الكتاب: الرسائل العشر
المؤلف: الشيخ الطوسي
الجزء:
الوفاة: ٤٦٠
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - إيران
ردمك:
ملاحظات: العنوان في داخل الكتاب : رسائل الشيخ الطوسي

رسائل الشيخ الطوسي
1

فهرست ما في هذه المجموعة
1 - رسالة حول حياة الشيخ الطوسي، تأليف الأستاذ واعظ زاده الخراساني 5 - 62
2 - المقدمة في المدخل إلى صناعة علم الكلام للشيخ الطوسي ره 63 - 90
صححها الأستاذ دانش پژوه واعتمد في تصحيحه على نسختين إحديهما من القرن
الثامن ورمزها " ب " والأخرى من القرن العاشر ورمزها " ألف " وهما بمكتبة ملك بطهران
برقمي 458 و 8 / 5712
3 - مسائل كلامية للشيخ الطوسي 91 - 100
صححها الأستاذ السيد محمد علي الروضاتي واعتمد في تصحيحه على خمس نسخ إحداها
من القرن العاشر وهي بمكتبته والأخرى تاريخها 1097 بمكتبة " آستان قدس رضوي " ورمزها
" ض " والثالثة في مكتبة جامعة طهران وتاريخها أيضا 1097 ورمزها " ألف " والرابعة في مكتبة
جامعة طهران أيضا ورمزها " ب " والخامسة تاريخها 1011 ورمزه " ج " وهي بمكتبة الأستاذ
السيد محمد الجزائري بأهواز
4 - رسالة في الاعتقادات للشيخ الطوسي 101 - 107
صححها الأستاذ الروضاتي واعتمد في تصحيحه على نسخة تاريخها 948 وهي بمكتبته
بإصبهان
5 - رسالة في الفرق بين النبي والإمام للشيخ الطوسي 109 - 114
صححها الشيخ رضا الأستادي واعتمد في تصحيحه على نسخة بخط الأستاذ السيد
3

الطباطبائي اليزدي استنسخها من نسخة منها توجد في مكتبة ملك بطهران.
6 - المفصح في الإمامة للشيخ الطوسي 115 - 138
صححها الشيخ الأستادي واعتمد في تصحيحه على نسخة بخط السيد الطباطبائي
استنسخها من نسخة ناقصة وحيدة منها توجد في مكتبة المرحوم الميرزا محمد العسكري بسامراء
بخطه.
7 - رسالة في عمل اليوم والليلة للشيخ الطوسي 139 - 152
صححها الشيخ الأستادي واعتمد في تصحيحه على نسخة بخط السيد الطباطبائي
استنسخها من نسخة بخط المرحوم الميرزا محمد العسكري بمكتبته
8 - الجمل والعقود للشيخ الطوسي 153 - 252
صححها الأستاذ واعظ زاده الخراساني واعتمد في تصحيحه على ثلاث نسخ يأتي
تعريفها في ص 247 - 252
9 - رسالة في تحريم الفقاع للشيخ الطوسي
253 - 266
صححها الشيخ الأستادي واعتمد في تصحيحه على نسختين إحديهما بخط السيد
الطباطبائي والأخرى بمكتبة السيد الروضائي بإصبهان، ورمزها " ن "
10 - الإيجاز في الفرائض والمواريث للشيخ الطوسي 267 - 281
صححها الشيخ الأستادي واعتمد في تصحيحه على نسخة طبع النجف ومخطوطة
المكتبة الملية بطهران
11 - المسائل الحائريات للشيخ الطوسي 282 - 336
صححها الشيخ الأستادي واعتمد في تصحيحه على ثلاث نسخ يأتي تعريفها في ص 290
12 - الفهارس العامة للرسائل العشرة المذكورة 337 - 360
4

حياة الشيخ الطوسي
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله أمناء الله
5 الشيخ الطوسي وآثاره
هو المفسر، المحدث، الفقيه، الأصولي، المتكلم، الرجالي في القرن الخامس
الهجري، الشيخ أبو جعفر، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ
الطائفة، ولد في شهر رمضان عام 385 ه‍ - أي بعد أربع سنوات من وفاة الشيخ الصدوق
المتوفى عام 381 ه‍ - في طوس (ظاهرا) وفي سنة 408 ه‍ بعد مضي 23 عاما من
عمره الشريف، ورد بغداد، العاصمة العلمية للإسلام، ومركز الخلافة آنذاك. وباشر لدى
وروده جهوده العملية بالتملذ على مشايخها العظام، فلازم الفقيه المتكلم المعروف بالشيخ
المفيد محمد بن محمد بن النعمان المشهور ب‍ " ابن المعلم " مدة خمس سنوات، آخذا منه حتى
وفاته عام 413 ه‍، فنونا مختلفة من العلم. وبعد وفاة الشيخ المفيد أصبح يعد من أبرز
طلاب السيد المرتضى، علم الهدى، فلقد أولاه عناية خاصة وقرر له مبلغ 12 دينارا شهريا. وبقي
ملازما له حتى عام وفاة السيد الأستاذ سنة 436 ه‍، فأمضى معه 23 عاما في تحصيل العلم
والأدب حتى نبغ، وصار بعد وفاة أستاذه زعيم الشيعة وتحمل مسؤولياته القيادية الجسام.
وبقي في بغداد بعد وفاة أستاذه حتى عام 448 أي مدة 12 سنة. وبعد ذلك وعلى
أثر حدوث الاختلافات الشديدة السنة والشيعة، وتبدل الأوضاع السياسية، وانتقال الحكم
من آل بويه الذين كانوا شيعة إلى السلاجقة السنيين، انتقل إلى النجف الأشرف.
7

وهكذا أمضى الشيخ الطوسي 40 عاما - من 408 ه‍ إلى 448 - في بغداد،
كان القسط الأكبر منها في مجال تحصيل العلوم، والباقي لزعامته وتدريسه. وقد كان في نفس
الوقت مشغولا بالتأليف بالإضافة إلى الدرس والتدريس ولقد تابع جهده العلمي في
مدينة النجف الصغيرة التي تبعد عن الكوفة فرسخا واحدا. وكانت النجف تقريبا في
ذلك الوقت قد أصبحت موئلا يقصده طلاب العلم لمتابعة درسهم بالقرب من مرقد الإمام علي
عليه السلام. وفي تاريخ 22 المحرم عام 460 ه‍ وبعد انقضاء 75 سنة من عمر ملئ
بالمشاغل العلمية وتربية مئات العلماء وتأسيس وتقوية أقدم الحوزات العلمية للشيعة الإمامية، وبعد تأليف وتصنيف حوالي 50 كتابا ورسالة في مختلف الفنون، أنهى الشيخ
الطوسي حياته العلمية، ودفن في منزله الخاص الواقع شمالي البقعة المطهرة العلوية، والذي
تحول فيما بعد إلى مسجد بناء على وصية منه رضي الله عنه. ويعرف حاليا بمسجد الشيخ الطوسي
. وبذلك كانت مدة إقامته في النجف الأشرف 12 سنة - أي من 448 إلى 460 ه‍ -.
كان هذا عرضا سريعا لحياة الشيخ الطوسي وأما التفصيل فكالتالي: لقد مر معنا أن
حياة الشيخ الطوسي تتلخص بحسب محال إقامته في ثلاث مراحل:
1 - الفترة الواقعة من ولادته إلى هجرته إلى بغداد (من 385 إلى 408 ه‍)
2 - الفترة الواقعة من إقامته في بغداد إلى هجرته إلى النجف (من 408
إلى 448 ه‍)
3 - فترة إقامته في النجف حتى وفاته (من 448 إلى 460 ه‍)
وفي مجال تفصيل ذلك نقول:
المرحلة الأولى
من ولادته إلى هجرته إلى بغداد
فعلا وعلى حسب المصادر الموجودة لدينا، فإن المعلومات عن هذه المرحلة من حياة
الشيخ قليلة جدا بل معدومة رأسا. فالمترجمون القدامى إنما قالوا عن هذه المرحلة من حياة
الشيخ: إنه ولد في شهر رمضان عام 385 ه‍، وفي عام 408 ورد بغداد وإنه كان ينسب إلى
طوس (1). وبهذا الكلام المبهم وضعوا أمامنا أسئلة عديدة:

(1) اكتفى أبو العباس النجاشي معاصر الشيخ الطوسي في رجاله ص 316 بتوصيف الشيخ بالطوسي. وكذا الشيخ
الطوسي نفسه في كتابه " الفهرست " ص 188 وفي ساير كتبه من دون التصريح بولادته بطوس. وأما
العلامة الحلي فقال في " خلاصة الأقوال " ص 148: " ولد قدس الله روحه في شهر رمضان سنة خمس
وثمانين وثلاثمائة وقدم العراق في شهور سنة ثمان وأربعماءة... " فهو أيضا لم يشخص محل ولادة الشيخ.
8

هل إنه ولد في طوس أو في بلد آخر؟
هل هو من أهل الناحية الكبيرة من طوس " نوقان " التي تحولت فيما بعد إلى مدينة
" مشهد " المقدسة العظيمة، أم هو من ناحية " طابران " المعبر عنها حاليا ب‍ " شهر طوس " أي
مدينة طوس، والتي كانت محل ولادة ومرقد الشاعر الحماسي الكبير " الفردوسي "، أو كان
من ناحية أخرى في طوس؟
هل كانت عائلته من أهل طوس ومن طبقة العلماء ورجال الدين هناك؟
من هم أساتذته ومشايخه في تلك الديار؟
وهل أقام أثناء هجرته إلى بغداد في مدينة؟ في أي من المدن العلمية آنذاك، مثل
" نيسابور " و " الري " و " قم " أم لا؟
وفعلا لا نستطيع الإجابة على شئ من هذه الأسئلة. والقدر المسلم لدينا هو أن
الشيخ الطوسي كان ينسب إلى " طوس "، وقبل قدومه إلى بغداد كان قد قطع شوطا بعيدا
في الحصول على المقدمات العلمية التي يحتاج إليها طالب العلم. لأنه بمحض وصوله إلى بغداد
بدأ مباشرة جهوده العلمية، وأخذ يحضر عند الأساتذة الكبار، كالشيخ المفيد، كما أنه شرع
حين ذاك بتأليف كتابه الكبير في الحديث " تهذيب الأحكام " بما فيه من البحوث الفقهية
والأدبية التي سنتعرض لها فيما بعد. فليس لنا إلا الاعتراف بأنه كان مؤهلا بحسب
الحصيلة العلمية التي كانت عنده لدى وروده بغداد لدراسة المرحلة النهائية من العلوم
العقلية والنقلية. وفي رأينا أنه لو كان للشيخ الطوسي مشايخ مشهورون قبل الهجرة إلى
بغداد، لكان ذكرهم في آثاره وكتاباته، مع العلم بأنه لم يذكر شيئا عن علماء تلك
الديار، حتى عن والده - لو فرض أنه كان من أهل العلم وأخذ عنه الشيخ -.
نعم، نجد أن العلامة الطهراني صاحب كتاب " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " قد
أشار إلى أن " أبا زكريا محمد بن سليمان الحراني " (أو حمداني) كان أحد مشايخه، وتابع في
كلامه: " إنه من أهل طوس والمظنون أنه من مشايخه قبل هجرته إلى العراق (2) " وهذا القول
ليس إلا مجرد احتمال، فمجرد نسبة هذا الرجل أي محمد بن سليمان، إلى طوس غير كاف

(2) - مقدمة التبيان ص أي
9

لإثبات ذلك، وأن الشيخ الطوسي تتلمذ عليه في طوس.
كما أن صاحب الذريعة، وتبعه بعض آخر من المترجمين المعاصرين، قد كتبوا حول
نسبة الشيخ إلى طوس بأن مدينة " مشهد مدفن الإمام الرضا عليه السلام " كانت مجمعا
لعلماء الشيعة في ذلك الوقت، وبسطوا الكلام في مكانتها العلمية (3) ولا شك في أن
طوس كانت في ذلك الزمان مهدا للعلم والأدب، وخرج منها علماء مشهورون، فعندما
كان الشيخ الطوسي يقضي مرحلة الطفولة والشباب، كان الشاعر الفارسي " الفردوسي "
في " طابران " طوس مشتغلا بسرد " الشاهنامه " ديوان شعره الخالد. فلو كان هذا البلد مولد
الطوسي ومحل إقامته، فيبعد جدا أن لا يتفق لقائه إياه، مع أن " الفردوسي " كان شيعيا
وكان في أوج الشهرة في أواخر أيام حياته. بل لا يبعد كونهما من عائلة واحدة، إذا
لاحظنا سلسلة آباء الشيخ " الحسن بن علي بن الحسن "، وأن الفردوسي كان اسمه " الحسن
بن علي على أحد الأقوال. (4) كما أنه في " نوغان " طوس - وفي نفس العام الذي
غادر الطوسي بلاده (لو كان من أهلها) وورد بغداد أي عام 408 ه‍ - ولد، نظام الملك
وزير السلاجقة، وتعلم العلم والأدب بنفس البلد. ومن حسن الاتفاق أن اسمه أيضا
" الحسن بن علي ".
إضافة إلى المجهولات والأسئلة التي بقيت بلا جواب حول حياة الطوسي قبل
هجرته إلى بغداد، هناك سؤال آخر: وهو أن الطوسي وعائلته في الأصل هل كانوا من
العائلات الشيعية أو من أهل السنة؟
لا ريب في أن الطوسي لدى وصوله إلى بغداد مباشرة التحق بحلقة الشيخ المفيد
العالم الشيعي المعروف كما حضر عند غيره من علماء الإمامية، وأنه منذ ذلك الوقت
كان مدافعا عن هذا المذهب مجدا في نشره وإرساء دعائمه. وهذا الأمر وحده لعله يكفي

(3) - مقدمة التبيان ص ج، مقدمة رجال الشيخ ص 5 و 6، مقدمة بحار الأنوار ص 69 وقد جاء في هذه
المصادر وغيرها، أن الشيخ الطوسي ولد بطوس. والظاهر أنه لا مستند لهذا القول سوى كونه منسوبا إلى
طوس، وهذا كما عرفت لا يكفي لذلك. وأني لم أقف إلى الآن على من تنبه لهذه النكتة، ولا على من استند في قوله
إلى كلام أحد من القدماء
(4) - يقول إبراهيم پور داود في مقدمة كتاب " داستان بيژن ومنيژه " إن اسم الفردوسي جاء في الترجمة
العربية عن الشاهنامة للبندادى: " منصور بن الحسن "، وفي تاريخ گزيده ومجالس النفائس: " حسن بن علي "
وفي تذكرة دولتشاه السمرقندي وآتشكده آذر: " حسن بن إسحاق بن شرفشاه "، وفي المقدمة البايسنغرية على
الشاهنامة ومجمل الفصيحي: " منصور بن فخر الدين أحمد فروخ "
10

للتعريف بعقيدته ومذهب عائلته فيما قبل الهجرة إلى بغداد. مع أن أسماء آبائه أيضا يؤيد
ذلك. وجميع من كتب عن الشيخ الطوسي من علماء الشيعة أكدوا انتمائه إلى هذا المذهب
من أول شبابه، وهذا عندهم من المسلمات، ولم يقل أحد منهم خلافه.
إلا أن عديدا من أهل السنة نسبوه إلى المذهب الشافعي على اختلاف تعابيرهم.
والظاهر أن المدعي الأول لهذا الرأي هو تاج الدين السبكي (5) في " طبقات الشافعية "
فيقول ما حاصله: " أبو جعفر الطوسي فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتسب إلى مذهب
الشافعي... ورد بغداد، وتفقه على مذهب الشافعي، وتعلم الكلام والأصول عند أبي
عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، المعروف بالمفيد، فقيه الإمامية... " (6) وبعد السبكي قال
العلامة السيوطي في كتابه " طبقات المفسرين ": " محمد بن الحسن بن علي أبو جعفر شيخ
الشيعة وعالمهم... ورد بغداد، وتفقه في فنون الفقه على مذهب الشافعي، فلا زم الشيخ
المفيد فصار على أثره رافضيا (7) وممن صرح أخيرا بذلك الكاتب الشلبي في " كشف
الظنون " فقال: " كان ينتمي إلى مذهب الشافعي " إلا أن الشلبي قد خلط ما بين الطوسي
وأمين الإسلام الطبرسي، كما أنه خلط أيضا بين تفسير " التبيان " للطوسي، وتفسير " مجمع
البيان " للطبرسي، بالإضافة إلى أخطاء أخر صدت منه في هذا الصدد
وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: ما السبب في نسبة الشيخ إلى مذهب الشافعي على
لسان عديد من علماء السنة فقط؟ ولماذا امتنع علماء الشيعة من ذكره؟ فسكتوا عنه؟ لعل قائلا
يقول إن السبب الوحيد هو التعصب والطائفية، لكنه قول باطل، إذ لو كان الشيخ شافعيا في
بدء أمره فانتقل إلى التشيع، لكان ذلك مفخرة للشيعة وليس عارا عليهم، لأنه قبل كل
شئ دليل على أصالة هذا المذهب وقوته. مع أن علماء الشيعة لم يتحاشوا عن الاعتراف
بذلك في ترجمة علماء كبار أمثال " ابن قبة " (8) و " العياشي " (9) فانتقال رجل معروف
وعالم كبير مثل الشيخ الطوسي ولو في أوائل أمره من مذهب الشافعي إلى المذهب الشيعي،

(5) - السبكي بضم السين نسبة إلى سبك العبيد قرية في مصر، وهو قاضي القضاة تاج الدين، عبد الوهاب
بن علي بن عبد الكافي المتوفى عام 771 ه‍.
(6) - طبقات الشافعية ج 3 ص 51
(7) - طبقات المفسرين ص 29.
(8) - هو أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة (بكسر الأول وتخفيف الثاني) زحف الرازي، كان معتزليا
رجع إلى المذهب الإمامي، رجال النجاشي ص 290.
(9) - هو أبو النصر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي المعروف ب‍ " العياشي " وزان
" العباسي " كان أولا من أهل السنة ثم تشيع وكان متضلعا بالحديث والأخبار وله فيها تآليف كثيرة، رجال
النجاشي ص 270.
11

لا يعد فخرا للشافعية، ولا نقصا للشيعة، بل الأمر على عكس ذلك.
على أن علماء السنة لم ينسبوا أحدا من كبار الشيعة الآخرين كالشيخ المفيد،
والسيد المرتضى وأمثالهم إلى مذهب آخر، فما هو السبب إذا؟
في رأيي أن اعتدال الشيخ وإنصافه في الأبحاث الكلامية، ونقله لآراء علماء
المذاهب الإسلامية في كتاباته لا سيما في تفسير التبيان وكتاب " الخلاف "، وترويجه للفقه التفريعي وإشاعته طريقة " الاجتهاد " بين الشيعة على النحو المعمول به عند أهل السنة
كما ستعرف واقتباسه عباراتهم وخصوصا من كتب الإمام الشافعي ولا سيما في كتابه
" المبسوط "، وإيراده للروايات من طرقهم.، وتصميمه على جمع روايات الفريقين في
كتابه " تهذيب الأحكام " في بدء العمل - وإن انصرف عنه فيما بعد - وأمثال هذه الأمور
لعلها كانت باعثة على صدور هذا الوهم من جانب العلماء الثلاثة المذكورين. أو أن
الشيخ الطوسي اشتبه عليهم بشخص آخر منسوب إلى طوس، كما حصل ذلك بالفعل
لصاحب " كشف الظنون " الذي اشتبه به مع الشيخ الطبرسي المتوفى عام 548 ه‍، أي
بعد الطوسي بمدة 88 عاما.
بل من المعلوم عدم إحاطة هؤلاء المذكورين معرفة كاملة بالشيخ الطوسي وكتاباته فالسبكي مثلا اكتفى بذكر تفسير القرآن و " الأمالي " من كتبه الكثيرة، وأنه توفي
بالكوفة (10). والكاتب الشلبي أيضا بدوره ارتكب تلك الأخطاء الواضحة (11) وكيف
كان فلقد تحدث غيرهم من علماء السنة عن حياة الطوسي، ولم ينسبوا إليه ما نسبه هؤلاء
الثلاثة. وبعض المعاصرين من أهل السنة عرفوه كما كان عليه في نفس الأمر،
وقالوا عنه: " كان عالما على المنهاجين الإمامي والسني ". (12)
ومن المتيقن لدينا أن عائلات كانت تعيش بطوس حين ذاك وإن وجود
" الفردوسي " الشاعر لدليل واضح على ذلك. كما نعلم أيضا أن جمهور المواطنين والأهالي في

(10) - اتفق وفاة الشيخ بالنجف دون الكوفة. ولعل السبكي أراد بالكوفة تلك المدينة وضواحيها فتعم
النجف
(11) - مثل ابن حجر في لسان الميزان ج 5، ص 135. وابن كثير وابن الجوزي في كتابيهما في التاريخ فلاحظ
(12) - قاله الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الإمام الصادق، كما رواه عنه السيد محمد صادق آل بحر العلوم
في مقدمته على رجال الشيخ الطوسي ص 27
12

تلك المنطقة كانوا من أهل السنة، ومن أتباع الشافعي ظاهرا، فإن نشأة الوزير نظام الملك
(408 - 485 ه‍) في " نوقان " والإمام الغزالي (450 - 505 ه‍) في " طابران " على
مذهب الشافعي، وكذلك غير هما من العلماء تؤيد ذلك.
ومن المتحمل أيضا أن أسرة الشيخ الطوسي كانت من شيعة آل البيت بطوس،
لكنها كانت تحت ستار التقية وكانوا يظهرون الشافعية خوفا من الإساءة لهم كما حصل
بالفعل " للفردوسي " بعد وفاته حيث رفضوا دفنه في مقابر المسلمين لكونه رافضيا.
المرحلة الثانية
من وروده بغداد حتى هجرته إلى النجف
وضع بغداد آنذاك علميا ومذهبيا وسياسيا
لمعرفة بغداد كما كانت حين ذاك، قد لا يكفي كتاب، إلا أننا نحتاج هنا إلى رسم
صورة ولو مبهمة عن مكانتها السياسية والعلمية في تلك الأيام: فنقول:
لقد تم بناء بغداد على يد أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي الثاني، حيث جعلها
مركز الخلافة رسميا عام 146 ه‍. (13) وبذلك صارت بغداد مركز الثقل السياسي للعالم
الإسلامي الواسع من ذلك الوقت إلى آخر أيام العباسيين عام 654 ه‍ فحكمت الأقاليم
الإسلامية كلها. وكذلك أصبحت بغداد أكبر قاعدة علمية ثقافية في العالم، فكانت مجمع
العلماء والخبراء في شتى العلوم والفنون. وقصدها العلماء وطلاب العلم من كل فج عميق،
وتوطنوا بها حياتهم أو أقاموا فيها برهة من الزمان لاكتساب العلم وتعلمه، أو لنشره
وتعليمه ثم ارتحلوا عنها.
إن أكبر الفقهاء وأئمة المذاهب الإسلامية: مثل الإمام أبي حنيفة (85 - 150
ه‍) والإمام الشافعي (150 - 204 ه‍) والإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 ه‍) والإمام
داود الظاهري (202 - 270 ه‍) وكذلك كبار المحدثين ومن جملتهم مؤلفوا الصحاح

(13) - على رأي الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد ج 1 ص 66، جلس الخليفة المنصور على عرش
الخلافة عام 136 ه‍، وفي عام 145 بدأ تخطيط بغداد وبنائها، وفي عام 146 تم بنائها؟؟ وانتقل بلاط الخلافة
إليها، وتم الجدار الخارجي وساير عمليات البناء في أواسط عام 149. وقد رويت في ذلك روايات أخرى
متفاوتة في ذلك بعض الشئ.
13

الستة (14)، وأكبر المؤرخين: مثل محمد بن إسحاق (م 150) أو بعدها والواقدي
(130 - 207 ه‍) وابن واضح اليعقوبي (م 284 ه‍) وابن سعد كاتب الواقدي (م 230
ه‍) والمسعودي (م 346 ه‍) والطبري (224 - 310 ه‍) والبلاذري (م 279 ه‍) وابن
قتيبة الدينوري (م 276 ه‍) وأبي الفرج الأصفهاني (م 360 ه‍ تقريبا) (15) فإنهم قضوا عامة
حياتهم أو شطرا منها في بغداد، وبعضهم مدفون فيها، كما أن بعضا آخر منهم مثل
المسعودي، والبلاذري، واليعقوبي والدينوري قد ولدوا ونشأوا ببغداد.
وأما الشعراء المعروفون أمثال " المتنبي " فلعلنا لا نجد (سوى عدد منهم) ممن
قصد بغداد، للاتصال ببلاط الخلفاء أو الوزراء وكبار الرجال من ذوي الأيدي والألسن،
وأولي المال والجاه، والتقرب منهم وإنشاد المديح فيهم، والحصول على صلاتهم، ورفع
الحاجات إليهم، والعكوف ببابهم أو الانصراف من عندهم مأجورين شاكرين.
وكذلك فإن العلوم العقلية، والفلسفية، والرياضية، والطبية، المعبر عنها ب‍ " علوم الأوائل "
أو " العلوم الدخيلة "، لأول مرة في الإسلام، وضع حجرها الأساسي، واستحكمت دعائمها،
في بغداد، فاستجلب من أجلها كبار العلماء والمترجمين من أطراف الأرض وأكناف
البلاد، وحشروا في بغداد، واشتغلوا بترجمة الكتب أو تأليفها في تلك الفنون. وقد ظهرت أول
مؤسسة علمية أو مجمع علمي أو دار الكتب المعروف ب‍ " بيت الحكمة " ببغداد، في عهد
الخليفة هارون الرشيد، فكانت محلا ومرجعا للعلماء والمترجمين (16). ثم أسست مدارس

(14) - هذه الكتب تعتبر أصح كتب الحديث عند أهل السنة مثل الكتب الأربعة عند الشيعة. وهؤلاء
الستة هم 1 - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 ه‍) 2 - مسلم بن الحجاج النيشابوري
(204 - 261 ه‍) وهما صاحبا الصحيحين 3 - أبو داود سليمان بن أشعث السجستاني (202 - 275 ه‍)
4 - أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (209 - 279 ه‍) 5 - أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسائي
(215 - 303 ه‍) 6 - أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (209 - 273 ه‍) المعروف ب‍ (ابن ماجة) وهؤلاء
الأربعة هم أربعة السنن الأربع المعروفة بأسمائهم
(15) - قد جاءت تراجم هؤلاء المذكورين في مصادر كثيرة من بينها تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
(16) - قد اختلفوا في عنوان هذا المركز هل أنه كان مدرسة، أو دارا للكتب أو معهدا للدراسة والتأليف
والترجمة أو محلا لجميع هذه الأمور، فلاحظ كتاب تاريخ العلوم العقلية في الإسلام (باللغة الفارسية) للأستاذ
الدكتور ذبيح الله صفا ص 48. وقد جاء في كتاب " دليل خارطة بغداد " ص 254 أن بيت الحكمة وكذلك
مكتبة شابور، ودار العلم للشريف الرضي، كلها كانت واقعة على الضفة الغربية من بغداد ولا يعلم بالضبط
متى أسس بيت الحكمة وربما يرجح وجوده قبل عصر الرشيد وكانت دائرا قطعا إلى عصر ابن النديم صاحب
الفهرست، فليلاحظ المصدر المذكور.
14

أخرى بقيت إلى عصر الشيخ الطوسي، واستفاد هو منها كما ستقف عليه.
ولأجل الوقوف على وضع " بغداد " في تلك الأعصار فإن من اللازم الرجوع إلى
كتابين ألفا حين ذاك: أحدهما كتاب " الفهرست " لابن النديم. والآخر " تاريخ بغداد ".
أما الفهرست فقد ألف في سنة 377 ه‍ كما هو المنصوص عليه في مواضع منه. وقد كان
مؤلفه " وراقا " مشتغلا ببيع الكتب واستكتابها للناس، وقد عمل فهرستا لكل ما وصل إليه
من الكتب، وكان صديقا لكثير من العلماء وأئمة المذاهب المعاصرين له ولعشاق الكتب
. والظاهر أن دكانه كان محل تردد العلماء والراغبين بالكتب، وملتقى أفئدتهم وأفكارهم
أما " تاريخ بغداد " فهو للخطيب البغدادي المعاصر للشيخ الطوسي الذي أقام معه
في بغداد، زمنا بعيدا وبعده إلى سنة 463 ه‍ وكان يتردد على بغداد حتى توفي فيها في
تلك السنة (17). وقد التقى بكثير من العلماء المعاصرين له، وقليل من العلماء الذين
عاشوا ببغداد أو ترددوا عليها، ولم يذكر هم الخطيب في كتابه هذا الذي يحتوي على ترجمة
7831 شخصا بالتفصيل أو الإيجاز ومع ذلك فلم يذكر الخطيب الشيخ الطوسي إمام الشيعة
في عصره في قليل ولا كثير
موقف الشيعة في بغداد
هذا الذي مر معنا، إنما يظهر لنا بغداد من الناحية العلمية بشكل كلي. وأما من
ناحية الشيعة والتشيع فيها فلا بدو أن نشير إلى أنه من عصر الإمام الصادق عليه السلام
المتوفى عام 148 ه‍ فما بعده قد دخلها أكثر الأئمة من آل البيت عليهم السلام. ومن
بينهم الإمامان السابع والتاسع - أي الإمام موسى بن جعفر الكاظم والإمام محمد بن علي الجواد عليهم السلام - وأقاما فيها برهة من الزمان ثم ماتا أو استشهدا بها ودفنا بمقابر
قريش التي صارت فيما بعد بلدة مستقلة تسمى " الكاظمين " أو " الكاظمية ".
وكذلك فإن قسما كبيرا من علماء الشيعة ورجالهم كانوا يترددون على بغداد منذ
تأسيسها، وبعضهم استوطنوا بها، ومنهم من كان على علاقة وارتباط بالخلفاء أو الوزراء
فيها. ولا سيما في أيام " البرامكة ". فمن جملة الرجال المشهورين والعائلات المعروفة هشام

(17) - كان نزل الخطيب البغدادي في أواخر عمره بمحلة درب السلسلة قرب المدرسة النظامية وتوفي هناك
عام 463 ه‍ (أي بعد وفاة الطوسي بثلاث سنوات) وقد شيعه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أول شيخ
للنظامية وحملوه إلى جامع المنصور في الطرف الغربي من بغداد فلاحظ دليل خارطة بغداد ص 319
15

بن الحكم (18) ومحمد بن أبي عمير، وعلي بن يقطين وأسرته، وأسرة ابن قولويه،
والإسكافي، والصفواني، والشريفين المرتضى والرضي حيث كانوا مستوطنين ببغداد، وكان
كلما مر الزمان على بغداد، يزداد اجتماع الشيعة فيها حتى أصبحت مركز الشيعة الرئيسي
في القرن الثالث والرابع والخامس. فكان لعلماء بغداد من هذه الطائفة المقام الأول
والزعامة المطلقة على جميعها. ومن جملتهم " السفراء الأربعة " أو " النواب الأربعة " (19)
الذين عاشوا في بغداد في النصف الأخير للقرن الثالث إلى شطر من القرن الرابع - أي من
سنة 260 إلى سنة 329 ه‍ بالضبط -، وكانوا يتحملون مسؤولية الوكالة والنيابة الظاهرة
للإمام عليه السلام الغائب عن الأبصار، وكانوا مراجع للشيعة الإمامية عامة، ومقابرهم
لا زالت موجودة في نواحي بغداد القديمة إلى هذا العصر وتزار من قبل الشيعة.
وتم تأسيس علم الكلام عند الشيعة، الذي يقوم بمهمة الدفاع عن المذهب، في
بغداد على يد " هشام بن الحكم " استمر حتى بلغ الذروة في أواخر القرن الرابع على يد الشيخ
المفيد حيث أحدث بمهارته في المحاورات الكلامية والدروس التي كان يلقيها على
،

(18) - كان هشام مولى لبني شيبان أو " كندة " ولد بالكوفة ونشأ بواسط واتجر إلى بغداد، وتوطن بها
أخيرا، فلا زم يحيى بن خالد البرمكي، وتولى مجالس كلامه ومناظراته. وهو الذي فتق الكلام في الإمامة و
هذب المذهب في النظر على حد تعبير الشيخ الطوسي. كانت له مهارة رائعة في المناظرة والبداهة في الجواب.
وأسماء كتبه المذكورة في الفهارس تدل على أنه كان خصما لدودا للفلاسفة وأتباعهم من المعتزلة. والظاهر
أنه أول من تصدى للرد على فلاسفة اليونان وإيران، وأول من ألف في الإمامة. كان هشام محل عناية الإمامين
الصادق والكاظم عليهما السلام وله عنهما رواية. كان مقيما ببغداد في قصر الوضاح، ومات بعد زوال البرامكة
بمدة قليلة عام 179 ه‍، أو في خلافة المأمون عام 199 ه‍. وخلف ف تلاميذ مثل ابن أبي عمير ويونس بن
عبد الرحمن وغيرهما. وفن الكلام عند الشيعة الإمامية بدأ من هشام وانتقل من طريق هؤلاء إلى من بعدهم
حتى انتهى إلى الشيخ المفيد ومن في طبقته. ملخص من رجال النجاشي وفهرست الطوسي ورجال الكشي
في ترجمة هشام.
(19) - وهم: 1 - عثمان بن سعيد العمري كان وكيلا للإمام الهادي والإمام العسكري ثم الإمام المهدي
عليهم السلام. 2 - ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان العمري، وقد بقي حوالي خمسين سنة في هذا المنصب إلى أن
توفي عام 304 أو 305 ه‍. 3 - أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقام بالأمر بعد أبي جعفر العمري
حتى توفي عام 326 ه‍. 4 - أبو الحسن علي بن محمد السمري، حيث قام بالأمر بعد النوبختي إلى أن توفي
عام 329، وقد صدر التوقيع الشريف من قبل الصاحب عليه السلام على يده إعلاما بانتهاء دور النيابة
الخاصة والغيبة الصغرى وبعد ذلك بدأت الغيبة الكبرى وصار الأمر إلى الفقهاء الذين يعبر عنهم ب‍
" النواب العامة " للإمام عليه السلام.
16

الناس ثورة علمية، وقد ترك جماعة من الناس مذهبهم ودخلوا في المذهب الإمامي نتيجة
لقدرته الكلامية ومنطقه القوي. وقد (؟) خرج من مدرسته، الرجل الكلامي المجرب الشريف
المرتضى علم الهدى رضي الله عنه في رجال آخرين
وجدير بالذكر أن المفيد والمرتضى وشيوخهم والمعاصرين لهم وحتى الشيخ
الطوسي نفسه كما يبدو من مطاوي التاريخ، كانوا قبل كل شئ مراجع للناس في علم
الكلام ودفع شبهات المخالفين. والظاهر أن هذا العلم في تلك الأعصار قد كانت له الرتبة
الأولى بالنسبة إلى باقي العلوم حتى الفقه والحديث. فكان إمام الشيعة ورئيسهم المقدم على
غيره هو العالم المتكلم دون العالم الفقيه، كما هو المعتاد في الأزمنة المتأخرة ويدل على
هذا الأمر تلك الرسائل المتعددة التي نجدها في قائمة تصانيف تلك الطبقة من العلماء
، التي هي أجوبة مسائل وردت إليهم من البلاد البعيدة. وكذلك الكتب التي ألفوها ردا
على مخالفيهم وتفنيدا لآرائهم. حيث إن أكثرها في المسائل الكلامية، وإن كان للفقه منها
حظ وافر.
وبعد علم الكلام كانت الأهمية العظمى للفقه والأصول، ولعل الاهتمام
بالحديث كان أكبر من الاهتمام بهما أيضا بل إن الحديث كان أسهل تناولا لاعتماده بصورة
رئيسية على النقل، وكانت بغداد ملتقى العلماء والمحدثين من كل بلد، ومحل ترددهم،
وليس مبالغة في القول لو ادعينا أن الأحاديث الإسلامية ومن جملتها الروايات عن أئمة أهل
البيت عليهم السلام قد انتقلت من أكثر البلاد وجمعت في بغداد عند الشيوخ.
وبقطع النظر عن رواة الشيعة في القرنين الثاني والثالث، فإن عندنا شخصية
شيعية مشهورة، ألا وهو محدث الشيعة وحافظهم أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الذي
كان في مدينة " الري " زعيما للشيعة، ثم انتقل إلى بغداد بسبب مجهول لعله العمل على
رواية كتاب الكافي وبث أحاديثه في بغداد مركز الشيعة يوم ذاك، وهناك فارق
الدنيا وقبره الآن مزار معروف. ويحتمل قويا أنه ألف هذا الكتاب قبل هجرته إلى بغداد
لكنه حدث به فيها، فإن أكثر رواة الكافي كانوا يعيشون في بغداد وفيها حدثوا به
للآخرين، كما أن شيوخ الكليني عامتهم من مشايخ قم والري (20) وما قاربها من البلاد.

(20) - رجال النجاشي ص 266. وكان الكليني مشتهرا ب‍ " الرازي " و " البغدادي " و " السلسلي " نسبة
إلى درب السلسلة الواقعة في باب الكوفة ببغداد وكان يحدث في هذا المكان بالكافي عام 327، وكأنه في
نفس هذه السنة انتقل إلى بغداد. فلاحظ مقدمة الكافي للدكتور حسين على محفوظ ص 18 ولنا مقالات حول
الكافي في مجلة آستان قدس رضوي في أدوارها الأولى والثانية.
17

والمفروض أنه كان مشتغلا بتأليف الكافي في مدة عشرين سنة كما يقول النجاشي
وكذلك فقد دخل بغداد معاصره أحد رجال الشيعة بقم، علي بن بابويه القمي والد الشيخ
الصدوق، وصاحب التآليف الكثيرة واتصل بوكيل الناحية المقدسة (21)، كما أن
الشيخ الصدوق، نفسه ورد بغداد عام 355 ه‍ (22) نعم.. لقد بدأ حديث أهل البيت
عليهم السلام وروايات الشيعة، تنشر وتتركز أولا في مركزين رئيسيين هما مدينة (قم)
و (الكوفة)، ثم صارت بغداد ملتقى هذين الطريقين للحديث إذ المحدثون كانوا يترددون
من قم والكوفة وغيرهما، إلى بغداد، ويحملون معهم الأحاديث فيروونها بها، وأحيانا كانوا
يقيمون هناك.
كما وظهرت وجمعت كتب الشيعة أيضا من البلاد القريبة أو البعيدة في بغداد
بنفس النسبة التي اجتمع فيها علماؤهم. فإن محمد بن مسعود العياشي مثلا أحد أقطاب
الشيعة في سمرقند، قد كانت له مؤلفات عديدة أتى ببعضها إلى بغداد لأول مرة أبو الحسن
القزويني القاضي في عام 356 ه‍ (23) وفي النهاية ازدهرت المكتبات الشيعية ببغداد،
ومن جملتها مكتبة أبي نصر شابور بن أردشير (24) وزير بهاء الدولة البويهي ابن عضد
الدولة، التي تأسست سنة 381 في محلة " بين السورين " (25) إحدى محلات " الكرخ " في

(21) - كان علي بن بابويه في بغداد عام 328 - أي قبل وفاته بسنة - كما في رجال النجاشي ص 199،
وعلى رأي الشيخ الطوسي في رجاله ص 482 ورد بغداد سنة تناثر النجوم، أي في نفس سنة 329 التي توفي
فيها، وسمع منه " التلعكبري " فيها.
(22) - رجال النجاشي ص 303. وقد كان الصدوق في بغداد عام 352 ه‍ أيضا وسافر في هذه الأثناء
أسفارا إلى الكوفة وهمدان ومكة، فلاحظ مقدمة بحار الأنوار ج 1 ص 36 لصديقنا المجاهد العلامة الشيخ
عبد الرحيم الرباني الشيرازي رحمه الله تعالى، ولنا ترجمة مطولة عن الصدوق في مقدمة كتاب " المقنع " للصدوق.
(23) - يقول العلامة الحلي في " الخلاصة " ص 101 في ترجمته: " قدم بغداد سنة ست وخمسين وثلاثمأة
ومعه من كتب العياشي قطعة، وهو أول من أوردها بغداد ورواها... ".
(24) - يقول عنه ابن الأثير في تاريخه الكامل ج 7 ص 324: " كان كاتبا سديدا وقد أسس مكتبته عام
381 ه‍، وجمع فيها أكثر من عشرة آلاف كتاب... " وجاء في هامش هذا الكتاب، أن هذا الرجل تولى
الوزارة لبهاء الدولة ثم لمشرف الدولة ثلاث مرات. وكان رجلا عفيفا، محسنا، سليم النفس، حسن المعاشرة
، إلا أنه كان سريع العزل لعماله حتى لا يبتلوا بالترف والافراط في العيش. وقد وقف على مكتبته أوقافا وأملاكا
وتوفي عام 416 ه‍ عن عمر يقارب التسعين.
(25) - كانت بغداد الأصلية تسمى " مدينة السلام " واقعة على الضفة الغربية من " دجلة " قريبة من
" الكاظمية " حاليا، بنيت مدورة لها أربعة أبواب باسم الكوفة، والبصرة، والشام وخراسان وكانت هندستها
بهذه الكيفية:
- خندق محيطة بالبلد. 2 - المثنى المبنية بالآجر والساروج سدا للسيل. 3 - فيصل خارجي
في عرض 50 ذراعا: مساحة خالية عن أي بناء حفاظا على المدينة من العدو والحريق. 4 - السور الأعظم
في ارتفاع 30 ذرعا، وضخامة 5 / 22 ذراعا في الأسفل، و 12 ذراعا في الأعلى. 5 - فيصل داخلي في عرض
150 ذراعا: مساحة بدون بناء، دفاعا عن المدينة. 6 - جدار ثان محيط بميدان واسع في الداخل، ومحيط
بالأبنية والقصور. وكان الحد الفاصل بين الجدارين يسمى " بين السورين ". وبعد ذلك تم بناء الكرخ
جنوبي المدينة ثم انهدمت أركان المدينة تدريجيا، وبنيت مكانها محلات منضمة إلى محلة الكرخ، وقد
سميت تلك المحلات باسم مكانها من المدينة القديمة، مثل محلة باب الكوفة، محلة باب البصرة، وهكذا.
وفي رأيي أن مكتبة شابور كانت واقعة في مكان كان قبل ذلك يسمي " بين السورين " ولم أر من تنبه لذلك بهذا
الشرح. لاحظ دليل خريطة بغداد ص 49.
18

بغداد بجهد هذا الوزير الشيعي الفاضل، وكانت تشتمل على نفائس الكتب النادرة
وتضاهي مكتبة " بيت الحكمة " وكذلك مكتبة الشريف المرتضى التي كتب عنها أنها
حوت 80 ألف كتابا (26) كما أن أخاه الشريف الرضي أسس أيضا مؤسسة باسم
" دار العلم " كان فيها مكتبة مهمة (27).
وبالإضافة إلى هذه المكتبات الثلاث، كانت هناك بالطبع مكتبات أخرى
شخصية لعلماء الشيعة ويعلم من فهرست ابن النديم أنه قد كان لكتب الشيعة رواج في
سوق البيع حين ذاك في بغداد وأنه وقع قسم كبير منها بيد ابن النديم حيث سماها في
فهرسته مع ذكر شئ من مزاياها. (28)
إن المكانة التي أحرزها الشيعة في بغداد كان الفضل يعود فيها بشكل أساسي إلى
رجال كانت لهم منزلة وشأن من أمثال علي بن يقطين (29) الذين عملوا مع العباسيين

(26) - قال أبو القاسم التنوخي ملازم السيد المرتضى: قد أحصينا كتب السيد فكانت 80 ألف مجلد من
مصنفاته ومحفوظاته ومقروآته. وقال الثعالبي قد قومت بثلاثين ألف دينار، بعد أن أهدي القسم الكبير منها
للوزراء والرؤساء، روضات الجنات ص 383 و 384.
(27) - دار العلم هذه كانت مدرسة يسكن فيها الطلبة، وقد هيئت لهم كل ما يحتاجون إليه (ومنها
المكتبة). روضات الجنات ص 575.
(28) - قد ذكر الشيخ الطوسي في الفهرست ص 163 أسماء كتب العياشي نقلا من الفهرست لابن النديم
، وكأنه لم يكن له مصدر سوى ذلك.
(29) - كان يقطين والد على من دعاة آل العباس، وتعقبه مروان الحمار ففر من موطنه الكوفة، كما فرت
أم على مع ابنه هذا وأخيه عبيد إلى المدينة حتى رجعوا إلى الكوفة بعد استقرار الحكم لآل عباس. وكان علي
من المقربين لدى البلاط العباسي، ذا مكانة مرموقة عند السفاح، والمنصور، والمهدي، والرشيد وتوفي عام
182 ه‍ في بغداد أن عاش 57 سنة، وكان الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام محبوسا حين
ذاك. وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد. وقد توفي والده يقطين بعده عام 185 ه‍. كان علي هذا و
ذريته من المؤلفين للكتب ومن رواة حديث آل البيت عليهم السلام فلاحظ فهرست الطوسي ص 117
ورجال النجاشي ص 206 وغيرهما من المصادر.
19

منذ بداية أمرهم، وكانت لهم مناصب كبيرة ومكانة هامة لديهم حتى إن
" البرامكة " لم يكونوا منقطعين عن رجال الشيعة وعلمائهم فإن " هشام بن الحكم " العالم
الشيعي كان ملازما ليحيى بن خالد البرمكي كما مر معنا. (30)
ومن خلال مطالعة التاريخ والأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام
وغيرها نعرف بأنه قد كان هناك رجالات شيعية كانت تحتل مناصب مهمة في العاصمة
وسائر البلاد. ويتضح هذا أكثر ونحن نرى أن الخلفاء كانوا ينزلون على رأي زعماء الشيعة في
تكفير وطرد أشخاص من أمثال " ابن أبي العزاقر " (31) و " الحسين بن منصور الحلاج "
(32) حيث أجروا عليهم أحكام الإعدام جريا على العمل بفتاويهم. فهذا دليل على أن
الطائفة الإمامية في القرن الرابع الهجري كانت معترفا بها بشكل رسمي لدى البلاط
العباسي. وكان لرأي علمائهم أكبر الأثر فيه. مع الاعتراف بذلك كله لا ينبغي
إنكار حقيقة أن مكانة الشيعة وموقعهم السياسي والاجتماعي في بغداد وفي العراق وإيران
بصورة عامة قد بلغ قمته في عصر " الديالمة " فهذه الأسرة التي نشأت من أصل فارسي وكانت
تدين بالولاء لأهل البيت قد حكمت البلاد حتى بغداد مركز الخلافة العباسية لمدة مئة
وثلاثة عشر عاما - أي من سنة 334 - إلى 447 ه‍ - وكانت أزمة الأمور كلها بيدهم،
فلم يبق للخليفة سوى الاسم ورسوم الخلافة الظاهرية. وأعظم ملوك الديالمة
هو عضد الدولة البويهي الذي أخضع بغداد في سنة 367 وضمها إلى ملكه، وبقي على

(30) - فلاحظ الهامش رقم 18.
(31) هو - أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني ادعى النيابة الخاصة عن المهدي عليه السلام، بل الألوهية
والحلول. وحينما أعلن الشيخ الحسين بن روح وكيل الناحية المقدسة فساد عقيدته، أخذه الخليفة وأجرى عليه
حكم الإعدام بفتوى من القضاة في شهر ذي القعدة عام 322 ه‍ وفيات الأعيان ج 1 ص 418.
(32) - هو أبو معتب الحسين بن المنصور البيضاوي المعروف ب‍ " الحلاج " له دعاوى باطلة ومقالات مشهورة
، كان يعد نفسه أحد الأبواب للناحية المقدسة في الغيبة الصغرى، وصدر توقيع من الناحية المقدسة في
تكذيبه. وقد ذمه علماء الشيعة المعاصرون له أو المتأخرون عنه لكن بعضا آخر منهم أمثال نصير الدين الطوسي
، والشيخ بهاء الدين العاملي والقاضي نور الله التستري قد دافعوا عنه، وأولوا كلماته الظاهرة وعلى
كل حال فهناك خلاف بين العلماء في شأنه لاحظ روضات الجنات ص 225.
20

قيد الحياة حتى عام 372 ه‍. وهو أول من سمى ب‍ " الملك " رسميا في الخطبة بعد اسم الخليفة.
وأول من أعلن رسميا مرقد علي عليه السلام في النجف وبنى عليه القبة والمقام، وقد
أوصى بأن يدفنوه إلى جواره عليه السلام. (33)
كان هذا الملك يكن احتراما كبير للشيخ المفيد، ويوليه عناية خاصة، حتى إنه
كان يزوره أحيانا في بيته. وعلى العموم فقد نضجت المحافل الشيعية ومجامعهم كما وكيفا
في عصر الديالمة، وأصبحت حلقاتهم العلمية ودروسهم، ومناظراتهم مع أرباب المذاهب
الأخرى تزدهر بشكل علني، وكانت لعلمائهم علاقات قوية مع السلاطين والوزراء.
ومن جملتهم الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين المتوفى عام 381 ه‍ وأخوه الحسين
بن علي بن بابويه فكان لهما اتصال لهما دائم بالوزير العالم الأديب " الصاحب بن عباد " (34)
وقد اتفق للشيخ الصدوق مناظرات بالري في حضرة الملك ركن الدولة وابنه الملك
عضد الدولة. (35)
ومع نمو تجمعات الشيعة حين ذاك في بغداد، أخذت أماكنهم على الأيام تنفصل
هذه عن أماكن أهل السنة، فأصبحت محلة " الكرخ " مركزا شيعيا وبذلك بدأت التحركات
والحروب بين الطائفتين، حتى إن الخليفة التجأ إلى أن يعين للشيعة نقيبا، لعله كان في
نفس الوقت نقيبا للعلويين أيضا، فكانت النقابة انتهت حين ذاك إلى الشريف أبي أحمد، ثم
انتقلت إلى ولديه الشريف الرضي، ثم الشريف المرتضى ثم إلى أبي أحمد عدنان ابن
الشريف الرضي وهكذا فيمن بعده. وكانت هذه الأسرة من أكبر العائلات الشيعية ظهورا
وشهرة في بغداد وكانوا في نفس الوقت مراجع دينية للشيعة جميعا، علاوة على منصب النقابة، كما أن منصب إمارة الحج والنظر في المظالم في بعض ضواحي العراق كانت مفوضة

(33) - وفيات الأعيان ج 3 ص 21 فما بعدها.
(34) - ألف الشيخ الصدوق كتابه " عيون أخبار الرضا عليه السلام " للصاحب، وأتى في أوله بجملة من
فضائله ومحاسنه، كما سجل قصيدته السينية في تبجيل الإمام الرضا عليه السلام ومرقده، والتي مطلعها هكذا:
يا زائرا سائرا إلى طوس * مشهد طهر وأرض تقديس
وأما أخوه الحسين بن بابويه فكان عالما كثير الرواية وله أيضا كتاب ألفه للصاحب، لاحظ رجال
النجاشي ص 54.
(35) - روضات الجنات ص 560 فما بعدها. وكان موضوع البحث موقف الصحابة بعد النبي صلى الله
عليه وآله، وموقف الشيعة ورأيهم فيهم.
21

إليهم. (36)
قدوم الشيخ الطوسي إلى بغداد
في مثل تلك الظروف ورد بغداد الشيخ الطوسي الطالب الشاب البالغ من
العمر 23 عاما، وهو على استعداد تام للتقدم العلمي والاستفادة من الدروس العالية، ورد
بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية البالغة حين ذاك أوجها الثقافي. والحافلة بآلاف من
العلماء في جميع الفنون ومن جميع المذاهب الإسلامية. ومنذ وصوله لفت أنظار الشيوخ
والأساتذة إليه ويتبين لدينا من ملاحظة مشايخ الطوسي في الحديث والرواية وقسم من
تأليفاته، أنه استفاد في السنين الأولى من إقامته ببغداد أقصى ما يمكن استفادته من
الفرص التي كانت متوفرة له حين ذاك. وهذا واضح من خلال استقراء رواياته في كتب
الحديث، وفي كتابه " الفهرست " مع تصريح كبار العلماء والمترجمين له، ومن جملتهم شيخنا
الأكبر العلامة الطهراني في مقدمة التبيان (37)، والعلامة المتتبع السيد محمد صادق آل
بحر العلوم، في مقدمة فهرس الطوسي (38)، حيث يتحصل لدين أن القسم الأكبر من نقوله
ورواياته إنما هما عن خمسة أشخاص أدركهم الشيخ الطوسي في أواخر أيامهم، ولم
يلازمهم مدة طويلة، ومع ذلك فقد أخذ علومهم وسمع جميع رواياتهم في تلك الفرصة
العابرة والمدة القصيرة.
فمن جملة هؤلاء الخمسة بل المقدم عليهم الشيخ المفيد حيث أدرك الشيخ الطوسي
خمس سنوات من آخر أيام " المفيد " فقط، في حال أن المفيد هو العمدة في منقولات الشيخ
تقريبا. وقد ذكر الطوسي في ترجمة المفيد بعد سرد مؤلفاته قوله: " سمعنا منه هذه الكتب
بعضها قراءة عليه وبعضها يقرأ عليه غير مرة وهو يسمع " (39) فظاهر هذا الكلام يدلنا على
أنه أخذ منه جميع تلك الكتب، ودرسها على أستاذه بطريقة السماع أو القراءة، وبعضها
بشكل مكرر. في مدة لا تتجاوز خمسة أعوام. مع أنه في نفس الوقت حسب ما ستعرف
ألف قسما كبيرا من كتاب " تهذيب الأحكام ".
والثاني من الخمسة هو الحسين بن عبيد الله الغضائري المتوفى عام 411 ه‍، أي

(36) - روضات الجنات ص 383.
(37) - مقدمة التبيان ص أ ح.
(38) - مقدمة الفهرست ص 11 و 18
(39) - فهرست الطوسي ص 126.
22

بعد قدوم الشيخ بغداد بثلاث سنوات فقط. مع أن روايته عنه في الفهرست والتهذيب وغيرهما
كثيرة جدا.
والثالث منهم، أحمد بن محمد بن موسى المعروف ب‍ " ابن الصلت الأهوازي " الذي
توفي عام 409 ه‍ أي بعد قدوم الشيخ بسنة واحدة ومن المسلم به لدينا أن الشيخ روى عنه
وعن الغضائري بعض رواياتهما على الأقل بطريقة السماع أو القراءة، ولم يكتف بالإجازة
منهما، فإنه يقول عن الغضائري: " كثير السماع، وله تصانيف ذكرناها في الفهرست،
سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته... " (40) وقد نص الشيخ في الفهرست على أنه قرأ
أكثر كتب الكافي للكليني على الغضائري. (41) وكذلك سمع من " ابن الصلت
الأهوازي " في سلخ شهر ربيع الأول عام 409 ه‍. بمسجده الواقع بشارع " دار الرقيق "
وقد مر علينا أنه توفي في نفس السنة. (42)
والرابع منهم، هو أبو عبد الله، أحمد بن عبد الواحد البزاز المعروف ب‍ " ابن الحاشر "
و " ابن عبدون " المتوفى سنة 423 ه‍.
والخامس من هؤلاء الشيوخ الخمسة، هو أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن أبي
جيد القمي، الذي كان يروي مباشرة عن محمد بن الحسن بن الوليد المتوفى عام 343 ه‍،
وعن أحمد بن محمد العطار، الذي سمع الحديث في سنة 356 ه‍ (43) ونحن لا نعلم سنة وفاة
" ابن أبي جيد " هذا إلا أن الشيخ الطوسي ترحم عليه في مشيخة كتابه
" الاستبصار فيما اختلف من الأخبار " (44) وهذا الكتاب يعتبر من الكتب التي
ألفها الشيخ في أوائل حياته العلمية.
وبالإضافة إلى هؤلاء الخمسة من مشايخ الطوسي فنحن نمر على تراجم أشخاص
آخرين قد درس وقرأ الشيخ الطوسي كتبهم الكثيرة عليهم ذكرهم الشيخ في
كتابيه " الفهرست " و " الرجال " أو في مشيخة " التهذيب " و " الاستبصار ". ومنهم
أستاذه الكبير علم الهدى الشريف المرتضى حيث قال في الفهرست بعد ذكر كتبه:

(40) - رجال الطوسي ص 470.
(41) - فهرست الطوسي ص 161.
(42) - مقدمة رجال الطوسي للسيد محمد صادق آل بحر العلوم ص 35.
(43) - شرح مشيخة تهذيب الأحكام للسيد حسن الخرسان ص 34.
(44) - مشيخة الاستبصار ص 303.
23

قرأت هذه الكتب أكثرها عليه، وسمعت سائرها يقرأ عليه دفعات كثيرة (45). والخبراء
يعملون ولا يخفى عليهم أن قراءة أو سماع الكتب الكبيرة والمتعددة إلى جانب تحقيقها
ودرايتها يستوعب وقتا طويلا. ويبدو أن الشيخ الطوسي جهد كثيرا ليحصل في السنوات
الأولى التي قضاها في بغداد وعند كبار المشايخ والأساتذة العظام على أقصى ما يمكنه من
المعلومات، مستغلا حياتهم وآخر أنفاسهم حتى لا يسبقوه بموتهم، فيفوته شئ من علمهم.
وبذلك نعتقد أن الدراسة استغرقت كل وقته، ليلة ونهاره في تلك السنين.
الشيخ المفيد وملازمة الشيخ الطوسي له
يعتبر المفيد أعظم مشايخه وأساتذته، لا سيما في العلوم النقلية حيث كان معظم
استناده إليه. كان المفيد رئيس متكلمي الشيعة ورأس فقهائها في عصره يقول اليافعي
: ".. البارع في الكلام والفقه والجدل، وكان يناظر أهل عقيدة مع الجلالة والعظمة
في الدولة البويهية " (46) وقد وصفه معاصره ابن النديم هكذا: " انتهت في عصرنا رياسة
متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة، ماضي
الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا " (47). وإذا التفتنا إلى أن ابن النديم يكتب هذا الكلام
عن المفيد المتوفى عام 413 ه‍ وقد نص على أنه ألف فهرسته عام 377 ه‍ حكمنا بأنه
شاهد المفيد وكتب عنه في أوسط أيام المفيد حيث لم يتجاوز الأربعينات، وعاش بعد ذلك دهرا و
اكتسب شهرة فوق ما كتب عنه.
وأما الخطيب البغدادي الذي هو بدوره أدرك المفيد في شبابه فيحكي
لنا كيف جعل المفيد أهل السنة في ضيق شديد بقوة حجته وتأثير كلامه بين الناس حتى
أقبلوا على ما كان يدعوهم إليه من مذهب آل البيت، يقول الخطيب: " هلك به خلق من
الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه... " (48)
فيتبين من خلال أقوال المترجمين للمفيد، سواء ممن كانوا معاصرين له ومن أهل
حلقته، أو من غيرهم من الشيعة أو من أهل السنة، أن المفيد كان بارعا في قوة الحجة،
والغلبة على خصمه، حاضر الجواب، نشيطا للبحث والمناظرة، ولم يكن في زمانه من

(45) - فهرست الطوسي ص 126.
(46) - مقدمة الرجال للسيد محمد صادق آل بحر العلوم ص 7 نقلا عن مرآة الجنان لليافعي.
(47) - فهرست ابن النديم ص 266 و 293.
(48) - تاريخ بغداد للخطيب ج 3 ص 23.
24

يدانيه أو يضاهيه في المضمار.
كان المفيد معاصرا للقاضي عبد الجبار رئيس المعتزلة المتوفى عام 415، أي بعد
وفاة المفيد بعامين. (49) وكذلك للقاضي أبي بكر الباقلاني رئيس الأشاعرة ببغداد
المتوفى عام 403 ه‍. وكان للمفيد معهما مناظرات مذكورة في كتب التراجم، وقد اشتهر
بسببها المفيد (50) وعطفت نظر الملك عضد الدولة عليه فقدره حق قدره، فكان يزوره
في بيته. وقد جاء في الكتب أن لقب " المفيد " أعطاه إياه " علي بن عيسى الرماني "
(296 - 384 ه‍) أحد المتكلمين البارزين في ذلك الزمان، بعد مباحثة جرت بينهما أيام
شباب المفيد، وكانت الغلبة فيها للمفيد. فأرسل الرماني على الفور رسالة إلى الشيخ أبي
عبد الله المعروف ب‍ " جعل " أستاذ الشيخ المفيد يوم ذاك يوصيه بالمفيد خيرا.
ولد محمد بن محمد بن النعمان المفيد في عائلة عريقة تنتهي بالنسب إلى يعرب بن قحطان
ب‍ (31) واسطة، في شهر ذي القعدة الحرام عام 336 ه‍. وفي ليلة الجمعة يوم الثالث من
رمضان عام 413 ه‍ انتقل إلى رحمة الله في بغداد، وصلى عليه تلميذه الشريف المرتضى في
ميدان " الأشنان " في جموع كثيرة حتى إن الميدان على سعته قد ضاق بالناس ولم ير يوم
أكبر منه من كثرة الناس للصلاة عليه، ومن كثرة بكاء المخالف والموافق عليه (51) ويقول
فيه ابن كثير الشامي: " شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة " (52) وقد نسب إلى
المفيد حوالي 200 مؤلف من جملتها حوالي 180 كتابا ورسالة سماها تلميذه أبو العباس
النجاشي في رجاله. (53) وكثير منها ردود على أقطاب المذاهب والآراء: أمثال
الجاحظ، وابن عباد، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبد الله البصري، وابن نباتة،
والجبائي، وابن كلاب، والخالدي، والنسفي، والنصيبي، والكرابيسي، والعتبي،
والحلاج، (54) وغيرهم. بالإضافة إلى رسالات أكثر عددا من ذلك كتبها المفيد جوابا على

(49) - كان عبد الجبار رئيس معتزلة بغداد، ثم دعاه الوزير الصاحب بن عباد إلى الري فكان هناك مشتغلا
بالتأليف والتدريس إلى آخر حياته فتوفي بها عام 415 ه‍ فيبدو أن اتصال المفيد به كان في أيام الشباب، أما
عبد الجبار فقد كان في سن الكهولة حين ذاك لأنه قد مات عن عمر يناهز التسعين كما يحدثنا ابن الأثير في
تاريخه الكامل ج 7 ص 31.
(50) - لاحظ روضات الجنات ص 563 للوقوف على تفصيل هذه المناظرة والتي بعدها وغيرها من أحوال المفيد.
(51) - فهرست الطوسي ص 187.
(52) - روضات الجنات ص 564.
(53) - رجال النجاشي ص 316.
(54) - بعض هؤلاء يعدون من الرجال المعروفين، والبعض الآخر مثل ابن كلاب والنسفي، والكرابيسي
والعتبي لم يتيسر لنا الوقوف على حالهم بعد شئ من المراجعة إلى المصادر.
25

أسئلة وردت عليه من البلاد البعيدة والقريبة ومعظمها حول مسألة الإمامة والعقائد
والأحكام الفقهية الخاصة بالشيعة وبعض هذه الكتب يعتبر مناقشة وإبطالا لآراء بعض
مشايخه أمثال ابن الجنيد، والشيخ الصدوق وغيرهم في مسائل مثل العمل بالقياس،
والاعتقاد بسهو النبي ونحوها.
قضى الشيخ الطوسي مع أستاذه المفيد كما أشرنا إليه سابقا، مدة خمس سنوات،
وفي حياته وبإشارة منه (55) شرع في شرح رسالة المقنعة للمفيد التي تعد متنا فقهيا
جامعا متقنا، وربما كانت أول كتاب فقهي للشيعة من نوعها. وهذا الشرح هو كتاب
" تهذيب الأحكام " أحد الكتب الأربعة المشهورة في الحديث، والأجزاء الأولى من
هذا الكتاب التي حررها في زمن حياة أستاذه تعتبر أقوى دليل على مقدرة الشيخ الطوسي
الأدبية والعلمية، مع أنه حين ذاك لم يمض عليه أكثر من حوالي خمس وعشرين سنة من
العمر. (56)
السيد المرتضى وملازمة الشيخ الطوسي له
جلس مجلس المفيد رسميا لدى وفاته مباشرة أحد تلامذته وصهره الشريف أبو
يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري (57) المعروف ب‍ (أبي يعلى الجعفري) فتصدى
لإدارة حوزته وحلقته وكان هذا الرجل على حد تعبير " النجاشي " فقيها متكلما قائما
بالأمرين. وبقي حيا إلى عام 463 ه‍ (58) أي إلى بعد وفاة الطوسي بثلاث سنوات -
وقد شارك أبو يعلى هذا وسلار بن عبد العزيز مع النجاشي في تغسيل السيد المرتضى،

(55) - روضات الجنات ص 564.
(56) - قد صرح الأستاذ الكبير آية الله البروجردي في درسه بأن أبحاث الشيخ الطوسي في التهذيب حول
كيفية الوضوء لدليل على مقدرته الأدبية، والعلمية وعلى تضلعه فيها وتعمقه في كيفية الاستدلال.
(57) - قد نص النجاشي في رجاله ص 316 وكذلك العلامة الحلي في الخلاصة ص 164 على خلافة أبي
يعلى هذا للشيخ المفيد، وأما مصاهرته للمفيد فقد ذكرها ابن حجر في لسان الميزان ج 5 ص 368. والعلامة
الشيخ عبد الرحيم الرباني رحمه الله مع تصريحه بذلك مرات في مقدمته الطويلة لبحار الأنوار، إلا أنه يصرح في
ص 129 من المقدمة بأن صهر المفيد هو أبو يعلى حمزة بن محمد الجعفري وكأنه في نظره شخص آخر غير أبي
يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري، على أنه قيد وفاته بسنة 565، وكلاهما عندي خطأ.
(58) - رجال النجاشي ص 316. ولا يخفى على البصير أن تاريخ وفاة أبي يعلى (463 ه‍) ملحق بكلام النجاشي
قطعا لأن النجاشي قد توفي عام 450 ه‍ مع إمكان وقوع الخطأ في الرقم، لأن أبا يعلى الجعفري لو جلس
مجلس المفيد عام وفاته أي سنة 413 ه‍ فقد كان حين ذاك في سن يليق بهذا المقام، فلو صح أنه مات عام 463
فلا بد أن يعد من المعمرين. والمعلوم لدينا أن أبا يعلى قد كان حيا عام 436 ه‍ الذي توفي فيه المرتضى علم
الهدى واشترك هو مع النجاشي في تغسيل السيد.
26

كما يقول النجاشي (59) ولكن. ومع الاعتراف بذلك، فلا شك في أن الزعامة ورياسة
المذهب انتقلت بعد المفيد إلى تلميذه الأكبر الشريف المرتضى رضي الله عنه.
وكما مر معنا فإن أسرة السيد كانت من ذي قبل، ذات اعتبار ومكانة لدى الخلفاء
العباسيين، وكان السيد المرتضى حين ذاك أكبر شخصية في هذه الأسرة بعد وفاة أبيه
أبي أحمد النقيب عام 400 ه‍. وبعد وفاة المفيد ضمت إلى هذا المجد والعزة رياسة المذهب
والمرجعية العلمية فبلغت بها إلى ذروة مجدها.
كان السيد المرتضى وحيد عصره في فنون الأدب، والشعر، والكلام، والاطلاع
على الآراء والمذاهب والملل والنحل، وإن الله سبحانه وتعالى قد أتم عليه النعمة وأكمل له
الرحمة وأسبغ عليه من فضله في شتى الجهات. وقد قال فيه معاصره الثعالبي: " انتهت
الرياسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم، وله
شعر في نهاية الحسن... " (60) ووصفه أبو العباس النجاشي تلميذه بقوله: " أبو القاسم
المرتضى حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان
متكلما، شاعرا، أديبا، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا... ". (61) وكذلك يقول عنه
تلميذه الآخر الشيخ الطوسي في كتاب رجاله، والسيد حي بعد: " علي بن الحسين الموسوي
يكنى أبا القاسم الملقب بالمرتضى، ذو المجدين علم الهدى أدام الله أيامه، أكثر أهل زمانه
أدبا وفضلا، متكلم فقيه جامع للعلوم كلها مد الله في عمره... " (62) وقال الطوسي في
ترجمة السيد بعد وفاته في كتابه الفهرست: "... الأجل المرتضى رضي الله عنه، متوحد
في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم: مثل علم الكلام، والفقه، وأصول الفقه،
والأدب، والنحو، والشعر، ومعاني الشعر، واللغة وغير ذلك، وله ديوان شعر يزيد على
عشرين ألف بيت. وله من التصانيف ومسائل البلدان شئ كثير... " (63)

(59) - رجال النجاشي ص 207.
(60) - مقدمة البحار ص 125 نقلا عن يتيمة الدهر ج 1 ص 53.
(61) - رجال النجاشي ص 206.
(62) - رجال الطوسي ص 484.
(63) - فهرست الطوسي ص 125.
27

يحصل لدينا من كلام كل من ترجم للسيد المرتضى أنه كان مزيتان بارزتان:
إحديهما، المقام العالي والمكانة المرموقة، وذاك المجد والرئاسة والعزة والظاهرة وثانيتهما،
إلمامه بكل علوم عصره وتبحره في الفنون والمعارف المتداولة في زمانه وبهذا كان السيد
يعتبر ذا المجدين كما أن الميز البارز الذي أحرزه أستاذه الشيخ المفيد حسب ما اعترف به كل
من كتب عنه، هو القدرة في البحث والمناظرة والغلبة على الخصم في مضمار الجدال
والكلام.
ويبدو من مطاوي تراجم كثيرة في " تاريخ بغداد " تأليف الخطيب البغدادي،
المعاصر للسيد المرتضى، أن العلماء والأدباء والشعراء كانوا يترددون على السيد لقضاء
حوائجهم وحل معضلاتهم ومشاكلهم العلمية لديه، وكانوا يكنون له احتراما بالغا. و
جدير بالذكر أن الخطيب البغدادي مع إيراده لأمثال هذه المذكرات عن السيد في تضاعيف
التراجم كثيرا، قد اكتفى في ترجمة السيد الخاصة به بكلام موجز عنه في سطور (64) ولقد
جاء في مرثية يرثي بها أبو العلاء المعري، أبا أحمد الحسين بن موسى النقيب، والد المرتضى و
الرضي المتوفى عام 400 ه‍ أبيات خص بها المعري هذين الأخوين، البالغين حين ذاك
أوج الشهرة ومنتهى العزة وهي هذه:
أبقيت فينا كوكبين سناهما * في الصبح والظلماء ليس بخاف
متأنقين وفي المكارم ارتقا * متألقين بسؤدد وعفاف
قدرين في الأرداء بل مطرين في * الاجداء، بل قمرين في الاشداف
رزقا العلاء فأهل نجد كلما * نطقا الفصاحة مثل أهل دياف
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما * خطط العلا بتناصف وتصاف (65)
نعم... وكما يقول أبو العلاء: فإن الشريف الرضي كان شريكا لأخيه المرتضى
في جميع الفضائل إلا أن الخبراء وأهل الأدب: يقدمونه على المرتضى في صناعة الشعر.
وكيف كان فهذان الأخوان أصبحا شمسين مضيئتين في الأندية الأدبية والعلمية في بغداد
في عصرهما الذي يعتبر من أرقي الأدوار العلمية والثقافية في تاريخ الإسلام لكن السيد
الرضي فارق الحياة شابا عام 406 ه‍ وترك أخاه وكل العلماء وأدباء عصره مصابين في
فراقه. حتى إن المرتضى لشدة تأثره على أخيه ومن ثقل المصيبة عليه التجأ إلى حرم

(64) - لاحظ تاريخ بغداد ج 11 ص 402.
(65) - لاحظ شروح سقط الزند السفر 2 القسم 3 ص 1297 فما بعدها، وروضات الجنات ص 575 نقلا
عن ابن خلكان.
28

الكاظمية إلى أن ذهب إليه الوزير فخر الملك بعد الصلاة على جنازة الرضي وأرجع
المرتضى إلى بغداد.
على أن ترجمة كاملة عن حياة المرتضى والرضي تحتاج إلى تأليف كتاب، ونحن قد
اكتفينا هنا بشكل مختصر كي نضع أمام القراء مثالا عن البيئة التي نشأ فيها الشيخ الطوسي
وللدلالة على تلك الشخصيات التي تربى عندها والمفاخر التي ورثها عنهم هذا الرجل
العبقري وبالنظر إلى سنة قدوم الشيخ الطوسي أي عام 408 ه‍ وإلى السنة التي توفي فيها
السيد الرضي وهي سنة 406 ه‍ فإنه لا يبقى عندنا شك في أنه لم يتفق لقاء الشيخ للسيد
الرضي. والجدير بالذكر بل العجيب عندنا أن الشيخ الطوسي لم يذكره في كتاب الرجال
والفهرست مع أنه كان صاحب تآليف قيمة أمثال " نهج البلاغة " و " مجازات القرآن "
و " المجازات النبوية " وخصائص الأئمة " و " حقايق التنزيل " و " ديوان شعر كبير " و
غيرها، ولم يظهر لنا إلى الآن وجه ذلك. لكن الشيخ النجاشي معاصر الشيخ الطوسي
قد أدرك السيد الرضي وكتب عنه ترجمة قصيرة في رجاله كما يأتي: " محمد بن الحسين...
أخبرنا أبو الحسن الرضي نقيب العلويين ببغداد، أخو المرتضى كان شاعرا مبرزا له كتب
.... توفي في السادس من المحرم سنة ست وأربعمأة مائة " (66) ومع المقايسة بين هذا الذي
وصف النجاشي به الرضي والذي ذكره في شأن أخيه المرتضى حسب ما تقدم، يتبين
مدى التفاوت بين هذين الشقيقين الفاضلين. وقد ذكر النجاشي في رجاله قصة بشأن
" ابن قبة " المتكلم المشهور سمعها في مجلس الرضي بحضرة الشيخ المفيد عن أبي الحسين
ابن المهلوس العلوي الموسوي (67) وهذا دليل على أن الشيخ النجاشي كان يتردد على
السيد الرضي في حياته ويحضر مجلسه، كما أنه يروي كتبه عنه من غير واسطة.
وهكذا... فبعد وفاة الشيخ المفيد لازم الشيخ الطوسي السيد المرتضى، ولم يكن حين
ذاك، يتجاوز 28 سنة من العمر كما أشرنا إليه، ونظرا لاستعداده الجيد وحسن قريحته
فقد أولاه السيد عناية بالغة وخصص له 12 دينارا شهريا في الوقت الذي قرر لسلار بن
عبد العزيز 8 دنانير. على أن هذا الأمر بنفسه يدلنا على أن الشيخ كان ولا يزال يعيش
كأحد الطلبة الغرباء في بغداد وكان بحاجة إلى مساعدة الأستاذ. وقد أستقي من ينبوع
علمه الفياض مدة 23 عاما - أي من سنة 413 إلى سنة 436 ه‍ - عدا ما أخذه عنه قبل

(66) - رجال النجاشي ص 283.
(67) - رجال النجاشي ص 266.
29

ذلك في حياة الشيخ المفيد، كما أنه نال أكبر حظ ممكن من التقدم والرقي في ظل أستاذه
البالغ منتهى المجد والعظمة.
وفي رأيي أنا أن الشيخ الطوسي لم يكن بحاجة ماسة إلى علم السيد في الرواية
والحديث، لأنه في السنوات الخمس التي قضاها مع المفيد وغيره من الأساتذة والمشايخ
الكبار الذين سمينا بعضهم كان قد تزود بأكبر قدر ممكن من المنقولات والروايات عنهم
مباشرة من غير حاجة إلى توسيط السيد وغيره ممن يعتبرون من تلامذة هؤلاء المشايخ
. وهذا ما يظهر جليا مما قاله الشيخ في ترجمة السيد في كتاب رجاله: " يروى عن التلعكبري
والحسين بن علي بن بابويه وغيرهم من شيوخنا " (68) ولهذا لم نجد السيد في طريق شئ
من روايات كتابي التهذيب والاستبصار الذين هما أهم كتبه الحديثية، ولا في غيرهما
من كتبه إلا نادرا. نعم ذكر الشيخ في الفهرست طريقه إلى كتاب الكليني بواسطة السيد
أيضا فيما عده من الطرق العديدة إلى هذا الكتاب، فقال: "... وأخبرني السيد الأجل
المرتضى عن أبي الحسين أحمد بن علي بن سعيد الكوفي عن الكليني... " (69).
أما علوم الكلام والتفسير واللغة والعلوم الأدبية عموما وكذلك الفقه والأصول
فالظاهر أن الشيخ الطوسي استفاد فيها من السيد إلى حد كثير، فقد حكى الشيخ كثيرا
من آراء السيد في كتابه " عدة الأصول " وفي كتبه الكلامية والتفسير، وانتقد بعضها.
وفي " الفهرست " بعد أن سمى قسما كبيرا من تأليفات السيد يقول: " قرأت هذه
الكتب أكثرها عليه وسمعت سائرها يقرأ عليه دفعات كثيرة " (70)
ومن المسلم به أن الشيخ قد صنف بعص كتبه المهمة في حياة السيد حيث سأل الله
فيها دوام علوه كالتهذيب، والاستبصار، والنهاية والمفصح في الإمامة، وكتاب الرجال،
وقسما من أول الفهرست وعدة الأصول. وأهمها تلخيص الشافي الذي يعتبر من أهم
كتبه الكلامية في الإمامة، وهو تلخيص كتاب الشافي للسيد المرتضى. الذي لم يؤلف
قبله في الإمامة كتاب على طرازه. وقد فرغ الشيخ من تلخيص الشافي سنة 432 ه‍ أي
قبل أربع سنوات من وفاة السيد المرتضى. (71) وحيث إن الشيخ صنف أكثر هذه
الكتب بالتماس من ابن البراج أو غيره كما ستقف عليه فإن هذا يعبر عن مرجعيته وأهليته

(68) - رجال الطوسي ص 485.
(69) - فهرست الطوسي ص 126.
(70) - فهرست الطوسي ص 126.
(71) - لاحظ آخر تلخيص الشافي.
30

ومكانته العلمية حين ذاك. بل الظاهر أن الشيخ كان يجيب على الأسئلة الواردة من
البلاد مع وجود السيد مثل ما نرى أن الشيخ والسيد أجابا معا على " المسائل الرازية " وهي
15 مسألة في " الوعيد " كانت أرسلت إلى السيد. وعلاوة على تلخيص الشافي، فقد
شرح الشيخ قسم الكلام من كتاب " جمل العلم والعمل " للسيد بعد وفاته، وسماه
" تمهيد الأصول " ووعد في أوله بأن يكتب شرحا لهذا الشرح أو لكتاب " الذخيرة " للسيد
وقد بدء بكتاب شرح الشرح ولكنه لم يتمه. ويستفاد من كتاب " تمهيد الأصول " أن
الشيخ بقي ملازما لدرس السيد حتى أواخر حياته. (72)
ولد السيد المرتضى في شهر رجب عام 355 ه‍ وتوفي في 25 ربيع الأول عام
436 ه‍ بعد أن استوفى من العمر ثمانين سنة وثمانية أشهر وبضعة أيام (73) فأصبح الشيخ
الطوسي خليفته ووارثه ووارث أستاذه المفيد في المرجعية العامة دون معارض ولا منازع.
الشيخ الطوسي بعد السيد المرتضى
وبعد وفاة السيد بقي الشيخ في بغداد حتى عام 448 ه‍ مبجلا معظما مشغولا
بالدرس والبحث والتأليف والإجابة على الأسئلة الواردة من البلاد المختلفة، والظاهر أنه
كأستاذيه المفيد والسيد كان يحظى بعناية خاصة من قبل ملوك آل بويه والخلفاء
المعاصرين له. وإني إلى الآن لم أقف على وثيقة تدلنا على أن الشيخ خرج من بغداد في تلك
الظروف التي قضاها في بغداد، مع أنه من المستبعد جدا أن لا يزور على الأقل في هذه المدة
الطويلة الإمام الحسين في كربلاء، وأمير المؤمنين عليهما السلام في النجف أو لا يسافر إلى
سامراء لزيارة الإمامين العسكريين عليهما السلام.
وقد قال الشيخ في ترجمة أحمد بن نوح أبي العباس السيرافي: " مات عن قرب إلا أنه
كان بالبصرة ولم يتفق لقائي إياه " (74) وهذا الرجل من جملة الأساتذة والشيوخ الكبار في
علمي الحديث والرجال، وقد وصفه النجاشي بقوله: " وهو أستاذنا وشيخنا ومن
استفدنا منه " (75) وهذا أي إدراك النجاشي للسيرافي يعتبر عند العلماء أحد أسباب

(72) - جاء في نسخة قديمة من هذا الكتاب موجودة في المكتبة الرضوية (ورقة 3) قوله: " وذكر رحمه الله في
كثير من تدريسه ". وقال في أواسط مبحث اللطف: " وكان رحمه الله في آخر تدريسه يشك في ذلك ".
(73) - فهرست الطوسي ص 126.
(74) - فهرست الطوسي ص 62.
(75) - رجال النجاشي ص 68.
31

ترجيح النجاشي على الشيخ الطوسي في الرجال والحديث فكان لقاء مثل هذا الشيخ
بمكان من الأهمية للشيخ الطوسي ومع ذلك لم يخرج الطوسي إلى البصرة لزيارته والأخذ
منه مباشرة.
ويعلم من إجازة الشيخ المكتوبة عام 445 ه‍ على ظهر نسخة من كتابه " مقدمة
في المدخل إلى علم الكلام " أنه كان في ذاك التاريخ في " حدود دار السلام " أي في
ضواحي بغداد. والظاهر أن الشيخ قد ألف أكثر كتبه وأماليه في بغداد وأنه ألف قسما منها
قبل وفاة أستاذه السيد المرتضى وقسما آخر بعده. ويمكننا أن نقف على مكانته العلمية ورياسته
العامة حين ذاك من خلال هذه الكتب ومقدماتها ومن الأسئلة الواردة عليه من البلدان
. وقد عبر نظام الدين محمود بن علي الخوارزمي كاتب النسخة المذكورة المكتوبة سنة 444
ه‍، عبر عن الشيخ بقوله: " مقدمة الكلام تصنيف الشيخ الإمام الورع قصوة العارفين وحجة
الله على العالمين، لسان الحكماء والمتكلمين، أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي
متعنا الله بطول بقائه ونفعنا بعلومه ". (76)
الشيخ الطوسي والنجاشي
أبو العباس النجاشي المعاصر للشيخ الطوسي صاحب كتاب الرجال المعروف
الذي ألفه قبل سنة 450 ه‍ التي توفي هو فيها، وبعد عام 436 ه‍ الذي توفي فيه السيد
المرتضى (77) والظاهر أنه كتبه في بغداد. وقد وصف الشيخ الطوسي بقوله: " محمد بن
الحسن بن علي الطوسي أبو جعفر جليل من أصحابنا، ثقة عين، من تلامذة شيخنا أبي
عبد الله.... " (78) ثم يفهرس جملة من كتب الشيخ الطوسي التي كان ألفها إلى يوم ذاك

(76) - مقدمة التبيان للعلامة الطهراني ص 1 ه‍. قد كان العلامة الطهراني رأى هذه النسخة في مكتبة
الأستاذ السيد محمد مشكاة رحمه الله. وراجعت أنا الأستاذ مشكاة لرؤية هذه النسخة وزيارة إجازة الشيخ
الطوسي بخطه لكاتب النسخة، فقال: كانت هذه النسخة أمانة عندي لبعض أصدقائي فاستردها، ولا أدري
ما هو مصيرها. ثم بعد ذلك بسنين حينما كنت أجمع الوثائق عن الشيخ الطوسي للمؤتمر الألفي للطوسي،
كتب إلى الفاضل فخر الدين نصيري، أن هذه النسخة محفوظة لديه. وعلى كل حال فهي من جملة عديد من
النسخ التي تحمل خط الشيخ الطوسي. فلاحظ خاتمة كتاب الجمل والعقود المصحح والمترجم بجهدنا.
(77) - قد جاء في رجال النجاشي ص 207 أن السيد توفي في 5 ربيع الأول عام 436 ه‍ وأنه تصدى لغسله، وهذا دليل على تأليفه كتاب الرجال بعد موت السيد وهناك شواهد أخرى على ذلك إلا أن
النجاشي عبر عن السيد في أول كتابه بقوله: " السيد الشريف أطال الله بقاءه وأدام توفيقه " حيث إن الظاهر
منه السيد المرتضى وأنه كان في قيد الحياة حينذاك. (78) - رجال النجاشي ص 287
32

، ومن جملتها كتاب " الفهرست " وكثير من كتبه المهمة المشهورة سوى أجوبة
المسائل. وهذا دليل آخر على فراغ الشيخ من تأليف تلك الكتب ورواجها بين الطائفة
حين ذاك. وكلمة " عين " في كلام النجاشي التي وصف بها الشيخ الطوسي، تعبير
واضح عن مكانة الشيخ واشتهاره بين الناس وشخوص الأنظار إليه. وللأسف لم نعثر في
شئ من كتب الشيخ الطوسي ولا في رجال النجاشي على ما يدل على وجود علاقة بين
هذين العالمين العلمين مع اشتراكهما في أكثر الشيوخ والأساتذة،
وكونهما من المتصلين بالمفيد والمرتضى والمقربين عندهما فإن النجاشي
يقول في السيد المرتضى: " توليت غسله ومعي الشريف أبو يعلى محمد بن
الحسن الجعفري وسلار بن عبد العزيز " (79) ويظهر من هذه الجملة علاقة النجاشي بأبي
يعلى الجعفري وسلار، وعلاقة الثلاثة بالسيد المرتضى، وكلهم من تلامذة المفيد والسيد ومن
المعاصرين للشيخ الطوسي إلا أنه في هذا الكلام لم يذكر الشيخ معهم، كما أن الشيخ
أيضا لم يتعرض في ترجمة السيد في الفهرست (80) لمن تصدى لغسله وتجهيزه أنه كان
حاضرا هناك بحسب العادة بل لم يتعرض الشيخ في شئ من كتبه كالفهرست والرجال
لترجمة النجاشي أصلا، وهذا مما يثير العجب. ومع ذلك كله فإن العلامة الحلي عد الشيخ
الطوسي ممن روى عن النجاشي (81).
وعلى كل حال فلا ريب في أن النجاشي قد ألف " رجاله " أو بتعبير أصح " فهرسته "
(82) بعد فهرست الطوسي، وكان أستاذنا الكبير آية الله البروجردي رضوان الله تعالى

(79) - رجال النجاشي ص 207.
(80) - فهرست الطوسي ص 126.
(81) - مقدمة رجال الطوسي للعلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم ص 38 نقلا عن إجازة العلامة الحلي
لبني زهرة، وخاتمة المستدرك ص 510 ومقدمة التبيان ص أ ح، وإجازات بحار الأنوار ط كمپاني ص
28.
(82) - التعبير عن رجال النجاشي بالفهرست نبه عليه لأول مرة الأستاذ البروجردي رحمة الله تعالى عليه،
ويصدقه ملاحظة وضع الكتاب، مع أن النجاشي صرح في أوله بأنه قصد بذلك التأليف الإجابة على
ما كان المخالفون يقولونه للشيعة " إنه لا سلف لكم ولا مصنف " وأصرح في ذلك قوله في أول الجزء الثاني من
الكتاب ص 157: " الجزء الثاني من كتاب أسماء مصنفي الشيعة وما أدركنا من مصنفاتهم وذكر طرف من
كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح وذم... ".
والفرق بين " الرجال " و " الفهرست " أن الهدف من الأول التعريف برجال الحديث، وبالثاني
التعريف بالمصنفين والمؤلفين، وإن كان أكثر الرواة مؤلفين، وأكثر المؤلفين القدامى، مصنفين. وما قاله
النجاشي في أول الجزء الثاني عن كتابه هذا يعطى أنه أراد الجمع بين الأمرين إلا أنه قدم الهدف الأول أي
الفهرسة على الثاني. ثم إن المفهرسين المتأخرين كصاحبي كشف الظنون والذريعة وكثير غيرهما، رتبوا كتبهم
بحسب ترتيب أسامي الكتب، في حين أن المتقدمين مثل ابن النديم والطوسي والنجاشي رتبوها بحسب
أسامي المؤلفين، فكانوا يبدؤن بالتعريف بالمؤلف ثم يذكرون كتبه. إلا أن هناك فرقا بين ابن النديم
وغيره، فقد قسم ابن النديم الذي ألف فهرسته عام 377 ه‍ أي قبل النجاشي والطوسي بأكثر من خمسين سنة
إلى أقسام بحسب العلوم والفنون.
وجريا على ذلك اضطر إلى تسمية بعض المؤلفين في بابين أو أكثر لكونه ذا فنون عدة، وقد ألف في
كل منها كتابا. على أن هناك فارقا آخر بين ابن النديم وغيره، وهو أنه جمع في كتابه أسماء كتب جميع
الفرق حتى غير المسلمين، في حين أن النجاشي والطوسي لم يرتبا كتابيهما بحسب الموضوعات والفنون. ولم
يتعرضا إلا للمصنفين من الشيعة الإمامية أو من له اتصال وارتباط بهذه الطائفة بوجه من الوجوه.
33

عليه يعتقد بأن النجاشي في كتابه هذا لم يغفل عن تصحيح أغلاط صدرت عن الشيخ في
فهرسته من دون أن يصرح بذلك أو يسمي الشيخ، فأتى بوجه الصواب. وإني وقفت
على مواضع من هذا القبيل حيث إن المقايسة بين الكتابين وسياق تعبير النجاشي يسجل
صدق كلام الأستاذ وإصابة رأيه. (83) ولا شبهة في أن النجاشي أشد تضلعا وأكثر تعمقا
في علم الرجال من معاصره الشيخ الطوسي بل يعتبر هذا العلم من اختصاصه بالذات. وقد
كان من أهالي الكوفة وبغداد، وله معاشرة قديمة مع العائلات في البلدين ومعرفة كاملة
بالعائلات الشيعية وإحاطة بدقائق أمورهم، وأنسابهم حيث يسمي آباء الرجال بالضبط
على عدة وسائط، وقد أدرك ورأي في طفولته بعض الشيوخ المتقدمين أمثال التلعكبري.
(84)

(83) - فمن باب المثال، يقول الشيخ الطوسي في الفهرست ص 204 في ترجمة هشام بن الحكم: " كان
هشام يكنى أبا محمد وهو مولى بني شيبان، كوفي تحول إلى بغداد... " ويقول النجاشي في رجاله ص 338
: " هشام بن الحكم أبو محمد مولى كندة، وكان ينزل في بني شيبان بالكوفة انتقل إلى بغداد سنة 199... ".
ومثله كثير وقد قلنا إن النجاشي ألف كتابه بعد الشيخ وذكر الشيخ الطوسي وكتبه ومنها الفهرست في
رجاله، فلا بد وأن يكون الفهرست، مرجعا له وملحوظا عنده حال التأليف.
(84) - يقول النجاشي في الرجال ص 292 في ترجمة الكليني: "... كنت أتردد إلى المسجد المعروف
بمسجد اللؤلؤي، وهو مسجد " نفطويه النحوي " أقرأ القرآن على صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا يقرأون
كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب، حدثكم محمد بن يعقوب الكليني... " ويقول
وفيه ص 308 في ترجمة هارون بن موسى التلعكبري المتوفى عام 385 ه‍: " كنت أحضر داره مع ابنه أبي
جعفر والناس يقرأون عليه... " وعليه فقد رأى النجاشي التلعكبري ولم يرو عنه، كما أنه أدرك أبا المفضل
الشيباني الشيخ الكثير الرواية (297 - 387 ه‍) وسمع منه، وقد كان الشيباني في ذاك الوقت عالي الأسناد
يروي عن محمد بن جرير الطبري المتوفى عام 310 ه‍. فلاحظ رجال النجاشي ص 282.
34

هذا مع أن الشيخ كان ذا فنون كثيرة ومشتغلا بعلوم أخرى سوى الرجال حسب
ما دريت بالإضافة إلى تصديه لمقام المرجعية العامة التي كانت بالطبع شاغلة لبعض وقته.
وأما النجاشي فلا ندري مقدار حظه من ذلك ومن إقبال العامة عليه والرياسة له على الناس.
قال سليمان بن الحسن الصهرشتي في كتابه " قبس المصباح ": " أبو الحسين أحمد
بن علي الكوفي النجاشي، أخبرني ببغداد في آخر شهر ربيع الأول سنة 442، وكان شيخا
بهيا ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف. " (85) ونعلم من هذه العبارة مكانة
النجاشي عند الشيعة وأهل السنة، ووجوده ببغداد في تلك السنة أي في الوقت الذي
يتوطنها الشيخ الطوسي رئيسا معظما عالي الصوت مشهورا عند الخاص والعام. كما أن
قول الصهرشتي: " وكان شيخا بهيا " يعبر عن وضعه في ظاهر الحال.
وقد أتى النجاشي بشئ موجز عن حياته في كتاب الرجال (86)، وكان جده
الأعلى عبد الله النجاشي والي " الأهواز " وله كتاب إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق
عليه السلام وجوابه عليه السلام إليه مبسوط مشهور. والظاهر أن أحد تلامذة النجاشي زاد
في الكتاب بعد ترجمته قوله: " أطال الله بقاه وأدام علوه ونعماه " وكذلك زاد في أول الجزء
الثاني من الكتاب قوله: " الشيخ الجليل أبو الحسين... أطال الله بقاه وأدام علوه
ونعماه ". (87) كما أن ذكر تاريخ وفاة أبي يعلى الجعفري عام 463 ه‍ في الكتاب (88)
أي بعد وفاة النجاشي ب‍ 13 سنة لو صح فهو ملحق بالكتاب قطعا أو وقع فيه خلط حسب
ما سبق في الهامش.
وعلى كل فمعلوم لنا أن النجاشي كان يقطن بغداد مع الشيخ الطوسي وكان
موثوقا به عند أهل العلم من الفريقين، مشهورا بصدق اللسان. وأن العلماء المتأخرين
يعتبرون النجاشي من مشايخ الإجازات وبعضهم قدموه على الشيخ في علم الرجال لوجوه

(85) - لاحظ خاتمة رجال النجاشي حيث حكاه عن العلامة بحر العلوم في فوائده، نقلا عن العلامة
المجلسي في مزاره، نقلا عن قبس المصباح لسليمان بن الحسن الصهرشتي. وكان هذا الرجل من تلامذة الشيخ
الطوسي والنجاشي وأبي يعلى الجعفري وأبي الفرج مظفر بن علي بن حمدان القزويني، وكلهم من تلامذة
الشيخ المفيد البارزين، راجع مقدمة بحار الأنوار، للشيخ ميرزا عبد الرحيم الشيرازي رحمه الله ص 15.
(86) - رجال النجاشي ص 79.
(87) - رجال النجاشي ص 157.
(88) - رجال النجاشي ص 317.
35

ذكروها. (89)
والنجاشي هو أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد بن عبد الله النجاشي
وكنيته أبو الحسين أو أبو العباس أو أبو الخير. والمعروف ب‍ " ابن الكوفي " ولد في شهر صفر
سنة 372 ه‍ ببغداد (ظاهرا). وتوفي في جمادى الأولى عام 450 ه‍ عن عمر ناهز (78)
سنة في " مطير آباد " من ضواحي " سامراء " (90) ولعل السبب لانتقاله في أخريات حياته
إلى تلك الناحية هي المشاجرات والمشاكل والحروب بين السنة والشيعة، وتحول السلطة
من " آل بويه " الشيعية إلى " آل سلجوق " السنيين، نفس السبب الباعث على هجرة
الشيخ الطوسي من بغداد إلى النجف الأشرف كما سيمر معنا.
وللنجاشي غير كتاب الرجال، كتب أخرى مثل: كتاب الجمعة وما ورد فيها
من الأعمال، كتاب الكوفة وما فيها من الآثار والفضائل، أنساب بني نضر بن قعين
وأيامهم وأشعارهم، كتاب مختصر الأنواء ومواضع النجوم التي سمتها العرب (91)
ويحصل لدينا من ملاحظة أسماء الثلاثة الأخيرة اختصاص النجاشي بعلم الأنساب.
وأيام العرب والكوفة وما إليها. والظاهر أن أسرة النجاشي كانت ولا تزال من زمن
جدهم عبد الله النجاشي من العائلات العلمية المهتمين بعلم الحديث وحمله ودرايته ونقله
وروايته. ومن جملتهم جده " أحمد بن العباس " الذي كان أحد مشايخ التلعكبري حيث
سمع منه عام 335 ه‍ (92)، وأبوه " علي بن أحمد " أحد شيوخ النجاشي نفسه (93).

(89) - وقد بحث في ذلك العلامة بحر العلوم في الفوائد الرجالية بالتفصيل، وأخيرا قدم النجاشي على الطوسي
لوجوه ستة:
1 - أن الطوسي ألف كتابيه الفهرست والرجال قبل النجاشي.
2 - تراكم أشغال الشيخ وتفننه في العلوم، وأما النجاشي فكاد يكون مختصا بالرجال.
3 - تقدم النجاشي في علم التاريخ والسير والأنساب المرتبطة بالرجال.
4 - كون النجاشي من أهل الكوفة وروايته كثيرا عن الكوفيين.
5 - إدراكه الشيخ الجليل العارف بفن الرجال أحمد بن الحسين الغضائري.
6 - تقدم عصر النجاشي قليلا على الشيخ الطوسي وإدراكه كثيرا من الشيوخ المتضلعين في علم
الرجال مع عدم إدراك الشيخ إياهم مثل: أحمد بن علي بن نوح السيرافي، وأحمد بن محمد الجندي، وأبي
الفرج محمد بن علي الكاتب وغيرهم. فلاحظ روضات الجنات ص 18.
(90) - لاحظ رجال النجاشي ص 79، وروضات الجنات ص 17 و 18 وخلاصة الأقوال للعلامة الحلي
ص 21.
(91) - رجال النجاشي ص 79.
(92) - شرح مشيخة التهذيب للسيد حسن خرسان ص 21.
(93) - روضات الجنات ص 17 و 383.
36

وقد صرح في كتاب رجاله بأنه يروي جميع كتب الصدوق عن أبيه وقرأ بعضها
عليه فقال: " وقال لي: أجازني (يعني الصدوق) جميع كتبه لما سمعنا منه ببغداد " (94)
وعلى رأي العلامة الخوانساري صاحب الروضات يستفاد من أواخر إجازة العلامة الحلي
المطولة لبني زهرة أن الشيخ الطوسي أيضا كان يروي عن " أبي الحسن علي بن أحمد " والد
النجاشي. (95)
أحداث بغداد وهجرة الشيخ إلى النجف
إن نظرة إجمالية في تاريخ بغداد تدلنا على أن بغداد قد استولت عليها في النصف
الأول من القرن الخامس أثناء إقامة الشيخ الطوسي بها، أوضاع متشنجة وصراعات
حصلت بين الطوائف المتخاصمة، ومن أهمها ما كان يجري بين الشيعة والسنة، وكذلك
بين الذين يؤيدون حكم " آل بويه " ويدافعون عنه، وأنصار الخلافة العباسية أو من مال
إلى الفاطميين بمصر. وبذلك تعاظم الخطب حسب تزايد الخلاف، واشتد الخطر على
الشيعة وعلى شيخهم وإمامهم الشيخ الطوسي. وفي وسط ذلك الجو المشحون بالأخطار
والمسيطر على الناس، غادر الشيخ بغداد مهاجرا إلى النجف خائفا يترقب.
دخل طغرل بك السلجوقي بغداد عام 447 ه‍ وقد اتفق خروج الشيخ عنها بعد
ذلك بمدة في سنة 448 ه‍ (96) ولكن إحراق مكتبته والكرسي الذي كان يجلس عليه
في الدرس كان في شهر صفر عام 449 ه‍ كما يحدثنا ابن الجوزي وابن الأثير (97) على أن
بيت الشيخ قد أغير عليه لدي هجرة الشيخ وبناءا على ما نقله ابن حجر عن ابن النجار
حدث إحراق كتبه في فترات عديدة وأكثر من مرة، أمام جمهور الناس في باحة مسجد النصر
، وكان الشيخ يختفي عن الناس حفاظا على نفسه، وهو في بغداد (98). وهذا قابل
للجمع مع ما يحدثنا به ابن كثير من أن إحراق مكتبة الشيخ وقع في سنة 448 أثناء خروجه
عن بغداد. وأنهم أخذوا الكتب مع الكرسي ونقلوها إلى محلة الكرخ بالإضافة إلى ثلاث
رايات بيضاء كان الشيعة يحملونها معهم أثناء زيارتهم معهم للنجف فأشعلوا فيها النار هناك

(94) - رجال النجاشي ص 279.
(95) - روضات الجنات ص 383.
(96) - لاحظ المنتظم لابن الجوزي ج 8 ص 173.
(97) - المنتظم لابن الجوزي ج 8 ص 179، والكامل لابن الأثير ج 8 ص 81
(98) - لسان الميزان ج 5 ص 135.
37

(99) ولعل بعض مصنفات الشيخ أيضا قد مسته النار في تلك الأحداث. على أن محلة
الكرخ ومكتبة الشابور التي تحدثنا عنها سابقا قد أحرقتا في عام 450 أو 451 ه‍. (100)
وجدير بالذكر أن الشيخ الطوسي كان مشاهدا لجميع هذه الأخطار
والاضطرابات في تمام أيام إقامته في بغداد، وحتى أنه رأى بأم عينيه كيف أن الشيخ
المفيد أبعد عن بغداد عام 409 (101)، أي بعد قدوم الشيخ بسنة واحدة ومع أن مشاهدة
هذا الوضع المضطرب لا بد وأن يؤثر في نفس الشيخ، ويترقب أن نجد آثار هذا الوضع
الروحي في كتاباته وآثاره إلا أن العجيب هنا أن شيئا منها لا يحكي عن أي اضطراب
روحي أو تبلبل فكري ولا يشير إلى وقوع شئ من تلك الأحداث. بل على العكس من
ذلك، فإن جميع إنشاءاته وآثاره وإملاءاته حاكية عن روح هادئة ونفس مطمئنة،
وإرادة جازمة محكمة كما أن مناظراته وأبحاثه في كتبه وردوده على الفرق الأخرى خالية
تماما من أي نوع من أنواع التعصب المذموم، عارية عن الحساسية المترقبة في تلك الأحوال
عادة مع أنه بحث في كتبه الفقهية والكلامية والأصولية مع كل فريق، وخاض كل
معضلة وولج كل فج عميق.
نعم نجد الشيخ في ابتداء كتاب الغيبة الذي ألفه عام 447 ه‍ (102) أي في
بحبوحة الصراع والأزمات المتلاحقة يقول: "... وأنا مجيب إلى ما سأله وممتثل ما رسمه مع
ضيق الوقت، وشعث الفكر، وعوائق الزمان، وصوارف الحدثان... " ومع الاعتراف بأن
هذه العبارة تحكى عن نهاية الضغط وغلبة اليأس عليه وعن انتهاء أمد صبره على الأحداث
غير الملائمة، فنحن نرى الشيخ في نفس الوقت وفي وسط تلك الظروف، يقدم بهذه
الكلمات كتابا يعد في موضوعه من أحسن الكتب إلى هذا الزمان، ومن أوثق الآثار في
بابه.
وبعد هجرة الشيخ من بغداد وإحاطة الفتن بها كان من الطبيعي أن تنحل حوزة
الشيعة وتتفكك مجتمعاتهم في بغداد، وأن يغادرها سائر العلماء أيضا أو يعيشوا فيها
منعزلين مستورين عن الناس، فقد قلنا إن النجاشي قد هاجر إلى مطيرآباد في سامراء حيث
توفي فيها عام 450 ه‍.

(99) - البداية والنهاية ج 12 ص 97.
(100) - الكامل لابن الأثير ج 8 ص 88.
(101) - الكامل ج 7 ص 300.
(102) - يقول الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة ص 85: "... في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين
وأربعماءة... ".
38

وفي نفس الوقت ازدهرت حلقات أهل السنة وازداد نشاطهم في ظل حكم
طغرل بك المدافع عنهم بتمام الهمة والمقدرة. وينبغي أن لا ننسى أن المدرسة المعروفة ب‍
" النظامية " قد أسست لفقهاء الشافعية عام 457 ه‍ - أي بعد تسع سنوات فقط من
هجرة الشيخ الطوسي - على يد نظام الملك وزير السلطان آلب السلجوقي وافتتحت
رسميا عام 459 ه‍ (103)
المرحلة الثالثة
الفترة الواقعة بين هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف وبين وفاته.
إننا لا نعلم شيئا عن كيفية هجرته وعمن كان في صحبته، ولا عن أحواله في
النجف، ولكن يمكن القول بشاهد الحال وقياس الأحوال، أن الهجرة كانت محفوفة
بالخوف والاضطراب بل الحرمان والافتقار. ولعل هذه الحالة لازمته حتى وفاته إذ أن
النجف وبقية المشاهد المشرفة لآل البيت عليهم السلام قد فقدت رونقها الذي كان مزدهرا
بشكل ملموس في عهد " الديالمة " إذ أنها قد فقدت حالة الجلال والأبهة التي كانت
تعتريها حين قدوم أو مغادرة أحد ملوك الديالمة ورجالهم بتلك المشاهد المشرفة ولا سيما
حرم علي عليه السلام. كما أن الشيعة عامة قد فقدوا الحرية في إقامة تلك المراسم
والحفلات المذهبية المكشوفة هناك كما كان الحال في ظل حكم " الديالمة ".
هذا ويمكن الانتهاء إلى هذه النتيجة وهي أن هذا العالم الحر المهذب الطاهر
القلب وبرفقة بعض طلبة العلم، وأبناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام قد أقاموا بتلك
الزاوية المقدسة - وهي بعد تعد قرية صغيرة ولم تكن أصبحت مدينة - أقاموا فيها
محزونين ومتأسفين على ذهاب الأيام الذهبية متفرغين إلى البحث والدرس، بعيدين عن
الفتن والثورات، وعن التدخل في الأوضاع الجارية.
وهكذا استمر على هذا الوضع لمدة 12 عاما - أي من عام 448 إلى 460 ه‍ حتى ليلة
22 محرم الحرام من تلك السنة، حيث انتقلت روحه الطاهرة إلى الجنة الباقية. ويقول
الحسن بن المهدي السليقي أحد تلامذة الشيخ: " توليت أنا والشيخ أبو محمد الحسن بن
علي بن عبد الواحد العين زربي والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي غسله في تلك الليلة ودفنه " (104)

(103) - دليل خارطة بغداد ص 154.
(104) - خلاصة الأقوال ص 148. ثم إن هذا الحادث وهو تجهيز الشيخ ودفنه بيد عديد من خواصه في نفس الليلة
التي قبضت روحه الطاهرة مباشرة من دون انتظار الغد واحتفال الناس عامة لتشييع جسمان إمامهم الأكبر لدليل على
سيطرة حالة مضطربة على البلد يوم ذاك.
39

وقد دفنوه في منزله الذي تحول إلى مسجد بعد وفاته بناء على وصيته (105).
ويقع حاليا في جهة الشمال من البقعة العلوية، ويبعد حوالي 200 مترا من الصحن
الشريف (106)، وبهذه المناسبة سمي باب الصحن المنتهي إلى مسجد الطوسي ب‍
" باب الطوسي " وأخيرا سمي الشارع الجديد في تلك الناحية ب‍ " شارع الطوسي ".
مؤلفات الشيخ الطوسي وآثاره
نتيجة لخبرة الطوسي وتبحره عي العلوم الدينية المتداولة في عصره فله آثار كثيرة في تلك
العلوم، ويعتبر كل كتاب منها من أفضل وأجود ما كتب في موضوعه، وبنفس الوقت
فإن تلك الآثار واجدة لامتيازات مهمة: منها اتساقها في العبارات السهلة الواضحة
والخالية عن الإبهام والاغلاق كما أنها، مترسلة ذات حلاوة، كما كان عادة أبناء ذلك
الزمان.
ومنها حسن تنظيم كتبه واشتمالها على أبواب وفصول مرتبة ومنها أن الشيخ
الطوسي كان يرمي في كل تأليف إلى هدف معقول مع الأخذ بعين الاعتبار، المستويات
العلمية عند الطلبة الذين سيستفيدون منه، وذلك بالتفريق بين المبتدئين والمتوسطين
أو المنتهين إلى الدرجات العالية في العلم.
ومنها أنه كان لا يخلط بين الفنون المختلفة بدمج مسائلها بعضها في بعض بل يفرد
لكل فن كتابا أو رسالة تخصه حسب ما ستعرف بعض التفصيل عن كتبه الفقهية فيما بعد
وهذا هو السر فيما نراه في كتب الشيخ من إرجاع القارئ إلى كتبه الأخرى بكثرة ولا سيما
في تفسير التبيان، حيث أحال كثيرا من المباحث إلى محالها من ساير مصنفاته.
هذه المميزات إضافة إلى مكانة الشيخ البارزة في المذهب الإمامي حيث يعتبر هو
مفصلا ومجددا لهذا المذهب، قد خلدت كتب الشيخ الطوسي فلن يستغني عنها العلماء في
الأجيال المتوالية مهما بلغوا من العلم.
ويبلغ عدد مؤلفاته رحمه الله سواء في ذلك الكتب والرسائل منها 45 كتابا
(107) وبشكل كلي يمكن تقسيمها على تسعة مواضيع على النحو التالي: 1 - الحديث

(105) - ذكرت وصية الشيخ بذلك في مقدمة التبيان للعلامة الطهراني ص أس فقط بلا سند.
(106) - قد جاء في مقدمة التبيان ص س، وروضات الجنات ص 854 ومقدمة رجال الطوسي ص 117
تفصيل عن عمارة هذا المسجد وتجديدها مرات فلاحظ.
(107) - قد أنهى العلامة الطهراني كتب الشيخ الطوسي في مقدمة التبيان (ص أو) إلى 47 كتابا ورسالة،
وعلى ما سنذكره في ذيل هذا المبحث تبلغ إلى 48 كتابا إلا أنك ستعرف أن بعضها مكرر إذ ربما كان لكتاب
واحد إسمان، أو لم يثبت صحة نسبته إلى الشيخ الطوسي.
40

والأخبار. 2 - الرجال والتراجم والفهرسة. 3 - التفسير. 4 - الفقه. 5 - الأصول. 6 -
الكلام. 7 - الأدعية والأعمال. 8 - التاريخ والمقتل. 9 - الأجوبة على المسائل في
موضوع واحد أو أكثر من المواضيع المذكورة آنفا، وهي الأسئلة الواردة عليه من البلاد
القريبة والبعيدة والتي هي تعبير عن بسط رياسته وشهرته في البلاد، ونحن نذكر أسماء
الكتب تباعا بملاحظة الترتيب الآنف لهذه المواضيع:
الأول كتب الحديث ثلاثة كتب:
1 - تهذيب الأحكام أحد الكتب الأربعة المعروفة وهو شرح كتاب المقنعة
للشيخ المفيد بدء به في حياة أستاذه، وبإشارة منه كما قيل.
2 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، وهو أيضا من جملة الكتب الأربعة،
استخرجها الشيخ من روايات التهذيب وخصها بما اختلف من الأخبار وقد عالجها
بالجمع بينها في الحال أن التهذيب يشمل الخلاف والوفاق.
3 - الأمالي أو المجالس في الأخبار والروايات أملاها الشيخ في النجف في 45
مجلسا.
الثاني كتب الفهرسة والرجال، ثلاثة كتب
1 - الأبواب المعروفة برجال الشيخ وهي شاملة لحدود 9800 ترجمة لرواة
الحديث وأرباب التأليف.
2 - الفهرست الحاوي لأسماء وتراجم 900 نفر من مصنفي الشيعة مع ذكر آثارهم
وكتبهم.
3 - اختيار معرفة الرجال المعروف ب‍ " رجال الكشي وهو اختيار كتاب ألفه أبو
عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز الكشي باسم " معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين ".
الثالث كتب التفسير، ثلاثة كتب:
1 - التبيان في تفسير القرآن، عشرة أجزاء مع مقدمة حول القرآن والتفسير.
2 - المسائل الدمشقية في تفسير القرآن شاملة لاثني عشرة مسألة في تفسير القرآن.
3 - المسائل الرجبية في تفسير آي من القرآن.
الرابع كتب الفقه، أحد عشر كتابا
41

1 - النهاية في مجرد الفقه والفتوى، وهي فقه كامل منصوص اكتفى الشيخ
فيها بما نصت عليه الروايات من الأحكام.
2 - المبسوط في الفقه الحاوي على جميع أبواب الفقه منصوصها وتفريعها.
3 - الجمل والعقود في العبادات.
4 - الخلاف في الأحكام، أو مسائل الخلاف في الفقه التطبيقي والغرض منه
الموازنة بين المذاهب الفقهية في مختلف الآراء.
5 - الإيجاز في الفرائض، موجز في أحكام الإرث.
6 - مناسك الحج في مجرد العمل (أي بدون الأدعية المستحبة).
7 - المسائل الحلبية في الفقه.
8 - المسائل الجنبلائية في الفقه الشاملة ل‍ - 24 مسألة فقهية.
9 - المسائل الحائرية في الفقه الشاملة لحوالي 300 مسألة فقهية.
10 - مسألة في وجوب الجزية على اليهود والمنتمين إلى الجبابرة.
11 - مسألة في تحريم الفقاع.
الخامس، كتب الأصول، كتابان:
1 - العدة أو عدة الأصول، وهو أبسط كتاب في علم الأصول عند القدماء من
الإمامية وهذا الكتاب يعادل كتاب " الذريعة إلى أصول الشريعة " للسيد المرتضى.
2 - مسألة في العمل بخبر الواحد وبيان حجية الأخبار.
السادس، الكتب الكلامية، 16 كتابا.
1 - تلخيص الشافي في الإمامة، تلخيص وتنظيم كتاب الشافي للسيد المرتضى.
2 - تمهيد الأصول أو التمهيد في الأصول، شرح قسم الكلام من كتاب جمل
العلم والعمل للسيد المرتضى.
3 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد فيما يجب على العباد من أصول العقايد
والعبادات الشرعية، كلام مع فقه موجز في آخره.
4 - المفصح في الإمامة، كتاب مختصر جامع في الإمامة.
5 - ما لا يسع المكلف الإخلال به.
6 - ما يعلل وما لا يعلل، ولا يعلم بالضبط كونهما فقها أو كلاما.
7 - مقدمة في المدخل إلى علم الكلام، ولم يعمل مثله على حد قول المصنف.
8 - رياضة العقول، شرح مقدمة في المدخل إلى علم الكلام.
42

9 - أصول العقايد، غير تام خرج منه التوحيد وقسم من العدل.
10 - شرح الشرح في الأصول. في رأيي أن هذا الكتاب هو نفس الكتاب
السابق، وهو شرح على كتابه تمهيد الأصول، الذي هو شرح على جمل العلم والعمل كما
سبق، إذ المؤلف نص في أول التمهيد على أنه بصدد الشرح لهذا الشرح أو لكتاب الذخيرة
للسيد.
11 - الغيبة، في غيبة الإمام المهدي عليه السلام، من مباحث الإمامة.
12 - مسألة في الأصول، وصفها الشيخ بأنها مليحة.
13 - الفرق بين النبي والإمام، أو مسائل في الفرق بين النبي والإمام.
14 - المسائل الرازية في الوعيد، خمس عشرة مسألة وردت على السيد المرتضى
من " الري " وأجاب عنها السيد والشيخ كلاهما.
15 - النقض على ابن شاذان في مسألة الغار.
16 - مسائل أصول الدين، أو مسائل الطوسي متن موجز في العقايد.
السابع كتب الأدعية وأعمال الشهر خمسة كتب:
1 - مصباح المتهجد في أعمال السنة، كتاب جامع في بابه بنظم جيد.
2 - مختصر المصباح في الأدعية والعبادات، أو المصباح الصغير، اختصار الكتاب
السابق.
3 - مختصر في عمل يوم وليلة في العبادات، أو " يوم وليلة " في الصلوات الخمس
اليومية وتعقيباتها.
4 - أنس الوحيد، لعله في الأدعية أو مجموعة مثل الكشكول.
5 - هداية المسترشد وبصيرة المتعبد في الأدعية والعبادات.
الثامن في التاريخ والمقتل، كتابان:
1 - مختصر أخبار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، أو أخبار المختار.
2 - مقتل الحسين عليه السلام.
التاسع أجوبة المسائل المختلفة ثلاثة كتب: 1 - المسائل القمية، أو جوابات المسائل القمية، لا يعلم مواضيعها.
2 - مسائل ابن البراج، في الفقه على ما يظهر من بعض القرائن.
3 - المسائل الإلياسية مائة مسألة في الفنون المختلفة.
ولقد ذكر المؤلف هذه الكتب والرسائل البالغ عددها 48 تأليفها في كتاب
43

" الفهرست " عدا ستة منها وهي: 1 - التبيان 2 - شرح الشرح الذي قلنا عنه إنه نفس
كتاب أصول العقايد. 3 و 4 - مسألة في وجوب الجزية، والمسائل القمية المذكورتان في
نسخة من الفهرست كانت عند المولى عناية الله القهپألي. 5 - مسائل ابن البراج،
ذكرها في مقدمة التبيان نقلا عن الفهرست وليست فيه. 6 - مسائل أصول الدين الموجود
منها نسختان في المكتبة الرضوية بمشهد. وللعلامة السيد محمد علي الروضاتي بحث مستوفى
في هذه الرسالة ورسالتين أخريين باسم المسائل الكلامية (108) ورسالة في الاعتقادات
في المجلد الثالث من ذكرى " الشيخ الطوسي الألفية " وهناك ثلاث رسائل باسم " إثبات
الواجب " ومسائل الطوسي " وثلاثون مسألة " مذكورة في بعض المصادر ومن جملتها في
مقالة مطولة في المجلد المذكور للأستاذ الدكتور السيد محمد باقر الحجتي وهي أجمع مصدر
بحث حول مؤلفات الشيخ الطوسي ونسخها الموجودة في مكتبات العالم. وهذه الرسائل
يجب البحث عنها هل هي رسائل متعددة أو بعضها متحد مع بعض، وهل الجميع للشيخ
الطوسي أو منسوب إليه وهو من تأليف غيره، كما يقال عن رسالة " إثبات الواجب " أنها
لنصير الدين الطوسي.
وبعد.. فإن البحث عن آثار الشيخ ومؤلفات واسع الأطراف جدا، وله أبعاد مختلفة وهي
أولا، الكشف عن صحة انتساب كل منها إلى الشيخ الطوسي.
ثانيا، الكشف عن النسخ الموجودة من آثار الشيخ، وقد أدى الدكتور حجتي
واجبة بقدر الإمكان في هذه الناحية، في المقال المذكور.
ثالثا، بيان الخصائص والفوائد والشروح والتعليقات الراجعة إلى تلك الآثار،
وقد تعرض العلامة الطهراني في مقدمة " التبيان " وفي كتابه " الذريعة " لما وقف عليه من
ذلك.
رابعا " نقد الطبعات المتعددة لكتب الشيخ الأمر الذي لم يقم به أحد إلى الآن
حسب ما نعلم.
خامسا، دراسة النقود التي وجهها المحققون إلى بعض كتب الشيخ مثل التهذيب
والمبسوط والخلاف وغيرها المذكورة في " روضات الجنات " (109) و " خاتمة
المستدرك " (110) والمصادر أخرى ولنا مذكرات في هذا الصدد.

(108) - يادنامه شيخ طوسي ج 3 ص 702.
(109) - روضات الجنات ص 588.
(110) - خاتمة المستدرك ص 756.
44

سادسا، التحقيق حول تاريخ تأليف هذه الكتب وضبط المتقدم والمتأخر
منها، وقد بدأ صاحب الروضات أصل هذا البحث (111) وبعده العلامة السيد رضا
الصدر في مقال له حول آثار الشيخ الفقهية نشر في المجلد الثالث من ذكرى الطوسي
(112) ولنا ملاحظات في هذا الصدد أيضا.
وليس لدينا مجال واسع الآن للخوض في هذه النواحي، فإننا إنما نريد أن نقدم
بحثا موجزا عن حياة الشيخ وآثاره تصديرا لهذه المجموعة، ولكن من الواجب إعطاء بعض
التفصيل عن آثار الشيخ الفقهية هنا بمناسبة ما قمنا به من تصحيح كتاب " الجمل
والعقود " في إطار هذه المجموعة، لكي يمتاز فضله على ساير كتب الشيخ الفقهية.
تحقيق حول كتب الشيخ الطوسي الفقهية وتنوعها
مع القاء نظرة إجمالية على مسيرة الفقه في مذهب الإمامية يتحصل لدينا أن فقهاء
هذا المذهب قد غيروا طريقتهم القديمة المتبعة في أواخر القرن الثالث الهجري أو
أوائل القرن الرابع، واتخذوا طريقة جديدة في تدوين هذا العلم. فقبل هذا الوقت
، كانت الكتب الفقهية لهذه الطائفة عبارة عن سلسلة مجموعات من الروايات
والأحاديث الواصلة إليهم عن أئمتهم في الأحكام والحلال والحرام والعبادات والمعاملات
وغيرها من أقسام الفقه. وقد جمعت بالتدريج خلال القرون الثلاث التي مضت على
الطائفة، كتب تحمل عنوان: الأصل، أو الجامع، أو النوادر، أو المسائل أو غيرها، وكان
البعض منها مفصلا مشروحا، والبعض الآخر مختصرا، وبعضها منظم مبوب، وبعضها
متفرق من دون تنظيم معين. هذه الآثار ظهرت على مسرح الوجود على يد المحدثين والفقهاء
المذهب، الذين يمثلون المذهب وفقهه، وكان بعضهم من أصحاب الأئمة عليهم السلام.
وبعض هذه الكتب كان مختصا بروايات موضوع واحد كالحج والصلاة والصوم ونحوها
والبعض الآخر شاملا لمواضيع شتى، وأحيانا كان جامعا لكل ما يتعلق بالمذهب من
الأحكام والأخلاق والمعارف والعقايد وتفسير القرآن وهي الكتب التي كانوا يعبرون عنها
ب‍ " الجامع " (113) وفي جميع هذه الكتب التي كانت على شكل الرواية والحديث الذي
ينتهي سنده إلى الأئمة من آل البيت لم يكن للمؤلف حظ سوى الجمع والرواية، دون

(111) - روضات الجنات ص 589.
(112) - يادنامه شيخ طوسي ج 3 ص 264.
(113) - للاطلاع الكامل على مزايا وخصائص هذه الكتب الحديثية وسير الحديث عند الشيعة لاحظ
مقالاتنا " تحقيق درباره كتاب كافي " في مجلة آستان قدس الرضوية دورتها الأولى والثانية.
45

البحث والدراية.
أما الطريقة الجديدة التي اتبعت بعد القرن الثالث فبدأت بإخراج المسائل
الفقهية من قالب الرواية والحديث وإيراد السند إلى صورة الفتوى فكان الفقيه بدل أن
يروي للناس في كل حكم رواية أو روايات، يعمد إلى استنباط الحكم منها حسب فهمه
ثم يعرضه كفتوى على من استفتاه أو من قلده في دينه. وقد يقال إن أول من سلك هذه
الطريقة وفتح هذا الباب على الناس في المذهب الإمامي هو أبو الحسن علي بن الحسين بن
موسى بن بابويه القمي، المتوفى عام 329 ه‍، والد المحدث والفقيه الكبير الشيخ
الصدوق حيث أبرز فتاويه في رسالته إلى ولده التي أورد كثيرا من ألفاظها الشيخ الصدوق
في كتبه الفقهية: كالفقيه والمقنع والهداية وبعد علي بن بابويه تأسى الآخرون به وألفوا
في الفقه على منواله وفي طليعتهم ولده الشيخ الصدوق في الكتب المذكورة ولا سيما المقنع
والهداية وطبعا لا يعني هذا القول أنه توقفت عملية نقل الحديث وجمع الروايات الفقهية
والسير الصعودي فيها في الفترة الجديدة اكتفاء بإيراد الفتاوى بل الأمر بالعكس فنجد
العلماء لم يتركوا الطريقة القديمة بل توسعوا فيها وأتقنوا العمل في جمع الأحاديث، وساروا
في ذلك مع الزمن إلى يومنا هذا، مع أن هذا الفن من العلم كغيره من الفنون تعرض
خلال العصور تارة إلى التألق والتقدم وأخرى إلى الركود والتأخر. ولكن مع كل هذا لم
يتوقف رأسا ولن يتوقف ما دام باب الفقه والاجتهاد مفتوحا. إذ الحديث ليس سوى
كلام الرسول والأئمة ونص فتاويهم، وهو بعد القرآن يعتبر أكبر مصدر للفقه. بل حاجة
الفقه في الفروع والأحكام الجزئية إلى الروايات أشد من حاجته إلى القرآن الكريم
الحاوي لأصول الأحكام وكلياتها، دون الفروع الحادثة مع الزمن التي عنونت في خلال
الأحاديث. ونحن نعلم أن تشخيص صحيح الحديث عن سقيمه لا يتيسر إلا بالنظر إلى
السند. فالفقيه مهما بلغ من رفض التقليد، والاستقلال بالرأي في المسائل الفقهية، وعدم
التسليم لرأي غيره من الفقهاء فلا يستغني في وقت من الأوقات عن الحديث والرجوع إليه
. ولن يتخلى عن مراجعة كتب الحديث فلا يسد باب التأليف في الحديث أبدا. وهكذا
رأينا أنهم بعد هذه الانطلاقة الجديدة بدأوا بتدوين المجامع الكبيرة والمعتبرة عند الشيعة
التي من جملتها الكتب الأربعة المشهورة، حيث ظهرت كلها في الفترة الجديدة من الفقه
إلا أن هذا النوع من الفقه أي الفقه المستند ينبغي أن يعد نوعا من الفقه في الفترات
المتأخرة، أما قبل تلك الفترة الحادثة فقد كان الفقه عند الشيعة الإمامية منحصرا في الفقه
الحديثي أو الفقه المأثور فلو فرض وجود أشكال أخرى من الفقه حين ذاك، فإنما كانت
46

لا تتجاوز الدرس والمحاورة إلى التأليف والتصنيف. ولو كانت موجودة فبشكل نادر
وخاص بمسائل محددة وهي التي كانت مدار نقاش بين الشيعة والسنة أو بين الشيعة
أنفسهم والتي خرجت عن كونها مسألة فقهية بحتة وتجلببت جلباب الكلام. وكيف كان
فلم يصلنا منه شئ ملحوظ.
وفي بداية التحول الجديد خرج الفقه من صورة الرواية واتخذ شكل الفتوى،
وهذا من غير شك يحكي عن توسع الفكر ورفض الجمود الفقهي وهو بذاته يعتبر جرأة
علمية وثورة على العادة المتبعة والطريقة التقليدية عند القدماء، وقد دونت تلك الفتاوى
ولكن بنفس الوقت كانوا يراعون جانب الاحتياط فيوردون الفتوى بنفس الألفاظ
الصادرة عن مصادر التشريع، فكانت ألفاظ الروايات تذكر بدون ذكر السند أو الانتساب
إلى الإمام، فهذا أول الشوط في هذا المضمار، ولهذا تعتبر الكتب المؤلفة على هذا الطراز
كرسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق، وبعض كتب الصدوق نفسه كالمقنع نصوصا
حديثية، وكانت طريقة القدماء الرجوع إليها كنص صدر من لسان الإمام إذا لم يعثروا
على رواية أو نص آخر موثوق به. وعلى حد تعبير بعضهم يرجعون إليها " عند إعواز
النصوص " ونحن نسمي هذا النوع من الفقه " الفقه المنصوص " وعلى حد تعبير الأستاذ
الكبير آية الله البروجردي رضوان الله تعالى عليه: " المسائل المتلقاة ".
لكن الفقهاء مع الأيام توسعوا وأبرزوا جرأة أكثر من ذي قبل، فرفضوا قيود
الألفاظ وهدموا حصار الاحتياط، وتحرروا من الوساوس فبدؤا بالدقة في الروايات وعرض
بعضها على بعض، وإخراج المسائل المستنبطة من مجموع الروايات والنصوص المعتبرة
لديهم، بألفاظ تعبر عن فتاويهم وآرائهم من دون تقيد بألفاظ النصوص. وهذه المرحلة
من الفقه ينبغي تسميتها والتعبير عنها ب‍ " الفقه المستنبط " أو بضمها إلى المرحلة السابقة
عليها فتسميان جميعا بالفقه المنصوص، لأن الفقه مع التوسع البالغ بعد لم يكن خارجا
عن نطاق النصوص في محتواه وإن كان خارجا وعاريا من ألفاظ النصوص.
وفي نفس الوقت أو بعده بقليل نرى تقدما ملحوظا نحو الاجتهاد بشجاعة بالغة،
وسعي مشكور، وجهد مترقب، ودراية كافية أبرزها رجال ذلك العصر ومن جملتهم بل في
طليعتهم مترجمنا الشيخ الطوسي رضي الله عنه وعنهم. وهو أنهم خرجوا عن حدود الفقه
المنصوص، واعتمدوا على أساس القواعد الكلية والنصوص العامة من الكتاب والسنة،
بالإضافة إلى الأدلة العقلية، والأسس المحررة في علم أصول الفقه، فخاضوا في الفروع
المستحدثة، والحاجيات اليومية التي تمر على الناس مما لم يرد في النصوص، ولم يعنون في
47

فقه الإمامية، بل ربما لم يتفق وجوده. واستنبطوا أحكامها ولم يتحاشوا عن إبداء النظر
فيها، وهم في نفس الوقت كانوا يجتنبون العمل بالقياس جدا حيث إنه كان ممنوعا عنه في
مذهبهم أكيدا. ومع ذلك فكانوا يجيبون على الأسئلة الواردة والحاجيات الطارئة في
الحياة استلهاما من النصوص والقواعد العامة عدا القياس.
وهذا اللون من الفقه هو غاية الاجتهاد ونهاية المطاف، ومع فقده يعتبر الاجتهاد
ناقصا مبتورا عاجزا عن الوفاء بحاجات الناس. وفي الحقيقة يعتبر هذا التحول الجديد بداية
التكامل في الاجتهاد، وبعبارة أصح قيام الاجتهاد بمعناه الحقيقي بين الشيعة، في الوقت
الذي كان الاجتهاد والاستنباط من هذا الطراز سائدا عند أهل السنة ولا سيما في المذهب
الحنفي من قبل حوالي قرنين أي من أواسط القرن الثاني الهجري استنادا إلى الرأي
والقياس بمعناه الواسع المحظور على أصول الشيعة أو بأشكال أخرى حسب المذاهب
الفقهية الموجودة حين ذاك.
وهكذا نرى أن المذهب الشيعي مع محافظته على أصوله المسلمة قد تأثر بالآخرين
من حيث شاء أو لم يشأ، ولكنه لم يفارق أصوله ولم يتخل عن ذاتيته طرفة عين أبدا.
وهناك مجال للبحث والدراسة فيمن أبدى أولا هذه الشجاعة والجرأة وعمد إلى
فتح هذا الباب على المجتهدين بعد أن كان مقفلا أمامهم في المذهب الإمامي. فعند
العلامة الطباطبائي بحر العلوم، وقبله السيد نعمة الله الجزايري في شرح التهذيب وبعده
صاحب الروضات، وغيرهم، كان المؤسس الأول لهذا الأساس هو الحسن بن أبي عقيل
العماني المعاصر للشيخ الكليني (م 329 ه‍) وبعده محمد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي
المعاصر للشيخ الصدوق (م 381 ه‍). وكان الشيخ المفيد تلميذا لهذين وكان له حسن
ظن بالعماني وابن الجنيد فتابع طريقتهما ومنه تسرى ذلك إلى طلابه الذين تخرجوا عليه،
ومنهم السيد المرتضى والشيخ الطوسي، ومن عاصرهما. (114) هذا رأيهم.
ولكننا مع الاعتراف بصدق هذا الرأي وصحته، لا يمكننا إنكار هذه الحقيقة وهي
أن هذا اللون من الفقه كان رواجه واستقراره رسميا بين الشيعة على يد الشيخ الطوسي،
فله الفضل في نشره والدفاع عنه، والوقوف أمام المخالفين له، وإن كان المؤسس غيره ممن
سميناهم أو لم نسمهم. فإن الشيخ نفسه قد شرح في أول كتاب " المبسوط " كيف كان
وضع الفقه عند الشيعة، وما كان هدفه من تأليف كتبه الفقهية مثل النهاية والمبسوط

(114) - لاحظ لتفصيل ذلك روضات الجنات ص 168 و 561 و 590.
48

وغيرهما فقال: " أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة المنتسبين إلى علم
الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإمامية ويستنزرونه، وينسبون إلى قلة الفروع وقلة
المسائل، ويقولون إنهم أهل حشو ومناقضة، وأن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له
إلى كثرة المسائل، ولا التفريع على الأصول - وبعد رد هذه التهمة عن الشيعة يقول -:
وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك (أي
الفروع) تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل، وتضعف نيتي
أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه، وترك عنايتهم به، لأنهم ألفوا الأخبار وما رووه من
صريح الألفاظ، حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم
لعجبوا منها، وقصر فهمهم عنها. وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية، وذكرت
جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصولها من المسائل وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب
الفقه، وجمعت من النظائر، ورتبت فيه الكتب على ما رتبت، للعلة التي بينتها هناك،
ولم أتعرض للتفريع على المسائل، ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين
نظايرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك،
وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات، سلكت فيه طريق الإيجاز والاختصار وعقود
الأبواب فيما يتعلق بالعبادات، ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة يضاف إلى
كتاب النهاية، ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه.. " وهكذا شرح
طريقته المتبعة في كتابه " المبسوط " مع الإشارة إلى كتاب " الخلاف " مصرحا بأن كتابي
النهاية والمبسوط لا نظير لهما وكذلك كتاب " الخلاف " يعتبر كتابا لا سابق له في
بابه. (115)
وللأسف فمع تقدم كتب ابن أبي عقيل وابن الجنيد في هذا المضمار لم يبق شئ منها سوى
جملة من الفتاوى المنقولة عنهما في الكتب، فليس في إمكاننا مقايسة كتبهما مع كتب
الشيخ الطوسي، لتحديد موقف الشيخ وعمله بالضبط وما أتى به من الجديد المبتكر. إلا
أنه معلوم لدينا أن طريقة ابن أبي عقيل وابن الجنيد لم تواجه استقبالا حافلا من قبل
ساير العلماء في ذلك العصر بل اتهموا ابن الجنيد بأنه كان يعمل بالقياس ويفتي به
(116) حتى جاء العلامة الحلي بعد قرون عدة فنفى عنه هذه التهمة (117) وكيف كان

(115) - لاحظ شرح ذلك في مقال العلامة السيد رضا الصدر في (يادنامه شيخ الطوسي ج 3 ص 264).
(116) - روضات الجنات ص 537.
(117) - روضات الجنات ص 537 نقلا عن الخلاصة للعلامة الحلي.
49

الأمر فيعلم مما ذكرنا شجاعة الشيخ الطوسي ودرايته في فتح باب الاجتهاد بمصراعيه على
الشيعة في حزم بالغ مراعيا جانب الاحتياط والتدريج حتى يستوحشوا، ولا يتهموه بمتابعة
أهل السنة والعمل بطريقة القياس. ولكن الشيخ الطوسي وإن عصمه الله من هذه
الوصمة في عصره إلى أمد بعيد إلا أنه لم يبق بريئا إلى الأبد فقد جاء محمد بن أحمد بن
إدريس المتوفى سنة 578 ه‍ صاحب كتاب السرائر في القرن السادس أي بعد الشيخ بقرن
فوجه نقوده إليه في هذا الكتاب بأنه اتخذ طريقة أهل السنة وأشاعها في الشيعة (118)
وبعده جاءت الطائفة الأخبارية في القرن الحادي عشر فما بعده فزادوا في الطنبور نغمة
أخرى ووجهوا حملاتهم إلى هذا الشيخ المبجل العظيم (119)
هذا وفي نفس الوقت الذي شاع بين الشيعة الإمامية الفقه التفريعي الذي تحدثنا
عنه، شاعت بينهم المقايسة والموازنة بين المذاهب الفقهية في المسائل التي كانت مثارا
للاختلاف وتضارب الآراء. فاستحدث فن آخر من فنون الفقه كانوا يعبرون عنه ب‍
" مسائل الخلاف " ونحن نعبر عنه ب‍ " الفقه التطبيقي " قياسا على " الحقوق التطبيقي ".
ولا شك في أن الشيخ الطوسي كان سابق هذا الميدان في جميع فنون الفقه من بين
معاصريه بل بين شيوخه وأساتذته وإن كتبه في ذلك، ولا سيما كتاب " النهاية " في الفقه
المنصوص، وكتاب " المبسوط " في الفقه التفريعي، وكذلك كتاب " الخلاف " في الفقه
التطبيقي لمن أحسن الكتب في تلك الفنون.
ثم إن أحد الفنون الفقهية التي ظهرت من خلال التفنن في الفقه وانشعابه إلى
شعبات، هو إخراج أصول المسائل الفقهية بأقصر عبارة ممكنة مع مراعاة الترتيب والنظم،
وإدراجها في فصول، وعقدها في عقود وتحت أرقام معينة لا بأس بأن نسميها ب‍ " الفقه
الكلاسيكي ". وللشيخ الطوسي فضل التقدم في ذلك أيضا، فإن كتابه " الجمل
والقعود " حسب ما هو الظاهر من اسمه، والواضح من تقديم المصنف لهذا الكتاب ومما قاله
في وصفه في مقدمة كتاب المبسوط، أنه كان يهدف إلى هذا الهدف، فإن الجمل والعقود تعني
المطالب المعقودة في سلك خاص والمنتظمة بعضها مع بعض، ولعل هذا الكتاب هو الأول
من نوعه والعمل المبتكر في موضوعه وقد بذل المؤلف أقصى جهده في تنظيم الأبواب وعقد
المسائل وعد الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات والأجزاء والشرائط والآداب

(118) - روضات الجنات ص 574.
(119) - روضات الجنات
50

في كل واحدة من العبادات الخمس وإحصائها في أرقام محددة لا يتصور أحسن منها.
وليس مبالغة لو ادعينا أنه لا يوجد فيما عندنا من المتون الفقهية حتى المتأخرة عن هذا
الكتاب من آثار كبار الفقهاء كتاب بهذا النظم الجيد والأسلوب المبتكر هذا مع ما أضفناه
إليه من الأرقام الهندسية في الطبع الأخير يمكن القول بأن غرض الشيخ من هذا التأليف
كان نفس الهدف الذي رامه العلماء أمثال ابن مالك الأندلسي في ألفيته في النحو، والعلامة بحر العلوم في منظومته الفقهية، والفيلسوف السبزواري في منظومته في المنطق
والفلسفة وغيرهم في غيرها فكل هؤلاء كانوا بصدد ضبط المطالب العلمية وتنظيمها
تسهيلا للحفظ ولا سيما للمبتدئين والفارق أن هؤلاء وأمثالهم قاموا بهذا العمل في صناعة
الشعر والشيخ الطوسي وكثير من أمثاله قاموا به باستخدام طريقة النثر وقد قال في ديباجة
الكتاب "... ليسهل على من يريد حفظها، ولا يصعب تناولها ويفزع إليه الحافظ عند
تذكره، والطالب عند تدبره... ".
هذا النوع من الكتب ازدادت الحاجة إليه على مر الزمن ولا سيما في العصر الذي
نعيش فيه حيث إن العلماء في شتى الفنون، همهم مصروف إلى تلخيص المطالب وتنظيمها
و " كلاستها " تسهيلا على المتعلمين. هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا الكتاب نموذج كامل
عن الأساليب المتبعة عند القدماء من قبل ألف سنة.
وبعد.. فإن الشيخ الطوسي قد ألف هذا الكتاب، وكذلك ألف أو أملى
كتاب الغيبة، والاقتصاد والفهرست، والرجال بالتماس شخص عبر عنه بالشيخ الفاضل
أو الشيخ الأجل مما يدل على أن الشيخ الطوسي كان يقدره ويكن له احتراما خاصا فوق
درجة احترامه لتلميذ وطالب علم عاديين. وقد قيد في هامش عدة نسخ قديمة رآها العلامة
الطهراني (120) وكذلك في هامش النسخة التي كانت لدينا وعلى أساسها تم تصحيح
الكتاب وسيأتي شرحها والتعريف بها (121)، قد قيد أن هذا الشيخ هو " ابن البراج
". وهو عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج المتوفى سنة 481 ه‍ وكان قاضيا في
" طرابلس " ونائبا للشيخ الطوسي في البلاد الشامية، مؤلفا لكتب قيمة منها شرح قسم
العبادات من كتاب " جمل العلم والعمل " للسيد المرتضى، وكان تتلمذ على السيد والشيخ

(120) - مقدمة التبيان ص ث
(121) - كانت هذه النسخة أولا ملكا للمرحوم الحاج عبد الحميد المولوي، ثم انتقلت مع ساير كتبه إلى
مكتبة كلية الإلهيات بجامعة مشهد. وكانت النواة الأولى لمخطوطات هذه المكتبة القيمة.
51

الطوسي جميعا، وأشار هو إلى مقاولاته ومباحثاته مع الشيخ في جلسة الدرس، في كتابه
" المهذب " (122) وأيضا نجد من جملة كتب الشيخ الطوسي كتاب " مسائل ابن
البراج " (123) والمسألة بعد لا تزال رهن الدراسة والتحقيق حتى يحصل اليقين بذلك،
وأن هذا الشيخ الفاضل الذي تم تأليف هذه الكتب بالتماسه هل هو ابن البراج أو شخص
آخر، وهل المراد بهذا التعبير في تلك الكتب هو شخص واحد أو أشخاص متعددون ونحن
نعلم أن الشيخ الطوسي لاحظ طريقة أهل السنة في تأليف كتابه المبسوط، وكذلك في
كتاب الجمل والعقود حيث أورد " الآداب " في عرض الواجبات والمستحبات، وهو
اقتباس من بعض مذاهب أهل السنة ويشهد بذلك كلامه المتقدم، وفي مقدمة المبسوط
وربما يقال إن تأليف المبسوط والجمل والعقود اتفق في زمان واحد، وقد نص على ذلك
في مقدمة الجمل والعقود حيث يقول "... إلا مسائل التفريع التي شرعنا في كتاب آخر
إذا سهل الله إتمامه وانضاف إلى كتاب النهاية كان غاية فيما يراد " مع أن المستفاد من
كلامه في مقدمة المبسوط أن الجمل والعقود فرغ منه قديما ليكون كخاتمة للنهاية حيث
يقول... "... وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية... وعملت بآخره مختصر
جمل العقود في العبادات... ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة يضاف إلى
كتاب النهاية... " وتحل هذه المشكلة، بما يظهر من تتمة كلامه في مقدمة المبسوط أنه
انصرف عما كان اشتغل به في التفريع، وبعد مضي مدة، اشتغل به ثانيا بطريقة مغايرة
عما كان بدأ به حين الاشتغال بتأليف الجمل والعقود فلاحظ.
أبعاد البحث والتحقيق في حياة الشيخ الطوسي
من البديهي أنه كلما كان الإنسان أعظم شخصية وألمع وجودا وأوسع آثارا تكون
مجالات البحث حوله، أمام المحققين أبعد وأشمل. وما قلناه عن الطوسي في هذه الفرصة
السريعة إنما هو تصوير إجمالي عن حياته، وإلا فهو كالبحر الواسع لا يسعه إناء ضيق. إنه
من عظماء الإسلام ومن أئمة الفقهاء، والمحدثين، والمتكلمين والمفسرين عند الشيعة الإمامية، وهو بحق " شيخ
الطائفة " ومجدد المذهب في القرن الخامس، ومن المؤسسين بين

(122) - كما في نسخة خطية من هذا الكتاب موجودة عندي، وذكر ذلك في مبحث إزالة النجاسة بالماء
المضاف المختلط بالماء المطلق الطاهر.
(123) - مقدمة التبيان ص أب نقلا عن فهرست الطوسي ولم نجد فيه.
52

الشيعة للفنون المختلفة ولعلوم شتى مثل التفسير والحديث والرجال، والفهرسة، والفقه،
والأصول، والكلام، وبشكل عام كان الشيخ الطوسي مفصلا في تاريخ هذه العلوم وفي
تاريخ المذهب الإمامي فهذا النحرير العليم لا نظير له من حيث دقة النظر، وإصابة الرأي،
واستقامة العقل، وسعة الاطلاع، وحسن السليقة، وأسلوب التحقيق والشمول والجامعية
للفنون. وكذلك هو عديم النظير في سلامة الطوية، وطهارة النفس، والتخلي عن
الأغراض، وضوء البصيرة بين رجال المذهب بل بين علماء الإسلام عامة. وقد كانت
كتبه مدار البحث والنظر في عصره ومع أساتذته أمثال السيد المرتضى علم الهدى.
بقيت ولم تزل حتى عصرنا من أوثق الوثائق والمصادر العلمية. وعلى الرغم من التقدم
العلمي وظهور نوابغ كبار لا يحصى عددهم، وإخراج مؤلفات كثيرة فيما يعتبر من تخصص
الشيخ، فإن كتب الشيخ في كل فن من تلك الفنون على الرغم من مرور ألف سنة
عليها قد احتفظت بمكانتها، لا بل مع ما جرى من التطورات العلمية لقد اكتسبت أهمية
أكبر. ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي اقتضت فيه الأوضاع والأحوال تبدل الأفكار عما
كانت عليه، فالمقاييس اختلفت عما كانت وحواجز التعصب وسدود الجهل ارتفعت،
بشكل تقاربت فيه المذاهب الإسلامية، حيث قامت جماعات من العلماء بتقييم وتقدير
المذاهب الأخرى، بلا أي تطرف أو تعصب مذموم، في مثل هذه الظروف النيرة سوف
تكون طريقة تفكير الطوسي وأسلوبه العلمي الحكيم، مثار إعجاب المصلحين أولي البصيرة
والنظر.
وعن قريب ستظهر هذه الحقيقة الخفية، وسينكشف هذا السر المكتوم، وهو أن
الشيخ الطوسي، مع أنه كان يعتبر الإمام المقتدى به لمذهب الإمامية والمروج لعلومه
وحامل لوائه في أخطر مرحلة من تاريخ هذا المذهب كان في نفس الوقت يوجه نظره إلى
نطاق أوسع من مذهبه الخاص به، وكان محلقا بمقدرته العلمية وقريحته القوية في إطار العالم
الإسلامي الواسع المحيط، وفي خارج حدود مذهبه، ولا سيما في ميدان الفقه، حيث كان
يطاير علماء ساير المذاهب ويصافهم فيما يخصهم من المذهب. ومن هذا المنطق يسوغ لنا
أن نضيف إلى تلك الخصائص والملامح مزية أخرى للشيخ، وهو أنه كان من رجال
التقريب بين المذاهب الإسلامية بل هو المبتكر والفاتح لبابه. ولا ريب أنه أي التقريب
هو الدواء الشافي للإسلام والمسلمين في مثل هذه الفوضى والغوغائية المسيطرتين على العالم
. ويجب على جميع المصلحين والعلماء أن يتابعوا هذه الطريقة الحكيمة في دراساتهم
الإسلامية.
53

وفي رأينا أن هذه الفضائل النفسانية والكمالات المعنوية كانت هي السبب
الأكبر والسر النافذ لما نجده واضحا جليا من تجاوز الشيخ الطوسي بما له من الآثار العلمية
حدود الزمان والمكان، وعدم انحصاره بإطار مذهبي خاص، فجعلته هذه الخصال على مر
الزمن إماما لكل المسلمين.
وفي هذا الوقت الذي نعيش فيه تلفت هذه الناحية من حياة الشيخ الأنظار، وقد
أبدى في عصرنا رجال من كبار علماء الشيعة الإمامية رأيهم وأصدروا حكمهم في حق الشيخ
سواء من هذه الناحية أو من ساير نواحي حياته ومن بينهم إمامان كبيران كانا مولعين بتعظيم
الشيخ والتعريف به بين الأمة.
أولهما: الإمام الأعظم أستادنا الكبير آية الله العظمى الحاج آغا حسين
الطباطبائي البروجردي رضوان الله تعالى عليه المتوفى عام 1380 ه‍ والذي كان في
علم الرجال والحديث فريد عصره، وكان له فيهما وفي الفقه والأصول طريقة مبتكرة
ومباني خاصة. فكان يوجه الأنظار إلى طريقة القدماء من الفقهاء ويؤكد من بينهم على
شخصية الشيخ الطوسي.
وقد سمعته لأول مرة عام 1323 ه‍ ش‍ حيث زار المشهد الرضوي، وكنت
حين ذاك طالبا للعلم في مرحلة السطوح في هذا البلد، سمعته يقول " إن الشيخ الطوسي
ألف بعض كتبه الفقهية في إطار المذهب الإمامي والبعض الآخر للعالم الإسلامي بأجمعه
ثم بدأ بشرح هذا الكلام. وفي عام 1328 ه‍ ش‍ هاجرت إلى قم حيث تشرفت بحضور
درسي الفقه والأصول للأستاذ كما حضرت بعد ذلك حلقات تدوين الحديث التي كانت
تنعقد في بيته لأصحاب الحديث (124) وقد بدا لي أن السيد الأستاذ كان يرى أن
من الواجب عليه القيام بتعريف الشيخ للطلبة وإحياء ذكره والأعلام بكتبه حيث كان
يتعرض لذلك في كل مناسبة. وأحيانا كان يحمل معه كتاب " عدة الأصول " للشيخ إلى

(124) - لازمت دروس الأستاذ حوالي إحدى عشر سنة - أي من سنة 1328 إلى 1339 ش ه‍ - ومن
بينها حوالي سبع سنوات شاركت مع جماعة آخرين في لجنة الحديث التي كانت تنعقد يوميا في منزل الأستاذ
الإمام لتأليف كتاب " جامع الأحاديث الفقهية للشيعة الإمامية " الجامع لكل ما في الوسائل والمستدرك
من الروايات بأسلوب بديع، وقد ألفت رسالة بشأن هذا الكتاب لم تنتشر لهذا الوقت. وكان الأستاذ يحضر
جلسة الحديث كثيرا ويرشدنا إلى ما كنا نحتاج إليه في عملنا. وقد تم الكتاب في حياته إلا ما شذ من بعض
الأبواب، وطبع مجلدان منه على الحجر بأمر منه، ثم طبع بعده طبعة ثانية في أجزاء صغار وانتشر منها أحد عشر
مجلدا إلى كتاب الحج، وهذه الطبعة لا تزال مستدامة بعد.
54

درس الأصول، ويقرأه على الطلاب ويشرح عباراته. وفي درس الفقه أيضا قد يحضر معه
كتاب " الخلاف " ويدرس بعض المسائل منه. وقد قام الأستاذ رحمه الله بطبع هذا الكتاب
مع تعليقاته لأول مرة. كما رتب الأسانيد كتاب تهذيب الأحكام والاستبصار فيما رتب من
الأسانيد لكتاب الكافي وكتب الصدوق وغيرها، وهذا فن ابتكره الأستاذ الإمام.
وللأسف أن هذه الكتب الثمينة لم تر النور ولم تنتشر حتى هذا الوقت.
وكان الأستاذ يولي اهتماما خاصا بكتب الشيخ وآرائه الرجالية، وجمع لديه
نسخا مصححة من هذه الكتب، وقد اشتغل أصحاب الحديث بأمره بتأليف كتاب جامع
بين كتاب رجال النجاشي وفهرست الشيخ وفرغوا منه، ولكنه بعد في انتظار الطبع.
ثانيهما: فقيد الإسلام، شيخ مشايخ الزمان، العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني
(1293 - 1389 ه‍ ق‍) رضوان الله تعالى عليه، الذي أشدنا بذكره في هذا المقال مرارا.
فكان لهذا العالم الجليل علاقة خاصة بالشيخ الطوسي، وقد تعرض لترجمة والتعريف
بآثاره وكتبه في مطاوي كتابه الخالد " الذريعة إلى تصانيف الشيعة " مرات كثيرة وخص
به رسالة تحت عنوان " حياة الشيخ الطوسي " تصديرا لكتاب تفسير التبيان طبع النجف
الأشرف وهذه الرسالة لعلها أجمع وأوفى ترجمة للشيخ إلى هذا الوقت. ويرى الناظر بوضوح
من خلالها إعجاب الكاتب بالشيخ الطوسي حيث يقول: " ارتسمت على كل أفق من
آفاق العالم الإسلامي أسماء رجال معدودين امتازوا بمواهب وعبقريات رفعتهم إلى
الأوج الأعلى من آفاق هذا العالم - إلى أن يقول - وثمة رجال ارتسمت أسماؤهم في
كل أفق من تلك الآفاق، وهم قليلون للغاية شذت بهم طبيعة هذا الكون، فكان لهم
من نبوغهم وعظمتهم ما جعلهم أفذاذا في دنيا الإسلام، وشواذا لا يمكن أن يجعلوا مقياسا
لغيرهم، أو ميزانا توزن به مقادير الرجال، إذ لا يمكنها أن تنال مراتبهم، وإن اشرأبت
إليها أعناقهم وحدثتهم بها نفوسهم " " ومن تلك القلة شيخنا وشيخ الكل في الكل،
علامة الآفاق، شيخ الطائفة الطوسي أعلى الله درجاته، وأجزل أجره، فقد شاءت إرادة
الله العليا أن تبارك في علمه وقلمه، فتخرج منهما للناس نتاجا من أفضل النتاج، فيه
كل ما يدل على غزارة العلم وسعة الاطلاع، وقد مازه الله بصفات بارزة، وخصه بعناية
فائقة، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا وقد كرس - قدس الله نفسه - حياته طول
عمره لخدمة الدين والمذهب، وبهذا استحق مكانته السامية من العالم الإسلامي عامة
والشيعي خاصة. وبإنتاجه الغزير أصبح - وأمسى - علما من أعظم أعلامه، ودعامة
من أكبر دعائمه، يذكر اسمه مع كل تعظيم وإجلال وإكبار وإعجاب، ولقد أجاد من قال
55

فيه:
شيخ الهدى والطائفة * أثر القرون السالفة (125)
ويقول العلامة الطهراني في خاتمة مقاله: " هذا ما أمكننا القيام به خدمة لشيخ
الطائفة أجزل الله أجره، وكان ذلك من أحلى أمانينا وأعذبها حيث كنا نفكر في ذلك
منذ زمن بعيد... " (126)
وكان العلامة الطهراني يأمل لا بل إنه سعى بمنتهى جهده لإقامة مهرجان بأحسن
ما يمكن، احتفالا بمناسبة مرور ألف سنة على ولادة الشيخ الطوسي حيث صادف عام
1385 ه‍ ق‍. وقد أرسل بيانا إلى المؤتمر الألفي للشيخ، المنعقد في أواخر عام 1348 ه‍ ش‍
الموافق 1390 ه‍ ق‍ في المشهد المقدس الرضوي من قبل جامعة مشهد وشرح في هذا البيان
معاني الحب والولاء والإعجاب التي يكنها في نفسه تجاه الشيخ الطوسي وآثاره وأعماله
القيمة، ولقد قرئ هذا البيان في افتتاحية المؤتمر، وقد ارتحل إلى رحمة الله تعالى بعد مضي
شهرين فقط من المؤتمر.
وكانت نسخة البيان مكتوبة بيده المرتعشة وكأنها كانت آخر ما رقمه بقلمه الشريف
وصورتها موجودة في الجزء الثالث من ذكرى الشيخ الطوسي (127) وفي ذلك البيان بعد
ذكر لمحة عن مساعيه الحميدة المضنية من أجل إقامة الذكرى الألفية للطوسي والتي لم تكلل بالنجاح
يقول: ما ترجمته " بعد وصول الدعوة إليه من قبل الأمانة العامة للمؤتمر إنني دائما كنت
أرى أن الله تعالى أنعم على الشيخ بلطفه الخاص وليس السبب الإفاضة مثل هذا
اللطف الصافي من قبل الفياض المطلق الحكيم، عالم السر والخفيات عليه لو لم يكن ملحوظا
عنده تعالى في بدء خلقته بما أبدعه من وجوده - ثم يعدد أعمال الشيخ ويقول - إذن
بعد رؤية هذا الحقير (يعني نفسه) بعينيه وبقلبه هذه الأمور كنت على اطمئنان كامل في
انتظار يوم تضئ فيه شمس وجوده العالم أجمع... كنت منتظرا لذلك خلال الأيام
الطوال حتى اقترب الأجل وجاءت البشارة بقرب الاحتفال بالذكرى الألفية التي وصلت
على يدي ساعي البريد حيث ألقي إلى كتاب الأعضاء المحترمين
فأحسست بنفخ روح جديدة في جسدي. " وقد أجازنا في سفره إلى مشهد عام 1380 ه‍

(125) - مقدمة التبيان ص ألف.
(126) - مقدمة التبيان ص أبص.
(127) - يادنامه شيخ طوسي ج 3 ص 17 و 18.
56

ق لرواية الحديث، وألحقنا بالشيوخ، لأنه كان يروي عن صاحب المستدرك العلامة
الطبرسي رضوان الله تعالى عليه المتوفى عام 1320 ه‍، وهذا إسناد عال وكثير من الشيوخ
المعاصرين يروون عنه بواسطة العلامة الطهراني رضي الله عنه وأجزل له الأجر.
هذا... وقد كتبت عن ذلك المؤتمر العظيم شرحا وافيا في المجلد الثالث من
الذكرى الألفية (128) فليلاحظ.
وحقا أقول إن الحديث عن عالم جامع الأطراف كالشيخ الطوسي لا يسعه العديد
من الصفحات، بل يحتاج إلى عدة مجلدات، ونحن نقدم للقراء في خاتمة هذه الدراسة المتواضعة قائمة بأهم العناوين الكلية القابلة للبحث عنها بشأن هذا الإمام الكبير وهي هذه:
1 - شرح حياته وتاريخه
2 - عائلته وأعقابه
3 - مشايخة ومعاصروه
4 - طلابه الذين أخذوا عنه
5 - مكانته في سلسلة الإجازات
6 - خصائصه ودراسة ما قاله فيه الآخرون
7 - دراسة النقود التي وجهوها إلى طريقته وكتبه سواء في آرائه الكلامية أو
الفقهية الخاصة به.
8 - البحث عن كتبه وآثاره العلمية مع النظر إلى كل أبعادها التي عددناها
سابقا
9 - تقييم أثر الشيخ الطوسي في الثقافة والعلوم الإسلامية ومدى تأثيره في المذهب
الإمامي.
10 - مصادر الدراسة عنه.
وتلك عشرة كاملة، وإني لأعترف بأنه لم يكن الحديث في شئ من هذه
النواحي في هذا المختصر وافيا، إلا أنا بذلنا الجهد لاطلاع القارئ على جوانب من حياة
الشيخ كي يقوم هو بدوره بتعقيب البحث. ويجب التنبيه على أمور لها علاقة بمصادر
الدراسة والتحقيق عن الطوسي وهي هذه:

(128) - يادنامه شيخ طوسي ج 3 ص 853.
57

1 - لعل المصدر الوحيد الجامع في هذا الباب هو ما كتبه العلامة الطهراني في
مقدمة التبيان بعنوان " حياة الشيخ الطوسي ". وقد بحث فيه بشكل أكثر تفصيلا من غيره
في موضوعين هامين.
الأول، أسرة الشيخ وعقبه من بعده حيث لا يوجد في مصدر آخر بهذا البسط، (129) ولكن النكتة التي التنبيه عليها في هذا الصدد هي أن العلامة الطهراني
اعتبر العائلة المعروفة باسم " نصيري طوسي " من ذرية الشيخ الطوسي مع أن هذه العائلة
المعروفة إلى هذا الوقت ب‍ " نصيري " أو " خواجة نصيري " أو " نصيري طوسي " المنتشرة
حاليا في أرجاء إيران المختلفة: مثل طهران، ومشهد وأصفهان وغيرهما، إنما تنتسب إلى
المحقق المشهور خواجة نصير الدين الطوسي (م 672 ه‍) وقد أعددت مذكرات كثيرة حول
هذه العائلة ورجالها الذين كانوا يعيشون في نهاية العظمة لدى الملوك ولا سيما ملوك
الصفوية مبجلين لدى البلاط، موظفين حتى زمن قريب في الدولة وقد قررت لهم رواتب
شهرية أو سنوية. وكل الذين سماهم العلامة الطهراني، هم من رجال هذه الأسرة
الجليلة. والمتتبع يقف على أسمائهم وأسماء آخرين منهم في كتاب " عالم آراء عباسي "
(130) وغيره ويبدو أن هذه الأسرة عاشت بعد المحقق الطوسي في آذربايجان ولا سيما في
مدينة " أردوباد " ثم تفرقت في البلاد.
وعلى كل حال فلا شك في أن لقب " النصيري الطوسي " منسوب إلى نصير الدين
الطوسي وعليه فلا إبهام في إضافة " النصيري " إلى " الطوسي " الأمر الذي أحرج العلامة
الطهراني بناء على رأيه من انتساب هذه العائلة إلى الشيخ الطوسي. (131)
نعم يمكن إثبات العلاقة والنسبة بين هذه الأسرة وبين الشيخ الطوسي بطريق
آخر وهو أن العلامة الطهراني قد تعرض في مقدمته، (132) وكذلك غيره نص على وجود
النسبة بين " ابن طاووس " عن طريق الأم بفواصل عديدة وبين الشيخ الطوسي. وقد رأيت
أنا في بعض المصادر أن هناك علاقة بين عائلة " ابن طاووس " وعائلة " نصير الدين
الطوسي " عن طريق المصاهرة والبحث بعد رهن الدراسة والتحقيق.

(129) - لاحظ مقدمة التبيان ص أف.
(130) - عالم آراء عباسي ص 804 فما بعدها وص 724 و 756 و 419 و 439 و 554 و 501 و... وأيضا
كتاب أحوال وآثار خواجة للأستاذ المدرس الرضوي ص 68 ومطلع الشمس ج 3 ص 147.
(131) - مقدمة التبيان ص أ ب ج.
(132) - مقدمة التبيان ص أ ض.
58

الثاني، قد تعرض العلامة الطهراني للبحث حول مشايخ وتلامذة الشيخ بدقة أكثر
مما جاء في خاتمة " مستدرك الوسائل " (133) للعلامة الطبرسي وفي غيرها من المصادر
على أنه لم يأت بترجمة وافية عن كل واحد منهم وبهذا يبقى مجال البحث في هذا المضمار
أيضا مفتوحا أمام المحققين.
2 - توجد في خلال الترجمات التي كتبها المحققون في عصرنا كتصدير لكتب
الشيخ الطوسي مثل " الرجال " و " الفهرست " و " الأمالي " و " الغيبة " وغيرها من آثار الشيخ
التي طبعت لأول مرة أو كانت مسبوقة بطبع آخر، توجد مصادر كثيرة للتحقيق في حياة
الشيخ، فقد ذكر العلامة الطهراني في مقدمة التبيان 78 مصدرا، (134) وكذلك الشيخ
محمد هادي الأميني نجل العلامة الأميني نجل الأميني صاحب كتاب " الغدير " قدس الله روحه في
رسالة ألفها باسم " مصادر الدراسة عن الشيخ الطوسي " وجمع فيها المصادر حسب
المقدور مشكورا ومن أبرز هذه المصادر مقدمة رجال الطوسي ومقدمة فهرسته وكلا هما
للعلامة السيد محمد صادق آل بحر العلوم الذي قام بدوره بإخراج كثير من الآثار الرجالية في
عصرنا ونشرها بأحسن وجه جزاه الله عن الإسلام خيرا.
3 - إن أوسع البحوث حول حياة الشيخ الطوسي وزواياها تجدها في منشورات
المؤتمر الألفي للشيخ الطوسي، التي قمت أنا بجمعها وتصحيحها وتنظيمها وطبعها طي
سنين عدة، وهي تعد كنتيجة لمحاضرات وأقلام الذين شاركوا في ذلك المؤتمر العظيم
الفريد من نوعه، من علماء الإسلام ومن غير المسلمين، من الإيرانيين وغير الإيرانيين،
والذين تكلموا أو كتبوا بالفارسية والعربية أو الانكليزية أو الألمانية. ولا يتسنى لمن يريد
دراسة كاملة عن الشيخ الطوسي إلا أن يرجع إليها.
وهذا أوان الفراغ من هذا التصدير، ولله الحمد، ومنه التوفيق، وعليه التكلان،
وصلى الله على نبينا محمد وآله الأطهار.
مشهد، 6 جمادى الأولى عام 1403 ه‍
محمد واعظ زاده الخراساني

(133) - خاتمة المستدرك ص 509.
(134) - مقدمة التبيان ص أبي.
59

أهم المصادر والمراجع لهذا التصدير
1 - أحوال وآثار نصير الدين الطوسي للأستاذ محمد تقي المدرس الرضوي، بنياد فرهنگ
إيران، طهران، 1354 ه‍ ش.
2 - البداية والنهاية: للحافظ ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، ط
1، مكتبة المعارف، بيروت، 1966 م.
3 - تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي، أبي بكر أحمد بن علي، ط دار الكتاب العربي بيروت.
4 - تاريخ علوم عقلي در تمدن إسلامي: للدكتور ذبيح الله صفا، ط جامعة طهران، عام
1346 الهجري الشمسي.
5 - تاريخ عالم آراي عباسي: للإسكندر بيك تركمان، ط موسوي، طهران 1334 ه‍
ش.
6 - التمهيد في الأصول: للشيخ الطوسي، مخطوط المكتبة الرضوية، رقم 54.
7 - الجمل والعقود: للشيخ الطوسي، مع الشرح والترجمة وتحقيق النص لنا، مطبعة جامعة
مشهد، 1387 ه‍ ق - 1346 ه‍ ش.
8 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: للعلامة الحلي، الحسن بن يوسف ط 2، المطبعة
الحيدرية، النجف 1381 ه‍ 1961 - م
9 - دليل خارطة بغداد: للدكتور مصطفى جواد، والدكتور أحمد سوسة، مطبعة المجمع
العلمي العراقي، 1378 ه‍ ق - 1958 - م.
10 - الرجال: للشيخ الطوسي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1381 ه‍ 1961
- م.
11 - الرجال: لأبي العباس النجاشي أحمد بن علي بن أحمد، ط بمبئي، 1317 ه‍ ق.
60

12 - روضات الجنات: للعلامة السيد محمد باقر الأصفهاني، ط صاحب الديوان،
1307 ه‍ ق.
13 - شرح مشيخة التهذيب: للعلامة السيد حسين الخرسان، تهذيب الأحكام للشيخ
الطوسي ج 10، ط دار الكتب الإسلامية، طهران 1390 ه‍ ق.
14 - شرح مشيخة الاستبصار: للسيد حسين الخرسان، الاستبصار للشيخ الطوسي ج
3، القسم الثاني، ط 2، مطبعة النجف، النجف، 1376 ه‍ 1957 - م.
15 - شرح سقط الزند: لأبي العلاء المعري، ط دار الكتب، القاهرة 1364 - 1945 -
م.
16 - طبقات الشافعية الكبرى: لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي،
ط 1، القاهرة - 1324 ه‍ ق.
17 - طبقات المفسرين: للعلامة السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن، ط ليدن 1839 -
م أفست طهران، 1960 - م.
18 - الغيبة: للشيخ الطوسي، ط 1، إيران.
19 - الفهرست: لمحمد بن إسحاق النديم، مطبعة الاستقامة، القاهرة.
20 - الفهرست: للشيخ الطوسي، ط 2، المطبعة الحيدرية، النجف. 1380 ه‍ 1960
- م.
21 - الكامل في التاريخ: لعز الدين محمد بن محمد بن الأثير، ط المنيرية، القاهرة 1348
ه‍ ق.
22 - كشف الظنون: للكاتب الچلبي، مصطفى بن عبد الله، المشتهر بحاجي خليفة ط
وكالة المعارف، استنبول، 1360 ه‍ - 1941 - م.
23 - لسان الميزان: لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبع دائرة المعارف،
حيدر آباد - 1329 ه‍ ق.
24 - مطلع الشمس: لصنيع الدولة محمد حسن خان، ط 2، طهران.
25 - مصادر الدراسة عن الشيخ الطوسي: للعلامة الشيخ محمد هادي الأميني، ط
النجف.
26 - مقدمة بحار الأنوار: للعلامة الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي، بحار الأنوار ج 1
طبع دار الكتب الإسلامية، طهران.
61

27 - مقدمة التبيان: للعلامة الكبير الشيخ آغا بزرگ الطهراني، التبيان للشيخ الطوسي
ج 1، مطبعة العلمية، النجف الأشرف، 1376 ه‍ ق، 1957 - م.
28 - مقدمة داستان بيژن ومنيژه: لإبراهيم پور داود ط طهران 1376 ه‍ ق.
29 - مقدمة الكافي: للدكتور حسين على محفوظ، الكافي للكليني ج 1، ط دار الكتب
الإسلامية، 1357 ه‍ ق - 1334 ه‍ ش.
30 - المبسوط: للشيخ الطوسي، المطبعة الحيدرية، طهران، 1378 ه‍ ق.
31 - مستدرك الوسائل: للمحدث النوري الحسين بن محمد تقي الطبرسي، طهران،
1321 ه‍ ق.
32 - المنتظم: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ط دائرة المعارف العثمانية،
حيدر آباد دكن، 1357 ه‍ ق.
33 - نامه آستان قدس رضوي: (مجلة) طبع مشهد، 1339 ه‍ ش فما بعدها.
34 - وفيات الأعيان: لابن خلكان، أبي العباس، شمس الدين، أحمد بن محمد، مطبعة
السعادة - القاهرة - 1367 ه‍ ق - 1948 - م.
35 - الذكرى الألفية للشيخ الطوسي: جمع بإشراف محمد واعظ زاده الخراساني ثلاث
مجلدات، مطبعة جامعة مشهد، 1348 ه‍ ش إلى 1354 ه‍ ش.
62

المقدمة
في
المدخل إلى صناعة علم الكلام
إملاء:
الشيخ الإمام موفق الدين عماد الدين أبي جعفر محمد بن حسن بن علي الطوسي
رضي الله تعالى عنه (385 - 460)
63

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
رب وفق
الحمد لله رب العالمين وصلواته على نبيه محمد وعترته (2) الطاهرين.
سألتم أيدكم الله إملاء مقدمة تشتمل على ذكر الألفاظ المتداولة
بين المتكلمين وبيان أغراضهم منها فلهم مواضعات (3) مخصوصة ليست على
موجب اللغة، ومن نظر (4) في كلامهم ولا يعرف مواضعتهم، (5) لم يحظ بطائل [من
ذلك] (6) وإذا وقف على مرادهم، ثم نظر بعد ذلك في ألفاظهم، حصلت بغيته،
وتمت منيته. وأنا مجيبكم إلى ما سألتم مستعينا بالله ومتوكلا عليه وهو حسبي و
نعم الوكيل. ثم أذكر بعد ذلك حصر الأجناس التي تكلموا في إثباتها ما اتفقوا فيه
وما اختلفوا، وأذكر جملا من أحكامها، وأعقب بذكر جمل يشتمل على حقيقة
الصفات وبيان أقسامها، وكيفية استحقاقها، وبيان أحكامها على غاية من الإيجاز
والاختصار ما يصغر حجمه ويكثر نفعه (7) إنشاء الله.

(1) - ب: وبه نستعين
(2) - ب: والصلاة على خير خلقه محمد وآله.
(3) - ب: موضوعات. وفي الهامش: مواضعات
(4) - ب: في كتابهم وكلامهم
(5) - في هامش ألف: المواضعة هو أن يتوافق نفسان أو أكثر على أنهما متى قالا قولا أو فعلا فعلا أو
أحدهما فإنهما يريدان به كذا، ومثله المواطاة.
(6) - ب: مخصوص
(7) - ألف: منفعته
65

1 - فصل في ذكر أعم الأسماء الجارية بينهم وأخصها وما يتبع ذلك.
أعم (8) الأسماء في مواضعاتهم (9) قولهم " معتقد " أو " مخبر عنه " أو
" مذكور " ويعنون (10) بذلك أنه ما يصح (11) أو يعتقد (12)، أو يخبر عنه،
أو يذكر وإنما كان ذلك أعم الأسماء لأنه يقع (13) على ما هو صحيح في
نفسه، وما هو فاسد ثم بعد ذلك قولهم: معلوم، وهو أخص من الأول لأن كل معلوم
معتقد، ويصح ذكره، والخبر عنه، وليس كل ما يعتقد يكون معلوما لجواز أن يكون
الاعتقاد جهلا.
وقولهم " شئ " عند من قال بالمعدوم يجري مجرى قولهم " معلوم " ومن لم
يقل بالمعدوم يفيد عنده أنه موجود. ثم بعد ذلك قولهم: " موجود " فإنه أخص
من المعلوم، لأن المعلوم قد يكون معدوما، والموجود لا يكون إلا معلوما.
وحد الموجود، هو الثابت العين (14)، وحد المعلوم (15)، هو المنتفي العين.
وفي الناس من قال: حد الموجود ما يظهر معه مقتضى صفة النفس.
ومنهم (16) من قال: حد الموجود، ما صح التأثير به أو فيه على وجه (17).
ثم النوع فإنه أخص من الموجود، لأن الموجود يشتمل (18) على أنواع
كثير ة.

(8) - ب: هكذا في المتن. وفي الهامش: إعلم أن
(9) - ب: موضوعاتهم.
(10) - ألف: يجوز
(11) - ب: مما يصح
(12) - ب: أن يعتقد
(13) - ألف: نفع!
(14) - ب: وعلى الصحيح من المذهب ليس للموجود حد لأن الحد إنما يوضع للكشف والإيضاح
وكل كلمة يحد بها الموجود أبين منه - خ.
(15) - ب: والمعدوم. (16) - ب: وفيهم.
(17) - في هامش ألف: أراد " التأثير به " القديم تعالى، لأنه يؤثر في كل موجود، وكذلك الأعراض
يؤثر في الجواهر، وأراد " على وجه " احترازا عن القديم، لأنه لا يؤثر في الأزل لأمر يرجع إلى المقدورات
وكذلك التأثير في المعدوم ممتنع.
(18) - ب: يقع.
66

ثم الجنس فإنه أخص من النوع، لأن الجنس لا يقع الأعلى المتماثل والنوع
يقع على المتماثل والمختلف والمتضاد.
فمثال النوع، قولنا: كون، أو، لون، فإنه يقع على المتماثل والمتضاد، ومثالها
قولنا: اعتقاد، فإنه يقع على المتماثل والمختلف والمتضاد، ومثال (19) الجنس
قولنا: سواد، أو بياض (20)، فإنه لا يقع إلا على المتماثل.
2 - فصل في ذكر أقسام الموجود
الموجود ينقسم إلى قديم ومحدث، والقديم (21) هو الموجود فيما لم يزل.
هذا في عرف المتكلمين. فأما في عرف أهل اللغة فإنه يفيد كل متقدم الوجود.
ولهذا يقولون: " بناء قديم ودار قديمة ورسم قديم " (22). قال الله تعالى: حتى عاد
كالعرجون القديم.
والمحدث هو الكائن بعد أن لم يكن وإن شئت قلت هو المتجدد
الوجود وهو ينقسم إلى قسمين (23): جواهر وأعراض.
فحد (24) الجوهر ما له حيز في الوجود، وإن شئت قلت: هو ما يمنع بوجوده
من وجود مثله بحيث هو. وإن شئت قلت: هو الجزء الذي لا يتجزأ (25) وإن شئت
قلت: ما له قدر من المساحة لا يكون أقل منه.
والجواهر كلها متماثلة لا مختلف فيها ولا متضاد، وليست تدخل تحت
مقدور (26) القدر، وهي مدركة بحاسة البصر من غير مماسة لها، وبمحل الحياة
إذا جاورتها (27) والبقاء جايز عليها.
والجوهر إذا تألف مع مثله، سمي مؤلفا، فإن تألف مع أمثاله (28)
في سمت واحد، سمى خطا. وربما كان قائما، فيسمى منتصبا، وربما كان

(19) - ب: فمثال
(20) - ب: وبياض
(21) - ب: فالقديم
(22) - ب: ورسم قديم ودار قديمة
(23) - ينقسم قسمين
(24) - ب: وحد.
(25) - ب: هو ما له قدر من المساحة لا يكون أقل منه وإن شئت قلت هو الجزء الذي لا يتجزأ
(26) - ب: وليس تدخل في مقدور
(27) - ب: جاورها
(28) - ب: مع مثله
67

منبطحا فيسمى طويلا، أو عريضا. فإن تألف خطان متلاصقان، سمي (29)
سطحا، لأنه صار له طول وعرض فإن تألف مثل ذلك عمقا فيسمى (30) جسما
لأنه صار له طول وعرض وعمق. وحد الجسم هو الطويل العريض العميق بدلالة
قولهم: هذا أجسم (31)، وهذا جسيم، إذا زاد في الصفات التي ذكرناها على
غيره.
العرض ما عرض (32) في الوجود ولم يكن له لبث كلبث الأجسام، ولا
يجوز أن يقال: حد العرض ما احتاج في وجوده إلى غيره، لأن ذلك ينتقض بإرادة
القديم وكراهته عند من قال بها.
وإذا قلنا (33) تحرزا من ذلك، أنه ما احتاج في قبيله إلى المحل، انتقض بالفناء، عند من قال به، لأنه ينفي المحال، وهو عرض، فالأسلم ما
قلناه (34).
وإذا قد بينا حقيقة الجوهر والعرض، فالعالم عبارة في عرف المتكلمين
عن السماء والأرض، وما بينهما من هذين النوعين.
فأما في اللغة فهو عبارة عن العقلاء دون ما ليس بعاقل. ألا ترى أنهم يقولون:
جائني عالم من الناس ولا يقولون: جائني عالم من البقر. فعلم بذلك صحة
ما قلناه.
3 - فصل في ذكر أقسام الأعراض (35)
العرض على ضربين: ضرب لا يحتاج في وجوده إلى محل (36)، وضرب
لا بد له من محل (37).
فالأول: هو الفناء عند من أثبته، وحده ما ينتفي بوجوده الجواهر. وهو كله
متماثل (38) لا مختلف فيه، ولا متضاد، ولا يقدر عليه غير الله [عز وجل] (39) ولا

(29) - ب: يسمى
(30) - ب: يسمى
(31) - ب: أجسم من هذا
(32) - ب: فأما العرض فهو ما يعرض
(33) - ب: وإن قلنا
(34) - ب: ما قلنا
(35) - ب: أقسام العرض
(36) - ب: إلى المحل
(37) - ب: والآخر يحتاج في وجوده إلى المحل
(38) - ب: متماثلة
(39) - في ب فقط.
68

يصح عليه البقاء، ولا يصح منا إدراكه وفي كونه مدركا لله تعالى خلاف و
إرادة القديم تعالى، وكراهته عند من أثبتهما (40) وسنذكر أحكامهما.
وما يحتاج في وجوده إلى محل (41) على ضربين: أحدهما يحتاج
في وجوده إلى محلين، والآخر يحتاج إلى محل واحد.
فالأول: هو التأليف، فإنه لا يوجد في محلين. وحده ما صار به الجوهران
متألفين. وهو كله متماثل، ولا مختلف فيه (42)، ولا متضاد، ويدخل تحت
مقدور القدر ولا يصح منا فعله إلا متولدا، ولا سبب له إلا الكون الذي يسمى
مجاورة، وهو غير مدرك. ومتى تألفت الجواهر على وجه لا تضريس فيها، سمي
ما فيها من التأليف لينا، وإن كان (43) فيها تضريس، سمي خشونة. وفي جواز
البقاء على التأليف خلاف.
وما يحتاج إلى محل واحد، على ضربين:
أحدهما: لا يخلو منه الجوهر 44، والآخر يصح خلوه منه (45).
فالأول: هو الكون. فإنه لا يصح خلو الجوهر مع وجوده (46) من الكون على
حال (47).
والكون على ضربين: متماثل ومتضاد، وليس فيه مختلف، ليس
بمتضاد.
فالمتماثل ما اختص بجهة واحدة والمتضاد ما اختص بجهتين والجهة
عبارة عن اليمين، أو اليسار، أو فوق، أو أسفل، أو خلف، أو قدام، ويعبر عنها
بالمحاذاة. ومعناها إنا إذا فرضنا آجرة على أربع زواياها أربع نملات، ثم توهمنا
عدم الآجرة وبقاء النمل، لكانت النمل بحيث لو أعاد الله الآجرة، لكانت النمل
على أربع زواياها. فهذا معنا قولنا: محاذاة أو جهة.
واعلم. أن الكون يقع على وجوه، فيختلف عليه الاسم. فإذا وجد ابتداء

(40) - ألف: أثبتها
(41) - ب: إلى المحل
(42) - ب: لا مختلف فيه
(43) - ب: وإذا كان
(44) - ب: الجواهر
(45) - ب: منها
(46) - ب: خلو الجواهر مع وجودها
(47) - ب - ح. وتحيزه يقتضي ذلك
69

في أول حال وجود الجوهر، تسمى كونا لا غير فإذا وجد عقيب غيره، فهو على
ضربين: أحدهما يوجد عقيب مثله، فيسمى (48) سكونا. والآخر يوجد عقيب ضده،
فيسمى حركة، ويسمى نقلة وزوالا أيضا. والكون المبتدأ إذا بقي، وكذلك
الحركة إذا بقيت، سميا سكونين عند من قال ببقاء الأكوان ومتى وجد الجوهر
منفردا، سمى ما فيه كونا لا غير، فإن وجد معه جوهر آخر، فإن كان متلاصقا له، سمى ما فيهما من الكونين مجاورة. وإن لم يكن الجوهران متلاصقين، وكان بينهما
بعد [سمى] (49) ما فيهما مفارقة.
وأما الاجتماع، فمن الناس من قال: هو عبارة عن المجاورة. ومنهم من
قال، هو عبارة عن التأليف والأكوان على اختلافهما وتماثلها في مقدورها (50). و
يصح منا فعلها مباشرا ومتولدا وفي جواز البقاء عليها وكونها مدركة، خلاف. ولنا فيه
نظر والكون إذا كان مجاورة ولد التأليف وقد بينا حقيقته. وإن (51) تألفت
الجواهر في خط واحد، سمى ما فيها من التأليف طولا أو عرضا بحسب ما يضاف
إليه.
وأما ما يجوز خلو الجوهر (52) منه مما يحتاج إلى المحل، فعلى ضربين:
أحدهما يحتاج في وجوده إلى المحل لا غير، والآخر يحتاج إلى بنية زائدة على
وجود المحل.
فالأول: مثل الألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة
والاعتماد والصوت وجنس الآلام عند من أجاز وجودها (53) في الجماد.
وأما (54) الألوان فعلى ضربين: متماثل ومتضاد، وليس فيها مختلف
ليس بمتضاد.
فالمتماثل، مثل السواد والبياض (55)، فإن كل جنس منهما متماثل، و
هو ضد للجنس الآخر. وليس شئ منها في مقدورنا. وفي جواز البقاء عليها خلاف.
وهي مدركة بحاسة البصر في محلها.

(48) - ب: يسمى
(49) - في ألف فقط.
(50) - ب: في مقدورنا
(51) - ب: فإن
(52) - الجواهر
(53) - ب وجنس الألم عند من أجاز وجوده
(54) - ب: فأما
(55) - ب: أو البياض
70

وأما الطعوم والأراييح، فمثل الألوان في أنها مختلفة ومتماثلة ومختلفها
كلها (56) متضاد، وليس شئ منها في مقدورنا. وفي بقائهما خلاف.
وهما مدركان: أما الطعم فبحاسة الذوق، وأما الرائحة فبحاسة الشم (57) و
من شرط إدراكها مماسة محلها للحاسة (58).
وأما الحرارة فكلها متماثلة، وليس فيها مختلف ولا متضاد. وكذلك
البرودة. وكل واحد منهما يضاد صاحبة. وهما يدركان (59) بمحل الحياة في
محلهما بشرط المماسة. وفي جواز بقائهما خلاف.
وأما الرطوبة، فكلها متماثل (60)، وكذلك اليبوسة، وليس فيها (61)
مختلف. ولا متضاد، وكل جنس منهما يضاد صاحبه. وليس شئ من هذه الأجناس
في مقدورنا وفي بقائهما خلاف، وفي كونهما مدركين أيضا خلاف.
وأما الاعتماد (62) فعلى ضربين: متماثل ومختلف:
فالمتماثل ما اختص بجهة واحدة، والمختلف ما اختص بجهتين. وليس
فيه متضاد. وعدد إجناسه ستة بعدد الجهات. ويصح على ما يختص بجهة السفل
البقاء إذا صادف حدوثه حدوث الرطوبة عند من قال ببقائه، وعلى ما يختص
بجهة العلو إذا صادف حدوثه حدوث اليبوسة والأجناس الأخر لا يصح عليه البقاء
بلا خلاف. وهي أجمع (63) في مقدورنا، ويصح منا فعلها مباشرا ومتولدا.
والاعتماد يولد على وجهين: أحدهما في جهته والآخر في غير جهته (64)،
فما يولد (65) في جهته، على ضربين: أحدهما يولد بشرط والآخر يولد بغير
شرط (66).

(56) - ب: في أنه مختلف ومتماثل ومختلفه كله
(57) - ب: أما الطعوم بحاسة الذوق والأراييح بحاسة الشم
(58) - ب: ومن شرط إدراكهما مماسة محلهما للحاسة
(59) - ب: وهما مدركان
(60) - ب: فكلها متماثلة
(61) - ب: وليس فيهما مختلف
(62) - ب: فأما الاعتماد
(63) - ألف: وهما اجتمع!
(64) ب: أحدهما يولد في جهته والآخر في خلاف جهته
(65) - ب: وما يولد
(66) - ب: أحدهما يولده بشرط والآخر يولده من غير شرط
71

والذي يولده بشرط، الصوت، فإنه لا يولده إلا بشرط (67) المصاكة.
مما يولده (68) من غير شرط فالكون واعتماد آخر، إلا أنه لا يولدهما إلا بعد أن يكون محلا (69) في حكم المدافع لما يلاقيه. فمتى (70) خرج من أن يكون
في حكم المدافع، إما بالتسكين حالا بعد حال، أو التعليق له أن يكون (71) في
ذلك المحل اعتماد آخر في خلاف جهته يكافئه فإنه لا يولد على حال ومتى لم
يحصل في المحل أحد ما ذكرناه، ولد.
وما يولد (72) في خلاف جهته، فلا يولده إلا بشرط المصاكة وهو
الاعتماد والكون والصوت. لأنه لا يولد هذه الأجناس في خلاف جهته إلا بشرط
المصاكة. ومتى ولد الاعتماد اعتمادا آخر، فلا بد من أن يولد (73) معه الكون
أيضا. وكذلك لا يولد الكون إلا ويولد معه الاعتماد. والاعتماد يولد الحركة في محله وغير محله.
ولا يولد السكون في محله، وإنما يولده في غير محله. ولا يولده إلا أن يكون ممنوعا
من توليد الحركة في غير محله. والاعتماد غير مدرك (74) بشئ من الحواس على
خلاف فيه والاعتماد اللازم سفلا يسمى ثقلا (75)، وما يختص بجهة العلو يسمى
خفة. ويعبر عما لا اعتماد فيه (76) أصلا بأنه خفيف. وفي الناس من قال: إن
الثقل (77) يرجع إلى تزايد الجواهر، وأن الخفة يرجع (78) إلى تناقصها.
وأما الصوت فعلى ضربين: متماثل ومختلف، ومختلفه هل هو متضاد
أم لا، فيه خلاف. وفيه نظر. وهو في مقدورنا، ولا يمكننا أن نفعله إلا متولدا.
والكلام هو ما انتظم (79) من حرفين فصاعدا من الحروف المعقولة إذا وقع
ممن يصح منه، أو من قبيله الإفادة.

(67) - ب: لا يولد إلا بشرط
(68) - ب: وما يولده
(69) - ب: أن يكون محله
(70) - ب: ومتى
(71) - ب: أو بالتعليق أو بأن يكون
(72) - ب: وما يولده
(73) - ب: أن يولده
(74) - ب: والاعتمادات غير مدركة
(75) - ألف: نقلا!
(76) - ألف: عما الاعتماد فيه!
(77) - ألف: النقل!
(78) - ألف: والخفيفة ترجع
(79) - ب: ما هو انتظم
72

والمتكلم هو من وقع منه ما سميناه (80) كلاما بحسب دواعيه
وأحواله (81) وإنما ذكرناه (82) هاهنا، لأن الحروف هي الأصوات المقطعة.
والحروف على ضربين: متماثل ومختلف (83). وفي تضاد مختلفها (84)
نظر كما قلناه في الصوت.
ولا يجوز على الصوت البقاء بلا خلاف. وهو مدرك بحاسة السمع في محله
من غير شرط مماسة محله للحاسة وأما الضرب الآخر من الأعراض التي تحتاج إلى
أمر زايد على المحل. ولا بد له من بنية مخصوصة حتى يصح وجوده فيها، فهو (85)
على ضربين: أحدهما أنه لا بد أن يوجد في كل جزء من تلك البنية أجزاء مثله
حتى يصح وجوده في بعض، والآخر لا يجب ذلك فيه (86) بل لا يمنع إذا كانت
البينة حاصلة أن يوجد في بعض البنية دون بعض، فالأول هو الحياة، فإنها لا تصح
أن توجد فيما هو بنية الحياة إلا بأن توجد (87) في كل جزء من تلك البنية حياة.
ولا يجوز في بعض البنية دون بعض (88).
والحياة (89) جنس واحد متماثل كله ليس فيه مختلف ولا متضاد، ولا
يدخل تحت مقدور القدر وهي غير مدركة أصلا.
والقسم الآخر هو ما لا يصح وجوده إلا في بنية الحياة، إذا كانت الحياة
موجودة فيها وكل (90) ما يختص الحي من المعاني، فهو (91) على ضربين: ضرب
يكفي في وجوده (92) محل الحياة من غير زيادة عليه، وهو الألم عند من قال: إن
جنسه لا يصح وجوده في الجماد. فإن عنده يكفي في صحة وجوده محل الحياة وهو
كله متماثل، ليس فيه مختلف، ولا متضادة وهو في مقدورنا، غير أنه لا يمكننا
فعله إلا متولدا، وسببه تفرقة الأجزاء التي فيها حياة، وإبطال الصحة منها و
أنه (93) يولد عند ذلك الألم. والقديم تعالى يصح أن يفعله مبتدأ ومتولدا، و
نفس ما يقع ألما، يصح أن يقع لذة بأن يصادف شهوة له ومتى صادف نفارا كان

(80) - ب: هو ما سميناه
(81) - ب: بحسب قصده ودواعيه وأحواله
(82) - ب: وإنما ذكرنا
(83) - ألف: والحروف متماثل ومختلف
(84) - ب: مختلفة
(85) - ب: وهو
(86) - ألف: ذلك
(87) - ب: بأن يوجد
(88) - ب: دون البعض
(89) ألف: الحياة
(90) - ب: وهو كل
(91) - ب: وهو
(92) - ب في صحة وجوده
(93) - ب: فإنه
73

ألما. ولا يصح على الألم البقاء بلا خلاف، وهو مدرك بمحل الحياة في محلها.
والقدرة (94) فيها خلاف: فإن في الناس من يقول: وجودها يحتاج إلى
أمر زايد علي بنية الحياة من الصلابة، وغير ذلك، ولا يصح وجودها في مجرد بنية
الحياة، ومنهم من قال: إن ذلك أنما يحتاج إليه لتزايدها، لا لوجود شئ منها. و
في ذلك نظر والقدر كلها مختلفة ليس (95) فيها متماثل ولا متضاد ولا يدخل تحت
مقدور القدر، ولا يجوز عليها الاشتراك (96) وفي بقائها خلاف. والضرب الآخر:
يحتاج إلى بنية زائدة علي بنية الحياة، مثل بنية القلب، وهو جميع أفعال القلوب
من الاعتقادات والظنون والإرادات والكراهات (97) والنظر والشهوة والنفار
والتمني لو كان معنى.
فأما الاعتقادات ففيها متماثل ومختلف ومتضاد:
فالمتماثل ما تعلق بمتعلق (98) واحد على وجه واحد في وقت واحد على
طريقة واحدة، فهي شئ من هذه الأوصاف الأربعة، مثل أن يتغاير المعتقدان، أو يتغاير (99) وجوههما، أو يختلف وقتهما، وكان أحدهما على طريق الجملة،
والآخر على طريق التفصيل، كان الاعتقادان مختلفين.
وأما (100) المتضاد فهو ما جمع الشروط الأربعة، وكان بالعكس من
متعلق صاحبه، فإنه يكون ضدا له. وقد يقع الاعتقاد على وجه فيكون علما، وهو
إذا كان معتقده على ما تناوله الاعتقاد مع سكون النفس. ولأجل ذلك يحد العلم
بأنه ما اقتضى (101) سكون النفس. ونعني (102) بسكون النفس: إنه (103) متى
شكك فيما (104) يعتقده لا يشك، ويمكنه دفع ما يورد عليه من الشبهة.
والمعرفة هو العلم عينا (105) ومتى خلا الاعتقاد من سكون النفس، وإن
كان معتقده على ما تناوله، فإنه لا يكون علما، بل ربما يكون تقليدا أو تنحيتا.
وأما الجهل، فهو الاعتقاد الذي لا يكون معتقده على ما تناوله (106). و

(94) - ب: والقدر
(95) - ب: وليس
(96) - ب: الإدراك.
(97) - ألف: والكرامات!
(98) - ب: بمعتقد، وفي الهامش بمتعلق
(99) - ب: أو تغاير
(100) - ب: فأما
(101) - ب: ألف: بأنه اقتضى
(102) - ب: ويعني
(103) - ب: هو أنه
(104) - ب: ألف: شكل!
(105) - ب: والمعرفة عينا
(106) - ب: ما يتناوله
74

في جواز البقاء على جنس الاعتقاد خلاف والصحيح أنه لا يجوز عليه البقاء و
جميع أنواع الاعتقاد في مقدورنا، ويصح منا أن نفعله متولدا ومباشرا. إلا أن ما
نفعله متولدا لا يكون إلا علما. ولا سبب له إلا النظر.
ومن شرطه أن يكون الناظر عالما بالدليل على الوجه الذي يدل، حتى
يولد نظره العلم. فمتى لم يكن كذلك كان نظره لا يولد العلم. والنظر لا يولد الجهل
أصلا ولا اعتقادا ليس بجهل ولا علم، سواء كان النظر في دليل أو شبهة. وإنما
يفعله الواحد منا ذلك مبتدأ ومتى تعلق الاعتقاد بوصول ضرر إليه، أو فوت منفعة
عنه، سمى غما ومتى (107) تعلق بوصول منفعة إليه، أو دفع ضرر عنه سمى
سرورا.
وأما الظن فهو ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على خلافه. وليس من الاعتقادات (108) والظن فيه متماثل (109) و
مختلف ومتضاد.
فالمتماثل منه ما تعلق بمظنون واحد في وقت واحد و
طريقة واحدة. فمتى اختل شئ من هذه الأوصاف، كان مختلفا. ومتى كان
بالعكس من متعلق صاحبه مع الشرايط التي ذكرناها، كانا متضادين (110) وقد
يضاد الظن العلم والاعتقاد بالشرائط الذي قدمنا ذكرها، كما يضاد ظنا آخر. ولا
يصح على الظن البقاء. والظن على اختلافه وتماثله وتضاده في مقدورنا.
ولا يصح أن نفعله إلا مبتدأ، لأنه لا سبب له يولده، إلا أنه لا يكون له
حكم، إلا إذا كان حاصلا عند أمارة.
وأما النظر فهو الفكر والاعتبار، وهو على ضربين: متماثل ومختلف
وليس فيه متضاد. (111)
فأما المتماثل فهو ما تعلق (112) بشئ واحد على وجه واحد، في وقت
واحد، وطريقة واحدة. ومتى اختل شئ من هذه الشرايط (113)، كان مختلفا. و

(107) - ب: وإذا
(108) - ب: على الصحيح من المذهب وفي الناس من قال إنه من قبيل الاعتقادات.
(109) - ب: والظن متماثل
(110) - ب: كان متضادا
(111) - ب: تضاد
(112) - ب: فالمتماثل ما تعلق
(113) - ب: هذه الأوصاف
75

هو في مقدورنا، ولا يصح عليه البقاء بلا خلاف.
وأما الإرادات فعلى ضربين: متماثل ومختلف، وليس فيها متضاد.
فالمتماثل ما تعلق بمراد واحد على وجه واحد، في وقت واحد، وطريقة واحدة. و
متى اختل شئ من هذه الأوصاف، كان مختلفا.
والإرادة تضاد الكراهة [بهذه الشروط الأربعة إذا كانت متعلقة، بالعكس من
متعلق الإرادة] (114). وتعلق الإرادة لا يكون إلا بالحدوث، و [وكذلك (115)]
تعلق الكراهة لا يكون إلا بالحدوث والكراهة مثل الإرادة في أن فيها مختلفا و
متماثلا. وليس في نوعها متضاد، بل هي تضاد الإرادة على الشرايط التي ذكرناها.
والإرادة والكراهة جميعا في مقدورنا، ونفعلهما مبتدأ، لأنه لا سبب لهما
يولد هما. ولا يصح عليهما البقاء بلا خلاف. والإرادة والمشية عبارتان عن أمر
واحد، وتقع الإرادة على وجوه فيختلف عليها الاسم، وكذلك الكراهة.
والإرادة إما أن يتعلق بفعل غير المريد [أو تتعلق بفعل المريد] (116): فإن تعلقت
بفعل غير المريد، فإنها تسمى إرادة لا غير وتوصف أيضا بأنها رضى غير أنها
لا توصف بذلك إلا إذا وقع مرادها. ولا تتوسط بينهما وبين الفعل كراهة. لأن من
أراد من غيره شيئا ثم كرهه، ووجد الفعل، فإن الإرادة المتقدمة لا توصف بأنها
رضى. ومتى تعلقت بمنافع تصل إلى الغير، سميت محبة. وإذا تعلقت. بمضار.
تلحق الغير، سميت (117) بغضا وكذلك تسمى الكراهة لوصول المنافع إلى الغير،
بأنها (118) بغض، وتسمى كراهة وصول مضرة إليه بأنها محبة. ومتى تعلقت
بعقاب تصل إلى الغير ولعنة سميت غضبا. وليس الغضب تغير حال للغضبان بل
هو ما قلناه. ومتى كانت الإرادة متعلقة بفعل المريد، فإن تقدمت عليه إن كان
مبتدأ أو على سببه (119) إن كان مسببا، وكانت الإرادة من فعله، سميت عزما و
توطينا للنفس.
وإن كانت الإرادة مصاحبة للفعل، سميت قصدا واختيارا وإيثارا ولا
يسمى بذلك إلا إذا كانت من فعل المريد. وقد تسمى قصدا وإن تقدمت الفعل.

(114) - في ب فقط.
(115) - في ب فقط.
(116) - في ب فقط.
(117) - ب: فسمى
(118) - ألف: فإنها
(119) - ب: أو بسببه
76

وشروط كونها قصدا، شروط (120) كونها إيثارا، واختيارا، وهي زوال الإلجاء
وحصول التحية.
ومتى كانت الإرادة في القلب ومفعولة به وصفت (121) بأنها نية وانطواء و
ضمير.
وأما الكراهة فتسمى أيضا سخطا إذا تعلقت بفعل القبيح من المكلف غير أنها لا يوصف بذلك إلا إذا وقع ما كرهه.
وأما الشهوة والنفار، فكل واحد منهما فيه متماثل ومختلف، ولا متضاد
فيهما.
فالمتماثل منه ما تعلق بشئ واحد، والمختلف ما تعلق بشيئين وكل واحد
من الشهوة والنفار يضاد صاحبه إذا كان متعلقهما واحدا. وتعلق كل واحد منهما
بالعكس من تعلق صاحبه. ولا يتعلقان إلا بالمدركات. ولا يجوز عليهما البقاء،
وليسا في مقدور العباد.
وأما (122) التمني فالصحيح فيه أنه من جنس الكلام، وقد بينا أن
الكلام جنسه الصوت، وأنه يقع على المتماثل والمختلف وليس فيه متضاد.
ولو كان معنى في القلب لكان أيضا متماثلا ومختلفا، ولا متضاد فيه.
وحقيقة التمني هو قول القائل لما كان " ليته لم يكن " أو لما لم يكن
" ليت أنه كان ". وجميع أفعال القلوب لا خلاف بين أهل العدل في أنها غير
مدركة بشئ من الحواس أصلا. وشك المرتضى (123) في جواز رؤيتها. فهذه
الأجناس التي ذكرناها من الأعراض لا خلاف فيها، إلا التأليف والفناء فإن فيهما
خلافا. وهيهنا أمور آخر فيها خلاف، وهي على ضربين:
أحدهما يختص المحل، والثاني يختص الحي.
فما يختص المحل أشياء:
منها: الحدوث، فإن في الناس من قال: إنه معنى يكون به الجوهر محدثا.
ومنه البقاء. وفيه خلاف بين البغداديين والبصريين.

(120) - ب: وشروط
(121) - ب: وصف
(122) - ب: فأما
(123) - ب: وتوقف السيد المرتضى علم الهدى ذو المجدين قدس الله روحه. خ ل
77

ومنها الخشونة واللين. وأن في الناس من قال إنهما معنيان. والبصريون
ذهبوا إلى أنهما كيفية في التأليف على ما بيناه فيما مضى.
ومنها الكلام، ومن الناس من ذهب إلى أنه جنس مخالف للصوت. ثم
اختلفوا.
فمنهم من قال إنه يحتاج إلى بنية مخصوصة وإلى وجود صوت في محله، و
جوز عليه البقاء وأن يوجد في محال كثيرة.
ومنهم من قال: لا يصح وجوده إلا في الحي وهو يوجب حالا له. والصحيح
ما قدمناه.
ومنها الدهنية والدسنية والزنبقية (125) والصلابة، فإن في الناس من
قال: هي معان، ومنهم من قال: هذه كيفيات في الرطوبات واليبوسات و
ما يختص البنية، فنحو الموت، فإن فيه خلافا. وما يختص الحي نحو العجز
والإدراك والسرور والغم والمحبة والرضا والغضب والبغض والعزم وتوطين النفس،
فإن في الناس من قال: إنها معان زايدة على ما قدمناه.
وجميع ما قدمناه من المعاني المتفق عليها على ضربين: أحدهما يوجب
حالا عند من قال بالأحوال، والآخر لا يوجب حالا فما يوجب حالا على ضربين:
أحدهما يوجب حالا للمحل، والآخر يوجب حالا للجملة، فما لا يوجب حالا
في المحل (126) فكل ما لا يختص الحي إلا الكون، فإنه يوجب (127) حالا
للمحل. وما عداه لا يوجب حالا. وهو على ضربين: أحدهما يوجب حكما لمحله،
والآخر لا يوجب ذلك، فالأول هو التأليف، إذا كان التزاقا، والاعتمادات. وما
لا يوجب حكما ما عدا ما ذكرناه، وهو (128) الطعوم والأراييح والحرارة والبرودة و
الألوان والأصوات والآلام. (129) وكل ما يختص الحي، فإنه يوجب حالا (130)
عند من قال بالأحوال.
والأعراض على ضربين: أحدهما له تعلق بالغير، والآخر لا تعلق له.

(125) - ب: والد سمية والذنبقية.
(126) - ب: للمحل.
(127) - ب: فإنه ذلك حالا. كذا.
(128) - ب: وهي.
(129) - ب: والفناء - خ.
(130) - ب: حالا له.
78

فالأول كل ما يختص الجملة، فإن له تعلقا، إلا الحياة فإنه لا تعلق لها، والآخر
مالا يختص الحي فإنه لا تعلق له.
وما له تعلق على ضربين: أحدهما في قبيلة ما لا متعلق له على خلاف
فيه، وهو الاعتقادات والظنون والإرادات والكراهات والنظر. فإن الاعتقاد متى تعلق
بوجود البقاء أو نفى ثان القديم، فإن على مذهب بعضهم لا متعلق له (131) وقال
المرتضى [رحمه الله] (132): إن له متعلقا. وهو هذا النفي أو الإثبات (133) و
إنما لا يوصف بأنه موجود أو معدوم. والقول فيما عدا الاعتقاد مثل القول فيه والآخر
لا بد له من متعلق، وهو القدرة والعجز. ولو كان معنى، والشهوة والنفار.
وهذه المتعلقات بأغيارها على ضربين: أحدهما يتعلق بعين (134) واحدة
تفصيلا من غير تجاوز له، والآخر يتعلق بما لا يتناهى.
فالأول مثل الاعتقاد والظن والإرادة والكراهة والنظر، والآخر الشهوة
[والنفار والقدرة والعجز لو كان معنى وينقسم] (135) قسمين آخرين: أحدهما يتعلق
بمتعلقه على الجملة والتفصيل [والآخر لا يتعلق إلا على طريق التفصيل] (136)
فالأول هو الاعتقادات والإرادات والكراهات (137) والنظر والظن، والثاني القدرة
والعجز والشهوة والنفار.
4 - فصل في ذكر حقيقة الصفات وأقسامها وبيان أحكامها
الصفة هي قول الواصف، وهي والصف (138) بمعنى، وهما مصدران،
يقولون (139): وصفت الشئ أصفه صفا وصفة (140) في وزن زنة ووزن، وعدة
ووعد، هذا في أصل اللغة وأما (141) في عرف المتكلمين، فإنهم قد يعبرون
بالصفة عن الأمر الذي يكون عليه الموصوف، وربما سموا ذلك حالا وربما امتنعوا

(131) - ب: لا تعلق له.
(132) - في ب فقط.
(133) - ب: والإثبات.
(134) - ألف: بغير!
(135) - في ب فقط
(136) - في ب فقط.
(137) - ألف: والكراهات والإرادات.
(138) - ألف وهي الوصف.
(139) - ب: ألف: يقول!
(140) - ب: أصفه صفة ووصفا
(141) - ب: فأما.
79

منه (142) على خلاف بينهم.
والصفات على ضربين: واجبة وجائزة (143).
فالواجب على ضربين: أحدهما يجب بلا شرط (144) على الإطلاق،
والثاني يجب بشرط. فما يحب بالإطلاق، فهي صفات النفس، مثل كون الجوهر
جواهرا، والسواد سوادا [والبياض بياضا] (145) وغير ذلك من الأجناس وهذه
الصفات تحصل في حال العدم وحال الوجود عند من قال بالمعدوم، ومن لم يقل
بالمعدوم، فإنها عنده تلزم مع الوجود.
وما يجب بشرط، على ضربين: أحدهما بشرط وجود الموصوف،
[لا غير] (146) والثاني يجب عند حصول شرط (147) منفصل عنه. فالأول مثل
كون الجوهر متحيزا، والسواد قابضا للبصر، والبياض ناشرا له، وتعلق ما يتعلق بالغير.
وتسمى هذه الصفات مقتضى صفة النفس عند من قال بالمعدوم. ومن لم يقل
بذلك يسميها صفة النفس. ولا بد من حصول هذه الصفات مع وجوده (148).
وما يجب عند وجود شرط منفصل وكون المدرك مدركا، فإنه لا يحصل إلا
عند وجود المدرك وتسمى هذه الصفة لا للنفس ولا للمعنى عند من أسندها إلى كونه
حيا، ومن أسندها إلى معنى جعلها من صفات العلل.
وأما الجائزة فعلى ضربين: أحدهما يتعلق بالفاعل، والآخر يتعلق
بالمعنى.
فما يتعلق بالفاعل على ضربين: أحدهما يتعلق بكونه (149) قادرا،
وهو الحدوث لا غير، والآخر يتعلق (150) بصفات له آخر، مثل كونه عالما ومريدا و
كارها، وذلك مثل كون الفعل [محكما] (151) وكونه واقعا على وجه دون وجه،
وكون الكلام خبرا، أو أمرا، أو نهيا (152).

(142) - ب: وربما امتنعوا عنه.
(143) - ب: جائزة وواجبة.
(144) - ألف: على شرط!
(145) - في ب فقط.
(146) - في ب فقط.
(147) - ب: عند حصوله بشرط.
(148) - ألف: مع الوجود.
(149) - ألف: بكونها!
(150) - ألف: ولا يتعلق!
(151) - في ب فقط.
(152) - ب: خبرا وأمرا ونهيا.
80

وما يتعلق بالمعنى فقسم واحد، وهو كل صفة يتجدد على الذات في حال
بقائها (153) مع جواز أن لا يتجدد أحوالها (154) على ما كانت عليه، فإنها لا يكون
إلا معنوية.
والصفات على ضربين:
أحدهما يرجع إلى الآحاد كما يرجع إلى الجمل، والثاني لا يرجع إلا إلى
الجمل. فما يرجع إلى الآحاد مثل صفات النفس: ككون الجوهر جواهرا، والسواد
سوادا فإنه يستحق هذه الصفات الآحاد كما تستحقها الجمل (155)، ومثل الوجود،
فإنه يوصف به كل جزء كما يوصف به الجمل وما أشبه ذلك.
وأما ما يرجع إلى الجمل فعلى ضربين: أحدهما يرجع إلى الجملة لشئ
يرجع إلى المواضعة، والآخر يرجع إليها، لأن رجوعها إلى الآحاد مستحيل. فالأول
مثل كون الكلام خبرا أو أمرا أو نهيا (156) فإن هذه الصفات ترجع إلى الجمل لشئ
يرجع إلى المواضعة لا أنه يستحيل ذلك فيه.
والثاني ما لا يوصف به إلا الحي، وذلك نحو قولنا: حي وقادر وعالم و
معتقد ومريد وكاره ومدرك وسميع وبصير وغني وناظر وظان ومشهي ونافر.
وكل صفة من الصفات، فلا بد لها من حكم ذاتية كانت أو معنوية:
فحكم صفة النفس أن يماثل بها الموصوف ما يماثله، ويخالف
ما يخالفه (157) ويضاد ما يضاده:
فالمثلان (158) ما سد أحدهما مسد صاحبه، وقام مقامه فيما يرجع إلى
ذاتهما. والمختلفان ما لا يسد أحدهما مسد صاحبه، ولا يقوم مقامه فيما يرجع إلى
ذاتهما. والضدان: ما كان كل واحد منهما بالعكس من صفة صاحبه فيما يرجع إلى
ذاتهما.
والتضاد على ثلاثة أضرب: تضاد على الوجود، وتضاد على المحل، وتضاد
على الجملة: فالتضاد على الوجود هو تضاد الفناء والجواهر، والتضاد على المحل هو

(153) - ألف: بقائه:
(154) - ب: وأحوالها!
(155) - ألف: يستحق.
(156) - ب: خبرا وأمرا ونهيا.
(157) - ألف: مماثلة ويخالف مخالفة!
(158) - ألف: فالمتماثل.
81

تضاد حركة والسكون والسواد والبياض وما شاكل ذلك. والتضاد على الجملة
مثل تضاد القدرة والعجز عند من أثبته معنى، وتضاد العلم والجهل، والإرادة
والكراهة والشهوة والنفار.
وحكم مقتضى صفة النفس أما التحيز (159) فحكمه صحة التنقل (160)
في الجهات، واحتمال الأعراض (161). وحكم ما له تعلق وهو التعلق المخصوص
الذي يحصل للاعتقاد (162)، أو الظن، أو الإرادة والكراهة.
وحكم الوجود هو ظهور مقتضى صفة النفس معه، وإن شئت قلت: إنه ما
يصح التأثير به أو فيه على وجه.
وحكم الحي أن لا يستحيل أن يكون عالما قادرا.
وحكم القادر صحة الفعل منه على بعض الوجوه.
وحكم العالم، صحة أحكام ما وصف بالقدرة عليه إما تحقيقا أو تقديرا.
وحكم المريد هو صحة تأثير أحد الوجهين الذين يجوز أن يقع عليهما الفعل
تحقيقا أو تقديرا، وكذلك حكم كونه كارها.
فأما (163) السميع والبصير فإنهما يرجعان إلى كونه حيا لا آفة به، وحكم
كونه حيا [لا آفة به] (164) حكمها، فمعناهما أنه ممن يجب أن يسمع المسموعات
ويبصر المبصرات إذ وجدا (165) فأما السامع والمبصر فهو المدرك.
وحكم كون المدرك مدركا، هو حكم كونه حيا، لأنه كالجزء منه. وقيل إن حكمه أن الغنى والحاجة يتعاقبان عليه، لأن الغني هو الذي أدرك ما لا يحتاج
إليه. وقيل إن حكمه على الواحد (166) منا أن يحصل عنده العلم بالمدرك على

(159) - ب: أما التحير!
(160) - ب: التنفل!
(161) - ألف: العرض
(162) - ب: يحصل الاعتقاد.
(163) - ب: وأما.
(164) - في ب فقط.
(165) - ألف: إذا وجدنا!
(166) - ب: في الواحد
82

طريق التفصيل.
فأما الشام والذائق فمعناهما أنه قرب [جسم] (167) المشموم والمذوق
إلى حاسة (168) الشم والذوق، وليس معناهما أنه (169) مدرك.
وأما الغني فهو الحي الذي ليس بمحتاج، فهو راجع إلى النفي.
وأما حكم الشهوة فهو أن يجعل المشتهى لذة.
وحكم النفار أن يجعله ألما.
وحكم الظن أن يقوى عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه أن يكون على خلافه.
وحكم الناظر أن يؤثر في الاعتقاد الذي يتولد عن النظر فيجعله علما.
5 - فصل في ذكر مائية العقل وجمل (170) من قضاياه وبيان
معنى الأدلة وما يتبع ذلك.
[اعلم أن] (171) العقل عبارة عن مجموع علوم إذا اجتمعت سميت (172)
عفلا: مثل العلم بوجوب واجبات كثيرة: مثل رد الوديعة، وشكر المنعم،
والإنصاف، وقبح قبائح كثيرة: مثل الظلم والكذب والعبث، وحسن كثير
من المحسنات: مثل العدل (173) والإحسان والصدق، ومثل العلم بقصد
المخاطبين وتعلق الفعل بالفاعل ومثل العلم بالمدركات مع ارتفاع الموانع وزوال
اللبس، وغير ذلك.
وسميت هذه العلوم عقلا لأمرين:
أحدهما، أن يكون لمكانها يمتنع من القبائح العقلية، ويفعل لها واجباتها
تشبيها بعقال الناقة، والثاني أن العلوم الاستدلالية لا يصح حصولها إلا بعد تقدمها،
فهي مرتبطة (174) بها، فسميت عقلا تشبيها أيضا بعقال الناقة.

(167) - في ب فقط.
(168) - ب: حاستي.
(169) - ألف: لأنه!
(170) - ب: وجملة.
(171) - في ب فقط
(172) - ألف: سمي.
(173) - ب: مثل التفضل.
(174) - ألف: مرطبة!
83

قضايا العقول ثلاثة: واجب وجايز ومستحيل.
فالواجب لا بد من حصوله على كل حال، مثل وجود القديم في الأزل، و
مثل صفات الأجناس وغير ذلك. والجائز هو ما يجوز حصوله وأن لا يحصل. وهو
جميع الأمور المتجددة، فإنها يجوز أن لا يتجدد، إما بأن لا يختارها فاعلها أو لا يختار
ما يوجبها.
والمستحيل هو الذي لا يجوز حصوله على وجه، مثل انقلاب صفات
الأجناس، ومثل اجتماع الضدين على وجه يتضادان، وكون الجسمين في مكان
واحد في وقت واحد، وكون الجسم الواحد في مكانين في حالة واحدة.
والموجبات على ضربين: معنى، وصفة.
فالمعنى على ضربين: أحدهما يوجب صفة لغيره، فيسمى علة، والآخر
يوجب ذاتا آخر فيسمى سببا. وفي الناس من يسمى السبب علة، والعلة معنى.
والصفة على ضربين: أحدهما يوجب صفة بشرط الوجود فيسمى تلك
صفة الذات. والأخرى يوجب صفة أخرى بشرط أمر منفصل فيسمى مقتضيا وذلك
نحو كون الحي حيا، فإنه يقتضي كونه مدركا بشرط وجود المدرك، وربما عبر
عن صفة الذات بأنها مقتضية أيضا.
والحق هو ما علم صحته سواء علم ذلك بدليل، أو بغير دليل.
والصحيح هو الحق بعينه.
والباطل هو ما علم فساده.
والفاسد هو الباطل بعينه.
والحجة هي الدلالة، ويسمى أيضا برهانا.
والدلالة ما أمكن الاستدلال بها مع قصد فاعلها إلى ذلك. وتسمى
الشهبة دلالة مجازا. والدال من فعل الدلالة. والمدلول هو الذي نصبت له الدلالة و
المدلول عليه هو الحكم المطلوب بالدلالة. والدليل هو فاعل الدلالة، وربما عبر
بالدليل عن الدلالة.
والاستدلال يعبر به عن شيئين: أحدهما عن طلب الدلالة، والآخر عن
النظر في الدلالة طلبا لما يفضي إليه.
والمستدل هو الناظر، والمستدل به هو الدلالة، والمستدل عليه هو
84

الحكم المطلوب ولا يطلق على شئ من هذه الألفاظ إلا بعد حصول الاستدلال.
والأمارة ما يقتضي غلبة الظن بضرب من اعتبار العادة وغير ذلك، و
ليست موجبة للظن.
والشهبة ما يتصور بصورة الدلالة، ولا يكون كذلك.
والمحل لا يكون إلا جوهرا، والحال لا يكون إلا عرضا.
وحد الحلول هو الموجود بحيث لو أنتقل المحل لظن معه انتقال الحال.
6 - فصل في ذكر حقيقة الفعل وبيان أقسامه
الفعل ما وجد أن كان مقدورا. والفاعل من (175) وجد مقدوره.
والفعل على ثلاثة أقسام: مخترع، وحده ما ابتدئ في غير محل القدرة
عليه، ولا يقدر عليه غير الله تعالى، ومباشر (176) وحده ما ابتدئ في محل القدرة
عليه، ولا يصح وقوعه من القديم [تعالى] (177) ومتولد (178)، وحده ما وقع
بحسب غيره، ويصح وقوعه من القديم تعالى. ومنا. وهو على ضربين: أحدهما
يتولد في حال وجود السبب، والآخر يتأخر [عنه] (179).
وينقسم قسمين آخرين: أحدهما يوجد في محل السبب، وهو كل ما يتولد
عن سبب لا جهة له، مثل الكون والنظر (180) والثاني يتعدى محل (181) السبب،
ولا سبب له إلا الاعتماد. ويصح وقوعه من القديم تعالى [ومنا] (182) والفعل على
ضربين: أحدهما لا صفة له زائدة على حدوثه، والآخر له صفة زائدة على حدوثه.
فالأول حركات الساهي والنائم وسكناتها (183) التي لا يتعداه و
كلامهما وفعل غير العقلاء عند من لم يصف أفعالهم بالحسن والقبح.
وما له صفة زائدة على حدوثه على ضربين: حسن وقبيح.
فالحسن على ضربين:

(175) - ألف: ما وجد.
(176) - ب: والمباشر.
(177) - في ب فقط
(178) - ب: والمتولد.
(179) - في ب فقط
(180) - ألف: الفطر
(181) - ب: عن محل
(182) - في ب فقط
(183) - ألف: وسكناته!
85

أحدهما ليس له صفة على حسنه، والآخر له صفة زائدة على حسنه
فالأول هو الموصوف بأنه مباح، وحده أن لا يستحق بها المدح والذم، فعلا كان أو
تركا. إلا أنه لا يوصف بذلك إلا إذا علم (184) فاعله ذلك، أو دل عليه، ويسمى
ذلك في الشرع حلالا وطلقا.
وما له صفة زائدة على حسنه على ضربين:
أحدهما يستحق المدح بفعله، ولا يستحق الذم بتركه فيسمى (185) ذلك
ندبا، ويسمى أيضا في الشرع نفلا وتطوعا. فإن كان نفعا واصلا إلى الغير سمي
تفضلا وإحسانا، ولا يسمى ندبا، إلا بشرط الإعلام أو التمكين (186) حسب
ما قلناه في المباح.
والآخر يستحق المدح بفعله، ويستحق الذم بتركه، فيسمى (187) ذلك
واجبا، وهو على ضربين: أحدهما إذا لم يفعله بعينه، استحق الذم، فيسمى ذلك
واجبا معينا ومضيقا (188)، والآخر إذا (189) لم يفعله، ولا ما يقوم مقامه استحق
الذم، فيسمى ذلك واجبا مخيرا فيه.
وينقسم الواجب قسمين (190) آخرين: أحدهما يقوم فعل غيره مقامه،
والآخر لا يقوم فعل غيره مقامه. فالأول يسمى فروض الكفايات (191)، والآخر
يسمى فروض الأعيان (192)، ويسمى الواجب مفروضا، وفرضا (193) ومكتوبا
في الشرع، ولا يسمى بذلك إلا بشرط الإعلام والتمكين (194) من العلم حسب
ما قدمناه.
وأما القبيح فهو قسم واحد (195) وهو ما يستحق الذم بفعله، ويسمى
في الشرع محظورا (196) وممنوعا (197) وفي الناس من قال: حد القبيح

(184) - ب: إذا أعلم
(185) - ب: يسمى
(186) - ب: والتمكن
(187) - ب: ويسمى
(188) - ب: مضيقا ومعينا
(189) - ألف: وإلا إذا
(190) - ألف: على قسمين
(191) - ب: من فرض الكفايات
(192) - ب: من فرض الأعيان
(193) - ألف: وفروضا
(194) - ب: أو التمكين
(195) - ب: فقسم واحد
(196) - ب: محضورا!
(197) - ب: وممنوعا منه
86

ما يستحق (198) الذم بفعله على بعض الوجوه احترازا مما يقع محبطا هذا على مذهب من قال بالإحباط. فأما على مذهبنا فلا يحتاج إليه.
وأما المكروه في موجب العقل، فلا يسمى به إلا القبيح، ويقال في الشرع
[ألما] (199) الأولى تركه إنه مكروه، وإن لم يكن قبيحا.
وأما المسنون فهو ما توالى فعله ممن سنه وأمر به (200) وربما كان واجبا
أو نفلا فهذه جملة كافية فيما قصدناه (201)، فإن شرح ما أو مأنا إليه وإيضاحه
يطول، وإنما حصرنا ما ذكرناه ليستأنس [المبتدئ] (202) بالألفاظ المتداولة بين
المتكلمين فإذا آنس بها وتوسط علم الكلام لم يخف عليه شئ مما ينظر (203)
[فيه إن شاء الله تعالى وحده].
تمت المقدمة بحمد الله ومنه وحسن توفيقه وهي
من إملاء الشيخ الإمام موفق الدين أبي جعفر
محمد بن الحسين (كذا) بن علي الطوسي
رضي الله عنه وبرد مضجعه (204)

(198) - ب: ما استحق
(199) - في ب فقط
(200) - ب: أو أمر به
(201) - ألف: فيمن قصدناه!
(202) - في ب فقط
(203) - في ب فقط
(204) - في ألف كذا: تم الكتاب بحمد الله وحسن معونته وعظيم توفيقه وجميل صنعه، وصلواته
على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
87

1 - صورة فتوغرافية من المقدمة في الكلام نسخة " ألف " من مخطوطات مكتبة الملك، بطهران
88

2 - صورة فتوغرافية من المقدمة في الكلام للشيخ الطوسي " نسخة ب " من مخطوطات مكتبة
الملك، بطهران
89

3 - صورة فتوغرافية من الصفحة الأولى من المقدمة نسخة " ب "
90

مسائل كلامية
91

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله
الطاهرين. أما بعد، فهذه ثلاثون مسألة أثبتها الإمام الشيخ أبو جعفر الطوسي، قدس
سره العزيز 1.
" 1 " مسألة: معرفة الله تعالى واجبة على كل مكلف، بدليل أنه منعم
فيجب شكره، فتجب معرفته 2.
" 2 " مسألة: الله تعالى موجود، بدليل أنه صنع العالم وأعطاه الوجود، و
كل من كان كذلك فهو موجود.
" 3 " مسألة: الله تعالى واجب الوجود لذاته، بمعنى أنه لا يفتقر في وجوده
إلى غيره ولا يجوز عليه العدم، بدليل أنه لو كان ممكن الوجود لا فتقر إلى صانع 3 -
كافتقار هذا العالم - وذلك محال على المنعم المعبود.
" 4 " مسألة: الله تعالى قديم أزلي، بمعنى أن وجوده لم يسبقه العدم،
باق أبدى، بمعنى أن وجوده لم يلحقه العدم، بدليل أنه واجب الوجود لذاته،
فيستحيل سبق العدم عليه وتطرقه إليه.

1 - هذه الديباجة عن نسخة " ألف " وقريب منها في " ج " وهي في " ب " هكذا: [معرفة الله.
مسائل الطوسي، رحمه الله]، وفي " ض ": [بسم... وبه نستعين].
2 - في " ألف ": [منعم فيجب معرفته تعالى]، في " ب ": منعم فيجب شكره].
3 - في " ب ": [لو كان ممكنا لافتقر في وجوده إلى غيره].
93

" 5 " مسألة: الله تعالى قادر مختار، بمعنى أنه إن شاء أن يفعل فعل، و
إن شاء أن يترك ترك، بدليل أنه صنع العالم في وقت وتركه في وقت آخر مع
قدرته عليه 4.
" 6 " مسألة: الله تعالى عالم، بمعنى أن الأشياء واضحة له 5 حاضرة
عنده غير غائبة عنه، بدليل أنه فعل الأفعال المحكمة المتقنة، وكل من كان
كذلك فهو عالم، بالضرورة 6.
" 7 " مسألة: الله تعالى حي، بمعنى أنه يصح أن يقدر ويعلم 7، بدليل أنه
ثبت 8 له القدرة والعلم، وكل من ثبتا له فهو حي 9.
" 8 " مسألة: الله تعالى قادر على كل مقدور وعالم بكل معلوم، بدليل أن
نسبة 10 المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدسة على السوية، فاختصاص قدرته
وعلمه تعالى 11 بالبعض دون البعض ترجيح من غير مرجح، وذلك محال
على المعبود 12.
" 9 " مسألة: الله تعالى سميع لا بأذن، بصير لا بعين، لتنزهه عن الجارحة،
بدليل قوله تعالى: " وهو السميع البصير 13 ".
" 10 " مسألة: الله تعالى مدرك 14، بدليل قوله تعالى: " لا تدركه

4 - في " ب ": [بمعنى أنه صنع العالم في وقت آخر مع قدرته عليه]، وفي " ألف ": [بمعنى
إن شاء فعل وإن شاء ترك، بدليل أنه صنع العالم في وقت وتركه في آخر]، وفي " ض ": [ترك
العالم في وقت وصنعه] الخ.
5 - في " ألف، ب، ض، ج ": [منكشفة له]، مكان واضحة له.
6 - في " ألف، ج ": وكل من فعل ذلك كان عالما بالضرورة.
7 - في " ض ": يصح منه أن يعلم ويقدر.
8 في " ض ": ثبتت.
9 - في " ب ": وكل من ثبت له القدرة والعلم فهو حي بالضرورة.
10 - في " ألف ": نسبة جميع المقدورات.
11 - [وعلمه تعالى] ليس في " ض ".
12 - في " ب، ض، ج ": [وهو محال]، مكان وذلك محال، الخ.
13 - من الآية 9 في سورة الشورى.
14 - في " ب، ض، ق ": [مدرك لا بجارحة]، وفي " ج " وهامش " ض ": [مدرك لا بحاسة].
94

الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير 15 ".
" 11 " مسألة: الله تعالى مريد، بمعنى أنه يرجح الفعل إذا علم
المصلحة، بدليل أنه خصص 16 بعض الأشياء بوقت دون وقت وشكل دون شكل.
" 12 " مسألة: الله تعالى كاره، بمعنى يرجح ترك الفعل إذا علم
المفسدة، بدليل أنه ترك إيجاد الحوادث 17 في وقت دون وقت مع قدرته عليه.
" 13 " مسألة: الله تعالى واحد 18، لا شريك له في الإلهية، بدليل قوله:
" وإلهكم إله واحد " 19
" 14 " مسألة: الله تعالى متكلم لا بجارحة [بمعنى أنه أوجد الكلام في
جسم من الأجسام لإيصال غرضه إلى الخلق 20]، بدليل قوله تعالى: " وكلم الله
موسى تكليما 21 ".
" 15 " مسألة: الله تعالى ليس بجسم ولا غرض ولا جوهر، بدليل أنه
لو كان أحد هذه الأشياء لكان ممكنا مفتقرا إلى صانع، وأنه محال 22.
" 16 " مسألة: الله تعالى ليس في جهة ولا في مكان، بدليل أن ما
في الجهة والمكان مفتقر إليهما، وهو محال عليه تعالى.
" 17 " مسألة: الله تعالى ليس بمرئي 23 بحاسة البصر، بدليل أن كل
مرئي لا بد أن يكون في جهة، وهو محال.

15 - الآية 103 سورة الأنعام.
16 - كذا في الأصل، وفي سائر النسخ: خصص إيجاد بعض الأشياء الخ.
17 - في " ألف ": [ترك إيجاد هذا العالم]، وفي " ب ": [إيجاد بعض الأشياء].
18 - في " ألف، ض، ج ": واحد، بمعنى أنه لا شريك له.
19 - الآية 158 سورة البقرة، وفي " ألف ": بدليل قوله تعالى: " قل هو الله أحد " وقوله تعالى:
فاعلم أنه لا إله إلا هو.
20 - ما بين المعقوفين من " ألف، ض، ج ".
21 - الآية 162 من سورة النساء.
22 - في " ض ": الله تعالى ليس بجسم ولا جوهر، والجسم هو المتحيز الذي يقبل القسمة، والجوهر
هو المتحيز الذي [لا] يقبل القسمة، والعرض هو الحال في الجسم، بدليل أنه لو كان أحد هذه الأشياء
لكان مفتقرا ممكنا، وهو محال.
23 - في " ق " ليس مرئيا.
95

" 18 " مسألة: الله تعالى لا يتحد بغيره، لأن الاتحاد 24 عبارة عن
صيرورة الشيئين شيئا واحدا من غير زيادة ولا نقصان، وذلك محال، والله تعالى
لا يتصف بالمحال.
" 19 " مسألة: الله تعالى غير مركب عن شئ، بدليل أنه لو كان مركبا
لكان مفتقرا، وهو محال 25.
" 20 " مسألة: الله تعالى لا يتصف 26 بصفة زائدة على ذاته، لأنها
لو كانت 27 قديمة لزم تعدد القدماء وإن كانت حادثة كان محلا للحوادث 28.
" 21 " مسألة: الله تعالى غنى عن غيره، بدليل أنه واجب الوجود لذاته، و
غيره ممكن الوجود لذاته 29.
" 22 " مسألة: الله تعالى عدل حكيم 30 لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب،
بدليل أن فعل القبيح 31 والاخلال بالواجب نقص 32، والله تعالى منزه عن النقص.
" 23 " مسألة: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم 33 نبي هذه الأمة
رسول الله 34 صلى الله عليه وآله، بدليل أنه ادعى النبوة وظهر المعجز على يده -
كالقرآن 35 - فيكون نبيا حقا 36.

24 - في " ألف، ض، ج ": لأن الاتحاد غير معقول، وذلك محال، والله تعالى لا يوصف
بالمحال.
25 - لا توجد هذه المسألة في " ألف، ض "، وهي في " ب " بالصورة التالية: الله تعالى عير مركب من شئ وإلا لكان مفتقرا إلى جزئه - وجزؤه غيره - فيكون ممكنا، وهو محال.
26 - في " ض ": لا يوصف.
27 - بدليل أنها إن كانت، كذا في " ب، ج ".
28 - في " ب " كان الله تعالى محلا للحوادث، وهو محال على الله.
29 - لا توجد هذه المسألة في " ألف، ض ".
30 - في " ألف، ج ": حكيم، بمعنى أنه.
31 - فعل القبيح قبيح. كذا في " ب ".
32 - في " ب " نقص، وهو محال على الله تعالى.
33 - هاشم بن عبد مناف " ألف، ض ".
34 - في " ألف، ض " نبي الله.
35 - كالقرآن، لا يوجد في " ألف، ج " وفي " ب ": على يده، وكل من كان كذلك فهو نبيا
حقا ورسولا صدقا. 36 - في " ض ": حقا ورسولا صدقا.
96

" 24 " مسألة: نبينا محمد صلى الله عليه وآله معصوم - من أول عمره
إلى آخره، في أقواله وأفعاله وتروكه وتقريراته - عن 37 الخطأ والسهو
والنسيان 38، بدليل أنه لو فعل المعصية لسقط محله من القلوب، ولو
جاز عليه السهو والنسيان لارتفع الوثوق من إخباراته 39، فتبطل فائدة البعثة، وهو محال 40.
" 25 " مسألة: نبينا محمد صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء والرسل 41،
بدليل قوله تعالى: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم
النبيين 42 ".
" 26 " مسألة: محمد 43 صلى الله عليه وآله أشرف الأنبياء والرسل،
بدليل قوله صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: " أبوك خير الأنبياء وبعلك
خير الأوصياء 44.
" 27 " مسألة: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل: علي ابن أبي
طالب عليه السلام، بدليل قوله عليه السلام: " أنت الخليفة من بعدي، وأنت قاضي
ديني، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت ولي كل مؤمن
ومؤمنة بعدي 45، سلموا عليه بإمرة المؤمنين، اسمعوا له وأطيعوا 46، تعلموا منه

37 - في " ألف ": منزه عن الخطاء.
38 - في " ج ": النسيان والمعاصي.
39 - في " ألف، ب، ج ": عن إخباراته.
40 - وهو محال، لا يوجد في " ألف، ب، ج ".
41 - والرسل ما ليس في " ألف، ج ".
42 - الآية 40 من سورة الأحزاب، ولا توجد هذه المسألة في " ب ".
43 - في " ض ": نبينا محمد. ولا توجد هذه المسألة في " ألف ".
44 - هذه الرواية مروية في كتب الفريقين، منها " مجمع الزوائد 8: 253 " للهيثمي في حديث
طويل.
45 - قوله: " وأنت ولي " إلى " بعدي " لا يوجد في " ألف، ب، ض، ج ".
46 - في " ألف، ب ": واسمعوا له وأطيعوه.
97

ولا تعلموه، من كنت مولاه فعلي مولاه 47 ".
" 28 " مسألة: الإمام عليه السلام معصوم - من أول عمره إلى آخره
في أقواله وأفعاله وتروكه - عن 48 السهو والنسيان، بدليل أنه لو فعل المعصية لسقط
محله من القلوب، ولو جاز عليه السهو والنسيان لارتفع الوثوق بإخباراته 49، فتبطل
فائدة نصبه.
" 29 " مسألة: الإمام بعد علي عليه السلام: ولده الحسن، ثم الحسين، ثم
على [بن الحسين]، ثم محمد [الباقر]، ثم جعفر [الصادق]، ثم موسى [الكاظم]،
ثم على [بن موسى الرضا]، ثم محمد [الجواد]، ثم على [الهادي]، ثم الحسن
[العسكري] 50، ثم الخلف القائم المنتظر المهدي محمد بن الحسن صاحب
الزمان، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، لأن كل إمام 51 نص على من بعده نصا
متواترا بالخلافة ولأنهم معصومون وغيرهم ليس بمعصوم بإجماع المسلمين، ولقول
النبي عليه السلام للحسين عليه السلام: " ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة
تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا " 52.
" 30 " مسألة: 53 محمد بن الحسن، المهدي عليه السلام حي موجود من
زمان أبيه الحسن العسكري إلى زماننا هذا، بدليل أن كل زمان لا بد فيه من إمام
معصوم، مع أن الإمامة لطف، واللطف واجب على الله تعالى في كل وقت.
" 31 " مسألة: غيبة القائم 54 عليه السلام لا يكون من قبل الله تعالى، لأنه

47 - قوله: " من كنت " الخ، لا يوجد في " ألف، ب، ج ". ولا يخفى أن هذه الروايات وطائفة
أخرى من أشباهها عن النبي صلى الله عليه وآله قد جاوزت حد التواتر لفظا ومعنى وكتب أهل
الإسلام مشحونة بها وبنظائرها مما بلغ حد التواتر وما لم يبلغ.
48 - في " ألف، ب، ج ": عن الخطأ و...
49 - عن إخباراته: " ض، ج ". عن إخباره: " ألف، ب "
50 - في " ج " كل ما بين المعوقين من " ض ".
51 - في " ج ": بدليل أن كل سابق منهم نص. وقريب منفي منه في " ألف ".
52 - رواه جماعة من أعلام المحدثين بعبارات متقاربة، فراجع الباب السابع من كتاب " منتخب
الأثر في الإمام الثاني عشر ". 53 - هذه المسألة لا توجد في بعض النسخ.
54 - في " ألف، ب، ج ": غيبة الإمام، وفي " ض ": المهدي.
98

عدل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب، ولا من قبله 55 لأنه معصوم فلا يخل
بواجب بل من كثرة العدو وقلة الناصر.
" 32 " مسألة: لا استعباد في طول حياة القائم عليه السلام، لأن غيره من
الأمم السالفة عاش ثلاثة آلاف سنة، كشعيب النبي ولقمان عليهما السلام ولأن
ذلك أمر ممكن والله تعالى قادر عليه.
" 33 " مسألة 56: محمد بن الحسن صاحب الزمان عليه السلام لا بد من
ظهوره، بدليل قوله عليه السلام: " لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطول الله تعالى
تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا فيجب على كل مخلوق من الخلق
متابعته 57 ".
" 34 " مسألة: كلما أخبر به النبي عليه السلام من نبوة الأنبياء
المذكورين، ومن رسالة الرسل المذكورين، ومن الصحف المنزلة، ومن الشرايع
المذكورة، ومن أحوال القبر، ومن منكر ونكير ومبشر وبشير، ومن أحوال القيمة
وهو الحساب والصراط والميزان وإنطاق الجوارح وتطاير الكتب، ومن الجنة وما
وعد فيها من النعيم الدائم، ومن النار وما وعد فيها من العذاب الأليم الدائم، و
إنصاف المظلوم من الظالم، ومن الحوض الذي يسقي منه أمير المؤمنين عليه السلام
عطاشى المؤمنين، ومن أن شفاعته مذخورة لأهل الكباير من أمته عليه السلام، جميع
ذلك حق لا ريب فيه، وأن الله يبعث من في القبور، بدليل أنه معصوم، وكلما أخبر
به المعصوم فهو حق 58.

55 - في " ألف، ج ": جهته.
56 - هذه المسألة لا توجد في غير نسختنا.
57 - توجد هذه الرواية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب الشيعة وأهل السنة، على
اختلاف في بعض كلماتهم، ومن أراد الوقوف على جملة من طرقها وعباراتها فعليه بكتاب " منتخب
الأثر في الإمام الثاني عشر " وعشرات من نظائر هذا السفر القيم.
58 - عبارات هذه المسألة في النسخ مختلفة لفظا متقاربة معنى ولكثرة الاختلاف اللفظية ضربنا
عن التعرض لها كشحا فإن المؤدى واحد، واقتصرنا على ما في نسختنا من شرح الرسالة والحمد لله رب العالمين، وصلواته على رسوله محمد وآله الغر الميامين. واتفق الفراغ من تحقيق هذه الرسالة
على يدا لعبد المتمسك بولاء أهل البيت: محمد على " روضاتي " ابن العلامة السيد محمد
هاشم ابن العلامة السيد جلال الدين ابن العلامة السيد مسيح ابن العلامة الحجة آية الله: السيد
محمد باقر، صاحب كتاب روضات الجنات في تراجم العلماء والسادات في عصيرة يوم الخميس
14 شهر ذي القعدة الحرام عام 1389 ببلدة أصفهان.
99

رسالة في الاعتقادات
101

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
إذا سألك سائل وقال لك: ما الإيمان؟ فقل: هو التصديق بالله و
بالرسول وبما جاء به الرسول والأئمة عليهم السلام.
كل ذلك بالدليل، لا بالتقليد،
وهو مركب على خمسة أركان، من عرفها فهو مؤمن، ومن جهلها كان
كافرا، وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة والإمامة، والمعاد.
فحد التوحيد هو إثبات صانع واحد موجد للعالم، ونفى ما عداه.
والعدل هو تنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والاخلال بالواجب،
والنبوة هي الأخبار الواردة عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر،
وإنما الواسطة ملك من الملائكة وهو جبرئيل عليه السلام.
والإمامة رياسة عامة لشخص من الأشخاص في أمور الدين والدنيا، وهو علي بن
أبي طالب عليه السلام، فيكون معصوما بنص النبي صلى الله عليه وآله.
والمعاد إعادة الأجسام على ما كانت عليه.
(1) والدليل على أن الله تعالى موجود: لأن العالم أثره، والأثر يدل على
وجود المؤثر، فيكون الباري تعالى موجودا.
(2) والدليل على أن العالم محدث: لأنه لا يخلو من الحوادث، وكل
ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث. والحوادث هي: الحركة والسكون.
103

(3) والدليل على حدوث الحركة والسكون: لأنهما اثنين 1، إذا
وجد أحدهما عدم الآخر، ولا نعني بالمحدث إلا الذي يوجد ويعدم.
(4) والدليل على أن الله تعالى واجب الوجود: لأنا نقسم الموجود إلى
قسمين: واجب الوجود وممكن الوجود.
فواجب الوجود هو الذي لا يفتقر في وجوده إلى غيره ولا يجوز عليه العدم،
وهو الله تعالى.
وممكن الوجود هو الذي يفتقر في وجوده إلى غيره ويجوز عليه العدم، و
هو ما سوا الله تعالى، وهو العالم.
فلو كان البارئ تعالى ممكن الوجود لافتقر إلى مؤثر، والمفتقر ممكن،
فيكون الباري تعالى واجب الوجود بهذا المعنى، وهو المطلوب.
(5) والدليل على أن الله تعالى قديم أزلي: لأن معنى القديم والأزلي
هو الذي لا أول لوجوده فلو كان الباري تعالى لوجوده أولا لكان محدثا وقد ثبت أنه
تعالى واجب فيكون قديما أزليا.
(6) والدليل على أن الله تعالى باق أبدي: لأن الأبدي هو الذي لا نهاية
لوجوده، فلو كان الباري تعالى لوجوده نهاية لكان محدثا، وقد ثبت أنه تعالى
واجب الوجود، فيكون الباري تعالى أبديا.
ومعنى أنه سرمدي أي مستمر الوجود بين الأزل والأبد.
(7) والدليل على أنه تعالى قادر مختار لا موجب، لأن القادر المختار
هو الذي يصدر عنه الفعل المحكم المتقن مع تقدم وجوده ويمكنه الترك، [و]
الموجب هو الذي يصدر هو وفعله واحدة. فلو كان الباري تعالى موجبا لزم قدم
العالم، وقد بينا أنه قديم (2) فيكون الباري تعالى قادرا مختارا، وهو المطلوب.
(8) - والدليل على أنه تعالى عالم: لأن العالم هو الذي يصدر عنه الفعل
المحكم المتقن على وجه يصح الانتفاع به، وهذا ظاهر في حقه تعالى، فهو عالم.
(9) والدليل على أنه تعالى سميع بصير: لأن (3) المؤثر في الأشياء
كلها وهو يعلم ما نسمعه وما نبصره، وهو معنى قوله " سميعا بصيرا " (4).

(1) - كذا في النسخة.
(2) - كذا في النسخة ولعل الصواب: حادث.
(3) - كذا في النسخة ولعل الصواب: لأنه.
(4) - الآية 61 من سورة النساء.
104

(10) والدليل على أنه تعالى واحد: لأن معنى الواحد هو الفرد بصفات
ذاتية لا يشاركه فيها غيره. فلو كان الباري تعالى معه إله آخر لاشتركا في الذات
والصفات، والمشارك ممكن، والله تعالى واجب الوجود، فهو واحد.
(11) والدليل على أن الله تعالى ليس بجسم: لأن الجسم هو المركب
الذي يقبل القسمة في جهة من الجهات، والمركب ممكن لافتقاره إلى الأجزاء
الذي يتركب منها، والله تعالى واجب الوجود، فهو ليس بجسم.
(12) والدليل على أنه ليس بعرض: لأن العرض هو الذي يحل في
الأجسام من غير مجاوزة، ولا يمكن قيامة بذاته. فلو كان الباري تعالى عرضا لافتقر
إلى محله وهو الجسم والمفتقر ممكن وهو تعالى واجب الوجود فيكون الباري ليس
بعرض بهذا المعنى (5).
(13) والدليل على أنه تعالى ليس بجوهر لأن الجوهر هو المتحيز الذي
يتركب الأجسام منه وهو محدث، وبيان حدوثه افتقاره إلى حيز يحصل فيه - وهو
المكان -، فيكون الباري تعالى ليس بعرض ولا جوهر بهذا المعنى - وهو
المطلوب.
(14) والدليل على أنه تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر لأن الرؤية
لا تقع [إلا] على الأجسام والألوان، والبارئ تعالى ليس بجسم ولا لون، فلا يكون
بمرئي بحاسة البصر، وهو المطلوب.
(15) والدليل على أنه تعالى ليس بمحتاج إلى غيره وغيره محتاج إليه:
لأن الحاجة إنما تكون في الذات أو في الصفات، والبارئ تعالى غنى في ذاته
وصفاته لوجوب وجوده، فلا يكون بمحتاج - بهذا المعنى - وهو المطلوب.
(16) والدليل على أنه تعالى عدل حكيم: لأن معنى العدل الحكيم
هو الذي لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب، لأن فعل القبيح لا يفعله إلا الجاهل به
أو المحتاج إليه، والبارئ تعالى عالم وغني في ذاته وصفاته - لوجوب وجوده -
فلا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب - بهذا المعنى - وهو المطلوب.
(17) والدليل على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله: لأنه ادعى النبوة
وظهر المعجز على يده، والمعجز فعل الله تعالى، فيكون نبيا حقا ورسولا صدقا.

(5) - كذا في النسخة.
105

(18) والدليل على أنه صلى الله عليه وآله معصوم عن جميع القبايح
كلها، عمدا وسهوا، صغيرة وكبيرة: بدليل أنه لو لم يكن كذلك لجاز عليه الكذب
والخطاء، فلم تثق الناس بما أخبر به عن الله، فتبطل نبوته.
(19) والدليل على أنه - صلى الله عليه وآله - خاتم الرسل: بدليل قوله
عليه السلام " لا نبي بعدي " وقوله تعالى: " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن
رسول الله وخاتم النبيين " (6).
(20) والدليل على أنه - صلى الله عليه وآله - صادق بجميع ما أخبر به
في أحكام الشرع من الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك،
وصادق (7) في إخباراته عن أحوال المعاد، كالبعث والصراط والحشر والحساب
والنشور والميزان وتطاير الكتب وإنطاق الجوارح والجنة وما وعد الله فيها، من
المأكل والمشرب والمنكح والنعيم المقيم أبدا الذي لا عين رأت ولا أذن سمعت
بمثله في دار الدنيا أبدا، والنار وما وعد الله فيها من العذاب الأليم والنكال المقيم.
أعاذنا الله (8) وإياكم من شرابها الصديد ومن مقامعها الحديد ومن دخول باب من
أبوابها ومن لدغ حياتها ولسع عقاربها.
(21) واعتقد أن شفاعة محمد، صلى الله عليه وآله (9) نبيا حقا حقا،
وكذلك الأئمة الطاهرين الأبرار المعصومين: بدليل أن القرآن العظيم نطق به
والنبي عليه السلام أخبر به، فيكون حقا.
(22) والدليل على أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا
فصل أمير المؤمنين عليه السلام: بدليل أنه نص عليه نصا متواترا بالخلافة، ولا نص
على أحد غيره - مثل أبي بكر والعباس -، والنص مثل قوله: " أنت أخي ووزيري
والخليفة من بعدي ".
ويدل على إمامته أيضا أنه معصوم وغيره ليس بمعصوم بإجماع المسلمين.
(23) والدليل على أن الإمام من بعد علي عليه السلام ولده الحسن ثم

(6) - الآية 40 من سورة الأحزاب.
(7) - في الأصل: وصادقا.
(8) - في الأصل: عاذنا الله.
(9) - كذا في النسخة، والظاهر سقوط شئ من هذا الموضع، ويمكن أن تكون العبارة مغلوطة
بلا نقصان من البين.
106

الحسين ثم على ثم محمد ثم جعفر ثم موسى ثم على ثم محمد ثم على ثم الحسن ثم
محمد بن الحسن الحجة القائم المنتظر المهدي، صلوات الله عليهم أجمعين: بدليل
قول النبي عليه السلام للحسين " ولدي هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة
تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت من غيره ظلما وجورا ".
ويدل على إمامتهم عليهم السلام أيضا أنهم معصومون، ولا أحد ممن
ادعيت فيه الإمامة بمعصوم بالإمامة فيهم.
(24) والدليل على أن الخليفة الإمام القائم عليه السلام حي موجود في
كل آن وزمان لا بد فيه من إمام معصوم، فثبت أنه حي موجود في كل زمان.
(25) ويدل على بقائه إلى فناء هذه الأمة: لأنه لطف للناس واللطف
واجب على الله تعالى في كل زمان، فيكون الإمام حيا وإلا لزم أن يكون الله تعالى
مخلا بالواجب. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله
تم الكتاب وربنا المحمود
في يوم الثالث والعشرون [كذا] من شهر رمضان، سنة ثمان وأربعين وتسعمائة
107

رسالة
في
الفرق بين النبي والإمام
109

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة في الفرق بين النبي والإمام، إملاء الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه
الله.
فقال الشيخ - أيده الله - إملاء:
الفرق بين النبي والإمام وبيان فائدة كل واحدة من اللفظتين، وهل يصح
انفكاك النبوة من الإمامة على ما يذهب إليه كثير من أصحابنا الإمامية أم لا؟
والإمامة داخلة في النبوة ولا يجوز أن يكون نبيا ولا يكون إماما على ما يذهب إليه
آخرون، وأي المذهبين أصح؟ وأنا مجيب إلى ما سأله مستعينا بالله.
أعلم أن معنى قولنا: نبي، هو أنه مؤد عن الله تعالى بلا واسطة من البشر
ولا يدخل - على ذلك - الإمام ولا الأمة ولا الناقلون عن النبي صلى الله عليه وآله
وإن كانوا بأجمعهم مؤدين عن الله بواسطة من البشر وهو النبي. وإنما شرطنا بقولنا
من البشر لأن النبي صلى الله عليه وآله أيضا يروي عن الله تعالى بواسطة لكن هو
ملك وليس من البشر ولا يشركه في هذا المعنى إلا من هو نبي.
وقولنا: إمام يستفاد منه أمران:
أحدهما أنه مقتدى به في أفعاله وأقواله من حيث قال وفعل، لأن حقيقة
الإمام في اللغة هو المقتدى به، ومنه قيل لمن يصلي بالناس: أمام الصلاة.
111

والثاني أنه يقوم بتدبير الأمة وسياستها وتأديب جناتها والقيام بالدفاع عنها
وحرب من يعاديها وتولية ولاية من الأمراء والقضاة وغير ذلك وإقامة الحدود على
مستحقيها.
فمن الوجه الأول يشارك الإمام النبي في هذا المعنى، لأنه لا يكون نبي
إلا وهو مقتدى به ويجب القبول منه من حيث قال وفعل، فعلى هذا لا يكون إلا وهو
إمام.
وأما من الوجه الثاني فلا يجب في كل نبي أن يكون القيم بتدبير الخلق و
محاربة الأعداء والدفاع عن أمر الله بالدفاع عنه من المؤمنين لأنه لا يمتنع أن تقتضي
المصلحة بعثة نبي وتكليفه إبلاغ الخلق ما فيه مصلحتهم ولطفهم في الواجبات.
العقلية وإن لم يكلف تأديب أحد ولا محاربة أحد ولا تولية غيره، ومن أوجب هذا
في النبي من حيث كان نبيا فقد أبعد وقال ما لا حجة له عليه.
فقد بين الله تعالى ذلك وأوضحه في قوله عز ذكره: (وقال لهم نبيهم
أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا....) الآية (4).
فحكى تعالى ذلك أن النبي قال لهم: (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا)
وكان النبي غير ملك، لأنه لو كان الملك له لما كان لذلك معنى. ولما قالوا
(أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) بل كان ينبغي أن يقولوا: و
أنت أحق بالملك منه لأنك نبي والنبي لا يكون إلا وهو ملك سلطان.
ثم أخبر النبي (بأن الله اصطفاه عليهم وزاده بسطة في العلم والجسم) و
أنه إنما جعله ملكا لما فيه من فضل القوة والشجاعة التي يحتاج (5) إليها
المقام (6) وللأعداء، وعلمه بسياسة الأمور.
ثم أخبر أن الله يؤتي ملكه من يشاء من عباده فمن (7) يعلم أن المصلحة
في إعطائه فلو كان الأمر على ما قالوا لقال: من يشاء من أنبيائه وكل ذلك واضح.
وأيضا فلا خلاف أن هارون عليه السلام كان نبيا من قبل الله تعالى
موحى إليه، وأن موسى عليه السلام، استخلفه على قومه لما توجه إلى ميقات ربه

(4) - السورة 2 الآية: 247
(5) - في الأصل: تحتاج إليه.
(6) - كذا في الأصل ويحتمل زيادة الواو.
(7) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: ممن.
112

تعالى وأقامه مقامه فيما هو إليه من القيام بتدبير الأمة، وقد نطق به القرآن في قوله،
(اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (8).
فلو كان له أمر من حيث كان نبيا القيام (9) بأمر الأمة لما احتاج إلى
استخلاف موسى إياه وإنما حسن ذلك لأنه استخلفه فيما كان إليه خاصة
فاستخلف أخاه فيه وأقامه مقامه وذلك أيضا واضح.
ولا خلاف أيضا بين أهل السير أن النبوة في بني إسرائيل كانت في قوم
والملك في قوم آخرين وإنما جمع الأمران لأنبياء مخصوصين مثل داود على
خلاف من أهل التوراة في نبوته - وسليمان - على مذهب المسلمين - ونبينا
صلى الله عليه و [آله] وذلك بين جواز انفكاك النبوة من الإمامة أوضح بيان.
وأيضا فقد قال الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام لما ابتلاه الله بكلمات
فأتمهن قال: إني جاعل [ك] للناس إماما، (10) فوعده أن يجعله إماما للأنام
فأما ما (11) أوجبه الله عليه جزاء له على ذلك، فلو كانت النبوة لا تنفصل من الإمامة
لما كان لقوله: إني جاعلك للناس إماما معنى، لأنه من حيث كان نبيا وجب أن
يكون إماما على قول المخالف، كما لا يجوز أن يقول: إني جاعلك للناس نبيا وهو
نبي.
فإن قيل (إني جاعلك للناس إماما) بمعنى جعلتك إماما قلنا: هذا
فاسد من وجهين:
أحدهما أنه تعالى جعل وعده بأن يجعله إماما جزاء على قيامه بما
ابتلاه الله تعالى به من الكلمات وذلك لا يليق إلا بأن يكون المراد به الاستقبال
ولولا ذلك لما قال إبراهيم عليه السلام: (ومن ذريتي) أئمة عقيب ذلك.
والثاني اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل عمل الفعل ولا يصح
أن ينصب به ألا ترى إلى القائل إذا قال: (إني ضارب زيدا) لا يجوز أن يكون
المراد بضارب إلا إما الحال أو الاستقبال ولا يجوز أن يكون ما مضى، ولو أراد
أنا ضارب زيد أمس لم يجز أن ينصب به زيدا، والله تعالى نصب (بجاعلك)

(8) - السورة: 7 الآية: 142
(9) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: بالقيام.
(10) - السورة 2 الآية: 124.
(11) - كذا في الأصل.
113

في الآية (إماما) وجب (12) أن يكون المراد به إما الحال أو الاستقبال دون
الماضي، والنبوة كانت حاصلة له قبل ذلك.
فبان (13) هذه الجملة انفصال إحدى المنزلتين من الأخرى وأن من قال:
إحداها يقتضي الأخرى على كل حال فبعيد من الصواب.
وهذه الجملة كافية في هذا الباب.
فإذا ثبت ذلك فقول النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (أنت
مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (14) لا يجب أن يكون باستثنائه
النبوة استثناء (15) إمامته لأنا قد بينا أن الإمامة تنفصل عن النبوة فليس في
استثناء (16) استثناء الإمامة.
على أنا لو سلمنا أن كل نبي إمام لم يلزم أن يكون كل إمام نبيا وإنما
تكون الإمامة شرطا من شروط النبوة وليس إذا انتفت النبوة انتفت الإمامة كما أن
من شرط النبوة العدالة وكمال العقل وليس إذا انتفت النبوة عن شخص وجب أن
ينتفى منه العدالة وكمال العقل لأن العدالة وكمال العقل قد ثبت في من ليس
بنبي. وكذلك لا خلاف من أن الإمامة قد ثبتت مع انتفاء النبوة فلا يجب
بانتفاء النبوة انتفاء الإمامة.
وقد استوفينا الكلام في هذه المسألة في كتاب الإمامة (17) وفي
المسائل الحلبية (18)، وبلغنا فيها الغاية، فمن أراد ذلك وقف عليه من هناك
إنشاء الله تعالى.

(12) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: فوجب.
(13) - كذا في الأصل.
(14) - راجع غاية المرام للبحراني ص 108 - 152
(15) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: استثنى.
(16) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: استثنائها.
(17) - له في الإمامة مؤلفات منها المصفح في الإمامة ومنها تلخيص الشافي في الإمامة ومنها
الاستيفاء في الإمامة. والأول لم نقف إلا على نسخة ناقصة منه والثاني مطبوع والثالث لم نقف
إلى الآن على نسخة منه.
(18) - إلى الآن لم نقف على نسخة منه ولكن كان عند ابن إدريس ونقل عنها في كتابه راجع
ص 18 و 455 من السرائر.
114

الكتاب المفصح
في إمامة
أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام
115

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خيرته من خلقه محمد والطاهرين
من عترته وسلم تسليما.
سألت أيها الشيخ الفاضل - أطال الله بقاءك وأدام تأييدك - إملاء
كلام في صحة إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من جهة
النصوص المروية في ذلك، وبيان وجه الاستدلال منها، وإيراد شبه مخالفينا،
المعتمدة على كل دليل، بغاية ما يمكن من الإيجاز والاختصار، على حد يصغر
حجمه وتكثر منفعته، وأن أردف ذلك بالكلام في صحة إمامة الاثني عشر من
جهة النظر والاستدلال، ومن جهة ما روي في ذلك من الأخبار المعتمدة عن النبي
صلى الله عليه وآله، وأن أعتمد الاختصار في جميع ذلك وأتجنب الإطالة
والاسهاب فيه، وترك 1 ما لا طائل فيه من شبه المخالفين، وأنا مجيبك إلى ما
سألت مستمدا من الله تعالى المعونة والتوفيق لما يحب ويرضى إنه قريب مجيب.

1 - وأترك. ظ.
117

باب الدلالة على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
يدل على إمامته عليه السلام ما تواترت به الشيعة مع كثرتها وتباعد ديارها
وتباين آرائها واختلاف هممها وقد بلغوا من الكثرة إلى حد لا يتعارفون ولا يتكاتبون
ولا يحصرهم بلد ولا يحصيهم عدد - وقد نقلوا خلفا عن سلف مثلا عن مثل في
فصول 1 شرائط التواتر فيهم، إلى أن اتصل نقلهم بالنبي عليه وآله السلام بأنه نص
على أمير المؤمنين عليه السلام وجعله القائم مقامه بعده بلا فصل.
فلا يخلو حالهم في ذلك من أحد أمرين: إما أن يكونوا صادقين أو
كاذبين، فإن كانوا صادقين فقد ثبتت إمامته حسب ما ذكرناه، وإن كانوا كاذبين لم
يخل كذبهم من أحد أمور: أما أن يكون قد اتفق لهم الكذب فنقلوه على جهة
التنحت، أو تواطؤوا عليه، أو جمعهم على ما ذلك ما يجري مجرى التواطؤ، أو اتفق أحد
ذلك في أحد الفرق الناقلة فيما بيننا وبين نبينا عليه السلام، أو كان الأصل فيهم
واحدا ثم انتشر الخبر عنه وظهر. وإذا بين فساد جميع ذلك لم يبق إلا أن الخبر
صدق حسب ما قدمناه.
ولا يجوز أن يكون قد اتفق لهم الكذب من غير تواطؤ، لأن العادة مانعة من
وقوع أمثال ذلك ونظائره، ألا ترى أنا نعلم استحالة أن يتفق الشعراء جماعة كثيرة
التوارد في قصيدة واحدة على وزن واحد وروي واحد ومعنى واحد، وكذلك
يستحيل على مثل أهل بغداد أن يتكلموا - كلهم - بكلام واحد أو غرض واحد،
ويجري ذلك في الاستحالة مجرى اتفاقهم على أكل طعام واحد، والتزيي بزي
واحد وما يجري مجرى ذلك. وإذا ثبتت استحالة جميع ما ذكرناه فما ذكرناه لاحق
به في الاستحالة.
ولا يجوز أن يكونوا تواطؤوا عليه لأن التواطؤ ما أن يكون وقع منهم باجتماع
بعضهم إلى بعض، وهذا مما يعلم استحالته فيهم لكثرتهم وتباعد ديارهم وأوطانهم،
أو يكون وقع التواطؤ منهم بالتكاتب والتراسل، وهذا أيضا محال، لأنه من المحال
أن يكاتب الشيعة في أقطار الأرض بعضهم بعضا ويتفقوا على شئ بعينه. وكيف

1 - كذا في الأصل. لعل الصحيح: مع حصول.
118

يصح ذلك وفيهم جم غفير في كل بلد لا يعرفون ممن في بلاد أحدا 1 إلا الواحد
والاثنين فأما الباقون فلا يعرفون، ومن هذا حكمه فإنه تستحيل المكاتبة بينهم. ولو
كان ذلك مما يصح أيضا لوجب أن يظهر في أوجز مدة لأن ما يجري هذا المجرى من
الأمور العظيمة التي يتواطأ الناس عليها فإنها لا يجوز أن يخفى بل لا بد من ظهورها
في أسرع الأوقات.
فأما ما يجري مجرى التواطؤ أيضا فمفقود فيهم، لأن ذلك لا يكون إلا إما
رغبة في العاجل أو رهبة، وكلا الأمرين منتفيان عن النص لأن الذي أدعي له
النص لم يكن له سوط فتخاف سطوته فيدعو ذلك إلى افتعال النص عليه 2 بل
كانت الصوارف حاصلة فيما يختص هو به من الفضل من نشره 3 وكتمان مناقبه،
ولا كان له أيضا دنيا فيكون الطمع في نيلها داعيا إلى وضع النص له.
ولو كان الأمران أيضا حاصلين لمن ادعي له النص لما جاز أن يكون
ذلك داعيا إلى افتعال خبر بعينه إلا من جهة التواطؤ الذي أبطلناه. وإنما يجوز أن يكون الأمران داعيين إلى وضع فضيلة ماله في الجملة، فأما أن يكون داعيا إلى
وضع فضيلة بعينها على صيغة مخصوصة فإن ذلك من المحال حسب ما قدمناه.
وليس لأحد أن يقول إذا جاز أن ينقلوا الخبر الصدق لكونه صدقا ويكون
علمهم أو اعتقادهم لصدقه داعيا إلى نقله من غير تواطؤ [فلم] لا يجوز أن ينقلوا
الكذب لمجرد كونه كذلك من غير تواطؤ، لأن الدلالة فرقت بين الموضعين،
لأنا نعلم أن العلم أو الاعتقاد لكون الخبر صدقا داع إلى نقله، والاعتقاد لقبح الشئ
أو كون الخبر كذبا وإن جاز أن يكون داعيا على بعض الوجوه، فلا يجوز أن يشمل
ذلك الخلق الكثير. على أن العلم بقبح الشئ لا يكون داعيا إلى فعله بل هو صارف
عن فعله، وإنما يدعو في بعض الأوقات لأمر زايد على كونه قبيحا من نفع أو دفع
مضرة وقد بينا أن كليهما لم يكن في خبر النص، ولو كان لكان داعيا إلى وضع
الفضائل المختلفة دون أن يكون ذلك داعيا إلى وضع فضيلة بعينها.
وجميع ما قدمناه من وجوه البطلان في الطرق التي بينا فإنه يبطل أيضا أن

1 - كذا في الأصل. ولعل الصحيح: آخر.
2 - له. ظ
3 - والدواعي حاصلة إلى كتمان مناقبه. ظ.
119

يكون قد اتفق ذلك في كل فرقة بيننا وبين النبي عليه السلام.
ويبطله أيضا أن الذين نقلوا الخبر ذكروا أنهم أخذوا عن أمثالهم في
الكثرة واستحالة التواطؤ عليهم فلو جاز أن يكونوا كاذبين في ذلك لجاز أن يكونوا
كاذبين في نفس الخبر وذلك قد بينا فساده.
وليس لأحد أن يقول إن كونهم بصفة المتواترين إنما يعلم بالدليل ولا يعلم
ذلك بالضرورة فما أنكرتم أن يكون قد دخلت عليهم الشبهة فاعتقدوا في من ليس
بصفة المتواترين أنهم متواترون.
وذلك أن العلم بأن الجماعة قد بلغت إلى حد لا يجوز على مثلها التواطؤ
مما يعلم بأدنى اعتبار العادة وليس ذلك مما يجوز دخول الشبهة فيهم، وإنما تدخل
الشبهة فيما طريقه النظر والاستدلال.
فأما الذي يبطل أن يكون الأصل في خبر النص واحدا ثم انتشر وظهر، هو
أنه لو كان الأمر على ذلك لوجب أن يعلم الوقت الذي أبدع فيه ومن المبدع له
حتى يعلم ذلك على وجه لا تحيل 1 على أحد من العقلاء.
الذي يدل على ذلك أن كل مذهب حدث بعد استقرار الشريعة لم يكن،
فإنه علم المحدث له والوقت الذي أحدث فيه، ألا ترى أنه لما كان أول من قال
بالمنزلة بين المنزلتين واصل بن عطا وعمرو بن عبيد علم ذلك ولم يخف، ولما
كان حدوث مذهب الخوارج عند التحكيم علم ذلك أيضا ولم يخف، وكذلك
مذهب أبي الهذيل في تناهي مقدورات الله تعالى وأن ذاته علمه علم ذلك ولم
يخف، وكذلك مذهب النظام في الجزء والطفرة من الإسلاميين، وكذلك مذهب
جهم بن صفوان لما لم يكن له سلف نسب المذهب إليه وعلم، وكذلك مذهب
ابن كلاب ومن بعده مذهب الأشعري في القول بقدم الصفات علم ذلك ولم
يخف، وكذلك لما لم يكن قد سبق أبا حنيفة من جمع فقهه على طريقته فنسب
فقهه إليه، وكذلك مذهب مالك والشافعي ولم يخف ذلك على أحد من العقلاء
ممن سمع الأخبار.
فلو كان القول بالنص جاريا هذا المجرى لوجب أن يعلم المحدث له

1 - لا تخفى. ظ.
120

ووقت حدوثه، وليس لأحد أن يقول إن ذلك أيضا قد علم في النص وأن الذي
أحدثه هشام بن الحكم ومن بعده ابن الراوندي وأبو عيسى الوراق، وذلك أنه لو كان
الأمر على ما ادعوه لوجب أن يحصل لنا العلم به كما حصل لنا العلم بسائر أرباب
المذاهب ولو كان العلم حاصلا بذلك لما جاز أن يكلم من خالف في ذلك
وادعى اتصاله بالنبي عليه السلام كما لا يحسن مكالمة من قال: إن قبل التحكيم
قد كان قوم من الخوارج يذهبون مذاهبهم، وفي حسن مناظرتهم لنا دليل على
الفرق بين الموضعين.
فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتموه من النص لوجب أن يعلم ضرورة
كما نعلم أن في الدنيا بصرة وغير ذلك من أخبار البلدان.
قيل له: ولو لم يكن النص صحيحا لوجب أن يعلم أنه لم يكن كما علم أنه
ليس بين بغداد والبصرة بلد أكبر منهما، وفي عدم العلم بذلك دليل على صحة
النص.
على أن الصحيح من المذهب أنه ليس يعلم شئ من مخبر الأخبار
بالضرورة وإنما يعلم الجميع بضرب من الاكتساب، وربما كان استدلالا وربما
كان اكتسابا والعلم بالنص إنما يعلم بالاستدلال وليس كذلك أخبار البلدان لأنها
تعلم بالاكتساب فلأجل ذلك افترق الأمران.
فإن قيل: هب أنكم لا تقولون العلم بمخبر الأخبار ضرورة أليس تقولون أن ها هنا
مخبرات كثيرة تعلم على وجه لا يختلج فيه الريب ولا الشكوك مثل العلم بوجوب
الصلوات الخمس وفرض الصوم والحج والزكاة وما يجري مجرى ذلك من الأمور
المعلومة ولما لم يكن النص معلوما مثل ذلك دل على أنه لم يكن لأنه لو كان لعلم
كعلمه.
قيل له: لم يحصل العلم بالأمور التي ذكرتموها على الوجه الذي ذكرتموه
لأجل أنها منصوص عليها فقط بل حصل العلم بها فإن 1 النص وقع عليها بحضرة
الجمهور الأعظم والسواد الأكبر وانضاف إلى ذلك العمل بها ولم يدع داع إلى
كتمانها ولا صرف صارف عن نقلها بل الدواعي كانت متوفرة إلى نشرها لأن

1 - لأن. ظ.
121

بذلك قوام الإسلام والدين.
وكل ذلك مفقود في أخبار النص لأنه إنما وقع في الأصل بحضرة جماعة
فيقطع بنقل 1 الحجة ولم يقع بحضرة الجمع العظيم ولا السواد الكثير، ثم عرض بعد
ذلك عوارض منعت من نشره وصرفت عن نقله فغمض طريق العلم به واحتاج إلى
ضرب من الاستدلال وجرى مجرى أمور كثيرة وقع النص عليها ولم يحصل العلم
بها كما حصل بما ذكرناه.
ألا ترى أن العلم بكيفية الصلاة وكيفية الطهارة لم يحصل على الحد الذي
حصل العلم بنفس الصلاة ونفس الطهارة لوجود الاختلاف في ذلك، وكما حصل
الخلاف في كيفية مناسك الحج ولم يحصل في نفس وجوب الحج، وحصل
الخلاف في كيفية القطع للسراق 2 ولم يحصل في وجوب القطع في الجملة،
وكذلك صفات الإمام ووجوب الاختيار وصفة المختارين عند خصومنا
منصوص 3، ومع هذا فهي معلومة بضرب من الاستدلال عندهم وليست معلومة
بالاضطرار، ونظائر ذلك كثيرة جدا.
وكل هذه الأمور التي ذكرناها منصوصا عليها شاركت ما ذكروها في
السؤال وخالفتها كيفية العلم بها.
وكما أن للنبي عليه السلام معجزات كثيرة سوى القرآن كلها معلومة
بضرب من الاستدلال وليست معلومة كما علمنا القرآن، وإن كان الجميع معلوما
ولكن لما غمض طريق هذا وصح طريق ذلك افترقا في كيفية حصول العلم
بهما.
وليس لأحد أن يدعى العلم بهذه المعجزات كما علم القرآن لأن القرآن
معلوم ضرورة والخلاف موجود فيما عداه من المعجزات، ألا ترى أن جميع من
خالف الإسلام ينكر المعجزات بأجمعها ويعتقد بطلانها ومن المسلمين من يدفع
بعضها أيضا، ألا ترى أن النظام أنكر انشقاق القمر وقال إن ذلك محال وما لم ينكره
ذكر أن طريقه الآحاد وكثير من المعتزلة الباقين ذكروا أنها معلومة بالإجماع، وليس

1 - بنقله. ظ.
2 - في الأصل: السراق.
3 - منصوصة. ظ.
122

ذلك موجودا في القرآن لأن أحدا من العقلاء لا ينكره ولا يدفعه.
فإن قيل: انفصلوا من البكرية والعباسية إذا عارضوكم على مذهبكم بمثل
طريقتكم وادعوا النص على صاحبيهما.
قيل له قد أبعدتم في المعارضة بمن ذكرتموه والفرق بيننا وبينهم واضح
وذلك أن أول ما نقول إنه لا يجوز أن يقع النص على أبي بكر والعباس من النبي
عليه السلام لأنه قد ثبت أن من شرط الإمامة العصمة والكمال في العلم والفضل
على جميع الرعية وليس ذلك موجودا فيهما فبطل إمامتهما
ثم إن نقل هؤلاء لا يعارض نقل الشيعة لأنهم نفر يسيروهم في الأصل
شذاذ لا يعرفون وإنما حكيت مذاهبهم على طريق التعجب كما ذكر أقوال ساير
الفرق المحيلة المبطلة.
ثم إنا لم نر في زماننا هذا أحدا من أهل العلم ممن له تحصيل يدعى
النص على هذين الرجلين وإنما يثبتون إمامة أبي بكر من جهة الاختيار فذلك يبين
لك عن بطلان هذه الدعوى.
والذي يدل على بطلان النص على أبي بكر أيضا قوله حين احتج على
الأنصار - على ما رواه - (الأئمة من قريش) ولو كان منصوصا عليه لكان ادعاؤه
النص أولى.
وقوله أيضا: بايعوا أي هذين الرجلين شئتم! - يعني أبا عبيدة وعمر -
ولو كان منصوصا عليه لما جاز له ذلك.
وقوله - أيضا -: أقيلوني أقيلوني يدل على بطلان النص عليه لأنه لو كان
منصوصا عليه لما جاز له أن يقول هذا القول.
ويدل أيضا على بطلان النص عليه قول عمر لأبي عبيدة: امدد يدك
أبايعك! حتى قال له أبو عبيدة: ما لك في الإسلام فهة غيرها.
وقوله أيضا حين حضرته الوفاة: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير
مني - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله
صلى الله عليه وآله - ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة.
وقوله أيضا: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عادها إلى مثلها
فاقتلوه، ولو كان منصوصا عليه لما احتاج إلى البيعة ولا لو بويع لكانت بيعته فلتة:
123

وكل ذلك يكشف عن بطلان النص عليه.
وأيضا فإن جميع ما رووه وادعوا أنه يدل على النص فليس في صريحه
ولا فحواه دلالة على النص على ما قد بيناه في كتاب تلخيص الشافي فكيف يدعي
أن ذلك معارض للنص الذي لا يحتمل شيئا من التأويل.
فإن قيل: لو كان النص عليه صحيحا على ما ادعيتموه وجب أن يحتج به
وينكر على من يدفعه عن ذلك بيده ولسانه ولما جاز منه أن يصلي معهم ولا أن
ينكح سبيهم ولا أن يأخذ من فيئهم ولا أن يجاهد معهم. وفي فعله عليه السلام
ذلك كله دليل على بطلان ما تدعونه.
قيل له: الذي منع أمير المؤمنين عليه السلام من الاحتجاج بالنص عليه
ما ظهر له بالأمارات اللايحة من... 1 القوم على الأمر واطراح العهد فيه وعزمهم على
الاستبداد به مع البدار منهم إليه والانتهاز له وأيسه 2 ذلك عن الانتفاع بالحجة،
وربما أدى ذلك إلى دعواهم النسخ لوقوع النص عليه فتكون البلية بذلك أعظم،
وأن ينكروا وقوع النص جملة ويكذبوه في دعواه فيكون البلاء به أشد.
وأما ترك النكير عليهم باليد فهو أنه لم يجد ناصرا ولا معينا على ذلك،
ولو تولاه بنفسه وحامته لربما أدى ذلك إلى قتله أو قتل أهله وأحبته فلأجل ذلك
عدل عن النكير.
وقد بين ذلك عليه السلام في قوله: (أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم)
وقوله أيضا بعد بيعة الناس له حين توجه إلى البصرة: (أما والله لولا حضور الناصر
ولزوم الحجة وما أخذ الله على أوليائه ألا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم
لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم عندي
أهون من عفطة عنز).
فبين عليه السلام أنه إنما قاتل من قاتل لوجود النصار وعدل عن قتال من
عدل عن قتالهم لعدمهم.
وأيضا فلو قاتلهم لربما أدى ذلك إلى بوار الإسلام وإلى ارتداد الناس إذ

1 - بياض بالأصل، وعبارة كتاب الاقتصاد هكذا: من إقدام القوم على طلب الأمر.
2 - فآيسه. ظ.
124

أكثر 1 وقد ذكر ذلك في قوله: (أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم).
فأما الإنكار باللسان فقد أنكر عليه السلام في مقام بعد مقام، ألا ترى إلى
قوله عليه السلام: (لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله)، وقوله:
(اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم منعوني حقي وغصبوني إرثي)، وفي رواية
أخرى: (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني [في] الحجر
والمدر...)، وقوله في خطبته المعروفة: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه
ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي
الطير...) إلى آخر الخطبة، صريح بالإنكار والتظلم من الحق.
فأما ذكره السائل من صلاته معهم فإنه عليه السلام إنما كان يصلي معهم
لا على طريق الاقتداء بهم بل كان يصلي لنفسه وإنما كان يركع بركوعهم ويكبر
بتكبيرهم، وليس ذلك بدليل الاقتداء عند أحد من الفقهاء.
فأما الجهاد معهم فإنه لم ير واحد أنه عليه السلام جاهد معهم ولا سار
تحت لوائهم، وأكثر ما روي في ذلك دفاعه عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله
وعن نفسه، وذلك واجب عليه وعلى كل أحد أن يدفع عن نفسه وعن أهله وإن لم
يكن هناك أحد يقتدى به.
فأما أخذه من فيئهم فإن ما كان يأخذ بعض حقه، ولمن له حق، له أن
يتوصل إلى أخذه بجميع أنواع التوصل ولم يكن يأخذ من أموالهم هم.
وأما نكاحه لسبيهم فقد اختلف في ذلك فمنهم من قال: إن النبي
عليه السلام وهب له الحنفية 2 وإنما استحل فرجها بقوله عليه السلام.
وقيل أيضا: إنها أسلمت وتزوجها أمير المؤمنين عليه السلام.
وقيل أيضا: إنه اشتراها فأعتقها ثم تزوجها.
وكل ذلك ممكن جائز، على أن عندنا يجوز وطء سبي أهل الضلال
إذا كان المسبي مستحقا لذلك، وهذا يسقط أصل السؤال.
فإن قيل: لو كان عليه السلام منصوصا عليه لما جاز منه الدخول في
الشورى، ولا الرضا بذلك، لأن ذلك خطأ على مذهبكم.

1 - كذا في الأصل، والظاهر: أو أكثرهم.
2 - أم ابنه عليه السلام: محمد.
125

قيل له: إنما دخل عليه السلام في الشورى لأمور:
منها إنه دخلها ليتمكن من إيراد النص عليه والاحتجاج بفضائله وسوابقه،
وما يدل على أنه أحق بالأمر وأولى، وقد علمنا أنه لو لم يدخلها لم يجز منه أن يبتدئ
بالاحتجاج، وليس هناك مقام احتجاج وبحث فجعل عليه السلام الدخول فيها
ذريعة إلى التنبيه على الحق بحسب الإمكان، على ما وردت به الرواية، فإنها
وردت بأنه عليه السلام عدد في ذلك اليوم جميع فضائله ومناقبه أو أكثرها.
ومنها أن السبب في دخوله عليه السلام كان للتقية والاستصلاح لأنه
عليه السلام لما دعى الدخول في الشورى أشفق من أن يمتنع فينسب 1 منه الامتناع
إلى المظاهرة والمكاشفة، وإلى أن تأخره عن الدخول إنما كان لاعتقاده أنه
صاحب الأمر دون من ضم إليه فحمله على الدخول ما حمله في الابتداء على إظهار
الرضا والتسليم.
فإن قيل: لو كان عليه السلام منصوصا عليه السلام 2 على ما تدعون لوجب أن
يكون من دفعه عن مقامه مرتدا كافرا، وفي ذلك، إكفار الأمة بأجمعها، وذلك
خروج عن الإسلام:
قيل له: الذي نقوله في ذلك: إن الناس لم يكونوا بأسرهم دافعين للنص
وعاملين بخلافه مع علمهم الضروري به، وإنما بادر قوم من الأنصار - لما قبض
الرسول عليه السلام - إلى طلب الإمامة واختلفت كلمة رؤسائهم واتصلت حالهم
بجماعة من المهاجرين فقصدوا السقيفة عاملين على إزالة الأمر من مستحقه
والاستبداد به، وكان الداعي لهم إلى ذلك والحامل لهم عليه رغبتهم في عاجل
الرياسة والتمكن من الحل والعقد، وانضاف إلى هذا الداعي ما كان في نفس
جماعة منهم من الحسد لأمير المؤمنين عليه السلام والعداوة له لقتل من قتل من أقاربهم
ولتقدمه واختصاصه بالفضائل الباهرة والمناقب الظاهرة التي لم يخل من اختص
ببعضها من حسد وغبطة وقصد بعداوة وآنسهم بتمام ما حاولوه بعض الأنس بتشاغل
بني هاشم وعكوفهم على تجهيز النبي عليه السلام فحضروا السقيفة ونازعوا في الأمر
وقووا على الأمر وجرى ما هو مذكور.

1 - فيتسبب.
2 - كذا في الأصل، والظاهر أنه زايد.
126

فلما رأى الناس فعلهم - وهم وجوه الصحابة ومن يحسن الظن بمثله
وتدخل الشبهة بفعله - توهم أكثرهم أنهم لم يتلبسوا بالأمر ولا أقدموا فيه على ما
أقدموا عليه إلا لعذر يسوغ لهم ويجوزه، فدخلت عليهم الشبهة واستحكمت في
نفوسهم، ولم يمنعوا النظر في حلها فمالوا ميلهم وسلموا لهم، وبقي العارفون بالحق
والثابتون عليه غير متمكنين من إظهار ما في نفوسهم فتكلم بعضهم ووقع منهم من
النزاع ما قد أتت به الرواية، ثم عاد عند الضرورة إلى الكف والإمساك وإظهار
التسليم مع إبطان الاعتقاد للحق ولم يكن في وسع هؤلاء إلا نقل ما علموه وسمعوه
من النص إلى اخلافهم ومن يأمنونه على نفوسهم فنقلوه وتواتروا الخبر به عنهم.
على أن الله تعالى قد أخبر عن أمة موسى عليه السلام أنها قد ارتدت بعد
مفارقة موسى إياها إلى ميقات ربه وعبدوا العجل واتبعوا السامري وهم قد شاهدوا
المعجزات مثل فلق البحر وقلب العصا حية واليد البيضاء وغير ذلك من
المعجزات، وفارقهم موسى أياما معلومة، والنبي عليه السلام خرج من الدنيا بالموت
فإذا كان كل ذلك جايزا عليهم فعلى أمتنا أجوز وأجوز.
على أن الله تعالى قد حكى في هذه الأمة وأخبر أنها ترتد، قال الله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل
بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه! قالوا: فاليهود
والنصارى يا رسول الله؟ قال فمن إذن؟!)
وقال عليه السلام: (ستفترق أمتي ثلاثة وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية
وثنتان وسبعون في النار).
وهذا كله يدل على جواز الخطأ عليهم بل على وقوعه فأين التعجب من
ذلك؟.
فإن قيل: كيف يكون منهم ما ذكرتموه من الضلال وقد أخبر الله تعالى أنه
رضي عنهم، وأعد لهم جنات في قوله: " السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها
127

الأنهار " 1 وقال: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما
في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم " 2 وذلك مانع من وقوع الضلال الموجب لدخول
النار.
قيل له: أما قوله: " والسابقون الأولون... " فإنما ذكر فيها الأولون منهم،
ومن ذكرناه ممن دفع النص لم يكن من السابقين الأولين لأنهم أمير المؤمنين
عليه السلام وجعفر بن أبي طالب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وخباب بن
الأرت، وغيرهم ممن قد ذكروا، ومن دفع النص كان إسلامه متأخرا عن إسلام
هؤلاء.
على أن من ذكروه لو ثبت له السبق فإنما يثبت له السبق إلى الإسلام في
الظاهر لأن الباطن لا يعلمه إلا الله، وليس كل من أظهر السبق إلى الإسلام كان
سبقه على وجه يستحق به الثواب، والله تعالى إنما عنى من يكون سبقه مرضيا على
الظاهر والباطن، فمن أين لهم أن من ذكروه كان سبقه على وجه يستحق به
الثواب.
على أنهم لو كانوا هم المعنيين بالآية لم يمنع ذلك من وقوع الخطأ منهم
ولا أوجب لهم العصمة لأن الرضي المذكور في الآية وما أعد الله من النعيم إنما
يكون مشروطا بالإقامة على ذلك والموافاة به، وذلك يجري مجرى قوله " وعد الله
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " 3 ولا أحد يقول إن ذلك
يوجب لهم العصمة ولا يؤمن وقوع الخطأ منهم بل ذلك مشروط بما ذكرناه وكذلك
حكم الآية.
وأيضا فإنه لا يجوز أن يكون هذا الوعد غير مشروط وأن يكون على الإطلاق
إلا لمن علم عصمته ولا يجوز عليه شئ من الخطأ، لأنه لو عنى من يجوز عليه الخطأ
بالإطلاق وعلى كل وجه كان ذلك إغراء له بالقبيح وذلك فاسد بالإجماع،
وليس أحد يدعي للمذكورين العصمة فبطل أن يكونوا معنيين بالآية على الإطلاق.
وأما قوله تعالى: " لقد رضي الله عن المؤمنين... " فالظاهر يدل على

1 - التوبة: الآية: 100.
2 - الفتح: الآية: 18.
3 - التوبة: الآية: 72.
128

تعليق الرضي بالمؤمنين، والمؤمن هو المستحق للثواب وألا يكون مستحقا لشئ من
العقاب فمن أين لهم أن القوم بهذه الصفة؟ فإن دون ذلك خرط القتاد.
على أنه تعالى قد بين أن المعنى بالآية من كان باطنه مثل ظاهره بقوله:
" فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم... " ثم قال: " وأثابهم فتحا قريبا " 1.
فبين أن الذي أنزل السكينة عليه هو الذي يكون الفتح على يديه، ولا خلاف أن أول
حرب كانت بعد بيعة الرضوان خيبر، وكان الفتح فيها على يدي أمير المؤمنين
عليه السلام بعد انهزام من أنهزم من القوم فيجب أن يكون هو المعني بالآية.
على أن ما قدمناه في الآية الأولى من أنها ينبغي أن تكون مشروطة وأن
لا تكون مطلقة، يمكن اعتماده هاهنا، وكذلك ما قلناه من أن الآية لو كانت مطلقة
كان ذلك إغراء بالقبيح موجود في هذه الآية.
ثم يقال لهم: قد رأينا من جملة السابقين ومن جملة المبايعين تحت
الشجرة من وقع منهم الخطأ، ألا ترى أن طلحة والزبير كانا من جملة السابقين ومن
جملة المبايعين تحت الشجرة وقد نكثا بيعة أمير المؤمنين عليه السلام وقاتلاه
وسفكا دماء شيعته، وتغلبا على أموال المسلمين، وكذلك فعلت عائشة، وهذا
سعد بن أبي وقاص من جملة السابقين والمبايعين تحت الشجرة وقد تأخر عن بيعة
أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك محمد بن مسلمة، وما كان أيضا من سعد بن
عبادة وطلبه الأمر خطأ، بلا خلاف، وقد استوفينا الكلام على هذه الطريقة في
كتابنا المعروف بالاستيفاء في الإمامة، فمن أراد الوقوف عليه فليطلبه من هناك
إن شاء الله.
دليل آخر
ومما يدل على إمامته عليه السلام قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " 2. ووجه الدلالة من الآية أنه قد ثبت أن الولي في الآية بمعنى الأحق
والأولى، وثبت أن المعني بقوله: " والذين آمنوا " أمير المؤمنين عليه السلام، وإذا
ثبت هذان الأصلان دل على إمامته عليه السلام، لأن كل من قال: إن معنى الولي

1 - الفتح: الآية 18.
2 - المائدة الآية: 55.
129

في الآية ما ذكرناه قال إنها مخصوصة فيه، ومن قال إنها مخصوصة قال إن المراد
بها الإمامة.
فإن قيل دلوا على أن الولي يستعمل في اللغة بمعنى الأولى والأحق، ثم
على أن المراد به في الآية ذلك، ثم بينوا توجهها إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
قيل له: أما الذي يدل على أن الولي يستعمل في اللغة بمعنى الأولى
استعمال أهل اللغة لأنهم يقولون في السلطان المالك للأمر: فلان ولي الأمر، وقال
الكميت:
ونعم ولي الأمر بعد وليه * ومنتجع التقوى ونعم المؤدب
ويقولون: فلان ولي العهد، في من استخلف للأمر لأنه أولى بمقامه من
غيره، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها
فنكاحها باطل). وإنما أراد به من يكون أولى بالعقد عليها، وقال الله تعالى: (فهب لي من لدنك
وليا يرثني " 1 يعني من يكون أولى بحوز الميراث من بني
العم، وقال المبرد في كتابه المعروف بالعبارة عن صفات الله: أن أصل الولي هو
الأولى والأحق وكذلك المولى، فجعل الثلاث عبارات بمعنى واحد، وشواهد ما
ذكرناه كثيرة [في كتب الأدب و] اللغة.
فأما الذي يدل على أن المراد به في الآية ما ذكرناه هو أن الله تعالى
[نفى] أن يكون لنا ولي غير الله وغير رسوله والذين آمنوا بلفظة (إنما)، ولو كان
المراد به الموالاة في الدين لما خص بها المذكورين لأن الموالاة في الدين عامة
في المؤمنين كلهم قال الله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " 2.
والذي يدل على أن لفظة " إنما " تفيد التخصيص أن القائل إذا قال: إنما
لك عندي درهم، فهم منه نفي ما زاد عليه وجرى مجرى: ليس لك عندي
إلا درهم، وكذلك إذا قالوا: إنما النحاة المدققون البصريون، فهم نفي التدقيق عن
غيرهم، وكذلك إذا قالوا: إنما السخاء 3 حاتم، فهم نفي السخاء عن غيره، وقد
قال الأعشى:

1 - مريم: الآية: 6.
2 - التوبة: الآية: 71.
3 - كذا في الأصل.
130

ولست بالأكثر منهم حصى * وإنما العزة للكاثر
وأراد نفي العزة عمن ليس بكاثر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله:
(إنما الماء من الماء) 1 واحتج بذلك الأنصار في نفي الماء من غير الماء وادعي
من خالفهم نسخ الخبر، فعلم أنهم فهموا منه التخصيص وإلا كانوا يقولون: (إنما)
لا تفيد الاختصاص بوجوب الماء من الماء.
والذي يدل على أن الولاية في الآية مختصة أنه قال: " وليكم " فخاطب به
جميع المؤمنين جملتهم ودخل في ذلك النبي وغيره ثم قال: " ورسوله " فأخرج
النبي عليه وآله السلام من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، فلما قال: " والذين
آمنوا " وجب أيضا أن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا أدى إلى
أن يكون المضاف هو المضاف إليه، وأدى إلى أن يكون كل واحد منهم ولى
نفسه، وذلك محال.
وإذا ثبت أن المراد في الآية ما ذكرناه والذي يدل على أن أمير المؤمنين
عليه السلام هو المختص بها أشياء:
منها أن كل من قال إن معنى الولي في الآية معنى الأحق قال إنه هو
المخصوص به، ومن خالف في اختصاص الآية فجعل الآية عامة في المؤمنين
وذلك قد أبطلناه.
ومنها أن النقل حاصل من الطائفتين المختلفتين والفرقتين المتباينتين من
الشيعة وأصحاب الحديث أن الآية خاصة في أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنها أن الله تعالى وصف الذين آمنوا بصفات ليست موجودة إلا فيه لأنه
قال: " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " فبين أن
المعنى بالآية هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأمة على أنه لم
يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين عليه السلام.
وليس لأحد أن يقول إن قوله: " وهم راكعون " ليس هو حالا لإيتاء الزكاة
بل إنما المراد به أن صفتهم إيتاء الزكاة لأن ذلك خلاف للغة، إلا ترى أن القائل
إذا قال: لقيت فلانا وهو راكب لم يفهم منه إلا لقاؤه في حال الركوب ولم يفهم
منه أن من شأنه الركوب. وإذا قال: رأيته وهو جالس أو جاءني وهو ماش، لم يفهم

1 - صحيح مسلم 1 / 185 وقيل في شرحه: أي إنما وجوب الاغتسال من نزول المني.
131

من ذلك كله إلا موافقة رؤيته في حال الجلوس أو مجيئه ماشيا وإذا ثبت ذلك
وجب أن يكون حكم الآية أيضا هذا الحكم.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى " وهم راكعون " أي يؤتون
الزكاة متواضعين! كما قال الشاعر:
لا تهين الكريم 1 علك أن تركع * يوما والدهر قد رفعه
وإنما أراد به علك أن تخضع يوما.
قيل له: الركوع هو التطأطؤ المخصوص، وإنما يقال للخضوع ركوع تشبيها
ومجازا لأن فيه ضربا من الانخفاض، والذي يدل على ما قلناه ما نص عليه أهل
اللغة، ذكر صاحب كتاب العين فقال كل شئ ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض
أو لا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع، وقال ابن دريد: الراكع: الذي يكبو على
وجهه ومنه الركوع في الصلاة، قال الشاعر:
وأفلت حاجب فوق العوالي * على شقاء تركع في الظراب
أي تكبو على وجهها. وإذا ثبت أن الحقيقة في الركوع ما ذكرناه لم يسغ
حمله على المجاز من غير ضرورة.
فإن قيل: قوله: " الذين آمنوا " لفظه [عام] كيف يجوز لكم حمله على
الواحد وهل ذلك إلا ترك للظاهر.
قيل له: قد يعبر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان عظيم الشأن عالي الذكر،
قال الله تعالى: " إنا نحن نزلنا الذكر " 2 وهو واحد، وقال: " ولو شئنا لآتينا كل
نفس هداها " 3، وقال: " إنا نحن نرث الأرض " 4، وقال: " رب ارجعون " 5 ونظائر
ذلك كثيرة. وأجمع المفسرون على أن قوله " الذين قال لهم الناس إن الناس قد
جمعوا لكم " 6 إن المراد بقوله " الناس " الأول [عبد الله] بن مسعود الأشجعي،
وقال تعالى " أفيضوا من حيث أفاض الناس " 7 يعني رسول الله صلى الله عليه وآله،
وقوله تعالى " الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " 8 نزلت في عبد الله بن
أبي سلول، وإذا كان ذلك مستعملا على ما قلناه، وكذلك 9 قوله تعالى: " الذين

1 - الفقير. ظ.
2 - الحجر: الآية: 9.
3 - السجدة: الآية 13.
4 - مريم: الآية: 40.
5 - المؤمنون: الآية: 99.
6 - آل عمران: الآية: 173.
7 - البقرة: الآية 199.
8 - آل عمران: الآية 168
9 - فكذلك. ظ
132

يقيمون الصلاة " نحمله على الواحد الذي بيناه.
فإن قيل أليس قد روي أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام 1 وأصحابه
فما أنكرتم أن يكون المعني ب‍ " الذين آمنوا " هم دون [من] ذهبتم إليه.
قلنا: أولا ما نقول إنا إذا دللنا على أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين
عليه السلام بنقل الطائفتين المختلفين، وإنما ذكرناه من اعتبار الصفة المذكورة
في الآية وأنها ليست حاصلة في غيره فقد بطل ما روى من هذه الرواية.
على أن الذي روي من خبر عبد الله بن سلام خلاف ما ذهب إليه السائل
وذلك أنه روي أن عبد الله سلام كان بينه وبين [اليهود] محالفة فلما أسلموا
قطعت اليهود محالفته وتبرؤا منهم فاغتم بذلك هو وأصحابه فأنزل الله هذه الآية
تسلية لعبد الله بن سلام وأنه قد عوضهم من محالفة اليهود ولاية الله وولاية رسوله
وولاية الذين آمنوا.
والذي يكشف عن ذلك أنه قد روي أنه لما نزلت الآية خرج النبي
صلى الله عليه وآله من البيت فقال لبعض أصحابه: هل أحد أعطى السائل شيئا؟
فقالوا: نعم يا رسول الله قد أعطى علي بن أبي طالب السائل خاتمه وهو راكع فقال
النبي صلى الله عليه وآله: الله أكبر، قد أنزل الله فيه قرآنا 2 ثم تلا الآية إلى آخرها
وفي ذلك بطلان ما توهمه السائل.
دليل آخر
ومما يدل أيضا على إمامته عليه السلام ما تواترت به الأخبار من قول النبي
صلى الله عليه وآله يوم غدير خم حين رجع من حجة الوداع بعد أن جمع الناس
ونصب الرجال ورقى إليها وخطب ووعظ وزجر ونعى إلى الخلق نفسه ثم قررهم
على فرض طاعته بقوله: (ألست أولى بكم منكم) 3 فلما قالوا بلى قال عاطفا على
ذلك فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من وانصر من
نصره واخذل من خذله)... 4

1 - قال في تلخيص الشافي: فإن قيل أليس قد روي أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت...
فراجع.
2 - القرآن.
3 - بأنفسكم.
4 - بياض بالأصل وراجع تلخيص الشافي 2: 168.
133

[فإن] الجملة المتأخرة محتملة للمعنى الذي هو في الجملة الأولى
ولغيره، فينبغي أن تكون محمولة عليه دون غيره على ما جرت به عادتهم في
الخطاب.
فإن قيل: دلوا أولا على صحة الخبر فإن مخالفيكم يقولون إنه من أخبار
الآحاد التي لا توجب علما، ثم دلوا على أن مولى يفيد معنى أولى في اللغة، ثم
بينوا بعد ذلك أنه لا بد أن يكون ذلك مرادا بالخبر دون غيره من الأقسام.
قيل له: الذي يدل على صحة الخبر هو أنه قد تواترت به الشيعة عن النبي
صلى الله عليه وآله، وقد رواه أيضا من مخالفيهم من أن لم يزيدوا على حد التواتر
لم ينقصوا منه، لأنه لا خبر في الشريعة مما قد اتفق مخالفونا معنا على أنه متواتر نقل
كنقله، ألا ترى أن أصحاب الحديث طرقوه من طرق كثيرة، هذا محمد بن جرير
الطبري قد أورده من نيف وسبعين طريقا في كتابه المعروف في ذلك، وهذا
أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد قد رواه من مائة وخمسة طرق، وقد ذكره أبو بكر
الجعابي 1 من مائة وخمسة وعشرين طريقا، وفي أصحاب الحديث من ذكر أنه قد
رواه أكثر من هؤلاء أيضا. وليس في شئ من أخبار الشريعة ما نقل هذا النقل، فإن لم يكن هذا
متواترا فليس ها هنا خبر متواتر.
وأيضا فإن الأمة بأجمعها قد سلمت هذا الخبر وإن اختلفت في تأويله ولم
يقدم أحد منهم على إبطاله، فلو لم يكن صحيحا لما خلا من طاعن يطعن عليه، لأن
ذلك كأن يكون إجماعا على الخطأ وذلك لا يجوز عندنا ولا عند مخالفينا وإن
اختلفنا في علة ذلك.
وأيضا فنحن إذا بينا فيما بعد أن مقتضى هذا الخبر الإمامة دون غيرها ثبت
لنا صحته لأن كل من ذهب إلى أن مقتضاه الإمامة قطع على صحته ومن قال إنه
خبر واحد لم يذهب في مقتضاه إلى معنى الإمامة.
وإذا ثبت صحته فالذي يدل على أن المولى يفيد الأولى في اللغة هو
استعمال أهلها، هذا أبو عبيدة معمر بن المثنى فسر قوله تعالى: " مأويكم النار هي

1 - راجع طبقات أعلام الشيعة القرن الرابع ص 296.
134

موليكم " 1 أي هي أولى بكم واستشهد ببيت لبيد:
فغدت كلى القرحين 2 يحسب أنه * مولى المخافة خلفها وإمامها
وقول أبي عبيدة حجة في اللغة.
وهذا الأخطل يمدح عبد الملك بن مروان فيقول:
فأصبحت مولاها من الناس كلهم * وأحرى قريش أن تهاب وتمحدها 3
أي أحق بالأمر منها وأصبحت سيدها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها
فنكاحها باطل).
وإنما أراد بذلك من هو أحق بالعقد عليها.
وقد ذكرنا 4 عن أبي العباس المبرد أنه قال: المولى الذي هو الأولى
والأحق ومثله المولى، فجعل الثلاث عبارات بمعنى واحد.
ومن له أدنى معرفة بالعربية وكلام أهلها فإنه لا يخفى ذلك عليه على كل
حال.
على أن من أصحابنا من قال إن هذه اللفظة لا تستعمل في موضع إلا
بمعنى الأولى وإنما تفيد في شئ مخصوص بحسب ما يضاف إليه، وذكر أن ابن
العم إنما سمي مولى لأنه يعقل عن بني عمه ويحوز ميراثه ويكون بذلك أولى من
غيره، وسمى الحليف [الجار - ظ] مولى لأنه أولى بصقبه من غيره لقول النبي
عليه السلام: (الجار أحق بصقبه) 5، وسمي المعتق مولى لأنه أولى بميراث معتقه
ويتضمن جريرته من غيره، وكذلك سمي المعتق مولى لأنه أولى بنصرة معتقه من
غيره، فجميع أقسام المولى لا يخلو من أن يكون فيه معنى الأولى موجودا.
وإذا ثبت بذلك أن مولى يفيد الأولى فالذي يدل على أنه مراد. في الخبر
دون غيره من الأقسام ما قدمناه من إتيانه بهذه الجملة بعد أن قدم جملة أخرى
محتملة لها ولغيرها فلو لم يكن المراد بذلك ما قدمناه لكان ملغزا في الكلام
ويحل عليه السلام عن ذلك ألا ترى أن القائل إذا أقبل على جماعة فقال لهم:

1 - الحديد: الآية: 15.
2 - كلا الفرجين.
3 - تحمدا.
4 - راجع الصفحة: 15 من هذه الرسالة.
5 - صحيح البخاري: 3 / 115 و 9 / 35.
6 - كذا في النسخة، والظاهر: يجل.
135

ألستم تعرفون عبدي فلانا فقررهم على معرفة عبد له من عبيده فلما قالوا بلى
قال لهم: فاعلموا أن عبدي حر، فلا يجوز أن يريد بقوله (فا علموا أن عبدي حر)
إلا العبد الذي قدم تقريرهم على معرفته وإلا أدى ذلك إلى الألغاز الذي قد بيناه.
وإذا ثبت أن معنى قوله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه) أي من كنت
أولى به وكان أولى بنا عليه السلام من حيث كان مفترض الطاعة علينا وجب علينا امتثال أمره ونهيه ومن 1 جعل هذه المنزلة لأمير المؤمنين عليه السلام دل على أنه
إمام لأن فرض الطاعة - بالخلاف - لا يجب إلا لنبي أو إمام، وإذا علمنا أنه لم
يكن نبيا ثبت أنه إمام.
فإن قيل: ظاهر قوله (من كنت مولاه) أن يكون المنزلة ثابتة في
الحال وذلك لا يليق بالإمامة التي ثبتت [بعد] الوفاة.
قيل له: لأصحابنا عن هذا جوابان:
أحدهما أن فرض الطاعة الذي اقتضاه الخبر قد كان حاصلا لأمير المؤمنين
عليه السلام في الحال وإنما لم يأمر مع وجوده كالمانع له من الأمر والنهي فإذا زال
المنع جاز له الأمر والنهي بمقتضى الخبر، ويجري مجرى من يوصي إلى غيره أو
من يستخلف غيره في أن استحقاق الوصيلة يثبت للوصي في الحال واستحقاق ولاية
العهد يثبت لو لي العهد في الحال [و] لم يجز لهما الأمر والنهي إلا بعد موت
الموصي والمستخلف.
والجواب الآخر قوله: (من كنت مولاه الخبر) [يعم] في الحال وفيما بعده
من الأوقات [كما كانت] هذه المنزلة له عليه السلام فإذا علمنا أنه لم يكن معه
إمام في الحال ثبت أنه إمام بعده بلا فصل.
وليس لهم أن يقولوا إذا جاز لكم أن تخصصوا بعض الأوقات مع أن الظاهر
يقتضيه 2 جاز لنا أيضا أن نخصص به فنحمله على بعد عثمان، لأن هذا يسقط
بالإجماع، لأن أحدا لا يثبت لأمير المؤمنين الإمامة بعد عثمان بهذا الخبر، وإنما
يثبت إمامته من عدا الشيعة بعد عثمان بالاختيار وذلك يبطل السؤال.
ولك أن تستدل على أن معنى الخبر، الأولى وإن لم تراع المقدمة بأن

1 - ومتى. ظ.
2 - لا يقتضيه. ظ.
136

تقول إذا ثبت أن هذه اللفظة تستعمل في معنى الأولى وغيره من الأقسام [و] أبطلنا
كل قسم سوى ذلك ثبت أنه مراد وإلا أدى إلى أن يكون الكلام لغوا.
والذي يدل على فساد الأقسام 1 ما... الأول أنه لا يجوز أن يريد النبي
عليه وآله السلام من جملة الأقسام...
لأن أحد القسمين محال فيه و... أمير المؤمنين لأنه لم يكن معتقا...
وما يدعى عند هذا الكلام أن المراد بالخبر كان الرد على أسامة بن زيد
باطل، لأنه كان من المعلوم أن له منزلة الولاء فإنه ثابت لبني عمه كما هو ثابت له
في الجاهلية والإسلام، ولم يكن أسامة بحيث ينكر ذلك، ولو كان أنكر لما جاز
للنبي عليه السلام أن يقوم ذلك المقام في مثل ذلك الوقت ويجمع ذلك الجمع
بل كان يكفي أن يقول لأسامة: أن عليا مولى من أنا مولاه، ولا يحتاج إلى أكثر
من ذلك.
ولا يجوز أن يكون المراد به الحليف لأنه عليه السلام لم يكن حليفا لأحد
ولأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة ويتوالى إليهم ليدفعوا عنه.
ولا يجوز أن يكون المراد به ابن العم لأن ذلك عبث لا فائدة فيه لأنه كان
معلوما لإصحابه أن أمير المؤمنين عليه السلام ابن عمه.
ولا يجوز أن يكون المراد به... مولى لأن ذلك محال.
ولا يجوز أن يكون المراد به تولى النصرة لأن ذلك أيضا معلوم من...
ولقوله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " 2 فلا فائدة في ذكره في
مثل ذلك المقام.
وإذا ثبت فساد جميع الأقسام حسب ما قدمناه لم يبق بعد ذلك إلا
ما قدمناه من أن المراد به (الأولى).
فإن قيل: ما [أنكرتم أن] يكون أراد عليه السلام بالخبر الموالاة له على
الظاهر و... يجوز أن يقوم لأجلها ذلك المقام؟! قيل.. من أقسام المولى التولي

1 - نسخة الأصل من هنا إلى آخرها ناقصة كما ترى. ولتصحيحها وتكميلها راجع تلخيص الشافي
2 / 191 والاقتصاد ص 220 ط قم.
2 - التوبة: الآية: 71.
137

على الظاهر والباطن ولا يعرف... ولا يجوز أن يحمل كلام النبي عليه السلام على
معنى لا... لأنه لو جاز ذلك لجاز لغيرهم أن يحمله على غير ذلك... بالخبر أصلا
وذلك فاسد بالاتفاق، وليس لهم أن يقولوا...
حيث اللغة التولي على الظاهر ونعلم أنه أراد... لأنه جعل ولايته كولاية
نفسه، ولما كان ولايته.. على أن مراده بالخبر ذلك لأن هذا... إذا... عن
الظاهر...
لك فأما إذا أمكن حمل الخبر على معنى يليق به ويفيده... أن يسند
إلى أمر آخر فحمله عليه أولى.
ومما يدل أيضا [على أن المراد بالمولى في] الخبر هو الإمامة وفرض
الطاعة ما ثبت من جماعة من الصحابة [العالمين] بالخطاب أنهم فهموا منه ذلك،
ونظموا في ذلك الأشعار [وحملوا الكلام على هذا المعنى] ولم ينكر ذلك عليهم
أحد منهم وقد أنشد [حسان بن ثابت في مدحه) عليه السلام الأبيات المعروفة التي
[يقول فيها:
يناديهم يوم الغدير نبيهم 1 [بخم واسمع بالرسول مناديا...] 2.

1 - هنا تمت نسخة الأصل.
2 - ومن تلك الأبيات: فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا...
138

عمل اليوم والليلة
139

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله
الطاهرين من عترته والمنتجبين من نجله وأرومته الأئمة الهداة وسلم تسليما
كثيرا.
أما بعد فإني مجيب إلى ما رسمه سيدنا الرئيس أطال الله بقاءه من إملاء
مختصر يشتمل على شرح الإحدى والخمسين ركعة من الصلاة، في اليوم والليلة،
والفرق بين الفرض منها والنفل، وشرح أركانها وبيان سننها ونوافلها، وذكر ما لا بد
في كل موضع من الإتيان به ولا يجزي الاقتصار على أقل منه، وأن أذكر من قراءة
السور المختارة والأدعية المختارة في القنوت والأوتار والجمل المرغب في ذكرها
بالغداة والعشي، وأن أقصد في ذلك الاقتصار وأتجنب في جميعها الإطالة
والاسهاب، ونجيب إلى عمل ذلك حسب ما رسمه، وأؤم نحو ما قصده، ومن الله
أستمد المعونة والتوفيق فهو حسبي ونعم الوكيل.
فصل
في بيان أفعال الصلاة وشروطها
للصلاة شروط تتقدمها وأفعال تقارنها، فمقدماتها خمسة أشياء:
الطهارة ومعرفة الوقت والقبلة وما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان، و
141

الآذان والإقامة، فالأذان مسنون منها والأربعة الباقية شرط في صحة الصلاة، وأنا
أبين في كل فصل على جهته على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى.
فصل
في بيان الطهارة
الطهارة على ضربين: وضوء وغسل، فالموجب للوضوء عشرة أشياء: البول
والغائط والريح والنوم الغالب على الحاستين وهما السمع والبصر وكل ما يزيل
العقل من سكر وجنون وإغماء وغير ذلك والجنابة وهي تكون بسببين إنزال
الماء الدافق والايلاج في الفرج حتى تغيب الحشفة والحيض والاستحاضة
والنفاس ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت قبل تطهير هم بالغسل.
وفرض الوضوء غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن
طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا مرة واحدة وغسل اليدين من المرفق
إلى رؤوس الأصابع مرة واحدة، والمسح بما بقي في يده من النداوة من مقدم رأسه
ثلاث أصابع مضمومة والمسح على الرجلين بباقي النداوة من رؤوس الأصابع إلى
الكعبين وهما موضع معقد الشراك من وسط القدم فإن أراد النفل تمضمض و
استنشق ثلاثا فإن استاك (1) أولا كان أفضل وغسل الوجه واليدين مرة أخرى ولا
تكرار في مسح الرأس والرجلين، ويستحب أن يقول عند غسل الوجه:
(اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه) و
إذا غسل يمينه قال: (اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد بالجنان بيساري و
حاسبني حسابا يسيرا) وإذا غسل اليسار قال: (اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا
من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي) وإذا مسح رأسه قال: (اللهم غشني
رحمتك وبركاتك) وإذا مسح قدميه قال: (اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم
تزل فيه الأقدام).
والنية واجبة في الطهارتين وهي أن تقصد بها رفع الحدث، والترتيب
واجب في الوضوء، وكذا الموالاة.

(1) - في الأصل: أمسك.
142

وأما الغسل فإنه يجب أن يغسل جميع جسده ولا يترك منه عضوا إلا يصل
الماء إليه ويبدء بغسل رأسه ثم جانبه الأيمن ثم جانبه الأيسر فهذا حكم الطهارة
بالماء.
فإن عدم الماء أو لم يتمكن من استعماله تيمم من الأرض الطاهرة ويضرب
بيديه الأرض ثم ينفضهما ويمسح بهما من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه و
يمسح بباطن يسراه ظهر كفه اليمنى من الزند إلى رؤوس الأصابع وببطن كفه
اليمنى ظهر كفه اليسرى من الزند إلى رؤوس الأصابع فإن كان عليه غسل ثنى
الضربة ولا ينفضهما (كذا) إحداهما للوجه والأخرى لليدين على ما بيناه.
فصل
في ذكر المواقيت
لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتان أول وآخر فأول وقت الظهر عند
الزوال وآخره إذا زاد الفيئ أربع أسباع الشخص وأول وقت العصر إذا فرغ من
فريضة الظهر وآخره إذا بقي من النهار مقدار ما يصلي أربعا وأول وقت المغرب
(سقط من هنا شئ كما هو الظاهر) إذا غاب الشفق وهو الحمرة وأول وقت العشاء
الآخرة غيبوبة الشفق وآخره ثلث الليل وأول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني و
آخره طلوع الشمس.
ولا ينبغي أن يصلي آخر الوقت إلا عند الضرورة لأن الوقت الأول أفضل مع
الاختيار ولا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت وبعد خروج وقتها تكون قضاء وفي
الوقت تكون أداء.
والأوقات المكروهة لابتداء النوافل خمس: عند طلوع الشمس و
عند غروبها وعند وقوعها في وسط السماء إلى أن تزول إلا في يوم الجمعة وبعد
فريضة الغداة إلى انبساط الشمس وبعد العصر إلى غروب الشمس
143

فصل
في ذكر القبلة
القبلة هي الكعبة فمن (1) كان مشاهدا لها أو كان في المسجد الحرام
فإن كان خارجا من المسجد ففرضه التوجه إلى المسجد في الحرم فإن خرج
من الحرم ففرضه التوجه إلى الحرم فإن كان بحيث لا يهتدي إلى القبلة ولا إلى
أمارة يستدل بها صلى إلى أربع جهات أربع مرات فإن لم يتمكن صلى إلى أي
جهة شاء.
فصل
فيما تجوز الصلاة فيه من المكان واللباس
الأرض كلها مسجد تجوز الصلاة فيها إذا كانت ملكا أو مباحا وكانت
خالية من نجاسة، فأما المغصوب فلا تجوز الصلاة فيه.
(و) من اللباس كل ما كان من نبات الأرض مثل القطن والكتان والصلاة
فيه جائزة إذا كان ملكا أو مباحا وكان خاليا من النجاسة وكذلك كل ما كان من
جلد ووبر وشعر ما يؤكل لحمه تجوز الصلاة فيه إلا جلود الميت فإنها وإن دبغت فلا
تجوز الصلاة فيها وما لا يؤكل لحمه لا يصلى فيه، الأرنب والثعلب وأشباهها
(كذا).
ولا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس
على مجرى العادة.
فصل
في ذكر الأذان والإقامة
هما مسنونان في جميع الفرائض الخمس لا غير، وعدد فصولهما خمسة و

(1) - كذا في الأصل والظاهر: لمن.
144

ثلاثون فصلا الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر فصلا.
فالأول الأذان التكبير أربع مرات والإقرار بالتوحيد مرتان، والإقرار بالنبي
صلى الله عليه وآله مرتان وحي على الصلاة مرتان وحي على الفلاح مرتان وحي
على خير العمل مرتان، والتكبير مرتان والتهليل مرتان.
والإقامة مثل ذلك إلا أنه يسقط التكبير من أولها مرتين ويجعل بدلها قد
قامت الصلاة مرتين بعد حي على خير العمل ويسقط التهليل مرة.
وإن ترك الأذان والإقامة في جميع الصلوات كانت صلاته ماضية
لا يجب عليه إعادتها.
فصل
في ذكر أعداد الصلوات
الصلوات المفروضة في الحضر ومن كان حكمه حكم الحاضر سبع عشرة
ركعة في اليوم والليلة، وفي السفر إحدى عشر ركعة الظهر والعصر والعشاء الآخرة
أربع ركعات بتشهدين وتسليمة واحدة في الحضر وركعتان في السفر والمغرب
ثلاث ركعات في الحالين والغداة ركعتان في الحالين.
والنوافل في الحضر أربع وثلاثون ركعة وفي السفر سبعة عشر ركعة فنوافل
الحضر ثمان ركعة (كذا) بعد الزوال قبل فريضة الظهر كل ركعتين بتشهد وتسليمة
وثمان ركعات بعد الفريضة مثل ذلك وأربع ركعات بتشهدين وتسليمتين بعد
فريضة المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس تعدان بركعة وإحدى عشر
ركعة صلاة الليل كل ركعتين بتشهد وتسليم والوتر ركعة مفردة بتشهد وتسليم، و
ركعتان نافلة (1) الفجر بتشهد وتسليم.
وتسقط نوافل النهار في السفر وكذلك ركعتان من جلوس بعد العشاء
الآخرة والباقي على ما ذكرناه في الحضر.
والمفروضة لا بد من الإتيان بها فإن فاتت لتقصير أو عائق فلا بد من قضائها

(1) - في الأصل: نوافل.
145

والنوافل إن وقع فيها تقصير أو ترك لم يؤخذ بها غير أنه يفوته ثواب فعلها فإن أمكنه
قضائها متى فاتت قضاها فإنه أفضل.
فصل
في كيفية أفعال الصلاة المقارنة لها
أول ما يجب على المصلي أن ينوي الصلاة التي يصليها بقلبه ثم يكبر
تكبيرة الإحرام فيقول (الله أكبر) لا يجزي غيره من الألفاظ، فالمفروض مرة واحدة
والمسنون سبع مرات بينهن ثلاث أدعية.
والتوجه مستحب غير واجب فإن أتى به فالأفضل أن يكبر تكبيرة الإحرام
ثم يتوجه فإن قدم التوجه ثم كبر تكبيرة الإحرام وقرأ بعدها كان جائزا.
ثم القراءة وهي شرط في صحة الصلاة، وتتعين القراءة في الحمد وحدها
فإنها لا بد من قراءتها ولا يقوم مقامها غيرها في جميع الصلوات فرائضها وسننها، و
بعدها إن كان مصليا فرضا فلا بد أن يقرأ معها سورة أخرى لا أقل منها ولا أكثر
في الأوليين من كل صلاة، وفي الأخريين مخير بين قراءة الحمد وحدها وبين عشر
تسبيحات ويقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر في الثالثة وليس
يتعين سورة من القرآن بل يقرأ ما شاء غير أنه روى أن أفضل ما يقرأ في الفرائض
الحمد وأنا أنزلناه في ليلة القدر وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله
أحد.
هذا مع الاقتصار فإن أراد الفضل قرأ في الصبح السورة المتوسطة
من المفصل كهل أتى على الإنسان حين من الدهر، وعم يتسائلون وأشباه ذلك،
وفي العشاء الآخرة مثل سبح اسم ربك الأعلى وفي المغرب الحمد وإنا أنزلناه و
وما أشبهها، وفي صلاة النهار مثل ذلك، وخص غداة يوم الخميس والاثنين بقراءة
هل أتى على الإنسان وليلة الجمعة في المغرب سورة الجمعة وفي الثانية قل هو الله
أحد، وفي العشاء الآخرة سورة الجمعة وفي الثانية سورة الأعلى وفي غداة الجمعة
الجمعة وقل هو الله أحد، وفي صلاة الظهر يوم الجمعة وفي صلاة العصر الجمعة
والمنافقون وفي باقي الصلوات يختار من السور.
146

ولا يقرأ في الفرائض سورة (كذا) العزائم وهي أربع سور، ألم تنزيل
السجدة، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك، ولا يقرأ أيضا سورة طويلة يفوت
بقراءتها الوقت كالبقرة وأشباهها.
فأما القراءة في النوافل فأفضل ما يقتصر عليه الحمد وقل هو الله أحد وإن
اقتصر على الحمد أجزأه، وإن قرأ سورة أطول من الإخلاص جاز
ويستحب أن يقرأ في صلاة الليل السور الطوال كالأنعام والكهف وما
أشبههما إن أمكنه فإن لم يتمكن اقتصر على الإخلاص فإن ضاق الوقت اقتصر على
الحمد، وقد خص الركعتان الأوليان من صلاة الليل بثلاثين مرة (قل هو الله أحد) و
ركعتا الشفع بالمعوذتين وركعة الوتر بسورة الإخلاص والمعوذتين [و] إن قرأ بغيرها
كان جائزا.
والركوع منه في كل ركعة فلا بد أن يطأطئ حتى تمس يده عيني ركبتيه،
لا يجوز مع الاختيار غيره والذكر في الركوع لا بد منه وأقل ما يجزي أن تقول (سبحان
ربي العظيم وبحمده) مرة والفضل في ثلاث أو خمس أو سبع، وترك الذكر فيه
عامدا يفسد الصلاة، ثم يرفع الرأس ويطمئن ولا بد من ذلك.
ثم يسجد على سبعة أعضاء فريضة: الجبهة واليدين وعيني الركبتين (1) و
طرف أصابع الرجلين لا يترك شيئا من ذلك مع الاختيار، والارغام بالأنف سنة
مؤكدة، والذكر في السجود لا بد منه أيضا وأقل ما يقتصر أن يقول: (سبحان ربي
الأعلى وبحمده) مرة واحدة، وثلاث أفضل، وأفضل منه خمس أو سبع، وترك
الذكر فيه عامدا يبطل الصلاة.
ثم يرفع رأسه ويتمكن، لا بد من ذلك، ثم يعود إلى السجود ثانيا ويسجد
كما سجد أولا وقد بيناه، ثم يرفع رأسه فإن جلس ثم قام كان أفضل، فإن قام من
السجود أجزأه ويصلي ركعة ثانية بالصفة التي ذكرناها.
ويستحب له إذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية وأراد الركوع أن يقنت قبل
الركوع في جميع الصلوات فرائضها ونوافلها وآكدها في الفرائض وآكد الفرائض
في صلاة الغداة والمغرب فإن تركه ساهيا قضاه بعد الركوع، فإن تركه متعمدا لم تبطل
صلاته غير أن يفوته ثواب فعله وأقل ما يجزي من القنوت أن يقول ثلاث تسبيحات

(1) - في الأصل: ركبتين.
147

وأفضله كلمات الفرج وهي: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن و
ما تحتهن ورب العرش العظيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وإن اقتصر
على قوله (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم أنك أنت الأعز الأكرم) أو غيره من
ألفاظ الدعاء كان جائزا.
فإذا جلس للتشهد فيستحب أن يجلس متوركا ولا يقعد على رجليه.
وأقل ما يجزيه من التشهد أن يقول أربعة ألفاظ: الشهادتان والصلاة على
النبي محمد والصلاة على آله وصفته أن يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صل على محمد وآل محمد) وما زاد على
ذلك من الألفاظ فمستحب لا يخل تركه بالصلاة وهذا القدر من التشهد كاف في
جميع الصلوات فرائضها ونوافلها في التشهد الأول والثاني وإن زاد في التشهد
الثاني ألفاظ التحيات كان أفضل.
ثم يسلم إن كانت الصلاة ثنائية مثل الغداة تسليمة واحدة يومئ بها إلى
يمينه وإن كانت ثلاثية مثل المغرب أضاف إليها ركعة وهو مخير في القراءة
أو التسبيح على ما بيناه من التخيير بين القراءة والتسبيح.
فإذا سلم عقب عقيب الفرائض بما يسنح له من الأدعية ورغب في تسبيح
الزهراء عليها السلام وأن لا يخل بذلك في أعقاب الصلوات وهي أربع وثلاثون
تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة ثم يصلي بعد ذلك على
النبي وآله وعلى الأئمة واحدا واحدا ويقول اللهم إني أسألك من كل خير أحاط
به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك وأسألك عافيتك في أموري كلها
وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
ويستحب أن يقول عقيب التسليم (لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له
مسلمون لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون، لا إله إلا الله وحده وحده وحده أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده،
فله الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ
قدير).
ثم يسبح تسبيح الزهراء عليها السلام على ما بيناه ويدعو بالدعاء
148

الذي ذكرناه، وإن أضاف إلى ذلك ثلاثين مرة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) كان له فضل كبير ثم يقول (اللهم اهدني لما اختلف فيه
من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط المستقيم) ويستحب أن يقول عقيب
صلاة الظهر: اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل
بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته
ولا هما إلا فرجته ولا سقما إلا شفيته ولا عيبا إلا سترته ولا رزقا إلا بسطته ولا خوفا إلا
أمنته ولا سوءا إلا وقيته ولا حاجة هي لك رضى ولي فيها صلاح إلا قضيتها يا أرحم
الراحمين آمين رب العالمين.
وإن كان عقيب صلاة العصر قال بعد التعقيب الذي ذكرناه (اللهم صل
على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل
بركاتك (1) والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته) ويدعو بما يجب.
وإن كان عقيب صلاة المغرب فإنه يستحب الاقتصار على تسبيح الزهراء
فإذا صلى الأربع ركعات نوافلها عقب بعدها بما أراد وزاد في الدعاء ما اختار، و
يستحب أن يقول عقيب المغرب (بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة
الرحمان الرحيم، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والسقم والعدم والصغار
والذل والفواحش ما ظهر منها وما بطن) ويقول عقيب العشاء الآخرة: اللهم بحق
محمد وآل محمد لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك ولا تكشف عنا سترك
ولا تحرمنا فضلك ولا تحلل علينا غضبك ولا تباعدنا من جوارك ولا تنقصنا من
رحمتك ولا تنزع عنا بركتك ولا تمنعنا عافيتك وأصلح لنا ما أعطيتنا وزدنا من
فضلك المبارك الطيب الحسن الجميل ولا تغير ما بنا من نعمتك ولا تؤيسنا من
روحك ولا تهنا بعد كرامتك ولا تضلنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة
إنك أنت الوهاب، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وإن كانت صلاة الغداة قال بعد التعقيب بما مضى (اللهم إنك تنزل في
الليل والنهار ما شئت، فأنزل علي وعلى إخواني وأهلي وأهل حزانتي من رحمتك
ورضوانك ومغفرتك ورزقك الواسع على ما تجعله قوة لديني ودنياي يا أرحم

(1) - في الأصل: من بركاتك بأفضل بركاتك.
149

الراحمين اللهم افتح لي ولأهل بيتي بابا من رحمتك ورزقا من عندك، اللهم
لا تحصر علي رزقي ولا تجعلني محارفا واجعلني ممن يخاف مقامك ويخاف
وعيدك ويرجو لقائك واجعلني أتوب إليك توبة نصوحا وارزقني عملا متقبلا
وعملا نجيا وسعيا مشكورا وتجارة لن تبور).
فإذا فرغ من التعقيب سجد سجدة الشكر ويكون فيها ملقيا على جبهته
بالأرض يقول فيها ثلاث مرات (شكرا لله) وإن قال ذلك مائة مرة كان أفضل.
وأما صلاة الليل فوقتها بعد انتصاف الليل وكل ما كان أقرب إلى الفجر
كان أفضل، والقراءة فيها ما تختاره وقد قدمنا القول في ذلك.
فأما الوتر فإنه يستحب أن يطول الدعاء فيها إن أمكنه فإن لم يمكنه دعا بما
تمكن منه والأدعية في ذلك غير محصورة وأفضل ما روى في ذلك أن يقول (يا
الله ليس يرد غضبك إلا حلمك ولا ينجي من نقمتك إلا رحمتك ولا ينجي منك
إلا التضرع إليك فهب (لي) يا إلهي من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من
سواك بالقدرة التي تحيي بها ميت العباد وبها تنشر جميع من في البلاد
ولا تهلكني غما حتى تغفر (1) لي وترحمني وتعرفني الاستجابة في دعائي و
أذقني طعم العافية إلى منتهى أجلي إلهي إن وضعتني فمن ذا الذي يرفعني وإن
رفعتني فمن ذا الذي يضعني وإن أهلكتني فمن ذا الذي يحول بيني وبينك
أو يعترض عليك في أمري، وقد علمت يا إلهي أن ليس في حكمك ظلم ولا في
نقمتك عجلة إنما يعجل من يخاف الفوت وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف وقد
تعاليت يا إلهي عن ذلك علوا كبيرا فلا تجعلني للبلاء غرضا ولا لنقمتك نصبا و
مهلني (ونفسني) وأقلني عثرتي ولا تتبعني ببلاء على أثر بلاء،
فقد ترى يا رب ضعفي وقلة حيلتي، استجير بك الليلة فأجرني واستعيذ بك
من النار فأعذني وأسألك الجنة فلا تحرمني).
ومهما زاد في الدعاء كان أفضل، يستغفر الله سبعين مرة يقول
(أستغفر الله وأتوب إليه) ثم يركع فإذا رفع رأسه قال (إلهي هذا مقام من حسناته
نعمة منك وسيآته بعمله وذنبه عظيم وشكره قليل وليس لذلك إلا عفوك و

(1) - في أصل: تغفره.
150

رحمتك فإنك قلت في محكم كتابك المنزل على نبيك المرسل: كانوا قليلا
من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون طال هجوعي وقل قيامي وهذا السحر
وأنا أستغفرك لذنوبي استغفار من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة
ولا نشورا)
ويخر ساجدا فإذا سلم قام فصلى ركعتي الفجر فإذا صلاهما سبح بعدهما
تسبيح الزهراء عليها السلام ثم اضطجع على يمينه وقال: أستمسك بعروة الله الوثقى
التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل الله المتين وأعوذ بالله من شر فسقة العرب
والعجم وأعوذ بالله من شر فسقة الجن والإنس، آمنت بالله توكلت على الله والجأت
ظهري إلى الله وفوضت أمري إلى الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ
أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا حسبي الله ونعم الوكيل اللهم من أصبحت حاجته
إلى مخلوق فإن حاجتي ورغبتي إليك الحمد لرب الصباح الحمد لفالق الأصباح
ثلاثا ثم يقرأ من آخر آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض - إلى قوله - إنك
لا تخلف الميعاد) فإن لم يتمكن من الاضطجاع جاز بدلا من (1) السجود أو قال
ذلك ماشيا أو قائما أو قاعدا.
ويستحب أن يقول الإنسان في كل غدوة وعشية (اللهم إنه لم يمس أحد
من خلقك ولا أصبح وأنت إليه أحسن صنيعا ولا له أدوم كرامة ولا عليه أبين فضلا
ولا به أشد حياطة ولا عليه أشد تعطفا منك علي وإن كان جميع المخلوقين يعددون
من ذلك مثل تعديدي فأشهد يا كافي الشهادة فإني أشهدك بنية صدق بان لك
الفضل والطول في أنعامك على مع قلة شكري لك فيها صل على محمد وآل
محمد وطوقني أمانا من حلول السخط لقلة الشكر وأوجب لي زيادة من إتمام
النعمة بسعة المغفرة أمطرني خيرك فصل على محمد وآل محمد الأتقياء ولا
تقايسني بسوء سريرتي وامتحن لرضاك واجعل ما أتقرب به إليك في دينك
خالصا ولا تجعله للزوم شبهة أو فخر أو رياء يا كريم).
ويستحب أن يقول الإنسان في كل غداة وعشية عشر مرات (لا إله إلا الله
وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير

(1) - كذا في الأصل والظاهر " منه ".
151

وهو على كل شئ قدير).
ويقول أيضا عشر مرات (ما شاء الله لا قوة إلا بالله).
قد أتيت بجمل من القول فيما رامه وتحريت الاختصار حسب ما آثره ولم
أطول القول فيه فيمله وأرجو أن يكون موافقا لإرادته ملائما لغرضه فإن أراد بسطا فلي
مختصر في الجمل والعقود في العبادات أزيد من هذا وإن أراد بسطا ففي كتاب
النهاية ومن أراد التفريع والمسائل الغامضة رجع إلى كتاب المبسوط يجد من ذكر
(الفروع) ما لا مزيد عليه إن شاء الله.
وأسأل الله أن يجعل ذلك خالصا لوجهه (وأن) ينفعنا وإياه في العمل
بمتضمنه (1) واجدين بذلك القربة إن شاء الله تعالى وبه الثقة وبه نستعين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.
فرغ من نسخة لنفسه العبد المذنب الجاني محمد بن رجب علي الطهراني (2)
غروب يوم السبت التاسع من ذي القعدة من سنة ست وثلاثين وثلاثمأة بعد الألف
في الغري على ساكنه السلام.

(1) - في الأصل: لمتضمنه.
(2) - هو العلامة المحدث الشيخ ميرزا محمد العسكري الطهراني نزيل سامراء المتوفى بها في عام
1371 وكان رحمه الله شيخ إجازة المشايخ المتأخرين وله عدة مؤلفات منها مستدرك على كتاب بحار الأنوار وكانت له مكتبة فيها من نفائس المخطوطات.
152

الجمل والعقود
في العبادات
لشيخ الطائفة الإمامية أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي
(385 - 460)
صححه وعلق عليه ورتب أرقامه
الأستاذ محمد واعظ زاده الخراساني
153

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطاهرين (1).
أما بعد فأنا مجيب إلى ما سأل (2) الشيخ الفاضل أدام الله (3) بقائه (4)
من إملاء مختصر يشتمل على ذكر كتب العبادات وذكر عقود أبوابها وحصر جملها
وبيان أفعالها وانقسامها إلى الأفعال والتروك وما يتنوع من الوجوب والندب
والآداب وأضبطها بالعدد ليسهل (5) على من يريد حفظها ولا يصعب تناولها ويفزع
إليه الحافظ عند تذكره والطالب عند تدبره فإن الكتب المصنفة في هذا المعنى
مبسوطة، وخاصة ما ذكرناه في كتاب النهاية فإنه لا مستزاد على ما تضمنه ولا
مستدرك على ما اشتمل عليه إلا مسائل التفريع التي شرعنا في كتاب [آخر فيها
س ك] إذا سهل الله تعالى إتمامه وانضاف إلى كتاب النهاية كان غاية
فيما يراد.
وليس ينحصر مثل هذه (6) الكتب للمبتدين ولا للمنتهين، وإنما يقع
الأنس بها لمن أدام (7) النظر فيها وردد فكره وخاطره في تأملها.
وعمل محتصر يشتمل على عقود الأبواب يحفظها كل أحد (8) تكثر

1 - (ك و س): وآله الطيبين الأخيار وسلم كثيرا.
2 - (ك): سأله.
3 - (س): أطال الله.
4 - (س وص): بقاه.
(5) - (س): لتسهل.
6 - (ص): هذا الكتب للمبتدئين ولا للمنهيين!
7 - (ك): دام. 8 - (ص) واحد.
155

المنفعة به ويرجى جزيل الثواب بعمله وأنا مجيب إلى ما سأله مستمدا من الله
تعالى المعونة والتوفيق فإنه القادر عليهما وهو بفضله يسمع ويجيب.
1 - فصل " في ذكر " أقسام العبادات
عبادات الشرع خمس:
1 - 5 الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد.
2 - فصل في [ذكر ص ك] أقسام أفعال الصلاة
أفعال الصلاة على ضربين: أحدهما يتقدمها والآخر يقارنها.
فالذي يتقدمها على ضربين: مفروض، ومسنون. فالمفروضات عشر (9).
1 - 5 الطهارة، والوقت، والقبلة، وأعداد الفرائض، وستر العورة.
6 - ومعرفة ما تجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا تجوز.
7 - ومعرفة ما تجوز الصلاة عليه من المكان وما لا تجوز.
8 و 9 - وطهارة البدن، وطهارة الثياب من النجاسات.
10 - وطهارة موضع السجود.
والمسنون قسم واحد: [وهو ص ك] الأذان والإقامة.
ونحن نذكر كل قسم منه، ونحصر عدد ما فيه، ثم نذكر ما يقارن حال
الصلاة إن شاء الله تعالى.
3 - فصل في ذكر الطهارة
الطهارة تشتمل على أمور تقارنها. ومقدمات تتقدمها فمقدماتها على
ضربين: أفعال، وتروك.
فالأفعال على ثلاثة أضرب: واجب، وندب، وأدب.

9 - (س): عشرة.
156

فالواجب أمران (10).
أحدهما استنجاء مخرج النجو إما بالماء أو بالأحجار (11).
والثاني غسل مخرج البول بالماء لا غير.
والندب خمسة أشياء:
1 - 4 - الدعاء عند دخول الخلاء، والدعاء عند الاستنجاء، والدعاء
عند الفراغ منه، والدعاء عند الخروج من الخلاء.
5 - والجمع بين الحجارة (12) والماء في الاستنجاء أو الاقتصار على
الماء دون الحجارة.
والآداب ثلاثة أشياء:
1 - تغطية الرأس عند دخول الخلاء.
2 وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول.
3 - وتقديم الرجل اليمنى عند الخروج.
وأما التروك فعلى ثلاثة أضرب: واجب، وندب، وأدب فالواجب أمران:
1 و 2 - ألا (13) يستقبل القبلة. ولا يستدبرها (14) مع الإمكان.
والمندوب ثلاثة عشر تركا:
1 - 3 - لا (15) يستقبل الشمس، ولا القمر، ولا الريح بالبول.
4 - 11 - ولا يحدث في الماء الجاري، ولا الراكد، ولا في الطريق،
ولا تحت الأشجار المثمرة، ولا [في ص] أفنية (16) الدور، ولا مواضع اللعن، ولا
المشارع، ولا المواضع التي (17) تتأذى بها الناس (18).
12 - ولا يبولن (19) في جحرة الحيوان.
13 - ولا يطمح ببوله في الهواء. والآداب أربعة. 1 - 4 -
أن لا يتكلم على (20) حال الخلاء، ولا يستاك، ولا يأكل،

10 - (ك و س): شيئان.
11 - (ك): أو الأحجار.
12 - (ك و س) في الموضعين: الأحجار.
13 - (س): لا يستقبل.
14 - (ص): والآخر أن لا يستدبرها.
15 - (ص): إلا.
16 - (ك): افنئة.
17 - (ك) الذي!
18 - (ص): الناس بها.
19 - (س) ولا يبول.
20 - (س): في حال.
157

ولا يشرب.
4 - فصل في ذكر ما يقارن الوضوء.
الوضوء يشتمل على أمرين: أفعال وكيفياتها.
فالأفعال على ثلاثة أضرب: واجب، ومندوب، وأدب، فالواجب خمسة
أشياء:
1 - 5 - النية، وغسل الوجه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، ومسح
الرجلين.
والمندوب اثنا عشر شيئا:
1 - غسل اليدين من النوم والبول مرة [واحدة ك] ومن الغائط مرتين قبل
إدخالهما الإناء.
2 و 3 - وغسل الوجه ثانيا، وكذلك غسل اليدين.
4 - 5 - والمضمضة، والاستنشاق.
6 - 12 - والدعاء عند المضمضة، وعند الاستنشاق، وعند غسل الوجه، و
[عند س گ] غسل اليدين، وعند مسح الرأس، وعند مسح الرجلين والتسمية.
وفيه ترك واحد: وهو أن لا يتمندل.
والآداب ثلاثة أشياء:
1 - وضع (21) الإناء على اليمين.
2 و 3 - وأخذ الماء باليمين، وإدارته إلى اليسار.
وأما الكيفيات فعلى ضربين: واجب، وندب.
فالواجب عشرة:
1 و 2 - مقارنة النية لحال (22) الوضوء، واستدامة (23) حكمها. إلى
عند الفراغ.
3 - وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا

21 - (ص): والضع!
22 - (ص): بحال.
23 - (ك و س): استمرار، خ ل (س): استدامه.
158

و (24) ما دارت عليه الوسطى والإبهام (25) عرضا.
4 - وغسل اليدين من المرفقين (26) إلى أطراف الأصابع.
5 - وأن لا يستقبل الشعر غسلهما.
6 - والمسح بمقدم الرأس بمقدار (27) ما يقع عليه اسم المسح.
7 - ومسح الرجلين من رؤس الأصابع إلى الكعبين وهما الناتئان (28)
في وسط القدم.
8 - والترتيب: وهو أن يبدأ بغسل الوجه، ثم باليد اليمنى، ثم
باليد اليسرى (29) ثم بمسح الرأس، ثم بمسح الرجلين.
9 - والموالاة: وهي أن يوالي بين غسل الأعضاء، ولا يؤخر بعضها عن
بعض بمقدار ما يجف ما تقدم.
10 - ويمسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء من غير استيناف ماء
جديد.
والندب خمسة:
1 - أن يأتي بالمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا.
2 - وأن يغسل الغسلات المسنونة على هيئة الغسلات الواجبة.
3 - وأن يمسح من مقدم (30) الرأس مقدار ثلاث أصابع مضمومة.
4 - ويمسح الرجلين بكفيه (31) من رؤس الأصابع إلى الكعبين.
5 - وأن يضع الماء في غسل يديه على ظهر ذراعيه من المرفق إن كان
رجلا، وإن كانت امرأة فعلى باطن ذراعيها (32).

24 - (ص) سقط منها (واو العطف)
25 - (ك): الإبهام والوسطى.
26 - (ك و س): المرفق.
27 - (ك و س): مقدار.
28 - ك و س النايتان (ص): النابتان، والصحيح الناتئان كما في المتن ففي مجمع البحرين:
نتأ ثدي الجارية ارتفع، والفاعل: ناتئ.
29 - (ك و س): ثم باليسرى.
30 - (ص): بمقدم.
31 - (ص): بكتفيه!
32 - (ك): ذراعها.
159

5 - فصل فيما ينقض الوضوء
ما (33) ينقض الوضوء على ضربين:
أحدهما يوجب إعادة الوضوء، والثاني يوجب الغسل. فما يوجب الوضوء
خمسة أشياء:
1 - 3 - البول، والغائط، والريح.
4 - والنوم الغالب على السمع والبصر.
5 - وما يزيل العقل والتمييز (34) من سائر أنواع المرض من الإغماء (35)
[والجنون ص] وغير ذلك.
وما يوجب الغسل ستة أشياء:
1 - خروج المني على كل حال في النوم واليقظة بشهوة وغير شهوة.
2 - والجماع في الفرج وإن لم ينزل.
3 - 5 - والحيض والاستحاضة والنفاس.
6 - ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت، وقبل تطهيرهم بالغسل.
6 - فصل في ذكر الجنابة
الجنابة تكون بشيئين:
أحدهما: إنزال الماء الدافق على كل حال على ما بيناه.
والثاني: الجماع في الفرج سواء أنزل أو لم ينزل.
ويتعلق بها أحكام تنقسم إلى محرمات ومكروهات:
فالمحرمات خمسة أشياء:
1 - قراءة العزايم من القرآن.
2 و 3 - ودخول المساجد إلا عابر (36) سبيل، ووضع شئ فيها.

33 - (ك): فما.
34 - (ص): التميز!
35 - (ص): الاغما!
36 - (س): عابري سبيل.
160

4 و 5 - ومس كتابة المصحف أو شئ عليه اسم الله (37) تعالى، أو
أسماء أنبيائه، وأئمته عليهم السلام.
والمكروهات أربعة أشياء:
1 و 2 - الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق.
3 و 4 - والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب.
فإذا أراد الغسل وجب عليه أفعال وهيئات، ويستحب له أفعال.
فالواجب (38) من الأفعال ثلاثة:
1 و 2 - الاستبراء بالبول على الرجال أو الاجتهاد، والنية.
3 - وغسل جميع الجسد (39) على وجه يصل الماء إلى أصول الشعر بأقل
ما يقع عليه اسم الغسل.
وإلهيات ثلاثة: 1 و 2 - مقارنة النية لحال (40) الغسل والاستمرار عليها حكما
3 - والترتيب في الغسل: يبدأ (41) بغسل الرأس، ثم بالجانب (42)
الأيمن، ثم [بالجانب ص] الأيسر.
والمستحب (43) أربعة أشياء:
1 - غسل اليدين ثلاث مرات قبل إدخالهما الإناء.
2 و 3 - والمضمضة، والاستنشاق.
4 - والغسل بصاع من الماء (44) فما زاد.

37 - في حاشية (س) هكذا: خ ل أسماء الله وفي بعض النسخ: عليه اسم من أسماء الله.
38 - (س): فالواجبات.
39 - (ك): البدن.
40 - (ص): بحال!
41 - (ك): أن يبدء، خ ل (س): وهو أن يبدء.
42 - (س): ثم الجانب.
43 - (ص): فالمستحب.
44 - (ك و س): من ماء.
161

7 - فصل في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس
الحيض هو الدم الأسود الخارج بحرارة [وحرقة ك] على وجه يتعلق به
أحكام نذكرها ولقليله حد. ويتعلق به عشرون حكما: أربعة منها مكروهة
والباقي إما محظور أو واجب (45).
فالواجبات:
1 و 2 - لا يجب عليها الصلاة، ولا يجوز منها فعل الصلاة.
3 - ولا يصح منها الصوم.
4 - ويحرم عليها دخول المساجد.
5 و 6 - ولا يصح منها الاعتكاف ولا يصح منها الطواف.
7 - ويحرم عليها قراءة العزائم.
8 - ويحرم عليها [من القرآن س] مس كتابة القرآن.
9 - ويحرم على زوجها وطيها (46).
10 و 11 - ويجب على من وطئها متعمدا الكفارة، ويجب عليه التعزير.
12 و 13 - ويجب عليها الغسل عند انقطاع الدم (47)، ولا يصح طلاقها.
14 و 15 - ولا يصح منها الغسل، ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث [به
ص].
16 و 17 - ولا يجب عليها قضاء الصلاة، ويجب عليها قضاء الصوم.
والمكروهات أربعة:
1 - 4 - يكره لها قراءة ما عدا (48) العزايم، ومس المصحف، وحمله،
ويكره لها الخضاب.
وينقسم الحيض ثلاثة أقسام: قليل، وكثير، وما بينهما.

45 - (ك و س): محظورة أو واجبة.
46 - (س): وطؤها.
47 - (س وك): عند الانقطاع.
48 -
162

فالقليل ثلاثة أيام متواليات.
والكثير عشرة أيام لا أكثر منها.
وما بينهما بحسب العادة.
فإذا أرادت الغسل وجب عليها أفعال وهيئات:.
فالأفعال، إن كان انقطاع دمها فيما دون الأكثر [فعليها س] أن تستبرئ
نفسها بقطنة، فإن خرجت نقية فهي طاهرة (49)، وإن خرجت ملوثة بالدم فهي بعد
حائض تصبر حتى تنقى.
[وإن كان فيما زاد على العشرة فلا تستبرئ نفسها (50)].
وكيفية غسلها وهيآته مثل كيفية غسل الجنابة في جميع الأحكام ويزيد
على ذلك (51) بوجوب تقديم الوضوء على الغسل ليجوز لها استباحة الصلاة.
وأما المستحاضة فهي التي ترى (52) الدم بعد العشرة الأيام (53) من
الحيض أو بعد أكثر [أيام ص س] النفاس.
وهي على ضربين: مبتدأة، وغير مبتدأة.
فإن كانت مبتدأة فلها أربعة أحوال إذا (54) استمر بها الدم:
أولها: أن يتميز لها بالصفة فيجب أن تعمل عليها (55).
والثاني: أن لا يتميز لها [س بالصفة] فلترجع إلى عادة نسائها من أهلها.
والثالث: (56) [ص ك أن] لا تكون لها نساء فلترجع إلى من هي مثلها
في السن.
والرابع: [ك ص أن] لا يكون لها نساء ولا مثل في السن، أو كن

49 - (س) طاهر.
50 - كذا في (ص)، وفي (س): وإن كان انقطاع دمها في العاشر فلا تستبرئ نفسها ولا يوجد
شئ من الجملتين في (ك).
51 - (ك): عليه. 52 - (ص): ترك!
53 - (س): العشرة أيام (ك): عشرة أيام.
54 - (ص): إذ استمر!
55 - (ك و س): عليه.
56 - واو العطف في الثالث والرابع سقطت من (ك).
163

مختلفات [العادة س ص] فلتترك الصلاة في كل شهر سبعة أيام مخيرة في
ذلك.
وإن لم تكن مبتدأة، وكانت لها عادة فلها أربعة أحوال:
أحدها: [ص ك أن] تكون لها عادة بلا تمييز (57) فلتعمل عليها.
والثاني: لها عادة وتمييز فلتعمل على العادة.
والثالث: اختلفت عادتها ولها تمييز فلتعمل على التمييز.
والرابع: (58) اختلفت عادتها ولا تمييز لها فلتترك الصلاة في كل شهر
سبعة أيام حسب ما قدمناه.
والمستحاضة لها ثلاثة أحوال:
أولها: أن ترى الدم القليل، وحده أن لا يظهر على القطنة فعليها تجديد
الوضوء (59) لكل صلاة وتغيير القطن (60) والخرقة.
والثاني: (61) أن ترى الدم أكثر من ذلك وهو أن يظهر على القطنة
ولا يسيل فعليها غسل واحد لصلاة الغداة، وتجديد الوضوء (62) لباقي
الصلوات (63)، مع تغيير القطن والخرقة.
والثالث: (64) أن ترى الدم أكثر من ذلك، وهو أن يظهر على القطنة
ويسيل فعليها ثلاثة أغسال.
1 - غسل لصلاة الظهر والعصر تجمع بينهما.
2 - وغسل لصلاة المغرب (65) والعشاء الآخرة تجمع بينهما.
3 - وغسل لصلاة [الليل وص س] الغداة [تجمع بينهما (66)].
وكيفية غسلها مثل غسل الحايض سواء، ولا يحرم عليها شئ مما

57 - (ص) في جميع المواضع: تميز.
58 - حرف العطف في الثالث والرابع، سقطت من (ك).
59 - (ص): الوضوء!
60 - (ك): القطنة.
61 - (ك): بلا (واو).
62 - (ص): الوضوء!
63 - (ص): الصلوات!
64 - (ك): بلا (واو).
65 - (س): وغسل للمغرب.
66 - هذه الجملة جاءت في حاشية (س) خ ل.
164

يحرم (67) على الحائض إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.
وأما النفساء فهي التي ترى الدم عقيب الولادة، وحكمها حكم الحائض
في جميع المحرمات والمكروهات وفي الغسل، وكيفيته، وأكثر أيامها، وتفارقها
في الأقل، فإنه ليس لقليل النفاس حد.
8 - فصل في حكم الأموات (68)
هذا الفصل يحتاج إلى بيان أربعة أشياء:
أولها الغسل وبيان أحكامه.
والثاني التكفين وبيان أحكامه.
والثالث (69) دفنه وبيان أحكامه.
والرابع الصلاة عليه وبيان أحكامها.
فالغسل يتعلق به فروض وندوب.
فالفروض (70) ثلاثة أشياء: أن يغسل ثلاث مرات على ترتيب غسل
الجنابة وكيفيته (71) وهيآته، مستور العورة.
أولها بماء السدر (72). والثاني بماء جلال (73) الكافور، والثالث بالماء (74)
القراح.
والمسنون ستة أشياء:
1 - توجيهه إلى القبلة في حال الغسل.
2 - ووقوف الغاسل على جانب يمينه.
3 - وغمز بطنه في الغسلتين الأوليين 75

67 - (ك): يحرم، من باب التفعيل مجهولا.
68 - (ك): غسل الأموات، مكان (حكم الأموات).
69 - واو العطف في الثالث والرابع، ليست في (ك).
70 - (ص): فالفرض.
71 - (ك): كيفياته.
72 - كلمة ماء في (ص) في هذا الموضع وفي أكثر المواضع جاءت (ما) بلا همزة!
73 - (ص): الجلال!
74 - (ص وك) بماء.
75 - (ك و س): الأولتين.
165

4 - والذكر والاستغفار عند الغسل.
5 - وأن يجعل لمصب الماء حفيرة [يدخل فيها الماء ص س].
6 - وأن يغسل (76) تحت سقف.
وأما التكفين ففيه المفروض، والمسنون:
فالمفروض أربعة أشياء:
1 - 3 - تكفينه في ثلاثة أثواب مع القدرة: ميزر وقميص وإزار.
4 - وإمساس شئ من الكافور مساجده مع القدرة.
والمسنون سبعة أشياء:
1 و 2 - أن يزاد على الكفن إزاران: أحدهما حبرة، والآخر (77) خرقة
يشد بها (78) فخذيه.
3 و 4 - وعمامة يعمم بها محنكا، وإن كانت امرأة تزاد لفافتين
أخراوين (79).
5 - وأن يكون الكافور ثلاثة عشر درهما وثلثا أو أربعة مثاقيل، وأقله
درهم (80) مع القدرة.
6 - وأن يمسح بذلك مساجده السبعة التي سجد (81) عليها.
7 - وأن يجعل معه جريدتين خضراوين.
وأما الدفن ففيه الفرض والندب:
فالفرض شئ واحد وهو دفنه.
والندب عشرون شيئا:
1 - أن يتبع الجنازة أو بين جنبيها.
2 - وأن توضع الجنازة عند رجل القبر إن كان رجلا، وقدام القبر مما يلي
القبلة إن كانت (82) امرأة.

76 - (ص): تغسل!
77 - (س): والثاني خ ل (س): أحدهما حبرة يمنية والأخرى خرقة.
78 - (ك): لشد فحذيه.
79 - (ص): الأخراوين (ك): آخرتين.
80 - (ك): درهما.
81 - (ك): يسجد.
82 - (ك): كان.
166

3 - ويؤخذ الرجل من قبل رأسه، والمرأة بالعرض.
4 - وأن يكون القبر قدر قامة أو إلى الترقوة (83).
5 - واللحد أفضل من الشق.
6 - وأن يكون اللحد واسعا مقدار ما يجلس فيه الجالس.
7 - والذكر عند تناوله، وعند وضعه في اللحد.
8 و 9 - ويحل عقد الأكفان، (84)، ويضع خده على التراب.
10 - ويضع [شيئا س] (85) من التربة معه.
11 - ويلقنه الشهادتين، والإقرار بالنبي [صلى الله عليه وآله ص س]
والأئمة [عليهم السلام ص س].
12 - 16 - ويشرج اللبن، ويطم القبر، ويرفعه من الأرض مقدار أربع
أصابع [مفتوحة ص]، ويسويه ويربعه.
17 - ويرش الماء عليه من أربع جوانبه.
18 و 19 - [ويضع اليد عليه (86)] ويترحم عليه.
20 - ويلقنه بعد انصراف الناس عنه وليه.
وأما الصلاة [عليه ص س] فسنذكرها في باب الصلاة إن شاء الله
[تعالى (ص)].
9 - فصل في ذكر الأغسال (87) المسنونة.
الأغسال المسنونة ثمانية وعشرون غسلا:
1 - غسل يوم الجمعة.
2 و 3 - وليلة النصف من رجب، ويوم السابع والعشرين (88) منه.
4 - وليلة النصف من شعبان.

83 - (ص): الترقوة، بتشديد واو!
84 - (ك): كفنه.
85 - (ك): وأن يوضع شئ.
86 - سقطت من (س) لكن الكاتب أضافها في الحاشية ناسبا لها إلى بعض النسخ.
87 - (ص): أغسال المسنونة، وكذا في الجملة بعدها!
88 - (ص): والعشرون!
167

5 - 10 - وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه وليلة سبع عشرة
منه، وليلة تسع عشرة منه، وليلة إحدى وعشرين منه، وليلة ثلاث وعشرين منه.
11 - 13 - وليلة الفطر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى.
14 - 18 - وغسل الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مكة (89)
وعند دخول المسجد الحرام، وعند دخول الكعبة.
19 - 20 - وعند دخول المدينة، وعند دخول مسجد النبي عليه السلام.
21 و 22 - وعند زيارة النبي [عليه السلام ص ك]، وعند زيارة الأئمة
عليهم السلام.
23 و 24 - ويوم الغدير، ويوم المباهلة [وهو رابع وعشرون من ذي
الحجة (90]
25 و 26 - وغسل التوبة، وغسل المولود.
27 - وغسل قاضي صلاة (91) الكسوف إذا احترق القرص كله وتركها
متعمدا.
28 و 29 - وعند صلاة الحاجة وعند صلاة الاستخارة.
10 - فصل في ذكر التيمم وأحكامه
لا يجوز التيمم إلا بأحد ثلاثة شروط:
1 - إما عدم الماء مع الطلب له [أو حكمه ص خ].
2 - أو عدم ما يتوصل به إليه من آلة أو ثمن.
3 - أو الخوف من استعماله إما على النفس أو المال.
ومع حصول هذه الشروط لا يصح التيمم إلا عند تضيق وقت الصلاة.
ولا يصح التيمم إلا بالأرض أو ما يقع عليه اسم الأرض بالإطلاق من تراب
أو مدر أو حجر.

89 - (ص): المكة!
90 - هذه الجملة جاءت فقط في حاشية (س) بعد التصحيح.
91 - (ص): الصلاة!
168

وكيفيته أن يضرب يديه (92) على الأرض دفعة [واحدة ص س] إن
كان عليه الوضوء (93) وينفضهما، ويمسح بهما وجهه من قصاص الشعر من ناصيته إلى طرف أنفه، وببطن يده اليسرى ظهر كفه اليسرى من الزند إلى أطراف
الأصابع.
وإن كان عليه الغسل يضرب (94) ضربتين، واحدة (95) للوجه والأخرى
لليدين، والكيفية واحدة.
ونواقض التيمم: كل ما ينقض الطهارة، ويزيد عليها (96) التمكن من
استعمال الماء. وكل ما يستباح بالوضوء يستباح بالتيمم على حد واحد.
11 - فصل في [ذكر ك] أحكام المياه
الماء على ضربين: نجس وطاهر:
فالنجس لا يجوز استعماله على [كل ص] حال إلا عند الخوف من تلف
النفس.
والطاهر على ضربين: مضاف ومطلق:
فالمضاف كل ماء (97) اعتصر من جسم، أو استخرج منه، أو كان مرقة:
مثل ماء الورد، والآس، والخلاف، وماء الباقلاء، وما أشبه ذلك. فجميع ذلك
لا يجوز استعماله في رفع الأحداث، ولا [في ص] قلاء إزالة (98) النجاسات،
ويجوز فيما عدا ذلك.
والمطلق على ضربين: جار، وواقف:
فالجاري طاهر مطهر ولا (99) ينجسه شئ إلا ما غير أحد أوصافه: [ص إما]
لونه، أو طعمه، أو رايحته.

92 - (ك): بيديه.
93 - (س): وضوء.
94 - (ك): ضرب.
95 - (ك و س) مكان " واحدة ": " ضربة ".
96 - (ص): عليه!
97 - (س): كل ما خ ل " كل ماء ".
98 - (ص): أزالت!
99 - (ك): لا ينجسه، بدون " واو ".
169

والواقف على ضربين: ماء البئر (100)، وغير ماء البئر.
فماء البئر طاهر مطهر، إلا أن تقع فيه نجاسة فإذا وقعت فيه نجاسة فقد
نجست قليلا كان الماء أو كثيرا.
والنجاسة الواقعة فيها على ضربين: أحدهما يوجب نزح جميعها والآخر
يوجب نزح بعضها.
فما يوجب نزح جميعها تسعة أشياء:
1 - 3 - الخمر، وكل مسكر والفقاع.
4 - 7 - والمني ودم الحيض والاستحاضة (101) والنفاس.
8 و 9 - والبعير إذا مات فيها. وكل نجاسة غيرت أحد أوصاف الماء.
وما يوجب نزح بعضها فكل شئ له مقدار قد فصلته (102) في النهاية
وماء غير البئر على ضربين: كثير وقليل.
فحد الكثير ما بلغ كرا فصاعدا.
وحد الكر ما كان ثلاثة أشبار ونصفا (103) عرضا في طول في عمق أو
ما كان قدره ألفا ومائتي رطل بالعراقي وذلك لا ينجسه شئ إلا ما غير أحد
أوصافه.
وحد القليل ما نقص عن الكر وذلك ينجس بما يقع فيه من
النجاسات (104) وإن لم يتغير أوصافه (105).
12 - فصل في ذكر النجاسات، ووجوب إزالتها عن الثياب والبدن
يجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن حتى يصح الدخول في الصلاة.
والنجاسات على ضربين: دم وغير دم.

100 - كلمة بئر رغم أنها كذلك في اللغة والمحاورة، جاءت في جميع النسخ (بير) بالياء بدل
الهمزة!
101 - (ك و س): والنفاس والاستحاضة.
102 - (ك و س): فصلناه.
103 - خ ل (س): ونصف.
104 - (ك و س): النجاسة.
105 - (ك و س): وأن لم يغير أحد أوصافه.
170

فالدم على ثلاثة أضرب:
1 - ضرب تجب إزالة قليله وكثيره، وهي ثلاثة أجناس: دم الحيض،
والاستحاضة، والنفاس.
2 - ودم لا يجب إزالة قليله و [لا - س] كثيرة وهي خمسة أجناس:
1 - 5 - دم البق، والبراغيث، والسمك، والجراح اللازمة، والقروح
الدامية (106).
3 - ودم يجب إزالة ما بلغ مقدار درهم فصاعدا، وما نقص عنه لا يجب
إزالته، وهو باقي الدماء من سائر الحيوان.
وما ليس بدم من النجاسة يجب إزالة قليله وكثيره، وهي خمسة أجناس:
[1 و 2 - كل مسكر خمرا كان أو نبيذا، والفقاع.
3 - 5 - والبول، والغايط، من كل ما لا يؤكل لحمه، والمني من سائر
الحيوان، وما أكل لحمه فإنه لا بأس ببوله، وروثه، وذرقه إلا ذرق الدجاج
خاصة] (107).
ويجب غسل الإناء من النجاسات كلها ثلاث [مرات ص س] ومن ولوغ
الكلب مثله: واحدة منها بالتراب، وهي أولاهن من الولوغ خاصة.
ويغسل [الإناء ص] من الخمر سبع مرات، وروي مثل ذلك في الفارة
إذا ماتت في الماء.
وكل ما ليس له نفس سايلة لا يفسد الماء بموته فيه.
* * *

106 - (س): الدائمة.
107 - هذه العبارة في (س وك) هكذا: البول والغائط من الآدمي وكل ما لا يؤكل لحمه، وما
أكل لحمه لا بأس ببوله أو روثه أو ذرقه (ك: فلا بأس ببوله وذرقه وروثه) إلا ذرق الدجاج خاصة، والمني من الآدمي وغيره، وكل مسكر خمرا كان أو نبيذا والفقاع وفي خ ل (س) كما في المتن
إلا أن فيه: والغائط من الآدمي وكل ما لا يؤكل لحمه والمني من الآدمي وغيره وما أكل لحمه فلا
بأس الخ... وفي ضبط آخر من (س) هكذا: والغائط من الآدمي وغيره مما لا يؤكل لحمه والمني من ساير الحيوان، وكل ما أكل لحمه لا بأس ببوله وروثه وذرقه. ولا يخفى عليك أن هذا الاختلاف لا يغير المعنى في شئ.
171

كتاب الصلاة
فصل في أعداد الصلوات.
الصلاة في اليوم والليلة خمس [صلوات ك س]:
1 و 2 - [صلاة س] الظهر في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتان،
والعصر مثل ذلك.
3 - والمغرب ثلاث ركعات في الحضر والسفر.
4 - والعشاء الآخرة مثل الظهر والعصر (1).
5 - والغداة ركعتان في السفر والحضر.
والنوافل في اليوم والليلة [في الحضر ص س] أربع وثلاثون ركعة، وفي
السفر سبع (2) عشرة ركعة:
1 - 16 - بعد الزوال قبل الفرض ثماني ركعات، وبعد الفرض ثماني
ركعات كل ركعتين بتشهد وتسليمة (3) وتسقطان معا في السفر.
17 - 20 - ونوافل المغرب أربع ركعات في السفر والحضر.
21 - وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة في الحضر تعدان بركعة
واحدة تسقط (4) في السفر. ص س]

1 - (ك): والعصر!
2 - (ص س): سبعة!
3 - (ك): تسليم.
4 - (س): ويسقطان.
173

22 - 32 - وصلاة الليل إحدى عشرة ركعة في السفر والحضر.
33 و 34 - وركعتا الفجر في الحالين معا.
2 - فصل في ذكر المواقيت
لكل صلاة وقتان: أول وآخر.
فالأول: وقت من لا عذر له. والثاني: وقت من له عذر.
فأول وقت (5) الظهر زوال الشمس، وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله.
وأول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر، وآخره إذا صار ظل كل
شئ مثليه.
وأول وقت المغرب غيبوبة الشمس وآخره غيبوبة الشفق: وهو الحمرة،
من ناحية المغرب.
وأول وقت العشاء (6) الآخرة عند الفراغ من فريضة المغرب، وروى بعد
غيبوبة الشفق، وآخره ثلث الليل، وروى نصف الليل.
وأول وقت صلاة الغداة طلوع الفجر الثاني، وآخره طلوع الشمس.
ووقت نوافل الزوال ما بين زوال (7) الشمس إلى أن يبقى إلى آخر الوقت
مقدار ما يصلى فيه فريضة الظهر.
و [وقت ص س] نوافل العصر ما بين الفراغ من فريضة الظهر إلى خروج
وقته.
ووقت نوافل المغرب عند الفراغ من فريضته.
ووقت الوتيرة بعد الفراغ من فريضة العشاء الآخرة.
ووقت صلاة الليل (8) بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر.
ووقت ركعتي الفجر بعد (9) الفراغ من صلاة الليل إلى طلوع الحمرة من
ناحية المشرق.

5 - (ص): فالأول وقت!
6 - (س): عشاء الآخرة.
7 - (ص): الزوال الشمس!
8 - نسخة بدل (س): نوافل الليل.
9 - (ك): عند الفراغ.
174

خمس صلوات (10) تصلى في كل وقت ما لم يتضيق وقت فريضة
حاضرة:
1 و 2 - من فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها، وكذلك من قضى
النوافل (11) ما لم يدخل وقت فريضة [حاضرة (12)].
2 - 5 - وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، وركعتا (13) الإحرام، وركعتا
الطواف.
الأوقات المكروهة لابتداء النوافل فيها خمسة (14).
1 و 2 - بعد فريضة الغداة وعند طلوع الشمس.
3 - وعند قيامها نصف النهار إلى أن تزول [الشمس ص] إلا [في ص]
يوم الجمعة.
4 و 5 - وبعد فريضة العصر، وعند غروب الشمس.
والصلاة قبل دخول وقتها لا تجوز على كل حال، وبعد خروج وقتها تكون
قضاء، وفي وقتها تكون أداء سواء كان في أوله أو آخره، إلا أن الأول (15) أفضل.
3 - فصل في [ذكر ص س] القبلة وأحكامها
القبلة على ثلاثة أقسام:
1 - فالكعبة قبلة من كان مشاهدا لها أو في حكم المشاهد.
2 - والمسجد قبلة من لم يشاهد الكعبة وشاهده، أو غلب في ظنه (16)
جهته ممن كان في الحرم.
3 - والحرم (17) قبلة من نأى عن الحرم.
والناس يتوجهون إلى القبلة من أربع جوانب [البيت س].

10 - (ص): صلوات!
11 - (ك و س): وكذلك قضاء النوافل.
12 - (ص): الحاضرة وسقطت هذه الكلمة رأسا من (س وك).
13 - (س): وركعت الإحرام! (ك) وركعتي الإحرام وركعتي الطواف.
14 - (ك): خمس.
15 - (ص): أول أفضل!
16 - (س): على ظنه.
17 - (ك): فالحرم.
175

1 - فالركن العراقي لأهل العراق.
2 - والركن اليماني لأهل اليمن.
3 - والغربي لأهل الغرب.
4 - والشامي لأهل الشام.
وعلى أهل العراق التياسر قليلا وليس لغيرهم ذلك.
ويعرف أهل العراق قبلتهم بأربعة أشياء:
1 - أن يكون الجدي (18) خلف منكبه الأيمن.
2 - أو يكون الشفق محاذيا (19) لمنكبه الأيمن.
3 - أو الفجر محاذيا لمنكبه الأيسر.
4 - أو عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن.
فإن فقد هذه الأمارات صلى إلى أربع جهات مع الاختيار ومع الضرورة
[صلى س] إلى أي جهة شاء.
ثلاثة يستقبلون قبلتهم بتكبير الإحرام ثم يصلون كيف شاءوا:
1 - المصلي على الراحلة نافلة.
2 - ومن كان في السفينة ثم دارت السفينة.
3 - ومن يصلي صلاة شدة الخوف.
4 - فصل في ستر العورة
ستر العورة على ضربين: مفروض، ومسنون:
فالمفروض ستر السوئتين على الرجال، وعلى الحراير من النساء جميع
البدن [إلا الوجه والكفين والقدمين ص]، والأمة يجوز لها (20) أن تصلي مكشوفة
الرأس.

18 - (ص): الجدي (بفتح الأول وسكون الثاني)، وهو المشهور عنه أهل اللغة، قيل وقد يصغر إذا
أريد به النجم المعروف لتمييزه عن البرج.
19 - (س): في الموردين: بالدال المهملة!
20 - (ك): تجوز أن تصلي.
176

والمسنون للرجال ما بين السرة إلى الركبة، وأن يصلي في ثوب صفيق مع
رداء فهو أفضل.
5 - فصل في ما تجوز الصلاة فيه من اللباس
يجوز الصلاة في ثمانية أجناس من اللباس:
1 - 3 - القطن والكتان، وجميع ما ينبت من الأرض من أنواع الحشيش
والنبات.
4 - 7 - والخز الخالص، والصوف، والشعر، والوبر، إذا كان مما يؤكل
لحمه.
8 - وجلد ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى فإن (21) كان ميتا فلا يجوز
الصلاة فيه وإن دبغ.
وينبغي أن يجمع شرطين:
أحدهما جواز التصرف (22) فيه إما بالملك أو بالإباحة (23).
والثاني أن يكون خاليا من نجاسة إلا ما لا يتم الصلاة فيه منفردا:
مثل (24) التكة والجورب والخف، والقلنسوة والنعل والتنزه عنه أفضل.
6 - فصل فيما (25) يجوز الصلاة عليه (26) من المكان
الأرض كلها مسجد 27 يجوز الصلاة فيها، إلا ما كان مغصوبا، أو يكون
موضع السجود منه نجسا.
وتكره الصلاة في اثنا عشر موضعا:
1 - 2 - وادي ضجنان، ووادي الشقرة، والبيداء، وذات الصلاصل (28).

21 - (ص): مذكيا وإن.
22 - (ص): تصرف!
23 - (ك): أو الإباحة.
24 - (ك): كالتكة.
25 - (ك): في ذكر ما.
26 - (ك): فيه.
27 - (س): مسجدا!
28 - هذه أودية بين مكة والمدينة: (فبيداء) على ميلين من (ذي الحليفة) متوجها إلى مكة. و
(ذات الصلاصل) واقعة في نفس الطريق ولكن لم يحدد موضعها، أو كل أرض ذات صلصال أي
يسمع منها صوت عند المشي عليها فلا تنحصر بمكان بل تعم كل ما كان كذلك (ضجنان) بالفتح،
فالسكون، جبل بمكة أو تهامة، والمراد الوادي المتصل بالجبل. (شقرة) بفتح الشين وكسر القاف أو
بضم الأول وسكون الثاني موضع في طريق مكة، أو هي كل أرض تنبت فيها (شقايق نعمان)
وقيل هذه الأراضي وقع فيها خسف فتعم الكراهة كل أرض كذلك ه‍ ملخصا من مصباح الفقيه ج
2: 129.
177

5 - 7 - وبين المقابر، وأرض الرمل والسبخة.
8 و 9 - ومعاطن الإبل، وقرى النمل.
10 - 12 - وجوف الوادي، وجواد الطرق، والحمامات.
وتكره [الصلاة ص] الفريضة خاصة [في ص] جوف الكعبة.
ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة.
7 - فصل في ذكر ما يسجد عليه
لا يجوز السجود إلا على الأرض، أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس
[عادة س] ويحتاج [إلى ص س] أن يجمع شرطين:
1 - أن يكون ملكا (29) أو في حكم الملك.
2 - ويكون خاليا من نجاسة.
فأما (30) الوقوف على ما فيه نجاسة يابسة لا تتعدى إليه فلا بأس به والتنزه
عنه أفضل.
وقد بينا تطهير الثياب والبدن من النجاسات فلا وجه لإعادته.
8 - فصل في [ذكر ص س] الأذان والإقامة وأحكامهما
هما مسنونان في جميع الصلوات المفروضات الخمس للمنفرد، وواجبان
في صلاة الجماعة، وأشدهما (31) تأكيدا فيما (32) يجهر فيه (33) [بالقراءة ص].

29 - (س وك): مملوكا.
30 - (س): وأما.
31 - (س): وأشدها.
32 - (س): ما.
33 - (ك): به.
178

ويشتملان على خمسة وثلاثين فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة
سبعة عشر فصلا.
ففصول (34) الأذان:
1 - 4 - أربع تكبيرات في أوله.
5 و 6 - والإقرار بالتوحيد مرتين.
7 و 8 - والإقرار بالنبي [صلى الله عليه وآله ص] دفعتين.
9 و 10 - والدعاء إلى الصلاة دفعتين (35).
11 و 12 - والدعاء إلى الفلاح مرتين (36).
13 و 14 - والدعاء إلى خير العمل دفعتين (37).
15 - 18 - وتكبيرتان وتهليل دفعتين.
وفصول (38) الإقامة مثل ذلك، ويسقط من أولها [من س] التكبير
دفعتين ويزاد (39) بدله " قد قامت الصلاة " دفعتين، ويسقط [من س] التهليل
مرة واحدة. ويشتملان على واجب ومسنون.
فالواجب فيهما الترتيب [وهو ص س] قسم واحد.
والمسنون عشرة أشياء:
1 و 2 - كونه متطهرا، ومستقبل القبلة.
3 - ولا يتكلم في (40) حاله.
4 - 6 - ويكون قائما مع الاختيار، ولا يكون ماشيا، ولا راكبا.
7 - 9 - ويرتل (41) الأذان ويحدر الإقامة، ولا يعرب أواخر الفصول.
10 - ويفصل بين الأذان والإقامة (42) بجلسة، أو سجدة أو خطوة.
فهذه كلها مسنونة فيهما، وأشدها تأكيدا في الإقامة (43).

34 - (ص): وفصول.
35 - (ص): دفعتان خ ل.
36 - (ص): مرتان، خ ل (س): دفعتين.
37 - (ص): دفعتان، خ ل (س): مرتين.
38 - (ص): فصول، بلا (واو)!
39 - (ك): يزيد.
40 - (ك و س): خلاله.
41 - خ ل (س): يرسل.
42 - (س) مكان: (بين الأذان والإقامة): بينهما.
43 - (ك) بدل (في الإقامة): فيما يجهر به إلا أنها صححت في الحاشية.
179

ومن شرط صحتهما (44) دخول الوقت.
9 - فصل في ذكر ما يقارن حال الصلاة
الصلاة تشتمل على ثلاثة أجناس: أفعال، وكيفيات، وتروك.
وكل واحد منها على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض من الأفعال [في أول ركعة ص س] (45) ثلاثة عشر شيئا:
1 - القيام مع القدرة أو ما يقوم مقامه مع العجز عنه.
2 - 4 - والنية، وتكبيرة الإحرام، والقراءة.
5 - 7 - والركوع، والتسبيح فيه، ورفع الرأس من الركوع.
8 - 10 - والسجود الأول، والتسبيح فيه، ورفع الرأس منه.
11 - 13 - والسجود الثاني، والذكر فيه، ورفع الرأس منه.
والمفروض من الكيفيات في هذه الركعة ثمانية عشر كيفية:
1 و 2 - مقارنة النية لحال (46) تكبيرة الإحرام، واستدامة حكمها إلى
عند الفراغ.
3 - والتلفظ ب‍ " الله أكبر ".
4 - وقراءة الحمد وسورة معها في الفرض مع القدرة و [حال ك س]
الاختيار، وفي النفل الحمد وحدها تجزي.
5 و 6 - والجهر فيما يجهر، والاخفات فيما يخافت.
7 و 8 - والطمأنينة في الركوع، والطمأنينة في الانتصاب منه.
9 - 15 - والسجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين (47)، والركبتين،
وأصابع (48) الرجلين.
16 - 18 - والطمأنينة في السجدة الأولى، وفي الانتصاب منها، وفي
السجدة الثانية كذلك.

44 - (س): صحتها.
45 - (ص): الركعة مكان (في أول ركعة).
46 - (ك و س): لتكبيرة.
47 - (ك): والكفين.
48 - خ ل (س): وإبهامي الرجلين.
180

[صار ك] الجميع أحد وثلاثون فعلا وكيفية.
وفي الركعة الثانية مثلها. [إلا تجديد النية، وكيفيتها، وتكبيرة الإحرام،
وكيفياتها (49)]، وهي أربعة، تبقى سبعة وعشرون يصير الجميع في الركعتين
ثمانية وخمسين فعلا وكيفية.
ويضاف (50) إلى ذلك ستة أشياء:
1 - 4 - الجلوس للتشهد، والطمأنينة فيه والشهادتان.
5 و 6 - والصلاة على النبي، والصلاة على آله.
يصير الجميع أربعة وستين فعلا وكيفية.
فإن كانت صلاة الفجر انضاف إلى ذلك، التسليم على قول بعض
أصحابنا، وعلى قول الباقين هو سنة.
وإن كانت الظهر، أو العصر أو العشاء الآخرة انضاف إلى ذلك مثلها إلا
تجديد النية وكيفيتها (51) وتكبيرة الإحرام وكيفيتها وهي أربعة أشياء، ويسقط
عنه قراءة ما زاد على (52) الحمد، ويكون في قراءة الحمد مخيرا بينها وبين عشر
تسبيحات يبقى ستون فعلا وكيفية يصير الجميع مائة وأربعة وعشرين (53) فعلا
وكيفية.
وإن كانت المغرب، انضاف إلى ما في الركعتين ثلاثة وثلاثون فعلا
وكيفية. يصير الجميع سبعة وتسعين فعلا وكيفية.
وأما المسنونات من الأفعال في الركعة الأولى ثلاثة وثلاثون. [فعلا ص س].
1 - 9 - التوجه بسبع تكبيرات بينهن ثلاثة أدعية، منها واحدة تكبيرة
الإحرام.

49 - كذا في (ص) و خ ل (س) أما في متن (س وك) فهكذا إلا تجديد النية وتكبيرة الإحرام
وكيفياتهما.
50 - (س): ينضاف.
51 - (ك) في الموردين: وكيفياتها.
52 - (ك): عن.
53 - (ص): وعشرون!
181

10 - 14 - وتكبيرة الركوع، وتكبيرة السجدة (54) وتكبيرة رفع الرأس
منها (55) وتكبيرة السجدة الثانية وتكبيرة رفع الرأس منها.
15 - ورفع اليدين مع كل تكبيرة.
16 - وقول ما زاد، على التسبيحة الواحدة في الركوع من تسبيح ودعاء.
17 و 18 - وقول " سمع الله لمن حمده " عند رفع الرأس (56) من الركوع،
والدعاء بعده.
19 و 20 - وقول ما زاد على التسبيحة الواحدة (57) في السجدة الأولى من
التسبيح والدعاء ومثل ذلك في السجدة الثانية.
21 - والدعاء بين السجدتين.
22 - والارغام بالأنف في السجدتين.
23 - وجلسة الاستراحة إذا أراد القيام إلى الثانية.
24 - 27 والنظر في حال القيام إلى موضع السجود، وفي حال الركوع
إلى [ما ص ك] بين رجليه وفي [حال ك] السجود إلى طرف أنفه وفي [حال
ك] جلوسه إلى حجره.
28 - 31 ووضع يديه على فخذيه محاذيا (58) لعيني (59) ركبتيه في
حال القيام، وفي حال الركوع على عيني ركبتيه، وفي حال السجود بحذاء (60)
أذنيه، وفي حال الجلوس على فخذيه.
32 و 33 - ويتلقى (61) الأرض بيديه إذا أهوى إلى السجود، فإذا أراد
النهوض اتكأ (62) على يديه.
والمسنونات من الهيئات إحدى (63) عشر هيئة:

54 - (ك و س): السجود.
55 - (ك و س): منه.
56 - (ك) الرفع من الركوع.
57 - (ك): تسبيحة واحدة.
58 - (س): محاديا بالدال المهملة.
59 - (ص): لعين.
60 - (ك) بحذا، بلا همزه!.
61 - (س): ويلقى.
62 - (ص): انكب!
63 - (ك): أحد عشر.
182

1 - رفع اليدين إلى حذاء (64) شحمتي أذنيه مع كل تكبيرة.
2 و 4 - والترتيل في القراءة، وفي الدعاء، وتعمد الإعراب.
5 والجهر ب‍ (بسم الله الرحمن الرحيم) فيما لا يجهر بالقراءة في
الموضعين.
6 - 9 - وأن يكون في حال ركوعه مسويا ظهره، مادا عنقه ويرد (65)
ركبتيه إلى خلفه، ولا يقوسهما.
10 - ويكون هويه إلى السجود متخويا.
11 - وفي حال السجدتين يكون متجافيا لا يضع شيئا من جسده على
شئ.
الجميع من الأفعال والهيئات المسنونة في هذه الركعة أربعة وأربعون فعلا
وهيئة، وفي الثانية مثلها، إلا الزائد على تكبيرة الإحرام من التكبيرات والدعاء
بينهما (66)، وهي تسعة أشياء.
تبقى خمسة وثلاثون فعلا وهيئة.
وينضاف إليها (67) القنوت، ومحله قبل الركوع [و س ك] بعد القراءة.
يصير الجميع أحدا وثمانين فعلا وهيئة مسنونة في الركعتين.
وينضاف إليه الزايد في حال التشهد على الشهادتين من الثناء على الله
والصلاة على رسوله [ص والصلاة على آله] والتسليم.
ومن الهيئات، التورك في حال التشهد، وصفته أن يجلس على وركه
الأيسر، ويضم فخذيه، ويضع ظاهر قدمه اليمنى على بطن (69) قدمه اليسرى.
ويسلم أمامه إن كان إماما أو منفردا، وإن كان مأموما فيومي إلى يمينه
إيماء وإن كان على يساره غيره فعن يساره أيضا.
صار الجميع ستة وثمانين فعلا وهيئة.
فإن (70) كانت الصلاة رباعية تضاعفت إلا التسعة الأجناس التي [ص

64 - (ك): بحذاء.
65 - (س): بلا " واو ".
66 - (ص): بينهما.
67 - (ص): إليه. 68 - (س): أحد.
69 - (ك): باطن.
70 - (ك): وإن.
183

ذكرناها] في أول الاستفتاح، والتسليم، والقنوت.
فيكون (71) الجميع مائة واحدا (72) وستين فعلا وهيئة.
وإن كانت ثلاثية انضاف إلى ما في الركعتين - وهو (73) ستة وثمانون
فعلا وهيئة - ما في الركعة الثالثة، وهو أربعون فعلا وهيئة.
يصير الجميع مائة وستة وعشرين فعلا وهيئة.
يكون جميع أفعال الظهر وكيفياتها المفروضة والمسنونة مأتين وخمسة
وثمانين فعلا وهيئة، وكذلك العصر والعشاء الآخرة.
وإن كانت الصلاة (74) المغرب مأتين وثلاثة وعشرين فعلا
وكيفية (75).
وإن كانت الغداة مائة وخمسين فعلا وكيفية.
فجميع (76) الأفعال والكيفيات في الخمس الصلوات (77) [المفروضة
ص] في اليوم والليلة المقارنة لها ألف ومائتان (78) وثمانية وعشرون فعلا وكيفية.
وأما التروك فعلى ضربين: مفروض، ومسنون.
فالمفروض أربعة عشر تركا:
1 و 2 - أن لا يتكتف (79) ولا يقول: آمين آخر الحمد.
3 و 4 - ولا يلتفت إلى ما ورائه (80)، ولا يتكلم بما ليس من الصلاة.
5 - ولا يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال (81) الصلاة.
6 - 11 - ولا يحدث ما ينقض الوضوء من ريح، أو بول، أو غايط، أو مني،
أو جماع في الفرج (82)، أو مس ميت برد قبل التطهير.
12 - 14 - ولا يإن بحرفين، ولا يتأفف بحرفين مثل ذلك (83) ولا يقهقه.

71 - (س): يكون.
72 - (س): وإحدى.
73 - (ك و س): وهما.
74 - (ك وص): صلاة.
75 - (س): وهيئة:
76 - (ك و س): جميع
77 - (ك): خمس صلوات.
78 - (ص): مائتين!
79 - (ك و س) يكتف.
80 - (ك وص): وراه.
81 - (ص): الأفعال الصلاة!
82 - (ك و س): فرج.
83 - (ك و س): مثل ذلك بحرفين.
184

والمسنونات ثلاثة عشر [تركا ص س]:
1 و 2 - لا (84) يلتفت يمينا، ولا شمالا.
3 - 5 - ولا يتثأب، ولا يتمطى، ولا يفرقع أصابعه.
6 و 7 - ولا يعبث بلحيته، ولا بشئ من جوارحه.
8 - ولا يقعى بين السجدتين.
9 - 12 - ولا يتنخم، ولا يبصق، ولا ينفخ موضع سجوده، ولا يتأوه.
13 - ولا يدافع الأخبثين.
الجميع سبعة وعشرون تركا في كل واحدة (85) من الصلوات الخمس.
يكون في الجميع مائة وخمسة وثلاثون تركا.
صار الجميع ألفا وثلاثمائة وثلاثة وستين فعلا وهيئة وتركا في
الصلوات (86) الخمس المقارنة لها.
10 - فصل في [ذكر ص س] ما يقطع الصلاة
قواطع الصلاة تسعة عشر:
1 - 14 - أربعة عشر تركا (87) [واجبة ص س] ذكرناها متى حصلت
قطعت الصلاة.
15 - 17 - والحيض (88)، والاستحاضة، والنفاس.
18 و 19 - والنوم الغالب على السمع والبصر، وكل ما يزيل العقل
[والتمييز ص] من الإغماء والجنون وغيرهما.
11 - فصل في [ذكر ص] أحكام السهو (89)
لا حكم للسهو مع غلبة الظن، لأن غلبة الظن تقوم مقام العلم في وجوب

84 - (ك): أن لا.
85 - (ك): واحد.
86 - (ك): الصلاة.
87 - (س): تروكا.
88 - (ص) بلا " واو ".
89 - (ك): فصل في السهو وأحكامه.
185

العمل عليه، وإنما الحكم لما يتساوى (90) فيه الظنون أو الشك المحض، وعلى
هذه الأحوال ففي أحد وخمسين موضعا يتنوع خمسة أنواع:
أحدها (91) يوجب إعادة الصلاة.
والثاني لا حكم له.
والثالث يوجب تلافيه إما في الحال أو بعده.
والرابع يوجب الاحتياط.
والخامس يوجب الجبران بسجدتي السهو.
فما يوجب الإعادة ففي (92) أحد وعشرين موضعا:
1 - 3 - من صلى بغير طهارة. ومن صلى قبل دخول الوقت. ومن صلى
إلى استدبار القبلة.
4 - ومن صلى إلى يمينها (93) وشمالها [ناسيا لها خ س] مع بقاء
الوقت.
5 - ومن صلى في ثوب نجس مع تقدم علمه بذلك.
6 - ومن سجد على شئ (94) نجس مع تقدم علمه بذلك.
7 - ومن صلى في مكان مغصوب مع تقدم علمه بذلك مختارا.
8 - ومن صلى في ثوب مغصوب كذلك.
9 - 11 - ومن ترك النية. ومن ترك تكبيرة الإحرام. ومن ترك الركوع
حتى يسجد (95).
12 - ومن ترك سجدتين في (96) ركعة من الركعتين الأوليين (97)
حتى يركع فيما بعدهما.
13 - 15 - ومن زاد ركوعا. ومن زاد سجدتين في ركعة من

90 - (س): تساوى.
91 - (ك): إحديها.
92 - (ك و س): في أحد.
93 - (ك): أو شمالها.
94 - خ ل (س): على موضع.
95 - (ك): سجد.
96 - (ك و س): من ركعة.
97 - (ك و س): أولتين (بفتح الهمزة وتشديد الواو) حتى ركع فيما بعدها خ ل (س): بعدهما.
186

الأوليين (98). ومن زاد في الصلاة ركعة.
16 - ومن شك في الأولتين من كل رباعية فلا يدري كم صلى.
17 - ومن شك في [صلاة ص] الغداة فلا (99) يدري كم صلى.
18 - ومن شك في [صلاة ص ك] المغرب فلا يدري كم صلى (100).
19 - ومن شك في صلاة السفر فلا يدري كم صلى.
20 - ومن نقص ركعة أو ما زاد على ذلك فلا (101) يذكر حتى يتكلم
أو استدبر (102) القبلة.
21 - ومن شك فلا يدري كم صلى.
[ص ك و] القسم الثاني وهو ما لا حكم له ففي اثني عشر موضعا:
1 - من كثر سهوه وتواتر.
2 - 6 - ومن شك في شئ وقد انتقل إلى حالة أخرى (103): [وهو
ص] مثل من شك في تكبيرة الإحرام (104) وهو في حال القراءة أو في القراءة
وهو في حال الركوع، أو في الركوع وهو في حال السجود، أو في السجود وهو في
حال القيام، أو في التشهد الأول وقد قام إلى الثالثة.
7 و 8 - ومن سها في النافلة، ومن سها في سهو.
9 و 10 - ومن سها عن تسبيح الركوع و [قد رفع رأسه، ومن سها عن تسبيح
س ك] السجود وقد رفع رأسه.
11 ومن ترك ركوعا في الركعتين الأخريين (105) وسجد بعده حذف
السجود، وأعاد الركوع.

98 - (س): أولتين، بفتح الهمزة وتشديد الواو.
99 (س): في المواضع الثلاثة ولا، خ ل: فلا.
100 - جملة: (فلا يدري كم صلى) سقطت من (ك) وبدلها هكذا: وصلاة الغداة!
101 - (ك و س): ولا.
102 - (ك و س): يستدبر، خ ل (س): استدبر.
103 - كلمات (إلى حالة أخرى) كانت ساقطة من نسخة (ك) وصححها كاتب من عنده هكذا:
(من السابق المشكوك فيه).
104 - (ك و س): تكبيرة الافتتاح.
105 - (س): الأخيرتين.
187

12 - ومن ترك السجدتين في واحدة منهما بنى على الركوع في الأول
وسجد السجدتين.
وأما ما يوجب تلافيه إما في الحال أو بعده ففي تسعة مواضع:
1 - من سها عن قراءة الحمد حتى قرأ سورة أخرى، قرأ الحمد وأعاد
السورة.
2 - ومن سها عن قراءة سورة (106) بعد الحمد قبل أن يركع، قرأ ثم ركع.
3 - ومن شك في القراءة وهو قائم لم يركع قرأ ثم ركع.
4 - ومن سها عن تسبيح الركوع وهو راكع، سبح.
5 - ومن شك في الركوع وهو قائم ركع، فإن ذكر أنه كان ركع أرسل
نفسه ولا يرفع رأسه.
6 - ومن شك في السجدتين أو واحدة منهما قبل أن يقوم سجدهما أو
واحدة منهما.
7 - ومن ترك التشهد الأول وذكر وهو قائم رجع فتشهد، فإن لم يذكر
حتى يركع (107) مضى في صلاته وقضاه بعد التسليم.
8 - ومن نسي سجدة واحدة وهو قائم (108) ثم ذكر أنه لم يسجد قبل أن
يركع رجع فسجد، فإن (109) ذكر بعد الركوع مضى في صلاته ثم قضاها بعد
التسليم.
9 - ومن نسي التشهد الأخير حتى يسلم قضاه بعد التسليم.
وأما ما يوجب الاحتياط فخمسة مواضع:
1 - من شك فلا يدري [ص ك كم] صلى ثنتين أو ثلاثا (110) في
الرباعيات، وتساوت ظنونه، بنى على الثلاث وتمم، فإذا سلم صلى ركعة من قيام

106 - نسخة بدل (س): السورة.
107 - خ ل (س): ركع.
108 - (ك و س): مكان (وهو قائم). وقام.
109 - (ك): وإن.
110 - (س): أم خ ل: أو (ك): أم ثلاثة.
188

أو ركعتين من جلوس.
2 - وكذلك من شك بين الثلاث والأربع [بنى على الأربع
وسلم (111) ثم يصلي ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ك س].
3 - ومن شك بين الثنتين (112) والأربع بنى على الأربع فإذا سلم
صلى ركعتين من قيام.
4 - ومن شك بين الثنتين (113) والثلاث والأربع بنى على الأربع
التسليم وسجد سجدتي السهو.
فإذا سلم صلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
5 - ومن سها في النافلة بنى على الأقل وإن بنى على الأكثر جاز.
وأما ما يوجب الجبران بسجدتي السهو فأربعة مواضع:
1 - من تكلم في الصلاة ناسيا.
2 - ومن سلم في الأوليين (114) ناسيا.
3 - ومن ترك واحدة من السجدتين حتى يركع فيما بعدها قضاها.
بعد التسلم وسجد سجدتي السهو.
4 - ومن شك بين الأربع والخمس بنى على الأربع وسجد سجدتي
السهو.
ومن أصحابنا من قال: [إن ص س] من قام في حال قعود أو قعد في
حال قيام فتلافاه كان عليه سجدتا السهو.
12 - فصل في أحكام الجمعة
تجب الجمعة إذا اجتمعت شروط وهي على ضربين:
أحدهما يرجع إلى من وجبت عليه
والثاني يرجع إلى غيره.

111 - (ك و س): الاثنتين.
112 - (ك): " وسلم " ليس فيه.
113 - (س): الاثنتين.
114 - (ك و س): الأولتين (بفتح الهمزة وتشديد الواو).
189

فما يرجع إليه عشرة شرائط.
1 - 4 - الذكورة، والبلوغ، والحرية، وكمال العقل.
5 - 7 - والصحة من المرض، وارتفاع العمى وارتفاع العرج.
8 و 9 - وأن لا يكون شيخا لا حراك به. وأن لا يكون مسافرا.
10 - وأن يكون (115) بينه وبين الموضع الذي تصلي فيه الجمعة
فرسخان فما دونه (116).
ومع اجتماع الشروط لا ينعقد [الجمعة ص] إلا بأربعة شروط، وهي
الشروط الراجعة (117) إلى غيره:
1 - السلطان العادل، أو من يأمره السلطان. [العادل س].
2 - والعدد: سبعة وجوبا، وخمسة ندبا.
3 - وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فما زاد.
4 - وأن يخطب خطبتين وأقل ما تكون الخطبة أربعة أصناف:
1 و 2 - حمد الله [تعالى ص س]. والصلاة على النبي وآله [عليهم السلام
ص].
3 و 4 - والوعظ. وقراءة سورة خفيفة من القرآن.
13 - فصل في ذكر أحكام الجماعة
لا تنعقد الجماعة إلا بشرطين:
1 و 2 - أحدهما العدد: اثنان فصاعدا، وأن يؤذن ويقام. ومن يصلي
جماعة خمسة أقسام:
1 - 3 - فإن كانا (118) اثنين قام المأموم عن يمين الإمام إن كان رجلا
و (119) خلفه إن كانت امرأة، وكذلك إن كانوا جماعة.
4 و 5 - وإن كانوا عراة قام إمامهم وسطهم، وكذلك إن كن (120) نساء

115 - (ك): ويكون صلى (ص): وأن لا يكون.
116 - (ك): فما دون.
117 - (ص): شروط الراجعة!
118 - (ص): كان!
119 - (ص): أو خلفه.
120 - (ك و س): كانوا، خ ل (س): كن.
190

بلا رجال.
وينبغي (121) أن يجمع [ص في] الإمام ثلاثة (122) شرائط:
1 - 3 - الإيمان، والعدالة، وأن يكون أقرأ الجماعة
فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم، فإن تساووا في الفقه فأقدمهم هجرة،
فإن كانوا سواء [ص في الهجرة] فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم
وجها.
ولا يأم بالناس عشرة:
1 و 2 - ولد الزنا، والمحدود.
3 - 7 - والمفلوج بالأصحاء، والمقيد بالمطلقين، والقاعد
بالقايمين (123)، والمجذوم بالأصحاء، والأبرص بمن ليس كذلك.
8 - 10 - والأعرابي بالمهاجرين. والمتيمم بالمتوضئين (124)،
والمسافر بالحاضرين.
14 - فصل في ذكر صلاة الخوف
صلاة الخوف على ضربين: أحدهما الخوف، والآخر شدة الخوف.
فصلاة الخوف لا يجوز إلا بشرطين:
أحدهما أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين تقاوم [س
ك كل] فرقة [منهم ص] العدو.
والثاني أن يكون العدو في خلاف جهة القبلة، فإذا حصل الشرطان
وجبت (125) صلاة الخوف مقصورة ركعتين [ك س ركعتين] إلا المغرب في
السفر والحضر.
فإذا أراد الإمام أن يصلي [بهم س ص] فرقهم فرقتين:

121 - (ص): وينبغ!
122 - (ص و س): ثلاث!
123 - (ك و س) مكان (بالقايمين): بالقيام.
124 - (س): بالمتوضيين.
125 - (ك): وجب.
191

إحديهما تقف (126) بإزاء العدو في السلاح (127).
والأخرى عليها (128) السلاح خلف الإمام، فيصلي بهم ركعة ويقف في
الثانية [ك و] ويطول القراءة ويتم (129) من خلفه، ويسلم، وينصرف (130) إلى
موقف أصحابهم.
ويجيئ الباقون فيستفتحون، ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية ويطول
التشهد، ويصلي من خلفه الثانية، ويتشهدون، ثم يسلم بهم [الإمام ص].
فيكون للفرقة الأولى تكبيرة الافتتاح وللثانية التسليم.
فإذا (131) كانت صلاة (132) المغرب صلى بالفرقة الأولى ركعة،
وبالثانية ركعتين على ما رتبناه.
فإن (133) صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعة كان [أيضا (134)]
جايزا.
وصلاة شدة الخوف أن يكون في المسلمين قلة لا يمكنهم أن يفترقوا فرقتين
فحينئذ يصلون فرادى إيماء.
فإن لم يتمكنوا (135) من ذلك أجزأهم عن كل ركعة تسبيحة واحدة:
[وهي س] سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
15 - فصل في ذكر صلاة العيدين (136)
صلاة العيدين فريضة عند شروط، وشرايطها شرايط الجمعة سواء في
العدد (137) وغيره. وتسقط عمن تسقط الجمعة عنه، وتجب على من تجب الجمعة

126 - (س): أحدهما يقف.
127 - خ ل (س): بالسلاح.
128 - (ص): عليهم.
129 - (ص): ويتمم.
130 - في حاشية (س) هكذا: وفي بعض النسخ: ويسلموا وينصرفوا.
131 - (ك و س): وإذا.
132 - (س): الصلاة.
133 - (س): وإن.
134 - (ضربت عليه القلم في (س).
135 - (ك): لم يمكنهم ذلك.
136 - (س): في الموردين: العيد.
137 - (ص): العدو، بتشديد الواو!
192

عليه (138). وهي مستحبة على الانفراد. وإذا فاتت (139) لا يجب
قضاءها (140).
وهما (141) ركعتان بتسليمة بعدهما مثل ساير الصلوات.
ووقتها طلوع الشمس. وليس فيها أذان ولا إقامة. ويزاد فيها (142) على
المعتاد في ساير الصلوات تسع تكبيرات:
1 - 9 - خمس في الأولى، وأربع في الثانية، غير تكبيرة الافتتاح (143)
وتكبيرة الركوع.
وموضع التكبيرات الزائدة بعد القراءة في الركعتين معا. ويفصل بين [ك
س كل] تكبيرتين بدعاء وتحميد.
والخطبة فيها (144) بعد الصلاة [ص و] ويخطب الإمام خطبتين مثل خطبة
الجمعة، ولا يجب على المأمومين استماعهما (145)، ويستحب لهم ذلك.
16 - فصل في ذكر صلاة الاستسقاء
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة، وهي مثل صلاة العيد في الصفة والهيئة
سواء، والخطبة أيضا بعد الصلاة.
ويستحب للإمام تحويل الرداء من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى
اليمين.
17 - فصل في ذكر صلاة الكسوف
صلاة الكسوف فريضة في أربعة (146) مواضع:

138 - (ص و س): عليه الجمعة.
139 - (ص): فات!
140 - (ك): قضاها!
141 - خ ل (س): وهي.
142 - (ك): فيهما.
143 - (ك و س): الإحرام.
144 - (ص): فيهما.
145 - (ص): استماعها.
146 - (ك) أربع.
193

1 - 4 - عند كسوف الشمس، وخسوف القمر، والزلازل، والرياح السود
المظلمة
ومتى احترق القرص كله فمن تركها متعمدا وجب عليه قضاءها مع
غسل (147)، وإذا لم يحترق كله قضاها (148) بلا غسل.
وكيفيتها عشر ركعات (149) بأربع سجدات: يفتتح ويقرأ (150) ثم
يركع فإذا رفع رأسه كبر وعاد إلى القراءة كذا (151) خمسا، ويقول في الخامسة:
(سمع الله لمن حمده)، ويسجد (152) بعده سجدتين، ويفعل مثل ذلك في
الثانية.
ويستحب أن يكون مقدار ركوعه وسجوده مثل حال قراءته في التطويل
ويقرأ فيها (153) السور الطوال: مثل الأنبياء والكهف.
وأول (154) وقتها إذا ابتدأ في الاحتراق وآخره (155) إذا ابتدأ في
الانجلاء. فإن صلى قبل أن ينجلي أعاد الصلاة استحبابا.
18 - فصل في ذكر الصلاة على الأموات
الصلاة على الأموات فرض على الكفاية: إذا قام به البعض سقط عن
الباقين.
ويجب الصلاة على كل ميت مظهر للشهادتين ومن كان بحكمهم (156)
من الأطفال الذين بلغوا ست سنين فصاعدا، فمن نقص عن ذلك لا تجب الصلاة
عليه.
وأحق الناس بالصلاة عليه (157) أولاهم بالميت في الميراث.

147 - (س): مع الغسل.
148 - (س) قضاءها.
149 - خ ل (س): ركوعات.
150 - (ص): يقرؤا!
151 - (ك): هكذا (س): وهكذا.
152 - (س): سجد.
153 - (ص): فيه.
154 - (ص): والأول!
155 - (ص و س): آخرها، خ ل (س): آخره.
156 - (ك) و خ ل (س): بحكمه.
157 - (ك): على الميت.
194

والزوج أحق بالصلاة على المرأة من كل أحد (158).
وإذا حضر رجل من بني هاشم فهو أحق (159) بالصلاة عليه إذا قدمه
الولي، ويستحب له تقديمه.
والتكبير فيها خمس تكبيرات:
أولها يفتتح بها الصلاة ويشهد (160) الشهادتين.
والثانية يصلي بعدها على النبي وآله [عليهم السلام ص ك].
والثالثة يدعو بعدها للمؤمنين.
والرابعة يدعو بعدها للميت إن كان مؤمنا، وعليه إن كان منافقا، وإن كان
مستضعفا دعا له بدعاء المستضعفين، وإن كان لا يعرفه سأل الله [تعالى ص] أن
يحشره مع من كان يتولاه (161)، وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله له ولأبويه
فرطا.
[ص والخامسة يقول بعدها: عفوك].
وليس فيها قراءة ولا تسليم.
وليس من شرطها الطهارة وإن كان ذلك من فضلها (162).

158 - (ص): واحد.
159 - (ك): أولى.
160 - (ك) يتشهد.
161 - (س): يتوالاه.
162 - (ص): فضلهما!.
195

كتاب الزكاة
الزكاة تحتاج إلى معرفة خمسة أشياء:
1 - 5 - ما تجب فيه الزكاة، ومن تجب عليه، ومقدار ما تجب فيه، ومتى
تجب، ومن المستحق لها.
وربما يتداخل هذه الأبواب في العقود، فليتأمل ذلك فإنه لا يخرج شئ
عن بابه.
1 - فصل فيما تجب فيه الزكاة، وشرائط وجوبها.
الزكاة تجب في تسعة أشياء:
1 - 3 - الإبل، والبقر، والغنم.
4 و 5 - والذهب، والفضة.
6 - 9 - والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.
وما عداها لا تجب فيه [الزكاة ص].
وهي على ضربين:
أحدهما يراعى فيه حؤول الحول 1، والآخر لا يراعى فيه ذلك.
فما يراعى فيه حؤول الحول: الأجناس الخمسة التي هي سوى الغلات

1 - (ص): حول الحول، في جميع المواضع
197

والثمار.
وما لا يراعى فيه [ص حؤول 2] الحول الأجناس الأربعة من الغلات و
الثمار.
وشرائط 3 ما يراعى فيه [ص حؤول] الحول على ضربين:
أحدهما يرجع إلى المكلف، والآخر يرجع إلى الأجناس:
فما يرجع إلى المكلف على ضربين:
أحدهما شرائط الوجوب، والآخر شرائط الضمان 4.
فشرائط الوجوب اثنان: الحرية، وكمال العقل:
فالحرية 5 شرط في الأجناس الخمسة كلها.
وكمال العقل شرط فيما عدا 6 المواشي من الأثمان لأن من ليس بكامل
العقل من الصبيان والمجانين تجب في مواشيهم الزكاة.
وشرائط الضمان اثنان: الإسلام، وإمكان الأداء.
وما يرجع إلى الأجناس فشرطه 7 اثنان: حؤول الحول، وبلوغ النصاب:
وما لا يراعى فيه الحول فشرطه اثنان:
أحدهما يرجع إلى من تجب عليه.
والثاني يرجع إلى الأجناس:
فما يرجع إلى من تجب عليه، الحرية فقط لأن غلات من ليس بكامل
العقل يجب فيها الزكاة وليس في مال من ليس بكامل العقل شرط الضمان.
وما يرجع إلى الأجناس شرط 8 واحد: وهو بلوغ النصاب.
ونحن نبين لكل جنس منه فصلا مفردا 9 إن شاء الله [تعالى ك ص].
2 - فصل في زكاة الإبل
لا تجب الزكاة في الإبل إلا بشروط أربعة:

2 - وهي موجودة في خ ل (س) أيضا
3 - (ك): فشرائط
4 - (ك): أحدهما شرائط الضمان والآخر شرائط الوجوب.
5 - (ك): والحرية
6 - (ص): عد!
7 - (س): شرطه
8 - (ك) فشرط
9 - (ص وك): منفردا
198

1 - 4 - الملك، والنصاب، والسوم، وحؤول الحول.
وما لا يتعلق به الزكاة يسمى شنقا، وما تجب فيه يسمى فريضة.
فالنصب في الإبل ثلاثة عشر نصابا:
1 - 4 - خمس عشر، خمس عشرة، عشرون 10.
5 - 6 - خمس وعشرون، ست وعشرون.
7 و 8 - ست وثلاثون، ست وأربعون.
9 - 11 - إحدى وستون، ست وسبعون. إحدى وتسعون.
12 و 13 - مائة وإحدى وعشرون، وما زاد على ذلك أربعون أو خمسون.
والاشناق ثلاثة 11 عشر: خمسة 12 منها أربعة أربعة:
أولها الأربعة الأولة 13.
والثاني 14 ما بين الخمس إلى العشر.
3 - 5 - وما 15 بين العشر إلى خمس عشرة، وما بين خمس عشرة إلى
عشرين، وما بين عشرين إلى خمس وعشرين.
وليس بين خمس وعشرين وست وعشرين شنق.
6 و 7 - واثنان تسعة تسعة:
ما بين ست وعشرين إلى ست وثلاثين، وما بين ست وثلاثين إلى ست
وأربعين.
8 - 10 - وثلاث بعد ذلك كل واحد أربع عشرة 16:
ما 17 بين ست وأربعين إلى إحدى وستين، وما بين إحدى وستين إلى ست
وسبعين، وما بين ست وسبعين إلى إحدى وتسعين.
11 - وواحد تسع 18 وعشرون، وهو ما بين إحدى وتسعين إلى مائة وإحدى

10 - في (ك) جاءت هذه الأرقام مع (واو) العطف
11 - (ص): ثلاث.
12 - (ك): خمس
13 - (ك): الأولى
14 - (ك): بلا واو
15 - كلمات الثالث، الرابع، الخامس لا توجد في شئ من النسخ التي
عندنا.
16 - (ك): أربعة عشر.
17 - (ص): وما!
18 - (ك): تسعة
199

وعشرين.
12 - وبعد ذلك، واحد ثمانية: وهو ما بين مائة وإحدى وعشرين إلى مائة
وثلاثين.
13 - ثم بعد ذلك تستقر الأشناق تسعة تسعة لا إلى نهاية.
فأما 19 الفريضة المأخوذة منها فإثنتا عشرة 20 فريضة:
1 - 5 - خمس 21 منها متجانسة: وهو ما يجب في كل خمس من الإبل
شاة إلى خمس وعشرين.
وسبعة مختلفة:
6 - في 22 ست وعشرين بنت مخاض أو ابن لبون ذكر.
7 - وفي ست وثلاثين [ص منها] بنت لبون.
8 - وفي ست وأربعين 23 حقة.
9 - وفي إحدى وستين جذعة.
10 - وفي ست وسبعين بنتا لبون.
11 - وفي إحدى وتسعين حقتان.
12 - فإذا 24 بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة وفي كل
أربعين بنت لبون.
3 - فصل في زكاة البقر
شرائط زكاة البقر شرائط [ك زكاة] الإبل سواء:
4 - وهي الملك والنصاب، والسوم، و [ك حؤول] الحول. وما لا يتعلق
به الزكاة يسمى وقصا، وما يؤخذ منه يسمى فريضة. فالنصب في البقر أربعة:
أولها ثلاثون فيه 25 تبيع أو تبيعة.

19 - (س): وأما
20 - (ك و س): فإثنا عشر، خ ل (س) فاثنتا عشرة.
21 - (ك و س): خمسة.
22 - (ك): ففي
23 - (ص): أربعون!
24 - (ك): وإذا
25 - (ك): ففيها:
200

والثاني أربعون [ص و] فيه مسنة.
والثالث ستون [ص و] فيه تبيعان أو تبيعتان 26.
والرابع في كل أربعين مسنة، وفي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة.
والأوقاص فيها أربعة:
أولها تسعة وعشرون.
والثاني تسعة ما بين ثلاثين إلى أربعين 27.
والثالث 28 تسعة عشر 29 ما بين أربعين إلى ستين.
والرابع تسعة تسعة بالغا ما بلغ.
والفرض فيه اثنان: تبيع أو تبيعة، ومسنة.
4 - فصل في زكاة الغنم
شرائط زكاة الغنم شرائط الإبل والبقر:
1 - 4 - وهي الملك، والنصاب، والسوم، والحول.
وما لا يتعلق به الفرض يسمى عفوا وما يؤخذ [منه ص] يسمى فريضة.
والنصب 30 في الغنم خمسة:
أولها أربعون، فيه شاة.
والثاني مائة وإحدى وعشرون، فيه شاتان.
والثالث مائتان وواحدة ففيه 31 ثلاث شياة.
والرابع ثلاثمائة وواحدة ففيه 32 أربع شياة.
والخامس أربعمائة يؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ، والعفو خمسة:
أولها تسعة وثلاثون.

26 - (ك): تبيعتان أو تبيعان
27 - (ك و س): الثلاثين إلى الأربعين
28 - (ك): بدون واو؟
29 - (س): تسع عشرة، خ ل: تسعة عشر.
30 - (ك و س): فالنصب
31 - (س) فيه، (ك): وفيه.
32 - (ك): فيه.
201

والثاني ثمانون: وهو ما بين أربعين إلى مائة وإحدى وعشرين.
والثالث أيضا ثمانون إلا واحدة: وهو ما بين مائة وإحدى 33 وعشرين إلى
مأتين وواحدة.
والرابع مائة إلا واحدة 34 وهو ما بين مأتين وواحدة إلى ثلاثمائة و
واحدة.
والخامس مائة إلا اثنتين وهو ما بين ثلاثمائة وواحدة إلى أربعمائة.
5 - فصل في [ذكر ص] زكاة الذهب والفضة:
شروط زكاة الذهب والفضة أربعة:
1 - 4 - الملك، والنصاب، والحول، وكونهما مضروبين: دنانير
ودراهم.
ولكل واحد منهما نصابان، وعفوان.
فأول نصاب الذهب عشرون مثقالا ففيه نصف دينار.
والثاني كل ما زاد أربعة 35 ففيه 36 عشر دينار بالغا ما بلغ.
والعفو الأول فيه ما نقص عن عشرين مثقالا.
والثاني ما نقص عن أربعة مثاقيل.
وأول نصاب الفضة: مائتا درهم، ففيه خمسة دراهم.
والثاني كل ما زاد أربعون درهما ففيه درهم.
والعفو الأول ما نقص عن المأتين.
والثاني ما نقص عن الأربعين.
6 - فصل في زكاة الغلات
شرائط زكاة الغلات اثنان: الملك والنصاب.

33 - (س): واحد
34 - (ك): اثنتين.
35 - (ك): على أربعة مثاقيل
36 - (س): فيه، خ ل: ففيه.
202

فالنصاب فيها واحد، والعفو واحد.
فالنصاب ما بلغ خمسة أوساق 37: و 38 الوسق ستون صاعا، والصاع أربعة
أمداد، والمد رطلان وربع [خ س بالعراقي].
فإذا بلغ ذلك ففيه العشر إن كان سقى سيحا، أو بعلا أو كان عذيا.
وإن [كان ص] سقي بالغرب والدوالي، وما يلزم عليه مؤن ففيه نصف
العشر 39.
وما زاد على النصاب فبحسابه بالغا ما بلغ.
والعفو ما نقص عن خمسة أو ساق 40.
7 - فصل في ذكر أحكام الأرضين
الأرضون على أربعة أقسام:
1 - أرض أسلم أهلها عليها طوعا، فهي ملك لهم، وعليهم في غلاتهم
العشر أو نصف العشر إذا اجتمعت الشرائط التي ذكرناها.
2 - والثاني: أرض الصلح، وهي أرض الجزية يؤخذ منها ما يصالحهم
الإمام أو من ينوب منابه عليه 41.
ويكون ذلك لمستحقي 42 الجزية وهم المجاهدون في سبيل الله [عز
وجل س].
فإذا أسلموا سقط عنهم [س خ مال] الصلح، وكان عليهم العشر أو نصف
العشر مثل ما على المسلمين.
3 - والثالث ما أخذ بالسيف عنوة: وهي أرض الخراج، وهي للمسلمين
قاطبة يقبلها الإمام لمن شاء بما يراه، أو من يقوم مقامه، ويصرف ذلك إلى مصالح

37 - (س): أوسق.
38 - (ص) (واو) سقطت منها.
39 - (ص): عشر.
40 - (ك و س): أوسق
41 - (ك): يصالحهم عليه الإمام أو من ينوب منابه
42 - (ص): لمستحق.
203

المسلمين كافة.
وما يفضل بعد ذلك للمتقبل فإذا 43 بلغ الأوساق الخمسة لزمه فيه العشر
أو نصف العشر مثل أرض الزكاة.
4 - والرابع أرض الأنفال: وهي:
1 - كل أرض انجلى أهلها عنها.
2 - أو كانت مواتا [أو ملكا ك] لغير مالك فأحييت.
3 - 5 - والآجام، ورؤس الجبال، وبطون الأودية.
6 - أو كانت ملكا لمن لا وارث له.
7 - وقطايع الملوك التي كانت في أيديهم من غير جهة الغصب.
فهذه كلها للإمام خاصة يعمل بها ما شاء، ويقبل بما شاء، وينقل كيف
شاء.
وعلى المتقبل فيما يفضل معه من مال الضمان إذا بلغ النصاب، والعشر
أو نصف العشر.
8 - فصل في ذكر ما يستحب فيه الزكاة
يستحب الزكاة في خمسة أجناس:
أولها مال التجارة إذا طلبت برأس المال أو الربح فتخرج الزكاة عن
قيمته 44 دراهم أو دنانير.
وثانيها كل ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن سوى الأجناس الأربعة
يخرج منه العشر أو نصف العشر.
وثالثها الخيل ففي العتاق منها ديناران، وفي البراذين دينار.
ويراعى فيها السوم، والحول، والملك، ولا يراعى فيها النصاب.
ورابعها سبائك الذهب والفضة.

43 - (ك) إن بلغ!
44 - (ص): قيمة!
204

وخامسها الحلي المحرم لبسه مثل حلي النساء للرجال، وحلي الرجال
للنساء ما لم يفر به 45 من الزكاة.
فإن قصد الفرار به من الزكاة وجبت فيه 46 الزكاة.
وألحق بهذا سادس وهو كل مال غاب عن 47 صاحبه ولا يتمكن منه،
فإذا مضى عليه سنون ثم عاد إليه زكاة لسنة واحدة [استحبابا ك].
9 - فصل في ذكر مال الدين
مال الدين على ضربين:
أحدهما [أن يكون ك] 48 تأخره من جهة صاحبه فهذا يلزمه زكاته.
والآخر 49 [ص أن] يكون تأخره من جهة من عليه الدين فزكاته على
مؤخره.
10 - فصل فيما لا يجب فيه الزكاة
لا يجب الزكاة في أحد عشر جنسا.
1 - مال الطفل ومن ليس بكامل العقل من الدراهم والدنانير.
2 - وما عدا الأجناس التي ذكرناها من الحيوان مثل الحمير والبغال و
غير ذلك.
3 - 5 - والخضراوات، والفواكه كلها، والعقارات.
6 و 7 - والأرضين 50 والمساكن.
8 - 11 - والآلات، والأثاث، والمماليك، والحلي المباح استعماله.
وإذا 51 اجتمعت أجناس مختلفة مما تجب فيه الزكاة فنقص كل جنس

45 - (س): بها، خ ل: به
46 - (س): فيها: خ ل: فيه
47 - خ ل (س): عنه
48 - (س): (أن) سقطت منها.
49 - (س): والثاني
50 - (س): والأرضون
51 - (ك): فإذا
205

[منه ك] عن النصاب فلا يضم بعض 52 إلى بعض إلا إذا فر به من الزكاة.
11 - فصل في مستحق 53 الزكاة ومقدار ما يعطى [المستحق ص]
يستحق 54 الزكاة ثمانية أصناف:
1 - الفقراء: وهم الذين لا شئ لهم.
2 - والمساكين: وهم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم.
3 - والعاملون عليها: وهم السعاة للصدقات.
4 - والمؤلفة قلوبهم: وهم الذين يستمالون للجهاد.
5 - وفي الرقاب: وهم المكاتبون والعبيد إذا كانوا في شدة.
6 - والغارمون: وهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية الله.
7 - وفي سبيل الله: وهو الجهاد وما جرى مجراه.
8 - وابن السبيل وهم 55 المنقطع بهم، وإن كانوا في بلدهم ذوي يسار.
ويراعى فيهم أجمع إلا المؤلفة قلوبهم شروط أربعة:
1 و 2 - الإيمان، والعدالة.
3 - وأن لا يكون 55 من بني هاشم مع تمكنهم من الأخماس.
4 - وأن لا يكون ممن [يجبر على نفقته 57]: من الوالدين والولد، والزوجة
والمملوك، وغيرهم.
فأما 58 المؤلفة قلوبهم فيتألفون 59 بشئ [من الزكاة س خ] يعطون يستعان
بهم على الجهاد وإن كانوا كفارا.
ويجوز وضع الزكاة في واحد من [هذه ص ك] الأصناف، والأفضل أن
يجعل لكل صنف منهم شيئا ولو [كان ك] قليلا.

52 - (س): بعضه
53 - (س): مستحقي
54 - (ك): مستحق الزكاة
55 - (ك وص): وهو
56 - (ك): يكونوا، وكذا فيما بعده
57 - (ك): يجب عليه نفقتهم
58 - (ك): وأما
59 - (ك): يتألفون
206

وأقل ما يعطى المستحق ما يجب في نصاب أوله: خمسة دراهم، أو نصف
دينار وبعد ذلك درهم أو عشر دينار.
12 - فصل في [س ذكر] ما يجب فيه الخمس 60
الخمس يجب في خمسة وعشرين جنسا:
1 - في الغنايم التي تؤخذ من دار الحرب.
2 - وفي كنوز 61 الذهب، والفضة، والدراهم، والدنانير.
3 - 16 - والمعادن كلها: الذهب والفضة، والحديد، والصفر والنحاس،
والرصاص، والزيبق، والكحل، [والملح 62 ص س]، والزرنيخ، والقير، والنفط،
والكبريت، والمومياء. والغوص.
17 - 22 والياقوت، والزبرجد، والبلخش، والفيروذج، والعقيق. والعنبر.
23 - وأرباح التجارات والمكاسب [كلها ك ص] وفيما يفضل 63 من
الغلات عن قوت السنة له ولعياله.
24 - وفي المال الذي 64 يختلط الحرام بالحلال فلا 65 يتميز.
25 - وفي أرض الذمي إذ اشتراها من مسلم.
ووقت وجوب 65 الخمس فيه وقت حصوله.
ولا يراعى فيه النصاب [الذي في الزكاة ص]. إلا الكنوز فإنه يراعى
فيها 67 النصاب الذي فيه الزكاة. والغوص يراعى فيه مقدار دينار. وما عداهما
لا يراعى فيه مقدار.
13 - فصل في قسمة الخمس وبيان مستحقه
يقسم الخمس ستة أقسام:

60 - (س): فيما يجب الخمس!
61 - (س): الكنوز!
62 - مع وجود هذه الكلمة يزاد واحد على 25 جنسا
63 - (ص): يتصل!
64 - (ص): التي!
65 - (ك و س): ولا
66 - (ص): الوجوب!
67 - (ك وص): فيه.
207

1 - 3 - سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة
[كلها ص] للإمام.
4 - 6 - وسهم ليتامى آل محمد [عليهم السلام ص]، وسهم لمساكينهم،
وسهم لأبناء سبيلهم.
14 - فصل في ذكر الأنفال ومن يستحقها
الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، [وهي ك س] لمن
قام مقامه في أمور المسلمين، وهي خمسة عشر صنفا:
1 - كل أرض خربة باد أهلها.
2 - وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب.
3 - وكل أرض أسلمها أهلها من غير قتال.
4 و 5 - ورؤس الجبال وبطون الأودية.
6 و 7 - والأرضون الموات التي لا أرباب لها. والآجام.
8 - وصوافي 68 الملوك وقطايعهم التي كانت في أيديهم من غير جهة
غصب 69.
9 - وميراث 70 من لا وارث له.
10 - 14 - ومن الغنائم: الجارية الحسناء، والفرس الفارة، والثوب
المرتفع 71، وما أشبه ذلك [ص و] مما لا نظير له من رقيق، أو متاع.
15 - وإذا قوتل قوم من أهل حرب، فأخذ غنايمهم من غير إذن الإمام
فذلك له خاصة.
15 - فصل في [ذكر س ك] زكاة الفطرة
تحتاج زكاة الفطرة إلى معرفة ستة أشياء:

68 - (ص): صواف!
69 - (ك): الغصب
70 - (ص): والميراث!
71 - (ك): والثوب المرتفع والفرس الفارة.
208

1 - 6 - من تجب [عليه س ك] ومتى تجب، وما الذي يجب، وكم
يجب، ومن يستحقه 72، وكم أقل ما يعطى.
فالذي تجب عليه: كل حر بالغ مالك لما يجب عليه فيه زكاة المال
يخرجه عن نفسه وجميع من يعوله من والد وولد 73 وزوجة ومملوك وضيف مسلما
كان أو ذميا.
ويستحب إخراجها لمن لا يجد النصاب.
وتجب الفطرة بدخول هلال شوال ويتضيق [س خ وقتها] يوم الفطر قبل
صلاة العيد.
ويجب عليه صاع من أحد الأجناس السبعة:
1 - 7 - الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والأرز، والأقط، واللبن.
والصاع تسعة أرطال بالعراقي من جميع ذلك إلا اللبن فإنه أربعة أرطال
[س خ بالمدني أو ستة أرطال بالعراقي].
ويجوز إخراج القيمة بسعر الوقت.
ومستحق الفطرة هو مستحق زكاة الأموال. وتحرم على من تحرم عليه
زكاة الأموال. ويعتبر فيه خمسة أوصاف:
1 - 3 - الفقر، والإيمان أو حكمه، وارتفاع الفسق.
4 - 5 - ولا يكون ممن يجب عليه نفقته، ولا يكون من بني هاشم.
ولا يعطى الفقير أقل من صاع، ويجوز أن يعطى أصواعا.

72 - (س): مستحقه، خ ل (ك): يستحقها.
73 - (ك و س): ولد ووالد.
209

كتاب الصيام 1
الصوم عبارة في الشرع عن الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان
مخصوص.
ومن شرط 2 صحته النية:
فإن كان الصوم متعينا بزمان مخصوص على كل حال مثل شهر رمضان
فيكفي فيه نية القربة دون نية 3 التعيين.
وإن لم يكن متعينا أو كان يجوز ذلك فيه احتاج إلى نية التعيين وذلك
كل صوم عدا شهر رمضان نفلا كان أو واجبا.
ونية القربة يجوز أن تكون متقدمة.
ونية التعيين لا بد من أن تكون مقارنة.
فإن فاتت إلى أن يصبح جاز تجديدها إلى زوال الشمس، فإن 4 زالت
[الشمس س] فقد فات وقتها.
فإن كان صوم شهر رمضان صام ذلك اليوم وقضى يوما بدله، وكذلك
النذر. هذا إذا أصبح بنية الإفطار. فأما 5 إذا أصبح صائما بنية التطوع ولم يجدد نية
الفرض بأن لا يعلمه فإنه يجزيه نية القربة على كل حال.
)

1 - (س): الصوم.
2 - (ص): شروط
3 - (ك): عن نية (ص) دون النية التعيين!
4 - (س): فإذا.
5 - (ك): فإذا
211

1 - فصل في ذكر ما يمسك عنه الصائم
ما يمسك عنه الصائم على ضربين: واجب، ومندوب:
فالواجب على ضربين: أحدهما فعله يفسده، والآخر لا يفسده. فالذي
يفسده على ضربين:
أحدهما يصادف ما يتعين صومه: مثل شهر رمضان، وصوم النذر المعين
بيوم أو أيام.
والآخر يصادف ما لا يتعين [صومه ص]: مثل ما عدا هذين. النوعين من
أنواع الصوم.
فما يصادف شهر رمضان والنذر المعين على ضربين:
أحدهما يوجب القضاء والكفارة.
والآخر يوجب القضاء دون الكفارة.
فما يوجب القضاء والكفارة تسعة أشياء:
1 و 2 - الأكل: والشرب.
3 و 4 - والجماع في الفرج، وإنزال الماء الدافق عامدا.
5 - والكذب على الله [تعالى 6 ص] وعلى رسوله و [على ص ك] الأئمة
عليهم السلام متعمدا.
6 - والارتماس في الماء.
7 - وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا مثل غبار النقض والدقيق 7 و
ما جرى 8 مجراه.
8 - والمقام على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر.
9 - ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر.
والكفارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا
مخيرا 9 في ذلك.

6 - (س): عز وجل
7 - (س): مثل غبار الدقيق أو غبار النقض.
8 - (ك): يجري
9 - (س): مخير
212

وما يوجب القضاء دون الكفارة فثمانية أشياء:
1 - الإقدام على الأكل والشرب والجماع 10 قبل أن يرصد الفجر مع
القدرة عليه، ويكون طالعا.
2 - وترك القبول عمن قال: إن الفجر [قد ك] طلع، والإقدام على
تناول ما ذكرناه، ويكون قد طلع.
3 - وتقليد الغير في أن الفجر لم يطلع مع قدرته على مراعاته ويكون قد
طلع.
4 - وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته 11، والإقدام على
الإفطار، ولم يدخل [الليل ص].
5 - وكذلك الأقدام على الإفطار بعارض يعرض في السماء من ظلمة ثم
تبين 12 أن الليل لم يدخل.
6 - ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل أن يغتسل 13 من جنابة ولم ينتبه
حتى يطلع الفجر.
7 - ودخول الماء إلى الحلق لمن يتبرد 14 بتناوله دون المضمضة
[والاستنشاق ص] للصلاة.
8 - والحقنة بالمايعات.
وأما ما لا يتعين صومه فمتى صادفه 15 شئ مما ذكرناه بطل صوم ذلك
اليوم، ولا يلزمه 16 [به 17] كفارة، وذلك مثل قضاء الصوم [ص الفريضة] أو صوم
النافلة وما أشبه ذلك.
وأما ما يجب 18 الإمساك عنه وإن لم يفسده فهو جميع المحرمات

10 - (س): أو الشرب أو الجماع، (ك): والشرب والجماع.
11 - من هنا إلى قوله (وكذلك) سقط من (ك)
12 - (س): يتبين
13 - (ص و س): يغسل
14 - (ك): تبرد (بتشديد الراء).
15 - (س): صادف، (ص): صادفة!
16 - (ك): يلزم
17 - ضربت عليه القلم في (س).
18 (ك): يوجب!
213

والقبايح التي هي سوى ما ذكرناه، فإنه يتأكد وجوب الامتناع منها لمكان الصوم.
وأما المندوبات فإثنا عشر شيئا
1 و 2 - السعوط، والكحل الذي فيه [شئ ص س] من الصبر [والعنبر
ص]، والمسك.
3 و 4 - وإخراج الدم على وجه يضعفه، ودخول الحمام المؤدى إلى ذلك.
5 و 6 - وشم النرجس، والرياحين.
7 - واستدخال الأشياف الجامدة.
8 - وتقطير الدهن في الأذن. 9 - وبل الثوب على الجسد.
10 - 12 - والقبلة، وملاعبة النساء، ومباشرتهن بشهوة.
2 - فصل في ذكر أقسام الصوم ومن يجب عليه [الصوم ص ك]
الصوم على خمسة أضرب:
1 - 3 - مفروض 19 ومسنون، وقبيح.
4 و 5 - وصوم إذن، وصوم تأديب.
فالمفروض على ضربين: مطلق من غير سبب، وواجب عند سبب.
فالمطلق من غير سبب صوم شهر رمضان.
وشرائط وجوبه ستة: خمسة مشتركة بين الرجال والنساء، وواحد يختص
النساء.
1 - 5 - فالمشترك: البلوغ، وكمال العقل، والصحة، والإقامة، ومن
حكمه حكم الإقامة من المسافرين.
6 - وما يختص النساء فكونها طاهرا.
فهذه شروط في صحة الأداء.
فأما 20 القضاء فلوجوبه ثلاثة شروط: الإسلام، وكمال العقل، والبلوغ 21.

19 - (س): واجب، خ ل: مفروض
20 - (س): وأما
21 - (س): والبلوغ وكمال العقل.
214

ووقت وجوبه دخول شهر رمضان، وعلامة دخوله رؤية الهلال أو قيام
البينة برؤيته دون العدد.
ومن يلزمه الصوم في السفر عشرة:
1 - من نقص سفره عن ثمانية فراسخ.
2 - ومن كان سفره معصية لله 22 تعالى.
3 - ومن كان سفره لصيد اللهو 23 والبطر.
4 - 10 - ومن كان سفره أكثر من حضره.
وحده أن لا يقيم في بلده 24 عشرة أيام: كالمكاري 25، والملاح والداعي،
والبدوي، والذي يدور في إمارته، والذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق،
والبريد.
والواجب عند سبب أحد عشر قسما 26:
1 - قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض 27 أو غيره.
2 - وصوم النذر.
3 - 10 - وصوم كفارة قتل الخطأ، وصوم كفارة الظهار، وصوم كفارة
اليمين، وصوم كفارة أذى حلق الرأس، وصوم جزاء الصيد، وصوم دم المتعة، وصوم
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من
شهر رمضان متعمدا بعد الزوال.
11 - وصوم الاعتكاف. [على وجه ص]
وينقسم هذه الواجبات ثلاثة أقسام: مضيق، ومرتب، ومخير.
فالمضيق ثلاثة:
1 و 2 - صوم النذر [المعين س]، وصوم الاعتكاف.
3 - وصوم قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر [ص من مرض وغيره] 28.
والمخير أربعة:

22 - (ك): معصيته الله
23 - (س): للصيد واللهو.
24 - (ك): بلدة.
25 - (ك): والمكاري
26 - خ ل (س): شيئا
27 - (ك): وغيره
28 - (ص): وغير!
215

1 - صوم كفارة أذى حلق الرأس.
2 - وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا على خلاف فيه
بين الطايفة:
3 و 4 - وصوم كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال،
وصوم جزاء الصيد.
والمرتب أربعة:
1 - 4 - صوم كفارة اليمين، وصوم كفارة قتل الخطاء، وصوم كفارة
الظهار، وصوم دم الهدى.
وقد بينا كيفية الأجناس الباقية من الصوم الواجب والتخيير 29 والترتيب
في النهاية مستوفيا.
وينقسم الصوم الواجب قسمين آخرين 30:
أحدهما يتعلق بإفطاره متعمدا من غير ضرورة قضاء وكفارة والآخر
لا يتعلق به ذلك.
فالأول أربعة أجناس:
1 و 2 - صوم شهر رمضان، وصوم النذر المعين بيوم أو أيام.
3 و 4 - وصوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال، وصوم الاعتكاف.
وما [لا س ك] يتعلق بإفطاره كفارة، الثمانية 31 الأجناس الباقية من
الصوم الواجب.
وهذا الواجبات تنقسم قسمين آخرين 32:
أحدهما يراعى فيه التتابع، والآخر لا يراعى فيه ذلك. فالأول على
ضربين:
أحدهما متى أفطر في حال دون حال بنى عليه، والآخر يستأنف على كل
حال:

29 - (س): (الواجب التخيير)، وفي حاشية (س) كذا: في بعض
النسخ: وقد بينا كيفية التخيير والترتيب في النهاية. ومثله في (ك) وفيه: " في النهاية مستوفيا "
30 - (س وك). أخريين. خ ل (س): آخرين.
31 (ك و س): ثمانية.
32 - (س وك): أخريين. خ ل (س): آخرين.
216

فالأول ستة مواضع:
1 - 3 - من وجب عليه صوم شهرين متتابعين إما في قتل 33 الخطأ
أو الظهار، أو بإفطار 34 يوم 35 من شهر رمضان، وما يجري مجراه من النذر المعين
بيوم أو أيام، أو وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر غير معين.
فمتى صادف الإفطار في الشهر الأول أو قبل أن يصوم من الثاني شيئا
من غير عذر من مرض أو حيض استأنف.
وإن كان إفطاره بعد أن صام من الثاني [شيئا ص] ولو يوما واحدا أو كان
إفطاره في الشهر الأول المرض أو حيض بنى على كل حال.
4 و 5 - وكذلك من أفطر يوما في شهر 36 نذر صومه متتابعا 37 أو وجب
عليه ذلك في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا قبل أن يصوم خمسة عشر
يوما من غير عذر من مرض أو حيض استأنف.
وإن كان بعد أن صام خمسة عشر يوما، أو كان إفطاره قبل ذلك لمرض
أو حيض بنى على كل حال.
6 - وصوم ثلاثة أيام في دم المتعة إن صام يومين ثم أفطر بنى، وإن صام
يوما ثم أفطر أعاد 38.
وما يوجب الاستيناف على كل حال ثلاثة مواضع:
1 و 2 - صوم كفارة اليمين، وصوم الاعتكاف.
3 - وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
وما لا يراعى فيه التتابع أربعة مواضع:
1 - السبعة 39 الأيام في دم المتعة.
2 - وصوم النذر إذا لم يشرط 40 التتابع.

33 - (ص): القتل!
34 - (ك و س): أو إفطار
35 - (س): يوما
36 - (س): من شهر
37 - (ص): متتابعين!
38 - (س): أعاده
39 - (ك): سبعة.
40 - (س): يشترط، خ ل: يشرط
217

3 - وصوم جزاء الصيد.
4 - و [صوم س ك] قضاء شهر رمضان لمن أفطر لعذر.
وأما المسنون، فجميع أيام السنة 41 إلا الأيام التي يحرم فيها الصوم، غير
أن فيها ما هو أشد تأكيدا وهي ستة عشر قسما:
1 - 3 - ثلاثة أيام 42 من كل شهر: أول خميس في العشر الأول، وأول
أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير.
4 - وصوم يوم الغدير [س وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة]
5 - وصوم المبعث: وهو يوم 43 السابع والعشرين من [شهر س] رجب.
6 - وصوم يوم مولد 44 النبي صلى الله عليه وآله: وهو يوم السابع عشر من
شهر ربيع الأول.
7 - وصوم يوم دحو 45 الأرض من تحت الكعبة وهو يوم الخامس والعشرين
من ذي القعدة.
8 - وصوم يوم عاشورا على وجه الحزن والمصيبة.
9 - وصوم يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء.
10 - 11 - وأول يوم من ذي الحجة، وأول يوم من رجب.
12 - 13 - ورجب كله، وشعبان كله.
14 - 16 - وصيام أيام الليال البيض 46 من كل شهر: وهو يوم الثالث
عشر، والرابع عشر، والخامس عشر.
وأما الصوم القبيح فعشرة أقسام:
1 - 3 - صوم يوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم الشك على أنه من شهر
رمضان.
4 - 6 - و [صوم ص] ثلاثة أيام التشريق لمن كان بمنى.

41 - (ص): الأيام السنة!.
42 - (س): في، خ ل: من
43 - (ص): اليوم.
44 - (ص): مولود!
45 - (ص): دحو (بتشديد واو)!
46 - (س): وصيام الثلاثة أيام البيض، (ك) و خ ل (س): وصوم أيام البيض.
218

7 - 9 - وصوم نذر المعصية، وصوم الصمت، وصوم الوصال.
10 - وصوم الدهر لأنه يدخل فيه العيدان و [أيام س] التشريق.
وصوم الأذن ثلاثة أنواع:
1 - 3 - صوم المرأة تطوعا بإذن زوجها، والمملوك كذلك بإذن مولاه،
والضيف كذلك بإذن مضيفه.
وصوم التأديب خمسة:
1 - المسافر 47 إذا قدم أهله وقد أفطر أمسك بقية النهار [ص ك تأديبا]
2 - 5 - وكذلك الحايض إذا طهرت، والمريض إذا برأ والكافر إذا
أسلم والصبي إذا بلغ.
3 - فصل في حكم المريض، والعاجز عن الصيام
المريض لا يجوز له أن يصوم، ويجب عليه الإفطار.
وحد المرض 48 الذي يجب معه الإفطار ما لا يقدر معه على الصوم أو يخاف
الزيادة في مرضه، والإنسان على نفسه بصيرة 49.
وله أحوال ثلاثة فيما 50 بعد: إما أن يبرأ، أو يموت، أو يستمر به المرض
إلى رمضان آخر.
1 - فإن برأ وجب عليه القضاء فإن لم يقض ومات وجب على وليه
القضاء عنه.
والولي هو أكبر أولاده الذكور.
فإن كانوا جماعة في سن واحد كان عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به
بعضهم فيسقط عن الباقين.
وإن 51 لم يمت وفي عزمه القضاء من غير توان ولحقه رمضان آخر صام

47 - (ص): والمسافر!
48 - (ص): المريض!
49 - خ ل (س): بصير.
50 - (ص): فيها!
51 - (ك): فإن
219

الثاني 52 وقضى الأول ولا كفارة عليه.
وإن أخره توانيا صام الحاضر وقضى الأول وتصدق عن كل يوم بمدين من
طعام وأقله مد [واحد ك]
2 - وإن لم يبرأ حتى لحقه 53 رمضان آخر صام الحاضر، وتصدق عن
الأول، ولا قضاء عليه.
وحكم ما زاد على رمضانين حكمهما سواء.
3 - وإن مات من 54 مرضه ذلك صام وليه عنه 55 ما فاته استحبابا وكل
صوم كان واجبا على المريض بأحد الأسباب الموجبة له ثم مات تصدق عنه أو
يصوم عنه وليه.
والعاجز عن الصيام 56 على ضربين:
أحدهما يكفر ولا قضاء عليه.
والثاني يكفر ثم يقضي:
فالأول ثلاثة:
1 و 2 - الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة.
3 - والشاب الذي به العطاش 57 لا يرجى زواله.
والثاني ثلاثة:
1 - الحامل المقرب التي تخاف على الولد.
2 - والمرضعة القليلة اللبن.
3 - ومن به عطاش يرجى زواله.
4 - فصل في حكم المسافرين
المسافر لا يجوز له أن يصوم رمضان ولا شيئا من الواجبات الآخر إلا النذر

52 - (ك): صام الحاضر
53 - (ك): يلحقه
54 - (س): في مرضه
55 - (س): صام عنه وليه.
56 - (ك و س): الصوم
57 - (س): ولا
220

المقيد صومه بحال 58 السفر فيلزمه الوفاء به، وصوم الثلاثة الأيام 59 لدم المتعة.
وما عداهما 60 يجب عليه الإفطار فيه، فإن 61 صام مع العلم [به س] لم
يجزه 62.
والسفر الذي يجب فيه [الإفطار ص س] يحتاج إلى ثلاثة شروط:
1 - أن لا يكون [السفر ص س] معصية. 2 - و [أن ك] تكون المسافة بريدين: ثمانية فراسخ، أربعة وعشرين 63
ميلا.
3 - ولا يكون المسافر سفره أكثر من حضره.
وقد ذكرنا من يجب عليه الصوم في حال السفر فيما مضى.
وعند تكامل هذه الشروط يجب التقصير في الصلاة والصوم.
ولا يجوز التقصير و [لا ص س] الإفطار إلا أن يخرج عن بيته 64 ويتوارى
عنه جدران بلده، أو يخفى عليه أذان مصره.
ومن شرط [ص س صحة] الإفطار خاصة تبييت النية للسفر من الليل.
فإن لم يبيتها وحدث له رأي في السفر صام ذلك اليوم، ولا قضاء عليه.
وإن بيت النية من الليل ولم يخرج إلى بعد الزوال تمم [صومه ص] وقضى
ذلك اليوم.
5 - فصل في [ذكر ك] الاعتكاف وأحكامه
الاعتكاف في الشرع عبارة 65 عن اللبث في مكان مخصوص للعبادة،
ولا يصح إلا بشروط ثلاثة:

58 - (س): في حال، خ ل: بحال.
59 - (ص وك): ثلاثة أيام.
60 - (س): ما عداه
61 - (ص): وإن!
62 - (ص): لم يجزيه!
63 - (س): عشرون.
64 - (س) خ ل (عن بيته).
65 - (ك): عبارة في الشرع
221

أولها 66 أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة:
1 - 4 - المسجد الحرام، أو مسجد النبي عليه [الصلاة و ص س] السلام،
أو مسجد الكوفة أو مسجد البصرة.
وثانيها أن ينوي ثلاثة أيام، فإنه لا يصح أقل من ثلاثة أيام وثالثها أن يصوم
هذه الأيام، فإنه لا يصح إلا بصوم.
ويجب عليه تجنب كل ما يجب على المحرم تجنبه: من النساء، والطيب
والممارات، والجدال.
ويزيد عليه سبعة 67 أشياء:
1 و 2 - البيع والشراء.
3 - والخروج عن المسجد إلا لضرورة 68.
4 - والمشي تحت الظلال مع الاختيار.
5 - والقعود في غيره مع الاختيار.
6 - والصلاة في غير المسجد 69 الذي اعتكف [فيه ص س] إلا بمكة فإنه
يصلي كيف شاء وأين شاء.
7 - ومتى جامع نهارا 70 لزمته كفارتان، وإن جامع ليلا لزمته كفارة واحدة
مثل ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان.
وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرجا من المسجد ثم يعيدان
الاعتكاف والصوم.

66 - (ك): أحدها
67 - (ك): بسبعة.
68 - (ص): بضرورة!
69 - (س): الموضع، خ ل: المسجد، وجاء في الحاشية هكذا: في غير المسجد المعتكف فيه
كما في بعض النسخ.
70 - (ص) النهار.
222

كتاب الحج
1 - فصل في [ذكر س] وجوب الحج وكيفيته وشرائط وجوبه
الحج في اللغة هو القصد، وفي الشريعة 1 كذلك، إلا أنه يخصص 2 بقصد
البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بوقت مخصوص.
وهو على ضربين: واجب، ومندوب 3.
فالواجب على ضربين: مطلق، ومقيد:
فالمطلق هو حجة الإسلام، وهي واجبة بشروط ثمانية:
1 - 4 - البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والصحة.
5 و 6 - ووجود الزاد والراحلة، والرجوع إلى كفاية إما من المال أو الصناعة
أو الحرفة.
7 و 8 - وتخلية السرب من الموانع، وإمكان المسير 4.
ومتى اختل واحد من هذه الشروط سقط الوجوب ولم يسقط الاستحباب.
ومن شرط صحة أدائها: الإسلام، وكمال العقل.
وعند تكامل [ص هذه] الشروط يجب في العمر مرة واحدة، وما زاد
عليها مستحب، ووجوبه على الفور دون التراخي.

1 - (س): الشرع، خ ل: الشريعة.
2 - (ك): مختص.
3 - (ك): وتطوع.
4 - (ص): المصير!
223

وما يجب عند السبب 5: فهو ما يجب بالنذر أو العهد، وذلك بحسبهما 6: إن
كان واحدا فواحدا، وإن كان أكثر فأكثر.
ولا يتداخل الفرضان، وإذا اجتمعا 7 لا يجزي أحدهما عن الآخر.
وقد روى أنه إذا حج بنية النذر أجزأ عن حجة الإسلام. والأول أحوط.
ولا ينعقد النذر به إلا من كامل 8 العقل، الحر، ولا يراعى [ص فيه] باقي
الشروط 9.
2 - فصل في ذكر أقسام الحج
الحج على ثلاثة أضرب: تمتع، وقران، وإفراد.
فالتمتع [ص ك هو] فرض من لم يكن [ص س من] حاضري 10
المسجد الحرام.
والقران والإفراد 11 فرض من كان [ص س من] حاضريه.
وحده من كان بينه وبين المسجد الحرام اثنا عشر ميلا من أربع جوانب
البيت.
3 - فصل في ذكر أفعال الحج
أفعال الحج على ضربين: مفروض، ومسنون.
فالمفروض 12 على ضربين: ركن، وغير ركن في الأنواع الثلاثة التي
ذكرناها.

5 - (ك): سبب.
6 - (ص): بحسبها!
7 - (ص): وإذ اجتمعا!
8 - (س): لكامل، خ ل: من كامل.
9 - (ص): الشروط الوجوب! والصحيح: (شروط الوجوب).
10 - (ص): حاضر، (س): أهله حاضري، خ ل: حاضر.
11 - (ك): والإفراد والقران.
12 - (ك): والمفروض.
224

فأركان المتمتع 13 عشرة:
1 و 2 - النية، والاحرام من الميقات في وقته.
3 و 4 - وطواف العمرة، والسعي بين الصفا والمروة لها.
5 و 6 - والنية، والاحرام بالحج.
7 و 8 - والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر.
9 و 10 - وطواف الزيارة، والسعي للحج.
وما ليس بركن فثمانية أشياء:
1 - التلبيات الأربع مع الإمكان، أو ما يقوم مقامها مع العجز.
2 و 3 - وركعتا طواف العمرة، والتقصير بعد السعي.
4 - والتلبية عند الإحرام بالحج. أو ما يقوم مقامها [ص مع العجز].
5 - والهدى أو ما يقوم مقامه من الصوم مع العجز.
6 - 8 - وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف 14 له.
وأركان 15 القارن والمفرد 16 ستة:
1 و 2 - النية، والاحرام.
3 و 4 - والوقوف بعرفات، والوقوف بالمشعر.
5 و 6 - وطواف الزيارة، والسعي [للحج س].
وما ليس بركن فيهما أربعة أشياء:
1 - التلبية [بالحج ص] أو ما يقوم مقامها من تقليد أو إشعار.
2 - 4 - وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف 17 له.
ويتميز القارن من المفرد بسياق الهدى، ويستحب لهما تجديد التلبية عند
كل طواف.
وأما المسنون 18 فسنذكر 19 عند ذكر كل ركن ما يتعلق به إن شاء الله.

13 - (ك): التمتع.
14 - (ص): طواف.
15 - (ص): وإن كان!
16 - (ص): أو المفرد.
17 - (ص): طواف.
18 - (ك و س): المسنونات.
19 - (ك): فنذكر.
225

4 - فصل في كيفية الإحرام وشرايطه
الإحرام يشتمل على أفعال وتروك، وكل 20 واحد منهما ينقسم إلى
مفروض ومسنون.
ولا يصح الإحرام بالحج إلا بشرطين:
أحدهما أن يقع في أشهر الحج: وهي شوال، وذو العقدة، وتسعة من ذي
الحجة.
ويجوز 21 الإحرام بالعمرة 22 المبتولة في أي شهر شاء.
والآخر أن يقع في الميقات 23، والمواقيت سبعة:
1 - 3 - لأهل العراق ثلاثة: أولها المسلخ، وأوسطها غمرة 24 وآخرها
ذات عرق.
4 - ولأهل المدينة ذو الحليفة، وهو مسجد الشجرة، وعند الضرورة
الجحفة.
5 - ولأهل الشام الجحفة: وهي المهيعة.
6 - ولأهل الطايف قرن المنازل.
7 - ولأهل اليمن يلملم.
ومن كان منزله دون الميقات إلى مكة فميقاته منزله.
وأفعال الإحرام المفروضة أربعة:
1 و 2 - النية واستدامة حكمها.
3 - ولبس ثوبي الإحرام أو ثوب 25 واحد 26 عند الضرورة مما يجوز الإحرام
فيه 27.
4 - والتلبيات الأربع التي بها ينعقد 28 الإحرام مع القدرة، أو ما يقوم مقامها

20 - (ص): فكل.
21 - (ك و س): ويجزي.
22 - (ص): في العمرة.
23 - خ ل (س): المواقيت.
24 - (ص وك): الغمرة!
25 - (ك): وثوب.
26 - (ص): واحدة.
27 - (س): فيه الإحرام. (س) الصلاة فيه.
28 - (ص): والتلبية الأربعة بها ينعقد!
226

مع العجز من الإشعار، والتقليد، والايماء 29 للأخرس.
والمسنونات ستة عشر فعلا:
1 - توفير شعر الرأس 30 من أول ذي القعدة إذا أراد الحج.
2 - وتنظيف البدن من الشعر عند الإحرام.
3 - 5 - وقص الأظفار، وأخذ شئ من الشارب دون الرأس، والغسل.
6 و 7 - وركعتا الإحرام، والأفضل أن يكون عقيب فريضة الظهر، أو غيرها
من الفرائض، أو ست ركعات، وأقله ركعتان.
8 - والدعاء عند الإحرام 31.
9 - وذكر التمتع في اللفظ إذا كان متمتعا، وذكر القران أو الإفراد 32 إذا
كان كذلك.
10 - وأن يشرط 33 على ربه.
11 و 12 - والجهر بالتلبية، والاكثار من التلبية الزائدة على الأربع 34.
13 - وأن لا يقطع التلبية إذا كان متمتعا إلا إذا رأى بيوت مكة.
14 - وإن كان مفردا أو قارنا إلى يوم عرفة عند 35 الزوال.
15 - وإن كان معتمرا إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم.
16 - وأن يكون ثيابه من قطن محض.
وأما التروك المفروضة فتسعة 36 وثلاثون [تركا س]:
1 - أن لا يلبس مخيطا.
2 - 4 - ولا يتزوج، ولا يزوج، ولا يشهد على عقد [نكاح س].
5 - 8 - ولا يجامع، ولا يستمني، ولا يقبل [بشهوة ك]، ولا يلامس بشهوة.
9 - 13 - ولا يصطاد ولا يأكل لحم صيد، ولا يذبح صيدا، ولا يدل على

29 - (ص): أو التقليد أو الإيماء.
30 - (ص): الشعر الرأس!
31 - (ك وص): للإحرام.
32 - (ص): والإفراد
33 - (س): يشترط.
34 - (ص): أربعة!
35 - خ ل (س): إلى عند.
36 - (ك و س): سبعة، خ ل (س): تسعة.
227

صيد، ولا يقتل شيئا من الجراد.
14 - 16 - ولا يغطي رأسه، ولا يرتمس في الماء، ولا يغطي محمله.
17 - والمرأة تسفر عن وجهها وتغطي رأسها.
18 - 19 - ولا يقطع شجرا ينبت في الحرم إلا شجر الفواكه، والإذخر،
ولا حشيشا إذا لم ينبت فيما هو ملك للإنسان 37.
20 - 21 - ولا يكسر بيض صيد، ولا يذبح فرخ شئ من الطير.
22 - ولا يأكل ما فيه طيب.
23 - 27 - ويجتنب الخمسة 38 الأنواع من الطيب: المسك، والعنبر،
والكافور، والزعفران، والعود.
28 - ويجتنب الأدهان الطيبة.
29 - ولا يتختم للزينة، ويجوز للسنة.
30 - ولا يلبس الخفين، ولا ما يستر ظهر القدمين 39 مع الاختيار.
31 - 33 - ويجتنب الفسوق: وهو الكذب على الله، والجدال: وهو قول
لا والله وبلى والله. 34 - ولا ينحي عن نفسه شيا من القمل.
35 - ولا يقبض على أنفه من الروايح الكريهة 40.
36 - ولا يدهن إلا عند الضرورة.
37 - 38 - ولا يقص شيئا من شعره، ولا من أظفاره.
39 - ولا يلبس شيئا من السلاح إلا عند الضرورة.
وأما التروك المكروهة فعلها خمسة عشر نوعا:
1 و 2 - الإحرام في الثياب المصبوغة المقدمة 41، والنوم على مثلها.
3 - ولبس الثياب المعلمة.

37 - (ك): ملك الإنسان، (س): إلا أن ينبت في ملك الإنسان مكان (إذا لم ينبت فيما هو
ملك للإنسان).
38 - (ص): خمسة الأنواع.
39 - (ك وص): القدم.
40 - (س): المكروهة.
41 - (ك): المقدمة (بتشديد الدال)!
228

4 و 5 - ولبس الحلي التي 42 لم تجر عادة المرأة بها، ولبس الثياب
المصبوغة لها.
6 - وشم [جميع ص س] أنواع الطيب سوى ما ذكرناه من المحرمات.
7 - واستعمال الحناء 43 للزينة.
8 - والنقاب للمرأة.
9 و 10 - والاكتحال بالسواد، أو بما 44 فيه طيب.
11 - والنظر في المرآة.
12 - واستعمال الأدهان الطيبة قبل الإحرام إذا كانت رايحتها تبقى إلى
بعد الإحرام.
13 - والسواك الذي يدمي فاه.
14 - وحك الجسد 45 على وجه يدميه.
15 - ودخول الحمام المؤدي إلى الضعف 46.
وقد بينا في النهاية ما يلزم المحرم بمخالفة (47) هده الأفعال والتروك
من الكفارات مشروحا لا يحتمل ذكرها (48) هاهنا.
فما يلزمه منها في إحرام (49) الحج على اختلاف ضروبه فلا ينحره إلا
بمنى، وما يلزمه في إحرام العمرة المبتولة لا ينحره إلا بمكة قبالة البيت بالحزورة.
ويلزم المحل في الحرم القيمة، والمحرم في الحل الجزاء، والمحرم في
الحرم الجزاء والقيمة حسب ما بيناه (50) في الكتاب.
وأما (51) الجماع فإن كان في الفرج قبل الوقوف بالمشعر [س فقد] بطل
حجه، وعليه إتمامه، والحج من قابل.

42 - (ك): الذي!
43 - (ك): الحنا!
44 - (س): وبما، (ك): بما.
45 - (ص): فالجد!
46 - (ك): ضعف.
47 - (س): بمخالفته.
48 - (س): ذكره.
49 - (ص): الإحرام الحج!
50 - (ك): قدمناه.
51 - (ك): فأما.
229

وإن كان بعد الوقوف بالمشعر، أو كان فيما دون الفرج قبل الوقوف
بالمشعر لم يكن عليه الحج من قابل (52)، وكان عليه الكفارة.
ومن فعل ذلك في العمرة المفردة لزمه إتمامها، وعليه قضاءها في الشهر
الداخل.
وحكم الاستمناء باليد حكم الجماع سواء.
فجميع ما يفعله المحرم ويتركه [س من] المفروض والمسنون أربعة
وسبعون نوعا.
فإن نسي الإحرام حتى جاوز الميقات رجع فأحرم من الميقات مع
الإمكان، فإن لم يتمكن أحرم من موضعه.
5 - فصل في أحكام الطواف ومقدماته
للطواف مقدمات مندوب إليها، وهي عشرة أشياء:
1 - الغسل عند دخول الحرم.
2 - وتطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره.
3 و 4 - ودخول مكة من أعلاها، والغسل عند دخول مكة.
5 - والمشي حافيا على سكينة ووقار.
6 - والغسل عند دخول المسجد الحرام.
7 - والدخول من باب بني شيبة.
8 - 10 - والصلاة على النبي والتسليم عليه عند الباب، والدعاء بما
روى، ويكون حافيا.
فإذا أراد الطواف فيجب عليه أشياء، ويستحب له أشياء.
فالواجبات أربعة أشياء:
1 و 2 - الابتداء بالحجر الأسود، وأن يطوف سبعة أشواط.
3 و 4 - وأن يكون على طهر، ويصلي عند المقام ركعتين.

52 - من هنا إلى قوله: (وإن كان من الغنم ففحلا) " فصل 9 " سقطت من (ك).
230

والمندوبات عشرة:
1 و 2 - استلام الحجر في كل شوط، والتقبيل له أو الإيماء إليه.
3 و 4 - والدعاء عند الاستلام، والدعاء في (53) الطواف.
5 - 8 - والتزام المستجار، ووضع الخد عليه، والبطن، والدعاء عنده.
9 و 10 - واستلام الركن اليماني، واستلام الأركان كلها.
والسهو في الطواف على ثمانية أقسام: ثلاثة منها توجب الإعادة:
1 - أولها من زاد في الطواف متعمدا (54) إذا كان فريضة.
2 - وإن شك فيما دون السبعة فلا يدرى كم طاف أعاد إذا كان
فريضة.
3 - وإن شك بين الستة والسبعة والثمانية أعاد.
وخمسة منها لا توجب الإعادة:
1 و 2 - أولها من نقص طوافه عن سبعة ثم ذكر ما نقص تمم وليس عليه
شئ، فإن (55) رجع إلى بلده أمر من يطوف عنه.
3 - ومن شك بين السبعة والثمانية قطع وليس عليه شئ.
4 - ومن شك فيما دون السبعة في النافلة بنى على الأقل.
5 - ومن زاد في طواف (56) النافلة تمم أسبوعين.
ولا يجوز القران في طواف الفريضة، ويجوز ذلك في النافلة، والأفضل
الانصراف على وتر.
6 - فصل في ذكر السعي وأحكامه ومقدماته
للسعي مقدمات مندوب إليها، وهي أربعة أشياء:
1 - استلام الحجر إذا أراد الخروج إلى السعي.
2 - وإتيان زمزم والشرب منه والصب على البدن.

53 - خ ل (س): عند الطواف.
54 - (س): عمدا.
55 - (س): وإن.
56 - (ص): في الطواف في النافلة.
231

3 - ويكون ذلك من الدلو المقابل للحجر.
4 - ويكون الخروج (57) من الباب المقابل للحجر.
فإذا أراد السعي يجب عليه أفعال، ويستحب له أفعال.
فالواجبات ثلاثة:
1 - 3 - أن يسعى سبع مرات بينهما، وأن يبدء بالصفا، ويختم بالمروة.
والمسنونات خمسة:
1 - الإسراع في موضع السعي: راكبا كان أو ماشيا للرجال، والمشي
أفضل من الركوب.
2 - 4 - والدعاء عند الصفا، والدعاء عند المروة، والدعاء فيما بينهما.
5 - وأن يكون على طهر.
والسهو في السعي على ستة أضرب: ثلاثة منها توجب الإعادة:
1 - من زاد فيه متعمدا أعاد.
2 - ومن سعى ثماني مرات ناسيا وهو عند المروة أعاد لأنه بدأ بالمروة.
3 - ومن لم يدر كم نقص أعاد السعي.
وثلاثة [س لا] توجب الإعادة:
1 - من زاد ناسيا وقد بدأ بالصفا طرح الزيادة، وإن أراد أن يتم سعيين
فعل.
2 - ومن سعى تسع مرات وهو عند المروة لم يعد.
3 - ومن نقص شوطا أو ما زاد عليه ثم ذكر تمم ولم يعد.
فإذا فرغ من السعي قصر، وهو على ستة أضرب:
فأدنى التقصير أن يقص من أظفاره (58) شيئا أو يقص شيئا من شعره
ولا يحلق رأسه، فإن فعله كان عليه دم ويمر الموسى على رأسه (59) يوم النحر.
فإن نسي التقصير حتى يحرم بالحج كان عليه دم.

57 - (س): خروجه.
58 - (س): أن يقض أظفاره أو يقض شيئا من شعره.
59 - (س): يوم النحر على رأسه.
232

فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد.
ويستحب له أن يتشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط.
7 - فصل في [ص ذكر] الإحرام بالحج
الإحرام بالحج ينبغي أن يكون يوم التروية عند الزوال، فإن لم
يمكن (60) أحرم في الوقت الذي يعلم أنه يلحق (61) الوقوف بعرفات.
وكيفية الإحرام وشرائطه وأفعاله (62) مثل ما قدمناه في إحرام العمرة (63)
سواء، غير أنه يذكر إحرامه بالحج فقط، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال.
فإن سها فأحرم (64) بالعمرة أجزأه ذلك بالنية إذا أتى بأفعال الحج.
فإن نسي الإحرام حتى يحصل بعرفات أحرم بها.
فإن لم يذكر حتى يقضى المناسك [كلها ص] لم يكن عليه شئ.
8 - فصل في ذكر نزول منى وعرفات والمشعر
ينبغي (65) للإمام أن يصلى الظهر والعصر يوم التروية بمنى، ومن عداه
لا يخرج من مكة إلا بعد أن يصلي الظهر والعصر بها.
وينبغي أن لا يخرج الإمام من منى إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة،
وغير الإمام يجوز له الخروج بعد طلوع الفجر.
ويجوز للعليل والكبير الخروج قبل ذلك.
والدعاء يستحب (66) في طريق عرفات.
وينبغي أن يصلي الظهر والعصر بعرفات يجمع بينهما بأذان واحد و
إقامتين، ويقف إلى غروب الشمس للدعاء (67).

60 - (س): لم يتمكن.
61 - خ ل (س): يدرك.
62 - خ ل (س): أحكامه.
63 - (ص): الإحرام العمرة!
64 - (س): وأحرم.
65 - (ص): ينبغ!
66 - خ ل (س): مستحب.
67 - خ ل (س): بالدعا.
233

وينبغي أن يكون نزوله ببطن عرنة (68)، ولا يقف تحت الأراك.
فإذا غابت (69) الشمس أفاض منها إلى المشعر، فإن أفاض قبل ذلك
عامدا لزمه دم بدنة.
ولا يصلي المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمشعر وإن (70) صار إلى ربع
الليل: يجمع بينهما.
ويقف بالمشعر ويدعو (71)، ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر

برجله].
ولا يخرج الإمام من المشعر إلا بعد طلوع الشمس.
وغير الإمام يجوز له [الخروج س] بعد طلوع الفجر، غير أنه لا يجوز عن
وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس.
ومن خرج قبل طلوع الفجر لزمه دم شاة، إلا النساء والمضطر والخائف
والعليل.
والسعي في وادي محسر مستحب.
9 - فصل في نزول منى وقضاء المناسك بها
المناسك بمنى يوم النحر ثلاثة:
1 - 3 - أولها رمي جمرة العقبة (72) بسبع حصيات، ثم الذبح ثم الحلق.
والرمي (73) يحتاج إلى شروط ثمانية مسنونة كلها، لأن الرمي مسنون:
1 - 3 - العدد: وهو سبع حصيات، [ص ك و] يلتقطها، ولا يكسرها.
4 - وتكون برشا، ولا يجوز غير الحصيات (74).
5 - ويكون على وضوء.
6 - ويرميها حذفا [ص ويرميها] من قبل وجه الجمرة.

68 - (ص): عرفة!
69 - خ ل (س): غربت.
70 - (ص): فإن!
71 - (ص): ويدعوا!
72 - (ص): العظمى، مكان (العقبة).
73 - (س): فالرمي.
74 - (س): ولا يجزي غير الحصى.
234

7 و 8 - ويكون بينه وبينها نحو من عشرة (75) أذرع إلى خمسة عشر (76)
ذراعا، ويدعو إذا رمى.
وأما الذبح فعلى ثلاثة أقسام:
1 - 3 - هدي المتمتع (77)، والأضحية، وما يلزم من الكفارات والنذور.
فهدي المتمتع فرض مع القدرة ومع العجز فالصوم بدل منه والهدي له
شروط وأحكام يتعلق بها، وهي أربعة وعشرون حكما:
1 - 4 - إن (78) كان من البدن [ص أن] يكون إناثا، ويكون ثنيا
فما فوقه، وكذلك إن كان من البقر.
5 و 6 - وإن (79) كان من الغنم ففحلا من الضأن، فإن (80) لم يجد
فتيسا من المعزى.
7 - ولا يكون ناقص الخلقة.
8 و 9 - ولا يجزي مع الاختيار واحد إلا عن واحد، وعند الضرورة عن
خمسة وعن سبعة وعن سبعين.
10 - ويكون مما قد عرف به.
11 - ولا يذبح إلا بمنى.
12 - 15 - ويقسمه ثلاثة أقسام: قسم يأكله، وقسم يهديه (81)، وقسم
يتصدق به.
16 و 17 - ويجوز إخراج اللحم من منى، ويجوز أيضا ادخاره.
18 - 21 - ويدعو عند الذبح ويكون يده مع يد الذابح، ويذكر صاحبه
على الذبح، فإن لم يذكره أجزأت 82 النية [عنه ص ك].
22 - وإذا 83 لم يجد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند من يثق به حتى 84

75 - (س): نحو عشرة، خ ل نحو من عشرة.
76 - (ص): خمس عشرة.
77 - (س): التمتع، وكذا فيما بعده.
78 - (ص): فإن.
79 - (ص): فإن.
80 (س): وإن.
81 - (ص): يهدي.
82 - (ك): أجزء بالنية.
83 - (ص): فإذا.
84 - (ك وص): ويذبحه.
235

يذبحه عنه في [طول ص س] ذي الحجة.
23 - فإذا عجز عن ثمنه صام بدله ثلاثة أيام في الحج: يوما قبل التروية،
ويوم التروية، ويوم عرفة 85.
24 - فإن فاته صام ثلاثة أيام بعد انقضاء أيام التشريق.
وأما الأضحية فمسنونة غير واجبة، وشروط 86 استحبابها شروط استحباب
الهدي سواء.
وأيام ذبح الأضاحي بمنى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده وفي
الأمصار ثلاثة أيام: يوم النحر ويومان بعده.
وأما الهدي الواجب فهو كل ما يلزم المحرم من كفارة وجبران في حال
الإحرام - وقد فصلناه في كتاب النهاية - أو ما نذر فيه.
فإن كان الإحرام للحج ذبحه بمنى، وإن كان للعمرة المفردة ذبحه
بالخزورة قبالة الكعبة. 86
ولا يأكل منه شيئا 87 ولا يخرجه [من الحرم ص] ولا يدخره إلا ما يقيم ثمنه
فيتصدق به.
والهدي الواجب يجوز ذبحه [س في] طول ذي الحجة.
وأما الحلق فمستحب للصرورة، وغير الصرورة يجزيه التقصير، والحلق
أفضل.
فإن نسي [الحلق ص س] حتى رحل (88) من منى فليعد وليحلق (89)
بها فإن لم يمكنه حلق من موضعه، وبعث شعره (90) إلى منى ليدفن هناك.
وليس على النساء حلق، ويكفيهن التقصير، ويبدأ بالناصية ويحلق إلى
الأذنين.
فإذا فرغ من ذلك مضى في (91) يومه إلى مكة، وزار البيت وطاف

85 - (ص و س) العرفة!
86 - (س وك): وشرط. وكذا فيما بعده. 86 - مكرر - (ك): البيت.
87 - (س): شيئا منه.
88 - (ك وص): يرحل.
89 - (ص): فليخلق.
90 - (ك): بشعره.
91 - خ ل (س): من يومه.
236

طواف الحج، أو من الغد إذا كان متمتعا، فإن كان غير متمتع جاز له تأخيره عن
ذلك.
ويفعل عند دخول المسجد الحرام، و [س خ عند] الطواف مثل ما فعله يوم
قدم مكة سواء.
ويطوف أسبوعا، ويصلي ركعتين عند المقام، ثم يخرج إلى الصفا
والمروة، ويسعى بينهما سبع مرات كما فعل في أول مرة سواء.
فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء.
ثم يطوف [بالبيت ك] طواف النساء رجلا كان أو امرأة أو خصيا أسبوعا،
ويصلي ركعتين عند المقام مثل طواف الحج سواء. فإذا فعل ذلك فقد أحل من
كل شئ أحرم منه [إلا الصيد ك].
ثم يعود إلى منى ويقيم (92) بها أيام التشريق، ولا يبيت لياليها إلا
بمنى، فإن بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة [دم ص] شاة.
ويرمي كل يوم من أيام التشريق ثلاث جمرات (93) بإحدى وعشرين
حصاة كل جمرة بسبع (94) حصيات على ما وصفناه سواء:
يبدأ بالجمرة الأولى و (95) يرميها عن يسارها، ويكبر، ويدعو عندها، ثم
بالجمرة الثانية، ثم بالثالثة (96) مثل ذلك سواء.
ويجوز له أن ينفر في النفر الأول، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، فإذا
أراد ذلك دفن حصيات (97) يوم الثالث.
ومن فاته رمى يوم قضاه من الغد بكرة ويرمي ما يخصه عند الزوال.
ومن نسي رمي الجمار حتى جاء إلى مكة عاد إلى منى ويرمي (98) بها
فإن (99) لم يذكر فلا شئ عليه.

92 - (س): فيقيم.
93 - (ص): جمارات، خ ل (س): جمار.
94 - (ك): سبع.
95 - (س): فيرميها.
96 - (س): ثم الثانية ثم الثالثة.
97 - (ك و س): حصاة.
98 - (ك): ورمى بها، (س): ورماها.
99 - (س): فمن.
237

والترتيب واجب في الرمي: يبدأ بالعظمى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة،
فإن رماها منكوسة أعاد.
ويجوز الرمي راكبا والمشي أفضل.
ويجوز بغير طهارة، والوضوء أفضل.
ويجوز أن يرمي عن ثلاثة: العليل (100)، والمغمى عليه، والصبي.
والتكبير عقيب خمس عشرة صلاة بمنى واجب: أولها (101) [عقيب س
ك] صلاة الظهر يوم النحر، [س إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث من أيام
التشريق].
وفي الأمصار عقيب عشر صلوات أولها (102) عقيب [س صلاة] الظهر
يوم النحر.
وفي النفر الأول لا ينفر إلا بعد الزوال، وفي الثاني يجوز قبل الزوال.
ويعود إلى مكة لوداع البيت ويدخل مسجد الحصبة، ويصلي فيه،
ليستلق على قفاه، وكذلك مسجد الخيف.
ويستحب للصرورة دخول الكعبة، وغير الصرورة يجوز له تركه.
فإذا دخلها صلى في زوايا البيت (103)، وبين الأسطوانتين، وعلى
الرخامة الحمراء، ولا يبصق فيه، ولا يمتخط.
فإذا خرج (104) ودع البيت، ويخرج من المسجد من باب الحناطين
ويسجد عند (105) باب المسجد ويدعو [الله تعالى س]، ويشتري بدراهم تمرا،
ويتصدق به، وينصرف إن شاء الله [تعالى س].
10 - فصل في ذكر مناسك النساء (106)
الحج واجب على النساء مثل الرجال، وشروط وجوبه عليهن [ك مثل]

100 - (ص): للعليل!
101 - (ك): أوله.
102 - (ك وص): أوله.
103 - (ص): ذوات بالبيت!
104 - (ص): أخرج!
105 - خ ل (س): على باب.
106 - (س): مناسك الحج للنساء.
238

شروط وجوبه عليهم.
وليس من شرطه وجود محرم (107).
ويجوز لها مخالفة الزوج في حجة الإسلام، ولا يجوز لها في التطوع.
وما يلزم الرجال بالنذر يلزم مثله النساء.
فإن حاضت وقت الإحرام فعلت ما يفعله المحرم، وتؤخر الصلاة.
فإن حاضت قبل أن تطوف طواف العمرة ويفوتها ذلك جعلت
حجتها (108) مفردة (109) وتقضى العمرة بعد ذلك.
فإن حاضت [ص في] خلال (110) الطواف وقد طافت أكثر من النصف
تركت بقية الطواف، وقضتها (111) بعد ذلك، وتسعى وتقصر، وقد تمت متعتها.
وإن كان أقل من ذلك جعلت حجتها مفردة.
وإن (112) خافت من الحيض جاز لها تقديم طواف الحج وطواف النساء
قبل الخروج إلى عرفات.
والمستحاضة يجوز لها الطواف بالبيت إذا فعلت ما تفعله المستحاضة،
وتصلي عند المقام ركعتين.
وإذا (113) أرادت الوداع (114)، وهي حايض ودعت من باب المسجد.
11 - فصل في ذكر العمرة المبتولة
العمرة فريضة مثل الحج، وشرايط وجوبها شرايط وجوب الحج
والمطلق (115) مرة واحدة، والمشروط بحسب الشرط مثل الحج.
فإذا (116) تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرضها، ومن حج قارنا أو
مفردا قضى العمرة [بعد ذلك ك س].
[ويجوز العمرة ك س] في كل شهر وأقله في كل عشرة أيام.

107 - (ص): المحرم.
108 - (ك وص): حجة.
109 - (ك): منفردة.
110 - خ ل (س): حال.
111 - (س): قضته، خ ل: قضتها.
112 - (ك وص): وإذا.
113 - (س): فإذا.
114 - (ك و س): وداع البيت.
115 - (ص): فالمطلق.
116 - (ك و س): وإذا.
239

كتاب الجهاد
الجهاد فرض من فرائض (1) الإسلام، وهو فرض على الكفاية إذا قام (2)
به البعض سقط (3) عن الباقين.
وشرائط وجوبه سبعة:
1 - 5 - الذكورة، والبلوغ وكمال العقل، والصحة، والحرية.
6 - وأن لا يكون شيخا ليس به (4) قيام.
7 - ويكون هناك إمام عادل (5) أو من نصبه الإمام للجهاد.
فإذا (6) اختل واحد من هذه الشروط سقط فرضه [ولم يسقط الاستحباب
س خ].
والمرابطة مستحبة.
وحدها ثلاثة أيام إلى أربعين يوما، فإن (7) زاد على ذلك كان جهادا.
ويجب بالنذر [أيضا ص].
1 - فصل: في أصناف من يجاهد من الكفار
[س من يجاهد من] الكفار على ضربين:

1 - (ص): الفرائض الإسلام!
2 - (ص): أقام!
3 - (ك): يسقط.
4 - (ك): به حراك، (س): لا حراك به.
5 - (ص): عدل.
6 - (ص): فإذ!.
7 - (س): وما زاد.
241

1 - ضرب يقاتلون إلى أن يسلموا أو يقتلوا أو يقبلوا الجزية.
وهم ثلاث فرق: اليهود، والنصارى، والمجوس:
2 - والآخر لا يقبل منهم الجزية، ويقاتلون حتى يسلموا أو يقتلوا (8):
وهم كل من عدا الثلاث (9) الفرق المذكورين.
وإذا قبلوا الجزية فليس لها حد محدود، بل يأخذها الإمام على حسب
ما يراه: إما أن يضعها على رؤوسهم أو أراضيهم (1)، ولا يجمع بينهما، ويزيد
وينقص حسب ما يراه.
[س ك فإن وضعها] على أراضيهم فأسلموا سقطت (11) عنهم الجزية،
وأخذ من الأرض العشر أو نصف العشر، وتكون أملاكا (12) لهم.
ومتى وجبت عليهم الجزية فأسلموا سقطت عنهم الجزية.
ولا يؤخذ الجزية من أربعة (13).
1 - 4 - الصبيان، والمجانين، والبله، والنساء.
ولا يبتدؤن بالقتال إلا بعد أن يدعوا إلى الإسلام: من التوحيد، والعدل،
والقيام بأركان الإسلام.
فإذا (14) أبوا ذلك كله أو شيئا منه حل قتالهم.
ويكون [الداعي س] الإمام أو من يأمره الإمام.
وشرائط الذمة خمسة:
1 - قبول الجزية.
2 - 5 - وأن لا يتظاهروا بأكل لحم الخنزير، وشرب الخمر، والزنا،
ونكاح (15) المحرمات.
فإن خالفوا شيئا من ذلك خرجوا من الذمة.

8 - (ص): أو يقيلوا.
9 - (ص): عدا. بتشديد الدال! (ك وص): الثلاث فرق.
10 - (ك وص): أرضيهم، وكذا فيما بعدها.
11 - (ك): سقط.
12 - (ك): ملكا.
13 - (ك): أربع.
14 - (س): فإن.
15 - (ص): والنكاح!
242

ومن أسلم في دار الحرب كان إسلامه حقنا لدمه ولولده الصغار من
ويجوز قتال أهل الشرك بساير أنواع القتال، إلا إلقاء السم في بلادهم.
السبي، ولماله من الأخذ (16) ما (17) يمكن نقله إلى (18) بلاد الإسلام، فأما
ما لا يمكن نقله [إلى بلد الإسلام ص] فهو جملة الغنائم وذلك مثل الأرضين
والعقارات.
فصل في ذكر الغنيمة والفئ وكيفية قسمتهما (19)
جميع ما يغنم من بلاد الشرك يخرج منه الخمس فيفرق في أهله الذين
ذكرناهم في كتاب الزكاة.
والباقي على ضربين:
فما حواه العسكر [س للمقاتلة خاصة وما لم يحوه العسكر]
فلجميع المسلمين: وهو الأرضون، والعقارات.
والذراري والسبايا للمقاتلة خاصة.
ويلحق بالذراري من لم ينبت، ومن أنبت أو علم بلوغه ألحق بالرجال.
والأربعة الأخماس (20) تقسم بين المقاتلة ومن حضر القتال قاتل أو لم
يقاتل.
ويلحق الصبيان بهم، ومن يولد في تلك الحال قبل القسمة.
ومن يلحقهم لمعونتهم وقد انقضى (21) القتال قبل قسمة الغنيمة (22)
يشاركهم (23) فيها.
وتقسم الغنيمة بينهم بالسوية ولا يفضل واحد [منهم ص] على الآخر.
ومن كان له فرس فله سهم، ولفرسه سهم، وللراجل سهم واحد.

16 - (ص): الآخر!
17 - (ك): مما.
18 - (ك وص): بلد الإسلام.
19 - (ك وص): قسمتها.
20 - (ص): أخماس.
21 - (ص): انقض!
22 - (س): قبل القسمة للغنيمة.
23 - (ك): شاركهم.
243

فإن كان معه أفراس جماعة أعطى سهم (24) فرسين.
وما يغنم في المراكب يقسم كما [يقسم ما ص] يغنم في البر: للفارس
سهمان، وللراجل (25) سهم [واحد ص س].
والأسارى على ضربين:
1 - ضرب يؤسرون قبل أن يضع الحرب أوزارها فمن هذه صورته فلا يجوز
استبقاؤهم (26)، والإمام مخير بين شيئين: [س ك بين] أن يضرب رقابهم، أو
يقطع أيديهم وأرجلهم ويتركهم (27) حتى ينزفوا.
2 - والآخر من يؤسر بعد انقضاء الحرب، والإمام مخير فيه بين ثلاثة
أشياء: إما أن يمن عليه فيطلقه، أو يستعبده، أو يفاديه.
3 - فصل في أحكام [أهل س ك] البغي
من قاتل إماما عادلا فهو باغ وجب جهاده على كل من يستنهضه الإمام،
ولا يجوز قتالهم إلا بأمر الإمام، وإذا قوتلوا (28) لم يرجع عنهم إلى أن يفيؤوا إلى
الحق.
وهم على ضربين:
أحدهما لهم فئة يرجعون إليها (29)، فإذا (30) كان كذلك جاز أن
يجاز (31) على جريحهم، ويتبع مدبرهم، ويقتل أسيرهم.
والآخر لا يكون لهم فئة، فمن كان كذلك لا يجاز (32) على جريحهم،
ولا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم.

24 - (س): منهم!
25 - (ص): للرجل!
26 - (ك): استسقائهم!
27 - (س): ويتركوا.
28 - (ص): قتلوا!
29 - (ص): إليه!
30 - (ك): فإذا.
31 - (س): يجهز.
32 - (س): لا يجهز.
244

ولا يجوز سبي ذراري الفريقين على [كل س] حال.
والمحارب كل من أظهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر، فإنه يجوز
قتاله على وجه الدفاع عن النفس والمال (33)، فإذا (34) أدى ذلك إلى قتلهم
لم يكن على الدافع شئ.
وتفصيل هذه الأبواب وشرحها وفروعها قد استوفيناه في النهاية، وفي
تهذيب الأحكام.
* * *
4 - فصل في ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهما فرضان من فرائض الأعيان عند شروط.
فالأمر بالمعروف ينقسم قسمين: واجب، ومندوب.
فالأمر بالواجب واجب، والأمر بالمندوب مندوب.
والنهي عن المنكر كله واجب، لأنه كله قبيح وشرايط وجوبهما (35)
ثلاثة.
1 - أن يعلم المعروف معروفا والمنكر منكرا.
2 - ويجوز تأثير إنكاره.
3 - ولا يكون [فيه ص ك] مفسدة.
ويدخل في هذا (36) القسم أن لا يؤدي إلى ضرر في نفسه أو [في ك]
غيره أو ماله، لأن كل ذلك مفسدة.
وهما ينقسمان ثلاثة أقسام: باليد، واللسان، والقلب.
فمن أمكنه الجميع وجب عليه جميعه.
[ك فإن لم يمكنه الجميع وجب عليه باليد].
فإن لم يمكنه باليد وجب بالقلب واللسان (37).

33 - (ص): أو المال.
34 - (س): فإن.
35 - (ص): وجوبها.
36 - (ص): هذه!
37 - (س): باللسان والقلب.
245

فإن لم يمكن (38) باللسان فبالقلب.
وأمثلة ذلك بيناها في النهاية.
فهذه جمل [س ك قد] لخصناها وعقدناها في كل كتاب على غاية
جهدنا وطاقتنا، ونرجوا أن يكون الانتفاع لمن ينعم النظر فيها، وأن يجعل الله تعالى
ذلك لوجهه خالصا (39) ويجازينا عنه بأحسن جزائه إنه ولي ذلك والقادر عليه
[ك وهو بفضله يسمع ويجيب] والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله
أجمعين (40).

38 - (ك): لم يمكنه.
39 - (س): خالصا لوجهه.
40 - (ك): وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين (س): والحمد لله وحده وصلاته وسلامه
على خير خلقه محمد النبي وآله الطاهرين.
246

مصادرنا في تصحيح كتاب الجمل والعقود
اعتمدنا في تصحيح الكتاب على ثلاث نسخ خطية، وهي كالآتي:
1 - نسخة خطية كانت للحاج عبد الحميد المولوي ثم انتقلت إلى مكتبة كلية
الإلهيات بمشهد. كانت قد ابتلت بالماء وأكلها العث وهي مع كتاب المراسم لصاحبها
سلار بن عبد العزيز الديلمي كلاهما بخط الحسين بن أحمد المشاط المتعلم الآملي وقد فرغ
من كتابة الجمل والعقود ظهر يوم الأربعاء منتصف ذي القعدة عام 691 ه‍، ومن كتابة
المراسم، في أواخر جمادي الأولى عام 696 اعتمدنا على هذه النسخة وجعلناها كالأصل،
وذلك لقد مها وصحتها نسبيا، على أنها لا تخلو عن بعض الأغلاط الإملائية وغيرها في
المتن أو الحواشي مما يدل على أن الكاتب لم يكن على مستوى علمي جيد، فكتب عبارات
فارسية وعربية وروايات في الهامش بمناسبة وبغير مناسبته ورمزنا لهذه النسخة ب‍ (ص)
2 - نسخة فتوغرافية عن نسخة خطية كانت بخط أحمد بن عبد الحي التبريزي
التي فرغ من كتابتها في يوم الأحد رابع ذي القعدة من عام 789 ه‍ وهذه النسخة
صحيحة إلى حد كبير، ولكنها عارية عن علامة البلاغ والتصحيح، ومفقود منها مقدار
صفحتين أشرنا إليهما في محلهما من الكتاب. وقد قال ناشر هذه النسخة الحاج محمد
الرمضاني أنها كانت مضافة إلى رسالة " الفخرية " للشيخ فخر الدين ابن العلامة الحلي،
وكان معاصرا للكاتب. وقد رمزنا لهذه النسخة ب‍ (ك)
3 - نسخة المكتبة الرضوية المنضمة إلى نسخة من " مسائل الخلاف " للشيخ
الطوسي، كلاهما بخط محمد بن علي بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله
البحراني، الذي كان يسكن " عين الدار. "
وقد نص الكاتب في آخر نسخة " الجمل والعقود " على أنه كتب إلى ما قبل " فصل في
247

ذكر أقسام الصوم " قبل تاريخ 28 رجب عام 1067 ه‍ من نسخة واحدة، وكتب البقية
في نفس الوقت من نسختين. ويفهم من حاشية " فصل في ذكر أقسام الصوم " أنه قابل
القسم الأول أيضا مع هاتين النسختين. وقد رمزنا لها ب‍ (س)
أما كتاب مسائل الخلاف من هذه النسخة فقد نص الكاتب في أوله على أنه قد
حرر في 29 ذي الحجة سنة 1060 ه‍، وفي نهاية الجزء الأول، أنه فرغ منه في عصر يوم
الثلاثاء 14 رمضان من تلك السنة، وفي أول الجزء الثاني أنه فرغ منه في 15 جمادي
الأولى عام 1062 ه‍ وفي نهاية هذا الجزء أنه فرغ منه في صبح يوم السبت 15 ذي الحجة
من سنة 1061 ه‍، وهو مع ذلك يعين في جميع هذه المواضع، موضع الشمس في الأبراج.
وهذه النسخة من الخلاف في نهاية الصحة والاتقان ولعلها أصح النسخ
الموجودة، وكان الكاتب من علماء البحرين، وبقيت النسخة في ذريته بالوراثة وقد قيدوا
تملكهم لها على ظهر الكتاب، منهم يوسف بن محمد بن علي، ومحمد بن يوسف العين
الداري، ويوسف بن محمد الذي هو ولد الكاتب، وقد قابلها بنهاية الدقة والطاقة عام
1107 على نسخة أخرى.
248

الصفحة الأولى من نسخة (ص)
249

الصفحة الأخيرة من نسخة (ص)
250

الصفحة الأولى من نسخة (س)
251

الصفحة الأخيرة من نسخة (س)
252

تحريم الفقاع
253

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة تحريم الفقاع إملاء سيدنا الشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن
بن علي الطوسي رحمه الله. (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد وآله الطاهرين الذين
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
جرت مسألة بالحضرة العادلة القاهرة المنصورة ولية النعم الوزيرية
السلطانية شيد الله أركانها وأعلى بنيانها وبسط سلطانها ونشر راياتها وكبت أعداء
دولتها وجاري (2) نعمها كهف أهل العلم وملجأ أهل الفضل الذي قويت الآمال
بأيامها وانتشرت النعم (3) بحسن رعايتها فلا زالت أيامها نضرة (4) وأنعامها (5)
متبعة حتى يبلغها غاية الآمال ويعمرها افسح الآجال إنه ولي ذلك والقادر عليه
في تحريم الفقاع على مذهب أصحابنا وتشددهم في شربه وإلحاقهم إياه بالخمر
المجمع على تحريمها وقلت في الحال ما حضرني وذكرت ما قال صاحبنا (6) فيه.
وسنح لي فيما بعد أن أذكر هذه المسألة مشروحة وأذكر الأدلة على
حظرها وأورد الروايات المتضمنة لتحريمها من جهة الخاصة والعامة وما يمكن
الاعتماد عليه من الاعتبار فيه والله تعالى موفق لذلك بلطفه ومنه.
من الأدلة على تحريم هذا الشراب إجماع الإمامية على ذلك وقد ثبت أن
إجماعهم حجة لكون الإمام المعصوم فيهم ودخول من قوله حجة في جملتهم ومن

(1) - نضر الله وجهه ن.
(2) - وجاد ن.
(3) - المنن ن.
(4) - نظرة ن.
(5) - وانامها ن.
(6) - أصحابنا ظ.
255

هذه صورته لا يجوز أن يجمع على باطل.
ولا خلاف من جميع الإمامية في ذلك إلا من لا يعتد بخلافه إما لخروجه
من جملة العلماء (7) لشذوذه وندوره أو لقلة معرفته بأخبار الطائفة وإن كان معدودا
من العلماء المتكلمين والمفسرين. وإما لم يعتد بخلافهم لأنا قد علمنا أنهم
مميزون (8) من (9) قوله حجة... عنه فلذلك لم يعتد (10) بقوله. (11).
وأيضا فالعقل يقضي... والامتناع من كل ما لا يؤمن من الإقدام عليه من
الضرر وقد... من إقدام (12) على شرب الفقاع لا نأمن أن يكون ما روي في
تحريمه صحيحا أو... صحيح فيكون مقدما على ما لا يأمن فيه من استحقاق الذم
والعقاب وما هذه صفته (13) (يجب تجنبه).
وأما ما روي من الأخبار في ذلك فأنا أذكر طرفا مما روته العامة ثم
أعقب ذلك بما روته الخاصة إن شاء الله تعالى.
فمن ذلك ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام (14) في كتاب الأشربة قال
حدثنا أبو الأسود عن أبي (15) لهيعة عن دراج أبي السمح.
رواه أيضا الساجي (16) قال حدثنا سليمان بن داود قال أخبرنا وهب (17)
قال أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه.
واجتمعا على أن دراجا قال إن عمرو بن الحكم حدثنا عن أم حبيبة زوج
النبي صلى الله عليه وآله أن أناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله
عليه وآله يعلمهم (18) الصلاة والسنن والفرائض فقالوا يا رسول الله إن لنا شرابا
خفيفا (19) من القمح والشعير فقال صلى الله عليه وآله: " الغبيراء "؟ قالوا: نعم قال
صلى الله عليه وآله: لا تطعموها.
قال الساجي في حديثه: قال صلى الله عليه وآله ذلك ثلاثا.
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ثم لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها له

(7) - أو لشذوذه ن.
(8) - يمرون ن.
(9) - ممن ظ.
(10) - لم نعتد ن.
(11) - كذا في الأصل.
(12) - أقدم ظ.
(13) - حقيقته ن.
(14) - نجية ن.
(15) - ابن ن.
(16) - صاحب كتاب اختلاف الفقهاء. كذا في الانتصار للسيد المرتضى ره.
(17) - ابن وهب ن أبي وهب ن.
(18) - ليعلمهم ن.
(19) - نعلمه ن.
256

فقال صلى الله عليه وآله: الغبيراء؟ قالوا نعم قال صلى الله عليه وآله: لا تطعموها ثم
لما أرادوا أن ينطلقوا سألوه أيضا فقال صلى الله عليه وآله: الغبيراء؟ قالوا نعم قال
صلى الله عليه وآله: لا تطعموها قالوا: فإنهم لا يدعونها فقال صلى الله عليه وآله: من
لم يتركها فاضربوا عنقه.
قال أبو عبيد وحدثنا ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار (20) أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن الغبيراء فنهى عنها
وقال: لا خير فيها.
وقال زيد: هي الاسكركة. (21)
وفيها يقول الشاعر: (22)
إسقني الاسكركة الصنبر في جعضلفونه * واجعل (23) القيجن فيه يا خليلي بغصونه (24)
وليس لأحد أن يتأول هذه الأخبار ويحملها على المزر والبتع الذين
يسكران لأن النبي صلى الله عليه وآله علق التحريم بكونها غبيراء ولو كان المراد
بذلك ما يسكر لاستفهمه ولقال: أيسكر أم لا؟ كما أنه لما سئل عن المزر والبتع
سألهم هل لهما نشوة؟ وفي بعضها هل يسكران أم لا؟ فلما قالوا نعم نهاهم عن
ذلك.
في (25) هذه الأخبار ولم (26) يستفهم عن أكثر من كونها غبيراء فوجب
تعليق التحريم به.
روى ما ذكرناه أبو عبيد والصاغاني عن أبي الخير الديلمي وأبي وهب
الحسن (27) وأوس بن يونس وعبيد الله بن عمرو (28).
وفي حديث الساجي عن أبي الديلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله

(20) - سنان ن.
(21) - قال ابن الأثير في النهاية: هي السكركة هي بضم السين والكاف وسكون الراء.
(22) - وهو ابن الرومي كما في الانتصار.
(23) - كذا في الانتصار وفي الأصل: اسقني الاسكركة الانشيط في حولصفونة واطرح...
(24) - قال السيد المرتضى ره في الانتصار أراد بالاسكركة الفقاع. والجعضلفون الكوز الذي
يشرب فيه الفقاع. والصنبر البارد. والقيجن الشراب.
(25) - وفي ظ.
(26) - الظاهر زيادة الواو.
(27) - أبي لهب الحشاني ن.
(28) - عبد الله بن عمر ن.
257

فقال: إننا ببقاع أرض شديدة البرد فنشرب شرابا من القمح نتقوا به فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: أيسكر؟ قالوا نعم قال: لا تقربوه ثم سألوه مرة أخرى فقال:
أيسكر؟ قالوا نعم قال: فلا تشربوه قالوا: فإنهم لا يصبرون عنه فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من لم يصبر عنه فاقتلوه.
فاستفهم في هذا الخبر هل يسكر أم لا قالوا نعم فعلق التحريم به وفيما قدمناه
لم يستفهم عن ذلك بل علق التحريم بكونها غبيراء وأطلق ذلك على أن ذلك
غير هذا.
والذي يؤكد ذلك أيضا ما رواه الصاغاني قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم
الفزاري (29) قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن
أبي حبيب.
قال الصاغاني وأخبرنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الضحاك بن... قال
أخبرنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني يزيد بن أبي حبيب.
فأجمعوا على الحديث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر بن الوليد بن عبيدة
عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله حرم
الخمر والميسر والكوبة (30) والغبيراء وقال: كل مسكر حرام.
وفي حديث سلمة بن الفضل وحديث الضحاك في (31) حديث الساجي
حرم رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وقال: كل
مسكر حرام.
فذكر الغبيراء كما ذكر الخمر وأن الله حرمها كتحريم الخمر التي حكم
شارب قليلها حكم شارب كثيرها وكما ذكر الميسر الذي حكم قليله حكم كثيره
في التحريم وأوردها (32) جميعا عن المسكر فقال بعد تحريمها: وكل مسكر
حرام فكان المسكر حراما بالوصف والغبيراء كالخمر في تعليق التحريم باسمها
وأن قليلها ككثيرها ولا يسكر وإن كان حراما (33)

(29) - الخزازي ن.
(30) - قيل الكوبة النرد وقيل الطبل وقيل البربط فراجع.
(31) - وفي ن.
(32) - كذا في الأصل والظاهر: وافردها.
(33) - كذا في الأصل والظاهر: وإن قليلها ككثيرها وإن لا يسكر كان حراما.
258

وقيل تحريم الغبيراء كتحريم لحم الخنزير الذي لا يعرف علته.
وقد ذكر جماعة كثيرة ممن كان يكره الفقاع من العامة:
منهم من أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان والحسين ابن
عبيد الله قالا أخبرنا أبو علي محمد بن الجنيد قال أخبرني أبو عثمان بن عثمان بن أحمد الذهبي قال حدثني أبو بكر بن سالم عن الساباطي (34) قال حدثني
أحمد بن إبراهيم الرومي قال صالح بن إدريس عن عبد الله الأشجعي أنه كان يكره
الفقاع.
قال أحمد بن إبراهيم وكان ابن المبارك يكرهه.
قال أحمد وحدثنا أبو عبد الله المدني (35) قال مالك بن أنس يكره الفقاع
ويكره أن يباع في الأسواق.
وكان يزيد بن هارون يكرهه.
قال أحمد وحدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة (36) قال:
الغبيراء التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها هي الفقاع.
وعن عطاء عن عثمان بن المعلم عن أبي هاشم الواسطي قال: الفقاع
نبيذ الشعير فإذا نش فهو خمر حرام.
وعن الخطابي عن حفص عن (37) غياث أنه كان ينهى عن شرب الفقاع
ويقول هو النقيع.
وأخبرنا جماعة عن أبي علي محمد بن الجنيد قال أخبرني أبو العباس
محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله الحسن قال سمعت جدي أبا القاسم يقول: إنه
جرى بينه وبين أهله خوض في أمر الفقاع وتحريمه فرضينا بالحسن بن يحيى بن
الحسن بن زيد فروانا أخبارا كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام في تحريمه فإن
جده أبا القاسم كان ينهى عنه ويذكر أنه رأى من لقى من شيوخه يفعل مثل هذا
ويحرمه.
قال ابن الجنيد حدثني بذلك يوم الاثنين ليلتين خلتا من جمادي الأولى

(34) - السلاطي ن.
(35) - المدايني ن.
(36) - في بعض النسخ: سمرة وفي بعضها: صهيرة وبعضها صمرة.
(37) - بن ظ.
259

سنة أربعين وثلاثمأة وهذا شيخ من العلوية يذهب مذهب الزيدية ويوالي فيه
ويعادي فيه.
وقد بينا أن تحريم الفقاع ليس بمعلل (38) وقد علله بعض من كرهه.
منها قالوا (39) لأنه يلحقه ما يحرم به العصير وهو الغليان
والنشيش (40)... ألا ترى أن العصير قبل نشيشه يكون حلالا فإذا غلى ونش صار
حراما ويسمى خمرا سواء خلط بغيره أو... مفردا عنه وسواء أسكر أم لم يسكر وهذا
بعينه قائم (41) في الفقاع.
وثانيها ضراوة الإناء المستعمل فيه.
وثالثها من قبل الاناوية (42) التي تلقى فيه فإنها كالدردي (43) الذي
يلقى في عصير التمر فيحركه ويزيد في غليانه.
ورابعها أنه من خلطتين (44) من الأقوات فإنه إذا غلا فيه الشعير يحلا
بالتمر.
ذكر ذلك مالك بن أنس وقال غيره: لا بد من ذلك.
والمعول في تحريمه عندنا على النصوص لأنا لا نرى التعليل للأحكام الشرعية وإنما نعول على ما يرد (45) من النصوص المتعلقة بها.
ذكر ما روي من طرق أصحابنا في ذلك:
فأما ما رواه أصحابنا عن الأئمة عليهم السلام في هذا الباب فأكثر من أن
يحصى غير أني أذكر منه طرفا مقنعا في الباب:
فمن ذلك ما أخبرني به جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن
أبيه عن أحمد بن محمد عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن
صدقة عن عمار بن موسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفقاع فقال: هو

(38) - في بعض النسخ: أمر معلل.
(39) - أنه قال ن.
(40) - سقط من هنا شئ.
(41) - وهذا بعض الحكم ن.
(42) - من قبيل الإناء به التي... ن.
(43) - في الأصل: كالدادي. وفي بعض النسخ كالذاذي.
(44) - خليطين ظ. راجع نيل الأوطار للشوكاني ج 9 ص 70 باب ماء في الخليطين.
(45) - يروى ن.
260

خمر (46).
وأخبرنا جماعة عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب
أحمد بن محمد الزراري وأبي عبد الله الحسين بن رافع كلهم عن محمد بن يعقوب عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشاء (47) عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كل مسكر حرام وكل مخمر حرام والفقاع
حرام. (48).
وأخبرني جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن
سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن بكر بن صالح عن زكريا بن يحيى قال
كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع (49) فأصفه له فقال: لا تشربه
فأعدت عليه كل ذلك أصفه له كيف يصنع؟ فقال: لا تشربه ولا تراجعني
فيه. (50).
وأخبرني أبو الحسين بن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن
الحسن (51) بن أبان عن محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن

(46) - راجع التهذيب 9 / 124 - الحديث 535 وراجع مشيخة التهذيب ص 74 - 75 وراجع
الوسائل 17 / 288 - الحديث 4.
(47) - في بعض النسخ هكذا: عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي
الوشاء. وفي التهذيب والكافي هكذا: عن محمد بن يحيى عن محمد بن موسى عن محمد بن عيسى
عن الحسن بن علي الوشاء وفي الوسائل: محمد بن موسى عن محمد بن عبد الله.
(48) - التهذيب 9 / 124 - الحديث 536 - الاستبصار 4 / 95 والكافي 6 / 424 - الحديث 14
والوسائل 17 / 288 - الحديث 3 والجملة الأخيرة سقطت من الأصل وفي مكانها بياض.
(49) - في بعض النسخ عن شرب الفقاع.
(50) - كان في الأصل مكان بعض الجملات بياض وتممناه من المستدرك ج 3 ص 142 وهو
ينقل من هذه الرسالة - وراجع التهذيب 9 / 124 - الحديث 537 ومشيخة التهذيب ص 74
والاستبصار 4 / 94 والوسائل 17 / 288 وفيه: زكريا أبي يحيى نقلا من الكافي 6 / 424.
(51) - كذا في الأصل وفي المستدرك، ولكن في بعض النسخ هكذا: عن الحسين بن الحسن بن
أبان وفي التهذيب: الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل وفي مشيخة التهذيب وما ذكرته في هذا
الكتاب عن الحسين بن سعيد فأخبرني به الشيخ...
وأخبرني به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد القمي عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسين
بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد.
261

شرب الفقاع فكرهه (52) كراهة شديدة. (53).
وأخبرني جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى
عن أحمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن جعفر قال: قلت لأبي
الحسن الرضا عليه السلام ما تقول في شرب الفقاع فقال: هو خمر مجهول يا سليمان
فلا تشربه أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولقتلت
بائعه (54).
وأخبرني جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن أحمد (55) بن
إدريس جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الوشاء قال كتبت إليه يعني
الرضا عليه السلام أسأله عن الفقاع فكتب حرام وهو خمر ومن شربه كان بمنزلة
شارب الخمر.
قال وقال لي أبو الحسن عليه السلام: لو أن الدار لي لقتلت (56) بائعه
ولجلدت شاربه.
و [قال أبو الحسن] قال أبو الحسن الأخير: حده حد شارب الخمر.
وقال عليه السلام: هي خمرة (خميرة ن) استصغرها الناس. (57).
وأخبرني جماعة عن أبي غالب الزراري وأبي المفضل الشيباني وجعفر بن
محمد بن قولويه والحسين بن رافع عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن
سهل بن زياد عن عمر (58) بن سعيد عن الحسن بن الجهم وابن فضال قالا: سألنا
أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع فقال: هو خمر مجهول وفيه حد شارب

(52) - في الأصل: ما كرهه.
(53) - راجع التهذيب 9 / 124 ومشيخته ص 63 - 65 والمستدرك 3 / 142 والوسائل 17 / 289
والاستبصار 4 / 95 والكافي 6 / 424.
(54) - في الأصل مكان الجملة الأخيرة: ونصبت بايعه. راجع التهذيب 9 / 124 وفيه سليمان بن
حفص والكافي 6 / 424 والاستبصار 4 / 95 والوسائل 17 / 292 والمستدرك 3 / 142.
(55) - كذا في الأصل، وفي المستدرك: عن أبيه وأحمد بن إدريس.
(56) - في الأصل: نصبت بايعه.
(57) - الكافي 6 / 423 والتهذيب 9 / 125 والاستبصار 4 / 95 والوسائل 17 / 292 والمستدرك
3 / 142.
(58) - عمرو ن.
262

الخمر (59).
وأخبرني جماعة عن أحمد بن (60) محمد عن محمد بن سنان قال: سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الفقاع (61) فقال هي الخمرة بعينها. (62).
وأخبرني جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن أحمد بن محمد
عن الحسين القلانسي قال: كتبت إلى أبي الحسن الماضي (63) عليه السلام أسأله
عن الفقاع فقال: لا تقربه (لا تشربه ن) فإنه من الخمر. (64).
وأخبرني جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أحمد بن الحسين عن
أبي سعيد عن أبي جميل (جميلة) البصري (65) قال كنت مع يونس بن
عبد الرحمن ببغداد وأنا أمشي معه في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فأصاب
[ثوب] يونس فرأيته قد أغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت له ألا تصلي؟ فقال:
ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي فقلت له
هذا رأيك أو شئ ترويه فقال: أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام عن الفقاع فقال: لا تشربه فإنه خمر مجهول فإذا أصاب ثوبك
فاغسله. (66).
وروى أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في الفقاع حد
الخمر. (67).

(59) - الكافي 6 / 423 والتهذيب 9 / 125 والاستبصار 4 / 95 والوسائل 17 / 289 والمستدرك
3 / 142.
(60) - هنا في الأصل بياض وتممناه طبقا للتهذيب والكافي.
(61) - هنا أيضا بياض وتممناه.
(62) - التهذيب 9 / 125 والكافي 6 / 423 والاستبصار 4 / 96 والوسائل 17 / 288 ولم نجده في
المستدرك.
(63) - في الأصل: أبي الحسن الرضا.
(64) - التهذيب 9 / 125 والكافي 6 / 422 والاستبصار 4 / 96 والوسائل 17 / 288 والمستدرك
3 / 142.
(65) - في الأصل: المصري.
(66) - التهذيب 9 / 125 والكافي 6 / 423 والاستبصار 4 / 96 والمستدرك 3 / 142 وكان في
الأصل بياض في عدة موارد أتممناه طبقا للتهذيب والكافي.
(67) - المستدرك 3 / 142 نقلا من هذه الرسالة.
263

وأخبرني جماعة عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن أحمد بن محمد
عن الحسن بن علي بن يقطين (68) عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته
عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق ويباع ولا أدري كيف عمل ولا متى عمل
أيحل علي (69) أن أشربه؟ قال: لا أحبه. (70).
فأما ما رواه أحمد (71) بن محمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد
عن ابن أبي عمير عن مرازم قال: كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في
منزله.
قال [محمد بن أحمد بن يحيى قال أبو أحمد يعني] ابن أبي عمير: ولم
يعمل فقاع يغلي. (72).
قال سيدنا الشيخ الأجل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه:
هذا الخبر فاسد من وجوه.
أولها أنه شاذ يخالف الأخبار كلها وما هذا حاله (73) لا يعترض به على
الأخبار المتواترة.
وثانيها أن (74) رواية مرازم وهو يرمى بالغلو لا يلتفت إلى ما يختص
بروايته.
وثالثها أنه قد ورد مورد التقية لأنه لا يوافقنا على تحريم هذا الشراب أحد
من الفقهاء وما هذا حكمه وقد ورد فيه من الأخبار التي توافقهم لما وردت في أشياء
كثيرة ذكرناها في كتبنا المصنفة في هذا الباب.
ورابعها ما ذكره ابن أبي عمير من أن المراد به فقاع لا يغلي.

(68) - كذا في الأصل وفي المستدرك، ولكن في نسخة أخرى وفي التهذيب والاستبصار هكذا:
عن الحسن عن الحسين أخيه عن أبيه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي...
(69) - في الاستبصار: لي.
(70) - التهذيب 9 / 126 والاستبصار 4 / 97 والمستدرك 3 / 143 والوسائل 17 / 306.
(71) - كذا في الأصل والنسخة الأخرى والمستدرك، ولكن الظاهر: محمد بن أحمد بن يحيى
كما في التهذيب والاستبصار.
(72) - التهذيب 9 / 126 والاستبصار 4 / 96 والمستدرك 3 / 143 وما بين [] ليس في
النسختين والمستدرك ونقلناها من التهذيب والاستبصار.
(73) - في الأصل: وما هذا حكمه.
(74) - أنه ظ.
264

قال أبو علي بن الجنيد وكان الشعير أو غيره مما يعمل منه الفقاع يؤخذ
فيستخرج منه عصارته ويجعل في إناء لم يضر بالفقاع ولا بغيره من الأشربة
المسكرة ولا لحقه نشيش ولا غليان ولا جعل فيه ما يغليه ويقفزه فإن ذلك لا بأس
بشربه.
والذي يدل على ذلك ما أخبرنا به جماعة عن أحمد بن محمد بن الحسن
بن الوليد عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن
عيسى قال كتاب عبد الله بن محمد الرازي إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام إن رأيت أن تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه علينا أمكروه بعد غليانه أم قبله فكتب إليه
لا يقرب إلا ما لم يضر آنيته وكان جديدا فأعاد الكتاب إليه أني كنت أسأل عن
الفقاع ما لم يغل فإني لا أشربه (75) [إلا] ما كان في إناء جديد أو غير ضار ولم
أعرف حد الضراوة والجديد وسأل أن يفسر ذلك له وهل يجوز شرب ما يعمل في
الغضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟ فكتب عليه السلام: يعمل الفقاع في
الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ثم لم يعمل فيه (76) إلا في إناء
جديد والخشب مثل ذلك.
وأخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري عن أبي علي
محمد بن همام عن الحسن بن هارون الحارثي المعروف بابن هرونا (77) قال
أخبرني إبراهيم بن مهزيار عن أخيه قال كتب علي بن محمد الحصيني إلى أبي
جعفر الثاني عليه السلام يسأله عن الفقاع وكتب أني شيخ كبير وهو يحط عني
طعامي ويمرئ و (تمرء) لي فما ترى لي فيه فكتب إليه: لا بأس بالفقاع إذا عمل
أول عمله أو الثانية في أواني الزجاج والفخار فأما إذا ضري عليه الإناء فلا تقربه.
قال علي (78) فأقرأني الكتاب وقال لست أعرف ضراوة الإناء فأعاد

(75) - كذا في النسختين ولكن في التهذيب والاستبصار والوسائل هكذا: فأتاني أن أشربه
ما كان...
(76) - كذا في النسختين والمستدرك، ولكن في التهذيب والاستبصار والوسائل هكذا: ثم لا يعد
منه بعد ثلاث عملات إلا
(77) في الأصل صرونا وفي النسخة الأخرى حروبا.
(78) - أي علي بن مهزيار كما هو الظاهر.
265

الكتاب إليه: جعلت فداك لست أعرف حد ضراوة الإناء فاشرح لي من ذلك
شرحا بينا أعمل به فكتب إليه أن الإناء إذا عمل به ثلاث عملات أو أربعة ضري
عليه فأغلاه فإذا غلا حرم فإذا حرم فلا يتعرض له. (79).
فهذه جملة من الأخبار قد أوردتها وهي كافية في هذا الباب. واستيفاء
ما ورد في هذا المعنى يطول به الكتاب فيخرج عن الغرض. وربما يمل الناظر فيه.
فالله يجعل ذلك مقربا من ثوابه ومبعدا من عقابه وأسأله وأرغب إليه أن يديم ظل
هذه الحضرة ويطيل أيامها ويبسط لسانها ويبلغها غاية أمانيها ونهاية آمالها
ويجيب من كافة الأولياء والخدم صالح الأدعية فيها وحسن النيابة عنها بمنه
وقدرته وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. (80).

(79) - المستدرك 3 / 143.
(80) - تم والحمد لله تصحيح هذه الرسالة وتذييلها في رجب سنة 1401 وأنا العبد رضا الأستادي.
266

الإيجاز
في
الفرايض والمواريث
267

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم
تسليما وبعد سألت أيدك الله إملاء مختصر في الفرائض والمواريث يحيط بجميع
أبوابه على طريقة الإيجاز من غير بسط للمسائل فإن كتاب " النهاية " قد اشتمل
على جميع ذلك مبسوطا، وأن أعقد ذلك على وجه يسهل حفظه ويصغر حجمه
كما عملناه في " الجمل والعقود " في العبادات، وأن أذكر فيه فصلا يوقف منه
على استخراج المسائل التي تنكسر على الورثة وكيفية استخراجها، وأومي إلى
الطريق الذي يتطرق به إلى قسمة المناسخات وتداخل الفرائض فإن هذا الجنس
لم نذكره في النهاية، وأومي إلى مسائل شذت من الكتاب المقدم ذكره لا بد من
معرفة القول فيها، وأنا مجيبك إلى ما سألت مستمدا من الله تعالى التوفيق والمنة
إنه ولي ذلك والقادر عليه.
فصل في ذكر ما يستحق به الميراث:
يستحق الميراث بشيئين: نسب وسبب.
فالميراث بالنسب يثبت على وجهين: أحدهما الفرض، والآخر القرابة.
والسبب على ضربين: الزوجية والولاء. فالزوجية لا يستحق بها الميراث
إلا بالفرض لا غير إلا في مسألة واحدة نذكرها، والولاء على ثلاثة أضرب: ولاء
العتق وولاء تضمن الجريرة وولاء الإمامة، وجميعها لا يستحق به الميراث
269

بالفرض، ونحن نذكر تفصيل ذلك أن شاء الله تعالى.
ويمنع من الميراث ثلاثة أشياء: الكفر والرق والقتل عمدا على وجه
الظلم. وكل ما يمنع من الميراث من الكفر والرق والقتل يمنع من حجب الأم من
الثلث إلى السدس.
فصل في ذكر سهام المواريث:
سهام المواريث ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
فالنصف سهم أربعة: سهم الزوج مع عدم الولد وولد الولد وإن نزلوا،
وسهم البنت، وسهم الأخت من الأب والأم، وسهم الأخت من قبل الأب إذا لم
تكن أخت من قبل أب وأم.
والربع سهم اثنين: سهم الزوج مع وجود الولد وولد الولد وإن نزلوا، وسهم
الزوجة مع عدم الولد وولد الولد.
والثمن سهم الزوجة مع وجود الولد وولد الولد وإن نزلوا لا غير.
والثلثان سهم ثلاثة: سهم البنتين فصاعدا، وسهم الأختين فصاعدا من
الأب والأم، وسهم الأختين فصاعدا من قبل الأب إذا لم تكن أخوات من قبل أب
وأم.
والثلث سهم اثنين: سهم الأم مع عدم الولد وعدم ولد الولد وعدم من
يحجبها، وسهم الاثنين فصاعدا من كلالة الأم.
والسدس سهم خمسة: سهم كل واحد من الأبوين مع وجود الولد وولد
الولد، وسهم الأم مع عدم الولد وولد الولد مع وجود من يحجبها من أخوين أو أخ
وأختين أو أربع أخوات إذا كانوا من قبل الأب والأم أو من قبل الأب دون الأم على
الانفراد، وسهم كل واحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى.
فصل في ذكر ذوي السهام عند الانفراد وعند الاجتماع:
ذووا السهام على ضربين: ذوو الأسباب وذووا الأنساب.
فذووا الأسباب هم الزوج أو الزوجة، ولهما حالتان:
270

حالة انفراد بالميراث، وحالة اجتماع، فإذا انفردوا كان لهم سهم المسمى
إن كان زوجا النصف، والربع إن كانت زوجة، والباقي لبيت المال. وقال
أصحابنا إن الزوج وحده يرد عليه الباقي بإجماع الفرقة على ذلك.
وأما حالة اجتماع فلهم سهمهم المسمى، للزوج النصف مع عدم الولد
وعدم ولد الولد وإن سفلوا مع جميع الوراث ذا فرض كان أو غير ذي فرض، وله
الربع مع وجود الولد وولد الولد وإن سفلوا، والزوجة لها الربع مع عدم الولد وولد
الولد وإن سفلوا مع جميع الوراث، ولها الثمن مع وجود الولد وولد الولد، ولا يدخل
عليهما النقصان في حالة من الأحوال ولا يرد عليهما الفاضل إلا ما استثنيناه.
وأما ذووا الأنساب فلهم حالتان: حالة انفراد وحالة اجتماع.
فإذا انفرد كل واحد من ذوي السهام أخذ ما سمي له والباقي يرد عليه
بالقرابة ولا يرد إلى بيت المال.
ولا يصح أن يجتمع من ذوي السهام إلا من كان قرباه واحدة إلى الميت
مثل البنت أو البنات مع الأبوين أو مع كل واحد منهما لأن كل واحد من هؤلاء
يقرب إلى الميت بنفسه فإذا اجتمعوا فلهم ثلاثة أحوال. حالة يكون المال وفقا
لسهامهم، وحالة يفضل المال عن سهامهم وحالة ينقص لمزاحمة الزوج أو الزوجة
لهم.
فإذا كانت التركة وفقا لسهامهم أخذ كل ذي سهم سهمه، فإذا كانت
فاضلة عن سهامهم أخذ كل ذي سهم سهمه والباقي رد عليهم على قدر سهامهم،
وإذا كانت التركة ناقصة عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو الزوجة لهم كان النقص
داخلا على البنت أو ما زاد عليها دون الأبوين أو أحدهما ودون الزوج أو الزوجة.
والكلالتان معا تسقطان مع البنت أو البنات ومع الأبوين ومع كل واحد
منهما.
ويصح اجتماع الكلالتين معا لتساوي قرابتهما ولهم أيضا ثلاثة أحوال:
حالة تكون التركة وفقا لسهامهم، وحالة تفضل عنها، وحالة تنقص عنها.
فإذا كانت وفقا لسهامهم أخذ كل واحد منهم سهمه.
وإذا فضلت عن سهامهم فإن كانت كلالة الأب لها سببان بأن تكون
الأخت أو الأختان من قبل الأب والأم رد ما فضل عن سهامهم على كلالة الأب
والأم لاجتماع سببين فيها دون كلالة الأم التي لها سبب واحد، وإن كانت كلالة
271

الأب لها سبب واحد بأن تكون من قبل الأب خاصة، فقد ساوى كلالة الأم في
القرابة فإنه يرد عليهم على قدر سهامهم، ومن أصحابنا من قال: ترد الفاضل على
كلالة الأب لأن النقص يدخل عليها. وكلالة الأب خاصة تسقط مع كلالة الأب
والأم، فإذا لم تكن كلالة الأب والأم قام كلالة الأب مقامهم في مقاسمة كلالة
الأم.
وأما إذا نقصت التركة عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو الزوجة لهم كان
النقص داخلا على كلالة الأب دون كلالة الأم، فإن كلالة الأم والزوج والزوجة
لا يدخل عليهم النقصان على حال.
فصل في ذكر من يرث بالقرابة دون الفرض:
قد ذكرنا من يرث بالفرض من ذوي الأنساب ومن يجتمع منهم ومن
لا يجتمع فأما من يرث بالقرابة دون الفرض ستة أنواع: الولد للصلب، وولد الولد،
والأب، ومن يتقرب به من ولد الأب، أو أبوي الأب، ومن يتقرب بالأم دونها ودون
ولدها فإن الأم وولدها مسمون على ما ذكرناه.
فأقوى القرابة الولد للصلب فإن الولد للصلب إذا كان ذكرا أخذ المال كله
بالقرابة إن كان واحدا، فإن كان أكثر من واحد فالمال بينهم بالسوية، فإن كانوا
ذكورا وإناثا كان للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يرث معهم أحد ممن يرث بالقرابة
سواء تقرب بهم أو بغيرهم إلا ذوي السهام الذين ذكرناهم من الزوج أو الزوجة أو
الوالدين أو أحدهما
ثم بعد ذلك ولد الولد أقوى من غير هم من القرابات لأن ولد الولد يقوم
مقام الولد للصلب ويمنع من يمنعه الولد للصلب ويأخذ كل واحد منهم نصيب من
يتقرب به، فولد الابن ذكرا كان أو أنثى يأخذ نصيب الابن وولد البنت يأخذ نصيب
البنت ذكرا كان أو أنثى، والبطن الأول أبدا يمنع من نزل عنه بدرجة كما يمنع ولد
الصلب ولد الولد، وهم وإن نزلوا يمنعون كل من يمنعه الولد للصلب على حد واحد،
وكل من يأخذ مع الولد للصلب من ذوي السهام فإنه يأخذ مع ولد الولد على حد
واحد من غير زيادة ولا نقصان.
ثم الأب فإنه يأخذ جميع المال إذا انفرد، وإذا اجتمع مع الأم أخذ ما يبقى
272

من سهمها السدس مع وجود من يحجبها من الأخوة والأخوات من قبل الأب والأم
أو من قبل الأب، أو الثلث مع عدمهم والباقي للأب بالقرابة، ولا يجتمع معه أحد
ممن يتقرب به ولا من يتقرب بالأم، والزوج والزوجة يجتمعان معه على ما بيناه في
ذوي السهام.
وأما من يتقرب به أما ولده أو والداه ومن يتقرب بهما من عم وعمة،
فالجد أب الأب مع الأخ الذي هو ولده في درجة واحدة، وكذلك الجدة من قبله مع
الأخت من قبله في درجة فهم يتقاسمون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين إذا
كانوا ذكورا أو إناثا، وكذلك أولاد الأب إذا اجتمع الذكور والإناث كان المال
بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان ذكورا كان المال بينهم بالسوية. ومن له
سببان يمنع من له سبب واحد. وكذلك إذا اجتمع الجد والجدة من قبل الأب
كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وولد الأخوة والأخوات يقومون مقام
آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الجد كما أن ولد الولد يقوم مقام الولد للصلب مع
الأب، والجد والجدة وإن عليا يقاسمان الأخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا على
حد واحد. ولا يجتمع مع الجد والجدة ولا مع واحد منهما ولا مع الأخوة والأخوات
ولا مع واحد منهم أولاد الجد والجدة، كما لا يجتمع مع الولد للصلب أولاد الأب.
وعلى هذا التدريج الأقرب يمنع الأبعد بالغا ما بلغوا.
وأما من يتقرب من قبل الأم فليس إلا الجد أو الجدة من قبلها أو من يتقرب
بهما، فإن أولادها ذووا السهام، والجد والجدة من قبلها يقاسمون الجد والجدة من
قبل الأب والإخوة والأخوات من قبله ومن قبل الأم لتساويهم في القرابة.
وتسقط تسمية كلالة الأم وكلالة الأب معا عند الاجتماع.
ومتى اجتمعت قرابة الأب مع قرابة الأم مع تساويهم في الدرجة كان
لقرابة الأم الثلث نصيب الأم بينهم بالسوية والباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظ
الأنثيين، فإن زاحمهم الزوج أو الزوجة لم تنقص قرابة الأم عن الثلث ودخل النقص
على قرابة الأب كما يدخل النقص على الأب نفسه.
ومتى بعد أحد القرابتين بدرجة سقط مع الذي هو أقرب سواء كان الأقرب
من قبل الأم أو من قبل الأب، وسواء كان البعيد له سببان والقريب له سبب واحد
أو لم يكن، إلا في مسألة واحدة وهي ابن العم لأب وأم مع عم لأب فإن المال
273

لابن العم للأب والأم دون العم. ولا تتعدى هذه المسألة إلى غيرها لإجماع الطائفة
على هذه.
ثم على هذا المنهاج يمنع أولاد الجد الأدنى وأولاد أولادهم أولاد الجد
الأعلى كما يمنع أولاد الأب نفسه أولاد الجد لأنهم يقومون مقام آبائهم وآبائهم
أقرب منهم بدرجة.
فصل في ذكر ما يمنع من الميراث من الكفر والرق والقتل:
الكافر لا يرث المسلم بلا خلاف، وعندنا أن المسلم يرث الكافر سواء كان
كافرا أصليا أو مرتدا عن الإسلام ويحوز المسلم المال وإن كان بعيدا ويمنع جميع
ورثته الكفار وإن كانوا أقرب منه.
ومتى أسلم الكافر على ميراث قبل أن يقسم المال قاسم الوراث إن كان
ممن يستحق المقاسمة، وإن كان أولى منهم أخذ المال كله دونهم. ومتى أسلم بعد
قسمة المال فلا ميراث له. وكذلك أن كان استحق التركة واحد أو لم يكن له
وارث فنقلت إلى بيت المال فلا يستحق من يسلم بعده على حال.
والكفر كالملة الواحدة يرث بعضهم بعضا.
والمملوك لا يرث على حال ما دام رقا فإن أعتق قبل القسمة قاسم الورثة إن
استحق القسمة أو حاز جميع المال إن كان مستحقا لجميعه، وإن أعتق بعد قسمة
المال أو بعد حيازة الحر إن كان واحدا لم يستحق المال.
ومتى لم يكن للميت وارث غير هذا المملوك اشترى من التركة وأعتق
وورث بقية المال إن وسع ذلك، وإن لم يسع لم يجب ذلك ونقل إلى
بيت المال.
وأما من عتق بعضه وبقي بعضه رقا ورث بقدر حريته ويورث منه بقدر
ذلك ويمنع بمقدار ما بقي منه رقا.
وأما القاتل إذا كان عمدا ظلما فلا يستحق الميراث وإن تاب فيما بعد، وإن
كان مطيعا بحق بالقتل لم يمنع من الميراث، وإن كان خطأ لم يمنع الميراث من
تركته ويمنع الميراث من ديته.
274

فصل في ذكر ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا
ميراث ولد الملاعنة لأمه أو من يتقرب بها من الإخوة والأخوات والجد
والجدة والخال والخالة على حد ما يستحقون ميراث غير ولد الملاعنة على السواء،
ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به على حال.
فإن أقر به بعد اللعان ورثه الولد، ولا يرثه الوالد، ولا يرث الولد من يتقرب
بالأب على حال.
وولد الزنا لا يرث ولا يورث، وميراثه لبيت المال، وفي أصحابنا من قال
ميراثه مثل ميراث ولد الملاعنة على السواء وهو مذهب جميع من خالفنا من
الفقهاء.
فصل في ميراث المستهل والحمل:
لا يرث المولود إلا إذا علم أنه ولد حيا ويعلم حياته بصياحه أو عطاسه أو
اختلاجه أو حركته التي لا تكون إلا من الأحياء، وإذا علم أنه ولد حيا ورث وإن لم
يعلم أنه ولد حيا لم يورث.
وأما الحمل فإنه يوقف مقدار نصيبه ويقتضي الاستظهار إيقاف ميراث
ذكرين ويقسم الباقي بين الورثة، وإن سلم إلى الورثة وأخذ منهم الكفلاء بذلك
كان أيضا جايزا.
فصل في ذكر ميراث الخنثى ومن يشكل أمره:
إذا ولد مولود له ما للرجال وما للنساء اعتبر بالمبال، فمن أيهما خرج البول
ورث عليه، وإن خرج منهما فمن أيهما سبق ورث عليه، فإن خرج منهما في حالة
واحدة فمن أيهما انقطع أخيرا ورث عليه، فإن انقطع منهما في حالة واحدة ورث
نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء، وروي أنه تعد أضلاعه فإن نقص أحد
الجانبين ورث ميراث الذكور وإن تساويا ورث ميراث النساء.
وإن ولد مولود ليس له ما للرجال وما للنساء استخرج من القرعة، فما خرج
275

في القرعة ورث عليه.
فصل في ذكر ميراث الغرقى والمهدوم عليهم:
إذا غرق جماعة أو انهدم عليهم حائط في حالة واحدة يرث بعضهم بعضا
ولا يعرف أيهم مات قبل صاحبه، فإنه يورث بعضهم من بعض من نفس تركته
لا مما يرثه من صاحبه وأيهما قدمت كان جايزا لا يختلف الحال فيه، وروى أصحابنا
أنه يقدم الأضعف في الاستحقاق ويؤخر الأقوى، ثم ينتقل ما يرث كل واحد منهما
من صاحبه إلى وارثه إن كان لهما وارث، وإن لم يكن لهما وارث أصلا انتقل إلى
بيت المال، فإن كان لأحدهما وارث والآخر لا وارث له انتقل مال من له وارث
إلى من لا وارث له وينتقل منه إلى بيت المال، وميراث من لا وارث له إلى من له
وارث ومنه إلى ورثته.
فإن كان لأحدهما مال والآخر لا شئ له ينتقل مال من له مال إلى ورثة
من لا مال له.
فإن كان أحدهما يرث صاحبه والآخر لا يرثه بطل هذا الحكم وانتقل مال
كل واحد منهما إلى ورثته بلا واسطة وعلى هذا يجري هذا الباب وقد ذكرنا أمثلة
هذه المسائل في النهاية.
ومتى مات نفسان حتف أنفهما في حالة واحدة لا يورث بعضهم من بعض،
ويكون ميراث كل واحد منهما لورثته لأنه علم موتهما في حالة واحدة وإنما جعل
توريث بعضهم من بعض مع تجويز تقدم موت كل واحد منهما على صاحبه.
فصل في ذكر طلاق المريض ونكاحه:
المريض إذا طلق ومات في مرضه ورثته المرأة ما بينه وبين سنة ما لم
تتزوج، سواء كان الطلاق بائنا أو رجعيا، وهو يرثها ما دامت في العدة إذا كان رجعيا،
فإذا زاد على سنة أو تزوجت بعد الخروج من العدة فإنها لا ترثه وهو لا يرثها بعد
العدة.
وإذا تزوج المريض فإن دخل بها صح العقد وتوارثا وإن لم يدخل بها
ومات كان العقد باطلا.
276

فصل في ذكر ميراث الحميل والأسير والمفقود:
الحميل من جلب من بلاد الشرك فيتعارف منهم نفسان بنسب يوجب
الموارثة بينهما قبل قولهم بلا بينة وورثوا عليه.
والأسير في بلد الشرك إذا لم يعلم موته فإنه يورث ويوقف نصيبه إلى أن
يجيء أو يصح موته، فإن لم يعلم موته ولا حياته فهو بمنزلة المفقود.
والمفقود لا يقسم ماله حتى يعلم موته أو يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، فإن
مات في هذه المدة من يرثه هذا المفقود فإنه يوقف نصيبه منه حتى يعلم حاله
ويسلم الباقي إلى الباقين من الورثة.
فصل فيمن يرث الدية:
يرث الدية جميع من يرث المال إلا الأخوة والأخوات من الأم أو من
يتقرب بالأم، ويرث الزوجان معا منها، وكذلك يرث الوالدان وجميع أولاده
للصلب وأولاد أولاده وإن نزلوا على ترتيب الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولا يرث من الدية من يتقرب من قبل الأب إلا الذكور منهم دون الإناث، فإن لم
يكن هناك غير الإناث من جهته أو القرابة من جهة الأم كانت الدية لبيت المال.
فصل في ذكر الولاء:
قد بينا أن الولاء على ثلاثة أقسام: ولاء النعمة، وولاء تضمن الجريرة،
وولاء الإمامة.
فالمعتق إذا مات وخلف نسبا قريبا كان أو بعيدا، ذا سهم كان أو غير ذي
سهم، من قبل أب كان أو من قبل أم، فإن ميراثه له دون مولاه الذي أعتقه، فإن لم
يخلف أحدا أصلا كان ميراثه لمن أعتقه إذا أعتقه تطوعا، ومتى أعتقه فيما يجب
عليه من الكفارات فلا ولاء له عليه وكان سائبة أي لا يد لأحد عليه، سواء من كان
أعتقه رجل أو امرأة، فإن ميراث المعتق له، فإن لم يكن المولى باقيا وكان المعتق
رجلا كان ميراثه لولده الذكور منهم دون الإناث، فإن لم يكن له ولد ذكر كان
277

ميراثه لعصبة مولاه، فإن لم يكن له عصبة كان ميراثه لبيت المال. وإن كان
المعتق امرأة فميراث المولى لعصبتها دون ولدها ذكورا كانوا أو إناثا. ويرث
الوالدان من ميراث المولى مع الأولاد، فإن لم يكن له أولاد ورثه الأبوان.
والولاء لا يورث مع بقاء من يرثه في درجته مثل أن يكون للمعتق ولدان
ذكران فما داما حيين كان الولاء لهما، فإن مات أحدهما وخلف أولادا كان الولاء
للباقي من الولدين دون ولد الولد لأنه لا يرث مع الولد للصلب ولد الولد. فإن مات
الابنان وخلف أحدهما ابنا والآخر خمس بنين كان المال بين ولد هذا وأولاد هذا
نصفين يأخذ كل فريق نصيب من يتقربون به.
وجر الولاء صحيح وهو أن يزوج إنسان عبده لمعتقة غيره فإذا رزق منها
أولادا كان ولاء ولدها لمن أعتقها، فإن عتق إنسان آخر أباهم انجر ولاء الأولاد
إلى من أعتق أباهم دون من أعتق أمهم، وإن أعتق إنسان جدهم من أبيهم مع كون
أبيهم عبدا انجر ولاء الأولاد إلى من أعتق جدهم، وإن أعتق بعد ذلك إنسان آخر
أباهم انجر ولاء الأولاد إلى من أعتق أباهم من الذي أعتق جدهم أو أمهم.
وإذا اشترى المعتق عبدا فأعتقه فولاءه له، فإن مات ولم يخلف أحدا
فولاءه لمولى المولى أو لمن يتقرب به ممن يستحق الولاء، سواء كان المعتق رجلا
أو امرأة لا يختلف الحكم فيه.
وحكم المدبر حكم المعتق على حد واحد.
وأما المكاتب فلا يثبت الولاء عليه إلا بشرط فإذا لم يشترط كان سائبة.
وأما ولاء تضمن الجريرة فهو أن يكون المعتق سائبة وهو كل من أعتق في
كفارة واجبة أو أعتق إنسان عبدا وتبرء من جريرته فإنه يتوالى إلى من شاء ممن
يتضمن جريرته وحدثه. أو يكون إنسان لا نسب له فيتوالى إلى إنسان على هذا
الشرط. فمتى مات هذا الإنسان ولا أحد يرثه قريب أو بعيد فميراثه لمن ضمن
جريرته، فإذا مات بطل هذا الولاء ورجع إلى ما كان، ولا ينتقل منه إلى ورثته مثل
ولاء العتق.
وأما ولاء الإمامة فهو كل من لا وارث له قريب أو بعيد ولا مولى ولا ضامن
جريرة، فإن ولاءه للإمام وميراثه له لأنه يضمن جريرته، فإذا مات الإمام انتقل إلى
الإمام الذي يقوم مقامه دون ورثته الذي يرثون تركته ومن يتقرب إليه.
278

فصل في ذكر ميراث المجوس:
يورث المجوسي بجميع قراباته التي يدلي بها ما لم يسقط بعضها، ويورثون
أيضا بالنكاح وإن لم يكن سائغا في شرع الإسلام، إلا أنه لا يتقدر في شخص أن يكون له سهم مسمى من وجهين على مذهبنا يصح اجتماعه، لأن الذين يجتمعون
من ذوي السهام البنت أو البنات مع الأبوين أو مع أحدهما وهذا لا يمكن في
شخص واحد. والكلالتان يسقطان معهما ومع كل واحد منهما على ما بيناه.
وكذلك لا يتقدر في الكلالتين أن يكون أحدهما هو الآخر، لأن الأخ من الأم
أو الأخت منها متى كان أخا من قبل الأب فإنه يصير كلالة الأب ولا يعتد بكلالة
الأم.
هذا في المسمى من ذوي السهام في ذوي الأنساب وأما بالأسباب فإنه
يتقدر كل ذلك، لأنه يتقدر في البنت أو الأم أن تكون زوجة، وفي الابن أن يكون
زوجا فيأخذ الميراث من الوجهين معا. ويتقدر فيمن يأخذ بالقرابة، فإن الجد من
قبل الأم يمكن أن يكون جدا من قبل الأب فإذا اجتمع مع الأخوة والأخوات أخذ
نصيب جدين: سهم نصيب الجد من قبل الأب، وسهم نصيب الجد من قبل الأم.
وكذلك كل ما يجري هذا المجرى، وقد ذكرنا خلاف أصحابنا في هذه المسألة،
وهذا الذي ذكرناه هو المشهور عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند الخاص والعام.
فصل في ذكر جمل يعرف بها سهام المواريث واستخراجها:
قد ذكرنا أن السهام المسماة ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان،
والثلث، والسدس، فمخرج النصف من اثنين و، مخرج الربع من أربعة، ومخرج
الثمن من ثمانية، ومخرج الثلثين والثلث من ثلاثة، ومخرج السدس من ستة.
فإذا اجتمع نصف ونصف فاجعله من اثنين، وإن اجتمع مع النصف ثلث
أو سدس فاجعله من ستة، فإن كان معه ثمن أو ربع فاجعله من ثمانية، وإن اجتمع
ثلثان وثلث فاجعله من ثلاثة، وإن كان ربع وما بقي أو ربع ونصف وما بقي فاجعلها
من أربعة، وإن كان ثمن وما بقي أو ثمن ونصف وما بقي فاجعله من ثمانية، فإن
كان مع الربع ثلث أو سدس فاجعلها من اثني عشر، وإن كان مع الثمن ثلثان
279

أو سدس وما بقي فاجعلها من أربعة وعشرين.
فإذا زاد من له أصل الفرائض على الواحد ولم تخرج سهامهم على صحة
ضربت عددهم في أصل الفريضة، مثل أبوين وخمس بنات، للأبوين السدسان
سهمان من ستة، ويبقى أربعة أسهم لا ينقسم على صحة، يضرب عدد البنات وهو
خمسة في أصل الفريضة وهو ستة فيكون ثلاثين لكل واحد من الأبوين خمسة
أسهم ولكل واحد من البنات أربعة أسهم.
وإن كان من بقي بعد الفرائض أكثر من واحد ولم يصح القسمة فاضرب
عدد من له ما بقي في أصل الفريضة، مثل أبوين وزوج وبنتين، للزوج الربع
وللأبوين السدسان يخرج من اثني عشر يبقى بعد فرائضهم خمسة فتكسر على
البنتين فيضرب عدد البنتين وهو اثنان في اثني عشر فتكون أربعة وعشرين لكل
واحد من الأبوين أربعة أسهم وللزوج ستة أسهم ولكل واحد من البنتين خمسة
أسهم.
وإن بقي بعد الفرائض ما يجب رده على أرباب الفرائض أو على بعضهم
بعد فرائضهم ولم تصح القسمة فاجمع مخرج فرائض من يجب الرد عليه واضرب
في أصل الفريضة، مثل أبوين وبنت، للأبوين السدسان وللبنت النصف، ويبقى
سهم واحد من سنة أسهم، فيأخذ مخرج السدسين وهو الثلث من ثلاثة ومخرج
النصف من اثنين فيكون خمسة فيضرب في ستة وهو أصل الفريضة فيكون ثلاثين
لكل واحد من الأبوين خمسة أسهم بالفرض وللبنت خمسة عشر سهما بالفرض
ويبقى خمسة أسهم لكل واحد من الأبوين سهم واحد بالرد وللبنت ثلاثة أسهم
بالرد.
ومتى حصل في الورثة خنثى مشكل أمره ورثته نصف ميراث الذكر
ونصف ميراث الأنثى، فيقسم الفريضة دفعتين دفعة تقدره ذكرا ودفعة تقدره أنثى
وتجمع ذلك ثم تأخذ نصفه فتعطيه الخنثى والباقي تقسمه بين الورثة على
ما يستحقونه، مثال ذلك رجل مات وخلف أبوين وزوجة وابن وخنثى، فإن أصل
الفريضة تخرج من أربعة وعشرين، للزوجة الثمن ثلاثة، وللأبوين السدسان
ثمانية، بقي ثلاثة عشر لا يصح قسمته على الابن والخنثى، فيطلب مال له نصف
ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف وهو اثنا عشر فتضربه في أصل الفرض وهو
أربعة وعشرين فتصير مأتي وثمانية وثمانين سهما، منها تعطى الزوجة الثمن ستة
وثلاثين، وللأبوين السدسان ستة وتسعون سهما، يبقى مائة وستة وخمسون سهما
280

للابن والخنثى، فإن فرضته ذكرا كان لكل واحد ثمانية وسبعين سهما وإن فرضته
أنثى كان للأنثى اثنين وخمسين سهما فتصير مئة وثلاثين سهما يأخذ نصفه وهو
خمسة وستون سهما فيكون سهم الخنثى ويبقى واحد وتسعون سهما فهو للابن.
وعلى هذا يجري سهم الخنثى مع أرباب الميراث فإن هذا أصله ولا يصح إلا
كذلك فينبغي أن تعرف ذلك وتعمل عليه إن شاء الله.
فصل في ذكر استخراج المناسخات:
العمل في تصحيح ذلك أن تصحح مسألة الميت الأول ثم تصحح مسألة
الميت الثاني ويقسم ما يخص للميت الثاني من المسألة الأولى على سهام مسألته
فإن انقسمت فقد صحت المسألتان معا مما صحت منه مسألة الميت الأول، مثال
ذلك رجل مات وخلف أبوين وابنين فالمسألة يخرج من ستة، للأبوين السدسان
ولكل واحد من الابنين اثنان، فإذا مات أحد الابنين وخلف ابنين كان لكل واحد
منهما سهم من هذين السهمين فقد صحت المسألتان من أصل المسألة الأولى.
وإن لم ينقسم المسألة الثانية من المسألة الأولى نظرت في سهام من
يستحق المسألة الثانية وجمعتها وضربت في سهام المسألة الأولى وصحت لك
المسألتان معا مثال ذلك المسألة التي قدمنا ذكرها فيفرض أن أحد الابنين مات
وخلف ابنا وبنتا وكان لهما سهمان من ستة لم يمكن قسمتها عليهما ضربت سهم
الابن وهو اثنان وسهم البنت وهو واحد في أصل فريضة المسألة الأولى وهو ستة
فتصير ثمانية عشر، للأبوين السدسان ستة ولكل واحد من الابنين ستة فإذا مات
الابن وخلف ابنا وبنتا كان للابن من ذلك أربعة وللبنت اثنان.
وكذلك إن مات ثالث ورابع صحح مسألة كل ميت ثم أقسم ماله من
مسائل المتوفين قبله من السهام على سهام مسألته فإن انقسمت فقد صحت لك
المسائل كلها وإن لم تصح فاضرب جميع مسألته فيما صحت منه مسائل المتوفين قبله
فما اجتمع صحت منه المسائل كلها وبالله التوفيق.
281

المسائل الحائريات
283

كلمة المصحح حول هده الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الطوسي في ترجمة نفسه: له مصنفات... وله كتاب المسائل
الحائرية نحو من ثلاثمائة مسألة... (1)
قال ابن شهرآشوب في ترجمة الشيخ: له كتاب التبيان،... المسائل
الحائرية نحو من ثلاثمائة مسألة... (2)
قال العلامة التهراني: جواب المسائل الحائرية لشيخ الطائفة أبي جعفر
الطوسي، ذكر في الفهرست أنه نحو ثلاثمائة مسألة، وكان هو من مآخذ البحار
ينقل العلامة المجلسي عنه في البحار وذكره في أوله، وينقل عنه ابن إدريس في
[مستطرفات] السرائر بعنوان الحائريات. (3)
وقال أيضا: المسائل الحائرية نحو ثلاثمائة مسألة كما في الفهرست، مر
بعنوان جوابات المسائل الحائرية. (4)
وقال أيضا: المسائل الحائرية لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي... وهي
نحو ثلاثمائة مسألة كما في الفهرست، وحكى عنه ابن إدريس بعنوان

(1) - الفهرست 188 - 190.
(2) - معالم العلماء 114 - 115.
(3) الذريعة 5 / 218، وكلمة " مستطرفات " في عبارته ره زائدة، لأن ابن إدريس ينقل عنه
في السرائر لا مستطرفاته.
(4) - الذريعة 6 / 4.
285

الحائريات. (1)
وقال في مقدمة التبيان: المسائل الحائرية [في الفقه]، وهي نحو من
ثلاثمائة مسألة كما في الفهرست وهي من مآخذ بحار الأنوار كما ذكره المجلسي
في أوله وينقل عنه ابن إدريس في السرائر بعنوان الحائريات كما ذكرناه في
الذريعة. (2)
أقول: هذه العبارات صريحة في أن مسائل هذه الرسالة نحو من ثلاثمائة،
ولكن النسخ الموجودة منها تشتمل على مائة وتسع وخمسين مسألة فقط، فهذه
النسخ ناقصة، ومنقولات ابن إدريس في السرائر عن هذه الرسالة يؤيد أيضا نقص
هذه النسخ الموجودة، ونحن ننقل ما عثرنا عليه في السرائر:
وأفتى في الحائريات في المسألة الثانية والأربعين عن الرجل إذا جامع
امرأته في عجيزتها وأنزل الماء أو لم ينزل ما الذي يجب عليه فقال الجواب:
الأحوط أن عليها الغسل أنزلا أم لم ينزلا، وفي أصحابنا من قال لا غسل في ذلك
إذا لم ينزلا والأول أحوط. (3)
وقال مشيرا إلى ما ذكر: مع إيرادنا كلامه وقوله وفتواه من غير احتمال
للتأويل الذي ذكره في مبسوطه جواب الحائريات (4).
وقال: قد سئل الشيخ أبو جعفر الطوسي ره عن هذه المسائل في جملة
المسائل الحائريات المنسوبة إلى أبي الفرج بن الرملي فقال السائل: وعن
الركعتين اللتين بعد العشاء الآخرة من جلوس هل تصلي في السفر أم لا وما الذي
يعمل عليه وما العلة في تركها أو لزومها، فأجاب الشيخ أبو جعفر بأن قال: تسقطان
في السفر لأن نوافل السفر سبع عشرة ركعة ليست منها هذه الصلاة (5)

(1) - الذريعة 20 / 343.
(2) - مقدمة التبيان صفحه أب. وجملة " في الفقه " في عبارته ره زائدة، لأن مسائل هذه الرسالة ليست منحصرة في الفقه.
(3) - السرائر ص 19.
(4) - السرائر ص 20.
(5) - السرائر ص 38.
286

وقال: وأيضا شيخنا أبو جعفر سأله السائل في المسائل الحائريات عن
الجماعة اليوم في صلاة العيدين، فأجاب بأن قال: ذلك مستحب مندوب إليه. (1)
وفال: وقد أفتى فتيا صريحة في جواب المسائل الحائريات فقال له
السائل: وعن رجل وجد كنزا ولم يجد من يستحق الخمس منه ولا من يحمله إليه
ما يصنع به؟ فقال الجواب: الخمس نصفه لصاحب الزمان يدفنه أو يودعه عند من
يثق به ويأمره بأن يوصي بذلك إلى أن يصل إلى مستحقه، والنصف الآخر يقسمه
في يتامى آل رسول ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإنهم موجودون، وإن خاف من
ذلك أودع الخمس كله أو دفنه. هذا آخر فتياه ره. (2)
وقال: وقد ذهب أيضا شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد (3) إلى أن
عبيد الله بن النهشلية قتل بكربلا مع أخيه الحسين عليه السلام وهذا خطأ محض
بلا مراء لأن عبيد الله بن النهشلية كان في جيش مصعب بن الزبير ومن جملة
أصحابه قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد بالمزار (4) وقبره هناك ظاهر والخبر
بذلك متواتر وقد ذكره شيخنا أبو جعفر في الحائريات لما سأله السائل عما ذكره
المفيد في الإرشاد فأجاب بأن عبيد الله بن النهشلية قتله أصحاب المختار بن أبي
عبيد بالمزار (5) وقبره هناك معروف عند أهل تلك البلاد (6)
وقال: فقال شيخنا في جواب مسألة سأل عنها من جملة المسائل
الحائريات المنسوبة إلى أبي الفرج بن الرملي فقال السائل: وعن رجل اشترى
ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو من سرقة هل يحل له ما يدخل عليه من
ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج الذي قد اشتراه بمال من سرقة أو قطع
الطريق وهل يجوز لأحد أن يشتري من هذه الضيعة وهذا الخادم وقد علم أنه اشتراه

(1) - السرائر ص 69.
(2) - السرائر ص 115.
(3) - الإرشاد ص 168 في باب ذكر أولاد أمير المؤمنين، وص 233 في فصل أسماء من
قتل مع الحسين (ع).
(4) - المذار - المدار.
(5) - المذار - المدار.
(6) السرائر ص 154، وراجع مقاتل الطالبيين ص 87.
287

بمال حرام وهل يطيب لمشتري هذه الضيعة أو هذا الخادم أو هو حرام؟ فعرفنا ذلك.
فقال الجواب: إن كان الشراء وقع بعين ذلك المال كان باطلا ولم يصح
جميع ذلك وإن كان الشراء وقع بمال في ذمته كان الشراء صحيحا وقبضة ذلك
المال فاسدا وحل وطئ الجارية وغلة الأرض والشجر لأن ثمن الأصل في ذمته.
هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي ره وآخر جوابه هو الحق اليقين. (1)
وقال: وشيخنا أبو جعفر في نهايته قال يجوز له أن يعقد على أمة المرأة عقد
المتعة من غير استيذان معتمدا على خبر رواه سيف بن عميرة إلا أنه رجع شيخنا
في جواب المسائل الحائريات عما ذكره في نهايته واعتمد على الآية. (2)
وقال: ولا بأس أن يتمتع الرجل بأمة غيره بإذنه وإن كانت الأمة لامرأة
فكذلك لا يجوز نكاحها ولا العقد عليها إلا بإذن مولاتها بغير خلاف إلا رواية شاذة
رواها سيف بن عميرة أوردها شيخنا في نهاية ورجع عنها في جواب المسائل
الحائريات على ما قدمناه. (3)
وقال: وقد رجع عنها في الحائريات في المسألة الخامسة والثمانين و
المائة عن العاقلة إذا تبرأت من ميراث من يعقل عنه جريرته أيكون ذلك بمنزلة
الأب أو ما الحكم في ذلك فقال رحمه الله الجواب: لا يصح له التبري لأن الشرع
إذا حكم به لم ينفع التبري ويثبت حكمه والرواية في تبري الأب من جريرة
الابن رواية شاذة فيها نظر فإن صحت لا يقاس عليها غيرها. هذا آخر كلام شيخنا
أبو جعفر في جواب... (4)
وقال قد رجع شيخنا في جواب المسائل الحائريات فإنه سأل عما
أودعه في نهايته أن الأب إذا تبرء من ميراث ولده ومن ضمان جريرته فصحيح
أم لا؟ فقال الجواب: الصحيح أنه ليس له التبري والشرع إذا حكم به لم ينفع
التبري ويثبت حكمه والرواية بتبري الأب من جريرة الابن رواية شاذة. (5).
هذه مسائل عثرنا عليها في السرائر وليست موجودة في نسخنا.

(1) السرائر ص 233.
(2) السرائر ص 303.
(3) السرائر ص 310.
(4) السرائر 407.
(5) السرائر ص 418.
288

وقال: محمد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى قال كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام جعلت فداك المرأة تموت فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها
من متاع وخدم، أتقبل دعواه بلا بينة أم لا يقبل دعواه إلا ببينة؟ فكتب إليه يجوز
بلا بينة...
ثم لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا... وشيخنا أبو جعفر
ما أورده في جميع كتبه بل في كتابين منها فحسب إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله
من غير اعتقاد لصحته على ما بيناه وأوضحناه في كثير مما تقدم في كتابنا هذا.
ثم شيخنا أبو جعفر رجع عنه وضعفه في جوابات المسائل الحائريات المشهورة عنه
المعروفة (1)
أقول: هذه المسألة هي المسألة 24 من مسائل نسخنا فراجع.
وقال: قال شيخنا في جواب الحائريات: إذا نسي الوصي جميع أبواب
الوصية فإنها تعود ميراثا للورثة. (2)
أقول: هذه المسألة هي المسألة 26 من مسائل نسخنا فراجع.
وقال: قد سئل شيخنا أبو جعفر في المسائل الحائرية عن معنى قول الشيخ
المفيد في الجزء الثاني من مقنعته: وإذا اقترن إلى البيع اشتراط في الرهن أفسده و
إن تقدم أحدهما صاحبه يحكم له به دون المتأخرة ما الذي أراد؟ فأجاب بأن قال:
معناه إذا باعه إلى مدة مثل الرهن كان البيع فاسدا وإن باعه مطلقا بشرط [ثم
يشترط] أن يرد عليه إلى مدة إن رد عليه الثمن كان ذلك صحيحا يلزمه الوفاء به
لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم. (3)
أقول: هذه المسألة هي المسألة 94 من مسائل نسخنا فراجع.
ويستفاد من السرائر أن من تأليفات الشيخ المفيد أيضا " المسائل
الحائريات ".
قال: وقد سئل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ره في جملة
المسائل التي سأله عنها محمد بن محمد الرملي الحائري وهي معروفة مشهورة عند

(1) السرائر ص 198 - 199.
(2) السرائر ص 388.
(3) - السرائر ص 260.
289

الأصحاب. سؤال: وعن الرجل يتمتع بجارية غيره بغير علم منه هل يجوز له ذلك
أم لا؟ فأجاب: لا يجوز له ذلك وإن فعله كان آثما عاصيا ووجب عليه بذلك
الحد وقد ظن قوم لا بصيرة لهم ممن يعزى إلى الشيعة ويميل إلى الإمامية أن
ذلك جائز لحديث رووه ولا بأس أن يستمتع الرجل من جارية امرأة بغير إذنها
وهذا حديث شاذ والوجه أنه يطأها بعد العقد عليها بغير إذنها من غير أن يستأذنها
في الوطئ لموضع الاستبراء لها فأما جارية الرجل فلم يأت فيه حديث ومن جوزه
فقد خالف حكم الشرع وفارق الحق فقال ما يرده عليه كافة العلماء ويضلله جماعة
الفقهاء قال محمد بن إدريس: فانظر أرشدك الله إلى فتوى المجمع على فضله و
رئاسته ومعرفته وهل رجع إلى حديث يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة
فكيف يجعل ما يورد ويوجد في سواد الكتب دليلا ويفتي به من غير حجة يعضده و
هل هذا إلا تغفيل من قائلة. (1)
وقال أيضا في جواب المسائل التي سأله عنها محمد بن الرملي الحائري
وهي مشهورة معروفة عند الأصحاب. سؤال: عن رجل أسلف رجلا مالا على غلة
فلم يقدر عليها المستسلف فرجع إلى رأس المال وقد تغير عيار المال إلى النقصان
هل له أن يأخذ من العيار الوافي أو العيار الذي قد حضره وهو دون الأول. جواب:
لصاحب السلف أن يأخذ من المستسلف غلة كما (مما) سلفه على ذلك ويكلفه
ابتياع ذلك له فإن لم يوجد غلة كان بقيمة الغلة في الوقت عين أو ورق. هذا آخر
كلام شيخنا المفيد ره وهو الصحيح. (2)
نسخ هذه الرسالة
ظفرنا على ثلاث نسخ من هذه الرسالة: 1 - نسخة مكتبة آية الله المرعشي
النجفي، تاريخ كتابتها 1264، ورمزنا إليه بنسخة ن. 2 - نسخة مكتبة آية الله
الصفائي الخونساري، تاريخ كتابتها 1320، ورمزنا إليه بنسخة خ 3 - نسخة
حجة الإسلام والمسلمين السيد الطباطبائي انتسخه لنفسه من النسخة الثانية،
تاريخ كتابتها 1390. قم - رضا استادي
1361 - 1402

(1) السرائر ص 310.
(2) السرائر ص 229.
290

أجوبة
المسائل الحائرية
كتاب فيه المسائل الواصلة من الحائرة (1) على ساكنيها السلام إلى (2) الشيخ الأجل
الفقيه أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضي الله عنه وأرضاه، جملة المسائل مائة
واثنان وخمسون مسألة. (3)

(1) - في نسخة ن: من الحيرة.
(2) - في نسخة ن: التي شرحها الشيخ...
(3) - كذا في النسختين، ولكن الصحيح: مائة وتسع وخمسون مسألة.
291

بسم الله الرحمن الرحيم، وبالله المعين أستعين في جلائل الأمور
وصغارها.
مسألة: (1) ما يقول الشيخ الجليل الأوحد - أطال الله الدين وأهله ببقائه
وحرس من العين مهجته وحوباه - في رجل عقد على امرأة نكاحا ولم يدخل بها،
ألها عليه نفقة وكسوة أم لا؟.
الجواب: إذا مكنت من نفسها وسلمتها إليه لزمته (2) نفقتها وكسوتها، و
إن لم تمكنه لم يلزمه ذلك. (3)
مسألة: عن الرجل إذا ادعى أنه دفع إلى امرأة مهرها وأنكرت ذلك
المرأة؟.
الجواب: تجب عليه البينة أنه دفع المهر، وعليها اليمين أنها لم تقبضه
إذا عدم البينة.
مسألة: عن المرأة هل لها أن تمنع نفسها الزوج بعد الدخول حتى تستوفي
مهرها كما لها ذلك قبل الدخول؟.
الجواب: لها المطالبة بالمهر، وليس لها منع نفسها.

(1) - في نسخة خ: مسألة أوله.
(2) - في نسخة خ: لزمتها.
(3) - في هامش النسختين: وكذا لو تمكنه لأنه لا وثوق بقوله لو طلبه. [منه ره] لا يخفى أن
هذه الحاشية وأشباهها التي تأتي من بعد ليست من المؤلف ره، وأنما نقلناها رجاء للفائدة.
292

مسألة: عن ولي عقد النكاح هل له العفو عن المهر أو بعضه أو (1) بعد
الدخول إذا طلق، كما له ذلك قبل الدخول؟.
الجواب: قد استقر المهر للمرأة بعد الدخول، والأمر إليها في العفو دون
الولي إلا أن تأذن له ذلك. (2)
مسألة: عن الرجل إذا أراد أن يحول امرأته من بلدة إلى أخرى فامتنعت
عليه حتى تستوفي مهرها، هل لها ذلك أم لا؟.
الجواب: لها الامتناع حتى تستوفي مهرها، فإذا وفاها لم يكن لها
الامتناع إذا نقلها إلى بلدة من بلاد الإسلام. [وإلى بلاد الكفر لا يجب، ويحرم
الامتناع إلى بلاد الإسلام إلا مع الضرر]. (3)
مسألة: عن الرجل إذا عقد على ابنه البالغ (4) النكاح وضمن عنه المهر
يلزمه ذلك أم لا؟.
الجواب: لا يلزم إلا من (5) البالغ ذلك العقد ولا المهر إلا إذا رضي به و
يلزم المهر الأب.
مسألة: عن امرأة وهبت لزوجها مهرها وأشهدت بذلك شهودا، ثم إن
الرجل بعد برهة من ذلك أشهد على نفسه شاهدين عدلين وقال لهما: اشهدا أن
لفلانة - زوجته - عندي مهرا كذا وكذا - وهو المهر الموهوب - هل يثبت لها
بذلك مهر؟ والمهر الذي انعقد به النكاح قد سقط بالهبة، وأن الزوج توفي فأقامت
البينة بذلك بعد وفاته عند الورثة فما (6) الحكم في ذلك؟. (7).
الجواب: إذا ثبت أنها وهبت مهرها له سقط ولا يرجع فإن أقر بذلك لزمه

(1) - كذا في النسختين والظاهر زيادة " أو ".
(2) - في نسخة ن: في ذلك.
(3) - ما بين [] في نسخة خ في المتن وفي نسخة ن في الهامش وفي آخره: منه ره.
(4) - في نسخة خ: البالغ الكامل.
(5) - كذا في النسختين، والظاهر، لا يلزم الابن البالغ...
(6) - في نسخة ن: فيها وهو تصحيف ظاهرا.
(7) - في هامش النسختين: التفصيل أنه ادعت المرأة أنه عقد عليها مرتين ثبت ما أقر به الزوج و
إن نفت العقد الثانية فلا يجب لها لسقوط المهر الأول بإقرارها [منه ره].
293

في الظاهر، بحكم الإقرار، لا بأنه مهر، إلا أن تقر المرأة أنه المهر الأول فيسقط
عند (1) ذلك مطالبتها.
مسألة: عن الدور والضياع والنخل كيف يكون قبضها حتى يصح ملكها
بالصدقة والهبة والابتياع؟.
الجواب: القبض في ما لا يمكن نقله، التمكين من التصرف والتخلية بينه
وبين الملك وترك الاعتراض عليه في التصرف والبيوع والإجارات وغير
ذلك.
مسألة: عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لآخر وتصدق به عليه، هل
يصح ذلك أم لا؟.
الجواب: يجوز هبة ما في الذمة والتصدق به عليه. ولا يمنع منه إلا
أن شرط استقراره القبض، والقبض في هذا الموضع يكون تخليته عليه وتمكنه
من مطالبته ويبرأ من عليه ذلك.
مسألة: عن الرجل والمرأة إذا وجدا على حال جماع فادعت المرأة
الاغتصاب والرجل الزوجية، ما الحكم فيه؟.
الجواب: من ادعى الزوجية فعليه البينة لأن الأصل عدم الزوجية فإن
عدمت البينة فعلى من أنكر، اليمين.
مسألة: عن الشاهد إذا رجع عن الشهادة فأنكرها وقال: لا أعرف ثم رجع
بعد وقت (2) فقال أنا شاهديها وكنت قد نسيتها. أو قال منعني من إقامتها كذا
وكذا - شيئا ذكره - هل تثبت شهادته بعد إنكاره أم هي باطلة؟.
الجواب: إذا كان الشاهد عدلا قبل قوله، لأنه ربما كان له عذر في
الامتناع من إقامتها من نسيان أو سبب يسوغه ذلك. (3)
مسألة: عن رجل ادعى على رجل مالا معينا، فقال المدعى عليه: لك عندي
مال لا أحقه واستظهر عليه فأقام على ذلك ما الحكم؟.
الجواب: على المدعي مقدار تعينه [كذا] البينة على دعواه، وعلى المقر بمال

(1) - في النسختين: عنه.
(2) - في نسخة ن: الوقت.
(3) - في هامش النسختين: إن كان له عذر مانع في نظر الشرع قبل. [منه ره].
294

مجهول أن يفسره، فبأي شئ فسره كان القول قوله مع يمينه.
مسألة: عن رجل ادعى على رجل مالا معينا وشهد له شاهد بمال لم يعينه
وقال: اشهد لي عليه (1) بمال لا أدري كم هو؟! ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: هذه شهادة غير صحيحة، فإن أقر من شهد عليه بمثل ذلك
كان عليه أن يفسره بما شاء مع يمينه كما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة: عن رجل ابتاع من رجل مبيعا بدينارين وقبض المبيع ودفع
الدينارين إلى البايع وقال له: إمض فانقد واتزن، فأخذهما ومضى كذلك ثم
رجع فذكر أنهما قد ضاعا أو ضاع أحدهما بالسقوط من يده فما الحكم في ذلك؟.
الجواب: هما في ضمان القابض، فما ضاع من ذلك كان عليه إلا أن
يكون دفع ذلك لا عوضا من ثمن المبتاع بل أمره بإنقاده ويكون عند ذلك من
ثمن (2) المبتاع.
مسألة: عن رجل ترك عقارا أو دارا أو حقا له عشر سنين ولم يطالب ولم
يخاصم، أيبطل ذلك ملكه وحقه أم لا؟.
الجواب: ترك المطالبة مدة طويلة لا يبطل الملك ولا يسقط الدعوى، وله
أن يطالب أي وقت شاء. (3)
مسألة: عن الراعي، إذا ادعى ضياع شئ من البهائم أو أكل ذئب أو أخذ
ظالم، ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: القول قول الراعي مع يمينه في ما يدعيه، وعلى صاحب الغنم
البينة.
مسألة: عن رجل دفع إلى رجل مالا وهو غائب ليوصله إلى أهله وأعطاه
إلى ذلك أجرا أو لم يعطه، فادعى ضياعه أو أخذه، ما الذي يجب عليه؟.

(1) - كذا في النسختين.
(2) - كان في النسختين هكذا: (؟) بما لي، والظاهر ما أثبتناه.
(3) - قال الصدوق في المقنع: واعلم أن من ترك دارا وعقارا أو أرضا في يد غيره، فلم يتكلم ولم
يطلب ولم يخاصم في ذلك عشر سنين فلا حق له. (ص 123).
295

الجواب: القول قوله مع يمينه، لأنه مؤتمن (1).
مسألة: عن رجل ابتاع من رجل بهيمة بشرط الخيار، والبائع في بلده
والمبتاع في أخرى، فلما صار بها في بلدته أراد ردها في مدة الخيار، فلم يتهيأ له
ذلك لخوف الطريق أو لمرض أصابه، فلما زال العارض صار بها إلى البايع فأبى
قبولها منه وقال له قد مضى شرط الخيار ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إذا انقضت مدة الخيار لم يكن له ردها.
مسألة: عن الأم، هل لها أن تبيع على ولدها الصغير وهو يتيم في حجرها
أم لا؟.
الجواب: ليس لها أن تبيع على ولدها لا [نها] لا ولاية لها عليه.
مسألة: عن رجل قال لآخر: أعرني ابنك ليرقى هذه النخلة، أو قال
أعطني ابنك ففعل فصعد النخلة فسقط. فاندقت عنقه، ما الحكم في ذلك وما
الذي يجب على الرجل؟!
الجواب: إذا طلبه منه للصعود وبينه له لم يكن عليه شئ، وإن لم يقل له
إنه يريده للصعود في النخلة كان ضامنا لديته.
مسألة: عن الصبي إذا قتل دابة عمدا أو خطأ أو جرحها، ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: يؤخذ من ماله أرش الجناية وقيمة البهيمة، وإن لم يكن له مال
كان ذلك على العاقلة.
مسألة: عن العاقل (2)، إذا قتل الدابة خطأ أو جرحها ما يلزمه في ذلك؟.
الجواب: يلزمه جناية ما جناه وأرشها في ماله خاصة دون غيره.
مسألة: عن رجل قتل رجلا وللمقتول ولي فلم يطالب القاتل ولم يخاطبه
حتى هلك، وترك ولدا، هل يقوم ولده في المطالبة مقامه؟.
الجواب: إن كان قتله عمدا ولم يطالب حتى مات القاتل سقطت
المطالبة، وإن كان قتله خطأ ذلك على عاقلته، وإن مات الولي قام ابنه

(1) - في هامش نسخة ن: إن ادعى التفريط عليه اليمين منه ره.
(2) - في نسخة ن: عن البالغ العاقل...
296

مقامه في المطالبة. (1)
مسألة: عن الرجل إذا ادعى بعد وفاة ابنته - إذا هلكت عند زوجها - أنه
قد أعارها جميع متاعها، هل يقبل قوله في ذلك، كما يقبل في بعضه؟ وإن ادعى
عليها في حياتها ما ادعى بعد وفاتها من إعارتها بعض المتاع أو كله، ما الحكم في
ذلك؟.
الجواب: القول قول أبيها في الحالين مع يمينه إنه كان أعارها ولم يهبه
لها ولا استحقته على وجه. (2)
مسألة: عن رجل نذر فأطال عليه الزمان فأنساه ولم يدر صدقة هو أم عتق أو
غير ذلك، ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: يفعل شيئا من أفعال الخير من صوم أو صدقة أو عتق، أي شئ
كان، ويحتاط عن نفسه فيه.
مسألة: عن الوصي، إذا نسي جميع أبواب الوصية، هل يكون ذلك مثل
ما لو نسي بابا واحدا، ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إذا نسي جميع أبواب الوصية ولم يكن هناك ما يرجع إليه
فيتذكره بطلت وصيته.
مسألة: عن الهبة بشرط الارتجاع فيها في وقت سماه الواهب، هل الهبة
ثابتة إلى الوقت ويرجع إلى الواهب، أم هي منتقضة من أجل الشرط، أم الشرط
فاسد والهبة ماضية؟ بين لنا ذلك؟.
الجواب: إذا شرط الرجوع فيها كانت الهبة باطلة غير منعقدة.
مسألة: عن الرجل إذا تصدق على غيره بملك له ولم يذكر في الصدقة
إرادة القربة إلى الله ولا شهد له بذلك الشهود، هل له (3) أن يرجع فيها، وإن مات
المصدق ولم يكن قد رجع فيها هل ترجع ميراثا إلى ولده؟ وما الحكم في ذلك؟.

(1) - في هامش النسختين: إن لم يناقض بالعفو وشهد بذلك شهود وإلا الحق باق [منه ره].
(2) - في هامش النسختين: مع حياة البنت القول قولها بما في يدها إلا أن يقيم الأب بينة بالإعارة
[و] بعد الموت يكون دعوى الأب كغيره [منه ره].
(3) - في نسخة: أله.
297

الجواب: إذا كان ناقض (1) بالوقف أو الصدقة حكم عليه بصحتها وإنما
لا يستحق الثواب عليها إذا لم ينو القربة.
مسألة: عن رجل نذر أن يهدي البيت هديا ولم يسمه، ما الذي يجب عليه
ويلزمه أن يهديه؟.
الجواب: يلزمه أن يهدي إما بدنة أو شاة، لأن الإهداء لا يكون إلا
في ذلك.
مسألة: عن المسترهن والمستودع والمستعير إذا هم ادعوا التسليم ما
عندهم من ذلك إلى مالكه، ولم يكن لهم قولهم بينة، وأنكر قولهم ودعواهم،
ما الحكم فيه؟.
الجواب: المسترهن إذا ادعى رد الرهن كان عليه البينة، أو يمين الراهن
أنه لم يرد، وأما المستودع والمستعير فالقول قولهما مع يمينهما لأنهما أمينان. (2)
مسألة: عن المسترهن إذا استوفى ما على الرهن وطلبه مالكه ليسلمه إليه
فلم يفعل، وهلك الرهن بعد ذلك، وذكر المسترهن أنه إنما منعه من دفعه (3)
إليه في وقت المطالبة علة كذا وكذا ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: إذا لم يرد الرهن بعد فكاكه مع إمكان الرد والطلب منه ثم
هلك كان ضامنا له وإن منعه مانع من رده ثم هلك من غير تفريط لم يكن
ضامنا. (4)
مسألة: عن رجل أتهم بلقطة فأنكرها م جحدها، ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: القول قوله مع يمينه، وعلى من ادعى البينة.
مسألة: عمن أقر ببعض اللقطة وأنكر وجود البعض الآخر، ما الذي يلزمه؟
الجواب: القول قوله مع يمينه فيما أقر به وفيما جحده.
مسألة: عن الميت إذا دفن بليل، هل يجوز أن يدخل إلى قبره بمصباح

(1) - كذا.
(2) - في هامش النسختين: إلا أن يكون الوديعة بجعل فلا يقبل إلا ببينة [منه ره].
(3) - في الأصل: دفاعه، والظاهر ما أثبتناه.
(4) - في الأصل: ضمانه، والظاهر ما أثبتناه.
298

يستضاء به أم لا؟.
الجواب: إذا احتيج إلى المصباح ليبصر به موضع دفنه لم يكن به بأس.
مسألة: عن الأكل عند أهل المصيبة، إذا جيء لهم بطعام، هل هو
حلال؟.
الجواب: إذا أذنوا له في أكله وعرضوا عليه لم يكن عليه بأس.
مسألة: عن إنزال ميتين أو أكثر في قبر واحد في الفور أو على التراخي، هل
يجوز؟.
الجواب: يكره ذلك مع وجود الموضع في الحال وفي ما بعده، وإن
كان ذلك لعدم المدفن لم يكن به بأس.
مسألة: عن المسترهن إذا استوفى ما على الرهن ولم يطلب صاحب الرهن
رهنه ولا دفعه المسترهن إليه حتى هلك، ما الحكم فيه؟.
الجواب: إذا استوفى ما على الرهن، صار الرهن وديعة يلزمه الرد مع
المطالبة، ولا يجب عليه ذلك مع عدم المطالبة، متى هلك مع عدم المطالبة لم
يكن عليه شئ من الضمان (1).
مسألة: عن الرواية التي جاءت: " من عطل أرضا ثلاث سنين أخذت من
يده ودفعت إلى غيره " (2) أصحيحة هي أم لا؟.
الجواب: معنى أنها تؤخذ منه أن تعمر حتى لا يبطل حق بيت المال من
الخراج أو العشر، وأما أن يصير ملكا لغيره فلا، بل له أجرة مثلها على الذي يعمرها.
مسألة: عن الراعي إذا عبر على جسر فازدحم المرعى ودفع بعضها بعضا
فوقع في الماء فهلك، ما الذي يجب فيه؟.
الجواب: إذا كان ذلك طريقه وتزاحمت الغنم من غير أن يضربها
أو يزعق عليها فوق العادة لم يكن عليه شئ.
مسألة: عن مستحقي الخمس، هل يعتبر فيهم من العدالة ما يعتبر في
مستحقي الزكاة؟.

(1) - في الأصل: مع الزمان، والظاهر ما أثبتناه.
(2) - راجع الوسائل، أبواب إحياء الموت، الباب 17.
299

الجواب: مستحقي الخمس يراعى تناول الاسم لهم لا غير.
مسألة: عنهم، هل يوضع ما يستحقونه من الخمس في بعض الأصناف
دون بعض؟ كما يفعل ذلك بأصناف أهل الزكاة أم لا يجوز حتى يوصل إلى جميع
الأصناف؟.
الجواب: إذا وجد الأصناف يقسم بينهم كلهم بحسب حاجتهم وعلى
قدر حالهم. ولا يخص به قوم دون لتناول الاسم لهم. (1)
مسألة: عن السارق، إذا شهد عليه الشهود بأنه سرق من دار إنسان رأوه
خارجا منها لا يدرون ما فيها، وادعى المسروق [منه] أشياء كثيرة فيها، وأنكر
السارق بعضها وأقر بالبعض، ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: على المسروق منه البينة على ما ادعاه من السرقة فإن عدمها
كان القول قول السارق مع يمينه، لأنه غارم.
مسألة: عن السفينتين إذا اضطربتا من غير تفريط ملاحيهما ولا قصد
لذلك فغرق متاع إحداهما، ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إذا لم يكن ذلك بتفريط من ملاحيهما ولا قصد لذلك وإنما
غلبهم الريح أو أمر لم يطيقاه كان ما هلك هدرا لا يتعلق به ضمان. (2)
مسألة: عن رجل استعار من رجل بهيمة لعمل (3) فهلكت، فقال صاحبها
أعرتها أياما ذكرها، وادعى المستعير أكثر من ذلك وهو الزمان الذي هلكت فيه
البهيمة، ما الحكم فيه؟.
الجواب: القول قول المستعير مع يمينه في مدة الزمان إذا عدم المعير
البينة، فإن وجدها كان العمل عليها.
مسألة: إذا اختلفا في الضمان فقال المعير: ضمنتك ما استعرت مني،

(1) - في هامش نسخة خ: يجوز التخصيص ويستحب التفريق ويجب مع الاضطرار ولا ممدوحة
[مندوحة ظ]. 12
(2) في هامش نسخة خ: إن لم يحصل تفريط واختص الحكم بالهواء لا غير فلا ضمان وإن
اجتمعه [اجتمع ظ] الشيئان يحتمل... الضمان لمشاركة الهواء وتحميل العموم [العدم ظ] لعدم
الأهلية.
(3) - في الأصل: يعمل.
300

فأنكر المستعير ذلك، ما الحكم فيه إذا كانت العارية لا ذهبا ولا فضة.
الجواب: إذا كان ما لا يضمن بنفس العارية فعلى صاحب العارية البينة
أن ضمنها إياه، فإن عدمها كان على المستعير اليمين أنه لم يضمنها.
مسألة: عن الرجل يلحن في قراءته إذا صلى أتبطل صلاته أم لا؟.
الجواب: إن لحن في ما لا تتم الصلاة إلا به من سورة الحمد بطلت، و
عليه أن يصلح لسانه إذا تمكن منه، وإن لم يستطع لرداء [ة] لسانه وفساد آلته لم
يكن عليه شئ، فأما ما زاد على الحمد فلا تبطل الصلاة باللحن فيه.
مسألة: عن المسافر إذا دخل بلدة أزمع فيها على المقام عشرة أيام فتمم ثم
خرج عنها إلى قرية قريبة منها وهو يريد الرجوع إلى البلدة في الحال، أيقيم على
إتمامه أم زال عنه حكم الإتمام لخروجه عن البلدة.
الجواب: إذا كان بخروجه منها لم يعزم على السفر الذي يوجب التقصير
فهو بحكم المقيم يجب عليه التمام إلى أن يخرج بنية السفر الأصلي أو سفر يوجب
مثله التقصير.
مسألة: عن الإقرار، هل يثبت في شئ من الأشياء بشهادة شاهد واحد
عليه أم لا يثبت إلا بشهادة شاهدين.
الجواب: لا يثبت الإقرار في شئ من الأشياء إلا بشهادة رجلين مسلمين
عدلين، فأما بواحد فلا يثبت بحال.
مسألة: عمن يقبل الزكاة وهو عنها غني بمعيشة تكفيه طول السنة على
التوسع دون الاقتصاد هل يسقط ذلك عدالته وتبطل شهادته؟.
الجواب: هذا إذا كان غنيا بمعيشته طول السنة لنفسه ومن يلزمه نفقته
متى أخذ الزكاة أخذ ما لا يستحقه فيكون بذلك فاسقا تسقط عدالته. (1)
مسألة: عن شهادة رجل واحد في النكاح هل هي مقبولة والنكاح بها
ثابت أم لا تقبل، ولا يثبت النكاح إلا بشهادة شاهدين إذا وقع الجحود
والإنكار؟ (2)

(1) - في هامش نسخة خ: إن أخذ لأجل الدين في ذمته جاز ولا يجوز صرفه في غيره، 12.
(2) - في هامش نسخة خ: التفصيل إن ادعت المرأة قبل قولها مع شاهده لأجل المهر وإن صدقت
على براءة ذمة الزوج من المهر قلا يقبل الشاهد الواحد وأما الزوج فلا يقبل إلا أن يدعى الخلع فيه
فيقبل شاهده لأجل البذل.
301

الجواب: العقد ينعقد بلا شهادة أصلا، فأما ثبوته عند الحاكم قلا يثبت إلا
بشهادة رجلين مسلمين عدلين.
مسألة: عن الجنون هل هو من العيوب التي تجوز شهادة النساء فيه؟.
الجواب: الجنون إن كان بالمرأة التي ليس لها عادة بالخروج وهي
مخدرة فإن شهادة النساء تقبل فيه، لأنه لا طريق إلى ذلك إلا من جهتين.
مسألة: عن شهادة الشاهدين على شهادة الغير، هل تقبل شهادتهما بما
يشهدا (ن) للمدعي إذا مات من أشهد هما (كذا) على شهادته وكانت الشهادة بعد الوفاة
وإن تغيب المشهود عليه بحيث لا يرجى قدومه تثبت شهادتهما لمن شهدا له أم
لا؟.
الجواب: الشهادة على الشهادة تقبل بعد موت شاهد الأصل، وفي حال
غيبته، وفي حال حضوره أيضا، إذا لم يمكنه الحضور لمرض أو عائق يمنعه وليس
من شرطه (1) الموت لا غير.
مسألة: عن رجل كان بينه وبين أخ له ضيعة ودور، فقال لشاهدين
عدلين: اشهدا أن ضيعتي ودوري لأخي دوني ولم يذكر هبة ولا صدقة ولا ابتياعا
أيخرج بذلك ملكه من يده؟ ما الحكم فيه؟.
الجواب: إذا قال: اشهدا أن ضيعتي ودوري لأخي كان ذلك متناقضا
لأن مال لا يكون لغيره وليستفسر عن ذلك فإن أراد أنه كان له ذلك، كان إقرارا
بالملك، وإن قال إني أردت أني وهبتها له كان ذلك هبة ويراعى فيه شرط
الهبة. (2)
مسألة: عن قوم بينهم أملاك مشاعة فقال بعضهم لشاهدين اشهدا بأن
حقي من الملك الفلاني قد سامحت به فلانا - لواحد منهم - أو قد سمحت له به
ولم يذكر هبة ولا صدقة، أيخرج بذلك ملكه من يده أو إلى من ذكر له مسامحته به

(1) - في الأصل: شرط.
(2) - في هامش النسختين: بشرط قبول المتهب وتصديقه. [منه أعلى الله درجته].
302

أم هو باق على حاله؟.
الجواب: يستفسر في قوله: " سامحت " فإن أراد الهبة كان حكمه حكم
الهبة، وإن قال: أردت " سامحت " بترك المنازعة فيه لم يبطل بذلك ملكه.
مسألة: عن رجل استعار اسم رجل في كتاب ابتاعه وأشهد عليه بذلك
شهودا على أن ينقل الكتاب بعد الابتياع إلى اسمه (1) في ظهر الكتاب هل ذلك
جائز؟.
الجواب: ذلك جائز إذا ثبت أنه استعار اسمه، وإلا فالظاهر باسم غيره، (2)
فإن أقر صاحب الكتاب بذلك لزم تسليم الملك إلى مستعيره.
مسألة: عن جماعة أودعوا مالا لهم في الأرض وغطوا عليه ثم مضوا وتركوه
للخوف عليه، فجاء بعد وقت واحد منهم فكشف عنه، فخرج عليه قوم فأخذوا الكل
منه ودفعوه عنه، وأقر هو بذلك، أو قامت عليه البينة، ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: إن كان فعل ذلك بإذن الجماعة وأمرهم لم يكن عليه
ضمان، وإن انفرد بذلك من غير إذنهم وأمرهم كان عليه الضمان.
مسألة: عن رجل شارك رجلا في ضيعة زرعاها، فلما نبت الزرع (3) و
هلك رجل من أحدهما (4) فجاء رجل فأقام مقامه في الضيعة وراعى الزرع وأقام
عليه حتى بلغ الحصاد، فجاء ورثة الميت فقالوا للرجل: هذا السهم من الزرع
لنا دونك لأن أبانا زرع هذه الأرض، وقال الرجل: أنا قمت به وراعيته المدة
الطويلة فهو لي دونكم، ما الحكم فيه؟.
الجواب: إذا كانا زرعاها ببذرهما كان الزرع للميت بحصته وينقل إلى
ورثته، ويجب للرجل الذي أقام بمراعاته أجرة مدة مقامه على الزرع. (5)

(1) - في الهامش: إليه باسمه ظ.
(2) - هذه المسألة تحتاج إلى توضيح وبيان.
(3) - الظاهر زيادة الواو.
(4) - كذا.
(5) - في هامش نسخة خ: إن كان بأمر الورثة أو بأمر الحاكم وإلا فهو متبرع وإن كان بأمر
الشريك من غير وصية من الميت فالأجر عليه.
303

مسألة: عن رجل ابتاع بهيمة مغصوبة واستعملها وحصل منها فائدة كثيرة
وجاء ربها يلتمسا، ما الحكم في ما حصل له من كسبها؟ وإن كانت البهيمة مما يطحن
عليها هل يجوز للإنسان أن يطحن بها ويدفع إلى من هي في يده أجرة الطحين (1)؟ بين
الحكم في الوجهين جميعا لنعرفه.
الجواب: المبتاع ضامن البهيمة بقيمتها ولصاحبها عليه أجرة مثلها مدة
استعمالها، فإن هلكت أو نقص من ثمنها كان ضامنا لذاك، ومتى عرف أنها
مغصوبة لا يجوز له أن يطحن عليها، فإن فعل، كانت الأجرة عليه لربها دون الذي
هي في يده.
مسألة عن رجل ضمن رجلا ضمانا ومات الضامن، مال المضمون على
من ورثه (2) الضامن أم يرجع بماله على المضمون عنه؟.
الجواب: الضمان الصحيح ينتقل المال - عند أصحابنا - إلى ذمة
الضامن، فإذا مات وجب ذلك في تركته، وكان للورثة الرجوع على المضمون عنه
بعوضه إذا كان الضمان بأمره.
مسألة: عن رجلين ضمنا ضمانا عن إنسان وشرطا على أنفسهما أنه إن
غاب أحدهما فلم يقدر عليه أو لحق بأرض الشرك أو مات فالآخر ضامن لجميع
المال حتى يخرج منه، هل يصح الضامن (3) على هذا الاشتراط أم هو
صحيح؟. (4)
الجواب: إذا ضمنا على الاجتماع والانفراد ورضيا به وضمن كل واحد
عن صاحبه كان ذلك صحيحا على ما ضمنا وللمضمون أن يطالب من وجد
منهما.
مسألة: عن المحال عليه (5)، أله أن يحيل من أحيل عليه على رجل آخر؟
وهل يصح ذلك أم لا.
الجواب: يجوز أن يحيل على غيره، إذا رضي به صاحب الحوالة، لأنه

(1) - كذا.
(2) - في الأصل: ورثة، والظاهر ما أثبتناه.
(3) - كذا في النسختين.
(4) - كذا في النسختين.
(5) - في نسخة ن: عن المحال عليها بمال.
304

ليس يبيع فيكون بيع دين بدين وذلك لا يجوز.
مسألة: عن رجل وكل رجلا أن يبيع له ضيعة، فمضى وباع ضيعته بدينار
معلوم، فقال الموكل: إنما جعلت لك بيع نصف ضيعتي بهذا الثمن! فقال
الوكيل: بل جعلت إلى بيع الجميع بذلك، ولم يكن لأحدهما بينة ما الحكم في
ذلك؟.
الجواب: على الوكيل أن يقيم البينة أنه أذن له بيع جميع الضيعة، وإلا
فالقول قول صاحب الضيعة مع يمينه، ويكون الوكيل ضامنا عند ذلك.
مسألة: عن آدم عليه السلام لما أقسم له إبليس أن الله تعالى لم ينهه و
زوجته أن يأكلا من الشجرة إلا ليكونا ملكين أو يكونا من الخالدين كيف أصغي
إلى قبول يمينه والله تعالى يخبره بعداوته له؟ وكيف ذهب عليه بأنه أفضل من
الملائكة إذ كان الله قد أسجدهم له تشريفا وتكريما عليهم، وكيف ذهب عليه
أن بقاءه في الجنة إن بقي فيها مصلحة له، وأن خروجه عنها إن أخرج منها
كذلك، وأن الله لا يفعل به إلا الأصلح، فيكون ذلك أجمع مانعا له من قبول قوله.
ما العذر له في ذلك؟ والكلام فيه على الاختصار؟.
الجواب: آدم عليه السلام وإن كان عالما بعداوة إبليس له يجوز أن يظن
أنه لا يقدم على اليمين بالله كاذبا، لأن كثيرا من الفساق قد يرتدعون ويحجمون
عند (1) الإقدام على اليمين بالله [كاذبا] وإن فعلوا كثيرا من الأفعال القبيحة.
وأما علمه بأن الله تعالى لا يفعل إلا ما هو مصلحة لا يمنع من أن يجوز أن مصلحته
تتعلق بالخلود في الجنة بشرط أن يأكل من الشجرة، ومتى لم يأكل منها فإن
المصلحة تقتضي إخراجه فآثر الخلود فيها بالبشرية والطبع، وإن كان في الحالين
يفعل الله تعالى ما هو مصلحة له فيه عن (2) بقاء الخلود والنعيم ولم يؤثر دار البلاء
والشقاء.
مسألة: عن موسى عليه السلام، حيث أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون
وملأه فقال: " ولهم على ذنب فأخاف أن يقتلون " (3) كيف [و] يعلم أن الله

(1) - عن ظ..
(2) - من ظ.
(3) - سورة الشعراء الآية: 14.
305

تعالى ما بعثه إليهم إلا وهو عاصم له من القتل، وإلا كان نقضا للغرض.
الجواب: موسى عليه السلام وإن كان عالما بأن الله يمنع من قتله فإنما
يعلم أنه يمنع منه حتى يؤدي الرسالة، فإذا أدى جاز أن يمكنهم الله من ذلك و
يخلي بينهم وبين قتله، فموسى خاف أن يقتل بعد أداء الرسالة ودعائهم إلى الله
لا قبل الأداء، ويجوز أن يكون أراد بذلك تعذيبه وإيلامه الذي يشبه القتل فسماه
قتلا مجازا، كما يقال في من ضرب غيره ضربا وجيعا أنه قتله.
مسألة: عن قول الله لنبيه: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا
بك على هؤلاء شهيدا (1) وقوله تعالى: " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم
قالوا لا علم لنا " (2) وهو متناقض في ظاهره والتناقض لا يجوز على الله تعالى فما
تأويل ذلك؟.
الجواب: لا تناقض بين الآيتين، لأن قوله: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " (3) المراد به من يشهد بما أظهروا من كفر وإيمان وكذلك في نبينا
صلى الله عليه وآله يشهد على أمته في ما ظهر منهم وقوله (4): " لا علم لنا " معناه
لا علم لنا ببواطنهم وما أضمروه وكذلك (5) قالوا: " إنك أنت علام
الغيوب ". (6)
مسألة: عن قول النبي صلى الله عليه وآله: " أنا سيد ولد آدم وعلي
بعدي "، (7) وقوله: " أنا سيد الأنبياء وعلي سيد الأوصياء " (8) وهذا من التناقض
البين، وهو لا يجوز عليه - إن صحت الروايتان فما الكلام في ذلك؟.
لا تناقض بين الخبرين [والخبران] صحيحان، لأن قوله صلى الله عليه وآله: " أنا سيد ولد آدم " تفضيل لنفسه
على جميع بني آدم و
في الخبر الأخير فضل نفسه على الأنبياء كلها والأنبياء إذا كانوا أفضل من أممهم و
هو أفضل منهم فهو أفصل بني آدم مثل ما قال في الخبر الأول وأما قوله: " وعلي

(1) - سورة النساء الآية: 41.
(2) - سورة المائدة، الآية: 109.
(3) - سورة النساء، الآية: 41.
(4) - وقولهم. ظ.
(5) - ولذلك. ظ.
(6) - سورة المائدة، الآية 109.
(7) - راجع غاية المرام للبحراني ص 448.
(8) - راجع غاية المرام للبحراني ص 618 / 621.
306

بعدي " من أصحابنا من يقول: إنه أفضل من سائر الأنبياء بعد النبي صلى الله عليه
وآله والخبر على ظاهره، ويكون قوله في الخبر الآخر: و " علي سيد الأوصياء " لا يدل
على أنه ليس سيدا لغير الأوصياء إلا بدليل الخطاب الذي هو ليس بصحيح، ومن
فضل بعض الأنبياء أو جميعهم عليه يقول: أخص الخبر ولا أحمله على عمومه.
مسألة: عن موسى عليه السلام وقد أمره بإلقاء العصا وانقلبت حية وتوليه
مدبرا كما حكى الله تعالى، وعلام خاف (1) أن يفعل الله سبحانه به ضررا؟ فهذا
الاعتقاد لا يجوز عليه وإن كان الله تعالى يريد به فعل الضرر فكيف ينجيه منه
الهرب ولم يعلم أن انقلاب العصا عن الجمادية إلى الحيوانية دليل له على نفسه
في أنه تعالى يريد بذلك إبانته (2) من غيره بالمعجز الذي أظهره على يديه دلالة
أيضا لغيره عليه، فيكون ذلك مانعا من التولية والهرب، ما الكلام في ذلك على
الاختصار؟.
الجواب: لم يشك موسى في [أن] انقلاب العصا حية أنه دال على
نبوته وأنه معجز له ولم يترقب (3) بذلك وإنما خاف بالبشرية من الثعبان لأن
البشر بطبعهم ينفرون عن هذا الجنس وإن علموا أنه يصل إليهم منه خير إلى أن
رجعت نفسه إليه وثبتت. (4)
مسألة: عن قول الله تعالى سبحانه: " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما
يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم... " (5) والعذاب هو الألم و
المضار، والأموال والأولاد يعقبان الملاذ والمسار فكيف يكون ذلك عذابا؟.
الجواب: قيل في هذه الآية وجوه من التأويل ذكرناها في الكتاب
التفسير (6):

(1) - في الأصل: أخاف.
(2) - في الأصل: اسانته.
(3) - كذا في النسخة خ، وفي نسخة ن: ولم يترتب، والظاهر: ولم يرتب.
(4) - وثبت.
(5) - سورة التوبة، الآية: 55.
(6) - راجع التبيان 5 / 238.
307

منها أن الآية فيها تقديم وتأخير، وتقديرها فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم
في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها وتزهق أنفسهم، فيكون " في الحياة
الدنيا " ظرفا لقوله " فلا تعجبك " لا لقوله " ليعذبهم بها ".
وقيل أيضا: إن الأموال والأولاد إذا كان عاقبتهما إلى الهلاك و
العقاب يجري مجرى العقاب.
وقيل إن الله إذا حكم بأن أخذها منهم غنيمة فمتى أخذت كان ذلك
عذابا عليهم.
مسألة: عن شعيب عليه السلام كيف استجاز أن يرعى بناته وذلك فعل
مستقبح من رعيته فكيف منه عليه السلام، ما وجه العذر في ذلك؟.
الجواب: العادات في ذلك مختلفة، وإنما يستقبحها الناس اليوم كما
استقبحوا في ذوي الأقدار من الرجال أن يرعوا مواشيهم بنفوسهم وإن فعله موسى
عليه السلام وكثير من الأنبياء، ولا يمتنع أن تكون عاداتهم بخلاف عاداتنا.
وقيل إن شعيبا كان منقطعا إلى برية لم يكن فيها من يرعى له بأجرة
فاحتاج ما يصلح شأنه من معيشته ولم يكن يتأتى له في ذلك، لأنه قيل إنه كان
أكمه فرعى بناته غنمه ليكون قوتهم من ذلك.
مسألة: عن إهلاكه تعالى من أهلك من الأمم الماضية بالمثلات وفيهم
الصبيان والمجانين وهو تعالى إنما يفعل ذلك للعقاب وهؤلاء لا ذنب (1) لهم
فيستحقون بها عقابا، فما الوجه في ذلك؟.
الجواب: من أهلك مع المجرمين من الصبيان والمجانين يفعل بهم ذلك
امتحانا، أو يعوضهم الله على ذلك ويكون فيه خيرا للمكلفين، وكذلك قال الله
تعالى: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة " (2) والفتنة هي الاختبار.
مسألة: عن سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وغيرهم من المنتجبين، هل
كانوا في جملة المنهزمين يوم أحد وحنين أو لم يحضروا ذلك المكان؟.
الجواب يجوز أن يكونوا لم يحضروا ذلك المكان لبعض الأعذار فإنه

(1) - في نسخة ن: لا ذنوب لهم.
(2) - سورة الأنفال، الآية: 25.
308

ما مر بي أسماؤهم في السير، ولو حضروا لم يمتنع أن يفروا إلا ما ثبت عصمتهم و
إن كانوا خيارا منتجبين في ما ذلك الوقت.
مسألة: ذلك عنهم هل كانوا في جملة المتأخرين عن الصدقة لما نزلت
آية النجوى؟ (1) فقد وردت الرواية (2) أنه لم يتصدق يومئذ إلا أمير المؤمنين
عليه السلام.
الجواب: لا خلاف أنه لم يتصدق غير أمير المؤمنين علي عليه السلام
ولا يمتنع أن يكون هؤلاء لم يتمكنوا في الحال من شئ يتصدقون به ثم نسخ عقيب
ذلك، أو لم يعرض لهم سؤال يختارون أن يستسرون به فيحتاجون إلى تقديم
الصدقة، وأن الآية نزلت في من أراد مناجاته سرا من أصحابه.
مسألة: عن الرجل يجعل لغيره جميع ملكه من ضيعة ودار وغير ذلك على
أن يكفل به مدة حياته، فهل يصح الملك بهذا الشرط أم الشرط فاسد وإن صح
ومات الكافل قبل المتكفل به ما الحكم في ما أنفق عليه؟ وما الجواب عن
الأمرين جميعا إن كان الشرط صحيحا؟.
الجواب: هذا الشرط فاسد والملك على أصله لمالكه ومن (3) أنفق
عليه له أن يرجع به على من أنفقه (عليه) ويطالبه به.
مسألة: عن الرجل يجتمع عليه صيام نذر وكفارة وقضاء شهر رمضان
بأيهما (4) يبدأ؟
الجواب: يبدأ بأيهما (5) شاء، لأن الجميع في ذمته، وليس يتعين تقديم
بعضه على بعض.
مسألة: عن الرجل يموت وله إبنان ولدا توأما وكلاهما عاقلان رضيان
أيهما أحق بالصلاة عليه؟ وأيهما يقضي عنه ما فاته من صلاة وصيام؟.
الجواب: هما بالخيار، أيهما (6) شاء تقدم، وإن تنازعا أقرع بينهما، و
كذلك يقضي عنه الصوم بالحصص أو يتكفل أحدهما به.

(1) - سورة المجادلة، الآية: 12.
(2) - راجع نور الثقلين 5 / 264 - 265.
(3) - وما أتفق عليه: ظ.
(4) - كذا.
(5) - كذا.
(6) - في الأصل: أيها.
309

وإن قلنا: إن من ولد [أولا] هو الأكبر فيقدم كان جايزا، وقد روي (1) " أن
الذي ولد أخيرا هو الأكبر لأنه حمل به أولا والثاني دخل عليه فمنعه من الخروج أولا
لكن هذه رواية شاذة.
مسألة: عن الرجل يكون (2) مهر لامرأته وله ولد صغار من غيرها فيعمد
إلى جميع ملكه فيتصدق به على ولده فرارا من المهر، أتصح الصدقة أم هي باطلة
من أجل الفرار؟.
الجواب إذا تصدق بملكه على ولده الصغار ووقفه عليهم ثبتت الصدقة،
والمهر في ذمته يلزمه الوفاء به، ويطالب به إلى أن يخرج منه.
مسألة: وعن المرأة تبرئ زوجها من حقها قبله في صحته أو مرض،
ما الحكم في الأمرين؟.
الجواب: إبراؤها صحيح في حال صحتها بلا خلاف، وأما في مرضها
الذي تموت فيه فإنه يكون من ثلثها.
مسألة: عن الرجل يقتل عمدا وله ولد صغار، ما الحكم في القود، ومن
الذي يقوم به؟.
الجواب: إذا لم يكن غير الأولاد الصغار ولم يكن فيهم بالغ وقف القود
إلى بلوغها أو بلوغ بعضهم فتحكم حينئذ بحسب ذلك.
مسألة: عن الرجل يقتل عمدا، وله ولد صغار وكبار، للكبار أن يقيدوا
القاتل بآبائهم (3) أم ليس لهم ذلك حتى يبلغ الصغار؟.
الجواب: للكبار أن يقتلوا بآبائهم (4) إذ ضمنوا حصة الصغار من الدية
متى بلغوا ولم يختاروا القود، وإن لم يضمن (5) حصتهم من الدية لم يكن لهم
القود بحال. مسألة: عن الزوج هل له اشتراك مع الأولياء في القود إذا قتلت امرأته أم ليس له إلا قسط من الدية إذا وقع على الاصطلاح وكذلك السؤال في المرأة إذا

(1) - الوسائل، أبواب أحكام الأولاد، الباب 99، نقلا من الكافي والتهذيب.
(2) - يكون عليه: ظ
(3) - بأبيهم. ظ.
(4) - بأبيهم. ظ.
(5) - كذا.
310

قتل زوجها.
الجواب: ليس للزوج المطالبة بالقود، إنما له المطالبة بنصيبه من الدية
إذا قتلها الأولياء وهكذا الجواب في المرأة إذا قتل زوجها سواء.
مسألة: عن الرجل يكون عليه الدين وليس له مال ويكون لولده أله أن
يأخذ من مال ولده ما يقضي دينه إن لم يؤثر ذلك؟.
الجواب: ليس له أن يأخذ من مال ولده ما يقضي دينه، وإنما له أن ينفق
على نفسه بالمعروف إذا اضطر إليه وامتنع الولد من الإنفاق عليه.
مسألة: عن الصابئة والوثنية والثنوية والدهرية، ما الحكم فيهم إذا قتلوا؟
فإن اليهود والنصارى والمجوس قد جاء الحكم بالتوقف (1) فيهم، فما الحكم في
هؤلاء، أتبطل دماؤهم إذا قتلوا، وما القول في ذلك؟.
الجواب: لا دية لواحد من هؤلاء، وإنما الدية لمن تعقد له الذمة من الفرق
الثلاثة، أهل الكتابين والمجوس.
مسألة: عن الأب، إذا قتل ابنه عمدا وندم على ذلك وأراد التوبة من فعله،
هل يجب عليه شئ يفعله يخرج به من المطالبة إذا كان لا يقاد (2) الأب بابنه وما
الكلام في ذلك؟.
الجواب: إن كان للولد المقتول ولي من ولد أو إخوة أو غيرهم ممن يرث
ديته كان على الأب أن يعطيهم الدية ثم يتوب في ما بينه وبين الله ويكفر كفارة
القتل.
مسألة: عن الرجل إذا كان له قبل رجل مال فوهبه له أيجوز [له] الرجوع
فيه أم لا؟.
الجواب: إن الموهوب له إن كان أجنبيا ولم يتعوض من هبته بشئ كان
له الرجوع فيه، وإن تعوض منه بقليل أو كثير لم يكن له الرجوع فيه.
مسألة: عن الرجل إذا اجترم ما يوجب عليه إعادة الحج فحج واجترم
الحجة الثانية ما اجترمه في الأولى، أيجب عليه من الإعادة ما وجب عليه في
الحجة الأولى؟.

(1) - في نسخة ن: بالتوقيف.
(2) - في الأصل: لا أن يقاد.
311

الجواب: الظاهر يقتضي أنه كلما أفسد حجته يجب عليه المضي فيها ثم
قضاؤها، سواء كانت الحجة الأولى أو الثانية أو الثالثة وما زاد عليه.
مسألة: عن الصبي الصغير إذا عقد على نفسه نكاحا عند رجل وفرض
المهر فلما بلغ، أبى ذلك العقد، هل يثبت العقد إذا أجازه الأب ويكون المهر
المفروض عليه دون الابن؟ وما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إذا أجازه الأب كان جائزا والمهر من مال الابن إن كان له
مال - فإن لم يكن له مال كان المهر على الأب.
مسألة: عن الرجل يصلي عريانا فيجاء إليه بثوب وقد كبر تكبيرة الافتتاح
أو يكون قد ركع، هل يكون حكمه كحكمه إذا صلى بتيمم ثم وجد الماء
ما الحكم فيه؟.
الجواب: إذا جائه الثوب يستر به العورة ويتم صلاته، ولا يجب عليه
استيناف الصلاة، وإن لم يستر به العورة بطلت صلاته، بخلاف المتيمم الذي
يلزمه المضي في صلاته بتيمم.
مسألة: عن الأمة تدخل في صلاتها بغير قناع على رأسها ثم تعتق ويجاء
إليها بقناع ما حكمها في ذلك؟.
الجواب: هذه المسألة نظيرة الأولى، يجب عليها أن تقنع رأسها وتتم
صلاتها ولا يلزمها الاستيناف.
مسألة: عن قول الله تعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهولا " (1) والسماوات والأرض والجبال جمادات لا يصح العرض عليهن ولا يقع
منهن إباء يحكم (2) ذكره عنهن ويضاف إليهن فما الكلام في ذلك؟ وما
الأمانة المذكورة في الآي؟.
الجواب: الأمانة، المراد بها التكليف، وما أوجب الله على المكلفين،
والمراد بالسماوات والأرض أهلها: كما قال: " واسأل القرية " (3) وأراد أهلها ولم

(1) - سورة الأحزاب، الآية: 72.
(2) - كذا في الأصل ولعل الصحيح: يصح.
(3) - سورة يوسف الآية: 82.
312

يتوجه العرض إلى الجمادات.
وقيل: المراد تعظيم الأمر في الأمانة وتفخيمه، فإن السماوات والأرض
لو كانتا مما يعرض عليها الأمانة وعرضت لامتنعت من قبولها لعظيم المشقة فيها و
حملها الإنسان كما قال " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " (1) والمراد لو أن قرآنا
سيرت به الجبال لعظم محله وجلالة موقعه لكان هذا القرآن.
وروى أصحابنا أن المراد بالأمانة الولاية لمن أوجب الله علينا ولايته (2)
وهذا داخل في الوجه الأول، لأن التكليف قد اشتمل عليه ولا يجوز تخصيصه.
مسألة: عن قوله تعالى: " وإذا الوحوش حشرت " (3) والحشر إنما يكون
لمن يستحق الثواب والعقاب، والبهائم غير مكلفة، ثم لم اختصت بالحشر دون
غيرها من الحيوان.
الجواب: الحشر يكون لمستحق الثواب والعقاب وذلك يختص
المكلفين. ويكون أيضا لكل حيوان له [كذا] على الألم الذي دخل عليها، فأن الله
تعالى لا بد أن يعوضه وإن لم يكن مستحقا لثواب أو عقاب.
مسألة: عن قوله تعالى: " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما
يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله " (4) فقسمها قسمين
وخصهما بوصفين والهبوط من الخشية لا يكون إلا من العقلاء المكلفين فما تأويل
ذلك؟.
الجواب: المراد بهذه الآية عظم قساوة قلوب الكفار وشدة عنادهم فشبه
ذلك بالحجارة في صلابتها وإنها مع صلابتها قد تلين في بعض الأحوال وتنشق
فيخرج منها الماء بأمر الله تعالى، وقلوب الكفار لا تلين ولا ترجع عما هي عليه
فصارت كأنها أصلب من الحجارة.
وقوله: من خشية الله معناه أنها لا تمنع من فعل الله ولا يتعذر عليه الفعل
فيها فكأنها خافته وخشيته فإن طاعت له (5) كما قال للسموات والأرض " ائتيا

(1) - سورة الرعد، الآية: 31.
(2) - راجع نور الثقلين 4 / 309 - 314.
(3) - سورة التكوير، الآية: 5.
(4) - سورة البقرة، الآية: 74
(5) - كذا في النسختين، ولعل الصحيح: فانطاعت له.
313

طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين " (1) والمراد ما قلنا من تسهل الفعل بلا مشقة.
مسألة: عن الملائكة إذا كانوا مكلفين توحيد القديم سبحانه ومعرفة عدله
ووعده ووعيده وتقديسه وتسبيحه وتمجيده واستحقوا على هذا التكليف الثواب
فهل ينتقلون عن طبايعهم التي هم عليها إلى طباع غيرها ويدخلون الجنة فينالون
فيها الملاذ؟.
الجواب: لا بد لهم من الثواب في مقابلة تكليفهم ويجوز أن يكون ثوابهم
في سرور يصل إليهم ويدخل عليهم دائما فيسرون ويلتذون به ويجوز أن ينقلهم
الله إلى طبع آخر ويركب فيهم شهوات الأكل والشرب ولا يمنع منه مانع والله
أعلم بتفصيل ذلك.
مسألة: عن الرجل الأجنبي إذا اشترى شفعة ضيعة والشفيع غائب، وغرس
فيها نخلا وأشجارا، ثم قدم الشفيع فطالب بالشفعة، ما الحكم في ما حصل في
الضيعة من النخل والأشجار؟.
الجواب: للشفيع أن يطالب بالشفعة ويلزمه أن يرد معه الثمن قدر ما أنفق
عليه من قيمة الأشجار والغروس وما فيه، لأن المشتري أحدث ذلك في ملكه
الصحيح.
مسألة: عن معنى قول الشيخ الجليل المفيد رضي الله عنه في الجزء الثاني
من الرسالة المقنعة: " وإذا اقترن إلى البيع اشتراط في الرهن أفسده، وإن تقدم
أحدهما صاحبه حكم له دون المتأخر " (2). ما الذي أراد؟.
الجواب: معناه إذا باعه إلى مدة مثل الرهن كان البيع فاسدا وإن باعه
مطلقا ثم شرط أن يرده عليه إلى مدة إن رد عليه الثمن كان ذلك صحيحا يلزمه
الوفاء به لقوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (3).
مسألة: عن قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد

(1) - سورة فصلت الآية: 11.
(2) - المقنعة ص 98، وفيه: " كان الحكم له " مكان " حكم له ".
(3) - الوسائل، أبواب المهور، الباب 20، الحديث الرابع نقلا من التهذيب والكافي.
314

لكم تسؤكم " (1) فما هذه الأشياء التي منع المؤمنون من سؤالها ثم أذن لهم عند
نزول الكتاب فقال تعالى: " وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم "؟ (2) ومن
القوم الذين سألوها ثم أصبحوا بها كافرين؟. (3)
الجواب: هذه الآية إنما نزلت في إنسان كان يسأل سؤال تعنت حتى
سأل عن أبيه الذي ينسب إليه هل هو ابنه على الحقيقة؟ فأوحى الله تعالى إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه لغيره وإنه ولد على فراشه، فساءه ذلك فنهى
الله المؤمنين عن سؤال مثل ذلك مما لا يعنيهم. (4)
مسألة: عن قوله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها
الأولون " (5) فما هذه الآيات التي منع منها (6) التكذيب من إرسالها؟ فإن كانت
المعجزات فقد جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها بالكثير ولا سيما القرآن
الباقي على الأعقاب.
الجواب: هذه آيات اقترحوها ذكرها الله في قوله تعالى: " وقالوا لن نؤمن
لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر
الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله و
الملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك
حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ". (7)
وقالوا له أيضا: وأن حول الصفا ذهبا وقالوا له أيضا مثل ذلك إن تذهب
جبال تهامة فإنها قد ضيقت علينا، وأن تحيي لنا عبد المطلب لنسأله عن صدق
قولك فإنه كان أمينا.
فأخبر الله تعالى أنه لم يمنعه من إجابتهم إليها إلا أنه لو فعلها وكذبوا بها
وجب استيصالهم كما أنه لما كذب بها الأولون استأصلهم وذلك ممتنع في هذه
الأمة لما وعد به.

(1) - سورة المائدة، الآية: 101.
(2) - سورة المائدة، الآية: 101.
(3) - راجع التبيان 4 / 37.
(4) - راجع التبيان 4 / 36..
(5) - سورة الإسراء الآية: 59.
(6) - كذا.
(7) - سورة الإسراء الآية: 90 - 92.
315

مسألة: عن قوله تعالى: " والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر
هل في ذلك قسم لذي حجر " (1) والشئ يتشرف بعمله وهؤلاء المقسم بهم ممن
لا عمل لهم يشرفون ولا نعلم عاقلا يعلم بعقله تعظيم هذا القسم وتشريفه إلا بالسمع
فما الكلام في ذلك؟.
الجواب: قيل في ذلك قولان:
أحدهما روى عن الأئمة عليهم السلام من " أن الله تعالى يقسم بما شاء
من خلقه وليس للعباد أن يقسموا إلا بالله تعالى أو بشئ من أسمائه.
والثاني أن المراد ورب الفجر وليال عشر ورب الشفع والوتر ورب الليل
إذا يسر. وإنما حذف اختصارا، وعلى هذا يكون القسم بالله تعالى ولا شبهة فيه.
مسألة: عن قوله تعالى: " ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير
لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " (2) ونحن نعلم أن الله تعالى لا يفعل لعباده
إلا أصلح الأشياء لهم من طول عمر أو قصره أو صحة جسم أو سقمه أو سعة رزق أو
تقتيره فما الكلام في ذلك؟.
الجواب: اللام في الآية للعاقبة، والتقدير إن عاقبتهم الازدياد من الإثم
دون أن يكون غرضه ذلك كما قال: " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا
وحزنا (3) وما التقطوه لذلك ولكن كانت عاقبته كذلك، ويقال: " للموت
ما تلد الوالدة "، " ولخراب الدهر تبنى المساكن، " والمراد بذلك كله العاقبة.
وقال قوم: التقدير: ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثما
إنما نملي لهم خير لأنفسهم، فيكون فيه تقديم وتأخير وعلى هذا لا شبهة فيه.
مسألة: عن الرواية التي رواها أصحابنا في كتاب المزار: " لا تبقى جثة
نبي ولا وصي نبي تحت الأرض أكثر من ثلاثة أيام وفي رواية أخرى أربعين يوما
حتى ترفع إلى السماء " (4) وهاتان روايتان متناقضتان، والتناقض لا يجوز على

(1) - سورة الفجر، الآية: 1 - 5.
(2) - سورة آل عمران، الآية: 178.
(3) - سورة القصص، الآية: 8.
(4) - راجع الوافي الجزء الثامن ص 196، باب أن أبدانهم عليهم السلام لا تبقى في الأرض.
316

الأئمة عليهم السلام. ولو سلمتا من التناقض وكانت غاية واحدة فهناك ما يوجب
التناقض أيضا من ورود الرواية " أن نوحا عليه السلام استخرج عظام آدم
عليه السلام ودفنها بالغري من نجف الكوفة، " (1) ومن ينقل بجسمه إلى السماء
لا يبقى عظامه في الأرض فما الكلام في ذلك؟.
الجواب: هذه أخبار آحاد لا يقطع بها، ثم يجوز أن يكون الوجه أن
أجسامهم تنقل ما بين ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ولم يعين الوقت الذي بينهما.
وأما خبر نوح واستخراجه عظام آدم فهو خبر واحد ويحتمل أن يكون
المراد بعض عظامه، لأن الذي ينقل هو الذي لا يتم كون الحي حيا إلا معه و
ذلك الذي يتوجه إليه الثواب والعقاب، وما زاد عليه لا يجب أعادته فضلا عن نقله
غير أن له حرمة لأجلها نقلت.
مسألة: عن قوله النبي صلى الله عليه وآله: " من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية " (2) وقوله صلى الله عليه وآله: " من مات بلا وصية مات ميتة
جاهلية " (3) وهذا تفاوت لا يجوز عليه، لأن الجهل بالإمام يخرج عن الإيمان، و
من صح عقيدته وحسنت أعماله، وأخطأ في ترك الوصية لا يخرج بذلك عن
الإيمان، فما الكلام في ذلك إذا اتفقت العبارتان واختلفتا في المعنى؟.
الجواب: الجهل بالإمام كفر وقد استفسروا عنه فقالوا هو ميته كفر و (4)
ضلال.
وأما ترك الوصية فالمراد به الموت على عبادة (5) الجاهلية من غير
وصية لا أن فاعل ذلك يكون كافرا.
ويحتمل أن يكون المراد: من ترك الوصية رغبة عنها وأنها ليست
مسنونة ولا مرغبا فيها فإن من كان كذلك فإنه يكون كافرا لأنه ينكر ما هو معلوم

(1) - راجع الوافي، الجزء الثامن ص 207 - 208، باب فضل زيارة أمير المؤمنين عليه السلام
بالغري.
(2) - الكافي 1 / 377، وهذا لفظه: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية...
(3) - المقنعة للمفيد ص 102 والوسائل، أبواب أحكام الوصايا، الباب الأول، الحديث الثامن.
(4) - في نسخة خ: فهو ميتة كفر.
(5) - كذا في النسختين ولعل الصحيح: عادة.
317

من شرعه صلى الله عليه وآله مع ما نطق به القرآن في قوله تعالى: " كتب عليكم إذا
حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية " (1).
مسألة: عن قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله: " قل لا أسئلكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى " (2). فإن كان المراد بجميع (كذا) قرباه فبقي على العموم
وإن كان فيهم الكفار والضلال والفساق والفجار ومن يجب ذمه والبراءة منه، و
مثل هؤلاء لا يسأل النبي الأمة مودتهم، وإن كان المراد بذلك الأئمة عليهم
السلام فإن الإمام إذا ثبتت إمامته وجبت طاعته ولزمت مودته، فلا حاجة إلى هذا
الأجر فما الكلام في ذلك.
الجواب: المراد بذلك مودة ذوي القربى الذين تجب طاعتهم، وليس
إذا علمنا وجوب طاعتهم بالإمامة ومحبتهم علينا (3) لا يجوز أن تجب علينا محبتهم
وقد قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (4) وإن كنا
علمنا وجوب طاعة الله ورسوله بالعقل والعلم المعجز.
وليس يمتنع أن يكون المراد جميع أهل البيت وأنه تجب علينا محبتهم و
مودتهم لمكان نسبهم وإن وجب علينا أن نبغضهم لمكان فسقهم وعندنا تجتمع
المحبة في شخص واحد على إيمانه وطاعته مع البغض له على فسقه ومعاصيه و
إنما يخالف فيه أصحاب الوعيد من المعتزلة وغيرهم (5).
مسألة: عن قوله تعالى: " الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص "
(6) ما عنى بذلك؟.
الجواب: هذه الآية نزلت على سبب، وذلك أن أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله أصابوا قوما في الشهر الحرام فغلب عليهم المشركون فقال الله تعالى: قد
سبقتم أنتم إلى انتهاك حرمة هذه الأشهر فقوبلتم عليها، وكذلك (7) بعد ذلك

(1) - سورة البقرة، الآية: 180.
(2) - سورة الشورى، الآية: 23.
(3) - في الأصل: عليها.
(4) - سورة النساء، الآية: 59.
(5) - الوعيدية هم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار.
(6) - سورة البقرة الآية: 194.
(7) - كذا في النسختين، ولعل الصحيح: ونزلت بعد ذلك...
318

" الحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "
(1).
مسألة: عن قوله: " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل
أألذكرين حرم أم الأنثيين " وقوله: " ومن الإبل اثنين ومن المعز اثنين قل
أألذكرين حرم أم الأنثيين " (2). ما عنى بذلك وأراد؟.
الجواب: ثمانية أزواج أراد ثمانية أفراد، فإن كل واحد منها سمى زوجا
إذا كان له قرين من جنسه، ومن الضأن اثنين الذكر والأنثى ومن المعز مثله،
وأراد بذلك ردا على من كان يحرم السائبة والوصيلة والحام وينسبونه إلى الله
عز وجل فبين الله فساد ذلك، وأنه ليس بأمره ولا بإرادته كما قال: " ما جعل الله
من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام. " (3)
مسألة: عن الخطبة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام التي أولها:
" ما دنياكم عندي إلا كسفر على منهل حلو إذ صاح بهم صائحهم فارتحلوا. " (4)
أصحيحة أم لا؟
الجواب: هذا مشهور مذكور في خطبه عليه السلام ووجه تشبيه زمان
الحياة في سرعة زواله بقوم سفر نزلوا على ماء ثم ارتحلوا وذلك من حسن التشبيه
ووجيزه
مسألة: عن الرواية (5) التي وردت أنه عليه السلام وضع في عنق خالد بن
الوليد طوق رحى الحارث بن كلدة الثقفي ولواه في عنقه فالتوى فدخل به المدينة و
أقام أياما حتى أقسم عليه بالله وبحق رسول الله صلى الله عليه وآله لما فكه عنه
ففعل. أصحيحة هي أم لا؟.
الجواب: هذه رواية مذكورة ولكنها من أخبار الآحاد وضعيفة لا يقطع
بصحتها.
مسألة: عن قوله تعالى: " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى

(1) - سورة البقرة، الآية: 194.
(2) - سورة الأنعام، الآية: 143 - 144.
(3) - سورة المائدة، الآية: 103.
(4) - لم أجدها بهذا اللفظ.
(5) راجع سفينة البحار 1 / 406
319

ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا " (1) إذا كان
إتيان سنة الأولين وتخويفهم بالعذاب لطفا في هدايتهم وجب في جوده وحكمته
فعله، فما الكلام في ذلك؟.
الجواب (2): في هذه الآية ما ذكر (3) في الآية التي قبلها (4) من
الآيات [من إتيان سنة ظ] اولين لما أظهرها ولم يؤمنوا اقتضت المصلحة
استيصالهم وهلاكهم ولم يفعل بهذه الأمة ذلك لأنه تعالى وعد نبيه بأنه
لا يستأصل أمته ولا ينزل عليهم الهلاك بل يمهلهم إلى يوم القيامة لما فيه من
المصلحة.
مسألة: عن تكرار قصص الأنبياء عليهم السلام في عدة سور من القرآن و
قد [كان] يمكن جمعه في سورة واحدة فما الغرض في ذلك ووجه المراد؟
الجواب: وجه التكرار في ذلك ما فيه المصلحة واللطف وزيادة في
الإفهام، ولهذا يكرر واحد منا القول على غيره إذا قصد إفهامه إذا كان (6) غرضه
إفهامه ولا يكون ذلك هبانا (7) وقد أنشد في ذلك أشعار كثيرة مثل ذلك ليس
هذا موضع ذكرها.
وقبل أيضا إن ربما وقع بعض القرآن إلى قوم دون قوم فقال في مواضع و
كرر لئلا يخلو قوم من علم ذلك.
مسألة: عن قوله تعالى: " يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ " (8)
والحلي زينة للنساء لا للرجل فما الكلام في ذلك؟.
الجواب: قد جرت عادة الملوك والعظماء أن يحلوا بالذهب والدر،
فلذلك عملت الملوك التيجان وطوقوا الأجلاء وأصحاب الجيوش تعظيما لشأنهم،

(1) - سورة الكهف، الآية: 55.
(2) - في نسخة ن: الوجه في هذه...
(3) - في النسختين هكذا: ما ذكرناه في الآية...
(4) - راجع مسألة 96.
(5) - هذه الجملة موجودة في هامش النسختين وأثبتناه في المتن، ومع ذلك العبارة ناقصة كما
لا يخفى.
(6) - كذا.
(7) - كذا.
(8) - سورة الفاطر، الآية: 33 وسورة الحج، الآية: 23.
320

وإنما خص بذلك النساء لمكان الشرع اتباعا للمصلحة (1) فعل لمجرد المسرة
والانتفاع ولا استفساد هناك جاز أن يفعل جميع ذلك في الآخرة لعظم ذلك
في النفوس وميلها إلى أمثاله ومحبتها.
مسألة عن الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له من أجله حتى
تنكح زوجا غيره فيأتي أخا من إخوانه فيقول له حلل لي فلانة، أريد أن أراجعها
فيفعل، أيجوز له أن يرجع إليها وقد جرى التحليل بالاتفاق أم لا يجوز؟ فقد قرأت في بعض
الأصول " أن النبي صلى الله عليه وآله لعن المحلل والمحلل له. " (2).
الجواب: متى شرط على الزوج الثاني أن يطلقها إذا وطأها حتى ترجع
في الأول، كان العقد الثاني فاسدا والوطء حراما ولا تحل للأول.
مسألة: عنه إذا طلق هذه هذا الطلاق، ولقي المرأة بعد مدة فقال لها:
حللي لي نفسك فإني أريد أن أراجعك فقالت قد فعلت، أيقبل قولها بغير بينة أم
لا يقبل إلا بالبينة؟
الجواب: كانت المرأة مأمونة وقالت تزوجت بزوج من غير شرط
طلاق بالغ ودخل بي ثم طلقها أو مات، جاز للأول أن يرجع إليها. وإن كانت
المرأة شرطت عليه طلاقها، كان فاسدا مثل الأول.
مسألة: عن الرجل، يقول لامرأته: أنت طاهر من المحيض؟ فتقول: نعم
فيجئ برجلين فيقول: اشهدا بأن فلانة طالق، فتقول: إني حائض بأي قوليها
يقبل؟ يؤخذ بالأول أم الثاني؟.
الجواب: إذا قالت للشهود: أنا حائض، لم يقع الطلاق، لأنه ينبغي أن
تقر عندهم بأنها طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع.
مسألة: عن الرجل، يبتاع من آخر بهيمة ببهيمة، الشرط بينهما معا ثلاثة
أيام وما الحكم في ذلك؟
الجواب: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام إذا بيع سواء بثمن من الدنانير

(1) - هذه العبارة ناقصة ظاهرا.
(2) - رواه السيوطي في الجامع الصغير 2 / 208 عن مسند أحمد وسنن الترمذي وغيره عن علي
عليه السلام، وراجع سفينة البحار 1 / 299.
321

أو الدراهم أو غيرهما من الأمتعة أو حيوان آخر، فإنه بيع والشرط ثابت فيه.
مسألة: عن الرجل يشارك رجلا في أرضه على أن يزرعها ببذره ويقوم
عليها بنفسه بسهم معلوم فلم تنبت الأرض الزرع في ذلك العام وأنبته في العام
المقبل الثاني بوقوع المطر، فلما بلغ الزرع الارتفاع قال المزارع لصاحبه: أنا
شريكك والغلة بيني وبينك على ما تقدم من الشرط بيننا، فقال صاحب الأرض:
الغلة لي دونك ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إن كان البذر للمزارع كانت الغلة له وعليه أجرة المثل للأرض
وإن كان البذر لصاحب الأرض، كانت الغلة له وكان عليه للمزارع أجرة المثل
مدة ما عمل في الأرض.
مسألة: عن الرجل إذا تزوج المرأة وفرض لها مهرا عاجلا ودخل بها ولم
يدفعه إليها أيسقط دخوله المهر عنه؟! فإني وجدت في كتاب النكاح لمحمد بن
يعقوب رحمة الله إسقاطه (1)، أم هو باق على حاله في ذمته؟.
الجواب: إذا سمى مهرا معلوما ودخل بها كان ذلك ثابتا في ذمته مثل
سائر الديون وذاك الحديث متأول لا يلتفت إليه.
مسألة: عن الرجل يكون في يده مال فيقر على نفسه بأنه لرجل ما، ويشهد
عليه بذلك الشهود فينكر ذلك المقر له ويدفع أن يكون له [ما] الحكم في ذلك؟
الجواب: بإقراره أنه ليس له زال ملكه عنه، والمقر له إذا لم يقبل هذا
الإقرار ترك على يد حاكم أو عدل موثوق به حتى يتبين صاحبه.
مسألة: عن الرجل يقتل الرجل عمدا فيدفع إلى أولياء المقتول ليقيدوه
بصاحبهم فيموت قبل أن يقوم عليه الحد بالقود، ما الحكم في دم المقتول؟
الجواب: إذا مات بعد تمكين الأولياء من قتله سقط القود وبطل دم
المقتول. وقال بعض أصحابنا: تؤخذ ديته من تركته والأول أحوط.
مسألة: عن قول الله تعالى: " وويل للمشركين الذين لا يؤتون زكاة " (2)
والمشركون غير مخاطبين بأداء التكاليف فكيف يتوعدون على ترك الزكاة؟.

(1) - راجع الكافي 5 / 383، باب إن الدخول يهدم العاجل.
(2) - سورة فصلت، الآية: 6.
322

الجواب: عندنا وعند أكثر الفقهاء المشركون مخاطبون بالعبادات، و
هذه الآية دليلنا على ذلك، فما تضمنه السؤال ساقط.
مسألة: عن وصف النبي صلى الله عليه وآله لصاحب الزمان عليه السلام
في أخبار كثيرة يقول في آخرها: " قائمهم أحكمهم أفضلهم ". (1) على من ترجع
الكناية أعلى الشيعة المذكورين أم على من ليس هو بمذكور في الكلام؟ يوضح لنا
ذلك.
الجواب: لأصحابنا فيه تأويلان: أقواهما أن الهاء ترجع إلى أهل زمانه
فكأنه (2) أعلم أهل زمانه وأفضلهم، والثاني أنه أفضل الشيعة (3) أمير المؤمنين
والحسن والحسين عليهم السلام.
مسألة: عن قول الله تعالى أمر لنبيه عليه وآله السلام " فقاتل في سبيل الله
لا تكلف إلا نفسك " (4) ولم نره عليه السلام نازل بطلا ولا قاتل ولو كان منازلا
مقاتلا لكان له قتلى وجرحى كما كان لأمير المؤمنين عليه السلام، والنبي أشجع
من أمير المؤمنين عليه السلام إذا كان فئة لإصحابه. فما هذا القتل المأمور.
الجواب: القتال قد يكون بأن يتولى القتال بنفسه، وقد يكون بأمر أصحابه
وبحثهم عليه كما يقولون: فلان الملك يقاتل فلانا إذا أمر بقتاله أو حضر موضع
القتال، والنبي صلى الله عليه وآله كان حاضرا وكان يحث أصحابه ويبعث
السرايا، وكل ذلك منسوب إليه. وقد قتل يوم بدر أبي بن خلف، رماه بحربته
فخدش جسمه فمات منه.
مسألة: عن قوله تعالى في وصف ملائكة النار: " وما جعلنا أصحاب النار
إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا " (5) ما وجه الفتنة في عدة

(1) - رواه في منتخب الأثر ص 96 عن نفس الرحمن عن مقتضب الأثر وهذا لفظه: تاسعهم
قائمهم إمامهم أعلمهم أحكمهم أفضلهم.
(2) - كذا، والظاهر: فكان.
(3) - كذا والظاهر: شيعة.
(4) - سورة النساء، الآية: 84.
(5) - سورة المدثر، الآية: 31.
323

ملائكة النار الكفار (1)؟ وما وجه الزيادة للمؤمنين في الإيمان؟ يكشف لنا عن
ذلك.
الجواب: الفتنة هي الاختيار والابتلاء، ووجه ذلك في الآية إن الله تعالى لما
ذكر أنه جعل عدتهم - أعني ملائكة النيران تسعة عشر تهزأ المشركون بذلك و
قالوا: ما معنى هذه العدة؟! ولم يجعلهم عشرين! وأي فائدة في ذلك ولم يعلموا
وجه المصلحة فيه، فكان ذلك زيادة في كفرهم وعنادهم فصارت فتنة لهم،
والمؤمنون سلموا الأمر إلى الله وقالوا: الله أعلم بالمصلحة في ذلك لأنه حكيم
لا يفعل إلا ما فيه وجه الحكمة وإن لم نعلمه مفصلا فكان ذلك زيادة في
إيمانهم.
مسألة: عن الرد على المعتزلة في الشفاعة وتعلقهم بهذه الآية من كتا ب
الله: " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة
ولا هم ينصرون " (2) ما الكلام معهم في ذلك على الاختصار؟.
الجواب: الوجه في هذه الآية وغيرها أن تقول إن ذلك مختص بالكفار،
فإن الكفار لا تنفعهم الشفاعة، لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يشفع لهم، فأما
المؤمنون فإنها تنفعهم ولا خلاف أن هاهنا شفاعة نافعة للمؤمنين، فمن خالفنا في
الوعيد يقول تكون الشفاعة في زيادة المنافع، ونحن نقول في إسقاط العقاب لأنها
هي الحقيقة في ذلك، وهي مجاز في زيادة المنافع، ولقول النبي صلى الله عليه
وآله: " أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " (3).
مسألة: عما ورد من الأخبار عن الأئمة ما يجرئ على معصية الله وما يؤيس
من رحمة الله، كيف يجمع بينهم مع تنافيهم وبعد ما بينهم ما الكلام في ذلك؟
الجواب: ليس في شئ من أخبار ما يجرئ على معصية الله وما يؤيس
من رحمة الله بل حكم الأخبار حكم ظواهر القرآن، فيها وعد بالثواب والتفضل

(1) - للكفار. ظ.
(2) - سورة البقرة، الآية: 123.
(3) - نور الثقلين 3 / 424 نقلا عن كتاب التوحيد للصدوق، ولفظه هكذا: إنما شفاعتي...
324

وفيها تهديد بالعقاب والزجر، وكل واحد منها (1) في موضعه لأنا لا نقطع على
سقوط العقاب على كل حال من غير توبة وإنما نجوزه فلا يكون في ذلك أمان من
العقاب فيكون تجرئة على المعاصي ولا قطعا على العقاب فيكون يأسا من
رحمة الله تعالى.
مسألة: عما ورد عن الصادق عليه السلام من الأخبار مما يلائم مذهب
المعتزلة في التحابط بين الطاعات والمعاصي فما هو مذهب العصابة.
فمن ذلك ما روى عنه عليه السلام في تفسير قوله تعالى " وقدمنا إلى ما
عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (2) فقال: " أما والله لقد كانوا يصلون أما والله
لقد كانوا يصومون ولكن كانوا إذا عرض عليهم الحرام أخذوه " (3).
وقوله عليه السلام في خبر آخر: " إذا كان يوم القيامة يقدم قوم على الله
فلا يجدون لهم حسنات، فيقولون: إلهنا وسيدنا ما فعلت حسناتنا؟ فيقول تعالى:
أكلتها الغيبة، إن الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. " (4)
ما الكلام في ذلك؟ تفسره لنقف عليه.
الجواب: هذه أخبار آحاد لا ترد لها أدلة العقول الدالة على بطلان
التحابط.
ولو صحت لتأولناها كما نتأول ظاهر القرآن لتلائم أدلة العقل فيكون قوله:
" فجعلناه هباء منثورا " معناه حكمهم بذلك لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه
المأمور به فلم يستحقوا ثوابا، لا أنه حصل الثواب ثم زال، ويكون قوله " لقد
كانوا يصومون ويصلون " محمولا على أنهم كانوا يفعلون ذلك على خلاف الوجه
المأمور كما يفعله رهبان النصارى وعباد اليهود فلا ينفعهم مع فعلهم ما حرم الله
عليهم من تكذيب النبي صلى الله عليه وآله لأنه إذا كان ذلك كفرا دل على [أن]

(1) - كذا
(2) - سورة الفرقان، الآية: 23.
(3) - نور الثقلين 4 / 9 رواه عن تفسير على ابن إبراهيم عن الباقر عليه السلام.
(4) - مستدرك الوسائل 2 / 107 نقلا عن الشيخ المفيد في الروضة وفيه " الحلفاء " مكان
" الحطب ".
325

ما فعلوه لم يكن واقعا على وجه القربة.
والخبر الآخر قوله. " أكلت الغيبة حسناتكم ".... المعنى فيه أنه إذا فعل
إنسان طاعة وذكر أن غيره ليس يفعل ذلك صار بذلك مغتابا له وموقعا لفعله على
وجه الرياء فلذلك لم يستحق عليها الثواب لا أن الثواب كان حاصلا فأزالته الغيبة.
مسألة: عن نطق الجوارح يوم القيامة. أهو على الحقيقة أو المجاز؟ فإن
كان ذلك مجاز فعن أي شئ عبر عنه إذا كان المجاز إنما هو عبارة عن
الحقائق، لا زال لأهل الدين مفزعا وموئلا وللمشكلات مبينا وموضحا.
الجواب: قيل في نطق الجوارح [وجوه]
قال قوم إن الله يبنيها بنية حي لها آلة الكلام فتنطق.
والثاني إن الله تعالى يفعل فيها الكلام كما يفعله في الهواء وفعله في
الشجر لما خاطب موسى، وأضاف إلى الجارحة مجازا لما كان فيها.
والثالث إنه يظهر منها أمارات تدله على ما فعله من المعاصي. ليفرق
الملائكة بينهم وبين غيرهم كما قال: " يعرف المجرمون بسيماهم " (1) وكما
يقال: عيناك تشهد بتشهدك قال الشاعر:
وقالت له العينان سمعا وطاعة.
وذلك مشهور من كلام العرب.
مسألة: عن قول ابن آدم المقتول لأخيه القاتل: " إني أريد أن تبوء بإثمي
وإثمك " (2) ما مراده باجتماع الآثمين:؟.
الجواب: أراد بإثمي الذي فعلته من القتل وأضافه إلى المفعول به و
إثمك الذي انفردت به من غير ذلك فأضافه إلى الفاعل ولا تنافي بينهما.
مسألة: عن قوله تعالى: " خلق الإنسان من عجل " (3) والعجل
أعراض (4) والأعراض لا يخلق منها الأجسام، فما معنى ذلك؟

(1) - سورة الرحمن، الآية: 41.
(2) - سورة المائدة، الآية: 29.
(3) - سورة الأنبياء، الآية: 37.
(4) - والعجل عرض. ظ.
326

الجواب: معنى الآية ما ذكره في آية أخرى من قوله: (وخلق الإنسان
عجولا) (1) وإذا كان في طبع (2) العجلة فكأنه خلق منها ولم يخلق من غيرها و
يكون ذلك مجازا.
مسألة: عن قولهم. " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم " (3) كيف نفى عنهم
القتل وسيوفهم ورماحهم كانت مناياهم.
الجواب: إنما أضاف إلى نفسه لما كان بإقداره وتمكينه والتخلية بينهم و
أمره إياهم بذلك وحثهم عليه، ومثله قوله تعالى " وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى " (4) والمعنى ما قلناه، كما يقول القائل لغلامه إذا فعل فعلا كان أمره به ما
فعلت أنت بل أنا فعلت حيث أمرتك به وحثثتك عليه.
مسألة: عن قوله. " جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر
الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا إن الله يعلم ما في السماوات و
ما في الأرض ". (5)
الجواب: جعل الله الكعبة قياما للناس تابعا لما علم من مصالحهم
وألطافهم، وكذلك تحريمه الشهر الحرام، وأمره بالهدي والقلائد وذلك لا يعلمه إلا
علام الغيوب الذي يعلمها لنفسه، فإن العالم بعلم (6) لا يعلم ذلك وإذا كان عالما
لنفسه وجب أن يكون عالما بجميع المعلومات، لأنه لا اختصاص فيها بمعلوم دون
معلوم، فعند ذلك يعلم جميع ما في السماوات والأرض وما هو خارج عنهما و
ما لم يوجد بعدو ويصح قوله تعالى: " وأن الله بكل شئ عليم " (7).
مسألة: عن إبليس لعنه الله، ما الذي ألزمه السجود لآدم، والأمر بذلك
إنما توجه إلى الملائكة وليس من قبيلهم في شئ.
الجواب: ظاهر مذهب أصحابنا أن إبليس كان من جملة الملائكة وإنما

(1) - سورة الإسراء، الآية: 11، والآية هكذا: وكان الإنسان عجولا.
(2) - سورة الإسراء، الآية: 11، والآية هكذا: وكان الإنسان عجولا.
(3) - سورة الأنفال، الآية: 17.
(4) - سورة الأنفال، الآية: 17.
(5) - سورة المائدة، الآية: 97.
(6) - في الأصل: فإن العالم يعلم يعلم ذلك.
(7) - سورة المائدة، الآية: 97.
327

عصى بترك السجود، وليس جميع الملائكة معصومين، بل نقطع على أن الرسل
منهم كذلك والباقي يجوز عليهم الخطأ، وهو مذهب كثير من المفسرين والعلماء.
ومن قال لم يكن من الملائكة يقول: كان من جملة المأمورين بالسجود
لآدم كالملائكة فلذلك (1) استثناه ويكون هذا استثناء منقطعا كما يقال: ما في
الدار أحد إلا وتد وكما قال:
وبلدة ليس لها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس
مسألة: عن قوله في التفاضل بين أولى العزم من الرسل وبين أئمتنا عليهم
السلام أجمعين، فإني وجدت أقوال أصحابنا في ذلك مختلفة.
الجواب: هذه المسائل فيها خلاف بين أصحابنا، منهم من يفضل الأئمة
على جميع الأنبياء عليهم السلام، ومنهم من يفضل عليهم أولوا العزم، ومنهم من
يفضلهم عليهم، والأخبار مختلفة (2) والعقل لا يدل على شئ منه، وينبغي أن
نتوقف في ذلك، ونجوز جميع ذلك.
مسألة عن رجل اجتمع عليه حجتان حجة نذر وحجة الإسلام بأيهما
يبدأ؟.
الجواب: يبدأ بحجة الإسلام ثم بالنذر.
مسألة: عن الذمي إذا لاقى مياه الآبار بجسمه أو أرسل فيها دلوا ما الحكم
في ذلك؟.
الجواب: المشرك والذمي إذا لاقى بجسمهما في البئر أو مس الدلو وهو
رطب وأرسله إلى البئر نجس الماء، ولا يجوز استعماله، ويجب نزح جميع الماء
احتياطا، فإن كثر ينزح يوما كاملا.
مسألة: عن المرأة إذا طلقت وهي حامل وولدها في جوفها فلم تضعه متى
تخرج من عدتها؟.
الجواب: لا تخرج من عدتها حتى تضع، لأنه وإن أبطأ لا يلبث فيه

(1) - فلذلك. ظ.
(2) - راجع أوائل المقالات للمفيد ص 42 وذيله.
328

كثيرا، ولا بد من أن تضع أو يقتلها. (1)
مسألة: عن الحائض والنفساء إذا خالطتا مياه الآبار بأجسامهما، أيكون
حكمهما حكم الجنب؟ ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إن كان جسمهما طاهرا لا ينجس الآبار، لأن الأصل الطهارة
ولا نص في ذلك، وحمله على الجنب قياس لا يعول عليه.
مسألة: عن الرواية المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" أعلنوا هذا النكاح (2) واضربوا عليه بالدف "! (3) أقال ذلك أم لم يقله؟.
الجواب: الإعلان مستحب بلا خلاف، وضرب الدف إذا كان خاليا من
غناء وفحش ولم يختلط الرجال بالنساء رخص على كراهية فيه.
مسألة: عما ذكره المرتضى رضي الله عنه في كتاب " جمل العلم
والعمل " في العوض و " أنه منقطع لأنه يجري مجرى المثامنة والأرش " (4) إذا
انقطع هذا الثواب المفعول للأعواض فما يفعل مع الأعواض (5) بعد ذلك؟.
الجواب: إن كان هذا المعوض مثابا أدام الله ثوابه وتفضل عليه في كل
حال بمثل العوض، وإن كان غير مكلف، في الناس من قال: إن الله يديم العوض
تفضلا، ومنهم من قال يصيرون ترابا فعند ذلك يتمنى الكافر لو صار ترابا كما
قال الله تعالى: " ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا " (6).
مسألة: عن إخبار الهدهد لسليمان عليه السلام في قصة بلقيس وقوله
" إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ، ولها عرش عظيم وجدتها وقومها
يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم
لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض " (7) وهذا

(1) - كذا.
(2) - في نسخة ن: النجاح.
(3) - رواه السيوطي في الجامع الصغير 1 / 78 عن سنن الترمذي، ولم أجده في جوامع حديث
الشيعة.
(4) - جمل العلم والعمل ص 35.
(5) - كذا. ولعل الصحيح: مع المعوض.
(6) - سورة النبأ، الآية: 40.
(7) - سورة النمل، الآية: 23.
329

الكلام كلام عارف بالله تعالى، والمعرفة به سبحانه إنما تحصل للعقلاء البالغين
على طريق الاستدلال، والطيور والبهائم لا عقول لهم فيسلكون الاستدلال فما
تأويل هذا الكلام ومعناه؟.
الجواب: لأهل التأويل فيه قولان:
أحدهما أنه لا يمتنع أن يكون الله أكمل عقل ذلك الهدهد ومكنه
في النظر فاستدل وعرف الله على ما ذكره، فإن كمال العقل لا يحتاج إلى بنية
الإنسانية وقد روي " أن في الملائكة من هو على صورة (1) شئ من الحيوان ". و
يكون ذلك معجزا لسليمان.
والثاني أن يكون ظهر (2) من الهدهد أمارات دلت على ذلك كما سئل
قيل للأرض (3): من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟ فإن لم
تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. وقال الشاعر: وامتلأ الحوض وقال قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني
وإنما ظهرت أمارات دلت على ذلك.
مسألة: عن الرجل يمر بالكروم والمباطخ والمباقل، أيجوز له أن يأكل
منها ولا يفسد ولا يحمل كما يجوز ذلك في النخل أم لا؟
الجواب: الرخصة في الثمار من النخل، وغيره لا يقاس عليه، لأن الأصل حظر
استعماله مال الغير.
مسألة: عن قوله تعالى آمرا لنبيه عليه السلام: " قل لا أجد في ما أوحي
إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه
رجس أو فسقا أهل لغير الله به " (4) فكيف يجمع بين هذا النفي المتضمنة الآي و
وبين ما استقر في الشرع من الحكم بتحريم أعيان من الحيوان؟.
الجواب: هذا عموم ويجوز أن يختص بأدلة تدل على تحريم أشياء غير

(1) - كذا.
(2) - كذا.
(3) - كذا ولعل الصحيح: كما قيل سل الأرض: من شق...
(4) - سورة الأنعام، الآية: 145.
330

المذكور فإنه لا خلاف أن هاهنا أشياء كثيرة غيرها محرمة فلا بد من التخصيص.
مسألة: عن قوله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء
حجاب) (1) والحجاب لا يجوز على الله تعالى لأنه من وصف المتحيزات فما معنى
ذكره هنا؟.
الجواب: الحجاب المذكور لم يقل أنه يكون لله، بل المعنى أن يكون
الكلام من وراء حجاب بأن يسمعه ولا يعلم القائل له، أو وحيا بأن يشافهه الملك،
أو يرسل رسولا فيؤدي كلامه إلى من بعثه إليه.
مسألة: عن قوله تعالى: " وأقيموا الشهادة لله " (2) وفي آية أخرى:
" كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (3) و
معلوم من جهة الشرع أن شهادة الولد على أبيه غير جائزة فكيف يأمر بإقامة شهادة
لا تجوز؟
الجواب: [أمر] في هذه الآية بإقامة الشهادة قربة إلى الله وابتغاء ما عنده
وعلى كل من كانت الشهادة من النفس أو الوالد والأقربين تعظيما لأمره لأنه إذا
وجد إقامتها على هؤلاء فعلى الأجنبي أولى، والشهادة على النفس تكون إقرارا، و
مخالفونا يستدلون بالآية على جواز قبول الشهادة على الوالدين، فأما نحن وإن قلنا:
لا تقبل شهادة الولد على والده، فإنه يجوز أن تكون تجب الإقامة وإن لم تجب
على الحاكم قبولها إذا عرض عارض يمنع من قبولها، كما تجب رد شهادة كثير من
الناس وإن لم يسقط عنهم إقامتها كالزوجة والشريك وغير ذلك إلى (4) قوله:
" كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ". (5)
مسألة: عن الزوجين، إذا اختلفا في العقد، فادعى أحدهما نكاح الغبطة
وادعى الآخر نكاح المتعة، ولا بينة لأحدهما، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: على العقد الصحيح، فمن ادعى المتعة كان عليه البينة وعلى

(1) - سورة الشورى، الآية: 52.
(2) - سورة الطلاق، الآية: 2.
(3) - سورة النساء، الآية: 135.
(4) - كذا، ولعل الصحيح: نظرا إلى قوله.
(5) - سورة النساء، الآية: 135.
331

المنكر اليمين، لأنه إذا ادعى الزوج المتعة فهو مدع، يريد أن يسقط عنه حقوقا من
نفقة وميراث وغير ذلك، وإذا ادعت المرأة فهي مدعية أنها تملك نفسها بغير
طلاق وأن الرجل لا يرثها، فيجب كذلك (1) ما قلناه.
مسألة: عن رجل كفل رجلا مريضا مغتوبا (2) عن أهله وأنفق عليه،
ولما توفي كفنه ثم جاء من بعد ذلك إلى ورثته وطلب منهم ما أنفق عليه وثمن
كفنه، فقالوا له، أنت أنفقت عليه متبرعا متطوعا ولم يأمرك بذلك منا آمر ولا
دعاك إليه داع فلا شئ [لك] في ذلك قبلنا، فما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إن قامت له بينة بأنه أنفق عليه بأمره ومسألته وأنه أمره بتكفينه
ومواراته وجب على ورثته القضاء عنه من تركته، وإن لم يثبت ذلك كان ذلك
تبرعا، لأنه مدعى الضمان، بل يلزم الورثة اليمين أنهم لا يعلمون أن المتوفى
أمرهم (3) بذلك.
مسألة: عن رجل يعير رجلا حليا أو غيره ليرهنه ويأخذ عليه مالا ويستدين
دينا فيمضي المعار [كذا] فيرهنه عند بعض الناس على مال ما، ثم إن المعير يبدو له في
ذلك فيطالبه به ويطالب المسترهن أيضا، أفله استرجاءه وأخذه من عند المسترهن
أم يبقى على حاله رهنا حتى يفك مما عليه؟.
الجواب: إذا كان قد أذن له في إرهانه ليس له الرجوع فيه حتى يفك
مما عليه، وإن لم يأذن له في إرهانه له أن يأخذ عاريته من عند من هو في يده،
ويرجع ذلك على الذي أرهنه بما عليه.
مسألة: عن المرأة إذا بدأت في غسل ذراعيها عند الوضوء بالظاهر منهما،
والرجل إذا بدأ بالباطن، ما الذي يجب عليهما.
الجواب: وضوء هما صحيح، لأن ذلك من الآداب لا الواجبات.
مسألة: عن المصلي، إذا قرأ في فرائضه بسورة واحدة غير " ألم ذلك
الكتاب " أو سورتين وترك قراءة " أم الكتاب " ولم يقرأها فيما يقرأ فيه الحمد و

(1) - لذلك. ظ.
(2) - كذا، ولعل الصحيح: مغتويا أو مغتربا.
(3) - أمره. ظ.
332

سورة، ما الذي يجب عليه ويلزمه في ذلك؟.
الجواب: إذا لم يقرأ سورة الحمد كانت صلاته فاسدة، ويجب عليه
إعادتها.
مسألة: عن تسبيح الجبال مع داود كان كتسبيحه أم كان بغير ذلك، و
إنما سمى تسبيحا على المجاز.
الجواب: يجوز أن يكون تسبيحا على الحقيقة فعل الله فيها الكلام حتى
سمع، كما سبح الحصى في يد النبي مثل ذلك، ويكون ذلك معجزا له، ويجوز
أن يكون ظهر (1) فيها أمارات دلت على ذلك فسمي تسبيحا مجازا.
مسألة: عن قوله تعالى لنبيه عليه السلام: " وأسأل من أرسلنا قبلك من
رسلنا أجعلنا من دون الرحمان آلهة يعبدون " (2) ما حاجة النبي إلى هذا السؤال.
ولم أمره سبحانه بذلك؟.
الجواب: قيل: إن المشركين قالوا: إن الأنبياء الذين تقدموا أمروهم
بعبادة الأصنام، فأمره الله تعالى أن يسأل الأنبياء المعراج حيث رآهم في
السماء مصداق قولهم ليكون ذلك حجة على أولئك، لا أن النبي كان شاكا في
ذلك، بل ليكذبهم الرسل الذين أضافوا إليهم ذلك، ويكون ذلك كما قال تعالى
لعيسى: " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إليهن من دون الله " (3) وإن كان الله
عالما بأنه لم يأمر بذلك ولم يقله.
مسألة: عن قوله تعالى: " ومن دونهما جنتان مدهامتان " (4) الجنتان
اللتان هما دون الجنة والنار؟.
الجواب: قد بين الله تعالى أوصافهما بأن قال: " مدهامتان فيهما عينان
نضاختان فيهما فاكهة ونخل ورمان " ثم قال: (فيهن) يعني قال فيها وفي الجنة
الأولى (خيرات حسان...) (5) وما بعده من الأوصاف.

(1) - كذا.
(2) - سورة الزخرف، الآية: 45.
(3) - سورة المائدة، الآية: 116.
(4) - سورة الرحمن، الآية: 62.
(5) - سورة الرحمن، الآية: 62 - 77.
333

مسألة: عن أكل النبي صلى الله عليه وآله من الذراع المسموم وهي شاة
ذبحت على ملة اليهود، ما العلة في ذلك؟.
الجواب: يجوز أن يكون قبل تحريم ذبائح اليهود وإنما حرم فيما بعد و
نسخ، لأن ذلك كان في سنة سبع، فلا يمتنع أن يكون نسخ بعد ذلك.
مسألة: عن رجل مات وترك أولادا، فجاء رجل فادعى على والدهم أنه
ابتاع منه بعض ضياعه وسمى اقرجة (1) منها وأخرج عليه كتابا فيه شهادة شهود
عدول، وجاء رجل آخر فادعى أنه ابتاع منه اقرجة المشتراة بعينها وأظهر بها كتابا
فيه شهادة شهود عدول، وتاريخ الكتابين على السواء والتماثل ولا يتقدم أحدهما
على الآخر ما الحكم في ذلك؟.
الجواب: إذا تساوى الكتابان في الشهود والعدد والعدالة تحالفا وسقطا
ورجع إلى قول الورثة فإن أقروا لبعضهم حكم به، وإن جحدوا ذلك كان
ملكا لهم، لأن مع ذلك البينة على الميت يحتاج أن يحلف المدعي وههنا ما تعين،
إن قلنا إنه يقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف مع بينته جاز ذلك أيضا.
مسألة: عن المصلي إذا لم يعتدل في ركوعه أو لم يتعلق في سجوده يوجب
ذلك عليه إعادة صلاته؟
الجواب: لا يجب عليه إعادة الصلاة، لأن ذلك من آداب الصلاة وسننها
لا من واجباتها.
مسألة: عنه إذا رفع رأسه من الركوع ولم يستو منتصبا ما الذي يجب عليه؟.
الجواب: هذه المسألة مثل الأولى سواء، لأن رفع الرأس قليله يجزئ فإن
لم يرفع شيئا أصلا بطلت صلاته.
مسألة: عن ولي المقتول عمدا إذا عفا عن القاتل ثم قتله بعد ذلك العفو
وأخذ الدية؟!.
الجواب: إذا فعل ذلك كان ظلما وعليه القود والديه على ما يصطلحان.
مسألة: عن رجل مات وترك مالا وأولادا وترك امرأة حبلى، للأولاد
أن يقتسموا المال ولا ينتظروا وضع المرأة الحمل أم ليس لهم ذلك حتى تضع فإن

(1) - كذا.
334

كان حيا قاسمهم؟.
الجواب: يجوز للورثة القسمة ولكن يوقف نصيب الحمل أكثر ما جرت به
العادة بولادة مثله من ذكرين، وإن قسموا وضمنوا نصيب الحمل وكانوا مليا كان
أيضا جائزا.
مسألة: عن الملكين هاروت وماروت علما السحر كما نطق ذلك
بظاهري (1) الآية من القرآن. فإن كان ذلك فهذا مناف لعصمتهما وإن كان
تأويل الآي بخلاف تنزيله فما ذلك التأويل؟.
الجواب: الآية فيها تأويل طويل لا يحتمله ههنا ذكرناه في التفسير (2)
غير أني أذكر جملة منه: قال قوم: إن السحر لم يعلمه الملكان بل الشياطين علموا
الناس كما قال تعالى: " ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل
على الملكين " (3) ذلك نفيا عن الملك. وقال قوم: الملكان علما السحر وأمرا
الناس باجتنابه وترك علمه لأن النهي عن تحريم (4) الشئ وإيجاب تركه تابع
العلم وذلك جايز.
مسألة: عن قول الله تعالى: " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " (5).
أهو دعاء الطلب والسؤال أم هو دعاء الشرك معه إلها آخر تعالى الله عما
يشركون؟.
الجواب: هو دعاء للطلب والانقطاع إلى الله تعالى على وجه العبادة
فكأنه أراد: إنما خلقكم لتعبدوه وتنقطعوا إلى دعائه ومسألته كما قال: " وما
خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (6).
مسألة: عن رجل استرهن من رجل ضيعة على مال معلوم واشترط عليه إن

(1) - كذا، ولعل الصحيح: كما نطق بذلك ظاهر الآية من القرآن.
(2) - راجع التبيان 1 / 374.
(3) - سورة البقرة، الآية: 102.
(4) كذا، ولعل الصحيح: لأن النهي عن الشئ وتحريمه وإيجاب...
(5) - سورة الفرقان، الآية: 77.
(6) - سورة الذاريات، الآية: 56.
335

هو جاء (1) بالمال عند حلول انقضاء مدة الرهن (2) وحصلت الضيعة متباعة له بما
عليها من المال، أيصح ذلك أم لا؟.
الجواب: إذا كان الشرط منفصلا عن العقد لزمه الوفاء وإن كان متصلا
بالعقد بطل العقد (3).
مسألة: عن الكلب إذا كان مبتلا جسمه وتنفض فوقع ما ينفضه في بئر،
ما الذي يطهرها؟ وكم مقدار ما ينزح منها؟.
الجواب: يستقى ما يستقى لوقوع الكلب وخرج حيا وهو سبع.

(1) - كذا، ولعل الصحيح: ما جاء.
(2) - كذا، والظاهر زيادة الواو.
(3) - راجع المبسوط 2 / 244.
336