الكتاب: تذكرة الفقهاء (ط.ج)
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ١٣
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الثاني ١٤٢٣
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٣-٧ (٢٠ Vols.)

136
تذكرة الفقهاء
تأليف
العلامة الحلي
الحسن بن يوسف بن المطهر
المتوفى سنة 726 ه‍
الجزء الثالث عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
1

BP العلامة الحلي الحسن بن يوسف 648 - 726 ق
182 تذكرة الفقهاء / تأليف العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر،
4 ت 8 ع / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث. - قم: مؤسسة آل البيت
1374 عليهم السلام لاحياء التراث، 1416 ق = 1374 ش.
20 ج، نموذج
المصادر بالهوامش.
1. الفقه الجعفري - القرن 8. ألف. مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لاحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 7 - 33 - 5503 - 694 احتمالا 20 جزءا
ISBN 964 - 5503 - 33 - 7 / 20 VOLS.
شابك (ردمك) 5 - 224 - 319 - 694 / ج 13
ISBN 964 - 319 - 389 - 6 / VOL. 13
الكتاب: تذكرة الفقهاء / ج 13
المؤلف: العلامة الحلي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث - قم
التصوير الفني (الزينگغراف): تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - ربيع الثاني - 1423 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 9500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لاحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لاحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37158 - هاتف 4 - 7730001
4

تنبيه
بعد الانتهاء من تحقيق المجلد الثاني عشر من كتاب تذكرة الفقهاء
وجدنا ثلاث نسخ خطية أخرى بخط النسخ من الكتاب محفوظة في مركز
إحياء التراث الإسلامي، اعتمدناها في عملنا التحقيقي من المجلد الثالث عشر، وهي كما يلي:
1 - نسخة برقم 615، وتشتمل على الجزء الثامن من كتاب الديون
إلى نهاية الجزء الحادي عشر، ويعود تأريخ نسخها إلى شهر ذي القعدة من
سنة 1257 ه‍، وقد رمزنا لها بحرف " ث ".
2 - نسخة برقم 794، وتشتمل على الجزء التاسع من بداية الرهن إلى الجزء الرابع عشر نهاية كتاب الوصايا، وتأريخ نسخها أواخر شعبان من سنة 1264 ه‍، وقد رمزنا لها بحرف " ر ".
3 - نسخة برقم 247، وتشتمل على الجزء الثاني عشر من كتاب الإجارة إلى نهاية الكتاب، وهي مباحث كتاب النكاح، ويعود تأريخ نسخها إلى سنة 970 ه‍، وقد رمزنا لها بحرف " ص ".
وإذ نجدد الشكر إلى كل من ساهم في تحقيق هذا الكتاب والذي ذكرت أسماؤهم في مقدمة التحقيق لا بد من الإشادة بجهود الأخ الفاضل حكمت حكيمي؛ لمساهمته في تحقيق الأجزاء الأخيرة من الكتاب، سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا لمراضيه، والحمد لله رب العالمين.
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
5

كتاب الديون وتوابعها
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: في الديون وأحكامها.
وفيه فصول:
الأول: في مطلق الدين
مسألة 1: تكره الاستدانة كراهة شديدة مع عدم الحاجة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار ومهمة (1)
بالليل، وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة " (2).
وقال الصادق (عليه السلام): " نعوذ بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال وبوار
الأيم (3) " (4).

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " ومذلة " بدل " ومهمة " وما أثبتناه من المصدر. وهمه
الأمر هما ومهمة: حزنه، كأهمه فاهتم. القاموس المحيط 4: 192.
(2) الكافي 5: 95 / 11، الفقيه 3: 111 / 468، علل الشرائع 527 (الباب 312) ح 2.
(3) أي: كسادها، من بارت السوق إذا كسدت، والأيم: التي لا زوج لها وهي مع
ذلك لا يرغب فيها أحد. النهاية - لابن الأثير - 1: 161 " بور ".
(4) التهذيب 6: 183 / 377.
7

وقال معاوية بن وهب للصادق (عليه السلام): إنه ذكر لنا أن رجلا من الأنصار
مات وعليه ديناران فلم يصل النبي (صلى الله عليه وآله) عليه وقال: " صلوا على صاحبكم "
حتى ضمنهما بعض قرابته، فقال الصادق (عليه السلام): " ذلك الحق " ثم قال: " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما فعل ذلك ليتعظوا، وليرد بعضهم على بعض،
ولئلا يستخفوا بالدين، وقد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه دين، ومات
الحسن (عليه السلام) وعليه دين، وقتل الحسين (عليه السلام) وعليه دين " (1).
وقال الباقر (عليه السلام): " كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عز وجل إلا
الدين لا كفارة له إلا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحق " (2).
مسألة 2: وتخف الكراهة مع الحاجة، فإن اشتدت، زالت.
ولو خاف التلف ولا وجه له إلا الاستدانة، وجبت.
قال الرضا (عليه السلام): " من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على عياله
ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، فإن غلب عليه فليستدن على
الله عز وجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه، كان
على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه، كان عليه وزره، إن الله تعالى يقول:
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم
وفي الرقاب والغارمين) (3) فهو فقير مسكين مغرم " (4).
مسألة 3: ويكره له الانقطاع عن طلب الرزق ومنع صاحب الدين دينه.
قال أبو تمامة (5) للجواد (عليه السلام): إني أريد أن ألزم مكة والمدينة وعلي

(1) الكافي 5: 93 / 2، التهذيب 6: 183 - 184 / 378.
(2) الكافي 5: 94 / 6، الخصال: 12 / 42، علل الشرائع: 528 (الباب 312) ح 4،
التهذيب 6: 184 / 380.
(3) التوبة: 60.
(4) الكافي 5: 93 / 3، التهذيب 6: 184 / 381.
(5) في الفقيه: " أبو ثمامة " بالثاء المثلثة.
8

دين فما تقول؟ فقال: " ارجع إلى مؤدي دينك، وانظر أن تلقى الله عز
وجل وليس عليك دين، إن المؤمن لا يخون " (1).
مسألة 4: ولو احتاج إلى الدين وكان له من يقوم مقامه في الأداء
بعد موته، جاز له الاستدانة من غير كراهية.
وكذا إذا كان له وفاء، جاز له الاستدانة.
ولو لم يكن وتمكن من سؤال الناس، كان أولى من الاستدانة.
قال سلمة: سألت الصادق (عليه السلام): الرجل منا يكون عنده الشيء يتبلغ
به وعليه دين، أيطعمه عياله حتى يأتي الله عز وجل أمره فيقضي دينه، أو
يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب، أو يقبل الصدقة؟
قال: " يقضي مما عنده دينه، ولا يأكل أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي
إليهم حقوقهم، إن الله تعالى يقول: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا
أن تكون تجارة عن تراض منكم) (2) ولا يستقرض على ظهره إلا وعنده
وفاء، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين والتمرة
والتمرتين إلا أن يكون له ولي يقضي من بعده، ليس منا من يموت إلا
جعل الله عز وجل له وليا يقوم في عدته ودينه فيقضي عدته ودينه " (3).
مسألة 5: ويجب على المستدين نية القضاء؛ لأنه واجب.
قال الصادق (عليه السلام): " من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله
عز وجل حافظان يعينانه على الأداء عن أمامه (4)، فإن قصرت (5) نيته عن

(1) الكافي 5: 94 / 9، الفقيه 3: 111 - 112 / 472، التهذيب 6: 184 - 185 / 382.
(2) النساء: 29.
(3) التهذيب 6: 185 / 383، الكافي 5: 95 - 96 / 2، وفيه عن سماعة، وبتفاوت
في بعض الألفاظ فيهما.
(4) في المصادر: " أمانته " بدل " أمامه ".
(5) في " س " والتهذيب: " قصر ".
9

الأداء قصرا عنه من المعونة بقدر ما نقص من نيته " (1).
إذا ثبت هذا، فإذا قضي الدين عن الميت برئت ذمته.
قال الوليد بن صبيح: جاء رجل إلى الصادق (عليه السلام) يدعي على المعلى
ابن خنيس دينا عليه وقال: ذهب بحقي، فقال له الصادق (عليه السلام): " ذهب
بحقك الذي قتله " ثم قال للوليد: " قم إلى الرجل فاقضه حقه فإني أريد أن
تبرد عليه جلدته (2) وإن كان باردا " (3).
مسألة 6: ويكره النزول على المديون؛ لما فيه من الإضرار به، فإن
فعل، فلا يزيد على ثلاثة أيام؛ لأن الصادق (عليه السلام) كره أن ينزل الرجل على
الرجل وله عليه دين وإن كان وزنها (4) له إلا ثلاثة أيام (5).
وسأل سماعة الصادق (عليه السلام) عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه
دين أيأكل من طعامه؟ قال: " نعم، يأكل من طعامه ثلاثة أيام ثم لا يأكل
بعد ذلك شيئا " (6).
وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه كره للرجل أن ينزل
على غريمه، قال: " لا يأكل من طعامه ولا يشرب من شرابه ولا يعلف (7)
من علفه " (8).

(1) الكافي 5: 95 / 1، الفقيه 3: 112 / 473، التهذيب 6: 185 / 384.
(2) في المصدر: " جلده ".
(3) الكافي 5: 94 / 8، التهذيب 6: 186 / 386 بتفاوت يسير.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " بديها " بدل " وزنها " وفي الكافي " صرها ". وما
أثبتناه من التهذيب.
(5) التهذيب 6: 188 / 393، الكافي 5: 102 (باب النزول على الغريم) ح 1.
(6) الكافي 5: 102 (باب النزول على الغريم) ح 2، الفقيه 3: 115 / 491، التهذيب
6: 204 / 463.
(7) كذا، وفي المصدر: " ولا يعتلف ".
(8) التهذيب 6: 204 / 465.
10

مسألة 7: ولا ينبغي للرجل أن يحبس الدين عن صاحبه مخافة
الفقر؛ لقول الباقر (عليه السلام): " من حبس حق امرئ مسلم وهو يقدر أن يعطيه
إياه مخافة إن خرج ذلك الحق من يديه أن يفتقر كان الله أقدر على أن
يفقره منه أن يغني نفسه بحبس ذلك الحق " (1).
وينبغي للمديون السعي في قضاء الدين، وأن يترك الإسراف في
النفقة، وأن يقنع بالقصد، ولا يجب عليه أن يضيق على نفسه، بل يكون
بين ذلك قواما.
ويستحب لصاحب الدين الإرفاق بالمديون، وترك الاستقضاء في
مطالبته ومحاسبته؛ لما رواه حماد بن عثمان قال: دخل على الصادق (عليه السلام)
رجل من أصحابه فشكا إليه رجلا من أصحابه، فلم يلبث أن جاء المشكو،
فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): " ما لأخيك فلان يشكوك؟ " فقال له: يشكوني أن
استقضيت حقي، قال: فجلس مغضبا ثم قال: " كأنك إذا استقضيت حقك
لم تسىء، أرأيتك ما حكاه الله تعالى فقال: (يخافون سوء الحساب) (2)
إنما خافوا أن يجور الله عليهم؟ لا والله ما خافوا إلا الاستقضاء، فسماه الله
تعالى سوء الحساب، فمن استقضى فقد أساء " (3).
ويستحب لصاحب الدين إبراء المديون إذا مات معسرا.
قال إبراهيم (4) بن عبد الحميد للصادق (عليه السلام): إن لعبد الرحمن بن سيابة
دينا على رجل قد مات وكلمناه على أن يحلله فأبى، قال: " ويحه أما يعلم أن

(1) التهذيب 6: 189 / 399.
(2) الرعد: 21.
(3) التهذيب 6: 194 / 425.
(4) في النسخ الخطية والحجرية بدل " إبراهيم ": " أبو تميم ". وهي تصحيف.
والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
11

له بكل درهم عشرة إذا حلله، فإن لم يحلله فإنما له بدل درهم درهم (1) " (2).
وينبغي لصاحب الدين احتساب ما يهديه إليه المديون - مما لم تجر
عادته بهدية مثله له - من الدين؛ لأن رجلا أتى عليا (عليه السلام)، قال: إن لي على
رجل دينا فأهدى إلي، قال: قال: " احسبه من دينك " (3).
مسألة 8: لو التجأ المديون إلى الحرم، لم تجز مطالبته فيه، بل
يضيق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج ويطالب حينئذ، وكذا إن
وجب عليه حد فالتجأ إليه؛ لقوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) (4).
ولأن سماعة بن مهران سأل الصادق (عليه السلام): عن رجل لي عليه مال
فغاب عني زمانا فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقاضاه؟ قال: قال: " لا تسلم
عليه (5) ولا تروعه حتى يخرج من الحرم " (6).
أما لو استدان فيه، فالوجه: جواز المطالبة فيه، كالحدود.
ولو غاب المديون، قضى عنه وكيله إن كان له وكيل، وإلا قضاه الحاكم؛
لما رواه محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال: " الغائب يقضى عنه إذا قامت
البينة عليه، ويباع ماله ويقضى عنه وهو غائب، ويكون الغائب على حجته
إذا قدم، ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا " (7).

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " بدرهم " بدل " درهم ". وما أثبتناه كما في
المصدر.
(2) التهذيب 6: 195 / 427.
(3) الكافي 5: 103 (باب هدية الغريم) ح 1، التهذيب 6: 190 / 404، الاستبصار
3: 9 / 23.
(4) آل عمران: 97.
(5) في " ي ": " لا، ولا تسلم عليه " وكذا في الكافي بدون حرف الواو.
(6) الكافي 4: 241 (باب في من رأى غريمه في الحرم) ح 1، التهذيب 6:
194 / 423.
(7) الكافي 5: 102 (باب إذا التوى الذي...) ح 2، التهذيب 6: 191 / 413.
12

الفصل الثاني: في القضاء
مسألة 9: يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدين، ولا يحل
تأخيره مع حلوله وتمكنه من الأداء ومطالبة صاحب الدين، فإن أخر
والحال هذه، كان عاصيا، ووجب على الحاكم حبسه؛ لأن الصادق (عليه السلام)
قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر
فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فقسمه بينهم، يعني ماله " (1).
إذا ثبت هذا، فلو أصر على الالتواء، كان فاسقا لا تقبل شهادته،
ولا تصح صلاته في أول الوقت، بل إذا تضيق، ولا يصح منه فعل شيء من
الواجبات الموسعة المنافية للقضاء في أول أوقاتها، وكذا غير الديون من
الحقوق الواجبة كالزكاة والخمس وإن لم يطالب بها الحاكم؛ لأن أربابها في
العادة مطالبون.
مسألة 10: لو مات المديون ولم يتمكن من القضاء ولم يخلف شيئا
ألبتة، لم يكن معاقبا إذا لم ينفقه في المعصية وكان في عزمه القضاء. ولو
أنفقه في المعصية أو لم يكن في عزمه القضاء، كان مأثوما.
قال عبد الغفار الجازي: سألت الصادق (عليه السلام): عن رجل مات وعليه
دين، قال: " إن كان على بدنه أنفقه من غير فساد، لم يؤاخذه الله عز وجل
إذا علم من نيته الأداء إلا من كان لا يريد أن يؤدي عن أمانته فهو بمنزلة

(1) الكافي 5: 102 (باب إذا التوى الذي...) ح 1، التهذيب 6: 191 / 412،
الاستبصار 3: 7 / 15.
13

السارق، وكذلك الزكاة أيضا، وكذلك من استحل أن يذهب بمهور
النساء " (1).
مسألة 11: إذا طولب المديون بالدين الحال أو المؤجل بعد حلوله
وكان متمكنا من القضاء، وجب عليه، ويجب عليه دفع جميع ما يملكه،
عدا دار السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب وقوت يوم وليلة له ولعياله.
ولا يجوز بيع دار السكنى عند علمائنا أجمع - خلافا للعامة (2) - لأن
في ذلك إضرارا بالمديون؛ إذ لا بد له من مسكن، فإن الإنسان مدني بالطبع
لا يمكنه أن يعيش بغير مسكن، فأشبه النفقة التي تقدم على الدين.
وقال زرارة للصادق (عليه السلام): إن لي على رجل دينا قد أراد أن يبيع داره
فيعطيني، قال: فقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): " أعيذك بالله أن تخرجه من
ظل رأسه، أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه " (3).
وروى إبراهيم بن هاشم أن محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا
فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة آلف درهم فباع دارا له كان
يسكنها بعشرة آلف درهم، وحمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن
أبي عمير فقال: ما هذا؟ قال: هذا مالك الذي لك علي، قال: ورثته؟ قال:
لا، قال: وهب لك؟ قال: لا، قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال: لا،
قال: فما هو؟ قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني، فقال محمد بن
أبي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " لا يخرج

(1) التهذيب 6: 191 / 411.
(2) مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 6: 328، التهذيب - للبغوي - 4: 106،
العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380، المغني 4: 537، الشرح
الكبير 4: 536.
(3) التهذيب 6: 187 / 390، الاستبصار 3: 6 / 13.
14

الرجل عن مسقط رأسه بالدين " ارفعها فلا حاجة لي فيها، والله إني
لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، وما يدخل ملكي منها درهم
واحد (1).
وفي وجه لبعض الشافعية (2) مثل ما قلناه.
ثم اعترض العامة على أنفسهم بأن من وجبت عليه الكفارة لا يباع
عليه مسكنه وخادمه، فما الفرق؟
وأجابوا بأن حقوق الله تعالى وجبت على سبيل المساهلة والرفق،
وحقوق الآدميين على سبيل المشاحة. ولأن الكفارة لها بدل ينتقل إليه،
والدين بخلافه. ولأن حقوق الله تعالى لم تجب على سبيل المعاوضة،
وحقوق الآدميين وجبت (3) على سبيل المعاوضة، فكانت آكد، ولهذا لو
وجب حق الله تعالى على سبيل العوض مثل أن يتلف شيئا من الزكاة، فإنه
يباع فيه مسكنه، ولهذا يباع مسكنه في نفقة الزوجة دون نفقة الأقارب (4).
وهو ممنوع، ولهذا جوزنا له أخذ الزكاة مع المسكن والخادم، فكان
في حكم الفقير.
مسألة 12: ولو كانت دار غلة، جاز بيعها في الدين كغيرها من
أمواله؛ إذ لا سكنى فيها.
وقال مسعدة بن صدقة: سمعت الصادق (عليه السلام) وسئل عن رجل عليه
دين وله نصيب في دار وهي تغل غلة فربما بلغت غلتها قوته وربما لم تبلغ

(1) الفقيه 3: 117 - 118 / 501، التهذيب 6: 198 / 441.
(2) الحاوي الكبير 6: 328، العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380.
(3) في " ي ": " تجب " بدل " وجبت ".
(4) راجع: الحاوي الكبير 6: 328، والتهذيب - للبغوي - 4: 106، والعزيز شرح
الوجيز 5: 22.
15

حتى يستدين، فإن هو باع الدار وقضى دينه بقي لا دار له، فقال: " إن كان
في داره ما يقضي به دينه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار، وإلا
فلا " (1).
مسألة 13: وكذا لا يباع خادمه إذا كان من أهل الاخدام؛ للحاجة
إليه - خلافا للعامة (2) - لما قلناه في الدار.
ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا تباع الدار
ولا الجارية في الدين، وذلك أنه لا بد للرجل من ظل يسكنه وخادم
يخدمه " (3).
وفيه وجه للشافعية: أنه لا يباع إذا كان لائقا به (4)، كما اخترناه.
وفي وجه آخر: أنه يباع هو والمسكن (5)، كما قلناه.
وثالث: أنه يباع الخادم دون المسكن (6).
وكذا لا يباع عليه فرس الركوب.
ولو كان له خادمان، بيع أحدهما؛ لاندفاع الضرورة بالآخر.
وكذا لو كان في دار سكناه فضلة يستغني عنها، وجب بيع تلك
الفضلة؛ لعدم الضرورة إليها، ولحديث مسعدة، وقد سبق (7).
ولا يكلف بيع داره وشراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته. وكذا

(1) التهذيب 6: 198 / 440، الاستبصار 3: 7 / 16.
(2) مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 6: 328، التهذيب - للبغوي - 4: 106،
العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380.
(3) الكافي 5: 96 / 3، التهذيب 6: 186 / 387، الاستبصار 3: 6 / 12.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380.
(5) مختصر المزني: 104، الحاوي الكبير 6: 328، التهذيب - للبغوي - 4: 106،
العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380، منهاج الطالبين: 121.
(6) العزيز شرح الوجيز 5: 22، روضة الطالبين 3: 380.
(7) في ص 15 - 16، صدر المسألة 12.
16

لا يكلف بيع خادمه وشراء أدون، ولا بيع فرسه وشراء أدون؛ للأصل،
وعموم النهي عن بيع هذه الأشياء.
قال ابن بابويه: كان شيخنا محمد بن الحسن يروي أنه إذا كانت الدار
واسعة يكتفي صاحبها ببعضها، فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه،
ويقضي ببعضها دينه، وكذا إن كفته دار بدون ثمنها، باعها واشترى من
ثمنها دارا يسكنها، ويقضي بباقي الثمن دينه (1).
نعم، لو كانت دار السكنى وعبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه
الذي يلبسه رهنا، جاز بيعه، كما أنه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره، جاز
قبض ثمنه، كذا هنا.
مسألة 14: إذا غاب صاحب الدين، وجب على المديون نية القضاء
إذا وجده، وأن يعزل دينه عند وفاته أو يوصي به ليوصل إلى مالكه إن وجد
أو إلى وارثه.
ولو جهله، اجتهد في طلبه، فإن أيس منه، قيل: يتصدق به عنه (2).
وإذا علم الله تعالى منه نية الأداء، لم يكن عليه إثم؛ لما رواه زرارة
قال: سألت الباقر (عليه السلام) [عن] (3) الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على
صاحبه ولا على ولي له ولا يدري بأي أرض هو، قال: " لا جناح عليه بعد
أن يعلم الله تعالى منه أن نيته الأداء " (4).

(1) الفقيه 3: 118 / 502.
(2) قال به الشيخ الطوسي في النهاية: 307.
(3) ما بين المعقوفين من المصدر.
(4) التهذيب 6: 188 / 395.
17

وسئل الصادق (عليه السلام) عن رجل كان له على رجل حق ففقد ولا يدري
أحي هو أم ميت ولا يعرف له وارث ولا نسيب (1) ولا بلد، قال: " اطلبه "
قال: إن ذلك قد طال فأصدق به؟ قال: " اطلبه " (2).
وهذه الرواية صحيحة السند، وهي تدل من حيث المفهوم على منع
الصدقة، ووجوب الطلب دائما.
ولو كفل الولي حال موت المديون المال، سقط عن ذمة المديون مع
رضا الغرماء؛ لرواية إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يكون
عليه دين فحضره (3) الموت فيقول وليه: علي دينك، قال: " يبرئه ذلك وإن
لم يوفه وليه من بعده " وقال: " أرجو أن لا يأثم، وإنما إثمه على الذي
يحبسه " (4).
وفي الصحيح عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه
ضامن للغرماء، فقال: " إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت " (5).
مسألة 15: لا تحل مطالبة المعسر ولا حبسه ولا ملازمته، عند
علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك (6) - لقوله تعالى: (وإن كان ذو

(1) في المصدر: " نسب ".
(2) التهذيب 6: 188 / 396.
(3) في " ث، س " والطبعة الحجرية: " فيحضره ".
(4) التهذيب 6: 188 / 397.
(5) الكافي 5: 99 (باب أنه إذا مات الرجل حل دينه) ح 2، الفقيه 3: 116 / 497،
التهذيب 6: 187 / 392.
(6) الحاوي الكبير 6: 332، حلية العلماء 4: 483، التهذيب - للبغوي - 4: 116،
العزيز شرح الوجيز 5: 26، روضة الطالبين 3: 372، المغني 4: 543، الشرح
الكبير 4: 500، المعونة 2: 1183، الذخيرة 8: 159، التلقين 2: 429.
18

عسرة فنظرة إلى ميسرة) (1).
ولقول الباقر (عليه السلام): " إن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا تبين له
إفلاس وحاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالا " (2).
ولأن من ليس له مطالبته ليس له ملازمته، كما لو كان دينه مؤجلا.
وقال أبو حنيفة: إذا ثبت إعساره وخلاه الحاكم، كان للغرماء
ملازمته، إلا أنهم لا يمنعونه من الاكتساب، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم
في الدخول، دخلوا معه، وإن لم يأذن لهم، منعوه من الدخول؛ لقول
النبي (صلى الله عليه وآله): " لصاحب الحق اليد واللسان " (3) ويريد باليد الملازمة (4).
وهو محمول على الموسر؛ لما تقدم.
إذا تقرر هذا، فإن طولب المعسر وخاف الحبس أو الإلزام إن
اعترف، جاز له الإنكار للدين والحلف على انتفائه، ويجب عليه التورية،
ونية القضاء مع المكنة.
مسألة 16: لو استدانت الزوجة النفقة الواجبة، وجب على الزوج
دفع عوضه؛ لأنه في الحقيقة دين عليه.
ولما رواه الباقر (عليه السلام) قال: " قال علي (عليه السلام): المرأة تستدين على
زوجها وهو غائب، فقال: يقضي عنها ما استدانت بالمعروف " (5).

(1) البقرة: 280.
(2) التهذيب 6: 299 / 834، الاستبصار 3: 47 / 156.
(3) الكامل - لابن عدي - 6: 2281.
(4) بدائع الصنائع 7: 173، الهداية - للمرغيناني - 3: 286، المعونة 2: 1183،
الذخيرة 8: 159، حلية العلماء 4: 483، التهذيب - للبغوي - 4: 116، العزيز
شرح الوجيز 5: 26، المغني 4: 543، الشرح الكبير 4: 500.
(5) التهذيب 6: 194 - 195 / 426.
19

مسألة 17: لا تصح المضاربة بالدين إلا بعد قبضه؛ لعدم تعينه قبل
القبض.
ولما رواه الباقر عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) في رجل يكون له مال على
رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له: هو عندك مضاربة،
فقال: " لا يصلح حتى يقبضه منه " (1).
إذا ثبت هذا، فلو فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل،
وإلا فللمالك، وعليه الأجرة.
مسألة 18: لا يجوز بيع الدين بالدين؛ لما روي عن الصادق (عليه السلام)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا يباع الدين بالدين " (2).
ويجوز بيعه بغير الدين على من هو عليه وعلى غيره من الناس بأكثر
مما عليه وبأقل وبمساو إلا في الربوي، فتشترط المساواة؛ لأن نهيه (عليه السلام) عن
بيعه بالدين يدل من حيث المفهوم على تسويغه بغيره مطلقا.
وكذا يجوز بيعه نقدا، ويكره نسيئة. قاله الشيخ (3) (رحمه الله).
فإن دفع المديون إلى المشتري، وإلا كان له الرجوع على البائع
بالدرك؛ لوجوب التسليم عليه.
قال الشيخ (رحمه الله): لو باع الدين بأقل مما له على المديون، لم يلزم
المديون أكثر مما وزن المشتري من المال (4)؛ لما رواه أبو حمزة عن
الباقر (عليه السلام) أنه سئل عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشترى منه

(1) الكافي 5: 240 / 4، الفقيه 3: 144 / 634، التهذيب 6: 195 / 428.
(2) الكافي 5: 100 (باب بيع الدين بالدين) ح 1، التهذيب 6: 189 / 400.
(3) النهاية: 310.
(4) النهاية: 311.
20

بعرض ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال له: أعطني ما لفلان عليك فإني
قد اشتريته منه، فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال الباقر (عليه السلام): " يرد
عليه الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشتراه به [من] (1) الرجل الذي
عليه (2) الدين " (3).
وهو مع ضعف سنده غير صريح فيما ادعاه الشيخ؛ لجواز أن يكون
المدفوع مساويا.
وأيضا يحتمل أن يكون ربويا، ويكون قد اشتراه بأقل، فيبطل
الشراء، ويكون الدفع جائزا بالإذن المطلق المندرج تحت البيع.
إذا ثبت هذا، فالواجب على المديون دفع جميع ما عليه إلى
المشتري مع صحة البيع.
مسألة 19: أول ما يبدأ به من التركة الكفن (4) من صلب المال، فإن
فضل شيء، صرف في الدين من الأصل أيضا، فإن فضل شيء أو لم يكن
دين، صرف في الوصية من الثلث إن لم يجز الورثة، فإن أجازت، نفذت
من الأصل. ثم من بعد الوصية الميراث؛ لقوله تعالى: (من بعد وصية
يوصى بها أو دين) (5) جعل الميراث مترتبا عليهما.
وروى السكوني عن الصادق عن الباقر (عليهما السلام)، قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): أول ما يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) في التهذيب: " الذي له عليه ". وفي الكافي: " الذي له الدين ".
(3) التهذيب 6: 189 / 401، الكافي 5: 100 (باب بيع الدين بالدين) ح 2، وفيه
السائل هو أبو حمزة.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " بالكفن ". والصحيح ما أثبتناه، وفي " ث ": " ما يبدأ من
التركة بالكفن ".
(5) النساء: 11.
21

الميراث " (1).
إذا ثبت هذا، فإن تبرع إنسان بكفنه، كان ما تركه في الدين مع قصور
التركة؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن رجل
مات وعليه دين بقدر كفنه، قال: " يكفن بما ترك إلا أن يتجر عليه إنسان
فيكفنه، ويقضى بما ترك دينه " (2).
مسألة 20: يجوز اقتضاء الدين والجزية من الذمي إذا باع خمرا أو
خنزيرا على مثله من ذلك الثمن؛ لأنه مباح عندهم وقد أمرنا أن نقرهم
على أحكامهم.
ولما رواه داود بن سرحان - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال:
سألته عن رجل كانت له على رجل دراهم فباع بها (3) خنازير أو خمرا وهو
ينظر، فقضاه، قال: " لا بأس، أما للمقضي فحلال، وأما للبائع فحرام " (4).
إذا ثبت هذا، فلو كان البائع مسلما، لم يحل أخذ الثمن؛ لبطلان
البيع حينئذ، سواء كان المشتري مسلما أو كافرا، وسواء وكل المسلم الكافر
في مباشرة البيع أو الشراء وعلى كل حال.
مسألة 21: لا تصح قسمة الدين؛ لعدم تعينه، فلو اقتسم الشريكان
ما في الذمم، لم تصح القسمة، وكان الحاصل لهما، والتالف منهما؛ لما
رواه الباقر عن علي (عليهما السلام) في رجلين بينهما مال، منه بأيديهما، ومنه غائب
عنهما، اقتسما الذي في أيديهما، واحتال كل منهما بنصيبه، فاقتضى

(1) التهذيب 6: 188 - 189 / 398.
(2) التهذيب 6: 187 / 391.
(3) كلمة " بها " لم ترد في المصدر.
(4) التهذيب 6: 195 / 429.
22

أحدهما ولم يقتض الآخر، قال: " ما اقتضى أحدهما فهو بينهما،
وما يذهب بينهما (1) " (2).
إذا ثبت هذا، فإن احتال كل منهما بحصته على مديون من المديونين
بإذن شريكه وفعل الآخر مع المديون الآخر ذلك، صح، ولم يكن ذلك
قسمة، على أن في ذلك عندي إشكالا أيضا؛ لأن الحوالة هنا ليست بمال
مستحق على المحيل.
مسألة 22: أرزاق السلطان لا يصح بيعها إلا بعد قبضها، وكذا السهم
من الزكاة والخمس؛ لعدم تعينها.
وهل يجوز بيع الدين قبل حلوله؟ الوجه عندي: الجواز، ولا يجب
على المديون دفعه إلا في الأجل.
ويجوز بيعه بعد حلوله على من هو عليه وعلى غيره بحاضر أو
مضمون حال، لا بمؤجل.
ولو قيل بجوازه كالمضمون، أو بمنعه بالمضمون، كان وجها.
ولو أسقط المديون أجل الدين عليه، لم يسقط، وليس لصاحبه
المطالبة في الحال. ويجوز دفعه قبل الأجل مع إسقاط بعضه؛ لأنه يكون
إبراء، وبغير إسقاط إن رضي صاحبه، ولا يجوز تأخيره بزيادة فيه؛ لأنه
يكون ربا.
مسألة 23: لا يجب دفع المؤجل قبل أجله، سواء كان دينا أو ثمنا
أو قرضا أو غيرها، فإن تبرع من عليه، لم يجب على من له الأخذ، سواء

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " بماله " بدل " بينهما ". وما أثبتناه من المصدر.
(2) التهذيب 6: 195 / 430.
23

كان على من عليه ضرر في التأخير أو لا، وسواء كان على من له ضرر
بالتأخير أو لا، فإذا حل، وجب على صاحبه قبضه إذا دفعه من عليه، فإن
امتنع، دفعه إلى الحاكم، ويكون (1) من ضمان صاحبه، وللحاكم إلزامه
بالقبض أو الإبراء.
وكذا البائع سلما يدفع إلى الحاكم مع الحلول، وهو من ضمان
المشتري.
وكذا كل من عليه حق حال أو مؤجل فحل فامتنع صاحبه من أخذه.
ولو تعذر الحاكم وامتنع صاحبه من أخذه، فالأقرب: أن هلاكه من
صاحب الدين لا من المديون؛ لأنه حق تعين للمالك بتعيين المديون
وامتنع من أخذه، فكان التفريط منه.

(1) في الطبعة الحجرية: " فيكون ".
24

الفصل الثالث: في القرض
وفيه مباحث:
الأول: القرض مستحب مندوب إليه مرغب فيه إجماعا؛ لما فيه من
الإعانة على البر، وكشف كربة المسلم.
روى العامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من كشف عن مسلم كربة من كرب
الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان
العبد في حاجة أخيه " (1).
ومن طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه قال: قال الصادق (عليه السلام) في
قول الله عز وجل: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو
معروف أو إصلاح بين الناس) (2) قال: " يعني بالمعروف القرض " (3).
وقال الباقر (عليه السلام): " من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة،
وكان هو في صلاة من الملائكة عليه حتى يقبضه " (4).
وقال الشيخ (رحمه الله): روي أنه أفضل من الصدقة بمثله في الثواب (5).
وعن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال النبي (صلى الله عليه وآله): ألف

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 309، المغني 4: 383، وفيهما: "... ما دام العبد
في عون أخيه ".
(2) النساء: 114.
(3) الفقيه 3: 116 / 492.
(4) الفقيه 3: 116 / 494.
(5) النهاية: 311 - 312.
25

درهم أقرضها مرتين أحب إلي من أن أتصدق بها مرة، وكما لا يحل
لغريمك أن يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحل لك أن تستعسره (1) إذا
علمت أنه معسر " (2).
مسألة 24: أداء القرض في الصفة كالقرض، فإن دفع من غير
جنسه، لم يلزم القبول؛ لأنه اعتياض، وذلك غير واجب.
فإن اتفقا عليه، جاز؛ للأصل.
ولما رواه علي بن محمد قال: كتبت إليه: رجل له على رجل تمر أو
حنطة أو شعير أو قطن فلما تقاضاه قال: خذ بقيمة ما لك عندي دراهم،
أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب: " يجوز ذلك عن تراض منهما إن شاء
الله " (3).
إذا ثبت هذا، فإذا دفع إليه على سبيل القضاء، حسب بسعر يوم
الدفع، لا يوم المحاسبة؛ لأن محمد بن الحسن الصفار كتب إليه في رجل
كان له على رجل مال فلما حل عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو
زعفرانا ولم يقاطعه على السعر، فلما كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام
والزعفران والقطن أو نقص بأي السعرين يحسبه لصاحب الدين، بسعر
يومه الذي أعطاه وحل ما له عليه، أو السعر الثاني بعد شهرين أو ثلاثة يوم
حاسبه؟ فوقع " ليس له إلا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام إن شاء
الله " (4).

(1) في المصدر: " تعسره ".
(2) التهذيب 6: 192 - 193 / 418.
(3) التهذيب 6: 205 / 469.
(4) التهذيب 6: 196 / 432.
26

إذا عرفت هذا، فإن دفع لا على وجه القضاء، فإن كان المدفوع
مثليا، كان له المطالبة به، فإن تعذر فبالقيمة يوم المطالبة. وإن لم يكن
مثليا، كان له المطالبة بقيمته يوم الدفع؛ لأنه يكون قد دفعه على وجه
الإقراض.
مسألة 25: ولو دفع أجود من غير شرط، وجب قبوله؛ لأنه زاده
خيرا، ولم يكن به بأس.
روى أبو الربيع قال: سئل الصادق (عليه السلام): عن رجل أقرض رجلا
دراهم فرد عليه أجود منها بطيبة نفسه وقد علم المستقرض والقارض أنه
إنما أقرضه ليعطيه أجود منها، قال: " لا بأس إذا طابت نفس المستقرض " (1).
وفي الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا أقرضت الدراهم
ثم أتاك بخير منها فلا بأس إن لم يكن بينكما شرط " (2).
وكذا إذا أخذ الدراهم المكسرة فدفع إليه دراهم طازجية - بالطاء غير
المعجمة والزاي المعجمة والجيم، وهي الدراهم الجيدة - من غير شرط،
كان جائزا؛ لما تقدم.
ولما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - قال: سألت الصادق (عليه السلام):
عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة (3) فيأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة
بها نفسه، قال: " لا بأس " وذكر ذلك عن علي (عليه السلام) (4).
مسألة 26: ولو دفع إليه أزيد، فإن شرط ذلك، كان حراما إجماعا؛

(1) الكافي 5: 253 (باب الرجل يقرض الدراهم...) ح 2، التهذيب 6:
200 / 447.
(2) الكافي 5: 254 / 3، التهذيب 6: 201 / 449.
(3) الدرهم الغلة: المغشوش. مجمع البحرين 5: 436 " علل ".
(4) الكافي 5: 254 / 4، التهذيب 6: 201 / 450.
27

لما روى (1) الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " كل قرض يجر منفعة فهو
حرام " (2).
وإن دفع الأزيد في المقدار من غير شرط عن طيبة نفس منه بالتبرع،
كان حلالا إجماعا، ولم يكره، بل كان أفضل للمقترض.
والأصل فيه ما روى العامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) اقترض من رجل بكرا (3)،
فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع يقضي الرجل بكره، فرجع أبو رافع
فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا (4) رباعيا (5)، فقال: " أعطه إياه، إن خير
الناس أحسنهم قضاء " (6).
ومن طريق الخاصة: ما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادق (عليه السلام):
عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ثم يعطي سودا وزنا وقد عرف
أنها أثقل مما أخذ وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: " لا بأس به إذا
لم يكن فيه شرط، ولو وهبها كلها له صلح " (7).
وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن
الرجل يكون عليه جلة (8) من بسر فيأخذ جلة من رطب وهو أقل منها،

(1) في " ي ": " رواه ".
(2) سنن البيهقي 5: 350، العزيز شرح الوجيز 4: 433 نحوه.
(3) البكر: الفتي من الإبل. النهاية - لابن الأثير - 1: 149 " بكر ".
(4) يقال: جمل خيار. أي: مختار. النهاية - لابن الأثير - 2: 91 " خير ".
(5) يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته: رباع. وذلك إذا دخل في السنة السابعة.
النهاية - لابن الأثير - 2: 188 " ربع ".
(6) صحيح مسلم 3: 1224 / 1600.
(7) الكافي 5: 253 / 1، الفقيه 3: 180 / 815، التهذيب 6: 200 - 201 / 448،
بتفاوت يسير.
(8) الجلة: وعاء التمر. الصحاح 4: 1658 " جلل ".
28

قال: " لا بأس " قلت: فيكون (1) عليه جلة من بسر فيأخذ جلة من تمر وهي
أكثر منها، قال: " لا بأس إذا كان معروفا بينكما " (2).
مسألة 27: ولا فرق في تسويغ أخذ الأكثر والأجود والأدون والأردأ
مع عدم الشرط بين أن يكون ذلك عادة بينهما أو لا يكون - وهو قول أكثر
الشافعية (3) - لما تقدم.
وقال بعضهم: إذا كان ذلك على عادة بينهما، كان حراما، وتجري
العادة بينهما كالشرط (4).
وهو غلط، وإذا كان القضاء أكثر مندوبا إليه، فلا يكون ذلك مانعا من
القرض، ولا تقوم العادة مقام الشرط.
مسألة 28: وكذا لو اقترض منه شيئا ورهن عليه رهنا وأباحه في
الانتفاع بذلك الرهن، كان جائزا إذا لم يكن عن شرط؛ لما رواه محمد بن
مسلم - في الحسن - قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن الرجل يستقرض من
الرجل قرضا ويعطيه الرهن إما خادما وإما آنية وإما ثيابا، فيحتاج إلى شيء
من منفعته فيستأذنه فيأذن له، قال: " إذا طابت نفسه فلا بأس " قلت: إن من
عندنا يروون أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، قال: " أو ليس خير
القرض ما جر المنفعة؟ " (5).
وعن محمد بن عبدة قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن القرض يجر

(1) في " س، ي " بدل " فيكون ": " فكيف ". وفي الطبعة الحجرية: " كيف ".
وما أثبتناه من المصدر.
(2) الكافي 5: 254 / 7، التهذيب 6: 201 / 451.
(3 و 5) المهذب - للشيرازي - 1: 311، حلية العلماء 4: 399 - 400، العزيز شرح
الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 276.
(5) الكافي 5: 255 (باب القرض يجر المنفعة) ح 1، الفقيه 3: 181 / 819،
التهذيب 6: 201 - 202 / 452.
29

المنفعة، قال: " خير القرض الذي يجر المنفعة " (1).
إذا عرفت هذا، فلا تنافي بين هذه الأخبار؛ لأنا نحمل ما يقتضي
التحريم على ما إذا كان عن شرط، والإباحة على ما إذا لم يكن عنه؛ جمعا
بين الأدلة، ولما تقدم.
ولقول الباقر (عليه السلام): " من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها، وإن
جوزي أجود منها فليقبل، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع
يشترطه من أجل قرض ورقه " (2).
مسألة 29: ولا فرق بين أن يكون مال القرض ربويا أو غير ربوي
في تحريم الزيادة مع الشرط، وعدمه مع غيره؛ لما تقدم من أنه قرض جر
منفعة بشرط، فكان حراما، وهو قول جماعة من الشافعية (3).
وقال بعضهم: إن ما لا يجري فيه الربا تجوز فيه الزيادة، كما يجوز
أن يبيع حيوانا بحيوانين (4).
والفرق: أن ما فيه الربا يجوز أن يبيع بعضه ببعض وإن كان أحدهما
أكثر صفة، كبيع جيد الجوهر برديئه، والصحيح بالمكسر وإن كان ذلك
لا يجوز في القرض.
مسألة 30: مال القرض إن كان مثليا، وجب رد مثله إجماعا. فإن
تعذر المثل، وجب رد قيمته عند المطالبة. وإن لم يكن مثليا، فإن كان مما

(1) الكافي 5: 255 / 2، التهذيب 6: 202 / 453، الاستبصار 3: 9 / 22.
(2) التهذيب 6: 203 / 457.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 311، العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين
3: 275.
(4) حلية العلماء 4: 400، العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 275.
30

ينضبط (1) بالوصف - وهو ما يصح السلف فيه، كالحيوان والثياب -
فالأقرب: أنه يضمنه بمثله من حيث الصورة؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) استقرض
" بكرا " ورد " بازلا " (2). والبكر: الفتي من الإبل. والبازل: الذي تم له ثمان
سنين. وروي أنه (صلى الله عليه وآله) استقرض " بكرا " فأمر برد مثله (3). وهو قول أكثر
الشافعية (4).
وقال بعضهم: إنه يعتبر في القرض بقيمته؛ لأنه لا مثل له، فإذا ضمنه
ضمنه بقيمته، كالإتلاف (5).
والفرق: أن القيمة أحضر فأمر به، وليس كذلك القرض، فإن طريقه
الرفق، فسومح فيه، ولهذا يجوز فيه النسيئة وإن كان ربويا، ولا يجوز ذلك
في البيع ولا في إيجاب القيمة في الإتلاف.
وأما ما لا يضبط بالوصف - كالجواهر والقسي وما لا يجوز السلف
فيه - تثبت فيه قيمته، وهو أحد قولي الشافعية، والثاني: أنه لا يجوز قرض
مثل هذا؛ لأنه لا مثل له (6).
فإن قلنا: إن ما لا مثل له يضمن بالقيمة، وكذا ما لا يضبط بالوصف،
فالاعتبار بالقيمة يوم القبض؛ لأنه وقت تملك المقترض، وهو أحد قولي
الشافعية، وفي الآخر: أنه يملك بالتصرف، فيعتبر قيمة (7) يوم القبض أيضا
على أحد الوجهين، وعلى الثاني: بالأكثر من يوم القبض إلى يوم

(1) في " س، ي ": " يضبط ".
(2) نقله الغزالي في الوسيط 3: 457، والوجيز 1: 158، والرافعي في العزيز شرح
الوجيز 4: 429.
(3) صحيح مسلم 3: 1224 / 1600.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 429، روضة الطالبين 3: 278.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 432، روضة الطالبين 3: 274.
(7) في الطبعة الحجرية: " قيمته ".
31

التصرف (1).
وقال بعض الشافعية: بالأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف (2).
فإن اختلفا في القيمة، قدم قول المستقرض مع يمينه؛ لأنه غارم.
البحث الثاني: في أركان القرض.
أركان القرض ثلاثة:
الأول: الصيغة الصادرة من جائز التصرف.
ويعتبر فيه أهلية التبرع؛ لأن القرض تبرع، ولهذا لا يقرض الولي مال
الطفل، إلا لضرورة.
وكذلك لا يجوز شرط الأجل، لأن المتبرع ينبغي أن يكون بالخيار
في تبرعه، وإنما يلزم الأجل في المعاوضات.
والإيجاب لا بد منه، وهو أن يقول: أقرضتك، أو أسلفتك، أو خذ
هذا بمثله، أو خذه واصرفه فيما شئت ورد مثله، أو ملكتك على أن ترد
بدله.
ولو اقتصر على قوله: ملكتك، ولم يسبق وعد القرض، كان هبة.
فإن اختلفا في ذكر البدل، قدم قول المقترض؛ لأصالة عدم الذكر.
أما لو اتفقا على عدم الذكر واختلفا في القصد، قدم قول صاحب
المال؛ لأنه أعرف بلفظه، والأصل عصمة ماله، وعدم التبرع، ووجوب الرد
على الآخذ بقوله (عليه السلام): " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 429، روضة الطالبين 3: 278 - 279.
(2) لم نعثر عليه في مظانه.
(3) سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400، سنن أبي داود 3: 296 / 3561، سنن الترمذي
3: 566 / 1266، سنن البيهقي 6: 95، المستدرك - للحاكم - 2: 47، مسند
أحمد 5: 641 / 19643، المصنف - لابن أبي شيبة - 6: 146 / 604.
32

ويحتمل تقديم دعوى الهبة؛ قضية للظاهر من أن التمليك من غير
عوض هبة.
وأما القبول فالأقرب أنه شرط أيضا؛ لأن الأصل عصمة مال الغير،
وافتقار النقل فيما فيه الإيجاب إلى القبول، كالبيع والهبة وسائر
التمليكات (1)، وهو أصح وجهي الشافعية، والثاني: أنه لا يشترط؛ لأن
القرض إباحة إتلاف على سبيل الضمان، فلا يستدعي القبول (2).
ولا بد من صدوره من أهله كالإيجاب، إلا أن القبول قد يكون قولا،
وقد يكون فعلا.
مسألة 31: لا يلزم اشتراط الأجل في الدين الحال، فلو أجل الحال
لم يتأجل، وكان له المطالبة به في الحال، سواء كان الدين ثمنا أو قرضا أو
إجارة أو غير ذلك - وبه قال الشافعي (3) - لأن التأجيل زيادة بعد العقد،
فلا يلحق به، كما لا يلحق به في حق الشفيع. ولأنه حط بعد استقرار
العقد، فلا يلحق به، كحط الكل. ولأن الأصل عدم اللزوم؛ إذ قوله: قد
أجلت، ليس بعقد ناقل، فيبقى على حكم الأصل.
وقال أبو حنيفة: إن كان ثمنا، يثبت (4) فيه التأجيل والزيادة
والنقصان، ويلحق بالعقد، إلا أن يحط الكل، فلا يلحق بالعقد، ويكون

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " التملكات ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) الوسيط 3: 452، الوجيز 1: 158، العزيز شرح الوجيز 4: 430، روضة
الطالبين 3: 273.
(3) حلية العلماء 4: 402، المغني 4: 384، الشرح الكبير 4: 387.
(4) في " ي ": " ثبت ".
33

إبراء. وكذا في الأجرة والصداق وعوض الخلع، فأما القرض وبدل المتلف
فلا يثبت فيه (1).
وقال مالك: يثبت الأجل في الجميع؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند
شروطهم " (2).
ولأن المتعاقدين يملكان التصرف في هذا العقد بالإقالة والإمضاء،
فملكا فيه الزيادة والنقصان، كما لو كانا في زمن الخيار أو المجلس (3).
ولا دلالة في الخبر؛ إذ لا يدل على الوجوب، فيحمل على
الاستحباب بالأصل.
ولا يشبه هذا الإقالة؛ لأن هذا لا يجوز أن يكون فسخا للأول وابتداء
عقد؛ لأنه لم يوجد منه لفظ الفسخ ولا التمليك.
وأما زمان الخيار فكذلك أيضا؛ لأن الملك قد انتقل إلى المشتري
عندنا، فلا تثبت الزيادة.
وعند الشيخ أن العقد لم يستقر، فيجوز فيه ما لا يجوز بعد استقراره،
كما يجوز فيه قبض رأس مال السلم وعوض الصرف.
وعلى مذهب مالك أن هذا الحق يثبت حالا، والتأجيل تطوع من
جهته ووعد، فلا يلزم الوفاء به، كما لو أعاره داره سنة، كان له الرجوع.
قال مالك: يثبت الأجل في القرض ابتداء وانتهاء، أما ابتداء فبأن
يقرضه مؤجلا، وأما انتهاء فبأن يقرضه حالا ثم يؤجله (4).

(1) المغني 4: 384، الشرح الكبير 4: 387، حلية العلماء 4: 402.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(3) الذخيرة 5: 295، الوسيط 3: 451، المغني 4: 384، الشرح الكبير 4: 387،
حلية العلماء 4: 402.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 431.
34

الركن الثاني: المال.
مسألة 32: الأموال إما من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم.
والأول (1) يجوز إقراضه إجماعا.
وأما الثاني فإن كان مما يجوز السلم فيه، جاز إقراضه أيضا. وإن
لم يكن مما يجوز السلم فيه، فقولان تقدما (2).
وهل يجوز إقراض الجواري؟
أما عندنا فنعم - وهو أحد قولي الشافعي (3) - للأصل. ولأنه يجوز
إقراض العبيد فكذا الجواري. ولأنه يجوز السلف فيها فجاز قرضها،
كالعبيد، وبه قال المزني وداود (4).
وأظهرهما عندهم: المنع؛ لنهي السلف عن إقراض الولائد. ولأنه
لا يستبيح الوطؤ بالقرض؛ لأنه ملك ضعيف لا يمنعه من ردها على
المقرض، ولا يمنع المقرض من أخذها منه، ومثل ذلك لا يستباح به
الوطؤ، كما لا يستبيح المشتري الوطء في مدة خيار البائع. ولأنه يمكنه (5)
ردها بعد الوطئ، فيكون في معنى الإعارة للوطئ، وذلك غير جائز، وإذا

(1) في الطبعة الحجرية: " فالأول ".
(2) في ص 31، المسألة 30.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 310، الوسيط 3: 452، الوجيز 1: 158، حلية
العلماء 4: 396، التهذيب - للبغوي - 3: 546، العزيز شرح الوجيز 4: 431،
روضة الطالبين 3: 274.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 310، حلية العلماء 4: 396، العزيز شرح الوجيز 4:
431، المحلى 8: 82، المغني والشرح الكبير 4: 385.
(5) في الطبعة الحجرية: " لا يمكنه " بزيادة " لا ". وهو غلط.
35

ثبت أنه لا يحل وطؤها، لم يصح القرض؛ لأن أحدا لا يفرق بينهما. ولأن
الملك إذا لم يستبح [به] (1) الوطؤ لم يصح؛ لأنه من المنافع المقصودة به،
بخلاف ما إذا كانت محرمة عليه فاشتراها؛ لأن الوطء محرم من جهة
الشرع، وهنا التمليك لا يستباح به، فهو بمنزلة العقد الفاسد، وفي هذا
انفصال عن السلم والعبد، ولا يلزم المكاتب إذا اشترى أمة (2).
ونهي السلف ليس حجة. ونمنع عدم استباحة الوطئ، والرد من
المقترض لا يوجب ضعف ملكه. ونمنع عدم منع المقرض من استرداد
العين؛ لأن القرض عندنا يملك بالقبض. وإمكان الإعادة بعد الوطئ
لا يوجب مماثلتها للإعارة.
قال بعض الشافعية: القولان مبنيان على الخلاف في أن القرض بم
يملك؟ وفي كيفية البناء طريقان:
قال قائلون: إن قلنا: يملك بالقبض، جاز إقراضها، وإلا فلا؛ لما في
إثبات اليد من غير مالك من خوف الوقوع في الوطئ.
وقال بعضهم: إنا إن قلنا: يملك بالقبض، لم يجز إقراضها أيضا؛
لأنه إذا ملكها فربما يطؤها ثم يستردها المقرض، فيكون ذلك في صورة
إعارة الجواري للوطئ. وإن قلنا: لا يملك بالقبض فيجوز؛ لأنه إذا
لم يملكها لم يطأها (3).
تذنيب: الخلاف المذكور إنما هو في الجارية التي يحل للمستقرض
وطؤها، أما المحرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة فلا خلاف في جواز

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " منه ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) الوسيط 3: 452، العزيز شرح الوجيز 4: 431، روضة الطالبين 3: 274،
المغني 4: 386، الشرح الكبير 4: 385 - 386.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 431.
36

إقراضها منه.
إذا ثبت هذا، فإذا اقترض من ينعتق عليه، انعتق بالقبض؛ لأنه حالة
الملك.
مسألة 33: يجوز قرض الحيوان، عند علمائنا - وبه قال الشافعي (1) -
للأصل. ولأن النبى (صلى الله عليه وآله) اقترض " بكرا " ورد " بازلا " (2). ولأنه يثبت في
الذمة بعقد السلم، فجاز أن يثبت في الذمة بعقد القرض، كالمكيل
والموزون.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز القرض إلا فيما له مثل من الأموال،
كالمكيل والموزون؛ لأن ما لا مثل له لا يجوز قرضه، كالجواهر والإماء (3).
ويمنع حكم الأصل على ما تقدم.
ولأن عند أبي حنيفة لو أتلف ثوبا، ثبت في ذمة المتلف مثله، ولهذا
جوز الصلح عنه على أكثر من قيمة المتلف (4).
ولو سلمنا الحكم في الجواهر، فلأنه لا يثبت في الذمة سلما،
بخلاف المتنازع.
ولو سلمنا المنع في الأمة، فلأن القرض ملك ضعيف، فلا يباح به
الوطؤ، فلا يصح الملك. على أن الحق عندنا منع الحكم في الأصل.
مسألة 34: يجوز إقراض الخبز، عند علمائنا - وهو أحد قولي

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 546، العزيز شرح الوجيز 4: 431، روضة الطالبين 3: 274،
مختصر اختلاف العلماء 3: 14 / 1083، المغني والشرح الكبير 4: 385.
(2) تقدم تخريجه في ص 31، الهامش (2).
(3) حلية العلماء 4: 397، المغني والشرح الكبير 4: 385.
(4) المغني والشرح الكبير 4: 385.
37

الشافعي، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل (1) - للحاجة العامة
إليه، وإطباق الناس عليه.
ولأن الصباح بن سيابة سأل الصادق (عليه السلام): إنا نستقرض الخبز من
الجيران فنرد أصغر أو أكبر، فقال (عليه السلام): " نحن نستقرض الجوز الستين
والسبعين عددا فتكون فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس " (2).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز - وهو القول الآخر للشافعي - لأنه ليس من
ذوات الأمثال (3).
ونمنع حصر القرض في المثلي على ما تقدم.
تذنيب: يجوز رد مثله عددا أو وزنا - وبه قال محمد بن الحسن (4) -
للحديث السابق. ولقضاء العادة به.
وقال أبو يوسف: يرد وزنا (5). وهو أحد قولي الشافعي (6). ولا بأس
به.

(1) حلية العلماء 4: 401، العزيز شرح الوجيز 4: 432، روضة الطالبين 3: 274،
المبسوط - للسرخسي - 14: 31، الهداية - للمرغيناني - 3: 66، المغني والشرح
الكبير 4: 389.
(2) الفقيه 3: 116 / 493.
(3) المبسوط - للسرخسي - 14: 401، بدائع الصنائع 7: 395، الهداية
- للمرغيناني - 3: 66، حلية العلماء 4: 401، التهذيب - للبغوي - 3: 546،
العزيز شرح الوجيز 4: 432، روضة الطالبين 3: 274، المغني والشرح الكبير 4:
389.
(4) المبسوط - للسرخسي - 14: 31، بدائع الصنائع 7: 395، الهداية -
للمرغيناني - 3: 66.
(5) المبسوط - للسرخسي - 14: 31، الهداية - للمرغيناني - 3: 66، حلية العلماء
4: 401.
(6) راجع الهامش (6 و 13).
38

وللشافعي قول آخر: إنه يجب رد القيمة (1).
والأصل في الخلاف أنهم إن قالوا: يجب في المتقومات المثل من
حيث الصورة، وجب الرد وزنا. وإن قالوا: تجب القيمة، وجب هنا
القيمة (2).
فإن شرط رد المثل، فللشافعية - على تقدير وجوب القيمة - وجهان
في جواز الشرط وعدمه (3).
مسألة 35: يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليمكن قضاؤه.
ويجوز إقراض المكيل وزنا والموزون كيلا كما في السلف، وهو
قول أكثر الشافعية (4).
وقال القفال: لا يجوز إقراض المكيل بالوزن، بخلاف السلم، فإنه
لا يسوى بين رأس المال والمسلم فيه. وزاد فقال: لو أتلف مائة من من
الحنطة، ضمنها بالكيل. ولو باع شقصا مشفوعا بمائة من من الحنطة، ينظر
كم هي بالكيل، فيأخذه الشفيع بمثلها كيلا (5).
والأصح في الكل الجواز.
الركن الثالث: الشرط.
يشترط في القرض أن لا يجر المنفعة بالقرض؛ لأن النبى (صلى الله عليه وآله) نهى

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 311، حلية العلماء 4: 401.
(2 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 432، روضة الطالبين 3: 275.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 546، العزيز شرح الوجيز 4: 432، روضة الطالبين 3:
275.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 432، وانظر: التهذيب - للبغوي - 3: 546، وروضة
الطالبين 3: 275.
39

عنه (1)، فلا يجوز أن يقرضه بشرط أن يرد الصحيح عن المكسر، ولا الجيد
عن الردئ، ولا زيادة القدر في الربوي، وكذا في غيره عندنا.
وللشافعي وجهان، أحدهما: الجواز؛ لأن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن أجهز جيشا فنفدت الإبل، فأمرني
أن آخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل (2) (3).
وهو محمول على السلم، ولهذا قال: " إلى أجل " والقرض لا يتأجل.
ولو قيل بالجواز، كان وجها، ويحمل النهي على الربوي، فإن شرط
ذلك في القرض، فسد، ولم يفد جواز التصرف للمقترض.
مسألة 36: يجوز أن يقرضه شيئا بشرط أن يقضيه في بلد آخر، عند
علمائنا - وهو وجه عند بعض الشافعية (4) - لعدم الزيادة، وجره النفع، لأنه
قد يكون أضر.
ولما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام) في
الرجل يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض أخرى ويشترط،
قال: " لا بأس " (5).
وفي الصحيح عن أبي الصباح عن الصادق (عليه السلام) في الرجل (6) يبعث
بماله إلى أرض، فقال الذي يريد أن يبعث به معه: أقرضنيه وأنا أفيك إذا

(1) الوسيط 3: 453، العزيز شرح الوجيز 4: 433.
(2) سنن البيهقي 5: 287.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 275.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 275 - 276.
(5) الكافي 5: 255 (باب الرجل يعطي الدراهم...) ح 1، التهذيب 6: 203 / 459.
(6) في النسخ الخطية والحجرية زيادة: " يسلف الرجل الورق على أن ينقدها ".
والظاهر أنها من زيادة النساخ علما بأنها لم ترد في المصدر.
40

قدمت الأرض، قال: " لا بأس بهذا " (1).
ومنع أكثر الشافعية منه؛ لما فيه من دفع خطر الطريق، ولو شرط،
كان القرض فاسدا (2).
ولو رده أزيد أو في بلد آخر أو أجود من غير شرط، جاز إجماعا؛
لقوله (صلى الله عليه وآله): " خياركم أحسنكم قضاء " (3) رواه العامة.
ومن طريق الخاصة: ما رواه ابن بابويه عن النبى (صلى الله عليه وآله): " ليس
من غريم ينطلق من عنده (4) غريمه راضيا إلا صلت عليه دواب الأرض
ونون البحور، وليس من غريم ينطلق صاحبه غضبان وهو مليء إلا كتب
الله عز وجل بكل يوم يحبسه أو ليلة ظلما " (5).
مسألة 37: لو أقرضه بشرط أن يرد عليه أردأ أو رد المكسر عن
الصحيح، لغا الشرط.
وفي فساد العقد للشافعية وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه على خلاف قضية العقد، كشرط الزيادة.
وأصحهما عندهم: لا؛ لأن المنهى عنه جر المقرض المنفعة إلى
نفسه، وهنا لا نفع للمقرض في الشرط، بل للمقترض النفع، فكأنه زاد في
المسامحة ووعده وعدا حسنا (6).

(1) الكافي 5: 256 (باب الرجل يعطي الدراهم...) ح 3، التهذيب 6: 203 / 458.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 275.
(3) صحيح البخاري 3: 153، سنن البيهقي 5: 352، و 6: 21، مسند أحمد 3:
249 / 9814.
(4) في النسخ الخطية والحجرية " عند ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) الفقيه 3: 113 / 480.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 276.
41

وقال بعض الشافعية: يصح الشرط (1).
والأقوى عندي صحته لا لزومه، كما لو شرط التأجيل.
ولو شرط تأخير القضاء وضرب له أجلا، نظر إن لم يكن للمقرض
فيه غرض، فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح. وإن كان له فيه غرض بأن
كان زمان نهب والمقترض مليء، فهو كالتأجيل لغرض (2)، أو كشرط رد
الصحيح عن المكسر؟ فيه وجهان، أظهرهما عندهم: الثاني (3).
مسألة 38: يجوز أن يقرضه بشرط الرهن أو الكفيل أو بشرط
الإشهاد أو الإقرار به عند الحاكم؛ لأن ذلك من التوثيق وإحكام الحجة،
فليست منافع مالية.
ولو شرط رهنا بدين آخر، فالأقرب عندي: الجواز؛ لقوله (عليه السلام):
" المؤمنون عند شروطهم " (4).
وقالت الشافعية: إنه كشرط زيادة الصفة (5). وهو ممنوع.
مسألة 39: القرض عقد قابل للشروط السائغة، فلو أقرضه شيئا
بشرط أن يقرضه مالا آخر، صح، ولم يلزمه ما شرط، بل هو وعد وعده.
وكذا لو وهب منه ثوبا بشرط أن يهب منه غيره.
وكذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 433، روضة الطالبين 3: 276.
(2) كذا، والظاهر: " لغير غرض " كما في " العزيز شرح الوجيز ". وفي " روضة
الطالبين ": " كالتأجيل لا لغرض ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 433 - 434، روضة الطالبين 3: 276.
(4) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 434، روضة الطالبين 3: 276.
42

أو يسلفه أو يستسلف منه، ولكن لا يلزم ذلك.
أما إذا باع بشرط قرض أو هبة أو بيع آخر، فإنه يجوز - عندنا - البيع
والشرط، وقد تقدم (1).
وقالت الشافعية: يفسد البيع؛ لأنهما (2) جعلا رفق القرض أو الهبة أو
البيع مع العشرة المذكورة - مثلا - ثمنا، والشرط لغو، فيسقط بسقوطه
بعض الثمن، ويصير الباقي مجهولا (3).
وفي وجه للشافعية: أن الإقراض بشرط الإقراض كالبيع بشرط
الإقراض (4).
ولو شرط الأجل، لغا الشرط، ولم يفسد القرض.
البحث الثالث: في حكم القرض.
مسألة 40: لا خلاف في أن المستقرض يملك القرض، وفي
الموجب للملك خلاف. فعندنا أنه يملكه (5) بالقبض - وهو أصح قولي
الشافعية (6) - لأنه قبض لا يجب عليه، يتعلق به جواز التصرف، فوجب أن
يتعلق به الملك، كالقبض في الهبة. ولأنه إذا قبضه، ملك التصرف فيه من

(1) في ج 10 ص 250، المسألة 118.
(2) أي البائع والمشتري.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 434.
(5) في الطبعة الحجرية: " يملك ".
(6) المهذب - للشيرازي - 1: 310، التهذيب - للبغوي - 3: 545، حلية العلماء 4:
393، الوسيط 3: 455، الوجيز 1: 159، العزيز شرح الوجيز 4: 435، روضة
الطالبين 3: 277.
43

جميع الوجوه، ولو لم يملكه لما ملك التصرف فيه. ولأن الملك في الهبة
يحصل بالقبض ففي القرض أولى؛ لأن للعوض مدخلا فيه.
والثاني: أنه يملك بالتصرف؛ لأنه ليس تبرعا محضا؛ إذ يجب فيه
البدل، وليس على حقائق المعاوضات، فوجب أن يملكه بعد استقرار
بدله. ولأن العين ما دامت باقية في يده كان للمالك أن يرجع فيها،
وللمقترض أن يردها، وهو يدل على أنه لم يملكها، وأنها كالعارية في
يده (1).
ونمنع وقف التملك على استقرار بدله.
سلمنا، لكنه يستقر بالقبض.
ونمنع أن للمالك الرجوع في العين.
وأما دفع المقترض للعين فكدفعه للبدل، فكما لا يقال: إن البدل
لا يخرج عن ملكه لجواز دفعه، كذا مال القرض.
مسألة 41: عندنا أن المستقرض يملك بالقبض، فليس للمقرض أن
يرجع فيه مع بقائه في يد المستقرض بحاله - وهو أحد وجهي الشافعية (2) -
صيانة لملكه، وله أن يؤدي حقه من موضع آخر؛ لانتقال الواجب إلى
البدل من المثل أو القيمة.
وأظهر وجهي الشافعية: أن للمقرض الرجوع في العين مع وجودها
وإن ملك المستقرض بالقبض؛ لأنه يتمكن من تغريمه بدل حقه عند

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 310، التهذيب - للبغوي - 3: 545، حلية العلماء 4:
393، الوسيط 3: 456، الوجيز 1: 159، العزيز شرح الوجيز 4: 435، روضة
الطالبين 3: 277.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 435، روضة الطالبين 3: 277.
44

الفوات فلأن يتمكن من مطالبته بعينه كان أولى، ولا يبعد أن يرجع فيما
ملكه غيره، كما يرجع الواهب في الهبة (1).
والحق الأول، وإنما تمكن من تغريمه بدل حقه؛ لانتقال الواجب في
الذمة بالقبض إليه، كما يملك البائع الثمن بعقد البيع، وليس له الرجوع في
العين.
والفرق بينه وبين الهبة أن الواهب ليس له الرجوع على المتهب
بعوض الهبة، بخلاف القرض.
مسألة 42: يجب على المستقرض دفع مال القرض الحال عند
المطالبة، وبه قال الشافعي (2).
وقال مالك: ليس للمقرض الرجوع فيما أقرضه حتى يقضي
المستقرض وطره منه، أو يمضي زمان يسع لذلك (3).
ولو رد المستقرض العين التي اقترضها، وجب على المقرض القبول
لا محالة.
مسألة 43: قد بينا أن المستقرض يملك بالقبض بعد العقد، وهو
أحد قولي الشافعي.
والقول الآخر: إنه يملك بالتصرف على معنى أنه إذا تصرف تبين لنا
ثبوت الملك قبله، وهذا يدل على أن الملك لم يحصل بالتصرف، بل
بسبب آخر قبله.
ثم في ذلك التصرف وجوه:
أظهرها: أن كل تصرف يزيل الملك.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 435، روضة الطالبين 3: 277.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 435.
45

والثاني: كل تصرف يتعلق بالرقبة.
[و] الثالث: كل تصرف يستدعي الملك.
فعلى الوجوه يكفي البيع والهبة والإعتاق والإتلاف، ولا يكفي الرهن
والتزويج والإجارة وطحن الطعام وخبز الطحين وذبح الشاة على الوجه
الأول، ويكفي ما سوى الإجارة على الثاني، وما سوى الرهن على الثالث؛
لأنه يجوز أن يستعير الرهن فيرهنه، كما سيأتي (1).
وقال بعضهم ضابطا في ذلك، وهو: أن التصرف الذي يملك به
القرض هو الذي يقطع رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري (2).
وإذا فرعنا على الوجه الأول، فهل يكفي البيع بشرط الخيار؟ إن
قلنا: إنه لا يزيل الملك، فلا. وإن قلنا: إنه يزيله، فوجهان؛ لأنه لا يزيل
بصفة اللزوم (3).
تذنيب: إذا كان المال حيوانا، ملكه المقترض بالإقباض، فإذا قبضه
كانت نفقته على المقترض، وهو أحد قولي الشافعي، والآخر: نفقته على
المالك؛ لأن الملك إنما يحصل بالتصرف، فإذا تصرف المقترض كانت
النفقة عليه من تلك الحال (4).
تذنيب آخر: لو استقرض من ينعتق عليه، انعتق بالقبض عندنا.
ومن قال: إن الملك بالتصرف ينعتق بالتصرف.
مسألة 44: إذا اقترض نصف دينار مكسورا فأعطاه المقترض دينارا

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 435 - 436، روضة الطالبين 3: 277.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 436، روضة الطالبين 3: 277.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 545، العزيز شرح الوجيز 4: 436، روضة الطالبين 3:
277.
46

صحيحا عن قرضه نصف دينار والباقي يكون وديعة عنده وتراضيا، جاز؛
لأنه زاده خيرا. وإنما شرطنا المراضاة؛ لأن الشركة عيب، والكسر عيب،
فافتقر إلى المراضاة، فإن المقرض كان له ذلك؛ لأن هذا وإن كان خيرا من
حقه إلا أن فيه نقصان الشركة والتزام الوديعة.
فإن رضي واتفقا على كسره، لم يجز؛ لأن ذلك قسمة إضرار، إلا مع
الحاجة وعدم الراغب في شرائه بمكسورين.
وإذا اتفقا على أن يكون نصفه قضاء ونصفه قرضا أو ثمنا أو قضاء
لنصف آخر مكسور، وجب القبول؛ لأنه زاده خيرا، جاز (1)؛ للأصل.
مسألة 45: قد بينا أن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل، إلا أن يجعل
التأجيل شرطا في عقد لازم، كالبيع وشبهه، مثل: أن يقول: بعتك كذا
بشرط أن تصبر على بالدين الحال كذا، أو اشترى على هذا الشرط، فإنه
يبقى لازما؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (2).
وإذا دفع المقترض أو المديون المال قبل الأجل، لم يجب على
صاحبه قبضه، سواء كان عليه في ذلك ضرر أو لا.
ولو مات المديون وكان الدين مؤجلا، حل الأجل بموته، وسيأتي إن
شاء الله تعالى.
مسألة 46: إذا رد المقترض العين في المثلي، وجب القبول؛ لأنها (3)
أقرب إلى الحق من المثل (4)، سواء رخصت أو لا.

(1) كذا في النسخ الخطية والحجرية.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " لأنه ".
(4) في الطبعة الحجرية: " والمثل " بدل " من المثل ".
47

أما غير المثلي فإذا (1) دفعه بعينه، هل يجب على المالك القبول؟
يحتمل ذلك؛ لأن الانتقال إلى القيمة إنما كان لتعذر العين وقد وجدت،
فلزمه القبول مع الدفع.
ولا يجب على المقترض الدفع، بل له دفع القيمة وإن كانت العين
موجودة؛ لأنه قد ملكها بالقبض، وانتقل إلى ذمته قيمة العين لا نفسها.
وعلى هذا يحتمل أن لا يجب على المالك قبول العين لو دفعها المقترض
بحالها إليه؛ لأن حقه القيمة.
وللمالك مطالبة المقترض بالجميع مع الحلول وإمكان الأداء وإن
أقرضه تفاريق.
ولو أقرضه جملة فدفع إليه تفاريق، وجب القبول.
مسألة 47: لو اقترض جارية، جاز له وطؤها مع القبض؛ لأنه قد
ملكها. فإذا وطئها، جاز له ردها على مالكها مجانا؛ إذ لا عوض عليه في
وطئه حيث صادف ملكا.
ولو حملت، صارت أم ولد، ولم يجز دفعها، بل يجب دفع قيمتها.
فإن دفعها جاهلا بحملها ثم ظهر الحمل، استردها.
وهل يرجع بمنافعها؟ إشكال.
ويدفع قيمتها يوم القرض؛ لأنه الواجب عليه، لا يوم الاسترداد؛
لظهور فساد الدفع.
مسألة 48: قد بينا أنه لا يجوز إقراض المجهول؛ لتعذر الرد، فلو
أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبة من طعام غير معلومة الكيل

(1) في الطبعة الحجرية: " إذا ".
48

ولا الوزن أو قدرها بمكيال معين أو صنجة معينة غير معروفين عند الناس،
لم يصح.
فإن تلفت العين، تصالحا؛ إذ قد ثبت له في ذمة المقترض مال
ولا يعلم أحدهما قدره، ويتعذر إبراء الذمة إلا بالصلح، فيكون الصلح
متعينا.
ولو ادعى المالك العلم، لم يقبل منه إلا بالبينة.
ولو ادعى الغريم العلم، قبل قوله مع اليمين؛ لأنه غارم.
مسألة 49: قد ذكرنا أنه يجوز أن يقرضه في بلد ويشترط رده في
غيره.
ولو لم يشترط شيئا، اقتضى الإطلاق أداء المثل في بلد القرض. فإن
شرط القضاء في بلد آخر، جاز، سواء كان في حمله مؤونة أم لا.
ولو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره،
وجب الدفع.
ولو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط، وجب القبول على إشكال.
مسألة 50: لو اشترى منه سلعة بدراهم اقترضها المشتري من البائع
فخرجت الدراهم زيوفا، فإن كان الشراء بالعين وكان البائع عالما بالعيب،
صح البيع، وكان على المقترض رد مثل الزيوف.
ولو كان الشراء في الذمة، كان للبائع مطالبته بالثمن سليما،
وللمشتري احتساب ما دفعه ثمنا عن القرض.
ولو لم يكن البائع عالما بعيب الدراهم وكان الشراء بالعين، كان له
فسخ البيع.
تذنيب: لو قال المقرض: إذا مت فأنت في حل، كان وصية تمضى
49

من الثلث. أما لو قال: إن مت فأنت في حل، كان إبراء باطلا؛ لأنه علقه
على شرط.
مسألة 51: لو اقترض ذمي من مثله خمرا ثم أسلم أحدهما، سقط
القرض؛ إذ لا يجب على المسلم أداء الخمر، ولا قيمته؛ لأنه من ذوات
الأمثال، ولا يجوز للمسلم المطالبة به. أما لو أقرض الذمي ذميا خنزيرا ثم
أسلم أحدهما، كان لصاحبه المطالبة بالقيمة؛ لأن الخنزير من ذوات القيم،
لا من ذوات الأمثال، فالذمي لما اقترض الخنزير وجب عليه بالقبض
قيمته، والخمر يجب عليه وقت القبض مثله.
مسألة 52: لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان وجاء بدراهم
غيرها، لم يكن عليه إلا الدراهم الاولى؛ لأنها من ذوات الأمثال، فكانت
مضمونة بالمثل. فإن تعذر المثل، كان عليه قيمتها وقت التعذر.
ويحتمل وقت القرض من غير الجنس، لا من الدراهم الثانية، حذرا
من التفاضل في الجنس المتحد.
والمعتمد: الأول.
قال الشيخ (رحمه الله): ومن أقرض غيره دراهم ثم سقطت تلك الدراهم
وجاءت غيرها، لم يكن له عليه إلا الدراهم التي أقرضها إياه، أو سعرها
بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه (1).
وقد روى يونس - في الصحيح - قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) أنه كان لي على رجل دراهم وإن السلطان أسقط تلك الدراهم

(1) النهاية: 384.
50

وجاءت دراهم أعلى (1) من تلك الدراهم الاولى ولهم (2) اليوم وضيعة، فأي
شيء لي عليه؟ الاولى التي أسقطها السلطان، أو الدراهم التي أجازها
السلطان؟ فكتب: " الدراهم الاولى " (3).
وفي الصحيح عن صفوان قال: سأله معاوية بن سعيد عن رجل
استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع بها
شيء، ألصاحب الدراهم الدراهم الاولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟
قال: فقال: " لصاحب الدراهم الدراهم الاولى " (4).
قال الصدوق (رحمه الله) عقيب رواية يونس: كان شيخنا محمد بن
الحسن (رضي الله عنه) يروي حديثا في أن له الدراهم التي تجوز بين الناس.
قال: والحديثان متفقان غير مختلفين، فمتى كان للرجل على الرجل
دراهم بنقد معروف فليس له إلا ذلك النقد، ومتى كان له على رجل دراهم
بوزن معلوم بغير نقد معروف فإنما له الدراهم التي تجوز بين الناس (5).
فروع:
أ - لو جعل السلطان قيمتها أقل، كان الحكم فيه كما في إسقاطها.
ب - لو كان رأس مال المضاربة دراهم معينة ثم أسقط السلطان تلك
الدراهم، احتمل أن يكون رأس المال تلك الدراهم بعينها التي أسقطها

(1) في الطبعة الحجرية والاستبصار: " أغلا ".
(2) في الاستبصار: " ولها " بدل " ولهم ".
(3) التهذيب 7: 117 / 507، الاستبصار 3: 99 / 343، وفي الفقيه 3: 118 / 503
بتفاوت.
(4) التهذيب 7: 117 / 508، الاستبصار 3: 99 - 100 / 344.
(5) الفقيه 3: 118 / 504.
51

السلطان؛ لأنها المدفوعة مضاربة.
ويحتمل جبر النقص بالربح؛ لأنه من الخسران.
ج - لو تبايعا والنقد في البلد تلك الدراهم ثم سقطت، لم يكن
للبائع إلا النقد الأول الجاري بين الناس وقت العقد.
ولو تعاملا بعد النقص والعلم، فلا خيار للبائع.
وإن كان قبل العلم، فالوجه: ثبوت الخيار للبائع، سواء تبايعا في بلد
السلطان أو غيره؛ لأنه عيب حدث بعد العقد وقبل الإقباض.
52

الفصل الرابع: في مداينة العبد وباقي معاملاته
وفيه مباحث:
الأول: في غير المأذون.
العبد إما أن يأذن له مولاه في الاستدانة أو لا، والثاني إما أن يكون
مأذونا له في التجارة أو لا، فالأقسام ثلاثة قدم منها البحث عن غير المأذون
له في التجارة ولا في الاستدانة.
وهذا إن استدان شيئا، لم يلزم مولاه منه شي، بل يتبعه المدين إذا
أعتق رجع عليه بما له عليه إن كان ذا مال. وإن مات عبدا، سقط الدين بلا
خلاف.
ولو كان المال - الذي استدانه بغير إذن مولاه - موجودا، استعيد به،
فإن تلف، تبع به بعد العتق.
ولا فرق بين أن يكون صاحب المال عالما بعبوديته أو جاهلا.
وكذا إن اشترى بمال في ذمته بغير إذن مولاه.
وهل يصح عقد الشراء أو القرض؟ الأولى المنع؛ لأنه محجور عليه.
ولأنه سيأتي (1) أن العبد لا يملك شيئا، وبه قال بعض الشافعية؛ لأنه عقد
معاوضة، فلا يصح من العبد بغير إذن سيده، كالنكاح (2).

(1) في ص 58، المسألة 57.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 396، حلية العلماء 5: 358، الوجيز 1: 152،
العزيز شرح الوجيز 4: 373، روضة الطالبين 3: 229.
53

وقال بعضهم: يصح؛ لأن العبد رشيد وإنما لا يملك شيئا، فإذا
تصرف في ذمته على وجه لا يستضر به السيد، جاز، كالحر المعسر،
بخلاف النكاح؛ لأن فيه إضرارا بالمولى، لأن النفقة تتعلق بكسبه، وكذا
المهر (1).
مسألة 53: لو اقترض بغير إذن سيده أو اشترى في ذمته بغير إذن، فإن
قلنا بالجواز، فللبائع والمقرض الرجوع فيه إذا كان في يد العبد؛ لأنه قد
تحقق إعساره، فكان للبائع الرجوع، وبه قال الشافعي (2).
وفيه إشكال من حيث إن المقرض والبائع عالمان بإعساره، فلم يكن
لهما الرجوع في العين، كما لو باع المعسر مع علمه بإعساره وحجر الحاكم
عليه.
وإن كان قد تلف في يده، فقد استقر الثمن وعوض القرض عليه في
ذمته يتبع به بعد العتق واليسار.
ولو كان سيده قد أخذه منه، فقد ملكه؛ إذ كل ما يملكه العبد
لمولاه، ولم يكن للبائع ولا للمقرض الرجوع فيه؛ لأن السيد أخذ ذلك
بحق؛ إذ له أخذه منه، فيسقط حق البائع والمقرض، كما يسقط حق البائع
ببيع المبيع، ويكون للبائع والمقرض العود في ذمة العبد يتبعه به إذا أعتق
وأيسر.
وإن قلنا بالمنع وإن البيع والقرض فاسدان، فإن البائع والمقرض

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 396، حلية العلماء 5: 358، الوجيز 1: 152،
العزيز شرح الوجيز 4: 373، روضة الطالبين 3: 229.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 397، العزيز شرح الوجيز 4: 373، روضة الطالبين
3: 229.
54

يرجعان في العين إن كانت موجودة، سواء كانت في يد العبد أو يد السيد؛
لبقاء ملك البائع والمقرض فيهما.
وإن كانت قد تلفت في يد العبد، كان عليه القيمة يتبع بها بعد العتق
واليسار إن كانت من ذوات القيم. وإن كانت من ذوات الأمثال، وجب عليه
مثله.
وإن كان قد تلف في يد السيد، كان على السيد المثل أو القيمة إن
شاء رجع به على السيد في الحال، وإن شاء طالب به العبد مع عتقه
ويساره.
إذا عرفت هذا، فالأقرب عندي أنه لا يصح شراؤه في ذمته
ولا قرضه؛ لاستحالة أن يثبت الملك له، فإنه ليس أهلا للتملك على
ما يأتي (1)، ولا للمولى؛ لأنه إن ملك بغير عوض، فهو تجارة بالباطل؛ إذ
المالك إنما دفع العين ليسلم له العوض، فإذا لم يكن هناك عوض، يكون
تسلطا على ملك الغير بغير إذنه.
وإن ملك السيد بعوض، فإما في ذمته، وهو باطل؛ لأن السيد
ما رضي به، أو في ذمة العبد، وهو باطل؛ لامتناع حصول الشئ لمن ليس
عليه عوض، بل على غيره.
وكلا القولين للشافعية؛ بناء على القولين في أن المفلس المحجور
عليه إذا اشترى شيئا هل يصح؟
ووجه الشبه: كمالية كل واحد منهما في عقله وعبارته، وإنما حجر
عليه لحق الغير.

(1) في ص 58، المسألة 57.
55

هذا أحد الطريقين لهم، والطريق الآخر: القطع بالفساد، بخلاف
المفلس؛ لأنه أهل للتملك (1).
مسألة 54: إن قلنا: الشراء صحيح، فالملك للسيد.
فإن (2) علم البائع عبوديته، لم يطالبه بشئ ولا للسيد، بل يصبر حتى
يعتق العبد، فإن لم يعتق أو كان معسرا، ضاع الثمن.
وإن لم يعلم بالعبودية، تخير بين الصبر إلى العتق وبين الفسخ
ويرجع إلى عين ماله، وهو قول بعض الشافعية (3).
وقال بعضهم، الملك للعبد، والسيد بالخيار بين أن يقره عليه وبين
أن ينتزعه من يده، وللبائع الرجوع إلى عين المبيع ما دام في يد العبد؛
لتعذر تحصيل الثمن، كما لو أفلس المشتري بالثمن، فإن تلف في (4) يده،
فليس له إلا الصبر إلى أن يعتق (5).
وإن انتزع السيد، فهل للبائع الرجوع؟ قال أكثر الشافعية: إنه
لا يرجع، كما لو زال يد المشتري عما اشتراه ثم أفلس بالثمن (6).
وقال بعضهم: يرجع، بناء على أن الملك [يحصل] (7) للسيد ابتداء
لا بالانتزاع (8).
وإن أفسدنا شراءه، فللمالك استرداد العين مع بقائها، سواء كانت في

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 373.
(2) في الطبعة الحجرية: " وإن ".
(3 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 373، روضة الطالبين 3: 229.
(4) في الطبعة الحجرية: " ما في ".
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 373 - 374، روضة الطالبين 3: 229.
(7) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(8) العزيز شرح الوجيز 4: 374، روضة الطالبين 3: 229.
56

يد السيد أو العبد.
فإن تلفت في يد العبد من غير أن يقبضها السيد، تعلق الضمان
برقبته. وإن تلفت في يد السيد، طالبه بالضمان، وإن شاء طالب العبد بعد
العتق.
ولو رآه السيد ولم يأخذه، لم يضمن بذلك، سواء كان البائع
والمقرض عالمين بالعبودية أو جاهلين، وسواء رضي السيد بما فعله العبد
أو لا إذا لم يكن قد أذن له أولا.
ولو أدى العبد الثمن من مال السيد، كان للسيد استرداده؛ لوقوعه
فاسدا.
مسألة 55: ليس للعبد أن ينكح بدون إذن سيده، سواء اضطر إليه أو
لا، وإلا لكان له الوطؤ متى شاء، وذلك يورث ضعف البنية، ويتضرر به
السيد.
وكذا حكم كل تصرف يتعلق برقبة العبد.
أما الهبة منه والوصية له فإنه هبة للسيد ووصية له؛ إذ لا يصح أن
يملك العبد شيئا، فإن قبل المولى أو العبد بإذنه، ملك المولى، وإلا فلا.
ولا يصح قبول العبد من دون إذن السيد؛ لعدم رضاه بثبوت الملك،
وبه قال بعض الشافعية (1).
وقال آخرون منهم: يصح قبول العبد من دون إذن مولاه؛ لأنه
اكتساب لا يستعقب عوضا، فأشبه الاصطياد بغير إذنه. ولأن العبد لو خالع
زوجته، صح، وثبت العوض، ودخل في ملك السيد قهرا، كذا هنا (2).
مسألة 56: لو ضمن بغير إذن السيد، فالأقرب: الجواز؛ لأنه تصرف
في الذمة لا في العين.

(1 و 2) الوسيط 3: 203، العزيز شرح الوجيز 4: 373، روضة الطالبين 3: 229.
57

ثم إن علم المضمون له بالعبودية قبل الضمان، لم يكن له الرجوع،
وإلا رجع؛ لإعساره، وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
وبالجملة، فغير المأذون له في الاستدانة أو التجارة ممنوع من
التصرف في نفسه وما في يده ببيع وإجارة واستدانة وغير ذلك من جميع
العقود، إلا بإذن مولاه، إلا الطلاق، فإن له إيقاعه وإن كره المولى.
مسألة 57: المشهور بين علمائنا أن العبد لا يملك شيئا، سواء ملكه
مولاه شيئا أو لا - وبه قال أبو حنيفة والثوري وإسحاق وأحمد في إحدى
الروايتين، والشافعي في الجديد من القولين (1) - لقوله تعالى: (ضرب الله
مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (2) وقوله تعالى: (هل لكم مما
ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء) (3) نفى عنه
القدرة مطلقا، ونفى أن يشارك العبد مولاه في شيء ألبتة، فكأنه تعالى قال:
إذا لم يشارك عبد أحد مولاه في ملكه فيساويه، فكذلك لا يشاركني في
ملكي أحد فيساويني فيه، فثبت أن العبد لا يملك شيئا. ولأنه مملوك
فلا يملك شيئا، كالدابة.
وقال بعض (4) علمائنا: إنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية
وما يملكه مولاه - وبه قال مالك والشافعي في القديم، وأحمد في إحدى

(1) أحكام القرآن - للجصاص - 3: 187، المهذب - للشيرازي - 1: 397، التهذيب
- للبغوي - 3: 467، حلية العلماء 5: 360، الوسيط 3: 204، الوجيز 1:
152، العزيز شرح الوجيز 4: 374، روضة الطالبين 3: 230.
(2) النحل: 75.
(3) الروم: 28.
(4) انظر: النهاية: 543.
58

الروايتين، وداود وأهل الظاهر (1) - لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) (2)
فبين تعالى أنه يغنيهم بعد فقرهم (3)، فلو (4) لم يملكوا لم يتصور [فيهم] (5)
الغنى.
ولما رواه العامة عن النبى (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من باع عبدا وله مال فماله
للعبد إلا أن يستثنيه السيد " (6).
ومن طريق الخاصة: ما رواه زرارة عن الصادق (عليه السلام) في الرجل
يشتري المملوك وله مال لمن ماله؟ فقال: " إن كان علم البائع أن له مالا
فهو للمشتري، وإن لم يكن علم فهو للبائع " (7).
ولأنه آدمي، فأشبه الحر، والغنى يكون بعد العتق، كما يكون في
الحر بعد التجارة.
وخبر العامة غير ثابت عندهم، وعارضوه بما رووه عنه (عليه السلام) أنه قال:

(1) الذخيرة 5: 308، المعونة 2: 1069، المقدمات الممهدات 2: 340، المهذب
- للشيرازي - 1: 397، التهذيب - للبغوي - 3: 467، حلية العلماء 5: 360،
الوسيط 3: 204، الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4: 374، روضة الطالبين
3: 230، أحكام القرآن - للجصاص - 3: 187، المغني 4: 277، وحكى قول
داود الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 121، المسألة 207.
(2) النور: 32.
(3) فيما عدا " ث ": " فقر ".
(4) في الطبعة الحجرية: " ولو ".
(5) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " فيه ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(6) المغني 4: 277، وفيه " من باع عبدا وله مال " بدون الذيل، وفي سنن
الدارقطني 4: 133 - 134 / 31: " من أعتق عبدا... ".
(7) الكافي 5: 213 (باب المملوك يباع...) ح 1، التهذيب 7: 71 / 307.
59

" من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع " (1).
وقد رواه الخاصة - في الصحيح - عن محمد بن مسلم عن الباقر أو
الصادق (عليهما السلام)، قال: سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا، فقال:
" المال للبائع إنما باع نفسه إلا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من مال أو
متاع فهو له " (2) ولو ملكه العبد لم يكن للبائع، فلما جعله للبائع دل على أن
العبد لم يملك، وثبت بذلك أن الإضافة مجاز.
ويفارق الحر؛ لأنه غير مملوك.
وملك النكاح؛ لأنه موضع حاجة وضرورة؛ لأنه لا يستباح في غير
ملك. ولأنه لما ملكه لم يملك السيد إزالة يده عنه، بخلاف المال.
والفائدة في القولين تظهر في الزكاة، فإن قلنا: يملك، فلا زكاة؛
لضعف ملكه، إذ لمولاه انتزاعه منه متى شاء. وإن قلنا: لا يملك، وجبت
الزكاة على المولى.
وإذا ملكه جارية وقلنا: يملك، استباح وطأها، وإلا فلا.
ويكفر بالمال إن قلنا: يملك، وإلا بالصوم.
البحث الثاني: في المأذون له في الاستدانة.
مسألة 58: يجوز للسيد أن يأذن لعبده في الاستدانة والتجارة وسائر
التصرفات إجماعا. ولأنه صحيح العبارة، وإنما منع من التصرف لحق
السيد، فإذا أمره، زال المانع.
إذا ثبت هذا، فإذا أذن له في الاستدانة، فإن استدان للمولى بإذنه،
كان الضمان على المولى؛ لأنه المستدين في الحقيقة، والمملوك نائبه.

(1) سنن أبي داود 3: 268 / 3433 و 3435، سنن النسائي 7: 297، مسند أحمد
2: 73 / 4538.
(2) الكافي 5: 213 (باب المملوك يباع...) ح 2، التهذيب 7: 71 / 306.
60

وإن استدان لنفسه بإذن المولى، فإن استبقاه مملوكا أو باعه،
فالضمان على المولى أيضا؛ لأنه بإذنه دفع المالك ماله إليه.
ولما رواه أبو بصير عن الباقر (عليه السلام)، قال: قلت له: الرجل يأذن
لمملوكه في التجارة فيصير عليه دين، قال: " إن كان أذن له أن يستدين
فالدين على مولاه، وإن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شئ على المولى،
ويستسعى العبد في الدين " (1).
مسألة 59: لو أعتقه مولاه وقد أذن له في الاستدانة فاستدان،
فالأقرب إلزام العبد بما استدانه؛ لأنه أخرجه في مصلحته، فكان عليه
أداؤه، بخلاف ما لو باعه مولاه أو استبقاه؛ لأن التفريط من المولى بإذنه،
وعدم تمكن صاحب المال من أخذه.
ولما رواه عثمان بن عيسى عن ظريف الأكفاني قال: كان أذن لغلام
له في الشراء والبيع فأفلس ولزمه دين فأخذ بذلك الدين الذي عليه، وليس
يساوي ثمنه ما عليه من الدين، قال: فقال الصادق (عليه السلام): " إن بعته لزمك،
وإن أعتقته لم يلزمك " فعتقه ولم يلزمه شئ (2).
ويحتمل إلزام المولى؛ لأنه أذن له في الاستدانة، فكأنه قد أذن له في
إتلاف مال الغير، ولا شي للعبد حالة الإذن، فتضمن ذلك الالتزام بما
يستدينه، وهذا هو المشهور.
مسألة 60: لو استدان العبد بإذن المولى ثم مات المولى وعليه ديون
وقصرت التركة عن الديون، قسمت التركة على دين المولى ودين العبد
بالنسبة؛ لأنهما معا يستحقان في ذمة المولى.
ولما رواه زرارة، قال: سألت الباقر (عليه السلام): عن رجل مات وترك عليه

(1) الكافي 5: 303 / 3، التهذيب 6: 200 / 445، الاستبصار 3: 11 - 12 / 31.
(2) الكافي 5: 303 / 1، التهذيب 6: 199 / 443، الاستبصار 3: 11 / 29.
61

دينا وترك عبدا له مال في التجارة وولدا وفي يد العبد مال ومتاع وعليه
دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارة، فإن الورثة وغرماء الميت
اختصموا فيما في يد العبد من المال والمتاع وفي رقبة العبد، فقال: " أرى
أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، ولا على ما في يده من المتاع والمال
إلا أن يضمنوا (1) دين الغرماء جميعا، فيكون العبد وما في يديه للورثة، فإن
أبوا كان العبد وما في يديه للغرماء، يقوم العبد وما في يديه من المال ثم
يقسم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد وما في يديه عن أموال
الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا " قال: " فإن
فضل من قيمة العبد وما كان في يديه عن دين الغرماء رده على الورثة " (2).
مسألة 61: لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد، صح.
والأقرب أنه لا يملكه العبد، فحينئذ يملكه المولى؛ لاستحالة ملك لا
مالك له، ولكن للعبد استباحة التصرف والوطئ لو كان أمة لا من حيث
الملك، بل لاستلزامه الإذن.
إذا عرفت هذا، فليس الإذن في الاستدانة للمملوك إذنا لمملوك
المأذون؛ لاختصاصه بالمأذون، فلا يتعدى إلى غيره بالأصل.
ولا بد في إذن الاستدانة من التصريح، فلا يكفي السكوت لو رآه
يستدين، ولا ترك الإنكار.
أما لو أمر صاحب المال بالإدانة لعبده، فالأقرب أنه إذن للعبد،
فيستبيح العبد التصرف، ويتعلق الضمان بالمولى، بل هو أبلغ من الإذن
للعبد فيه.

(1) في النسخ الخطية والحجرية بدل " يضمنوا ": " يظهر " والصحيح ما أثبتناه من
المصدر.
(2) الكافي 5: 303 / 2، التهذيب 6: 199 - 200 / 444، الاستبصار 3: 11 / 30.
62

البحث الثالث: في المأذون له في التجارة.
والنظر فيه يتعلق بأمور ثلاثة:
الأول: فيما يجوز له من التصرفات.
مسألة 62: إذا أذن السيد لعبده في التجارة، اقتصر على ما حده له،
ولا يجوز له التعدي إلى غيره، سواء كان في جنس ما يشتريه ويبيعه أو في
القدر أو في السفر إلى موضع. وإن عمم له، جاز، ولم يختص الإذن بشيء
من الأنواع دون شي.
ويستفيد المأذون له في التجارة بالإذن كل ما يندرج تحت اسم
التجارة أو كان من لوازمها وتوابعها، كنشر الثوب وطيه، وحمل المتاع إلى
المنزل والسوق، والرد بالعيب، والمخاصمة في العهدة ونحوها، فلا يستفيد
به غير ذلك، فليس له النكاح؛ لأن الإذن تعلق بالتجارة، وهي لا تتناول
النكاح، فيبقى على أصالة المنع، وكما أن المأذون له في النكاح ليس له أن
يتجر، كذا بالعكس؛ لأن كل واحد منهما لا يندرج تحت اسم الآخر.
مسألة 63: ليس للمأذون في التجارة أن يؤاجر نفسه؛ لأنه لا يملك
التصرف في رقبته فكذا في منفعته، وهو قول أكثر الشافعية (1).
وقال بعضهم: إنه يملك ذلك (2). وبه قال أبو حنيفة (3).

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 555، حلية العلماء 5: 359، الوسيط 3: 196،
الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3: 223، منهاج
الطالبين: 109، الهداية - للمرغيناني - 4: 4، المغني 5: 200.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3: 223.
(3) تحفة الفقهاء 3: 288، بدائع الصنائع 7: 195، المبسوط - للسرخسي - 25:
6، الهداية - للمرغيناني - 4: 4، الاختيار لتعليل المختار 2: 159، التهذيب
- للبغوي - 3: 555، حلية العلماء 5: 359، العزيز شرح الوجيز 4: 366،
المغني 5: 200.
63

وهل له إجارة أموال التجارة، كالعبيد والدواب؟ الأقرب: اتباع العادة
في ذلك.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: المنع، كما أنه لا يؤاجر نفسه.
والثاني: الجواز؛ لاعتياد التجار ذلك. ولأن المنفعة من فوائد المال،
فيملك العقد عليها، كالصوف واللبن. ولأن ذلك أنفع للمالك، فيكون
محسنا به، فلا سبيل عليه؛ لقوله تعالى: (ما على المحسنين من
سبيل) (1) (2).
مسألة 64: لو أذن له السيد في التجارة في نوع من المال، لم يصر
مأذونا في سائر الأنواع. وكذا لو أذن له في التجارة شهرا أو سنة، لم يكن
مأذونا بعد تلك المدة، عند علمائنا - وبه قال الشافعي (3) - اقتصارا بالإذن
على مورده؛ لعدم تناوله غير ذلك النوع.
وقال أبو حنيفة: إن الإذن في نوع يقتضي الإذن في غيره، وكذا الإذن
في التجارة مدة يقتضي تعميم الأقارب؛ لأن في الإذن في نوع أو مدة
غرورا للناس؛ لأنهم يحسبونه مأذونا له في كل نوع، والغرور من المغرور
صدر حيث بنى الأمر على التخمين ولم يفحص في البحث عن حاله، كما

(1) التوبة: 91.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 397، التهذيب - للبغوي - 3: 555، الوسيط 3:
196 - 197، العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3: 223 - 224.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 556، العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3:
224.
64

أنه لو لم يأذن لعبده في التجارة فعامل العبد فتوهم الغير الإذن، لم يلزم
المولى حكم، كذا هنا (1).
واعلم أن أبا حنيفة سلم أنه لو دفع المولى إليه ألفا ليشتري به شيئا،
لا يصير مأذونا له في التجارة (2).
ولو دفع إليه ألفا وقال: اتجر فيه، فله أن يشتري بعين ما دفع إليه
وبقدره في الذمة لا يزيد عليه.
ولو قال: اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فيه، فله أن يشتري بأكثر
من القدر المدفوع إليه.
مسألة 65: لو أذن لعبده في التجارة وكان للمأذون عبد، لم يكن
لعبد المأذون التجارة، ولا للمأذون أن يأذن له إلا بإذن مولاه؛ لأن المولى
إنما اعتمد على نظر المأذون، فلم يكن له أن يتجاوزه بالاستنابة، كالتوكيل،
وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إن للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة (4).
وليس بمعتمد.
ولو أذن له السيد في ذلك ففعل، جاز، ثم ينعزل مأذون المأذون
بعزل السيد له أو للمأذون، سواء انتزعه من يد المأذون أو لا، وبه قال
الشافعي (5).

(1) تحفة الفقهاء 3: 286، المبسوط - للسرخسي - 25: 5 و 9 و 17، التهذيب
- للبغوي - 3: 556، العزيز شرح الوجيز 4: 366.
(2) تحفة الفقهاء 3: 285 - 286، العزيز شرح الوجيز 4: 366.
(3) الوسيط 3: 196، العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3: 224.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 366.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 366، روضة الطالبين 3: 224.
65

وقال أبو حنيفة: إذا لم ينتزعه، لم ينعزل (1).
وهل للمأذون أن يوكل غيره في آحاد التصرفات؟ الأولى المنع؛ لأن
السيد لم يرض بتصرف غيره.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما. والثاني: أن له ذلك؛ لأنها تصدر
عن نظره، وإنما الممتنع أن يقيم غيره مقام نفسه (2).
والمعتمد: الأول.
مسألة 66: ليس للمأذون التصدق، إلا مع علم انتفاء كراهية المولى،
ولا ينفق على نفسه من مال التجارة؛ لأنه ملك لسيده.
وعند أبي حنيفة له ذلك (3).
والشافعي (4) وافقنا على ما قلناه.
ولا يتخذ الدعوة للمجهزين (5).
ولا يعامل سيده بيعا وشراء؛ لأن تصرفه لسيده، بخلاف المكاتب
يتصرف لا لسيده، وبه قال الشافعي (6).

(1) العزيز شرح الوجيز: 4: 366.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 366 - 367، روضة الطالبين 3: 224.
(3) تحفة الفقهاء 3: 288، بدائع الصنائع 7: 197، الاختيار لتعليل المختار 2:
160، الهداية - للمرغيناني - 4: 5، الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4:
367، التهذيب - للبغوي - 3: 556.
(4) الوسيط 3: 196، الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4: 367، التهذيب -
للبغوي - 3: 556، روضة الطالبين 3: 224.
(5) قال المطرزي في المغرب 1: 101: والمجاهز عند العامة: الغني من التجار.
وكأنه أريد المجهز، وهو الذي يبعث التجار بالجهاز، وهو فاخر المتاع، أو يسافر
به، فحرف إلى المجاهز.
(6) الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4: 367، التهذيب - للبغوي - 3: 556،
روضة الطالبين 3: 224.
66

وقال أبو حنيفة: له أن يعامل سيده (1).
وربما قيد بعض الشافعية ذلك بما إذا ركبته الديون (2).
مسألة 67: لو احتطب المأذون له في التجارة أو اصطاد أو قبل
الوصية أو أخذ من معدن أو مباح، لم ينضم إلى مال التجارة، فليس له
التصرف فيه إلا بإذن مولاه؛ لأنه مال اكتسبه بغير التجارة، فيكون للسيد،
والسيد لم يأذن له في التصرف فيه ولا سلمه إليه ليكون رأس المال، وبه
قال بعض الشافعية (3).
وقال بعضهم: له ذلك؛ لأنه من جملة أكسابه (4) (5).
وهو غير دال على الغرض؛ إذ الكسب لا ينافي المنع.
مسألة 68: وفي انعزال المأذون بالإباق نظر، أقربه ذلك، قضاء
للعادة، فإن خروجه عن طاعة مولاه يؤذن بكراهة المولى لتصرفه حيث
خرج عن الأمانة، وبه قال أبو حنيفة (6).
ويحتمل أن لا ينعزل بالإباق، بل له التصرف في البلد الذي خرج
إليه، إلا إذا خص السيد الإذن بهذا البلد؛ لأن الإباق عصيان، فلا يوجب

(1) الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4: 367.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 367.
(3) الوسيط 3: 196، الوجيز 1: 151، العزيز شرح الوجيز 4: 367، التهذيب
- للبغوي - 3: 555، روضة الطالبين 3: 224 - 225.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " اكتسابه ". وما أثبتناه من المصادر.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 555، العزيز شرح الوجيز 4: 367، روضة الطالبين 3:
224.
(6) الاختيار لتعليل المختار 2: 162، الهداية - للمرغيناني - 4: 7، الوجيز 1:
152، العزيز شرح الوجيز 4: 367، حلية العلماء 5: 361 - 362، التهذيب
- للبغوي - 3: 556، المغني 5: 200.
67

الحجر، كما لو عصى السيد من وجه آخر.
والفرق ظاهر؛ فإن قهر المولى على نفسه بالإباق يقتضي قهره على
ما بيده، فلا يناسب الإذن له في التصرف فيه.
ولو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها، ففيه هذا الخلاف.
ولا خلاف في أن له أن يأذن لمستولدته في التجارة (1).
وعندنا لو أذن لجاريته في التجارة ثم استولدها، لم يبطل الإذن.
مسألة 69: لو شاهد عبده يبيع ويشتري فسكت عنه ولم ينكر عليه
ولم يظهر منه أثر الاختيار، لم يصر مأذونا له في التجارة - وبه قال الشافعي (2) -
كما لو رآه ينكح فسكت، لم يكن مأذونا له في النكاح، كذا هنا.
وقال أبو حنيفة: إنه يكون مأذونا له في التجارة بمجرد السكوت (3).
مسألة 70: لو ركبت المأذون الديون، لم يزل ملك سيده عما في
يده، فلو تصرف فيه المولى ببيع أو هبة أو إعتاق بإذن المأذون والغرماء،
جاز، فيكون الدين في ذمة العبد.
فإن أذن العبد دون الغرماء، لم يجز عند الشافعي (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 367، روضة الطالبين 3: 225.
(2) الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4: 367، حلية العلماء 5: 357، التهذيب
- للبغوي - 3: 556، روضة الطالبين 3: 225، تحفة الفقهاء 3: 286، بدائع
الصنائع 7: 192، الهداية - للمرغيناني - 4: 3، المبسوط - للسرخسي - 25:
11، المغني 5: 200.
(3) تحفة الفقهاء 3: 286، بدائع الصنائع 7: 192، المبسوط - للسرخسي - 25:
11، الهداية - للمرغيناني - 4: 3، الاختيار لتعليل المختار 2: 158، حلية العلماء
5: 358، التهذيب - للبغوي - 3: 556، الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز
4: 367.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 225.
68

وإن أذن الغرماء دون العبد، فللشافعية وجهان (1).
وقال أبو حنيفة: إذا ركبته الديون، يزول ملك السيد عما في يده،
ولا يدخل في ملك الغرماء (2).
وهو يستلزم المحال، وهو وجود ملك لا مالك له.
والأقرب: أن ما في يده لمولاه، ويصح تصرفه فيه بجميع أنواع
التصرفات، ولا اعتراض للمولى ولا للغرماء.
مسألة 71: لو أقر العبد المأذون بديون المعاملة، ففي قبوله إشكال
ينشأ من أنه يملك ذلك فيملك الإقرار به، ومن أنه إقرار في حق المولى.
والمعتمد: الثاني.
وقالت الشافعية: إنه يقبل، ولا فرق بين أن يقر بها لأجنبي أو لولده
أو لأبيه (3).
وقال أبو حنيفة: لا يقبل إقراره لهما (4).
أما لو أقر بغير دين المعاملة فإنه غير نافذ، وكذا لو أقر غير المأذون؛
لأنه إقرار في حق المولى.
مسألة 72: إذا أقر العبد بجناية توجب القصاص أو الدية، أو أقر
بحد أو تعزير، لم يقبل إقراره في حق مولاه بمعنى أنه لا يقتص منه ما دام
مملوكا، ولا يطالب بالمال ولا بالحد ولا بالتعزير، سواء كان مأذونا له في

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 225.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 8، الاختيار لتعليل المختار 2: 163، الوجيز 1:
152، العزيز شرح الوجيز 4: 368.
(3) الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 225.
(4) المبسوط - للسرخسي - 25: 80، الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4:
368.
69

التجارة والاستدانة أو لا - وبه قال زفر والمزني وداود الظاهري وابن جرير
الطبري (1) - لأنه إقرار في حق المولى. ولأنه يسقط حق السيد به، فأشبه
إقراره بالخطأ.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: يقبل إقراره بما يوجب القصاص،
ويكون للمقر له استيفاؤه؛ لأن ما لا يقبل فيه إقرار السيد على العبد يقبل
إقرار العبد فيه كالطلاق، بخلاف جناية الخطأ؛ لأن العبد تلحقه التهمة في
ذلك، ولهذا يقبل إقرار السيد بها، وفي مسألتنا لا تلحقه التهمة؛ لأنه يتلف
بذلك نفسه، ولهذا يقبل إقرار المرأة بالقتل وإن تضمن إبطال حق الزوج،
ولا يقبل بما يحرمها عليه مع سلامتها (2).
ونمنع عمومية أن ما لا يقبل فيه إقرار السيد يقبل فيه إقرار العبد.
والتمسك بالإطلاق تمسك بأمر جزئي لا يدل على الحكم الكلي.
وقال أحمد: يقبل إقراره فيما دون النفس، ولا يقبل في النفس؛ لما
روي عن أمير المؤمنين على (عليه السلام) أنه قطع عبدا بإقراره (3).

(1) المغني 4: 323، و 5: 273 - 274، الشرح الكبير 5: 280، الكافي في فقه
الإمام أحمد 4: 299، الهداية - للمرغيناني - 4: 169، الحاوي الكبير 5: 372،
التهذيب - للبغوي - 3: 560، حلية العلماء 5: 361، العزيز شرح الوجيز 5:
277، روضة الطالبين 4: 6.
(2) المغني 5: 274، الشرح الكبير 5: 280، الهداية - للمرغيناني - 4: 169،
المبسوط - للسرخسي - 9: 100، الأم 6: 217، المهذب - للشيرازي - 2: 344،
الحاوي الكبير 5: 372، التهذيب - للبغوي - 3: 560، حلية العلماء 5: 361،
و 8: 326، العزيز شرح الوجيز 5: 277، روضة الطالبين 4: 6، الكافي في فقه
أهل المدينة: 582، التفريع 2: 231.
(3) المغني 4: 323، و 5: 273 - 274، الشرح الكبير 5: 279 - 280، الكافي في
فقه الإمام أحمد 4: 299، حلية العلماء 5: 361، العزيز شرح الوجيز 5: 277.
70

ونحن نمنع ذلك، وإنما قطعه بالبينة.
إذا ثبت هذا، فإن أعتق نفذ إقراره، وطولب بمقتضاه.
وإن أقر بجناية الخطأ، فعندنا لا يقبل إقراره في حق مولاه على
ما تقدم.
وقال الشافعي (1) هنا بقولنا.
ويتعلق الإقرار بذمته يتبع به إذا أعتق وأيسر، بخلاف المحجور عليه
للسفه إذا أقر بالجناية، فإنه لا يلزم لا حال الحجر ولا بعد فكه؛ لأنا أبطلنا
إقراره لسفهه فلا نلزمه إياه؛ لأن ذلك تضييع لماله الذي حفظناه بالحجر،
والعبد رشيد، وإنما رددنا إقراره لحق سيده، فإذا زال حقه وملك المال،
ألزمناه حق إقراره.
مسألة 73: لو أقر العبد بسرقة سواء كان مأذونا أو لا، لم ينفذ إقراره
في حق مولاه؛ لأنه إقرار على الغير، فإن أعتق، الزم بمقتضاه، سواء كانت
السرقة مما توجب القطع أو لا، كالسرقة من غير حرز أو لما دون النصاب
ويكون المقر به في ذمته تالفا أو باقيا؛ لأنه متهم في إقراره.
وقال الشافعي: إن كانت السرقة لا توجب القطع، لم يقبل في حق
المولى، ويتبع العبد بها بعد العتق. وإن أوجبت القطع، صح إقراره في
وجوب القطع عليه، كما يصح فيما يوجب القصاص (2).
وأما المسروق فإن كان تالفا، فهل يصح إقراره ويتعلق برقبته، أو
يكون في ذمته؟ للشافعية قولان (3):

(1) المهذب - للشيرازي - 2: 345.
(2) المهذب - للشيرازي - 2: 345، التهذيب - للبغوي - 3: 560، العزيز شرح
الوجيز 5: 277، روضة الطالبين 4: 6.
(3) المهذب - للشيرازي - 2: 345، التهذيب - للبغوي - 3: 560، حلية العلماء 8:
326 - 327، الوجيز 1: 195، العزيز شرح الوجيز 5: 277 - 278، روضة
الطالبين 4: 6.
71

أحدهما: أنه يصح، ويتعلق برقبته؛ لأن إقراره متضمن للعقوبة،
فلا تهمة فيه، كما لو أقر بجناية العمد، فإنه يصح، وإن كان الولي إذا عفا
وجب المال في رقبته.
والثاني: لا يجب في رقبته، وإنما يتعلق بذمته؛ لأنه إقرار بالمال،
فأشبه ما لا يجب به القطع. ويفارق الإقرار بالقصاص؛ لإقراره بالعقوبة،
وإنما يصير مالا بعفو الولي واختياره، وهنا يقر (1) بالمال. ألا ترى أنه إذا
أقام المسروق منه شاهدا وامرأتين، ثبت المال دون القطع، ولو شهد بقتل
العمد شاهد وامرأتان، لم تثبت العقوبة ولا الدية، فإن رجع عن إقراره،
سقط القطع، ويتعلق المسروق بذمته قولا واحدا؛ لأن التهمة تلحقه الآن.
وإن كانت العين المسروقة قائمة، فإن كانت في يد السيد وأنكر
السيد، قدم قوله مع اليمين، وأوجب إقرار العبد القطع، ولا يجب به رد
العين، وإنما يثبت بدلها في ذمته، كالحر إذا أقر بسرقة عين في يد من
يدعيها لنفسه، فإنه يقطع ولا يرد ويغرمها.
وإن كانت في يد العبد، اختلفوا في ذلك على طريقين:
قال ابن سريج في رد ذلك قولين، كما لو كانت العين تالفة (2).
وقال غيره: لا ترد العين قولا واحدا؛ لأن يده كيد سيده، ولو كانت
في يد سيده لم ترد. ولأن هذا يؤدي إلى أن يقبل إقراره في أكثر من قيمته،
وهو أن تكون العين أكثر منه قيمة (3).
وهذا كله عندنا باطل، وإن إقراره لا ينفذ لا في المال ولا في القطع.

(1) في " س، ي ": " أقر ".
(2) الحاوي الكبير 5: 373، العزيز شرح الوجيز 5: 278.
(3) الحاوي الكبير 5: 373، العزيز شرح الوجيز 5: 278، روضة الطالبين 4: 6.
72

إذا ثبت هذا، فإن الشافعية قالوا: إنه يقطع، ولا ترد العين، وبه قال
مالك وأحمد (1).
وقال أبو حنيفة: لا يقطع ولا ترد العين - وهو مذهبنا - لأن العين
يحكم بأنها للسيد، ولا يجوز أن يقطع في ملك سيده (2).
وقال محمد: يقطع وترد العين؛ لأنه إنما أقر بسرقة العين، فإذا
أوجبنا القطع فيها وجب ردها (3).
واحتج الشافعي بأنه أقر بسرقة عين هي ملك لغيره في الظاهر،
فوجب أن يقبل إقراره في القطع دون العين، كما لو أقر الحر بسرقة مال في
يد غيره (4).
ونمنع أنها ملك الغير، بل هي ملك السيد.
تذنيب: لو صدق المولى العبد في إقراره بما يوجب القصاص أو
الحد، قبل، واستوفي من العبد ما يقتضيه إقراره.
مسألة 74: من عامل المأذون وهو لا يعرف رقه، صح تصرفه،
ولا يشترط علمه بحاله.
ولو عرف رقه، لم يجز له معاملته، إلا أن يعرف إذن السيد.
ولا يكفي قول العبد: أنا مأذون؛ لأن الأصل عدم الإذن، فأشبه ما إذا
زعم الراهن إذن المرتهن في بيع المرهون. ولأنه مدع لنفسه، فلا تقبل
دعواه إلا ببينة، وبه قال الشافعي (5).

(1) الحاوي الكبير 5: 373، العزيز شرح الوجيز 5: 278، المغني 4: 324،
الكافي في فقه أهل المدينة: 582.
(2) المغني 4: 324، العزيز شرح الوجيز 5: 278.
(3) انظر: الحاوي الكبير 5: 374.
(4) المغني 4: 324.
(5) الوسيط 3: 197، العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 226.
73

وقال أبو حنيفة: يكفي قول العبد، كما يكفي قول الوكيل (1).
قالت الشافعية: بينهما فرق؛ لأن في الوكيل لا حاجة إلى دعوى
الوكالة، بل تجوز معاملته بناء على ظاهر الحال وإن لم يدع شيئا، وهنا
بخلافه (2).
وإنما يعرف كونه مأذونا إما بسماع الإذن من السيد أو ببينة تقوم
عليه.
ولو شاع في الناس كونه مأذونا، فوجهان، أصحهما عندهم: يكتفى
به (3) أيضا؛ لأن إقامة البينة لكل معامل مما يعسر (4).
والوجه عندي: عدم الاكتفاء، والعسر يندفع بإثبات ذلك عند
الحاكم.
ولو عرف كونه مأذونا ثم قال العبد: حجر علي السيد، لم يعامل.
فإن قال السيد: لم أحجر عليه، فوجهان للشافعية:
أصحهما عندهم: أنه لا يعامل أيضا؛ لأنه العاقد، والعقد باطل
بزعمه.
والثاني: أنه تجوز معاملته - وهو مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة - اعتمادا
على قول السيد (5).
مسألة 75: لو عامل المأذون من عرف رقه ولم يعرف إذنه ثم بان
كونه مأذونا، صحت المعاملة؛ لظهور الإذن المقتضي لصحتها، وليس العلم

(1) الوسيط 3: 197، العزيز شرح الوجيز 4: 368.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 368.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " فيه " بدل " به ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) الوسيط 3: 197، الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة
الطالبين 3: 226، منهاج الطالبين 3: 109.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 226.
74

به شرطا في الصحة، بل في العلم بها.
وقالت الشافعية: إنه يلحق بما إذا باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان
ميتا (1).
ويقرب منه قولان للشافعية فيما إذا كذب مدعي الوكالة ثم عاملة ثم
ظهر صدق دعوى الوكيل في الوكالة (2).
وكل هذا عندنا يقع صحيحا؛ لما قلناه من أن العلم شرط في العلم.
ولو عرف كونه مأذونا فعامله ثم امتنع من التسليم إلى أن يقع الإشهاد
على الإذن، فله ذلك، خوفا من خطر إنكار السيد، كما لو صدق مدعي
الوكالة بقبض الحق ثم امتنع من التسليم حتى يشهد الموكل على الوكالة.
وهل تجوز معاملة من لا يعرف رقه وحريته؟ الأقرب ذلك؛ لأن
الأصل الحرية وعدم الحجر، وهو أحد قولي الشافعية. والثاني: المنع؛ لأن
الأصل بقاء الحجر الثابت عليه بالصغر (3).
مسألة 76: إذا أطلق له الإذن في الشراء، انصرف إلى النقد، فإن أذن
له في النسيئة، جاز، فيثبت الثمن في ذمة المولى، وليس له الاستدانة إلا
مع ضرورة التجارة المأذون له فيها، فيلزم الدين المولى؛ لأن الإذن في
الشئ يستلزم الإذن فيما لا يتم ذلك الشئ إلا به.
أما لو استدان لغير مصلحة التجارة، فإنه لا يلزم المولى، بل يتبع به
بعد العتق، فإن أعتق أخذ منه، وإلا ضاع.
ولا يستسعى على رأي؛ لأن في ذلك إضرارا بالمولى، فكان المؤدي
المولى.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 368، روضة الطالبين 3: 226.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 369، روضة الطالبين 3: 226.
75

النظر الثاني: في العهدة.
مسألة 77: إذا باع المأذون سلعة وقبض الثمن فظهرت السلعة
مستحقة وقد تلف الثمن في يد العبد، فللمشتري الرجوع ببدله على
السيد؛ لأن العقد له والعبد نائب عنه وعبارته مستعارة، فكأنه البائع
والقابض للثمن، وهو أحد قولي الشافعية. وفي الثاني: يرجع المشتري
على العبد ببدله؛ لأنه المباشر للعقد (1).
ولهم قولان آخران:
أحدهما: أنه لا يرجع على العبد ولا السيد؛ لأن السيد بالإذن قد
أعطاه استقلالا، فشرط من معامله قصر الطمع عن يده وذمته (2).
والثاني: أنه إن كان في يد العبد وفاء، فلا يطالب السيد؛ لحصول
غرض المشتري، وإلا طولب السيد (3).
وقال ابن سريج: إن كان السيد قد دفع إليه عين ماله وقال: بعها وخذ
ثمنها واتجر فيه، أو قال: اشتر هذه السلعة وبعها واتجر في ثمنها، ففعل ثم
ظهر الاستحقاق وطالبه المشتري بالثمن، فله أن يطالب السيد بقضاء الدين
عنه؛ لأنه أوقعه في هذه الغرامة. وإن اشترى باختياره سلعة وباعها ثم ظهر
الاستحقاق، فلا (4).
مسألة 78: المأذون له في التجارة إذا اشترى شيئا للتجارة، طولب

(1) الوسيط 3: 199، العزيز شرح الوجيز 4: 369، روضة الطالبين 3: 226 -
227.
(2) كذا، وفي العزيز شرح الوجيز: " فشرط من يعامله قصر الطمع على يده وذمته ".
(3) الوسيط 3: 199، العزيز شرح الوجيز 4: 369، روضة الطالبين 3: 227.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 369، روضة الطالبين 3: 227.
76

السيد بالثمن؛ لأنه نائب عنه ووكيل له.
وللشافعية الأوجه الثلاثة (1) السابقة في المسألة السابقة.
والوجه الأول والثاني جاريان في عامل القراض مع رب المال؛
لتنزيل رب المال العهدة على المال المعين (2).
ولو دفع شخص إلى وكيله مالا وقال: اشتر لي عبدا وأد هذا في
ثمنه، فاشترى الوكيل، ففي مطالبة الموكل بالثمن عند الشافعية طريقان:
أحدهما: أنه يطالب، ولا حكم لهذا التعيين مع الوكيل؛ لأن الوكيل
سفير محض، والمأذون مملوكه يلزمه الامتثال والتزام (3) ما يلزمه السيد
ذمته.
وأحسنهما عندهم: طرد القولين فيه (4).
والوجه: أن نقول: إن كان الموكل قد عين المدفوع في الثمنية في
العقد فاشترى الوكيل به، لم يطالب الموكل. وإن لم يدفعه، بطل الشراء إن
سمى الموكل؛ لمخالفته أمره، وإن لم يسمه، وقع الشراء له، وكان عليه
الثمن، فلا يطالب الموكل. وإن لم يكن قد عين المدفوع في الثمنية في
العقد، كان للبائع مطالبة الموكل.
مسألة 79: إذا توجهت المطالبة على العبد، لم تسقط، ولا تندفع
عنه بعتقه، لكن في رجوعه بالمغروم بعد العتق للشافعية وجهان:
أحدهما: يرجع؛ لانقطاع استحقاق السيد بالعتق.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 369، روضة الطالبين 3: 227.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " إلزام ". والصحيح ما أثبتناه من " العزيز شرح
الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 370، روضة الطالبين 3: 227.
77

وأظهرهما عندهم: لا يرجع؛ لأن المؤدي بعد العتق كالمستحق
بالتصرف السابق على الرق، وهذا كالخلاف في السيد إذا أعتق العبد - الذي
آجره - في أثناء مدة الإجارة هل يرجع بأجرة مثله للمدة الواقعة بعد
العتق؟ (1)
مسألة 80: لو سلم إلى عبده ألفا للتجارة فاشترى بالعين شيئا ثم
تلف الألف في يده، انفسخ العقد، كما لو تلف المبيع قبل القبض.
وإن اشترى في الذمة على عزم صرف الألف في الثمن، فالأقرب: أنه
لا يجب على السيد دفع البدل؛ لأنه أذن بالمعاملة بما دفعه، وهو ينصرف
إلى الشراء بالعين، لكن السيد إن دفع ألفا آخر، أمضى العقد، وإلا فللبائع
فسخ العقد، وهو أحد أقوال الشافعية.
والثاني: أنه ينفسخ العقد، كما لو اشترى بالعين؛ لأن المولى حصر
إذنه في التصرف في ذلك الألف وقد فات محل الإذن، فبطل البيع.
والثالث: أنه يجب على السيد ألف آخر؛ لأن العقد وقع له، والثمن
غير متعين، فعليه الوفاء بإتمامه (2).
ولا بأس به إن كان السيد قد أطلق له ذلك، بل هو المتعين حينئذ،
وإلا فالوجه ما قلناه.
وللشافعية وجه رابع، وهو: أن يكون الثمن في كسب العبد (3).
وكذا لو دفع إلى عامل القراض ألفا للقراض، فاشترى العامل بمال
في الذمة وتلف الألف عنده، هل يجب على رب المال ألف آخر، أو

(1) الوسيط 3: 200، العزيز شرح الوجيز 4: 370، روضة الطالبين 3: 227.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 370، روضة الطالبين 3: 227.
78

ينقلب العقد إلى العامل؟ إن قلنا بالأول، فعلى السيد ألف آخر. وإن قلنا
بالثاني، انفسخ العقد.
وإذا قلنا على السيد ألف آخر، فهل للعبد أن يتصرف فيه بالإذن
السابق، أم لابد من إذن جديد؟ فيه وجهان كالوجهين في أنه إذا أخرج ألفا
آخر في صورة القراض، فرأس المال ألف أو ألفان؟ إن قلنا: ألف، فلابد
من إذن جديد. وإن قلنا: ألفان، كفى الإذن السابق.
والألف الجديد إنما يطالب به البائع دون العبد، ولا شك أن العبد
لا يمد يده إلى ألف من مال السيد وأنه لا يتصرف فيما قبضه البائع، وإنما
تظهر فائدة الخلاف فيما إذا ارتفع العقد بسبب من الأسباب ورجع الألف.
مسألة 81: إذا اتجر المأذون وحصل عليه ديون وفي يده مال وكان
الذي استدانه في مصلحة التجارة، قضيت ديونه مما في يده، وإن شاء
المولى دفع من عنده. وإن لم يكن بقي في يده شي، فإن الديون تكون (1)
في ذمته يتبع بها إذا أعتق وأيسر إن صرفها في غير مصلحة التجارة.
والشافعية أطلقوا وقالوا: لا يتعلق برقبته - وبه قال مالك - لأنه دين
ثبت على العبد برضا من له الدين، فوجب أن لا يتعلق برقبته، كما لو
استقرض بغير إذن سيده (2).
وقال أبو حنيفة: يباع العبد فيه إذا طالبه الغرماء ببيعه؛ لأنه دين تعلق
بالعبد بإذن سيده، فوجب أن يباع فيه، كما لو رهنه (3).

(1) في " ي ": " تبقى " بدل " تكون ".
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 397، حلية العلماء 5: 362، الوسيط 3: 202،
الوجيز 1: 152، العزيز شرح الوجيز 4: 371، روضة الطالبين 3: 227 - 228،
المدونة الكبرى 5: 245 - 246، المغني 4: 322.
(3) تحفة الفقهاء 3: 290، المغني 4: 322، حلية العلماء 5: 362، الوجيز 1:
152، الوسيط 3: 202.
79

وفرق بينهما؛ لأن الدين ثبت فيه باختيار السيد، وفي صورة النزاع
إنما أذن له في التجارة، ولم يأذن له في تأخير الثمن في ذمته.
ويخالف أيضا النفقة في النكاح حيث تعلقت بكسبه؛ لأن إذن السيد
في النكاح يتضمنها، وهنا لا يتضمن إذنه، وإنما أذن له في التجارة وطلب
الفائدة، دون المداينة والخسران.
وقال أحمد بن حنبل: يتعلق بذمة السيد؛ لأنه أذن له في التجارة،
فقد غر الناس بمعاملته، وأذن له فيها، فصار ضامنا (1).
وليس بصحيح؛ لأن السيد لم يضمن عن عبده، ولا في ذلك غرر،
وإنما أذن له في التجارة، وهذا لا يتضمن تعديله ولا إثبات وفائه، ويبطل
بمن باع رجلا معسرا وعامله، فإنه قد غر الناس ولا يضمن.
النظر الثالث: في قضاء ديونه.
مسألة 82: ديون معاملات المأذون تؤخذ مما في يده من مال
التجارة، سواء فيه الأرباح الحاصلة بتجاراته ورأس المال.
ولو أداه السيد، جاز.
وهل تؤدى من كسبه بغير طريق التجارة، كالاصطياد والاحتطاب؟
مقتضى مذهبنا ذلك؛ لأن جميع ذلك ملك السيد.
وللشافعية وجهان:
هذا أحدهما، كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح، إلا أن الشافعية قالوا:
ما فضل من ذلك يكون في ذمته إلى أن يعتق.

(1) المغني 4: 322، حلية العلماء 5: 362.
80

والثاني: لا، كسائر أموال السيد (1).
وعلى الأول هل تتعلق بما كسبه بعد الحجر؟ وجهان للشافعية،
أصحهما عندهم: أنها (2) لا تتعلق به ولا برقبته ولا بذمة السيد؛ لأنه دين لزمه
برضا من له الدين، فلا يتعلق برقبته، كما لو استقرض بغير إذن السيد.
وخالف فيه أبو حنيفة.
وأما أنها لا تتعلق بذمة السيد: فلأن ما لزم بمعاوضة معقودة (3) بإذنه
وجب أن تكون متعلقة بكسب العبد، كالنفقة في النكاح (4).
مسألة 83: لو أذن المولى لجاريته في التجارة فعلاها ديون،
لم تتعلق الديون بأولادها، سواء ولدوا قبل الإذن في التجارة أو بعدها، وبه
قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: إن ولدوا بعد الإذن في التجارة، تعلق الدين بهم،
وإلا فلا (6).
ولو أتلف السيد ما في يد المأذون من أموال التجارة، فعليه ما أتلف
بقدر الدين.
ولو أنه قتل المأذون وليس في يده مال، لم يلزمه قضاء الديون، إلا
أن تكون في مصلحة التجارة.
ولو تصرف فيما في يد المأذون ببيع أو هبة أو إعتاق ولا دين على

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 557، العزيز شرح الوجيز 4: 371، روضة الطالبين 3:
228.
(2) أي الديون.
(3) في العزيز شرح الوجيز: " مقصودة " بدل " معقودة ".
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 371، روضة الطالبين 3: 228.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 371.
81

العبد، كان تصرفه ماضيا.
وفي وجه للشافعية: يشترط أن يتقدم عليه حجر (1).
وإن كان عليه دين (2).
مسألة 84: إذا باع المأذون أو أعتقه، صار محجورا عليه، وهو أصح
وجهي الشافعية (3).
وفي قضاء ديونه مما يكسبه في يد المشتري الخلاف المذكور فيما
يكسبه بعد الحجر عليه.
وأكثر المسائل الخلافية في المأذون يبنى على أنه يتصرف لنفسه أو
لسيده؟ فعند أبي حنيفة أنه يتصرف لنفسه (4). وعندنا وعند الشافعي (5)
لسيده، فلذلك نقول: ليس له أن يبيع نسيئة ولا بدون ثمن المثل،
ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد، ولا يتمكن من عزل نفسه، بخلاف
الوكيل.
ولو أذن لعبده في التجارة مطلقا ولم يعين مالا، قال بعض الشافعية:
لا يصح هذا الإذن (6).
وقال بعضهم: يصح، وله التصرف في أنواع الأموال (7).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 372، روضة الطالبين 3: 228.
(2) كذا في النسخ الخطية والحجرية؛ حيث إن الشرط بلا جزاء، وقد ورد الجزاء في
العزيز شرح الوجيز 4: 372، وروضة الطالبين 3: 228 هكذا: " فقد سبق حكم
تصرفه ". وقد تقدم حكم تصرفه في ص 68، المسألة 70، فراجع.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 372، روضة الطالبين 3: 228.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 372.
(6 و 7) العزيز شرح الوجيز 4: 372، روضة الطالبين 3: 228.
82

مسألة 85: لو أذن السيد لعبده في أنه يضمن عن إنسان مالا،
فضمنه، تعلق المال بذمة العبد؛ لأنه ثبت برضا من له الحق، وهو أحد
وجهي الشافعية. والثاني: يتعلق بكسبه، ويكون بمنزلة المهر والنفقة؛ لأنه
أذن في سببه (1).
مسألة 86: قد بينا أنه لا يقبل إقرار العبد - سواء كان مأذونا له أولا -
بقصاص ولا حد ولا في مال في حق سيده.
وقال الشافعي: يقبل في الجناية والحد (2).
وعندنا إذا صدقه السيد، الأقرب: القبول.
فإذا ثبت القبول مطلقا أو بتصديق السيد، فولى الجناية مخير بين
القصاص والعفو مطلقا.
وعند الشافعي على مال (3).
ونحن إنما نثبت له العفو على المال مع رضا الجاني.
قال بعض الشافعية: على القول بأن الجناية توجب أحد الأمرين إذا
اختار الملك، كان فيه وجهان بناء على القولين في المسروق.
لا يقال: لا يثبت العفو على مال؛ لأنه يوجب التهمة، لإمكان أن
يواطئ العبد من يقر له بالعمد ليعفو عنه.
لأنا نقول: إنه أقر بالعمد الموجب للقصاص، وذلك لا تهمة فيه؛

(1) الوجيز 1: 183، العزيز شرح الوجيز 5: 147 - 148، روضة الطالبين 3: 476.
(2) الأم 6: 217، المهذب - للشيرازي - 2: 344، التهذيب - للبغوي - 3: 560،
الحاوي الكبير 5: 372، حلية العلماء 5: 361، و 8: 326، العزيز شرح الوجيز
5: 277، روضة الطالبين 4: 6.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 560، العزيز شرح الوجيز 5: 278، روضة الطالبين 4:
6.
83

لأنه لا يأمن استيفاءه منه، والعاقل لا يغرر بنفسه (1).
وليس بجيد؛ لأن المواطأة تنفي ذلك.
إذا ثبت هذا، فإن قيمته إذا كانت أقل من أرش الجناية، لم يكن
للولي إلا ذلك؛ لأن الجاني هو العبد، فلا يجب على غيره شي. وإن كانت
قيمة العبد أكثر، كان الفضل للسيد؛ إذ ليس لصاحب الجناية أكثر من حقه.
وإن أراد السيد أن يفديه، ففيه قولان لعلمائنا، وللشافعي (2) أيضا
كالقولين:
أحدهما: بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته؛ لأن أرش الجناية
إن كان أكثر، فلا يتعلق بغير العبد الجاني، وإنما تجب قيمته؛ إذ لا شي له
أزيد منها. وإن كان الأرش أقل، لم يجب بالجناية إلا هو.
والثاني: أنه يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ؛ لأنه يجوز أن يشترى
بأكثر من قيمته بأن يرغب فيه راغب أو يزيد فيه زائد.
مسألة 87: قد عرفت أنه إذا أقر العبد - سواء كان مأذونا له في
التجارة أو لا - بدين، لم يقبل؛ لأنه في الحقيقة إقرار في حق السيد، سواء
كان قد تلف المال في يده أو لا.
وللشافعي (3) فيما إذا تلف في يده وجهان (4).
وقال ابن سريج: إذا كان المال في يده، فقولان (5).

(1) التهذيب 3: 560 و 561، العزيز شرح الوجيز 5: 278، روضة الطالبين 4: 6.
(2) المهذب - للشيرازي - 2: 215، التهذيب - للبغوي - 7: 174، حلية العلماء 7:
601، الوسيط 6: 378، العزيز شرح الوجيز 10: 498، روضة الطالبين 7:
212.
(3) كذا، والظاهر: " للشافعية ".
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 277 - 278، روضة الطالبين 4: 6.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 278.
84

ومنهم من قال: يقبل قولا واحدا (1).
والحق ما قلناه.
نعم، يقبل إقراره بكل ذلك في ذمته يتبع به بعد العتق.
تم الجزء الثامن (2) من كتاب تذكرة الفقهاء بعون الله تعالى - ويتلوه
في الجزء التاسع (3) بتوفيق الله تعالى: المقصد الثاني في الرهن، وفيه
فصول - على يد مصنفه العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف بن علي
ابن المطهر الحلي، غفر الله تعالى له ولوالديه ولكافة المؤمنين، ببلدة
السلطانية في سادس جمادى الاولى سنة أربع عشرة وسبعمائة.
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبى وآله
الطاهرين (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 278، روضة الطالبين 4: 6.
(2 و 6) حسب تجزئة المصنف (قدس سره).
(4) ورد في آخر نسخة " س ": " وكان الفراغ منه على يد كاتبه العبد الفقير إلى الله
الغني زين العابدين بن محي الدين بن علي بن كرامة، حامدا مصليا مسلما، نهار
الجمعة ثاني عشر شهر رمضان المعظم ختم بالخير والكرم، سنة اثنين وسبعين
وتسعمائة، والحمد لله وحده، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، والحمد لله
رب العالمين ".
85

بسم الله الرحمن الرحيم
المقصد الثاني: في الرهن
وفيه مقدمة وفصول.
أما المقدمة: ففيها بحثان:
الأول: في ماهيته.
الرهن عقد شرع للاستيثاق على الدين.
وفي اللغة: وضع للثبوت والدوام. يقال: رهن الشيء: إذا ثبت.
والنعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة.
وقيل: جعل الشيء محبوسا (1)، أي شيء كان بأي سبب كان.
قال الله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) (2) أي: محبوسة بوبال
ما كسبت من المعاصي.
ويقال: رهنت الشيء فهو مرهون. ولا يقال: " أرهنت " إلا في الشواذ
من اللغة. يقال: رهن فهو مرهون، وارتهنته فهو مرهن. ويقال: أرهن في
الشيء: إذا عدل فيه. وأرهن ابنه: إذا جعله رهينة وخاطر به.

(1) الصحاح 5: 2128 " رهن "، لسان العرب 3: 189 " رهن "، المغني والشرح الكبير
4: 397.
(2) المدثر: 38.
87

وجمع الرهن رهون ورهان.
وأما الرهن فقال الفراء: إنه جمع الجمع (1).
قال الزجاج: يحتمل أن يكون جمع رهن، كما يقال: سقف
وسقف (2).
الثاني: الرهن سائغ بالنص والإجماع.
قال الله تعالى: (فرهان مقبوضة) (3).
وروى العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا يغلق المرتهن الرهن من
صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه " (4).
وعن الصادق (عليه السلام) عن أبيه الباقر (عليه السلام): " أن النبي (صلى الله عليه وآله) رهن درعه
عند أبي الشحم اليهودي " (5).
وعن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) رهن درعه عند يهودي وأخذ منه شعيرا
لأهله (6).
ويقال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) عدل عن الرهن عند المسلمين إلى اليهودي
خوفا من أن يحابوه أو يبرؤوه من القرض.

(1) حكاه عنه الزجاج في معاني القرآن 1: 367، وابن قدامة في المغني 4: 397،
وانظر: معاني القرآن - للفراء - 1: 188.
(2) حكاه عنه ابن قدامة في المغني 4: 397، وانظر: معاني القرآن - للزجاج - 1:
367.
(3) البقرة: 283.
(4) سنن البيهقي 6: 39، الحاوي الكبير 6: 3.
(5) سنن البيهقي 6: 37، الحاوي الكبير 6: 4.
(6) سنن البيهقي 6: 36.
88

ومن طريق الخاصة: ما رواه أبو حمزة قال: سألته عن الرهن والكفيل
في بيع النسيئة، قال: " لا بأس به " (1).
وعن معاوية بن عمار قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن الرجل يسلم
في الحيوان والطعام ويرتهن الرجل، قال: " لا بأس، تستوثق من مالك " (2).
والأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.
وقد أجمعت الأمة كافة على جواز الرهن في الجملة، وليس واجبا
إجماعا.
وقوله تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان
مقبوضة) (3) المراد منه الإرشاد دون الأمر الموجب.
وهو عقد لازم من طرف الراهن، جائز من جهة المرتهن إجماعا،
فليس للراهن فسخ الرهن، ويجوز للمرتهن فسخه.

(1) الكافي 5: 233 (باب الرهن) ح 1، التهذيب 7: 168 / 744، والحديث عن
الإمام الباقر (عليه السلام).
(2) الكافي 5: 233 / 3، التهذيب 7: 168 / 746.
(3) البقرة 283.
89

الفصل الأول: في الأركان
وهي أربعة تشتمل عليها أربعة مباحث:
البحث الأول: في الصيغة.
الرهن كالبيع في افتقاره إلى صيغة تدل عليه.
والأصل فيه أن المعاملات لا بد فيها من التراضي بين المتعاملين،
والرضا من الأمور الباطنة الخفية عنا، ولا يمكن التوصل إلى معرفته إلا
بالصيغ الدالة عليه.
والخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه
المذكورة في البيع بجملته آت هاهنا.
واعلم أن الرهن إما أن يكون مبتدأ متبرعا به، وهو الذي لا يقع
شرطا في عقد، بل يقول الراهن: رهنت هذا الشئ عندك على الدين الذي
علي، فيقول المرتهن: قبلت. وإما أن يقع شرطا في عقد، كبيع أو إجارة
أو نكاح أو غير ذلك، فيقول: بعتك هذا الشئ بشرط أن ترهنني عبدك،
فيقول: اشتريت ورهنت، أو: زوجتك نفسي على مهر قدره كذا بشرط أن
ترهنني دابتك (1) على المهر، فيقول الزوج: قبلت ورهنت.
فالقسم الأول لابد فيه من الإيجاب والقبول عند من اشترطهما،
ولم يكتف بالمعاطاة.

(1) في " ج ": " دارك " بدل " دابتك ".
91

وأما القسم الثاني: فقد اختلفوا فيه.
فقال بعض الشافعية: إذا قال البائع: بعتك كذا بشرط أن ترهنني كذا،
فقال المشتري: اشتريت ورهنت، لابد وأن يقول البائع بعد ذلك: قبلت
الرهن. وكذا إذا قالت المرأة: زوجتك نفسي بكذا بشرط أن ترهنني كذا،
فقال الزوج: قبلت النكاح ورهنتك كذا، فلا بد وأن تقول المرأة بعد ذلك:
قبلت الرهن؛ لأنه لم يوجد في الرهن سوى مجرد الإيجاب، وهو بمفرده
غير كاف في إتمام العقد (1).
وقال آخرون: إن وجود الشرط من البائع والزوجة يقوم مقام القبول؛
لدلالته عليه. وكذا الاستيجاب يقوم مقام القبول (2).
مسألة 88: قد بينا أنه لا بد في الرهن من إيجاب وقبول، فالإيجاب
كقوله: رهنتك، أو: هذا وثيقة عندك على كذا، أو: هو رهن عنك،
وما أدى هذا المعنى من الألفاظ. والقبول كقوله: قبلت، أو: رضيت،
وما أدى معناه.
ولا بد من الإتيان فيهما بلفظ الماضي، فلو قال: أرهنك كذا، أو: أنا
أقبل، لم يعتد به.
وكذا لا يقوم الاستيجاب مقام القبول؛ لعدم دلالته على الجزم
بالرضا.
وهل يشترط في الصيغة اللفظ العربي؟ الأقرب: العدم.
ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة إلا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة
الدالة عليه. وكذا الكتابة مع الإشارة، ولا تكفي الكتابة المجردة عن الإشارة
الدالة على الرضا.
مسألة 89: الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة التي لا تفضي إلى

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 463، روضة الطالبين 3: 300.
92

جهالة في بيع إن شرط فيه، عند علمائنا أجمع؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون (1)
عند شروطهم " (2).
ولقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (3) ومعنى الإيفاء به (4) العمل
بمقتضاه، فإذا كان مشروطا، دخل تحت هذا الأمر.
وقالت الشافعية: إن شرط في الرهن شرطا، فإما أن يكون من
مقتضى عقد الرهن، أو لا يكون من مقتضاه.
فإن كان الأول مثل أن يشرط كون الرهن في يد المرتهن أو عدل،
أو يبيعه عند محل الدين، أو يشرط منافعه للراهن، أو على أن يباع الرهن
في دينك عند الحاجة، أو يتقدم به عند تزاحم الغرماء، أو لا أبيعه إلا
بإذنك، فإن مثل هذه الشروط كلها لا يضر التعرض بها لا في رهن التبرع
ولا في رهن المشروط في العقد، وإنما هو تصريح بمقتضى العقد وتأكيد
لمقتضاه.
وإن كان الثاني فإما أن يتعلق بمصلحة العقد، كالإشهاد، أو لا يتعلق
به غرض، كقوله: بشرط أن لا يأكل إلا اللحم، أو ما عداهما (5).
والأولان فيهما قولان، كما لو شرطا في البيع، وقد سبق (6) فيه

(1) في " ج ": " المسلمون " بدل " المؤمنون " و كذا في صحيح البخاري 3: 120، وسنن
الدارقطني 3: 27 / 98 و 99، وسنن البيهقي 7: 249، والمستدرك - للحاكم - 2: 49
و 50، والمصنف - لابن أبي شيبة - 6: 568 / 2064، والمعجم الكبير - للطبراني - 4:
275 / 4404.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(3) المائدة: 1.
(4) الضمير راجع إلى العقد. وكلمة " به " لم ترد في الطبعة الحجرية.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 463، روضة الطالبين 3: 301.
(6) في ج 10 ص 246 ضمن " القسم الرابع: النهي عن بيع وشرط " وص 274، الفرع
" كد " من المسألة 124.
93

حكمهما.
والثالث - وهو أن يشترط ما عداهما - فإما أن ينفع المرتهن ويضر
الراهن، أو بالعكس.
فالنوع الأول كما إذا رهن داره بشرط أن يرهن غيرها، أو بشرط أن
لا ينفك الرهن بعد أداء الدين شهرا، أو أن تكون منافع المرهون أو زوائده
للمرتهن، أو أن لا يسلمه إليه، أو أن لا يبيعه عند محل الحق، أو أن
لا يبيعه إلا بما يرضى به، فهنا يبطل الشرط عند الشافعي (1).
ثم إن كان الرهن رهن تبرع، فللشافعي قولان:
أصحهما عنده: أن الرهن فاسد أيضا؛ لما فيه من تغيير قضية العقد.
والثاني: - وبه قال أبو حنيفة -: أن الرهن لا يفسد بفساد الشرط؛ لأن
الرهن تبرع من الراهن، وهذا الشرط فيه تبرع آخر، وأحد التبرعين لا يبطل
ببطلان الثاني، كما لو أقرضه الصحاح وشرط رد المكسور، يلغو الشرط
ويصح القرض (2).
وإن كان الرهن مشروطا في بيع نظر، فإن لم يجر الشرط جهالة الثمن
- كما إذا شرط في البيع رهنا على أن يبقى محبوسا عنده بعد أداء الثمن
شهرا - ففي فساد الرهن القولان السابقان (3) في رهن التبرع.
فإن فسد، ففي فساد البيع قولان في أن الرهن وسائر العقود المستقلة
إذا شرطت في البيع على نعت الفساد هل تفسد البيع؟ قولان تقدما (4). فإن
قلنا بصحة البيع، فللبائع الخيار، صح الرهن أو فسد؛ لأنه إن صح،

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 463، روضة الطالبين 3: 301.
(3) آنفا.
(4) في ج 10 ص 249، ضمن المسألة 117.
94

لم يسلم له الشرط. وإن لم يصح، لم يسلم له أصل الرهن.
وإن (1) جر الشرط جهالة الثمن - كما إذا شرط في البيع رهنا وشرط
أن تكون منافعه وزوائده للمرتهن - فالبيع باطل؛ لأن المشروط استحقاقه
يصير جزءا من الثمن، وهو مجهول، وإذا بطل البيع، بطل الرهن والشرط
لا محالة.
هذا ما اتفق عليه جماهيرهم (2)، ووراءه كلامان آخران:
أحدهما: نقل المزني في المسألة أن للبائع الخيار في فسخ البيع
وإثباته، وتوهم أنه ذهب إلى تصحيح العقد إذا حذف منه الشرط الفاسد.
واعترض عليه بأنه خلاف أصله في أن الفاسد لا خيار فيه. وأصحابه
خطأوه في قيله وتوهمه (3).
والثاني: أن القاضي ابن كج حكى طريقة أخرى أن في فساد الرهن
قولين. وإن فسد، ففي فساد البيع قولان، كما سبق (4).
وكلام ثالث استحسنه بعضهم، وهو: أن الحكم بالبطلان فيما إذا
أطلق فقال: بعتك هذا العبد بألف لترهن به دارك وتكون منفعتها لي، فأما
إذا قيد وقال: تكون منفعتها لي سنة أو شهرا، فهذا جمع بين البيع والإجارة
في صفقة واحدة (5)، وقد سبق حكمه في البيع (6).
والنوع الثاني، وهو أن يكون الشرط مما ينفع الراهن ويضر

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " فإن ". والظاهر ما أثبتناه.
(2 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 464.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 464، وقد سبق آنفا.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 464.
(6) راجع: ج 10، ص 252، الفرع " د " من المسألة 118، وص 290، الفرع " يج " من
المسألة 126.
95

المرتهن، كما لو قال: رهنتك بشرط أن لا تبيعه عند المحل، أو: لا تبيعه
بعد المحل إلا إذا مضى شهر، أو: إلا بما أرضى، أو: بأكثر من ثمن المثل،
فهو فاسد عندهم، مفسد للرهن (1).
وقال بعضهم: يجيء في إفساده الرهن القولان المذكوران في النوع
الأول (2).
واستغربه بعضهم (3).
والفرق على ظاهر مذهبهم أن ما ينفع المرتهن (4) يزيد في الوثيقة،
ويؤكد ما وضع العقد له، وما يضر يخل به.
فإن كان الرهن مشروطا في بيع، عاد القولان في فساده بفساد الرهن
المشروط، فإن لم يفسد، فللبائع الخيار (5).
واعلم أن بعض الشافعية قسم فقال: إن شرط ما هو من مقتضى عقد
الرهن - مثل: كون الرهن في يد المرتهن أو في يد عدل - صح الشرط.
وإن شرط ما ينافي مقتضى العقد - مثل: أن يشرط أن لا يسلمه إليه،
أو: أن لا يبيعه عند محل الدين، أو كون المنافع للمرتهن - فسد الشرط؛
لمنافاته مقتضى عقد الرهن.
وهل يفسد الرهن؟ ينظر فإن كان (6) نقصانا من حق المرتهن، بطل
عقد الرهن قولا واحدا. وإن كان زيادة في حق المرتهن، فقولان:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 464، روضة الطالبين 3: 301 - 302.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 464، روضة الطالبين 3: 302.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " الراهن " بدل " المرتهن ". والصحيح ما أثبتناه كما في
المصدر.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 464.
(6) أي الشرط.
96

أحدهما: يفسد؛ لأن هذا شرط فاسد فأفسده، كما لو كان نقصانا من
حق المرتهن.
والثاني: لا يفسد؛ لأن الرهن قد تم، وإنما شرط له زيادة
لا يقتضيها، فسقطت الزيادة، وبقي عقد الرهن. ويفارق إذا كان نقصانا من
حق المرتهن؛ لأن الرهن لم يتم.
فإن قلنا: العقد فاسد، ففي فساد البيع إذا شرط فيه قولان:
أحدهما: يفسد - وبه قال أبو حنيفة - لأن الشرط الفاسد إذا اقترن
بالعقد أفسده؛ لأن سقوطه يقتضي رد جزء من الثمن ترك لأجله، وذلك
مجهول.
والثاني: لا يفسد البيع؛ لأن الرهن ينعقد منفردا عن البيع، فلم يفسد
بفساده، كالصداق مع النكاح (1).
إذا ثبت هذا، فإن أبا حنيفة قال: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛
لأنه عقد يفتقر إلى القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة، فإن العمرى
يشترط فيها رجوع الموهوب إليه ولا تفسد (2).
واحتجت الشافعية على الفساد بأن هذا شرط فاسد قارن عقد الرهن،
فوجب أن يفسده، كما لو قال: رهنتك على أن يكون يوما في يدك ويوما
في يدي. ومنعوا الهبة. والعمرى تقبل إذا قال: أعمرتك حياة فلان، فأما
إذا قال: حياتك، ففيه قولان. وإن سلم فالفرق أنه لم يشرط زوال ملكه،
وإنما شرط عودها إليه بعد موته، وذلك شرط على ورثته، فلم يؤثر،

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 317، العزيز شرح الوجيز 4: 464، روضة الطالبين 3:
301، المغني 4: 465، الشرح الكبير 4: 457. ويأتي هذا التفصيل في ص 160؟
المسألة 176.
(2) لم نعثر عليه في مظانه من المصادر المتوفرة لدينا، وانظر: المغني 4: 465،
والشرح الكبير 4: 457.
97

بخلاف مسألتنا؛ فإنه شرط على العاقد معه ما ينافي العقد ففسد (1).
والأقرب عندي: جواز اشتراط كل مباح في عقد الرهن إذا لم يناف
مقتضاه، فأما إذا نافاه، لم يصح، مثل أن يشترط في الرهن عدم بيع الرهن
مطلقا، فإنه ينافي التوثيق على الدين.
ولو شرط الانتفاع بالرهن أو عود منافعه إليه أو أن لا يبيعه المرتهن
إلا بحضور الراهن أو إلا بعد شهر من حلول الدين، أو شرط أن يرهن غير
الرهن، أو أن يشترط أن لا يسلمه إلى المرتهن، أو أن لا يبيعه إلا بما
يرضى الراهن، أو حتى يبلغ كذا، أو بعد محل الحق بشهر، ونحو ذلك،
فإن ذلك كله جائز؛ لأنها شروط سائغة، فيجب الوقوف عندها؛
لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (2).
ولا فرق في الرهن بين أن يكون تبرعا أو شرطا في بيع وشبهه.
ولو شرط على المرتهن أن يرهنه عند غيره، بطل؛ لأنه مناف
لمقتضى الرهن، وإذا بطل الشرط بطل المشروط؛ لأن الرضا بالعقد إنما
وقع على ذلك الشرط، فإذا [قلنا] (3): لم يصح، لم يصح العقد؛ لأنه بدون
الشرط غير مرضي به.
مسألة 90: زوائد المرهون - المتجددة بعد الرهن - المتصلة تدخل
في الرهن، كالسمن وتعلم الصنعة وغيرها، إجماعا.
وأما المنفصلة فإنها لا تدخل - على ما يأتي - عند الإطلاق، لكن لو
شرط دخولها - مثل أن يرهن الشجرة بشرط أن تحدث الثمرة مرهونة، أو
الشاة بشرط أن يحدث النتاج مرهونا - فإنه يصح الشرط، ويصير النماء

(1) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(3) ما بين المعقوفين نسخة بدل هامش الطبعة الحجرية.
98

المتجدد مرهونا، كالأصل؛ عملا بالشرط، وهو قول الشافعي في القديم
والرهن اللطيف، فإنه قال: يصح الشرط، ويتعدى الرهن إلى الزوائد؛ لأن
الرهن عند الإطلاق إنما لا يسري إلى الزوائد؛ لضعفه، فإذا قوي بالشرط
سرى. ولأنه ليس بتملك الثمرة ولا النتاج، وإنما هو وثيقة، فيكون رهنا،
كالأصل؛ لأنه منه، فأشبه السمن.
وقال في الأم: لا يصح - وهو الأصح عندهم - لأن الزوائد حال العقد
معدومة غير مملوكة، فيكون قد رهنه قبل ملكه. ولأنها مجهولة، فلا يصح
أيضا رهنه (1).
فعلى القول بالصحة - وهو مذهبنا - يصح الرهن والبيع. وإن قلنا:
لا يصح، فهل يصح الرهن؟ قولان مبنيان على أصلين:
أحدهما: أن الزيادة في حق المرتهن إذا فسدت هل تفسد الرهن؟
قولان.
والثاني: أن الرهن إذا فسد في بعضه، هل يفسد في الباقي؟ قولان
على أحد الطريقين في تفريق الصفقة.
فإن قلنا: لا يصح الرهن، فهل يفسد البيع؟ قولان.
فحصل في ذلك أربعة أقاويل، أحدها: يصح الرهن والشرط والبيع.
والثاني: يفسد الشرط والرهن والبيع. والثالث: يفسد الشرط والرهن،
ويصح البيع. والرابع: يفسد الشرط، ويصح الرهن والبيع - وهو الذي
اختاره الشافعي - ويثبت له الخيار في البيع؛ لأنه لم يسلم له ما شرط (2).

(1) الأم 3: 194 - 195، الحاوي الكبير 6: 250 - 251، الوسيط 3: 480، العزيز
شرح الوجيز 4: 465، روضة الطالبين 3: 302.
(2) الحاوي الكبير 6: 251، العزيز شرح الوجيز 4: 465، روضة الطالبين 3:
302.
99

قال المزني: يجب أن لا يبطل البيع لبطلان الرهن؛ لأن الشافعي قال:
ولو تبايعا على أن يرهنه هذا العصير فرهنه إياه فإذا هو من ساعته خمر،
فله الخيار؛ لأنه لم يتم له الرهن (1).
وخطأه أصحابه؛ لأن الرهن صحيح، وإنما فسد بعد ذلك، وهنا
فاسد من أصله، فإذا قارن العقد أوجب الفساد (2).
تذنيب: هل يصح اشتراط كون اكتسابات العبد مرهونة؟ نظر،
أقربه: المنع؛ لأنها ليست من أجزاء الأصل، فهي معدومة على الإطلاق،
وهو أحد وجهي الشافعية (3).
وعلى القول بالفساد هل يفسد الرهن؟ قولان مخرجان للشافعي:
أحدهما: القولان في فساد الرهن بفساد الشرط الذي ينفع المرتهن.
وثانيهما: أنه جمع في هذا الرهن بين معلوم ومجهول، فيجئ فيه
خلاف تفريق الصفقة (4).
ولو رهن وشرط كون المنافع مرهونة، فالشرط باطل، ولا يجري فيه
القولان للشافعي، المذكوران في الزوائد.
تذنيب آخر: لو اقترض بشرط أن يرهن به شيئا وتكون منافعه
مملوكة للمقرض، فالقرض فاسد؛ لأنه جر منفعة، وإذا بطل بطل الرهن.
وإن شرط كون المنافع مرهونة أيضا، فإن سوغنا مثل هذا الشرط في
الرهن، صح الشرط والرهن؛ لأنه لم يجر القرض نفعا.
وعند الشافعية يفسد الشرط، ويصح القرض، وفي الرهن القولان (5).

(1) مختصر المزني: 100.
(2) الحاوي الكبير 6: 252.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 465، روضة الطالبين 3: 202.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 465، روضة الطالبين 3: 202.
100

مسألة 91: لو كان له على زيد ألف بلا رهن، فقال زيد المديون:
زدني ألفا، أي: أقرضني ألفا على أن أدفع إليك رهنا سماه بالألفين، فدفع
إليه، فسد القرض؛ لأنه شرط فيه منفعة، وهو الاستيثاق على الألف
الاولى، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن قرض جر منفعة (1).
لا يقال: أليس لو شرط أن يعطيه بما يقرضه رهنا جاز وإن كان قد
شرط الاستيثاق؟
لأنا نقول: الشرط هنا تأكيد لما اقتضاه القرض، فإنه يقتضي رد
مثله، فإذا شرطه عليه جاز، فلم يجر القرض نفعا؛ لأن وجوب الرد ثابت
في أصل القرض لا من حيث شرط الرهن، أما هنا فإنه شرط الاستيثاق في
هذا القرض لدينه الأول، فقد شرط استيثاقا بغير موجب القرض،
فلم يجز.
وبه قال الشافعي (2).
وإذا فسد القرض، لم يملكه المقترض، ولا يثبت في ذمته بدله، وإذا
لم يثبت في ذمته شيء لم يصح الرهن؛ لأنه رهن بالدين ولم يثبت،
ولا يصح بالألف الاولى؛ لأنه شرط في القرض.
أما لو قال: بعني عبدا بألف على أن أعطيك بها وبالألف التي لك
علي رهنا، فباعه على هذا الشرط، صح البيع والرهن عندنا؛ لأنه شرط
سائغ في عقد بيع، فكان لازما؛ للآية (3)، والخبر (4).

(1) أورده الغزالي في الوسيط 3: 453، والرافعي في العزيز شرح الوجيز 4: 433.
(2) مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 6: 246.
(3) المائدة: 1.
(4) التهذيب 7: 271 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
101

وقال الشافعي: يفسد البيع والرهن؛ لأنه شرط في البيع رهنا على
دين آخر، فصار بمنزلة بيعين في بيعة، وهو أن يقول: بعني دارك على أن
أبيعك داري، وذلك فاسد، فكذا هنا (1).
والحكم في الأصل ممنوع عندنا، وقد تقدم (2).
مسألة 92: لو قال: أقرضتك هذه الألف بشرط أن ترهن به وبالألف
التي لي عليك كذا، أو بذلك الألف وحده، فسد القرض على ما تقدم (3).
ولو قال المستقرض (4): أقرضني ألفا على أن أرهن به وبالألف
القديم أو بذلك الألف كذا، تردد الجويني فيه بناء على أن القبول من
المستقرض غير معتبر، والأصح اعتباره، والتسوية بين أن يصدر الشرط من
المقرض ويقبله المستقرض، وبين عكسه (5).
وكذا لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين القديم عند الشافعي (6).
ويجوز عندنا على ما تقدم (7).
فلو رهن المستقرض أو المشتري كما شرط، فإما أن يعلم فساد
ما شرط، أو يظن صحته، فإن علم الفساد فإن رهن بالألف القديم، صح.
وإن رهن بهما، لم يصح بالألف الذي فسد قرضه؛ لأنه لم يملكه، وإنما هو
مضمون في يده للمقرض، والأعيان لا يرهن عليها.

(1) مختصر المزني: 100، الحاوي الكبير 6: 247.
(2) في ج 10، ص 250، المسألة 118.
(3) في صدر المسألة 91.
(4) في الطبعة الحجرية: " المقترض ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 465.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 465.
(7) في ذيل المسألة السابقة (91).
102

وفي صحته بالألف القديم للشافعية قولا تفريق الصفقة، فإن صح،
لم يوزع، بل كان الكل مرهونا بالألف القديم؛ لأن وضع الرهن على توثيق
كل بعض من أبعاض الدين بجميع المرهون (1).
ولو تلف الألف - الذي فسد القرض فيه - في يده، صار دينا في
ذمته، وصح الرهن بالألفين حينئذ.
وأما عند ظن الصحة فإذا رهن بالألف القديم، قال بعض الشافعية:
لا يصح الرهن، كما لو أدى ألفا على ظن أن عليه ألفا ثم تبين خلافه، فإن
له الاسترداد، وظهر بطلان الأداء (2).
وقال بعضهم: يصح، بخلاف المقيس عليه؛ لأن أداء الدين يستدعي
سبق ثبوته، وصحة الرهن لا تستدعي سبق الشرط (3).
ولو رهن بالألفين وقلنا بتفريق الصفقة فصحته بالألف القديم على
هذا الخلاف.
وكذا لو باع بشرط بيع آخر، فإنه يصح البيع والشرط عندنا،
ولا يصح عندهم (4). فلو أنشأ البيع الثاني ظانا صحة الشرط، فقولان (5).
وكذا لو باع مال أبيه على ظن الحياة فبان ميتا.
ولو شرط عليه رهنا في بيع فاسد بظن لزوم الوفاء به فرهن، فله
الرجوع.
مسألة 93: لو رهن أرضا وفيها أشجار أو أبنية، فالوجه: عدم دخول
الأشجار والأبنية في الرهن؛ لأنها ليست جزءا من المسمى ولا نفسه،

(1 - 3) الوسيط 3: 480، العزيز شرح الوجيز 4: 466، روضة الطالبين 3: 303.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 466، روضة الطالبين 3: 303.
103

فلا تندرج تحته - على ما تقدم (1) في البيع - وإن قال: بحقوقها. وتدخل لو
قال: بجميع ما اشتملت عليه حدودها.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما. والثاني: الدخول (2)، وقد سبق (3)
في البيع.
ولو رهن شجرة، لم يدخل المغرس تحت اسم الشجرة؛ لما تقدم.
وللشافعية خلاف مرتب على الخلاف في البيع، والرهن أولى
بالمنع؛ لضعفه (4).
وفي معناه دخول الأس تحت الجدار.
ولا تدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة بحال.
وفي غير المؤبرة الحق عندنا ذلك وإن دخلت في البيع؛ اقتصارا على
النص فيه، ولا يتعدى إلى غيره.
وللشافعي قولان، هذا أصحهما؛ لأن الثمار الحادثة بعد استقرار العقد
لا يثبت فيها حكم الرهن، فالموجودة عند العقد أولى، وبهذا يفارق البيع.
والثاني: الدخول، كالبيع (5)، وبه قال أبو حنيفة، فإنه قال: تدخل
الثمار في الرهن بكل حال، بناء على أن رهن الشجرة دون الثمرة

(1) في ج 12، ص 43 المسألة 567.
(2) الحاوي الكبير 6: 230، التهذيب - للبغوي - 4: 46، الوجيز 1: 162، العزيز
شرح الوجيز 4: 467، روضة الطالبين 3: 303.
(3) في ج 12، ص 43، المسألة 567.
(4) الوسيط 3: 481، الوجيز 1: 162، العزيز شرح الوجيز 4: 467، روضة
الطالبين 3: 303.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 318، التهذيب - للبغوي - 4: 45، الحاوي الكبير 6:
121، حلية العلماء 4: 435، الوسيط 3: 481، الوجيز 1: 162، العزيز شرح
الوجيز 4: 467، روضة الطالبين 3: 303.
104

لا يصح (1).
ونفى بعض الشافعية الخلاف هنا، وقطع بعدم الدخول (2).
ولا يدخل البناء (3) بين الأشجار تحت رهن الأشجار إن كانت بحيث
يمكن إفراده بالانتفاع.
وإن لم ينتفع به إلا بتبعية الأشجار، فكذلك، وهو أشهر طريقي
الشافعية (4).
وقال بعضهم: إنه (5) على الوجهين في المغارس (6).
وتدخل في رهن الأشجار الأغصان والأوراق، وبه قال الشافعي (7).
أما التي تفصل غالبا - كأغصان الخلاف وورق الآس والفرصاد -
ففيها (8) قولان له، كالقولين في الثمار التي لم تؤبر (9).
مسألة 94: لا يدخل الجنين تحت رهن الأم الحامل - وهو أحد
قولي الشافعي (10) - لعدم شمول الاسم له، وكما في البيع عندنا.

(1) الفروق - للكرابيسي - 2: 287، بدائع الصنائع 6: 141، الهداية - للمرغيناني -
4: 133، حلية العلماء 4: 436، العزيز شرح الوجيز 4: 467، المغني 4: 472.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 467، روضة الطالبين 3: 303.
(3) الظاهر: " البياض " بدل " البناء ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 467، روضة الطالبين 3: 303.
(5) في الطبعة الحجرية و " ج ": " إنها ". والظاهر ما أثبتناه.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 467، روضة الطالبين 3: 303.
(7) المهذب - للشيرازي - 1: 318، حلية العلماء 4: 436، العزيز شرح الوجيز 4:
467، روضة الطالبين 3: 303.
(8) في الطبعة الحجرية و " ج ": " فيها ". والظاهر ما أثبتناه.
(9) المهذب - للشيرازي - 1: 318، حلية العلماء 4: 436، العزيز شرح الوجيز 4:
467، روضة الطالبين 3: 303.
(10) الوسيط 3: 482، الوجيز 1: 162، العزيز شرح الوجيز 4: 467، روضة
الطالبين 3: 303.
105

والجنين عند الشافعي أولى بالاندراج، كالثمرة غير المؤبرة تحت
الشجرة؛ لأن الحمل لا يقبل التصرف على الانفراد (1)، فبالحري أن يكون
تبعا (2).
وأما اللبن في الضرع: ففي دخوله إشكال.
وللشافعية طريقان، أحدهما: القطع بأنه لا يدخل. والمشهور: أنه
على الخلاف. ثم هو عند بعضهم في مرتبة الجنين، وعند آخرين في مرتبة
الثمار؛ لتيقن وجوده، وسواء أثبت الخلاف أم لا، فالظاهر أنه لا يدخل في
الرهن (3).
والأقرب: دخول الصوف على ظهر الحيوان؛ لأنه كالجزء من
الحيوان، فدخل تحت رهنه.
وللشافعية طريقان:
أحدهما: القطع بدخوله، كالأجزاء والأعضاء.
وأظهرهما: أنه على قولين:
أحدهما: الدخول، كالأغصان والأوراق في رهن الشجرة (4).
وأصحهما: المنع، كما في الثمار؛ لأن العادة فيه الجز (5).

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " الإفراد ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 467.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 467، وانظر: المهذب - للشيرازي - 1: 318، والتهذيب
- للبغوي - 4: 45، والحاوي الكبير 6: 121، وحلية العلماء 4: 437، والوسيط
3: 482، وروضة الطالبين 3: 303.
(4) في " ج ": " الشجر ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 468، المهذب - للشيرازي - 1: 318، التهذيب
- للبغوي - 4: 45 - 46، حلية العلماء 4: 437، روضة الطالبين 3: 303 -
304.
106

ونقل بعضهم بدل القولين وجهين، وزاد وجها آخر ثالثا هو: الفرق
بين القصير الذي لا يعتاد جزه، وبين المنتهي إلى حد الجز (1).
مسألة 95: لو كان في يده حق (2) أو خريطة (3) فقال: رهنتك هذا
الحق بما فيه، أو الخريطة [بما فيها] (4) وما فيهما (5) معلوم، صح الرهن
إجماعا في الظرف والمظروف.
وإن كان ما فيهما مجهولا، لم يصح الرهن قطعا في المظروف
خاصة؛ للجهالة، على إشكال، وبه قال الشافعي (6).
وهل يصح الرهن في الظرف؟ أما عندنا فنعم. وأما عند الشافعي
ففيه قولا تفريق الصفقة (7).
ولو قال: رهنتك هذا الحق دون ما فيه، صح الرهن فيه قطعا.
ولو قال: رهنتك هذا الحق، وأطلق، صح الرهن فيه خاصة دون
ما فيه.
وأما الخريطة فإذا قال: رهنتك هذه الخريطة بما فيها، لم يصح مع
الجهالة فيما فيها؛ للجهل به، ويصح فيها خاصة، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: لا يصح. ومبنى الخلاف تفريق الصفقة (8).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 468، وانظر: روضة الطالبين 3: 304.
(2) الحق: وعاء منحوت من الخشب أو العاج أو غير ذلك مما يصلح أن ينحت منه.
لسان العرب 10: 56 " حقق ".
(3) الخريطة: وعاء من أدم وغيره. الصحاح 3: 1123 " خرط ".
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " فيها " بدل " فيهما ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 468، روضة الطالبين 3: 304.
(7 و 8) العزيز شرح الوجيز 4: 468، روضة الطالبين 3: 304.
107

ولو قال: رهنتكها دون ما فيها، صح الرهن فيها خاصة كالحق.
وقال الشافعي: لا يصح فيها أيضا؛ لأن الظاهر أنها لا تقصد، وإنما
يقصد ما فيها، بخلاف الحق (1).
قال أصحابه: ولو كانت الخريطة مما تقصد لكثرة قيمتها، كانت
كالحق. ولو كان الحق لا قيمة له مقصودة، لم يصح رهنه، كالخريطة إذا
لم تكن لها قيمة مقصودة (2).
ولو قال: رهنتك هذا الظرف دون ما فيه، صح رهنه وإن كانت قيمته
قليلة؛ لأنه إذا أفرده فقد وجه الرهن نحوه، وجعله المقصود.
وإن رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفيا وإثباتا، فإن كان بحيث
يقصد بالرهن وحده، فهو المرهون لا غير.
وإن كان لا يقصد منفردا لكنه متمول، فالمرهون الظرف وحده؛
لأصالة عدم رهن غيره.
وللشافعية وجهان، أحدهما: هذا. والثاني: أنه يكون رهنا مع
المظروف (3).
ولو لم يكن متمولا، فللشافعية وجهان، أحدهما: توجه الرهن إلى
المظروف. والثاني: أنه يلغى (4).
البحث الثاني: في العاقد.
مسألة 96: يشترط في المتعاقدين التكليف والاختيار والقصد وانتفاء
الحجر عنه بسفه أو فلس، فلا يصح رهن الصبي ولا المجنون المطبق

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 468، روضة الطالبين 3: 304.
108

ولا من يعتوره حالة الجنون إيجابا وقبولا، ولا المكره ولا الغافل
ولا الساهي ولا النائم ولا المغمى عليه ولا السكران ولا العابث ولا الهازل،
سواء في ذلك كله الإيجاب والقبول.
ولا بد أن يكون الراهن غير محجور عليه بالسفه أو الفلس؛ لأنهما
ممنوعان من التصرف في أموالهما، ولا اعتبار باختيارهما، مع أن عقد
الرهن والتسليم لا يكون واجبا، وإنما يكون إلى اختيار الراهن، فإذا
لم يكن له اختيار، لم يصح منه. ولأن الرهن تبرع فإن صدر من أهل
التبرع، فلا كلام، وإلا فلا بد من قائم يقوم مقام المالك.
ويشترط وقوعه على وفق المصلحة والاحتياط، فإذا رهن الولي مال
الصبي والمجنون والسفيه أو ارتهن لهم، فلا بد من اعتبار مصلحتهم
والاحتياط، وذلك مثل أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئة
ويرهن به ما يساوي مائة من مال الطفل، فإن ذلك جائز؛ لأنه إن لم يعرض
تلف، ففيه غبطة ظاهرة. وإن تلف الرهن، كان في المشترى ما يجبره.
ولو لم يرض البائع إلا برهن تزيد قيمته على المائة، فإن كان الرهن
مما لا يخشى تلفه في العادة كالعقار، جاز رهنه؛ لما فيه من تحصيل الغبطة
والمنفعة للصبي، الخالية عن توهم التلف.
وظاهر مذهب الشافعي المنع من هذه المعاملة (1).
ولو كان الرهن مما يخشى تلفه، فالأقوى: الجواز في موضع يجوز
إيداعه.
ومنع الشافعي من ذلك؛ لأن الرهن يمنع من التصرف وربما يتلف
فيتضرر به الطفل (2).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 469، روضة الطالبين 3: 305.
109

ولو كان الزمان زمان نهب أو وقع حريق وخاف الولي على مال
الطفل، فله أن يشتري عقارا ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يتهيأ أداؤه
في الحال ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرهن؛ لأنه يجوز في
مثل هذه الحالة إيداع المال ممن لا يمتد النهب إلى ما في يده، فهذا الرهن
أولى.
ولو استقرض له شيئا والحال هذه، لم يجز؛ لأنه يخاف التلف على
ما يستقرضه خوفه على ما يرهنه.
ولو لم يجد الولي من يأخذ المال وديعة ووجد من يأخذه رهنا وكان
المرهون أكثر قيمة من مال القرض، جاز له الرهن.
مسألة 97: يجوز للولي أن يستقرض للطفل لحاجته إلى النفقة
والكسوة أو لتوفية ما لزمه أو لصلاح ضياعه ومرمتها وعمارة أبنيته أو
إخراج ما يحتاج ارتفاع الغلات فيه أو لحلول ما له من الدين المؤجل،
أو (1) لنفاق متاعه الكاسد، فإن لم يرتقب شيئا من ذلك، فبيع ما [تعذر] (2)
رهنه أولى من الاستقراض، فإن تعذر البيع، استقرض، ورهن من مال
الطفل بحسب المصلحة، وهو قول أكثر الشافعية (3).
وقال بعضهم: لا يجوز للولي رهن ماله بحال من الأحوال (4).
وكذا يجوز أن يرتهن للطفل بأن يتعذر على الولي استيفاء دين
الصبي، فيرتهن به إلى وقت الاستيفاء.

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " يقدر ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 469، روضة الطالبين 3: 305.
(4) روضة الطالبين 3: 305.
110

ولو كان له دين مؤجل إما بأن ورثه كذلك أو بأن باع الولي ماله نسيئة
بالغبطة، فيجوز له حينئذ الارتهان للصبي.
ولو كان المشتري موسرا، لم يكتف الولي به، بل لا بد من الارتهان
بالثمن. ولو لم يحصل أو حسن الظن بيساره وأمانته، أمكن البيع نسيئة
بغير رهن، كما يجوز إبضاع مال الطفل.
وإذا ارتهن على الثمن، جاز أن يرتهن على جميعه، وهو الأظهر من
مذهب الشافعية (1).
ولهم وجه آخر: أنه لا بد أن يستوفي ما يساوي المبيع نقدا، وإنما
يرتهن ويؤجل بالنسبة إلى الفاضل (2).
والمعتمد: الأول.
مسألة 98: يجوز للولي إقراض مال الطفل مع المصلحة بأن يخاف
تلفه بنهب أو حريق. وكذا يبيعه ويرتهن بالقرض أو ثمن المبيع للطفل
شيئا حفظا لماله من النهب والحريق، وهو قول أكثر الشافعية (3).
ولهم قول آخر: إن الأولى أن لا يرتهن للطفل إذا كان المرهون مما
يخاف تلفه؛ لأنه قد يتلف ويرفع الأمر إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف
الرهن (4).
والوجه: الأول.
وحيث يجوز للولي الرهن فالشرط أن يرهن من أمين يجوز الإيداع

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 470، روضة الطالبين 3: 305.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 470، روضة الطالبين 3: 306.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 470، روضة الطالبين 3: 306.
111

منه. ولا فرق بين الأولياء في ذلك، سواء الأب والجد للأب والوصي
والحاكم وأمينه.
وحيث يجوز الرهن والارتهان فللأب والجد أن يعاملا نفسيهما
ويتوليا طرفي العقد؛ للوثوق بشفقتهما.
وهل لغيرهما ذلك؟ منع منه الشافعية (1). وليس بقوي.
مسألة 99: يجوز للمكاتب أن يرهن ويرتهن مع المصلحة والغبطة؛
لانقطاع تصرف المولى عنه، ولكن يشترط النظر والمصلحة، كما في
الطفل، وهو قول بعض الشافعية.
وقال بعضهم: لا يجوز له الرهن استقلالا، ومع إذن السيد قولان بناء
على أن الرهن تبرع (2).
وللشافعية وجه آخر: أنه لا يجوز له الاستقلال بالبيع نسيئة بحال (3)،
وهو المشهور عندنا.
ومع إذن السيد يجوز عندنا.
وللشافعي مع الإذن قولان (4).
أما المأذون فإن دفع إليه السيد مالا ليتجر فيه، فهو كالمكاتب إلا في
وجهين:
أحدهما: أن رهنه أولى بالمنع من رهن المكاتب؛ لأن الرهن ليس
من عقود التجارات.
وشبهه الجويني بإجارة الرقاب (5). وفي نفوذها منه خلاف بين

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 470، روضة الطالبين 3: 306.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 470 - 471، روضة الطالبين 3: 306.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 471، روضة الطالبين 3: 306.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 471.
112

الشافعية (1).
والثاني: أن له البيع نسيئة بإذن السيد إجماعا؛ لأنه مال السيد، فيكون
تصرف المأذون فيه بإذن المولى في الحقيقة تصرف المولى في ماله.
ولو قال له مولاه: اتجر بجاهك، ولم يدفع إليه مالا، فله البيع
والشراء في الذمة حالا ومؤجلا، وكذا الرهن والارتهان؛ لانتفاء الضرر فيه
على المولى، فإن فضل في يده مال، كان للمولى، ويكون حكمه حكم
ما لو دفع إليه المولى مالا.
مسألة 100: يشترط في الراهن أن يكون مالكا للرهن أو في حكم
المالك بأن يكون مأذونا له في الرهن؛ لأنه تصرف في مال الغير، فلا يجوز
إلا بإذن المالك إما من جهة المالك، كالمستعير للرهن، أو من جهة الشرع،
كولي الطفل، فإن له أن يرهن على ما تقدم (2).
إذا عرفت هذا، فإذا استعار عبدا من غيره ليرهنه على دينه الذي عليه
فرهنه، صح.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن
الرجل إذا استعار من الرجل شيئا ليرهنه على دنانير معينة عند رجل إلى
وقت معلوم ففعل أن ذلك جائز (3).
وهذا يقتضي تعيين المرتهن وقدر الدين وجنسه ومدة الرهن؛
لاختلاف العقود بذلك.
وهل يكون سبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان؟ الحق عندنا

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 471.
(2) في ص 111، المسألة 97.
(3) المغني 4: 412.
113

الأول - وهو أحد قولي الشافعي (1) - لأنه قبض مال غيره لمنفعة نفسه منفردا
بها فكان عارية، كما لو استعاره للخدمة. ولأن الضمان يثبت في الذمة،
وهنا يثبت في رقبة العبد.
وأصحهما: أن سبيله سبيل الضمان، ومعناه أن سيد العبد ضمن دين
الغير في رقبة ماله، كما لو أذن لعبده في ضمان دين غيره، يصح، وتكون
ذمته فارغة، وكما ملك أن يلزم ذمته دين الغير وجب أن يملك إلزامه عين
ماله؛ لأن كل واحد منهما محل حقه وتصرفه (2).
ولأن منفعة العبد لسيده، والعارية ما أفادت المنفعة، وإنما حصلت
المنفعة للراهن لكونه وثيقة عنه، فهو بمنزلة الضمان في ذمته.
ولأن الحق المتعلق بالذمة ينبغي أن يتعلق مثله بالرقبة، كالملك.
ثم أجابوا عن الأول بأن المقبوض للخدمة منفعة للمستعير، بخلاف
مسألتنا (3).
وليس بجيد؛ لأن الضمان عقد مستقل بنفسه يتضمن التعهد بدين
الغير، وانتقاله من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ولم يوجد هنا،
فلم يكن ضمانا.
وقال بعض الشافعية: إن هذا فيما يدور بين الراهن والمرتهن رهن
محض، وفيما بين المعير والمستعير عارية، وفيما بين المعير والمرتهن
حكم الضمان أغلب، فيرجع فيه ما دام في يد الراهن، ولا يرجع بعد
القبض على الأصح عندهم؛ لأنه ضمن له الدين في عين ملكه، ويقدر
على إجبار الراهن على فكه بأداء الدين؛ لأنه معير (4) في حقه إن كان الدين

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 453، روضة الطالبين 3: 293.
(3) لم نعثر عليه في مظانه.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " معتبر " بدل " معير ". والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
114

حالا، وفي المؤجل قولان (1).
إذا عرفت هذا، فإن العارية هنا تكون مضمونة على المستعير
إجماعا.
أما عند العامة: فظاهر حيث قالوا بأن العارية مطلقا مضمونة (2).
وأما عندنا: فلأن المالك لم يدفعه ليملكه المستعير، بل لينتفع به
ويرده على مالكه، فإذا عرضه للإتلاف بالرهن، كان ضامنا له، كالملتقط إذا
نوى التملك في اللقطة، فإنه يكون ضامنا، كذا هنا.
واعلم أن هذا الرهن صحيح، وهو قول أكثر الشافعية (3).
وقال ابن سريج: إذا قلنا: إن ذلك عارية، لم يصح رهنه؛ لأن العارية
لا تكون لازمة، والرهن لازم، فعلى هذا يشترط في الرهن كون المرهون
ملكا للراهن (4).
وأبطله باقي الشافعية بأن العارية غير لازمة من جهة المستعير، فإن
لصاحب العبد أن يطالب الراهن بافتكاكه قبل أن يحل الدين وإن كان قد
أذن في رهنه بدين مؤجل. ولأن العارية قد تكون لازمة بأن يعيره جذعا
يبني عليه، وكما لو استعار أرضا للدفن فدفن ميته، وأشباههما (5).
ولو قال المديون: ارهن عبدك بديني من فلان، فهو كما لو قبضه
فرهنه.
مسألة 101: إذا أذن له في رهن عبده على الدين الذي عليه لثالث،

(1) الوجيز 1: 160 - 161.
(2) الوجيز 1: 204، العزيز شرح الوجيز 5: 376، روضة الطالبين 4: 76، المغني
5: 354، الشرح الكبير 5: 365.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 454، روضة الطالبين 3: 293.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 454، روضة الطالبين 3: 293.
115

كان هذا التصرف سائغا، بخلاف ما لو باع مال الغير لنفسه؛ لأن البيع
معاوضة، فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن، والرهن استيثاق،
والاستيثاق يحصل بما لا يملك، كما يحصل بالكفالة والإشهاد.
إذا ثبت هذا، فإن لمالك العبد الرجوع في الإذن قبل الرهن إجماعا؛
لأن العارية قد بينا أنها غير لازمة، ولم يحصل الضمان بعد، فعلى قول
العارية ظاهر، وعلى قول الضمان: فلأنه بعد لم يلزم.
وهل له الرجوع بعد عقد الرهن قبل الإقباض؟ إن قلنا: إن القبض
ليس شرطا في صحة الرهن، لم يكن له الرجوع؛ لأن الرهن قد لزم بنفس
العقد. وإن قلنا: إنه شرط، صح الرجوع؛ لأن المستعير مخير في فسخ
الرهن قبل القبض، فإذا لم يلزم في حقه وهو المديون، فأولى أن لا يلزم
في حق غيره، وبه قالت الشافعية (1).
وأما بعد القبض فليس للمالك الرجوع في إذن الرهن، وبه قال
الشافعي على قول الضمان، وأما على قول العارية فوجهان:
أحدهما: أن له أن يرجع؛ جريا على مقتضى العارية.
والأظهر: أنه لا يرجع، وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، ولا يحصل به
توثق (2).
وقال بعضهم: إنه إذا كان الدين مؤجلا، ففي جواز الرجوع قبل
حلول الأجل وجهان؛ لمنافاته (3) الإذن بمدة، كما لو أعار للغراس مدة (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 454، روضة الطالبين 3: 293.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 454، روضة الطالبين 3: 293.
(3) كذا في الطبعة الحجرية، وفي " العزيز شرح الوجيز ": " لما فيه من " بدل " لمنافاته "
وكذا في " ج " من دون " من ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 454، روضة الطالبين 3: 293.
116

وإذا حكمنا بالرجوع فرجع وكان الرهن مشروطا في بيع، فللمرتهن
فسخ البيع إذا كان جاهلا بالحال.
مسألة 102: إذا أذن له في رهن عبده، فرهنه المديون، فإن كان
الدين حالا، كان لصاحب العبد مطالبة الراهن وإجباره على افتكاكه مع قدرة
المديون منه؛ لأنه عندنا عارية، والعارية غير لازمة، بل للمالك الرجوع
فيها متى شاء.
وأما على أحد قولي الشافعية من أنه ضمان (1): فكذلك أيضا؛
لاستخلاص ملكه المشغول بوثيقة الرهن، ولا يخرج على الخلاف بين
الشافعية في أن الضامن هل يملك إجبار الأصيل على الأداء لتبرئة ذمته
تشبيها للشغل الذي أثبته بأداء الدين؟ (2).
وإن كان مؤجلا وأذن له في الرهن عليه، فليس لصاحب العبد إجباره
على الفك قبل الحلول على القول بأنه ضمان، كمن ضمن دينا مؤجلا
لا يطالب الأصيل بتعجيله لإبراء ذمته.
وإن قلنا: إنه عارية، كان له مطالبته بفكاكه؛ لأن العارية لا تلزم.
ثم إذا حل الأجل وأمهل المرتهن الراهن، فللمالك أن يقول: إما أن
ترد العبد إلي، أو تطالبه بالدين ليؤديه، فينفك الرهن، كما إذا ضمن دينا
مؤجلا ومات الأصيل، فللضامن أن يقول: إما أن تطالب بحقك من التركة،
أو تبرئني.
مسألة 103: إذا أذن المالك في الرهن ثم حل الدين أو كان حالا في
أصله، فإن كان الراهن معسرا، جاز للمرتهن بيع الرهن، واستيفاء الدين

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 454.
117

منه إن كان وكيلا في البيع، وإلا باعه الحاكم إذا ثبت عنده الرهن، سواء
رضي المالك بذلك أو لا؛ لأن الإذن في الرهن إذن في لوازمه التي من
جملتها بيعه عند الإعسار.
ولو كان الراهن موسرا مماطلا، فالأقرب: أن للمرتهن البيع أيضا،
ولا يكلف الصبر على مطالبة المماطل ولا حبسه وإن جاز له ذلك.
ولو لم يكن مماطلا وكان حاضرا يمكن استيفاء الدين منه، لم يجز
البيع.
وإن كان غائبا ولا مال له في بلد المرتهن، فالأقوى جواز البيع أيضا.
وأما الشافعية فقالوا: إن قلنا: إنه ضمان، فلا يباع في حق المرتهن إن
قدر الراهن على أداء الدين، إلا بإذن مجدد، وإن كان معسرا، فيباع وإن كره
المالك. وإن قلنا: إنه عارية، فلا يباع إلا بإذن مجدد، سواء كان الراهن
موسرا أو معسرا (1).
وقياس قول من قال منهم بلزوم الرهن على قول العارية أنه يجوز
بيعه عند الإعسار من غير مراجعة كما على قول الضمان (2).
قال بعضهم: الرهن وإن صدر من المالك فإنه لا يسلط على البيع إلا
بإذن جديد، فإن رجع ولم يأذن، فحينئذ يباع عليه، فإذن المراجعة لا بد
منها (3).
ثم إذا لم يأذن في البيع، فقياس مذهبهم أن يقال: إن قلنا: إنه عارية،
فيعود الوجهان في أنه هل يمكن من الرجوع؟ وإن قلنا: إنه ضمان ولم يؤد

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 455، روضة الطالبين 3: 294.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 455.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 455، روضة الطالبين 3: 294.
118

الدين الراهن، فلا يمكن من الإباء، ويباع عليه، معسرا كان الراهن أو
موسرا، كما لو ضمن في ذمته، يطالب، موسرا كان الأصيل أو معسرا (1).
مسألة 104: إذا أعسر الراهن المستعير للرهن وتعذر الاستيفاء منه
فبيع الرهن في الدين وقضي به الدين، فإن فضل من الثمن شيء، فهو
لمالك العبد؛ لأنه ثمن ملكه. وإن أعوز شيء، لم يلزم صاحب العبد
شيء؛ لأن المعير ليس بضامن للدين.
وأما عند الشافعية فكذلك أيضا، سواء قلنا: إن الإذن في الرهن
عارية أو ضمان؛ لأنه إنما ضمن في تلك العين المأذون في دفعها خاصة،
وإذا حصر الضمان في عين لم يتعد إلى غيرها (2).
إذا عرفت هذا، فإن كانت قيمة العبد بقدر الدين ولم يوجد باذل
لأكثر منها، بيع وصرف في الدين. وإن كانت القيمة أكثر من الدين، فإن
وجد راغب في شراء شقص من العبد بقدر الدين وتساوت قيمة الشقص
منفردا وقيمته منضما، أو وجد باذل لذلك، بيع الشقص وقضي منه الدين،
وكان الباقي لمالك العبد.
ولو لم يرض المالك بالتشقيص بيع الجميع.
ولو كانت قيمة الشقص منضما أكثر من قيمته منفردا ولم يوجد باذل
للزيادة مع الانفراد، بيع الجميع لئلا يتضرر المالك، فإن طلبه المالك،
اجيب إليه.
مسألة 105: إذا بيع العبد المأذون في رهنه في الدين وقضي به
الدين، نظر فإن بيع بقدر قيمته، رجع المالك بذلك على الراهن على

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 455، روضة الطالبين 3: 294.
(2) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
119

مذهبنا ومذهب الشافعية (1)، سواء قالوا بأنه عارية أو مضمون؛ لأن المالك
إن كان ضامنا، فقد قضي عنه الدين. وإن كان عارية، فهو قيمتها، وهي
مضمونة عليه.
وإن بيع بأقل من ثمن المثل إلا أنه بما يتغابن الناس بمثله، فالبيع
صحيح، ويرجع المالك بتمام القيمة، وهو قول الشافعي على تقدير قول
العارية، وأما على قوله بالضمان فلا يرجع إلا بما بيع؛ لأنه لم يقض من
الدين إلا ذلك القدر (2).
وإن بيع بأكثر من ثمن المثل، رجع بذلك أيضا؛ لأنه ثمن ماله، وهو
قول الشافعي على تقدير القول بالضمان، وأما على قوله بالعارية فقولان:
أحدهما: أنه لا يرجع إلا بالقيمة خاصة؛ لأن العارية تضمن بالقيمة
مع التلف، والبيع بمنزلة الإتلاف، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا
غير، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها، وهو قول أكثر أصحابه.
والثاني: أنه يرجع بجميع ما بيع به (3) - كما اخترناه - لأن بيع العبد
واجب عليه، وثمنه له، ولهذا لو أسقط المرتهن حقه عن الراهن، رجع
ثمن العبد إلى صاحبه، فإذا قضي به دين الراهن، رجع به عليه، وإنما
يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.
مسألة 106: لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن، فإن كان
بتفريطه، ضمن القيمة للمالك. وإن كان بغير تفريطه، فلا ضمان عليه؛ لأن
المرتهن أمسكه على أنه رهن لا عارية، والمرتهن أمين للراهن لا يضمن
ما يتلف في يده من الرهن على ما يأتي. ويضمن الراهن للمالك قيمته أو

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 455، روضة الطالبين 3: 294.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 455، روضة الطالبين 3: 294.
120

ما بيع به إن كان أكثر؛ لأنه عندنا عارية مضمونة، وهو أحد قولي
الشافعي (1) على تقدير أنه عارية، وعلى القول الآخر (2): إنه ضمان لا شيء
على الراهن عنده، بل تلف من مالكه؛ لأنه لم يقبض عنه شيئا، والضامن
إنما يرجع بما أدى، ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن.
وقال أبو حنيفة: إنه يرجع عليه بما سقط بذاك من حق المرتهن؛ لأن
مذهبه أن الرهن مضمون على المرتهن بدينه (3)، فكأنه قضى عنه ذلك.
وإن تلف العبد في يد الراهن، ضمن، سواء فرط فيه أو لا؛ لما قلنا
من أنه عارية مضمونة، وهو أحد قولي الشافعية. والثاني: أنه يبنى على
القولين، كما لو تلف في يد المرتهن (4).
مسألة 107: لو جنى في يد المرتهن أو في يد الراهن فبيع في
الجناية، كان على الراهن ضمانه؛ لما بينا أنه عارية مضمونة، وهو أحد
قولي الشافعي بناء على القول بأنه عارية (5).
قال الجويني: هذا إذا قلنا: العارية تضمن ضمان المغصوب، وإلا
فلا شيء عليه (6).
وعلى القول الثاني: إنه ضمان، فلا شيء عليه في هذه الصورة (7).
وقال بعض الشافعية: قول الضمان أرجح (8).
إذا عرفت هذا، فإن المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد ومن الثمن
الذي بيع به في الجناية؛ لأنه على كلا التقديرين ثمن ملكه، فيكون له.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 294.
(3) المبسوط - للسرخسي - 21: 64 - 65، الهداية - للمرغيناني - 4: 128.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 294.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 294.
(7 و 8) العزيز شرح الوجيز 4: 456.
121

مسألة 108: إذا أذن في الرهن فإن سوغ له الرهن كيف شاء، جاز
للراهن أن يرهن على أي مقدار شاء وعند أي مرتهن شاء وكيف شاء من
حلول أو تأجيل إلى أي أجل شاء؛ لأن تعميم هذا النوع من التصرف
يجري مجرى التنصيص على كل واحد من الجزئيات، ولا ريب أنه لو نص
على أي جزئي كان، صح، فكذا مع ما يقوم مقامه.
وإن خصص البعض وعمم الباقي، تخصص ما خصصه، ولا يجوز
له التجاوز، إلا مع الغبطة للمالك، وساغ التصرف في الباقي كيف شاء.
فلو أذن له في الرهن على مائة عند من شاء وكيف شاء، لم يجز له
التجاوز في القدر إلا في الأقل، وجاز التعميم في الباقي.
ولو أذن له في الرهن عند من شاء على أي قدر شاء إلى سنة، تخير
في القدر قلة وكثرة وفي الغرماء، ولم يجز له التجاوز عن السنة إلا إلى
ما دون؛ لاشتماله على الغبطة للراهن.
ولو عين المرتهن، تعين، ولم يجز التجاوز مطلقا.
ولو أطلق الإذن ولم يقيده بتعميم ولا تخصيص، احتمل الجواز؛
للإطلاق، وانتفاء التخصيص؛ لعدم الأولوية بالبعض دون البعض، وبه قال
أبو حنيفة (1).
والمنع؛ لما فيه من التغرير بالمالك، لاحتمال أن يرهنه على أضعاف
قيمته وإلى مدة تزيد على عمره، ولا غرر أعظم من ذلك. وهو الأقوى،
فحينئذ يجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما
- وهو قول الشافعي على القول بأنه ضمان (2) - لاختلاف أغراض الضامن

(1) بدائع الصنائع 6: 136، المغني 4: 413.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 294 - 295.
122

بذلك.
ونقل بعض الشافعية عن القديم للشافعي أنه يجوز السكوت عن ذكر
الحلول والتأجيل (1).
وهل يجب بيان من يرهن عنده؟ الأصح عندهم: الوجوب (2).
ولهم وجه آخر: أنه لا يجب (3).
وعلى القولين إذا عين شيئا من ذلك لم تجز مخالفته. نعم، لو عين
قدرا، جاز أن يرهن بما دونه (4).
تذنيب: لو عين له القدر فزاد عليه، احتمل بطلان الزائد خاصة،
ويبقى رهنا على المأذون فيه لا غير. وبطلان الجميع؛ للمخالفة، كما لو باع
الوكيل بالغبن الفاحش، لا نقول: (يصح البيع) (5) في القدر الذي يساوي
الثمن.
وللشافعي قولان كالاحتمالين، لكنهم قالوا على تقدير البطلان في
الزيادة لا غير: يبقى في المأذون قولا تفريق الصفقة (6).
تذنيب آخر: لو قال المستعير: أعرني لأرهنه بألف، أو من فلان،
فأعاره، فالوجه: التخصيص بما خصصه المستعير في السؤال، كما لو
خصصه المعير بنفسه - وهو أظهر وجهي الشافعية (7) - تنزيلا للإسعاف على
الالتماس.
مسألة 109: إذا طالب صاحب العبد الراهن بفكه، فلم يفكه ففكه

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 295.
(5) بدل ما بين القوسين في " ج " والطبعة الحجرية: " يصح من المبيع ". والظاهر ما
أثبتناه.
(6 و 7) العزيز شرح الوجيز 4: 456، روضة الطالبين 3: 295.
123

صاحبه، فإن كان بغير إذنه، لم يرجع على الراهن، وكان متبرعا متطوعا في
قضاء دين الراهن، فليس له مطالبته، كما لو تبرع إنسان بقضاء دين غيره
من غير مسألة.
وإن قضاه بإذن الراهن، رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع؛ لأنه قد
تعلق برقبة عبده.
فإن اختلف الراهن وسيد العبد في الإذن، فادعاه السيد وأنكره
الراهن، فالقول قول الراهن مع اليمين وعدم البينة؛ لأصالة براءة ذمته،
وعدم الإذن في الفك من المرتهن. فإن أقام سيد العبد البينة أن المرتهن
أذن له، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن، قبلت
شهادته؛ لأنه لا يجر إلى نفسه بشهادته نفعا، ولا يدفع بها ضررا، فانتفت
التهمة.
تذنيب: لو رهن إنسان عبده على دين غيره متبرعا من غير إذن
المديون، صح الرهن، كما يصح الضمان متبرعا والأداء كذلك.
ثم إن بيع العبد في الدين، صح البيع، وليس لمالكه الرجوع على
المديون بشئ؛ لأنه متبرع.
مسألة 110: لو استعار عبدا من رجل فرهنه عند رجل بمائة وطالبه
بفكاكه، فدفع الراهن إلى المرتهن خمسين، قالت الشافعية: لم ينفك شيء
من الرهن حتى يقبضه جميع الدين (1).
وهو جيد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهنا على جميع الدين
وعلى كل جزء منه.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 347.
124

فحينئذ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدين عن
أحد النصيبين، صح، وخلص النصيب الذي أدى الدين عنه.
وللشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير:
أحدهما: أنه بمنزلة الصفقة الواحدة؛ لأن الراهن واحد، والحق
واحد.
والثاني: أن يكون بمنزلة الصفقتين؛ لأن الاعتبار بالمالك دون
العاقد.
فإذا قلنا: إنه بمنزلة الصفقة الواحدة، لم ينفك منه شيء. وإذا قلنا:
إنه بمنزلة الصفقتين، انفك نصف العبد (1).
وينظر في المرتهن، فإن كان قد علم أنه لسيدين، فلا خيار له؛ لأنه
علم أنه عقدين، لأنه استفاده بإذنهما.
وإن لم يكن يعلم، فإن لم يكن على بيع، فلا خيار.
وإن كان مشروطا في بيع، قال ابن سريج منهم: فيه وجهان:
أحدهما: لا خيار له؛ لأنه حصل له رهن جميع العبد، وإنما انفك
بعد الكسر.
[و] الثاني: له الخيار؛ لأنه دخل فيه على أن يكون رهنا واحدا،
فلا ينفك منه شيء إلا بقضاء جميع الدين، فإذا بان بخلافه، ثبت له
الخيار (2).
فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما، انفك نصيب كل
واحد منهما. وإن دفع نصف أحدهما، انفك نصف ما عنده، وهو نصف
نصيب أحدهما على أحد القولين.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 347.
125

البحث الثالث: المحل.
وشروطه أربعة: أن يكون عينا مملوكة (1)، يصح تقبيضه للمرتهن،
ويمكن بيعه.
الشرط الأول: أن يكون عينا، فلا يصح رهن المنافع، كما لو رهنه
إجارة الدار سنة على الدين الذي له عليه؛ لأن الدين إن كان مؤجلا،
فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل، فلا تحصل فائدة الرهن. وإن كان حالا،
فبقدر ما يتأخر قضاء الدين يتلف جزء من المرهون، فلا يحصل
الاستيثاق. ولأن المنافع لا يصح إقباضها إلا بإتلافها، والرهن عند جماعة
من شرطه الإقباض.
لا يقال: يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.
لأنا نقول: إنما جعلنا ذلك قبضا في الإجارة؛ لأن الحاجة في
المنافع داعية، ولا حاجة إلى رهن المنافع. ولأن قبض العين ليس بقبض
تام في الإجارة، فلا ينتقل به الضمان.
وإن رهن أجرة داره سنة، لم يصح؛ لأن الأجرة مجهولة. ولأنها
ليست مملوكة، وإنما تملك بعقد الإجارة ولم يوجد.
ورهن المدبر إبطال للتدبير على الأقوى؛ لأن التدبير وصية، وكما
تبطل الوصية برهن الموصى به، فكذا المدبر يبطل برهنه.
ولو شرط رهن الخدمة فيه، بطل الشرط والرهن؛ لأن الخدمة ليست
عينا يصح تعلق الرهن بها.

(1) اعتبر المصنف (قدس سره) الشرط الأول والثاني بالعينية والمملوكية.
126

مسألة 111: لا يصح رهن الدين إن شرطنا في الرهن القبض؛ لأنه
لا يمكن قبضه؛ لعدم تعينه حالة الرهن.
وللشافعية في جواز رهنه وجهان:
أحدهما: الجواز؛ تنزيلا لما في الذمم منزلة الأعيان، ألا ترى أنه
يجوز شراء (1) ما في الذمة وبيعه سلما.
وأصحهما عندهم: المنع؛ لأن الدين غير مقدور على تسليمه (2).
ومنهم من رتب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدين، والرهن
أولى بالمنع؛ لأنه لا يلزم إلا بالقبض، والقبض لا يصادف ما تناوله العقد
ولا مستحقا [بالعقد، والقبض في البيع يصادف مستحقا] (3) بالعقد؛ لأن
البيع سبب الاستحقاق (4).
مسألة 112: لا يشترط في صحة الرهن كونه مفرزا، بل يصح رهن
المشاع، كما يصح رهن المقسوم، سواء رهن من شريكه أو من غير
شريكه، وسواء كان ذلك مما يقبل القسمة أو لا يقبلها، وسواء كان الباقي
للراهن أو لغيره، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصته من
الدار المشتركة بينه وبين غيره، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي
والأوزاعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار
القاضي وأبو ثور وداود وأحمد (5) - لعموم قوله تعالى: (فرهان

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " شرط " بدل " شراء ". والصحيح ما أثبتناه من " العزيز
شرح الوجيز ".
(2) حلية العلماء 4: 424، العزيز شرح الوجيز 4: 438، روضة الطالبين 3: 282.
(3) ما بين المعقوفين من المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 438.
(5) المغني 4: 407، الشرح الكبير 4: 405، المحلى 8: 88، بداية المجتهد 2:
273، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 6: 14، التهذيب - للبغوي - 4: 15،
حلية العلماء 4: 421، الوسيط 3: 462، العزيز شرح الوجيز 4: 438، روضة
الطالبين 3: 282، مختصر اختلاف العلماء 4: 288 / 2003.
127

مقبوضة) (1) وللأصل. ولأنها عين يجوز بيعها في محل الحق، فجاز
رهنها، كالمنفرد.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. ولو
طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه، ففيه وجهان. وفي رهنه من
الشريك روايتان؛ لأنه يستحق زوال يده عنده لمعنى (2) قارن الرهن فلم
يصح رهنه، كالمغصوب (3).
ويمنع وجوب زوال اليد، وينتقض بالقاتل (4) والمرتد والمغصوب
[و] رهن ملك غيره (5) بغير إذنه ولا ولايته، بخلاف المتنازع.
مسألة 113: لو رهن نصيبه من بيت معين من الدار المشتركة بإذن
الشريك، صح.
ولو لم يأذن الشريك، فكذلك عندنا - وهو أصح وجهي الشافعية (6) -

(1) البقرة: 283.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " بمعنى " والظاهر ما أثبتناه.
(3) المبسوط - للسرخسي - 21: 69، الهداية - للمرغيناني - 4: 132، مختصر
اختلاف العلماء 4: 287 / 2003، أحكام القرآن - للجصاص - 1: 524، بداية
المجتهد 2: 273، التهذيب - للبغوي - 4: 15، حلية العلماء 4: 422، الوسيط
3: 462، العزيز شرح الوجيز 4: 438، المغني 4: 407، الشرح الكبير 4:
405.
(4) أي: رهن القاتل و...
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " رهن في ملك غيره " والصحيح ما أثبتناه.
(6) التهذيب - للبغوي - 4: 18، الوسيط 3: 462، العزيز شرح الوجيز 4: 438 -
439، روضة الطالبين 3: 282.
128

لأنه يصح بيعه بدون إذن الشريك، فصح رهنه.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه ربما تتفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب
صاحبه، فيكون قد رهن ملك غيره، بخلاف البيع، فإنه إذا باع، زال ملكه
عن البيت، واستحالت المقاسمة معه (1).
وبعض القائلين بالثاني قال: إن الحكم في البيع مثله (2).
وعلى القول بالوجه الأول لو اتفقت القسمة كما قرر، فهو كتلف
المرهون أو يغرم قيمته؟ فيه احتمالان أوجههما: الثاني إضافة للفوات إليه،
وكيف ينزل منزلة الآفة السماوية وقد حصل له في قطر آخر من الدار مثل
ما كان له في ذلك البيت!؟ (3)
وقال بعضهم بقول متوسط بين القولين، وهو أنه إن كان مختارا في
القسمة، غرم القيمة. وإن كان مجبرا، فهو كالفوات (4).
تذنيب: القبض في رهن المشاع بتسليم الكل، فإذا حصل القبض،
جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانها بين الشريكين، ولا بأس
بتبعيض اليد بحكم الشيوع، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافع.
الشرط الثاني: أن تكون العين مملوكة؛ لأن مقصود الرهن استيفاء
الحق من ثمن المرهون عند الحاجة، وإنما يتحقق الثمن فيما يصح بيعه،
وغير المملوك لا يصح بيعه، فلا يصح رهنه.
ولا يصح رهن ما لا يصح تملكه مطلقا، كالحر وكالحشرات

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 18، الوسيط 3: 462، العزيز شرح الوجيز 4: 438 -
439، روضة الطالبين 3: 282.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 439.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 439، روضة الطالبين 3: 282.
129

وما لا منفعة فيه، كفضلات الإنسان وأشباهها مما لا يعد ملكا؛ إذ لا استيثاق
فيه، وسواء فرض له منفعة محرمة لم يعتبرها الشارع كآلات اللهو والقمار،
التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرم عنها، أو لم تكن كالحشرات.
ولو كان لها قيمة بعد الكسر، فالوجه: المنع من رهنها ما دامت
صحيحة، كما لا يصح بيعها إلا بعد كسرها.
وكذا لا يصح رهن ما لا يصح تملكه للمسلم إن كان الراهن أو
المرتهن مسلما، كالخمر وشبهه. ولو كانا ذميين، جاز الرهن. ولو أسلما أو
أحدهما قبل فكه، بطل الرهن.
ولو رهن الذمي خمرا عند مسلم، لم يصح وإن وضعها على يد ذمي
على خلاف.
مسألة 114: لو رهن ملك غيره بغير إذنه، وقف على الإجازة، فإن
أجازه المالك، صح، والا بطل.
ولو رهن المملوك له ولغيره، صح الرهن في حصته المملوكة
خاصة، وكان موقوفا على الإجازة في حصة الآخر، سواء كان الرهن واحدا
مشاعا بينهما، أو رهن ملكين صفقة أحدهما له والآخر لصاحبه.
مسألة 115: لا يصح رهن أرض الخراج، وهي الأرض التي صالح
الإمام أهل بلد على أن يكون ملكا للمسلمين، وضرب عليهم الخراج، فإن
ذلك أجرة - وبه قال الشافعي (1) - لأن الرهن لا يختص بها، بل حكمها
راجع إلى جميع المسلمين بالسوية، فلا يجوز بيع ذلك ولا رهنه.

(1) الحاوي الكبير 6: 77، التهذيب - للبغوي - 4: 31، العزيز شرح الوجيز 4:
442، روضة الطالبين 3: 284، مختصر اختلاف العلماء 3: 495 / 1645، المغني
4: 416، الشرح الكبير 4: 415.
130

وأرض العراق - وهو سواد الكوفة، فهو من تخوم الموصل إلى
عبادان ان طولا، ومن القادسية إلى حلوان عرضا، فهي من الأرض
المفتوحة عنوة - فعندنا أن المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة
لا يختص بها المقاتلة والغانمون، بل هي لجميع المسلمين لا يصح بيعها
ولا وقفها ولا رهنها. ومواتها وقت الفتح للإمام خاصة.
وقال الشافعي: إن عمر فتحها عنوة، وقسم الأراضي بين الغانمين،
ثم رأى أنهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها، وردها إلى أهلها،
وضرب عليهم الخراج (1).
وقال بعض الشافعية: إنه وقفها على المسلمين، وجعل الخراج أجرة
تؤخذ في كل سنة (2).
وقال ابن سريج منهم: إن الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كل سنة
جزء (3).
وظاهر مذهب الشافعي: الأول، وهو مذهب أحمد (4).
وابن سريج يقول: لم يرد الشافعي بقوله أرض العراق؛ لأن الناس

(1) الحاوي الكبير 6: 77، الوجيز 2: 193 - 194، العزيز شرح الوجيز 11: 449،
روضة الطالبين 7: 469.
(2) الحاوي الكبير 6: 77، و 14: 260، حلية العلماء 7: 727، التهذيب - للبغوي -
7: 489، الوسيط 3: 463، الوجيز 1: 159، العزيز شرح الوجيز 11: 450،
روضة الطالبين 7: 470.
(3) الحاوي الكبير 6: 77، و 14: 260 - 261، حلية العلماء 7: 726، التهذيب
- للبغوي - 7: 489، الوسيط 3: 463، الوجيز 1: 159 - 160، العزيز شرح
الوجيز 11: 450، روضة الطالبين 7: 470.
(4) انظر: المغني 2: 577.
131

يتبايعونها من لدن عمر إلى الآن، ولم ينكر ذلك منكر (1).
وقال أبو حنيفة: إن عمر أقر أهلها عليها، وضرب الخراج (2).
فعلى قول ابن سريج من الشافعية يجوز بيعها ورهنها (3)، وعلى قول
بعضهم إنه لا يصح بيعها ولا رهنها (4).
وإن كان فيها بناء وغرس، فإن كان البناء معمولا من ترابها، فحكمه
حكمها. وإن كان من غيرها، جاز رهنه ورهن الغراس.
وإن أفرد الغراس بالرهن، صح.
وإن رهنه مع الأرض، لم يصح رهن الأرض، فأما البناء والغراس
فمبني على القولين في تفريق الصفقة، فإن قلنا: تفرق، صح فيه. وإذا قلنا:
لا تفرق؛ لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما، فسد في الجميع.
وإن قلنا: لا تفرق؛ لأن ذلك يؤدي إلى جهالة العوض في الجائز
منه، صح الرهن هنا فيما يجوز؛ لأنه لا عوض فيه.
وإذا صح الرهن في البناء والغراس، فلا خراج على المرتهن، وإنما
هو على الراهن، فإن الخراج مضروب على الأرض.
ولو كان الخراج على الغراس أيضا، كان على الراهن دون المرتهن؛
لأن الخراج تابع للملك، وهو للراهن خاصة، ولا شي على المرتهن
ولا على المستأجر.
فإن أداه المرتهن عن الراهن بغير أمره، لم يرجع عليه به؛ لأنه متبرع

(1) انظر: الحاوي الكبير 14: 261، والتهذيب - للبغوي - 7: 489، والعزيز شرح
الوجيز 11: 450.
(2) الهداية - للمرغيناني - 2: 141، و 156 - 157.
(3 و 4) كما في الحاوي الكبير 6: 77، والتهذيب - للبغوي - 7: 489، والعزيز شرح
الوجيز 11: 451، وروضة الطالبين 7: 470.
132

به متطوع بقضاء الدين.
وقال بعضهم (1): يرجع به؛ لأن نفع ذلك عاد إلى المقضي عنه.
وهو يبطل بالهبة.
وإن قضاه بإذنه، فإن شرط له الرجوع، وجب له الرجوع. وإن
لم يشترط له الرجوع، بل أطلق الأمر، فللشافعية وجهان:
أحدهما: يرجع؛ لأن أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه، كما إذا أمره
بشراء شي له، فإن الثمن يجب عليه.
والثاني: لا يرجع؛ لأنه إذا لم يشترط العوض له، كان متطوعا، كما
لو ملكه شيئا ولم يشترط العوض، فإنه يكون هبة، ولا يستحق عليه
شيئا (2).
والأصل في الوجهين قولا الشافعي واختلافهما؛ فإنه قال: إلا أن
يكون دفعه بأمره (3). وهذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان والرجوع. وقال
تارة: لو دفع إلى قصار ثوبا فقصره، فلا أجرة له عليه؛ لأنه لم يشرطها
له (4). فجعل علة الاستحقاق الاشتراط.
مسألة 116: يجوز رهن العصير؛ لأنه عين يصح تملكها، ويجوز
بيعها إجماعا، فيصح رهنها. وخوف تغيرها لا يمنع من صحة الرهن، كما
يجوز رهن المريض.
فإن استحال حلوا أو حامضا، فالرهن بحاله.

(1) وهو مالك، قاله فيما إذا أداه مكرها أو مختارا وكان صديقا للراهن، راجع:
الحاوي الكبير 6: 79.
(2) الحاوي الكبير 6: 79، العزيز شرح الوجيز 4: 442، روضة الطالبين 3: 285.
(3) الأم 3: 151، مختصر المزني: 95.
(4) الحاوي الكبير 7: 442.
133

وإن صار خمرا - بعد الإقباض - في يد المرتهن، خرج عن كونه
رهنا؛ لبطلان الملك فيه، وخرج عن كونه مملوكا. ولا خيار للمرتهن إن
كان الرهن مشروطا في بيع؛ لحدوث العيب في يده، وهو قول جمهور
الشافعية (1).
فإذا عاد خلا، عاد الرهن، كما يعود الملك.
وقال بعضهم: لا يعود الرهن إلا بعقد جديد (2).
وقال بعضهم: لا يخرج عن كونه رهنا، ولا نقول بأنها مرهونة، بل
يتوقف، فإن عاد خلا، بان أن الرهن لم يبطل، وإن بقي على الخمرية،
ظهر بطلان الرهن (3).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا يزول ملك الراهن عنه، فهو رهن
بحاله؛ لأن له قيمة في حال كونه عصيرا، ويجوز أن يصير له قيمة في
الثاني، فلا يزول ملكه عنه، كما لو ارتد العبد (4).
وليس بجيد؛ لأن كونه خمرا يمنع صحة التصرف والضمان على
المرتهن، فبطل فيه الملك، كموت الشاهد. ويفارق المرتد؛ لأنه يصح فيه
التصرف.
إذا عرفت هذا، فقولنا: إن الرهن يبطل، لا نريد به اضمحلال أثره
بالكلية، وإلا لم يعد الرهن، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.
ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن، بطل ملكها، وخرجت من

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 479، روضة الطالبين 3: 312.
(2) الحاوي الكبير 6: 110، العزيز شرح الوجيز 4: 480.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 479، روضة الطالبين 3: 312.
(4) حلية العلماء 4: 455، المغني 1: 84، الشرح الكبير 1: 97.
134

الرهن.
فإن عاد الراهن فدبغ جلدها، لم يصح تملكه عندنا؛ لبقاء نجاسته
بعد الدبغ.
وعند العامة يطهر بالدباغ (1)، فعلى قولهم يعود ملك الراهن إليها.
وللشافعية في عود الرهن في الجلد بعد الدبغ وجهان:
أحدهما: أنه يعود الرهن لأن الملك الأول عاد، فتبعه الرهن، كما إذا
انقلبت الخمر خلا.
وأظهرهما عند أكثر الشافعية: لا يعود؛ لأن ماليته مخلوقة (2) بالصنعة
والمعالجة، فالراهن ملك الجلد بالدباغ، وذلك أثر استحدثه، وليس العائد
ذلك الملك - وهو قول أبي إسحاق - بخلاف الخمر إذا تخللت؛ لأنها
عادت بنفسها (3).
واعترض بشاة ماتت لرجل فغصبها غاصب ودبغ جلدها هل يملكه
الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق: الأقوى: أن الغاصب يملك بما استحدثه
من الدباغ.
والفرق أن الغاصب يده بغير حق، فكان فعله لا حكم له، ويد

(1) الحاوي الكبير 1: 59، المهذب - للشيرازي - 1: 17، التهذيب - للبغوي - 1:
173، حلية العلماء 1: 110، العزيز شرح الوجيز 1: 81، المجموع 1: 217،
روضة الطالبين 1: 151، المغني 1: 84، الشرح الكبير 1: 97.
(2) كذا في " ج " والطبعة الحجرية. وفي " العزيز شرح الوجيز ": " مجلوبة " بدل
" مخلوقة ".
(3) الحاوي الكبير 6: 111، المهذب - للشيرازي - 1: 323، التهذيب - للبغوي -
4: 44، حلية العلماء 4: 456، العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3:
312.
135

المالك يد بحق (1).
فنقض عليه برجل حجر أرضا مواتا فجاء ثان أحياها، فإن الثاني
يملكها وإن كانت يد الأول بحق، فلو كان الدبغ سببا لملك مستحدث،
لملكها به وإن كانت يده بغير حق.
فقال: يد المحجر لم تسند إلى ملك سابق، فلهذا كان أحق بالملك.
وهذا هو الحجة عليه؛ لأن يد الراهن إذا كانت مستندة إلى ملك
سابق، فإذا عاد الملك ثبت أنه للمالك السابق.
إذا عرفت هذا، فقال أصحاب أبي حنيفة: لا يزول ملك الراهن وحق
المرتهن عن الجلد بالموت، كما قالوا في الخمر (2).
ولو انقلب العصير المرهون خمرا قبل القبض، ففي بطلان الرهن
البطلان الكلي وجهان للشافعية:
أحدهما: نعم؛ لاختلال المحل في حال ضعف الرهن وجوازه،
ويثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.
والثاني: لا، كما لو تخمر بعد القبض (3).
وقضية إيراد أكثرهم: ترجيح هذا الوجه؛ لأنهم قربوا هذا الخلاف
من الخلاف في صورة عروض الجنون، أو بنوه عليه، فقالوا: إن ألحقنا
الرهن بالوكالة، بطل بعروض الجنون وانقلابه خمرا قبل القبض. وإن
ألحقناه بالبيع الجائز، لم يبطل (4).

(1) لم نعثر عليه في مظانه. وفي الحاوي الكبير 6: 111 عن أبي إسحاق المروزي
أنه يكون ملكا لربه الأول دون الدابغ، فلاحظ.
(2) حلية العلماء 4: 456.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3: 312 - 313.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3: 313.
136

قال بعضهم: وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطا في بيع، ثبت
للمرتهن الخيار؛ لأن الخل أنقص من العصير، ولا يصح الإقباض حالة
الشدة.
ولو فعل وعاد خلا، فعلى الوجه الثاني لابد من استئناف قبض.
وعلى الأول لابد من استئناف عقد (1).
ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.
ولو انقلب المبيع خمرا قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع وعوده
إذا عاد خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض.
مسألة 117: الخمر قسمان:
خمر محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا، وإنما كانت
محترمة لأن اتخاذ الخل جائز إجماعا، والعصير لا ينقلب إلى الحموضة إلا
بتوسط الشدة، فلو لم تحترم وأريقت في تلك الحال لتعذر اتخاذ الخل.
والثاني: خمر غير محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها لغرض
الخمرية.
فالأولى لا تجب إراقتها. وهل تجب إراقة الثانية؟ فيه قولان
للشافعية (2).
فإن تلفت، فلا كلام، ولا خيار للمرتهن؛ لأن ذلك حصل في يده.
وإن استحال خلا، عاد ملكه لصاحبه مرهونا، لأنه يعود مملوكا

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3: 313.
(2) لم نعثر على ما نسب إليهم فيما بين أيدينا من المصادر، ولهم وجهان في طهارتها
فيما إذا لم يرقها فتخللت. انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 482، وروضة الطالبين
3: 314.
137

بحكم الملك الأول، فيعود حكم الرهن؛ لأنه زال بزوال الملك فعاد بعوده.
فإن قيل: أليس أن العقد إذا بطل لا يصح حتى يبتدأ، والرهن بطل
فيه حين صار خمرا؟
فالجواب: أن العقد إذا وقع فاسدا، لم يصح حتى يوجد صحيحا،
وليس كذلك هنا؛ لأن العقد وقع صحيحا، وحدث بالمعقود معنى أخرجه
من حكم العقد، فإذا زال ذلك، عاد حق العقد، كما أن زوجة الكافر إذا
أسلمت، حرم وطؤها عليه، وخرجت بذلك من حكم العقد، فإذا أسلم
الزوج قبل انقضاء العدة، عاد حكم العقد. وكذلك إذا ارتد أحد الزوجين.
مسألة 118: إذا كان في يده عصير فصار خمرا فأراقه فجمعه جامع
فصار في يده خلا، فالأقرب: أنه يكون ملكا للثاني؛ لخروجه عن ملك
الأول بصيرورته خمرا، ولا يصح للمسلم تملكه ابتداء ولا استدامة،
وخروجه عن أولوية اليد بإراقته، فانتفى تعلقه عنه بالكلية؛ لأنه أسقط حقه
منها وأزال يده عنها، فيكون ملكا للثاني؛ لاستيلاء يده عليه، وهذا أحد
وجهي الشافعية.
والثاني: أنه يعود ملكا للأول؛ لأنه مملوك بالمعنى الأول، وهو
الأظهر عندهم؛ لأن الجامع للخمر ممنوع من ذلك، محرم عليه، ويده
لا تثبت عليها، فلا يصح تملكه بذلك (1).
وقوله الأول: " أسقط حقه " ليس بصحيح؛ لأنه فعل الإراقة التي أمره
الشرع بها، ولو كان كذلك، لوجب أن تكون مباحة - كالصيود - لا يختص
بملكها الجامع، بل يكون أحق بها؛ لحصولها في يده.

(1) حلية العلماء 4: 457.
138

ونمنع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل، وإنما يمنع على
تقدير إرادة استعماله خمرا.
ونمنع كون يده لا تثبت عليها على تقدير إرادة التخليل.
ولا نعني بإسقاط حقه إلا إراقتها وعدم إمساكها، والجامع لا يملكها
بالجمع، بل يكون أحق باليد، فإذا صارت خلا في يده، فقد تجدد له
الملك بالاستيلاء على المباح، كالاصطياد.
مسألة 119: يجوز تخليل الخمر بطرح شي فيها، وتحل، كما تحل
لو استحالت من نفسها، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة ومالك في إحدى
الروايتين (1) - لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " يحل الدباغ الجلد كما
يحل التخليل الخمر " (2).
ولأنها خمر استحالت إلى حموضة الخل، فصارت حلالا، كما لو
استحالت بنفسها. ولأنها خرجت عن كونها حراما، وزال وصف الخمرية
عنها، فيزول التحريم المستند إلى الخمرية؛ لأن زوال العلة يوجب زوال
المعلول.
وقال الشافعي: إن استحالت الخمر بنفسها، حلت. وإن طرح فيها
شي إما عصير أو خل أو خبز حار أو غير ذلك من الأعيان فصارت خلا،
لم تحل، ولا يجوز إمساكها للتخليل - وبه قال أحمد وإسحاق ومالك في

(1) تحفة الفقهاء 3: 329، بدائع الصنائع 5: 113 - 114، المبسوط - للسرخسي -
24: 22، الاختيار لتعليل المختار 4: 159، الاستذكار 24: 313 - 314 / 36518،
و 315 / 36525، التفريع 1: 411، الحاوي الكبير 6: 112، حلية العلماء 1:
316، العزيز شرح الوجيز 4: 481، المجموع 2: 576، المحلى 7: 517،
المغني 10: 338.
(2) سنن الدارقطني 4: 266 / 6، الحاوي الكبير 6: 112.
139

الرواية الثانية - لما رواه أنس أن أبا طلحة سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أيتام
ورثوا خمرا، فقال له: " اهرقها " فقال: أنخللها؟ فقال: " لا " (1) وإذا ثبت أنه
محظور، لم يكن سببا في الإباحة، كقتل الصيد في الحرم.
ولأنه مائع لا يطهر بالكثرة، فلم يطهر بالصنعة، كاللبن النجس. ولأن
ما يقع فيه ينجس، فلا يمكن طهارة الخمر دونه، والمطروح فيه لا يحصل
فيه الاستحالة، فهو باق على نجاسته (2).
والسؤال وقع عن قضية خاصة، فجاز أن لا تتخلل تلك الخمرة.
ولا يلزم من تحريم السبب - لو سلم تحريمه هنا - تحريم المسبب، فإن
من اصطاد بآلة محرمة فعل محظورا وكان الصيد حلالا له. وكذا لو طلق في
الحيض - عندهم - فعل سببا محرما، وحصلت به البينونة. ونظائره كثيرة
لا تحصى. وقتل الصيد في الحرم بمنزلة خنق الصيد. والخمرية المقتضية
للتنجيس قد زالت، فيزول معلولها، وهو التنجيس، بخلاف المقيس عليه.
واستحالة الخمر مطهرة له. والمطروح فيه كالآنية.
فروع:
أ - إذا كانت الخمر في ظرف فنقلها من الظل إلى الشمس أو من
الشمس إلى الظل فتخللت، طهرت عندنا.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما؛ لأنه لم يخالطها ما يمنعها الطهارة،

(1) سنن أبي داود 3: 326 / 3675، مسند أحمد 3: 566 / 11779، بتفاوت يسير.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 55، المجموع 2: 574 و 576 و 578 - 579، الحاوي
الكبير 6: 112، حلية العلماء 1: 316، العزيز شرح الوجيز 4: 481 - 482،
روضة الطالبين 3: 314، المغني 10: 338، الكافي في فقه أهل المدينة: 190،
التفريع 1: 411، الاستذكار 24: 313 / 36516 و 36517، و 315 / 36528.
140

بخلاف المطروح فيها.
والثاني: أنها لا تحل؛ لأن ذلك فعل محظور (1).
وهو ممنوع، وينتقض بما إذا أمسكها حتى تخللت، فإن إمساكها
لا يجوز، وإذا تخللت في يده حلت.
ب - لو طرح فيها شيئا نجسا غير الخمر فانقلبت خلا أو عالجها
الذمي أو لمسها حال الخمرية فانقلبت خلا، لم تطهر بالانقلاب؛ لأن
نجاسة المطروح لم تكن بسبب الخمر ولا بسبب ملاقاته إياها، بل بنجاسة
لا تطهر بالانقلاب، فلا يطهر ما طرح فيه بالانقلاب. ولا فرق بين أن تكون
نجاسته ذاتية أو عرضية.
وربما خطر لبعض من (2) لا مزيد تحصيل له الطهارة؛ لأن النجاسة
واحدة، وحالة الخمرية العين نجسة، فإذا لاقتها نجاسة أخرى، لم يزد أثر
التنجيس فيها، فإذا انقلبت خلا، طهرت مطلقا.
وهو غلط؛ لأن النجاسات متفاوتة في قبول التطهير وعدمه وفي
سبب التطهير.
ج - حكى الجويني عن بعض الشافعية جواز تخليل المحترمة؛ لأنها
غير مستحقة للإراقة (3).
لكن المشهور عندهم عدم الفرق بين المحترمة وغيرها في تحريم
التخليل (4).

(1) الحاوي الكبير 6: 115، التهذيب - للبغوي - 1: 188، حلية العلماء 1: 316،
العزيز شرح الوجيز 4: 483، روضة الطالبين 3: 315.
(2) لم نتحققه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 482.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 482.
141

د - لا فرق بين الطرح بالقصد وبين أن يتفق من غير قصد - كطرح
الريح - في إباحته وطهارته مع الانقلاب.
وللشافعية قولان:
أحدهما: لا فرق بينهما في التحريم، وعدم الطهارة.
والثاني: الفرق (1).
والخلاف مبني على أن المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح
فيه. والأظهر عندهم: أنه لا فرق (2).
هذا إذا كان الطرح في حالة التخمير، أما إذا طرح في العصير بصلا أو
ملحا واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فللشافعية وجهان:
أحدهما: أنه إذا تخلل، كان طاهرا؛ لأن ما لاقاه إنما لاقاه قبل
التخمير، فيطهر بطهارته كإجزاء الدن.
والثاني: لا؛ لأن المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته،
بخلاف أجزاء الدن؛ للضرورة (3).
ه‍ - لو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا ينغمر الخل فيه
عند الاشتداد، طهر إذا انقلب خلا؛ لزوال المقتضي للنجاسة، وهو أحد
وجهي الشافعية. والثاني: أنه لا يطهر (4).
ولو كان الغالب الخل وكان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس به،
وبه قال الشافعية (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 482.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314، المجموع 2: 577.
142

مسألة 120: قد بينا أنه يجوز إمساك الخمر المحترمة إلى أن تصير
خلا، وهو قول الشافعية (1). والتي لا تحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها
حتى تخللت، طهرت عندنا أيضا - وهو قول أكثر الشافعية (2) - لأن النجاسة
والتحريم إنما ثبتا للشدة وقد زالت.
وحكى الجويني عن بعض الخلافيين أنه لا يجوز إمساك الخمر
المحترمة، بل يضرب عن العصير إلى أن يصير خلا، فإن اتفقت منا اطلاعة
وهو خمر، أرقناه (3).
وقال بعضهم: لو أمسك غير المحترمة حتى تخللت، لم تحل
ولم تطهر؛ لأن إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة، فإذا عادت الطهارة
بالتخلل، تطهر أجزاء الظرف أيضا؛ للضرورة (4).
وقال بعضهم: إن كان الظرف بحيث لا يشرب شيئا من الخمر
- كالقوارير - طهر، وإن كان مما يشرب، لم يطهر (5).
وكما يطهر الملاقي بعد التخلل يطهر ما فوقه الذي أصابته الخمر في
حال الغليان.
واعلم أن بعض الشافعية تردد في بيع الخمر المحترمة بناء على
التردد في طهارتها مع الانقلاب (6).
والحق عندنا: التحريم.
والعناقيد التي استحالت أجزاء من حباتها خمرا يجوز بيعها،

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314، المجموع 2: 577.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314 - 315، المجموع 2:
577.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 315، المجموع 2: 577.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 483، روضة الطالبين 3: 315.
143

ولا يقصد (1) بيع الحبات التي استحالت.
وللشافعية وجهان في جواز بيعها، أعني بيع الحبات التي استحالت؛
اعتمادا على طهارة ظاهرها في الحال، وتوقع فائدتها في المآل (2).
وطردوا الوجهين في البيضة المستحيل باطنها دما (3).
والحق عندنا المنع.
مسألة 121: لو رهنه عصيرا فصار خمرا قبل الإقباض، بطل الرهن
على ما بينا، وكان للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.
وإن صار خمرا بعد القبض، خرج من الرهن، ولا خيار للمرتهن.
فإن اختلفا فقال المرتهن: قبضته وهو خمر، وقال الراهن: بل قبضته
وهو عصير، وإنما صار خمرا في يدك، فالأقوى تقديم قول المرتهن - وبه
قال الشيخ (4)، وأبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي (5) - لأن من في يده
مال لغيره فالقول قوله في صفته، كالغاصب والمستعير وغيرهما. ولأن
المرتهن ينكر أن يكون قد قبض رهنا، والقول قوله مع عدم الرهن.
والقول الثاني للشافعي: إن القول قول الراهن؛ لأنهما اتفقا على العقد
والتسليم واختلفا في صفة المقبوض، فكان القول قول الذي سلم، كالبائع
والمشترى إذا اختلفا في العيب ويمكن حدوثه عند كل واحد منهما، فإن
القول قول البائع (6).

(1) في " ج ": " ولا يجوز " بدل " لا يقصد ".
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 483، روضة الطالبين 3: 315، المجموع 2: 578.
(4) المبسوط - للطوسي - 2: 214، الخلاف 3: 240، المسألة 35.
(5) مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 6: 116، المهذب - للشيرازي - 1: 324،
حلية العلماء 4: 467، العزيز شرح الوجيز 4: 542، روضة الطالبين 3: 360.
(6) مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 6: 116، المهذب - للشيرازي - 1: 324، حلية
العلماء 4: 467، العزيز شرح الوجيز 4: 542، روضة الطالبين 3: 360.
144

فأما الغاصب والمستعير فإن القول قولهما فيما يغرمان؛ لأن القول
قول الغارم، لأنه مدعى عليه، وهنا المرتهن يثبت لنفسه خيارا في العقد
بذلك، فهو بمنزلة المشتري.
أما لو اختلفا في العقد فقال المرتهن: رهنتنيه خمرا وقبضته خمرا،
وقال الراهن: بل رهنتكه عصيرا وقبضته عصيرا، قال بعض الشافعية: القول
قول المرتهن في هذه قولا واحدا؛ لأنه ينكر العقد.
وقال آخرون منهم: فيها القولان؛ لأنه معترف بحصول عقد وقبض،
وإنما يدعي صفة في المعقود عليه، والأصل عدمها (1).
ولو صار العصير خمرا في يد الراهن قبل القبض، بطل الرهن، فإن
عاد خلا، لم يعد، ويخالف إذا كان بعد القبض؛ لأن الرهن قد لزم وقد
صار تابعا للملك.
فأما إذا اشترى عصيرا فصار خمرا في يد البائع وعاد خلا، فسد
العقد، ولم يعد ملك المشتري لعوده خلا.
والفرق بينه وبين الرهن أن الرهن عاد تبعا لملك الراهن، وها هنا
يعود ملك البائع؛ لعدم العقد، ولا يصح أن يتبعه ملك المشتري.
مسألة 122: لو جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلق الأرش برقبته
وقلنا: رهن الجاني ابتداء فاسد، ففي بطلان الرهن للشافعية وجهان؛ إلحاقا
للجناية بتخمير العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل
استحكام العقد، وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 324، حلية العلماء 4: 467، العزيز شرح الوجيز 4:
542، روضة الطالبين 3: 360.
145

في الجاني، بخلاف الخمر (1).
ولو أبق العبد المرهون قبل القبض، قال الجويني: يلزم على سياق
ما سبق تخريج وجهين فيه؛ لانتهاء المرهون إلى حالة يمتنع ابتداء الرهن
فيها (2).
الشرط الثالث: أن يكون المرهون مما يمكن إثبات يد المرتهن
عليه، فلو رهن عبدا مسلما عند كافر أو رهن مصحفا عنده، فالأقرب:
المنع؛ لما فيه من تعظيم شأن الإسلام والكتاب العزيز، ومن نفي السبيل
على المؤمن، فإن إثبات يد المرتهن سبيل عليه.
وللشافعية طريقان:
أحدهما: أنه على القولين في بيعه منه إن صححنا البيع، صح الرهن،
ويوضع على يد مسلم؛ لأن إزالة الرهن لا يمكن إلا بفسخه.
والثاني: القطع بجوازه؛ لأنه لا ملك للكافر فيه ولا انتفاع، وإنما هو
مجرد استيثاق، بخلاف البيع؛ لأن في التملك نوع إذلال، وهذا إنما هو
استيثاق به، وإنما الذل بكونه تحت يده، فإذا أخرجناه من يده، جاز (3).
ورهن السلاح من الحربي يترتب على بيعه منه.
وفي رهن كتب أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) والفقه الخلاف بين
الشافعية (4)، المتقدم.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 316، العزيز شرح الوجيز 4: 481، روضة الطالبين
3: 313.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 481، روضة الطالبين 3: 313.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 316، حلية العلماء 4: 427 - 428، العزيز شرح
الوجيز 4: 440، روضة الطالبين 3: 283.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 316، حلية العلماء 4: 427.
146

ويجوز أن يرهن عند الكافر ما سوى ذلك؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) رهن
درعه عند أبي الشحم اليهودي (1).
وهل يصح رهن المصحف عند المسلم؟ إن قلنا بجواز بيعه، صح،
وإلا فلا.
وعن أحمد روايتان، إحداهما: الصحة، وبه قال مالك والشافعي
وأبو ثور وأصحاب الرأي (2).
مسألة 123: يجوز رهن الجواري والعبيد؛ لأنهم أموال يستوثق بهم
الدين، فجاز رهنهم كغيرهم.
ولا فرق بين الجارية الحسناء وغيرها، وسواء كانت الجارية الحسناء
محرما للمرتهن أو غير محرم، وسواء كان المرتهن عدلا أو فاسقا على
كراهية فيه.
ولا فرق بين أن تكون الجارية صغيرة لا تشتهى بعد، أو كبيرة
تشتهى؛ للأصل، والعمومات.
وقال بعض الشافعية رواية: إنه لا يجوز رهن الجارية الحسناء إلا أن
تكون محرما للمرتهن (3).
والمذهب المشهور عندهم: الجواز مطلقا (4).
ثم إن كانت صغيرة لا تشتهى بعد، فهي كالعبد يجوز رهنها. وإن
كانت كبيرة تشتهى، فإن رهنت من محرم أو امرأة، جاز. وإن رهنت من

(1) سنن البيهقي 6: 37.
(2) المغني 4: 412، الشرح الكبير 4: 412 - 413.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 440.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 440، روضة الطالبين 3: 283.
147

رجل بالغ أو أجنبي، فإن كان ثقة وعنده زوجته أو جاريته أو نسوة يؤمن
معهن من المقاربة لها، جاز أيضا، وإلا وضعت عند محرم لها أو امرأة ثقة
أو عدل بالصفة المذكورة في المرتهن.
ولو شرط وضعها عند غير من ذكرنا، فهو شرط فاسد عندهم؛ لما
فيه من الخلوة بالأجنبية، وخوف الفتنة (1).
وألحق الجويني بالصغيرة [الخسيسة] (2) مع دمامة (3) الصورة (4).
والفرق بين بينهما عند الباقين (5).
ولو كان المرهون خنثى، فهو كما لو كان جارية إلا أنه لا يوضع عند
المرأة.
الشرط الرابع: أن يكون المرهون مما يصح بيعه عند حلول الدين؛
لأن الغاية التي وضعها الشارع في الرهن استيفاء الحق من ثمن المرهون
عند الحاجة، فلا بد وأن يكون قابلا للبيع ليصرف ثمنه في دين المرتهن،
فكل ما لا يصح بيعه لا يجوز رهنه، فلا يجوز رهن الحر وأم الولد
والمكاتب والوقف وغير ذلك مما يمتنع شرعا بيعه.
مسألة 124: لعلمائنا قولان في جواز التفرقة بين الأم وولدها الصغير

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 440، روضة الطالبين 3: 284.
(2) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجرية: " الصغيرة الجثة ". وفي " ج ":
" الحسنة ". وفي " روضة الطالبين ": كما أثبتناه. وفي " العزيز شرح الوجيز ": " الحسنة
الخسيسة ". وفي الطبعة الحجرية منه - فتح العزيز 10: 6 -: " الحسنة " فقط.
والظاهر ما أثبتناه. وفي العين - للخليل - 4: 135 " خس ": وامرأة مستخسة، أي:
قبيحة الوجه محقورة، اشتقت من الخسيس، أي القليل.
(3) الدمامة: القصر والقبح. لسان العرب 12: 208 " دمم ".
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 440، روضة الطالبين 3: 284.
148

بالبيع وشبهه، فمنعه البعض وكرهه آخرون، وقد تقدم (1) القولان.
والشافعية وإن حرموا التفريق ففي إفساد البيع عندهم قولان (2).
إذا عرفت هذا، فإنه يجوز عندنا وعندهم (3) رهن الجارية دون الولد
الصغير؛ لأن الرهن لا يزيل الملك، فيحصل بذلك تفرقة بينهما، وإنما هي
ملك للراهن له الانتفاع بها وتسليم ولدها إليه. ولأن الجارية المرهونة لو
ولدت في يد المرتهن، كان ولدها غير مرهون وهي مرهونة، فكذا في
الابتداء.
قال الشافعي: إن ذلك ليس تفرقة بين الأم وولدها (4).
واختلف في معناه.
فقال بعضهم: إن الرهن لا يوجب تفرقة؛ لأن الملك فيهما باق
للراهن والمنافع له، فيمكن أن يأمرها بتعهد الولد وحضانته، وإذا كان
كذلك، وجب تصحيح الرهن، ثم ما يتفق من بيع وتفريق فهو من ضرورة
إلجاء الراهن إليه.
وقال بعضهم: معناه أنه لا تفرقة في الحال، وإنما التفرقة تقع عند
البيع، وحينئذ يحترز منها بأن يبيعهما معا.
والقائل الأول لا يبالي بإفراد أحدهما بالبيع إذا وقعت الحاجة إلى

(1) في ج 10، ص 331 - 335، المسألة 150 والفرع " ه‍ " منها.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 275، المجموع 9: 360 و 361، الوجيز 1: 139
و 160، الوسيط 3: 61، العزيز شرح الوجيز 4: 133 و 443، الحاوي الكبير 6:
119، و 14: 244 - 245، روضة الطالبين 3: 83 و 285.
(3) مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 6: 118، المهذب - للشيرازي - 1: 316،
الوجيز 1: 160، العزيز شرح الوجيز 4: 443، روضة الطالبين 3: 285.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 443، روضة الطالبين 3: 285.
149

البيع. والأصح عندهم: الثاني (1).
إذا ثبت هذا، فإذا حل الحق وأراد بيع الجارية، فإن كان قد تم للولد
سبع سنين فما زاد، جاز بيعها دونه إجماعا؛ لأن بلوغ هذا السن يجوز معه
التفريق.
وإن كان له أقل من ذلك، فالأقرب: بيعهما معا - وهو أحد قولي
الشافعية (2) - لأن الجمع بينهما في العقد ممكن، بخلاف ما إذا ولدت من
الراهن، فإنها تباع منفردة عن الولد؛ لأن الولد حر لا يمكن بيعه. فإذا بيعا
معا بيعا صفقة واحدة؛ لئلا يقع التفريق؛ للنهي عنه، ويتعلق حق المرتهن
من الثمن بقدر قيمة الجارية، فيقال: كم قيمة هذه الجارية ذات الولد دون
ولدها؟ فيقال: مائة، ويقال: كم قيمة الولد؟ فيقال: خمسون، فتكون
حصة الجارية ثلثي الثمن المسمى في العقد.
قال بعض الشافعية: ينبغي أن نقدم على كيفية توزيع الثمن مسألة
هي أنه إذا رهن أرضا بيضاء ثم نبت فيها نخل، فلها حالتان:
إحداهما: أن يرهن الأرض ثم يدفن فيها النوى أو يحمل السيل أو
الطير النوى إليها فتنبت، فهي للراهن، ولا يجبر في الحال على قلعها؛
لإمكان أن يؤدي الدين من موضع آخر، فإذا دعت الحاجة إلى بيع الأرض،
نظر فإن قام ثمن الأرض - لو بيعت وحدها - بالدين، بيعت وحدها
ولم يقلع النخل، وكذا لو لم يف به، إلا أن قيمة الأرض وفيها الأشجار
كقيمتها بيضاء.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 443، وانظر: روضة الطالبين 3: 285.
(2) انظر: حلية العلماء 4: 122 - 123، والمغني 10: 460، والشرح الكبير 10:
409.
150

وإن لم يف به ونقصت قيمتها بالأشجار، فللمرتهن قلعها لتباع
الأرض بيضاء، إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الأرض، فيباعان ويوزع
الثمن عليهما.
هذا إذا لم يكن الراهن محجورا عليه بالإفلاس، فإن كان كذلك،
فلا قلع بحال؛ لتعلق حق الغرماء بها، بل يباعان ويوزع الثمن عليهما، فما
يقابل الأرض يختص به المرتهن، وما يقابل الأشجار يقسم بين الغرماء.
فإن انتقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار، حسب النقصان على الغرماء؛
لأن حق المرتهن في أرض فارغة، وإنما منع من القلع لرعاية جانبهم،
فلا يهمل جانبه بالكلية.
الحالة الثانية: أن تكون النوى مدفونة في الأرض يوم الرهن ثم
نبتت، فإن كان المرتهن جاهلا بالحال، فله الخيار في فسخ البيع الذي
شرط فيه هذا الرهن، فإن استحقاق بقاء الأشجار في الأرض عيب فيها
يوجب الخيار، فإن فسخ فلا بحث، وإن لم يفسخ، فهو بمنزلة العالم،
فلا خيار له.
وإذا بيعت الأرض مع النخل، وزع الثمن عليهما.
والمعتبر في الحالة الاولى قيمة أرض فارغة، وفي الثانية قيمة أرض
مشغولة؛ لأنها كانت كذلك يوم الرهن.
وفي كيفية اعتبار قيمة الأشجار وجهان نقلهما الجويني في الحالتين:
أظهرهما: أن الأرض تقوم وحدها، فإذا قيل: قيمتها مائة، قومت مع
الأشجار، فإذا قيل: مائة وعشرون، فالزيادة بسبب الأشجار عشرون هي
سدس المائة والعشرين، فيراعى في ثمنها نسبة الأسداس.
والثاني: أنه كما قومت الأرض وحدها تقوم الأشجار وحدها ثانيا،
151

فإذا قيل: قيمتها خمسون، عرفنا أن النسبة بالأثلاث.
وفي المثال المذكور لإيضاح الوجهين تكون قيمة الأرض ناقصة
بسبب الاجتماع؛ لأنا فرضنا قيمتها وحدها مائة، وقيمة الأشجار وحدها
ثابتة خمسون (1)، وقيمة المجموع مائة وعشرون.
إذا عرفت هذا، فلنعد إلى مسألة الأم والولد، فإذا بيعا معا وأردنا
التوزيع، قال الجويني: فيه طريقان:
أحدهما: أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الأرض والأشجار، فتعتبر
فيه قيمة الأم وحدها. وفي الولد الوجهان.
والثاني: أن الأم لا تقوم وحدها، بل تقوم مع الولد خاصة؛ لأنها
رهنت وهي ذات ولد، والأرض بلا أشجار (2)، وكذا أورده أكثر الشافعية.
أما لو رهنها حائلا ثم حملت بالولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو
زنا وبيعا معا، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها، فتقوم خالية من ولد،
ويقوم الولد، وينظر حصتها من الثمن، فيكون للراهن (3).
والفرق بين المسألتين أن في الاولى رضي بكونها أم ولد فقومت أم
ولد، وفي الثانية لم يرض بكونها أم ولد.
فإن قيل: هذا الولد حدث في يد المرتهن، وإذا كان ذلك حادثا في
يده، كان بمنزلة ما رضي به، كما لو حدث فيه نقص وعيب.
قلنا: إن ذلك لا يجري مجرى النقص الحادث لتلف جزء من

(1) في " ج ": " ثمانية وخمسون ". وفي الطبعة الحجرية بدون الواو، بدل " ثابتة
خمسون ". والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(2) في الطبعة الحجرية " بالأشجار " بدل " بلا أشجار ". وكلاهما ساقط في " ج ".
والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 443 - 445، روضة الطالبين 3: 285 - 286.
152

الرهن؛ لأن التالف مضمون عليه بسقوط حق الوثيقة، وفي مسألتنا الرهن
بحاله، وهذه الزيادة للراهن يقتضي وجوده نقصان قيمة الأم لبيعه معها،
فإذا لم يرض به لم يلزمه حكمه.
مسألة 125: إذا رهن شيئا رطبا يسرع إليه الفساد، نظر فإن كان
يمكن استصلاحه وتجفيفه كالرطب والعنب، صح رهنه، ويجب على
الراهن تجفيفه واستصلاحه؛ لأن ذلك من مؤونة حفظه وتبقيته، فكانت
عليه، كنفقة الحيوان المرهون.
فإن كان مما لا يمكن استصلاحه كالثمرة التي لا تجفف والبقول
والطبائخ والريحان وما أشبه ذلك، نظر فإن كان الدين حالا أو يحل قبل
فساده، صح رهنه؛ لأن المقصود منه يمكن حصوله.
ثم إن بيع في الدين أو قضي الدين من موضع آخر، فذاك، وإلا بيع
وجعل الثمن رهنا لئلا يضيع، ولا تفوت الوثيقة.
فلو تركه المرتهن حتى فسد، ضمن إن أمكن رفع أمره إلى الحاكم
ولم يفعل.
ولو تعذر الحاكم، فإن نهاه الراهن عن البيع، لم يضمن، وإلا احتمل
الضمان.
وقال بعض الشافعية: إن كان الراهن أذن له في بيعه، ضمن، وإلا
لم يضمن (1).
وإن كان الرهن على دين مؤجلا، فأحواله ثلاثة:
أ: أن يعلم حلول الأجل قبل فساده، فهو بحكم الرهن على الدين

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 48، العزيز شرح الوجيز 4: 445، روضة الطالبين 3: 287.
153

الحال.
ب: أن يعلم عكسه، فإن شرط في الرهن بيعه عند الإشراف على
الفساد وجعل ثمنه رهنا، صح، ولزم الوفاء بالشرط.
وإن شرط أن لا يباع بحال قبل حلول الأجل، فهو فاسد ويفسد
الرهن؛ لمناقضته مقصود الاستيثاق.
وإن أطلق العقد ولم يشترط البيع ولا عدمه، فالأقرب: الجواز،
ويجبر على بيعه؛ لأن العرف يقتضي ذلك؛ لأن المالك للشيء لا يعرضه
للتلف والهلاك، بل يبيعه، فيحمل مطلق العقد عليه، كما على الاستصلاح،
وهو أحد قولي الشافعية.
والقول الثاني: إنه لا يصح؛ لأن الإجبار على البيع إجبار على إزالة
ملكه وبيع الرهن قبل حلول الأجل، وذلك لا يقتضيه عقد الرهن،
فلم يجب، وإذا ثبت أن البيع لا يجبر عليه، فالمرهون لا يمكن (1) استيفاء
الحق منه، فلم يصح عقد الرهن، كما لو رهن عبدا علق عتقه بشرط يوجد
قبل المحل (2).
وليس بجيد؛ لأن في ترك بيعه إضرارا ما بالمالك وبالمرتهن معا،
وفي بيعه إحسان إليهما؛ لاشتماله على مصلحتهما، فوجب البيع حفظا
للحقين.
وما اخترناه أولا هو الصحيح - وبه قال أبو حنيفة وأحمد (3) - كما لو

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " لا يملك " بدل " لا يمكن ". وما أثبتناه من " العزيز
شرح الوجيز ".
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 48، العزيز شرح الوجيز 4: 446، روضة الطالبين 3:
287 - 288.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 446.
154

شرط، فإن الظاهر أنه لا يقصد فساد ماله، فصار كالمأذون فيه.
ج: أن لا يعلم واحد من الأمرين وكانا محتملين، ففي جواز الرهن
المطلق قولان مرتبان على القولين في القسم الثاني. والصحة هنا أظهر.
تذنيب: لو رهن ما لا يسرع إليه الفساد فطرأ ما عرضه للفساد قبل
حلول الأجل، كما لو ابتلت الحنطة وتعذر التجفيف، لم ينفسخ الرهن
بحال وإن منع الصحة في الابتداء على قول للشافعية (1)، كما أن إباق العبد
يمنع صحة العقد، وإذا طرأ لم يوجب الانفساخ.
ولو طرأ ذلك قبل قبض الرهن، ففي الانفساخ للشافعية وجهان (2)،
كما في عروض الجنون والموت. وإذا لم ينفسخ يباع ويجعل الثمن رهنا
مكانه.
مسألة 126: المرتد إما أن يكون عن فطرة أو لا عن فطرة، والأول
يجب قتله في الحال، ولا تقبل توبته، عند علمائنا. والثاني تقبل توبته،
ولا يجب قتله في الحال إلا بعد الامتناع من التوبة عند الاستتابة.
إذا عرفت هذا، فلو ارتد العبد، فالأقرب: أن الردة إن كانت عن
فطرة، لم يصح رهنه؛ لأنه في كل آن يجب إعدامه شرعا، ويتعين إتلافه،
فانتفت غاية الرهن فيه، وهي التوثيق. وإن لم يكن عن فطرة، صح رهنه؛
لأن الردة لا تزيل الملك.
والعامة أطلقوا وقالوا: يصح رهن المرتد، كما يصح بيعه (3)؛ لبقاء

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 446.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 446، روضة الطالبين 3: 288.
(3) الحاوي الكبير 6: 81، التهذيب - للبغوي - 4: 32، الوجيز 1: 160، العزيز
شرح الوجيز 4: 446، الوسيط 3: 466، روضة الطالبين 3: 288.
155

الملك مع الردة، وإنما يعرضه للإتلاف، فهو بمنزلة المريض المدنف.
وإذا ثبت هذا، فإذا رهنه فإن كان المرتهن عالما بالردة، لم يكن له
رده، ولا يثبت له خيار في البيع الذي شرط رهنه فيه.
ثم ينظر فإن عاد إلى الإسلام وتاب، فقد زال العيب. وإن قتل بالردة
في يد المرتهن، لم يثبت للمرتهن خيار فسخ البيع المشروط رهنه فيه؛
لأن القتل حصل في يده بسبب الردة وقد رضي بها، فهو بمنزلة أن يرهنه
مريضا فيعلمه بمرضه ثم يموت منه في يده.
لا يقال: الفرق ظاهر؛ فإن المريض تلف بتزايد المرض في يد
المرتهن.
لأنا نقول: والمرتد قتل بإقامته على الردة في يد المرتهن. ولأنه وإن
قتل بما كان في يد البائع إلا أنه لما رضي به سقط حكمه، وصار كأنه قتل في
يده ابتداء. ويفارق الاستحقاق؛ لأنه لا يصح الرضا به، وهذا مذهب
الشافعي (1).
وقيل: إنه كالمستحق (2)، فعلى هذا يثبت الخيار في البيع.
فأما إذا لم يعلم المرتهن حال الرهن بردته ثم علم بعد ذلك قبل أن
يقتل، فله الخيار في البيع المشروط رهنه فيه، فإن قتل قبل القبض، فله
فسخ البيع. وإن قتل بعده، كان الحكم فيه كما لو رهنه وهو عالم بردته.
وأما إن قتل قبل أن يعلم بردته، قال أبو إسحاق من الشافعية: إنه
بمنزلة المستحق، ويثبت الخيار للمرتهن (3).

(1) الأم 3: 151.
(2) انظر: الحاوي الكبير 6: 82.
(3) انظر: الحاوي الكبير 6: 83.
156

وقال آخرون: إنه بمنزلة العيب، ولا يثبت للمشتري الخيار في
الرهن (1).
والشافعي قال هنا: إنه بمنزلة المستحق (2)، فجعله مع العلم بمنزلة
العيب، ومع عدم العلم بمنزلة الاستحقاق؛ لأنه هلك بسبب كان موجودا
حال العقد ولم يرض به، ولا يلزم المريض؛ لأنه تلف بسبب حادث.
قال أصحابه: إن قلنا بقوله وقول أبي إسحاق، ثبت للمرتهن الخيار
في البيع. وإن قلنا بقول الآخرين، فلا يثبت له الخيار ولا المطالبة بالأرش
إن يكون رهنا.
ويفارق البيع حيث قلنا على هذا الوجه: إنه يرجح بأرش العيب؛ لأن
الرهن لا يلزم إلا فيما حصل فيه القبض، بخلاف البيع، فما لم يسلمه إليه
من صفات الرهن لا يمكنه المطالبة به، ولا يثبت له الخيار لفقده؛ لأنه قد
تلف الرهن في يده وتعذر عليه رده، والرهن مضمون على المرتهن بحق
الوثيقة (3).
وقال الشافعي في الأم: ولو أنه (4) دلس فيه بعيب وقبضه فمات في
يده موتا قبل أن يختار فسخ البيع، لم يكن له خيار الفسخ لما فات من
الرهن (5).
مسألة 127: يصح رهن العبد الجاني، سواء كانت الجناية عمدا أو

(1) انظر: الحاوي الكبير 6: 83.
(2) الأم 3: 151.
(3) لم نعثر على نصه فيما بين أيدينا من المصادر.
(4) في الطبعة الحجرية: " وبه قال الشافعي في الأم. ولأنه ". وفي " ج ": " وبه قال
الشافعي في الأم. ولو أنه ". والظاهر ما أثبتناه.
(5) الأم 3: 151.
157

خطأ.
والشافعية رتبوا حكم رهنه على بيعه، فإن قالوا بأنه لا يصح بيعه،
فرهنه أولى. وإن صح، ففي رهنه قولان. وفرقوا بينهما بأن الجناية العارضة
في دوام الرهن تقتضي تقديم حق المجني عليه، فإذا وجدت أولا، منعت
من ثبوت حق المرتهن (1).
وللشافعية ثلاث طرق:
أحدها: إن كان القتل خطأ، لم يصح قولا واحدا. وإن كان عمدا،
فعلى القولين.
والثاني: أنه إن كان عامدا، صح قولا واحدا. وإن كان خطأ، فعلى
قولين.
والثالث: أنه على قولين، عمدا كان أو خطأ. وقد مضى توجيه ذلك
في البيع. فإذا قلنا: إنه يصح الرهن، فالحكم فيه كما ذكرنا في المرتد
سواء (2).
إذا عرفت هذا، فإن لم يصح الرهن ففداه السيد أو أسقط المجني
عليه حقه، فلابد من استئناف رهن.
وإن صححناه، قال بعضهم: إنه يكون مختارا للفداء، كما سبق في
البيع (3).
وقال بعضهم: لا يلزمه الفداء، بخلاف ما في البيع والعتق؛ لأن محل
الجناية باق هنا، والجناية لا تنافي الرهن، ألا ترى أنه لو جنى وهو مرهون

(1) الوسيط 3: 466، العزيز شرح الوجيز 4: 447، روضة الطالبين 3: 289.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 294 و 316.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 447.
158

تتعلق الجناية به، ولا يبطل الرهن (1).
وإن صححنا الرهن والواجب القصاص ومنعناه والواجب المال فرهن
والواجب القصاص ثم عفا المستحق على مال، فيبطل الرهن من أصله أو
هو كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية؟ فيه
للشافعية وجهان (2).
وإذا قيل به (3)، فلو كان قد حفر بئرا في محل عدوان فتردى فيها بعد
ما رهن إنسان، ففي تبين الفساد وجهان. والفرق أنه في الصورة الاولى
رهن وهو جان، وهنا بخلافه (4).
تذنيب: لو رهن عبدا سارقا أو زانيا، صح الرهن، ويكون ذلك
بمنزلة العيب على ما بيناه.
وإن كان قد قتل في قطع الطريق، فإن كان قبل قدرة الإمام عليه،
صح على أحد القولين؛ لأنه تصح منه التوبة. وإن كان بعد القدرة،
لم يصح؛ لأن قتله متحتم.
تذنيب (5) آخر: قد بينا أن للشافعية ثلاث طرق في رهن الجاني،
وأن منهم من يقول: في ذلك قولان، فإذا قلنا: فيها قولان، فرعنا عليه إذا
قلنا: يصح الرهن، كانت الجناية مقدمة عليه، فإن بيع فيها جميعه، بطل
الرهن. وإن بيع بعضه، بقي الباقي رهنا.
لا يقال: إذا صححتم الرهن فألا ألزمتموه الفداء كما إذا أعتقه
وصححتم عتقه.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 447.
(2 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 448، روضة الطالبين 3: 290.
(3) الضمير في " به " راجع إلى الوجه الأول، وهو بطلان الرهن من أصله.
(5) كلمة " تذنيب " لم ترد في " ج ".
159

لأنا نقول: الفرق بينهما أنا إذا صححنا أبطلنا محل الجناية، فضمن
المبطل بالأرش، وفي مسألتنا محل الجناية باق، والجناية لا تنافي الرهن،
ولهذا إذا جنى بعد ما رهن، تعلقت به الجناية، ولم يبطل الرهن.
وأما إذا قلنا: لا يصح الرهن، فإن فداه السيد أو برئ من الجناية،
لم يصر رهنا حتى يبدأ رهنه.
قال الشافعي: ولا فرق بين أن يكون الأرش درهما والعبد يساوي
ألوفا أو غير ذلك (1).
وإنما كان كذلك؛ لأن اليسير يتعلق بجميعه كتعلق الكثير، ألا ترى أنه
لو رهنه عبدا بدرهم يسوي ألوفا، لم يجز رهنه بشئ آخر عند غيره قولا
واحدا، وكذا الجناية أيضا.
مسألة 128: يصح رهن المدبر عند علمائنا؛ لأن التدبير عندنا وصية
وللموصي الرجوع في وصيته، وكذا المدبر له الرجوع في تدبيره، وإذا صح
الرهن، بطل التدبير؛ لأن ذلك رجوع فيه.
والشافعية اختلفوا في هذه المسألة على ثلاث طرق:
منهم من قال: إنما يكون الرهن مفسوخا على القول الذي يقول: إن
التدبير [تعليق] (2) عتق بصفة لا يصح الرجوع فيه، فأما إذا قلنا: إنه وصية،
صح الرهن، وكان رجوعا عن التدبير، كما إذا أوصى به لزيد ثم رهنه، فإنه
يكون رجوعا عن الوصية، ويصح الرهن.
ومنهم من قال: يكون الرهن مفسوخا على القولين؛ لأن السيد قد
يموت فجأة، فيبطل مقصود الرهن، ولا يعلم وقت موته حتى يباع قبله.

(1) روضة الطالبين 3: 289.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
160

ولأن الشافعي قال في الأم: " ولو دبره ثم رهنه، كان الرهن مفسوخا،
ولو قال: رجعت عن التدبير ثم رهنه، ففيها قولان " (1) وهذا نص في أنه
قبل أن يرجع فيه لا يصح الرهن قولا واحدا.
قال هذا القائل: وإنما كان كذلك؛ لأن الرهن ليس بصريح في
الرجوع عن التدبير، فلم يكن رجوعا، ويفارق سائر الوصايا حيث كان
الرهن رجوعا عنها؛ لأن التدبير وإن قلنا: إنه وصية فإنه آكد وأقوى منها؛
لأنه عتق يتنجز بالموت، وقد يكون بعض الوصايا آكد من بعض، فيقدم
بعضها على بعض.
ومنهم من قال: يصح الرهن، ويكون التدبير بحاله؛ لأن الشافعي
قال: " ما جاز بيعه جاز رهنه " (2) والمدبر يجوز بيعه. ولأن التدبير لا ينافي
الوثيقة؛ لأنه لا يمنع من البيع عند محل الحق.
قال: وقول الشافعي: " يكون الرهن مفسوخا " أراد به إذا امتنع الراهن
من بيعه والرجوع في التدبير، فإنه يحكم بانفساخ الرهن.
وبيان ذلك: أن على هذه الطريقة يكون رهنا مدبرا، فإن قضاه الراهن
من غيره، كان العبد مدبرا. وإن باعه في الدين، بطل التدبير.
وإن امتنع من بيعه ومن الرجوع في التدبير، فإن كان له مال غيره،
قضي الدين منه، واجبر عليه.
وإن لم يكن له مال، قال أبو إسحاق من الشافعية: فيه وجهان:
أحدهما: يباع عليه، وينفسخ التدبير.

(1) الأم 3: 158.
(2) الأم 3: 149، مختصر المزني: 93، الحاوي الكبير 6: 11.
161

والثاني: يحكم بفساد الرهن (1).
وهذا الوجه الذي تأول به صاحب هذه الطريقة كلام الشافعي - وهو
قوله: " وكان الرهن مفسوخا " - وحمله عليه ليس (2) بصحيح؛ لأنه إذا صحح
رهنه، لم يجز أن يحكم بفساده بامتناع الراهن عن بيعه، بل يجب بيعه
بحكم الرهن ولزومه.
والطريقة الأولة أصح في القياس؛ لأن في كون التدبير وصية أو تعليق
عتق بصفة قولين معروفين، وقضية كونه وصية صحة الرهن.
والثانية ظاهر كلامه؛ لأن كلامه في الأم كالصريح في القطع بالمنع؛
لأنه قال: " ولو دبره ثم رهنه، كان الرهن مفسوخا، ولو قال: رجعت عن
التدبير، ثم رهنه فقولان " (3) فخص القولين بما بعد الرجوع.
والثالثة مخالفة لقوله وللقياس (4).
والمزني اختار أن الرهن يصح، ويبطل التدبير - كما ذهبنا نحن إليه -
لأن التدبير عنده وصية - كما قلناه - وقد ثبت أنه لو أوصى بعبده ثم رهنه،
بطلت الوصية، وأن الشافعي قال: " لو دبر عبده ثم قال له: إن أعطيت
ورثتي كذا بعد موتي فأنت حر، كان رجوعا في التدبير ".
قال: ولأن الشافعي قال: " لو دبر عبده ثم وهبه هبة بتات، بطل
التدبير، أقبضه في التدبير أو لم يقضه " والرهن كالهبة قبل القبض (5).
والجواب: أن الذين قالوا: إنه يصح الرهن على القول الذي يقول:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 448.
(2) في الطبعة الحجرية و " ج ": " وليس... ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) الأم 3: 158.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 449.
(5) مختصر المزني: 96، الحاوي الكبير 6: 106، وانظر أيضا: الأم 8: 18.
162

إنه وصية لا يلزمهم ذلك، ويحملون كلام الشافعي - الذي حكاه في العتق -
على أنه على هذا القول قاله.
ومن قال: لا يصح الرهن على القولين فقد ذكرنا فرقه بين التدبير
وسائر الوصايا.
فأما ما حكاه من مسألة الهبة فمن أصحابنا من يقول: إذا قلنا: التدبير
وصية، صحت الهبة، وكان رجوعا عن التدبير. وإذا قلنا: إنه [تعليق] (1)
عتق بصفة، لم يكن ذلك مبطلا للتدبير.
ومنهم من قال: يكون مبطلا للتدبير على القولين؛ لأن الهبة تنقل
الملك إذا انضم إليها القبض، فكانت أقوى من الرهن؛ لأنه لا يفضي
- عنده - إلى إزالة الملك، فافترقا (2).
واعلم أن عامة الشافعية مالوا إلى ترجيح بطلان الرهن؛ لأن العتق
مستحق بالتدبير، فلا يقوى الرهن على دفعه. والجويني اختار الصحة، أما
على قول إنه وصية: فظاهر. وأما على قول إنه تعليق عتق بصفة: فلأنه مع
ذلك محسوب من الثلث، بخلاف العتق المعلق (3) النازل في حياة المعلق،
والدين محسوب من رأس المال، ولو مات ولم يخلف إلا هذا العبد والدين
مستغرق ولا رهن، لصرفناه إلى الدين، ولم نبال باندفاع العتق، فلا معنى
لمنعه من الرهن لغرض العتق (4).
مسألة 129: لو رهن عبده ثم دبره، قال الشيخ (رحمه الله): يبطل التدبير؛ لأنه

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(2) راجع: الحاوي الكبير 6: 106 - 107.
(3) في الطبعة الحجرية و " ج ": " المطلق " بدل " المعلق ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 449.
163

ليس له التصرف فيه (1).
والوجه: أن يقال: يقع موقوفا، فإن أجاز المرتهن، صح التدبير،
ويكون حكمه أنه لو مات المالك قبل الرجوع في التدبير، عتق من الثلث.
ولو قصر الثلث أو لم يكن سواه، بيع إما كله، أو ما يقوم بباقي الدين، أو
جميعه، ويبطل التدبير، كما لو لم يكن رهنا.
ولو لم يجز المرتهن، احتمل بطلان التدبير، وعدمه؛ لأنه تصرف في
الرهن وقد منع المتراهنان من التصرف في الرهن، وكون هذا التصرف غير
مضر بالمرتهن، فإن للمرتهن أن يبيعه في الدين، وحينئذ يبطل التدبير.
ولو لم يبعه وطلب الدين من باقي التركة، كان له ذلك، فإن وفت التركة
بالدين، قضي منها، وعتق المدبر من الثلث، ولا يجبر المرتهن على ذلك.
وهذا كله إذا كان الرهن قد اقترن به الإقباض أو لم يقترن به وقلنا: إن
الرهن يلزم مع عدم الإقباض، وأما إن شرطنا في لزومه الإقباض فدبره قبل
الإقباض، بطل الرهن؛ لأنه جائز، وإذا تصرف تصرفا يخالفه، بطل.
ويحتمل الصحة.
وقال الشافعي في الأم: لو رهنه ولم يقبضه ثم دبره أو باعه أو أصدقه
أو وهبه، بطل الرهن (2).
قال الربيع من أصحابه: وفيه قول آخر: إن التدبير يصح، والرهن
بحاله (3).
وقال باقي الشافعية: إن قول الربيع من نفسه، وليس فيها إلا قولا

(1) الخلاف 3: 339، المسألة 33.
(2) الأم 3: 139، وانظر: حلية العلماء 4: 413، والتهذيب - للبغوي - 4: 15.
(3) الأم 3: 139، حلية العلماء 4: 414، التهذيب - للبغوي - 4: 15.
164

واحدا (1).
وأما إن كان بعد الإقباض، قال الشافعي في الأم: يكون التدبير
موقوفا (2)، يريد به أن التدبير يصح؛ لأن الرهن لا ينافيه.
ثم ينظر فإن انفك من الدين قبل موت سيده، فهو مدبر.
وإن حل الحق فإن قضاه الراهن من غيره، كان مدبرا. وإن باعه في
الدين، بطل التدبير. وإن امتنع من بيعه ومن الرجوع إلى التدبير فإن كان له
مال، قضي منه، وإلا بيع عليه.
وإن مات قبل حلول الحق، فقد حل الحق بالموت، ووجب العتق
من الثلث.
ثم ينظر فإن خلف تركة تفي بالدين، قضي الدين منها، وعتق المدبر
من الثلث. وإن لم يكن غيره، فإن كان الدين يستغرق قيمته، بيع فيه. وإن
كان له بقدر بعضه، بيع بقدر الدين، وكان عتق الباقي وصية يقف على
إجازة الورثة، فإن لم يجيزوا، عتق ثلث الباقي.
وقال بعض الشافعية: عندي أن تدبير المرهون يبنى على القولين في
عتقه؛ لأن التدبير سبب من أسباب العتق (3).
واستبعده بعضهم؛ لأن نص الشافعي بخلافه. ولأن العتق يبطل حق
المرتهن من غير الرهن؛ لأنه يمنع من بيعه، والتدبير لا يمنع البيع،
فلا يبطل حق المرتهن، فاختلفا (4).
واعلم أن بين القول ببطلان الرهن لو وقع التدبير قبل الإقباض؛

(1) حلية العلماء 4: 414، التهذيب - للبغوي - 4: 15.
(2) الأم 3: 158، وانظر: حلية العلماء 4: 420.
(3 و 4) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
165

للتنافي بينهما، وبين صحته لو كان بعد الإقباض؛ لعدم التنافي بينهما
لا يخلو من مناقضة ما. وباقي كلام الشافعي موافق لمذهبنا.
مسألة 130: لا يصح تعليق العتق بالوصف عند علمائنا أجمع على
ما يأتي إن شاء الله تعالى، فلو قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر،
لم يصح عندنا، خلافا للعامة، فإنهم قالوا بصحته (1).
فعلى قولنا لو علق العتق على الصفة ثم رهنه، صح الرهن عندنا،
سواء وجدت الصفة أو لم توجد؛ لبطلان العتق.
وقالت الشافعية: رهن المعلق عتقه بصفة تصوره (2) على وجوه:
أحدها: أن يرهن بدين حال أو مؤجل يتيقن حلوله قبل وجود
الصفة، مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فأنت حر، ثم يرهنه بحق حال،
أو يحل قبل ذلك، فإن الرهن صحيح قولا واحدا؛ لأن بيعه ممكن عند
محل الحق، ويباع في الدين.
فإن لم يتفق بيعه حتى وجدت الصفة، فيبنى على القولين في أن
[أمر] (3) الاعتبار في العتق المعلق بحالة التعليق أو بحالة وجود الصفة؟ فإن
قلنا بالأول، عتق، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلا.
وإن قلنا بالثاني، فهو كإعتاق المرهون، وسيأتي.
والثاني: أن يرهن بدين مؤجل يتيقن وجود الصفة قبل حلوله، مثل
أن يعلق عتقه بشهر ومحل الدين بعد ذلك، فإن الرهن فاسد قولا واحدا.

(1) المغني 12: 293، الشرح الكبير 12: 271.
(2) بدل " تصوره " في الطبعة الحجرية: " يصدر ". وفي " ج ": " تصور ". وما أثبتناه من
" العزيز شرح الوجيز ".
(3) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
166

ومن الشافعية من خرج منه قولا آخر من قول الشافعي في الثمرة
والطعام إذا رهنه إلى محل يفسد قبله.
وقال غيره: هذا ليس بصحيح؛ لأن الطعام الرطب الظاهر من جهة
الراهن بيعه إذا خشي تلفه، وجعل ثمنه رهنا، وهنا له غرض في حصول
العتق، فافترقا.
وقال بعض الشافعية: فيه طريقان، أحدهما: أنه على القولين في
رهن ما يتسارع إليه الفساد، فعلى قول يباع إذا قرب أوان وجود الصفة،
ويجعل ثمنه رهنا.
قال الجويني: هذا إنما ينتظم إذا قلنا بنفوذ العتق المعلق قبل الرهن
عند وجود الصفة حالة الرهن، أما إذا لم نقل بذلك، فلا يخاف تسارع
الفساد إليه وفوات الوثيقة، فيوجه الخلاف بشئ آخر، وهو: أن الرهن هل
يصلح دافعا (1) للعتق المستحق بالتعليق؟ فتارة نقول: نعم كالبيع، وأخرى
نقول: لا؛ لضعفه.
والطريق الثاني - وهو المشهور -: القطع بالمنع؛ لفوات مقصود
الرهن قبل المحل، وليس ذلك كرهن ما يتسارع إليه الفساد؛ لأن الظاهر من
حال صاحب الطعام الرضا بالبيع عند خوف الفساد لئلا يضيع، فالظاهر من
حال المعلق أيضا العتق (2)، وقد تقدم.
والثالث: أن يجوز تقدم الصفة على حلول الدين وبالعكس،
ولا يتيقن أحد الأمرين، مثل أن يقول: إذا قام زيد فأنت حر، أو: إذا
دخلت الدار، أو: كلمت فلانا.

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " رافعا ". والظاهر ما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(2) كذا، وفي " العزيز شرح الوجيز ": " والظاهر من حال المعلق إمضاء العتق ".
167

قال أبو علي من الشافعية: لا يجوز قولا واحدا؛ لأنه عقد الرهن على
غرر.
وقال أبو حامد: في ذلك قولان.
قال القاضي أبو الطيب: إن القول الآخر مخرج من صحة رهن المدبر
إذا قلنا: إن التدبير [تعليق] (1) عتق بصفة.
قال: وليس بصحيح؛ لأن المدبر يعتق بموت السيد، والظاهر بقاء
الحياة، كما صح رهن الحيوان وإن جاز أن يموت، وهنا ليس لوجود الصفة
قبل المحل أو بعده ظاهر، فهو غرر لا حاجة إليه (2).
وقال أبو حنيفة: إن الرهن صحيح؛ لأن ما جاز بيعه جاز رهنه إذا كان
محرزا، كسائر الأعيان. ولأن الأصل استمرار الرق (3).
مسألة 131: قد عرفت أن مذهبنا بطلان العتق المعلق على الوصف،
أما لو نذر عتقه، فإنه يصح إجماعا، سواء علقه على وقت أو وصف، مثل
أن يقول: لله علي أن أعتق عبدي هذا إن جاء زيد، أو: إذا دخل الشهر، أو
أطلقه، مثل أن يقول: لله علي أن أعتق هذا العبد، أو قيده (4) بالتعجيل، مثل
أن يقول: لله علي أن أعتق هذا العبد الآن.
وعلى كل واحد من هذه التقادير الثلاثة فإن ملكه لا يخرج عنه بهذا
النذر، بل بنفس الإعتاق. فحينئذ نقول: إن أطلق النذر، تعلق بذمته
مقتضاه، ووجب عليه العتق.

(1) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 449 - 450، روضة الطالبين 3: 291.
(3) المغني 4: 409، الشرح الكبير 4: 402، العزيز شرح الوجيز 4: 450.
(4) في الطبعة الحجرية و " ج ": " قيد ". والظاهر ما أثبتناه.
168

وهل يجب في الحال؟ الأقرب: المنع، بل الأقرب: أن يكون وقته
العمر، كالواجبات الموسعة.
وإن قلنا: إن الأمر للفور، وجب عتقه معجلا، فيكون حكمه حكم
المعلق بالتعجيل.
وحكم القول الأقوى حكم النذر المعلق بالأجل أو الوصف، إلا في
شيء واحد، وهو أن [في] (1) المطلق يتعلق وجوب العتق بذمة الناذر في
الحال الوجوب الموسع، وفي المقيد لا يجب.
فلو مات العبد في النذر المطلق أو المقيد بالتعجيل قبل عتقه، فإن
كان الناذر قد تمكن من عتقه بعد النذر، وجب عليه الكفارة؛ لخلف النذر،
وإن لم يتمكن، لم يجب عليه شيء.
ولو مات (2) في النذر المقيد قبل حصول الوصف أو الوقت، لم يجب
عليه شيء، سواء قلنا: إنه يجزئه عتقه قبل الوقت أو لا؛ لأن الوجوب يقيد
بوقت أو وصف ولم يحصل القيد.
ولو قتله مولاه قبل عتقه، فالأقرب: وجوب الكفارة في الأقسام
الثلاثة.
أما في المطلق والمعجل: فظاهر.
وأما في المقيد بالأجل: فلأنه فوت محل العتق، فكانت مخالفة النذر
بسببه اختيارا.
وإذ قد تمهدت هذه المسائل، فنقول: إن كان النذر مطلقا أو مقيدا
بالتعجيل، لم يجز له رهنه؛ لوجوب تعلق حق العتق به، ووجوب إخراجه

(1) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.
(2) في " ج ": " ولو مات العبد ".
169

عن ملكه، فينافي جواز رهنه الذي يقتضي وجوب إبقائه في دين المرتهن
محفوظا عليه حتى يستوفى منه أو من غيره.
وإن كان مقيدا بالوقت أو الوصف، فالأقرب: جواز رهنه.
وهل يباع لو حل الدين قبل الوصف؟ الأولى: المنع؛ لأنه وإن
لم يخرج عن ملكه بالنذر إلا أنه قد تعلق به حق لله تعالى، وبيعه مبطل
لذلك الحق.
مسألة 132: لا يصح رهن المكاتب، عند علمائنا، سواء كانت الكتابة
مشروطة أو مطلقة؛ لأنها عقد لازم لا يمكن استيفاء الدين منه، لأنه
لا يصح بيعه، وبه قال الشافعي وابن المنذر؛ لأن استدامة القبض في الرهن
شرط، ولا يمكن ذلك في المكاتب (1).
وقال مالك: يصح رهنه؛ لأنه يجوز بيعه وإيفاء الدين منه، فعلى هذا
يكون ما يؤديه في نجوم كتابته رهنا معه، فإن عجز، ثبت الرهن فيه وفي
مال الكتابة، وإن عتق، كان ما أداه من نجومه رهنا بمنزلة ما لو تكسب
العبد القن ثم مات (2).
والحق ما قلناه.
نعم، لو كانت الكتابة مشروطة وعجز، فإنه يصح رهنه؛ لأن للمالك
حينئذ فسخ الكتابة، وقد يكون الرهن فسخا لها، والأقرب ذلك.
مسألة 133: إذا رهن الثمرة على الشجرة منضمة مع أصولها، صح

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 22، العزيز شرح الوجيز 4: 441، روضة الطالبين 3:
284، مختصر اختلاف العلماء 4: 295 / 2012، المغني 4: 409، الشرح الكبير
4: 400 - 401.
(2) المغني 4: 409، الشرح الكبير 4: 401.
170

عندنا، سواء كان يمكن تجفيفها أو لا، وسواء بدا صلاحها أو لا، وسواء
كان الدين حالا أو مؤجلا؛ لأن الثمرة يصح بيعها مطلقا - على ما تقدم (1)
في باب البيع - فصح رهنها كذلك، خصوصا وقد انضمت إلى أصولها.
وكذا لو رهنها منفردة عن أصولها؛ لما تقدم.
وقالت الشافعية: إن رهنها منضمة مع الأصول، فإن كانت الثمرة مما
يمكن تجفيفها، صح الرهن، سواء بدا صلاحها أو لا، وسواء كان الدين
حالا أو مؤجلا.
وإن (2) كانت مما لا يمكن تجفيفها وقلنا بالمنع من صحة رهن ما
يتسارع إليه الفساد، فطريقان:
أشبههما عندهم: أنه لا يصح في الثمار، وفي الأشجار قولا تفريق
الصفقة.
والثاني: يصح فيهما (3) قولا واحدا، وتكون الثمار تابعة للأشجار.
وإن رهنها منفردة عن الأصول، فإن كانت (4) مما لا يمكن تجفيفها،
فهو كرهن ما يتسارع إليه الفساد على وجه الأرض إن كان الدين (5) حالا، أو
كانت لا تفسد إلى حلوله، صح الرهن.
وإن أمكن تجفيفها، فإما أن يرهن قبل بدو الصلاح أو بعده.
فإن رهنها قبل بدو الصلاح، فإن رهنها بدين حال وشرط قطعها
وبيعها، أو بيعها بشرط القطع، جاز. وإن أطلق، فقولان:

(1) في ج 10، ص 359 - 360، المسألة 167.
(2) في الطبعة الحجرية و " ج ": " فإن " بدل " وإن ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) في الطبعة الحجرية و " ج ": " فيها " بدل " فيهما ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) في الطبعة الحجرية و " ج ": " كان ". والصحيح ما أثبتناه.
(5) في الطبعة الحجرية و " ج ": " الرهن " بدل " الدين ". والظاهر ما أثبتناه.
171

أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز بيعها مطلقا.
وأصحهما: الجواز؛ لأن حق المرتهن لا يبطل باجتياحها، وحق
المشتري يبطل. وأيضا فإن الحلول قرينة يتنزل منزلة شرط القطع. ولأن
استحقاق البيع يوجب قطعها، فأشبه شرط القطع.
وإن كان الدين مؤجلا، فإن كان يحل مع بلوغ الثمار أوان إدراكها أو
بعده، جاز، كما لو كان حالا. وإن كان يحل قبل بلوغها وقت الإدراك، فإن
شرط قطعها عند المحل، كان بمنزلة البقول، وقد أطلق الشافعية جواز
ذلك.
وللشافعية طريقان: منهم من طرد القولين. ووجه المنع: الشبه (1) بما
إذا باع بشرط القطع بعد مدة. ومنهم من قطع بالجواز.
وإن كان مطلقا، ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يصح، كما لا يصح البيع. ولأن العادة في الثمار الإبقاء
إلى الإدراك، فأشبه ما لو رهن على أن لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام.
والثاني: أنه يصح؛ لأن البيع إنما لم يصح لما فيه من الغرر، وليس
في الرهن غرر، ولا يتلف إن تلف من مال صاحبه. ولأن مقتضى الرهن
البيع عند المحل، فكأنه شرط بيعه عند المحل.
والثالث - نقله المزني -: أنه إن شرط القطع حال المحل، صح. وإن
أطلق، لم يصح؛ لأن إطلاقه يقتضي بقاءه إلى حال الجذاذ، وذلك يقتضي
تأخير الدين عن محله، فلا يحتاج إلى الشرط.
وما تقدم للقول الآخر من انتفاء الغرر فليس بصحيح.

(1) في " العزيز شرح الوجيز ": " التشبيه ".
172

ولأن وثيقة المرتهن تبطل بذلك، ويلزم عليه الرهن المجهول، فإنه
لا يصح وإن لم يكن فيه إلا جهالة الوثيقة وقد جرت مجرى جهالة الملك.
قال أبو إسحاق: والصحيح أنه بمنزلة البيع، وقد نص عليه الشافعي
في كتاب التفليس.
وإن رهنها بعد بدو الصلاح، جاز بشرط القطع ومطلقا إن رهنها بدين
حال أو مؤجل في معناه. وإن رهنها بمؤجل يحل قبل بلوغها أوان إدراكها،
فعلى ما تقدم في القسم الأول (1).
فروع:
أ - إذا رهن الثمار على الأشجار وصح الرهن، كانت مؤونة السقي
والجذاذ والتجفيف على الراهن دون المرتهن. وإن لم يكن له شيء، باع
الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها.
ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي، جاز، بخلاف علف
الحيوان.
وقال بعض الشافعية: يجبر عليه، كما يجبر على علف الحيوان (2).
ب - لو أراد الراهن أو المرتهن قطع الثمرة قبل أوان الجذاذ، فللآخر
منعه، وبعد [أوان] (3) الجذاذ ليس له ذلك، بل يباع في الدين إن حل، وإلا
أمسكه رهنا.
ج - الشجرة التي تثمر في السنة مرتين يجوز رهن ثمرتها الحاصلة

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 450 - 451، روضة الطالبين 3: 291 - 292، وانظر:
الحاوي الكبير 6: 234 - 235، وحلية العلماء 4: 436.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 452، روضة الطالبين 3: 292.
(3) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ". وبدلها في " روضة الطالبين ":
" وقت ".
173

بالدين الحال والمؤجل الذي يحل قبل خروج الثمرة الثانية أو قبل اختلاطها
بالأولى.
فإن شرط أن لا تقطع عند خروج الثانية، لم يصح؛ لأنه لا يتميز عند
محل الحق مما ليس برهن.
وإن شرط قطعها، صح.
وإن أطلق، فللشافعية قولان:
فإن صححنا أو (1) رهن بشرط القطع ثم لم يتفق القطع حتى حصل
الاختلاط، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه
الحالة قبل القبض؛ لأن المرتهن إنما يتوثق بعد القبض، فهو والمرهون
عنده كالبائع والمبيع محبوس عنده، فإن قلنا: يبطل الرهن، فكذلك، وإن
قلنا: لا يبطل، فلو اتفق قبل القبض، بطل (2).
وللشافعية فيه وجه آخر (3) مضى نظيره فيما إذا تخمر العصير قبل
القبض.
وإذا لم يبطل فلو رضي الراهن بأن يكون الكل رهنا أو توافقا على أن
يكون النصف من الجملة - مثلا - رهنا، فذاك.
وإن تنازعا في قدر المرهون، فالقول قول الراهن مع يمينه، كما لو
اختلطت الحنطة المرهونة بحنطة أخرى للراهن.
وقال المزني: القول قول المرتهن مع يمينه؛ لأن اليد له، كما لو
تنازعا في ملك (4).

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " أنه " بدل " أو ". والصحيح ما أثبتناه، كما في المصدر
أيضا.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 452، روضة الطالبين 3: 292.
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 50، العزيز شرح الوجيز 4: 452، روضة الطالبين 3:
292.
174

وأجاب باقي الشافعية بأن اليد تدل على الملك دون الرهن، كما لو
قال من في يده المال: رهنتنيه، وأنكر المالك، كان القول قوله (1).
وقال بعضهم في مسألة الحنطة: إن طرد الخلاف محتمل؛ لتعذر
الفرق (2).
د - لو رهن زرعا بعد اشتداد الحب أو قبله، صح عندنا؛ لأنه مال
مقوم ينتفع به فصح رهنه، كما صح بيعه.
وقالت الشافعية: إذا رهن الزرع بعد اشتداد الحب، نظر إن كان ترى
حباته في السنبلة، صح، وإلا فقولان، كما في البيع. والأصح عندهم:
المنع (3).
ولو رهنه وهو بقل، فهو كما لو رهن الثمرة قبل بدو الصلاح.
وقال بعضهم: إذا كان الدين مؤجلا، لم يجز قولا واحدا وإن صرح
بشرط القطع عند المحل؛ لأن الزرع لا يجوز بيعه إذا تسنبل عندهم، وقد
يتفق الحلول في تلك الحال. ولأن زيادة الزرع بالطول، فهي كثمرة تحدث
وتختلط بالمرهون، وزيادة الثمرة بكبر الحبة، فهي كالسمن (4).
البحث الرابع: في الحق المرهون به.
مسألة 134: يشترط في المرهون به امور ثلاثة: أن يكون دينا ثابتا في
الذمة حالة الرهن لازما، فلا يصح الرهن على الأعيان التي ليست مضمونة،

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 50، العزيز شرح الوجيز 4: 452.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 452.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 49 - 40، العزيز شرح الوجيز 4: 452، روضة الطالبين
3: 292.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 452، روضة الطالبين 3: 292.
175

كالوديعة والعارية غير المضمونة والمستأجرة وغير ذلك من الأمانات؛ لأنها
ليست ثابتة في الذمة عينا ولا قيمة.
أما الأعيان المضمونة في يد الغير إما بحكم العقد - كالمبيع - أو
بحكم ضمان اليد - كالمغصوب والمستعار المضمون والمأخوذ على جهة
السوم وكل أمانة فرط فيها وبقيت بعينها - فالأقوى جواز الرهن عليها، وبه
قال مالك (1).
وقال أبو حنيفة: كل عين كانت مضمونة بنفسها جاز أخذ الرهن بها،
يريد ما يضمن بمثله أو قيمته؛ لأن المبيع يجوز أخذ الرهن به؛ لأنه
مضمون بفساد العقد (2).
ويجوز أخذ الرهن بالمهر وعوض الخلع؛ لأنه يضمن بمثله أو
قيمته، وكذلك الصلح عن دم العمد؛ لأنه يمكن استيفاء القيمة من الرهن،
فصح أخذ الرهن به.
ومنع الشافعي من أخذ الرهن على الأعيان المضمونة، كالغصب
والثمن المعين والأجرة المعينة؛ لأن العين قبل هلاكها في يده لا تثبت في
الذمة، فلا يصح أخذ الرهن بذلك كالمبيع. ولأنه إن رهنه على قيمتها إذا
تلفت، فهو رهن على ما ليس بواجب، ولا يعلم إفضاؤه إلى الوجوب، وإن
أخذ على عينها، لم يصح؛ لأنه لا يمكن استيفاء عينها من الرهن. ولأن
غرض الرهن بيع المرهون واستيفاء الحق من ثمنه عند الحاجة، ويستحيل

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 457 - 485، المغني 4: 405، الشرح الكبير 4: 427.
(2) تحفة الفقهاء 3: 40 - 41، حلية العلماء 4: 409، العزيز شرح الوجيز 4:
458، المغني والشرح الكبير 4: 381.
176

استيفاء تلك الأعيان من ثمن المرهون (1).
وليس بجيد؛ لأن الاستيفاء إنما يكون مع الحاجة، ومع وجود العين
والتمكن من أخذها لا حاجة إلى البيع، وعند عدمها أو تعذر أخذها على
مالكها تجب القيمة، ولهذا يجوز للمالك أخذ ما يجده من مال الغاصب إذا
تعذر عليه استعادة عينه، سواء ساوت العين أو خالفتها.
ونقل الجويني للشافعية وجها: أنه يجوز أخذ الرهن بها، بناء على
تجويز ضمان الأعيان المضمونة (2).
وفرق باقيهم بناء على الظاهر من مذهبهم: أن الضمان التزام في
الذمة، فلو لم تتلف العين المضمونة، لم يجر الالتزام ضررا، وفي الرهن
دوام الحجر في المرهون يجر ضررا ظاهرا (3)
مسألة 135: وشرطنا كون المرهون به ثابتا في الذمة حال عقد الرهن،
فإن الذي لم يثبت بعد لا يجوز الرهن به - مثل أن يرهنه بما يستقرضه منه
أو بثمن ما يشتريه منه - عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد (4) -
لأنه (5) وثيقة على حق، فلا يجوز قبل ثبوت الحق من غير حاجة،
كالشهادة.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز عقده قبل الحق، وإذا دفع إليه ثوبا
وقال: رهنتك هذا على عشرة دراهم تقرضنيها غدا، وسلم إليه الثوب ثم

(1) حلية العلماء 4: 408، العزيز شرح الوجيز 4: 457 - 458، روضة الطالبين 3:
296.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 458، روضة الطالبين 3: 296.
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 5، الوسيط 3: 475، العزيز شرح الوجيز 4: 458،
روضة الطالبين 3: 296، المغني والشرح الكبير 4: 399.
(5) في الطبعة الحجرية و " ج ": " لأنها ". والصحيح ما أثبتناه.
177

أقرضه الدراهم، لزم الرهن (1).
وحكاه القاضي ابن كج من الشافعية عن بعض أصحابه أيضا إذا عين
ما يستقرضه (2).
ومنهم من قال: لو تراهنا بالثمن ثم لم يفترقا حتى تبايعا، صح
الرهن؛ إلحاقا للحاصل في المجلس بالمقترن بالإيجاب والقبول (3).
وعلى ظاهر مذهب الشافعية لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه، كان
مأخوذا على جهة سوم الرهن، فإذا استقرض أو اشترى، لم يصر رهنا إلا
بعقد جديد (4).
وفيه وجه لهم: أنه يصير رهنا (5).
واحتج أبو حنيفة بأن ذلك وثيقة، فجاز أن يكون عقدها موقوفا على
حق يحدث في المستقبل، كضمان الدرك (6).
والفرق - على تقدير تسليم جوازه؛ فإنه عندنا باطل، وللشافعي
قولان (7) - أنه جاز للحاجة إليه، والاحتياط في المال (8)، بخلاف مسألتنا.
مسألة 136: يصح عقد الرهن بعد ثبوت الحق في الذمة وتقرره
إجماعا؛ لأنه دين ثابت، وتدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة، فجاز أخذها،
كالضمان.

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 5، العزيز شرح الوجيز 4: 458، المغني والشرح الكبير
4: 399.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 458، روضة الطالبين 3: 296.
(4 و 5) التهذيب - للبغوي - 4: 5، العزيز شرح الوجيز 4: 458، روضة الطالبين 3:
296.
(6) المغني والشرح الكبير 4: 399.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 458، روضة الطالبين 3: 296.
(8) في " ج ": " والاحتياط للمال ".
178

ولقوله تعالى: (فرهن مقبوضة) (1) جعله بدلا عن الكتابة، فيكون
في محلها، ومحلها بعد وجوب الحق؛ لقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين
إلى أجل مسمى فاكتبوه) (2) فجعله جزاء للمداينة مذكورا بعدها بفاء
التعقيب.
أما لو قارنه وامتزج الرهن بسبب ثبوت الدين - مثل أن يقول: بعتك
هذا العبد بألف وارتهنت هذا الثوب به، فقال المشتري: اشتريت ورهنت،
أو قال: أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها دارك - فالأقرب: الجواز - وبه
قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (3) - لأن الحاجة تدعو إليه،
فإنه لو لم ينعقد مع ثبوت الحق وشرطه فيه، لم يتمكن من إلزام المشتري
عقده، وكان الخيار إلى المشتري، والظاهر أنه لا يبذله، فتفوت الوثيقة
بالحق.
ولأن شرط الرهن في البيع والقرض جائز لحاجة الوثيقة، فكذا مزجه
بهما، بل هو أولى؛ لأن الوثيقة ها هنا آكد، فإن الشرط قد لا يفي به.
وللشافعية وجه آخر: أنه فاسد؛ لأن أحد شقي الرهن متقدم على
ثبوت الدين، ولو قال لعبده: كاتبتك على ألف وبعت منك هذا الثوب
بكذا، فقال: قبلت الكتابة والبيع، لا يصح البيع (4).
وفرقوا بوجهين:

(1) البقرة: 283.
(2) البقرة: 282.
(3) المغني والشرح الكبير 4: 399، التهذيب - للبغوي - 4: 5، الوجيز 1: 161،
العزيز شرح الوجيز 4: 458، منهاج الطالبين: 115، روضة الطالبين 3: 296 -
297.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 458.
179

أحدهما: أن العبد لا يصير أهلا للمعاملة مع مولاه حتى تتم الكتابة.
والثاني: أن الرهن من مصالح البيع، والبيع ليس من مصالح
الكتابة (1).
ولا استبعاد في سبق أحد شقي الرهن على ثبوت الدين، وإنما
الممنوع منه سبق الرهن عليه. ويمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.
فروع:
أ - لو قال البائع: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: اشتريت ورهنت،
لم يقع عند الشافعية؛ لتقدم أحد شقي الرهن على شقي البيع (2).
وكذا لو قال: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: رهنت واشتريت؛
لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع (3).
ب - شرط الشافعية في الصحة تقدم خطاب البيع على خطاب
الرهن، وتقدم جواب البيع على جواب الرهن.
وبالجملة، الشرط أن يقع أحد شقي الرهن بعد أحد شقي البيع،
والآخر بعد شقي البيع (4).
ج - لو قال: بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب، فقال البائع:
بعت وارتهنت، كان مبنيا على مسألة الاستيجاب والإيجاب.
د - لو قال البائع: بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به، فقال

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 458.
(2 و 3) التهذيب - للبغوي - 4: 5، العزيز شرح الوجيز 4: 459، روضة الطالبين 3:
297.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 459، روضة الطالبين 3: 297.
180

المشتري: اشتريت ورهنت، فالأقرب: الصحة إن انضم قول البائع:
" ارتهنت " أو " قبلت " لأن الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه،
كما لو قال: أفعل كذا لتبيعني، لا يكون مستوجبا للبيع، وهو أحد وجهي
الشافعية.
وفي الآخر: يتم العقد وإن لم ينضم قول البائع (1).
والوجه: الأول.
مسألة 137: يشترط مع ثبوت الدين لزومه فعلا حالة الرهن أو قوة
قريبة من الفعل، كالثمن في مدة الخيار؛ لقرب حاله من اللزوم، وكما لو
شرط الرهن في البيع، فإن الثمن غير ثابت بعد، ويصح الشرط.
ولا فرق في صحة الرهن بالدين اللازم بين أن يكون الدين مسبوقا
بحالة الجواز أو لم يكن، ولا بين أن يكون مستقرا، كالقرض، وأرش
الجناية، وثمن المبيع المقبوض، أو غير مستقر، كالثمن قبل قبض المبيع،
والأجرة قبل استيفاء المنفعة، والصداق قبل الدخول.
أما ما ليس بلازم ولا مصير له إلى اللزوم بحال - كنجوم الكتابة عند
الشيخ (2) (رحمه الله) وعند الشافعي (3) - فلا يصح الرهن به؛ لأن الرهن للتوثيق،
والمكاتب بسبيل من إسقاط النجوم متى شاء، ولا معنى لتوثيقها. ولأنه
لا يمكن استيفاء الدين من الرهن؛ لأنه لو عجز صار الرهن للسيد، لأنه من
جملة مال المكاتب.

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 6، الوجيز 1: 161، العزيز شرح الوجيز 4: 459،
روضة الطالبين 3: 297.
(2) المبسوط - للطوسي - 6: 73 و 82، الخلاف 6: 293، المسألة 17.
(3) الأم 8: 45 و 50، الوجيز 1: 161، و 2: 289، العزيز شرح الوجيز 4: 459،
و 13: 513، حلية العلماء 6: 201، روضة الطالبين 3: 297، و 8: 505.
181

وقال أبو حنيفة: يصح الرهن بها (1). وهو الوجه عندي.
ويمنع من إثبات السبيل للمكاتب، بل نقول: عقد الكتابة أوجب
عليه المال، فليس له إسقاطه باختياره، بل بالعجز، لا التعجيز من العبد، بل
من المولى.
ونمنع عدم التمكن من استيفائه الدين من الرهن؛ فإن المملوك إذا
عجز ولم يعجزه مولاه، أمكن استيفاء الدين من الرهن. وإن عجزه، كان
كالإبراء، فسقط الدين، وبطل الرهن.
ولو جعلنا الخيار مانعا من نقل الملك في الثمن إلى البائع، فالظاهر
منع الرهن عليه؛ لوقوعه قبل ثبوت الدين، ولا شك في أنه لا يباع الرهن
في الثمن ما لم تمض مدة الخيار.
وما كان الأصل في وضعه الجواز - كالجعل في الجعالة - فإن كان قبل
الشروع في العمل، لم يصح الرهن عليه؛ لأنه لم يجب، ولا يعلم إفضاؤه
إلى الوجوب واللزوم.
وأما بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه فالأقوى جوازه؛ لانتهاء الأمر
فيه إلى اللزوم، فصار كالثمن في مدة الخيار، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني - وهو الأصح عندهم -: المنع؛ لأن الموجب للجعل هو العمل،
وبه يتم الموجب، فكأنه لا ثبوت له قبل العمل (2).
أما بعد تمام العمل فإنه يصح إجماعا؛ لأنه لازم حينئذ.
وكذا لا يجوز الرهن على الدية من العاقلة قبل الحول؛ لأنها لم تجب

(1) حلية العلماء 4: 407 - 408، العزيز شرح الوجيز 4: 459.
(2) الوجيز 1: 161، العزيز شرح الوجيز 4: 46، حلية العلماء 4: 408، روضة الطالبين 3
: 298.
182

بعد، ولا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب، فإنهم لو جنوا أو افتقروا أو ماتوا،
لم تجب عليهم، فلا يصح أخذ الرهن بها. فأما بعد الحلول (1) فيجوز؛
لاستقرارها.
ويحتمل جوازه قبل الحول؛ لأصالة بقاء الحياة واليسار والعقل.
والمسابقة إن جعلناها عقدا لازما كالإجارة، صح الرهن على العوض
قبل العمل، وإلا فلا؛ لأنه لا يعلم إفضاؤها إلى الوجوب؛ لأن الوجوب إنما
يثبت بسبق غير المخرج، وهو غير معلوم ولا مظنون.
قال بعض العامة: إن قلنا: إنها إجارة، جاز أخذ الرهن بعوضها. وإن
قلنا: جعالة، فلا (2).
وقال بعضهم: إن لم يكن فيها محلل، فهي جعالة. وإن كان فيها
محلل، فعلى وجهين (3).
وهذا كله بعيد؛ لأن الجعل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنه
لا يستحقه إذا كان مسبوقا وقد عمل العمل، وإنما هو عوض عن السبق،
ولا تعلم القدرة عليه. ولأنه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له، وإذا
لم تكن إجارة مع عدم المحلل فمع وجوده أولى؛ لأن مستحق الجعل هو
السابق، وهو غير معين، ولا يجوز استئجار رجل غير معين.
مسألة 138: لا يجوز أخذ الرهن بعوض غير ثابت في الذمة، كالثمن
المعين والأجرة المعينة في الإجارة، والمعقود عليه في الإجارة إذا كان
منافع معينة، مثل إجارة الدار والعبد المعين والجمل المعين مدة معلومة أو
لحمل شيء معين إلى مكان معلوم؛ لأنه حق تعلق بالعين لا بالذمة،

(1) أي بعد حلول الحول.
(2 و 3) المغني والشرح الكبير 4: 380.
183

ولا يمكن استيفاؤه من الرهن؛ لأن منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من
غيرها، وتبطل الإجارة بتلف العين.
ولو وقعت الإجارة على منفعة في الذمة - كخياطة ثوب، وبناء جدار -
جاز أخذ الرهن به؛ لأنه ثابت في الذمة، ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن
يستأجر عنه (1) من يعمل، فجاز أخذ الرهن به، كالدين، ويباع عند الحاجة
وتحصل المنفعة من ثمنه.
إذا عرفت هذا، فكل ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به،
وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به، إلا ثلاثة أشياء: عهدة البيع
يصح ضمانها ولا يصح الرهن بها، والكتابة لا يصح الرهن بها على إشكال
سبق (2)، والأقرب: صحة الضمان فيها، وما لم يجب لا يصح أخذ الرهن
به، ويصح ضمانه؛ لأن الرهن بهذه الأشياء يبطل الإرفاق، فإنه إذا باع عبده
بألف ودفع رهنا يساوي ألفا، فكأنه ما قبض الثمن ولا ارتفق به. والمكاتب
إذا دفع ما يساوي كتابته، فما ارتفق بالأجل؛ لأنه كان يمكنه بيع الرهن
وإمضاء الكتابة ويستريح من تعطيل منافع عبده، بخلاف الضمان. ولأن
ضرر الرهن يعم؛ لأنه يدوم بقاؤه عند المشتري، فيمنع البائع التصرف فيه،
والضمان بخلافه.
ولا يجوز الرهن من المالك على الزكاة قبل الحلول، ولا رهن العاقلة
على الدية قبله؛ لفوات الشرط، ويجوز بعده.
مسألة 139: لا يشترط في الدين المرهون به أن لا يكون به رهن، بل
يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا بعد رهن، ثم هو كما لو رهنهما معا.

(1) كذا، والظاهر: " يستأجر من ثمنه... ".
(2) في ص 180، المسألة 137.
184

ولو كان الشيء مرهونا بعشرة وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون
مرهونا بها أيضا، صح - وبه قال مالك والشافعي في القديم (1) - كما تجوز
الزيادة في الرهن بدين واحد.
والجديد: أنه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة - كما لا يجوز رهنه عند
غير المرتهن (2)، وإن وفى بالدينين جميعا، فإن أراد توثيقهما فليفسخا
وليستأنفا رهنا بالعشرين، بخلاف الزيادة في الرهن بدين واحد؛ لأن الدين
يشغل الرهن ولا ينعكس، فالزيادة في الرهن شغل فارغ، والزيادة في
الدين شغل مشغول (3).
ويمنع حكم الأصل؛ فإنه لا استبعاد في صحة الرهن عند غير
المرتهن، ويكون موقوفا على إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الأول،
صح الثاني.
والأقرب: أنه لا يبطل الرهن الأول، بل يتقدم الثاني، فإن فضل بعد
دين الثاني شيء، اختص بالأول، فإن كان قد بقي من العين شيء، اختص
الأول به. وإن بيع الجميع وفضل من الثمن فضلة، اختص الأول بها؛ لأنه
كقيمة المتلف من الرهن يختص المرتهن بها دون غيره من الديان.
سلمنا، لكن الفرق ظاهر؛ فإن الدينين إذا كانا لواحد، لم يحصل من
التنازع ما إذا تعدد.
ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن على أن يكون
العبد مرهونا بالفداء والدين الأول، صح عندنا، وبه قال الشافعي (4).

(1 و 3) التهذيب - للبغوي - 4: 33، الوجيز 1: 161، العزيز شرح الوجيز 4:
461، روضة الطالبين 3: 299.
(2) في الطبعة الحجرية و " ج ": " المرهون " بدل " المرتهن ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 461، روضة الطالبين 3: 299.
185

ولأصحابه طريقان:
أظهرهما عندهم: القطع بالجواز؛ لأنه من مصالح الرهن من حيث
[إنه] (1) يتضمن استبقاءه.
والثاني: أنه (2) على القولين (3).
ولو اعترف الراهن بأنه رهن على عشرين ثم ادعى أنه رهن أولا
بعشرة ثم رهن بعشرة أخرى ونازعه (4) المرتهن، فلا فائدة لهذا الاختلاف
عندنا وعند قديم الشافعي.
وفي الجديد: يقدم قول المرتهن مع اليمين؛ لأن اعتراف الراهن
يقوي جانبه ظاهرا (5).
ولو قال المرتهن في جوابه: فسخنا الرهن الأول واستأنفنا بالعشرين،
قدم قول المرتهن أيضا؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه، وهو أحد وجهي
الشافعية.
والثاني: قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الفسخ (6).
وفرعوا عليه أنه لو شهد شاهدان أنه رهن بألف ثم رهن بألفين،
لم يحكم بأنه رهن بألفين. ما لم يصرح الشهود بأن الثاني كان بعد فسخ
الأول (7).

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(2) في الطبعة الحجرية و " ج ": " أنهما ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 461، روضة الطالبين 3: 299.
(4) في الطبعة الحجرية و " ج ": " وباعه ". وهي غلط.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 462، روضة الطالبين 3: 299.
(6 و 7) التهذيب - للبغوي - 4: 33، العزيز شرح الوجيز 4: 462، روضة الطالبين
3: 299.
186

الفصل الثاني: في القبض
مسألة 140: اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن
أو لا؟ على قولين:
أحدهما: أنه شرط - وهو أحد قولي الشيخ (1) (رحمه الله)، وقول المفيد (2) (رحمه الله) -
فلو رهن ولم يقبض، كان الرهن صحيحا غير لازم، بل للراهن الامتناع عن
الإقباض، والتصرف فيه بالبيع وغيره؛ لعدم لزومه - وبه قال أبو حنيفة
والشافعي وأحمد في رواية. وفي الثانية: أنه شرط في المكيل و (3)
الموزون (4) - لقوله تعالى: (فرهن مقبوضة) (5) وصفها بكونها مقبوضة.
ولقول الباقر (6) (عليه السلام): " لا رهن إلا مقبوضا " (7).
ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول، فافتقر إلى القبض كالقرض. ولأنه

(1) النهاية: 431.
(2) المقنعة: 622.
(3) في " ج ": " أو " بدل " و ".
(4) تحفة الفقهاء 3: 38، بدائع الصنائع 6: 137، الهداية - للمرغيناني - 4: 126،
الاختيار لتعليل المختار 2: 97، المهذب - للشيرازي - 1: 312، الوجيز 1:
162، العزيز شرح الوجيز 4: 471 - 472، الحاوي الكبير 6: 7، روضة الطالبين
3: 307، المغني 4: 399، الشرح الكبير 4: 420.
(5) البقرة: 283.
(6) في الطبعة الحجرية و " ج ": " الصادق " بدل " الباقر ". وما أثبتناه هو الموافق لما في
المصدر ولما في مختلف الشيعة 5: 418، ضمن المسألة 37 (الفصل الثالث: في
الرهن).
(7) التهذيب 7: 176 / 779.
187

رهن لم يقبض، فلا يلزم إقباضه، كما لو مات الراهن.
والثاني: أنه ليس بشرط، بل يلزم الرهن بمجرد العقد - وهو القول
الثاني للشيخ (1) (رحمه الله) وقول ابن إدريس (2)، وبه قال مالك وأحمد في الرواية
الاخرى (3) - لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (4) ولأنه عقد يلزم بالقبض فلزم
قبله (5)، كالبيع.
ولا حجة في وصف الرهن بالقبض؛ لأن القصد بالآية كمال الإرشاد،
ولهذا أمر تعالى بالكتابة (6)، وليس شرطا مع الأمر، فكيف يكون الوصف
شرطا مع انتفاء الأمر!؟ على أن نفس الرهن ليس شرطا في الدين.
والحديث ضعيف السند.
والفرق مع القرض ظاهر؛ فإنه مجرد إرفاق، بخلاف الرهن؛ فإنه
لا ينفك عن معاوضة ما.
مسألة 141: القبض هنا كالقبض في البيع وغيره، وهو إما التخلية
مطلقا على رأي، أو النقل والتحويل فيما ينقل ويحول، والكيل والوزن فيما
يكال ويوزن، والتخلية فيما لا يمكن فيه شيء من ذلك.
وقال بعض الشافعية: لو جوزنا التخلية في المنقول في البيع،

(1) الخلاف 3: 223، المسألة 5.
(2) السرائر 2: 417.
(3) بداية المجتهد 2: 274، التلقين 2: 416، الذخيرة 8: 100، المعونة 2:
1153، المغني 4: 399 - 400، الشرح الكبير 4: 420، الحاوي الكبير 6: 7،
حلية العلماء 4: 410، التهذيب - للبغوي - 4: 6، الوسيط 3: 485، العزيز شرح
الوجيز 4: 472.
(4) المائدة: 1.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " فيه " بدل " قبله ". والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.
(6) البقرة: 282.
188

لم تكف هنا؛ لأن القبض (1) مستحق في البيع، وهنا بخلافه (2).
ويشترط في القبض صدوره من جائز التصرف، وهو الحر المكلف
الرشيد غير المحجور عليه لسفه أو فلس. ويعتبر ذلك حال رهنه وإقباضه؛
لأن العقد والتسليم ليس بواجب، وإنما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن
له اختيار صحيح، لم يصح. ولأنه نوع تصرف في المال، فلا يصح من
المحجور عليه من غير إذن، كالبيع.
وتجري النيابة في القبض كما تجري في العقد، ويقوم قبض الوكيل
مقام قبضه في لزوم الرهن وسائر أحكامه.
وهل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهن في القبض؟ منع منه
الشافعي؛ لأن الواحد لا يتولى طرفي القبض (3).
وليس جيدا، كالجد والأب.
وحكم عبده ومدبره وأم ولده حكمه؛ لأن يدهم يده.
وتجوز إنابة مكاتبة؛ لاستقلاله باليد والتصرف.
وفي عبده المأذون وجهان للشافعي:
أحدهما: الجواز؛ لانفراده باليد والتصرف.
وأصحهما: المنع، فإنه عبده القن، وهو متمكن من الحجر عليه (4).
مسألة 142: لو أودع مالا عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاما أو كان

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " الرهن " بدل " القبض " وذلك لا معنى له، وما أثبتناه
من المصدر.
(2) الوسيط 3: 486، العزيز شرح الوجيز 4: 472، روضة الطالبين 3: 308.
(3) الحاوي الكبير 6: 10، الوسيط 3: 486، الوجيز 1: 162، العزيز شرح الوجيز
4: 472، حلية العلماء 4: 413، روضة الطالبين 3: 307.
(4) الوجيز 1: 162، العزيز شرح الوجيز 4: 472، روضة الطالبين 3: 307.
189

وكيلا ثم رهنه منه، فإن لم نشترط القبض، فلا بحث، ويلزم الرهن بمجرد
العقد. وإن شرطناه، فالأقرب: أنه يلزم الرهن بمجرد العقد أيضا؛ لأنه
مقبوض للمرتهن، فيندرج تحت الآية (1)، وبه قال أحمد؛ فإن اليد ثابتة
والقبض حاصل، وإنما تغير الحكم لا غير، ويمكن تغير الحكم مع استدامة
القبض، كما لو طولب بالوديعة فجحدها، تغير الحكم، وصارت
مضمونة (2) عليه من غير أمر زائد. ولو عاد الجاحد فأقر بها وقال لصاحبها:
خذ وديعتك، فقال: دعها عندك وديعة كما كانت ولا ضمان عليك فيها،
لتغير الحكم من غير حدوث أمر زائد (3).
وقال الشافعي: لا يصير رهنا حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها، فإن
كان منقولا، فبمضي مدة يمكن نقله فيها. وإن كان مكيلا، فبمضي مدة
يمكن كيله فيها. وإن كان غير منقول، فبمضي مدة التخلية. وإن كان غائبا
عن المرتهن، لم يصر مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة
يمكن قبضه فيها؛ لأن العقد يفتقر إلى القبض، والقبض إنما يحصل بفعله
أو إمكانه (4).
واعلم أن الشافعي قال في الجديد: لا بد من إذن جديد في
القبض (5).
ولو وهبه منه، فظاهر قوله أنه يحصل القبض من غير إذن جديد.
ولأصحابه طرق ثلاثة.

(1) البقرة: 283.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " وصار مضمونا ". والصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) المغني 4: 404، الشرح الكبير 4: 426 - 427.
(5) الوسيط 3: 487، العزيز شرح الوجيز 4: 473، روضة الطالبين 3: 308.
190

أظهرها: أن فيه قولين:
أحدهما: أنه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض،
بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمن الإذن في القبض.
وأصحهما عندهم: أنه لا بد منه؛ لأن اليد الثابتة كانت من غير جهة
الرهن، ولم يجر تعرض للقبض بحكم الرهن.
والثاني: تقرير القولين.
والفرق: أن الهبة عقد تمليك، ومقصوده الانتفاع، والانتفاع لا يتم إلا
بالقبض، والرهن توثيق، وأنه حاصل دون القبض، ولهذا لو شرط في
الرهن كونه في يد ثالث، جاز. ولو شرط مثله في الهبة، فسد، وكانت الهبة
ممن المال في يده رضا بالقبض.
والثالث: القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما، فيتناول قوله في الهبة،
وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط، فلا يلزم العقد
ما لم يمض زمان [يتأتى] (1) فيه صورة القبض، لكن إذا شرط الإذن، فهذا
الزمان معتبر من وقت الإذن، فإن لم يشترط، فهو معتبر من وقت العقد.
وله قول آخر: لا حاجة إلى مضي هذا الزمان، ويلزم العقد بنفسه.
والأقوى عندهم: الأول؛ لأنا نجعل دوام اليد كابتداء القبض، فلا أقل
من زمان يتصور فيه ابتداء القبض. ولو كان غائبا، اعتبر زمان يمكن
المصير فيه إليه ونقله.
وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته؟ له (2) وجهان:
أحدهما: نعم، ليتيقن حصوله ويثق به.

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) كذا، والظاهر: " لهم ".
191

وأصحهما عندهم: لا، ويكتفى بأن الأصل بقاؤه.
واختلفوا في محل القولين، منهم من جعله احتياطا. ومنهم من حمله
على ما إذا كان المرهون مما يتردد في بقائه في يده بأن كان حيوانا غير
مأمون الآفات، أما إذا تيقنه، فلا حاجة إليه.
وعلى اشتراط الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل؟ وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأن قبض المنقول به يحصل.
والثاني: لا يشترط؛ لأن النقل إنما يعتبر ليخرج من يد المالك، وهو
خارج هنا.
وإذا شرط الحضور أو النقل معه، فهل يجوز أن يوكل؟ فيه وجهان:
أصحهما عندهم: الجواز، كما في ابتداء القبض.
والمنع؛ لأن ابتداء القبض - وهو النقل - وجد من المودع، فليصدر
تتمته منه (1).
ولو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده، فإن أذن له
في القبض بعد العقد، فله أخذه حيث وجده. وإن لم يأذن، لم يأخذه حتى
يقبضه الراهن، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.
ولو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل، ففي اشتراط
مضي زمان يمكن فيه القبض وجهان، فإن شرطناه، فهو كما لو رهن
الوديعة من المودع، فيعود الاختلاف المذكور، وقصد الأب قبضا
وإقباضا (2) نازل منزلة الإذن الجديد.
أما لو باع المالك الوديعة أو العارية ممن في يده، فهل يعتبر زمان

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 473 - 474، روضة الطالبين 3: 308 - 309.
(2) في الطبعة الحجرية و " ج ": " وافيا " بدل " وإقباضا ". والصحيح ما أثبتناه.
192

إمكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان؟ الأقرب عندنا: المنع - وهو
أحد وجهي الشافعي (1) - لأنه مقبوض حقيقة، ولأن البيع يفيد الملك،
ولا معنى مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شيء آخر.
والثاني: نعم (2).
وهل يحتاج إلى الإذن في القبض؟ إن كان الثمن حالا ولم يوفه،
لم يحصل القبض، إلا إذا أذن البائع فيه. فإن وفاه أو كان مؤجلا؟ قال
بعضهم: إنه كالرهن (3).
والمشهور: أنه لا يحتاج إليه (4).
والفرق: أن البيع يوجب القبض، فدوام اليد يقع عن القبض
المستحق، ولا استحقاق في الرهن.
مسألة 143: لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب، صح
الرهن؟
وعلى قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهنا بمجرد العقد.
وعلى القول باشتراطه لا بد من مضي زمان يمكن فيه تجديد القبض
مع إذن في القبض - كما تقدم - جديد، وهو أحد قولي الشافعي (5).
والثاني: القطع في الغصب بافتقاره إلى إذن جديد؛ لأن يده غير
صادرة عن إذن المالك أصلا (6).
إذا عرفت هذا، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان
أو المستام أو المبيع فاسدا، صح الرهن إجماعا.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 474، روضة الطالبين 3: 309.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 475، روضة الطالبين 3: 309.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 475، روضة الطالبين 3: 309 - 310.
193

وهل يزول الضمان بالرهن؟ قال الشيخ (1): لا يزول، ويثبت فيه
حكم الرهن، والحكم الذي كان ثابتا فيه يبقى (2) بحاله - وبه قال الشافعي
ومالك وأبو ثور (3) - لقوله (عليه السلام): " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (4).
ولأن الدوام أقوى من الابتداء، ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان،
فإن المرتهن إذا تعدى في المرهون، يصير ضامنا، ويبقى الرهن بحاله،
فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى. ولأنه لا تنافي بين الرهن
وثبوت الضمان، كما لو تعدى في الرهن، فإنه يصير مضمونا ضمان
الغصب، وهو رهن كما كان، فكذلك ابتداؤه؛ لأنه أحد حالتي الرهن.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يزول الضمان - وهو منقول عن مالك أيضا -
لأنه مأذون له في إمساكه رهنا (5)، لم يتجدد منه فيه عدوان، فلم يضمنه،
كما لو قبضه منه ثم أقبضه إياه أو أبرأه من ضمانه (6).
ومنعوا عدم التنافي؛ فإن يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها، ويد
المرتهن محقة جعلها الشرع له، ويد المرتهن أمانة، ويد الغاصب

(1) الخلاف 3: 228، المسألة 17.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " فيبقى ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) الحاوي الكبير 6: 39، التهذيب - للبغوي - 4: 20، الوسيط 3: 488، الوجيز
1: 163، العزيز شرح الوجيز 4: 475، روضة الطالبين 3: 309 - 310، بداية
المجتهد 2: 273، الذخيرة 8: 114، المغني 4: 405، الشرح الكبير 4: 427،
وحكاه عنهم أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 228، المسألة 17.
(4) سنن أبي داود 3: 296 / 3561، سنن الترمذي 3: 566 / 1266، مسند أحمد 5:
638 / 19620.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " وهنا " بدل " رهنا ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) المغني 4: 405، الشرح الكبير 5: 427 - 428، الحاوي الكبير 6: 40،
التهذيب - للبغوي - 4: 20، الوسيط 3: 488، العزيز شرح الوجيز 4: 475،
الذخيرة 8: 114.
194

والمستام (1) ونحوهما (2) يد ضامنة، وهما متنافيان.
ولأن السبب المقتضي للضمان زال، فزال الضمان لزواله، كما لو رده
إلى مالكه، وذلك لأن سبب الضمان الغصب أو العارية ونحوهما، وهذا
لم يبق غاصبا ولا مستاما (3)، ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سبب
يخالفه حكمه، وأما إذا تعدى في الرهن، فإنه يضمن؛ لعدوانه، لا لكونه
غاصبا ولا مستاما (4)، وهنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه،
فلم يثبت (5).
ويمنع استلزام إذن الإمساك رهنا لعدم الضمان، فإن المرتهن إذا
تعدى والمودع وغيرهما من الامناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت
الضمان.
والفرق بين إقباضه بعد استعارته واستمرار القبض ظاهر؛ فإن اليد في
الأول قد زالت حقيقة، فلا موجب للضمان، وغاية ثبوت الضمان الدفع إلى
المالك وقد حصل، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له، والإبراء بمنزلته؛ لأنه
إسقاط، فلا ثبوت للساقط بعده؛ لانتفاء سبب جديد.
سلمنا أن الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان، ولا نسلم زوال
المقتضي للضمان؛ فإن اليد باقية، والاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.
إذا عرفت هذا، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان، فليرده إلى
الراهن ثم له الاسترداد بحكم الرهن.

(1) في المصدر: " والمستعير " بدل " والمستام ".
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " ونحوها ". والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(3 و 4) في المصدر: " مستعيرا " بدل " مستاما ".
(5) المغني 4: 405، الشرح الكبير 4: 428.
195

ولو امتنع الراهن من قبضه ومن الإبراء من ضمانه، قال بعض
الشافعية: له أن يجبره عليه (1).
وليس بجيد؛ إذ لا يجب على صاحب الحق ترك حقه، وقد ثبت
للراهن ضمان على المرتهن، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.
ولو أودع الغاصب المال المغصوب، فالأقوى هنا سقوط الضمان -
وهو أصح وجهي الشافعية (2) - لأن مقصود الإيداع الاستئمان، والضمان
والأمانة لا يجتمعان، ولهذا لو تعدى المودع في الوديعة، ارتفعت الوديعة،
بخلاف الرهن؛ لأن الغرض منه التوثيق، إلا أن الأمانة من مقتضاه، وهو مع
الضمان قد يجتمعان.
والثاني: أنه لا يبرأ، كما في الرهن (3).
ولو آجر العين المغصوبة، فالأولى أن الإجارة لا تفيد البراءة؛ لأنه
ليس الغرض منها الائتمان، بخلاف الوديعة.
وللشافعية وجهان (4).
ولو وكله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه، فالأقرب: بقاء الضمان؛
لأنه أولى من الإجارة به، لأن في الإجارة تسليطا على القبض والإمساك،
بخلاف التوكيل.
وللشافعية وجهان (5).
وفي معنى الإجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب، أو

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 476، روضة الطالبين 3: 310.
(2 و 3) الحاوي الكبير 6: 41، العزيز شرح الوجيز 4: 476، روضة الطالبين 3: 310.
(4) الحاوي الكبير 6: 42، الوسيط 3: 489، العزيز شرح الوجيز 4: 476، روضة
الطالبين 3: 310.
(5) الوسيط 3: 489، العزيز شرح الوجيز 4: 476، روضة الطالبين 3: 310.
196

كانت جارية فتزوجها منه.
ولو صرح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باق في
يده، احتمل عدم البراءة؛ لأن الغصب سبب وجوب القيمة عند التلف،
والإبراء لم يصادف حقا ثابتا وإن صادف سببه، وهذا يؤكد ما تقدم من
انتفاء البراءة مع عقود الأمانات؛ لأنها أدون من التصريح بالإبراء، فإذا
لم تحصل البراءة به، فتلك العقود أولى.
ويحتمل قويا فيما عدا الغصب - من المستام والمبيع فاسدا أو العارية
المضمونة - عدم الضمان؛ لأنها أخف من ضمان الغصب، لاستناد اليد
فيها إلى رضا المالك.
مسألة 144: استدامة القبض ليست شرطا في لزوم الرهن وصحته،
عند علمائنا أجمع.
أما على قول من لا يشترط القبض في الابتداء: فظاهر؛ لأنه إذا
لم يكن شرطا في الابتداء فأولى أن لا يكون في الاستدامة، لأن كل شرط
يعتبر في الاستدامة يعتبر في الابتداء، وقد يعتبر في الابتداء ما لا يعتبر في
الاستدامة.
وأما على قول من جعل القبض شرطا في الابتداء: فإنه لا يجعله
شرطا في الاستدامة.
أما العامة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضا.
وأما من قال: إنه شرط، فقد اختلفوا.
فقال الشافعي: إنه ليس شرطا؛ لأنه عقد يعتبر القبض في ابتدائه،
فلا تشترط استدامته، كالهبة (1).

(1) حلية العلماء 4: 422، المغني 4: 402، الشرح الكبير 4: 421، بداية المجتهد
2: 274.
197

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: استدامة القبض شرط؛ لقوله تعالى:
(فرهن مقبوضة) (1).
ولأنها إحدى حالتي الرهن، فكان القبض فيها شرطا، كالابتداء (2).
ولا دليل في الآية على ما تقدم. والأصل ممنوع، مع أن النص على
خلافه، قال (عليه السلام): " الرهن محلوب ومركوب " (3) وليس ذلك للمرتهن
إجماعا، فبقي أن يكون للراهن، وهو يدل على عدم اشتراط استدامة القبض.
مسألة 145: لو تصرف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو
عتق أو جعله صداقا أو رهنه ثانيا أو جعله مال إجارة، فعلى ما قلناه - من
لزوم الرهن بمجرد العقد - تكون التصرفات موقوفة على إجازة المرتهن،
فإن أجازها، صحت، وبطلت وثيقته إلا في الرهن على إشكال سبق. وإن
فسخها المرتهن، بطلت.
وعلى القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعا عن الرهن، فبطل الرهن؛
لأنه أخرجه عن إمكان استيفاء الدين عن ثمنه أو فعل ما يدل على قصد
ذلك، وسواء أقبض البيع والهبة والرهن الثاني، أو لم يقبضه.
وكتابة العبد ووطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.
أما الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعا؛ إذ لا تعلق له
بمورد الرهن، فإن رهن المزوجة ابتداء جائز، وبه قال الشافعي (4).
وأما الإجارة فإن قلنا: إن رهن المكري وبيعه جائز، فهي كالتزويج،

(1) البقرة: 283.
(2) المغني 4: 402، الشرح الكبير 4: 420 - 421، حلية العلماء 4: 422، بداية
المجتهد 2: 274.
(3) المستدرك - للحاكم - 2: 58، سنن البيهقي 6: 38.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 477، روضة الطالبين 3: 311.
198

وإلا فهي رجوع.
وقال بعضهم: إنها ليست برجوع بحال (1).
وأما لو دبر العبد المرهون، فيحتمل أن يقال: إنه رجوع؛ للتنافي بين
مقصود التدبير ومقصود الرهن، وإشعاره بالرجوع.
مسألة 146: لو مات المرتهن قبل القبض، لم يبطل الرهن، وهو ظاهر
عند من لم يعتبر القبض.
وأما من اعتبره فقد اختلفوا.
فقال بعضهم ببطلانه؛ لأنه عقد جائز، والعقود الجائزة ترتفع بموت
المتعاقدين، كالوكالة، وهو أحد قولي (2) الشافعي.
وفي الآخر: لا يبطل الرهن، ويقوم وارثه مقامه في القبض - وهو
أصح قولي (3) الشافعي - لأن مصيره إلى اللزوم، فلا يتأثر بموته، كالبيع في
زمن الخيار، والدين باق كما كان، وإنما انتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة،
وهم محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم، وبه قال أحمد؛ ولأن المرتهن لو
مات كان الدين باقيا على تأجيله، فكان الرهن بحاله (4).
ولو مات الراهن قبل الإقباض، لم يبطل الرهن عند من لم يشترط
القبض.
وأما من اشترطه فقد اختلفوا، فللشافعي قولان:
أحدهما (5): أنه يبطل؛ لأنه من العقود الجائزة، كما تقدم (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 477، روضة الطالبين 3: 311.
(2 و 3) في الطبعة الحجرية: " أقوال " بدل " قولي ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 478، روضة الطالبين 3: 311، حلية العلماء 4: 415،
المغني 4: 400، الشرح الكبير 4: 419.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " فللشافعي أقوال أحدها ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(6) راجع ص 189، المسألة 140.
199

والثاني: أنه لا يبطل بموت المرتهن، ويبطل بموت الراهن.
ولأصحابه طرق:
أحدها: أن في موتهما قولين نقلا وتخريجا:
أحدهما: أنه يبطل بموت كل واحد منهما؛ لأنه عقد جائز، والعقود
الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين.
وثانيهما: لا يبطل؛ لأن مصيره إلى اللزوم.
والثاني تقرير القولين، وفرقوا بأن المرهون بعد موت الراهن ملك
الورثة ومتعلق حق الغرماء إن كان له غريم آخر، وفي استيفاء الرهن (1)
إضرار بهم، وفي صورة موت المرتهن يبقى الدين كما كان، وإنما ينتقل
الاستحقاق فيه إلى الورثة، وهم يحتاجون إلى الوثيقة حاجة مورثهم.
والثالث: القطع بعدم البطلان، سواء مات الراهن أو المرتهن.
وإذا أثبتنا الرهن، قام ورثة الراهن مقامه في الإقباض، وورثة المرتهن
مقامه في القبض (2).
ثم اختلف أصحابه في موضع القولين.
فقال بعضهم: موضعهما رهن التبرع، فأما الرهن المشروط في البيع
فإنه لا يبطل بالموت قطعا؛ لتأكده بالشرط، واقترانه بالبيع اللازم، فلا يبعد
أن يكتسب منه صفة اللزوم.
وقال بعضهم: بل القولان جاريان في النوعين (3).

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " الراهن " بدل " الرهن ". والصحيح ما أثبتناه كما في " العزيز
شرح الوجيز ".
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 314، حلية العلماء 4: 415، العزيز شرح الوجيز 4:
478، روضة الطالبين 3: 311.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 478، روضة الطالبين 3: 311.
200

مسألة 147: لو جن أحد المتعاقدين أو أغمي عليه قبل القبض، فإن
لم نجعل القبض شرطا، فالرهن لازم بمجرد العقد. وإن جعلناه شرطا،
لم يبطل الرهن؛ لأنه عقد يؤول إلى اللزوم، فلم يبطل بجنون أحد
المتعاقدين، كالبيع الذي فيه الخيار، ويقوم ولي المجنون مقامه.
فإن كان المجنون الراهن وكان الحظ في التقبيض بأن يكون شرطا في
بيع يتضرر بفسخه أو غير ذلك من المصالح، أقبضه. وإن كان الحظ في
تركه، لم يجز له تقبيضه.
وإن كان المجنون المرتهن، قال بعض العامة: قبضه وليه (1) إن اختار
الراهن، وإن امتنع، لم يجبر، فإذا مات، قام وارثه مقامه في القبض (2).
وقالت الشافعية: إنه مرتب على الموت، فإن قلنا: لا يؤثر الموت،
فالجنون أولى. وإن قلنا: يؤثر (3)، ففي الجنون وجهان (4).
فإن قلنا: لا يبطل الرهن، فإن جن المرتهن، قبض الرهن من نصبه
الحاكم قيما في ماله، فإن لم يقبض الراهن وكان الرهن مشروطا في بيع،
فعل ما فيه الحظ من الفسخ والإجازة.
وإن جن الراهن فإن كان الرهن مشروطا في بيع وخاف القيم فسخ
البيع لو لم يسلمه والحظ في الإمضاء، سلمه. وإن لم يخف أو كان الحظ
في الفسخ، لم يسلمه.
وكذا لو كان الرهن رهن تبرع.

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " إليه " بدل " وليه ". وذلك خطأ، والصحيح ما أثبتناه
كما في المصدر.
(2) المغني 4: 400، الشرح الكبير 4: 418.
(3) في الطبعة الحجرية و " ج ": " مؤثر ". والأنسب ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 479، روضة الطالبين 3: 312.
201

وينبغي أن يحمل على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة؛ لأنه يجوز
أن يرهن مال المجنون ابتداء فالاستدامة أولى.
ولو حجر على الراهن بفلس قبل التسليم، لم يكن له تسليمه؛ لما
فيه من تخصيص المرتهن بثمنه، وليس له تخصيص بعض غرمائه.
وإن حجر عليه لسفه، فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون.
وإن أغمي عليه، لم يكن للمرتهن قبض الرهن، وليس لأحد
تقبيضه؛ لأن المغمى عليه لا ولاية لأحد عليه.
فإن أغمي على المرتهن، لم يكن لأحد أن يقوم مقامه في قبض
الرهن أيضا.
وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة مفهومة، فكالصحيح إن
أذن في القبض، جاز، وإلا فلا. وإن لم تكن له إشارة مفهومة ولا كتابة،
لم يجز القبض.
وإن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض أولا، لم يعتد به؛ لأن إذنهم
يبطل بما عرض لهم.
مسألة 148: ليس للمرتهن قبض الرهن إلا بإذن الراهن؛ لأنه لا يلزمه
تقبيضه، فاعتبر إذنه في قبضه، كالواهب.
أما في الرهن المتبرع به: فظاهر.
وأما فيما وقع شرطا في عقد لازم كالبيع وشبهه: فكذلك لا يجب
عليه الإقباض، سواء شرط الإقباض في العقد أو لم يشرط، بل يتخير
المرتهن في إجازة العقد المشروط به، وفسخه، وليس له إلزام الراهن
بالإقباض، فإن تعدى المرتهن فقبضه بغير إذن، لم يثبت حكمه، وكان
بمنزلة من لم يقبض.
202

ولو صدر من الراهن ما يدل على الإذن في القبض، كان بمنزلة
الإذن، وقام مقامه، مثل أن يرسل العبد إلى مرتهنه، ورد ما أخذه من
المرتهن إلى يده، ونحو ذلك؛ لأنه دليل على الإذن، فاكتفي به، كما لو دعا
غيره إلى طعام وقدمه بين يديه، فإن ذلك يجري مجرى الإذن في تناوله،
كذا هنا.
مسألة 149: لو رهن عصيرا وأقبضه فانقلب في يد المرتهن خمرا،
لم نقل: إنها مرهونة.
واختلفت عبارة الشافعية.
فقال بعضهم: يتوقف إن عاد خلا، بان أن الرهن لم يبطل، وإلا ظهر
بطلانه (1).
وقال أكثرهم: يبطل الرهن؛ لخروج الرهن عن كونه مالا، ولا خيار
للمرتهن إن كان الرهن مشروطا في بيع؛ لحدوثه في يده (2).
ثم إن عاد خلا، يعود الرهن، كما يعود الملك - وهو أحد قولي
الشافعي (3) - لأنه لا يراد ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلية، بل ارتفاع
حكمه ما دامت الخمرية.
والثاني: أنه لا يعود الرهن إلا بعقد جديد، وبه قال أبو حنيفة (4).
والوجه: الأول؛ لأن الرهن تابع للملك، والملك قد عاد إلى الراهن.
ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها، لم يطهر،

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 479، روضة الطالبين 3: 312.
(4) الحاوي الكبير 6: 110، العزيز شرح الوجيز 4: 480.
203

ولم يدخل في ملك الراهن ولا المرتهن عندنا.
وللشافعي (1) وجهان:
أحدهما: عود الرهن، كانقلاب الخمر خلا.
وأظهرهما عندهم: عدم العود؛ لأن ماليته مستندة إلى الصنعة
والمعالجة، وليس العائد ذلك الملك (2).
ولو انقلب العصير المرهون خمرا قبل القبض، ففي بطلان الرهن
البطلان الكلي للشافعي (3) وجهان:
أحدهما: نعم؛ لاختلال المحل في حال ضعف الرهن وجوازه.
والثاني: لا، كما لو تخمر بعد القبض.
وعلى الوجهين لو كان الرهن شرطا في بيع، ثبت للمرتهن الخيار؛
لأن الخل أنقص من العصير، ولا يصح الإقباض في حال الشدة.
فإن فعل وعاد (4) خلا، فعلى الوجه الثاني لابد من استئناف قبض،
وعلى الأول لابد من استئناف عقد (5).
ولو انقلب المبيع خمرا قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع وعوده
إذا عاد خلا كما تقدم في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض.
مسألة 150: لو جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلق الأرش برقبته

(1 و 3) كذا، والظاهر: " للشافعية ".
(2) الحاوي الكبير 6: 111، التهذيب - للبغوي - 4: 44، حلية العلماء 4: 456،
العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3: 312.
(4) في الطبعة الحجرية: " فعاد " بدل " وعاد ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 480، روضة الطالبين 3: 312 - 313.
204

وقلنا: رهن الجاني ابتداء فاسد، ففي بطلان الرهن للشافعية وجهان، إلحاقا
للجناية بتخمر (1) العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل
استحكام العقد. وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها؛ لدوام الملك
في الجاني، بخلاف الخمر (2).
ولو أبق العبد المرهون قبل القبض، فللشافعية وجهان؛ لانتهاء
المرهون إلى حالة تمنع ابتداء الرهن فيها (3).
مسألة 151: الخمر قسمان:
خمر محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا، وإنما هي
محترمة؛ لأن اتخاذ الخل جائز إجماعا، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلا
بتوسط الشدة، فلو لم تحترم وأريقت في تلك الحالة لتعذر اتخاذ الخل.
والثاني: خمر غير محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها لغرض
الخمرية.
إذا عرفت هذا، فإن تخليل الخمر بالأجسام الطاهرة جائز، كطرح
العصير أو الخل أو الخبز أو غيرها - وبه قال أبو حنيفة (4) - لأن المقتضي
للتخليل - وهو زوال الخمرية - موجود، والمانع - وهو طرح شيء فيها -
لا يصلح للمانعية، وإلا لما طهرت ألبتة؛ لأن الآنية تنجس بملاقاتها، فلو

(1) في " ج " و " العزيز شرح الوجيز ": " بتخمير ".
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 481، روضة الطالبين 3: 313.
(4) المبسوط - للسرخسي - 24: 22، تحفة الفقهاء 3: 329، بدائع الصنائع 5:
113 - 114، الهداية - للمرغيناني - 4: 113، الاختيار لتعليل المختار 4: 159،
الحاوي الكبير 6: 112، المغني 10: 338، الشرح الكبير 10: 340، العزيز شرح
الوجيز 4: 481.
205

انفعلت الخمر بنجاستها (1) لم تطهر، وهو باطل بالإجماع.
وقال الشافعي: إن تخليل الخمر بطرح العصير أو الخل أو الخبز
الحار أو غيرها حرام، والخل الحاصل نجس - وبه قال أحمد، وعن مالك
روايتان كالمذهبين - لأن أنسا قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتتخذ الخمر
خلا؟ قال: " لا " (2) (3).
وهو - بعد التسليم - لا يدل على المطلوب؛ لإمكان إرادة الكراهة، أو
أن يستعمل الخمر عوض الخل.
وجوز بعض الشافعية تخليل المحترمة؛ لأنها غير مستحقة للإراقة (4).
ثم اختلفوا في الفرق بين الطرح بالقصد وبغير قصد، كطرح الريح،
بناء على أن المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه؟ (5).
ولو طرح في العصير بصلا أو ملحا واستعجل به الحموضة بعد
الاشتداد، فلهم وجهان:
أحدهما: إذا تخلل، كان طاهرا؛ لأن الملاقي إنما لاقاه قبل التخمير،
فطهر بطهارته، كأجزاء الدن.
والثاني: لا؛ لأن المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمر نجاسته،

(1) في الطبعة الحجرية: " بنجاسته ". وفي " ج ": " بنجاسة ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) صحيح مسلم 3: 1573 / 1983، سنن الدارقطني 4: 265 / 3.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 481، روضة الطالبين 3: 314، المغني 10: 338،
الشرح الكبير 10: 340، التفريع 1: 410 - 411، الكافي في فقه أهل المدينة:
190.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 313.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314.
206

بخلاف أجزاء الدن، للضرورة (1)
ولو طرح العصير على الخل وكان العصير غالبا ينغمر الخمر فيه عند
الاشتداد، فهل يطهر إذا انقلب خلا؟ فيه هذان الوجهان (2).
ولو كان الغالب الخل وكان يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس.
وأما [إمساك] (3) الخمر المحترمة إلى أن تصير خلا جائز، والتي
لا تحترم تجب إراقتها، لكن لو لم يرقها حتى تخللت، فهي طاهرة (4)
أيضا؛ لأن النجاسة والتحريم إنما ثبتا للشدة وقد زالت.
وقال بعض الشافعية: لا يجوز إمساك الخمر المحترمة، بل يضرب
عن العصير إلى أن يصير خلا، فإن اتفقت منا اطلاعة وهو خمر، أرقناه (5).
وقال بعضهم: لو أمسك التي لا تحترم حتى تخللت، لم تحل
ولم تطهر؛ لأن إمساكها حرام، فلا يستفاد به نعمة (6).
ومتى عادت الطهارة بالتخليل، طهرت أجزاء الظرف.
وقال بعض الشافعية: إن كان الظرف لا يتشرب شيئا من الخمر
كالقوارير، طهر، وإن كان مما يتشرب، لم يطهر (7).
ويطهر أيضا ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان.
ولو كان ينقلها من الظل إلى الشمس أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314.
(3) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " طاهر ". والصحيح ما أثبتناه.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 314.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 482، روضة الطالبين 3: 315.
207

استعجالا للحموضة، فوجهان:
أحدهما: لا تطهر، كما لو طرح فيها شيئا.
وأصحهما: الطهارة عندهم؛ لزوال الشدة (1).
وتردد بعض الشافعية في بيع الخمر المحترمة؛ بناء على ترددهم في
طهارتها (2).

(1) الحاوي الكبير 6: 115، الوسيط 3: 493، العزيز شرح الوجيز 4: 483،
روضة الطالبين 3: 315.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 483، روضة الطالبين 3: 315.
208

الفصل الثالث: في منع المتراهنين من التصرفات
مسألة 152: الرهن وثيقة لدين المرتهن إما في عينه أو بدله،
ولا تحصل الوثيقة إلا بالحجر على الراهن وقطع سلطنة كانت له ليتحرك إلى
الأداء، وبتجديد سلطنة للمرتهن لم تكن، ليتوصل بها إلى الاستيفاء.
وهذه الوثيقة ليست دائمة، بل لها غاية تنتهي عندها على ما يأتي.
إذا ثبت هذا، فالرهن يمنع الراهن - لا المرتهن - من التصرفات على
ما يأتي تفصيله في نظرين:
الأول: في منع الراهن.
ويمنع الراهن من كل تصرف يزيل الملك إلى الغير، كالبيع والهبة
ونحوهما، وإلا فاتت الوثيقة.
ويمنع أيضا مما يزاحم المرتهن في مقصود الرهن، وهو الرهن من
غيره، ومن كل تصرف ينقص المرهون ويقلل الرغبة فيه، كالتزويج - وبه
قال الشافعي ومالك (1) - لأن الرغبة في الجارية الخلية فوق الرغبة في
المزوجة، فالتزويج يوجب نقص ثمنها، ويشغل بعض منافعها، فإنه يعطل
منافع بضعها، ويمنع مشتريها من وطئها، ويعرضها بوطئها للحمل،
ويمكن زوجها من الاستمتاع بها ليلا، ويمنعها عن الخدمة بتربية ولدها،

(1) حلية العلماء 4: 440، الوجيز 1: 164، العزيز شرح الوجيز 4: 484، روضة
الطالبين 3: 316، المغنى والشرح الكبير 4: 435.
209

فتقل الرغبة فيها.
وقال الشيخ (رحمه الله): إذا زوج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة،
كان تزويجه صحيحا - وبه قال أبو حنيفة - لعموم قوله تعالى: (وأنكحوا
الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) (1) (2).
ولأن محل النكاح غير محل الرهن، ولهذا صح رهن الأمة
المزوجة (3).
والعام مخصوص بما دل [على] (4) منع الراهن والمرتهن من التصرف
في الرهن.
ويمنع تغاير المحلين؛ فإن البيع يتناول جملتها، ولهذا يستبيح
المشتري نكاحها، وإنما صح رهن المزوجة؛ لبقاء معظم المنفعة فيها،
وبقائها محلا للبيع، كما يصح رهن المستأجرة.
إذا عرفت هذا، فقال أبو حنيفة: يصح الرهن، وللمرتهن منع الزوج
من وطئها، ومهرها رهن معها (5).
ولا بأس بقوله في المنع من الوطئ على تقدير صحة العقد.
مسألة 153: قال الشيخ (رحمه الله): لا يجوز للراهن أن يكري داره المرهونة
أو يسكنها غيره، إلا بإذن المرتهن، فإن أكراها وحصلت أجرتها، كانت له.
وقال الشافعي: له أن يؤجرها ويسكنها غيره.

(1) النور: 32.
(2) الخلاف 3: 253، المسألة 60.
(3) المبسوط - للسرخسي - 22: 12، حلية العلماء 4: 440، العزيز شرح الوجيز
4: 484، المغني والشرح الكبير 4: 435.
(4) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(5) المبسوط - للسرخسي - 22: 12، المغنى والشرح الكبير 4: 435.
210

وهل له أن يسكنها بنفسه؟ لهم فيه وجهان (1).
وفصل أصحابه، فقالوا: إن كان الدين حالا أو كان مؤجلا لكنه يحل
قبل انقضاء مدة الإجارة، ففي رواية بناء صحة الإجارة على القولين في
جواز بيع المستأجر، إن جوزناه، صحت الإجارة، وإلا فلا، والمشهور:
بطلانها قطعا.
أما إذا لم نجوز بيع المستأجر: فظاهر.
وأما إذا جوزناه: فلأن الإجارة تبقى وإن صح البيع، وذلك مما يقلل
الرغبة (2).
وقال بعضهم: يبطل قدر الأجل، وفي الزائد عليه قولا تفريق
الصفقة (3).
وإن كان الأجل يحل مع انقضاء مدة الإجارة أو بعدها، صحت
الإجارة.
ثم لو اتفق حلول الدين قبل انقضائها بموت الراهن، فوجهان:
أحدهما: أنه تنفسخ الإجارة رعاية لحق المرتهن، فإنه أسبق،
ويضارب المستأجر بالأجرة المدفوعة مع الغرماء.
والثاني: أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الإجارة، كما يصبر الغرماء
إلى انقضاء العدة لتستوفي المعتدة حق السكنى؛ جمعا بين الحقين، وعلى
هذا يضارب المرتهن بدينه مع الغرماء في الحال.
وإذا انقضت المدة وبيع المرهون، قضي باقي دينه، فإن فضل منه

(1) الخلاف 3: 252، المسألة 59، وانظر: حلية العلماء 4: 439، والمغني 4:
472 - 473، والشرح الكبير 4: 431.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 484، روضة الطالبين 3: 316.
211

شيء، فهو للغرماء (1).
هذا كله فيما إذا آجر المرهون من غير المرتهن، أما إذا آجره منه،
فيجوز (2)، ولا يبطل الرهن؛ لأن الحق لا يعدوهما، وقد اتفقا على ذلك،
فجاز، كما اتفقا على إيجار الغير.
وكذا لو كان مستأجرا [من] (3) المرتهن ثم ارتهنه، وبه قال
الشافعي (4)، ولا نعلم فيه خلافا.
فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثم سلمه عنهما جميعا، جاز.
ولو سلم عن الرهن، وقع عنهما جميعا؛ لأن القبض في الإجارة مستحق.
ولو سلم عن الإجارة، لم يحصل قبض الرهن.
وقال أبو حنيفة: الرهن والإجارة لا يجتمعان، والمتأخر منهما يرفع
المتقدم ويبطله (5).
والشافعي جوز ذلك؛ لأن الإعارة من المرتهن لا تبطل الرهن، فكذا
الإجارة (6).
واعلم أن للشافعي قولين:
الجديد: أن البيع من الراهن، وغيره من التصرفات باطلة.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 484 - 485، روضة الطالبين 3: 316.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " يجوز ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) بدل ما بين المعقوفين في الطبعة الحجرية: " مع ". وفي " ج ": " على ". والظاهر أن
الصحيح ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 485، روضة الطالبين 3: 316.
(5) المبسوط - للسرخسي - 21: 164، تحفة الفقهاء 3: 42، بدائع الصنائع 6:
146، التهذيب - للبغوي - 4: 18، العزيز شرح الوجيز 4: 485.
(6) التهذيب - للبغوي - 4: 18، العزيز شرح الوجيز 4: 485، روضة الطالبين 3:
316.
212

والقديم: يجوز وقف العقود بكون هذه التصرفات موقوفة على
الانفكاك وعدمه (1).
مسألة 154: لا يصح من الراهن إعتاق العبد المرهون؛ لأنه إتلاف
للوثيقة، وإبطال لحق المرتهن منها.
وللشافعي - في القديم -: الجزم بعدم النفوذ إن كان الراهن معسرا.
وإن كان موسرا، فقولان. وفي الجديد: الجزم بنفوذه إن كان موسرا. وإن
كان معسرا، فقولان. فيحصل له أقوال ثلاثة.
أ: أنه لا ينفذ بحال - وهو الذي ذهبنا إليه - لأن الرهن عقد لازم
حجر به الراهن على نفسه، فلا يتمكن من إبطاله مع بقاء الدين.
ب: أنه ينفذ؛ لأنه إعتاق صادف الملك، فأشبه إعتاق المستأجر
والزوجة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد، إلا أن أبا حنيفة يقول: يستسعى العبد
في قيمته إن كان الراهن معسرا.
ج: - وهو الأصح عندهم، وبه قال مالك -: أنه إن كان موسرا، نفذ،
وإلا فلا، تشبيها لسريان العتق إلى حق المرتهن بسريانه من نصيب أحد
الشريكين إلى الآخر، والمعنى فيه أن [حق] (2) الوثيقة لا يتعطل، ولا يتأخر
إذا كان موسرا (3).
فإن قلنا: إنه لا ينفذ، فالرهن بحاله، فلو انفك بإبراء أو بغيره،
فللشافعي قولان:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 485، روضة الطالبين 3: 316.
(2) أضفناه من المصادر عدا " روضة الطالبين " و " حلية العلماء ".
(3) حلية العلماء 4: 443، العزيز شرح الوجيز 4: 485 - 486، روضة الطالبين 3:
317، المغني 4: 432 - 433، الشرح الكبير 4: 433 - 434.
213

أظهرهما عندهم: أنه لا يحكم بنفوذه أيضا؛ لأنه لا يملك إعتاقه،
فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه للسفه ثم زال الحجر.
والثاني: يحكم؛ لأن المانع من النفوذ في الحال حق المرتهن وقد
زال.
والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبدا ثم
انفك الحجر عنه ولم يتفق بيع ذلك العبد، هل يعتق؟ وإن بيع في الدين ثم
ملكه ولو يوما ما، لم يحكم بالعتق.
ومنهم من طرد الخلاف المذكور في الصورة الاولى (1).
وعن مالك أنه يحكم بنفوذ العتق في الصورتين (2).
وإن قلنا: ينفذ العتق مطلقا، فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الإعتاق.
ثم إن كان موسرا، أخذت منه في الحال، وجعلت رهنا مكانه. وإن
كان معسرا، انظر إلى اليسار، فإذا أيسر، أخذت منه، وجعلت رهنا إن
لم يحل الحق بعد (3)، وإن حل، طولب به، ولا معنى للرهن (4).
ويحتمل أن يقال: كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال وقد يكون
بالمؤجل، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وإن حل الحق إلى
يتيسر استيفاؤه.
وبتقدير صحة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجري مثله في القيمة
التي تؤخذ من الموسر.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 486، روضة الطالبين 3: 317.
(2) كما في العزيز شرح الوجيز 4: 486.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " بعده ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) ورد التفصيل المذكور في العزيز شرح الوجيز 4: 486، وروضة الطالبين 3:
317.
214

ومهما بذل القيمة على قصد الغرم، صارت رهنا، ولا حاجة إلى أن
عقد مستأنف، والاعتبار (1) بقصد المؤدي.
وإذا كان المعتق موسرا، فعلى القول الثاني أو الثالث في وقت نفوذ
العتق عندهم طريقان:
أحدهما: أنه على الأقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا
أعتق الشريك نصيبه، ففي قول يتعجل. وفي قول يتأخر إلى أن يغرم
القيمة. وفي قول يتوقف، فإذا غرم، تبينا صحة العتق.
وأظهرهما: القطع بنفوذه في الحال، والفرق أن العتق يسري إلى
ملك الغير، ولابد من تقدير انتقاله إلى المعتق، فجاز أن نقول: إنما ينتقل
إذا استقر ملك [الشريك] (2) ويده على العوض، وإعتاق الراهن يصادف
ملكه (3).
أما لو علق الراهن عتق المرهون، فعندنا: أنه يبطل؛ لأنه لا يصح
تعليق العتق على شرط.
وأما من جوزه - كالشافعي - فقال: ينظر إن علق عتق المرهون بفكاك
الرهن نفذ عند الانفكاك؛ لأن مجرد التعليق لا يضر المرتهن، وحين ينزل
العتق لا يبقى له حق.
وإن علق بصفة أخرى، فإن وجدت قبل فكاك الرهن، ففيه الأقوال
المذكورة في التنجيز. وإن (4) وجدت بعده، فوجهان:

(1) الطبعة الحجرية و " ج ": " ولا اعتبار " بدل " والاعتبار ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " المشتري ". وما أثبتناه من
" العزيز شرح الوجيز ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 486 - 487، روضة الطالبين 3: 317 - 318.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " فإن ". والظاهر ما أثبتناه من المصدر.
215

أصحهما عندهم: النفوذ؛ لأنه لا يبطل حق المرتهن.
والثاني: عدمه إبطالا للتعليق مطلقا، كالتنجيز في قول (1).
والخلاف هنا يشبه خلافهم فيما لو قال العبد لزوجته: إن فعلت كذا
فأنت طالق ثلاثا، ثم عتق ثم فعلته، هل تقع الطلقة الثالثة؟ لكن الخلاف
جار وإن علق بالعتق، فقال: إن عتقت فأنت طالق ثلاثا. ولا خلاف في
تعليق العتق بالفكاك أنه ينفذ عند الفكاك (2).
وفرقوا بأن الطلقة الثالثة ليست مملوكة للعبد، ومحل العتق مملوك
للراهن، وإنما منع لحق المرتهن (3).
وفيه نظر؛ فإن العتق غير مملوك للراهن، كما أن الطلقة الثالثة غير
مملوكة للعبد، ومحل الطلاق مملوك للعبد، كما أن محل العتق مملوك
للراهن، فلا فرق.
ولو رهن نصف عبده ثم أعتق نصفه، فإن أضاف العتق إلى النصف
المرهون، ففيه الخلاف. وإن أضافه إلى الطلق أو أطلق، عتق الطلق.
وهل يسري إلى المرهون؟ إن جوزنا عتق المرهون، فنعم، وإلا
فوجهان عند الشافعية (4).
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يسري - وهو أصح وجهي الشافعية (5) - لأن
أقصى ما في الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير، وهو يسري إليه،
فحينئذ هل يفرق بين الموسر والمعسر؟ قولان للشافعية، أحدهما: نعم.
والثاني: لا؛ لأنه ملكه (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 487، روضة الطالبين 3: 318.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 487.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 487، روضة الطالبين 3: 318.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 487، روضة الطالبين 3: 318.
216

ولو وقف المرهون، لم يصح عندنا؛ لما فيه من إفساد حق الغير.
وللشافعية طريقان:
أحدهما: أنه كالعتق؛ لما فيه من القربة والتعليق الذي لا يقبل
النقض.
وأظهرهما عندهم: القطع بالمنع، بخلاف العتق، فإنه أقوى بالسراية
وغيرها (1).
ولهم طريقة ثالثة: إن قلنا: الوقف لا يحتاج إلى القبول، فهو كالعتق.
وإن قلنا: يحتاج إليه، فيقطع بالمنع (2).
مسألة 155: ليس للراهن وطؤ أمته المرهونة إلا بإذن المرتهن، سواء
كانت بكرا أو ثيبا، وسواء كانت من أهل الإحبال أو لا؛ لأن الوطء ربما
أحبلها فتنقص قيمتها، وربما ماتت في الولادة.
وقال الشافعي: إن كانت الجارية بكرا، لم يكن للراهن وطؤها
بحال؛ لأن الافتضاض ينقص قيمتها.
وإن كانت ثيبا، فكذلك [إن كانت] (3) في سن من تحبل؛ لأنها ربما
حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرض للهلاك في الطلق ونقصان الولادة، وليس
له أن يقول: أطأ فأعزل؛ لأن الماء قد يسبق.
وإن كانت في سن من لا تحبل لصغر أو يأس، فوجهان:
أحدهما: له أن يطأها، كسائر الانتفاعات التي لا تضر بالمرتهن.
وقال الأكثر: يمنع من وطئها أيضا احتياطا لحسم الباب؛ إذ العلوق
ليس له وقت معلوم، وهذا كما أن العدة تجب على الصغيرة والكبيرة

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 488، روضة الطالبين 3: 318.
(3) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
217

والآيسة وإن كان القصد الأصلي استبراء الرحم (1).
ويجري الوجهان فيما إذا كانت حاملا من الزنا؛ لأنه لا يخاف من
وطئها الحبل.
نعم، غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الإطلاق (2).
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمرتهن منع الراهن من
وطئ أمته المرهونة، ولأن سائر من يحرم وطؤها لا فرق فيه بين الآيسة
والصغيرة ونحوهما، كالمعتدة والمستبرأة والأجنبية (3).
مسألة 156: لو خالف الراهن ما قلناه ووطئ، لم يكن زانيا؛ لأنه
وطئ في ملك، فلا حد عليه؛ لأن التحريم عارض، كما عرض في
المحرمة والصائمة. ولا مهر عليه؛ لأن المرتهن لا حق له في منفعتها،
ووطؤها لا ينقص قيمتها، فأشبه ما لو استخدمها، بخلاف ما لو وطئ
المكاتبة حيث يغرم المهر؛ لأن المكاتبة قد استقلت واضطرب الملك فيها
أو زال، ولهذا لو وطئها أجنبي، كان المهر لها، ولو وطئ المرهونة أجنبي،
كان المهر للولي.
ولو تلف جزء منها أو بضعها مثل أن افتض البكر أو أفضاها، فعليه
قيمة ما أتلف، فإن شاء جعله رهنا معها، وإن شاء جعله قضاء من الحق إن
لم يكن حل إذا رضي المرتهن، وإن كان حل، جعله قضاء إن كان من
جنس الحق لا غير، فإنه لا فائدة في جعله رهنا. ولا فرق بين الكبيرة
والصغيرة فيما ذكرناه، ولا نعلم في هذا خلافا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 488، روضة الطالبين 3: 318 - 319.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 488، روضة الطالبين 3: 319.
(3) المغني والشرح الكبير 4: 436.
218

فإن أولدها، فالولد حر لاحق به، ولا قيمة عليه؛ لأن المرتهن لا حق
له في ولد المرهونة بحال.
وهل تصير أم ولد للراهن؟ مذهبنا: أنها تصير أم ولد له، ولا يبطل
الرهن. ثم إن كان الواطئ موسرا، لزمه قيمة الرهن من غيرها؛ لحرمة
ولدها يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا، كان الدين باقيا، وجاز بيعها
فيه.
وللشافعي أقوال ثلاثة:
أحدها: أنها تصير أم ولد، وتعتق، سواء كان الراهن موسرا أو
معسرا، ولكنه يجب على الموسر قيمتها تكون رهنا مكانها؛ لأن الاستيلاد
أولى بالنفوذ من الإعتاق؛ لأنه فعل، والأفعال أقوى وأشد نفوذا، ولهذا
ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه، ولا ينفذ إعتاقهما، وينفذ استيلاد
المريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث.
الثاني: القطع بعدم نفوذ الاستيلاد، ولا تخرج من الرهن، وتباع في
دين المرتهن، سواء كان موسرا أو معسرا.
والثالث: الفرق بين الموسر والمعسر، فإن كان موسرا، صارت أم
ولد له، وإن أعتقها، عتقت، ووجب عليه قيمتها تكون رهنا مكانها. وإن
كان معسرا، لم تخرج من الرهن، وبيعت في حق المرتهن.
فقد حصل ثلاثة طرق: أظهرها عندهم: طرد الخلاف في الاستيلاد،
كما في الإعتاق. والثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد. والثالث: القطع بعدمه (1).
وقال أبو حنيفة: تصير أم ولد، وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 489، روضة الطالبين 3: 319.
219

فإن كان موسرا، لزمته قيمتها تكون رهنا مكانها. وإن كان معسرا،
استسعت الجارية في قيمتها إن كانت دون الحق، ويرجع بها على
الراهن (1).
وعندنا أن أم الولد لا تخرج بالاستيلاد عن الرقية، بل يجوز بيعها في
مواضع تأتي.
نعم، إن كان موسرا، منع من بيعها لأجل ولدها ما دام حيا، فإن
مات، جاز بيعها مطلقا، وإن مات مولاها قبله، عتقت من نصيب ولدها،
وقضي الدين من التركة.
وإن كان معسرا ولا تركة، بيعت في الرهن.
قالت الشافعية: إن قلنا: ينفذ الاستيلاد، فعليه القيمة، والحكم كما
مر في العتق. وإن قلنا: لا ينفذ، فالرهن بحاله. فلو حل الحق وهي حامل
بعد، لم يجز بيعها؛ لأنها حامل بحر (2).
وفيه وجه آخر (3).
وإذا ولدت، فلا تباع حتى تسقي ولدها اللبأ، وإذا سقته ولم توجد
مرضع، فلا تباع حتى توجد خوفا من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد.
ولو وجدت مرضع، بيعت، ولا يبالي بالتفريق بين الأم وولدها؛ للضرورة،
فإن الولد حر، وبيعه ممتنع.
ثم إن كان الدين يستغرق قيمتها، بيعت بأجمعها، وإلا بيع منها بقدر
الدين وإن أفضى التشقيص إلى نقص رعاية لحق الاستيلاد، بخلاف ما لو
كان قيمة العبد مائة وهو مرهون بخمسين وكان لا يشترى نصفه إلا بأربعين

(1) المبسوط - للسرخسي - 21: 137 - 138.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 489، روضة الطالبين 3: 319.
220

ويشترى الجميع بمائة، فإنه يباع الجميع دفعا لتضرر المالك. وإن لم يوجد
من يشتري البعض، بيع الكل؛ للضرورة.
وإذا بيع شي منها بقدر الدين، انفك الرهن عن الباقي، واستقر
الاستيلاد، وتكون النفقة على المشتري والمستولد بقدر النصيبين،
والكسب بينهما كذلك.
ومهما عادت إلى ملكه بعد ما بيعت في الدين، فهل يحكم بنفوذ
الاستيلاد؟ [فيه] (1) طريقان:
أظهرهما: أنه على قولين، كما لو استولد جارية الغير بالشبهة ثم
ملكها، قيل: لا يحكم به. وقيل: يحكم، وهو الأظهر عندهم وإن كان
الأظهر في هذه الصورة في الإعتاق عدم نفوذ العتق.
والفرق: أن الإعتاق قول يقتضي العتق في الحال، فإذا رد، لغا
بالكلية، والاستيلاد فعل لا يمكن رده، وإنما منع حكمه في الحال لحق
الغير، فإذا زال حق الغير، عمل عليه.
والطريق الثاني: القطع بنفوذ الاستيلاد؛ لوقوعه في الملك، بخلاف
استيلاد جارية الغير بالشبهة (2).
ولو انفك الرهن عنها ولم تبع، لم يصح بيعها بعد الاستيلاد.
ومنهم من خرجه على الخلاف المذكور فيما إذا بيعت وعادت؛ لأن
الملك هنا هو الملك الذي تصرف فيه (3).
وليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن، وإنما تباع في الحق؛

(1) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 489 - 490.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 490.
221

للضرورة.
مسألة 157: لو ماتت الجارية - التي أولدها الراهن - بالولادة، فإن كان
الوطؤ بإذن المرتهن، فلا شي، وإلا وجب عليه القيمة تكون رهنا.
أما عند الشافعي فإذا لم يأذن المرتهن وقلنا: الاستيلاد غير نافذ - كما
اختاره الشافعي في بعض أقواله - فعليه قيمتها تكون رهنا مكانها؛ لأنه
سبب إلى إتلافها بالإحبال، والضمان كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب،
كحفر البئر ونحوه (1).
وقال بعض الشافعية: لا تجب عليه القيمة؛ لأن إضافة الهلاك إلى
الوطئ بعيدة، وإحالته على علل وعوارض تقتضي شدة الطلق أقرب (2).
ولو أولد أمة الغير بالشبهة وماتت بالولادة، وجب عليه الضمان
عندنا.
وأما عند الشافعية ففي وجوب القيمة هنا الخلاف (3).
ولو كانت حرة، ففي وجوب الدية وجهان:
أقيسهما عندهم: الوجوب؛ لأن طريق وجوب الضمان لا يختلف
بالرق والحرية.
وأشهرهما: المنع؛ لأن الوطء سبب ضعيف (4).
وإنما أوجبنا الضمان في الأمة؛ لأن الوطء استيلاء عليها، والعلوق
من آثاره، فأدمنا به اليد والاستيلاء، كما لو نفر المحرم صيدا فبقي نفاره إلى
التغير والتلف، والحرة لا تدخل تحت اليد بالاستيلاء.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 490.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 490، روضة الطالبين 3: 320.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 491، روضة الطالبين 3: 320.
222

ولو أولد امرأة بالزنا وهي مكرهة وماتت بالولادة، فإنه يجب عليه
الضمان، سواء كانت حرة أو أمة، وهو أحد قولي الشافعي.
وأصحهما عندهم: المنع؛ لأن الولادة في الزنا لا تضاف إلى وطئه؛
لأن الشرع قطع نسب الولد عنه (1).
وليس بجيد؛ لأن التكون من نطفته، والسبب في التلف صادر عنه،
وهو أمر حقيقي لا يتغير بتغير الشرائع.
ولا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة؛
لأن الهلاك مستند إلى سبب مستحق شرعا.
وكل موضع أوجبنا الضمان في الحرة فهي (2) الدية المضروبة على
العاقلة.
وكل موضع وجبت فيه القيمة فالاعتبار بأية قيمة؟ فيه ثلاثة أوجه
للشافعية:
أحدها: بأقصى القيم من يوم الإحبال إلى الموت تنزيلا له منزلة
الاستيلاد والغصب.
وثانيها: بقيمة يوم الموت؛ لأن التلف حينئذ متحقق.
وأصحها عندهم: بقيمة يوم الإحبال؛ لأنه سبب التلف، فصار كما لو
جرح عبدا قيمته مائة وبقي [مثخنا] (3) حتى مات وقيمته عشرة، فإن
الواجب مائة (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 491، روضة الطالبين 3: 320.
(2) في " ج ": " فهو ".
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " ضمنا " وهي تصحيف. وما
أثبتناه كما في " العزيز شرح الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 491، روضة الطالبين 3: 320.
223

ولو لم تمت الجارية ونقصت قيمتها بالولادة، فعليه الأرش ليكون
رهنا معها، وله أن يصرف القيمة أو الأرش إلى قضاء الحق، ولا يرهن.
مسألة 158: كل تصرف لا يضر بالمرتهن يجوز للراهن فعله، عند
الشافعي ومالك في رواية عنه (1)، خلافا لأبي حنيفة (2) وللشيخ رحمه الله.
قال الشيخ: وأما استخدام العبد المرهون وركوب الدابة المرهونة
وزراعة الأرض المرهونة وسكنى الدار المرهونة، فإن ذلك كله غير جائز
عندنا، ويجوز عند المخالفين (3).
وعن أحمد روايتان (4).
ويمكن الاحتجاج للأول بقوله (عليه السلام): " الظهر يركب إذا كان مرهونا،
وعلى الذي يركب نفقته " (5).
ويروى أنه قال: " الرهن محلوب ومركوب " (6).
ومن طريق الخاصة: رواية السكوني عن الصادق عن أبيه الباقر عن
آبائه عن على (عليهم السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الظهر يركب إذا كان

(1) مختصر المزني: 98، الحاوي الكبير 6: 206، المهذب - للشيرازي - 1: 318،
حلية العلماء 4: 438، الوسيط 3: 499 - 500، العزيز شرح الوجيز 4: 491،
روضة الطالبين 3: 320، المغني 4: 472 - 473، الشرح الكبير 4: 431.
(2) تحفة الفقهاء 3: 42، بدائع الصنائع 6: 146، الحاوي الكبير 6: 207، حلية
العلماء 4: 438، العزيز شرح الوجيز 4: 491، المغني 4: 472، الشرح الكبير
4: 431.
(3) المبسوط - للطوسي - 2: 206.
(4) المغني 4: 472، الشرح الكبير 4: 431، حلية العلماء 4: 438، العزيز شرح
الوجيز 4: 491.
(5) سنن ابن ماجة 2: 816 / 2440، سنن الترمذي 3: 555 / 1254.
(6) سنن البيهقي 6: 38، المستدرك - للحاكم - 2: 38، الكامل - لابن عدي - 7: 2504.
224

مرهونا، وعلى الذي يركبه نفقته، والدر يشرب إذا كان مرهونا، وعلى
الذي يشرب نفقته " (1).
ولأن في التعطيل ضررا منفيا بالأصل، وبقوله (عليه السلام): " لا ضرر
ولا ضرار " (2).
فعلى هذا القول يجوز سكنى الدار وركوب الدابة واستكساب العبد
ولبس الثوب إذا لم ينتقص باللبس.
ويجوز إنزاء الفحل على الإناث، إلا أن يؤثر نقصا.
والأنثى يجوز الإنزاء عليها إن كان محل الدين قبل ظهور الحمل أو
تلد قبل حلول الدين.
وإن كان يحل بعد ظهور الحمل وقبل الولادة، فإن قلنا: الحمل
لا يعرف، جاز أيضا؛ لأنها تباع مع الحمل. وإن قلنا: يعرف - وهو
الصحيح عندهم (3) - لم يجز؛ لأنه لا يمكن بيعها دون الحمل، والحمل غير
مرهون.
مسألة 159: لا يجوز للراهن أن يبني في الأرض المرهونة ولا أن
يغرس - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (4) - لأنه تنقص قيمة الأرض.
وللشافعية وجه: أنه يجوز إن كان الدين مؤجلا (5).

(1) الفقيه 3: 195 / 886، التهذيب 7: 175 - 176 / 775.
(2) سنن ابن ماجة 2: 784 / 2340 و 2341، سنن البيهقي 6: 70، سنن الدارقطني
4: 227 / 83، و 228 / 85، مسند أحمد 6: 447 / 22272.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 320 - 321.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 318، العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين
3: 321، المبسوط - للسرخسي - 21: 163.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 321.
225

وأما الزرع فإن نقصت به قيمة الأرض لاستيفاء قوتها، لم يجز.
وإن لم تنقص فإن (1) كان بحيث يحصد قبل حلول الأجل، لم يمنع
منه عند الشافعي (2)، ثم إن تأخر الإدراك لعارض، ترك إلى الإدراك.
وإن كان بحيث لا يحصد [إلا] (3) بعد الحلول أو كان الدين حالا، منع
منه؛ لنقصان الرغبة في الأرض المزروعة.
وقيل: لا يمنع منه، لكن يجبر على القلع عند الحلول إن لم يف
بيعها مزروعة - دون الزرع - بالدين (4).
ولو خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث منع، فلا يقلع قبل حلول
الأجل، فلعله يقضي الدين من غيره.
وللشافعية وجه آخر: أنه يقلع (5).
فأما بعد حلول الدين ومساس الحاجة إلى البيع يقلع إن كان قيمة
الأرض لا تفي بدينه وتزداد قيمتها بالقلع.
ولو صار الراهن محجورا بالإفلاس، ففي القلع للشافعية وجهان،
بخلاف ما لو نبت النخيل من نوى حمله السيل، فإنه لا يقلع جزما (6).
مسألة 160: إن قلنا: القبض شرط في الرهن أو لم نقل، فإنه ليس
للراهن السفر بالرهن، سواء طال سفره أو قصر؛ لما فيه من التعرض
للإتلاف، ولعظم الحيلولة بين المرتهن والرهن، كما يمنع زوج الأمة عن
السفر بها، وله أن يسافر بالحرة.

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " إن " بدل " فإن ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 321.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 321.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 321.
226

وما لا منفعة فيه مع بقاء عينه - كالنقود والحبوب - فلا تزال يد
المرتهن عنه بعد استحقاقه لليد؛ لأن اليد هي الركن الأعظم في التوثق فيه.
وما له منفعة إن أمكن تحصيل الغرض منه مع بقائه في يد المرتهن،
وجب المصير إليه؛ جمعا بين الحقين.
وإن لم يمكن واشتدت الحاجة إلى إزالة يده، جاز.
فالعبد المحترف إذا تيسر استكسابه في يد المرتهن، لم يخرج من
يده إن أراد الراهن الاستكساب.
فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو شيئا من الانتفاعات التي يحوج
استيفاؤها إلى إخراجها من يده، لم يخرج - وهو قول الشافعي في
القديم (1) - ولا يرهن وثيقته.
والمشهور عندهم: أنه يخرج (2).
ثم ينظر إن استوفى تلك المنافع بإعارة من عدل أو إجارة بالشرط
السابق، فله ذلك.
وإن أراد استيفاءها بنفسه، قال الشافعي في الأم: له ذلك (3).
ومنع منه في القديم (4).
فحمل بعضهم الأول على الثقة، والثاني على غيره (5).
وقال آخرون: فيه قولان مطلقان، ووجهوا الثاني بما يخاف من

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 492، روضة الطالبين 3: 321.
(3) كما في المهذب - للشيرازي - 1: 318، والعزيز شرح الوجيز 4: 493، وروضة
الطالبين 3: 321 - 322، وانظر: الأم 3: 163.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 318، العزيز شرح الوجيز 4: 493، روضة الطالبين
3: 322.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 493، روضة الطالبين 3: 322.
227

جحوده وخيانته لو سلم إليه، والأول بأن ما له استيفاؤه بغيره له استيفاؤه
بنفسه، وهو أظهر عندهم (1).
ثم إن وثق المرتهن بالتسليم، فذلك، وإلا أشهد عليه شاهدين أنه
يأخذه للانتفاع.
فإن كان مشهور العدالة موثوقا به عند الناس، فوجهان أشبههما: أنه
يكتفى بظهور حاله، ولا يكلف الإشهاد في كل أخذة؛ لما فيه من المشقة.
ثم إن كان إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم استيفاؤها،
فذاك. وإن كان لمنفعة تستوفى في بعض الأوقات كالاستخدام أو الركوب،
استوفى نهارا، ورد إلى المرتهن ليلا.
تذنيب: لو باع عبدا ولم يقبض الثمن، كان له حبس العبد في يده
إلى أن يستوفي الثمن، فلا تزال يده بسبب الانتفاع؛ لأن ملك المشتري غير
مستقر قبل القبض، وملك الراهن مستقر.
وهل يستكسب في يده للمشتري أم تعطل منافعه؟ الأولى الأول.
وللشافعية قولان (2).
مسألة 161: كل تصرف منع منه الراهن لحق المرتهن إذا اقترن بإذن
المرتهن، نفذ، فلو أذن له في الوطئ، حل له الوطؤ.
ثم إن وطئ ولم يحبل، فالرهن بحاله. وإن أحبل، فكذلك عندنا.
وأما عند الشافعية فإنه - كالعتق والبيع بالإذن - يبطل معه الرهن،
وينفذ التصرف (3).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 318، العزيز شرح الوجيز 4: 493، روضة الطالبين
3: 322.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 494، روضة الطالبين 3: 322.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 320، العزيز شرح الوجيز 4: 494، روضة الطالبين
3: 323.
228

ويجوز أن يرجع المرتهن عن الإذن قبل تصرف الراهن، كما يجوز
للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل. وإذا رجع، فالتصرف بعده كما لو
لم يكن إذن.
ولو أذن في الهبة والإقباض ورجع قبل الإقباض، صح، وامتنع
الإقباض؛ لأن تمام الهبة بالإقباض.
ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن، لم يصح
رجوعه - وهو أصح وجهي الشافعية (1) - لأن مبنى البيع على اللزوم،
والخيار داخل [و] (2) إنما يظهر أثره في حق من له الخيار، والهبة الركن
الأقوى فيها الإقباض.
والثاني: يصح رجوعه؛ لأن العقد لم يلزم بعد، كالهبة قبل
الإقباض (3).
ولو رجع المرتهن ولم يعلم به الراهن فتصرف، ففي نفوذه وجهان
مبنيان على أن الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر؟ الأصح: الانعزال،
وهو أصح وجهي الشافعية (4).
ولو باع بإذنه، انفسخ الرهن، ولا تجب عليه قيمته مكانه.
ولو أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات، لم تجب
عليه قيمته؛ لأنه أتلفه بإذنه. وإن ضربه بغير إذنه فمات، لزمته قيمته،
بخلاف ما إذا ضرب الزوج امرأته أو الإمام إنسانا تعزيرا؛ لأن المأذون فيه

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 494، روضة الطالبين 3: 323.
(2) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 494، روضة الطالبين 3: 323.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 494.
229

هناك ليس مطلق الضرب، بل هو ضرب التأديب، وهنا أيضا لو قال: أدبه،
فضربه حتى هلك، ضمن.
مسألة 162: لو أحبل الراهن أو باع أو أعتق وادعى إذن المرتهن
فأنكر، قدم قول المرتهن مع يمينه؛ لأصالة عدم الإذن وبقاء الرهن، فإن
حلف، فهو كما لو تصرف بغير إذنه. وإن نكل فحلف الراهن، فهو كما لو
تصرف بإذنه. وإن نكل، قال الشيخ (رحمه الله): لا ترد اليمين على الجارية؛ لعدم
دليل عليه (1).
وللشافعية في رد اليمين على الجارية والعبد طريقان: أحدهما: فيه
قولان، كما لو نكل الوارث عن يمين الرد هل يحلف الغرماء؟ وأشبههما:
القطع بالرد؛ لأن الغرماء يثبتون الحق للميت أولا، والجارية والعبد يثبتان
لأنفسهما (2).
ولو وقع هذا الخلاف بين الراهن وورثة المرتهن، حلفوا على نفي
العلم. ولو جرى بين المرتهن وورثة الراهن، حلفوا يمين الرد على القطع،
فيحلف ورثة المرتهن أنه لا يعلم أن مورثه أذن للراهن، لأنه ينفي فعل
الغير، فيحلف على نفي العلم، ويحلف ورثة الراهن على القطع؛ لأنه
يحلف على إثبات الإذن، والحلف على إثبات فعل الغير حلف على القطع.
وأما الراهن والمرتهن فإنهما يحلفان على القطع.
وهل يثبت إذن المرتهن برجل وامرأتين؟ للشافعية وجهان، والقياس
عندهم: المنع، كالوكالة والوصاية (3).

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 207.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 494 - 495، روضة الطالبين 3: 323.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 495، روضة الطالبين 3: 323.
230

مسألة 163: إذا حصل عند الجارية المرهونة ولد، فادعى الراهن أنه
وطئها بالإذن، فأتت بهذا الولد مني وهي أم ولد، فقال المرتهن: بل هو من
زوج أو من زنا، قدم قول الراهن إذا سلم المرتهن أربعة أشياء: الإذن في
الوطئ، والوطء، وأنها ولدت، ومضي مدة إمكان الولد منه، وهي ستة
أشهر من حين الوطئ إلى حين الولادة، وكانت الجارية أم ولد الراهن،
والولد حر لاحق بأبيه الراهن، ثابت النسب منه، ولا يمين على الراهن هنا؛
لأن المرتهن قد أقر بما يوجب إلحاق الولد بالراهن، وكونها أم ولده؛ لأنه
أقر بوطئها، وأنها ولدت لستة أشهر من ذلك الوطئ، ومع هذا لا يصدق
على أن الولد من غيره، وإذا أقر الراهن بأن الولد منه، لم يقبل رجوعه
فكيف يحلف عليه!
ولو منع المرتهن الإذن، فقد بينا أن القول قوله.
ولو سلمه ومنع الوطء، قال الشيخ: الأصح أن القول قول المرتهن
مع يمنه أنه لم يطأها (1). وهو قول بعض الشافعية (2).
وقال آخرون: الأصح أن القول قول الراهن؛ لأنه أخبر عما يقدر على
إنشائه (3).
ولو سلم الإذن والوطء وأنكر الولادة وقال: ما ولدته ولكن التقطته أو
استعارته، فالقول قوله، وعلى الراهن البينة على الولادة.
ولو سلم الولادة أيضا وأنكر مضي مدة الإمكان - بأن قال: ولدته من
وقت الوطئ لما دون ستة أشهر - فالقول قوله أيضا مع يمينه.
ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الأمور بالمنع أو التسليم واقتصر على

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 207.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 495، روضة الطالبين 3: 324.
231

إنكار الاستيلاد، فالقول قوله مع اليمين، وعلى الراهن إثبات هذه الوسائط.
ولو حلف في هذه المسائل، كان الولد حرا، وكان نسبه لاحقا
بالراهن؛ لإقراره بذلك، وحق المرتهن لا يتعلق به.
وأما الجارية فلا تصير أم ولد في حق المرتهن، وتباع في دينه، فإذا
رجعت إلى الراهن، كانت أم ولد، فلا يجوز له بيعها وهبتها مع وجود
ولدها.
وكذا لو قال الراهن: أعتقتها بإذنك، وقال المرتهن: لم آذن لك فيه،
وحلف وبيعت في دينه ثم ملكها الراهن، عتقت عليه؛ لأنه أقر بأنها حرة
بإيقاع العتق.
مسألة 164: إذا أعتق أو وهب بإذن المرتهن، بطل حقه من الرهن،
سواء كان الدين حالا أو مؤجلا، وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه.
ولو باع بإذنه والدين مؤجل، فكذلك، خلافا لأبي حنيفة حيث قال:
يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضي الدين (1).
وقال الشافعي: لا يلزمه، قياسا على العتق والهبة (2).
ولو كان الدين حالا، قال الشافعي: قضى حقه من ثمنه، وحمل إذنه
المطلق على البيع في عرضه لمجئ وقته (3).
والشيخ أطلق وقال: لو باع بإذنه، انفسخ الرهن، ولا يجب عليه
جعل قيمته مكانه.
ثم قال (رحمه الله): لو أذن له بالبيع مطلقا بعد محل الحق فباع، صح البيع،
وكان ثمنه رهنا مكانه حتى يقضى منه أو من غيره؛ لأن عقد الرهن يقتضي

(1 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 495.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 495، روضة الطالبين 3: 324.
232

بيع الرهن عند محله عند امتناع من عليه الدين من بدله (1).
ولو أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه، صح البيع
والشرط عندنا؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (2) ولا فرق بين أن
يكون الدين حالا أو مؤجلا، وعلى الراهن الوفاء بالشرط - وبه قال المزني
وأبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي وأصحاب أحمد (3) - لأن الرهن قد
ينتقل من العين إلى البدل شرعا، كما لو أتلف المرهون، فجاز أن ينتقل إليه
شرطا.
والثاني - وهو الأصح عند بعضهم -: أنها فاسدة. أما الشرط: فلأن
الثمن مجهول عند الإذن، فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالا آخر
مجهولا، وإذا بطل الشرط بطل الإذن، فإنه وقف الإذن على حصول الوثيقة
في البدل، وإذا بطل الإذن، بطل البيع (4).
وتمنع الجهالة.
ولو أذن في الإعتاق بشرط أن يجعل القيمة رهنا، أو في الوطئ بهذا
الشرط إن أحبل، ففيه القولان (5).
ولو أذن في البيع بشرط أن يعجل حقه من ثمنه وهو مؤجل، صح

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 209 و 210.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 30، حلية العلماء 4: 446، العزيز شرح الوجيز 4:
495، روضة الطالبين 3: 324.
(4) حلية العلماء 4: 446، العزيز شرح الوجيز 4: 495 - 496، روضة الطالبين 3:
324.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 3: 324.
233

عندنا؛ لأنه شرط سائغ تدعو الحاجة إليه، وبه قال أبو حنيفة والمزني
وأصحاب أحمد، إلا أنهم قالوا: يصح البيع والإذن، ويجعل الثمن رهنا
مكانه؛ لأن فساد الشرط لا يوجب فساد الإذن في البيع، فإنه لو وكل وكيلا
يبيع عبده على أنه له عشر ثمنه، صح الإذن والبيع مع أن الشرط فاسد؛
لكون الأجرة مجهولة، ويرجع الوكيل إلى أجرة المثل (1).
وقال الشافعي: يفسد الإذن والبيع بفساد الشرط.
ثم فرق بأن الموكل لم يجعل لنفسه في مقابلة الإذن شيئا، وإنما
شرط للوكيل جعلا مجهولا، فاقتصر الفساد عليه، وهنا المرتهن شرط
لنفسه شيئا في مقابلة إذنه، وهو تعجيل الحق، فإذا فسد، [فسد] (2)
ما يقابله (3).
وخرج أبو إسحاق من الشافعية قولا (4) آخر كما في المسألة السابقة،
وهي: ما إذا باع الراهن بإذن المرتهن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهنا،
فإن فيها قولين، كذا هنا.
وقدح جماعة في هذا التخريج، قالوا: لأن الشرط صحيح في المسألة
الاولى على قول، فصح الإذن المقابل له، وهنا الشرط فاسد قولا واحدا،
فلا يمكن تصحيح ما يقابله (5).
وعندنا الشروط هنا صحيحة لازمة.
مسألة 165: لو اختلفا، فقال المرتهن: أذنت في البيع بشرط أن ترهن

(1) حلية العلماء 4: 447، العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 3: 324.
(2) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(3) حلية العلماء 4: 447، العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 4: 324.
(4) حلية العلماء 4: 447، العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 3: 324.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 496، وانظر: حلية العلماء 4: 447.
234

الثمن، وقال الراهن: بل أذنت مطلقا، فالقول قول المرتهن، كما لو اختلفا
في أصل الإذن.
ثم إن كان الاختلاف قبل البيع، فليس له البيع، قاله الشافعية (1).
والأقوى أن له البيع إذا جعل الثمن رهنا.
وإن كان بعد البيع وحلف المرتهن، فعلى قولنا يصح الإذن، فيكون
على [الراهن] (2) رهن الثمن، وهو أحد قولي الشافعي (3).
وعلى الآخر - وهو بطلان الإذن -: إن صدق المشتري المرتهن،
فالبيع مردود، وهو مرهون كما كان. وإن كذبه، نظر إن أنكر أصل الرهن،
حلف، وعلى الراهن أن يرهن قيمته. وإن أقر بكونه مرهونا وادعى مثل
ما ادعاه الراهن، فعليه رد المبيع، ويمين المرتهن حجة عليه. ولو أقام
المرتهن بينة على أنه كان مرهونا، فهو كما لو أقر المشتري به (4).
مسألة 166: المديون إذا خلف تركة، فالأقوى انتقالها بالإرث إلى
ورثته؛ إذ لا يصح نقلها إلى الغرماء إجماعا، ولهذا لو أبرأوا الميت، سقط
حقهم منها، وللوارث القضاء من غيرها، ولا بقاؤها على ملك الميت؛
لعدم صلاحيته، ولا إلى الله تعالى، وإلا لصرفت إلى المساكين، فإنهم
مصب أمواله تعالى، ولا إلى غير مالك، فتعين انتقالها إلى الورثة.
نعم، إن للديون تعلقا بها؛ لأنه تعالى إنما جعل لهم التصرف بعد

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 31، العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 3:
324.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " المرتهن ". والصحيح ما
أثبتناه.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 496، روضة الطالبين 3: 324.
235

الدين والوصية (1).
وفي كيفية التعلق احتمال أنه كتعلق الأرش برقبة الجاني؛ لأن كل
واحد منهما يثبت شرعا من غير اختيار المالك، وأنه كتعلق الدين
بالمرهون؛ لأن الشارع إنما أثبت هذا التعلق نظرا للميت لتبرأ ذمته، فاللائق
به أن لا يسلط الوارث عليه.
وللشافعي قولان كالاحتمالين، والثاني عندهم أظهر (2).
فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر، لم يصح، سواء جعلناه كالعبد
الجاني أو كالمرهون.
وفي الإعتاق للشافعية خلاف (3).
وإن كان موسرا، نفذا في أحد وجهي الشافعي بناء على أن التعلق
كتعلق الأرش، ولم ينفذا في وجه بناء على أن التعلق كتعلق الدين
بالرهن (4).
ولهم وجه ثالث، وهو: أنهما موقوفان إن قضى الوارث الدين، تبينا
النفوذ، وإلا فلا.
ولا فرق بين أن يكون الدين مستغرقا للتركة أو يكون أقل منها على
أظهر الوجهين، كما هو قياس الديون والرهون (5).
والثاني: أنه إن كان الدين أقل، نفذ تصرف الوارث إلى أن لا يبقى إلا قدر
الدين؛ إذ في إثبات الحجر في مال كثير بشئ يسير جدا بعد (6).
وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث، فلو لم يكن في التركة دين
ظاهرا فتصرف ثم ظهر دين بأن كان قد باع شيئا وأكل ثمنه فرد بالعيب ولزم

(1) النساء: 11 و 12.
(2 - 6) العزيز شرح الوجيز 4: 497، روضة الطالبين 3: 325.
236

رد الثمن، أو تردى مترد في بئر كان قد احتفرها عدوانا، فوجهان:
أحدهما: أنه يتبين فساد التصرف إلحاقا لما ظهر من الدين بالدين
المقارن؛ لتقدم سببه.
والثاني: أنه لا يتبين؛ لأنه كان مسوغا لهم ظاهرا (1).
فعلى هذا إن أدى الوارث الدين، فذاك، وإلا فوجهان:
أظهرهما: أنه يفسخ ذلك التصرف ليصل المستحق إلى حقه.
والثاني: لا يفسخ، ولكن يطالب الوارث بالدين، ويجعل
كالضامن (2).
وعلى كل حال فللوارث أن يمسك عين التركة ويؤدي الدين من
خالص ماله.
نعم، لو كان الدين أكثر من التركة، فقال الوارث: آخذها بقيمتها،
والتمس الغرماء بيعها على توقع زيادة راغب، فالأقوى: إجابة الوارث؛ لأن
الظاهر أنها لا تشترى بأكثر من القيمة، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: إجابة الغرماء.
وبنوا الوجهين على أن السيد يفدي العبد الجاني بأرش الجناية أو
بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية؟ (3).
وفي تعلق حقوق الغرماء بزوائد التركة - كالكسب والنتاج - خلاف،
والوجه: المنع.
وللشافعية وجهان متفرعان على ما مر من أن الدين هل يمنع

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 497، روضة الطالبين 3: 325.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 497 - 498، روضة الطالبين 3: 325.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 498، روضة الطالبين 3: 325 - 326.
237

الميراث؟ إن منعه، ثبت التعلق، وإلا فلا (1).
النظر الثاني: في منع المرتهن.
مسألة 167: الرهن وثيقة لدين المرتهن، فإن جعلنا القبض شرطا
وكان لازما، استحق المرتهن إدامة اليد، ولا تزال يده إلا للانتفاع على
خلاف سبق (2)، ثم يرد إليه ليلا، وإن كان العبد ممن يعمل بالليل
كالحارس، رد إليه نهارا.
ولو شرطا في الابتداء وضعه على يد ثالث، صح ولزم؛ لأنه ربما
لا يثق أحدهما بالآخر، ويثقان به.
ولو شرطا وضعه عند اثنين، جاز أيضا.
ثم إن شرطا أن لكل منهما التفرد بالحفظ أو الاجتماع على الحفظ في
حرز، اتبع الشرط.
وإن أطلقا، لم يكن لأحدهما التفرد بالحفظ، كما لو أوصى إلى اثنين
أو وكلهما بشئ، لا يستقل أحدهما - وهو أصح وجهي الشافعية - فحينئذ
يجعلانه في حرز لهما.
والثاني: يجوز الانفراد لئلا يشق عليهما، فحينئذ إن اتفقا على كونه
عند أحدهما، جاز. وإن تنازعا والرهن مما ينقسم، قسم، وحفظ كل واحد
نصفه. وإن كان مما لا ينقسم، تناوبا في حفظه بالزمان (3).
ولو قسماه بالتراضي وقلنا بالثاني ثم أراد أحدهما أن يرد ما في يده

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 498.
(2) في ص 230، ضمن المسألة 160.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 498 - 499، روضة الطالبين 3: 326.
238

على صاحبه، احتمل المنع؛ لاندفاع المشقة بما جرى.
مسألة 168: ليس للمرتهن التصرف في الرهن بشئ من التصرفات
الفعلية والقولية؛ إذ ليس له إلا حق الاستيثاق، فليس له البيع إلا بإذن
الراهن؛ لقول الصادق (عليه السلام) في رجل رهن رهنا إلى غير وقت ثم غاب هل
له وقت يباع فيه رهنه؟ قال: " لا، حتى يجيء " (1).
وكذا غير البيع من التصرفات القولية كالهبة والرهن وغيرهما، وكذا
التصرفات الفعلية يمنع من جميعها إجماعا.
فلو وطئ الجارية المرهونة فإن كان بغير إذن الراهن، كان بمنزلة
وطئ غير المرهونة، إن ظنها زوجته أو أمته، فلا حد، وعليه المهر، والولد
حر لاحق به، وعليه قيمته للراهن يوم سقط حيا. وإن لم يظن ذلك
ولم يدع جهلا، فهو زان، ولا يكون عقد الرهن شبهة فيه، بل يلزمه الحد،
كما لو وطئ المستأجر الجارية المستأجرة.
ويجب المهر إن كانت مكرهة إجماعا.
وإن كانت مطاوعة، فلعلمائنا قولان:
أحدهما: أنه لا يجب - وهو أصح قولي الشافعي (2) - لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
نهى عن مهر البغي (3).
والثاني: الوجوب؛ لأنه بضع مستحق لغير الموطوءة، فلا يسقط

(1) الكافي 5: 234 / 5، الفقيه 3: 197 / 897، التهذيب 7: 169 / 749.
(2) الحاوي الكبير 6: 62، التهذيب - للبغوي - 4: 28، حلية العلماء 4: 478 -
479، العزيز شرح الوجيز 4: 511، روضة الطالبين 3: 338، المغني 4: 443،
الشرح الكبير 4: 489.
(3) صحيح البخاري 3: 110، سنن أبي داود 3: 279 / 3481، سنن النسائي 7:
309.
239

برضاها. ولأنه تصرف في مال الغير، فيجب عليه أرش نقصه. ويجب
عليها الحد.
ولو كانت جاهلة، وجب المهر أيضا وإن كان الواطئ عالما، ويحد
هو دونها.
ولو أحبلها، كان الولد رقيقا لمولاها؛ لأن نسبه لا يثبت من
المرتهن؛ لأنه زان، ويتبع الأم.
ولو ادعى الواطئ الجهالة فإن كانت محتملة - بأن يكون قريب العهد
بالإسلام، أو نشأ في بلد بعيد عنه يجوز خفاء ذلك عليه، أو نشأ في بلد
الكفر - قبلت دعواه.
ثم إن أكرهها أو كانت نائمة، وجب المهر.
وإن طاوعته ولم تدع الجهالة أو ادعت وهي ممن لا تقبل دعواها،
ففي وجوب المهر قولان سبقا (1).
وإن كانت ممن تقبل منها دعوى الجهالة، وجب المهر، وسقط عنها
الحد.
وإذا ادعى الرجل الجهالة في موضع تسمع منه، قبل قوله لدفع الحد
إجماعا.
وهل يقبل لثبوت النسب وحرية الولد ووجوب المهر؟ الأصح ذلك؛
لأن الشبهة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية، وإذا سقط (2)، وجب
المهر.
ولو كان الوطؤ بإذن الراهن فإن كان على صيغة يباح بها البضع،

(1) في ص 242.
(2) أي: سقط الحد.
240

فلا حد ولا مهر. ويلحق به الولد. وفي قيمته قولان.
وإن لم يكن على صيغة يباح بها البضع فإما أن يدعي الجهالة بتحريم
الوطئ أو لا يدعيها، فإن لم يدع، فهو زنا، والحكم كما تقدم.
وللشافعية وجه: أنه لا يحد؛ لأن بعضهم قال بجواز وطئ الجارية
بإذن مالكها. وهو مذهب عطاء بن أبي رباح (1) من التابعين.
وإن ادعاها، قبل منه، وسقط الحد، ولحق به النسب، وكان الولد
حرا إجماعا، ولا تلزمه قيمته.
وقيل: تلزمه قيمته (2).
وكذا القولان في المهر.
والشيخ (رحمه الله) رجح في المبسوط عدم وجوبهما عليه (3).
وقال بعض الشافعية: إن كانت مطاوعة، لم يلزمه المهر؛ لانضمام
إذن المستحق إلى طواعيتها.
وإن كانت مكرهة، فقولان:
أحدهما: عدم الوجوب؛ لأن المستحق (4) قد أذن، فأشبه ما لو زنت
الحرة.
وأصحهما عندهم - وبه قال أبو حنيفة -: يجب؛ لأن وجوب المهر
حيث لا يجب الحد حق الشرع، فلا يؤثر فيه الإذن، كما أن المفوضة
تستحق المهر بالدخول مع تفويضها (5).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 29، العزيز شرح الوجيز 4: 511.
(2) كما في المبسوط - للطوسي - 2: 209.
(3) المبسوط - للطوسي - 2: 209.
(4) أي: مستحق الرهن.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 512.
241

وأما الولد ففي وجوب قيمته لهم طريقان:
أحدهما: أنه على القولين في المهر.
والثاني - وهو الأصح عندهم -: الوجوب جزما.
والفرق أن الإذن في الوطئ رضا بإتلاف المنفعة جزما، وليس رضا
بالإحبال جزما. ولأن الإذن لا أثر له في حرية الولد، وإنما الموجب لها ظن
الواطئ فحسب (1).
وأما الجارية فقال الشيخ (رحمه الله): لا تخرج من الرهن في الحال، وإذا
بيعت في الرهن ثم ملكها المرتهن، فإنها أم ولده (2).
وفيه نظر.
وقال الشافعي: لا تصير الجارية أم ولد للمرتهن بحال، فإن ملكها
يوما من الدهر فقولان (3).
ولو ادعى المرتهن بعد الوطئ أن الراهن كان قد باعها منه أو وهبها (4)
وأقبضها، وأنكر الراهن، فالقول قوله مع يمينه، فإن حلف، فهي والولد
رقيقان له. ثم لو ملكها يوما من الدهر، فهي أم ولد له على قول (5)، والولد
حر؛ لاقراره السابق، كما لو أقر بحرية عبد الغير ثم اشتراه، فإن نكل
الراهن وحلف المرتهن، فالولد حر وهي أم ولد له.
مسألة 169: ليس للمرتهن بيع الرهن، فإن حل الدين وطالب

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 512.
(2) المبسوط - للطوسي - 2: 209.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 29، العزيز شرح الوجيز 4: 512، روضة الطالبين 3:
339.
(4) في الطبعة الحجرية و " ج ": " رهنها " بدل " وهبها ". والصحيح ما أثبتناه.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 512.
242

المرتهن، كان على الراهن إيفاء الحق، فإن قضاه من غيره، انفك الرهن،
وإلا طولب ببيعه، فإن امتنع فإن كان وكيلا في البيع، باع بالوكالة، وإلا باعه
بإذن الراهن، فإن تعذر، أذن له الحاكم في البيع أو ولاه غيره، أو أجبر
الراهن على القضاء أو البيع بنفسه أو بوكيله.
ويقدم المرتهن في الثمن على سائر الغرماء، سواء كان الراهن حيا أو
ميتا، وسواء كان موسرا أو معسرا، وسواء خلف وفاء لباقي الديان أو لا،
وسواء كان الرهن دارا يسكنها الراهن أو لا.
والرواية التي رواها ابن فضال عن إبراهيم بن عثمان عن
الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: رجل لي عليه دراهم وكانت داره رهنا فأردت
أن أبيعها، فقال: " أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه " (1) محمولة على
الكراهية، مع أنا نمنع السند؛ فإن ابن فضال ضعيف.
وإنما يبيعه (2) الراهن أو وكيله بإذن المرتهن، فلو لم يأذن وأراد
الراهن بيعه، قال له الحاكم: ائذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه، أو أبرئه.
ولو طلب (3) المرتهن بيعه وامتنع الراهن ولم يقض الدين، أجبره
الحاكم على قضائه أو البيع إما بنفسه أو بوكيله، فإن أصر، باعه الحاكم، وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: لا يبيعه، ولكن يحبس الراهن حتى يبيع (5).

(1) الكافي 5: 237 / 21، التهذيب 7: 170 / 754.
(2) في " ج ": " يبيع ".
(3) في " ج ": " طالب ".
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 63، العزيز شرح الوجيز 4: 500، روضة الطالبين 3:
328، المغني 4: 488.
(5) تحفة الفقهاء 3: 43، بدائع الصنائع 6: 148، التهذيب - للبغوي - 4: 63،
العزيز شرح الوجيز 4: 500، المغني 4: 488.
243

ولو كان الراهن غائبا، أثبت المرتهن الرهن عند الحاكم حتى يبيعه.
فإن لم تكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم، فله بيعه بنفسه، كما أن من
ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة له، يبيعه،
ويأخذ حقه من ثمنه.
مسألة 170: لو أذن الراهن للمرتهن في بيع الرهن بنفسه، صح الإذن.
فإن باع بالإذن، صح البيع، سواء كان الراهن حاضرا وقت البيع أو غائبا.
وللشافعي وجهان إذا باع في الغيبة:
أحدهما: كما قلناه من الصحة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -
كما لو أذن له في بيع مال آخر.
وأصحهما عندهم: المنع؛ لأنه يبيعه لغرض نفسه، فيكون متهما في
الاستعجال وترك النظر (1).
وإن باعه بحضوره، صح؛ لانقطاع التهمة، وهو ظاهر قول الشافعي
حيث قال: ولو شرط للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه، لم يجز أن يبيع
بنفسه إلا بأن يحضر رب الرهن (2).
وفيه وجه: أنه لا يصح أيضا؛ لأنه توكيل فيما يتعلق بحقه، فعلى
هذا لا يصح توكيله ببيعه أصلا.
ويتفرع عليه أنه لو شرط ذلك في ابتداء الرهن، فإن كان الرهن
مشروطا في بيع، فالبيع باطل وإن كان رهن تبرع، فعلى القولين في
الشروط الفاسدة النافعة للمرتهن أنها هل تبطل الرهن؟ (3).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 63، العزيز شرح الوجيز 4: 500، روضة الطالبين 3: 328.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 500، روضة الطالبين 3: 328.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3: 328.
244

ولو أذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة، فهو كإذن الراهن
للمرتهن. وكذا إذن السيد للمجني (1) عليه في بيع العبد الجاني.
والحق عندنا صحة البيع في الغيبة والحضور، وصحة التوكيل، عملا
بمقتضى العقود.
مسألة 171: لو قال الراهن للمرتهن: بع المرهون لي واستوف الثمن
ثم استوفه لنفسك، صح البيع والاستيفاء للراهن، ثم لا يحصل الاستيفاء
لنفسه بمجرد إدامة اليد والإمساك؛ لأن قوله: " ثم استوف لنفسك " مشعر
بإحداث فعل، فلا بد إذن من وزن جديد أو كيل جديد.
ولو كانت الصيغة: " ثم أمسكه لنفسك " فلا بد من إحداث فعل أيضا
عند بعض الشافعية (2).
وقال بعضهم: يكفي مجرد الإمساك (3).
والأول أظهر عندهم (4).
ثم إذا استوفاه لنفسه، فيه وجهان؛ لاتحاد القابض والمقبض، فإن
صححناه، - وهو الأقوى عندي - برئت ذمة الراهن عن الدين، والمستوفى
من ضمانه. وإن أفسدناه - وهو الأصح عندهم (5) - لم يبرأ، ولكن يدخل
المستوفى في ضمانه أيضا؛ لأن القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء
الضمان.
ولو قال: بعه لي واستوف الثمن لنفسك، صح البيع، ولم يصح
استيفاء الثمن عند الشافعي؛ لأنه ما لم يصح قبض للراهن لا يتصور منه

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " المجني ". والظاهر ما أثبتناه.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 527، روضة الطالبين 3: 329.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 527، روضة الطالبين 3: 328.
245

القبض لنفسه، وهنا كما قبضه يصير مضمونا عليه (1).
والوجه: الصحة؛ لأن قوله: " استوف الثمن لنفسك " يتضمن التوكيل.
ولو قال: بعه لنفسك، فللشافعي قولان:
أصحهما: أن هذا الإذن باطل، ولا يمكن من البيع؛ لأنه لا يتصور أن
يبيع الإنسان مال غيره لنفسه.
والثاني: أنه يصح، اكتفاء بقوله: " بعه " وإلغاء لقوله: " لنفسك ".
وأيضا فإن السابق إلى الفهم منه الأمر بالبيع لغرضه، وهو التوصل (2) به إلى
قضاء الدين (3).
ولو أطلق وقال: بعه، ولم يقل: " لي " ولا " لنفسك " فللشافعية
وجهان:
أصحهما: صحة الإذن والبيع ووقوعه للراهن، كما لو قال لأجنبي: بعه.
والثاني: المنع؛ لأن البيع مستحق للمرتهن بعد حلول الحق، والكلام
مفروض فيه، وإذا كان كذلك يقيد الإذن به، وصار كأنه قال: بعه لنفسك.
ولأنه متهم في ترك النظر استعجالا للوصول إلى الدين.
وعلى التعليلين لو كان الدين مؤجلا فقال: بعه، صح الإذن؛ لعدم
الاستحقاق والتهمة، فإن قال: بعه واستوف حقك من ثمنه، جاءت التهمة (4).
وهذا عندنا ليس بشئ.
ولو قدر له الثمن، لم يصح عندهم على التعليل الأول، وصح على
الثاني. وكذا لو كان الراهن حاضرا عند البيع (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 527، روضة الطالبين 3: 329.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " التوسل ". والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 527، روضة الطالبين 3: 329.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 527 - 528، روضة الطالبين 3: 329.
246

الفصل الرابع: في حكم الرهن في الضمان
مسألة 172: الرهن في يد المرتهن أمانة لا يسقط بتلفه شيء من
الدين، ولا يلزمه ضمانه، إلا إذا تعدى فيه، عند علمائنا أجمع - وبه قال
علي (عليه السلام) وعطاء والزهري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأحمد وابن
المنذر (1) - لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا يغلق الرهن، الرهن
من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه " (2).
والمراد بالغنم الاستفادة والنماء والزيادة، والغرم: النقصان والتلف.
ومعنى " من صاحبه " أنه من ضمان صاحبه. ومعنى " لا يغلق " أي لا يملكه
المرتهن بالارتهان.
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام) وقد سأله عبيد بن زرارة:
رجل رهن سوارين فهلك أحدهما، قال: " يرجع عليه فيما بقي " (3).
وعن الحلبي في الرجل يرهن عند الرجل رهنا فيصيبه شيء أو
يضيع (4)، قال: " يرجع بما له عليه " (5).

(1) المغني 4: 478، الشرح الكبير 4: 444، مختصر المزني: 101، الحاوي
الكبير 6: 254، الوجيز 1: 166، العزيز شرح الوجيز 4: 508، الوسيط 3:
509، حلية العلماء 4: 458، التهذيب - للبغوي - 4: 53، بداية المجتهد 2: 276.
(2) المغني 4: 479، الشرح الكبير 4: 445.
(3) التهذيب 7: 170 / 758، الاستبصار 3: 118 / 422.
(4) في الكافي: " ضاع ".
(5) الكافي 5: 235 / 11، التهذيب 7: 170 / 757، الاستبصار 3: 118 / 421.
247

ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن، كالزيادة على قدر الدين، وكالكفيل
والشاهد. ولأنه مقبوض بعقد واحد بعضه أمانة فكان جميعه أمانة،
كالوديعة. ولأن الرهن شرع وثيقة للدين، فهلاك محله لا يسقط (1)، كموت
الكفيل.
وروي عن شريح والنخعي والحسن البصري أن الرهن يضمن بجميع
الدين وإن كان أكثر من قيمته؛ لأنه روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الرهن
بما فيه " (2) (3).
وهو محمول على التعدي.
وقال مالك: إن كان تلفه بأمر ظاهر - كالموت والحريق - فمن ضمان
الراهن. وإن ادعى تلفه بأمر خفي، لم يقبل قوله، وضمن (4).
ويبطل بأن ما لا يضمن به العقار لا يضمن به الذهب.
ونقل عنه أيضا أن ما يظهر هلاكه - كالحيوان والعقار والأشجار -
أمانة، وما يخفى هلاكه - كالنقود والعروض - مضمون بالدين؛ لأنه متهم
فيه (5).
وقال الثوري وأصحاب الرأي: يضمنه المرتهن بأقل الأمرين من

(1) أي: لا يسقط الدين. ولعلها: " لا يسقطه ".
(2) المراسيل - لأبي داود -: 135 / 4، سنن الدار قطني 3: 32 / 124، سنن البيهقي
6: 40.
(3) المغني 4: 478 - 479، الشرح الكبير 4: 444 - 445، حلية العلماء 4: 459،
المبسوط - للسرخسي - 21: 65، بدائع الصنائع 6: 160، النتف 2: 608،
أحكام القرآن - للجصاص - 1: 527.
(4) الحاوي الكبير 6: 255، المغني 4: 479، الشرح الكبير 4: 445.
(5) الكافي في فقه أهل المدينة: 412 - 413، حلية العلماء 4: 459، العزيز شرح
الوجيز 4: 508.
248

قيمته أو قدر الدين، فإن كانت قيمته أقل، سقط بتلفه من الدين قدر
قيمته، وإلا سقط الدين فلا يضمن الزيادة. ورووه عن عمر بن الخطاب؛
لما رواه عطاء أن رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
فأخبره بذلك، فقال: " ذهب حقك ". ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء،
فيضمنها من قبضها كالمبيع إذا حبس لاستيفاء ثمنه (1).
وحديث عطاء مرسل. قال الدار قطني: يرويه إسماعيل بن أمية،
وكان كذابا (2).
وقيل: يرويه مصعب بن ثابت، وكان ضعيفا (3).
ويحتمل أنه أراد: ذهب حقك من الوثيقة، بدليل أنه لم يسأل عن
قدر الدين وقيمة الفرس.
إذا عرفت هذا، فلو شرط الراهن أن يكون مضمونا على المرتهن،
لم يصح الشرط، وكان فاسدا، ويصح الرهن.
ولو فرط المرتهن في الحفظ أو تعدى فيه، كان ضامنا له.
مسألة 173: إذا برئ الراهن عن الدين بأداء أو إبراء أو حوالة، كان
الرهن أمانة أيضا في يد المرتهن، ولا يصير مضمونا عليه، إلا إذا طلبه
الراهن وامتنع من الرد بعد المطالبة.

(1) المغني 4: 479، الشرح الكبير 4: 445، المبسوط - للسرخسي - 21: 64 -
65، بدائع الصنائع 6: 160، حلية العلماء 4: 458، العزيز شرح الوجيز 4:
508.
(2) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني 4: 479، والشرح الكبير 4: 445، وانظر: سنن
الدار قطني 3: 32، ذيل الحديث 124.
(3) كما في المغني 4: 479، والشرح الكبير 4: 445.
249

وقال بعض الشافعية: يكون المرتهن بعد الإبراء كمن [طيرت] (1)
الريح ثوبا إلى داره حتى يعلم المرتهن به أو يرده؛ لأنه لم يرض بيده إلا
على سبيل الوثيقة (2).
وبالجملة، فالرهن بعد القضاء أو الإبراء أو شبهه أمانة في يد
المرتهن، عند علمائنا، وبه قال الشافعي وأحمد (3).
وقال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضمونا. وإذا أبرأه أو وهبه، لم يكن
مضمونا استحسانا (4).
وهو تناقض؛ فإن القبض المضمون منه لم يزل ولم يبرأ منه.
وعندنا أنه كان أمانة، وبقي على ما كان عليه، وليس عليه رده؛ لأنه
أمسكه بإذن مالكه، ولا يختص بنفعه، فهو كالوديعة، بخلاف العارية
المضمونة، فإنه يختص بنفعها، وبخلاف ما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا،
لزمه رده إلى مالكه؛ لأن مالكه لم يأذن في إمساكه.
ولو سأل مالكه في هذه الحال دفعه إليه، لزم من هو في يده من
المرتهن أو العدل دفعه مع الإمكان، فإن لم يفعل، صار ضامنا، كالمودع إذا
امتنع من رد الوديعة عند طلبها.
ولو كان امتناعه لعذر - مثل أن يكون بينه وبينه طريق مخوف أو باب
مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت صلاة واجبة، أو كان به مرض أو

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " طير ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 508، روضة الطالبين 3: 335.
(3) حلية العلماء 4: 459، العزيز شرح الوجيز 4: 508، روضة الطالبين 3: 335،
المغني 4: 479، الشرح الكبير 4: 445.
(4) بدائع الصنائع 6: 155، حلية العلماء 4: 459، المغني 4: 479، الشرح الكبير
4: 445 - 446.
250

جوع شديد وشبهه - فأخر التسليم لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنه
لا تفريط منه، فأشبه المودع.
مسألة 174: إذا فسد الرهن وقبضه المرتهن، لم يكن عليه ضمان؛
لأنه قبضه بحكم أنه رهن، وكل عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده
كذلك، وكل عقد كان صحيحه مضمونا ففاسده مثله.
أما الأول: فلأن الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه.
وأما الثاني: فلأن من أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك، ولم يلتزم
بالعقد ضمانا، ولا يكاد يوجد التسليم والتسلم إلا من معتقدي الصحة.
إذا عرفت هذا، فإن أعار المرهون من المرتهن لينتفع به، ضمنه عند
الشافعي؛ لأن العارية مضمونة عنده (1)، ولا يضمنه عندنا ولا عند أبي
حنيفة (2)؛ لأن العارية غير مضمونة.
فإذا كان الرهن أرضا وأذن الراهن له في الغراس بعد شهر، فهي بعد
الشهر عارية، وقبله أمانة.
فإن غرس قبل الشهر، قلع؛ لأنه متعد فيه وظالم، وقال (عليه السلام): " ليس
لعرق ظالم حق " (3).
ولو غرس بعده، فقد غرسه بإذن الراهن؛ لأنه ملكه إياه بعد انقضاء
الشهر، فكان مأذونا له في التصرف.
وإن كان البيع فاسدا فإن أراد المرتهن قلعه ونقله، كان له؛ لأنه عين

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 508، روضة الطالبين 3: 336.
(2) بدائع الصنائع 6: 156، العزيز شرح الوجيز 4: 508.
(3) صحيح البخاري 3: 140، سنن أبي داود 3: 178 / 3073، سنن الترمذي 3:
662 / 1378، مسند أحمد 6: 447 / 22272.
251

ماله. وإن امتنع من قلعه، تخير الراهن بين أن يقره في أرضه، فتكون
الأرض للراهن والغرس للمرتهن، وبين أن يعطيه ثمن الغراس، فيكون
الجميع للراهن، وبين أن يطالبه بقلعه على أن يضمن له ما نقص [من] (1)
الغراس بالقلع، قاله الشيخ (2) (رحمه الله).
وهو جيد، إلا في قوله: " إن له أن يعطيه ثمن الغراس " فإن الأقوى
عندي افتقاره إلى رضا المالك.
والبناء كالغرس.
مسألة 175: الشروط المقترنة بعقد الرهن ضربان: صحيحة وفاسدة.
فالصحيحة ما كان من مقتضى عقد الرهن، مثل أن يشترط كونه على
يد المرتهن أو على يد عدل عينه أو عدلين أو أكثر، أو أن يبيعه العدل عند
حلول الحق، أو يشترط منافعه للراهن، فهذه الشروط لا تؤثر في العقد؛
لأنها تأكيد لما اقتضاه، ولا نعلم في صحة هذه الشروط خلافا.
ولو شرط أن يبيعه المرتهن، صح الشرط والرهن - وبه قال أبو حنيفة
ومالك وأحمد (3) - لأن ما جاز توكيل غير المرتهن فيه جاز توكيل المرتهن،
كبيع عين أخرى.
وقال الشافعي: لا يصح؛ لأنه توكيل فيما يتنافى فيه الغرضان،
فلم يصح، كما لو وكله في بيعه من نفسه.
وبيان التنافي أن الراهن يريد الصبر على المبيع والاحتياط في توفير

(1) ما بين المعقوفين من المبسوط للطوسي.
(2) المبسوط - للطوسي - 2: 244.
(3) حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح الوجيز 4: 500، المغني 4: 464، الشرح
الكبير 4: 456.
252

الثمن، والمرتهن يريد تعجيل الحق وإنجاز البيع (1).
ولا يضر اختلاف الغرضين إذا كان غرض المرتهن مستحقا له، وهو
استيفاء الثمن عند حلول الحق وإنجاز البيع، على (2) أن الراهن إذا وكله مع
العلم بغرضه، فقد سمح له بذلك، والحق له، فلا يمنع من السماحة، كما
لو وكل فاسقا في بيع ماله وقبض ثمنه.
ونمنع عدم جواز توكيله في بيع شيء من نفسه وإن سلمنا فلأن
الشخص الواحد يكون بائعا مشتريا موجبا قابلا قابضا من نفسه، بخلاف
صورة النزاع.
ولو رهن أمته وشرط كونها عند امرأة أو ذي محرم لها أو كونها في
يد المرتهن أو أجنبي على وجه لا يفضي إلى الخلوة بها - مثل أن تكون
لهما زوجات أو سراري، أو محارم معها - جاز؛ لأنه لا يفضي إلى محرم.
وإن لم يكن كذلك، فسد الشرط؛ لإفضائه إلى الخلوة المحرمة،
ولا يؤمن عليها. ولا يفسد الرهن؛ لأنه لا يعود إلى نقص ولا ضرر في حق
المتعاقدين، ويكون حكمه كما لو رهنها من غير شرط، يصح الرهن،
ويجعلها الحاكم على يد من يجوز أن تكون عنده.
وإن كان الرهن عبدا فشرط موضعه أو لم يشرط، جاز.
ولو كان مرتهن العبد امرأة لا زوج لها فشرطت كونه عندها على وجه
يفضي إلى خلوته بها، لم يجز الشرط، وصح الرهن.

(1) المغني 4: 464، الشرح الكبير 4: 456، حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح
الوجيز 4: 500، روضة الطالبين 3: 328.
(2) في " ج ": " وعلى ".
253

وأما الشروط الفاسدة فهي (1) ما ينافي مقتضى عقد الرهن، مثل أن
يشترط أن لا يسلمه إليه على إشكال، أو لا يبيعه عند محل الحق، أو
لا يبيعه إلا بما يرضى به الراهن أو بما يرضى به رجل آخر، أو تكون
المنافع للمرتهن، أو لا يستوفى الدين من ثمنه، فإنها شروط نافت مقتضى
العقد ففسدت.
وكذا إن شرط الخيار للراهن على إشكال، أو أن لا يكون العقد لازما
في [حقه] (2) أو توقيت الرهن، أو يكون رهنا يوما، ويوما لا يكون رهنا،
أو يكون مضمونا على المرتهن أو على العدل.
وهل يفسد الرهن به؟ قال الشيخ (رحمه الله): لا يفسد به الرهن؛ لأصالة
صحة العقد (3).
وقال الشافعي: إن اقتضى الشرط نقصانا من حق المرتهن، بطل عقد
الرهن قولا واحدا، وإن كان زيادة في حق المرتهن، فقولان:
أحدهما: يفسد؛ لأن هذا شرط فاسد فأفسد، كما لو كان نقصانا من
حق المرتهن (4).
وهو الوجه عندي في كل شرط فاسد اقترن بعقد، فإنه يفسده؛ لأن
العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط، فإذا لم يسلم له لم يصح العقد؛ لعدم
الرضا به بدونه.
والثاني: لا يفسده؛ لأن الرهن قد تم، وإنما شرط له زيادة

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " فهو " بدل " فهي " والظاهر ما أثبتناه.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " صفة ". وهي غلط. والصحيح
ما أثبت.
(3) الخلاف 3: 253، المسألة 61.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 317، المغني 4: 465، الشرح الكبير 4: 457.
254

لا يقتضيها، فسقطت الزيادة، وبقي عقد الرهن، بخلاف ما إذا كان نقصانا
من حق المرتهن؛ لأن الرهن لم يتم (1).
فإن قلنا: إن العقد فاسد، فهل يفسد به البيع إذا شرط فيه؟ للشافعي
قولان:
أحدهما: يفسد - وبه قال أبو حنيفة، وهو الأقوى عندي - لأن
الشرط الفاسد إذا اقترن بالعقد أفسده، لأن سقوطه يقتضي رد جزء من
الثمن ترك لأجله، وذلك مجهول.
والثاني: لا يفسد البيع؛ لأن الرهن يقع منفردا عن البيع، فلا يفسد
بفساده، كالصداق مع النكاح (2).
وقال أبو حنيفة: لا يفسد الرهن بالشروط الفاسدة؛ لأنه عقد يفتقر
إلى القبض، فلا يبطل بالشرط الفاسد، كالهبة؛ فإن العمرى يشترط فيها
رجوع الموهوب إليه، ولا يفسدها (3) (4).
مسألة 176: لو رهن وشرط المرتهن أنه متى حل الحق ولم يوفه
الراهن فالرهن له بالدين، أو: فهو مبيع له بالدين، فهو شرط فاسد
بلا خلاف، لقوله (عليه السلام): " لا يغلق الرهن " (5).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 317، المغني 4: 465، الشرح الكبير 4: 457.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 317، العزيز شرح الوجيز 4: 464، روضة الطالبين
3: 301، المغني 4: 464، وتقدم التفصيل المزبور أيضا في ص 96 - 97، ضمن
المسألة 89.
(3) في " ج " والطبعة الحجرية: " ولا يفسده ". والظاهر ما أثبتناه.
(4) راجع: المغني 4: 465، والشرح الكبير 4: 457، وتقدم القول المزبور أيضا
في ص 97، ضمن المسألة 89.
(5) سنن ابن ماجة 2: 816 / 2441، سنن البيهقي 6: 44، شرح معاني الآثار 4:
100 - 101، الكامل - لابن عدي - 7: 2499.
255

قال أحمد: معناه: لا يدفع رهنا إلى رجل (1) ويقول: إن جئتك
بالدراهم إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك (2).
ولأنه علق البيع على شرط، فإنه جعله مبيعا بشرط أن لا يوفيه الحق
في محله، والبيع المعلق بشرط لا يصح، وإذا شرط هذا الشرط، فسد
الرهن؛ لما تقدم في سائر الشروط الفاسدة.
وقال بعض العامة: لا يفسد الرهن؛ لقوله (عليه السلام): " لا يغلق الرهن " (3)
فنفى غلقه دون أصله، فدل على صحته. ولأن الراهن قد رضي برهنه مع
هذا الشرط، فمع بطلانه أولى أن يرضى به (4).
ولو قال: رهنتك هذا على أن تزيدني في الأجل، بطل؛ لأن الأجل
لا يثبت في الدين إلا أن يكون مشروطا في عقد وجب [به] (5) فإذا لم يثبت
الأجل لم يصح الرهن؛ لأنه جعله في مقابلته.
مسألة 177: قد بينا أنه إذا شرط في عقد الرهن أنه إذا حل الأجل فهو
مبيع، أو على أن يكون مبيعا منه بعد شهر، فالرهن والبيع باطلان.
أما الرهن: فلكونه مؤقتا.
وأما البيع: فلكونه مشروطا، ويكون المال أمانة في يده قبل دخول
وقت البيع، وبعده يكون مضمونا؛ لأن البيع عقد ضمان.
وقال بعض الشافعية: إنما يصير مضمونا إذا أمسكه عن جهة البيع،

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " أجل " بدل " رجل ". وما أثبتناه هو الموافق لما في
المصدر، وكما هو نسخة بدل في هامش الطبعة الحجرية.
(2) المغني 4: 466، الشرح الكبير 4: 457 - 458.
(3) تقدم تخريجه في ص 259، الهامش (5).
(4) المغني 4: 466، الشرح الكبير 4: 458.
(5) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
256

أما إذا أمسكه على موجب الدين فلا (1).
والمشهور عندهم: الأول (2).
فلو غرس أو بنى قبل دخول وقت البيع، قلع مجانا. وكذا لو غرس
بعده وهو عالم بفساد البيع.
وإن كان جاهلا، لم يقلع مجانا؛ لوقوعه بإذن المالك، وجهله بعدم
الجواز، فيكون الحكم كما لو غرس المستعير ورجع المعير.
مسألة 178: لو ادعى المرتهن تلف الرهن في يده، قبل قوله مع
اليمين - وبه قال الشافعي (3) - لأنه قد يتعذر عليه إقامة البينة. ولأنه أمين.
وقال مالك: إن خفي هلاكه، لم يقبل (4).
ولو ادعى رده إلى الراهن، فالقول قول الراهن مع يمينه، ولا يقبل
قول المرتهن إلا ببينة؛ لأنه منكر، فعليه اليمين، وبه قال بعض الشافعية؛
لأنه أخذه لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير، بخلاف دعوى التلف؛ لأنه
لا يتعلق بالاختيار، فلا تساعد فيه البينة (5).
قالوا: وكذا الحكم في المستأجر إذا ادعى الرد (6).
ويقبل قول المودع والوكيل بغير جعل مع اليمين؛ لأنهما أخذا المال
لتحقق غرض المالك وقد ائتمنهما.
وأما الوكيل بجعل والمضارب والأجير المشترك إذا لم نضمنه،
للشافعية. فيهم وجهان:

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 509، روضة الطالبين 3: 336.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 509، روضة الطالبين 3: 337، المغني 4: 479،
الشرح الكبير 4: 445.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 509.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 509، روضة الطالبين 3: 337.
257

أحدهما: أنهم مطالبون بالبينة؛ لأنهم أخذوا لغرض أنفسهم في
الأجرة والربح.
وأصحهما عندهم: أنه يقبل قولهم مع اليمين؛ لأنهم أخذوا العين
لمنفعة المالك، وانتفاعهم بالعمل [في العين] (1) لا بالعين، بخلاف المرتهن
والمستأجر (2).
والأولى عندي: الأول
وقال بعضهم: كل أمين مصدق في دعوى الرد، كالمودع، ولا عبرة
لمنفعته في الأخذ، كما لا عبرة [بها] (3) في وجوب الضمان عند التلف،
بخلاف المستعير والمستام (4).
مسألة 179: لو رهن الغاصب العين من إنسان فتلف في يد المرتهن،
فللمالك تضمين الغاصب، وبه قال الشافعي (5).
وهل له أن يطالب المرتهن؟ الحق عندنا: نعم؛ لأن يده متفرعة على
يد الغاصب، والمالك لم يأتمنه، وقال (عليه السلام): " على اليد ما أخذت حتى
تؤدي " (6) وهو أصح وجهي الشافعية. والثاني: المنع؛ لأن يده يد أمانة (7).
وهو ممنوع.

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج ": " بالغير " كما هو الظاهر في الطبعة الحجرية.
وذلك تصحيف، وما أثبتناه هو الصحيح والموافق لما في المصدر.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 509، روضة الطالبين 3: 337.
(3) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 509، روضة الطالبين 3: 337.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 510، روضة الطالبين 3: 337.
(6) سنن ابن ماجة 2: 802 / 2400، سنن أبي داود 3: 296 / 3561، سنن الترمذي
3: 566 / 1266، المستدرك - للحاكم - 2: 47.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 510، روضة الطالبين 3: 337.
258

وعلى ما اخترناه لو رجع المالك على الغاصب، كان للغاصب
الرجوع على المرتهن مع علمه. وإن رجع على المرتهن، كان له الرجوع
على الغاصب مع جهله؛ لأنه غره، وعدمه مع علمه؛ لأنه تلف في يده مع
عدوانه.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: أن الضمان يستقر على المرتهن؛ لحصول التلف عنده،
ونزول التلف منزلة الإتلاف في المغصوبات.
وأظهرهما عندهم: أنه يرجع؛ لتغرير الغاصب إياه، وعدم التعدي
منه (1).
وكذا البحث في المستأجر من الغاصب والمستودع منه والمضارب
والذي دفع المغصوب إليه ووكله ببيعه.
وكل ذلك فيما إذا جهلوا كونه مغصوبا، فإن علموا، فهم غاصبون
أيضا.
والمستعير منه مع التضمين - ومطلقا عند الشافعي (2) - والمستام
يطالبان، ويستقر عليهما الضمان؛ لأن يد كل واحد منهما يد ضمان.
فروع:
أ - لو رهن بشرط أن يكون مضمونا على المرتهن، فسد الرهن
والشرط؛ لما بينا من فساد العقد بفساد الشرط، ثم لا يكون مضمونا عليه.
ب - لو قال: خذ هذا الكيس واستوف حقك منه، فهو أمانة في يده

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 510، روضة الطالبين 3: 337.
259

قبل أن يستوفي حقه منه، فإذا استوفاه منه، كان مضمونا عليه. ولو فضل
منه فضلة، فالأقرب: أنها أمانة.
ولو قال: وفيه دراهم خذه (1) بدراهمك، وكانت الدراهم التي فيه
مجهولة القدر، أو كانت أكثر من دراهمه، لم يملكه، ودخل في ضمانه
بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومة وبقدر حقه، ملكه.
ج - لو قال: خذ هذا العبد بحقك، ولم يكن سلما فقبل، ملكه.
وإن لم يقبل وأخذه، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.
مسألة 180: إذا احتاج الرهن إلى مؤونة يبقى بها الرهن - كنفقة العبد
وكسوته وعلف الدابة - كانت على الراهن؛ لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله)
قال: " الرهن من راهنه، له غنمه، وعليه غرمه " (2).
قوله (عليه السلام): " من راهنه " أي: من ضمان راهنه.
ومن طريق الخاصة: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الظهر يركب إذا كان
مرهونا، وعلى الذي يركبه نفقته، والدر يشرب إذا كان مرهونا، وعلى الذي
يشرب نفقته " (3).
وقد قلنا: إن المرتهن ممنوع من التصرف، وإن المنافع للراهن،
فتكون نفقته عليه.
وفي معناه سقي الأشجار ومؤونة الجذاذ وتجفيف الأثمار وأجرة
الإصطبل والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به المرتهن أو

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " خذ ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) ورد نصه في المغني 4: 468، والشرح الكبير 4: 474، ونحوه في سنن الدار
قطني 3: 33 / 123، وسنن البيهقي 6: 39، والتمهيد - لابن عبد البر - 6: 426،
و 430.
(3) الفقيه 3: 195 / 886، التهذيب 7: 175 - 176 / 775.
260

العدل، خلافا لأبي حنيفة في أجرة الإصطبل والبيت وأجرة من يرد العبد
من الإباق، وما أشبه ذلك (1).
إذا عرفت هذا، فهل يجبر الراهن على أداء هذه المؤونة حتى يقوم
بها من خالص ماله؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: أنه يجبر لتبقى وثيقة المرتهن.
والثاني: أنه لا يجبر عند الامتناع، بل يبيع القاضي جزءا من المرهون
بحسب الحاجة، فلو كانت النفقة تستوعب الرهن قبل الأجل، فعلى الثاني
يلحق بما يفسد قبل الأجل، فيباع ويجعل ثمنه رهنا (2).
قيل عليه: هذا إما أن يلحق بما لا يتسارع إليه الفساد ثم عرض ما
أفسده، أو بما يتسارع إليه الفساد. والأول باطل؛ لأن العارض هناك اتفاقي
غير متوقع، والحاجة إلى المؤونة معلومة متحققة. وإن كان الثاني، لزم
إثبات الخلاف المذكور في رهن ما يتسارع إليه الفساد في رهن كل ما
يحتاج إلى نفقة أو مكان يحفظ فيه (3).
وعلى الأول - وهو الأصح عندهم - لو لم يكن للراهن شيء أو
لم يكن حاضرا، باع الحاكم جزءا من المرهون، واكترى به بيتا يحفظ فيه
الرهن (4).
وأما المؤونة الزائدة فيمكن أن يقال: حكمها حكم ما لو هرب

(1) تحفة الفقهاء 3: 44، بدائع الصنائع 6: 151، الهداية - للمرغيناني - 4: 130
و 131، الاختيار لتعليل المختار 2: 103، العزيز شرح الوجيز 4: 507، المغني 4:
474، الشرح الكبير 4: 441.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 505 - 506، روضة الطالبين 3: 332.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 506.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 506، روضة الطالبين 3: 332.
261

الجمال وترك الجمال المستأجرة أو عجز عن الإنفاق عليها.
مسألة 181: يجوز للراهن أن يفعل بالمرهون ما فيه مصلحته، وليس
للمرتهن منعه منه، كفصد العبد وحجامته والمعالجة بالأدوية والمراهم،
لكن لا يجبر عليها، بخلاف النفقة، وهو أحد وجهي الشافعية (1).
ثم إن كانت المداواة مما يرجى نفعه ولا يخاف غائلته، جاز. وإن
كان مما يخاف، فالأقوى عدم المنع أيضا منه، ويكتفى بأن الغالب منه
السلامة.
وللشافعية وجهان، ويجريان في قطع اليد المتآكلة إذا كان في قطعها
وتركها خطر، فإن كان الخطر في الترك دون القطع، فله القطع، وليس له
قطع سلعة (2) ولا إصبع لا خطر في تركها إذا خيف منه ضرر. وإن كان
الغالب فيه السلامة، ففيه الخلاف (3).
وله أن يختن العبد والأمة في وقت اعتدال الهواء إن كان يندمل قبل
حلول الأجل؛ لأنه أمر لا بد منه، والغالب فيه السلامة. وإن لم يندمل وكان
فيه نقص، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.
وللراهن تأبير النخل المرهونة.
ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة: تحويلها أنفع، جاز تحويلها.
وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الأكثر.
وما يقطع منها أو يجف فهو مرهون، بخلاف ما يحدث من السعف

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 506، روضة الطالبين 3: 333.
(2) السلعة: الضواة، وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغدة. لسان العرب 8: 160
" سلع ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 506، روضة الطالبين 3: 333.
262

ويجف، فإن الراهن مختص به، وينزل منزلة النماء.
ولا يمنع من رعي الماشية في وقت الأمن، وتؤوي ليلا إلى يد
المرتهن أو العدل.
ولو أراد الراهن أن يبعد لطلب الرعي وبالقرب ما يكفيها، فللمرتهن
المنع، وإلا فلا.
وتؤوي إلى يد عدل يتفقان عليه أو ينصبه الحاكم.
ولو أراد المرتهن ذلك وليس بالقرب ما يكفي، لم يمنع.
وكذا لو أراد نقل المتاع من بيت ليس بحرز إلى حرز.
ولو نبا (1) بهما المكان وأرادا الانتقال، فإن كان إلى أرض واحدة، فلا
إشكال، وإلا جعلت الماشية مع الراهن، ويحتاط ليلا، كما تقدم.

(1) نبا به منزله وفراشه: لم يوافقه. ونبت بي تلك الأرض: لم أجد بها قرارا. لسان
العرب 15: 302 " نبا ".
263

الفصل الخامس: في وضع الرهن على يد العدل
مسألة 182: يجوز أن يشترط المتراهنان وضع الرهن على يد أحدهما
أو ثالث غيرهما، سواء تعدد أو اتحد؛ عملا بقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند
شروطهم " (1).
إذا عرفت هذا، فإن ذلك العدل يكون وكيلا للمرتهن نائبا عنه في
القبض، فمتى قبضه صح قبضه - وبه قال علماؤنا، وجماعة الفقهاء، منهم:
عطاء وعمرو بن دينار ومالك والثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق
وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي (2) - لأنه قبض في عقد، فجاز فيه التوكيل،
كسائر القبوض.
وقال الحكم والحارث العكلي وقتادة وداود وابن أبي ليلى: لا يكون
مقبوضا بذلك؛ لأن القبض من تمام العقد يتعلق بأحد المتعاقدين،
كالإيجاب والقبول (3).
والفرق بينه وبين القبول: أن الإيجاب إذا كان لشخص كان القبول
منه؛ لأنه مخاطب. ولو وكل في الإيجاب والقبول قبل أن يوجب له، صح.
وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر القبض فيه.

(1) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(2) المغني 4: 418 - 419، الشرح الكبير 4: 448.
(3) المغني 4: 419، الشرح الكبير 4: 448.
265

إذا عرفت هذا، فإنه يجوز أن يجعلا الرهن على يد من يجوز
توكيله، وهو جائز التصرف، سواء كان مسلما أو كافرا، عدلا أو فاسقا،
ذكرا كان أو أنثى.
ولا يجوز أن يكون صبيا؛ لأنه غير جائز التصرف مطلقا، فإن فعلا
ذلك، كان قبضه وعدم قبضه واحدا.
ولا يجوز أن يكون عبدا بغير إذن سيده؛ لأن منافع العبد لسيده،
ولا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه، فإن أذن مولاه، جاز.
وأما المكاتب فإن كان بجعل، جاز؛ لأنه مكتسب، وهو سائغ له
بغير إذن السيد. وإن كان بغير جعل، لم يجز؛ لأنه ليس له التبرع بمنافعه.
مسألة 183: لو شرط جعل الرهن على يد عدل وشرطا له أن يبيعه عند
حلول الحق، صح؛ لأن ذلك [يكون] توكيلا (1) في البيع منجزا، وإنما
الشرط في التصرف. وصح بيعه، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي
وأحمد (2).
وإن عزل الراهن العدل عن البيع، قال الشيخ (رحمه الله): لا ينعزل،
ولا تنفسخ وكالته، وكان له بيع الرهن (3) - وبه قال أبو حنيفة ومالك (4) - لأن
وكالته صارت من حقوق الرهن، فلم يكن للراهن إسقاطها (5)، كسائر

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " ولأن ذلك توكيلا ". والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 142، الوسيط 3: 506، العزيز شرح الوجيز 4:
501، روضة الطالبين 3: 329، المغني 4: 423، الشرح الكبير 4: 454.
(3) الخلاف 3: 243، المسألة 41، المبسوط - للطوسي - 2: 217.
(4) المبسوط - للسرخسي - 21: 79 - 80، بدائع الصنائع 6: 151، الهداية
- للمرغيناني - 4: 142، حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح الوجيز 4: 501،
المغني 4: 423، الشرح الكبير 4: 454.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " إسقاطه ". والظاهر ما أثبتناه.
266

حقوقه.
وقال الشافعي وأحمد: يصح العزل، ولا يملك البيع؛ لأن الوكالة
عقد جائز، فلم يلزم العاقد المقام عليها، كسائر الوكالات.
قالوا: وكونه من حقوق الرهن لا يمنع بقاءه على جوازه، كما أن
الرهن إذا شرط في البيع لا يصير لازما قبل القبض، فإن عزله عن البيع،
فعلى صحة العزل يكون للمرتهن فسخ البيع الذي جعل الرهن ثمنه، كما لو
امتنع الراهن من تسليم الرهن المشروط في البيع (1).
هذا إذا كانت الوكالة شرطا في عقد الرهن، ولو شرطاها بعده،
انفسخت بعزل الموكل والوكيل إجماعا.
وأما إن عزله المرتهن، فلا ينعزل، قاله الشيخ (2) - وبه قال أحمد
والشافعي في أحد قوليه (3) - لأن العدل وكيل الراهن؛ إذ المرهون ملكه،
ولو انفرد بتوكيله صح، فلم ينعزل بعزل غيره.
والثاني: له عزله (4)، على معنى أن لكل واحد منهما منعه من البيع؛
لأن المرتهن له أن يمنعه من البيع، لأن البيع إنما يستحق بمطالبته، فإذا
لم يطالب بالبيع ومنعه منه، لم يجز، فأما أن يكون ذلك فسخا فلا.
مسألة 184: إذا وضعا الرهن عند عدل وشرطا أن يبيعه عند المحل،
جاز.
قال الشيخ (رحمه الله): وليس للعدل أن يبيعه حتى يستأذن المرتهن بإذن

(1) حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3: 329،
المغني 4: 423، الشرح الكبير 4: 454 - 455.
(2) الخلاف 3: 243، المسألة 42، المبسوط - للطوسي - 2: 217.
(3 و 4) المغني 4: 423، الشرح الكبير 4: 455، حلية العلماء 4: 432، العزيز
شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3: 329.
267

مجدد (1) - وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أحمد (2) - لأن البيع لحقه، فإذا
لم يطالب به، لم يجز بيعه، بل يراجع ليعرف أنه مطالب أو مهمل أو
مبرئ.
والثاني: أنه لا يراجع؛ لأن غرضه توفية الحق (3).
وأما الراهن فقال الشيخ (رحمه الله): لا يشترط تجديد إذنه ولا مراجعته ثانيا
عند البيع (4) - وهو أحد قولي الشافعي (5) - لأن الأصل دوام الإذن الأول.
والثاني: أنه يشترط تجديد إذنه؛ لأنه قد يكون له غرض في استبقاء
المرهون ويريد قضاء الحق من غيره وإبقاء الرهن لنفسه (6).
ولو مات الراهن أو المرتهن، بطلت الوكالة.
وإذا قلنا: إن الوكيل لا ينعزل بعزل المرتهن، فلو عاد إلى الإذن، جاز
البيع، ولم يشترط تجديد توكيل من الراهن.
قال بعض الشافعية: مساق هذا أنه لو عزله الراهن ثم عاد وكل، افتقر
إلى إذن جديد للمرتهن، ويلزم عليه أن يقال: لا يعتد بإذن المرتهن قبل
توكيل الراهن (7).
ولو وضعا الرهن على يد عدل فمات، فإن اتفق الراهن والمرتهن

(1) الخلاف 3: 244، المسألة 43، المبسوط - للطوسي - 2: 217.
(2) حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3: 329،
المغني 4: 423 - 424، الشرح الكبير 4: 455.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3: 329.
(4) الخلاف 3: 244، المسألة 43، المبسوط - للطوسي - 2: 217 - 218.
(5 و 6) حلية العلماء 4: 432، العزيز شرح الوجيز 4: 501، روضة الطالبين 3:
329.
(7) الوسيط 3: 506، العزيز شرح الوجيز 4: 502، روضة الطالبين 3: 330.
268

على كونه في يد عدل آخر أو في يد أحدهما، كان لهما. وإن اختلفا، كان
للحاكم أن يضعه عند عدل يرتضيه.
ولو كان الرهن في يد المرتهن فمات، فالرهن بحاله، فإن رضي
الراهن أن يكون في يد ورثة المرتهن، كان في أيديهم إن اختاروا. وإن أبى
ذلك، لم يجبر على تركه في أيديهم؛ لأنه لم يرض إلا بأمانة المرتهن دون
ورثته، ويضعه الحاكم عند من يراه.
مسألة 185: يد العدل يد أمانة متطوع بحفظه، فلو اتفقا على نقله من
يده، كان لهما؛ لأن الحق لهما. وان اختلفا فيه فطالب أحدهما بالنقل
وامتنع الآخر، لم ينقل؛ لأنهما قد رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في
حفظه، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بنقله وإخراجه من يده.
ولو أراد العدل رد الرهن فإن كانا حاضرين، كان له ذلك، وعليهما
قبوله منه؛ لأنه أمين متطوع بحفظه، فلا يلزمه المقام على ذلك، فإذا قبضاه
فقد برئ العدل من حفظه. وإن امتنعا من أخذه، رفع أمرهما إلى الحاكم
ليجبرهما على [تسلمه] (1) فإن امتنعا أو استترا، نصب الحاكم أمينا يقبضه
منه لهما؛ لأن للحاكم ولاية على الممتنع من حق عليه.
ولو رده العدل على الحاكم قبل أن يرده عليهما وقبل امتناعهما من
قبضه، لم يكن له ذلك، وكان ضامنا، وكان الحاكم ضامنا أيضا؛ لأن الحاكم
لا ولاية له على غير الممتنع.
وليس للعدل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما
وإمكان الإيصال إليهما، وكذا لو دفعه العدل إلى ثقة أمين مع وجودهما،

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " تسليمه ". والظاهر ما أثبتناه.
269

فإنه يضمن، ويضمن القابض أيضا؛ لأنه لا يجوز له أن يخرجه من يده إلى
غير المتراهنين، وليس للعدل القابض قبضه، فضمنه؛ لأنه قبضه بغير حق،
فلزمه الضمان.
ولو دفعه إلى أحد المتراهنين، فإنهما يضمنان أيضا؛ لأنه وكيل لهما
في حفظه، فلم يجز له تسليمه إلى أحدهما دون صاحبه، فإذا سلمه،
ضمن، وضمن القابض؛ لأنه قبض ما لا يجوز له قبضه.
ولو امتنعا من القبض وليس هناك حاكم فتركه عند ثقة، جاز ولا
ضمان.
ولو امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخر، ضمن.
والفرق بينهما أن العدل يمسكه لهما، فإذا دفعه إلى أحدهما، كان
ماسكا لنفسه، فلم يجز.
ولو كانا غائبين فإن كان للعدل عذر في الامتناع من بقائه في يده
- كسفر عزم عليه، أو مرض خاف منه، أو غير ذلك - دفعه إلى الحاكم،
وقبضه الحاكم عنهما، أو نصب عدلا يقبضه لهما. وإن لم يجد حاكما،
جاز له أن يودعه عند ثقة، ولا ضمان على أحدهما.
فإن أودعه عند ثقة مع وجود الحاكم، فالأقرب: الضمان؛ لأن الولاية
في مال الغائب إلى الحاكم.
وللشافعية وجهان (1).
وإن لم يكن له عذر، قال الشيخ (رحمه الله): لم يجز له تسليمه إلى

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 367، العزيز شرح الوجيز 4: 499، و 7: 294،
روضة الطالبين 3: 326، و 5: 29.
270

الحاكم (1). وهو جيد.
وفصل الشافعي فقال: إن كانت غيبتهما طويلة - وهو السفر الذي
تقصر فيه الصلاة - فإن الحاكم يقبضه عنهما، ولا يلجئه إلى حفظه، وإن
لم يجد حاكما، أودعه عند ثقة أو أمين. وإن كانت المسافة قصيرة، فهو
كما لو كانا حاضرين (2).
وإن كان أحدهما غائبا والآخر حاضرا، لم يجز تسليمه إلى الحاضر،
وكان كما لو كانا غائبين.
وليس له قسمته وإعطاء الحاضر نصفه، بخلاف ما لو أودع اثنان
وديعة عند ثالث وغاب أحدهما فحضر الآخر فطالب، فإن الحاكم يقسمها
بينه وبين الغائب؛ لأن المودعين ما لكان ظاهرا؛ لثبوت يدهما معا عليها،
فقسمها الحاكم، وهنا الملك لأحدهما وللآخر حق الوثيقة، وذلك لا يمكن
قسمته، فاختلفا.
مسألة 186: لو جعلا الرهن على يد عدلين، جاز إجماعا، ولهما
إمساكه، ولا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه. فإن سلمه أحدهما إلى الآخر،
ضمن النصف؛ لأنه القدر الذي تعدى فيه. ولأن الراهن لم يرض بأمانة
أحدهما، وإنما رضي بأمانتهما جميعا، فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد
بحفظه.
ويحتمل عندي أن يكون عليهما معا ضمان الكل.
وليس لهما أن يقتسما الرهن وإن كان مما يمكن قسمته من غير
ضرر، مثل الطعام والزيت، وهذا أحد وجهي الشافعية.

(1) الخلاف 3: 247، المسألة 49، المبسوط - للطوسي - 2: 221.
(2) راجع: المغني 4: 422، والشرح الكبير 4: 450.
271

وفي الآخر: يجوز أن يدفعه أحدهما إلى الآخر؛ لأن اجتماعهما على
حفظه مما يشق عليهما ويتعذر، فحمل الأمر على أن لكل واحد منهما
الحفظ (1).
وهو ممنوع؛ لإمكان جعله في محرز لهما لكل واحد منهما عليه
قفل.
وقال أبو حنيفة: إن كان مما لا ينقسم، جاز لكل واحد منهما إمساك
جميعه. وإن كان مما يمكن قسمته، لم يجز، بل يقتسمانه (2).
وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز أن يضعاه في يد أحدهما بكل
حال (3).
احتج أبو حنيفة بأنه إذا كان مما ينقسم فقبض أحد النصفين لا يكون
شرطا في الآخر؛ لأنه مما لا يستحق عليه بدل، كما لو وهب لرجل عينين
فقبل إحداهما، بخلاف البيع، فإذا ثبت لأحدهما إمساك نصفه، لم يسلم
إلى غيره.
وعلى القول الثاني للشافعية - وهو جواز دفع أحدهما إلى الآخر - لو
كان مما ينقسم فقسماه بينهما، جاز، وانفرد كل واحد منهما بحفظ ما في
يده، فإن أراد أحدهما أن يرد ما في يده إلى الآخر، فوجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه كان يجوز لكل منهما أن ينفرد بحفظ جميعه.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه لما اقتسماه بينهما صار في يد كل واحد

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 317، حلية العلماء 4: 429 - 430، المغني 4:
419 - 420، الشرح الكبير 4: 449.
(2 و 3) المبسوط - للسرخسي - 21: 79، حلية العلماء 4: 430، المغني 4: 420،
الشرح الكبير 4: 449.
272

ما ينفرد (1) بحفظه، فلم يكن له رده إلى غيره. ولأن قبل القسمة جاز ذلك؛
لحصول المشقة، وبعد القسمة زالت المشقة (2).
مسألة 187: لو جني على الرهن في يد العدل، وجبت قيمته على
الجاني، وكانت رهنا. وللعدل حفظها؛ لأنها بدل الرهن، وله إمساك الرهن
وحفظه، والقيمة قائمة مقامه. وبطلت وكالته في بيع العين بتلفها،
فلا تتعلق الوكالة بالقيمة، بل تبطل؛ لأن الوكالة كانت في العين دون
قيمتها، وبطلت الوكالة؛ لأنها لم تصر من حقوق الرهن، وإنما هي باقية
على جوازها، ولهذا للراهن الرجوع، بخلاف إمساك العدل الرهن.
ولو كان الرهن في يد العدل فقبضه المرتهن، وجب عليه رده إليه؛
لأن الراهن لم يرض بتسليمه إليه، فإذا رده إلى العدل، زال عنه الضمان.
ولو كان الرهن في يد المرتهن فتعدى فيه ثم أزال التعدي أو سافر به
ثم رده، لم يزل عنه الضمان؛ لأن استئمانه بطل بذلك، فلم يعتد بفعله،
ولا تعود الأمانة إلا بأن يرجع إلى صاحبه ثم يرده إليه أو إلى وكيله أو يبرئه
من ضمانه.
ولو غصب المرتهن الرهن من يد العدل، ضمنه، فإن رده إليه، زال
الضمان؛ لأنه قد رده إلى وكيله.
ولو اقترض ذمي من مسلم مالا ورهن عنده خمرا وجعله على يد
ذمي، لم يصح الرهن، فإذا حل الحق وباعها الذمي العدل وجاء بالثمن،

(1) في الطبعة الحجرية و " ج ": " صار ما في يد كل واحد ينفرد ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 317، حلية العلماء 4: 430، العزيز شرح الوجيز 4:
499، روضة الطالبين 3: 326.
273

قال الشيخ (رحمه الله): جاز له أخذه، ولا يجبر عليه (1).
وللشافعي في إجبار المسلم قبض الثمن وجهان: أحدهما: لا يجبر؛
لأنه قد تعين ثمن الخمر، وذلك غير مملوك. والثاني: يجبر؛ لأن أهل
الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيحة، فيقال: إما أن
تقبض، وإما أن تبرئ (2).
وإن جعلها على يد مسلم فباعها عند محل الحق أو باعها الذمي من
مسلم، لم يجبر المرتهن على قبول الثمن؛ لأن ذلك البيع فاسد لا يقران
عليه، ولا حكم له.
مسألة 188: إذا أذن الراهن والمرتهن للعدل في بيع الرهن، فإن عينا
له قدرا أو جنسا، لم يجز له أن يعدل عما ذكراه إلى أقل؛ لأن الحق لهما
لا شيء للعدل فيه.
فإن أطلقا البيع، جاز له البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد، وبه قال
الشافعي (3)، خلافا لأبي حنيفة؛ فإنه جوز أن يبيعه ولو بدرهم واحد؛
لإطلاق الأول (4).
وليس جيدا؛ لأن الإطلاق محمول على المعتاد المتعارف بين
الناس، وهو هنا مقيد بما قلناه.
فإن باعه العدل بدون ثمن المثل، فإن كان بقدر ما يتغابن به الناس،
فالأقوى: الجواز؛ لأنه مندرج تحت المتعارف. وإن كان بأزيد مما يتغابن
به الناس، لم يصح، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة درهم ويتغابن الناس

(1) الخلاف 3: 248، المسألة 52، المبسوط - للطوسي - 2: 223.
(2) حلية العلماء 4: 460.
(3 و 4) المغني 4: 426، الشرح الكبير 4: 452.
274

فيه بخمسة دراهم، فباعه العدل بثمانين، بطل، ورجع الراهن في العين إن
كانت باقية، وإن كانت تالفة، كان له الرجوع على أيهما شاء.
فإن رجع على المشتري، رجع بقيمتها، ولا يرد المشتري على
العدل. وإن رجع على العدل، رجع بجميع القيمة؛ لأنه أخرج العين من
يده على وجه لم يجز له، فضمن جميع قيمتها، وصار كما لو أتلفها، فإنه
يرجع عليه بجميع القيمة، وهو أصح قولي الشافعي.
والثاني: أنه يرجع عليه بما نقص من ثمن مثلها الذي يتغابن به
الناس، فيرجع بالباقي على المشتري؛ لأن ذلك هو القدر الذي فرط فيه،
فإنه لو باعها بما يتغابن الناس بمثله، نفذ بيعه، ويلزم عليه المشترى؛ لأنه
لو اشتراه بما يتغابن الناس عليه (1) لم يرجع عليه بشئ، ومع هذا يجب
عليه جميع القيمة (2).
وكذا لو أوجبنا تعميم العطاء في الزكاة وأعطى بعض الأصناف الزكاة
وحرم بعضا، فكم يضمن؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: القدر الذي لو أعطاهم في الابتداء جاز؛ لأن التفضيل
جائز.
والثاني: يضمن بقدر ما يخصهم إذا سوى بين العدد (3). وكذا لو
قالوا (4) في الأضحية (5).

(1) كذا، والظاهر: " بمثله " بدل " عليه ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 503، روضة الطالبين 3: 331.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 180، المجموع 6: 218، الوجيز 1: 295، العزيز
شرح الوجيز 7: 408، روضة الطالبين 2: 191 - 192.
(4) كذا، والظاهر: " وكذا قالوا ".
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 247، المجموع 8: 416، الحاوي الكبير 15: 118،
حلية العلماء 3: 376، الوجيز 2: 214، العزيز شرح الوجيز 12: 109، روضة
الطالبين 2: 491.
275

فأما إذا باعه بثمن مثله أو بما يتغابن الناس بمثله، صح البيع.
وإن باعه العدل بغير نقد البلد أو باعه بثمن مؤجل، لم يصح البيع،
ويجب رد العين، فإن كانت باقية، استرجعها، وإن كانت تالفة، رجع
بقيمتها على من شاء منهما، فإن رجع على العدل، رجع العدل على
المشتري؛ لأن التلف كان في يده، وإن رجع على المشتري، لم يرجع على
العدل.
مسألة 189: إذا باع العدل بثمن المثل أو بما يتغابن به الناس، صح
البيع؛ لأن ما يتغابن به الناس لا يمكن الاحتراز عنه، وهو يقع لأهل الخبرة
والبصيرة، والمرجع في ذلك إليهم.
فإن جاء بعد البيع من زاد في ثمنه، فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع
الخيار بينهما، لم يعتد بهذه الزيادة؛ لأنه لا يجوز له قبولها، ولا يملك
فسخ البيع في هذه الحال.
وإن كان ذلك في زمن الخيار مثل أن يكون قبل التفرق عن المجلس
أو في زمن خيار الشرط، فإنه يجوز له قبول الزيادة، وفسخ العقد، فإن
لم قبل الزيادة، لم ينفسخ العقد، قاله الشيخ (1) (رحمه الله)؛ لأن العقد قد صح،
وهذه الزيادة مظنونة، فلا ينفسخ بها العقد، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال في الآخر: إنه ينفسخ؛ لأنه مأمور بالاحتياط، وحالة الخيار
بمنزلة حال العقد، ولو دفع إليه زيادة في حالة العقد وباع بالنقصان لم يصح
بيعه وإن كان قد باع بثمن المثل، فكذا هنا (2).

(1) الخلاف 3: 245، المسألة 45.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 503، روضة الطالبين 3: 331 - 332.
276

فلو بدا للراغب فإن كان قبل التمكن من البيع منه، فالبيع الأول
بحاله. وإن كان بعده، فقد ارتفع ذلك البيع، فلا بد من بيع جديد.
وقال بعض الشافعية: إذا بدا له، كان البيع بحاله، كما لو بذل الابن
الطاعة لأبيه في الحج وجعلناه مستطيعا به ثم رجع عن الطاعة قبل أن يحج
أهل بلده، عرفنا عدم الوجوب (1).
ولو لم يفسح العدل البيع الأول وباع من الراغب، ففي كونه فسخا
لذلك البيع ثم في صحته خلاف تقدم.
ولهم خلاف في أن الوكيل بالبيع لو باع ثم فسخ البيع هل يتمكن من
البيع مرة أخرى؟ (2).
مسألة 190: إذا باع العدل الرهن بإذنهما، فالثمن يكون أمانة في يده
لا ضمان عليه فيه إجماعا، ويكون من ضمان الراهن إلى أن يتسلمه
المرتهن، فإن تلف في يده من غير تفريط، لم يسقط من دين المرتهن
شيء - وبه قال الشافعي وأحمد (3) - لأن العدل وكيل الراهن في البيع،
والثمن ملكه، وهو أمين له في قبضه، فإذا تلف، كان من ضمانه، كسائر
الأمناء.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكون من ضمان المرتهن (4).
أما أبو حنفية فبناه على أصله من أن الرهن مضمون على المرتهن
والثمن بدله، فيكون مضمونا.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 503، روضة الطالبين 3: 332.
(3) حلية العلماء 4: 461، العزيز شرح الوجيز 4: 502، روضة الطالبين 3: 330،
المغني 4: 427، الشرح الكبير 4: 452.
(4) حلية العلماء 4: 461، العزيز شرح الوجيز 4: 502، المغني 4: 427، الشرح
الكبير 4: 452.
277

وليس بجيد؛ لما عرفت من أن الرهن أمانة.
وأما مالك فإنه يقول: البيع حق للمرتهن، وهو تابع لحقه، والثمن
يكون للمرتهن، ويبرأ الراهن ببيع الرهن.
وقوله: " الثمن يكون للمرتهن " ليس بصحيح؛ لأنه بدل الرهن، وإنما
تعلق حق المرتهن باستيفاء الثمن منه؛ لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" الرهن من راهنه " (1) بمعنى من ضمان راهنه، وهذه عادة العرب في حذف
المضاف.
ولو باع العدل وتلف الثمن في يده من غير تفريط ثم خرج الرهن
مستحقا، فإن كان العدل قد أعلم المشتري أنه وكيل الراهن، فإن العهدة
على الراهن، وكذا كل وكيل باع مال غيره - وبه قال الشافعي وأحمد (2) -
لأنه نائبه في عقد عن غيره، فلم يلزمه الضمان، كأمين الحاكم وسائر
الوكلاء.
ولا يكون العدل طريقا للضمان في أصح وجهي الشافعية؛ لأنه نائب
الحاكم، والحاكم لا يطالب فكذا نائبه.
والثاني: يكون طريقا، كالوكيل والوصي (3).
وقال أبو حنيفة: العهدة على الوكيل، ويرجع على الراهن. وبنى
ذلك على أن حقوق العهدة تتعلق - عنده - بالوكيل (4).

(1) تقدم تخريجه في ص 264، الهامش (2).
(2) المغني 4: 427، الشرح الكبير 4: 452.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 65، العزيز شرح الوجيز 4: 502، روضة الطالبين 3:
330.
(4) بدائع الصنائع 6: 149، حلية العلماء 4: 461، المغني 4: 427، الشرح الكبير
4: 452.
278

وهو ممنوع على ما يأتي في الوكالة.
وقال مالك: لا عهدة على العدل، ولكن يرجع المشتري على
المرتهن، ويعود دينه في ذمة الراهن كما كان؛ لأن البيع وقع للمرتهن
بمطالبته واستحقاقه، وكانت العهدة عليه، كالموكل (1).
وقد بينا أنه نائب عن الراهن وكيل له دون المرتهن.
ولو خرج مستحقا بعد ما دفع الثمن إلى المرتهن، فإن للمشتري أن
يرجع على الراهن (2)، وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يرجع على العدل ويرجع العدل على المرتهن أو
على الراهن أيهما شاء (4).
وإن كان المشتري رده عليه بعيب، لم يكن له الرجوع على
المرتهن؛ لأنه قبضه بحق، وإنما يرجع على الراهن.
وإن كان العدل حين باعه لم يعلم المشتري أنه وكيل، كان للمشتري
الرجوع عليه، ويرجع هو على الراهن إن أقر بذلك أو قامت به بينة، وإن
أنكر ذلك، كان القول قول العدل مع يمينه، فإن نكل عن اليمين، حلف
المشتري، ويرجع عليه، ولم يرجع هو على الراهن؛ لأنه مقر بأنه ظلمه.
مسألة 191: لو باع العدل وقبض الثمن ثم ادعى تلفه في يده من غير
تفريط، فالقول قوله مع اليمين، ولا يكلف إقامة البينة على ذلك؛ لأنه
أمين، ويتعذر عليه إقامة البينة على ذلك، فإن كلفناه البينة، شق عليه،

(1) حلية العلماء 4: 462.
(2) في المغني والشرح الكبير: " المرتهن " بدل " الراهن ".
(3) المغني 4: 428، الشرح الكبير 4: 452.
(4) بدائع الصنائع 6: 149، المغني 4: 428، الشرح الكبير 4: 452.
279

فربما أدى إلى أن لا يدخل الناس في الأمانات، وفي ذلك ضرر كثير.
ويكون تالفا من ضمان الراهن.
وقال أبو حنيفة (1): يكون من ضمان المرتهن؛ لأنه مرهون، والرهن
عنده مضمون.
ولو قال العدل: دفعت الثمن إلى المرتهن، وأنكر المرتهن ذلك،
كان عليه إقامة البينة، فإن لم تكن هناك بينة، فالقول قول المرتهن مع
يمينه، كغيره من الدعاوي، وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: القول قول العدل مع يمينه (3).
وإذا حلف المرتهن، أخذ حقه من الراهن، ويرجع الراهن على
العدل وإن كان قد أذن له في التسليم.
نعم، لو أذن أولا وصدقه في التسليم، احتمل التضمين أيضا؛
لتقصيره بترك الإشهاد. وعدمه؛ لاعتراف الراهن بأنه امتثل ما أمر به،
والمرتهن ظالم فيما يأخذه.
وللشافعية وجهان، وكذا الوجهان فيما إذا أطلق الإذن في التسليم (4).
فأما إذا شرط عليه الإشهاد فتركه، ضمن قطعا.
وإذا قلنا: إنه يضمن بترك الإشهاد فلو قال: أشهدت ومات شهودي،
وصدقه الراهن، فلا ضمان. وإن كذبه، فوجهان يأتيان في باب الضمان إن
شاء الله تعالى.

(1) راجع الهامش (4) من ص 281.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 66، العزيز شرح الوجيز 4: 502، روضة الطالبين 3:
330.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 502.
280

احتج أبو حنيفة: بأنه بمنزلة التلف في يده؛ لأن العدل أمين يقبل
قوله في إسقاط الضمان عن نفسه، ولا يقبل في إيجاب الضمان على غيره.
وهو ممنوع؛ لأنه وكيل للراهن في دفع الدين إلى المرتهن، وإنما هو
وكيل المرتهن في حفظ الرهن، فلم يقبل قوله فيما ليس بوكيل فيه من
جهته، كما لو وكل رجلا في قضاء دينه فادعى أنه سلمه إلى صاحب الدين
وأنكر ذلك.
ويمنع أنه كالتلف؛ لأن قوله إذا لم يقبل على المرتهن، وجب أن
يسقط قوله، ولا يكون بمنزلة الإتلاف؛ لأنه لم يدع التلف.
إذا عرفت هذا، فإذا حلف المرتهن، كان له الرجوع إما على الراهن
وإما على العدل.
فإن رجع على العدل، رجع بأقل الأمرين من دينه أو قيمة الرهن.
وإذا رجع عليه، لم يرجع على الراهن بذلك؛ لأنه يقول: إن المرتهن ظالم
له بما يرجع به عليه، فلم يرجع به على غيره.
وإن رجع على الراهن، كان للراهن الرجوع على العدل؛ لأن العدل
فرط في الدفع؛ لأنه وكله في دفع يبرئه من المرتهن، وقد دفع دفعا لا
يبرئه، إلا أن يكون الدفع بحضرة الراهن أو أشهد شاهدين فغابا أو ماتا.
مسألة 192: قد بينا أنه ليس للعدل أن يبيع مع الإطلاق إلا نقدا بثمن
المثل من نقد البلد، فإن باع نسيئة فإن أجاز له ذلك، صح، وإلا بطل.
وللشافعية وجه: أنه لو باع نسيئة، صح، ولم يعتبروا به (1).
فسلم إلى المشتري، صار ضامنا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 502.
281

ثم إن كان باقيا، استرد، ويجوز للعدل بيعه بالإذن السابق وإن صار
مضمونا عليه، فإذا باعه وأخذ الثمن، لم يكن الثمن مضمونا عليه؛ لأنه
لم يتعد فيه.
وإن هلك في يده فإن كان قد باع بغير نقد البلد أو نسيئة، فالراهن
بالخيار في تضمين من شاء من العدل والمشتري كمال القيمة.
وإن باع بدون ثمن المثل، فأصح قولي الشافعية: أن الحكم كذلك؛
لأنه أخرجه من يده على وجه غير مسوغ.
والثاني: أنه إن غرم العدل، حط النقصان الذي كان محتملا في
الابتداء (1).
ويحتمل الجميع. وإن غرم المشتري، لزمه الجميع.
مسألة 193: لو اختلف المتراهنان، فقال له (2) أحدهما: بع بدينار.
وقال الآخر: بع بدراهم، لم يبع بواحد منهما؛ لاختلافهما في الإذن، ولكل
منهما حق في بيعه، فللمرتهن حق الوثيقة في الثمن واستيفاء حقه منه،
وللبائع ملك الثمن، فإذا اختلفا، رفع ذلك إلى الحاكم، فيأذن له أن يبيعه
بنقد البلد، سواء كان من جنس حق المرتهن أو لم يكن، وسواء وافق ذلك
قول أحدهما أو خالفه؛ لأن الحظ في البيع يكون بنقد البلد.
ولو كان النقدان جميعا نقد البلد، باعه بأعلاهما. وإن كانا متساويين
في ذلك، باع بأوفرهما حظا. فإن استويا في ذلك، باع بما هو من جنس
الحق منهما. فإن كان الحق من غير جنسهما، باع بما هو أسهل صرفا إلى
جنس الآخر وأقرب إليه. فإن استويا في ذلك، عين له الحاكم أحدهما فباع

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 502، روضة الطالبين 3: 331.
(2) أي: للعدل.
282

به، وصرف نقد البلد إليه.
وقال بعض الشافعية: إنه إذا قال الراهن: بعه بدراهم، وقال المرتهن:
بدنانير، وكانت الدراهم بقدر حق المرتهن، باعه بالدراهم؛ لأنه لا غرض
له في الدنانير (1).
مسألة 194: لو مات الراهن والرهن موضوع على يد عدل، بطلت
وكالته؛ لأنه وكيل للراهن، والوكيل ينعزل بموت الموكل.
ثم الدين إن كان مؤجلا، حل؛ لأن الأجل يسقط بموت من عليه
الدين.
ويجب على ورثة الراهن دفع الدين، فإن دفعوه من غير الرهن، وإلا
لزمهم بيع الرهن وتسليم الدين إلى المرتهن؛ لأنهم نائبون (2) مناب الراهن،
فإن امتنعوا، رفع المرتهن ذلك إلى الحاكم، فينصب أمينا يبيع الرهن ويسلم
الثمن إلى المرتهن أو قدر دينه منه؛ لأن الحاكم ينوب مناب من امتنع من
الحق عليه في دفعه.
فإذا باع العدل وهلك الثمن [في] (3) يده بغير تفريط منه واستحق
الرهن من يد المشتري، فإن الحاكم يأمر المشتري بتسليمه إلى من قامت
البينة له به إذا استحلفه؛ لأنه حكم على الميت، ولا ضمان على العدل؛ لأنه
أمين.
لا يقال: لم لا يرجع المشتري عليه؛ لأنه قبض منه الثمن بغير حق؟.

(1) الحاوي الكبير 6: 149.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " نائبين ". وهي غلط.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " من " بدل " في ". والصحيح
ما أثبتناه.
283

لأنا نقول: إنه سلمه إليه على أنه أمين في قبضه [و] (1) تسليمه إلى
المرتهن، فلم يجب بذلك عليه ضمان.
وأما المرتهن فقد بان له أن عقد الرهن كان فاسدا، فإن كان مشروطا
في بيع، ثبت له الخيار فيه، وإلا سقط حقه. وأما المشتري فإنه يرجع
بالثمن في تركة الراهن.
وكذا الحكم في المفلس إذا حجر عليه الحاكم ونصب عدلا فباع شيئا
من ماله وتلف في يده الثمن ثم بانت العين مستحقة.
وللشافعي قولان في أنه هل يقدم على المرتهن وسائر الغرماء؟
أحدهما: أنه يكون أسوة الغرماء.
واختلفت الشافعية على طريقين:
منهم من قال: في المسألة قولان:
أحدهما: يقدم حق المشتري؛ لأنه لم يضر بثبوته في ذمة المفلس
ولا الراهن. ولأنه إذا لم يقدم حقه امتنع الناس من شراء مال المفلس،
ويؤدي ذلك إلى الإضرار.
والثاني: يكون أسوة للغرماء؛ لتساويهم في ثبوت حقهم في الذمة،
فاستووا في قسمة ماله بينهم (2).
وما قالوه من عدم الإضرار يبطل بحق المجني عليه. وما ذكروه من
الإضرار قيل (3): نادر، ولا يمنع من ابتياعه، كما لا يمنع الأخذ من [الشفعة] (4)

(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2) الحاوي الكبير 6: 141 - 142 و 330 - 331.
(3) لم نتحقق القائل.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " من الشفعة ". والصحيح ما أثبت.
284

من شراء ما فيه الشفعة.
ومنهم من قال: ليست على قولين، بل هي على اختلاف حالين:
الموضع الذي قال: " إنه يقدم المشتري " إذا كان للمفلس مال موجود،
والموضع الذي قال: " يكون أسوة الغرماء " إذا لم يكن له غير الذي بيع،
ففك عنه الحجر ثم استفاد مالا فحجر عليه بسؤال الغرماء، فإنهم يستوون
فيه (1).
مسألة 195: لو تغيرت حال العدل بفسق أو ضعف وعجز يمنعه من
حفظ الرهن، فأيهما طلب إخراجه عن يده أخرجه الحاكم من يده؛ لأنه
خرج من أهل الأمانة فيه.
وكذا إذا ظهر بينه وبين أحدهما عداوة فطلب نقله من يده، اجيب
له.
ثم إن اتفقا على عدل يضعانه على يده، وضع؛ لأن الحق لهما. وإن
اختلفا، عين الحاكم عدلا يضعه على يده.
وإن اختلفا في تغير حاله، بحث عنه الحاكم، فإن ثبت قول أحدهما،
عمل عليه، فإن كانت حاله تغيرت، نقله عنه، وإلا أقره في يده. ولم يكن
لأحدهما إخراجه إلا بإذن الآخر؛ لأنهما رضيا به في الابتداء.
وكذا لو كان الرهن في يد المرتهن فادعى الراهن تغير حاله، بحث
عنه الحاكم وعمل بما ثبت عنده.
فإن مات (2)، لم يكن لورثته إمساكه إلا بتراضيهما. وكذا لو مات
المرتهن.

(1) الحاوي الكبير 6: 142 و 331.
(2) أي: مات العدل.
285

الفصل السادس: في زوائد الرهن وبدله
مسألة 196: الرهن إما أن لا يحتاج إلى مؤونة، كالدار والمتاع ونحوه،
فهذا ليس للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، بلا خلاف؛ لأن
الرهن ملك الراهن (1) فكذا منافعه، فليس لغيره أخذها بغير إذنه.
فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض وكان دين الرهن من
قرض، فإن شرط ذلك في القرض، حرم. وإن لم يشرط (2)، فالأقرب:
الجواز، خلافا لأحمد (3).
وإن كان الرهن بثمن مبيع أو أجرة دار أو دين غير القرض فأذن له
الراهن في الانتفاع، جاز - وبه قال أحمد والحسن وابن سيرين
وإسحاق (4) - للأصل.
ولو كان الانتفاع بعوض، مثل أن يستأجر المرتهن الدار من الراهن
بأجرة مثلها من غير محاباة، جاز في القرض وغيره؛ لأن الانتفاع ليس
بالقرض، بل بالإجارة.
وإن حاباه في ذلك، فحكمه حكم الانتفاع بغير عوض لا يجوز في
القرض مع الشرط، ويجوز في غيره.
وإذا استأجرها المرتهن أو استعارها، لم تخرج عن الرهن - وهو

(1) في الطبعة الحجرية: " للراهن ".
(2) في الطبعة الحجرية: " لم يشترط ".
(3 و 4) المغني 4: 467، الشرح الكبير 4: 476.
287

إحدى الروايتين عن أحمد (1) - لأن القبض مستدام، ولا منافاة بين العقدين.
وفي الرواية الثانية: تخرج عن كونها رهنا، فمتى انقضت الإجارة أو
العارية، عاد الرهن بحاله (2).
وإذا استعار المرتهن الرهن، صار مضمونا عليه في موضع تضن فيه
العارية عندنا، وعند الشافعي وأحمد مطلقا بناء على أن العارية مضمونة
مطلقا (3).
وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه (4).
وإن شرط في الرهن أن ينتفع به المرتهن، جاز مطلقا.
وقال أحمد: يفسد الشرط؛ لأنه ينافي مقتضى الرهن (5).
وهو ممنوع.
وعن أحمد رواية: أنه يجوز في البيع (6).
قال أصحابه: معناه أن يقول: بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن
ترهنني عبدك يخدمني شهرا، فيكون بيعا وإجارة، وهو صحيح. وإن
أطلق، فالشرط باطل، لجهالة ثمنه (7).
وقال مالك: لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الراهن إلى أجل في
الدور والأرضين. وكرهه في الحيوان والثياب والقرض (8).

(1 و 2) المغني 4: 467 - 468، الشرح الكبير 4: 476.
(3) حلية العلماء 5: 189، تحفة الفقهاء 3: 177، المغني 4: 468، الشرح الكبير
4: 476.
(4) تحفة الفقهاء 3: 177، حلية العلماء 5: 192، المغني 4: 468، الشرح الكبير
4: 476.
(5 - 7) المغني 4: 468، الشرح الكبير 4: 457.
(8) الكافي في فقه أهل المدينة: 414، المغني 4: 468، الشرح الكبير 4: 457.
288

وإما أن يحتاج إلى مؤونة، فحكم المرتهن في الانتفاع به بعوض أو
بغير عوض بإذن الراهن كالقسم الأول.
وإن أذن له في الإنفاق والانتفاع بقدره، جاز؛ لأنه نوع معاوضة.
وأما مع عدم الإذن فإن كان الرهن محلوبا أو مركوبا، قال إسحاق
وأحمد: للمرتهن أن ينفق عليه ويركب بقدر نفقته، وسواء أنفق مع تعذر
النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق، أو مع القدرة على أخذ النفقة
من الراهن واستئذانه (1).
وعن أحمد رواية: لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها، ولا ينتفع
من الرهن بشئ - وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي - لقوله (عليه السلام): " الرهن
من راهنه، له غنمه وعليه غرمه " (2).
ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه، فلم يكن
له ذلك، كغير الرهن (3).
واحتج أحمد بقوله (عليه السلام): " الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن
الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة " (4)
فجعل منفعته بنفقته (5).
ولا يصح ذلك في طرف الراهن؛ لأن إنفاقه وانتفاعه لا بطريق
المعاوضة لأحدهما بالآخر. ولأن نفقة الحيوان واجبة، وللمرتهن فيه حق

(1) المغني 4: 468، الشرح الكبير 4: 474.
(2) راجع الهامش (2) من ص 264.
(3) المغني 4: 468، الشرح الكبير 4: 474.
(4) صحيح البخاري 3: 187، سنن الترمذي 3: 555 / 1254، سنن الدار قطني 3:
34 / 134، سنن البيهقي 6: 38.
(5) المغني 4: 468 - 469، الشرح الكبير 4: 474.
289

وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه
واستيفاء ذلك من منافعه، فجاز ذلك، كما يجوز للمرأة أخذ مؤونتها من
مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه والنيابة عنه في الإنفاق عليها، والنماء
للراهن، إلا أن للمرتهن ولاية صرفها إلى نفقته؛ لثبوت يده عليه وولايته.
هذا إن أنفق محتسبا بالرجوع، وأما إن أنفق متبرعا بغير نية الرجوع،
فإنه لا ينتفع به قولا واحدا.
والوجه: رفع الحال إلى الحاكم، فإن تعذر، أشهد بالإنفاق، وقاص
بالنماء.
وأما إن كان الرهن حيوانا غير محلوب ولا مركوب كالعبد والجارية،
فإنه لا يجوز للمرتهن استخدامه بنفقته؛ لأنه مال الغير، فليس له التصرف
فيه إلا بإذنه، وهو إحدى الروايتين عن أحمد.
وفي الرواية الاخرى: له الانتفاع باستخدام العبد بنفقته، وبه قال
أبو ثور (1).
وليس بشئ.
وأما إن كان غير حيوان كدار استهدمت فعمرها المرتهن، لم يرجع
بشئ، وليس له الانتفاع بها بقدر نفقته، فإن عمارتها غير واجبة على
الراهن، فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، فإن فعل، كان متبرعا،
بخلاف الحيوان، فإن نفقته واجبة على صاحبه.
ثم إن كان ذلك بإذن المالك، رجع عليه؛ لأنه نابه في الإنفاق بإذنه
فكانت النفقة على المالك، كما لو وكله في ذلك.

(1) المغني 4: 469، الشرح الكبير 4: 477.
290

وإن كان بغير إذنه، فهل يرجع عليه؟ عن أحمد روايتان بناء على
ما إذا قضى دينه بغير إذنه؛ لأنه ناب عنه فيما يلزمه (1).
وقال أبو الخطاب: إن قدر على استئذانه فلم يستأذنه، فهو متبرع
لا يرجع بشئ. وإن عجز عن استئذانه، فعلى روايتين عنه.
وكذلك الحكم فيما إذا مات العبد المرهون وكفنه.
والأول أقيس عندهم؛ إذ لا يعتبر في قضاء الدين العجز عن استئذان
الغريم (2).
فإن انتفع المرتهن بالرهن باستخدام أو ركوب أو استرضاع أو
استغلال أو سكنى أو غيره، حسب من دينه بقدر ذلك.
مسألة 197: زوائد الرهن إما متصلة كسمن العبد وكبر الشجرة، وتتبع
الأصل إجماعا في دخولها تحت الرهن، وإما منفصلة كالثمرة والولد واللبن
والبيض والصوف، فإنها لا تدخل في الرهن، سواء كانت سابقة أو متجددة
بعد الرهن، إلا مع الشرط - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية، وأبو ثور
وابن المنذر (3) - لقوله (عليه السلام): " الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه " (4)
والنماء غنم، فيكون للراهن.
ومن طريق الخاصة: رواية إسحاق بن عمار - الصحيحة - عن
الكاظم (عليه السلام)، قلت: فإن رهن دارا لها غلة لمن الغلة؟ قال: " لصاحب

(1) المغني 4: 470، الشرح الكبير 4: 477.
(2) المغني 4: 470، الشرح الكبير 4: 477 - 478.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 317، حلية العلماء 4: 434، التهذيب - للبغوي - 4:
77، العزيز شرح الوجيز 4: 514، روضة الطالبين 3: 341، المغني 4: 471،
الشرح الكبير 4: 440، المبسوط - للسرخسي - 21: 75.
(4) تقدم تخريجه في ص 264، الهامش (2).
291

الدار " (1).
ولأنه حق تعلق بالأصل يستوفى من ثمنه، فلا يسري إلى غيره،
كحق الجناية. ولأنها عين من أعيان ملك الراهن لم يعقد عليها عقد رهن،
فلم تكن رهنا، كسائر ماله.
وقال الشعبي والنخعي وأحمد: يدخل النماء المتصل والمنفصل في
رهن الأصل إذا تجدد المنفصل بعد الرهن، وأما المتصل فيدخل مطلقا؛
لأنه حكم ثبت في العين بعقد الملك، فيدخل فيه النماء والمنافع كالملك
بالبيع وغيره (2).
وهو ممنوع.
وقال الثوري وأصحاب الرأي: في النماء يتبع، وفي الكسب لا يتبع؛
لأن الكسب لا يتبع في حكم الكتابة والاستيلاد والتدبير، فلا يتبع في
الرهن، كأعيان مال الراهن (3).
وقال مالك: الولد يتبع في الرهن خاصة دون سائر النماء؛ لأن الولد
يتبع الأصل في الحقوق الثابتة، كولد أم الولد (4).
وقال الشافعي: لو رهنه ماشية مخاضا، فالنتاج خارج من الرهن (5).

(1) الكافي 5: 235 / 12، التهذيب 7: 173 / 767.
(2) المغني 4: 470 - 471، الشرح الكبير 4: 440.
(3) المغني 4: 471، الشرح الكبير 4: 440، المبسوط - للسرخسي - 21: 75،
حلية العلماء 4: 434 - 435، العزيز شرح الوجيز 4: 514.
(4) المدونة الكبرى 5: 304، الكافي في فقه أهل المدينة: 412، حلية العلماء 4:
435، العزيز شرح الوجيز 4: 515، المغني 4: 471، الشرح الكبير 4: 440.
(5) الأم 3: 163، المهذب - للشيرازي - 1: 318، المغني 4: 471، الشرح الكبير
4: 440.
292

وخالفه أبو ثور وابن المنذر (1).
وكما أن هذه الزوائد غير مرهونة، فكذا مهر الجارية إذا وطئت
بالشبهة [بل أولى] (2)؛ لأنه غير حاصل من نفس المرهون، وبه قال
الشافعي (3).
وعند أبي حنيفة أنه مرهون أيضا (4).
ولا خلاف في أن كسب المرهون ليس بمرهون، هذا في الزوائد
الحادثة بعد الرهن.
مسألة 198: لو رهن حاملا ومست الحاجة إلى البيع وهي حامل بعد،
فتباع كذلك في الدين، وبه قال الشافعي.
قال: لأنا إن قلنا: إن الحمل يعلم، فكأنه رهنهما، وإلا فقد رهنها،
والحمل محض (5) صفة (6).
ونحن نقول: إن الرهن لا يتعدى إلى الحمل ما لم يشترطه (7) في
العقد، سواء كان ظاهرا أو لا.
ولو ولدت قبل البيع، لم يكن رهنا، كما تقدم (8).
وللشافعي قولان مبنيان على أن الحمل هل يعلم؟ إن قلنا: لا، فهو

(1) المغني 4: 471، الشرح الكبير 4: 440.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " وبلاولى ". وهي تصحيف.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 77، العزيز شرح الوجيز 4: 515، روضة الطالبين 3:
341.
(4) بدائع الصنائع 6: 139، العزيز شرح الوجيز 4: 515.
(5) في " ج " والطبعة الحجرية: " محقق " بدل " محض ". وما أثبتناه من المصدر.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 515، روضة الطالبين 3: 341.
(7) في " ج ": " ما لم يشرط ".
(8) في ص 150، ضمن المسألة 124.
293

كالحادث بعد العقد. وإن قلنا: نعم، فهو رهن يباع مع الأم، كما لو رهن
شيئين (1).
وزاد بعض الشافعية فقال: إن قلنا: نعم، ففي كونه مرهونا قولان؛
لضعف الرهن عن الاستتباع (2).
فإن قلنا: الولد لا يكون مرهونا - كما اخترناه، وهو أحد قوليه - فلو
صرح في العقد وقال: رهنتها مع حملها، صح عندنا.
وتردد أصحاب الشافعي فيه، والظاهر عندهم أنه لا يكون مرهونا
أيضا؛ إذ لو جاز ذلك لجاز إفراده بالرهن (3).
ولو حملت بعد الرهن وبقيت حاملا عند الحاجة إلى البيع، فإن قلنا:
الحمل لا يعلم، بيعت، وهو كزيادة متصلة. وإن قلنا: يعلم، لم يكن الولد
مرهونا، وتعذر بيعها؛ لأن استثناء الحمل لا يمكن، ولا سبيل إلى بيعها
حاملا وتوزيع الثمن على الأم والحمل؛ لأن الحمل لا تعرف قيمته.
ولو رهن نخلة فأطلعت بعد الرهن، لم يدخل الطلع في الرهن
عندنا، إلا مع الشرط.
وللشافعية طريقان:
أحدهما: أن بيعها مع الطلع على قولين، كما في الحمل.
والثاني: القطع بأن الطلع غير مرهون؛ لأنه يمكن إفراده بالعقد
فلا يجعل تبعا، فإذا قلنا: إنه غير مرهون، تباع النخل ويستثنى الطلع،

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 78، العزيز شرح الوجيز 4: 515، روضة الطالبين 4:
341.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 515، روضة الطالبين 3: 341.
294

بخلاف الجارية الحامل (1).
ولو كانت مطلعة وقت الرهن، ففي دخول الطلع عندهم قولان، فإن
أدخلناه فجاء وقت البيع وهو طلع بعد، بيع مع النخل.
وإن أبرت، فطريقان:
أحدهما: أن الحكم كما إذا ولدت الحامل.
والثاني: القطع ببيعه مع النخيل؛ لأنه معلوم مشاهد وقت الرهن (2).
إذا عرفت هذا، فمتى تعتبر الزيادة؟
أما عندنا فلا فائدة لهذا البحث؛ لأنها لا تدخل في الرهن مطلقا، إلا
مع الشرط.
وأما عند الشافعي ففي اعتبارها وجهان:
أحدهما: أنها تعتبر حالة العقد في مقارنة الولد وحدوثه بعده.
والثاني: أن الاعتبار بحالة القبض؛ لأن الرهن به يتم (3).
مسألة 199: لو جني على المرهون فوجب الأرش، كان الأرش رهنا،
كالأصل، وليس من الزوائد؛ لأنه بدل جزء من المرهون.
وكذا لو اقتض البكر، كان الأرش رهنا؛ لأنه عوض جزء الرهن.
ولو أفضاها، وجب عليه قيمتها؛ لأنه أتلف بضعها، فتكون القيمة
رهنا، كالأصل.
ولو ضرب الجارية المرهونة ضارب فألقت جنينا [ميتا] (4) فعليه عشر
قيمة الأم، ولا يكون مرهونا عندنا وعند الشافعي (5)؛ لأنه بدل الولد.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 515، روضة الطالبين 3: 341.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 516، روضة الطالبين 3: 341 - 342.
(4) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 516، روضة الطالبين 3: 342.
295

فإن دخلها نقص، لم يجب بسببه شيء آخر، لكن قدر أرش
النقصان من العشر يكون رهنا.
وإن ألقته حيا فمات، فعلى الجاني قيمة الجنين حيا وأرش نقص الأم
إن انتقصت - وهو أصح قولي الشافعي (1) - وحينئذ تكون قيمة الجنين
لصاحبه غير داخل في الرهن، وأما أرش النقص فإنه يكون داخلا في
الرهن.
والثاني للشافعي: أنه يجب أكثر الأمرين من أرش النقص أو قيمة
الجنين، فإن كان الأرش أكثر، فالمأخوذ رهن كله. وإن كانت القيمة أكثر،
فقدر الأرش من المأخوذ رهن (2).
ولو ضرب دابة رهنا فألقت جنينا ميتا، فليس على الضارب سوى
أرش النقصان (3) إن نقصت، ويكون رهنا.
مسألة 200: بدل الرهن رهن، فإذا جنى جان على العبد المرهون،
قال الشيخ (رحمه الله): الخصم فيه هو السيد دون المرتهن؛ لأن السيد هو المالك
لرقبته، والأرش الواجب بالجناية ملكه، وليس للمرتهن إلا حق الوثيقة،
فإن أحب المرتهن أن يحضر خصومته، كان له، فإذا قضي للراهن بالأرش،
تعلق به حق الوثيقة للمرتهن (4). وبه قال الشافعي وغيره (5).
وكذا إذا جنى على العبد المستأجر أو المودع، فإن الخصم هو

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 516، روضة الطالبين 3: 342.
(3) في الطبعة الحجرية: " النقص ".
(4) المبسوط - للطوسي - 2: 229.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 322، التهذيب - للبغوي - 4: 41، حلية العلماء 4:
452، العزيز شرح الوجيز 4: 513، روضة الطالبين 3: 340، المغني 4: 455،
الشرح الكبير 4: 485.
296

المالك.
فإن ترك المطالبة أو أخرها أو كان غائبا أو له عذر يمنعه من
المطالبة، فللمرتهن المطالبة بها؛ لأن حقه متعلق بموجبها، فكان له الطلب
به، كما لو كان الجاني سيده.
فإن أقر الجاني، ثبتت الجناية. وإن أنكر وكان لسيد العبد بينة،
أقامها. وإن لم تكن له بينة، كان القول قول المدعى عليه الجناية مع يمينه،
فإن حلف، برئ. وإن نكل، رددنا اليمين على الراهن، فإن حلف، ثبتت
الجناية.
وإن نكل، فهل يحلف المرتهن؟ قولان للشافعي كما في يمين الغريم
إذا نكل الوارث (1).
وسواء كانت الجناية عمدا أو خطأ؛ لأن العمد وإن أوجب القصاص
فقد يعفو السيد، ويتعلق حق المرتهن بالدية.
إذا عرفت هذا، فإن كانت الجناية عمدا، كان للسيد أن يقتص؛ لأنه
حق له، وإنما ثبت ليستوفى، وليس للمرتهن مطالبته بالعفو.
فإن اقتص، سقط حق المرتهن من الرهن وليس له مطالبة الراهن
ببدل عنه - وبه قال الشافعي (2) - لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق
[بحال] (3)، وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال.
وقال أحمد وإسحاق: على السيد أن يجعل القيمة مكانه رهنا؛ لأنه

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 322، التهذيب - للبغوي - 4: 41، حلية العلماء 4:
452، العزيز شرح الوجيز 4: 513، روضة الطالبين 3: 340.
(2) المغني 4: 456، الشرح الكبير 4: 485 - 486.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " بمال ". والظاهر ما أثبتناه.
297

أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن، فغرم قيمته، كما لو كانت الجناية
موجبة للمال (1).
وليس بجيد؛ لأن الواجب في قتل العمد عندنا القصاص، وإنما يثبت
المال لو تصالحا عليه.
ثم قالوا: إنما يؤخذ من السيد أقل القيمتين، فيجعل رهنا؛ لأن حق
المرتهن إنما يتعلق بالمال، والواجب من المال هو أقل القيمتين؛ لأن
الرهن إن كان أقل، لم يجب أكثر من قيمته، وإن كان الجاني أقل، لم يجب
أكثر من قيمته (2).
فإذا اقتص المولى من الجاني، كان العبد المجني عليه مرهونا عند
المرتهن.
وإن عفا الولي على مال، كان المال ملكا للسيد ورهنا مع العبد عند
المرتهن؛ لأن الأرش عوض ما تلف من أجزاء العبد.
وإن عفا على غير مال أو عفا مطلقا، صح العفو، ولم يكن للمرتهن
مطالبة الراهن بشئ - وهو أحد قولي الشافعي (3) - لأنا قد بينا أن الواجب
في العمد هو القصاص لا غير، وليس للمرتهن مطالبة الراهن بالعفو على
مال؛ لأن اختيار المال ضرب من الكسب ولا يجبر الراهن عليه بحق المرتهن.
والثاني للشافعي: أن الواجب في العمد أحد الأمرين: إما القصاص أو
المال، فإذا عفا على غير مال أو مطلقا لم يصح العفو، ويثبت المال؛ لأن
إسقاطه القصاص يتعين به وجوب المال، فإذا أسقطه أسقط ما تعلق به حق

(1) المغني 4: 456، الشرح الكبير 4: 485 - 486.
(2) المغني 4: 456، الشرح الكبير 4: 486.
(3) راجع: التهذيب - للبغوي - 4: 41، والعزيز شرح الوجيز 4: 514.
298

المرتهن، ويثبت المال، ويكون رهنا (1).
مسألة 201: بدل الرهن قد بينا أنه يكون رهنا، كالأصل، فيجعل في
يد من كان الأصل في يده من المرتهن أو العدل.
وإلى أن يؤخذ هل يقال بأنه مرهون؟ قال بعض الشافعية: لا يكون
مرهونا؛ لأنه دين، والديون لا تكون مرهونة، فإذا تعين، صار مرهونا،
والحالة المتخللة كتخمر العصير وتخلله بعده (2).
وقال آخرون: هو مرهون كما كان، والمسلم أنه لا يرهن الدين
ابتداء (3).
وقد بينا أن الخصومة تتعلق بالمالك والجاني، فلو [قعد] (4) المالك
عن الخصومة، فالأقرب: أن المرتهن يخاصم.
وكذا المستأجر إذا ادعى العين وقال لمن هي في يده: إنها ملك فلان
آجرها مني، وإنما لا يدعي المستأجر القيمة؛ لأن حقه لا يتعلق بها.
وهذا أقيس قولي الشافعي، وأصحهما عندهم: أن المرتهن
لا يخاصم (5).
ثم الجاني إن أقر بالجناية أو أقام الراهن البينة أو حلف بعد نكول
المدعى عليه، ثبتت الجناية.
فإن نكل الراهن، ففي إحلاف المرتهن للشافعي قولان، كما إذا نكل
المفلس هل يحلف الغرماء؟ (6).

(1) راجع: التهذيب - للبغوي - 4: 41، والعزيز شرح الوجيز 4: 514.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 513، روضة الطالبين 3: 339.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " بعد ". والصحيح ما أثبتناه.
(5) التهذيب - للبغوي - 4: 41، العزيز شرح الوجيز 4: 513، روضة الطالبين 3: 340.
(6) المهذب - للشيرازي - 1: 322، العزيز شرح الوجيز 4: 513، روضة الطالبين 3: 340.
299

ولو لم يقتص الراهن في الحال ولا عفا، ففي إجباره على أحدهما
للشافعية طريقان:
أحدهما: يجبر ليكون المرتهن على بينة من أمره.
والثاني: إن قلنا: إن موجب العمد أحد الأمرين، أجبر. وإن قلنا:
موجبه القود، لم يجبر؛ لأنه يملك إسقاطه، فتأخيره أولى بأن يملكه (1).
وإن كانت الجناية خطأ أو عفا ووجب المال فعفا عن المال، لم يصح
عفوه؛ لحق المرتهن.
وفيه قول: إن العفو موقوف، ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن،
فإن انفك الرهن، يرد إلى الجاني، وبان صحة العفو، وإلا بان بطلانه (2).
ولو أراد الراهن أن يصالح عن الأرش الواجب على جنس آخر،
لم يجز إلا بإذن المرتهن، وإذا أذن، صح، وكان المأخوذ مرهونا.
ولو أبرأ المرتهن الجاني، لم يصح؛ لأنه ليس بمالك.
والأقرب: سقوط حقه عن الوثيقة بهذا الإبراء - وهو أحد وجهي
الشافعية (3) - ويخلص المأخوذ للراهن، كما لو صرح بإسقاط حق الوثيقة.
وأصحهما: لا؛ لأنه لم يصح إبراؤه، فلا يصح ما تضمنه الإبراء، كما
لو وهب المرهون من إنسان، لا يصح، ولا يبطل الرهن (4).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 322، التهذيب - للبغوي - 4: 41، حلية العلماء 4:
452 - 453، العزيز شرح الوجيز 4: 514، روضة الطالبين 3: 340.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 514، روضة الطالبين 3: 340.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 322، حلية العلماء 4: 453، العزيز شرح الوجيز 4:
514، روضة الطالبين 3: 341.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 322، حلية العلماء 4: 453، العزيز شرح الوجيز 4:
514، روضة الطالبين 3: 341.
300

الفصل السابع: في فك الرهن
مسألة 202: الرهن ينفك بأسباب ثلاثة:
[الأول]: الفسخ منهما أو من المرتهن وحده، فإن الرهن جائز من
جهته، فإذا قال المرتهن: فسخت الرهن، أو: أبطلته، أو: أقلته منه،
وما أشبه ذلك، جاز، وينفك الرهن.
والثاني: تلف المرهون.
والثالث: براءة ذمة الراهن عن الدين بتمامه إما بالقضاء، أو الإبراء،
أو الحوالة، أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به أو المسلم فيه المرهون
به.
وإذا تلف الرهن بآفة سماوية، بطل الرهن.
ولو جنى العبد المرهون، لم يبطل الرهن بمجرد الجناية، ولكن ينظر
إن تعلقت الجناية بأجنبي، قدم حق المجني عليه؛ لأن حقه متعين في
الرقبة، وحق المرتهن متعلق بذمة الراهن وبالرقبة أيضا، لكن تعلقه بالرهن
أضعف من تعلق المجني عليه. ولأن له بدلا، ولا بدل للمجني عليه. ولأن
حق المجني عليه يتقدم على حق المالك، فأولى أن يتقدم على حق
المسترهن.
ثم الجناية إن أوجبت القصاص في النفس واقتص المجني عليه،
بطل الرهن.
وإن أوجبت قصاصا في الطرف، اقتص منه، وبقي رهنا على حاله.
وإن أوجبت المال أو عفي على مال، بيع العبد في الجناية، وبطل
301

الرهن أيضا حتى لو عاد إلى ملك الراهن، لم يكن رهنا إلا بعقد جديد.
ولو كان الواجب دون قيمة العبد، بيع منه بقدر الواجب، وبقي الباقي
رهنا. فإن تعذر بيع البعض أو انتقص بالتشقيص، بيع الكل، والفاضل من
الثمن عن الأرش يكون رهنا.
ولو عفا المجني عليه عن المال أو فداه الراهن، بقي العبد رهنا كما
كان، وكذا لو فداه المرتهن، ولا يرجع به على الراهن إن تبرع بالفداء، وإن
فداه بإذنه وشرط الرجوع، رجع، وإن لم يشترط الرجوع، فللشافعية
وجهان يجريان في أداء دين الغير بإذنه مطلقا، وظاهر قول الشافعي:
الرجوع (1).
وقال أبو حنيفة: ضمان جناية المرهون على المرتهن؛ بناء على أن
المرهون مضمون عليه، فإن فداه المرتهن، بقي رهنا، ولا رجوع له
بالفداء، وإن فداه السيد أو بيع في الجناية، سقط دين المرتهن إن كان بقدر
الفداء أو دونه (2).
وأصله باطل بما تقدم.
وهذا كله إذا جنى العبد بغير إذن السيد، أما لو أمره السيد بالجناية،
فإن لم يكن مميزا أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في جميع
أوامره، فالجاني هو السيد، وعليه القصاص أو الضمان.
وهل يتعلق المال برقبته؟ الأظهر عند الشافعية: المنع - وهو الأقوى
عندي - فإن قلنا: يتعلق فبيع في الجناية، فعلى السيد أن يرهن قيمته

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 517، روضة الطالبين 3: 342، المغني 4: 446 -
447، الشرح الكبير 4: 480.
(2) بدائع الصنائع 6: 165 - 166، الهداية - للمرغيناني - 4: 152 - 153، العزيز شرح
الوجيز 4: 517، المغني 4: 446 - 447، الشرح الكبير 4: 480 - 481.
302

مكانه (1).
وعلى ما اخترناه من عدم التعلق إن كان السيد موسرا أخذت منه
الدية. وإن كان معسرا، ثبتت (2) في ذمته، ولا يباع العبد، بل يبقى رهنا
بحاله.
وإذا جنى مثل هذا العبد، فقال السيد: أنا أمرته بذلك، لم يقبل قوله
في حق المجني عليه، بل يباع العبد فيها، وعلى السيد القيمة؛ لإقراره.
وإن كان العبد مميزا يعرف تحريم ذلك كله عليه بالغا كان أو غير
بالغ، فهو كما لو لم يأذن له السيد، إلا أنه يأثم السيد بما فعل؛ لأمره به،
وحينئذ تتعلق الجناية برقبته.
وإن أكرهه السيد، فالقصاص عندنا على العبد، لكن يحبس المكره
إلى أن يموت.
وعند الشافعية يجب القصاص على المكره، وفي المكره قولان (3).
مسألة 203: لو جنى العبد المرهون على السيد، فإن كانت عمدا فإن
كانت على ما دون النفس، فللسيد القصاص عليه؛ لأن السيد لا يملك
الجناية على عبده، فيثبت عليه بجنايته. ولأنه (4) يجب للزجر والانتقام،
والعبد أحق بالزجر عن سيده، بخلاف القطع في السرقة؛ لأن القطع يجب
بسرقة مال لا شبهة له فيه من حرزه، والعبد له شبهة في مال سيده، وهو
غير محرز عنه في العادة.
فإن أراد المولى استيفاء القصاص، كان له ذلك.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 517، روضة الطالبين 3: 342.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " ثبت ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 10: 139، روضة الطالبين 7: 16.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " لأنها ". والظاهر ما أثبتناه.
303

وإن أراد العفو على مال، قال الشيخ (رحمه الله): لا يصح؛ لأنه لا يجوز أن
يثبت له على عبده استحقاق مال ابتداء، ولهذا لو كانت الجناية خطأ، كانت
هدرا على هذا؛ لأن العبد مال للسيد، فلا يجوز أن يثبت له مال في ماله (1).
وهو ظاهر مذهب الشافعي (2).
وقال بعض أصحابه: يثبت له المال؛ لأن كل من استحق القصاص
استحق العفو على مال، وللسيد غرض في ذلك بأنه ينفك من الرهن (3).
والوجه: الأول، فيبقى الرهن كما كان.
وإن كانت الجناية على نفس سيده عمدا، كان للورثة القصاص، فإن
اقتص الوارث، بطل الرهن.
وهل لهم العفو على مال؟ قال الشيخ (رحمه الله): ليس لهم ذلك؛ لأن هذا
العبد ملك الورثة، ولا يثبت للمولى على عبده مال. ولأن المورث لم يكن
له ذلك، فكذلك الوارث (4). وهو أحد قولي الشافعي (5).
والثاني: أنه تثبت لهم الدية؛ لأن الجناية حصلت في ملك غيرهم،
فكان لهم العفو على مال؛ كما لو جنى على أجنبي (6).
قال بعض الشافعية: هذا مبني على القولين في وقت وجوب الدية:
أحدهما: تجب في آخر جزء من أجزاء حياة المقتول ثم تنتقل إلى

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 224.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 321، الحاوي الكبير 6: 153 - 154، حلية العلماء
4: 448، العزيز شرح الوجيز 4: 518، روضة الطالبين 3: 343.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 321، حلية العلماء 4: 448، العزيز شرح الوجيز 4:
518، روضة الطالبين 3: 343.
(4) المبسوط - للطوسي - 2: 224.
(5 و 6) المهذب - للشيرازي - 1: 321، حلية العلماء 4: 449، العزيز شرح الوجيز
4: 518، روضة الطالبين 3: 343، المغني 4: 448، الشرح الكبير 4: 481.
304

ورثته، ولهذا تقضى منها (1) ديونه وتنفذ وصاياه، فعلى هذا لا يمكن العفو
على المال؛ لأنها (2) تجب عليه لسيده.
والثاني: تجب في ملك الورثة؛ لأنها بدل نفسه، فلا تجب في غيره،
فعلى هذا تثبت للورثة؛ لأنها تثبت لغير مولاه بالجناية (3).
وقال بعض الشافعية: هذا ليس بصحيح؛ لأنها إذا وجبت بعد موت
السيد، فقد وجبت لهم على ملكهم؛ لأن العبد انتقل إليهم بموته (4).
وكذا لو كان القتل خطأ على القولين (5).
والصحيح: أنه لا يثبت.
مسألة 204: لو جنى العبد المرهون على من يرثه السيد كأبيه وابنه
وأخيه وغيرهم، فإن كانت على الطرف عمدا، كان على المجني عليه
القصاص في الطرف، ويبقى الباقي رهنا كما كان، وله العفو على مال.
ولو كانت الجناية خطأ، ثبت المال.
فإن مات المجني عليه قبل الاستيفاء وورثه السيد، قال الشيخ (رحمه الله):
كان للسيد ما لمورثه من القصاص أو المال، وله بيعه فيه، كما لو كان
للمورث؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، فجاز أن يثبت له على ملكه
المال في الاستدامة دون الابتداء (6). وهو أحد وجهي الشافعية (7).
والثاني: أنه كما انتقل إليه سقط، ولا يجوز أن يثبت له على عبده

(1 و 2) في " ج " والطبعة الحجرية: " منه... لأنه ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) حلية العلماء 4: 449، العزيز شرح الوجيز 4: 518.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 518.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 321، العزيز شرح الوجيز 4: 518، روضة الطالبين
3: 343.
(6) المبسوط - للطوسي - 2: 225.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 518، روضة الطالبين 3: 343.
305

استدامة الدين، كما لا يجوز له ابتداؤه (1).
وشبهوا الوجهين بالوجهين فيما إذا ثبت له دين على عبد غيره ثم
ملكه، يسقط (2) أو يبقى حتى يتبعه به بعد العتق؟ (3).
واستبعد الجويني هذا التشبيه، وقال: كيف يكون الاستحقاق الطارئ
على الملك بمثابة الملك الطارئ على الاستحقاق!؟
ثم أجاب بأن الدين إذا ثبت لغيره، فنقله إليه بالإرث إدامة لما كان،
كما أن بقاء الدين الذي كان له على عبد الغير بعد ما ملكه إدامة لما كان (4).
ولو كانت الجناية على نفس مورثه وكانت عمدا، فللسيد القصاص.
وإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ، بني ذلك على أن الدية
تثبت للوارث ابتداء أو يتلقاها الوارث من القتيل؟ إن قلنا بالأول، لم يثبت.
وإن قلنا بالثاني، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه
بالإرث.
مسألة 205: لو جنى عبده المرهون على عبد له آخر، فإن لم يكن
المجني عليه مرهونا، كان للسيد القصاص، إلا أن يكون المقتول ابن
القاتل، ويكون له حق القصاص مقدما على حق المرتهن؛ لما تقدم.
وإن أراد العفو على مال، لم يكن له ذلك، كما لو جنى على نفس
السيد، خلافا لبعض الشافعية، فإنه قال: يثبت له المال؛ لأن كل من
استحق القصاص استحق العفو على مال، وللسيد غرض في ذلك، فإنه
ينفك من الرهن (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 518، روضة الطالبين 3: 343.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " سقط ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 518 - 519.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 519.
(5) راجع الهامش (3) من ص 310.
306

وسواء كان المقتول قنا أو مدبرا أو أم ولد للسيد.
وإن كان المجني عليه مرهونا، فإن كان مرهونا عند غير مرتهن
الجاني، كان للسيد أيضا القصاص؛ لأن حق القصاص مقدم على حق
المرتهن، فإن الجناية الموجبة للمال مقدمة على حق الرهن، فالقصاص
أولى، وإنما لم يقدم حق الجناية إذا كانت خطأ، وكانت للسيد؛ لأنه
لا يثبت له على عبده مال، والقصاص يثبت له؛ ويبطل الرهنان معا.
وإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ، ثبت المال لحق المرتهن؛
لأن السيد لو جنى على عبده المرهون، وجب عليه أرش الجناية لحق
المرتهن، فبأن يثبت على عبده أولى، فيتعلق المال حينئذ برقبة العبد لحق
مرتهن المقتول.
وإن عفا بغير مال، فإن قلنا: موجب (1) العمد أحد الأمرين، وجب
المال، ولم يصح عفوه عنه إلا برضا المرتهن.
وإن قلنا: موجبه القود، فإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال،
لم يثبت شيء.
وإن قلنا: يوجبه، فللشافعية وجهان، أصحهما: أنه لا يثبت أيضا
- وهو مذهبنا - لأن القتل غير موجب على هذا التقدير، فعفوه المطلق أو
على مال نوع اكتساب للمرتهن (2).
وإن عفا مطلقا، فإن قلنا: مطلق العفو يوجب المال، يثبت المال،
كما لو عفا على مال.
وإن قلنا: لا يوجبه، صح العفو، وبطل رهن مرتهن القتيل، وبقي
القاتل رهنا كما كان.

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " يوجب ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 519، روضة الطالبين 3: 344.
307

والحكم في عفو المفلس المحجور عليه كالحكم في عفو الراهن،
والراهن محجور عليه في المرهون، كما أن المفلس محجور عليه في جميع
أمواله.
ومهما وجب المال ينظر إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو
مثلها، قال الشيخ (رحمه الله): يباع؛ لأنه ربما رغب فيه راغب أو زاد مزايد،
فيفضل من قيمته شيء يكون رهنا عند مرتهنه (1)، وهو أحد وجهي
الشافعية (2).
والثاني: أنه ينقل إلى يد مرتهن المجني عليه رهنا، وينفك من يد
مرتهنه؛ لأنه لا فائدة في بيعه (3).
والأول أقوى؛ لأن حقه في مالية العبد، لا في العين.
وإن كان (4) أقل، فعلى الوجه الأول ينقل من القاتل بقدر الواجب إلى
مرتهن القتيل. وعلى الثاني: يباع منه قدر الواجب، ويبقى الباقي رهنا. فإن
تعذر بيع البعض أو نقص بالتشقيص، بيع الكل، وجعل الزائد على
الواجب عند مرتهن القاتل.
وهذان الوجهان إنما يظهران فيما إذا طلب الراهن النقل، وطلب
مرتهن القتيل البيع، ففي وجه: يجاب هذا، وفي وجه: يجاب ذاك. أما إذا
طلب الراهن البيع ومرتهن المقتول النقل، يجاب الراهن؛ لأنه لا حق
لصاحبه في عينه.
ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الفعلين، تعين لا محالة.
ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل، قال الجويني: ليس

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 226.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 520، روضة الطالبين 3: 344.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " كانت " بدل " كان ". والصحيح ما أثبتناه.
308

لمرتهن القاتل المناقشة فيه وطلب البيع (1).
وقضية التوجيه الثاني: أن له ذلك.
ولو كان مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا، فإن كان العبدان مرهونين
بدين واحد، فقد انتقصت الوثيقة، ولا مستدرك، كما لو مات أحدهما.
وإن كانا مرهونين بدينين، نظر في الدينين، فإن اختلفا في الحلول
والتأجيل، فله أن يتوثق لدين القتيل بالقاتل؛ لأنه إن كان الحال دين
المقتول، فقد يريد استيفاءه من ثمنه في الحال. وإن كان الحال دين
القاتل، فقد يريد الوثيقة للمؤجل، ويطالب الراهن بالحال في الحال.
وكذا الحكم لو كانا مؤجلين وأحد الأجلين أطول.
وإن اتفقا حلولا وتأجيلا، فإن اتفقا قدرا، فإن اختلف العبدان في
القيمة وكانت قيمة المقتول أكثر، لم تنقل الوثيقة. وإن كانت قيمة القاتل
أكثر، نقل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل، وبقي الباقي رهنا بما كان.
وإن تساويا في القيمة، بقي القاتل مرهونا بما كان، ولا فائدة في النقل.
وإن اختلف الدينان قدرا، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل
أكثرهما قيمة، فإن (2) كان المرهون بأكثر الدينين القتيل، فله توثيقه بالقاتل.
وإن كان المرهون بأقلهما القتيل، فلا فائدة في نقل الوثيقة.
[وإن كان القتيل أقلهما قيمة، فإن كان مرهونا بأقل الدينين، فلا فائدة
في نقل الوثيقة] (3) وإن كان مرهونا بأكثرهما، نقل من القاتل قدر قيمة القتيل
إلى الدين الآخر.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 520، روضة الطالبين 3: 344.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " وإن ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز 4: 520 - 521، وروضة الطالبين
3: 345 لأجل السباق.
309

وحيث قلنا بنقل التوثيق فيباع ويقام ثمنه مقام القتيل، أو يقام عينه
مقامه؟ فيه الوجهان السابقان.
ولو اختلف الدينان في الجنس، فهو كالاختلاف في القدر أو في
الحلول والتأجيل.
وأما إن اختلف الدينان بالاستقرار وعدمه، كما لو كان أحدهما عوضا
مما يتوقع رده بالعيب، أو صداقا قبل الدخول، فإن كان القاتل مرهونا
بالمستقر، فلا فائدة لنقل الوثيقة. وإن كان مرهونا بالآخر، فالأقرب: جواز
النقل، خلافا للشافعية (1).
ولو تساوى الدينان في الأوصاف وحكم بعدم النقل، أو قال
المرتهن: إني لا آمنه وقد جنى فبيعوه وضعوا ثمنه مكانه، الأقرب: أنه
يجاب.
وللشافعية وجهان (2).
تذنيب: لو كانت الجناية على مكاتب السيد، ثبت للمكاتب
القصاص والعفو. فإن عجز نفسه، ثبت للسيد القصاص والعفو على مال؛
لأنه انتقل إليه من المكاتب. وإن قتل مكاتبه، ثبت للسيد أيضا القصاص
والعفو على مال؛ لأنه انتقل إليه من المكاتب؛ لأنه بمنزلة الوارث، لأن
الحق انتقل إليه من المكاتب. وبالجملة، إذا انتقل الحق من المكاتب إلى
السيد بموته أو عجزه، فهو كما لو انتقل من المورث.
تذنيب آخر: لو قتل العبد المرهون سيده وله ابنان، كان لهما
القصاص.
وهل لهما العفو على مال؟ للشافعي قولان.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 521، روضة الطالبين 3: 345.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 521، روضة الطالبين 3: 346.
310

فإن عفا أحدهما، سقط القصاص عندهم؛ لأنه متى سقط القصاص
من أحد الوارثين سقط مطلقا عندهم.
وعندنا أنه لا يسقط.
فعلى قولهم هل يثبت للآخر نصيبه من الدية؟ على القولين.
وأما العافي فإن شرط المال، فعلى القولين. وإن أطلق فإن قلنا:
يوجب القتل العمد القصاص خاصة، فلا شيء له.
وإن قلنا: الواجب أحد الأمرين: إما القصاص أو الدية، فهل تثبت
الدية؟ على القولين (1).
مسألة 206: قد بينا أن من أسباب فك الرهن براءة ذمة الراهن عن
جميع الدين إما بالقضاء أو بالإبراء أو الحوالة أو الإقالة المسقطة للثمن
المرهون به أو المسلم فيه المرهون به.
ولو اعتاض عن الدين عينا، ارتفع الرهن أيضا؛ لتحول الحق من
الذمة إلى العين، وبراءة الذمة من الدين.
فإن تلفت العين قبل التسليم، بطل الاعتياض، وعاد الرهن بحاله،
كما عاد الدين. وفيه إشكال.
ولو برئ الراهن من بعض الدين بإبراء أو قضاء أو غير ذلك من
الأسباب، لم ينفك شيء من الرهن؛ قضية للاستيثاق. قال الشيخ (رحمه الله): لأنه
مرهون بجميع الحق وبكل جزء من أجزائه ووثيقة به وبكل جزء منه،
كالشهادة، وكما أن حق الحبس يبقى ما بقي شيء من الثمن، ولا يعتق

(1) الأم 3: 176، و 6: 13، المهذب - للشيرازي - 1: 321، الحاوي الكبير 6:
85، و 155، و 12: 95 و 104 و 106، العزيز شرح الوجيز 4: 518، و 10:
289 - 290، روضة الطالبين 3: 343، المغني 9: 335، و 464 - 465، و 474،
الشرح الكبير 9: 415.
311

شيء من المكاتب ما بقي من المال شيء (1).
مسألة 207: ولو رهن عبدين، لزم الرهن عندنا وإن لم يقبض
المرتهن على ما تقدم.
ومن شرط القبض - كالشافعي - لو رهن عبدين وسلم أحدهما، كان
المسلم رهنا بجميع الدين عنده (2)، خلافا لأبي حنيفة (3).
وسلم أبو حنيفة أنه لو سلمهما ثم تلف أحدهما، كان الباقي رهنا
بجميع الدين (4)، فقاس الشافعي عليه.
ولأن العقد كان صحيحا فيهما، وإنما طرأ انفساخ العقد في أحدهما،
فلم يؤثر في الآخر، كما لو اشترى شيئين ثم رد أحدهما بعيب أو خيار أو
إقالة، والراهن مخير بين إقباض الباقي ومنعه.
ولو كان التلف بعد قبض الآخر، فقد لزم الرهن فيه. فإن كان الرهن
مشروطا في بيع، ثبت للبائع الخيار؛ لتعذر الرهن بكماله، فإن رضي،
لم يكن له المطالبة ببدل التالف؛ لأن الرهن لم يلزم فيه، ويكون المقبوض
رهنا بجميع الثمن.
ولو تلف أحدهما بعد القبض، فلا خيار للبائع؛ لأن الرهن لو تلف
كله لم يكن له خيار، فإذا تلف بعضه كان أولى.
ثم إن كان تلفه بعد قبض الآخر، فقد لزم الرهن فيه. وإن كان قبل
قبض الآخر، فالراهن مخير بين إقباضه وتركه، فإن امتنع من قبضه، ثبت
للبائع الخيار، كما لو لم يتلف الآخر.

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 201 - 202.
(2) الأم 3: 142، الوسيط 3: 517، العزيز شرح الوجيز 4: 522، روضة الطالبين
3: 346.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 522.
312

ولو رهنه دارا فانهدمت قبل قبضها، لم ينفسخ عقد الرهن؛ لأن
ماليتها لم تذهب بالكلية، فإن عرصتها وأنقاضها باقية، ويثبت للمرتهن
الخيار إن كان الرهن مشروطا في بيع؛ لأنها تعيبت ونقصت قيمتها، وتكون
العرصة والأنقاض رهنا بجميع الدين؛ لأن العقد ورد على مجموع الدار
المشتملة على العرصة والأنقاض من الأخشاب والأحجار ونحوها،
وما دخل في العقد استقر بالقبض.
تذنيب: إنما يعرض انفكاك الرهن في بعض المرهون دون بعض
بأحد امور ستة:
أحدها: تعدد العقد، كما إذا رهن أحد نصفي العبد بعشرة في صفقة
ونصفه الآخر في صفقة أخرى، فإنه إذا قضي دين أحد النصفين، خرج
ذلك النصف عن الرهن، وبقي الآخر رهنا بدينه المختص به.
وثانيها: أن يتعدد مستحق الدين.
وثالثها: أن يتعدد من عليه الدين.
ورابعها: أن يقضي أحد الوكيلين.
وخامسها: إذا فك المستعير نصيب أحد المالكين.
وسادسها: أن يقضي أحد الوارثين ما يخصه من الدين.
ونحن نبين هذه الجملة.
مسألة 208: الفرض الأول ظاهر، وأما الثاني فإذا تعدد مستحق
الدين، كما لو كان لرجلين على رجل دينان، فرهن منهما بدينهما عليه عينا
صفقة واحدة ثم برئت ذمته عن دين أحدهما بأداء أو إبراء، انفك من
الرهن بقسط دينه؛ لأن نصف العبد رهن عند أحدهما، ونصفه الآخر عند
الآخر كل واحد منهما بدينه، فإذا وفى أحدهما، خرجت حصته من
الرهن؛ لأن عبد الواحد مع الاثنين بمنزلة عبدين، فكأنه رهن عند كل
313

واحد منهما النصف منفردا.
فإن أراد مقاسمة المرتهن وأخد نصيب من وفاه وكان الرهن مما
لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون، لزم ذلك. وإن كان مما تنقصه
القسمة، لم تجب قسمته؛ لما فيه من تضرر المرتهن بالقسمة، فيقر في يد
المرتهن يكون نصفه رهنا ونصفه وديعة، وبهذا قال الشافعي (1)، واختاره
الشيخ (2) (رحمه الله).
وقال أبو حنيفة: لا ينفك شيء حتى يؤدي دينهما جميعا، سواء كانا
شريكين فيه أو لا، وجميعها رهن عند كل واحد منهما؛ لأن الرهن أضيف
إلى كل العين في صفقة واحدة، ولا شيوع في المحل باعتبار تعدد
المستحق، وموجبه صيرورته محبوسا بدين كل واحد منهما، فكان
استحقاق الحبس لهما استحقاقا واحدا من غير انقسام بينهما، بخلاف الهبة
من اثنين - عند أبي حنيفة - فإن هناك لا بد من انقسام الحكم - وهو
الملك - بينهما؛ إذ يستحيل إثباته لكل منهما على الكمال في محل واحد،
فدخل فيه الشيوع ضرورة، بخلاف مسألتنا؛ إذ لا حاجة إلى هذا؛ لأن العين
الواحدة يجوز أن تكون محبوسة لحق كل واحد منهما على الكمال؛ إذ
لا تضايق في استحقاق الحبس.
ألا ترى أن الرهن الواحد لا ينقسم على أجزاء الدين، بل يكون
محبوسا كله بكله وبكل جزء منه، فكذا هنا تكون العين محبوسة بحقها
وبحق كل واحد منهما، فلا يدخل فيه الشيوع.
فإذا قضى الراهن دين أحدهما، فالكل رهن عند الآخر؛ لأن جميع
العين رهن عند كل واحد منهما من غير تفرق، وعلى هذا حبس المبيع إذا

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 522، روضة الطالبين 3: 346.
(2) المبسوط - للطوسي - 2: 240.
314

اشترى رجلان من رجل فأدى أحدهما حصته، لم يكن له أن يقبض شيئا،
وكان للبائع أن يحبس الجميع حتى يستوفي ما على الآخر (1).
والوجه: الأول.
وللشافعية وجه غريب عندهم: أنه إذا اتحد جهة الدينين كما لو
أتلف عليهما مالا أو ابتاع منهما، لم ينفك شيء بالبراءة عن دين أحدهما،
وإنما ينفك إذا اختلفت الجهتان (2).
مسألة 209: لو تعدد من عليه الدين، كما لو استدان شخصان من
رجل شيئا ورهنا عنده بدينه عليهما شيئا، صح الرهن؛ لأن رهن المشاع
جائز عندنا وعند الشافعي (3)، خلافا لأبي حنيفة (4).
فإذا أدى أحدهما نصيبه أو أبرأه المستحق، انفك نصيبه من الرهن،
وليس له أن يطالب المرتهن بالقسمة، بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك
المالك.
فإن قاسمه المرتهن بإذن الراهن الآخر، صحت القسمة. وإن قاسمه

(1) بدائع الصنائع 6: 139، الهداية - للمرغيناني - 4: 140، الاختيار لتعليل المختار 2:
106، و 3: 71 - 72، العزيز شرح الوجيز 4: 522.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 522، روضة الطالبين 3: 346.
(3) الحاوي الكبير 6: 14، حلية العلماء 4: 421، التهذيب - للبغوي - 4: 15،
الوسيط 3: 462، الوجيز 1: 159، العزيز شرح الوجيز 4: 438، روضة الطالبين
3: 282، بداية المجتهد 2: 273، المغني 4: 407، الشرح الكبير 4: 405،
المبسوط - للسرخسي - 21: 69، الهداية - للمرغيناني - 4: 132، أحكام القرآن -
للجصاص - 1: 524، مختصر اختلاف العلماء 4: 288 / 2003.
(4) بدائع الصنائع 6: 138، المبسوط - للسرخسي - 21: 69، الهداية - للمرغيناني -
4: 132، أحكام القرآن - للجصاص - 1: 524، مختصر اختلاف العلماء 4:
287 / 2003، بداية المجتهد 2: 273، الحاوي الكبير 6: 15، و 218، حلية
العلماء 4: 422، التهذيب - للبغوي - 4: 15، الوسيط 3: 462، الوجيز 1:
159، العزيز شرح الوجيز 4: 438، المغني 4: 407، الشرح الكبير 4: 405.
315

بغير إذنه، لم تصح القسمة، سواء كان مما يمكن قسمته بغير رضا الشريك
الآخر وبغير حضوره كالمكيل والموزون، أو لم يمكن قسمته إلا بحضور
الشريك الآخر، كالعقار والأراضي والحيوان - خلافا لبعض العامة (1) - وهذا
كمذهب الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: لا ينفك حتى يبرءا عن حقه جميعا، والرهن رهن
بكل الدين، وللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين؛ لأن قبض
المرتهن حصل في الكل من غير شيوع، وتفرق أملاكهما لا يوجب شيوعا
في الرهن، فإنه يجوز أن يكون ملك الغير مرهونا بدين الغير، كما لو
استعار فرهن. وجوز أبو حنيفة هذا الرهن وإن لم يجوز رهن المشاع (3).
تذنيب: لو رهن ثلاثة عبدا عند رجل بدين له على كل واحد منهم،
صح، وكان الحكم من الخلاف كما تقدم. فإن مات العبد، كان من ضمان
المرتهن عند أبي حنيفة (4)، خلافا لنا وللشافعي (5).
فعلى قول أبي حنيفة يذهب من دين كل واحد منهم بالحصة من
العبد، وتراجعوا فيما بينهم حتى لو كان له على رجل ألف وخمسمائة
وعلى آخر ألف وعلى آخر خمسمائة فرهنوه عبدا قيمته ألفان بينهم أثلاثا
فهلك، صار مستوفيا من كل واحد ثلثي ما عليه؛ لأن المرهون عنده

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 526، روضة الطالبين 3: 349.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 525، روضة الطالبين 3: 348.
(3) الهداية - للمرغيناني - 4: 140، الاختيار لتعليل المختار 2: 106، العزيز شرح
الوجيز 4: 522، وأيضا راجع المصادر في الهامش (2) من ص 322.
(4) الجامع الكبير - للشيباني -: 264، الهداية - للمرغيناني - 4: 127، الاختيار لتعليل
المختار 2: 99، حلية العلماء 4: 458، التهذيب - للبغوي - 4: 53، الوجيز 1:
166، العزيز شرح الوجيز 4: 508.
(5) التهذيب - للبغوي - 4: 53، حلية العلماء 4: 458، الوجيز 1: 166، العزيز
شرح الوجيز 4: 508، روضة الطالبين 3: 334.
316

مضمون بأقل من قيمته ومن الدين (1)، والرهن هنا أقل، فيصير مستوفيا من
الدين بقدر قيمة العبد - وهي ألفان - وهي ثلثا ثلاثة آلاف هي الدين عليهم،
فيصير مستوفيا من الأكثر ألف درهم، ومن الأوسط ستمائة وستة وستين
وثلثين، ومن الأقل ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث، ويبقى على كل واحد
ثلث دينه.
ثم الذي عليه الأكثر يضمن لكل من صاحبيه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين
وثلثا؛ لأنه صار قاضيا من دينه ألفا ثلثه من نصيبه، وذلك ثلاثمائة وثلاثة
وثلاثون وثلث، وثلثه من نصيب الأوسط، وثلثه من نصيب الأقل، فيضمن
لهما مقدار ما قضي من دينه من نصيبهما.
والأوسط يضمن لكل من صاحبيه مائتين واثنين وعشرين درهما
وتسعي درهم؛ لأنه صار قاضيا من دينه ستمائة وستة وستين وثلثين ثلثها
من نصيبه، وذلك مائتان واثنان وعشرون وتسعان، وثلثها من نصيب
الأكثر، وثلثها من نصيب الأقل، فيضمن لهما مقدار ما قضي من دينه من
نصيبهما.
والذي عليه الأقل صار قاضيا من دينه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا،
ثلثه من نصيبه، وذلك مائة وأحد عشر وتسع ثلثه من نصيب الأوسط،
وثلثه من نصيب الأكثر، فيضمن لصاحبيه ما قضي من نصيبهما.
ثم تقع المقاصة بينهم تقاصوا أو لم يتقاصوا؛ لاتحاد الجنس، فمن
عليه الأقل استوجب على الكثير ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا، وهو قد
استوجب عليه مائة وأحد عشر وتسع، فتقع المقاصة بهذا القدر، ويرجع

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 128، الاختيار لتعليل المختار 2: 98، الحاوي الكبير
6: 255، التهذيب - للبغوي - 4: 53، حلية العلماء 4: 458، العزيز شرح
الوجيز 4: 508.
317

الأقل عليه بما بقي، وهو مائتان واثنان وعشرون وتسعان.
وكذا من عليه الأقل استوجب على من عليه الأوسط مائتين واثنين
وعشرين وتسعين، وقد استوجب الرجوع عليه بمائة وأحد عشر وتسع.
وكذا الأوسط استوجب الرجوع على الأكثر بثلاثمائة وثلاثة وثلاثين
وثلث، وهو استوجب الرجوع عليه بمائتين واثنين وعشرين وتسعين، فتقع
المقاصة بهذا القدر، ويرجع عليه بالفضل، وهو مائة وأحد عشر وتسع.
مسألة 210: لو وكل رجلان رجلا ليرهن عبدهما من زيد بدينه
عليهما، فرهن ثم قضى أحد الموكلين ما عليه، قال بعض الشافعية: يخرج
على قولين. والصحيح عندهم: الجزم بأنه ينفك نصيبه، ولا نظر إلى اتحاد
الوكيل وتعدده (1).
قال الجويني: لأن مدار الباب على اتحاد الدين وتعدده، ومهما تعدد
المستحق أو المستحق عليه فقد تعدد الدين (2).
ويخالف ما نحن فيه البيع والشراء حيث ذكروا خلافا في أن الاعتبار
في تعدد الصفقة واتحادها بالمتبايعين أو الوكيل؟ لأن الرهن ليس عقد
ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر (3).
مسألة 211: لو كان لاثنين عبد فاستعاره واحد ليرهنه فرهنه ثم أدى
نصف الدين وقصد به الشيوع من غير تخصيص لحصته، لم ينفك من
الرهن شيء.
وإن قصد أداءه عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه، فقولان
للشافعي:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 522 - 523، روضة الطالبين 3: 346.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 346 - 347.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 347.
318

أحدهما: لا ينفك، كما لو استعاره من واحد.
والثاني: ينفك، كما لو رهن رجلان من رجل ثم أدى أحدهما
نصيبه، والمعنى فيه النظر إلى تعدد المالك، وقطع النظر عن العاقد. وهو
أظهر القولين عندهم (1).
ولو كان لشخصين عبدان متماثلا القيمة فاستعارهما آخر للرهن
فرهنهما ثم قضى نصف الدين ليخرج أحدهما عن الرهن، فللشافعية
قولان:
قيل: يخرج؛ لانضمام (2) تعدد المحل إلى تعدد المالك.
والأصح: طرد القولين (3).
وإذا قلنا بالانفكاك فلو كان الرهن مشروطا في بيع، فهل للمرتهن
الخيار إذا كان جاهلا بأنه لمالكين؟ فيه رأيان نسبهما الأكثرون إلى بعض
الشافعية (4).
وقيل: بل للشافعي قولان، أصحهما: أن له الخيار؛ لأن مقتضى
الرهن المطلق لا ينفك شيء منه إلا بعد أداء جميع الدين ولم يحصل
ذلك (5).
وقيل: فيه (6) قول ثالث للشافعي، وهو: أن المرتهن إن كان عالما بأن
العبد لمالكين، فللراهن فك نصفه بأداء نصف الدين: وإن كان جاهلا،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 347.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " انضمام ". والصحيح ما أثبتناه من " العزيز شرح
الوجيز ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 523، روضة الطالبين 3: 347.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 523.
(6) في الطبعة الحجرية: " وفيه ".
319

لم يكن للراهن فكه إلا بأداء الكل (1).
قال الجويني: ليس لهذا وجه؛ فإن عدم الانفكاك لاتحاد الدين
والعاقدين، وهذا لا يختلف بالعلم والجهل، وإنما أثر الجهل الخيار (2).
ولو استعار من رجلين ورهن من رجلين، كان نصيب كل واحد من
المالكين مرهونا من الرجلين، فلو أراد فك نصيب أحدهما بقضاء نصف
دين كل واحد منهما، فعلى القولين. ولو أراد فك نصف العبد بقضاء دين
أحدهما، فله ذلك بلا خلاف.
ولو استعار اثنان من واحد ورهنا من واحد ثم قضى أحدهما ما
عليه، انفك النصف؛ لتعدد العاقد.
ولو استعار ليرهن من واحد فرهن من اثنين أو بالعكس، لا يجوز.
أما في الصورة الاولى: فلأنه لم يأذن.
وأما بالعكس: فلأنه إذا رهن من اثنين، ينفك بعض الرهن بأداء دين
أحدهما، وإذا رهن من واحد، لا ينفك شيء إلا بأداء الجميع.
مسألة 212: لو رهن عبدا بمائة ثم مات عن ولدين، فقضى أحدهما
حصته من الدين، هل ينفك نصيبه من الرهن؟ للشافعي قولان:
أحدهما: ينفك، كما لو رهن في الابتداء اثنان.
وأصحهما - وبه قطع جماعة -: أنه لا ينفك؛ لأن الرهن في الابتداء
صدر من واحد، وأنه أثبت وثيقة، وقضيتها حبس كل المرهون إلى أداء كل
الدين، فوجب إدامتها (3).
ولو مات من عليه الدين وتعلق الدين بتركته فقضى بعض الورثة

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 523.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 524، وانظر: روضة الطالبين 3: 348.
320

نصيبه من الدين، لم يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من الرهن على قولين
بناء على أن أحد الورثة لو أقر بالدين وأنكر الباقون، هل على المقر أداء
جميع الدين من حصته من التركة؟.
وعلى هذا البناء فالأصح عندهم الانفكاك؛ لأن القول الجديد
للشافعي أنه لا يلزم أداء جميع الدين مما في يده من التركة (1). وهو مذهبنا
أيضا.
ولأن تعلق الدين بالتركة - إذا مات الراهن - إن كان كتعلق الدين، فهو
كما لو تعدد الراهن. وإن كان كتعلق الأرش بالجاني، فهو كما لو جنى العبد
المشترك فأدى أحد الشريكين نصيبه، ينقطع التعلق عنه.
مسألة 213: إذا رهن عينا عند رجلين، فنصفها رهن عند كل واحد
منهما بدينه، فإذا قبض أحدهما، خرجت حصته من الرهن؛ لأن عقد
الواحد مع اثنين بمنزلة عقدين، فكأنه رهن عند كل واحد منهما النصف
منفردا.
ولو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف، فهنا أربعة عقود، ويصير
كل ربع من العبد رهنا بمائتين وخمسين، فمتى قضاها من هي عليه انفك
من الرهن ذلك القدر.
وإذا انفك نصيب أحد الشريكين بأداء أو إبراء وأراد الذي انفك
نصيبه القسمة وكان الرهن من المكيلات والموزونات، قال الشيخ (رحمه الله):
لم يكن له ذلك (2).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 524، روضة الطالبين 3: 348.
(2) المبسوط - للطوسي - 2: 240.
321

وقال الشافعي: له ذلك (1).
والوجه: الأول.
وإن كان مما لا ينقسم بالأجزاء، كعبدين مشتركين متساويي القيمة،
لا يجاب من أدى نصيبه من الدين لو سأل التفرد بعبد وحصر الرهن في
عبد.
ولو كان الرهن أرضا مختلفة الأجزاء كالدار، وطلب من انفك نصيبه
القسمة، كان على الشريك إجابته.
وفي المرتهن إشكال؛ لما في القسمة من التشقيص وقلة الرغبات.
وللشافعية وجهان (2).
وإذا جوزنا القسمة في موضع فسبيل الطالب لها أن يراجع الشريك،
فإن ساعده فذاك، وإن امتنع رفع الأمر إلى القاضي ليقسم.
ولو قاسم المرتهن وهو مأذون من جهة المالك أو الحاكم عند امتناع
المالك، جاز، وإلا فلا.
وإذا منعنا القسمة لو رضي المرتهن، قال أكثر الشافعية: يصح (3).
وقال بعضهم: لا يصح وإن رضي؛ لأن رضاه إنما يؤثر في فك
الرهن، فأما في بيع الرهن بما ليس برهن ليصير رهنا فلا (4).
وهذا إشكال قوي؛ لأنهم يجعلون القسمة بيعا (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 525، روضة الطالبين 3: 348.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 525، روضة الطالبين 3: 348 - 349.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 5: 526، روضة الطالبين 3: 349.
(5) الأم 3: 24، مختصر المزني: 77، الحاوي الكبير 5: 126، التهذيب -
للبغوي - 3: 345، العزيز شرح الوجيز 4: 28، روضة الطالبين 3: 51، المغني
4: 147 - 148.
322

واعلم أن القسمة في الحقيقة إنما تجري مع الشريك؛ لأنه المالك.
ولو أراد الراهنان القسمة قبل فك شيء من المرهون، فعلى التفصيل
- السابق - إلى مختلف الأجزاء ومتفقها.
ولو رهن واحد من اثنين وقضى نصيب أحدهما ثم أراد القسمة
ليمتاز ما بقي فيه الرهن، فالأقوى: اشتراط رضا المرتهن الآخر.
مسألة 214: إذا سقط حق المرتهن بإبراء أو قضاء، كان الرهن عنده
أمانة؛ لأنه كان عنده أمانة ووثيقة، فإذا سقطت الوثيقة، بقي أمانة.
ولا يلزم رده حتى يطالبه به؛ لأنه بمنزلة الوديعة، بخلاف ما إذا
أطارت الريح ثوبا إلى دار إنسان، أو دخلت شاة إلى دار إنسان، فإنه يلزمه
رده عليه (1) أو إعلامه به؛ لأنه لم يرض بكونه في يده.
وينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرأ الراهن من الدين ولم يعلم الراهن
أن يعلمه بالإبراء، أو يرد الرهن عليه؛ لأنه لم يتركه عنده إلا على سبيل
الوثيقة، بخلاف ما إذا علم؛ لأنه قد رضي بتركه في يده.
وقال أبو حنيفة: إذا قضاه، كان مضمونا، وإذا أبرأه أو وهبه له ثم
تلف الرهن في يده، لم يضمنه استحسانا؛ لأن البراءة أو (2) الهبة لا تقتضي
الضمان (3).
وهو تناقض منه؛ لأن القبض المضمون عنده (4) لم يزل ولم يبرأ منه.
إذا عرفت هذا، فلو سأل مالكه في هذه الحال دفعه إليه، لزم من هو

(1) أي: على المالك.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(3) بدائع الصنائع 6: 155، حلية العلماء 4: 459، المغني 4: 479، الشرح الكبير
4: 445 - 446.
(4) الهداية - للمرغيناني - 4: 127، الاختيار لتعليل المختار 2: 99.
323

في يده من المرتهن أو العدل دفعه إليه إذا أمكنه، فإن لم يفعل، صار
ضامنا، كالمودع إذا امتنع من رد الوديعة بعد طلبها.
وإن كان امتناعه لعذر - مثل أن يكون بينه وبين الراهن طريق
مخوف، أو باب مغلق لا يمكنه فتحه، أو خاف فوت جمعة أو وقت
فريضة، أو كان به مرض أو جوع شديد وما أشبه ذلك - فأخر التسليم
لذلك فتلف، فلا ضمان عليه؛ لأنه غير مفرط بامتناعه. فإن زال العذر،
وجبت المبادرة، ولا حاجة إلى تجديد طلب.
ولو رهن عند اثنين فوفى أحدهما، بقي نصيب الآخر رهنا عنده،
ويقر الرهن بأسره في يده نصفه رهن ونصفه وديعة.
324

الفصل الثامن: في التنازع الواقع بين المتراهنين
مسألة 215: لو اختلفا في أصل العقد، فقال رب الدين: رهنتني كذا،
وأنكر المالك، كان القول قول الراهن مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الرهن،
سواء كان الشيء المدعى رهنا في يد الراهن أو يد المرتهن، فإن أقام
المرتهن البينة، تثبت دعواه، وإلا فلا.
ولو اتفقا على العقد واختلفا في وصف يبطله فادعاه أحدهما فأنكره
الآخر، فالقول قول منكره، سواء كان الراهن أو المرتهن؛ لأن الأصل صحة
العقد.
ولو اختلفا في عين الرهن، فقال: رهنتني عبدك هذا، فقال: بل العبد
الآخر أو الجارية أو الثوب، خرج ما ادعاه الراهن عن الرهن؛ لاعتراف
المرتهن بأنه ليس رهنا، ثم يحلف الراهن على نفي ما ادعاه المرتهن،
وخرجا عن الرهن معا.
ولو اختلفا في قدر الدين المرهون به، فقال الراهن: رهنت على
ألف، وقال المرتهن: بل على ألفين، فالقول قول الراهن مع يمينه، سواء
اتفقا على أن الدين ألفان وادعى الراهن أن الرهن على أحدهما وادعى
المرتهن أنه عليهما معا، أو اختلفا في قدر الدين - وبه قال النخعي والثوري
والشافعي والبتي وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي (1) - لأن الراهن منكر

(1) المغني 4: 482، الشرح الكبير 4: 466.
325

للزيادة التي يدعيها المرتهن، فالقول قوله؛ لقول النبي (صلى الله عليه وآله): " لو أعطي
الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على
المدعى عليه ". رواه العامة (1).
ومن طريق الخاصة: رواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن الباقر (عليه السلام):
في الرجل يرهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فيه، ادعى الذي عنده
الرهن أنه بألف درهم، فقال صاحب الرهن: إنه بمائة، قال: " البينة على
الذي عنده الرهن أنه بألف درهم، فإن لم يكن له بينة فعلى الراهن
اليمين " (2).
ولأن الأصل عدم الرهن وعدم الزيادة التي يدعيها، فالقول قول
النافي، كما لو اختلفا في أصل الدين.
وحكي عن الحسن وقتادة أن القول قول المرتهن ما لم يجاوز ثمن
الرهن أو قيمته، ونحوه قال مالك؛ لأن الظاهر أن الرهن بقدر الحق (3).
وقد روى الشيخ نحو هذا القول عن علي (عليه السلام) في رهن اختلف فيه
الراهن والمرتهن، فقال الراهن: هو بكذا وكذا، وقال المرتهن: هو بأكثر،
قال علي (عليه السلام): " يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه " (4).
وما ذكروه من الظاهر ممنوع، فإن العادة تقضي رهن الشيء بأقل من
قيمته وبأكثر وبالمساوي، فلا ضابط لها فيه.
والرواية عن علي (عليه السلام) ضعيفة السند.

(1) صحيح مسلم 3: 1336 / 1711، وعنه في المغني 4: 482، والشرح الكبير 4:
466، وفيها: " لو يعطى... ".
(2) الكافي 5: 237 / 2، التهذيب 7: 174 / 769، الاستبصار 3: 121 / 432.
(3) المغني 4: 482، الشرح الكبير 4: 466.
(4) التهذيب 7: 175 / 774، الاستبصار 3: 122 / 435.
326

إذا ثبت هذا، فلو اتفقا على أن الدين ألفان، وقال الراهن: إنما
رهنتك بأحد الألفين، وقال المرتهن: بل بهما، فالقول قول الراهن - كما
تقدم - مع يمينه؛ لأنه ينكر تعلق حق المرتهن في أحد الألفين برهنه،
والقول قول المنكر.
ولو اتفقا على أنه رهن بأحد الألفين لكن قال الراهن: هو رهن
بالمؤجل، وقال المرتهن: بل بالحال، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأنه
منكر. ولأن القول قوله في أصل الدين فكذا في صفته.
ولو كان هناك بينة، حكم بها في جميع هذه المسائل.
وكذا لو قال الراهن: إنه رهن على الحال، وقال المرتهن: إنه على
المؤجل، يقدم قول الراهن مع يمينه.
مسألة 216: لو اختلفا في قدر المرهون، فقال الراهن: رهنتك هذا
العبد، فقال المرتهن: بل هو والعبد الآخر، قدم قول الراهن إجماعا؛ لأنه
منكر.
وكذا لو رهن أرضا فيها شجر، ثم قال الراهن: رهنت الأرض دون
الشجر، وقال المرتهن: بل رهنتها بما فيها، قدم قول الراهن؛ لما تقدم.
ولو قال الراهن: رهنتك الأشجار خاصة، فقال المرتهن: بل رهنتها
مع الأرض، فالقول قول الراهن.
ولو قال المرتهن: رهنت هذه الأشجار مع الأرض يوم رهن الأرض،
وقال الراهن: إن هذه الأشجار أو بعضها لم تكن يوم رهن الأرض، وإنما
أحدثتها بعده، فإن كان شاهد الحال يصدقه، ولا يتصور وجودها يوم
الرهن، فالمرتهن كاذب، ويقدم قول الراهن بغير يمين. وإن كان لا يتصور
327

حدوثها [بعده] (1) فالراهن كاذب.
ثم إن ادعى في منازعتها أنه رهن الأرض بما فيها ووافقه الراهن،
كانت الأشجار مرهونة، كما يقوله المرتهن، ولا حاجة إلى الإحلاف.
وإن زعم رهن الأرض وحدها أو رهن ما سوى الأشجار المختلف
فيها أو اقتصر على نفي الوجود، لم يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها
رهنا، فيطالب بجواب دعوى الراهن.
فإن استمر على إنكار الوجود واقتصر عليه المعلوم كذبه فيه، جعل
ناكلا، وردت اليمين على المرتهن، فإن رجع إلى الاعتراف بالوجود وأنكر
رهنها قبل إنكاره، فإن حلف خرجت عن الرهن وقبلت يمينه؛ لأنه لا يلزم
من كذبه في نفي الوجود كذبه في نفي الرهن.
ولو كانت الأشجار بحيث يحتمل وجودها يوم رهن الأرض
وتجددها بعده، قدم قول الراهن؛ لأصالة عدم الرهن، فإذا حلف فهي
كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام، ويكفي إنكار الوجود
يوم الرهن؛ لأنه يضمن إنكار ما يدعيه المرتهن، وهو رهنها مع الأرض.
وللشافعية قول: إنه لا بد من إنكار الرهن صريحا (2).
ولا فرق بين أن يكون الاختلاف في رهن تبرع أو في رهن مشروط
في بيع.
والشافعية فرقوا وقالوا في الثاني: يتحالفان، كما في سائر كيفيات
البيع (3).
وهو ممنوع عندنا.
مسألة 217: لو ادعى إنسان على اثنين أنهما رهنا عبدهما المشترك

(1) أضفناها لأجل السياق.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 529، روضة الطالبين 3: 350.
328

بينهما عنده بمائة وأقبضاه، فإن أنكر الرهن أو الرهن والدين جميعا، قدم
قولهما مع اليمين.
ولو صدقه أحدهما خاصة، فنصيب المصدق رهن بخمسين، والقول
في نصيب المكذب قوله مع يمينه.
فإن شهد المصدق للمدعي على شريكه المكذب، قبلت شهادته؛
لانتفاء شبهة جلب نفع أو دفع ضرر؛ لجهالته، مع عدالته وانتفاء عداوته.
وإن (1) شهد معه آخر كذلك، ثبت حقه، وإلا حلف المدعي معه،
ويثبت الحق ورهن الجميع.
ولو أنكر كل واحد منهما رهن نصيبه وشهد على صاحبه الآخر برهن
نصيبه وأنه أقبضه، قبلت شهادتهما، وحلف لكل منهما يمينا، وقضي له
برهن الجميع، وإن حلف لأحدهما، ثبت رهن نصيبه، وهو أحد قولي
الشافعي.
والثاني: لا تقبل شهادة واحد منهما؛ لأن المدعي يزعم أن كل واحد
منهما كاذب ظالم بجحوده، فإذا نسب المدعي شاهده إلى الفسق، منع من
قبول شهادته له (2).
لكن أكثر الشافعية على الأول؛ لأنهما ربما نسيا أو اشتبه عليهما
ولحقهما شبهة فيما يدعيه.
وبالجملة، إنكار الدعوة لا يثبت فسق المدعى عليه. ولأن الكذبة
الواحدة لا توجب الفسق، ولهذا لو تخاصم اثنان في شيء ثم شهدا لغيرهما
في قضية، سمعت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم، ولو
ثبت الفسق بذلك، لم يجز قبول شهادتهما جميعا مع تحقق الجرح في

(1) في " ج ": " فإن ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 529 - 530، روضة الطالبين 3: 350.
329

أحدهما، فعلى هذا إذا حلف مع كل واحد منهما أو أقام شاهدا آخر، ثبت
رهن الجميع (1).
وقال بعض الشافعية: الذي شهد أولا تقبل شهادته، دون الذي شهد
أخيرا؛ لأنه انتهض خصما منتقما (2).
والضابط أن نقول: متى حصلت تهمة في شهادة أحدهما، لم تقبل
شهادته، وإلا قبلت.
مسألة 218: لو ادعى اثنان على رجل أنه رهن عبده عندهما وقال كل
واحد منهما: إنه رهنه عندي دون صاحبي وأقبضنيه دون صاحبي.
فإن كذبهما جميعا، فالقول قوله مع اليمين، ويحلف لكل واحد
منهما يمينا.
وإن كذب أحدهما وصدق الآخر، قضي بالرهن للمصدق وسلم إليه،
ويحلف للآخر، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحهما عنده: أنه لا يحلف.
وهذان مبنيان على أنه لو أقر بمال لزيد ثم أقر به لعمرو، هل يغرم
قيمته لعمرو؟ فيه قولان.
وكذا لو قال: رهنته من زيد وأقبضته، ثم قال: لا، بل رهنته من
عمرو وأقبضته، هل يغرم قيمته للثاني ليكون رهنا عنده؟
إن قلنا: يغرم، فله تحليفه، فربما يقر فتؤخذ القيمة.
وإن قلنا: لا يغرم، بني على أن النكول ورد اليمين هل هو بمثابة
الإقرار أو البينة؟
إن قلنا بالأول، لم يحلف؛ لأن غايته أن ينكل فيحلف، وذلك مما
لا يفيد شيئا، كما لو أقر.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 530، روضة الطالبين 3: 350.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 530، روضة الطالبين 3: 351.
330

وإن قلنا بالثاني، حلفه، فإن نكل فحلف اليمين المردودة، ففيما
يستفيد به وجهان:
أحدهما: يقضى له بالرهن، وينتزع من الأول؛ وفاء لجعله كالبينة.
وأصحهما: أنه يأخذ القيمة من المالك لتكون رهنا عنده، ولا ينتزع
المرهون من الأول؛ لأنا وإن جعلناه كالبينة فإنما يفعل ذلك بالإضافة إلى
المتداعيين ولا نجعله حجة على غيرهما (1).
وإن صدقهما جميعا، فإن لم يدعيا السبق أو ادعاه كل واحد منهما
وقال المدعى عليه: لا أعرف السابق منكما، فصدقاه، قيل: يقسم الرهن
بينهما، كما لو تنازعا ملكا في يد ثالث واعترف صاحب اليد لهما بالملك.
وأصحهما عندهم: أنه يحكم ببطلان العقد، كما لو زوج وليان
ولم يعرف السابق منهما.
وإن ادعى كل واحد منهما السبق وعلم الراهن بصدقه ونفى علمه
بالسبق، فالقول قوله مع يمينه، فإن نكل، ردت اليمين عليهما، فإن حلف
أحدهما دون الآخر، قضي له. وإن حلفا أو نكلا، تعذر معرفة السابق،
وعاد الوجهان.
وإن صدق أحدهما في السبق وكذب الآخر، قضي للمصدق.
وهل يحلف للمكذب؟ فيه القولان (2).
وحيث قلنا: يقضي للمصدق فذاك إذا لم يكن العبد في يد
المكذب، فإن كان، فقولان للشافعية:
أحدهما: أن يده ترجح على تصديق المرتهن الآخر، ويقضى له

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 531، روضة الطالبين 3: 351 - 352.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 531 - 532، روضة الطالبين 3: 352.
331

بالرهن.
وأصحهما: أن المصدق يقدم؛ لأن اليد لا دلالة لها على الرهن،
ولهذا لا تجوز الشهادة بها على الرهن (1).
ولو كان العبد في أيديهما معا، فالمصدق مقدم في النصف الذي هو
في يده، وفي النصف الآخر القولان (2).
والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق العقد لا بسبق القبض حتى لو
صدق هذا في سبق العقد وهذا في سبق القبض، فالمقدم الأول، خلافا
للشافعي، فإن الاعتبار عنده بسبق القبض (3).
مسألة 219: لو ادعى رجلان على ثالث برهن عبده عندهما بمائة وأنه
أقبضهما إياه، فإن صدقهما، حكم برهنه عندهما.
وإن كذبهما، فالقول قوله مع اليمين وعدم البينة.
وإن صدق أحدهما خاصة، فنصف العبد مرهون عند المصدق
بخمسين، ويحلف للآخر.
فإن شهد المصدق على المكذب، فللشافعية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا تقبل مطلقا.
والثاني: أنه تقبل مطلقا.
والثالث: أن فيه وجهين بناء على أن الشريكين إن ادعيا حقا أو ملكا
بابتياع أو غيره فصدق المدعى عليه أحدهما دون الآخر، هل يختص
المصدق بالنصف المسلم أو يشاركه الآخر؟ فيه وجهان:
إن قلنا بالاختصاص، قبلت شهادته للشريك، وإلا فلا؛ لأنه يدفع

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 532، روضة الطالبين 3: 352.
332

بشهادته زحمة الشريك عن نفسه.
وقيل: إن لم ينكر إلا الرهن، قبلت شهادته للشريك، وإن أنكر
الدين والرهن، فحينئذ يفرق بين أن يدعيا الإرث أو غيره (1).
ويمكن أن يقال: كما أن استحقاق الدين يثبت بالإرث تارة وبغيره
أخرى، فكذلك استحقاق الرهن، فليجر التفصيل وإن [لم ينكر] (2) إلا
الرهن.
ولو ادعى زيد وعمرو على ابني ثالث أنهما رهنا عبدهما المشترك
منهما بمائة، فصدقا أحد المدعيين، ثبت ما ادعاه، فكان له على كل واحد
منهما ربع المائة ونصف نصيب كل واحد منهما مرهونا به.
وإن صدق أحد الابنين زيدا والآخر عمرا، ثبت الرهن في نصف
العبد لكل واحد من المدعيين في ربعه [بربع] (3) المائة؛ لأن كل واحد منهما
يدعي على الابنين نصف العبد، ولم يصدقه إلا أحدهما.
ثم إن شهد أحد الابنين على الآخر، قبلت شهادته.
ولو شهد أحد المدعيين للآخر، فعلى ما تقدم في الصورة الثانية،
وفي فهمها تعسف.
قال ابن سريج: ما انتهيت إليها إلا احتجت إلى الفكرة حتى أثبتها
على حاشية الكتاب (4).
مسألة 220: لو أرسل مع رجل سلعة إلى غيره ليستقرض منه للمرسل

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 530، روضة الطالبين 3: 351، وراجع: التهذيب
- للبغوي - 4: 72.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " لم يكن ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) زيادة يقتضيها السياق.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 531.
333

ويرهن به السلعة، ففعل، ثم اختلف المرسل إليه والمرسل، فقال المرسل
إليه: إن الرسول استقرض مائة ورهن السلعة بإذنك، وقال المرسل: لم آذن
إلا في خمسين، فالرسول إن صدق المرسل فالمرسل إليه مدع عليهما، أما
على المرسل فبالإذن، وأما على الرسول فبالأخذ، والقول قولهما في نفي
ما يدعيه.
وقال بعض الشافعية: ليس بين المتراهنين نزاع (1).
وليس بجيد؛ لأن الراهن لو أقر بالإذن في الزيادة وقبضها، لزمه
حكم إقراره، فكان للمرتهن إحلافه.
وإن صدق المرسل إليه، فالقول في نفي الزيادة قول المرسل،
ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى
المرسل؛ لأنه مظلوم بقوله، وإن لم يصدقه، رجع عليه.
وفيه نظر؛ لأن الرسول وكيل المرسل، وبقبضه يحصل الملك
للموكل حتى يغرم له إن تعدى فيه، ويسلمه إليه إن كان باقيا، وإذا كان
كذلك فرجوع المرسل إليه إن كان بناء على توجه العهدة على الوكيل،
فليرجع وإن صدقه في دفع المال إلى المرسل، كما يطالب البائع الوكيل
بالشراء بالثمن وإن صدقه في تسليم المبيع إلى الموكل.
وإن كان الرجوع لأن للمقرض أن يرجع في عين القرض ما دام باقيا
- عندهم (2) - فهذا ليس بتغريم ورجوع مطلق، وإنما يسترد عين المدفوع،
فيحتاج إلى إثبات كونه في يده، ولا يكفي فيه عدم التصديق بالدفع إلى
المرسل. وإن كان غير ذلك، فلم يرجع إذا لم يصدقه ولم يوجد منه تعد

(1) راجع: المهذب - للشيرازي - 1: 324.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 532.
334

عليه ولا على حقه.
مسألة 221: لو اختلف المتراهنان في قبض الرهن، فادعاه المرتهن
وأنكره الراهن، فإن كان في يد الراهن وقت النزاع، فالقول قوله مع يمينه،
كما في أصل الرهن؛ لأنه منكر، والأصل معه.
وإن كان في يد المرتهن وقال: أقبضنيه عن الرهن، وأنكر الراهن،
فإن قال: غصبتها مني وآجرتها لغيرك وحصلت (1) في يدك، فالقول قول
الراهن مع يمينه؛ لأن الأصل عدم القبض وعدم الإذن فيه وعدم الرضا به،
بخلاف العين المبيعة والمستأجرة إذا حصلت في يد المشتري والمستأجر
حيث حكمنا بتمام العقد؛ لأن القبض لا يتعلق به لزوم العقد فيهما، وإنما
يتعلق به انتقال الضمان واستقراره، وذلك حاصل بالقبض كيف حصل،
وهنا القبض يتعلق به لزوم العقد؛ لأنه غير لازم إلا به عند بعضهم (2)،
فلا يلزمه إلا بقبض يرضاه، ولهذا لو آجره ثم رهنه، صحت الإجارة
والرهن؛ لأنهما لا يتنافيان، فإذا أقبضه عن الإجارة، لم يكن له قبضه عن
الرهن إلا بإذنه، فإذا أذن فيه ومضى زمان يمكن فيه القبض، صار مقبوضا
عن الرهن أيضا.
ولو رهنه وسلمه إليه ثم آجره ومضى زمان يمكن قبضه فيه، صار
مقبوضا؛ لأن القبض في الإجارة لازم، فلم يعتبر إذنه فيه.
وإن ادعى قبضه عن جهة أخرى مأذون فيها سوى الرهن بأن قال:

(1) تأنيث الفعل وكذا تأنيث الضمير في " غصبتها " و " آجرتها " باعتبار عين الرهن.
(2) التنبيه: 100، الحاوي الكبير 6: 7، حلية العلماء 4: 410، التهذيب - للبغوي
- 4: 6، العزيز شرح الوجيز 4: 471، روضة الطالبين 3: 307، المغني 4:
399، الشرح الكبير 4: 420.
335

أودعتكه [أو أعرت] (1) أو اكتريته (2) أو أكريته من فلان فأكراه منك،
فوجهان:
أحدهما: أن القول قول المرتهن؛ لأنهما اتفقا على قبض مأذون فيه،
وأراد الراهن أن يصرفه إلى جهة أخرى، والظاهر خلافه؛ لتقدم العقد
المحوج إلى القبض.
وأصحهما عندهم: أن القول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم اللزوم
وعدم إذنه في القبض عن الرهن (3).
وله (4) وجه بعيد فيما إذا قال: " غصبته " أيضا، أن القول قول
المرتهن؛ لدلالة اليد على الاستحقاق، كما يستدل بها على الملك (5).
ويجري مثل هذا التفصيل فيما إذا اختلف المتبايعان في القبض حيث
كان للبائع حق الحبس، إلا أن الأظهر هنا الحكم بحصول القبض إذا كان
المبيع عند المشتري وادعى البائع أنه أعاره أو أودعه؛ لتقوي اليد بالملك.
وهذا يتفرع على أن حق الحبس لا يبطل بالإيداع والإعارة عند
المشتري، وفيه وجهان (6).
ولو سلم الراهن أنه أذن له في قبضه عن جهة الرهن وادعى الرجوع

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " واعترف ". والصحيح ما
أثبتناه.
(2) في " ج ": " اكتريت ".
(3) الوسيط 3: 525، الوجيز 1: 168، العزيز شرح الوجيز 4: 533، روضة
الطالبين 3: 353.
(4) الظاهر: " ولهم ".
(5) الوسيط 3: 525، الوجيز 1: 168، العزيز شرح الوجيز 4: 533.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 533، روضة الطالبين 3: 353.
336

قبل القبض وأنكر المرتهن الرجوع، فالقول قول المرتهن؛ لأن الأصل عدم
الرجوع.
ولو قال الراهن: لم تقبضه بعد، وقال المرتهن: قبضته، فإن كان
الرهن في يد الراهن، فالقول قوله مع يمينه، وإن كان في يد المرتهن،
فالقول قوله مع يمينه؛ لأن اليد قرينة دالة على صدقه.
مسألة 222: يقبل إقرار الراهن بالقبض، ويلزمه حكمه بشرط
الإمكان، ولا يقبل لو ادعى المحال، كما لو قال: رهنته داري اليوم بالحجاز
- وهما في العراق - وأقبضتها إياه، لم يلتفت إليه.
ولو أنكر الإقباض، فالقول قوله مع اليمين.
فإن أقام المرتهن شاهدين على إقراره، حكم بالبينة في محل
الإمكان.
فإن قال: أشهدت على رسم القبالة ولم أقبضه بعد، كان له إحلاف
المرتهن على أنه أقبضه.
وكذا لو ذكر لإقراره تأويلا يمكن حمله عليه، كما لو قال: كنت
أقبضته بالقول وظننت أنه يكفي في القبض، أو وصل إلي كتاب عن وكيلي
ذكر فيه أنه أقبضه وظهر أن الكتاب مزور، فله الإحلاف أيضا.
وإن لم يذكر تأويلا، فالأقرب أنه يمكن من إحلافه - وهو ظاهر قول
الشافعي (1) - لأن الغالب في الوثائق وقوع الشهادة قبل تحقيق ما فيها، فأي
حاجة إلى تلفظه بذلك.
وله قول آخر: إنه لا يلتفت إليه، ولا يمكن من إحلافه؛ لمناقضته
لكلامه الأول، فلا يقبل إنكاره بعد اعترافه (2).
ولو شهد الشاهدان على نفس الإقباض وفعله، فليس له الإحلاف

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 534، روضة الطالبين 3: 354.
337

بحال.
وكذا لو شهدا على إقراره بالإقباض فقال: ما أقررت، لم يلتفت إليه؛
لأنه تكذيب للشهود.
هذا إذا قامت الحجة على إقراره، أما لو أقر في مجلس القضاء
بالإقباض [بعد] (1) توجه الدعوى عليه، ففي مساواته للإقرار في غيره نظر:
من حيث إنه لا يكاد يقر عند القاضي إلا عن تحقيق، سواء ذكر له تأويلا أو
لا، ولا يمكن من إحلافه، وهو قول بعض الشافعية (2).
وقال بعضهم: يمكن؛ لشمول الإمكان (3) (4).
ولو باعه شيئا بثمن عليه وشرط على المشتري رهنا على الثمن،
فادعى المشتري أنه رهنه وأقبضه وأن الرهن تلف، فلا خيار له في البيع.
وإن أقام شاهدين على إقراره بالقبض فأراد المرتهن تحليفه، كان له
ذلك.
وكذا لو أقام بينة على اقرار زيد بدين، فقال زيد: ما قبضت وإنما
أقررت وأشهدت لتقرضني فلم تقرضني فحلفوه على ذلك، كان له ذلك.
ولو شهدت البينة بمشاهدة القبض، لم يكن له الإحلاف. ونظائره
كثيرة.
وإذا أقر الراهن بالإقباض ثم ادعى تأويلا لإقراره فنفاه المرتهن، كان
للراهن إحلافه على نفي ذلك التأويل.

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " فقد ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 534، روضة الطالبين 3: 354.
(3) في العزيز شرح الوجيز: " الإنكار " بدل " الإمكان ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 534، روضة الطالبين 3: 354.
338

ولو لم يتعرض لنفي التأويل واقتصر على قوله: قبضت، قنع منه
بالحلف عليه.
مسألة 223: إذا أقر رجل بالجناية على العبد المرهون، فإن صدقه
المتراهنان، فالأرش رهن عند المرتهن؛ لأنه عوض الرهن.
وإن كذباه، فلا شيء لهما.
وإن صدقه الراهن وكذبه المرتهن، كان للراهن أخذ الأرش، ولا حق
للمرتهن فيه.
وإن صدقه المرتهن وكذبه الراهن، كان للمرتهن المطالبة بالأرش،
ويكون مرهونا عنده؛ لأن حقه متعلق به حيث هو عوض الجزء الفائت من
الرهن، ولا يؤثر في سقوطه إنكار الراهن.
فإن أخذ المرتهن الأرش فإن اتفق قضاء الدين من غيره أو سقوطه
عن الراهن بإبراء وشبهه، رجع الأرش إلى الجاني المقر، ولا شيء للراهن
فيه؛ لإنكار استحقاقه، وهو أصح وجهي الشافعية.
والثاني: يجعل في بيت المال؛ لأنه مال ضائع لا يدعيه أحد؛ إذ
المرتهن انقطعت علقته، والراهن ينكر استحقاقه، والمقر يعترف بوجوب
أدائه عليه (1).
ولا بأس بهذا القول.
مسألة 224: إذا جنى العبد المرهون على إنسان، تعلقت الجناية به،
وكان حق المجني عليه مقدما على حق المرتهن؛ لأنه مقدم على حق
المالك، فعلى حق الرهن أولى.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 535، روضة الطالبين 3: 355.
339

ولو جنى على مال الغير، تعلقت الجناية برقبته يتبع به بعد عتقه
عندنا.
وقال أحمد: يتعلق بالعبد أيضا، ويقدم على حق المرتهن، كالجناية
على النفس (1).
وليس بشئ.
إذا عرفت هذا، فلو أقر المرتهن بأن العبد المرهون عنده جنى
وساعده العبد، أو لا (2)، لم يقبل من المرتهن في حق الراهن، بل يقدم قول
الراهن مع يمينه؛ لأنه المالك، وضرر الجناية يعود إليه.
فإذا بيع في [دين] (3) المرتهن، لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره
السابق؛ لأن العبد إذا كان جانيا، لم يصح بيعه للمرتهن؛ لتعلق حق المجني
عليه [به] (4) وإذا لم يصح بيعه، كان الثمن باقيا على ملك المشتري. وإن
لم يكن جانيا، فلا حق فيه لغير المرتهن، وقد أقر بعدم استحقاقه له.
ولو أقر الراهن بالجناية وأنكر المرتهن، فالقول قوله مع اليمين؛
لأصالة عدم الجناية، واستصحاب الرهن.
فإذا بيع في الدين، فلا شيء للمقر له على الراهن؛ لأن الراهن
لا يغرم جناية الرهن، ولم يتلف برهنه شيئا للمقر له؛ لأن الرهن سابق على
الجناية، بخلاف ما لو أقر بجناية أم الولد حيث يغرم للمقر له وإن كان
الاستيلاد سابقا على الجناية؛ لأن السيد يغرم جناية أم الولد.

(1) المغني 4: 444، الشرح الكبير 4: 478.
(2) أي: أو لم يساعده.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " يد ". والظاهر ما أثبتناه.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
340

وقال بعض الشافعية: يقبل إقرار الراهن، ويباع العبد في الجناية،
ويغرم الراهن للمرتهن (1).
وليس بشئ.
هذا إذا تنازعا في جنايته بعد لزوم الرهن، فإن تنازعا فيها قبل لزوم
الرهن، فإن أقر الراهن بأنه كان قد أتلف مالا - عندهم (2) - أو جنى على
نفس جناية توجب المال، فإن لم يعين المجني عليه أو عينه لكن كذبه
ولم يدع ذلك، فالرهن مستمر بحاله.
وإن عينه وادعاه المجني عليه، فإن صدقه المرتهن، بيع في الجناية،
وثبت للمرتهن الخيار في البيع المشروط فيه الرهن؛ لعدم سلامته له.
وإن كذبه المرتهن، لم يقبل إقراره - وهو أصح قولي الشافعي، وبه
قال أبو حنيفة (3) - لما فيه من إبطال حق المرتهن، والتهمة فيه ظاهرة؛
لجواز أن يكون الراهن والمقر له قد تواطآ على ذلك بحيث يرتفع الرهن.
والقول الثاني للشافعي: أنه يقبل؛ لأن الراهن مالك فيما أقر به،
فلا تهمة في إقراره (4).
وهو ممنوع.
وكذا القولان لو أقر العبد بسرقة وقبلناه في القطع، هل يقبل في
المال؟
وكذا لو قال الراهن: كنت غصبته، أو اشتريته شراء فاسدا، أو بعته
قبل أن رهنته أو وهبته وأقبضته.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 536، روضة الطالبين 3: 355.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 536، روضة الطالبين 3: 355.
341

وكذا لو قال: كنت أعتقته (1).
قال بعض الشافعية: ولا حاجة في هذه - صورة العتق - إلى تصديق
العبد دعواه، بخلاف سائر الصور (2).
وفي الإقرار بالعتق قول ثالث: إنه إن كان موسرا، نفذ، وإلا فلا،
تنزيلا للإقرار بالإعتاق منزلة الإعتاق (3).
ونقل بعض الشافعية الأقوال الثلاثة للشافعي في جميع الصور (4).
فإن قلنا: لا يقبل إقرار الراهن، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن
مع يمينه يحلف على نفي العلم بالجناية.
وإذا حلف واستمر، فهل يغرم الراهن للمجني عليه؟ الوجه عندنا:
أنه لا يغرم؛ لأنه أقر في رقبة العبد بما لم يقبل إقراره، فكأنه لم يقر، وهو
أحد قولي الشافعي.
والثاني - وهو الأصح عندهم -: أنه يغرم، كما لو قتله؛ لأنه حال بينه
وبين حقه (5).
وكذا القولان فيما إذا أقر بدار لزيد ثم أقر لعمرو، هل يغرم لعمرو؟
الوجه: ذلك؛ لأنه بالإقرار الأول حال بين من اعترف باستحقاقه ثانيا وبين
حقه.
فإن قلنا: يغرم، طولب في الحال إن كان موسرا. وإن كان معسرا فإذا
أيسر.
وفيما يغرم للمجني عليه؟ طريقان للشافعية.
قال بعضهم: أصح القولين أنه يغرم الأقل من قيمته وأرش الجناية.

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 536، روضة الطالبين 3: 355.
342

وثانيهما: أنه يغرم الأرش بالغا ما بلغ.
وقال أكثرهم: يغرم الأقل بلا خلاف، كما أن أم الولد لا تفتدى إلا
بالأقل إذا جنت؛ لامتناع البيع، بخلاف العبد القن (1).
وإن قلنا: لا يغرم الراهن [فإن] (2) بيع في الدين، فلا شيء عليه، لكن
لو ملكه يوما، فعليه تسليمه في الجناية. وكذا لو انفك الرهن عنه.
هذا إذا حلف المرتهن، فإن نكل فعلى من ترد اليمين؟ فيه قولان
للشافعية:
أحدهما: على الراهن؛ لأنه المالك للعبد، والخصومة تجري بينه
وبين المرتهن.
وأصحهما عندهم: على المجني عليه؛ لأن الحق فيما أقر له،
والراهن لا يدعي لنفسه شيئا (3).
وهذا الخلاف عند بعضهم مبني على أنه لو حلف المرتهن، هل
يغرم الراهن للمجني عليه؟ إن قلنا: نعم، ترد على المجني عليه؛ لأن
الراهن لا يستفيد باليمين المردودة شيئا، والمجني عليه يستفيد بها إثبات
دعواه، وسواء قلنا: ترد اليمين على الراهن أو المجني عليه، فإذا حلف
المردود عليه، بيع العبد في الجناية، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع إن
كان الرهن مشروطا في بيع؛ لأن إقرار الراهن إذا لم يقبل لا يفوت عليه
شيء، وإنما يلزم الفوات من النكول (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 537، روضة الطالبين 3: 356.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " إن ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 537، روضة الطالبين 3: 356.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 537.
343

ثم إن كان الأرش يستغرق قيمة العبد، بيع كله، وإلا بيع منه بقدر
الأرش.
وهل يكون الباقي رهنا؟ فيه وجهان: أصحهما عندهم: لا؛ لأن
اليمين المردودة كالبينة، أو كإقرار المرتهن بأنه كان جانيا في الابتداء، فلا
يصح الرهن في شيء منه (1).
وإذا رددنا على الراهن فنكل، فهل ترد الآن على المجني عليه؟
قولان:
أحدهما: نعم؛ لأن الحق له، فلا ينبغي أن يبطل بنكول غيره.
وأشبههما: لا؛ لأن اليمين لا ترد مرة بعد مرة، فحينئذ [نكول الراهن
كحلف] (2) المرتهن في تقرير الرهن (3).
وهل يغرم الراهن للمقر له؟ فيه القولان (4).
وإن رددنا على المجني عليه فنكل، سقطت دعواه، وانتهت
الخصومة، عند بعضهم (5).
ورد آخرون على الراهن. وإذا لم يرد، لم يغرم الراهن قولا واحدا،
ويحال بالحيلولة على نكوله (6).
هذا إذا قلنا: إن الراهن لا يقبل إقراره، أما إذا قلنا: إنه يقبل، فهل
يحلف أم يقبل قوله من غير يمين؟ قولان:
أحدهما: لا يحلف؛ لأن اليمين للزجر والتخويف ليرجع عن قوله إن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 537، روضة الطالبين 3: 356.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " الراهن يحلف ". والصحيح ما
أثبتناه من المصدر.
(3 - 6) العزيز شرح الوجيز 4: 537، روضة الطالبين 3: 356.
344

كان كاذبا، وهنا لا سبيل إلى الرجوع.
وأصحهما عندهم: أنه يحلف لحق المرتهن، وعلى هذا فيحلف
على البت؛ لأنه حلف على الإثبات (1).
وسواء قلنا بالتحليف أو عدمه، فيباع العبد في الجناية إما كله أو
بعضه على ما مر، وللمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا
الرهن، وإن نكل، حلف المرتهن؛ لأنا إنما حلفنا الراهن لحقه، فالرد
يكون عليه.
و [ما] (2) فائدة حلفه؟ فيه قولان:
أحدهما: أن فائدته تقرير الرهن في العبد على ما هو قياس
الخصومات.
والثاني: أن فائدته أن يغرم الراهن قيمته لتكون رهنا مكانه، ويباع
العبد في الجناية بإقرار الراهن.
فإن قلنا بالأول، فهل يغرم الراهن للمقر له؛ لأنه بنكوله حال بينه
وبين حقه؟ قولان سبقا.
وإن قلنا بالثاني، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه
هذا الرهن؟ فيه وجهان ينظر في أحدهما إلى حصول الوثيقة. والثاني
[إلى] (3) أن عين المشروط لم يسلم (4).
وإن نكل المرتهن، بيع العبد في الجناية، ولا خيار في البيع،
ولا غرم على الراهن.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 537 - 538، روضة الطالبين 3: 356.
(2 و 3) ما بين المعقوفين أضفناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 538، روضة الطالبين 3: 356 - 357.
345

ولو أقر بالعتق وقلنا: إنه لا يقبل إقراره، قال الشافعي: إنه يجعل
ذلك كإنشاء الإعتاق حتى تعود فيه الأقوال؛ لأن من ملك إنشاء أمر قبل
إقراره به (1).
وقيل: فيه وجهان وإن حكمنا بنفوذ الإنشاء؛ لأنه ممنوع من الإنشاء
شرعا وإن نفذناه إذا فعل، كما أن إقرار السفيه بالطلاق مقبول كإنشائه (2) (3).
ولو أقر بإتلاف مال، ففي قبوله وجهان؛ لأنه ممنوع من الإتلاف
شرعا (4).
قالوا: وجميع ما ذكرناه في مسألة الإقرار بالجناية مبني على أن رهن
الجاني لا يجوز، أما إذا جوزناه، فعن بعض الشافعية أنه يقبل إقراره
لا محالة حتى يغرم للمجني عليه ويستمر الرهن (5).
وقال آخرون: يطرد فيه القولان (6).
ووجه عدم القبول: أنه يحل بلزوم الرهن؛ لأن المجني عليه يبيع
المرهون لو عجز عن أخذ الغرامة من الراهن (7).
ولو أقر بجناية توجب القصاص، لم يقبل إقراره على العبد. ولو
قال: ثم عفي على مال، فهو كما لو أقر بما يوجب المال.
مسألة 225: إذا وطئ جاريته ولم يظهر بها حمل، جاز رهنها وإن
احتمل أنها حملت؛ لأن الأصل عدم الإحبال، فلا يمتنع من التصرف لذلك

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 538، روضة الطالبين 3: 357.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " بإنشائه ". والصحيح ما أثبتناه كما في " العزيز شرح
الوجيز ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 538، روضة الطالبين 3: 357.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 538.
(5 - 7) العزيز شرح الوجيز 4: 538، روضة الطالبين 3: 357.
346

الاحتمال.
فإن ظهر بها حمل فإن كان لدون ستة أشهر من حين الوطئ،
لم يلحق به الولد، وكان مملوكا، والرهن بحاله.
وكذا لو كان لأكثر من مدة الحمل، وهو سنة نادرا عندنا، وأربع سنين
عند الشافعي (1).
وإن كان لستة أشهر فأكثر إلى سنة عندنا وإلى أربع سنين عند
الشافعي (2)، لحق به الحمل، وصارت أم ولد، وكان الولد حرا لا حقا به.
وهل يثبت ذلك في حق المرتهن؟ ينظر فإن كان إقراره بالوطئ قبل
الرهن أو بعده قبل القبض، إن جعلنا القبض شرطا، ثبت في حق المرتهن،
وخرجت من الرهن؛ لأنه أقر في حالة ثبت، ولم يثبت حق المرتهن في
الرهن، وخرجت من الرهن.
وكذا لو كان إقراره بعد لزوم الرهن وصدقه المرتهن أو قامت عليه
بينة، فتكون أم له، ولد ويبطل الرهن.
وللمرتهن فسخ البيع الذي شرط فيه رهنها.
وقال بعض الشافعية: لا خيار له؛ لأنه قبضها مع الرضا بالوطئ،
فهو بمنزلة العيب (3).
وقال بعضهم: إن كان قد أقر بالوطئ قبل العقد، فلا خيار له. وإن
كان بعد [العقد] (4) فله الخيار (5).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 539، روضة الطالبين 3: 357.
(3 و 5) حلية العلماء 4: 463.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " القبض " والظاهر ما أثبتناه كما
في المصدر.
347

وقال بعضهم: يثبت له الخيار بكل حال؛ لأن الوطء لا يمنع صحة
عقد الرهن، ولا يثبت الخيار للبائع، وإذا شرط ارتهانها وأقر السيد بالوطئ،
لم يثبت له بذلك الخيار، فلم يكن قبضها رضا بالحمل الذي يؤول إليه
الوطؤ، ولأنا إذا جعلنا الظاهر عدمه، فلا نجعل رضاه بالوطئ رضا به،
فلم يسقط حقه بذلك (1).
فأما إذا أقر بالوطئ بعد ما قبضها المرتهن وكذبه المرتهن، فللشافعي
قولان:
أحدهما: يقبل إقراره لثبوت الاستيلاد؛ لأنه أقر في ملكه بما لا تهمة
عليه، لأنه يستضر بذلك، فيخرج من الرهن، وبقي الدين في ذمته، فلزم
إقراره.
والثاني: لا يقبل؛ لأنه أقر بما فسخ به عقدا على غيره، فلم يقبل،
كما لو باع جارية ثم أقر بعتقها قبل البيع (2).
وكذا القولان فيما إذا رهن عبدا وأقبضه ثم أقر بأنه جنى على إنسان،
أو أعتقه.
وعلى كل حال فالولد حر ثابت النسب عند الإمكان.
ولو لم يصادف ولدا في الحال وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل
الرهن، ففيه الخلاف.
مسألة 226: لو أقر بجناية يقصر أرشها عن قيمة العبد ومبلغ الدين،
قبل في مقدار الأرش على الخلاف السابق، ولا يقبل فيما زاد على ذلك؛
لظهور التهمة فيه.

(1) حلية العلماء 4: 463.
(2) حلية العلماء 4: 463، المغني 4: 439.
348

وقيل بطرد الخلاف (1).
ولو باع عبدا ثم أقر بأنه كان قد غصبه أو باعه أو أنه اشتراه شراء
فاسدا، لم يعتد بقوله؛ لأنه إقرار في ملك الغير، فيكون مردودا ظاهرا،
بخلاف إقرار الراهن، فإنه إقرار في ملكه.
وقال بعض الشافعية: يجري فيه الخلاف المذكور (2).
والحق: الأول، فيكون القول قول المشتري.
فإن نكل، فالرد على المدعي أو على المقر البائع؟ فيه قولان (3).
ولو آجر عبدا ثم أقر بأنه كان قد باعه أو آجره أو أعتقه، لم يقبل.
وفيه الخلاف المذكور للشافعية في الرهن؛ لبقاء الملك (4).
ولو كاتبه ثم أقر بما لا تصح معه الكتابة، جرى فيه الخلاف
السابق (5).
والوجه: عدم القبول؛ لأن المكاتب بمنزلة من زال الملك عنه.
مسألة 227: لو أذن المرتهن في بيع الرهن وباع الراهن ورجع
المرتهن [عن] (6) الإذن ثم اختلفا، فقال المرتهن: رجعت قبل أن بعت
فيبطل بيعك ويبقى المال رهنا كما كان. وقال الراهن: بل كان رجوعك بعد
البيع، قال الشيخ (رحمه الله): يقدم قول المرتهن؛ لأن الراهن يدعي بيعا والأصل
عدمه، والمرتهن يدعي رجوعا والأصل عدمه، فتعارض الأصلان، ولم
يمكن العمل بهما ولا بأحدهما؛ لعدم الأولوية، فسقطا، والأصل بقاء

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 539.
(2 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 540، روضة الطالبين 3: 358.
(6) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " على ". والصحيح ما أثبتناه.
349

الوثيقة حتى يعلم زوالها (1). وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: أن القول قول الراهن؛ لتقوي جانبه بالإذن الذي سلمه
المرتهن (2).
وقال بعضهم: إن قال الراهن أولا: تصرفت بإذنك، ثم قال المرتهن:
كنت رجعت قبله، فالقول قول الراهن مع يمينه. وإن قال المرتهن أولا:
رجعت عما أذنت، فقال الراهن: كنت تصرفت قبل رجوعك، فالقول قول
المرتهن مع يمينه؛ لأن الراهن حينما أخبر لم يكن قادرا على الإنشاء (3).
ولو أنكر الراهن أصل الرجوع، فالقول قوله مع اليمين؛ لأن الأصل
عدم الرجوع.
مسألة 228: لو كان على إنسان لآخر ألفان: ألف برهن، وألف بغير
رهن، فسلم المديون إليه ألفا ثم اختلفا، فقال الراهن: دفعت إليك
وتلفظت لك أنها على الألف التي بالرهن، وقال المدفوع إليه: بل دفعتها
عن الألف الاخرى، فالقول قول الدافع؛ لأنه أعلم بما دفعه، ولأنه يقول:
إن الدين الباقي بلا رهن، والقول قوله في أصله فكذلك في صفته.
وإن اتفقا على أنه لم يتلفظ بشئ وقال الدافع: نويتها عن الألف التي
بالرهن، وقال المرتهن: بل أردت بذلك الألف الاخرى، فالقول قول الدافع
أيضا؛ لما تقدم، ولأنه أعلم بنيته.

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 209 - 210.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 540، روضة الطالبين 3: 358.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 28، وعنه في العزيز شرح الوجيز 4: 540، وروضة
الطالبين 3: 358.
350

وكذا البحث لو كان [بأحدهما] (1) كفيل، أو كان أحدهما حالا أو ثمن
مبيع محبوس، فقال: سلمته عنه، وأنكر صاحبه.
والاعتبار في أداء الدين بقصد المؤدي حتى لو ظن المستحق أنه
يودعه عنده وقصد المديون أداء الدين، برئت ذمته، وصار المؤدى ملكا
للمستحق.
إذا عرفت هذا، فإن كان عليه دينان فأدى عن أحدهما بعينه، وقع
عنه. فإن أدى عنهما، قسط على الدينين.
وإن لم يقصد في الحال شيئا، احتمل توزيعه على الدينين؛ لعدم
الأولوية، ومراجعته حتى يصرفه الآن إلى أيهما شاء، كما لو كان له مالان:
حاضر وغائب، ودفع زكاة إلى المستحقين ولم يعين بالنية أحدهما، صرفها
إلى ما شاء منهما.
وكلا الاحتمالين للشافعية قولان مثلهما (2).
وتردد بعضهم في الاحتمال الأول هل يوزع على قدر الدينين أو على
المستحقين بالسوية؟ (3).
ولهذه المسألة نظائر:
منها: لو تبايع كافران درهما بدرهمين وسلم مشتري الدرهم أحد
الدرهمين ثم أسلما، إن قصد تسليمه عن الفضل، فعليه الأصل. وإن قصد
تسليمه عن الأصل، فلا شيء عليه. وإن قصد تسليمه عنهما، وزع عليهما،

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " أحدهما ". والصحيح ما
أثبتناه.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 541، روضة الطالبين 3: 359.
351

وسقط ما بقي من الفضل. وإن لم يقصد شيئا، فالوجهان.
ومنها: لو كان لزيد عليه مائة ولعمرو مائة ثم وكلا وكيلا بالاستيفاء
فدفع المديون لزيد أو لعمرو، انصرف إلى من قصده. وإن أطلق،
فالوجهان.
ومنها: لو قال: خذه وادفعه إلى فلان أو إليهما، فهذا توكيل منه
بالأداء، وله التعيين ما لم يصل إلى المستحق. ولو لم يعين فدفعه الوكيل
إلى وكيليهما، فالوجهان.
ومنها: لو كان عليه مائتان لواحد فأبرأه المالك عن مائة، فإن
قصدهما أو واحدة منهما بعينها، انصرف إلى ما قصده. وإن أطلق
فالوجهان.
فإن اختلفا فقال المبرئ: أبرأت عن الدين الخالي عن الرهن
والكفيل، فقال المديون: بل عن الآخر، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأنه
أعرف بنيته.
مسألة 229: لو باعه شيئا وشرط في العقد رهن شيء بعينه، فرهنه ثم
وجد المرتهن فيه عيبا وادعى قدمه، وأنكر الراهن ليسقط خيار المرتهن في
البيع، فالقول قول من ينكر القدم.
ولو رهنه عصيرا ثم اختلفا بعد القبض، فقال المرتهن: قبضته وقد
تخمر فلي الخيار في البيع المشروط فيه الرهن، وقال الراهن: بل صار
عندك خمرا، فالقول قول الراهن مع يمينه؛ لأصالة بقاء البيع، والمرتهن
يطلب بدعواه التدرج إلى الفسخ، وهو أصح قولي الشافعي.
352

والثاني: أن القول قول المرتهن مع يمينه - وبه قال أبو حنيفة - لأن
الأصل عدم القبض الصحيح (1).
ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد وكان الشرط شرط رهن
فاسد، فمن الشافعية من طرد القولين. ومنهم من قطع بأن القول قول
المرتهن.
ومأخذ الطريقين أن فساد الرهن هل يوجب فساد البيع؟
إن قلنا: لا، عاد القولان.
وإن قلنا: نعم، فالقول قول المرتهن؛ لأنه ينكر أصل البيع، والأصل
عدمه (2).
وخرج قوم القولين على أن المدعي من يدعي أمرا خفيا، والمدعى
عليه من يدعي أمرا جليا، أو المدعي من لو سكت ترك، والمدعى عليه
من لو سكت لم يترك. فإن قلنا بالأول، فالمدعي الراهن؛ لأنه يزعم جريان
القبض الصحيح، والأصل عدمه، فيكون القول قول المرتهن. وإن قلنا
بالثاني، فالمدعي هو المرتهن؛ لأنه لو سكت لترك والراهن لا يترك لو
سكت، فيكون قول القول الراهن (3).
ولو سلم الراهن العبد المشروط رهنه في البيع ملفوفا في ثوب ثم
وجد ميتا، فقال الراهن: مات عندك، وقال المرتهن: بل كان ميتا، فالأقوى

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 542، روضة الطالبين 3: 360.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 542، روضة الطالبين 3: 360.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 542 - 544.
353

تقديم قول المرتهن؛ لأصالة عدم الإقباض.
وللشافعية فيه القولان السابقان (1).
ولو اشترى لبنا وأتى بظرف فصبه البائع فيه فوجدت فيه فأرة ميتة،
فقال البائع: إنها كانت في ظرفك، وقال المشتري: بل دفعته وفيه الفأرة،
فالقولان (2).
ولو زعم المشتري أنها كانت فيه يوم البيع، فهو اختلاف في أن العقد
جرى صحيحا أو فاسدا، فالقول قول مدعي الصحة.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 544، روضة الطالبين 3: 360.
354

الفصل التاسع:
في اللواحق
مسألة 230: الرهن شرعا: جعل المال وثيقة على الدين ليستوفى منه
إذا تعذر استيفاؤه من المديون، وليس واجبا إجماعا.
وهو جائز في السفر والحضر عند عامة أهل العلم.
وحكي عن مجاهد وداود أنهما قالا: لا يجوز إلا في السفر؛ لقوله
تعالى: (وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) (1) فشرط
السفر (2).
وليس بشئ؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) رهن درعه عند يهودي وكان
بالمدينة (3).
ولأن هذه وثيقة تجوز في السفر، فجازت في الحضر، كالضمان
والشهادة.
وشرط السفر في الآية بناء على الأغلب، فإن عدم الكاتب في العادة
لا يكون إلا في السفر؛ لقوله تعالى (4): (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو

(1) البقرة: 283.
(2) الحاوي الكبير 6: 4 - 5، حلية العلماء 4: 407، المحلى 8: 87، المغني
والشرح الكبير 4: 398.
(3) صحيح البخاري 3: 74، سنن ابن ماجة 2: 815 / 2437، سنن البيهقي 6: 36.
(4) كذا، والظاهر: " كقوله ".
355

جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) (1)
وشرط السفر لأن العدم يكون في الغالب فيه، ألا ترى أنه شرط عدم
الكاتب ويجوز الرهن وإن كان الكاتب غير معدوم.
مسألة 231: قد بينا (2) أن الرهن يتم عند أكثر علمائنا بنفس العقد وإن
لم يحصل القبض.
وقال بعضهم: لا بد من القبض.
وللعامة قولان كهذين.
فلو رهن ثم جن، لم يبطل الرهن عند الشافعي (3).
وقال بعض الشافعية: يبطل؛ لأن الرهن قبل القبض عقد جائز غير
لازم، فيبطل بزوال التكليف، كالوكالة والشركة (4).
وأجابوا عنه: بأنه وإن لم يكن لازما إلا أنه يؤول إلى اللزوم، فهو
كعقد البيع المشروط فيه الخيار، بخلاف الوكالة والشركة، فإنهما لا يؤولان
إلى اللزوم. ولأن تلك العقود تبطل بموت كل واحد منهما، وهنا لا يبطل
الرهن، فافترقا (5).
تذنيب: لو كان بين شريكين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيت
بعينه، فالأقرب: الصحة؛ لأنه يصح بيعه، وهو أحد وجهي الشافعية.

(1) النساء: 43، المائدة: 6.
(2) راجع ص 189 - 190، المسألة 140.
(3) الحاوي الكبير 6: 8، حلية العلماء 4: 416، الوجيز 1: 163، العزيز شرح
الوجيز 4: 479، روضة الطالبين 3: 312.
(4) الحاوي الكبير 6: 8 - 9، حلية العلماء 4: 416، العزيز شرح الوجيز 4: 479،
روضة الطالبين 3: 312.
(5) الحاوي الكبير 6: 9.
356

والثاني: لا يصح؛ لأنه قد يقاسم شريكه، فيقع هذا البيت في حصة
شريكه وهو مرهون، فلا يجوز (1).
تذنيب آخر: لو كان له غرماء غير المرتهن وحجر عليه الحاكم لأجل
الغرماء، لم يجز تسليم الرهن إلى من رهنه عنده قبل الحجر؛ لأنه ليس له
أن يرهن ابتداء في هذه الحالة كذلك تسليم الرهن؛ لحق الغرماء وتعلقه
بماله.
مسألة 232: يجب على الولي الاحتياط في مال الطفل والمجنون، فلو
ارتهن في بيع مع المصلحة، جاز، وفيه ثلاث مسائل:
أ: لو كان له مال يساوي مائة نقدا فيبيعه بمائة نسيئة ويأخذ رهنا،
فإن هذا بيع فاسد - إلا أن يخاف النهب - لأن بيعه بذلك نقدا أحظ.
ب: أن يكون ماله يساوي مائة نقدا، فيبيعه بمائة وعشرين، مائة
نقدا، وعشرين نسيئة، ويأخذ بها رهنا، فإنه يجوز؛ لأن له بيعه بمائة نقدا،
وقد زاده خيرا، وكان أولى بالجواز.
ج: أن يساوي مائة نقدا، فيبيعه بمائة وعشرين مؤجلة ويأخذ
بالجميع رهنا، فإنه يجوز مع المصلحة.
وللشافعية قولان، منهم من منع؛ لما فيه من التغرير بمال الطفل،
وبيع النقد أحوط (2).
وليس بجيد؛ لأنه مأمور بالتجارة وطلب الربح، وهذا طريقه، فكان
جائزا.
وأما قرض ماله فلا يجوز إلا بشرطين:

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 315، حلية العلماء 4: 423.
(2) روضة الطالبين 3: 306، المغني 4: 431.
357

أحدهما: أن يخاف عليه النهب أو الغرق وشبهه.
والثاني: أن يكون المقترض ثقة مليا ليأمن جحوده.
فإن رأى من المصلحة قبض الرهن، قبضه. وإن رأى من المصلحة
تركه، لم يقبضه؛ لأنه إذا خاف عليه التلف فربما رفعه إلى حاكم يرى
سقوط الدين بالتلف.
مسألة 233: قد بينا أنه ليس للراهن وطؤ الجارية المرهونة؛ لجواز أن
تحمل فتتلف أو تنقص قيمتها بالحمل، بخلاف الاستخدام وسكنى العقار؛
لانتفاء الضرر.
ولو كانت صغيرة لا تحبل أو آيسة، احتمل الجواز - وبه قال بعض
الشافعية؛ لانتفاء الضرر (1) - لما رواه الحلبي - في الحسن - قال: سألت
الصادق (عليه السلام) عن رجل رهن جاريته عند قوم أيحل له أن يطأها؟ قال: " إن
الذين ارتهنوا يحولون (2) بينه وبينها " قلت: أرأيت إن قدر عليها خاليا؟
قال: " نعم، لا أرى هذا عليه حراما " (3).
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) في رجل رهن
جاريته قوما أله أن يطأها؟ فقال: " إن الذين ارتهنوا يحولون (4) بينه وبينها "
فقلت: أرأيت إن قدر على ذلك خاليا؟ قال: " نعم، لا أرى بذلك بأسا " (5).
والشيخ (رحمه الله) منع من ذلك (6).

(1) الوجيز 1: 164، الوسيط 3: 497 - 498، العزيز شرح الوجيز 4: 488،
روضة الطالبين 3: 319، المغني والشرح الكبير 4: 436.
(2 و 4) في " ج " والطبعة الحجرية: " يحيلون ". وما أثبتناه من المصدر.
(3) الكافي 5: 235 - 236 / 15، التهذيب 7: 169 / 752.
(5) الكافي 5: 237 / 20، التهذيب 7: 169 - 170 / 753.
(6) النهاية: 433، المبسوط - للطوسي - 2: 206، الخلاف 3: 231، المسألة 20.
358

مسألة 234: شرط الحنفية في تمام عقد الرهن القبض التام، وهو أن
يكون مقسوما مفرغا متميزا (1).
واحترز بالمقسوم عن رهن المشاع، فإنه لا يصح عندهم (2).
وقد بينا بطلان قولهم.
واحترزوا بالمفرغ عن [رهن] دار فيها متاع للراهن (3)، وبالمتميز عن
رهن متصل بغيره اتصال خلقة، كما لو رهن الثمر على رأس الشجر دون
الشجر، فإنه لا يجوز عندهم (4).
وكذا لا يجوز رهن الزرع في الأرض، دونها، ولا رهن النخل في
الأرض، دونها (5).
وكذا لا يجوز رهن الأرض، دون النخل أو دون الزرع، أو النخل
دون الثمر، ولا رهن الدار دون البناء (6).
وفي رواية عن أبي حنيفة: جواز رهن الأرض دون الأشجار،

(1) تحفة الفقهاء 3: 38، بدائع الصنائع 6: 138 و 140 و 142، الهداية - للمرغيناني -
4: 126، الاختيار لتعليل المختار 2: 98، النتف 2: 894.
(2) تحفة الفقهاء 3: 38، بدائع الصنائع 6: 138، المبسوط - للسرخسي - 21:
69، الهداية - للمرغيناني - 4: 132، الاختيار لتعليل المختار 2: 98، أحكام
القرآن - للجصاص - 1: 524، مختصر اختلاف العلماء 4: 287 / 2003، حلية
العلماء 4: 422، المغني 4: 407، الشرح الكبير 4: 405، بداية المجتهد 2:
273.
(3) تحفة الفقهاء 3: 39، بدائع الصنائع 6: 140، حلية العلماء 4: 431.
(4 و 5) تحفة الفقهاء 3: 38، بدائع الصنائع 6: 140، المبسوط - للسرخسي - 21:
73، الهداية - للمرغيناني - 4: 132.
(6) تحفة الفقهاء 3: 38، بدائع الصنائع 6: 140، المبسوط - للسرخسي - 21:
73، الهداية - للمرغيناني - 4: 132 - 133.
359

ولا يصح دون البناء؛ لأنه التابع (1).
وقد بينا فساد الجميع.
ولو رهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المرتهن، سقط دينه
عند الحنفية (2).
ولو كانت قيمته خمسة، رجع المرتهن على الراهن بخمسة أخرى.
ولو كانت قيمته خمسة عشر، فالفضل أمانة، عند أبي حنيفة (3).
وقال زفر: يرجع الراهن على المرتهن بخمسة؛ لأن الرهن عنده
مضمون بالقيمة. ولأن الزيادة على الرهن مرهونة؛ لكونها محبوسة، فتكون
مضمونة، كقدر الدين. ولقول علي (عليه السلام): " يترادان الفضل " (4) (5).
مسألة 235: لو طالب المرتهن الراهن بالدين، لم يكن للراهن أن
يقول: أحضر المرهون وأنا أؤدي دينك من مالي، بل لا يلزمه الإحضار
بعد الأداء أيضا، وإنما عليه التمكين، كالمودع.
والإحضار وما يحتاج إليه من مؤونة على رب المال.
ولو احتاج إلى بيعه في الدين، لم يكن عليه الإحضار أيضا، بل
يتكلف الراهن مؤونته، ويحضره القاضي [ليبيعه] (6) وبه قال الشافعي (7).

(1) المبسوط - للسرخسي - 21: 73، الهداية - للمرغيناني - 4: 132 - 133.
(2) المبسوط - للسرخسي - 21: 64، بدائع الصنائع 6: 160.
(3) المبسوط - للسرخسي - 21: 64، بدائع الصنائع 6: 160، الهداية - للمرغيناني -
4: 128.
(4) سنن البيهقي 6: 43.
(5) الهداية - للمرغيناني - 4: 128.
(6) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " بقبضه ". والصحيح ما أثبتناه.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 544، روضة الطالبين 3: 361.
360

وقال أبو حنيفة: إذا طالب المرتهن الراهن بالدين، أمر المرتهن
بإحضار الرهن؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء، فلو أمر بقضاء الدين قبل
إحضار الرهن، ربما يهلك الدين بعد ذلك، فيصير مستوفيا لدينه مرتين
بناء على مذهبه من الضمان، فإذا أحضره، أمر الراهن بتسليم دينه أولا؛
لتعين حقه كما تعين حق الراهن، تحقيقا للتسوية، كما في تسليم المبيع
والثمن يحضر المبيع ثم يسلم الثمن أولا.
وكذا إن طالبه بالدين في غير بلد الرهن ولا حمل له ولا مؤونة، لأن
الأماكن كلها كمكان العقد فيما لا حمل له ولا مؤونة، ألا ترى أنه لا يشترط
فيه بيان مكان الإيفاء في السلم بالإجماع، فيؤمر بإحضاره.
وإن كان لحمله مؤونة، يأخذ دينه، ولا يكلف المرتهن بإحضار
الرهن؛ لأن المرتهن عاجز عن الإحضار، والتسليم غير واجب عليه في بلد
لم يجر فيه العقد. ولأن الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية، لا النقل من
مكان إلى مكان؛ لأن العين أمانة (1).
مسألة 236: لو باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن، فإن فسخه
المرتهن، بطل. وإن أمضاه، نفذ. وإن لم يحصل منه إذن ولا فسخ؛ لعدم
اطلاعه عليه، كان البيع موقوفا على الإجازة، ولا يقع باطلا في أصله، وبه
قال أبو حنيفة (2).
وقال أبو يوسف: ينفذ البيع كالإعتاق؛ لأنه تصرف في خالص
ملكه (3).

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 127 - 129.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 145.
(3) لم نعثر عليه في مظانه.
361

وليس بجيد؛ لأن حق المرتهن تعلق به، فيقف على إجازته.
قال أبو حنيفة: فإن أجاز المرتهن البيع، نفذ؛ لأن المانع من النفوذ
حقه، وحقه قد زال بالإجازة. وإن لم يجز البيع وفسخه، انفسخ - في رواية
عن محمد - حتى [لو افتك الراهن الرهن] (1) لا سبيل للمشتري عليه؛ لأنه
يملك الإجازة فيملك الفسخ كالمالك؛ لأن حقه يضاهي الملك (2).
وأشار في الجامع الكبير إلى أنه لا ينفسخ؛ لأن التوقف مع المقتضي
للنفاذ إنما كان لصيانة حقه، وحقه يصان بانعقاد هذا العقد موقوفا، وإذا
بقي موقوفا فإن شاء المشتري صبر حتى يفك الراهن الرهن فيسلم له
المبيع؛ لأن المانع على شرف الزوال، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي
ليفسخ القاضي العقد بحكم العجز عن التسليم، وولاية الفسخ إلى القاضي،
وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض، فإن المشتري بالخيار إن شاء
صبر حتى يرجع الآبق، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ العقد بحكم
العجز عن التسليم (3).
مسألة 237: إذا باع الراهن الرهن من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره
قبل أن يجيز المرتهن، فالثاني أيضا موقوف على إجازته؛ لأن الأول
موقوف، والموقوف لا يمنع توقف الثاني، فجاز البيع الأول إن أجازه،
وجاز البيع الثاني إن أجازه، وبه قال أبو حنيفة (4).
فإن باع الراهن ثم آجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 145.
(3) أورده المرغيناني في الهداية 4: 145، والموصلي في الاختيار لتعليل المختار 2:
103.
(4) الهداية - للمرغيناني - 4: 145.
362

الإجارة أو الرهن أو الهبة، نفذت، ولم ينفذ البيع السابق عندنا.
وقال أبو حنيفة: ينفذ البيع السابق؛ لأن تصرف الراهن في الرهن إذا
كان يبطل حق المرتهن، لا ينفذ إلا بإجازة المرتهن، فإذا أجاز المرتهن
تصرفه، ينظر فيه، فإن كان تصرفا يصلح حقا للمرتهن، ينفذ بإجازة
المرتهن التصرف الذي لحقه الإجازة. وإن كان تصرفا لا يصلح حقا
للمرتهن، فبالإجازة يبطل حق المرتهن، والنفاذ يكون من جهة الراهن،
فينفذ السابق من تصرفات الراهن.
وإن كان المرتهن أجاز اللاحق، فنقول حينئذ: المرتهن ذو حظ من
البيع الثاني؛ لأنه يتحول حقه إلى الثمن بناء على مذهبه من أن إجازة
المرتهن البيع تفيد تعلق الرهن بالثمن، فيصير الثمن رهنا عنده، ويكون
المرتهن أحق بثمنه من الغرماء لو مات الراهن، فصح تعيينه، لتعلق حق
الفائدة به، ولا حق للمرتهن في هذه العقود؛ إذ لا بدل في الهبة والرهن.
وأما الإجارة فبدلها في مقابلة المنفعة، وحقه في مالية العين لا في
المنفعة، فكانت إجازته إسقاطا لحقه، فزال المانع من النفاذ، فنفذ البيع
السابق، كما لو باع المستأجر من اثنين فأجاز المستأجر الثاني، نفذ الأول؛
لأنه لا حق له في الثمن، فكانت الإجازة إسقاطا (1).
وهذا الضابط الذي ذكره ممنوع.
مسألة 238: لو استعار الراهن الرهن من المرتهن، خرج من ضمان
المرتهن عند أبي حنيفة؛ لأن الضمان باعتبار قبضه وقد زال. فإن هلك في
يد الراهن، هلك بغير شيء؛ لفوات القبض الموجب للضمان، وللمرتهن

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 145 - 146.
363

أن يسترده إلى يده؛ لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في الحال،
فإذا استرده، عاد مضمونا عليه عنده؛ لأنه عاد القبض بحكم الرهن، فيعود
بصفته (1)، وهو الضمان.
وكذا لو أعاره أحدهما أجنبيا بإذن الآخر، خرج عن أن يكون
مضمونا، وبقي مرهونا؛ لما تقدم.
ولكل منهما أن يرده رهنا كما كان؛ لأن لكل منهما حقا محتوما فيه،
بخلاف ما إذا آجره - ولو مات الراهن قبل الرد إلى المرتهن، يكون أسوة
الغرماء - لأن الإجارة تصرف لازم أوجبت حقا لازما للغير في الرهن،
فيبطل به حكم الرهن، ولم يتعلق بالعارية حق لازم، فافترقا.
ولو استعار المرتهن الرهن من الراهن ليعمل به فهلك قبل أخذه في
العمل، هلك على ضمان الرهن؛ لبقاء يد المرتهن، فبقي ضمانه.
وكذا إن هلك بعد الفراغ من العمل؛ لأن يد العارية ارتفعت وظهر
الضمان.
وإن هلك في حالة العمل، هلك بغير ضمان؛ لأن يد العارية غير
ضامنة.
وكذا إذا أذن الراهن للمرتهن بالاستعمال (2).
مسألة 239: لو استعار شيئا ليرهنه فتلف قبل رهنه أو بعد ما افتكه،
فالأقرب: عدم الضمان - وبه قال أبو حنيفة (3) - لأن حفظ العين في الحال
بإذن المالك، وبالهلاك قبل الرهن أو بعد الفك لم يصر قاضيا شيئا من

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " بصيغته ". وهي غلط.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 148 - 149.
(3) الهداية - للمرغيناني - 4: 150، بدائع الصنائع 6: 136.
364

دينه، والضمان إنما يتعلق باعتبار استيفاء الدين منه ولم يستوف.
هذا على قول أبي حنيفة: إن المرتهن ضامن للرهن مطلقا (1)، أما
عندنا فإنه غير مضمون عليه، لكن على الراهن.
وهل يثبت الضمان عليه بنفس القبض بالعارية للرهن أو بالرهن؟
إشكال أقربه: الثاني.
فإن اختلف الراهن والمعير بعد التلف، فادعى المالك تلفه في يد
المرتهن، وقال المستعير: هلك قبل رهنه أو بعد فكه، فالقول قول الراهن
مع يمينه؛ لأن الضمان إنما يجب على المستعير بإيفاء الدين منه أو بإمساكه
رهنا وهو ينكرهما.
مسألة 240: قد بينا (2) الخلاف في القبض هل هو شرط أو لا؟
والخلاف في ماهية القبض، فقيل: إنه التخلية مطلقا، وإنما يتحقق القبض
بأن يحضر المرتهن فيقبض، أو يوكل في قبضه، فيصح قبض الوكيل.
ثم الرهن إن كان خفيفا يمكن تناوله باليد، فالقبض فيه أن يتناوله
بيده، وإن كان ثقيلا - كالعبد والدابة - فالقبض فيه النقل من مكان إلى آخر.
وإن كان طعاما فارتهن مكيالا من طعام بعينه، فقبضه أن يكتاله. وإن ارتهن
صبرة على أن كيلها كذا، فقبضها أيضا أن يكتاله. وإن ارتهنها جزافا،
فقبضها النقل من مكان إلى مكان.
وإذا كان مما لا ينقل ولا يحول من أرض ودار وعليها باب مغلق،
فقبضها أن يخلي صاحبه بينه وبينها ويفتح بابها، أو يدفع إليه مفتاحها. وإن

(1) بدائع الصنائع 6: 154، الهداية - للمرغيناني - 4: 127، الاختيار لتعليل المختار 2:
99.
(2) في ص 189 و 190، المسألتان 140 و 141، وكذا في ج 10 ص 101.
365

لم يكن عليها باب، فقبضه التخلية بينه وبينها من غير حائل.
وإن كان الرهن مشاعا فإن كان مما لا ينقل، خلي بينه وبينه، سواء
حضر شريكه أو لم يحضر.
وإن كان مما ينقل ويحول - كالشقص من الجوهر والسيف وغيرهما -
لم يجز تسليمه إلى مرتهنه إلا بحضرة شريكه؛ لأنه يريد نقل نصيبه
ونصيب شريكه إلى يده.
فإذا حضر وسلمه إليه، فإن رضيا أن يكون الجميع على يد المرتهن،
جاز. وإن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك، جاز، وناب عنه في
القبض. وإن رضيا أن يكون على يدي عدل، جاز. وإن تشاحا واختلفا،
انتزعه الحاكم من يدهما، ووضعه على يد عدل إن لم تكن لمنفعته قيمة.
وإن كانت لمنفعته قيمة وأمكن إجارته وكان الانتفاع به لا ينقصه، فإنه
يكرى.
ولو سلمه الراهن للمرتهن فقبضه، حصل القبض؛ لأن الرهن حصل
في يده مع التعدي في غيره، فأشبه ما لو سلم الرهن وغيره.
ولو كان في يد المرتهن بالعارية السابقة، كفى ذلك في القبض.
وهل يفتقر إلى مضي زمان يتحقق فيه القبض لو لم يكن في يده؟
الأقرب: المنع.
وليس للمستعير بعد عقد الرهن الانتفاع به؛ لأن الرهن مانع من
التصرف، فليس له الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل الرهن، قاله
الشيخ (1) (رحمه الله).

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 204 - 205.
366

وقال الشافعي: له الانتفاع كما كان (1).
ولو رهنه ثوبا فاشتبه عليه بغيره فسلم إليه أحدهما، لم يثبت القبض؛
لعدم العلم بأنه أقبضه الرهن، فإن ثبت أنه الرهن تبينا صحة القبض.
ولو سلم إليه الثوبين معا، صح القبض؛ لأنه قد قبض الرهن قطعا.
ولو رهنه دارا فخلى بينه وبينها وهما فيها ثم خرج الراهن، صح
القبض في النصف.
وقال الشافعي: يصح القبض في الجميع؛ لأن التخلية تصح بقوله مع
التمكين منها وعدم المانع، فأشبه ما لو كانا خارجين عنها (2).
وقال أبو حنيفة: لا يصح حتى يخلي بينه وبينها بعد خروجه منها؛
لأنه ما كان في الدار (3) فيده عليها، فلم تحصل التخلية (4).
واعترض بأن خروج المرتهن منها لا يزيل يده عنها، ودخوله إلى دار
غيره لا يثبت يده عليها. ولأنه بخروجه عنها محقق لقوله، فلا معنى لإعادة
التخلية (5).
مسألة 241: قد بينا أنه يصح رهن العبد الجاني؛ لبقاء الملك فيه، لكن
يقدم حق الجناية على حق الرهن؛ لأنه متقدم عليه لو تأخر فمع التقدم
أولى.
ثم إن اقتص منه في النفس، بطل الرهن. وإن اقتص في الطرف، بقي
الباقي رهنا بحاله.

(1) روضة الطالبين 3: 310، وانظر الحاوي الكبير 6: 42.
(2 و 5) المغني 4: 404، الشرح الكبير 4: 426.
(3) أي: لأنه ما دام كائنا فيها.
(4) بدائع الصنائع 6: 140، المغني 4: 404، الشرح الكبير 4: 426.
367

وإن كانت الجناية خطأ، فإن كان الأرش أقل من قيمته، كان الفاضل
منه رهنا. وإن ساواها أو زاد، فإن سلمه المالك إلى المجني عليه في
الجناية، بطل الرهن. وإن فداه، سقط الأرش عن رقبته، وبقي العبد رهنا.
وإن بيع في الجناية، فسخ الرهن.
ثم إن استوعبت الجناية قيمته، بطل الرهن، وإلا بيع بقدرها، وكان
الباقي رهنا.
والشيخ (رحمه الله) أبطل رهن الجاني عمدا وخطأ [لأنها] (1) إن كانت عمدا،
فقد وجب عليه القصاص. وإن كانت خطأ فلسيده أن يسلمه إلى من جني
عليه، فإنها تتعلق برقبة العبد، والسيد بالخيار بين أن يسلمه ليباع في
الجناية وبين أن يفديه و [أيهما] (2) فعل فالرهن على البطلان؛ لأنه وقع باطلا
في الأصل، فلا يصح حتى يستأنف (3).
والوجه: ما قلناه.
ولو كانت الجناية أقل من قيمته ولم يمكن بيع بعضه، بيع كله وأعطي
المجني عليه حقه، وكان الباقي رهنا مكانه. ولو فداه غير السيد أو أبرأه
المجني عليه، بقي رهنا كما كان.
مسألة 242: قد بينا أنه يصح رهن المدبر، ويبطل التدبير؛ لأنه
وصية، فكان الرهن رجوعا فيه، كما لو أوصى به لزيد ثم رهنه، فإنه يكون
رجوعا عن الوصية، ويصح الرهن.
قال الشيخ (رحمه الله): وإن قلنا: إن الرهن صحيح والتدبير بحاله، كان

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " وأيما ". والمثبت من المصدر.
(3) المبسوط - للطوسي - 2: 212.
368

قويا؛ لعدم دليل على إبطاله (1).
قال: فعلى هذا إذا حل الأجل في الدين وقضاه المديون من غير
الرهن، كان جائزا. وإن باعه، كان له ذلك. وإن امتنع من قضاء (2) الدين،
نظر الحاكم فإن كان له مال غيره، قضى دينه منه، وزال الرهن من العبد،
وكان مدبرا بحاله. وإن لم يكن له مال غيره، باعه الحاكم في الدين، وزال
الرهن والتدبير معا (3).
مسألة 243: إذا رهن جارية ذات ولد صغير، صح.
فإن علم المرتهن، لم يكن له الرد ولا فسخ البيع المشروط فيه الرهن
المذكور.
ولو لم يعلم أن لها ولدا صغيرا دون سبع سنين ثم علم، كان له
ردها، وله فسخ البيع المشروط رهنها إن حرمنا التفرقة؛ لأن ذلك نقص في
الرهن، فإن بيعها منفردة أكثر لثمنها، وهو غير جائز هنا؛ لتحريم التفرقة
في البيع.
فإن اختار إمضاء الرهن ورضي بالنقص، فهو بمنزلة العالم يبطل
خياره في فسخ البيع.
ولو رهن أرضا بيضاء، لم يكن له غرسها. فإن نبت فيها نخل بغرسه
أو بحمل السيل إليها نوى فنبت، لم يدخل في الرهن، وليس للمرتهن
قلعه.

(1 و 3) المبسوط - للطوسي - 2: 213.
(2) في الطبعة الحجرية: " أداء " بدل " قضاء ".
369

فإن حل الدين ولم يقض إلا منها فإن وفى ثمنها بالدين، بيعت من
غير نخل، ويترك النخل على ملك الراهن. ولو لم يف إلا أن الغرس الذي
فيها لم ينقص ثمنها، بيعت الأرض للمرتهن، ولم يجب بيع الأشجار معها.
ولو نقص، تخير الراهن بين [بيعهما] (1) جميعا وبين قلع الشجر وتسليم
الأرض سليمة من الحفر لتباع للمرتهن إذا لم يكن مفلسا، فإن فلس،
لم يجز قلعه، بل يباعان، ويدفع إلى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء، والباقي
خارج عنه.
مسألة 244: لو رهن عبدين وسلم أحدهما إلى المرتهن فمات في
يده وامتنع من تسليم الآخر، قال الشيخ: لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ
البيع؛ لأن الخيار في فسخ البيع (2) إنما يثبت إذا رد الرهن ولا يمكنه رد ما
قبضه؛ لفواته.
وكذلك إذا قبض أحدهما وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من
تسليم الآخر إليه، لم يكن له الخيار في فسخ البيع؛ لأنه لا يجوز له رد
المعيب للعيب الحادث في يده (3).
والوجه: أن نقول: إن جعلنا القبض شرطا في الرهن أو شرطاه،
تخير المرتهن في البيع حيث لم يف الراهن بما شرطه.
مسألة 245: إذا اشترى شيئا بثمن على أن يكون المبيع رهنا، قال
الشيخ (رحمه الله): لا يصح البيع - وبه قال الشافعي (4) - لأن شرطه أن يكون رهنا
لا يصح، لأنه شرط أن يرهن ما لا يملك، فإن المبيع لا يملكه المشتري
قبل تمام العقد، وإذا بطل الرهن بطل البيع؛ لأن البيع يقتضي إيفاء الثمن

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " بيعها ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) في " ج " والطبعة الحجرية: " العيب " بدل " البيع ". وما أثبتناه من المصدر.
(3) المبسوط - للطوسي - 2: 234.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 108، المغني والشرح الكبير 4: 463.
370

من غير المبيع، والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع، وذلك
متناقض. ولأن الرهن يقتضي أن يكون أمانة في يد البائع، والبيع يقتضي
أن يكون المبيع مضمونا عليه، وذلك متناقض (1).
وأما إذا شرط البائع أن يسلم المبيع إلى المشتري ثم يرده إلى يده
رهنا بالثمن، فإن الرهن والبيع فاسدان، كالأولى.
لا يقال: أليس يصح شرط الرهن في العقد وإن كان الثمن لم يملكه
البائع؟
لأنا نقول: إنما جوزنا ذلك لموضع الحاجة إلى شرطه ليصير حقا
للبائع، بخلاف مسألتنا.
وأما البيع فلا يصح أيضا عند الشافعية؛ لأن هذا استثناء منفعة
المبيع، وذلك لا يجوز عندهم. ولأن البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير
المبيع، والرهن يقتضي إيفاء الدين منه. ولأن البيع يقتضي تسليم المبيع
أولا، والرهن يقتضي تسليم الدين أولا، والبيع يقتضي أيضا أن يكون
إمساك البائع مضمونا، والرهن يقتضي أن يكون إمساك المرتهن أمانة،
وذلك يوجب تناقض [أحكامهما] (2) (3).
مسألة 246: إذا رهن شيئا عند آخر فأيهما مات قام وارثه مقامه في
حق الرهن.
فإن كان الميت هو المرتهن، ورث وارثه حق الوثيقة؛ لأن ذلك مما

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 235.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " أحكامها ". والصحيح ما
أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 109.
371

يورث، إلا أن للراهن أن يمتنع من كونه في يده؛ لأنه قد رضي بأمانة
المرتهن ولم يرض بأمانة وارثه، فله مطالبته بنقله إلى يد عدل.
وان كان الميت هو الراهن، قام وارثه مقامه في الرهن، فيكون
مستحقا عليه كما كان مستحقا على الراهن، إلا أن الدين الذي كان مؤجلا
في حق الراهن يصير حالا في حق وارثه؛ لأن الأجل لا يورث، ويسقط
بموت من عليه الدين.
وجملة ذلك أن وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلا في القبض،
ووارث الراهن يقوم مقام الراهن إلا في الأجل في الدين.
مسألة 247: لو أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئا من الثمرة قبل
محل الحق، فإن كان بعد إدراكها وبلوغها أوان أخذها وكان في قطعه
مصلحة وفي تركها مضرة، أجبر الممتنع على القطع؛ لأن فيه صلاحا لهما
جميعا.
وإن كان قبل إدراكها، فإن كان للتخفيف عن الأصول أو لازدحام
بعضها على بعض وكان في قطع بعضها مصلحة للثمرة، فإنه إذا قطع منها
كان أقوى لثمرتها وأزكى لها، فإذا كان كذلك قطع منها وأجبر الممتنع.
وإن كان لا مصلحة في قطعها، فإنه يمنع من قطعها، ولا يجبر
الممتنع عليه.
فإن اتفقا جميعا على قطعها أو قطع بعضها، كان لهما؛ لأن الحق
لهما، فإذا رضيا بذلك، لم يمنعا.
وما يلزم القطع من المؤونة فعلى الراهن، فإن لم يكن حاضرا، أخذ
الحاكم من ماله وأنفق عليه. ولو لم يكن مال، أخذ من الثمرة بقدر الأجرة.
فإن قال المرتهن: أنا أنفق عليه على أني أرجع بها في مال الراهن،
372

أذن له الحاكم في ذلك.
فإن قال: أنفق في ذلك على أن تكون الثمرة رهنا بها مع الدين الذي
عنده، جاز أيضا.
قال الشيخ (رحمه الله): ومن الناس من منع منه، وهو الأحوط (1).
فإن استأجر المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم، فإن كان الحاكم
مقدورا عليه، لم يرجع على الراهن؛ لأنه متطوع به. وإن لم يكن مقدورا
عليه، فإن أشهد عليه عدلين أنه يستأجر ليرجع بالأجرة عليه، فيه قولان.
فإن لم يشهد، لم يكن له الرجوع.
مسألة 248: يجب على المرتهن إذا قبض الرهن أن يحفظه، كما
يحفظ الوديعة؛ لأنه أمانة في يده لغيره، فلا يجوز له التفريط فيها.
ولا يجوز له أن يسلمه إلى غيره وإن كان زوجة أو ولدا أو من هو في عياله.
وقال أبو حنيفة: له أن يحفظه بنفسه وولده وزوجته وخادمه الذي في
عياله. ولو حفظ بغير من في عياله أو أودعه، ضمن (2).
وليس بجيد.
ولو رهنه خاتما فجعله في خنصره، فإن كان واسعا، ضمنه؛ لسقوطه
غالبا، وإلا فلا.
وقال أبو حنيفة: يضمنه مطلقا؛ لأنه مأذون في الحفظ دون
الاستعمال، وهذا لبس واستعمال، فصار ضامنا، سواء في ذلك اليمنى
واليسرى، لأن الناس يختلفون فيه تجملا (3).
ونحن نقول: إن قصد التجمل والاستعمال، ضمن، وإلا فلا.

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 243.
(2 و 3) بدائع الصنائع 6: 148، الهداية - للمرغيناني - 4: 130.
373

ولو جعله في بقية الأصابع، كان رهنا بما فيه عند أبي حنيفة - وهو
مذهبنا - لأنه لا يلبس كذلك عادة، فكان من باب الحفظ، دون الاستعمال (1).
قال: ولو رهنه سيفين فتقلدهما، ضمن؛ لأن العادة قد جرت بتقليد
سيفين في الحرب. ولو كانت ثلاثة فتقلدها، لم يضمن؛ لعدم جريان العادة
بلبس الثلاثة (2).
قال: ولو لبس خاتما فوق خاتم، فإن كان ممن يتجمل بلبس
خاتمين، ضمن، وإن كان لا يتجمل بذلك، فهو حافظ لا لابس (3).
والضابط ما قلناه من أنه إن قصد الاستعمال، ضمن، وإلا فلا.
مسألة 249: قد بينا أن أجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على
الراهن، وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إنه على المرتهن، وكذا أجرة الحافظ. وأما أجرة
الراعي ونفقة الرهن فإنها على الراهن عنده.
والأصل أن ما يرجع إلى البقاء يكون على الراهن، سواء كان في
الرهن فضل أو لا؛ لبقاء العين على ملكه ومنافعها مملوكة له، فيكون
إبقاؤها عليه، لأنه مؤونة ملكه، كما في الوديعة، وذلك مثل النفقة في مأكله
ومشربه وأجرة الراعي، لأنه يحتاج إليه لعلف الحيوان، فهو كالطعام
والشراب. ومن هذا الجنس كسوة الرقيق وأجرة ظئر ولد الرهن وسقي
البستان وتلقيح النخل وجذاذه والقيام بمصالحه.

(1) بدائع الصنائع 6: 148، الهداية - للمرغيناني - 4: 130.
(2 و 3) بدائع الصنائع 6: 148، الهداية - للمرغيناني - 4: 130.
(4) حلية العلماء 4: 442، العزيز شرح الوجيز 4: 505، روضة الطالبين 3: 332،
المغني 4: 474، الشرح الكبير 4: 441.
374

وأما ما يرجع إلى حفظه فهو على المرتهن، كأجرة الحافظ؛ لأن
الحفظ واجب عليه، والإمساك حق له، فيكون بدله عليه.
وكذا أجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن؛ لأن الحفظ على المرتهن،
ولا يتأتى الحفظ إلا في منزله، فمؤونة ذلك تكون على المرتهن، وهذا لأنه
في الحفظ عامل لنفسه، لأنه يقصد به إضجار الراهن.
وقال أبو يوسف: كري المأوى على الراهن؛ لأنه بمنزلة النفقة،
لكونه سعيا في تبقيته (1).
وما يلزمه لرد العين فهو على المرتهن، وذلك كجعل الآبق، لأن يد
الاستيفاء كانت ثابتة على المحل، ويحتاج إلى إعادة يد الاستيفاء ليرده على
المالك، فكانت من مؤن الرد، فيكون عليه.
هذا إذا تساوت قيمة الدين والرهن، فإن كانت قيمة الرهن أكثر،
فعلى المرتهن بقدر المضمون؛ لأن الرهن عنده (2) مضمون، وعلى الراهن
بقدر الأمانة؛ [لأنه] (3) في قدر الأمانة بمنزلة المودع، بخلاف أجرة البيت،
فإنه يجب الكل على المرتهن وإن كان في قيمة الرهن فضل؛ لأن ذلك إنما
لزمه بسبب الحبس، وحق الحبس في الكل ثابت له، وأما الجعل فإنما لزمه
لأجل الضمان، فيتقدر بقدر المضمون.
وأما مداواة القروح والجروح ومعالجة الأمراض من الجناية تنقسم
بقدر الأمانة والضمان؛ لأنها للإصلاح، وبالإصلاح ينتفع المرتهن في
المضمون والراهن في الأمانة. والخراج على الراهن خاصة - وهو جيد

(1) بدائع الصنائع 6: 151، الهداية - للمرغيناني - 4: 131.
(2) راجع الهامش (1) من ص 373، ضمن المسألة 239.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " لأن ". والصحيح ما أثبتناه.
375

عندنا - لأنه من مؤن الملك، فيكون عليه، كالنفقة.
والعشر فيما يخرج ويأخذه الإمام؛ لأن العشر متعلق بالعين، فيكون
مقدما على حق المرتهن، ولا يبطل الرهن في الباقي، بخلاف ما إذا استحق
بعض الرهن شائعا؛ لأن تعلق العشر بالخارج لا يخرجه عن ملكه، ولهذا
يجوز بيعه والأداء من محل آخر، بخلاف الاستحقاق (1).
مسألة 250: قد بينا (2) اختلاف الناس في أن القبض شرط في صحة
الرهن أو لزومه أو ليس شرطا فيهما، فالحنفية جعلوه شرطا في اللزوم،
وكذا الشافعية وبعض علمائنا، خلافا للباقي من علمائنا ولمالك حيث
جعلوه لازما بمجرد الإيجاب والقبول.
إذا عرفت هذا، فالقبض هنا كالقبض في البيع، فقبض الدار بالتخلية
بينه وبينها ويفتح له بابها، أو يسلم إليه مفتاحها.
ولو خلى بينه وبينها وفيها قماش للراهن، صح التسليم عندنا وعند
الشافعي (3)، خلافا لأبي حنيفة (4).
وكذا نقول: لو رهنه دابة عليها حمل للراهن وسلم الجميع إليه، صح
القبض عندنا وعند الشافعي (5)، خلافا لأبي حنيفة (6).
ولو رهنه الحمل خاصة دون الدابة أو رهنهما معا وسلمهما معا، صح

(1) بدائع الصنائع 6: 151 - 152، الهداية - للمرغيناني - 4: 130 - 131.
(2) في ص 189 و 190، المسألة 140.
(3) حلية العلماء 4: 431.
(4) الهداية - للمرغيناني - 4: 133، بدائع الصنائع 6: 140، حلية العلماء 4:
431.
(5) لم نعثر عليه في مظانه.
(6) الهداية - للمرغيناني - 4: 133، بدائع الصنائع 6: 140.
376

القبض عندنا وعند أبي حنيفة (1).
أما إذا رهنهما معا وسلمهما: فظاهر.
وأما إذا رهن الحمل: فلأن الحمل ليس مشغولا بالدابة ولا هو تابع
[لها] (2) فصار كما لو رهن متاعا في دار.
وليس بجيد؛ لأن كل ما كان قبضا في البيع كان قبضا في الرهن،
كالحمل، وقد قال: إذا رهنه سرج دابة ولجامها وسلمها بذلك، لم يصح
القبض فيه؛ لأنه تابع للدابة (3). وهذا ينقض ما ذكرناه في الحمل.
وقوله: " إنه تابع " يبطل به إذا باع الدابة، فإن السرج لا يدخل فيه،
وعلى أن الدابة في يده فكذلك ما يتبعها.
قال: ولو رهن دابة عليها سرج أو لجام، دخل ذلك في الرهن من
غير ذكر (4).
وليس بمعتمد.
مسألة 251: قد بينا أنه لا يصح الرهن إلا على دين ثابت في الذمة،
ولا يصح الرهن على الأمانات، كالوديعة والعارية ومال القراض ومال
الشركة وشبهها من الأمانات، وبه قال أبو حنيفة.
وعلل بأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء من الرهن، فكان قبض
الرهن مضمونا، فلابد من ضمان ثابت ليقع القبض مضمونا ويتحقق
استيفاء الدين منه (5).

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 133، بدائع الصنائع 6: 140.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " له ". والصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) الهداية - للمرغيناني - 4: 133، بدائع الصنائع 6: 140.
(5) الهداية - للمرغيناني - 4: 133.
377

ولا يصح الرهن عنده بالأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع في يد
البائع؛ لأن المبيع ليس بمضمون، فإنه لو هلك لم يضمن البائع شيئا،
ولكن يسقط الثمن، وهو حق البائع، فلا يصح الرهن به، فلو هلك لهلك
بغير شيء؛ لأنه لا اعتبار للباطل، فبقي قبضا بإذنه. ويصح على الأعيان
المضمونة بنفسها، وهو أن يكون مضمونا بالمثل عند الهلاك إن كان مثليا،
أو بالقيمة إن لم يكن مثليا، كالمغصوب والمهر وبدل الخلع والصلح عن
دم العمد؛ لأن الضمان مقدر (1)، فإنه إن كان قائما، وجب تسليمه، وإن كان
هالكا، تجب قيمته. ولو كان رهنا بما هو مضمون، فيصح (2).
قال: والرهن بالدرك باطل، وتصح الكفالة بالدرك.
والفرق: أن الرهن مشروع للاستيفاء، ولا استيفاء قبل الوجوب؛ لأن
الواجب هو الذي يستوفى، وضمان الدرك هو ضمان الثمن عند استحقاق
المبيع، فلا يجب قبل الاستحقاق، فلا يصح مضافا إلى حال وجود الدين؛
لأن الاستيفاء معاوضة، فلا يحتمل الإضافة؛ لأن إضافة التمليك (3) إلى زمان
في المستقبل لا تجوز، والكفالة مشروعة لالتزام المطالبة، لا لالتزام أصل
الدين، والتزام الأفعال يصح (4) مضافا إلى زمان الاستقبال، كالتزام الصدقات
والصيامات بالنذر.
وتفسير الرهن بالدرك كأن يبيع رجل سلعة وقبض ثمنها وسلمها
وخاف المشتري الاستحقاق فأخذ بالثمن من البائع رهنا قبل الدرك، فإنه

(1) كذا، والظاهر: " متقرر " بدل " مقدر " كما في المصدر.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 133.
(3) في " ج " والطبعة الحجرية: " التملك ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) في " ج " والطبعة الحجرية: " لا يصح ". وما أثبتناه من المصدر.
378

باطل عنده حتى لا يملك حبس الرهن، حل الدرك أو لم يحل. وإذا هلك
الرهن عنده، كان أمانة، حل الدرك أو لم يحل؛ لأنه لا عقد حيث وقع
باطلا، بخلاف الرهن بالدين الموعود بأن يقول: رهنتك هذا لتقرضني،
فقبض الرهن وهلك في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفا، فإنه يهلك
مضمونا على المرتهن حتى يجب على المرتهن تسليم الألف إلى الراهن
بعد الهلاك؛ لأن الموعود جعل كالموجود باعتبار الحاجة، فكان الرهن
حاصلا بعد القرض حكما؛ إذ الظاهر أن الخلف لا يجري في الوعد، فكان
مفضيا إلى الوجود غالبا، بخلاف الرهن بالدرك؛ لأن الدرك لا يكون
موجودا غالبا؛ إذ الظاهر أن المسلم يبيع مال نفسه (1).
وهذا من أغرب الأشياء، فإن الدرك إنما يثبت إذا سبق السبب على
الرهن، فيكون مستحقا في الذمة، والوعد بالقرض لا يثبت في الذمة شيئا،
فكيف يصح الرهن على الثاني دون الأول!؟
مسألة 252: قد بينا أن الرهن أمانة في يد المرتهن لا يسقط من الدين
شيء بتلفه من غير تفريط، خلافا لأبي حنيفة حيث قال: يسقط من الدين
بقدر ما تلف، ونقص السعر لا يوجب سقوط شيء من الدين عنده حتى لو
رهن عبدا قيمته ألف فنقص سعره حتى صار يساوي مائة، لم يسقط شيء
من الدين عند أبي حنيفة (2).
وقال زفر: تسقط تسعمائة من الدين؛ لنقصان المالية بتغير السعر،
كما لو انتقصت المالية بتغير في البدن، وهذا لأن الضمان الثابت بالرهن

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 134، المبسوط - للسرخسي - 21: 73.
(2) المبسوط - للسرخسي - 21: 64 و 105، الهداية - للمرغيناني - 4: 128
و 151.
379

باعتبار المالية دون العين، فإنه ضمان الاستيفاء، والمالية تنتقص بنقصان
السعر، كما تنتقص بنقصان [العين] (1) (2).
احتج أبو حنيفة بأن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس فيه،
وهذا غير معتبر في شيء من العقود، ولهذا لا يثبت الخيار للمشتري
بنقصان السعر، ولا يسقط شيئا من الثمن.
ولو انتقص سعر المغصوب، لا يضمن الغاصب شيئا، بخلاف
نقصان البدن؛ لأن يد الراهن يد الاستيفاء، وبفوات جزء منه يفوت
الاستيفاء، فإذا لم يسقط شيء من الدين بنقصان السعر بقي مرهونا بكل
الدين.
ولو قتله حر، غرم قيمته مائة؛ لأن المتلف تعتبر قيمته يوم الإتلاف؛
لأن الجابر بقدر الفائت، فيقبض المرتهن قضاء بمثلها من الدين، لأنه ظفر
بجنس حقه، ولا يرجع على الراهن بشئ من تسعمائة؛ لأن الفضل على
المائة تلف في ضمان المرتهن، فصار هالكا بالدين؛ لأن يد المرتهن يد
استيفاء، وبالهلاك يتقرر الاستيفاء، وقد كانت قيمته في الابتداء ألفا، فيصير
مستوفيا للكل من الابتداء، وصار كما لو هلك الرهن، فإنه يسقط كل
الدين.
ولو باعه بمائة هي قيمته المتنازلة، أو قال له: بعه بما شئت، فباعه
بمائة وإن كانت قيمته ألفا، صح عند أبي حنيفة وصاحبيه، فيصير المرتهن
وكيل الراهن لما باعه بإذنه، وصار كأن الراهن استرده وباعه بنفسه، فلو كان

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " العيب " والصحيح ما أثبت.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 151.
380

كذلك، يبطل الرهن، ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى، كذا هنا (1).
وهذا كله عندنا ساقط؛ لما عرفت من أن الرهن أمانة.
ولو قتل العبد المرهون قتيلا خطأ، فلا ضمان على المرتهن عندنا.
وقال أبو حنيفة: يضمن؛ لأن العبد في ضمانه، ويقال للمرتهن: أفد
العبد من الجناية، وليس للمرتهن أن يدفع العبد؛ لأن الدفع تمليك، وهو
لا يملك التمليك، فإذا فداه، ظهر المحل، وبقي الدين على حاله،
ولا يرجع على الراهن بشئ من الفداء عنده؛ لأن الجناية حصلت في
ضمانه، فكان عليه إصلاحها.
وإن أبى المرتهن أن يفدي، قيل للراهن: ادفع العبد أو أفده بالدية؛
لأن ملك الرقبة للراهن، وإنما بذل المرتهن الفداء لقيام حقه. فإن أبى عن
الفداء، طولب الراهن بحكم الجناية، ومن حكمها التخيير بين الدفع
والفداء، فإن اختار الدفع، سقط الدين؛ لأن العبد استحق لمعنى في ضمان
المرتهن، فصار كالهلاك. وكذا إن فدى، لأنه استخلص لنفسه بالفداء،
وكان الفداء على المرتهن، فصار العبد كالحاصل له بعوض كأنه اشتراه من
ولي الجناية (2).
مسألة 253: تجوز الزيادة في الرهن بأن يرهن ثوبا قيمته عشرة بعشرة
ثم زاد الراهن ثوبا آخر ليكون مرهونا مع الأول بعشرة، وأن الثوبين يكونان
رهنا بكل الدين.
وكذا تجوز الزيادة في الدين بأن يرهن عبدا بألف ثم يقترض ألفا

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 151 - 152.
(2) تحفة الفقهاء 3: 45، بدائع الصنائع 6: 164 - 166، الهداية - للمرغيناني - 4:
152 - 153، الاختيار لتعليل المختار 2: 102.
381

أخرى ويجعل العبد رهنا بهما، وبه قال أبو يوسف (1).
وقال أبو حنيفة ومحمد: تجوز الزيادة في الرهن دون الدين (2).
ومنع الشافعي وزفر من الزيادة فيهما (3).
والأصل معنا.
ثم إذا صحت الزيادة في الرهن، يقسم الدين على قيمة الأول - عند
أبي حنيفة (4) - يوم القبض، وعلى قيمة الزيادة يوم قبضت؛ لأن حكم
الرهن في الزيادة إنما يثبت بقبض المرتهن، فتعتبر قيمتها حين يثبت حكم
الرهن فيها، كما يعتبر ذلك في قيمة الأصل حتى لو كانت قيمة الأصل يوم
قبضه ألفا، وقيمة الزيادة يوم قبضت خمسمائة، والدين ألف، يقسم الدين
أثلاثا: في الزيادة ثلث الدين، وفي الأصل ثلثا الدين.
والولد لا يستتبع الزيادة حال بقاء أصله؛ لأن الولد تبع، فلا يستتبع
غيره حتى يقسم الدين أولا على الأم والزيادة، ثم ما أصاب الأم يقسم بينها
وبين ولدها وعلى قدر قيمتها.
فإن حصلت الزيادة بعد هلاك الأم، تكون رهنا تبعا للولد؛ لأن الولد
صار أصلا حتى يقسم الدين أولا على الأم والولد، ثم ما أصاب الولد يقسم
بينه وبين الزيادة بشرط بقاء الولد إلى وقت انفكاك الرهن.
فلو رهن أمة قيمتها ألف فولدت ولدا قيمته ألف وزاد عبدا قيمته
ألف، قسم الدين أولا على الأم والولد نصفين، سقط عنده بهلاكها نصف
الدين، وبقي في الولد نصف الدين، وتبعه العبد، وقسم ما فيه عليهما

(1 - 3) تحفة الفقهاء 3: 46، بدائع الصنائع 6: 139، الهداية - للمرغيناني - 4:
156، الاختيار لتعليل المختار 2: 102.
(4) الهداية - للمرغيناني - 4: 156.
382

نصفين بشرط بقاء الولد إلى وقت الفك حتى لو هلك الولد قبل فكه، ظهر
أنه لم يكن في الولد شيء من الدين، وأن الأم هلكت وكل الدين، وأن
الزيادة لم تصح حتى لو هلك العبد أيضا قبل هلاك الولد أو بعد هلاكه،
فذلك أمانة.
ولو لم يهلك الولد وزادت قيمته ألفا فصارت قيمته يوم الفك ألفين،
فالدين يقسم أولا على الأم والولد أثلاثا: ثلثه في الأم وقد سقط بهلاكها،
وثلثاه في الولد، ثم يقسم ذلك بينه وبين الزيادة أثلاثا: ثلثاه في الولد،
وثلثه في الزيادة.
ولو نقصت قيمته فصارت خمسمائة، يقسم بين الأم والولد أثلاثا:
ثلثاه في الأم وقد سقط، وثلثه في الولد، ثم ما أصاب الولد يقسم بينه وبين
الزيادة: ثلثه في الولد، وثلثاه في الزيادة.
مسألة 254: لو رهن أمة - قيمتها ألف - بألف ثم قضى الراهن نصف
دين المرتهن ثم زاد عبدا قيمته ألف، فالزيادة تكون رهنا تبعا لنصف
الأمة؛ لأن نصفها فارغ من الدين، فيكون محبوسا بالدين غير مشغول
بالدين، والنصف الآخر مشغول بالدين غير محبوس به، فالزيادة تبع
للنصف المشغول، لا للنصف الفارغ، فيقسم الدين - الذي في النصف
المشغول - عليه وعلى الزيادة أثلاثا: ثلثه في النصف المشغول، وثلثاه في
الزيادة (1).
وهذا عندنا باطل؛ لأن الرهن عندنا مشغول بالدين وبكل جزء منه.
قال أبو حنيفة: فلو هلكت الأمة هلكت بثلثي الدين؛ لأن النصف

(1) ورد الفرع المزبور في بدائع الصنائع 6: 158 - 159.
383

الفارغ مضمون بالدين وإن لم يبق مشغولا بالدين، ألا ترى أنه محبوس به،
فيهلك ذلك النصف بنصف الدين المؤدى حتى يجب على المرتهن رد
ذلك النصف الذي اخذ؛ لأنه بين أن الاستيفاء وقع مكررا؛ لما مر من أنه
يصير مستوفيا عند الهلاك بالقبض السابق، ثم يهلك النصف بما فيه، وهو
ثلث النصف، فلهذا قلنا بأنها تهلك بثلثي الدين؛ إذ نصف الدين مع ثلث
النصف يكون ثلثي الدين (1).
ولو زاد أمة قيمتها خمسمائة فولدت الزيادة ولدا ثم ولدت الجارية
ولدا، يقسم الدين أولا بين نصف الجارية وبين الزيادة، فما أصاب الزيادة
يقسم بينها وبين ولدها على قدر قيمتها، وما أصاب نصف الجارية يقسم
بينها وبين ولدها.
ولو وجد المرتهن نصف المقبوض رضاضا أو سيوفا، تكون الزيادة
رهنا تبعا للأمة يقسم الدين بينهما نصفين؛ لأن الاستيفاء لم يصح، لأنهما
ليسا من جنس الدراهم فصح الاستيفاء.
ولو رهن أمتين قيمة كل واحد ألف فولدت إحداهما ولدا قيمته ألف
فماتت الأم وبقي الولد، يقسم الدين بين الأمتين نصفين ثم ما في الأم
يقسم بينها وبين ولدها نصفين، فسقط بهلاك الأم ربع الدين، وبقي في
الولد ربعه، وفي الأمة الحية نصفه.
وهذا مبني على أصول ممنوعة.
مسألة 255: لو رهن عبدا - يساوي ألفا - بألف ثم أعطاه عبدا آخر
يساوي ألفا مكان الأول، خرج الأول عن الرهن بالتقايل.

(1) بدائع الصنائع 6: 159.
384

وقال أبو حنيفة: يكون الأول رهنا حتى يرده على الراهن، والمرتهن
في الآخر أمين حتى يجعله مكان الأول؛ لأن الضمان في الأول متعلق
بالقبض والدين، فيبقى ما بقي القبض والدين، وإذا لم يوجد الرد، بقي
الأول رهنا في يده، ومن ضرورة بقائه أنه لا يثبت الثاني؛ لأن الراهن
لم يرض بجعلهما رهنا، وإنما رضي بأحدهما، فإذا لم يخرج الأول من
ضمان الرهن، لم يتعلق بالثاني ضمان، فإذا رد الأول، انتقض الرهن فيه،
وقام الثاني مقام الأول.
ثم قيل: ما لم يقبض الثاني قبضا مستأنفا لم يصر مضمونا، لأن
القبض الأول لم يوجب الضمان؛ لأن يد المرتهن عليه يد أمانة (ويد
الراهن يد) (1) استيفاء وضمان، فلا ينوب الأدنى عن الأعلى كمن له على
آخر جياد فاستوفى زيوفا ظنها جيادا ثم علم بالزيافة وطالبه بالجياد
وأخذها، فالجياد أمانة في يده ما لم يرد الزيوف ويجدد القبض.
وقيل: لا يشترط تجديد القبض؛ لأن يد الأمانة تنوب عن يد
المرتهن، لأن الرهن تبرع كالهبة، وقبض الأمانة ينوب عن قبض الهبة.
ولأن عين [الرهن] (2) أمانة، والقبض يرد على العين، فينوب قبض الأمانة
عن قبض العين (3).
مسألة 256: تصرفات الراهن في الرهن ببيع أو هبة أو إجارة لا تقع
باطلة من أصلها، بل لو أجازها المرتهن، لزمت، فتقع صحيحة. ولو

(1) بدل ما بين القوسين في " ج " والطبعة الحجرية: " ويد الراهن يد أمانة ويد المرتهن يد ".
وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ج " والطبعة الحجرية: " الهبة ". والمثبت من المصدر.
(3) الهداية - للمرغيناني - 4: 157.
385

فسخها المرتهن، بطلت.
ولو لم يعلم حتى قضى الراهن الدين أو (1) أبرأه المرتهن، احتمل
بقاؤها، فتكون لازمة للراهن.
ولو رهن الراهن رهن عند آخر، فإن قلنا بالبطلان، فلا بحث، وإلا
بقي موقوفا على إجازة المرتهن الأول، فإن أجازه، احتمل بطلان رهنه،
فيكون رهنا بالدين الثاني، وبقاء صحته، فلو بيع، قدم دين الثاني، فإن
فضل شيء فإن قلنا ببطلان الأول، كان جميع الغرماء أسوة فيه، وإلا
اختص به المرتهن الأول.
مسألة 257: إذا أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه له ثم هلك
الرهن في يد المرتهن ولم يحدث منعا بعد الإبراء، هلك بغير شيء،
ولا ضمان على المرتهن عندنا، وبه قال أبو حنيفة استحسانا (2).
وقال زفر: يضمن قيمته للراهن - وهو القياس عندهم - لأن القبض
وقع مضمونا، فيبقى الضمان ما بقي القبض (3).
ونحن نمنع الضمان.
ولو ارتهنت امرأة رهنا بصداقها ثم أبرأته منه أو وهبته له أو ارتدت
قبل الدخول أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها، هلك
بغير شيء، ولم يضمن شيئا؛ لسقوط الصداق، فصار كالإبراء عن الدين.
ولو استوفى المرتهن الدين بإيفاء الراهن أو بإيفاء متطوع ثم هلك

(1) في " ج " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 157، بدائع الصنائع 6: 155، المبسوط - للسرخسي -
21: 89 - 90، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهندية - 3: 597.
(3) الهداية - للمرغيناني - 4: 157، بدائع الصنائع 6: 155، المبسوط - للسرخسي -
21: 90.
386

الرهن في يده، يهلك بالدين، ويجب عليه رد ما استوفى إلى من استوفى
منه، وهو من عليه الدين أو المتطوع - عنده (1) - بخلاف الإبراء.
والفرق: أن الإبراء يسقط الدين؛ لوجود المسقط، وبالاستيفاء
لا يسقط الدين، بل يتقرر، لكنه يتعذر المطالبة؛ لخلوها عن الفائدة، لأنه
يعقبه مطالبة مثله، فإذا هلك، يتقرر الاستيفاء الأول، فتبين أنه استوفى
مرتين، فينتقض الاستيفاء الثاني.
وكذا إذا أحال الراهن المرتهن بالدين على غيره ثم هلك الرهن،
بطلت الحوالة عنده (2)، ويهلك بالدين؛ لأن بالحوالة لا يسقط الدين
عنده (3)، ولكن ذمة المحال عليه تقوم مقام ذمة المحيل، ولهذا يعود إلى
ذمة المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا.
وكذا لو تصادقا على أن لا دين ثم هلك الرهن، يهلك بالدين؛ لأن
الرهن عنده مضمون بالدين أو بجهته عند توهم الموجود، كما في الدين
الموجود وقد بقيت الجهة؛ لأنه يحتمل أن يتصادقا على قيام الدين بعد أن
تصادقا على أن لا دين، بخلاف الإبراء؛ لأنه مسقط (4).
ولو دفع مهر غيره تطوعا فطلقت المرأة قبل الوطئ، رجع المتطوع
بنصف ما أدى، عنده (5).
وكذا لو اشترى عبدا وتطوع رجل بأداء ثمنه ثم رد العبد بعيب، رجع

(1) المبسوط - للسرخسي - 21: 90، الهداية - للمرغيناني - 4: 157.
(2) المبسوط - للسرخسي - 21: 91، الهداية - للمرغيناني - 4: 157.
(3) المبسوط - للسرخسي - 21: 91.
(4) الهداية - للمرغيناني - 4: 157.
(5) المبسوط - للسرخسي - 21: 95.
387

المتطوع بما أدى، عنده (1).
وقال زفر: يرجع الزوج والمشتري بذلك على القابض؛ لأن المتطوع
قضى عنهما، فصار كقضائهما بأمرهما (2).
ولو رهن شيئا عند اثنين، فقال أحدهما: ارتهنته أنا وصاحبي بمائة
وأقام البينة، وأنكر المرتهن الآخر والرهن في يدهما، وأنكر الراهن
الرهن، يقضى للمدعي برهن نصفه، ويوضع على يده أو يد عدل، فإذا
قضى الراهن نصيب المدعي، أخذ الرهن، وبه قال محمد بن الحسن (3).
وقال أبو يوسف - وهو مروي عن أبي حنيفة -: لا يقضى بالرهن
لواحد منهما، ويرد الرهن على الراهن؛ لأنه لو صح في النصف لكان
مشاعا، ورهن المشاع عنده باطل (4). وقد مر البحث فيه (5).

(1) المبسوط - للسرخسي - 21: 95، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهندية -
3: 597.
(2) المبسوط - للسرخسي - 21: 95.
(3) المبسوط - للسرخسي - 21: 131 - 132.
(4) المبسوط - للسرخسي - 21: 131 و 161، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى
الهندية - 3: 601، وراجع أيضا الهامش (4) من ص 129.
(5) في ص 129، المسألة 112.
388