين منزله والمسجد (اثنا عشر) ميلا من كل جانب.
لنا: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان
أهله دون ثمانية وأربعون ميلا ذات عرف وعسفان كما يدور حول مكة هو ممن دخل
في هذه الآية. وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة) (5). وفي رواية الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال (في حاضري المسجد الحرام، قال عليه السلام ما دون المواقيت إلى
مكة فهو من حاضري المسجد الحرام، وليس لهم متعة) (6) وروى عبيد الله الحلبي

1) سورة البقرة: الآية 196.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 33 ص 168.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 3 ح 7 و 13 ص 174 و 175.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 6 ح 3 ص 187.
5) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 6 ح 3 ص 187.
6) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 6 ح 4 ص 187.
784

وسليمان بن خالد وأبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال (ليس لأهل مكة، ولا لأهل سرف
ولا لأهل مر، متعة، لقوله تعالى ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (1).
ومعلوم أن هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا، فإذن ما أعهده الشيخ نادر، لا عبرة به.
ولو حج هؤلاء بالتمتع لم يجزيهم، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي يجزيهم
لنا: قوله تعالى (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (2) والظاهر أن
الإشارة راجعة إلى جميع ما تقدم، وحكي عن بعض فضلاء العربية: أنهم قالوا
تقديره ذلك التمتع، وقول الشافعي يرجع إلى الهدي. قلنا كما يحتمل ذلك رجوعه
إلى الجملة، لكن هذا أتم فايدة، فيكون أرجح، ويدل على ذلك من طريق أهل
البيت روايات، منها ما ذكرنا.
وأما الإفراد: فهو: أن يحرم بالحج أولا من ميقاته، ثم يقف بالموقفين،
ويقضي مناسكه الثالثة بمنى، ثم يعود إلى مكة، فيطوف، ويصلي، ويسعى، ثم
يطوف طواف النساء وعليه عمرة بعد ذلك يأتي بها من خارج الحرم.
وهذا القسم والقران فرض أهل مكة، وحاضريها، ولو عدل هؤلاء إلى التمتع
(اختيارا ") ففي إجزائه قولان، أحدهما: لا يجزي، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحد
قولي الشيخ، والثاني: يجزي، ولا دم. وهو القول الآخر للشيخ، وبه قال الشافعي
قال: لأن المتمتع أتي بصورة الإفراد وزيادة غير منافية، وقد سلف احتجاج المانعين
من إجزائه.
ويؤيد ذلك أيضا ": ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قلت (لأهل
مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج، قال عليه السلام لا يصلح أن يتمتعوا، لقول الله سبحانه

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 6 ح 1 ص 186.
2) سورة البقرة: الآية 196.
785

ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (1) وحجة الشيخ ضعيفة، لأنا لا نسلم
أنه أتى بصورة الإفراد، وذلك أنه أخل بالإحرام للحج من ميقاته، وأوقع مكانه
العمرة، وليس مأمورا " بها، فيجب أن لا يجزيه.
وشرط الإفراد (النية) لما قلناه في نية التمتع، وأن يقع في (أشهر الحج)
لقوله تعالى (الحج أشهر معلومات) أي وقته، وعليه اتفاق العلماء، وأن يقع في
(الميقات) وسنبين القول فيه، أو من (دويرة أهله) إن كانت أقرب إلى عرفات من
الميقات.
وأما القران: فهو: أن يضم إلى إحرامه سياق هدي، ولا فرق بينه وبين
المفرد، إلا في سياق الهدي، وأطبق الجمهور على خلافه، وقالوا القران: هو أن
يحرم بعمرة وحج معا لما روى عن ابن عباس عن عمر قال (سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول
أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين، وقل لبيك بعمرة في
حج) (2) ولقوله عليه السلام (أهلوا يا آل محمد بعمرة في حجة) (3).
لنا: ما روى عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده إلى أبي شيخ قال (كنت في
ملأ من أصحاب رسول الله عند معاوية بن أبي سفيان، فناشدهم الله عن أشياء وكلما
قالوا نعم، يقول وأنا أشهد، ثم قال أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن
جمع بين حج وعمرة، قالوا أما هذه فلا، فقال أما أنها معهن) وما يروونه عن معاوية
وإن كان عندنا ليس بحجة، لكنه عند أصحاب الحديث منهم حجه، ثم هو يطابق
ما نقله الأصحاب عن أهل البيت عليهم السلام، ولأن الإحرام بالحج أو بالعمرة يستوعب
فوايد الإحرام كلها، فلا يكون للإحرام بالأخير فايدة.

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 6 ح 2 ص 186.
2) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 40 ص 991.
3) مسند أحمد حنبل ج 6 ص 298.
786

ومن طريق أهل البيت عليهم السلام: ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال (في القارن لا يكون قران) إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان
عند المقام، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحج وهو طواف النساء) (1)
وما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال (لا يكون القارن إلا بسياق الهدي
عليه طوافان بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة، كما يفعل المفرد، ليس أفضل من
المفرد إلا بسياق الهدي) (2). ومثله روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (3).
وجواب ما ذكروه منع الرواية، فإنه لو كان القران جمعا بين الحج والعمرة
بإحرام واحد، لكان النبي صلى الله عليه وآله حج كذلك، لكن النبي صلى الله عليه وآله لم يجمع بين الحج
والعمرة، بل حج مفردا، وسمي قارنا لأنه ضم إلى إحرامه سياق الهدي، ويدل
على ذلك: ما رووه في صحيح الحديث عن جابر قال (أهل رسول الله صلى الله عليه وآله بحج
ليس معه عمرة).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها: رواية ليث المرادي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال (إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في حجة الوداع لأربع أو خمس مضى من ذي
الحجة، مفردا لحج، وساق مائة بدنة) وأما الرواية الثانية، فيجوز أن يكون أمر
آل محمد بعمرة في حج، وأراد به التمتع، لأنه عليه السلام يقول (دخلت العمرة في الحج
هكذا وشبك بين أصابعه) (4) وأراد عمرة التمتع، لأنها لازمة الحج، فصارت
العمرة كالداخلة فيه.
وينبه على هذا المعنى روايات عن أهل البيت عليهم السلام، منها: ما رواه الحلبي

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 1 ص 149.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 10 ص 156.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 6 ص 154.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
787

عن أبي عبد الله عليه السلام قال (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى
يقول فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فليس لأحد إلا أن يتمتع،
لأن الله أنزل ذلك في كتابه) (1).
وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
من ذي الحليفة مفردا، وساق الهدي ستا وستين، ثم أتى مكة وطاف سبعة أشواط،
ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثم قال: إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدا،
وإنما بدا الله به، فلما فرغ من سعيه قال إن هذا جبرئيل، وأومى بيده إلى خلفه،
يأمرني أن أمر من لم يسق الهدي أن يحل، فقال رجل نخرج حجاجا ورؤوسنا يقطر،
فقال عليه السلام لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لصنعت كما أمرتكم، ولكني سقت
لهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، فقال له سراقة ألعامنا
هذا، أم الأبد؟ فقال بل الأبد إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه، وقال دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة) (2).
وعن صفوان عن نخبة عن أبي جعفر عليه السلام قال (إنما نزلت العمرة المفردة في
المتعة، لأن المتعة دخلت في الحج، ولم يدخل العمرة المفردة في الحج) (3).
مسألة: لا يجوز إدخال الحج على العمرة، مثل أن يكون محرما " بعمرة مفردة
فيحرم بالحج قبل قضاء مناسكها، أو يحرم بالحج، ثم يدخل عليه العمرة، نعم
لو كان محرما بعمرة متمتع بها، فمنعه مانع، من مرض، أو حيض عن إتمامها، جاز
نقلها إلى الإفراد، وكذا لو كان محرما " بحج مفرد ودخل مكة، جاز أن ينقلا إحرامه
إلى التمتع أما في غير ذلك فلا، أجاز الجمهور: إدخال الحج على العمرة (إجماعا ") منهم.

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 3 ح 2 ص 172.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
3) الوسائل ج 10 أبواب العمرة باب 5 ح 5 ص 243.
788

وفي إدخال العمرة على الحج بعد عقده بنية الإفراد قولان، أحدهما: الجواز
وبه قال أبو حنيفة، وأحد قولي الشافعي، والآخر: المنع. وهو القول الآخر
للشافعي، وأما جواز نقل المتمتع إلى الإفراد مع الضرورة فجايز اتفاق، وكما فعلته
عايشة وأما نقل الإفراد إلى المتعة، فلقوله عليه السلام (من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها
عمرة (1)) وما عدا ذلك منفي بالأصل، ولأنه إذا أحرم بنوع لزم إتمامه، وكمال
أفعاله، فلا يجوز صرف إحرامه إلى غيره.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا قرن بين الحج والعمرة في إحرامه،
لم ينعقد إحرامه إلا بالحج، فإن أتى بأفعال الحج، لم يلزمه دم، فإن أراد أن يأتي
بأفعال العمرة ويجعلها متعة جاز ذلك، ولزمه الدم، وقال الشافعي، ومالك،
والأوزاعي: إذا أتى بأفعال الحج لزمه دم وقال الشعبي، وطاوس، وداود: لا يلزمه
شئ لنا: أو لزوم الدم منفي بالأصل، فلا يثبت إلا موضع الدلالة.
أما إذا نوى التمتع، فلزوم الدم له بالجماع، والتمتع إذا أحرم من مكة لزمه
الدم، ولو أحرم من الميقات، لم يسقط عنه الدم، وقال الجمهور: يسقط، لنا: أن
الدم يستقر بإحرام الحج، فلا يسقط عنه استقراره، وكذا من أحرم للتمتع من مكة،
ومضى إلى الميقات. ثم منه إلى عرفات.
مسألة: ويستقر دم التمتع بإحرام الحج. وبه قال أبو حنيفة. والشافعي.
وقال مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة. لنا: قوله تعالى. (فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي (2)) فجعله غاية. ورووا عن أبي عمر عن النبي
صلى الله عليه وآله قال (من كان معه هدي. فإذا أهل فليهد. ومن لم يكن معه هدي. فليصم
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله (3)).

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 33 ص 168.
2) سورة البقرة: الآية 196.
3) صحيح البخاري كتاب الحج باب 104.
789

مسألة: من أراد التطوع بالحج. فالتمتع أفضل أنواعه. وبه قال أحمد،
واحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة القران أفضل. لما روى جماعة من الصحابة
(أن النبي صلى الله عليه وآله حج قارنا (1)) وهو لا يختار من القرب. إلا أفضلها. وقال الشافعي
في عامة كتبه: الإفراد أفضل.
لنا: قوله عليه السلام (لو استقبلت من أمري ما استدبرت. لما سقت الهدي.
ولجعلتها عمرة (2)) فتأسف على فوات العمرة. ولا يتأسف إلا على فطرت الأفضل.
ولأن التمتع يأتي بكل واحد من التسكين في الوقت الفاضل. وينسك بالدم. فكان
أفضل. وإذا أفرد أتى بالعمرة في غير أشهر الحج، فكان ما يأتي به في أشهر الحج
أفضل.
ويدل على ذلك من روايات أهل البيت عليهم السلام: ما رواه زرارة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال (المتعة والله أفضل، بها نزل القرآن، وجرت السنة) (3). وعن أبي أيوب
قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (أي أنواع الحج أفضل؟ قال عليه السلام المتعة وكيف شئ
أفضل منها ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول لو استقبلت من أمري ما استدبرت، فعلت كما
فعل الناس) (4).
وعن عبد الله بن سنان قلت لأبي عبد الله عليه السلام (إني قرنت العام وسقت الهدي
قال عليه السلام ولم فعلت ذلك؟ التمتع والله أفضل لا تعودن) (5) وعن أبي بصير قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام (أيما أفضل التمتع بالعمرة إلى الحج، أو من أفرد فساق الهدي؟
فقال عليه السلام كان أبو جعفر يقول التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السايق

1) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 39.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 33 ص 168.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 4 ح 15 ص 180.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 4 ح 16 ص 180.
5) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 4 ح 17 ص 180.
790

الهدي، وكان يقول ليس يدخل شئ أفضل من المتعة) (1).
وجواب أبي حنيفة أنا نسلم أن النبي صلى الله عليه وآله لا يعدل عن الأفضل، لكن لا نسلم
أن المتعة كانت مشروعة، قبل إحرام النبي صلى الله عليه وآله، إذا المشهور نزولها بعد دخوله مكة
سايقا للهدي، ومنعه عن التمتع سوق الهدي، وأمر من لم يسق أن يحل ويجعلها
عمرة، وذلك يدل على ما قلناه، وعندنا أن النبي صلى الله عليه وآله (حج قارنا) على ما فسرناه في
القران، لا على الجمع بين الإحرام بعمرة وحج كما قالوه.
مسألة: إذا أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد صار محلا، فإن كان ساق
هديا لم يجز له التحلل، وكان قارنا "، قاله الشيخ، وبه قال ابن أبي عقيل، وقال
الشافعي: إذا قضى أفعال عمرته تحلل، سواء ساق هديه، أو لم يسق، وقال أبو
حنيفة: إن لم يكن ساق وتحلل، وإن كان ساق لم يتحلل، واستأنف إحراما للحج
ولا يحل حتى يفرغ من مناسكه.
لنا: على الشافعي: قوله عليه السلام (من لم يسق الهدي فليحل) (2) فشرط في
التحلل، عدم السياق، وعلى أبي حنيفة: أن تجديد الإحرام إنما يمكن إن كان محلا
أما المحرم فهو باق على إحرامه، فلا وجه لتجديد إحرام حاصل، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
لم يتحلل، وعلل ذلك بأنه ساق الهدي، وقال عليه السلام (لا يحل من ساق الهدي حتى
يبلغ الهدي محله) (3).
مسألة: وإذا لبى (يستحب) أن يشعر ما ساقه، أو يقلده إن كان من الإبل
وقلده إن كان من البقر، أو من الشاة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأنكر أبو حنيفة:
الإشعار، لأنه مثلة، وبدعة، وتعذيب للحيوان، ولم يعرف تقليد الغنم.

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 4 ح 1 ص 176.
2) الوسائل ج 7 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 33 ص 168.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
791

لنا: ما روى ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وآله دعا ببدنته، فأشعرها في صفحة سنامها
الأيمن، ثم سلت الدم عنها) (1) وما روى عروة عن مسور بن محرمة ومروان قالا
(خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان بذي الحليفة، قلد الهدي، وأشعره) (2) وروى
جابر قال (كان هدايا رسول الله صلى الله عليه وآله غنما مقلدة) (3) وعن عايشة (أن رسول الله
صلى الله عليه وآله أهدى غنما مقلدة) (4).
ومن أخبار أهل البيت روايات، منها: رواية عبد الله بن سنان قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام (عن البدنة، كيف يشعرها؟ قال عليه السلام يشعرها وهي باركة، يشعرها من
جانبها الأيمن) (5).
ومنها رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (يوجب الإحرام ثلاثة
أشياء، التلبية، والإشعار، والتقليد) (6). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال (من أشعر بدنته
فقد أحرم، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) (7).
ومنها رواية حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله قال (إذا كانت بدن كثيرة فأراد
أن يشعرها دخل بين كل بدنتين، فيشعر هذه من الشق الأيمن، وهذه من الشق الأيسر
ولا يشعرها حتى يتهيأ للإحرام، فإنه إذا أشعر وقلد وجب عليه الإحرام، وهو بمنزلة
التلبية) (8).
قال الأصحاب: و (الإشعار) شق سنام البعير، وتلطخ صفحته بدم إشعاره.

1) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 96.
2) صحيح البخاري ج 2 ص 207.
3) سنن البيهقي ج 5 ص 235 (رواه عن ابن عباس وعايشة)
4) سنن ابن ماجة الباب 96.
5) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 12 ح 18 ص 201.
6) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 12 ح 20 ص 202.
7) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 12 ح 21 ص 202.
8) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 12 ح 19 ص 201.
792

و (التقليد): أن يجعل في عنق المسوق نعلا قد صلى فيه، روى الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام سألته (عن البدنة، قال عليه السلام عليه السلام يشعر وهي باركة يشق سنامها
الأيمن) (1) وروى الفضيل بن يسار عنه عليه السلام ومعاوية بن عمار قال (يقلدها نعلا قد
صلى فيها) (2).
مسألة: يجوز للقارن والمفرد (تقديم طوافهما وسعيهما) على المضي إلى عرفات
لضرورة، وغير ضرورة. وهو فتوى الأصحاب، وبه قال الشيخ، وربما أنكر ذلك
شاذ منا، استسلافا لوجوب الترتيب، وإعراضا عن النقل، وأطبق فقهاء الجمهور
على المنع من التقدم قبل الوقوف، وقال الشافعي: وقت الإجزاء النصف الآخر
من ليلة العاشر، والأفضل الإتيان به يوم النحر قبل الزوال، ولو أخر لم يلزمه دم
وقال أبو حنيفة: يلزمه بالتأخير عن أيام التشريق دم.
لنا: على جواز التقديم: أن الأصل عدم وجوب الترتيب، ولا منافي له من
النقل، فيكون جائزا، ولأن قصد البيت أهم نسك الحج، فجاز تقديمه، وكذا
الطواف به، والسعي، لثبوتهما بالنص، ولا يلزم مثل ذلك في حج المتمتع، لأن
إحرامه يقع عقيب قصد البيت، والطواف به، والسعي للعمرة، فلا يكون للتقديم
فايدة.
ويؤيد ما ذكرناه: ما روي عن أهل البيت عليهم السلام، من ذلك رواية زرارة قال
سألت أبا جعفر (عن المفرد للحج يدخل مكة أيقدم طوافه، أو يؤخره؟ قال عليه السلام
هو والله سواء عجله، أو أخره) (3).
ولو قيل: الترتيب واجب بالإجماع، منعنا دعواه، وأحلنا على علمه، والشيخ

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج ح 14 ص 201 روى عن ابن الصباح الكناني
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 12 ح 17 ص 201.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 14 ح 2 ص 204.
793

(ره) استدل على جواز التقديم بإجماع الطائفة فكيف يدعي إجماعا على خلاف.
ولو قيل: لا نسلم دلالة الحديثين على موضع النزاع، لاحتمال أن يكون
دخولهما مكة بعد عودهما من منى، لا قبل الوقوف بعرفات، ويكون السؤال عن
التعجيل قبل انقضاء أيام التشريق، أو بعدها، ثم هما يتضمنان الطواف، ولا يتضمنان
السعي.
قلنا: الدليل على أن المراد ما ذكرناه، ما رواه البزنطي عن عبد الكريم عن
أبي بصير عن أبي عبد الله قال (إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية، فلا
متعة لك، فاجعلها حجة مفردة، تطوف بالبيت، وتسعى بين الصفا والمروة، ثم
تخرج إلى منى، ولا هدي عليك). وما رواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام
سألته (عن المفرد الحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة، أيعجل طواف النساء؟
قال عليه السلام لا إنما طواف النساء بعد أن يأتي منه) (1).
وقول أبي حنيفة: (يلزمه دم بالتأخير عن أيام التشريق) دعوى مجردة عن
برهان، لأن وجوب الدم إنما يكون نسكا، أو جبرانا، فكلاهما منتف هنا، لأنا
لا نسلم أن التأخير عن أيام التشريق خلل لأن زمان الحج باق إلى انقضاء ذي الحجة
وسنبين تحقيق ذلك فيما بعد.
وأما المتمتع: فلا يجوز له تقديم طوافة وسعيه اختيارا، ويجوز ذلك مع
الضرورة، أما لمرض مانع، أو خوف حيض، أو عدو.
وأما المنع مع الاختيار فعليه: اتفاق العلماء، ورواه أبو بصير قلت (رجل
كان متمتعا "، فأهل بالحج، قال عليه السلام لا يطوف بالبيت، حتى يأتي عرفات فإن هو طاف

1) أصول الكافي ج 4 باب تقديم طواف الحج للمتمتع قبل الخروج إلى منى ح 1
ص 457.
794

قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف) (1).
وأما جواز التقديم مع الضرورة، فلأن إيجاب التأخير مع قيام المانع
الضروري إضرار وعسر، وهما منفيان شرعا، ويؤيد ذلك روايات، منها: رواية إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن عليه السلام (عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا "، أو امرأة
تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ فقال عليه السلام نعم من كان هكذا
يعجل) (2) ورواية علي بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن عليه السلام (عن رجل دخل
مكة ومعه نساء قد أمرهن، فيتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين، فخشي على بعضهن
الحيض، فقال عليه السلام إذا فرغن من سعيهن وأحللن فلينظر إلى التي تخاف الحيض،
فيأمرها، فلتغتسل وتهل بالحج، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها
شئ قضت بقية المناسك وهي طامث) (3).
ويؤكد ذلك أيضا: ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته
(عن المتمتع، يهل بالحج، يطوف، ويسعي بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى
منى؟ قال عليه السلام لا بأس) (4).
ومقتضى هذا جواز التقديم مطلقا، لكنا قيدناه بحال الضرورة، توفيقا " بينه وبين
الأحاديث المتضمنة لها، ولتسلم الحديث المانع من تقديم الطواف والسعي عن
معارضة هذه الأحاديث.
مسألة: وإذا (يطاف) المفرد أو القارن أو المتمتع مع الضرورة، جدد
التلبية، ليبقى على إحرامه، ولو لم تجدد التلبية انقلبت حجته عمرة، قال به الشيخ
ورواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (سمعته) يقول (من طاف بالبيت وبالصفا والمروة

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 13 ح 5 ص 203.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 13 ح 7 ص 203.
3) الوسائل ج 9 أبواب الطواف باب 64 ح 5 ص 474.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 13 ح 3 ص 203.
795

أهل أحب أو كره) (1) ورواه الجمهور في الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا أهل الرجل بالحج، ثم قدم مكة، وطاف بالبيت وبين الصفا
والمروة فقد حل، وهي عمرة).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام
قلت (إني أريد الجواز كيف أصنع؟ قال عليه السلام تخرج إلى الجعرانة وتحرم بالحج
قلت أقيم إلى يوم التروية لا أطوف، قال إذا دخلت فطف، واسع بنى الصفا والمروة
قلت أليس كل من طاف بين الصفا والمروة أهل، قال كل ما طفت طوافا، وصليت
ركعتين فاعقد بالتلبية) (2) وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال سألته (عن المفرد
للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال عليه السلام نعم ما شاء، ولجد التلبية
بعد الركعتين، والقارن بتلك المنزلة، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية) (3).
قال الشيخ: ومعناه إذا قدما طوافهما وهما على إحرامهما، فكلما طافا بالتلبية،
وفي بعض الروايات: إنما يحل المفرد دون السابق، روى ذلك: يونس بن يعقوب
عمن أخبره عن أبي الحسن عليه السلام قال (ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة
أحد إلا أحل، إلا سايق الهدي) (4).
وقيل: لا يحل مفرد ولا غيره، إلا بالنية، لا بمجرد الطواف والسعي. لقوله
عليه السلام (ولكل امرئ ما نوى) (5) ويستضعف الروايات المتضمنة للإحلال من غير نية
التحلل، لا قصد العمرة، وكيف كان فتجديد التلبية أولى ما يخرج به من الخلاف.

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 5 ح 5 ص 184.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 9 ح 5.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 11.
4) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 5 ح 4.
5) سنن البيهقي ج 4 ص 235.
796

مسألة: قال علماؤنا: المفرد إذا دخل مكة جاز له فسخ حجه، وجعله عمرة
متمتع بها ولا يلب بعد طوافه، ولا بعد سعيه، لئلا ينعقد إحرامه بالتلبية، أما القارن
فلبس له العدول إلى المتعة، وزعم فقهاء الجمهور أن نقل الحج المفرد إلى التمتع
منسوخ.
لنا: ما اتفق عليه الرواية من (أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أصحابه حين دخلوا مكة
محرمين بالحج، فقال عليه السلام من لم يسق الهدي فليحل وليجعلها عمرة، فطافوا،
وسعوا، وأحلوا، وسئل عن نفسه، فقال إني سقت الهدي، ولا ينبغي لسايق الهدي
أن يحل حتى يبلغ الهدي محله) (1) وروى ذلك ومعناه جماعة منهم: جابر، وعايشة
وأسماء بنت أبي بكر. وقالت (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قدمنا مكة، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يكن معه هدي، فليحل، فأحللت وكان مع الزبير هدي،
فلم يحل فلبست ثيابي وخرجت فجلست إلى جانب الزبير، فقال قومي عني، فقلت
أتخشى أن أثب عليك) (2).
وأما النسخ الذي يدعونه فمنسوب إلى عمر، ولا يجوز ترك ما علم من النبي
صلى الله عليه وآله متواترا بالرأي، وقد رووا في الصحيح عن أبي موسى قال (كنت ممن أمر بي
رسول الله صلى الله عليه وآله أن أجعل ما أهللت به عمرة، فأحللت بعمرة، وكنت أفني بذلك
حتى قدم عمر فقلت يا أمير المؤمنين ما هذا الذي بلغني أنك أحدثت في النسك
فقال نأخذ بكتاب الله تعالى قال الله يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (3).
والجواب أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بفسخ الحج إلى العمرة في حجة الوداع، ومات
صلى الله عليه وآله على ذلك. ولا منسخ بعد موته فإذن ما ذكروه لا يجوز المصير إليه مع شهادة

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 4 ص 150.
2) سنن ابن ماجة كتاب المناسك الباب 41 - 82.
3) سورة البقرة الآية 196.
797

الصحابة أنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله. وقد روى أبو بصير عن عبد الله عليه السلام قال
(قال عليه السلام لي يا محمد أن رهطا " من أهل البصرة سألوني عن الحج، فأخبرتهم بما
صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وما أمر به، فقالوا إن عمر قد أفرد للحج، فقلت إن هذا رأي
رآه عمر وليس رأي عمر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).
مسألة: الملكي إذا بعده حج على ميقات أحرم منه، وجاز له التمتع، لما
روي ابن عباس قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الخليفة، ولأهل الشام
مهيعة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال فهن لهم، ولكل آت من
غيرهن ممن أراد الحج والعمرة) (2).
وروى إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال (سألته عن
قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيام في الإحرام من الشجرة، فأرادوا أن
يأخذوا منها إلى ذات عوق، فيحرموا منها، قال لا وهو مغضب، وقال من دخل
المدينة، فليس له أن يحرم إلا من المدينة) (3).
وأما جواز التمتع له، فيدل عليه: أنه إذا خرج عن مكة إلى مصر من الأمصار
ومر على ميقات، صار ميقاتا " له، ولحقه أحكام ذلك الميقات، ويدل على ذلك:
ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن سألته (عن رجل من أهل مكة خرج
إلى بعض الأمصار، ثم رجع فمر ببعض المواقيت، هل له أن يتمتع، قال ما أزعم
أن ذلك ليس له، والإهلال بالحج أحب إلي ورأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام قال
(نويت الحج من المدينة كيف أصنع؟ قال تمتع، قال إني مقيم بمكة وأهلي بها،
فيقول تمتع) (4):

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 3 ح 6.
2) سنن البيهقي ج 5 ص 29.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 15 ح 2.
4) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 7 ح 1.
798

مسألة: و (المجاور بمكة) إذا أراد حجة الإسلام، خرج إلى ميقات أهله
فأحرم منه، ولو تعذر خرج إلى أدنى الحل، ولو تعذر أحرم من مكة هذا إذا لم
يمض له سنتان مقيما " بها، لأنه ليس من أهل حاضري المسجد الحرام، ففرضه التمتع
كما يلزم أهل إقليمه. وقال الشافعي: لا يكلف الخروج، ويحرم من مكة.
لنا: أن فرضه لم ينتقل عن فرض إقليمه، فليزمه الإحرام من ميقاتهم، لأن
الإتيان بالإحرام الكامل ممكن منه، فإن تعذر خرج إلى خارج الحرم، لأنه ميقات
لمن تعذرت عليه المتعة، كما في حق عايشة، ولو كان الإحرام من مكة جايزا لما
كلفها النبي صلى الله عليه وآله يحمل المشقة، وينبه على ذلك: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت (برجل ترك الإحرام حتى دخل مكة، قال يرجع إلى ميقات أهل بلاده
الذي يحرمون منه فيحرم، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع
أن يخرج من الحرم، فليخرج) (1).
والمجاور إذا أقام بمكة سنتين فقد استوطنها، وانتقل فرضه إلى أهلها، وقال
في النهاية: لا ينتقل حتى يقيم ثلاثا والوجه في ذلك: أن الاستيطان الذي يطلق على
صاحبه النسبة إلى اسم ذلك المحل، مما يشتبه، إذ ليس في اللغة له تقدير، فلا بد
من تقديره شرعا "، وقد روى تقديره أهل البيت عليهم السلام في روايات، منها: رواية زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال (من أقام بمكة سنتين، فهو من أهل مكة، ولا متعة له (2)).
وعن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال (المقيم بمكة، يتمتع بالعمرة إلى الحج
إلى سنتين، فإذا جاوز سنتين كان واطنا وليس له أن يتمتع (3)).
فرع
لو كان له منزلان بمكة وناء اعتبر أغلبها عليه إقامة، فأحرم بفرض أهله، فإن تساويا

1) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 14 ح 7.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 9 ح 1 و 2.
799

يخير في التمتع وغيره، هذا كله في حجة الإسلام، لأن مع غلبة أحدهما يضعف
جانب الآخر فيسقط اعتباره، ومع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر
فيتحقق التخيير، ودل على ذلك: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت (رجل له
أهل بالعراق، وأهل بمكة قال عليه السلام ينظر أيهما الغالب عليه فهو من أهله (1)).
مسألة: لا يجب على غير المتمتع (هدي) ويكفي القارن ما ساقه، ويستحب
الأضحية، وبه قال علماؤنا، وقال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك: إذا قرن بين الحج
والعمرة لزمه دم، وقال الشافعي: يلزمه بدنة، وقال داود: لا يلزمه شئ، وحكي عن
محمد بن داود: أفتى بمذهب أبيه فجروا برجله.
لنا: إيجاب الهدي منفي بالأصل السليم عن المعارض، ولأن أكثر الأصحاب
قائلون بأن القران ليس حجا "، جمعا بين الحج والعمرة، بل هو ضم هدي إلى
الإحرام، ومن قال بذلك يلزمه القول بما قلناه، لأن الدم إنما يلزمه لفوات الإحرام
من ميقاته. وعلى ما قلنا، لا يقع الإحرام، إلا من الميقات، فلا يلزم الدم.
وينبه على انتفائه في حق المفرد: ما روى سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (من تمتع في أشهر الحج، ثم أقام. بمكة حتى يحضر الحاج فعليه شاة، ومن
تمتع في غير أشهر الحج، فليس عليه دم إنما هي حجة مفردة (2)) وما رواه معاوية
ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (ليس على المفرد هدي (3)).
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز القران بين الحج وعمرة بإحرام
واحد، ولا يدخل أفعال العمرة قط في أفعال الحج، محتجا " بإجماع الفرقة، وقال ابن
أبي عقيل والعمرة التي تجب مع الحج في حال واحدة، فالقارن وهو الذي يسوق

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 9 ح 1.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 10 ح 1.
3) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 2 ح 1.
800

الهدي في حج، أو عمرة، ويريد الحج بعد عمرته، فإنه يلزمه إقران الحج مع العمرة
ولا يحل من عمرته حتى يحل من حجه، إذا طاف طواف الزيادة، ولا يجوز قران الحج
مع العمرة، إلا لمن ساق الهدي، ولعل مستنده ما رواه الحلي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (أيما رجل قرن بين الحج والعمرة، فلا يصلح أن يسوق هديا " قد أشعره، أو قلده (1)).
وتأوله الشيخ في التهذيب بتأويل بعيد ليس بمعتمد، ودعواه الإجماع بعيد،
مع وجود الخلاف من الأصحاب وفي الأخبار المنسوبة إلى فضلاء أهل البيت عليهم السلام
ويمكن أن يحتج له بأن الإحرام ركن من الحج والعمرة، فلا يتعين، كما
لا يكون لحجين ولا لعمرتين، ولا يكون بكماله ركنا " للعمرة، كما يكون بكماله
ركنا " للحج.
فرعان
الأول.: قال في الخلاف: لو أحرم بحج وعمرة لم ينعقد إحرامه إلا بالحج
فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويجعلها متعة،
جاز ذلك، ولزمه الدم.
الثاني: قال: لا يجوز إدخال الحج على العمرة، ولا إدخال العمرة على
الحج، بل لكل واحد منهما حكم نفسه، ويجوز للمفرد أن يفسخ حجه إلى التمتع،
ولمن ضاق عليه الوقت أو منعه عذر، كالحيض والمرض أن ينقل متعته إلى الإفراد
فأما غير ذلك فلا، وقال جميع الفقهاء: يجوز إدخال الحج على العمرة، فأما إدخال
العمرة على الحج، فللشافعي قولان، أحدهما: يجوز، وبه قال أبو حنيفة، والثاني
لا يجوز، وهو الأصح عنده.
لنا: قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) (2) لو دخل على أحدهما غيره لما

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 18 ح 3.
2) سورة البقرة: الآية 196.
801

كان متما " له، ولأن بالإحرام بذلك النسك استحق أفعاله، فلا يجوز صرفها إلى غيره
ولا شركتها فيه.
المقدمة الثالثة
في المواقيت
وهي ستة لأهل المدينة (ذو الحليفة) وهو مسجد الشجرة، ولأهل الشام
(الجحفة) وهو المهيعة، ولأهل اليمن (يلملم) ولأهل الطايف (قرن المنازل) وعليه
اتفاق العلماء، ويدل عليه أيضا ": ما رواه ابن عباس قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل
المدينة ذو الحليفة، ولأهل الشام مهيعة، ولأهل اليمن يلملم) (1).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها: رواية أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام
قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل المغرب الجحفة، ولأهل
اليمن يلملم، ولأهل الطايف قرن المنازل) (2).
واتفق العلماء على أن ميقات أهل العراق (العقيق) لكن اختلفوا في وجه ثبوته
فقال الأصحاب ثبت نصا "، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وقال طاوس، وابن سيرين
ثبت قياسا "، لما روي عن ابن عمر قال (لما فتح المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير
المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وآله حد لأهل نجد قرن المنازل، وإنا إذا أردنا قرن المنازل
شق علينا، قال فانظروا حذوها، فحد لهم ذات عروق) (3).
لنا: ما رووه عن ابن عباس قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل عراق ذات عرق) (4)

1) الوسائل ح 8 أبواب المواقيت باب 4 ح 1 ص 221.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 1 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 5 ص 27.
4) سنن البيهقي ج 5 ص 28.
802

وعن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله (يهل أهل المشرق من ذات عرق) (1).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها: رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق، ولم يكن يومئذ عراق بطن العقيق،
ولأهل اليمن يلملم) (2)، وما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال
(سألته عن إحرام أهل الكوفة، وأهل خراسان، وما يليهم، وأهل الشام، وأهل مصر
من أين هو؟ قال عليه السلام أما أهل الكوفة وخراسان ومن يليهم فمن العقيق) (3).
مسألة: ذو الحليفة ميقات أهل المدينة (اختيارا ") ومع الضرورة (الجحفة)
لما روى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال (يحرم أهل المدينة من ذي
الحليفة والجحفة) (4)، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (خصال عابها
عليك أهل مكة قال وما هي؟ قالوا أحرم من ذي الحليفة ورسول الله صلى الله عليه وآله أحرم من
الشجرة، فقال عليه السلام الجحفة أحد الوقتين، فأخذت بأدناهما، وكنت عليلا) (5)، وعن
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قلت (من أين يحرم الإنسان إذا جاوز الشجرة، فقال
عليه السلام من الجحفة، ولا يجاوز الجحفة إلا محرما ") (6).
فرع
والعقيق كل جهاته ميقات، فمن أين أحرم جاز، لكن المسلخ (أفضله) وأوسطه
غمره، وأحره ذات عرق، وقد سلف ما يدل على ميقات إحرام المتمتع بالحج،

1) سنن البيهقي ج 5 ص 27.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 1 ح 2.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 1 ح 4.
4) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 1 ح 4.
5) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 6 ح 4.
6) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 6 ح 3.
803

وأنه مكة لا يجوز من غيره، لكن لو نسي جاز من طريقه ولو بعرفات.
مسألة: من كان منزله (دون الميقات) فميقاته منزله، لما روي عن علي وعبد الله
بن مسعود وعمر في قوله تعالى ((وأتموا الحج والعمرة لله) قالوا تمامها أن تحرم
بهما من دويرة أهلك) (1).
ومن طريق الأصحاب روايات، منها: رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله
قال (من كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله) (2)، وروي عن
علي عليه السلام قال (من تمام حجك أن تحرم من دويرة أهلك) (3) وقال (لو كان كما
يقولون لم يحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من الشجرة، وإنما معنى دويرة أهله من كان أهله
وراء الميقات إلى مكة) (4)، وروي عن ابن عباس قال (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله
المواقيت، فمن كان دونه فمن أهله حتى أهل مكة يهلون منها) (5)، وقد سلف:
أن من حج على طريق قوم فميقاته ميقاتهم، لا ميقات أهل إقليمه، فلا ضرورة إلى
إعادته.
مسألة: وتجرد الصبيان من فخ، قاله الشيخ، ولا ريب أنه يجوز أن يحرم
بهم من الميقات، ويجنب ما يجنبه المحرم، من طيب، ولباس، وغيره، لكن خص
في تأخر الإحرام بهم، حتى يصيروا إلى فخ، فيجردوا، ولا يتجاوز بهم فخ.
ويدل على ذلك: ما رواه معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله يقول (قدموا
من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة، أو إلى بطن حر، ثم يصنع بهم ما يصنع

1) سنن البيهقي ج 5 ص 30.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 17 ح 1.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 17 ح 4.
4) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 17 ح 4.
5) السنن للنسائي كتاب الحج الباب من كان أهله دون الميقات ص 126.
804

بالحرم، ويطاف بهم، ويسعى بهم، ومن لم يجد منهم هديا "، صام عنه وليه) (1).
والدليل على الرخصة روايات، منها: رواية أيوب بن الحر قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام (عن الصبيان أين يجردهم للإحرام؟ فقال عليه السلام كان أبي يجردهم من
فخ) (2) ومثله روى علي بن جعفر عليه السلام (3) ولأن الإحرام بالصبي ليس بلازم، بل هو
مستحب للولي، فلا يلزم الإحرام بهم من الميقات، لصعوبة التجرد مع طول المسافة.
[أحكام المواقيت]
لا يصح الإحرام قبل الميقات، إلا لناذر بشرط أن يقع في أشهر الحج، إن كان
الإحرام للحج، أو لعمرة متمتع بها، ولو كان لعمرة مفردة جاز قبل الميقات لو
خشي فوات رجب.
وهذه الجملة يشتمل مسائل:
الأولى: (أجمع الأصحاب) على أن الإحرام لا يصح قبل الميقات، أجازه
الباقون، واختلفوا في الأفضل، فقال الشافعي: الأفضل الميقات، لأن النبي صلى الله عليه وآله
أحرم منه، ولا يترك الأفضل، وقال أبو حنيفة، وللشافعي في قول آخر: الأفضل
ما بعد، لما روت أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (من أحرم بحجة أو عمرة من
المسجد الأقصى وحل منها بمكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) (4).
لنا: فعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه لا يحرم إلا من الميقات، فيجب المتابعة، لأن فعله
عليه السلام وقع امتثالا للأمر المطلق، فيكون بيانا "، ولأنه لو جاز قبله لم يكن وقتا "، بل
نهاية الوقت، ونهاية الشئ لا يعبر به عن الشئ إلا مجازا، ولأن الإحرام عبادة

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 17 ح 4.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 18 ح 2.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 18 ح 2.
4) سنن البيهقي ج 5 ص 30.
805

شرعية، موقتة بوقت شرعي، فلا يتقدم عليه، كغير الإحرام من مناسك الحج،
وكأوقات الصلاة.
ويدل على ذلك من طريق الأصحاب روايات، منها: رواية زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال (ليس لأحد أن يحرم قبل الميقات، الذي وقته رسول الله عليه السلام،
وإنما مثل ذلك من صلى في السفر أربعا "، وترك الاثنتين) (1) وروى ابن أذينة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من أحرم دون الميقات فلا إحرام له) (2).
وجواب أبي حنيفة منع الرواية ولو صحت حملت على صورتها، لئلا يبطل
معنى التوقيت، قد روي عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قال لبعض أصحابه من أين أحرمت؟
قال من الكوفة، قال عليه السلام ولم؟ قال سمعت عن بعضكم، ما بعدت الإحرام فهو أعظم
للأجر، فقال عليه السلام ما أبلغك هذا، إلا كذاب) (3).
الثانية: من أراد الإحرام بعمرة مفردة في ((رجب) وخشي تقضيه إن أخر
حتى يدرك الميقات، جاز تقديم العمرة، ليقع في رجب، وعليه (اتفاق علمائنا)
وروي ذلك إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام (عن الرجل ينوي عمرة رجب
فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أيحرم قبل الوقت، ويجعلها لرجب، أو يؤخر
الإحرام ويجعلها لشعبان؟ قال عليه السلام يحرم قبل الوقت لرجل، فإن لرجب فضلا) (4).
وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت
الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة) (5).

1) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 11 ح 5.
2) الوسائل ج 8 أبواب أقسام الحج باب 11 ح 4.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 11 ح 7.
4) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 12 ح 2.
5) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 12 ح 1.
806

فرع
لو أحرم قبل الميقات، فقتل صيدا "، أو أكل طيبا " لم يلزمه كفارة، لأنه ليس
بمحرم وعليه نص أئمتنا عليهم السلام.
الثالثة: لو نذر الإحرام بالحج من موضع معين لزم، وإن كان قبل الميقات
ويشترط وقوعه في أشهر الحج، إذا كان الإحرام لحج أو لعمرة متمتع بها، ولو
كان لمفرده وجب مطلقا، ذهب إليه الشيخان، وربما كان لمستند ما رواه علي بن
أبي حمزة البطايني، تارة يرويه عن أبي عبد الله عليه السلام، وتارة يقول كتبت إلى أبي
عبد الله عليه السلام (أسأله عن رجل جعل لله عليه أن يحرم من الكوفة، قال عليه السلام يحرم من
الكوفة) (1).
وما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم عن سماعة عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعت (يقول لو أن أنعم الله عليه نعمة، أو ابتلاه
ببلية، فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان، كان عليه أن يتم) (2).
وربما طعن في النقل بأن علي ابن أبي حمزة البطايني واقفي، وكذا سماعة، وبأن
الإحرام قبل الميقات غير جايز، ولا منعقد، فلا يتناوله النذر، لأنه نذر معصية، بالنقل
المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام.
مسألة: ولا يتجاوز الميقات إلا (محرما ") ولو تجاوزه غير محرم عاد، فإن
لم يتمكن وكان تجاوزه عامدا لم يصح حجه، وإن كان ناسيا "، أو جاهلا، أو لا يريد
النسك، عاد إن أمكن، وإن تعذر أحرم من موضعه، ولو دخل مكة خرج إلى
الميقات، وإن تعذر فإلي أدنى الحل، ومع التعذر يحرم من مكة.

1) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 13 ح 2 و 4.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 13 ح 2 و 4.
807

وهنا بحوث
الأول ألا يجاوز الميقات إلا محرما "، لأنه وقت العبادة، فلا يجوز الإخلال
به، وعليه اتفاق العلماء، لأنه لو جاز الإحرام قبله وبعده لبطلت فائدة التوقيت،
ويؤيد ذلك: ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال (من تمام الحج
والعمرة، أن يحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا تجاوزها إلا وأنت
محرم) (1).
الثاني: لو ترك الإحرام (عامدا ") عاد إلى الميقات، وأحرم منه، ولو
لم يتمكن فلا حج له، وبه قال الشيخ، وقال في المبسوط: وقيل تجزي. لنا: أنه
ترك الإحرام عامدا " مع القدرة، فلا يصح حجة، كما لو ترك الوقوف بعرفة.
فرع
لو أحرم، ثم عاد إلى الميقات، لم تجز ما لم يجد الإحرام، لأن إحرامه الأول
غير منعقد، فجرى مجرى المحل إذا أمر به.
الثالث: لو تجاوزه، ناسيا "، أو جاهلا، أو لا يريد النسك وجب أن يعود،
وينشئ الإحرام، لأنه متمكن من الإتيان بالنسك على الوجه التام فيجب، ولو أحرم
من دونه والحال هذه لما يجزيه، ولو منعه مانع من العود، أجزاه الإحرام من
موضعه إجماعا "، كما لو منعه مرض، أو عدو وهو بالميقات، فإنه يؤخر الإحرام،
وكما لو منع من المرور بالميقات، وكذا لو خشي ضيق الوقت وجب أن يخرج إلى
أدنى الحل فيحرم. ولو خشي أو منعه مانع أحرم من موضعه ولو بمكة، روى ذلك
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته (عن رجل أمر بالميقات الذي يحرم
لناس منه فنسي أو جهل، فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف أن يرجع إلى الوقت

1) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 16 ح 1 ص 241.
808

فيفوته الحج، قال عليه السلام يخرج من الحرم فيحرم منه ويجزيه ذلك (1)).
وما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته (عن الرجل ترك الإحرام
حتى دخل الحرم، قال عليه السلام يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه، فيحرم
وإن خشي أن يفوته الحج، فليحرم من مكانه، وإن استطاع أن يخرج من الحرم
فليخرج (2)).
فرع
من أسلم بعد تجاوزه الميقات وجب عليه الحج، أو كانت الاستطاعة موجودة
وهو بالميقات، لزمه الرجوع إلى الميقات، مع التمكن، وإلا أحرم من موضعه،
ولا دم عليه وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يلزم دم. لنا: أنه لم يحصل منه
إخلال يترتب به عليه العقوبة، فلا يجب عليه جبره.
فرع آخر
من منه مانع عند الميقات، فإن كان عقله ثابتا " عقد الإحرام بقلبه، ولو زال
عقله بإغماء وشبهة سقط عند الحج. ولو أحرم عنه رجل. جاز ولو آخر وزال المانع
عاد إلى الميقات إن تمكن: وإلا أحرم من موضعه.
ودل على جواز الإحرام عنه: ما رواه جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما
(إني مريض أغمي عليه، فلم يعقل حتى أتى الموقف، قال عليه السلام يحرم عنه رجل (3)
والذي يقتضيه الأصل إن أحرم الولي جايز، لكن لا يجزي عن حجة الإسلام، لسقوط
الفرض بزوال عقله، نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأ إلا أن يضيق الوقت عن أحد

1) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 14 ح 2 ص 238.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 14 ح 7 ص 239.
809

الموقفين.
مسألة: لو نسي الإحرام حتى أكمل مناسكه، قال الشيخ: صح حجه. وأنكر
بعض المتأخرين. لنا: أنه فات نسيانا فلا يفسد به الحج، كما لو نسي الطواف،
ولقوله عليه السلام (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) (1) ولأنه مع استمرار النسيان يكون
مأمورا " بإيقاع بقية الأركان، والأمر يقتضي الإجزاء.
ويؤيد ذلك: ما روى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال سألته
(عن رجل كان متمتعا " خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج، حتى
رجع إلى بلده ما حاله؟ قال عليه السلام إذا قضى المناسك كلها فقدتم حجه (2)). وروي
جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام في رجل نسي أن يحرم، أو جهل
وقد شهد المناسك كلها. وطاف. وسعى قال عليه السلام يجزيه إذا كان قد نوى ذلك.
وقد تم حجه. وإن لم يهل (3)).
واحتج المنكر بقوله عليه السلام (إنما الأعمال بالنيات (4) ولست أدري كيف يحل
له هذا الاستدلال؟ وكيف يوجبه؟ فإن كان يقول بالإحرام (إخلال) في بقية المناسك
فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا " أنه أحرم أو جاهلا
بالإحرام، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك فلا وجه لما قاله.
[تم الكتاب بعون الملك الوهاب]

1) سنن ابن ماجة كتاب الطلاق باب 16.
2) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 20 ح 2 ص 245.
3) الوسائل ج 8 أبواب المواقيت باب 20 ح 1 ص 245.
4) الوسائل ج 7 أبواب وجوب الصوم ونيته باب 2 ح 11 ص 7.
810