الكتاب: جامع الخلاف والوفاق
المؤلف: علي بن محمد القمي
الجزء:
الوفاة: ق ٧
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع:
المطبعة: پاسدار إسلام - قم
الناشر: انتشارات زمينه سازان ظهور إمام عصر (عج)
ردمك: ٩٦٤-٩١٢٤٧-٤-٨
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
1

جامع الخلاف والوفاق
بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق
تأليف: الشيخ علي بن محمد بن محمد القمي السبزواري
من أعلام القرن السابع
تحقيق: الشيخ حسين الحسني البيرجندي
3

القمي السبزواري، علي بن محمد، قرن 7 ق.
جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق / تأليف علي بن
محمد بن محمد القمي السبزواري، تحقيق: حسين الحسني البيرجندي - قم،
انتشارات زمينه سازان ظهور إمام عصر (عج)، 1379.
632 ص 25000 ريال 8 - 4 - 91247 - 964: ISBN
فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا -
عربي
كتابنامه به صورت زير نويس -
1. فقه تطبيقي - ألف - حسني بيرجندي، حسين، 1321 - محقق - ب - عنوان
2 ج 8 ق / 7 / BP 169 - 324 / 297
كتابخانه ملي إيران: 4822 - 79 م
جامع الخلاف والوفاق
بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق
تأليف: علي بن محمد بن القمي السبزواري
تحقيق: حسين الحسني البيرجندي
الطبعة: الأولى
المطبعة: پاسدار إسلام، قم
الكمية: 1000 نسخة
السعر: 2500 تومان
حقوق الطبع محفوظة
شابك: 8 - 4 - 91247 - 964
8 - 4 - 91247 - 964: ISBN
4

مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين الأطهار.
علم الخلاف:
لا يخفى أن اختلاف النظر في كل علم من العلوم أمر طبيعي، ومنه اختلاف أنظار الفقهاء
وفتاويهم في الفقه، والطرق في إثبات الحكم الشرعي.
وقد كتبوا في الخلافيات كغيرها من موضوعات الفقه، وهذا بعض ما وجدنا من تلك
الكتب ها هنا ورتبناه على حسب التسلسل الزمني:
1 - اختلاف الفقهاء للطبري المتوفى سنة 310.
2 - 4 - اختلاف العلماء، الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، الإشراف على
مذاهب أهل العلم، وجمعها لابن المنذر النيسابوري المتوفى سنة 318.
5 - اختلاف الفقهاء للطحاوي المتوفى سنة 321.
6 - التجريد للقدوري الحنفي المتوفى سنة 428.
7 - تأسيس النظر للدبوسي الحنفي المتوفى سنة 430.
8 - الخلافيات للبيهقي الشافعي المتوفى سنة 458.
9 - الخلاف أو مسائل الخلاف لأبي جعفر الطوسي شيخ الإمامية المتوفى سنة 460.
10 - الوسائل في فروق المسائل لابن جماعة الشافعي المتوفى سنة 480.
11 - مختصر الكفاية للعبدري الشافعي المتوفى سنة 493.
5

12 - حلية العلماء في اختلاف الفقهاء للشاشي الشافعي المتوفى سنة 507.
13 - منظومة النسفي الحنفي المتوفى سنة 537.
14 - الطريقة الرضوية لرضي الدين السرخسي الحنفي المتوفى سنة 544.
15 - مختلف الرواية للسمرقندي الحنفي المتوفى سنة 552.
16 - الإشراف على مذاهب الأشراف لابن هبيرة الحنبلي م 555.
17 - تقويم النظر للدهان الشافعي المتوفى سنة 589.
18 - جامع الوفاق والخلاف. هذا الكتاب من أعلام ق 7.
19 - عمدة الطالب لمعرفة المذاهب للسمرقندي السخاوي المتوفى سنة 721.
وسيأتي ذكر بعضها الآخر قريبا في كلام ابن خلدون.
والخلافيات والفقه المقارن على نمطين. فتارة يكتفي المؤلف من مقارنة الفتاوى والأقوال
بعضها ببعض كما عليه بعض كتب المعاصرين، وتارة يضيف إلى ذلك مقارنتها بأدلتها
الشرعية من القرآن والحديث وغيرهما حتى يتبين من هذه المقارنة أقرب الأقوال إلى
الصواب. وهذا هو النهج الذي سار عليه عامة المتقدمين.
قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ج 3 ص 1066 في العنوان الخامس عشر من الباب
السادس ما ملخصه:
" وأما الخلافيات فاعلم أن هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثر فيه الخلاف بين
المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافا لا بد من وقوعه لما قدمناه، واتسع ذلك في الملة
اتساعا عظيما، وكان للمقلدين أن تقلدوا من شاءوا منهم، ثم لما انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة
من علماء الأمصار وكانوا بمكان من حسن الظن بهم، اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من
تقليد سواهم، لذهاب الاجتهاد، لصعوبته وتشعب العلوم التي هي مواده، باتصال الزمان
وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة.
وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه في مسائل الشريعة كلها وفي
كل باب من أبواب الفقه، فتارة يكون الخلاف بين الشافعي ومالك، وأبو حنيفة يوافق
أحدهما، وتارة بين... وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ الأئمة ومثارات اختلافهم ومواقع
اجتهادهم.
وكل هذا الصنف من العلم يسمى بالخلافيات... وهو لعمري علم جليل الفائدة في
6

معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم.. وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية لأن
القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النظر والبحث،
وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر.
وللغزالي فيه كتاب المآخذ، ولأبي زيد الدبوسي كتاب التعليقة، ولابن القصار المالكي
عيون الأدلة، وقد جمع ابن الساعاتي في مختصره في أصل الفقه جميع ما يبنى عليها من الفقه
الخلافي، مدرجا في كل مسألة ما يبنى عليها من الخلافيات ".
ولاحظ ما يأتي في عنوان مصادر الكتاب مما يرتبط بمعنى الفقه المقارن.
هذا الكتاب:
من المؤسف أن الورقة الأولى من الكتاب قد سقطت بما فيها جزء من مقدمة المؤلف،
وقال فيما بقي من المقدمة: " [وقد رأيت كتبا] في الخلاف بين المذاهب فمن يطالعها يقف على
الخلاف ولم يقف على الوفاق، وليس لهم كتاب يشتمل على هذا الوصف كما لغيرهم من الحنفية
والشافعية، وقد تطاولت الأيام وتمادت الأعوام حتى بلغت من السنين سبعين وزيادة، ولم
أقف على كتاب فيه هذه الفائدة، فشرعت في جمع هذا الكتاب مستعينا بالله الذي نطلب منه
السداد والصواب، فكتبت هذا القسم من أوله إلى آخره كتابا بعد كتاب وفصلا بعد فصل
ومسألة بعد مسألة، وذكرت عند كل مسألة من خالفها وخلافه، وكان همي أن اقتصر على
ذكر خلاف أبي حنيفة والشافعي..... إلا أني رأيت مسألة خالف فيها أبو حنيفة فقلت: خلافا
له، وأخرى خالف فيها الشافعي فقلت: خلافا له، وأخرى كانا يوافقان فيها وخالف غيرهما
فقلت: وفاقا لهما وخلافا له، وذكرت في أول الكتاب! خلاف أحدهما وأهملت وفاق الآخر،
اعتمادا على فهمه منه، وتغير همي من ذلك فتركزت خلافه ووفاق الآخر، وألحقت بكل فصل
من فصوله من المسائل ما لم يذكره المصنف والحاجة ماسة إلى ذكرها، وكان مرجعي في تعيين
المخالف إلى مسائل الخلاف للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه، ولم اقتصر عليه بل راجعت إلى
كتب الحنفية والشافعية فإن وافقها كتبت وإن خالفها قلت في النافع والقدوري أو البداية
للحنفية كذا، وفي الهادي أو الوجيز أو الخلاصة للشافعية كذا، وإن رأيت مسألة تخالف ما في
الغنية قلت: وفي الخلاف للشيخ كذا، فصار هذا الكتاب كاملا في الفقه، حاويا لمذهب أهل
البيت وأبي حنيفة والشافعي وغيرهما رضوان الله عليهم أجمعين، وشرحا للقسم الثالث من
7

الكتاب المذكور، فمن طالعه عرف المذاهب الثلاثة وغيرها.
وسميته كتاب جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق، وأعني
بأئمة الحجاز الشافعي وأصحابه، وبأئمة العراق أبا حنيفة وأتباعه ".
وقال المؤلف في خاتمة الكتاب: " هذا آخر ما قصدناه من تأليف هذا الكتاب في إيراد
أقوال المخالفين لنا وأساميهم في كتاب فروع الفقه من غنية النزوع إلى علم الأصول والفروع،
وأهمل صاحبه روح الله روحه وأدام عليه غبوق الروح وصبوحه ذكر أساميهم وأقوالهم في
مذاهبهم، وقد احتج عليهم، وألحقنا بكل باب وفصل من كتبه وفصوله ما لم يذكره من المسائل
التي تمس [ظ] الحاجة بذكرها والخلاف فيها ".
اسم الكتاب وهدفه
واسمه كما ذكره المؤلف في المقدمة: " جامع الخلاف والوفاق، بين الإمامية وبين أئمة
الحجاز والعراق ".
وأما هدفه فقد ذكر المؤلف أن الكتب المدونة في الخلاف عند الإمامية كانت تقتصر على
الخلاف دون الوفاق فأراد بهذا الكتاب أن يذكر الخلاف والوفاق معا إضافة إلى الاستدلال
على ترجيح ما انتخبه، واهتم بذكر آراء المذاهب الثلاثة: الإمامية والشافعية والحنفية، ولم
يتعرض لغيرها إلا قليلا.
ترتيب الكتاب
أما ترتيب الكتاب فقد اقتفى أسلوب ابن زهرة في كتاب الغنية ونقل معظم عبارات
الكتاب مع زيادة بيان وتوضيح واستدراك من سائر الكتب وخاصة مسائل الخلاف للشيخ
الطوسي، لذلك ذكر في المقدمة والخاتمة عدم تعرض صاحب الغنية ذكر آراء المخالفين
وأساميهم والموافقين من السنة، ثم قال: " فصار هذا الكتاب كاملا في الفقه، حاويا لمذهب
أهل البيت وأبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وشرحا للقسم الثالث من الكتاب المذكور -
يقصد الغنية - فمن طالعه عرف المذاهب الثلاثة وغيرها ".
يشتمل كتاب الغنية لابن زهرة الحلبي (قدس سره)، المتوفى سنة 585، على أقسام ثلاثة: الأول:
علم الكلام، والثاني أصول الفقه، والثالث: فروع الفقه والأحكام الشرعية، فهذا الكتاب
8

شرح للقسم الثالث، لذلك كتب بعض من كان بحوزته هذا الكتاب كتب على ظهر الكتاب:
" شرح غنية ابن زهرة المسمى بجامع الخلاف والوفاق "، وذكر المصنف أيضا في نهاية الكتاب:
" هذا آخر ما قصدناه من تأليف هذا الكتاب في إيراد أقوال المخالفين لنا وأسمائهم في كتاب
فروع الفقه من غنية النزوع إلى علم الأصول والفروع وأهمل صاحبه... ذكر أساميهم
وأقوالهم في مذاهبهم وقد احتج عليهم، وألحقنا بكل باب وفصل من كتبه وفصوله ما لم يذكره
من المسائل التي تمس الحاجة بذكرها... ".
ثم اعتمد المصنف بالدرجة الثانية على كتاب مسائل الخلاف للشيخ الطوسي، ثم على
كتب الحنفية مثل النافع والقدوري والبداية، أو كتب الشافعية، مثل الهادي والوجيز
والخلاصة.
قال عنه الشيخ جعفر السبحاني في مقدمة كتاب الغنية: هو دورة فقهية كاملة
استدلالية، يستدل بالكتاب والسنة النبوية وأحاديث العترة الطاهرة والإجماع، وهذا القسم
(أي القسم الثالث من الكتاب) من محاسن الكتب وجلائلها، يستمد من الكتاب العزيز في
مسائل كثيرة على وجه ليس له مثيل فيما بأيدينا من كتب القدماء، فقد استدل بقرابة مئتين
وخمسين آية في موارد مختلفة، ويعتمد على أحاديث نبوية وافرة، أما استدلالا على المطلوب،
أو احتجاجا على المخالف، وهو الغالب على أسلوب الكتاب فهي عنده أشبه بأصول
موضوعية تلقاها المخالف بالقبول.
ولأجل هذا الامتياز صار الكتاب فقها مقارنا سد به الفراغ الموجود في المكتبة الفقهية
في عصره، ويعتمد على الإجماع في مسائل كثيرة تبلغ قرابة ستمائة وخمسين مسألة، ومراده من
الإجماع هو الإجماع الكاشف عن قول المعصوم لا غير.
يسير على ضوء كتاب الإنتصار والناصريات للسيد المرتضى، وكتاب الخلاف
والمبسوط للشيخ الطوسي.
وأما كتاب الخلاف لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 فقد قال مؤلفه في
مقدمة الخلاف: " سألتم أيدكم الله إملاء مسائل الخلاف بيننا وبين من خالفنا من جميع الفقهاء
من تقدم منهم ومن تأخر، وذكر مذهب كل مخالف على التعيين وبيان الصحيح منه وما ينبغي
أن يعتقد، وأن أقرن كل مسألة بدليل نحتج به على من خالفنا، موجب للعلم، من ظاهر قرآن،
أو سنة مقطوع بها، أو إجماع، أو دليل خطاب، أو استصحاب حال...، وأن أذكر خبرا عن
9

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يلزم المخالف العمل به والانقياد له، وأن أشفع ذلك بخبر من طريق الخاصة
المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)... وأن أعتمد في ذلك الإيجاز والاختصار.... ".
وأما سائر الكتب فقل ما استفاد منها المصنف، وقد ذكرنا في هامش مقدمة المؤلف شيئا
عن تلك الكتب فلاحظ.
مؤلف الكتاب:
جاء اسم المؤلف في نهاية النسخة الخطية هكذا: لأجل صاحب الكتاب، الإمام الهمام،
العالم العامل، الفاضل الكامل، ملك الزهاد والعباد، قدوة الأولياء والأوتاد، نجم الملة والدين،
بدر الإسلام والمسلمين علي بن محمد بن محمد القمي أصلا السبزواري مولدا ومنشأ، متعه الله
به وبأمثاله، ووفقه على الطاعات واكتساب السعادات، وما يرفع به الدرجات، تحريرا في
الثالث من ذي القعدة سنة سبعمائة، وكتب هذه الأسطر الداعي لجميع المؤمنين والمؤمنات
ومحب صاحب الكتاب محمد بن علي شاه الحافظ غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين
والمؤمنات بفضله وكرمه، إنه مجيب الدعوات وولي الحسنات " انتهى.
أقول: وكان عمر المصنف عند ابتدائه بتدوين هذا الكتاب قد تجاوز السبعين حيث
يقول في المقدمة: " وقد تطاولت الأيام وتمادت الأعوام حتى بلغت من السنين سبعين وزيادة "
ولم يذكر تاريخ الابتداء بالكتابة حتى نعرف المدة التي استغرقها للكتابة، لكنه ذكر في نهاية
الكتاب: هذا آخر ما قصدناه... فتم والحمد لله على توفيقه... يوم الاستفتاح النصف من شهر
الله المبارك رجب في المشهد المعظم للإمام المكرم علي بن موسى الرضا (عليه السلام) سنة ثمان وتسعين
وستمائة والحمد لله أولا وآخرا " انتهى.
ويكون مولده حوالي سنة 620 ه‍ ق في سبزوار من خراسان على غموض في الخط في
اسم سبزوار، وأنه نشأ فيها، وألف كتابه في مشهد الرضا وهي على مقربة من سبزوار.
ولم نجد له ترجمة فيما لدينا من المصادر، واحتمل بعضهم أن يكون هو ابن الخواجة نصير
الدين الطوسي: صدر الدين الوزير علي بن محمد بن محمد الطوسي المترجم في الأنوار
الساطعة للطهراني ص 114، حيث قال عنه: إنه ولي بعد والده غالب مناصبه، فلما مات ولي
مناصبه أخوه أصيل الدين حسن، وقال [ابن] الفوطي: عزل هو وإخوانه سنة 687 وأنه كان
متوليا للرصد بمراغة وأنه تزوج بابنة عماد الدين القهستاني ملك قهستان المتوفى شابا
10

سنة 666. انتهى.
وقد قرأ الخواجة نصير الدين الطوسي الغنية على الشيخ سالم بن بدران المازني وأجاز
له في سنة 619 كما تلا حظ ذلك في مقدمة كتاب الغنية، فربما انتقل الكتاب إلى ابنه ثم قام
بشرحه، لكن لا يعرف عن ابن الخواجة انشغاله بعلم الفقه، ولا تعرف أسرته بتاتا بالقمي ولا
بالسبزواري، وإن كان قد قيل إن أصلهم من قم إلا أن ذلك لم يثبت.
وعلى أي فالكتاب خير ترجمة لشخصية المؤلف (رحمه الله)، خاصة وأنه قد ألفه في أواخر
عمره.
أسلوب التحقيق
اعتمدنا على نسخة وحيدة للكتاب كتبت في زمن المصنف سنة 700، أي بعد أقل من
سنتين من تأليف الكتاب وهي بخط جيد وعليها علامات البلاغ في مواضع من الكتاب هكذا:
بلغت قراءته وفقه الله تعالى.
ويبدو من البلاغات ومن الخاتمة التي تقدم ذكرها أنها استنسخت في محضر المؤلف
وبرعايته وإشرافه، وهذه النسخة كانت في الآونة الأخيرة في مكتبة الشيخ علي العلومي، ثم
أهداها إلى مكتبة جامعة طهران قبل أربعين عاما، وقد سقطت الورقة الأولى من الكتاب
وسقط معها شئ من مقدمة المصنف.
ونتيجة لرداءة التصوير كانت بعض الكلمات غير مقروءة فاستعنا بمصادر الكتاب مثل
الغنية والخلاف وغيرهما وبقيت كلمات غير مقروءة تركناها كما هي، ورسمناها حسب شكلها
لعدم وجود مصدر الكتاب في متناول اليد مثل بعض الموارد التي ينقل عن كتاب الخلاصة
للغزالي.
وعلى أي فهذه النسخة تعتبر من جهة أخرى من أقدم نسخ الغنية والخلاف وغيرهما
فيما ينقل عنها، بحيث ينبغي أن تعرض تلك الكتب على هذه وخاصة الغنية، ونحن عند عرض
هذه النسخة على المصادر المطبوعة وجدناها تمتاز عنها بصحة النقل ودقة الضبط.
وكاتب النسخة هو الحسن بن محمد بن عبد العزيز الراباطي [!] وبإشراف محمد بن علي
شاه الحافظ وكأنه من أعوان المؤلف وأنصاره والقائمين بشؤونه كما سجله هذا في نهاية النسخة،
وكما سيأتي في نهاية النسخة المطبوعة.
11

ومن تاريخ الكتاب وهو العشرون من جمادى الأولى من سنة سبعمئة، ومن تاريخ
المشرف وهو الثالث من ذي القعدة من سنة سبعمئة، نستكشف المدة التي استغرقتها مقابلة
النسخة مع الأصل وعرضها على المصنف.
هذا والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وصلواته على أنبيائه وأوليائه، لا سيما
محمد وآله.
حسين الحسني البيرجندي
20 / شعبان / 1420 ه‍ ق.
12

مقدمة المؤلف
[1 / ب] (1) في الخلاف بين المذاهب فمن يطالعها يقف على الخلاف ولم يقف على الوفاق
وليس لهم كتاب يشتمل على هذا الوصف كما لغيرهم من الحنفية والشافعية.
وقد تطاولت الأيام وتمادت الأعوام حتى بلغت من السنين سبعين وزيادة ولم أقف على
كتاب فيه هذه الفائدة فشرعت في جمع هذا الكتاب مستعينا بالله الذي نطلب منه السداد
والصواب فكتبت هذا القسم من أوله إلى آخره كتابا بعد كتاب وفصلا بعد فصل ومسألة بعد
مسألة وذكرت عند كل مسألة من وفاقه وخلافه وكان همي أن اقتصر على ذكر خلاف أبي
حنيفة والشافعي... إلا (2) أني رأيت مسألة خالف فيها أبو حنيفة فقلت خلافا له وأخرى
خالف فيها الشافعي فقلت خلافا له وأخرى كانا يوافقان فيها وخالف غيرهما فقلت وفاقا
لهما وخلافا له!
وذكرت في أول الكتاب خلاف أحدهما وأهملت وفاق الآخر اعتمادا على فهمه منه
وتغير همي من ذلك فذكرت خلافه ووفاق الآخر.
وألحقت لكل فصل من فصوله من المسائل ما لم يذكره المصنف والحاجة ماسة إلى
ذكرها.
وكان مرجعي في تعيين المخالف إلى مسائل الخلاف للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه ولم
اقتصر عليه بل راجعت إلى كتب الحنفية والشافعية فإن وافقها كتبت وإن خالفها قلت في

1 - سقط من الأصل مقدار ورقة.
2 - بياض في الأصل بقدر كلمتين.
13

النافع (1) والقدوري (2) أو البداية (3) للحنفية كذا وفي الهادي (4) أو الوجيز! والخلاصة
للشافعية كذا (5).
وإذا رأيت في الخلاف مسألة خالفت ما في الغنية قلت: في الخلاف للشيخ كذا.
فصار هذا الكتاب كتابا كاملا في الفقه حاويا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأبي حنيفة
والشافعي وغيرهما رضوان [2 / أ] الله عليهم أجمعين، وشرحا للقسم الثالث من الكتاب
المذكور فمن طالعه عرف المذاهب الثلاثة وغيرها.
وسميته كتاب جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق وأعني
بأئمة الحجاز الشافعي وأصحابه وبأئمة العراق أبا حنيفة وأتباعه فالحمد لله على تمامه وكماله
والصلاة على محمد وآله وأصحابه الراشدين المرشدين الذين قضوا بالحق وبه يعدلون.
إعلم أن أركان عبادات الشرع خمسة: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد.

1 - النافع للشيخ ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسيني المدني السمرقندي الحنفي المتوفى سنة (656).
كشف الظنون: 20 / 1920.
2 - القدوري: أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان القدوري، أبو الحسين البغدادي من فقهاء
الحنفية ببغداد. توفي سنة (428). كتابه المختصر في الفروع مشهور يسمى بالكتاب طبع مع شرحه اللباب.
3 - بداية المبتدي تأليف الإمام برهان الدين، أبو حسن علي بن أبي بكر الفرغاني المرغيناني. وفرغانة ناحية بالمشرق،
ومرغينان، مدينة بفرغانة، توفي سنة (593) ودفن بسمرقند، طبع كتاب البداية مع شرحه المسمى بالهداية وينقل
عنه المؤلف كثيرا.
4 - الهادي هو مختصر نافع لم يأت فيه إلا بالقول الذي عليه الفتوى، تأليف أبي المعالي مسعود بن محمد بن مسعود
النيسابوري الطرشيثي - الطرشيز كاشمر - الفقيه الشافعي تفقه بنيسابور ومرو. توفي سنة (578) بدمشق.
5 - خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر وهو (خلاصة المزني المتوفى 264 ه‍) لأبي حامد محمد الغزالي لم يطبع. وله
الوجيز أيضا وقد طبع، ينقل عنهما المؤلف في الكتاب كثيرا.
14

الصلاة
كتاب الصلاة
شرائط الصلاة على ضربين: أحدهما: يشترك فيه الوجوب وصحة الأداء، والآخر
يختص [ب‍] صحة الأداء.
فالأول على ضربين: ضرب يشترك فيه الرجال والنساء، وهو ثلاثة:
البلوغ، وكمال العقل، ودخول الوقت.
وضرب يختص [ب‍] النساء وهو: انقطاع دم الحيض والنفاس.
وما يختص صحة الأداء ثمانية: الإسلام، والطهارة، وستر العورة مع الإمكان، وطهارة
البدن، والثياب، وموضع السجود بالجبهة، والنية، واستقبال القبلة، والقيام مع
الإمكان " (1).
أما الكافر، فيجب عليه الصلاة ولا تصح منه خلافا للحنفية وبعض الشافعية (2).
في المعالم: الكفار مخاطبون بفروع الشرايع بمعنى أنهم كما يعاقبون يوم القيامة على ترك
الإيمان، كذلك يعاقبون على عدم إتيانهم بالصلاة والزكاة (3).
لنا أن شرائط التكليف حاصلة له، فيجب أن يكون مكلفا كالمسلم. وأما الكفر المانع
من صحة الأداء فبمنزلة الحدث للمسلم يجب عليه إزالته بالإيمان حتى يصح منه الصلاة
كالمسلم المحدث.

1 - الغنية: 33 - 34.
2 - المجموع: 3 / 4 - 5.
3 - المعالم في أصول الدين لفخر الدين الرازي لم يطبع.
15

ولأنه داخل تحت عموم الخطاب في قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} (1)
وهو من الناس فيكون داخلا تحت الخطاب فيكون مخاطبا بالعبادات [2 / ب] الشرعية (2).
وأما النية فنذكر الخلاف فيها (3).
الطهارة
فصل [في الطهارة]
وأما الطهارة فعلى ضربين: طهارة عن حدث وطهارة عن نجس.
فالأول على ضربين: وضوء وغسل، أو ما يقوم مقامهما من التيمم.
والأحداث التي توجب الوضوء خمسة: البول، والغائط، والريح، ودم الاستحاضة
المخصوصة، وما يفقد معه التحصيل من نوم أو مرض.
والتي توجب الغسل: الجنابة والحيض ودم الاستحاضة المخصوصة، والنفاس، ومس
بشرة الميت من الناس بعد برده وقبل تطهيره (4).
أما البول، والغائط، فلا خلاف في نقض الوضوء بهما.
وأما المذي، والودي، فلا ينقض بهما وكذا الحصاة والدود خاليين من النجاسة خلافا
لهما (5).
لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها بما يوجب الطهارة يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع
ما يدل عليه.
قالوا: فيهما الوضوء لحديث مقداد (رضي الله عنه) (6).
أن النبي (عليه السلام) أوجب في المذي، الوضوء (7).

1 - البقرة: 21.
2 - بالهامش: ولقوله: {قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم
الدين} [46 / المدثر].
3 - يأتي في كيفية الطهارة: ص 20.
4 - الغنية 34.
5 - الخلاف: 1 / 115 مسألة 57.
6 - بن عمرو بن ثعلبة، أبو معبد وقيل: أبو الأسود، ويقال له أيضا: المقداد الكندي، وهو قديم الإسلام هاجر إلى أرض
الحبشة وكانت وفاته بالمدينة في خلافة عثمان، وعمره (70) سنة. أسد الغابة: 4 / 475 رقم 5069.
7 - سنن البيهقي: 1 / 202 حديث 562.
16

والودي ما يخرج عقيب البول.
قلنا أما حديث مقداد، فمعارض بحديث سلمان (1). أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أراد أن
يسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن المذي فاستحيى منه لمكان فاطمة الزهراء [(عليها السلام)] عنده فسأله سلمان،
فقال (صلى الله عليه وآله): لا بأس به (2). وإذا تعارض الحديثان بطل التمسك بهما.
وأما الودي، فإن كان عقيب البول، فالبول هو الموجب للوضوء لا الودي، وإن لم يكن
عقيبه، فهو كالمذي.
" والخارج من غير السبيلين كالدم والقيح والقئ لا يوجب الوضوء خلافا لأبي
حنيفة " (3).
لنا ما مر ذكره في المذي والودي ولأنه روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قاء فغسل فمه، فقال: هذا هو
الوضوء من القئ (4).
له حديث ابن [أبي] مليكة (5) عن عائشة (6) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من قاء أو رعف في
صلاته فلينصرف وليتوضأ وليبن على صلاته ما لم يتكلم (7).
قلنا: هذا الوضوء محمول على غسل القئ والرعاف ولا يحمل على انتقاض الوضوء
والأصل بقائه إلى أن يدل دليل على انتقاضه.
" وأما النوم فإنه بمجرده حدث، ينقض الوضوء من غير اعتبار بأحوال النائم " (8).
خلافا لهما فإنه عند الشافعي إذا كان مقعده متمكنا من الأرض لا ينقض الوضوء.
وعند أبي حنيفة إذا كان مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى شئ لو أزيل لسقط ينقض
الوضوء (9). لقوله (عليه السلام) إنما الوضوء على من نام مضطجعا (10).

1 - الفارسي أبو عبد الله، ويقال له: سلمان بن الإسلام وسلمان الخير، أصله من رام هرمز كان أول مشاهده الخندق وشهد
بقية المشاهد، وفتوح العراق، وولي المدائن مات سنة (36 ه‍) الإصابة: 3 / 141 رقم 3359.
2 - لم نعثر عليه بعد الفحص الأكيد في كتب الفريقين.
3 - الخلاف: 1 / 119 مسألة 61، اللباب في شرح الكتاب: 1 / 11.
4 - لم نعثر عليه.
5 - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، مؤذن الحرم، ثم قاضي مكة لابن الزبير، مات سنة (117 ه‍). تاريخ الإسلام: 101 -
120 ه‍ رقم 457.
6 - بنت أبي بكر، تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة كان لها (6) سنين وقبض (صلى الله عليه وآله) وهي بنت (18) سنة ماتت سنة (58) ودفنت
بالبقيع. وفيات الأعيان: 3 / 16 رقم 318.
7 - سنن البيهقي: 1 / 241 حديث 676.
8 - الغنية 36.
9 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 13.
10 - سنن البيهقي: 1 / 212 حديث 600.
17

لنا أن الناقض للوضوء هو النوم بالاتفاق ولا اعتبار بالسقوط كما لو سقط من غير
النوم، ومن اعتبر السقوط فعليه الدليل ولن يجد، " وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} (11) والمراد إذا قمتم من النوم، على ما قاله
المفسرون (12) وقول النبي (عليه السلام): وأما العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ، ولم يفصل " (13).
وأما القهقهة في الصلاة فلا ينقض الوضوء خلافا لأبي حنيفة (14)، تمسكوا بحديث
الأعرابي الذي في عينه سوء تردي في بئر، فضحك من خلف رسول الله فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من
الصلاة فقال ألا من ضحك منكم فقهقه فليعد الوضوء والصلاة جميعا (15).
قلنا: الأصل بقاء الوضوء، والحكم بانتقاضه بالقهقهة يحتاج إلى دليل، والعدول عن
الأصل إلى الظن وهو حديث الأعرابي عدول عن اليقين إلى الظن، ولأن القهقهة قبل الشروع
في الصلاة لا أثر لها في نقض الوضوء فكذا يجب بعد الشروع.
وكذلك أكل لحم الجزور، أو ما مسته النار لا ينقض الوضوء (16)، وما روي من أنه (صلى الله عليه وآله)
توضأ منه (17)، فهو محمول على غسل اليدين كما روي عنه (صلى الله عليه وآله): الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر
وبعده ينفي الترح (18).
أما لمس بشرة المرأة التي ليست بمحرم، ومس فرج الأدمي ببطن الكف، فلا ينقضان
الوضوء [3 / ب] خلافا للشافعي مطلقا ولأبي حنيفة في الانتشار (19).
لنا أن الأصل بقاء الوضوء وبراءة الذمة، فمن حكم بانتقاضه واشتغال الذمة به يحتاج
إلى دليل ولا يصح التمسك لقوله تعالى: {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا
طيبا} (20) لأن المراد بالملامسة المجامعة وهي موجبة للغسل. بيانه أنه تعالى لما بين الطهارة
من الوضوء والغسل بالماء في قوله: {وإذا قمتم إلى الصلاة} إلى قوله: {وإن كنتم جنبا
فاطهروا} بينهما لمن لم يجد الماء كيف يعمل فقال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء

11 - المائدة: 6.
12 - التبيان: 3 / 448، جامع البيان: 4 / 112.
13 - الغنية: 37.
14 - الخلاف: 1 / 121 مسألة 62.
15 - سنن البيهقي: 1 / 245 حديث 686.
16 - الخلاف: 1 / 122 مسألة 63 - 64.
17 - نيل الأوطار: 1 / 208.
18 - الترح بالتحريك ضد الفرح. وفي مستدرك الوسائل: 16 / 268 حديث 19834 عن شهاب الأخبار للقضائي ص 41
حديث 252: اللمم. وهو طرف من الجنون يلم الإنسان.
19 - الخلاف: 1 / 110 مسألة 54.
20 - النساء: 43.
18

أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ولأن
لمس المرأة التي ليست بمحرم لو نقض الوضوء لنقضه لمس التي هي محرم والثاني باطل فالأول
مثله بيان الملازمة أن كليهما محل الشهوة، والتحريم الوارد في الشرع لا يخرجها عن محل
الشهوة.
" ويجب على المكلف أن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط مع الإمكان، لا
في الصحاري ولا في البنيان " (1).
خلافا للشافعي في البنيان (2) " لنا قوله (صلى الله عليه وآله): (إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة
ولا يستدبرها ببول ولا غائط) ولم يفصل.
ويستحب أن لا يستقبل الشمس ولا القمر، ولا يحدث في الماء الجاري ولا الراكد
الكثير، وأن يتقي بالبول الأرض الصلبة وجحرة (3) الحيوان واستقبال الريح ولا يحدث في
شطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، وجواد الطرق.
ويستحب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج، والدعاء
عندهما وعند الاستنجاء وعند الفراغ منه. وعلى جميع ذلك إجماع الإمامية.
ويجب الاستنجاء من البول والغائط " (4).
خلافا لأبي حنيفة فإنه سنة عنده (5).
لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله، وقد دل الشرع [4 / أ] والإجماع على وجوب اتباعه والتأسي به،
فيجب علينا فعله إلا أن يدل دليل على أنه ندب.
" أما البول، فيجب الاستبراء منه أولا بنتر القضيب والمسح من مخرج النجو إلى رأسه
ثلاث مرات، ولا يجزئ (6) في إزالته إلا الماء مع وجوده، وكذلك باقي الأحداث التي يجب منها
الاستنجاء إلا الغائط " (7). خلافا لهما. (8)
وكيفية الاستنجاء عن البول عند الشافعي أن يأخذ القضيب بيساره والحجر بيمينه

1 - الغنية: 35.
2 - الخلاف: 1 / 101 مسألة 48.
3 - بتقديم الجيم: حفرة تأوي إليها الهوام وصغار الحيوان.
4 - الغنية: 35 - 36.
5 - الخلاف: 1 / 103 مسألة 49.
6 - في النسخة: ولا يجوز.
7 - الغنية: 36.
8 - الخلاف: 1 / 103 مسألة 49.
19

ويحرك باليسرى بعد أن يتنحنح ويستبرئ ويستعمل الحجر (1) كما نذكره في الاستنجاء عن
الغائط.
" وأما الغائط فإنه يجوز في إزالته الأحجار مع وجود الماء، أو ما يقوم مقامها من الجامد
المزيل للعين، سوى المطعوم والعظم والروث.
ومن السنة أن تكون ثلاثة " (2) خلافا للشافعي فإنه لا يجيز أقل من ثلاثة أو حجر
واحد له ثلاثة أحرف (3).
لنا أن المقصود إنما هو التنقية فإذا حصلت بواحد واثنين فلا يجب الزائد.
له قوله (صلى الله عليه وآله): من استنجى فليستنج بثلاثة أحجار (4).
قلنا: والأمر قد يحمل على الندب بدليل، دليله أن الأصل براءة الذمة من الزائد إذا طهر
بواحد أو اثنين وكيفيته أن يأخذ الحجر بيساره ويضعه على موضع طاهر ويديره على جميع
المحل.
وخلافا لأبي حنيفة لأنه ليس عنده فيه عدد مسنون (5).
له قوله (صلى الله عليه وآله): من استجمر فليوتر ومن فعل فحسن ومن لا، فلا حرج (6).
واستنجاؤه بالماء أفضل، والجمع بين الحجارة والماء أكمل وأفضل، ما لم يتعد النجو
مخرجه، فإن تعداه لم يجز فيه إلا الماء (7).
لأن البدن له حرارة جاذبة أجزاء النجاسة فلا يطهر بالمسح وأما مخرج النجاسة
فللضرورة.
ولا يستنجي بعظم لأنه طعام الجن، ولا بروث لأنه طعام دوابهم كذا ورد في
الأخبار (8) ولا بمطعوم لأنه إسراف وقبيح، ولا بيمينه لقوله (صلى الله عليه وآله): اليمنى للوجه واليسار
للمقعد (9) والقسمة يوجب قطع [4 / ب] الشركة.

1 - المجموع: 2 / 103، التهذيب - للبغوي -: 1 / 296.
2 - الغنية: 36.
3 - الأم: 1 / 95.
4 - سنن البيهقي: 1 / 179 حديث 500.
5 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 54.
6 - سنن البيهقي: 1 / 182 حديث 509.
7 - الغنية: 36.
8 - عمدة القاري: 2 / 300، المجموع: 2 / 104، نصب الراية: 1 / 315.
9 - كنز العمال: 9 / 309 حديث 26151.
20

فصل
" والجنابة تكون بشيئين: بخروج المني على كل حال، وبالجماع في الفرج، وحده أن
تغيب الحشفة فيه، وإن لم ينزل " (1) والدفق والشهوة ليسا بشرطين خلافا لهما (2).
لنا أن الطبيعة إذا كانت ضعيفة بسبب المرض لا دفق له عند الخروج وكذا إذا سقط عن
علو فلا لذة له عند خروجه. " ويحرم على الجنب دخول المساجد، لا العبور، ووضع شئ فيها
إلا المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه لا يجوز دخولهما على كل حال، وإن احتلم فيهما
تيمم وخرج.
ويحرم عليه قراءة العزائم الأربع ألم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، وإقرأ " (3) ولا يحرم
ما عداها خلافا للشافعي فإنه قال: يحرم عليه القليل والكثير، ولأبي حنيفة فإنه قال: يقرأ
دون الآية لنا أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: {فاقرأوا ما تيسر من
القرآن} (4) (5)، والأمر المطلق إذا توجه إلى مأمور تناول جميع أحواله، والسور الأربع
خارجة عن عموم الأمر بدليل وهو الإجماع.
" ويحرم عليه مس كتابة المصحف، أو اسم من أسماء الله تعالى، [أ] وأسماء الأنبياء
والأئمة (عليهم السلام) " (6) وعلى الحائض والنفساء أيضا وعلى المحدث في رواية (7).
ولا بأس أن يمس أطراف الأوراق والمصحف. خلافا للشافعي فإنه يحرم عليهم عنده
مس المصحف وحمله ومس الجلد وحواشيها وتقليب أوراقه باليد والخشب. لنا الأصل
الإباحة إلا أن يدل دليل على المنع (8).
له قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} (9). قلنا: الضمير للقرآن وهو المكتوب
المقروء أو للكتاب وهو اللوح {لا يمسه إلا المطهرون} وهم الملائكة.
" ويكره للجنب الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق والنوم إلا بعد الوضوء
والخضاب، والدليل على هذا إجماع الإمامية " (10) وفيه الحجة كما بين في أصول الفقه.

1 - الغنية 37.
2 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 16، الوجيز: 1 / 17، المبسوط للسرخسي: 1 / 67.
3 - الغنية: 37.
4 - المزمل: 20.
5 - الخلاف: 1 / 100 مسألة 47.
6 - الغنية: 37.
7 - التهذيب: 8 / 126 حديث 342 - 343.
8 - الخلاف: 1 / 99 مسألة 46.
9 - الواقعة: 79.
10 - الغنية: 38.
21

فصل
[5 / أ] دم الحيض هو الحادث في الزمان المعهود له أو المشروع في زمان الالتباس على
أي صفة كان، وكذا دم الاستحاضة، إلا أن الغالب على دم الحيض الغلظ والحرارة والتدفق
والحمرة المائلة إلى الاسوداد، وعلى دم الاستحاضة الرقة والبرودة والاصفرار.
وأقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة (1).
خلافا للشافعي فإن أقل الحيض عنده يوم وليلة وفي قوله الثاني: يوم بلا ليلة وأكثره
خمسة عشر يوما (2).
لنا أنه لا خلاف أن من الثلاثة إلى العشرة من الحيض، ولا دليل في الشرع أن ما نقص
عن الثلاثة وزاد على العشرة منه (3).
وأيضا روي عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا.. الحيض ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة،
سبعة، ثمانية، عشرة، دل هذا الاقتصار على منع الزيادة والنقصان.
" وأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام " (4). خلافا لهما لأنه عندهما خمسة عشر
يوما (5).
لنا مثل: ما قلنا قبل من أن العشرة لا خلاف فيها أنها من أقل الطهر ولا دليل على
الزيادة، ولا حد لأكثره.
" فإذا رأت المبتدئة الدم وانقطع لأقل من ثلاثة أيام فليس بحيض، وإذا استمر ثلاثة
كان حيضا، وكذا إلى تمام العشرة، فإذا رأت بعد ذلك كان استحاضة إلى تمام العشر الثاني لأن
ذلك أقل أيام الطهر " (6).
" ويحرم على الحائض كل ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها الصلاة ويجب عليها
الصوم تقضيه إذا طهرت " (7).
ولا يحل لزوجها وطؤها لقوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} (8) وأما مباشرتها
فيما فوق السرة وتحت الركبة فمباح، بلا خلاف وما بين السرة والركبة غير الفرج فيجوز،

1 - الغنية: 38.
2 - الخلاف، 1 / 236 مسألة 202 - 203.
3 - الغنية: 38.
4 - الغنية: 38.
5 - الخلاف: 1 / 238 مسألة 204، الوجيز: 1 / 25.
6 - الغنية: 38.
7 - الغنية: 39.
8 - البقرة: 222.
22

خلافا لهما وهي محرمة عندهما (1) لنا أن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى الدليل. وأما قوله
تعالى: {ولا تقربوهن} فالمراد الجماع في الفرج لأن قرب الزوج ومباشرته في غير ما بين
السرة [5 / ب] إلى الركبة جائز بالاتفاق، فإن وطئها وجب عليه أن يكفر في أول الحيض
بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره بربع لقوله (صلى الله عليه وآله) " من أتى أهله وهي حائض
فليتصدق " (2) وهذا الأمر محمول على الندب عند بعض أصحابنا والشافعي (3).
فإن انقطع الدم جاز وطئها مطلقا إذا غسلت فرجها خلافا لأبي حنيفة فيما دون العشرة
فإنه قال: لا يحل إلا بعد أن يوجد ما ينافي الحيض، والشافعي لا يحل وطؤها إلا بعد أن تستبيح
فعل الصلاة، إما بالغسل أو بالتيمم عند فقد الماء (4).
لنا قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} جعل انقطاع الدم غاية لزمان الحظر،
فيجب جوازه بعد ذلك على كل حال إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك قبل الغسل.
وقوله تعالى: {فإذا تطهرن} (5) محمول على غسل الفرج، أو يكون كلاما مستأنفا،
ليس بشرط ولا غاية لزمان الحظر، ويجوز أن يكون بمعنى (طهرن) و (تفعل) يأتي بمعنى
(فعل) نحو تطعمت الطعام وطعمته.
" والمستحاضة يلزمها إذا لوث الدم أحد جانبي الكرسف ولم يثقبه أن تغيره وتتوضأ
لكل صلاة، فإذا ثقبه ولم يسل أن تغتسل لصلاة الفجر مع تغييره وتتوضأ لباقي الصلوات، وإن
ثقبه وسال فعليها ثلاثة أغسال: غسل للفجر وغسل للظهرين وغسل للعشائين وحكمها
حكم الطاهرات إذا فعلت ما ذكرناه " (6) خلافا لأبي حنيفة، فإن حكم دم الاستحاضة عنده
حكم الرعاف، لا يمنع الصلاة والصوم والوطئ (7) لقوله (صلى الله عليه وآله): للمستحاضة (: توضئي وصلي
وإن قطر الدم على الحصير فإنما هو دم عرق انفجر " (8) إلا أنه يقول تتوضأ لوقت كل صلاة
وتصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل وإذا خرج الوقت بطل الوضوء (9).
وقال الشافعي: تتوضأ لكل فرض (10).

1 - الخلاف: 1 / 226 مسألة 195.
2 - الغنية: 39.
3 - الوجيز: 1 / 25، النهاية: 237.
4 - الخلاف: 1 / 228 مسألة 196.
5 - البقرة: 222.
6 - الغنية: 39.
7 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 45.
8 - سنن البيهقي: 2 / 56 حديث 1671.
9 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 46.
10 - الوجيز: 1 / 25.
23

لنا وللشافعي أن خروج الدم ناقض للوضوء اتفاقا فإذا خرج [6 / أ] بعد الوضوء نقض
والحديث لا ينافي مذهبنا لأنها إذا توضأت لوقت كل فرض فقد توضأت لوقت كل صلاة
وأيضا إذا غسلت وتوضأت وصلت كما ذكرناه برئت ذمتها بيقين ولا يقين في غير ما ذكرناه.
وإذا استمر بالمبتدئة الدم الشهر والشهرين، فإن تميز لها الدم عملت على التمييز، وإن
كانت لها عادة فعلى عادتها وإن لم تكن لها عادة أو اختلفت رجعت إلى عادة نسائها وإلا تركت
الصلاة في الشهر الأول ستة أيام وفي الثاني عشرة أيام أو تركت في كل شهر سبعة أيام (1).
فصل
" دم النفاس هو الحادث عقيب الولادة، وأكثره عشرة أيام " (2) خلافا للمذهبين، فإنه
عند الحنفية أربعون يوما. وعند الشافعية ستون يوما وأغلبه عندهم أربعون يوما.
لنا أنه لا خلاف أن العشرة من النفاس والزائد لا بد له من دليل (3).
قالوا: لأنه أكثر من أكثر مدة الحيض بأربعة أضعافه ولا حد لقليله اتفاقا (4).
والحامل المستبين حملها لا تحيض، خلافا للشافعي في الجديد (5) لنا أن الدم يجتمع في
الرحم أربعة أشهر ثم بعد ذلك يصير غذاء للولد كما قال النبي (عليه السلام): يمكث أحدكم في بطن أمه
أربعين يوما نطفة ثم أربعين يوما علقة ثم أربعين يوما مضغة ثم أمر الله سبحانه ملكا ينفخ فيه
الروح (6).
إذا ولدت ولدين، اعتبر نفاسها من الأول، وآخره من الثاني، لأن كل واحد من الدمين
يستحق الاسم بأنه نفاس فعددنا من الأول، واستوفينا من الثاني (7).
" وأما من مس الميت فقد ذكرنا أنه حدث يوجب الغسل إذا كان بعد برده بالموت قبل
تطهيره بالغسل " (8). خلافا لهما (9).
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): (من مس ميتا فليغتسل) (10) والأمر في الشرع بظاهره يقتضي
الوجوب ولا يحمل على الندب إلا بدليل.

1 - الخلاف: 1 / 234 مسألة 200، وفي عبارة المصنف هنا من الإشكال ما لا يخفى.
2 - الغنية: 40.
3 - الخلاف: 1 / 245 مسألة 213 - 214.
5 - الخلاف: 1 / 239 مسألة 205.
6 - لم أجده.
7 - الخلاف: 1 / 247 مسألة 219.
8 - الغنية: 40.
9 - الخلاف: 1 / 222 مسألة 193.
10 - الغنية: 40 فيه غسل مكان (مس).
24

فصل
والطهارة عن النجس عبارة عن إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والنجاسة هي بول
وخرء ما لا يؤكل [6 / ب] لحمه بلا خلاف، وما يؤكل لحمه إذا كان جلالا، وإذا لم يكن جلالا
فلا بأس ببوله وروثه (1). خلافا للشافعي مطلقا (2).
لنا أن الأصل الطهارة، فلا بد للحكم بالنجاسة من دليل " وقوله (عليه السلام): (ما أكل لحمه
فلا بأس ببوله وسلحه)، والخمر نجسة بلا خلاف ممن يعتد به لقوله تعالى: {إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس} (3) والرجس والنجس والرجاسة والنجاسة بمعنى.
وكذا كل شراب مسكر نجس وكذا الفقاع " (4) خلافا لهما (5).
لنا أن كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وكل ما كان كذلك فهو نجس، فالفقاع
نجس، أما أن كثيره مسكر فمعلوم بالامتحان، ولأن شربه منهي عنه، كما سنذكره في بابه (6) إن
شاء الله تعالى.
" وكذا الدم إلا الدماء الثلاثة - الحيض والاستحاضة والنفاس - إلا أنه تجوز الصلاة في
ثوب أصابه دم غيرها من الدماء المسفوحة إذا نقص مقداره عن سعة الدرهم الوافي " (7)
خلافا للشافعي فإنه نجس عنده (8).
لنا إجماع الإمامية، وإن في التنزه والتحفظ عنه حرجا، لأنه يظهر على بدن الإنسان
بالحك والخدش والشوك ولا حرج في الدين لقوله تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من
حرج} (9).
وإذا لم ينقص عن الدرهم ولم يزد عليه لا يجوز الصلاة معه خلافا لأبي حنيفة (10). لنا أنا
وإياه اتفقنا على جواز الصلاة إذا نقص وإذا ادعى جواز الصلاة معه إذا لم ينقص فعيله الدليل.
ودم السمك طاهر لقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} (11) لأنه يقتضي
إباحة السمك بجميع أجزائه وكذا دم البق والبراغيث خلافا للشافعي (12) لنا إذا لم يتفاحش أن

1 - الغنية: 40.
2 - الخلاف: 1 / 485 مسألة 230.
3 - المائدة: 90.
4 - الغنية 41.
5 - الخلاف: 5 / 489 مسألة 6.
6 - ص 694.
7 - الغنية 41.
8 - الخلاف: 1 / 476 مسألة 219.
9 - الحج: 78.
10 - الخلاف: 1 / 476 مسألة 220.
11 - المائدة: 96.
12 - الخلاف: 1 / 476 مسألة 219.
25

النجاسة حكم شرعي وليس في الشرع ما يدل على ثبوتها فيه وأما غير الدم من النجاسات
فيجب إزالته قليلا كان أو كثيرا كالبول والغائط والخمر خلافا للحنفية، لأنه عندهم الصلاة
معه إذا كان درهما وأقل، جائزة (1) [7 / أ].
لنا أن حمله على الدم قياس وهو يفيد الظن، ولا يجوز العمل على الظن مع إمكان العلم،
ولأن النجاسة في الدرهم وما دونه معلوم فمن أجاز الصلاة معه فعليه الدليل.
" والمني من جميع الحيوانات نجس، خلافا للشافعي في مني الآدمي مطلقا، ولأبي حنيفة
إذا كان يابسا فإنه لا يوجب الغسل عليه ويكفي فيه الفرك " (2).
لنا قوله تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز
الشيطان} (3) وهو أثر الاحتلام، والرجز والرجس والنجس واحد، فدلت الآية على
نجاسته، وأيضا وظاهر قوله تعالى: {ليطهركم} يدل على تقدم النجاسة، وقوله (صلى الله عليه وآله): (إنما
يغسل الثوب من البول والدم والمني).
وميتة ذوات الأنفس السائلة نجسة بلا خلاف إلا في الآدمي (4) بعد برده بالموت وقبل
تطهيره بالغسل فإنه عندهما طاهر (5).
لنا أن الإجماع حاصل على نجاسة ما سواه من الميتات واستثناؤه منها يحتاج إلى دليل
وأما الحكم بطهارته بعد التطهير فللإجماع.
" وأما ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد " (6). إذا مات فليس بنجس، خلافا
للشافعي (7).
لنا أن النجاسة حكم شرعي، ولا دليل في الشرع، والأصل في الأشياء الطهارة،
وقوله (صلى الله عليه وآله) (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه)، والمقل يوجب الموت، ولا سيما إذا كان
الماء حارا ولو كان ينجس بموته لما أمر بمقله على الإطلاق.
" وشعر الميتة وصوفها طاهر إذا جز وكذا عظمها " (8)، خلافا للشافعي قال: لأنه من

1 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 52.
2 - الخلاف: 1 / 489 مسألة 231.
3 - الأنفال: 11.
4 - الغنية: 42.
5 - الخلاف 1 / 701 مسألة 490.
6 - الغنية: 42.
7 - الخلاف: 1 / 188 مسألة 145.
8 - الغنية 42.
26

أجزاء الميتة (1)، لنا قوله تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى
حين} (2)، لأنه تعالى امتن علينا بما جعله من النفع ولم يفصل بين الذكية والميتة، ولا يجوز
الامتنان بما لا يجوز الانتفاع به لنجاسته، وقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} (3) لا يعارض
ما ذكرناه، لأن اسم الميتة [7 / ب] لا يتناول ما تحله الحياة، وهذه لا تحله الحياة (4)، لعدم
الحس والحركة فيها وإنما فيها النمو كما في النبات، والنامي لا يسمى حيا.
" وأما جلد الميتة فلا يطهر بالدباغ ". (5) خلافا للشافعي فإنه قال: كل حيوان طاهر إذا
مات فجلده يطهر بالدباغ، وأبي حنيفة فإنه قال: يطهر الجميع بالدباغ إلا جلد الخنزير. (6)
لنا قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة} والمراد الانتفاع بها بأكل أو بيع أو غير ذلك
واسم الميتة يتناول الجلد قبل الدباغ وبعده، وقوله (صلى الله عليه وآله) قبل موته بشهر: (لا تنتفعوا من الميتة
بإهاب ولا عصب).
والخنزير نجس بلا خلاف.
والكلب نجس بلا خلاف إلا من مالك (7). (8)
وما سواهما طاهر خلافا لأبي حنيفة فإن سباع البهائم عنده نجسة وكذا سؤرها. (9)
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات، أولاهن بالتراب. (10)
خلافا للشافعي فإنه يوجب غسله سبع مرات من لعاب الكلب والخنزير. (11)
لنا " قوله (صلى الله عليه وآله): " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات "، وفي خبر آخر
" فليغسله ثلاثا أو خمسا أو سبعا "، وهذا الخبر أيضا يقتضي وجوب الثلاث من حيث
أنه (صلى الله عليه وآله) لم يجوز الاقتصار على ما دونها، لأن لفظة (أو) إما أن تفيد التخيير بين هذه الأعداد،
فتكون كلها واجبة على جهة التخيير، أو تفيد التخيير بين الثلاثة الواجبة وبين الزيادة عليها
على جهة الندب، والأول باطل بالإجماع فثبت الثاني.

1 - الخلاف: 1 / 66 مسألة 13.
2 - النحل: 80.
3 - المائدة: 3.
4 - الغنية 43.
5 - الغنية 43.
6 - الخلاف: 1 / 60 مسألة 9.
7 - بن أنس بن مالك بن عامر، الأصبحي المدني، أبو عبد الله، ولد سنة (95 ه‍) وتوفي بالمدينة سنة (179 ه‍) ودفن
بالبقيع. وفيات الأعيان: 4 / 135 رقم 550.
8 - الغنية: 43.
9 - الخلاف: 1 / 187 مسألة 144.
10 - الغنية 43.
11 - الخلاف: 1 / 178 مسألة 133 و 143.
27

والكافر نجس ". (1) خلافا لهما. (2)
لنا قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} (3) وهذا نص. وكل من قال بذلك في المشرك،
قال به في ساير الكفار، والتفرقة بينهما خلاف الإجماع. فإن قالوا: المراد به نجس الحكم، قلنا:
إطلاق لفظة النجاسة في الشريعة يقتضي نجاسة العين حقيقة، وحمله على الحكم مجاز، واللفظ
بالحقيقة أولى من المجاز.
قالوا: لو كان نجس العين لما طهر بتجديد معنى وهو الإسلام، قلنا: الخمر نجسة العين
[و] تطهر بتجديد معنى وهو الحموضة، ولا يعارض ما ذكرناه [8 / أ] {وطعام الذين أوتوا
الكتاب حل لكم} (4) لأن مطلق الطعام ينصرف إلى الحنطة، ولا يمكن إنكاره لأن أبا حنيفة
والشافعي اختلفا فيمن وكل وكيلا على أن يبتاع طعاما، فقال الشافعي: لا يجوز أن يبتاع إلا
الحنطة، وقال أبو حنيفة: دقيقها، أيضا ذكره المحاملي (5) في كتابه الأوسط في الخلاف، وذكره
الأقطع (6) أيضا في آخر كتاب الوكالة في شرح القدوري. (7)
فصل
الماء على ضربين جار وراكد وكلاهما طاهر ومطهر ما لم تخالطه نجاسة بلا خلاف، فإن
خالطته وهو جار ولم يتغير أحد أوصافه بها، فهو طهور، فإن غيرته فالمقدار المتغير نجس،
وإذا لم يتغير وليس للنجاسة أثر فهو طاهر لقوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (8)
وهذا ما لم يخرجه مخالطة النجاسة عن إطلاق اسم الماء. (9) فيجب أن يكون طاهرا، ولأن
النجاسة لا تستقر مع جريان الماء.
والراكد على ضربين ماء البئر وغير البئر.

1 - الغنية 43 - 44.
2 - الخلاف: 1 / 70 مسألة 16.
3 - التوبة: 28.
4 - المائدة: 5.
5 - أحمد بن محمد بن أحمد الضبي، أبو الحسن، الفقيه الشافعي، أخذ عن أبي حامد الإسفرائيني توفي سنة (415 ه‍)
وفيات الأعيان: 1 / 74 رقم 27.
6 - أحمد بن محمد بن محمد، أبو نصر الأقطع الفقيه الحنفي البغدادي، سمي به لأنه مال إلى حدث فظهرت على
الحدث سرقة فاتهم بأنه شاركه فيها فقطعت يده اليسرى، وخرج إلى رام هرمز، وكان يدرس هناك إلى أن توفي سنة
(474). الوافي بالوفيات: 8 / 118 رقم 3531.
7 - الغنية 44.
8 - الفرقان: 48.
9 - الغنية 46.
28

وغير البئر على ضربين قليل وكثير، فالقليل ينجس بما لاقاه من النجاسة وأما الكثير
فلا ينجس إلا إذا تغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو رائحة، خلافا لأبي حنيفة فإنه
ينجس عنده وإن لم يتغير أحد أوصافه قليلا كان الماء أو كثيرا.
والغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر إذا وقعت فيه نجاسة
جاز الوضوء عنده من الجانب الآخر. (1)
لنا قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (2) واختلاط النجاسة به إذا لم يتغير
لم يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه كما قلنا، وإذا كان كذلك وجب العمل بالظاهر، وقوله (عليه السلام):
" إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (3). له قوله (عليه السلام): " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسلن
فيه من الجنابة "، فالأمر بحفظ الماء دل على تأثر الماء به. قلنا: هذا الأمر على سبيل الندب لا
على الوجوب إذا كان الماء كثيرا، ويحمل على الوجوب إذا كان قليلا.
[وحد الكثير ما بلغ كرا أو زاد عليه " وحد الكر] وزنا ألف [8 / ب] ومئتا رطل " (4).
خلافا للشافعي فإن الكثير عنده ما بلغ قلتين (5)، والقلتان خمسمئة رطل برطل العراق.
لنا أنه لا خلاف في طهارة ما قلناه من الكثير فله أن يدل على طهارة ما نقص منه.
" وظاهر قوله: {ويحرم عليهم الخبائث} (6) يقتضي تحريم استعمال الماء المخالط بالنجاسة
مطلقا، من غير اعتبار بالكثرة وتغير الأوصاف، وإنما يخرج من ذلك ما أخرجه دليل
قاطع " (7).
" وأما ماء البئر فإنه ينجس بكل ما يقع فيها من النجاسة، قليلا كان ماؤها أو
كثيرا " (8). خلافا للشافعي في الكثير. (9)
لنا أنه قد خالطته نجاسة وكل ما خالطته نجاسة فهو نجس والتحرز عن النجاسة
واجب فيجب التحرز عنه " وأيضا فلا خلاف من الصحابة والتابعين في أن ماء البئر يطهر
بنزح بعضه، وهذا يدل على حكمهم بنجاسته على كل حال من غير اعتبار بمقداره ".

1 - الخلاف: 1 / 189 مسألة 147.
2 - الغنية: 46.
3 - الغنية: 46 وما بين المعقوفين منه ذلك أن السطر الأخير من الصفحة الخطية كان غير مقروء لسوء التصوير.
4 - الغنية: 46 وما بين المعقوفتين منه ذلك أن السطر الأخير من الصفحة الخطية كان غير مقروء لسوء التصوير.
5 - الخلاف: 1 / 193 مسألة 148.
6 - الأعراف: 157.
7 - الغنية: 46.
8 - الغنية: 47.
9 - الوجيز: 1 / 5.
29

والواقع في البئر إن غير أحد أو صاف الماء ولم يكن على نزحه نص وجب نزح جميع
الماء وإن كان على نزحه نص نزح إلى أن يبلغ النص، فإن زال التغير حكم بطهارته، وإن لم
يزل نزح إلى أن يزول، وإن لم يغير أحد أوصافه فهو على ضربين: ما يوجب نزح الجميع أو
تراوح أربعة رجال من أول النهار إلى آخره وذلك [إذا كان له مادة يتعذر معها نزح الجميع،
والضرب الآخر يوجب نزح بعضه، فما يوجب نزح الجميع أو المراوحة] عشرة أشياء: الخمر،
وكل شراب مسكر، والفقاع، والمني، ودم الحيض، والاستحاضة، والنفاس، وموت البعير
فيه، وكل نجاسة غيرت أحد أوصافه ولم يزل التغير قبل نزح الجميع، وما لا نص عليه في
مقدار النزح، أما الفقاع والمني فقد ذكرنا أنهما نجسان والباقي لا خلاف في نجاسته، وإذا وقع
منها شئ في البئر فالنجاسة فيها معلومة ولا علم بزوالها إلا بعد نزح جميع ماء البئر.
" وما يوجب نزح البعض [على ضروب]:
منه ما يوجب نزح كر، وهو موت الخيل فيها أو ما ماثلها في مقدار الجسم.
ومنه ما يوجب نزح سبعين دلوا بالدلو المألوف وهو موت الإنسان ". (1)
خلافا للحنفية فإنه ينزح منه جميع الماء. (2)
" ومنه ما يوجب نزح خمسين، وهو كثير الدم المخالف [9 / أ] للدماء الثلاثة، والعذرة
الرطبة أو اليابسة المتقطعة.
ومنه: ما يوجب نزح أربعين، وهو موت الشاة، أو الكلب، أو الخنزير، أو السنور، أو
ما كان مثل ذلك في قدر الجسم، وبول الإنسان البالغ " (3)، وعند الحنفية ينزح من الشاة
والكلب جميع الماء، ومن السنور والحمامة والدجاجة ما بين أربعين إلى ستين. (4)
ومنه ما يوجب نزح عشر، وهو قليل الدم المخالف للدماء الثلاثة، والعذرة اليابسة غير
المتقطعة.
ومنه ما يوجب نزح سبع، وهو موت الدجاجة، أو الحمامة، أو ما ماثلهما في مقدار
الجسم، والفأر إذا انتفخت أو تفسخت، وبول الطفل الذي أكل الطعام (5)، وعندهم إذا ماتت
فيها فأرة أو عصفورة أو صعوة أو سام أبرص ينزح من عشرين إلى ثلاثين (6)، وعند

1 - الغنية: 47 - 48، وما بين المعقوفين استدركناه منها.
2 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 26.
3 - الغنية 48.
4 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 26.
5 - الغنية 49.
6 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 25.
30

الشافعية الفأرة إذا تقطعت شعورها فالطريق أن يستقي الماء الموجود في البئر فما يحصل
بعد ذلك أن رئي فيه شعر فنجس وإلا فطهور إذ الأصل طهارته. (1)
ومنه ما يوجب نزح ثلاث، وهو موت الفأرة إذا لم تنتفخ أو تتفسخ، والحية، والعقرب،
والوزغة، وعند أصحابنا فيهما خلاف، وبول الطفل الذي لم يأكل الطعام.
ومنه: ما يوجب نزح دلو واحد وهو موت العصفور، أو ما ماثله من الطير في مقدار
الجسم، والدليل على جميع ذلك إجماع الإمامية وهو حجة لدخول قول المعصوم الذي قوله
حجة فيه.
والماء المتغير ببعض الطاهرات يجوز الوضوء به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء عليه، و
المستعمل في الوضوء أو الغسل المندوب طاهر يجوز الوضوء به (2).
وفي المستعمل في الغسل الواجب خلاف بين أصحابنا، وعند الشافعية طاهر غير طهور
لا يجوز الوضوء به ولا الغسل، وعند الحنفية نجس حكاه أبو يوسف (3) عن أبي حنيفة. (4)
لنا قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (5) " ومن ادعى أن الاستعمال
يخرجه عن إطلاق اسم الماء عليه يحتاج إلى دليل، وإن من حلف أن لا يشرب ماء فشربه
يحنث بلا خلاف " (6)، ولو لم يطلق عليه اسم [9 / ب] الماء لما حنث. " ولا يجوز الوضوء بغير
الماء من المايعات، نبيذ تمر كان أو ماء ورد، لقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا
صعيدا} (7) لأنه يقتضي نقلنا عن الماء إلى التراب من غير واسطة، ومن أجاز الوضوء بغير
الماء، فقد جعل بينهما واسطة وزاد في الظاهر ما لا يقتضيه. (8)
وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ بنبيذ التمر إذا كان مطبوخا عند عدم الماء. (9)
الوضوء بالماء المغصوب لا يرفع الحدث، ولا يبيح الصلاة بالإجماع، لأن الوضوء
عبادة يستحق بها الثواب، فإذا فعل بالماء المغصوب خرج عن ذلك إلى أنه معصية يستحق
بها العقاب، فينبغي أن لا يكون مجزئا، ولأن القربة في النية شرط والتقرب إلى الله تعالى

1 - الوجيز: 1 / 8.
2 - الغنية 49.
3 - القاضي، صاحب أبي حنيفة، يعقوب بن إبراهيم، كان من أهل الكوفة، تولي القضاء ببغداد، من المهدي وابنه
الهادي، وهارون الرشيد، ولد سنة (113 ه‍) وتوفي سنة ببغداد (182). وفيات الأعيان: 6 / 376 رقم 824.
4 - الخلاف: 1 / 172 مسألة 126.
5 - الفرقان: 48.
6 - الغنية: 50.
7 - النساء: 43.
8 - الغنية 50.
9 - الخلاف: 1 / 55 مسألة 6.
31

بالمعصية محال.
ولا يجوز إزالة النجاسة بغير الماء من المايعات. (1) خلافا لأبي حنيفة. (2)
لنا " أن حظر الصلاة وعدم إجزائها في الثوب الذي أصابته نجاسة، معلوم، فمن ادعى
إجزاءها إذا غسل بغير الماء فعليه الدليل، ولا دليل في الشرع يدل عليه، وقوله (عليه السلام): لأسماء (3)
في دم الحيض يصيب الثوب (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) وظاهر الأمر يقتضي
الوجوب. " (4)
والمختلط بشئ من الطاهرات التي غيرت أحد أوصافه ولم يسلبه إطلاق اسم الماء عليه
يجوز التوضؤ به خلافا للشافعي. (5)
لنا قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء} والواجد للماء المتغير واجد للماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز ما لم يخرجه عن طبعه وجريانه ولم يطبخ به. (6)
إذا كان معه إناءان، طاهر ونجس واشتبها عليه لم يجز استعمالهما وكذلك الثياب.
ولا يجوز التحري خلافا لأبي حنيفة في التحري في الثياب، فأما الأواني فإن كان عدد
الطاهر أغلب جاز التحري فيها وإلا فلا. وللشافعي مطلقا. (7)
لنا أن المستعمل للماء يجب أن يكون على يقين في طهارته ولا يقين له عند استعمال كل
واحد منهما إذا تحرى فلا يجوز له التحري.
" وأما إذا كان أحد الإناءين [10 / أ] طاهرا والآخر طهور يتوضأ بكل واحد منهما و
عند الشافعي يجوز له التحري، وقيل لا يجوز له التحري ولا التوضؤ بهما " (8) بمثل ما قلناه في
المسألة المتقدمة.
وإذا ولغ الكلب في أحدهما واشتبها فأخبره عدل بتعينه لا يجوز له القبول خلافا
للشافعي. (9)
لنا أنه تيقن النجاسة ولم يتيقن الطهارة لقوله بل ظن ولا يترك اليقين بالظن.

1 - الغنية 50.
2 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 50.
3 - بنت أبي بكر، زوج الزبير بن العوام، وهي ذات النطاقين، ولدت قبل التاريخ بسبع وعشرين سنة، وماتت سنة (70 ه‍)
أسد الغابة: 6 / 9 رقم 6698.
4 - الغنية: 51.
5 - الخلاف: 1 / 57 مسألة 7.
6 - الخلاف: 1 / 57 مسألة 7.
7 - الخلاف: 1 / 196 مسألة 153.
8 - الخلاف: 1 / 199 مسألة 158.
9 - الخلاف: 1 / 200 مسألة 160.
32

" وإذا ورد على ماء، فأخبره عدل بأنه نجس لا يقبل منه خلافا للشافعي فإنه قال: إذا
أخبره بأنه نجس وجب القبول وإن أخبره مطلقا فلا، لنا أن أصل الماء الطهارة والحكم
بنجاسته يحتاج إلى دليل ولا يحصل العلم بقول الواحد فيحكم بطهارته إلى أن يحصل العلم
بنجاسته. (1)
ويكره استعمال أواني الذهب والفضة، خلافا للشافعي فإنه قال: يحرم، وأبي حنيفة في
الأكل والشرب، وكذلك [يكره] المفضض خلافا لأبي حنيفة فإنه لا يكره [عنده]. (2)
لنا أن الأصل الإباحة إلى أن يقوم على التحريم دليل.

1 - الخلاف: 1 / 200 مسألة 161.
2 - الخلاف: 1 / 69 مسألة 15.
33

كيفية الطهارة
فصل في كيفية الطهارة
أما الوضوء فتقف صحته على شروط عشرة.
أولها: النية. (1) فإنها واجبة خلافا لأبي حنيفة. (2) فإنها عنده سنة، لنا " قوله تعالى:
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (3) والوضوء من الدين، لأنه عبادة
لقوله (عليه السلام): الوضوء شطر الإيمان، والإخلاص لا يحصل إلا بالنية فالنية واجبة وقوله (عليه السلام):
الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، وإذا كانت الأعمال توجد من غير نية يجب أن يكون
للأعمال الشرعية نية يمتاز بها عن غيرها، وقوله (عليه السلام): وإنما لامرئ مانوي، يدل على أنه ليس
له ما لم ينو، لأن هذا حكم لفظة (إنما) في اللسان العربي.
والنية هي أن يريد المكلف الوضوء لرفع الحدث واستباحة الصلاة (4)، وفي بعض كتب
أصحابنا وكتب أصحاب الشافعي أو استباحة الصلاة (5) أو غيرها مما يفتقر إلى الطهارة
طاعة لله وقربة إليه.
" اعتبرنا تعلق الإرادة برفع الحدث لأن حصوله مانع من العبادة، والاستباحة لأنه هو
الوجه الذي أمر لأجله برفع الحدث.
واعتبرنا الطاعة لأن بذلك يكون الفعل عبادة.
واعتبرنا القربة إليه سبحانه - وهو طلب المنزلة الرفيعة - [10 / ب] لأن ذلك هو

1 - الغنية 52.
2 - الخلاف: 1 / 71 مسألة 18.
3 - البينة: 5.
4 - الغنية 52.
5 - أنظر المختلف: 1 / 107 كيفية الوضوء، الوجيز: 1 / 12.
34

الغرض المطلوب بطاعته، فإن كان الوضوء واجبا بأن يكون وصلة إلى استباحة واجب،
نوى وجوبه ليتميز من الندب.
ويجوز أن يؤد بالوضوء المندوب الفرض من الصلاة إذا نوى رفع الحدث أو استباحة
الصلاة.
ثانيها مقارنة آخر جزء من النية لأول جزء من الوضوء، حتى يصح تأثيرها بتقدم
جملتها على جملة العبادة " (1)، خلافا لمن قال: أن مقارنتها بأن يكون زمان فعل الإرادة هو
زمان فعل العبادة.
لنا أن المقارنة على هذا الوجه حرج ولا حرج في الدين ويلزم على هذا الوجه أن يكون
جملة أجزاء العبادة خارجة عن النية لتقدم جملتها أو بعضها على جملة النية. (2)
وثالثها استمرار حكم النية إلى حين الفراغ من العبادة، وذلك بأن يكون ذاكرا لها،
غير فاعل لنية تخالفها (3) ووقت وجوبها عند غسل الوجه ووقت استحبابها عند أول سنن
الوضوء لأن لا يكون سننه عارية عن النية.
ورابعها غسل الوجه، وحده من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا و
ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا. (4)
خلافا لهما فإن عندهما من مبتداء تسطيح الجبهة إلى منتهى الذقن طولا ومن الأذن إلى
الأذن عرضا. (5)
[لنا] إن ما اعتبرناه من الوجه بلا خلاف، وما زاد على ذلك لا دليل على أنه منه (6) و
من ادعى أنه منه، فعليه الدليل.
ويجب غسله مرة واحدة بكف من الماء من أعلى الوجه إلى الذقن ولو غسل منكوسا لم
يجزئه على الأظهر وظاهر الآية مع من يجزئه.
ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا تخليلها بل يغسل الظاهر خلافا للشافعي
فإنه يجب إفاضة الماء عليه في أحد قوليه وبه قال أبو حنيفة: ولا خلاف في أنه لا يجب
غسله. (7)

1 - الغنية: 53 - 54.
2 - السرائر: 1 / 98.
3 - الغنية: 54.
4 - الغنية 54.
5 - الخلاف: 1 / 76 مسألة 23.
6 - الغنية: 54.
7 - الخلاف: 1 / 77 مسألة 24 و 25.
35

ولا يجب إيصال الماء إلى أصول شعر الوجه، كالحاجبين والأهداب والشارب خلافا
للشافعي لأنه يجب عنده. (1) لنا قوله تعالى {فاغسلوا وجوهكم} (2) ومن فعل ما ذكرناه
فقد غسل الوجه وامتثل الأمر، " واللحية إن كانت خفيفة يجب عنده إيصال الماء إلى ما تحتها
وإن كانت كثيفة فلا ". (3)
وخامسها: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع مرة واحدة، بكف من الماء، و
إدخال المرفق في الغسل. (4) لا خلاف لهما فيه. (5)
ومن قطع بعض يديه غسل ما بقي، وإن قطع من المرفق [11 / أ] سقط فرض غسلها،
وإن كان له ذراعان دون المرفق أو أصابع زائدة وجب غسل الجميع وإذا كان فوق المرفق
لا يجب غسلها، خلافا للشافعي فإنه يوجب غسل ما حاذى محل الفرض. (6)
ويجب الابتداء من المرفق، ومن قال: لا يجب دليله قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم و
أيديكم إلى المرافق} (7). قال: أمر الله تعالى بغسل اليدين ومن ابتدأ بالأصابع وغسل إلى
المرافق فقد امتثل الأمر (8).
لنا أن الآية مجملة تحتاج إلى بيان، وبيانه أن النبي (صلى الله عليه وآله) ابتدأ بالمرفق، فيجب
الابتداء به. (9)
دليله ما روي أنه (صلى الله عليه وآله) توضأ مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به فلا
يخلو إما أن يكون ابتدأ بالمرافق أو انتهى إليها، ولا يجوز أن يكون انتهى إليها لأن ذلك يوجب
أن لا تقبل صلاة من ابتدأ بها، وهذا خلاف الإجماع فثبت أنه ابتدأ بها، فيجب أن يكون
صلاة من ابتدأ بالأصابع غير مقبولة. وقوله تعالى: {وأيدكم إلى المرافق} لا ينافي ذلك
لأن (إلى) كما تكون لانتهاء الغاية تكون بمعنى (مع) كقوله تعالى {ولا تأكلوا أموالهم إلى
أموالكم}. (10) و {من أنصاري إلى الله}. (11) ولو كانت بمعنى الغاية، لوجب الانتهاء إلى

1 - الخلاف: 1 / 77 مسألة 25.
2 - المائدة: 6.
3 - الوجيز: 1 / 12.
4 - الغنية 55.
5 - الخلاف: 1 / 78 مسألة 26.
6 - الوجيز: 1 / 13.
7 - المائدة: 6.
8 - السرائر: 1 / 99، الانتصار 99.
9 - التهذيب: 1 / 56 حديث 158، الإستبصار: 1 / 57 حديث 168.
10 - النساء: 2.
11 - آل عمران: 52.
36

المرافق والابتداء بالأصابع وهذا خلاف الإجماع (1).
وسادسها مسح مقدم الرأس (2)، خلافا لجميع الفقهاء فإنهم يقولون هو مخير أي مكان
شاء من رأسه مسح مقدار الواجب. (3)
لنا أنه (صلى الله عليه وآله) كما روي: توضأ ومسح مقدم الرأس وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة
إلا به (4) فيجب أن يكون المسح على مقدم الرأس.
وأيضا فالإجماع حاصل على صحة وضوء من مسح مقدم الرأس، ولا إجماع على
خلافه.
" وأقله ما يسمى ماسحا ويجزي بإصبع واحدة. والأفضل أن يكون مقدار ثلاث
أصابع مضمومة، خلافا لمالك فإنه يمسح الرأس كله، ولأبي حنيفة فإنه يمسح مقدار ثلاث
أصابع في رواية، وفي رواية أخرى يمسح ربع الرأس بثلاث أصابع ". (5)
وتكرار المسح بدعة خلافا للشافعي فإنه يقول: المسنون ثلاث مرات ولأبي حنيفة،
فإنه قال: التكرار أولى. (6)
سابعها مسح ظاهر القدمين من رؤس الأصابع إلى الكعبين. (7)
خلافا لجميع الفقهاء، فإن الفرض عندهم الغسل.
وقال الحسن البصري (8) [11 / ب]، ومحمد بن جرير (9)، وأبو علي الجبائي (10)
بالتخيير.

1 - وبما أن لفظ اليد مشترك لفظي بين الأصابع والكف فما فوقه إلى الكتف لزم أن يذكر قرينة لتعيين المراد والمطلوب
في غسل الوضوء فأتى بلفظة (إلى) وهي هنا للغاية، ولا يلزم ما ذكره المصنف، أنظر تفسير الميزان للطباطبائي ذيل
هذه الآية.
2 - الغنية 55.
3 - الخلاف: 1 / 83 مسألة 32.
4 - لم أجد رواية بهذا النص إلا أنه بمعناه ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في مستدرك الوسائل 1 / 313 ح 1 و 2 من الباب 20 و
ح 7 من الباب 28 من أبواب الوضوء.
5 - الخلاف: 1 / 81 مسألة 29.
6 - الخلاف: 1 / 79 مسألة 27.
7 - الغنية 56.
8 - أبو سعيد بن أبي الحسن يسار، كان من كبراء التابعين وساداتهم، أبوه مولى يزيد بن ثابت الأنصاري وأمه خيرة مولاة
أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) ولد في خلافة عمر بالمدينة وتوفي سنة (110) بالبصرة. وفيات الأعيان: 2 / 69 رقم 156.
9 - بن يزيد بن خالد الطبري، وقيل: يزيد بن كثير، صاحب التفسير الكبير والتاريخ المشهور ولد سنة (224) وتوفي
سنة (310) ودفن في داره ببغداد. الوافي بالوفيات: 2 / 284 رقم 720.
10 - محمد بن عبد الوهاب بن سلام، أحد أئمة المعتزلة كان إماميا في علم الكلام، أخذ العلم عن أبي يوسف يعقوب بن
عبد الله الشحام البصري ولد في سنة (235) وتوفي في شعبان سنة (303). وفيات الأعيان: 4 / 267 رقم 607.
37

وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس (1) وعكرمة (2) وأنس (3) و
أبي العالية (4) والشعبي (5): القول بالمسح (6).
لنا " قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} (7) أمر سبحانه
وتعالى بمسح الرؤس ثم عطف عليها الأرجل، فوجب أن يكون لها بمقتضى العطف مثل
حكمها، وسواء في ذلك القراءة بالجر والنصب.
أما الجر فلا وجه له إلا العطف على الرؤس، ولا يجوز الجر بالمجاورة لأن علماء العربية
قد نفوا الإعراب بها وتأولوا الجر في (جحر ضب خرب) على أن المراد (خرب جحره) مثل
(مررت برجل حسن وجهه) ولأن من جوزه يقول: أنه شاذ نادر ولا يجوز حمل كتاب الله
على الشذوذ، ولوجود حرف العطف لا يبقى للإعراب بالمجاورة حكم، ولأن الإعراب
بالمجاورة يكون في الموضع الذي ترتفع الشبهة فيه، لأن من المعلوم أن (خربا) لا يجوز أن يكون
من صفات الضب، وليس كذلك الأرجل، لأنها كما يصح أن تكون مغسولة، يصح أن تكون
ممسوحة، فلا يجوز أن يكون إعرابها بالمجاورة.
قال الشاعر:
معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وعطفها على موضع الرؤس أولى لاتفاق أهل العربية على أن إعمال أقرب العاملين
أولى من إعمال الأبعد، ولهذا كان رد عمرو في الإكرام إلى زيد أولى من رده في الضرب إلى بكر

1 - عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو العباس توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وله (13) سنة أخذ عنه جماعة منهم عطاء بن
أبي رباح، وطاوس، ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم، توفي بالطائف وهو ابن (72) سنة وقد كف بصره. وفيات
الأعيان: 3 / 62 رقم 338.
2 - القرشي الهاشمي، أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عباس، أصله من البربر توفي سنة (106) تهذيب الكمال:
20 / 264 رقم 4009.
3 - بن مالك بن النضر الأنصاري النجاري، أبو حمزة المدني نزيل البصرة، خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله). توفي سنة (92).
تهذيب الكمال: 3 / 353 رقم 568.
4 - رفيع بن مهران الرياحي البصري مولى امرأة من بني رياح، أسلم بعد موت النبي. توفي سنة (111). تهذيب الكمال:
9 / 214، رقم 1922.
5 - اسمه: عامر بن شراحيل، أبو عمرو الكوفي من شعب همدان، مات سنة (103) وسنه (79) سنة. تهذيب الكمال:
14 / 28 رقم 3042.
6 - الخلاف: 1 / 89 مسألة 39.
7 - المائدة: 6.
38

في قولهم " ضربت بكرا وأكرمت زيدا وعمرا " ومثله " أكرمني وأكرمت عبد الله " بالنصب
[لا] بالرفع، وإذا كان القراءة بالجر لا يحتمل سوى المسح، ويجب حمل القراءة بالنصب على ما
يطابقها، لأن قراءة الآية الواحدة بحرفين يجري مجرى الآيتين في وجوب المطابقة بينهما.
وما روي أنه (صلى الله عليه وآله) بال على سباطة قوم ثم توضأ ومسح على قدميه، وعن أمير
المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ما نزل القرآن إلا بالمسح، وعن ابن عباس أنه وصف وضوء
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمسح على رجليه، وعنه أنه قال: مسحتان وغسلتان. (1)
والكعبان هما الناتئان في وسط [12 / أ] القدم (2) خلافا لهم، فإنهم قالوا: عظما الساق
الناتئان من جانبي القدم (3)، لنا أنه ثبت أن فرض الرجلين هو المسح ثبت أن الكعبين هما
ما ذكرناه، لأن من قال بأحد الأمرين قال بالآخر، فالقول بخلاف ذلك خروج عن
الإجماع (4).
وأيضا فرض المسح إذا تعلق ببعض الرؤس لأن (الباء) في {برؤوسكم} للتبعيض لا
للتعدية لأن الفعل معدى بنفسه فكذلك يجب في الأرجل بحكم العطف.
" وقوله تعالى {وأرجلكم إلى الكعبين} المراد رجلا كل متطهر وفيهما الكعبان، وهذا
أولى من قولهم: إنه أراد رجل كل متطهر، لأن الفرض يتناول الرجلين، فصرف الخطاب إليهما
أولى.
وثامنها أن لا يستأنف لمسح الرأس والرجلين ماء جديدا. (5) خلافا لجيمع
الفقهاء. (6)
لنا أن من غسل وجهه ويديه مأمور بمسح رأسه ورجليه، والأمر بمقتضى الشرع
يوجب الفور، ومن ترك المسح بالبلل الذي في يده وعاد إلى أخذ ماء جديد فقد ترك المسح
في زمان كان يمكنه فعله فيه وذلك لا يجوز.
وأيضا لما أمر الله تعالى [بغسل] الوجه واليدين أمر بمسح الرأس والرجلين والغسل
لا يكون إلا بالماء، والمسح (7) بغير الماء وليس لأخذ الماء في المسح ذكر فمن أوجب أخذ الماء

1 - الغنية: 57 - 58.
2 - الغنية: 56.
3 - الخلاف: 1 / 92 مسألة 40.
4 - الغنية: 58.
5 - الغنية: 58.
6 - الخلاف: 1 / 80 مسألة 28.
7 - أشار الكاتب إلى الهامش لاستدراك شئ فاته دون أن نجد شيئا في الهامش كما أن لفظة [بغسل] المتقدمة كان مما
أشار عندها الكاتب واستدركناها من السياق.
39

زاد في ظاهر الآية ما لا تقتضيه وذلك غير جائز.
وأيضا لما ثبت أن فرض الرجلين المسح، فمن قال به قال بما ذكرناه والتفرقة بينهما
خلاف الإجماع.
وتاسعها: الترتيب وهو أن يبدأ بغسل وجهه، ثم باليد اليمنى، ثم باليد اليسرى، ثم
بمسح الرأس ثم بمسح الرجلين. (1)
خلافا لأبي حنيفة فيه وللشافعي في تقديم اليمنى على اليسرى. (2)
لنا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم} الآية لأن الفاء تدل على التعقيب، سواء كانت عاطفة أو جزاء، وإذا وجب غسل
الوجه عقيب إرادة القيام وجب غسل اليدين عقيب غسل الوجه لمقتضى العطف وأيضا
طريقة الاحتياط يقتضي ما ذكرناه لأن من توضأ على الترتيب صح وضوءه بلا خلاف وليس
كذلك إذا توضأ ولم يراع الترتيب.
وما روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه توضأ مرة مرة [12 / ب] وقال (صلى الله عليه وآله): هذا وضوء لا يقبل الله
تعالى الصلاة إلا به، لا بد أن يكون توضأ مرتبا وإلا لزم أن لا يقبل صلاة من توضأ مرتبا و
هذا باطل بالإجماع.
وعاشرها: الموالاة، وهي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض، بمقدار ما يجف ما تقدم
في الهواء المعتدل. (3)
خلافا لأبي حنيفة، وللشافعي قولان: أحدهما: أنه إذا فرق إلى أن يجف أعاد، والثاني
لا يعيد (4)، وهو قوله في الجديد.
لنا أن (الفاء) في الآية للتعقيب والترتيب من غير تراخ، بخلاف (ثم) فإنه للترتيب مع
التراخي فوجبت الموالاة، والخبر المتقدم وطريقة الاحتياط أيضا يقتضيان ما ذكرناه.
" لا يجوز المسح على الخفين في حال الاختيار لا سفرا ولا حضرا خلافا لجيمع
الفقهاء ". (5)
لنا أنه تعالى أوجب المسح على الرجلين وقال: {فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى

1 - الغنية: 58.
2 - الخلاف: 1 / 95 مسألة 42.
3 - الغنية 59.
4 - الخلاف: 1 / 93 مسألة 41.
5 - الخلاف: 1 / 97 مسألة 93.
40

الكعبين} (1) فلا يجوز المسح إلا على ما يسمى رجلا على الحقيقة وليس كذلك الخف، فمن
مسح عليه عدل عن ظاهر الآية، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) نسخ الكتاب المسح على الخفين
وقوله ما أبالي أمسحت على الخفين أم على ظهر عير بالفلاة وعن عائشة أنها قالت لأن تقطع
رجلاي بالمواسي أحب إلى من أن أمسح على الخفين ولم ينكر عليها أحد من الصحابة. (2)
واختلف من جوز المسح على الخفين فعند الشافعية لا يجوز إلا بعد طهارة كاملة فلو
غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف لم يصح إلا بعد أن يخرجها ويغسل الأخرى ثم يلبس بعد
تمام الطهارة خلافا لأبي حنيفة وأصحابه لأن الاعتبار عندهم أن يطرأ الحدث على طهارة
كاملة ولا يعتبرون لبسهما على طهارة. (3) ويجوز للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام
بلياليها (4)، لا خلاف فيه بينهما وابتداء المدة من وقت الحدث عند هما. (5)
وإذا مسح في الحضر، ثم سافر مسح مسح المقيم عند الشافعي ومسح المسافر عند أبي
حنيفة. (6)
ولا يجوز المسح إلا على ساتر لجميع محل الفرض وإذا تخرق من مقدم الخف شئ بان منه
بعض الرجل، لم يجز المسح عليه وإن كان قليلا جاز.
وقال أبو حنيفة: إن كان الخرق قدر ثلاث أصابع لم يجز وإن نقص جاز. (7)
ولا يجوز المسح على الجورب إذا لم يكن منعلا وعند أبي حنيفة لا يجوز على حال. (8) و
قال الشافعي: إذا مسح [13 / أ] على الخف ما يقع عليه اسم المسح جاز خلافا لأبي حنيفة فإنه
يوجب قدر ثلاث أصابع. (9)
والمسنون عند الشافعي أن يمسح أعلى الخف وأسفله وعند أبي حنيفة المسح على
الظاهر دون الباطن. (10)
[و] إذا أصاب أسفل الخف نجاسة، فدلكه في الأرض حتى زالت، تجوز الصلاة فيه
خلافا للشافعي في الجديد. (11)

1 - المائدة: 6.
2 - الغنية: 60.
3 - الخلاف: 1 / 210 مسألة 173.
4 - الخلاف: 1 / 207 مسألة 169.
5 - الخلاف: 1 / 208 مسألة 170.
6 - الخلاف: 1 / 209 مسألة 172.
7 - الخلاف: 1 / 210 مسألة 174.
8 - الخلاف: 1 / 213 مسألة 179.
9 - الخلاف: 1 / 217 مسألة 184.
10 - الخلاف: 1 / 216 مسألة 183.
11 - الخلاف: 1 / 217 مسألة 184.
41

لنا أن التراب طهور لقوله (عليه السلام): جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا. (1)
ومسنونات الوضوء: السواك، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء - من النوم والبول
مرة ومن الغائط مرتين (2) -، وعند الشافعية ثلاث مرات مطلقا (3).
وعند الحنيفة غسلهما مطلقا. (4)
والتسمية والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا كل واحد منهما بكف من الماء وغسل
الوجه واليدين مرة ثانية. (5) والثالثة بدعة خلافا لهما فإنهما سنة عند هما. (6)
وأن يبدأ الرجل في الغسلة الأولى بظاهر ذراعيه، والمرأة بباطنهما، وفي الغسلة الثانية
بالعكس، والدعاء عند المضمضة والاستنشاق، وغسل الوجه واليدين ومسح الرأس و
الرجلين. (7) وعند الشافعي تطويل الغرة. واستيعاب الرأس بالمسح عندهما. وكذا مسح
الأذنين ظاهر هما بماء جديد. ومسح الرقبة عند الشافعي. وكذا تخليل أصابع الرجلين يبدأ
الرجل اليمنى. ويختم باليسرى.
والموالاة عنده.
والترتيب عند أبي حنيفة. (8)
وغير ذلك مما يطول الكتاب بذكر الجميع.
من شك في شئ من واجبات الوضوء وهو جالس استأنف ما شك فيه، فإن نهض متيقنا
لتكامله لم يلتفت إليه، لأن اليقين لا يترك بالشك. (9)
ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يجب عليه الطهارة وفاقا لهما. (10)
إذا توضأ وصلى ثم أحدث وتوضأ وصلى ثم ذكر أنه ترك عضوا في إحدى الطهارتين
ولا يدري من أيهما هو أعاد الطهارة والصلاتين معا بلا خلاف، وفي إعادة الوضوء للشافعي
قولان إذا قال بالموالاة قال أعاد وإذا لم يقل به بنى عليه.
ومتى صلى بطهارة ولم يحدث وجدد الوضوء ثم صلى العصر ثم ذكر أنه ترك عضوا في

1 - ومثل الحديث المذكور رواه ابن أبي جمهور في عوالي اللألي 2 / 208 ح 130 وعنه المحدث النوري في المستدرك
2 / 530: 2639.
2 - الغنية: 60.
3 - الوجيز: 1 / 13.
4 - الهداية في شرح البداية: 1 / 15.
5 - الغنية: 60.
6 - الخلاف: 1 / 87 مسألة 30.
7 - الغنية 61.
8 - الوجيز: 1 / 14، الهداية في شرح البداية: 1 / 15.
9 - الغنية: 61.
10 - الخلاف: 1 / 123 مسألة 35.
42

إحدى الطهارتين، فإنه يعيد الظهر لأنه لا شك أنه صلى العصر بطهارة وإنما الشك في الظهر، و
في إعادة العصر للشافعي قولان أحدهما يعيد والآخر لا [13 / ب] يعيد. (1)
فصل
وأما الغسل من الجنابة فالمفروض على من أراده: الاستبراء بالبول أو الاجتهاد فيه،
ليخرج ما في مخرج المني منه، ثم الاستبراء من البول، وغسل ما على بدنه من النجاسة، ثم
النية، ومقارنتها واستدامة حكمها. (2) - خلافا لأبي حنيفة (3)، لنا ما ذكرنا في وجوب النية في
الوضوء - ثم غسل جميع الرأس إلى أصل العنق، على وجه يصل الماء إلى أصول الشعر ثم
الجانب الأيمن من أصل العنق إلى تحت القدم ثم الجانب الأيسر كذلك. (4)
خلافا لجميع الفقهاء فإنهم لا يوجبون الترتيب (5) لنا أن من غسل على هذا الوجه
برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا لم يغسل على هذا الوجه.
" ومسنونه: غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثا، والتسمية، والمضمضة
والاستنشاق ". (6) خلافا لأبي حنيفة فإنهما واجبان عنده لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها
بشئ من الواجبات يحتاج إلى دليل. (7)
والمولاة والدعاء. (8)
والغسل بصاع من الماء والوضوء بمد خلافا لأبي حنيفة فإنه لا يجزئ في الغسل أقل من
تسعة أرطال وفي الوضوء أقل من مد. (9)
وفرض الغسل عند الحنفية المضمضة والاستنشاق. وغسل سائر البدن وسننه أن
يغسل يده وفرجه ويزيل النجاسة عن بدنه ثم يتوضأ وضوء الصلاة إلا رجليه ثم يفيض الماء
على رأسه وساير جسده ثلاثا، ثم يتنحى عن ذلك المكان فيغسل رجليه لأنهما في مستنقع
الماء المستعمل. (10)

1 - الخلاف: 1 / 202 مسألة 165 - 166.
2 - الغنية 61.
3 - الخلاف: 1 / 71 مسألة 18.
4 - الغنية 61.
5 - الخلاف: 1 / 132 مسألة 75.
6 - الغنية 61.
7 - الخلاف: 1 / 74 مسألة 21.
8 - الغنية 62.
9 - الخلاف: 1 / 129 مسألة 73.
10 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 14.
43

وعند الشافعية أقل الفرض النية واستيعاب البدن بالغسل وأكمله أن يغسل ما على
بدنه من أذى أولا ثم يتوضأ للصلاة ويؤخر غسل الرجل إلى آخر الغسل ثم يفيض الماء على
رأسه ثم يكرر ثلاثا ثم يدلك: (1)
ويستباح الصلاة بهذا الغسل من غير وضوء. (2) خلافا للفقهاء. (3)
لنا قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما
تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} (4) ولم يشرط الوضوء وقوله تعالى: {وإن
كنتم جنبا فاطهروا} (5) أمر للمحدث بالوضوء وللجنب بالغسل لاستباحة الصلاة، وإذا
اغتسل الجنب فقد استباح الصلاة وما عدا غسل الجنابة من باقي الأغسال الواجبة والمسنونة
[14 / أ] يجب فيها تقديم الوضوء لاستباحة الصلاة أو تأخيره لأنه ليس في الشرع ما يدل
على استباحتها بها من دونه ويؤتى بها على كيفية غسل الجنابة.
والأغسال المندوبة: غسل يوم الجمعة، ويوم الفطر، ويوم الأضحى. (6) وفاقا لجيمع
الفقهاء. (7)
وليلة الفطر، ويوم الغدير، ويوم المبعث، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر
رمضان، وليلة النصف منه، وليلة سبع عشرة منه، وليلة تسع عشرة منه، وليلة إحدى
وعشرين منه، وليلة ثلاث وعشرين منه، وغسل إحرام الحج، وغسل إحرام العمرة، و
لدخول الحرم، ولدخول مسجد الحرام، ولدخول الكعبة، وغسل يوم عرفة، ولدخول
المدينة، ولدخول مسجد النبي، ولزيارته، ولزيارة الأئمة (عليهم السلام)، ولزيارة البيت عند الرجوع
من منى، ولصلاة الاستسقاء، ولصلاة الحاجة، ولصلاة الاستخارة، ولصلاة الشكر، و
للتوبة من الكبائر، وغسل يوم المباهلة، وغسل المولود، وغسل قاضي صلاة الكسوف - إذا
تعمد تركها مع احتراق القرص كله - وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة
أيام وعلى جميع ذلك إجماع الإمامية. (8)

1 - الوجيز: 1 / 18.
2 - الغنية 62.
3 - أنظر الخلاف: 1 / 131 مسألة 74 والتذكرة: 1 / 244 مسألة 73.
4 - النساء: 43.
5 - المائدة: 6.
6 - الغنية 62.
7 - الخلاف: 1 / 219 مسألة 187.
8 - الغنية 62.
44

فصل
وأما التيمم فكيفيته: أن يضرب المحدث للوضوء أو الغسل بيديه على ما يتيمم به
ضربة واحدة، ينفضهما، ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ثم يمسح
بباطن كفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، ثم يمسح بباطن كفه اليمنى
ظاهر كفه اليسرى كذلك. (1)
ومن أصحابنا من قال: إنه يضرب للغسل ضربتين واحدة للوجه وأخرى لليدين
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه: أن التيمم ضربتان على كل حال، يمسح بإحداهما
وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين. (2)
وكيفيته عند الشافعية أن يضرب كفيه على التراب ضاما بين أصابعه ويمسح بهما وجهه
مرة واحدة ثم ينزع خاتمه ويفرج بين أصابعه ويضرب ضربة ثانية ويلصق ظهور أصابع يده
اليمنى ببطون أصابع يده اليسرى بحيث لا يجاوز أطراف الأنامل من إحدى الجهتين عرض
المسبحة من الأخرى ثم يمر بطن يده اليسرى على ظهر ساعده اليمنى ويمرها إلى الكوع ويمر
إبهام يده اليسرى على ظهر إبهام يده اليمنى ثم يفعل [14 / ب] باليسرى مثل ذلك ثم يمسح
كفيه ويخلل من أصابعه.
وفرائضه عندهم خمس، نقل الغبار إلى محل الفرض من تراب طاهر خالص، والنية
ولاستباحة الصلاة عند مسح الوجه، ومسح جميع الوجه بإمرار اليد المغبرة عليه، ومسح
اليدين مع المرفقين والترتيب. (3)
وعند أبي حنيفة النية واجبة فيه مندوبة في الوضوء. (4)
لنا على كيفيته كما ذكرنا قوله تعالى {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم منه} (5) فمن مسح الوجه واليدين بضربة واحدة فقد امتثل الأمر وما
رواه عمار (6) من قوله (صلى الله عليه وآله): التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.

1 - الغنية 63.
2 - الخلاف: 1 / 132 مسألة 76.
3 - الوجيز: 1 / 21.
4 - الخلاف: 1 / 71 مسألة 18.
5 - المائدة: 6.
6 - ابن ياسر بن عامر، أبو يقظان، كان من السابقين الأولين هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد كلها، تواترت الأحاديث
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا على أنه قتل مع علي (عليه السلام) بصفين سنة (87). الإصابة: 4 / 575 رقم
5708.
45

وعلى مقدار الممسوح من الوجه واليدين ما ذكرناه قوله تعالى: {فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه} وفائدة (الباء) ها هنا التبعيض كما قلنا في الوضوء في قوله تعالى: {وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
والنية واجبة فيه ولا ينوي به رفع الحدث وينوي به استباحة الصلاة، والترتيب والموالاة.
ولا يجوز إلا عند عدم الماء، أو عدم ما يتوصل إليه من آلة أو ثمن غير مجحف، أو عدم
ملك للماء أو إذن في استعماله، أو حصول خوف من استعماله، لمرض أو شدة برد، أو عطش،
أو عدو، أو حصول علم أو ظن بفوت الصلاة قبل الوصول إليه ولا يجوز إلا في آخر وقت
الصلاة. (1)
خلافا لهما فإنهما يجوزان في أول الوقت وقبل دخول الوقت أيضا عند أبي حنيفة. (2)
لنا أنه أبيح للضرورة فلا يجوز فعله قبل تأكد الضرورة ولا يجوز إلا بعد الطلب للماء
رمية سهم في الأرض الحزنة، ورمية سهمين في الأرض السهلة يمينا وشمالا وأماما و
وراء،. (3)
وكيفية الطلب عند الشافعية إذا كان في سهل لا يحول بينه وبين منظره شئ أن ينظر يمينا
وشمالا وأماما ووراء أو مستخبرا لقافلة فإن لم يخبروه بشئ ولم ير أثرا تم الطلب. (4)
وليس عند الحنفية إذا لم يغلب على ظنه أن بقربه ماء أن يطلب فإذا غلب وجب
الطلب. (5)
لنا إن من تيمم بعد الطلب وصلى برئت ذمته بيقين ولا كذلك إذا لم يطلب، أو طلب بغير
ما ذكرناه. " ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ولا يجوز بالكحل، ولا بالزرنيخ ولا بغيرهما من
المعادن ولا بتراب خالطه شئ من ذلك ويجوز عند أبي حنيفة. بكل ما كان من جنس الأرض
كالرمل [15 / أ] والحجر والنورة والجص والكحل. وعند الشافعي. لا يجوز إلا بالتراب
خاصة (6) كما قلناه لنا قوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} (7) والصعيد التراب الذي لا

1 - الغنية 64.
2 - الخلاف: 1 / 146 مسألة 94.
3 - الغنية 64.
4 - الخلاف 1 / 147 مسألة 95، المبسوط للسرخسي: 1 / 108، بدائع الصنايع: 1 / 317.
5 - الخلاف: 1 / 147، اللباب في شرح الكتاب: 1 / 35.
6 - الخلاف: 1 / 134 مسألة 77.
7 - المائدة: 6.
46

يخالطه غيره والطيب هو الطاهر وقيل هو الذي ينبت لقوله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباته
بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا} (1) (2) [و] إذا دخل في الصلاة ثم وجد الماء، وجب
عليه المضي فيها. (3) خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يبطل صلاته وعليه استعمال الماء. (4)
لنا أنه إنما يدخل فيها عندنا إذا بقي من الوقت قدر ما يفعل الصلاة فيه، فقطعها والحال
هذه، والاشتغال بالوضوء أو الغسل، يؤدي إلى فواتها، وذلك لا يجوز. (5)
ويجوز أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد فرضين كانا أو نفلين خلافا للشافعي فإنه لا
يجوز أن يجمع بين صلاتي فرض، ويجوز بين فريضة واحدة وما شاء من النوافل.
وقال أبو حنيفة: يجوز على كل حال كما قلناه. (6)
لنا أن التيمم طهارة يستباح بها الصلاة كالوضوء فمن منع يحتاج إلى دليل شرعي
وقوله (عليه السلام): " التيمم طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ". (7)
إذا عدم التراب ومعه ثوب أو لبد سرج نفضه وتيمم به. وإن لم يجد إلا الطين، وضع يده
فيه، ثم فركه، وتيمم، ويصلي، ولا إعادة خلافا للشافعي فإنه يعيد وقال أبو حنيفة: تحرم
عليه الصلاة في هذه الحال. (8)
لنا قوله تعالى: {فتيمموا صعيدا طيبا} (9) والصعيد الطيب التراب الطاهر وما تيمم
به فهو تراب فيجوز التيمم به وإذا جاز لم يجب إعادة صلاة صلي به.

1 - الأعراف: 58.
2 - مجمع البيان: 3 / 94.
3 - الغنية 64.
4 - الخلاف: 1 / 141 مسألة 89.
5 - الغنية 64.
6 - الخلاف: 1 / 143 مسألة 91.
7 - الهداية في شرح البداية: 1 / 27.
8 - الخلاف: 1 / 155 مسألة 107.
9 - المائدة: 6.
47

الصلاة
فصل في ستر العورة وما تستر به
والعورة الواجب سترها من الرجال القبل والدبر. (1)
خلافا لهما فإنها عند الشافعية ما بين السرة إلى الركبة وعند الحنفية ما تحت السرة إلى
الركبة، والركبة عندهم عورة. (2)
لنا إجماع الأمة على أن ما ادعيناه من القبل والدبر عورة وليس على ما زاد عليه إجماع
فلا يثبت إلا بدليل.
وما عداهما من السرة إلى الركبة مستحب للرجل.
" ومن النساء جميع أبدانهن ". (3) وفي رواية إلا الجبهة والكفين. (4)
وفي أخرى وظهور القدمين. (5)
والأولى ستر ما خلا وجهها، ومن الإماء جميع أبدانهن إلا الرؤس وما [15 / ب]
استثني من الحرائر.
وعورة الحرة عند الشافعية جميع بدنها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وظهر القدم
عورة في الصلاة وفي أخمصها وجهان، وما يبدو من الأمة في حال المهنة ليس بعورة وما بينهما
إلى محل عورة الرجل فيه وجهان (6) أحدهما أنه عورة والثاني أنه ليس بعورة وعليه أكثر

1 - الغنية 65.
2 - الخلاف: 1 / 398 مسألة 149.
3 - الغنية 65.
4 - سنن البيهقي: 10 / 251 حديث 13783.
5 - الخلاف: 1 / 392 مسألة 144، الهداية في شرح البداية: 1 / 45.
6 - الوجيز: 1 / 48.
48

أصحاب الشافعي وإنما عليها ستر ما بين السرة إلى الركبة مثل الرجل.
لنا أن الأخبار في أن المرأة كلها عورة وإذا وردت [أخبار] بجواز كشف رأسها خصصنا
بها وما سواه داخل تحت العموم (1).
وعند الحنفية: بدن الحرة كلها عورة لقوله (عليه السلام) المرأة عورة مستورة إلا وجهها وكفيها (2)
لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} (3) قيل: هي الكحل والخاتم يعني
موضعهما (4) وما كان عورة من الرجل فهو عورة من الأمة بطريق الأولى وبطنها وظهرها
عورة وما سوى ذلك فليس بعورة لما روي من أن عمر (5) رأى جارية مقنعة قال لها: ألقي عنك
الخمار يا دفار تتشبهين بالحرائر (6).
لنا ما تقدم من الدليل على أنها كلها عورة إلا رأسها.
" وأما ما به تستر فشرطه أن يكون مملوكا أو في حكم المملوك وأن يكون طاهرا ومما
ينبت الأرض كالقطن والكتان وغيرهما من النبات إذا صح الاستتار به، أو يكون شعر ما
يؤكل لحمه أو صوفه أو وبره وكذا جلده إذا كان مذكى ". (7)
ولا يجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه، سواء ذكي أو لم يذك، دبغ أو لم يدبغ، خلافا
للشافعي فإنه يجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه إذا دبغ إلا الكلب والخنزير فإنه لا يجوز
الصلاة في جلدهما ولأبي حنيفة إلا في جلد الخنزير فإنه يجوز الصلاة في جلد الكلب إذا
دبغ. (8)
لنا ما قدمنا من الدلالة على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ لأن اسم الميتة كما يتناوله قبل
الدباغ يتناوله بعده [و] إذا لم يطهر يكون نجسا فلا يجوز الصلاة فيه، وأما الحيوان الذي لا
يؤكل لحمه لا تؤثر الذكاة في طهارته، وينجس جلده وساير أجزائه عند الشافعي وإنما يطهر

1 - الخلاف: 1 / 397 مسألة 147.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 45.
3 - النور: 31.
4 - سنن البيهقي: 10 / 251 حديث 13780.
5 - بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وأسلم بعد
خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشر امرأة وطعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة، سنة (23 ه‍) وتوفي
وهو ابن (63) سنة. أسد الغابة: 3 / 642 رقم 3824.
6 - الهداية في شرح البداية: 1 / 46.
7 - الغنية 65.
8 - الخلاف: 1 / 511 مسألة 256 واللباب في شرح الكتاب: 1 / 24 والوجيز: 1 / 10.
49

ما يطهر منها بالدباغ. (1)
لنا أنه إذا اعترف بنجاسته فلا بد له من دليل يدل على طهارته بعد الدباغ وإلا فهو باق
على نجاسته فلا يجوز الصلاة فيه " وقال أبو حنيفة: يطهره بالذكاة ". (2) فلا أثر للدباغ عنده.
جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه عدا الكلب والخنزير [16 / أ] إذا كان مذكى ومدبوغا
يجوز التصرف فيه بالاستعمال عندنا لكن لا يجوز الصلاة فيه لأن جواز الصلاة فيه حكم
شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي ولا دليل يدل عليه.
ولا يجوز الصلاة في الإبريسم المحض للرجال خلافا لجيمع الفقهاء. (3)
لنا أنه حرام عليهم لبسه، فلبسه والصلاة فيه بالإجماع معصية وستر العورة واجب و
لا يصح التقرب إلى الله تعالى بالمعصية وكذلك المغصوب من الثياب لا يجوز لبسه والصلاة
فيه.
وإذا اختلط القطن أو الكتان بالإبريسم زال تحريم لبسه وقال الشافعي لا يزول إلا إذا
تساويا أو يكون القطن أكثر. (4) لنا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل.
ويجوز الصلاة في الخز الخالص. (5)
ولا يجوز في المغشوش بوبر الأرانب خلافا لجميع الفقهاء. (6)
لنا ما ذكرنا أن الصلاة لا يجوز في وبر ما لا يؤكل لحمه ولا في جلده فلا نعيد ذكره.
وقد وردت رخصة في جواز الصلاة للنساء في الإبريسم المحض وفيما لا يتم الصلاة فيه
منفردا وإن كان نجسا وذلك مثل الخف والنعل والقلنسوة والتكة والجورب، والتنزه عن
ذلك أفضل. (7) وخالف جميع الفقهاء في ذلك. (8) وطريقة الاحتياط يقتضي التنزه عنه.
ويكره الصلاة في المذهب والملحم بالحرير وفي الثوب المصبوغ، وأشد كراهة
الأسود. (9) خلافا لجميع الفقهاء.
لنا طريقة الاحتياط وقول أبي عبد الله (عليه السلام): يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف،

1 - الخلاف: 1 / 63 مسألة 11.
2 - الخلاف: 1 / 63 مسألة 11.
3 - الخلاف: 1 / 504 مسألة 245.
4 - الخلاف: 1 / 505 مسألة 246.
5 - الغنية 66.
6 - الخلاف: 1 / 512 مسألة 257.
7 - الغنية 66.
8 - الخلاف: 1 / 479 مسألة 223.
9 - الغنية 66.
50

والعمامة، والكساء وسئل عن الصلاة في القلنسوة السوداء فقال: لا تصل فيها فإنها
لباس أهل النار. (1)
ومتى وجد بعد الصلاة على ثوبه نجاسة، وكان العلم بها قد تقدم، أعادها على كل
حال، وإن لم يتقدم، أعادها إن كان الوقت باقيا، وإلا فلا. (2)
وقال أبو حنيفة والشافعي: يعيدها على كل حال. (3)
العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائما، وإن كان بحيث لا يأمن أن يراه صلى
جالسا. خلافا للشافعي فإنه قال: العريان كالمكتسي يصلي قائما ولم يفصل.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يصلي قائما أو قاعدا. (4)
لنا طريقة الاحتياط إذا أمن يقتضي أن يصلي قائما وإذا لم يأمن يقتضي أن يصلي قاعدا
وأيضا فإن ستر العورة واجب وإذا لم يمكن ذلك إلا بالقعود فوجب عليه ذلك.
" وإذا لم يجد إلا ثوبا نجسا يصلي عريانا ولا إعادة [16 / ب] وبه قال الشافعي ومن
أصحابه من قال: يصلي فيه ويعيد.
وقال أبو حنيفة: إن كان كله نجسا فهو بالخيار بين أن يصلي فيه، وأن يصلي عريانا، و
إن كان ربعه طاهرا فعليه أن يصلي فيه ". (5)
لنا أنه إذا لم يجد ثوبا يجب عليه أن يصلي عريانا إجماعا والثوب النجس لا يجوز فيه
الصلاة إجماعا فوجوده كعدمه فيجب عليه أن يصلي عريانا.
فصل [في] مكان الصلاة
لا تصح الصلاة إلا في مكان مملوك أو في حكم الملك (6)، فلا تصح في المغصوب. خلافا
للفقهاء مع قولهم: أن ذلك منهي عنه. (7)
لنا أن الدخول في المكان المغصوب والمكث فيه منهي عنه ولا يمكن الصلاة فيه بدون
المكث فالصلاة فيه منهية والنهي يدل على فساد المنهي عنه " وقول المخالف: الصلاة تنقسم إلى

1 - الخلاف: 1 / 506 مسألة 247.
2 - الغنية 66.
3 - الخلاف: 1 / 478 مسألة 221 وفيه (لا تجب عليه الإعادة). أنظر المجموع: 3 / 162 والسراج الوهاج: 55.
4 - الخلاف: 1 / 399 مسألة 151.
5 - الخلاف: 1 / 398 مسألة 150.
6 - الغنية 66.
7 - الخلاف: 1 / 509 مسألة 253.
51

فعل وذكر، والذكر لا يتناول المكان فلا يمتنع أن تكون مجزئة غير صحيح لأن الصلاة عبارة
عن الفعل والذكر معا، وإذا كان كذلك وجب انصراف النية إليهما وكون الفعل معصية يمنع من
نية القربة فيه.
وقولهم: كون الصلاة في الدار المغصوبة لحق صاحب الدار لا يمنع من إجزائها من حيث
استيفاء شروطها الشرعية، ونية المصلي تنصرف إلى الوجه الذي به تتكامل الشروط
الشرعية، دون الوجه الذي يرجع إلى صاحب الدار، غير صحيح أيضا، لأنه مبني على
استيفاء هذه الصلاة شروطها الشرعية، وذلك غير مسلم. لأن من شروطها كونها طاعة
وقربة وذلك لا يصح في الدار المغصوبة.
وتكره الصلاة في معاطن الإبل، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر، ومرابض
الغنم والمزابل والمذابح، والحمامات، وبيوت النيران، وغيرها من معابد أهل الضلال، وبين
القبور، وعلى البسط المصورة والأرض السبخة، وجواد الطرق وقرى النمل، وفي البيداء و
ذات الصلاصل ووادي ضجنان والشقرة ". (1)
لأن النهي عن الصلاة في هذه الأمكنة وارد وقد يحمل على الكراهة بدليل.
فصل في ما يسجد عليه
لا يجوز السجود بالجبهة إلا على ما يطلق عليه اسم الأرض أو على ما انبتته الأرض
مما لا يؤكل [17 / أ] ولا يلبس إذا كان مملوكا أو في حكم الملك، طاهرا من النجاسة
خلافا لجميع الفقهاء. فإنهم يجوزون السجود على غير ما ذكرناه مما لا يطلق على اسم
الأرض ولا ينبت منها لنا أن المصلي إذا سجد على ما ذكرناه برئت ذمته من الصلاة بإجماع
الأمة وليس كذلك إذا سجد على غيره (2) وأيضا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: صلوا كما رأيتموني
أصلي. (3)
فلا يخلو من أنه سجد على ما ذكرنا أو على غيره فإن سجد على غيره لزم أن يكون
صلاة من سجد على ما ذكرناه باطلة وهذا باطل بالإجماع فلزم أن يكون سجد على ما ذكرناه،

1 - الغنية 67.
2 - الخلاف: 1 / 357 مسألة 112.
3 - الغنية: 80.
52

وقوله (صلى الله عليه وآله): جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا (1)، والمسجد موضع السجود ولا
يخرج جواز السجدة من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع وهو إجماع الأمة على جوازها
على ما ذكرناه وهو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل عادة ولا يلبس.
فصل في القبلة ومعرفتها
القبلة هي الكعبة، فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها، ومن شاهد المسجد ولم
يشاهد الكعبة، وجب عليه التوجه إليه، ومن لم يشاهده توجه نحوه بلا خلاف (2) والحرم
قبلة لمن كان خارجا عنه وخالف فيه الفقهاء فقال أصحاب الشافعي: كلف الناس التوجه إلى
عين الكعبة.
وقال بعضهم: إلى الجهة التي فيها الكعبة وبه قال أبو حنيفة. (3)
لنا قوله تعالى: {فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما
كنتم فولوا وجوهكم شطره} (4) وهذا يدل على أن القبلة جهة الكعبة وجهة المسجد
فلو زالت البنية صلى إلى جهتهما كما يصلي من هو أعلى موقفا منها وإذا ثبت أن القبلة جهة
الكعبة لمن يراها بالاتفاق وجهة المسجد لمن لا يراها بالنص ثبت أن القبلة جهة الحرم لمن
نأي عنه لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين.
ومن صلى في جوف الكعبة صلى إلى أي جدرانها شاء على كراهية في الفريضة ولو صلى
على سطحها أبرز من بين يديه شيئا منه.
خلافا للشافعية فإنهم لا يجوزون الصلاة على سطحها ولا في عرصتها إذا انهدمت
الكعبة بل يجب أن يصلي خارج العرصة متوجها إليها (5).
لنا لو جازت الصلاة [17 / ب] خارج العرصة لجازت في العرصة إذا أبرز المصلي بين
يديه شيئا منها والأول حسن فالثاني مثله والجامع بينهما التوجه إلى العرصة.
" وفرض المتوجه العلم بجهة القبلة، فإن تعذر العلم قام الظن مقامه.
ولا يجوز الاقتصار على الظن مع إمكان العلم، فمن فعل ذلك فصلاته باطلة، وإن

1 - الخلاف: 1 / 496 مسألة 236.
2 - الغنية 68.
3 - الخلاف: 1 / 295 مسألة 41.
4 - البقرة: 144.
5 - الخلاف: 1 / 440 مسألة 187 - 188، الوجيز: 1 / 38.
53

أصاب بتوجهه جهة القبلة، لأنه ما فعل التوجه على الوجه المأمور به، فيجب أن يكون غير
مجز.
ومن توجه مع الظن، ثم تبين له أن توجهه إلى غير القبلة، أعاد الصلاة إن كان وقتها
باقيا، ولم يعد إن كان قد خرج، إلا أن يكون استدبر القبلة، فإنه يعيد على كل حال ". (1)
وقال الشافعي: إن [كان] بان له بالاجتهاد الثاني لا يعيد وأعاد إن بان له بيقين ففي قوله
القديم لا يعيد. وبه قال أبو حنيفة: وفي قوله الثاني في الأم: يعيد. وهو الصحيح عند
أصحابه. (2)
لنا في الإعادة قوله تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} (3) والفرض
استقباله في القبلة في الصلاة، وهو لم يستقبل القبلة فيجب الإعادة، ولأبي حنيفة قوله تعالى:
{فأينما تولوا فثم وجه الله} (4)، قلنا: إن الآية نزلت فيمن صلى التطوع على الراحلة ولو
كانت عامة لما تعينت القبلة.
" ومن لم يعلم جهة القبلة ولا ظنها توجه بالصلاة إلى أربع جهات لكل جهة مرة بدليل
طريقة الاحتياط ". (5) ولو ضاق الوقت فإلى أي جهة شاء.
ولو استطال صفه المأمومين في المسجد حتى خرج بعضهم عن سمت الكعبة بطلت صلاة
ذلك البعض.
وأهل كل إقليم يتوجهون إلى سمت الركن الذي على جهتهم فأهل العراق إلى العراقي
وهو الذي فيه الحجر وأهل الشام إلى الشامي وأهل الغرب إلى الغربي وأهل اليمن إلى اليماني، و
أهل العراق ومن والاهم يجعلون الفجر على المنكب الأيسر والمغرب على الأيمن والجدي
خلف المنكب الأيمن وعين الشمس عند الزوال على الحاجب الأيمن ويستحب لهم التياسر
قليلا فإن فقد الإمارات عمل على غلبة الظن وإذا اجتهد وأخبره غيره بخلاف اجتهاده إذا
كان الخبر أوثق في نفسه عول عليه وإلا عول على اجتهاده.
الأعمى يعول على [18 / أ] غيره وإن لم يجد صلى إلى أربع جهات، " والأعمى إذا صلى
إلى عين القبلة من غير أن يرجع إلى غيره تمت صلاته خلافا للشافعي فإنه قال بطلت

1 - الغنية 69.
2 - الخلاف: 1 / 303 مسألة 51.
3 - البقرة: 144.
4 - البقرة: 115.
5 - الغينة 69.
54

صلاته ". (1)
ولا يجوز للمسافر أن يصلي شيئا من الفرائض على الراحلة إلا عند الضرورة ويستقبل
القبلة إن أمكن، فإن لم يتمكن فما أمكنه وينحرف إلى القبلة كلما انحرف الدابة فإن لم يتمكن
استقبل بتكبيرة الإحرام ولو لم يتمكن أجزأته الصلاة وإن لم يكن مستقبلا، وكذا المضطر إلى
الصلاة ماشيا مع ضيق الوقت (2) وعند الشافعية وغيرهم لا تؤدي فريضة على الراحلة ولا
مندوبة لأن الركن الأظهر فيها القيام بخلاف السفينة الجارية لأنها كالسرير والماء
كالأرض (3) وأما النوافل فيجوز إقامتها راكبا وماشيا في السفر الطويل، وفي القصير قولان و
لا يجوز في الحضر، ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة ويجب الاستقبال عند تكبيرة الإحرام
وقيل لا يجب إلا إذا كان العنان بيده (4).
لنا في جواز الصلاة على الراحلة مضطرا فقدان إمكان القيام والقدرة عليه فإذا فقد
الإمكان سقط عنه القيام لأن بناء التكليف على الإمكان والقدرة.
ويجب استقبال القبلة في فرائض الصلاة مع الإمكان، وعند الذبح خلافا لهما فإنه
عندهما سنة (5) وسنذكره في باب الذبح إن شاء الله تعالى، وبالميت عند احتضاره ودفنه و
الصلاة عليه (6).
فصل في أوقات الصلاة
لكل صلاة وقت وله أول وآخر فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، فإذا مضى من
زوالها مقدار أداء الظهر، دخل وقت العصر، واشترك الوقتان إلى أن يبقي من غروب الشمس
مقدار أداء العصر، فيخرج وقت الظهر، واختص هذا المقدار بالعصر. (7)
خلافا للشافعي فإنه قال: إذا صار ظل الشخص مثله من موضع الزيادة يكون آخر
وقت الظهر وعند أبي حنيفة إذا صار مثليه. (8)
وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر ويتمادى إلى غروب الشمس.
ووقت الفضيلة في الأول وبعده إلى أن يصير الظل مثليه وقت الاختيار وبعده وقت

1 - الخلاف: 1 / 303 مسألة 50.
2 - الشرايع: 1 / 79.
3 - الخلاف: 1 / 300 مسألة 47.
4 - الخلاف: 1 / 299 مسألة 44.
5 - الخلاف: 6 / 50 مسألة 11.
6 - الشرايع: 1 / 80.
7 - الغنية 69.
8 - الخلاف: 1 / 257 مسألة 4.
55

الجواز إلى الاصفرار عند الشافعية فإذا غربت خرج وقت العصر (1).
لنا قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى [18 / ب] غسق الليل} (2) " وهذا
يقتضي أن وقت الظهر والعصر ممتد من دلوك الشمس إلى غسق الليل ودلوك الشمس هو
ميلها بالزوال إلى أن تغيب، بلا خلاف بين أهل اللغة والتفسير، يقال: دلكت الشمس إذا
مالت " (3)، فيكون من زوال الشمس إلى غروبها وقت الصلاة ولا صلاة بين زوال الشمس و
غروبها إلا الظهر والعصر فيجب أن يكون وقت الصلاتين إلا أن الأول مقدار أربع ركعات
اختص بالظهر والآخر مقدار أربع ركعات إلى الغروب اختص بالعصر وما بينهما مشترك إلا
أن الظهر قبل العصر.
وأيضا قوله تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار} (4). والمراد به الفجر لأنه في الطرف
الأول من النهار والظهر والعصر لأنهما في طرفه الثاني وللنهار وسط وهو نصفه حين استوت
الشمس في كبد السماء وطرفه الأول من طلوع الفجر إلى استواء الشمس وليس فيه إلا صلاة
الفجر إلا أنه اختص به إلى قبيل طلوع الشمس وخرج منه من طلوع الشمس إلى الزوال
بدليل وهو الإجماع وطرفه الثاني من الزوال إلى غروب الشمس ليس فيه إلا الظهر والعصر
فاختص بهما.
وأيضا " جواز صلاة العصر بعرفة عقيب الظهر بالاتفاق دليل على أن ذلك أول وقتها.
وما رواه ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين صلاتين في الحضر لا لعذر يدل على اشتراك
الوقت وقوله (لا لعذر) يدل على أنه فعل كل صلاة في وقتها المختص بها لأن فعل الصلاة في
وقتها المختص بها لا يفتقر إلى عذر ".
وإذا غربت الشمس دخل وقت المغرب فإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات دخل وقت
العشاء الآخرة واشترك الصلاتان في الوقت إلى أن يبقى إلى انتصاف الليل مقدار أداء صلاة
العشاء الآخرة فيخرج وقت المغرب ويخلص ذلك المقدار للعشاء الآخرة (5).
وعند الشافعية يمتد وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق (6) وهو
الحمرة التي يلي الشمس عندهم وعندنا، وعند أبي حنيفة هو البياض الذي في الأفق بعد

1 - الخلاف: 1 / 259 مسألة 5.
2 - الإسراء: 78.
3 - الغنية 70.
4 - هود: 114.
5 - الغنية: 69 - 70.
6 - أنظر نيل الأوطار: 2 / 3.
56

الحمرة (1).
ووقت العشاء الآخرة يدخل بغروب الشفق ويمتد وقت الاختيار إلى ثلث الليل
[19 / أ] على قول وإلى نصف الليل على قول ووقت الجواز إلى طلوع الفجر عند الحنفية آخر
وقتها ما لم يطلع الفجر (2).
لنا قوله تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} والمراد بطرفي النهار:
صلاة الفجر لأنها في طرفه الأول وصلاة الظهر والعصر، لأنهما في طرفه الآخر والمراد
(بزلفا) من الليل صلاة المغرب والعشاء الآخرة لأنه لا صلاة فيها إلا العشائين بالاتفاق
فيكون وقتا لهما وزلف الليل ساعاته القريبة من آخر النهار فيلزم أن يكون مقدار ثلاث
ركعات مختصا بالمغرب فإذا مضى ذلك المقدار اشتركت الصلاتان كما ذكرنا إلا أن المغرب قبل
العشاء وأيضا لو لم يكن وقت العصر لما جاز أدائها عقيب الظهر بعد الزوال بعرفات وكذا
العشاء الآخرة عقيب المغرب بعد غروب الشمس بالمزدلفة لكنها جائزة صحيحة بالاتفاق
فيكون وقت العصر بعد الفراغ من الظهر ووقت العشاء الآخرة بعد الفراغ من المغرب وأيضا
لو لم يكن الوقتان وقتيهما لما جاز الجمع بين الظهرين ولا بين العشاءين لكنه جاز عند الشافعي
تقديما يعني تقديم العصر والعشاء على وقتيهما المضروبين لهما لكنه جاز فيلزم أن يكون وقتيهما
لأن الصلاة قبل دخول الوقت لا يجوز لا اختيارا ولا ضرورة بالاتفاق.
" وأول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني " (3) والفجر الثاني هو البياض المعترض
في الأفق لا المستطيل لقوله (عليه السلام): (لا يغرنكم أذان بلال (4) (5) ولا الفجر المستطيل وإنما الفجر
المستطير في الأفق وآخره قبيل طلوع الشمس لقوله تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع
الشمس}. (6) يعني الصلاة " وقال أبو حنيفة: إن وقته ممتد إلى طلوع الشمس ". (7)
وأما أوقات النوافل اليوم والليلة، فوقت نوافل الظهر من زوال الشمس إلى أن يبقى من
تمام أن يصير ظل كل شئ مثله مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات، ووقت نوافل الجمعة قبل

1 - الخلاف: 1 / 262 مسألة 7.
2 - الخلاف: 1 / 264 مسألة 8.
3 - الغنية: 70.
4 - ابن رباح، أبو عبد الله، مولى أبي بكر اشتراه بخمس أواقي وأعتقه وكان مؤذنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وخازنا، شهد بدرا
والمشاهد كلها، توفي بدمشق، ودفن بباب الصغير سنة (20) وهو ابن بضع و (60) سنة. أسد الغابة: 1 / 243 رقم
493.
5 - نصب الراية: 1 / 395، كنز العمال: 8 / 528 حديث 23996.
6 - طه: 131.
7 - الخلاف: 1 / 267 مسألة 10.
57

الزوال، ووقت نوافل العصر من حين الفراغ من صلاة الظهر إلى أن يبقى من تمام أن يصير ظل
كل شئ مثليه مقدار أن يصلي فيه أربع ركعات إلا في يوم الجمعة، فإنها تقدم قبيل الزوال، و
وقت نوافل المغرب من حين [19 / ب] الفراغ منها إلى أن يزول الشفق من ناحية المغرب، و
وقت الوتيرة حين الفراغ من فريضة العشاء الآخرة، ووقت صلاة الليل من حين انتصافه إلى
قبيل طلوع الفجر، ووقت ركعتي الفجر من حين الفراغ من صلاة الليل إلى ابتداء طلوع
الحمرة من ناحية المشرق.
ويكره الابتداء بالنافلة من غير سبب، حين طلوع الشمس، وحين قيامها نصف النهار
في وسط السماء إلا يوم الجمعة، وبعد فريضة العصر، وقبل غروب الشمس، وبعد فريضة
الغداة. (1)
وعند الشافعية بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب، ووقت
الطلوع إلى أن يرتفع قرص الشمس قيد رمح ووقت الاستواء إلى أن تزول الشمس ووقت
الاصفرار إلى تمام الغروب. (2)
وعند الحنفية لا يجوز الصلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيامها في الظهيرة ولا عند
غروبها ولا صلاة جنازة ولا سجدة تلاوة.
ويكره التنفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا ركعتي الفجر وبعد العصر حتى تغرب
وبعد الغروب قبل الفرض وإذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ (3).
لنا أن ما اعتبرنا من الأوقات التي يكره الصلاة فيها مجمع عليه وليس كذلك ما اعتبروه
بل هو داخل تحت عموم أوامر القرآن بالصلاة.
" إذا صلى من الفجر ركعة ثم طلعت الشمس، أو ركعة من العصر ثم غابت فقد أدرك
الصلاتين في الوقت، وهو ظاهر مذهب الشافعي. وذهب قوم من أصحابه إلى أنه مدرك
للركعة الأولى في وقتها وقاض للأخرى في غير الوقت. وقال: المرتضى (4) من أصحابنا قدس
الله روحه أنه يكون قاضيا لجميع الصلاة.

1 - الغنية 72.
2 - الوجيز: 1 / 35.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 42.
4 - أبو القاسم، علي بن الحسين الموسوي، النقيب كان إماما في علم الكلام والأدب، ولد سنة (355) وتوفي سنة (436)
ببغداد ودفن في داره. وفيات الأعيان: 3 / 313 رقم 443.
58

لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد
أدرك الصبح. ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر. (1)
وإذا أدرك مقدار ما يصلي فيه خمس ركعات قبل الغروب لزمته الصلاتان بلا خلاف،
فإن أدرك أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذا القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل
طلوع الفجر.
و [20 / أ] للشافعي أقوال أحدها: أنه يدرك الظهر بما يدرك العصر، وفي قوله القديم:
أنه يدرك الظهر بإدراك أربع ركعات، والعصر بإدراك ركعة.
وقال أبو حنيفة: أنه لا يدرك الظهر بإدراك وقت العصر ولا المغرب بإدراك وقت
العشاء. (2)
الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا وإليه ذهب الشافعي وأصحابه.
وتستقر في الذمة إذا مضى من الوقت مقدار ما يصلي فيه الفريضة.
وقال أبو حنيفة: تجب بآخر الوقت ومن أصحابه من قال: تجب إذا لم يبق من الوقت إلا
مقدار تكبيرة الافتتاح.
ومنهم من قال: إذا لم يبق إلا مقدار ما يصلي فيه صلاة الوقت، فإن صلى في أول الوقت
قال الكرخي (3) من أصحابه: تقع واجبة لأنها تجب بآخر الوقت أو بالدخول فيها في أول
الوقت.
ومنهم من قال: كانت مراعاة، فإن بقي على صفة التكليف إلى آخر الوقت أجزأت عنه
وإن لم يبق كانت نافلة. (4)
لنا أنه لو اختص بأول الوقت لاستحق المكلف بإخلاله فيه وتأخيره ذما لكنه لا
يستحق لأنه لو استحق الذم لم يكن في ضرب الوقت الموسع له فائدة ولو اختص بآخر
الوقت لم يكن الأول وقتا للوجوب وإذا لم يكن وقتا له لم يجز الصلاة فيه عن الفرض كما لم يجز

1 - الخلاف: 1 / 268 مسألة 11، سنن البيهقي: 2 / 94 حديث 1758.
2 - الخلاف: 1 / 273 مسألة 14.
3 - عبيد الله بن الحسين بن دلال، أبو الحسن الكرخي. انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بعد أبي خازم، وأبي سعيد
البردعي، مولده سنة (260) وتوفي سنة (340). جواهر المضية: 2 / 493 رقم 894.
4 - الخلاف: 1 / 276 مسألة 18.
59

قبل الزوال لكنه جازت الصلاة عن الفرض فلم يكن الوجوب مختصا بآخر الوقت.
" تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل في جميع الصلوات، وفاقا للشافعي إلا في الإبراد بها
في الظهر في بلاد حارة.
وأما صلاة الصبح فالتغليس فيها أفضل عندنا وعنده.
وقال أبو حنيفة: الإسفار أفضل ". (1) لقوله (صلى الله عليه وآله): أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر.
قال: ويستحب الإبراد بالظهر في الصيف لقوله (صلى الله عليه وآله): أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح
جهنم (2) ويستحب تعجيل المغرب لقوله (عليه السلام): لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى
اشتباك النجوم (3)، وتأخير العشاء عنده أيضا إلى قبيل ثلث الليل لقوله (عليه السلام): لولا أشق على
أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل. (4)
فصل في الأذان والإقامة
وهما مسنونان في الصلوات الخمس، وفي الفجر والمغرب أشد تأكيدا [20 / ب] وكذا
في الجماعة.
وذهب المرتضى إلى وجوبهما في الجماعة (5). واختاره صاحب الغنية وقال الشيخ أبو
جعفر في نهايته وجمله بوجوبهما أيضا في الجماعة (6).
" والإقامة أشد تأكيدا من الأذان، ويجوز للنساء أن يؤذن ويقمن من غير أن يسمعن
أصواتهن الرجال (7) ". خلافا للشافعي فإنه قال: لا يسن لها الأذان والإقامة. (8)
والأذان ثمانية عشر فصلا: يبدأ بالتكبير في أوله أربع مرات، ثم بالشهادة لله تعالى
بالوحدانية مرتين، ثم بالشهادة لمحمد (صلى الله عليه وآله) بالرسالة مرتين، ثم يقول: حي على الصلاة مرتين،
ثم حي على الفلاح مرتين، ثم حي على خير العمل مرتين، ثم بالتكبير مرتين، ثم بالتهليل
مرتين.

1 - الخلاف: 1 / 292 مسألة 39.
2 - المصنف لابن أبي شيبة: 1 / 286 حديث 3280.
3 - كنز العمال: 7 / 385 حديث 19415، مشكاة المصابيح للتبريزي: 1 / 202 حديث 609، سنن البيهقي: 2 / 99 حديث 1770.
4 - الهداية في شرح البداية: 1 / 41.
5 - جمل العلم والعمل: ص 63.
6 - النهاية: 1 / 64 - 65، 287، الجمل والعقود - رسائل العشر -: 190.
7 - الغنية: 72.
8 - الوجيز: 1 / 35.
60

والإقامة سبعة عشر فصلا (1)، يسقط من الأول التكبير مرتين ومن الآخر، التهليل
مرة ويزاد بعد حي على خير العمل قد قامت الصلاة مرتين.
" وعند الشافعية. الأذان مثنى مثنى فالأذان تسع عشرة كلمة مع الترجيع وهو تكرار
الشهادتين مرتين وإحدى وعشرون مع التثويب وهو قول الصلاة خير من النوم بعد حي
على الفلاح مرتين في أذان الفجر (2) التكبير أربع مرات والشهادتان ثماني مرات مع الترجيع
والباقي مرتين مرتين إلى الشهادة بالتوحيد فإنها مرة والتثويب مرتين.
والترتيب واجب (3) عندنا وشرط عندهم والإقامة فرادى إلا قوله الله أكبر وقد قامت
الصلاة ويستوي الأذان والإقامة عند الحنفية ويزاد بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ولا
ترجيع فيه عندهم وفيه التثويب.
ويستحب في الأذان أن يرتل وفي الإقامة أن يحدر وفاقا لهما، والوقوف على أواخر
فصوله خلافا لهما فإنه يستحب بيان الأعراب عندهما.
ويجوز على غير طهارة والطهارة أفضل ومن غير استقبال القبلة وفي حال الجلوس
والمشي والتكلم في خلاله، وخلاف ذلك أفضل وهو أن يكون على طهارة وأن يستقبل
القبلة ويكون قائما ولا يمشي ولا يتكلم في خلاله وما هو سنة في الأذان أشد تأكيدا في
الإقامة.
" ويستحب للسامع أن يقول مثل ما يقوله المؤذن إلا أن يكون في حال الصلاة فريضة
كانت أو نافلة، وفاقا للشافعي إلا أنه قال: يقول في موضع حي على الصلاة حي [على]
الفلاح: [21 / أ] لا حول ولا قوة إلا بالله وفي التثويب: صدقت وبررت ". (4)
ويكره للمؤذن أن يلتفت يمينا وشمالا " خلافا لهما فإنه يستحب الالتفات عندهما يمينا
وشمالا إذا بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح " (5).
لنا أن جميع ما ذكرناه في الأذان والإقامة يوافقوننا في أنه منهما ومن سننهما ولا نوافقهم
فيما ذكروه فلا بد لهم من دليل يدل عليه.
من جمع بين صلاتين ينبغي أن يؤذن للأولى، ويقيم للثانية سواء كان ذلك في وقت

1 - الغنية 72.
2 - الخلاف: 1 / 278 مسألة 19.
3 - الغنية: 73.
4 - الخلاف: 1 / 285 مسألة 29.
5 - الوجيز: 1 / 36.
61

الأولى أو الثانية.
وقال الشافعي: إذا جمع بينهما في وقت الثانية مثل ما قلنا وهو أصح أقواله عند
أصحابه.
وقال أبو حنيفة: لا يؤذن ولا يقيم للعشاء إلا بالمزدلفة. (1)
التثويب في خلال الأذان وبعد الفراغ منه مكروه وهو أحد قولي الشافعي في الأم و
قال: لأن أبا محذورة (2) لم يذكره، ولو كان مسنونا لذكره كما ذكر ساير فصول الأذان، وأبو
محذورة مؤذن النبي (صلى الله عليه وآله) وهو أعلم به وقوله الآخر أنه مسنون في صلاة الفجر لا في
غيرها. (3)
ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان ويجوز أخذ الرزق وفاقا لأبي حنيفة وخلافا
للشافعي فإنه قال: يجوز. (4)
وليس بمسنون أن يؤذن ويدور، لا في المأذنة ولا في موضعه وفاقا للشافعي وخلافا
لأبي حنيفة فإنه قال مستحب. لنا أن استقبال القبلة في الأذان مستحب وذلك يمنع من
الدوران خلال الأذان. (5)
ويجوز أن يؤذن واحد ويقيم آخر وفاقا لأبي حنيفة وقال الشافعي: الأفضل أن
يتولاهما واحد. (6)
فصل
على الأبوين أن يؤدبا الولد إذا بلغ سبع سنين أو ثمانيا، ويعلماه الصلاة والصيام وعلى
وليه أيضا. وإذا بلغ عشرا ضربه على ذلك، وإنما يجب على الولي دون الصبي لقوله (عليه السلام):
مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. وبه قال
الشافعي (7)

1 - الخلاف: 1 / 284 مسألة 27.
2 - القرشي الجمحي المكي المؤذن، له صحبة، قيل اسمه أوس، وقيل: سمرة، وقيل: سلمة وقيل: سلمان، توفي بمكة
سنة (59). تهذيب الكمال: 34 / 256 رقم 7603.
3 - الخلاف: 1 / 286 مسألة 30.
4 - الخلاف: 1 / 290 مسألة 36.
5 - الخلاف: 1 / 291 مسألة 37.
6 - الخلاف: 1 / 292 مسألة 38.
7 - الخلاف: 1 / 305 مسألة 52.
62

وإذا بلغ أجبر عليها وبلوغ الغلام بأحد خمسة أشياء بالسن وحده خمس عشرة سنة
عندنا وعند الشافعي، خلافا لأبي حنيفة فإنه عنده بثماني عشرة سنة وفي رواية عنه بتسع
عشرة سنة.
لنا قوله (صلى الله عليه وآله): إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه وأخذت منه
الحدود.
وما رووه عن ابن عمر (1) من قوله: عرضت على [21 / ب] رسول الله (صلى الله عليه وآله): عام بدر و
أنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس
عشرة سنة فأجازني في المقاتلة، فنقل الحكم وهو الرد والإجازة.
وسببه هو السن (2) وظهور المني والحيض والاحتلام والانبات.
وبلوغ الجارية بالسن وهو تسع سنين خلافا للشافعي فإنه قال خمس عشرة كما في
الغلام وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال سبع عشرة سنة.
والانبات دليل على بلوغ المسلمين والمشركين خلافا لأبي حنيفة فإنه يمنعه ولا يحكم
به ووفاقا للشافعي في المسلمين، وفي المشركين له قولان (3).
تارك الصلاة متعمدا من غير عذر مع علمه بوجوبه حتى يخرج وقتها يعزر ويؤمر
بالصلاة، فإن عاد ثانية عزر فإن عاد ثالثة قتل وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يقتل و من أهل
العراق من قال: يضرب حتى يفعل ومنهم من قال يحبس حتى يفعل (4).
وعند الشافعية في الوجيز: من ترك صلاة واحدة متعمدا وامتنع عن قضائها حتى
خرج وقت الرفاهية والضرورة قتل بالسيف وقيل: لا يقتل إلا إذا صار الترك عادة له، و
قيل: يقتل إذا ترك ثلاث صلوات. (5)
لنا ما رووه أن ما بين الإسلام وبين الكفر إلا ترك الصلاة، وإذا كان الكافر يجب قتله
وجب مثل ذلك في تارك الصلاة.

1 - عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، وأمه زينب بنت مظعون بن حبيب أسلم مع أبيه وهو صغير توفي سنة
(73 ه‍) وهو ابن (86) سنة. أسد الغابة: 3 / 236 رقم 3080.
2 - الخلاف: 3 / 281 مسألة 1 - 2.
3 - الخلاف: 3 / 281 مسألة 1 - 2.
4 - الخلاف: 1 / 689 مسألة 465.
5 - الوجيز: 1 / 79.
63

وروي أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة (1).
فصل في أقسام الصلاة
وهي على ضربين مفروض ومسنون:
فالمفروض في اليوم والليلة خمس صلوات: الظهر أربع إلا في يوم الجمعة، فإنها ينتقل
إلى ركعتين، مع شرائطها، والعصر أربع والمغرب ثلاث، والعشاء الآخرة أربع، والغداة
ركعتان.
هذا في حق الحاضر بلا خلاف، وفي حق من كان حكمه حكم الحاضرين من
المسافرين وهو من كان سفره أكثر من حضره وهو من لا يقيم في بلده عشرة أيام كالجمال و
المكاري والراعي والبدوي أو في معصية الله تعالى أو اللعب أو كان سفره أقل من بريدين و
هما ثمانية فراسخ. (2) خلافا لهما، فإن [22 / أ] عند الشافعي مسيرة يومين، ستة عشر
فرسخا.
وعند أبي حنيفة مسيرة ثلاثة إيام ولياليها، أربعة وعشرون فرسخا. (3)
قوله تعالى {فمن كان [22 / أ] منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} (4)
علق سقوط فرض الصيام بما يتناوله اسم السفر، ولا خلاف أن كل سفر أسقط فرض الصيام
فإنه يوجب قصر الصلاة، وإذا كان اسم السفر يتناول المسافة التي ذكرناها وجب القصر على
من قصدها، ولا يلزم ما دونها لأنا عدلنا عن ظاهر الآية بدليل وهو الإجماع، وليس على
ما ذهبوا إليه إجماع.
فأما من عدا من ذكرناه ففرضه في كل رباعية ركعتان، فإن تمم عن علم وقصد لزمته
الإعادة، وإن كان إتمامه عن جهل أو سهو أعاد إن كان الوقت باقيا وإلا فلا (5)، خلافا
للشافعي، فإن القصر عنده رخصة وليس بفرض ووفاقا لأبي حنيفة فإنه عنده فرض (6).
لنا إذا كان فرض السفر ركعتين فمن صلى أربعا لم يمتثل المأمور به، على الوجه الذي أمر
به فلا يكون مجزيا فيجب عليه الإعادة. (7)

1 - الخلاف: 1 / 689 مسألة 465.
2 - الغنية 73.
3 - الخلاف: 1 / 567 مسألة 320.
4 - البقرة: 184.
5 - الغنية 74.
6 - الخلاف: 1 / 569 مسألة 321.
7 - الغنية 74.
64

وقال أبو حنيفة: إذا زاد على ركعتين فإن تشهد في الثانية صحت صلاته، وما زاد على
الثنتين نافلة وإن ائتم بمقيم وصلى أربعا فيكون الكل فريضة (1)، وهذا يناقض قوله بأن
فرض السفر في كل رباعية ركعتان.
فإن قيل قوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة} (2) ظاهره يقتضي رفع الجناح ورفع الجناح يقتضي الإباحة لا الوجوب، قلنا هذه
الآية لا تتناول قصر الصلاة في الركعات، وإنما تفيد القصر في الأفعال من الإيماء وغيره، لأنه
تعالى علق القصر بالخوف وقال: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ولا خلاف أنه ليس
بشرط في القصر من عدد الركعات، وإنما هو شرط في قصر الأفعال.
ويضاف إلى فرائض اليوم والليلة في الفرض ست صلوات: صلاة العيدين إذا تكاملت
شرائطها، وصلاة الكسوف والآيات العظيمة كالزلازل والرياح السود، وركعتا الطواف
الواجب على خلاف فيها وصلاة القضاء للفائتة وصلاة الجنائز بلا خلاف. (3)
أما صلاة العيدين، فإنها واجبة عندنا خلافا للفقهاء فإنها سنة عندهم. (4)
وفي بداية المبتدئ قال: ويجب صلاة العيد على كل من تجب صلاة الجمعة. (5)
لنا على وجوبها مع الشرائط المعتبرة لها، إجماع الإمامية، وقوله تعالى في صلاة الفطر
{قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} (6) أي من زكى [22 / ب] زكاة الفطر وكبر الله
وصلى صلاته على ما جاء في التفسير (7)، وما يدل بفعله الفلاح وبتركه الفساد يكون واجبا.
وفي صلاة الأضحى قوله تعالى {فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر} (8) والمراد
به كما في التفسير (9)، صلاة يوم الأضحى والنحر فيه لأمره بهما، والأمر يقتضي الوجوب إلا
أن يدل على الندب دليل، وأيضا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى الصلاتين وأمر بهما بلا خلاف و
ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
" وأما صلاة الكسوف أيضا واجبة خلافا لجميعهم " (10)، و [هكذا] الخسوف والزلازل

1 - الخلاف: 1 / 569 مسألة 321.
2 - النساء: 101.
3 - الغنية 75.
4 - الخلاف: 1 / 651 مسألة 423.
5 - الهداية في شرح البداية: 1 / 84.
6 - الأعلى: 14 - 15.
7 - مجمع البيان: 1 / 331، التفسير لفخر الرازي: 16 / 148
8 - الكوثر: 2 - 3.
9 - الدر المنثور: 8 / 651.
10 - الخلاف: 1 / 677 مسألة 450.
65

والرياح السود.
لنا على وجوبها ما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله): إن الشمس والقمر لا تنكسفان لموت أحد ولا
لحياة أحد، فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة (1)، وقوله (صلى الله عليه وآله): إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا
فارغبوا إلى الله بالدعاء (2)، وظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
" وركعتا الطواف واجبتان عند أكثر أصحابنا وعند عامة أهل العلم أبي حنيفة و
غيره، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والثاني أنها غير واجبتين " (3).
لنا قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (4) وأمره تعالى [يدل] على
الوجوب ولا أحد قال بوجوب صلاة في المقام سوى ما ذكرناه.
ودليل وجوب صلاة النذر قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (5) و
نذر الصلاة عقد فيه طاعة لله تعالى، فوجب الوفاء وقوله (صلى الله عليه وآله) من نذر أن يطيع الله تعالى
فليطعه.
وتعلق المخالف في نفي هذه الصلوات بما روي من قوله (صلى الله عليه وآله) (لا إلا أن تتطوع) حين سأله
وقد أخبره أنه عليه في اليوم والليلة خمس صلوات، فقال: هل علي غيرهن باطل، لأنه
خبر واحد، ولم يرد التعبد بالعمل به في الشرعيات، ثم إنه معارض بما ذكرناه، على أنا نقول
بموجبه، لأنا ننفي وجوب الصلاة في اليوم والليلة زائدة على الخمس، لأن ذلك عبارة في
الشريعة عن كل صلاة يفعل على جهة التكرار في كل يوم وليلة، على أن الظاهر لو تناول ذلك
لأخرجناها بالدليل كما أخرجنا كلنا صلاة الجنائز.
والمسنون من الصلاة: نوافل اليوم والليلة، ونوافل الجمعة، ونوافل شهر رمضان، و
صلاة الغدير [23 / أ]، وصلاة المبعث، وصلاة النصف من شعبان، وصلاة الأعرابي، وصلاة
النبي (صلى الله عليه وآله)، وصلاة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وصلاة جعفر (6)، وصلاة الزهراء (عليها السلام)، وصلاة الإحرام
وصلاة الزيارات، وصلاة الاستخارة، وصلاة الحاجة، وصلاة الشكر، وصلاة الاستسقاء،

1 - الإنتصار: 173، عوالي اللئالي: 1 / 206 حديث 36.
2 - نصب الراية: 2 / 279.
3 - الخلاف: 2 / 327 مسألة 138.
4 - البقرة: 125.
5 - المائدة: 1.
6 - ابن أبي طالب، وهو جعفر الطيار، أسلم بعد أخيه علي (عليه السلام) بقليل وله هجرتان: هجرة إلى الحبشة، وهجرة إلى المدينة
قتل يوم مؤتة سنة (8 ه‍)، حين اقتحم عن فرسه فعقرها وهو أول من عقر في الإسلام، كان عمره (41) سنة. أسد
الغابة: 1 / 341 رقم 759.
66

وصلاة تحية المسجد (1).
وعدد ركعات الصلوات المسنونة وكيفية فعلها سيأتي بعد إن شاء الله تعالى.
فصل في كيفية فعل الصلاة
أفعالها واجبة ومسنونة، فالواجب ثمانية: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام مع القدرة،
والقراءة، والركوع، والسجود، والتشهد، والتسليم، على الأصح. هذا في كتاب الشرايع. (2)
وفي الوجيز: أركانها إحدى عشر، التكبير، والقراءة، والقيام، والركوع، والاعتدال
عنه، والسجود، والقعدة بين السجدتين مع الطمأنية في الجميع، والتشهد الأخير، والقعود
فيه، والصلاة على النبي، والسلام، والنية بالشرط أشبه. (3)
وفي النافع للحنفية: فرائض الصلاة ستة التحريمة لقوله: {وربك فكبر} (4) والقيام
لقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} (5) والقراءة لقوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من
القرآن}، والركوع والسجود لقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} (6) والقعدة آخر الصلاة
مقدار التشهد لقوله (عليه السلام): إذا رفعت رأسك من آخر السجدة وقعدت قدر التشهد فقد تمت
صلاتك.
أما القيام واستقبال القبلة فلا خلاف فيهما.
وأما النية فهي عندنا وعند الشافعي واجبة خلافا لأبي حنيفة، لنا ما تقدم ذكره في نية
الوضوء من القرآن والسنة والمتلقاة بالقبول فلا نعيد وحقيقتها استحضار صفة الصلاة في
الذهن والقصد بها إلى أمور أربعة الوجوب أو الندب، والقربة، والتعيين، وكونها أداء أو
قضاء.
" ومحلها القلب دون اللسان، وفاقا لأكثر أصحاب الشافعي إلا أنهم قالوا يستحب أن
يضاف إلى ذلك اللفظ خلافا لنا لأن عندنا لا عبرة للفظ.
لنا أن النية هي الإرادة التي تؤثر في وقوع الفعل على وجه دون [23 / ب] وجه، وبها
يقع الفعل عبادة، وإنما سميت نية لمقارنتها الفعل وحلولها في القلب، فمن أوجب التلفظ بها، أو

1 - الغنية 76.
2 - الشرايع: 1 / 95.
3 - الوجيز: 1 / 40.
4 - المدثر: 3.
5 - البقرة: 238.
6 - الحج: 77.
67

استحب ذلك كان عليه الدليل والشرع خال من ذلك (1)، وقوله تعالى: {وما أمروا إلا
ليعبدوا الله مخلصين له الدين} (2) والإخلاص لا يكون إلا بالقلب.
ووقتها عند أول جزء من التكبير ليكون مقارنة له ويجب استمرار حكمها إلى آخر
الصلاة وهو أن لا ينقض النية.
وتكبيرة الإحرام لا خلاف في وجوبها وصورتها أن يقول: (الله أكبر) مقارنا للنية و
لا يجزئ غيرها ولا ترجمتها وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة، لنا الإجماع على أن من عقد
الصلاة بها انعقدت وبرئت ذمته بيقين ولا يقين في سقوطها عن الذمة إلا بما ذكرناه وقوله (صلى الله عليه وآله):
لا يقبل الله تعالى صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر (3)،
فمن قال: الله أجل أو الله أعظم أو الرحمن أكبر أو الأكبر الله لا يجزيه عندنا وعند الشافعي و
يجزئه عند أبي حنيفة قال: لأن التكبيرة تعظيم لله وقد حصل.
لنا أنه مأمور بالتكبير على هذه الصورة المعينة فخلافها لا يجوز وكذا لو قال: الله الجليل
أكبر لأنه غير النظم والتركيب ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته
وإن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت صلاته.
والمسنون فيها أربع أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها وبلفظ الله أكبر على
وزن أفعل وأن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها وأن يرفع المصلي يديه بها إلى أذنيه وعند
الشافعية إلى منكبيه في قول، وإلى أن تحاذي رؤوس أصابعه إلى أذنيه في قول وعند الحنفية
يرفع يديه مع التكبير حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه (4)، [و] يستحب أن يكون مضموم
الأصابع إذا رفع يديه بالتكبير. وقال الشافعي يستحب أن ينشرها. (5)
ويجب عليه إذا كبر قراءة الحمد وسورة معها في الركعتين الأوليين من كل رباعية ومن
المغرب وفي صلاة الغداة والسفر، وإن كان هناك عذر أجزأت الحمد وحدها.
وهو مخير في الركعتين الأخريين وثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين عشر
تسبيحات، وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، يقولها ثلاث مرات وفي

1 - الخلاف: 1 / 308 مسألة 56.
2 - البينة: 5.
3 - الغنية 77.
4 - الخلاف: 1 / 320 مسألة 72، الوجيز: 1 / 41، الهداية في شرح البداية: 1 / 48.
5 - الخلاف: 1 / 321 مسألة 73.
68

الثالثة يقول والله أكبر [24 / أ]. (1)
ولا يضع اليمين على الشمال بل يرسلهما خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما قالا وضع
اليمن على الشمال مسنون مستحب، والشافعي يضع فوق السرة وأبو حنيفة تحت السرة. (2)
لنا أن وضع اليمين على الشمال عمل كثير ليس من أعمال الصلاة المشروعة فيها من
القراءة والركوع والسجود وغيرها فلا يجوز فعله وما تعول عليه في كونه مشروعا من
أخبار الآحاد لا يجوز أن يكون دليلا في الشرع (3).
ويستحب أن يتعوذ قبل القراءة وبه قالا (4) وكيفيته أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم وكذلك قولهما لأنه لفظ القرآن. قال الله تعالى: {وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم} (5)، (6) والتعوذ في أول ركعة دون ما عداها وفاقا للشافعي في أحد قوليه و
الثاني في كل ركعة.
لنا أن ما قلناه مجمع عليه وتكراره في كل ركعة يحتاج إلى دليل (7).
ويسر به في جميع الصلوات ويجهر به في أحد قولي الشافعي (8).
قراءة فاتحة الكتاب واجبة في الصلاة وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب مقدار آية وقال أبو يوسف ومحمد (9): مقدار ثلاث آيات (10).
لنا قوله تعالى {فاقرأوا ما تيسر من القرآن} (11) لأن الظاهر يقتضي عموم الأحوال
التي من جملتها أحوال الصلاة، وما روي من قوله (صلى الله عليه وآله) للذي علمه كيف يصلي: إذا قمت إلى
الصلاة فكبر، ثم اقرأ فاتحة الكتاب، ثم اركع وارفع حتى تطمئن قائما، وهكذا فاصنع في كل
ركعة، وقوله (صلى الله عليه وآله): لا صلاة لمن لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب. (12)
وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ومن كل سورة وقال الشافعي: إنها آية من أول
الحمد وفي غيرها له قولان: أحدهما: أنه آية والآخر أنها تتم مع ما بعدها فتصير آية.

1 - الغنية 77.
2 - الخلاف: 1 / 321 مسألة 74.
3 - الغنية 81.
4 - الخلاف: 1 / 324 مسألة 76.
5 - النحل: 98.
6 - الخلاف: 1 / 325 مسألة 77.
7 - الخلاف: 1 / 326 مسألة 78.
8 - الخلاف: 1 / 326 مسألة 79.
9 - محمد بن الحسن بن فرقد الدمشقي، الشيباني الفقيه الحنفي مات سنة (189 ه‍) بالري. وفيات الأعيان: 4 / 184 رقم 567.
10 - الخلاف: 1 / 327 مسألة 81.
11 - المزمل: 20.
12 - الغنية: 77.
69

وقال أبو حنيفة: ليست منها ولا من سائر السور.
لنا ما روي عن أم سلمة (رضي الله عنه) (1) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرأ في الصلاة {بسم الله الرحمن
الرحيم} فعدها آية {الحمد لله رب العالمين} آيتين {الرحمن الرحيم} ثلاث آيات
{مالك يوم الدين} أربع آيات وقال: هكذا {إياك نعبد وإياك نستعين} وجمع خمس
أصابعه ذكره أبو بكر بن المنذر (2) في كتابه (3).
وأيضا إجماع المسلمين على كتابتها في المصاحف فلا [24 / ب] يخلو إما أن تكون من
أول السور أو من آخر السور، أو كتبت حيث نزلت وحيث لم تنزل لم تكتب ولو كانت من
أول كل سورة لوجب أن يكون في أول براءة ولو كانت من آخرها لكانت في آخر سورة
الناس وإذا لم يكن لا في أولها ولا في آخرها علم أنها حيث نزلت كتبت وحيث لم تنزل لم
تكتب وإذا نزلت علم أنها آية من السورة التي نزلت معها. ويجب الجهر بها فيما يجهر فيه وفيما
يخافت فيه، ولا يصح الصلاة مع الإخلال بها ولو بحرف واحد عمدا حتى التشهد، ويجب
ترتيب كلماتها وآيها على الوجه المنقول، ومن لا يحسنها يجب عليه التعلم، فإن ضاق الوقت
قرأ ما تيسر منها وإن تعذر قرأ ما تيسر من غيرها أو سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة ثم
يجب عليه التعلم، والأخرس يحرك لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه، وذهب أبو حنيفة إلى أنه
يسر بالبسملة، والشافعي إلى أنه يجب الجهر بها في الجهرية ولم يذكر استحباب الجهر فيما
يسر فيه بالقراءة ". (4)
ولا يجوز قراءة الفاتحة بغير العربية خلافا لأبي حنيفة. (5)
لنا قوله تعالى: {إنا أنزلنا قرآنا عربيا} (6) وقوله: {بلسان عربي مبين} (7) ومن عبر
عن معنى القرآن بغير العربية فليس بقارئ على الحقيقة، وأيضا فلا خلاف أن القرآن معجز،
والقول بأن العبارة عن معنى القرآن بغير العربية قرآن يبطل كونه معجزا. (8)

1 - بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية، اسمها هند، واسم أبيها حذيفة واسم أمها عاتكة كانت زوج ابن عمها
أبي سلمة فمات عنها فتزوجها النبي (صلى الله عليه وآله) وماتت سنة (59). الإصابة: 8 / 221 رقم 12016.
2 - محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري الفقيه له الإشراف على مذاهب الأشراف وغيره، توفي سنة
(309). طبقات الشافعية: 1 / 98 رقم 44.
3 - الخلاف: 1 / 328 مسألة 82.
4 - الخلاف: 1 / 331 مسألة 83.
5 - الخلاف: 1 / 343 مسألة 94.
6 - يوسف: 2.
7 - الشعراء: 195.
8 - الغنية 78.
70

ويجب قراءة سورة مع فاتحة الكتاب بتمامها اختيارا ويجوز الاقتصار عليها ضرورة
خلافا للشافعي وأكثر أصحابه فإنهم قالوا: سنة، وقال بعضهم بالوجوب إلا أنه جوز بدل
ذلك قدر ما يكون من آيها من القرآن.
لنا أن طريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأن من قرأها بتمامها برئت ذمته عن الصلاة بيقين
وليس كذلك إذا لم يقرأها أو بعضها (1).
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه واظب على قراءة الفاتحة وسورة في الأوليين وذلك يدل
أنه (صلى الله عليه وآله) قرأها على الوجوب إلا أن يدل دليل على غيره.
" ويجوز في الركعتين الأخيرتين أن يسبح بدلا من القراءة، فإن قرأ [فليقتصر على
الحمد و] لا يزيد على الحمد شيئا، وقال الشافعي في الأم: يجب أن يقرأ مع أم القرآن في
الركعتين الأوليين قدر أقصر سورة مثل إنا أعطيناك [25 / أ] وفي الأخريين أن يقرأ معها آية و
العمل على أن قراءة السورة معها مسنونة وقال أبو حنيفة: تجب القراءة في الأوليين ولا تجب
في الأخريين ". (2)
ولا يقرأ المأموم خلف الإمام أصلا، وفاقا لأبي حنيفة، وفي بعض الروايات إنه يقرأ فيما
لم يجهر ولا يقرأ فيما يجهر وفاقا للشافعي في القديم وعليه عامة أصحابه. (3)
لنا قوله (عليه السلام) " الإمام ضامن ". (4) وإذا كان ضامنا برئت ذمة المضمون عنه.
من يحسن الفاتحة لا يجوز أن يقرأ غيرها، فإن لم يحسن وجب أن يتعلمها، وإن ضاق
الوقت وأحسن غيرها قرأها فإن لم يحسنها (5) أصلا ذكر الله وكبره، ولا يقرأ معنى القرآن
بغير العربية فإن فعل كانت صلاته باطلة وفاقا للشافعي.
قال أبو حنيفة: القراءة شرط لكنها غير معينة بالفاتحة فمن أي موضع قرأ أجزأه مقدار
ما يقع عليه اسم القرآن وإن كان بعض آية.
لنا قوله (عليه السلام): (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، وقوله: (لا يجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب)، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} (6) وغير العربية لا يكون قرآنا فلا يجزئ،

1 - الخلاف: 1 / 335 مسألة 86.
2 - الخلاف: 1 / 337 مسألة 88.
3 - الخلاف: 1 / 339 مسألة 90.
4 - الغنية: 87.
5 - كذا ولا يخفى ما في العبارة من إشكال، وفي الخلاف مسألة 94: فإن ضاق عليه الوقت وأحسن غيرها قرأ ما يحسن
فإن لم يحسن شيئا أصلا...
6 - يوسف: 2.
71

وروي أن رجلا سأل النبي (عليه السلام) فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما أصنع؟ فقال
له: (قل سبحان الله والحمد لله)، ولو كان معنى القرآن قرآنا لقال (عليه السلام): فاحفظه بأي لغة سهلت
عليك. (1)
ويجب أن لا يقول (آمين) في آخر الحمد، فإن قال بطلت صلاته خلافا للشافعي وأبي
حنيفة، فإنهما قالا: مسنون للإمام والمأموم يسران به قال الشافعي: في الجديد يسمع نفسه و
قال في القديم يجهر به. (2)
لنا طريقة الاحتياط يقتضي ما ذكرنا لأن من لم يقل آمين في آخر الحمد تكون صلاته
صحيحة مجزية بالإجماع برئت ذمته بيقين ولا كذلك إذا قالها، وقولهم لفظة (آمين) وإن لم
يكن من جملة القرآن فهي تأمين على دعاء تقدم عليها وقوله تعالى: {اهدنا الصراط
المستقيم} قلنا إنما يكون ذلك دعاء بالقصد والقارئ إنما يقصد التلاوة لا الدعاء ولو قصد
الدعاء يكون داعيا، لا قارئا، فلا يصح صلاته ولو قصد التلاوة والدعاء معا جاز أن
لا يقصد الدعاء وإذا لم يقصده لم يجز أن يقول آمين، وعندهم [25 / ب] أنها مسنونة من غير
أن يعتبر قصده للدعاء وإذا ثبت أن قولها لا يجوز لمن لم يقصده ثبت أنه لا يجوز لمن قصده
لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين.
" ولا يجوز أن يقرأ في فروضه سورة فيها سجود واجب وهي أربع: ألم تنزيل، وحم
السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك " (3)، خلافا لهم. (4)
لنا أن في هذه السور سجود واجب فإن فعله بطلت الصلاة للزيادة فيها وإن لم يفعل
أخل بالواجب وإن اقتصر على قراءة ما عدا مواضع السجود فقد بعض وذلك عندنا لا يجوز
على ما قدمناه. (5)
إذا كبر للركوع جاز أن يكبر ثم يركع وفاقا لأبي حنيفة ويجوز أيضا أن يهوي في
التكبير إلى الركوع، فيكون انتهاء التكبير مع انتهاء الركوع وفاقا للشافعي. (6)
ويجب الركوع والواجب فيه خمسة أشياء أن ينحني بقدر ما يكن وضع يديه على
ركبتيه، والطمأنينة فيه بقدر ما يؤدي واجب الركوع مع القدرة، ورفع الرأس منه، و

1 - الخلاف: 1 / 343 مسألة 94.
2 - الخلاف: 1 / 332 مسألة 84.
3 - الغنية 78.
4 - الخلاف: 1 / 426 مسألة 174.
5 - الغنية 78.
6 - الخلاف: 1 / 353 مسألة 107.
72

الطمأنينة في الانتصاب وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا، والتسبيح فيه.
" أما الطمأنينة في الركوع فقد وافقنا الشافعي فيها وقال أبو حنيفة: أنها غير
واجبة ". (1)
وأما التسبيح فيه فقد خالفنا عامة الفقهاء في وجوبه وقالوا غير واجب. (2)
وأما رفع الرأس عن الركوع والطمأنينة فيه فقد وافقنا الشافعي في وجوبه. وقال أبو
حنيفة: ليس الرفع من الركوع واجبا أصلا. (3)
لنا في هذه المسائل دليل الاحتياط واليقين لبراءة الذمة وأن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل ذلك و
قال (صلى الله عليه وآله): (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وظاهر الأمر في الشرع يدل على الوجوب وما روي
أنه (صلى الله عليه وآله) أمر للمسئ صلاته بالطمأنينة في الركوع والسجود، وفي رفع الرأس منها. (4)
ودليل وجوب التسبيح [هو] كل آية في القرآن تقتضي بظاهرها الأمر بالتسبيح، لأن
عموم الظاهر يقتضي دخول أحوال الركوع والسجود فيه، ومن أخرج ذلك عنه يحتاج إلى
دليل، وأقله تسبيحة واحدة ولفظه الأفضل (سبحان ربي العظيم وبحمده) في الركوع وفي
السجود (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ويدل على استحباب هذا اللفظ ما رووه من قوله لما
نزل {فسبح باسم ربك العظيم} (5) (اجعلوها في ركوعكم) وقوله لما نزل {سبح اسم ربك
الأعلى} (6) (اجعلوها في سجودكم) والأمر يحمل على الاستحباب بدليل. (7)
والزيادة على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود إلى ثلاث وإلى خمس وإلى سبع
سنة " وعند [26 / أ] الشافعية لا يزيد الإمام على ثلاث ". (8)
وإذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده، الحمد لله رب العالمين، أهل الكبرياء
والعظمة وأهل الجود، إماما كان أو مأموما.
وقال الشافعي: يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، إماما كان أو مأموما.
وقال أبو حنيفة: لا يزيد الإمام على قول سمع الله لمن حمده، والمأموم لا يزيد على ربنا

1 - الخلاف: 1 / 348 مسألة 98.
2 - الخلاف: 1 / 348 مسألة 99.
3 - الخلاف: 1 / 351 مسألة 102.
4 - الغنية 79.
5 - الواقعة: 96.
6 - الأعلى: 1.
7 - الغنية 80.
8 - الوجيز: 1 / 43.
73

لك الحمد. (1)
إذا رفع رأسه من الركوع قبل الإمام عاد إلى ركوعه، ويرفع مع الإمام. وفاقا للشافعي
إلا أنه قال: سقط فرضه بالأول. (2)
وإذا كبر للسجود جاز أن يكبر وهو قائم، ثم يهوي إلى السجود، ويجوز أن يهوي
بالتكبير فيكون انتهاؤه حين السجود، وهكذا مذهب الشافعي. (3)
ويتلقى الأرض بيديه أولا ثم ركبتيه، خلافا لهما فإنهما قالا: يتلقى الأرض بركبتيه ثم
يديه ثم جبهته وأنفه. (4)
وضع الجبهة على الأرض في حال السجود فرض ووضع الأنف سنة، وفاقا للشافعي.
وأبو حنيفة بالخيار بين أن يقتصر على أنفه أو جبهته فأيهما فعل أجزأ.
وكذا وضع اليدين والركبتين وأصابع الرجلين على الأرض في حال السجود فرض
وافقنا الشافعي في أحد قوليه وفي قوله الآخر أنه مستحب وفاقا لأبي حنيفة. (5)
لنا أن من سجد على ما ذكرنا برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا لم يسجد، وقوله (عليه السلام):
(أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء، الجبهة واليدين، والركبتين وأصابع الرجلين) (6)، وفي
رواية (والقدمين). (7)
وكشف اليدين في حال السجود [أفضل]، وفي أحد قولي الشافعي أنه يجب وفي
الآخر يستحب. (8)
ولا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس خلافا لجيمع
الفقهاء في ذلك. (9) وقد مر ذكره قبل.
" ولا يجوز السجود على شئ هو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء وكم القميص.
وفاقا للشافعي إلا إذا كان الكم طويلا لا يتحرك بحركته فيجوز عنده السجود عليه.
وقال أبو حنيفة: يجوز على ما هو حامل وأما إن سجد على ما ينفصل منه كاليد فيجوز

1 - الخلاف: 1 / 350 مسألة 101.
2 - الخلاف: 1 / 352 مسألة 103.
3 - الخلاف: 1 / 303 مسألة 107.
4 - الخلاف: 1 / 354 مسألة 108.
5 - الخلاف: 1 / 355 مسألة 109.
6 - الغنية 80، وعوالي اللئالي: 2 / 219 حديث 16.
7 - أنظر سنن البيهقي: 2 / 431 حديث 2696.
8 - الخلاف: 1 / 356 مسألة 111 وما بين المعقوفين منه.
9 - الخلاف: 1 / 357 مسألة 113.
74

لكنه مكروه. (1)
لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سجد على سبعة أعضاء وقال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء)،
ومن سجد على غير هذه الأعضاء لم يسجد السجدة المأمور بها فلم تكن مجزية صحيحة.
" والتسبيح فيه واجب كما قلنا في الركوع خلافا للفقهاء فإنه مستحب عندهم ". (2)
والطمأنينة فيه واجبة وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة وكذا رفع الرأس منه و
الاعتدال جالسا ولا يتم الصلاة [26 / ب] إلا بهما، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: القدر
الذي يجب أن يرفع ما يقع عليه اسم الرفع ولو بمقدار ما يدخل السيف بين وجهه والأرض و
ربما قالوا لا يجب أصلا. (3)
لنا أن السجدتين واجبتان إجماعا ومن لم يرفع رأسه أصلا لم يقع منه السجدة الثانية و
إذا رفع رأسه ولم يطمئن جالسا لم يقع منه أيضا لأن السجود عبارة عن الهوي إلى الأرض و
الهوي إما من القيام كالسجدة الأولى أو من القعود كالسجدة الثانية وإذا لم يكن جالسا مطمئنا
لم يقع منه الهوي إلى الأرض من القعود فلم يكن ساجدا.
واجبات السجود ستة: السجود على سبعة أعضاء مذكورة، ووضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه، وأن ينحني حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون علوا يسيرا مقدار
لبنة فإن عرض مانع فاقتصر على ما يتمكن منه وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه رفعه وإن
عجز أومأ للسجود، والذكر فيه أو التسبيح، والطمأنينة فيه، ورفع الرأس من السجدة
الأولى حتى يعتدل مطمئنا.
" والاقعاء بين السجدتين مكروه لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية يستحب أن يجلس ثم يقوم وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينهض على صدور قدميه ولا يجلس ولا يعتمد على يديه ". (4)
والتشهد الأول واجب، ولو أخل به عامدا بطلت صلاته والواجب فيه خمسة أشياء:
الجلوس بقدر التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي وعلى آله. قال أهل العراق و
الشافعي: هو سنة. (5)

1 - الخلاف: 1 / 357 مسألة 113.
2 - الخلاف: 1 / 358 مسألة 114.
3 - الخلاف: 1 / 359 مسألة 116 - 117.
4 - الخلاف: 1 / 360 مسألة 118 - 119.
5 - الخلاف: 1 / 364 مسألة 121.
75

والتورك في الجلوس للتشهد سنة، وصفته أن يخرج رجليه من تحته، ويقعد على
مقعدته ويضع رجله اليسرى على الأرض ويضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى.
وقال الشافعي: يجلس مفترشا في التشهد الأول وصفته أن يثني قدمه اليسرى
فيفترشها ويجعل ظهرها على الأرض ويجلس عليها، وينصب قدمه اليمنى ويكون بطون
أصابعها على الأرض ليستقبل بأطراف أصابعه القبلة، وفي التشهد الأخير متوركا وصفته أن
يخرج رجليه من تحت وركه الأيمن ويفضي بمقعدته إلى الأرض وينصب قدمه اليمنى ويجعل
باطن أصابعهما على الأرض ويستقبل بأطرافها القبلة، وهو سنة.
وقال أبو حنيفة: يجلس فيهما مفترشا. (1)
ثم وضع اليد اليسرى على ظهر الركبة مفرجا أصابعه قليلا واليمنى كذلك لكن يقبض
الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة والإبهام وقيل يرسلها وقيل يحلق الإبهام و
الوسطى وقيل [27 / أ] يضمها إلى الوسطى المقبوضة ثم يرفع في الشهادة عند قوله إلا الله هذا
عند الشافعية (2) وعند الحنفية يضع يديه على فخذيه بعد ما جلس مفترشا قالوا: وما يروى
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه تورك كان ذلك بعد ما كبر وأسن صلوات الله عليه. (3)
الصلاة على النبي واجب في التشهد خلافا للشافعي. (4) وغيره من الفقهاء.
لنا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (5) وظاهر الأمر
يقتضي تناول جميع الأوقات والأحوال ومن جملتها حال التشهد ولا يخرج منها إلا [ما]
أخرجه دليل قاطع وهو الإجماع على أن الصلاة عليه في غير حال التشهد ليست بواجبة " و
للشافعي في كونها سنة قولان أحدهما مسنون والآخر ليس بمسنون ". (6)
وإذا قام من التشهد إلى الثالثة يقوم بتكبير ويرفع يديه وبه قال الفقهاء، وخالفوا في
رفع اليدين، ومن أصحابنا من قال: يقوم ويقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد ولا يكبر. (7)
والتشهد الأخير والجلوس فيه واجبان وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: الجلوس واجب بقدر التشهد، والتشهد غير واجب.

1 - الخلاف: 1 / 363 مسألة 120.
2 - الوجيز: 1 / 45.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 53.
4 - الخلاف: 1 / 365 مسألة 122.
5 - الأحزاب: 56.
6 - الخلاف: 1 / 365 مسألة 122.
7 - 1 / 366 مسألة 125.
76

لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) جلس وتشهد وقال: صلوا كما رأيتموني. (1)
والصلاة على النبي وعلى آله في التشهد الأخير واجبتان كما في الأول وفاقا للشافعي في
الصلاة على النبي (2). وفي وجوبها على آله قولان: سنة عند أكثر أصحابه وعند بعضهم
واجب (3).
ويجب التسليم على خلاف بين أصحابنا واستدلوا على وجوبه بأن قالوا: لا خلاف في
وجوب الخروج من الصلاة ولا يجوز الخروج منها بأفعال منافية لها، كالحدث وغيره على ما
يقوله أبو حنيفة، بلا خلاف بين الأصحاب وإذا ثبت هذا، ثبت وجوب السلام وقوله (عليه السلام)
مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم يدل على أن غير التسليم لا يكون
تحليلا (4).
وقال الشافعي لا يخرج من الصلاة إلا بشئ معين وهو السلام لا غير وهو ركن، وفي
مسائل الخلاف الأظهر بين أصحابنا أنه مسنون، والدليل عليه ما رواه أبو بصير (5) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) وتقول السلام علينا و
على عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم وأنت تقول
مستقبل القبلة، السلام عليكم.
وقال أبو حنيفة: الذي [27 / ب] يخرج به منها غير معين، بل يخرج بأمر يحدثه وهو
ينافيها من كلام أو سلام أو حدث من ريح أو بول، لكن السنة أن تسلم لأن النبي (عليه السلام) كان
يخرج منها. (6)
ويسلم الإمام والمنفرد والمأموم تسليمة واحدة يميل إلى شقه الأيمن قليلا إلا أن يكون
على يسار المأموم غيره فإنه يسلم يمينا وشمالا.
وقال الشافعي في الجديد وأبو حنيفة: أن الأفضل تسليمتان.
لنا ما روي عن عائشة إنها قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلم تسليمة واحدة يميل إلى الشق
الأيمن قليلا.

1 - الخلاف: 1 / 367 مسألة 126.
2 - الخلاف: 1 / 369 مسألة 128.
3 - الخلاف: 1 / 373 مسألة 132.
4 - الغنية 81.
5 - يحيى بن القاسم، أبو بصير الأسدي، أبو محمد ثقة، وجيه أنظر ترجمته في معجم رجال الحديث: 20 / 74 رقم
13570.
6 - الخلاف: 1 / 376 مسألة 134.
77

وعن سهل بن سعد الساعدي (1) أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلم تسليمة واحدة و
لا يزيد عليها. (2)
فصل
صورة الصلاة عندنا مشتملة على الواجب والندب
وهي أن يتوجه، فالتوجه هو أن يكبر بعد الإقامة ثلاث تكبيرات، يرفع مع كل واحدة
منها يديه ويقول بعد هن.
اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي
ففزعت إليك تائبا مما جنيت فصل على محمد وآله وأغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا
أهل التقوى وأهل المغفرة.
ثم يكبر تكبيرتين ويقول بعدهما:
لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس بمنسوب إليك أؤمن بك وأتوكل
عليك وأؤمن برسولك وبما جاء به من عندك فصل على محمد وآله وزك عملي بطولك وتقبل
مني بفضلك.
ثم يكبر تكبيرة واحدة ينوي بعدها الدخول في الصلاة، يستحضر في نفسه أصلي صلاة
الظهر فرضا أداء قربة إلى الله، ثم يقول مقارنا لها الله أكبر مع رفع اليدين إلى شحمتي الأذنين و
يرسلهما على فخذيه ويقول بعد تكبيرة الإحرام.
وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين
محمد وولاية أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريتهما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي و
محياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. (3)
ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ الحمد وسورة معها ويفصل بين رجليه
في حال قيامه بمقدار أربع أصابع إلى شبر ويكون نظره في موضع سجوده، فإذا فرغ من القراءة
يكبر تكبير الركوع رافعا يديه حيال وجهه ثم يركع ويمد عنقه ويسوي ظهره [28 / أ] ويفتح

1 - الأنصاري، أبو العباس، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله) توفي سنة (88) وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. تهذيب
الكمال: 12 / 188 رقم 2612.
2 - الخلاف: 1 / 377 مسألة 135.
3 - الغنية 83.
78

إبطيه ويملأ كفيه من ركبتيه مفرقا أصابعه ويجعل رأسه حذاء ظهره غير منكس له ولا رافع و
نظره في الركوع بين رجليه ويقول.
اللهم لك ركعت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي
خشع لك سمعي وبصري ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي لله رب العالمين ثم يقول
سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا أو خمسا أو سبعا.
ثم يرفع رأسه وينتصب قائما مكبرا رافعا يديه كما مر يقول: سمع الله لمن حمده الحمد لله
رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت.
ثم كبر وأهوى إلى السجود ويتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه.
ثم يسجد على سبعة أعضاء - الجبهة واليدين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين - و
يرغم بالأنف ويكون متجافيا لا يضع شيئا من جسده على شئ ويكون نظره إلى طرف أنفه و
يقول:
اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي سجد لك سمعي و
بصري وشعري وعصبي ومخي وعظامي سجد وجهي البالي الفاني للذي خلقه وصوره
وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين سبحان ربي الأعلى وبحمده، سبعا أو خمسا أو
ثلاثا.
ثم يرفع رأسه بالتكبير ويستوي جالسا ويقول:
اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني إني لما أنزلت إلي من خير فقير.
ثم يرفع يديه بالتكبير ويعود إلى السجدة الثانية فيسجدها مثل الأولى.
ثم يرفع رأسه ويكبر ويجلس جلسة الاستراحة.
ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، وينتصب قائما ويقرأ
الحمد والإخلاص.
ثم يكبر للقنوت ويبسط كفيه حيال صدره وباطنهما إلى السماء ونظره إلى باطنهما و
الأصابع مضمومة إلا الإبهام ويقنت بما أحب من الدعاء وأفضله كلمات الفرج وهي:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا هو العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع و
رب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما فوقهن وما تحتهن وهو رب العرش العظيم و
سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
79

ثم يكبر ويركع ثم يرفع رأسه من الركوع ويكبر ويسجد السجدتين كما فعل في الركعة
الأولى.
ثم يجلس للتشهد [28 / ب] الأول متوركا على وركه الأيسر يضع ظاهر قدمه اليمنى
على باطن قدمه اليسرى ويقول:
بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله ما طاب وطهر ونما وخلص فهو لله وما خبث
فلغير الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون اللهم صل على محمد وآل محمد
وتقبل شفاعته في أمته وقرب وسيلته وارفع درجته.
ثم يسلم إن كانت ثنائية يومئ إلى جانبه الأيمن قليلا وإن كان على يساره غيره يومئ
إليه أيضا، وإن كانت غيرها لا يسلم يقوم ويقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد ويصلي ركعتين
بالحمد وحدها.
ثم يجلس للتشهد كما جلس في الأول ويقول: التحيات لله والصلوات الطيبات
الطاهرات الزاكيات الناميات المباركات الغاديات الدائمات لله ما طاب وطهر وزكى ونما و
خلص وما خبث فلغير الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا اللهم صل
على محمد وآل محمد وصل على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وعلى أهل طاعتك
أجمعين وأخصص اللهم محمدا وآله بأفضل الصلاة والتسليم السلام عليك أيها النبي ورحمة
الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم ورحمة الله ويومئ إلى
جانبه الأيمن كما مر ذكره.
ثم يكبر ثلاثا رافعا بها يديه ويقول لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له مسلمون لا إله إلا
الله إلها واحدا ونحن له مخلصون لا إله إلا الله إلها واحدا ونحن له عابدون لا إله إلا الله إلها
واحدا ولو كره المشركون لا إله إلا الله ربنا ورب آبائنا الأولين " لا إله إلا الله وحده وحده
وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده لا شريك
له له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل
شئ قدير.
ويسبح تسبيح الزهراء عليها السلام [29 / أ] ويدعو بما شاء، ويعفر بعد التعقيب بأن
80

يطرح نفسه على الأرض ويضع جبهته موضع سجوده ويقول:
اللهم إليك توجهت وإليك قصدت وبفنائك حللت وبمحمد وآله إليك تقربت وبهم
استشفعت وبهم توصلت وصل عليهم أجمعين وعجل فرجهم وعجل فرجنا مقرونا بفرجهم.
ثم يضع خده الأيمن موضع جبهته ويقول:
اللهم ارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم يا
كريم.
ثم يضع خده الأيسر موضع خده الأيمن ويقول:
لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا اللهم إن عملي
ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم.
ثم يضع جبهته موضع سجوده ويقول:
شكرا شكرا مائة مرة أو ما تيسر له، ثم يرفع رأسه ويمسح بها وجهه وصدره.
وصلاة المرأة كصلاة الرجل إلا أنها يستحب لها أن تضع يديها في حال القيام على
ثدييها وفي حال الركوع على فخذيها وتجلس من غير أن تنحني وتسجد وتجلس بين
السجدتين وللتشهدين ناصبة ركبتيها واضعة قدميها على الأرض وإذا أرادت القيام
وضعت يديها على جنبيها ونهضت حالة واحدة " (1).
فصل
وصورتها عند الحنفية أن يقوم ويستقبل القبلة ويكبر " ويرفع يديه مع التكبير حتى
يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه.
و [عند] الشافعية ينوي للصلاة ويكبر ويرفع يديه إلى حذاء منكبيه ويعتمد بيمينه
على يساره ويضعهما تحت السرة عندهم، وعند الشافعية فوق السرة ثم يقول:
سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويسر بهما وعند
الشافعية يجهر في صلاة يجهر فيها بالقراءة ثم يقرأ فاتحة الكتاب وسورة أو ثلاث آيات من أية

1 - الغنية: 85 - 86.
81

سورة شاء وإذا قال الإمام: ولا الضالين قال: آمين ويقولها المؤتم لقوله (عليه السلام): (إذا قال الإمام: و
لا الضالين قولوا: آمين فإن الإمام يقولها والملائكة يقولون فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة
غفر له ما تقدم من ذنبه).
ويخفي التأمين لحديث ابن مسعود (1): (يخفي الإمام أربعا: التعوذ [29 / ب] والتشهد و
آمين وربنا لك الحمد).
ثم يكبر ويركع ويعتمد على ركبتيه ويفرج بين أصابعه ويبسط ظهره ولا يرفع رأسه و
لا ينكسه لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه إذا كان ركع سوي ظهره حتى لو وضع على ظهره
قدح من ماء لاستقر ويقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا ثم يرفع رأسه ويقول سمع الله
لمن حمده ويقول المؤتم ربنا لك الحمد ولا يقولها الإمام عند أبي حنيفة ويقول عند أبي يوسف
ومحمد، فإذا استوى قائما كبر وسجد واعتمد بيديه على الأرض ووضع وجهه بين كفيه و
يسجد على أنفه وجبهته فإن اقتصر على أحدهما جاز ويجافي بطنه عن فخذيه لما روي
أنه (عليه السلام) يجافي عضديه عن جنبيه حتى أن بهيمة لو أرادت أن تمر بين يديه لمرت، ويوجه
أصابع رجليه نحو القبلة ويقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا ثم يرفع رأسه ويكبر
فإذا اطمأن جالسا كبر وسجد ولا يقعد لما روي عنه (عليه السلام) كان إذا قام من الأولى إلى الثانية قام
كأنه على الرصف وهي الحجارة المحماة ولا يعتمد بيديه على الأرض ويفعل في الركعة الثانية
مثل ما فعل في الركعة الأولى فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية افترش رجله اليسرى و
جلس عليها ونصب رجله اليمنى نصبا ووجه أصابعه نحو القبلة ووضع يديه على فخذيه وما
روي أنه (عليه السلام) تورك كان ذلك بعد ما كبر وأسن.
والتشهد أن تقول: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده و
رسوله.
ثم يقوم ويصلي الركعتين الأخريين ويقرأ فيهما فاتحة الكتاب خاصة ويتشهد ويصلي
على النبي (عليه السلام) ودعا بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة ثم يسلم عن يمينه فيقول:

1 - عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب، أبو عبد الرحمن الهذلي، هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة، وشهد بدرا، وأحدا
وغيرهما من المشاهد، توفي بالمدينة سنة (32) ودفن بالبقيع وكان عمره بضعا وستين سنة. أسد الغابة: 3 / 280 رقم
3177.
82

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعن يساره مثل ذلك لما روي عن النبي (عليه السلام) أنه كان يسلم
عن يمينه حتى يري بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر (1).
ويجهر بالقراءة في الفجر وفي الأوليين من المغرب [30 / أ] والعشاء الآخرة إن كان إماما
وإن كان منفردا إن شاء جهر وإن شاء خافت.
والوتر ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام ويقنت في الثالثة قبل الركوع في جميع السنة
وإذا أراد أن يقنت كبر ورفع يديه ثم قنت (2).
والقنوت عند الشافعي في صلاة الصبح (3) والوتر في النصف الأخير من رمضان (4).
وأكمل التشهد: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي و
رحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم في العالمين ربنا إنك حميد مجيد (5) ثم الفرض بعده السلام مرة واحدة والنية مع السلام و
تكرار السلام مرتين مع الالتفات من الجانبين سنة.
فصل في صلاة الجماعة
الاجتماع في فرائض اليوم والليلة عدا فريضة الجمعة سنة مؤكدة (6).
وليست بواجبة بلا خلاف بيننا وبينهما على المختار من مذهب الشافعي.
وقال أبو العباس بن سريج (7) وأبو إسحاق (8): هي من فروض الكفايات.
وقال داود (9): إنها من فروض الأعيان.

1 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 65 - 73، الهداية في شرح البداية: 1 / 48 - 54.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 66.
3 - الوجيز: 1 / 43.
4 - الوجيز: 1 / 54.
5 - أنظر الخلاف: 1 / 368 مسألة 127.
6 - الغنية: 87.
7 - أحمد بن عمر، البغدادي، أخذ الفقه عن أبي القاسم الأنماطي. توفي سنة (303). طبقات الشافعية الكبرى للسبكي:
3 / 21 رقم 85.
8 - إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي الفقيه الشافعي أقام بغداد دهرا طويلا ثم ارتحل إلى مصر في آخر عمره فتوفي
بها سنة (340 ه‍). وفيات الأعيان: 1 / 26 الرقم 3.
9 - بن علي أبو سليمان بن خلف الإصبهاني المشهور المعروف بالظاهري. مولده بالكوفة سنة (202 ه‍) توفي ببغداد
سنة (270) ودفن بالشونيزية. وفيات الأعيان: 2 / 255 الرقم 223.
83

لنا ما روى نافع (1) عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (صلاة الجماعة أفضل صلاة الفذ
بسبع وعشرون درجة)، فاضل صلى الله عليه بين صلاة الجماعة وصلاة الفذ والتفاضل إنما
يصح في المشتركين في الشئ فلو كانت صلات الفذ غير مجزية لما وقعت المفاضلة فيها (2).
وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها بإيجاب الاجتماع يحتاج إلى دليل " ومن شرط
انعقاد الصلاة جماعة الأذان والإقامة " (3).
وقال الشيخ في نهايته وفي جمله وعقوده وفي مبسوطه: بوجوبهما على الرجال في صلاة
الجماعة (4)، دليله طريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة.
وأن يكون الإمام عاقلا مؤمنا بلا خلاف عدلا (5)، خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما
يقولان: إمامة الفاسق وولد الزنا جائزة وإن كانت مكروهة لما رووه عنه (عليه السلام): صلوا خلف كل
بر وفاجر. (6)
لنا قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} (7) والفاسق ظالم و
الاقتداء به ركون إليه، وهو منهي، فيكون معصية وأيضا فالفضل معتبر في باب الإمامة على
ما دل عليه [30 / ب] سياق قوله (عليه السلام): (يؤمكم أقرأكم) وإذا ثبت ذلك وكان الفسق نقصا
عظيما في الدين، لم يجز تقديم الفاسق على العدل التقي، وأما ولد الزنا فمقطوع على عدم عدالته
في الباطن وإن أظهر خلاف. ذلك (8) وما روي من قوله (صلى الله عليه وآله) صلوا خلف كل بر وفاجر معلوم
أنه من الأحاديث المفتريات عقلا، لأن تقديم الفاسق على العدل تقديم المفضول على
الفاضل.
" ولا يصح الإئتمام بالأبرص والمجذوم والمحدود والزمن والخصي والمرأة إلا لمن كان
مثله، دليله إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط.
ويكره الإئتمام بالأعمى والعبد ومن يلزمه التقصير، ومن يلزم‍ [- ه] الإتمام والمتيمم
إلا لمن كان مثلهم.

1 - مولى ابن عمر، أبو عبد الله كان ديلميا توفي سنة (117). وفيات الأعيان: 5 / 367 رقم 756.
2 - الخلاف: 1 / 541 مسألة 279.
3 - الغنية: 87.
4 - النهاية 64، الرسائل العشر: ص 190، المبسوط: 1 / 95.
5 - الغنية 87.
6 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 79، الهداية في شرح البداية: 1 / 57.
7 - هود: 113.
8 - الغنية 88.
84

وإذا حضر جماعة لهم الصفات التي ذكرناها للإمامة فالأولى بالتقديم رب القبيلة، أو
البيت، أو المسجد، فإن لم يكن فأقرأهم، فإن تساووا فأفقههم، فإن تساووا فالهاشمي فإن
تساووا فأكبرهم سنا وهذا لا خلاف فيه.
وأقل ما تنعقد به الجماعة - لا الجمعة - اثنان، يقف المؤتم منهما عن يمين الإمام ". (1) كما
أقام رسول الله ابن عباس حيث صلى معه، وإن كان اثنين اصطفا خلفه كما صلى بعلي وجعفر
وإن كانت معهما امرأة وقفت خلفهما كما وقفت خديجة (2) خلف علي وجعفر.
ويلزم أن يقتدي بالإمام عزما وفعلا.
ولا يقرأ عندنا وعند أبي حنيفة خلف الإمام خلافا للشافعي فإنه قال: يقرأ (3)
لقوله (عليه السلام): (لا صلاة إلا بالقراءة) (4).
لنا قوله (عليه السلام): (الإمام ضامن) (5)، فإذا ضمن الإمام برئت ذمة المضمون عنه من القراءة
فلا يجب عليه وقوله (عليه السلام): (من كان له أمام فقراءة الإمام له قراءة) (6) وروي أنه لا يقرأ في
الأوليين من كل صلاة ولا في الغداة، إلا أن يكون في صلاة الجهرة وهو لا يسمع قراءة الإمام
فأما الأخريان وثالثة المغرب فحكمه حكم المنفرد. (7) والأول هو الأظهر والأشهر في
الروايات.
" ويستحب أن يقدم في الصف الأول الخواص وبعدهم العوام والأعراب، وبعدهم العبيد
وبعدهم الصبيان وبعدهم النساء " (8)، لقوله (عليه السلام): (خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها
وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها)، ثم قال (عليه السلام): (أخروهن من حيث أخرهن الله). (9)
ولا يجوز أن يكون بين الإمام وبين المأموم حائل ولا بين الصفين ما لا يتخطى مثله من
مسافة أو بناء أو نهر. (10) وقال الشافعي إذا كان الحائل في مسجد واحد صح. (11)

1 - الغنية 88.
2 - خديجة بنت خويلد زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، أول امرأة تزوجها، كانت قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت أبي هالة بن زرارة، وبعده
خلف عليها عتيق بن عابد، وكانت وزيرة صدق على الإسلام كان يسكن إليها، توفيت قبل الهجرة بخمس سنين
ودفنت بالحجون، كان عمرها (65) سنة. أسد الغابة: 6 / 78 رقم 6867.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 56، الوجيز: 1 / 42.
4 - نصب الراية: 2 / 492.
5 - الغنية: 87.
6 - سنن البيهقي: 2 / 531 حديث 2971.
7 - الغنية 88.
8 - الغنية 88.
9 - نصب الراية: 2 / 45.
10 - الغنية 88.
11 - الخلاف: 1 / 556 مسألة 300.
85

لنا أن الحائل مانع من الإئتمام [31 / أ] فلا تكون صلاته جماعة.
" وإن صلى خارج المسجد وليس بينه وبين الإمام أو الصفوف المتصلة حائل صحت
صلاته إذا لم يكن بعيدا منهم " (1). والطريق ليس بحائل وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
الطريق حائل، لنا الأصل الجواز والمنع يحتاج إلى دليل (2).
وإذا كان بين المأموم والصف حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم تصح صلاته، سواء
كان حائط المسجد أو حائط داره وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: كل هذا ليس
بحائل إذا علم صلاة الإمام. (3)
لنا ما قلنا إن الحائل مانع من الاجتماع فلا يكون جماعة " والماء بين الإمام والمأموم
ليس بحائل إذا لم يكن بينهما ساتر وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة، لنا أن كونه حائلا
يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في الشرع ". (4)
ومن دخل المسجد ولم يجدله مقاما في الصفوف، أجزأه أن يقوم وحده، محاذيا لمقام
الإمام، وانعقدت صلاته (5)، وذلك لا خلاف فيه بيننا وبين الشافعية والحنفية ". (6)
دليلنا على من خالفنا ما روي أن أبا بكر (7) دخل المسجد وهو يلهث، فوجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) راكعا، فركع خلف الصف، ثم دخل في الصف، فلما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من
أحرم خلف الصف، فقال: أنا فقال: زادك الله حرصا ولا تعد فلو لم تكن صلاته منعقدة لأمره
بإعادتها، ونهيه عن العود يحتمل أن يكون عن العود إلى التأخر عن الصلاة، أو عن دخول
المسجد وهو يلهث، لأن المصلي مأمور بأن يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار.
ومن أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الركعة بلا خلاف، فإن سبقه بركعة حول ثانية الإمام
له أولة، فإذا جلس الإمام للتشهد، جلس مستوفزا ولم يتشهد، فإذا نهض الإمام إلى الثالثة،
نهض معه إليها وهي له ثانية، فقرأ الحمد وسورة لنفسه على رواية والأظهر أنه لا يقرأ، فإذا
ركع الإمام ركع بركوعه وسجد بسجوده، و [إذا] نهض الإمام إلى الرابعة جلس وتشهد

1 - الخلاف: 1 / 556 مسألة 302.
2 - الخلاف: 1 / 557 مسألة 303.
3 - الخلاف: 1 / 557 مسألة 304.
4 - الخلاف: 1 / 558 مسألة 306.
5 - الغنية 89.
6 - التذكرة: 4 / 249 مسألة 549.
7 - عبد الله بن عثمان بن عامر القريشي التيمي، أبو بكر بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة عثمان، وكان اسمه في الجاهلية
عبد الكعبة. هو أول خليفة كان في الإسلام كانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال مات سنة (13 ه‍)، وهو ابن
(63) سنة. أسد الغابة: 3 / 205 رقم 3064.
86

تشهدا خفيفا ولحق الإمام قائما، وركع بركوعه وسجد بسجوده، فإذا جلس الإمام للتشهد
الأخير، جلس هو مستوفزا فإذا سلم نهض وتمم الصلاة خلافا لمن قال: إن ما أدركه آخر
صلاته ويقضي ما فاته من أولها.
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): (إذا أقمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم
تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا) وحقيقة الإتمام في [إ] كمال ما
تلبس به، والقول بأن [31 / ب] ذلك قضاء لما فات ترك لظاهر الخبر. (1)
يجوز أن يقتدي المتنفل بالمفترض والمفترض بالمتنفل، والقاضي بالمؤدي والمؤدي
بالقاضي وفاقا للشافعية وخلافا للحنفية لأن عندهم لا يصلي المفترض خلف المتنفل لأنه
أدنى حالا.
لنا ما روى جابر (2) قال: كان معاذ (3) يصلي مع رسول الله العشاء ثم ينصرف إلى موضعه
في بني سلمة فيصليها بهم وهي له تطوع ولهم مكتوبة. (4)
لا يجوز أن يكون الإمام موضعه أعلى من موضع المأموم إلا ما لا يعتد به، وأما
المأموم فيجوز أن يكون أعلى منه، وقال أبو حنيفة: إن كان موضع الإمام أعلى من
القامة منع وإن كان قامة فما دونها لم يمنع، وقال الشافعي: إن أراد تعليم الصلاة جاز أن يصلي
على الموضع المرتفع ليراه من وراءه فيقتدي به وإلا فالمستحب أن يكونوا على مستو من
الأرض. (5)
ليس من شرط صلاة المأموم أن ينوي الإمام إمامته، وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة:
ينوي إمامة النساء ولا يحتاج أن ينوي إمامة الرجال.
لنا أن الأصل براءة الذمة وكون هذه النية واجبة يحتاج إلى دليل، وروي عن ابن
عباس أنه قال: بت عند خالتي ميمونة (6)، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتوضأ، ووقف يصلي، فقمت

1 - الغنية: 89 - 90.
2 - ابن عبد الله بن عمرو بن حرام، الأنصاري، الخزرجي، أبو عبد الله، أبو محمد المدني، مات سنة (78). تهذيب
الكمال: 4 / 443 رقم 871.
3 - بن جبل الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن المدني، مات سنة (17). تهذيب الكمال: 28 / 105 رقم 6020.
4 - الخلاف: 1 / 546 مسألة 284.
5 - الخلاف: 1 / 563 مسألة 314.
6 - بنت الحارث بن حزن الهلالية، اسمها برة فسماها النبي (صلى الله عليه وآله) ميمونة، كان قبل النبي (صلى الله عليه وآله) عند أبي رهم بن عبد العزى
تزوجها رسول الله بسرف وبنى بها في قبة لها، ماتت بسرف سنة (51). الإصابة: 8 / 126 رقم 11779.
87

وتوضأت، وجئت فوقفت على يساره، فأخذ بيدي فأدارني من ورائه إلى يمينه ومعلوم من
النبي أنه ما كان نوي إمامته. (1)
فصل في صلاة الجمعة
الاجتماع في صلاة الجمعة واجب بلا خلاف، إلا أن وجوبه يقف على شروط، وهي:
الذكورة، والحرية، والبلوغ، وكمال العقل، وزوال السفر والمرض والعمى والعرج والكبر
الذي يمنع من الحركة، وتخلية السرب، وحضور الإمام العادل أو من نصبه، وحضور ستة نفر
معه، والتمكن من الخطبتين، وأن يكون بين مكان الجمعة وبين المكلف بها فرسخان فما
دونهما، ويسقط فرض حضورها عمن عدا من ذكرناه، وإن حضرها وكان مكلفا بها لزمه
الدخول فيها جمعة وأجزأته عن الظهر. (2)
إذا كان العدد الذين بهم ينعقد الجمعة في قرية وهم سبعة أحدهم الإمام - أو خمسة على
اختلاف بيننا - وجب عليهم الجمعة، وانعقدت بهم خلافا للشافعي فإنه قال: لا تنعقد بأقل
من أربعين [32 / أ] ذكورا مكلفين أحرارا مقيمين لا يظعنون شتاء ولا صيفا إلا لحاجة و
الإمام هو الحادي والأربعون، وقال أبو حنيفة لا جمعة على أهل السواد (3)، ولا يصح إلا في
مصر جامع، له قوله (عليه السلام): (لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع) (4).
لنا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى
ذكر الله وذروا البيع} (5)، والخطاب عام لجميع المؤمنين سواء كانوا في الأمصار أو في القرى
ولا يخرج من هذا العموم إلا ما أخرجه دليل قاطع، ولا يجوز تخصيص هذا العموم بالخبر
المذكور وهو (لا جمعة ولا تشريق) لأنه من أخبار الآحاد التي يوجب الظن لا العلم، فيجب
عليهم السعي إلى صلاة الجمعة بموجب الأمر الذي هو (فاسعوا)، والخطاب إذا تناول
الأربعين فما دونهم فتخصيصه بالأربعين يحتاج إلى دليل ولا دليل يدل عليه فيجب على العدد
الذي ذكرنا بمجرد الخطاب.
" وعند أبي حنيفة تنعقد بثلاثة سوى الإمام وعند أبي يوسف اثنان سوى الإمام لأن

1 - الخلاف: 1 / 565 مسألة 317.
2 - الغنية 90.
3 - الخلاف: 1 / 594 مسألة 356.
4 - الهداية في شرح البداية: 1 / 62.
5 - الجمعة: 9.
88

أقل الجمع ثلاثة ". (1) ويطلق على الاثنين.
لنا أن ما قلنا من العدد مجمع عليه لأنهم يوافقوننا ولا نوافقهم في ثلاثة واثنين فعليهم
الدليل، فإن قالوا أقل الجمع ثلاثة فيكون اجتماع، قلنا ضم واحد إلي واحد اجتماع بدليل
انعقاد صلاة الجماعة بواحد مع الإمام ولا خلاف في أنه لا تنعقد به صلاة الجمعة، وإذا كان
كذلك لا أثر لاجتماع اثنين مع الإمام ولا لاجتماع ثلاثة معه.
حضور الإمام العادل شرط عندنا وعند الحنفية حضور السلطان العادل (2) ولا خلاف
بيننا وبينه إلا في لفظ الإمام والسلطان، وأما العادل فعندنا من كان عدلا ظاهرا وباطنا، و
من كان كذلك لا يكون إلا معصوما ولا يعرفه إلا الله سبحانه لأنه العالم بالسرائر والخبير
بالضمائر " خلافا للشافعي لأن حضوره ليس بشرط عنده ولا إذنه ولا نائبه " (3).
لنا أن منصب الإمامة منصب مرغوب فيه فلو تقدم أحد أو قدم أحدا لوقع الخلاف
فيؤدي إلى اهتياج الفتنة المبطلة للجمعة وبحضور الإمام أو نائبه يندفع هذا فيجب أن يكون
شرطا.
" وأما الخطبة، فلا خلاف بيننا وبينهما في أنها شرط لصحة الجمعة ". (4)
ويجب على الإمام أن يخطب قائما إلا من عذر وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه
قال: يستحب، فإن خطب جالسا جاز. (5)
لنا طريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة ولا خلاف [32 / ب] أن النبي (صلى الله عليه وآله) خطب
قائما لقوله تعالى {وتركوك قائما} (6) وفعله يدل على الوجوب إلا أن يدل دليل على الندب و
الاستحباب.
" وإذا أخذ في الخطبة حرم الكلام على المستمعين حتى يفرغ من الخطبتين وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا خرج الإمام حرم الكلام حتى يفرغ من خطبته " (7)، لقوله (صلى الله عليه وآله): إذا

1 - الخلاف: 1 / 598 مسألة 359.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 82 ولفظ (العادل) ليس فيه ولا في غيره من كتب الحنفية بل في فتاوى الهندية: 1 / 145
طبع دار الفكر (عادلا كان أو جائرا هكذا في التتارخانية ناقلا عن النصاب).
3 - الوجيز: 1 / 62، الخلاف: 1 / 626 مسألة 397.
4 - الخلاف: 1 / 614 مسألة 381.
5 - الخلاف: 1 / 615 مسألة 382.
6 - الجمعة: 11.
7 - الخلاف: 1 / 615 مسألة 383.
89

خرج الإمام يوم الجمعة فلا صلاة ولا كلام. (1)
وعند الشافعي يستحب تحية المسجد في أثناء الخطبة. (2)
لنا هذا خبر واحد والأصل براءة الذمة من وجوب وندب إلا أن يدل دليل وقد دل
الدليل على ما ذهبنا إليه وهو الإجماع منا ومنه عليه.
" وأقل ما يكون الخطبة حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على محمد وآله والوعظ و
قراءة شئ من القرآن فإن أخل بشئ من هذه لم يجزه، وما زاد عليه مستحب وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجزئ من الخطبة كلمة واحدة (الحمد لله)، أو (سبحان الله) أو (لا
إله إلا الله) ". (3)
لنا لا خلاف أن ما اشتمل عليه ما ذكرناه يسمى خطبة وما لا يشتمل عليه ففيه خلاف
والإجماع حق وخلافه باطل وقوله (عليه السلام) للأعرابي حين قال: من أطاع الله ورسوله فقد رشد و
من عصاهما فقد غوي (بئس خطيب القوم أنت) (4) لا يدل على أن كلمة أو كلمتين خطبة لأنه
يحتمل أن يدعا خطيبا وإن لم يخطب كما يقال للخطباء خطيب في غير حال خطابتهم، وإنما رد
عليه كلامه لأنه جمع بين اسم الله وبين اسمه في قوله: (ومن عصاهما).
" ومن كان بينه وبين الموضع الذي يصلى فيه الجمعة أكثر من فرسخين لا يجب عليه
حضور الجمعة وقال أبو حنيفة: لا يجب قال محمد: قلت لأبي حنيفة تجب الجمعة على أهل
زبارا بأهل الكوفة؟ قال: لا، وزبارا قرية بقرب الكوفة بينها وبين الكوفة الخندق.
وقال الشافعي: إذا كانوا بحيث يبلغهم النداء من طرف البلد إلى الذي يليهم، والمؤذن
صيت والمستمع ليس بأصم يجب عليهم الحضور وإلا لم يجب ولو حضروها جاز ". (5)
وينعقد بحضور من لم تجب عليه الجمعة إلا النساء وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا تنعقد إذا انفردوا أو تم بهم العدد.
لنا أن اعتبار العدد عام ليس فيه [33 / أ] تخصيص وليس إذا لم تجب عليهم لا تنعقد
بهم فإن المريض لا تجب عليه بلا خلاف ولو حضر انعقدت به. (6)
وإذا دخل المسجد والإمام يخطب لا يصلي نافلة ولا تحية المسجد بل يستمع للخطبة

1 - نصب الراية: 2 / 243.
2 - الخلاف: 1 / 612 مسألة 379.
3 - الخلاف: 1 / 616 مسألة 384.
4 - سنن أبي داود: 4 / 295 حديث 4981.
5 - الخلاف: 1 / 594 مسألة 357.
6 - الخلاف: 1 / 610 مسألة 375.
90

وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يجلس يستمع
للخطبة. (1)
لنا ما روي عن عائشة (رض) أنها قالت: إنما قصرت الصلاة لمكان الخطبة (2)، وكما
لا يجوز خلال الركعتين فعل آخر كذا في خلال الخطبتين.
ويستحب الغسل ليوم الجمعة، وقص الشارب، والأظفار، والتجمل باللباس، ومس
شئ من الطيب.
ويستحب للإمام التحنك والارتداء وتقديم دخول المسجد ليقتدي الناس به، فإذا
زالت الشمس وأذن المؤذن صعد المنبر يخطب خطبتين مقصورتين على حمد الله والثناء عليه و
الصلاة على محمد وآله والوعظ والزجر يفصل بينهما بجلسة ويقرأ سورة خفيفة من القرآن، و
المأمومون ينصتون ولا يتكلمون بما لا يجوز مثله في الصلاة، فإذا فرغ من الخطبة أقيمت
الصلاة، فنزل وصلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى منها الحمد ويستحب أن يصلي بهم
العصر عقيب الجمعة بإقامة من غير أذان. (3)
خلافا لهم إلا إذا كان آخر وقت الظهر وأول العصر. (4)
والجلسة بين الخطبتين من شرائطها.
" ويكره الكلام للسامع وليس بمفسد للصلاة عندنا على رواية.
وللشافعي قولان: أحدهما يحرم وبه قال أبو حنيفة، والثاني أنه مستحب وليس
بواجب قاله في ألام ". (5)
والاحتياط يقتضي الوجوب " وإذا زالت الشمس وتكاملت الشرائط لا يجوز إنشاء
السفر حتى يصلي الجمعة " (6)، وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وخلافا لبعض أصحابه. (7)
ويكره إذا طلع الفجر وهو مقيم وللشافعي قولان: أحدهما: لا يجوز، والآخر:
يجوز. (8)
ولا يجمع في مصر واحد وإن عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد، إلا أن يكون

1 - الخلاف: 1 / 612 مسألة 379.
2 - المبسوط للسرخسي: 2 / 24.
3 - الغنية: 90 - 91.
4 - بداية المجتهد: 1 / 313.
5 - الخلاف: 1 / 625 مسألة 396.
6 - الغنية 91.
7 - الخلاف: 1 / 609 مسألة 371.
8 - الخلاف: 1 / 609 مسألة 372.
91

البلد أكثر من ثلاثة أميال فيكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فيصح الجمعتان. وفاقا للشافعي
وهو الظاهر من قول أبي حنيفة، وحكى الساجي (1) عن أبي حنيفة أنه يجوز في موضعين
استحسانا. (2)
وإذا فات الجمعة بأن يمضي من الزوال مقدار الأذان والخطبة وصلاة الجمعة لم يجب
قضاؤها ووجب أن يؤدى ظهرا. (3)
ومن أدرك مع الإمام ركعة مشاهدة أو حكما فقد [33 / ب] أدرك الجمعة، فالمشاهدة
أن يدركها معه من أول الركعة الثانية، والحكم أن يدركه راكعا فكبر وركع مع الإمام. وبه
قال الشافعي وقال قوم إن لم يدرك الخطبتين والركعتين صلى ظهرا.
وقال قوم: إن أدرك اليسير منها فقد أدرك وذهب إليه أبو حنيفة، وقال: إن أدركه في
سجود السهو بعد السلام كان مدركا لها، لأنه إذا سجد للسهو عاد إلى حكم الصلاة. (4)
فصل في كيفية صلاة المضطر
" المضطر إلى ترك شئ مما بينا في صلاة المختار تختلف كيفية صلاته على حسب اختلاف
حاله في الضرورات وهو مكلف بأدائها في آخر الوقت، على أي صفة تمكن منها " (5) وإنما
كلف بأدائها في آخر الوقت لإمكان زوال الضرورة فينظر فإن زال صلاها تامة " فالمريض إن
قدر على القيام قام، وإن لم يقدر يعتمد على حائط أو عصا وإن لم يقدر صلى جالسا وإن لم
يقدر فمضطجعا على جنبه الأيمن " (6)، ووجهه إلى القبلة وإليه ذهب الشافعي، وإن لم يتمكن
فمستلقيا ويجعل رجليه إلى القبلة لقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى
جنوبهم}. (7)
ولقوله (عليه السلام) لعمران بن حصين (8): صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى

1 - اسمه زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر، أبو يحيى البصري الحافظ، أخذ عن المزني، والربيع، أخذ عنه الشيخ
أبو الحسن الأشعري مات بالبصرة سنة (307) وله كتاب اختلاف الفقهاء. طبقات الشافعية: 1 / 94 رقم 40.
2 - الخلاف: 1 / 628 مسألة 401.
3 - الغنية 91.
4 - الخلاف: 1 / 622 مسألة 392.
5 - الغنية: 91.
6 - الغنية 91.
7 - آل عمران: 191.
8 - بن عبيد بن خلف الخزاعي الكعبي، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله) وعن معقل بن يسار، روى عنه: حجير بن الربيع العدوي
وغيره، توفي بالبصرة سنة (52). أسد الغابة: 3 / 778 رقم 4042 وتهذيب الكمال: 26 / 147 الرقم 5484.
92

الجنب. (1)
وعند الحنفية: إن لم يستطع فمستلقيا قالوا: لأن الاستقبال على هذا أكثر وكان أولى. (2)
وإذا صلى جالسا ركع وسجد وإن صلى مستلقيا أقام تغميض عينيه مقام الركوع و
السجود وفتحهما مقام رفع الرأس منهما. (3)
وعند الشافعي يجوز بإيماء العين والحاجب والقلب (4) خلافا للحنفية فإنهم يوجبون
الإيماء بالرأس ويقولون: إن الأفعال أصل في الصلاة والإيماء بالقلب هو الإرادة والنية و
الصلاة غير النية وقالوا: إذا عجز عن تحريك الرأس سقط منه الأداء (5).
والمضطر إلى الركوب يصلي راكبا ويومئ بالركوع ويسجد على ما يتمكن وكذلك
المضطر إلى المشي يصلي ماشيا ويومئ ويتوجهان إلى القبلة إن تمكنا وإلا بتكبيرة
الإحرام (6).
والراكب في السفينة يصلي قائما إن تمكن، واقفة كانت السفينة أو سائرة وإلا قاعدا
وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يصلي قائما أو قاعدا (7).
لنا إجماع الأمة على أن من يقدر أن يصلي قائما لا يجوز له أن يصلي قاعدا فلا يجوز
لراكب السفينة [34 / أ] أن يصلي قاعدا مع قدرته على القيام " ويتوجه إلى القبلة في جميع
الصلوات فإن كانت السفينة دائرة توجه [إلى القبلة] ودار إليها مع دور السفينة فإن لم يتمكن
استقبلها بتكبيرة الإحرام وإن لم يعرف القبلة توجه إلى صدر السفينة وصلى حيث توجهت،
وكذا السابح والغريق، والموتحل والمقيد والمربوط، يصلون على حسب استطاعتهم و
يؤمون بالركوع والسجود.
والعريان إن كان بحيث يراه أحد، صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود، وإن كان
بحيث لا يراه أحد، صلى قائما وركع وسجد " (8). وقال الشافعي: العريان كالمكتسي يصلي
قائما ولم يفصل. وقال الأوزاعي (9): يصلي جالسا. وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يصلي

1 - الخلاف: 1 / 420 مسألة 167.
2 - التذكرة: 3 / 94 مسألة 194.
3 - الغنية 91.
4 - الوجيز: 1 / 42.
5 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 100.
6 - الغنية 92.
7 - الخلاف: 1 / 584 مسألة 344.
8 - الغنية 92.
9 - أبو عمرو، عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد، إمام أهل الشام. سمع من الزهري وعطاء، وروى عنه الثوري، وعبد الله
بن المبارك وجماعة كثيرة ولد سنة (88 ه‍) وتوفي سنة (157). وفيات الأعيان: 3 / 127 رقم 361.
93

قائما أو قاعدا.
لنا على وجوب الصلاة قائما، طريقة الاحتياط، وعلى إسقاط القيام حيث قلناه أن ستر
العورة واجب فإذا لم يمكن إلا بالقعود وجب عليه ذلك (1) فإن كان العراة جماعة صلوا جلوسا،
إمامهم في وسطهم لا يتقدمهم إلا بركبتيه.
والخائف من العدو يصلي على حسب استطاعته، والخوف بانفراده موجب لقصر
الصلاة، سواء كان الخائف حاضرا أو مسافرا (2) وبه قال ابن عباس.
ومن أصحابنا من يقول: لا يقصر أعدادها إلا في السفر، وإنما يقصر هيأتها، وبه قال
جميع الفقهاء والمذهب الأول أظهر هكذا ذكره الشيخ في مسائل الخلاف. (3)
فصل
كيفية صلاة الخوف أن يفرق الناس فرقتين يحرم الإمام بطائفة والطائفة الأخرى تقف
تجاه العدو فيصلي بالذين معه ركعة ثم يثبت قائما ويتمون الركعة الثانية لأنفسهم وينصرفون
إلى تجاه العدو وتجئ الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية وهي أولة لهم ثم يثبت
جالسا فتقوم هذه الطائفة فتصلي الركعة الباقية عليهم وتجلس معه ثم يسلم بهم (4) وبه قال
الشافعي هكذا في الوجيز في النوع الثالث من صلاة الخوف: وهو أن يلتحم القتال ويحتمل
الحال اشتغال بعضهم بالصلاة قال الغزالي (5): هكذا صلى رسول الله (ص) بذات الرقاع وقال
في النوع الأول وهو أن لا يكون العدو في جهة القبلة فيصدع الإمام أصحابه صدعين ويصلي
بأحدهما ركعتين والطائفة الثانية تحرسه ويسلم ثم يصلي بالطائفة الأخرى [34 / ب] ركعتين
أخريين هما له سنة ولهم فريضة وذلك جائز من غير خوف ولكنه كذلك صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ببطن النخل (6) وفي النافع للحنفية إذا اشتد الخوف يجعل الإمام الناس طائفتين طائفة إلى
وجه العدو وطائفة خلفه فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين فإذا رفع رأسه من السجدة

1 - الخلاف: 1 / 399 مسألة 151.
2 - الغنية 92.
3 - الخلاف: 1 / 637 مسألة 409.
4 - الغنية 92.
5 - محمد بن محمد بن محمد، أبو حامد، الغزالي، الفقيه الشافعي، اشتغل بطوس على أحمد الراذكاني، وإمام
الحرمين، ولد سنة 450 وتوفي سنة 505 بالطابران طوس. وفيات الأعيان: 4 / 216 رقم 588.
6 - الوجيز: 1 / 66 - 67.
94

الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت طائفة أخرى فيصلي بهم الإمام ركعة و
سجدتين وتشهد وسلم ولم يسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأولى فصلوا
وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو وجاءت
الطائفة الأخرى فصلوا وحدانا ركعة وسجدتين بغير قراءة وتشهدوا وسلموا وإن كان
الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية ركعتين ويصلي بالطائفة ركعتين من
المغرب وبالثانية ركعة.
لنا على ما ذكرنا من الترتيب قوله تعالى {فإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} (1)
الآية، لأن ظاهرها يقتضي أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام جميع الصلاة وعلى مذهب أبي
حنيفة تصلي معه النصف فقد خالف الظاهر، وقوله تعالى: {فإذا سجدوا فليكونوا من
ورائكم ولتأت طائفة أخرى} فظاهر هذا يقتضي أن يكون المراد سجود الطائفة الأولى في
الركعة الثانية، لأنه أضاف السجود إليهم والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف
إلى الإمام أو إلى الإمام والمأموم، ولا تضاف إلى المأموم وحده لأنه تابع، ولأن في الترتيب
الذي ذكرنا تسوية بين الفريقين من حيث أن الإمام يحرم بالأولى ويسلم بالثانية، فيحصل
للأولى فضيلة الإحرام وللثانية فضيلة التسليم، وعلى قوله يحرم بالأولى ولا يسلم بالثانية و
من حيث أن الفرقة الأولى حين صلت مع الإمام تحرسها الثانية وليست في الصلاة والثانية
صلت مع الإمام وتحرسها الأولى وليست في الصلاة فتساويا في حال الحراسة وعلى قوله
تنصرف الأولى وتقف في وجه العدو ولا تنقطع بذلك صلاتهم وتقع حراستهم وهم في
الصلاة، ويشهد بفساد قوله أن الصلاة التي ذهب إليها يشتمل على أمور يبطل بمثلها الصلاة
من المشي الكثير واستدبار القبلة.
وإن كانت صلاة [35 / أ] المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعتين وإن شاء ركعة
وبالثانية ما بقي (2) وبه قال الشافعي إلا أن أصحابه اختاروا أن يصلي بالأولى ركعتين و
بالثانية ركعة. (3)
وإن خافوا العدو بالانقسام صلوا على ظهور خيلهم في مصافهم متوجهين إلى القبلة في

1 - النساء: 102.
2 - الغنية 92 - 93.
3 - الخلاف: 1 / 642 مسألة 411.
95

جميع الصلاة إن أمكن وإلا فبتكبيرة الإحرام ويومون بالركوع ويسجدون على قرابيس
سروجهم وإن كان حال طراد ومسايفة عقد كل واحد منهم الصلاة بالنية وتكبيرة الإحرام و
قال: (مكان كل ركعة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) و يتشهد ويسلم. (1)
رخص في لبس الحرير عند القتال ويحرم في غيره على الرجال وكذا التدثر به وفرشه و
القعود عليه، وفاقا للشافعي وأبي حنيفة في لبسه و [لكنه] قال فرشه والجلوس عليه غير
محرم.
لنا عموم الأخبار الواردة في تحريم الحرير المحض. وما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال:
خرج النبي (صلى الله عليه وآله) يوما وبيمينه قطعة ذهب وبشماله قطعة حرير فقال (صلى الله عليه وآله): إن هذين حرام على
ذكور أمتي حل لإناثها (2).
وإن كان مختلطا بشئ من كتان أو قطن زال عنه التحريم سواء كان مثله أو غالبا أو أقل.
وقال الشافعي: إن كان غالبا فهو حرام وإن كان أقل لم يحرم، وإن كانا متساويين ففيه و
جهان: وقال أبو حنيفة: إذا خالط غيره لم يحرم.
لنا قوله (عليه السلام): (إنما حرم الديباج إذا كان مصمتا سداه ولحمته، فأما أحدهما فلا بأس. (3)
فصل في صلاة العيدين وما يتعلق بها
صلاة العيدين واجبة عندنا بشروط وهي شروط الجمعة. (4) خلافا لجميع الفقهاء،
فإنها سنة عندهم.
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط لأن من صلاها برئت ذمته وليس كذلك من لم
يصلها. (5)
ويستحب التكبير ليلة الفطر، عقيب أربع صلوات أولاهن المغرب، وأخراهن صلاة
العيد وفي يوم الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة لمن كان بمنى، ولمن كان بغيرها عقيب عشر
صلوات أولها صلاة الظهر. (6)
وعند الشافعية إذا غربت الشمس ليلة العيدين استحب التكبيرات المرسلة ثلاثا نسقا

1 - الغنية 93.
2 - الخلاف: 1 / 649 مسألة 421.
3 - الخلاف: 1 / 648 مسألة 422.
4 - الغنية 94.
5 - الخلاف: 1 / 651 مسألة 423.
6 - الغنية 96.
96

حيث كان في الطرق وغيرها إلى أن يحرم (1) الإمام وفي استحبابها عقيب الصلوات الثلاث و
جهان.
ويستحب رفع الصوت بالتكبير في عيد النحر عقيب خمس عشرة مكتوبة ولم يفرقوا
بين أهل منى وأهل الأمصار أولها الظهر كما ذهبنا إليه و [35 / ب] آخره الصبح آخر أيام
التشريق (2).
وصفة التكبير أن يقال: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد)
عندنا وعند أبي حنيفة أن يكبر مرتين (3).
" وقال الشافعي: التكبير مطلق، ومقيد:
فالمطلق: أن يكبر على كل حال ماشيا وراكبا وجالسا في الأسواق والطرقات.
والمقيد: عقيب الصلوات المذكورة وفيه وجهان: أحدهما أنه مسنون وهو الأظهر، و
الآخر أنه غير مسنون ". (4)
والتكبير في صلاة العيدين اثنتا عشرة تكبيرة سبع في الأولى منها تكبيرة الإحرام و
تكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس منها تكبيرة الركوع وموضع التكبيرات في الركعتين بعد
القراءة.
وقال الشافعي اثنتا عشرة تكبيرة منها في الأولى سبع، وفي الثانية خمس، ليس منها
تكبيرة الافتتاح ولا تكبيرة الركوع، وموضعها قبل القراءة في الركعتين معا.
وقال أبو حنيفة: يكبر في الأولى ثلاثا بعد تكبيرة الإحرام وفي الثانية ثلاثا سوى
تكبيرة القيام.
لنا في عدد التكبيرات ما روى أن النبي (صلى الله عليه وآله) كبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا. (5)
ويقنت بين كل تكبيرتين بما نذكره.
ومن السنة أن يصحر بها، ويخرج الإمام والمأمومون مشاة وأن يقف الإمام كلما مشى
قليلا ويكبر حتى يبلغ إلى المصلي فيجلس حتى تبسط الشمس وذلك أول وقتها، ثم يقوم و
الناس معه بغير أذان ولا إقامة بل يقول المؤذنون الصلاة، ثلاث مرات، ثم يدخل في الصلاة

1 - في النسخة: يتحرم.
2 - التذكرة: 4 / 149 مسألة 457.
3 - الخلاف: 1 / 669 مسألة 443.
4 - الخلاف: 1 / 654 مسألة 426.
5 - الخلاف: 1 / 658 مسألة 430.
97

بتكبيرة الإحرام، ويقرأ الحمد والشمس وضحاها، فإذا فرغ من القراءة كبر ويرفع يديه مع
كل تكبيرة وقنت وقال:
اللهم أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل التقوى والمغفرة،
أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا، ولمحمد (صلى الله عليه وآله) ذخرا وكرامة ومزيدا، أن
تصلي على محمد وآل محمد، وأن تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمدا وآل محمد، وأن
تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمدا وآل محمد عليه وعليهم السلام، اللهم إنا نسألك
خير ما سألك عبادك الصالحون، ونستعيذ بك من شر ما استعاذ منه عبادك المخلصون.
ثم يكبر ويقول مثل ذلك حتى يستكمل ست تكبيرات بعد القراءة ثم يركع بالسادسة
[36 / أ] فإذا نهض إلى الثانية واستوى قائما قرأ الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ثم يكبر بعد
القراءة خمسا يقنت بين كل تكبيرتين بما ذكرنا ويركع بالخامسة وإذا فرغ من الصلاة صعد
المنبر فخطب بالناس والخطبة بعد الصلاة بلا خلاف، والمكلف مخير بين سماع الخطبة و
الانصراف والسماع أفضل. (1)
وعند الشافعية يخرج الإمام إلى الصحراء والناس معه وينادي الصلاة جامعة وينوي
ويعقد بتكبيرة الإحرام فيقرأ أولا دعاء الاستفتاح ويكبر سبع تكبيرات زائدة في الأولى و
خمسا في الثانية ويقول بين تكبيرتين سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم يقرأ
الفاتحة بعد التكبير ويقرأ سورة (ق) في الأولى و (اقتربت) في الثانية ويرفع اليدين في هذه
التكبيرات ثم يخطب بعد الصلاة كخطبة الجمعة لكن يكبر تسعا قبل الخطبة الأولى وسبعا
قبل الثانية، وعند الحنفية يصلي الإمام بالناس ركعتين يكبر في الأولى تكبيرة الإحرام و
ثلاثا بعدها ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها ويكبر تكبيرة الركوع ثم ابتدأ في الركعة الثانية
بالقراءة وإذا فرغ منها كبر ثلاثا وكبر رابعة يركع بها، وهذا قول ابن مسعود قالوا هو اختيار
علمائنا، وعامة البلاد إنما يعمل اليوم بقول عبد الله بن عباس وهو أن يكبر سبعا في الأولى و
خمسا في الثانية يبدأ بالتكبير يرفع يديه في تكبيرات العيد ويخطب بعد الصلاة خطبتين.
لنا إن هذه الصلاة إما واجبة بعد تكامل شرائطها كما ذهبنا إليه ودللنا عليه وإما ندب
كما ذهب إليه الآخرون وقد دل الدليل على وجوبها كما مر فمن قال بوجوبها قال بما ذكرنا

1 - الغنية: 95.
98

كيفيتها ومن لم يقل بوجوبها قال بغير ما ذكرنا فمن قال بوجوبها وقال بغير ما ذكرنا من
كيفيتها كان خارجا عن الإجماع فيكون باطلا.
" وإذا اجتمع عيد وجمعة وجب حضورهما " (1) وفاقا للشافعي وأبي حنيفة، وقد
روي أنه إذا حضر العيد سقط عنه فرض الجمعة وهو مخير إن شاء حضر وإن شاء ترك و
اختاره الشيخ أبو جعفر في مسائل خلافه. (2)
لنا ظاهر القرآن {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} (3)، و
طريقة الاحتياط يقتضي ذلك أيضا.
" ويستحب فعلها لمن لم تتكامل له شرائط وجوبها ولا يجب قضاؤها إذا [36 / ب]
فاتت ولا يفوت حتى يزول الشمس.
ولا يجوز التنفل وقيل يكره يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها حتى تزول الشمس
للإمام والمأموم " (4) وقال الشافعي: للمأموم لا للإمام، وقال أبو حنيفة: يكره قبلها ولا يكره
بعدها. (5)
فصل في كيفية صلاة الكسوف والآيات العظيمة
وهي واجبة عندنا خلافا لجميع الفقهاء فإنها عندهم مسنونة. (6) وقد دللنا على
وجوبها فيما تقدم فلا نعيده.
" وهي عشر ركعات بأربع سجدات، يركع بعد القراءة، فإذا رفع رأسه من الركوع قرأ،
فإذا فرغ ركع، هكذا حتى تكمل خمس ركعات، ولا يقول: سمع الله لمن حمده إلا في رفع الرأس
من الركعة الخامسة، ثم يسجد سجدتين وينهض فيصنع كما صنع أولا، ولا يقول: سمع الله لمن
حمده إلا في رفع الرأس من الركعة العاشرة ثم يسجد سجدتين ويتشهد ". (7)
وعند الشافعية: أقلها ركعتان في كل ركعة ركوعان وقيامان وأكملها أن يقرأ في القيام
الأول بعد الفاتحة سورة البقرة وفي الثانية آل عمران وفي الثالثة النساء وفي الرابعة المائدة و

1 - الغنية: 96.
2 - الخلاف: 1 / 673 مسألة 448.
3 - الجمعة: 9.
4 - الغنية: 95.
5 - الخلاف: 1 / 665 مسألة 438.
6 - الخلاف: 1 / 677 مسألة 450.
7 - الغنية 96.
99

يسبح في الركوع بقدر مئة آية وفي الثاني بقدر ثمانين وفي الثالث بقدر سبعين وفي الرابع بقدر
خمسين، ولا يطول السجدات ولا القعدة بينها (1).
وعند الحنفية ركعتان كهيئة النافلة في كل ركعة ركوع واحد وقالوا هذا اعتبارا بسائر
الصلاة ويطول القراءة فيها ويخفى لقوله (عليه السلام): (صلاة النهار عجماء) ثم يدعو حتى تنجلي
الشمس لقوله (عليه السلام): (إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فارغبوا إلى الله بالدعاء) (2).
لنا على عدد الركعات إنا قد دللنا على وجوب هذه الصلاة، فمن قال بوجوبها قال بما
ذكرناه من عدد الركعات ومن لم يقل بوجوبها قال بغير ما ذكرناه، فالقول بوجوبها وبغير
ما ذكرناه من عدد الركعات خروج عن الإجماع، " وما رواه أبي بن كعب (3) قال: انكسفت
الشمس على عهد رسول الله فصلى بنا، وقرأ سورة من الطوال، وركع خمس ركعات، وسجد
سجدتين، ثم قام فقرأ سورة من الطوال وركع خمس ركعات وسجد سجدتين وجلس (عليه السلام) كما
هو مستقبل القلبة، يدعو حتى تنجلي القرص.
ويستحب أن يصلي جماعة، وأن يجهر بالقراءة. (4) خلافا لهما فإنهما يخفيان. (5)
وأن يقرأ بالسور الطوال، وأن يكبر كلما رفع رأسه من الركوع، وأن يقنت في كل
ركعتين، وأن يجعل زمان ركوعه مقدار زمان قيامه.
ومن تركها حتى ينجلي القرص وجب عليه قضاؤها، وإن كان متعمدا فهو مأزور و
يلزمه القضا والتوبة والاستغفار، وإن كان مع التعمد وقد احترق القرص كله، استحب له مع
ذلك الغسل. (6) وقيل بوجوب الغسل. (7)
ويستحب أن يصلي تحت السماء [37 / أ] وقال الشافعي في المساجد. (8)
وليس بعد صلاة الكسوف خطبة [وفاقا] لأبي حنيفة، [وقال الشافعي]: يصعد بعدها
المنبر ويخطب كما يخطب في العيدين. (9)

1 - الخلاف: 1 / 679 مسألة 453، المجموع: 5 / 53 - 54.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 86، نصب الراية: 2 / 269.
3 - ابن قيس بن عبيد بن زيد، الأنصاري النجاري، أبو المنذر، وأبو الطفيل سيد القراء كان من أصحاب العقبة الثانية،
وشهد بدرا والمشاهد روى عنه: عمر، وأبو أيوب، وعبادة بن صامت، وسهل بن سعد وغيرهم، توفي سنة (20 ه‍).
الإصابة: 1 / 27 رقم 32.
4 - الغنية 97.
5 - الخلاف: 1 / 681 مسألة 455.
6 - الغنية 97.
7 - الخلاف: 1 / 678 مسألة 452.
8 - الخلاف: 1 / 681 مسألة 454.
9 - الخلاف: 1 / 681 مسألة 456.
100

صلاة كسوف القمر مثل صلاة كسوف الشمس. وقال أبو حنيفة يصلي فرادى لا
جماعة. (1)
صلاة الكسوف واجبة عند الزلازل، والرياح العظيمة، والظلم العارضة، والحمرة
الشديدة ولم يقل به أحد من الفقهاء. (2)
لنا بعد إجماع الإمامية قوله (عليه السلام): (إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئا فافزعوا إلى الدعاء) و
في رواية (إلى الصلاة). (3) والأمر يقتضي الوجوب.
فصل في صلاة المسافر
كل سفر كان طاعة أو مباحا وجب فيه التقصير، خلافا للشافعي فإنه قال: يجوز فيه
التقصير، ووفاقا لأبي حنيفة (4)، ففرض المسافر عندنا وعند أبي حنيفة من كل رباعية
ركعتان، وعند الشافعي أربع. (5)
لنا لو كان أربعا لما جازت ركعتان والثاني باطل بالاتفاق، فالأول مثله.
وكل سفر كان معصية لا يجوز فيه التقصير وكذا سفر اللهو. وقال الشافعي: يجوز فيه
التقصير (6).
لنا أن من أتم في سفر اللهو برئت ذمته من الصلاة وليس كذلك إذا لم يتم.
وحد السفر الذي يجب فيه التقصير والخلاف فيه قد مضى.
وسفر الصيد للتجارة يقصر فيه الصوم دون الصلاة عندنا وكل سفر أوجب التقصير في
الصوم أوجب في الصلاة إلا هذه المسألة.
ومن تعمد الإتمام عالما بوجوب التقصير أعاد ناسيا في الوقت وبعده لا (7).
وإن كانت المسافة أربعة فراسخ ونوى الرجوع من يومه لزمه التقصير وإن لم ينو لم
يلزم.
" وإذا خرج للسفر لا يجوز له أن يقصر حتى يغيب عنه بنيان البلد أو يخفى عليه أذان

1 - الخلاف: 1 / 682 مسألة 457.
2 - الخلاف: 1 / 682 مسألة 458.
3 - نصب الراية: 2 / 279 - 280.
4 - الخلاف: 1 / 567 مسألة 319.
5 - الخلاف: 1 / 569 مسألة 321.
6 - الوسيط في المذهب: 2 / 251.
7 - وفي العبارة سقط أو خلل.
101

مصر. وفاقا لجميع الفقهاء ". (1) لقول علي [(عليه السلام)] حين خرج من الكوفة: لو جاوزنا هذا
الخص لقصرنا (2).
وإذا نوى في بلد مقام عشرة أيام وجب عليه الإتمام.
وقال الشافعي: إن نوى مقام أربعة سوى يوم دخوله وخروجه أتم.
وقال أبو حنيفة: إن نوى مقام خمسة عشر يوما أتم. (3)
وإذا نزل موضعا له فيه منزل مملوك قد استوطنه ستة أشهر متوالية أو متفرقة لزمه
الإتمام عندنا، وإن لم ينو المقام (4)، ولو لم ينو المقام وقال أخرج غدا أو بعد غد فليقصر ما بينه
وبين شهر فإذا مضى شهر أتم وقال الشافعي: له أن يقصر إذا لم يعزم على مقام شئ بعينه ما
بينه وبين سبعة عشر يوما، فإن زاد على ذلك كان على قولين: أحدهما يتم والآخر يقصر أبدا
إلى أن يعزم أربعة، أيام وقال أبو حنيفة: له أن يقصر أبدا إلى أن [37 / ب] يعزم الإقامة
المعينة. (5)
وإذا دخل في الصلاة بنية التقصير ثم نوى خلال ذلك الإقامة، أتم. (6)
وإذا نوى الإقامة وصلى صلاة ثم نوى السفر لم يجز له التقصير إلى أن يخرج.
" إذا خرج إلى السفر وقد دخل الوقت، إلا أنه مضى مقدار أربع ركعات قصر.
وإذا دخل وهو في السفر ولم يصل حتى دخل البلد، أتم، لما روى إسماعيل بن جابر (7)
عن أبي عبد الله [(عليه السلام)] " قال قلت له: يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر ولا أصلي حتى
أدخل أهلي قال: صل وأتم الصلاة قلت: لم يدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر
فلا أصلي حتى أخرج قال: صل وقصر فإن لم تفعل فقد والله خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". (8)
وإذا لم يصل في منزله ولا في سفره، فالواجب قضاءها بحسب حاله عند دخول أول
وقتها.

1 - الخلاف: 1 / 572 مسألة 324.
2 - كنز العمال: 8 / 236 حديث 22709، والمصنف لعبد الرزاق: 2 / 529 حديث 4319 بتفاوت فيهما. والخص: بيت
يعمل من الخشب والقصب.
3 - الخلاف: 1 / 573 مسألة 326.
4 - المبسوط: 1 / 136.
5 - الخلاف: 1 / 574 مسألة 327.
6 - الخلاف: 1 / 583 مسألة 341.
7 - إسماعيل بن جابر: إسماعيل الجعفي يروي عن الصادق والباقر والكاظم (عليهم السلام) أنظر ترجمته معجم رجال الحديث:
4 / 31 رقم 1310.
8 - الخلاف: 1 / 577 مسألة 332.
102

" العاصي بسفره لا يجوز له التقصير مثل أن يخرج قاطعا للطريق، أو قاصدا للفجور،
أو هاربا من مولاه، أو غريمه وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: سفر المعصية كسفر الطاعة في جواز التقصير ". (1)
وكذا إذا سافر للصيد بطرا ولهوا لا يجوز له التقصير خلافا لجميع الفقهاء. (2)
والبدوي الذي ليس له دار مقام ينتقل من موضع إلى موضع طالبا للمرعى والخصب،
وجب عليه التمام. وقال الشافعي: إذا سافر سفرا يقصر في مثله قصر. (3)
وكذا الوالي الذي يدور في ولايته يتم. وقال الشافعي: إذا اجتاز بموضع [ولايته]
يقصر، وإذا دخل بلد ولايته بنية المقام يتم. (4)
ولو عزم مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر، فإن كان بينه وبين ملكه في
الطريق أقل من المسافة فيها يجب عليه الإتمام، وكذا إن كان له عدة مواطن وإن كان بينهما
المسافة قصر في الطريق وأتم فيما له ملك فيه. (5)
ومن كان سفره أكثر من حضره وهو الذي لا يقيم في بلده عشرة يجب عليه الإتمام.
" ويستحب الإتمام في أربعة مواضع: مكة والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر على
ساكنه السلام.
ولم يخص أحد من الفقهاء موضع‍ [- ا] باستحباب الإتمام فيه ". (6)
القصر لا يحتاج إلى نية القصر، بل يكفي نية فرض الوقت وفاقا لأبي حنيفة وخلافا
للشافعي فإنه قال: ينوي القصر فإن لم ينو لم يجز له القصر. (7)
يجوز الجمع بين الصلاتين، الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء الآخرة في السفر و
الحضر وعلى كل حال. ولا فرق بينهما في وقت الأولى منهما أو الثانية.
وقال الشافعي: كل من [جاز له القصر] جاز له الجمع بين الصلاتين وهو بالخيار بين أن
يصلي الظهر والعصر في [38 / أ] وقت الظهر، أو في وقت العصر وكذلك في المغرب والعشاء
الآخرة. (8)

1 - الخلاف: 1 / 587 مسألة 349.
2 - الخلاف: 1 / 588 مسألة 350.
3 - الخلاف: 1 / 576 مسألة 329.
4 - الخلاف: 1 / 577 مسألة 331.
5 - الخلاف: 1 / 576 مسألة 330.
6 - الخلاف: 1 / 576 مسألة 330.
7 - الخلاف: 1 / 579 مسألة 335.
8 - الخلاف: 1 / 588 مسألة 351.
103

وفي الوجيز: الجمع بين الصلاتين في وقتهما جائز بالسفر والمطر وهل يختص بالسفر
[الطويل] فيه قولان، والحجيج يجمعون بعلة النسك أو بعلة السفر، والرخص المختصة
بالسفر الطويل أربعة القصر والفطر والمسح ثلاثة أيام والجمع - على أصح القولين - و
شرائط الجمع ثلاثة الترتيب وهو تقديم الظهر على العصر ونية الجمع في أول الصلاة الأولى
أو وسطها والموالاة وهي أن لا يفرق بين الصلاتين بأكثر من قدر إقامة. (1)
وقال أبو حنيفة: لا يجوز الجمع بينهما بحال لأجل السفر، لكن يجب الجمع بينهما بحق
النسك. (2)
وفي النافع للحنفية: الجمع بين الصلاتين يجوز فعلا ولا يجوز وقتا وهو أن يؤدي الظهر
آخر الوقت والعصر في أول الوقت، خلافا للشافعي فإنه يجوز عنده وقتا بعذر السفر والمطر
وهو أن يصلي العصر إذا فرغ من الظهر في أول وقته قالوا وإنما لا يجوز لأن الصلاة قبل الوقت
لا تجوز.
لنا أنا قد بينا أنه إذا زالت دخل وقت الظهر واختص به مقدار أن يصلي أربع ركعات
ثم اشترك الوقت بين الظهر والعصر إلى أن يبقى من الغروب مقدار أربع ركعات فيختص
بالعصر فتكون الصلاتان في وقتيهما وكذا المغرب والعشاء الآخرة.
فصل في كيفية القضاء
" القضاء عبارة عن فعل مثل الفائت بخروج وقته، ولا يتبع وجوبه وجوب الأداء (3) و
لهذا وجب أداء الجمعة ولا يجب قضاؤها، ووجب قضاء الصوم على الحائض ولا يجب أداؤه،
ويجب فعله حال الذكر إلا أن يكون ذلك آخر وقت فريضة حاضرة يخاف فوتها بفعله لقوله
عليه السلام: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها.
ومن صلى الأداء قبل تضيق وقته وهو ذاكر للفائت لم يجزه " (4) عند بعض أصحابنا
خلافا لبعضهم. فإنهم قالوا بجوازه دليل الأولين " أن فرض القضاء مضيق لا بدل له، وفرض
الأداء موسع، له بدل وهو العزم، وإذا كان كذلك لم يجز الاشتغال بالواجب الموسع وترك

1 - الوجيز: 1 / 60.
2 - الخلاف: 1 / 588 مسألة 351.
3 - في النسخة: القضاء. والتصويب حسب المعنى والغنية ص 98.
4 - الغنية: 98 - 99.
104

الواجب المضيق " (1).
أجاب الآخرون بأن قالوا: لا نسلم أن فرض القضاء مضيق بدليل أنه إذا ذكر الفائت و
لم يصل فأي وقت صلى برئت ذمته.
وتمسكوا أيضا بقوله (عليه السلام): " لا صلاة [38 / ب] لمن عليه صلاة " أجابوا بأن قالوا: هذا
نفي الفضيلة والأولوية لا نفي الجواز. لقوله (عليه السلام): " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " أو هو
مخصوص بالنافلة والمراد أنه لا صلاة نافلة لمن عليه صلاة بدليل أنه يجوز لمن عليه صلاة
أن يصلي صلاة الطواف والجمعة والعيدين والجنائز ولو بقي على عمومه لما جاز.
وقال الشافعي: الترتيب ليس بواجب لإطلاق الأمر بالصلاة وقياسا على الصوم إلا
أن يخاف فوت صلاة الوقت فيقدم لأن آخر الوقت للوقتية بالإجماع فلا يصير وقتا للفائتة
بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة لما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قدم المغرب على العصر
في
القضاء ولم يعد المغرب (2).
وإن فاتته صلوات رتبها في القضاء كما قضى رسول الله أربع صلوات يوم الخندق مرتبا
إلا أن يزيد الفوائت على ست صلوات فيسقط الترتيب فيها.
قال الأولون: " من صلى الأداء قبل تضيق وقته، وهو غير ذاكر للفائتة فإن ذكرها وهو
في الصلاة، لزمه نقل النية إليها وإن لم ينقل لم يجزه الأداء، وإن لم يذكر حتى خرج من الصلاة
أجزأه " (3).
قيل: إذا كان عدم إجزائها لكونها قبل تضيق وقت الأداء لا فرق بين أن يذكرها في
الصلاة وبين أن يذكرها بعد خروجه منها.
ومن فاتته صلاة من الخمس غير معلومة لزمه أن يصلي الخمس وينوي لكل صلاة
منها قضاء الفائتة. (4) وروي أنه يصلي ثلاث صلوات أربعا وثلاثا وثنتين. (5) والاحتياط
يقتضي الأول.
ومن فاتته من الصلاة ما لم يعلم كميته، لزمه أن يقضي صلاة يوم بعد يوم حتى يغلب
على ظنه الوفاء.

1 - الخلاف: 1 / 382 مسألة 139.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 73.
3 - الغنية: 99.
4 - الغنية 99.
5 - المبسوط: 1 / 101، النهاية: 1 / 366.
105

ومن أغمي عليه قبل دخول وقت الصلاة لا بسبب أدخله على نفسه بمعصية إذا لم يفق
حتى خرج الوقت لم يجب قضاؤها. (1)
والمرتد الذي يستتاب إذا عاد إلى الإسلام يجب عليه قضاء ما فاته في حال ردته وقبل
أن يرتد من الصلاة وغيرها من العبادات. وبه قال الشافعي إلا أنه قال في الزكاة أنه لا يجب
عليه قضاؤها على القول الذي يقول إن ملكه زال بالردة.
وقال أبو حنيفة: لا يقضي من ذلك شيئا، ولا ما كان تركه قبل ردته. قال: وإن كان قد
حج حجة الإسلام فعليه الحج متى وجد الزاد والراحلة.
لنا ما دللنا فيما مضى أن الكفار مخاطبون بالشرايع ومن جملتها قضاء ما يفوته من
العبادات [39 / ب] ويلزم على ذلك الكافر الأصلي لأنا أخرجناه بدليل وهو إجماع الأمة
على أنه ليس عليه قضاء. (2)
ومن مات وعليه صلاة، وجب على وليه قضاؤها، وإن تصدق عن كل ركعتين بمد
أجزأ، فإن لم يستطع فعن كل أربع وإن لم يجد فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل.
دليله إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط وكذلك يجب على الولي قضاء الصوم والحج.
وقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقوله (صلى الله عليه وآله): (إذا مات المؤمن أنقطع
عمله إلا من ثلاث) لا ينافي ما ذكرناه لأنا لا نقول: أن الميت يثاب بفعل الولي ولا أن عمله لم
ينفع، وإنما نقول: إن الله تعبد الولي بذلك والثواب له دون الميت، ويسمى قضاء عنه من حيث
حصل عند تفريطه، يدل ما قلناه ما رووه عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من مات وعليه صيام
صام عنه وليه، ورووا أن امرأة جاءت إلى النبي وقالت: إنه كان على أمي صوم شهر رمضان
فأقضيها عنها؟ فقال (صلى الله عليه وآله): أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضينه؟ قالت: نعم، فقال (صلى الله عليه وآله)
فدين الله أحق أن تقضيه. (3)
فصل: كيفية الصلاة على الأموات
لما كانت الصلاة تترتب على تغسيلهم وتكفينهم لزم تقديمهما فنقول: غسل الميت و
تكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المكلفين سقط عن

1 - الغنية 99.
2 - الخلاف: 1 / 442 مسألة 190.
3 - الغنية 100.
106

الباقين. (1)
وإذا احتضر الإنسان وجب توجيهه إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه و
باطن رجليه إلى القبلة وقيل هو مستحب، وقال الشافعي: إن كان الموضع واسعا اضطجع
على جنبه الأيمن وجعل وجهه إلى القبلة كما يفعل عند الصلاة وعند الدفن وإلا فعل به كما
قلنا. (2)
وتلقين الشهادتين لقوله (صلى الله عليه وآله) لقنوا موتاكم بشهادة أن لا إله إلا الله. (3) والإقرار بالنبي و
الأئمة (عليهم السلام) وكلمات الفرج ونقله إلى مصلاه، ويكون عنده مصباح إن مات ليلا، ومن يقرأ
القرآن، وإذا مات غمضت عيناه وأطبق فوه ومدت يداه إلى جنبه ورجلاه وغطي بثوب و
يعجل تجهيزه إلا أن يكون حاله مشتبهة فيستبرأ بعلامات الموت، أو يصبر عليه ثلاثة أيام و
به قال أبو حنيفة. (4)
ويكره أن يطرح على بطنه حديد، وقال الشافعي: يستحب ذلك ويوضع على بطنه
سيف أو مرآة. (5)
ويكره أن يحضره جنب أو حائض.
" وإذا أريد غسله يستحب أن يوضع على سرير أو غيره مما يرفعه عن الأرض وأن
يكون ذلك تحت سقف وأن يوجه إلى القبلة بأن يكون باطن قدميه إليها [39 / ب]، وأن يحفر
لماء الغسل حفيرة ". (6)
ويستحب أن يغسل الميت عريانا، مستور العورة، إما بأن يترك قميصه على عورته أو
ينزع القميص ويترك على عورته خرقة. وقال الشافعي: يغسل في قميصه، وقال أبو حنيفة:
بما قلنا. (7)
ويقف الغاسل على جانبه الأيمن ولا يتخطاه، وأن يغسل يدي الميت إلا أن يكون
عليهما نجاسة، فيجب، وكذا حكم فرجه. (8)
ويكره أن يسخن الماء إلا لبرد شديد، أو يكون على بدن الميت نجاسة لا يقلعها إلا الماء

1 - الغنية 101.
2 - الخلاف: 1 / 691 مسألة 466.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 88.
4 - أنظر المجموع: 5 / 110، المغني لابن قدامة: 2 / 308.
5 - الخلاف: 1 / 691 مسألة 467.
6 - الغنية 101.
7 - الخلاف: 1 / 692 مسألة 469.
8 - الغنية 101.
107

الحار، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة إسخانه أولى. (1)
ويبعد الماء عن المغتسل " ويلف على يده خرقة عند غسل سوأتيه ويغسل باقي جسده
بلا خرقة. وقال الشافعي: يستعمل خرقتين في الغسلتين في ساير جسده (2).
ويغسله على هيئة غسل الجنابة ليس فيه وضوء، ولا مضمضة، ولا استنشاق، وقال
بعض أصحابنا يستحب أن يوضأ، ولا خلاف بينهم أنه لا يجوز المضمضة فيه والاستنشاق و
به قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يوضأ ويمضمض وينشق (3).
ولا يجلس الميت، وقال جميع الفقهاء: يستحب ذلك (4)، وعند الشافعية في الوجيز:
يجلس الميت أولا جلسة رفيقة فيمسح على بطنه ليخرج الفضلات، ثم يتعهد مواضع النجاسة
من بدنه، ثم يتعهد أسنانه ومنخريه بخرقة مبلولة، ثم يوضأ ثلاثا مع المضمضة والاستنشاق
ويتعهد شعره بمشط واسع الأسنان، ثم يضجع على جنبه الأيسر فيصب الماء على شقه الأيمن،
ثم يضجع على شقه الأيمن ويصب الماء على شقه الأيسر وذلك غسلة واحدة، ثم يفعل ذلك
ثلاثا، وأقل الغسل إمرار الماء على جميع أعضائه ثم يبالغ في نشفه صيانة للكفن ويستعمل
قدرا من الكافور لدفع الهوام. (5)
والواجب عندنا ثلاث غسلات يغسل أولا بماء السدر يبدأ برأسه ثم جانبه الأيمن ثم
الأيسر وثانيا بماء الكافور وثالثا بماء القراح ولا يجوز الاقتصار على الغسلة الواحدة إلا
للضرورة، ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء، ولو خيف من تغسيله تناثر جلده
كالمحترق والمجدور ييمم بالتراب.
" لا يجوز تسريح لحيته وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: يستحب إذا كانت
كثيفة ". (6)
ولا تقليم أظفاره ولا تنظيفها من الوسخ. وللشافعي فيه قولان: أحدهما أنه مباح و
الآخر أنه مكروه، وتخليل الأظافير بأخلة تنظف ما تحتها [40 / أ] عنده سنة. (7)

1 - الخلاف: 1 / 692 مسألة 470.
2 - الخلاف: 1 / 692 مسألة 471.
3 - الخلاف: 1 / 693 مسألة 472.
4 - الخلاف: 1 / 693 مسألة 473.
5 - الوجيز: 1 / 73.
6 - الخلاف: 1 / 694 مسألة 475.
7 - الخلاف: 1 / 695 مسألة 478.
108

إذا ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم ولا زوجها ولا أحد من ذوي أرحامها دفنت
بغير غسل ولا تيمم. وقال أبو حنيفة: تيمم وبه قال بعض أصحاب الشافعي وبعضهم قال:
تغسل في ثيابها. (1)
ويجوز أن يغسل الرجل امرأته، والمرأة زوجها إذا لم يكن رجال قرابات، أو نساء
قرابات وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك. (2)
الميت نجس عندنا وعند أبي حنيفة وفي أحد قولي الشافعي، وفي الآخر أنه طاهر. (3)
من مس ميتا برد بالموت، قبل تطهيره بالغسل أو قطعة منه أو قطعة قطعت من حي و
كان فيها عظم، وجب عليه الغسل خلافا للفقهاء. (4)
غسل الميت يحتاج إلى النية وفاقا للشافعي في أحد قوليه. (5)
وغسل المرأة كغسل الرجل ولا يسرح شعرها وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي:
يسرح ثلاث قرون ويلقى وراءها. (6)
وعنده يلقى على صدرها.
غسل السقط إذا ولد وفيه حياة واجب (7) [و] إذا ولد لدون أربعة أشهر، لا يجب
غسله - يدفن بدمه - وإن كان لأربعة فصاعدا غسل وفاقا للشافعي في أحد قوليه وفي قوله
الآخر لا يغسل ولا يصلى، به قال أبو حنيفة. (8)
والشهيد الذي قتل في المعركة يدفن بثيابه ولا يغسل، ويصلى عليه وفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشافعي: لا يغسل ولا يصلى عليه (9).
من قتل في غير المعركة يجب غسله والصلاة عليه، سواء قتل بسلاح أو غير سلاح،
شوهد أو لم يشاهد، عمدا كان أو خطأ وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة إن شوهد قتله عمدا
لم يغسل ويصلى عليه.
لنا أن الأصل في الأموات وجوب الغسل والصلاة وليس على سقوط الغسل

1 - الخلاف: 1 / 698 مسألة 485.
2 - الخلاف: 1 / 698 مسألة 686.
3 - الخلاف: 1 / 700 مسألة 488.
4 - الخلاف: 1 / 701 مسألة 490.
5 - الخلاف: 1 / 702 مسألة 492.
6 - الخلاف: 1 / 707 مسألة 506.
7 - الخلاف: 1 / 709 مسألة 512.
8 - الخلاف: 1 / 709 مسألة 513.
9 - الخلاف: 1 / 710 مسألة 514.
109

هاهنا دليل. (1)
المرجوم والمرجومة يؤمران بالاغتسال، ثم يقام عليهما الحد، ولا يغسلان بعده ويصلي
عليهما الإمام وغيره وكذلك حكم المقتول قودا. خلافا للشافعي فإنه قال: يغسلان بعد
الموت ويصلي عليهما الإمام وغيره. (2)
ولد الزنا يغسل ويصلى عليه، وكذلك النفساء وبه قال جميع الفقهاء. (3)
إذا قتل أهل البغي رجلا من أهل العدل لا يغسل ويصلى عليه لأنه شهيد وبه قال أبو
حنيفة، قال من قتله المسلمون ظلما فهو شهيد وقال الشافعي: يغسل ويصلى عليه. (4)
ومن قتله قطاع الطريق يغسل ويصلى عليه خلافا للشافعي.
لنا [40 / ب] قوله (عليه السلام): (صلوا على من قال: لا إله إلا الله) فهو على عمومه إلا من
أخرجه الدليل. (5)
وإذا وجد قطعة من ميت وفيه عظم وجب غسله وإن كان صدره وجبت الصلاة وإن لم
يكن فيه عظم لا يجب غسله خلافا للشافعي فإنه يغسل ويصلى عليه سواء كان الأقل أو
الأكثر.
وقال أبو حنيفة: إن وجد الأكثر صلى عليه وإلا فلا. قال: وإن وجد نصفه فإن قطع
عرضا يغسل النصف الذي الرأس وصلى عليه وإن قطع طولا لم يغسل ولم يصل عليهما. (6)
وأما الكفن فالواجب ثلاثة مع الإمكان، مئزر، وقميص، وإزار، والمستحب خمسة
لفافتان أحدهما: حبرة، وقميص، ومئزر، وخرقة يشد بها فخذاه، ويضاف إلى ذلك العمامة،
وللمرأة يزاد إزاران وخرقة يشد بها ثدياها.
ولا يجوز أن يكون مما لا تجوز الصلاة فيه من اللباس، وأفضله الثياب البيض من القطن
أو الكتان. (7)
وقال الشافعي: الواجب ما يواري عورته وهو ثوب واحد ساتر لجميع البدن وبه قال
الفقهاء والمستحب عنده ثلاث أثواب وعند أبي حنيفة: أيضا والمباح عنده خمسة أثواب و

1 - الخلاف: 1 / 712 مسألة 520.
2 - الخلاف: 1 / 713 مسألة 521.
3 - الخلاف: 1 / 712 مسألة 522 و 523.
4 - الخلاف: 1 / 714 مسألة 525.
5 - الخلاف: 1 / 715 مسألة 526.
6 - الخلاف: 1 / 715 مسألة 527.
7 - الغنية 102.
110

المكروه ما زاد على الخمسة. (1)
والحنوط هو الكافور يوضع على مساجد الميت، ولا يجوز أن يطيب بغيره ولا به إذا
كان محرما والسابغ منه ثلاثة عشر درهما وثلث، والوسط أربعة دراهم، ويجزئ مثقال
واحد. (2)
يكره أن تجمر الأكفان بالعود. وقال الشافعي إنه مستحب. (3)
ويوضع الكافور على مساجد الميت بلا قطن، ولا يترك على أنفسه، ولا أذنه و
لا عينيه، ولا فيه، شئ من ذلك. وقال الشافعي: يوضع على هذه المواضع شئ من القطن مع
الحنوط والكافور. (4) والحنوط عندهم غير الكافور وهو عطر مركب من أشياء طيبة.
" وما يفضل من الكافور عن مساجده يترك على صدره قال [الشافعي]: ويستحب أن
يمسح على جميع بدنه ". (5)
ويستحب أن يوضع مع الكفن جريدتان خضراوان من جرائد النخل طول كل واحد
منهما كعظم الذراع وخالف في ذلك جميع الفقهاء.
لنا إجماع الإمامية وأخبارهم، وما روي في الصحاح أن النبي (صلى الله عليه وآله) اجتاز بقبرين فقال:
(إنهما ليعذبان، وما يعذبان بكبيرة، إن أحدهما كان نماما، والآخر ما كان يستبرئ من البول)،
ثم استدعى بجريدة، فشقها نصفين، وغرس في كل قبر واحدة [41 / أ] منهما وقال: (إنهما
لتدفعان عنهما العذاب ما دامتا رطبتين). (6)
ويستحب أن يكتب عليهما بتربة الحسين (عليه السلام) وإن لم يوجد فبالأصبع وعلى القميص و
الإزار: الإقرار بالشهادتين وبالأئمة والبعث والثواب والعقاب، ثم يلف عليهما شئ من القطن
ويجعل إحداهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده والأخرى من جانب
الأيسر كذلك إلا أنها بين الذراع والإزار (7) وروي أن آدم (عليه السلام) وصى بذلك إلى شيث ثم صار
سنة في أولاده إلى يومنا هذا (8).
ويخاط الكفن بخيوط منه ولا يبل بالريق.

1 - الخلاف: 1 / 701 مسألة 491.
2 - الغنية 102.
3 - الخلاف: 1 / 703 مسألة 493.
4 - الخلاف: 1 / 703 مسألة 495.
5 - الخلاف: 1 / 704 مسألة 496.
6 - الخلاف: 1 / 704 مسألة 499.
7 - الغنية: 103، والخلاف: 1 / 706 مسألة 504.
8 - الإنتصار: 131.
111

وكيفيته أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ وضوء الصلاة ويشد فخذيه بخرقة
طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر، ويشد طرفيه على حقويه، ويلف بما استرسل منها
فخذيه لفا شديدا بعد أن يجعل بين أليتيه شيئا من القطن، ويعممه بعمامة محنكا يلف رأسه لها
لفا ويخرج طرفيها من تحت الحنك ويلقيها على صدره، ويوضع للمرأة بدل العمامة قناع، و
ينشر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة وتكون الحبرة فوق اللفافة والقميص باطنها و
باطن القميص المئزر، ثم يطوي عليه المئزر ويلبسه الثوب، ويطوي جانب اللفافة الأيسر
على الأيمن والأيمن على الأيسر ويعقد الكفن عليه، وبه قال أصحاب الشافعي (1).
يؤخذ الكفن من مؤنة الميت من أصل تركته (2)، وكفن المرأة على زوجها في ماله، و
للشافعي فيه قولان. (3)
وأما كيفية الصلاة على الميت فالواجب أن ينوي [المصلي] ويكبر خمس تكبيرات،
الأولى تكبيرة الافتتاح يشهد بعدها الشهادتين ويصلي بعد الثانية على محمد وآله ويدعو
بعد الثالثة للمؤمنين والمؤمنات فيقول:
اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم
أدخل على موتاهم رأفتك ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضيك إنك على كل
شئ قدير.
ويدعو بعد الرابعة للميت إن كان ظاهره الإيمان والصلاح فيقول:
اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا
خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه و
اغفر له وارحمه، اللهم اجعله عندك في أعلا عليين واخلف على أهله في الغابرين وارحمه
برحمتك يا أرحم الراحمين [41 / ب].
وإن كان الميت امرأة قال: اللهم أمتك بنت عبدك ابنت أمتك نزلت بك وأنت خير
منزول بها، اللهم إن كانت محسنة فزد في إحسانها وإن كانت مسيئة فتجاوز عنها واغفر لها و
ارحمها يا أرحم الراحمين.

1 - أنظر بدائع الصنايع: 2 / 328.
2 - الخلاف: 1 / 708 مسألة 508.
3 - الخلاف: 1 / 708 مسألة 510.
112

وإن كان طفلا [قال:] اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته طاهرا فاجعله لنا و
لأبويه فرطا ونورا وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده.
ويخرج بالتكبيرة الخامسة من الصلاة من غير تسليم. (1)
ويكره فيها القراءة وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه وخلافا للشافعي فإنه قال: لا بد فيها
من قراءة الحمد وهي شرط في صحتها (2).
لنا أن هذه الصلاة ليست بصلاة حقيقة بل هي دعاء لأنها ليست فيها ركوع ولا سجود
فليس ينكر أن لا يكون فيها قراءة.
قال أبو حنيفة وأصحابه: الصلاة عليه أن يكبر تكبيرة يحمد الله عقيبها ثم يكبر ثانية و
يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يكبر ثالثة يدعو بعدها لنفسه وللميت وللمسلمين ثم يكبر رابعة و
يسلم (3).
وقال الشافعي: يكبر أولا ويقرأ، ويكبر ثانيا ويشهد الشهادتين ويصلي على النبي و
يدعو للمؤمنين ويكبر ثالثة ويدعو للميت ويكبر رابعة ويسلم بعدها (4).
لنا [على] أن التكبيرات خمس خلافا لهم إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط (5) وذلك
أن الأمة إذا اختلفت في أنها أربع أو خمس فمن كبر خمسا كبر أربعا ومن كبر أربعا لم يكبر
خمسا فاليقين لبراءة الذمة لمن كبر خمسا، وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله). أنه كبر خمسا ولا يعارض
ما روي أنه كبر أربعا لأنه يحتمل أن يكون كبر ولم تسمع الخامسة (6).
وفي الوجيز: لو زاد تكبيرة خامسة لم تبطل الصلاة على الأظهر (7) وعندنا لو نقصت من
الخمس لبطلت فالاحتياط أن يكون خمسا.
ويرفع اليدين في التكبيرة الأولى إجماعا وفي التكبيرات الأخر عندنا على الأظهر
وعنده.
والتسليم ليس بواجب وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي (8).
لنا أن الإجماع حاصل في إسقاط ما هو أوكد منه من الركوع والسجود فلا ينكر

1 - الغنية 104.
2 - الخلاف: 1 / 723 مسألة 542.
3 - الخلاف: 1 / 724 مسألة 543.
4 - الخلاف: 1 / 724 مسألة 543.
5 - الخلاف: 1 / 729 مسألة 555.
6 - الغنية: 104.
7 - الوجيز: 1 / 76.
8 - المجموع: 5 / 199.
113

إسقاط التسليم.
" والمستحب أن يقدم للصلاة أولى الناس بالميت أو من يقدمه. (1) وعند الحنفية أولى
الناس بالصلاة السلطان إن حضر وإن لم يحضر فإمام الحي ثم الولي. وعند الشافعية لا يقدم
على القرابة إلا الذكورة ولا يقدم الوالي عليه. (2)
وأن يقف الإمام حيال وسط الميت إن كان رجلا، وصدره إن كان امرأة. (3) خلافا
للشافعي فإنه يقف عند عجيزتها وأبي حنيفة فإنه [42 / أ] يقف عند وسطها. (4)
وأن يتحفى الإمام، ولا يبرح بعد فراغه حتى يرفع الجنازة، وأن يقول من يصليها بعد
الخامسة عفوك عفوك عفوك ثلاث مرات. (5)
ولا تجب الصلاة على من لم يبلغ ست سنين خلافا للشافعي وأبي حنيفة. (6) لنا أن
الأصل عدم اشتغال الذمة بواجب فمن شغلها يحتاج إلى دليل ولا دليل على وجوبه فإن صلى
فعلى الاستحباب.
ولا يجوز أن يصلى على الميت بعد أن يمضي عليه يوم واحد مدفونا. (7) خلافا للشافعي
فإنه قال: يجوز إلى ثلاثة، أيام وقال أيضا إلى شهر وأيضا إلى أن يعلم أنه باق في القبر أو
شئ منه. (8)
وإذا صلي على جنازة يكره أن يصلى عليه ثانيا، وقال الشافعي: يجوز أن يصلي عليه
ثانيا وثالثا. وقال أبو حنيفة لا يجوز إعادة الصلاة بعد سقوط فرضها. (9)
ولا تجوز الصلاة على الغائب بالنية، وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي.
لنا أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه وأما صلاة النبي (صلى الله عليه وآله)
على النجاشي (10) فإنما دعاء له والدعاء يسمي صلاة. (11)

1 - الغنية 105.
2 - الخلاف: 1 / 719 مسألة 535، الهداية في شرح البداية: 1 / 90، الوجيز: 1 / 76.
3 - الغنية 105.
4 - الخلاف: 1 / 731 مسألة 562.
5 - الغنية 105.
6 - الخلاف: 1 / 709 مسألة 512.
7 - الغنية 105.
8 - الخلاف: 1 / 726 مسألة 549.
9 - الخلاف: 1 / 726 مسألة 548.
10 - اسمه أصحمة، ملك الحبشة أسلم في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه، وأخباره معهم
ومع كفار قريش مشهورة توفي ببلاده قبل فتح مكة والنجاشي لقب له ولملوك الحبشة، مثل كسرى للفرس، وقيصر
للروم. أسد الغابة: 1 / 119 رقم 187.
11 - الخلاف: 1 / 731 مسألة 563.
114

وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وصبي استحب أن يجعل الرجل مما يلي الإمام وبعده
المرأة وبعدها الصبي. (1)
والمستحب تشييع الجنازة من خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها والخلف أفضل وبه قال
أبو حنيفة. وقال الشافعي: قدامها أفضل. (2)
ويكره الإسراع بها خلافا لهما فإن السنة عندهما الإسراع. (3)
وأما الدفن فالمستحب أن يحفر القبر قدر قامة، أو إلى الترقوة. وبه قال الشافعي. (4) و
اللحد أفضل من الشق وليكن في جهة القبلة وقدر اللحد ما يقعد فيه الرجل. وفاقا له (5).
وإذا انتهى الجنازة إلى القبر يوضع من قبل رجليه، إن كان الميت رجلا، وأن ينقل إليه
في ثلاث دفعات، ولا يفجأ بها، وأن ينزل من قبل رجلي القبر ويسل سلا ويسبق رأسه إلى
القبر قبل رجليه، وإن كانت امرأة وضعت أمام القبر من جهة القبلة، وأنزلت فيه
بالعرض. (6) وبه قال أبو حنيفة، ولم يفصل الشافعي بين الرجل والمرأة. (7) وأن ينزل من
يتناوله حافيا ويضجعه على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة وتوجيهه إلى القبلة واجب ويحل
عقد أكفانه ويضع خده على التراب ويجعل معه شئ من تربة الحسين (عليه السلام) ويلقنه الشهادتين و
أسماء الأئمة (عليهم السلام) ويصنع ذلك وليه أو من يأمره [42 / ب] الولي ولا يصنع بالمرأة ذلك إلا من
كان يجوز له النظر إليها في حياتها.
وأن يشرج عليه اللبن ويطم القبر ويرفع من الأرض مقدار شبر أو أربع أصابع
منفرجات، وأن يربع ولا يسنم. (8) خلافا لأبي حنيفة فإن التسنيم عنده سنة، والتربيع عندنا
وعند الشافعي سنة إلا أن أصحابه قالوا والتسنيم أفضل مخالفة لشعار الروافض. (9)
ويجوز أن يتولى إنزال المرأة في القبر امرأة أخرى خلافا للشافعي فإنه قال: لا يتولي
ذلك إلا الرجال. (10)
ولا بأس أن ينزل القبر الشفع أو الوتر. وقال الشافعي: الوتر أفضل. (11)

1 - الغنية: 105.
2 - الخلاف: 1 / 718 مسألة 532.
3 - الخلاف: 1 / 718 مسألة 533.
4 - الخلاف: 1 / 705 مسألة 502.
5 - الخلاف: 1 / 705 مسألة 503.
6 - الغنية 105.
7 - الخلاف 1 / 728 مسألة 554.
8 - الغنية 106.
9 - الخلاف: 1 / 706 مسألة 505
10 - الخلاف: 1 / 728 مسألة 551.
11 - الخلاف: 1 / 728 مسألة 553.
115

يكره أن يجلس على قبر، أو يتكئ عليه، أو يمشي عليه، وفاقا لهما قال (صلى الله عليه وآله) لأن يجلس
أحدكم على جمر فتحترق ثيابه وتصل النار إلى بدنه أحب إلى من أن يجلس على قبر. (1)
إذا ماتت ذمية حامل من مسلم وولدها ميت دفنت في مقابر المسلمين، وجعل ظهرها
إلى القبلة ليكون الولد موجها إلى القبلة (2).
ويستحب أن يرش عليه الماء من قبل رأسه ثم يدور عليه دور الرحاء فإن فضل من
الماء شئ ألقاه على وسط القبر ويضع اليد عليه ويترحم على الميت ويلقنه الولي بعد انصراف
الناس.
فصل في كيفية الصلوات المسنونات
فأما نوافل اليوم والليلة فأربع وثلاثون ركعة، في حق الحاضر ومن في حكمه، ثمان
منها بعد الزوال قبل الظهر، وثمان منها بعد الظهر قبل العصر، وأربع بعد المغرب، وركعتان
من جلوس بعد العشاء الآخرة، وثمان صلاة الليل، وركعتان شفع وركعة واحدة وتر، و
ركعتا الفجر.
وفي حق المسافرين ومن هو في حكمهم سبع عشرة ركعة، تسقط نوافل الظهر والعصر
والعشاء الآخرة، ويبقى ما عداها.
ويسلم في كل ركعتين من جميع النوافل (3).
وعند الشافعي الرواتب إحدى عشرة ركعة، ركعتان قبل الصبح وركعتان قبل الظهر و
ركعتان بعده وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة والوتر ركعة، وزاد بعضهم
أربع ركعات قبل العصر وركعتين قبل الظهر فصار سبع عشرة. (4)
وأما الوتر فعنده سنة وعدده من الواحد إلى إحدى عشرة بالأوتار. (5) والمستحب أن
يكون الوتر آخر تهجده بالليل ويستحب القنوت فيه وفي النصف الأخير من [43 / أ]
رمضان.
" وقال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر. وركعتان بعدها وأربع قبل

1 - الخلاف: 1 / 707 مسألة 507.
2 - الخلاف: 1 / 730 مسألة 558.
3 - الغنية: 106.
4 - الخلاف: 1 / 525 مسألة 266.
5 - الخلاف: 1 / 535 مسألة 274.
116

العصر، وروى محمد [بن] الحسن الشيباني عنه ركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب. وأما
العشاء الآخرة فأربع قبلها إن أحب وأربع بعدها " (1).
لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يصلي من التطوع مثلي الفريضة ويصوم من التطوع
مثلي الفريضة (2) وعليه إجماع الإمامية.
ولا يصلي ثلاثا ولا أربعا ولا ما زاد على ذلك بتشهد واحد، ولا بتسليم واحد، بل
يتشهد ويسلم بين كل ركعتين.
وقال الشافعي: الأفضل أن يصلي مثنى مثنى ليلا كان أو نهارا ويجوز عنده أن يصلي أي
عدة شاء أربعا وستا وثمانيا وعشرا، شفعا أو وترا.
وقال أبو حنيفة: الأفضل أن يصلي أربعا أربعا ليلا كان أو نهارا. (3)
ويستحب أن يفتتح بالتوجه في نوافل الظهر والمغرب في العشاء الآخرة ونوافل الليل
وركعة الوتر ويقرأ فيها بعد (الحمد) ما شاء من السور أو من أبعاضها ويجوز الاقتصار فيها
على الحمد مع الاختيار.
ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الليل بعد الحمد، سورة الإخلاص ثلاثين
مرة، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ثلاثين مرة وأن يطول في قنوت الوتر.
والأفضل الإخفات في نوافل النهار والجهر في نوافل الليل. (4)
والقنوت في كل ركعتين من النوافل والفرائض مستحب في جميع السنة وكذا القنوت في
الوتر.
وقال الشافعي: لا يقنت في نوافل رمضان إلا في النصف الأخير في الوتر خاصة.
وقال أبو حنيفة: يقنت في الوتر في جميع السنة، ولا يقنت فيما عداها. (5)
قنوت الوتر قبل الركوع، وبه قال أبو حنيفة، ولأصحاب الشافعي وجهان: أحدهما
قبل الركوع والآخر بعده. (6)
الوتر سنة مؤكدة خلافا لأبي حنيفة فإنه يقول: واجب قيل له: كم الصلاة؟ قال: خمس.

1 - الخلاف: 1 / 525 مسألة 266، الهداية في شرح البداية: 1 / 67.
2 - التهذيب: 2 / 4 حديث 3.
3 - الخلاف: 1 / 527 مسألة 267.
4 - الغنية: 106 - 107.
5 - الخلاف: 1 / 532 مسألة 270.
6 - الخلاف: 1 / 532 مسألة 271.
117

قيل فالوتر؟ قال: فرض.
لنا إجماع الأمة على انتفاء صلاة سادسة وما أجمعت على انتفائه يكون إثباته باطلا. (1)
والوتر عندنا ركعة واحدة بتشهد وتسليم، وقال الشافعي: الوتر بالواحدة جائزة و
الأفضل إحدى عشرة ركعة كل ركعتين بتشهد وتسليم وأقل الأفضل ثلاث بتسليمتين، و
قال أبو حنيفة: ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، فإن زاد عليها أو نقص لا يكون وترا. قال: و
الركعة الواحدة لا تكون صلاة صحيحة. (2)
يستحب أن يقرأ في [43 / ب] المفردة من الوتر قل هو الله أحد والمعوذتين، وفي الشفع
ما شاء.
وقال الشافعي: يقرأ في الأول من الوتر {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا
أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد} والمعوذتين، وقال أبو حنيفة: مثل ذلك إلا
المعوذتين. (3)
دعاء قنوت الوتر ليس بمعين بل يدعو بما شاء، وقد روي في ذلك أدعية لا تحصى.
وقال الشافعي: يدعو بما رواه الحسن بن علي (عليه السلام) قال: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلمات
أقولهن في الوتر وهي:
اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز
من عاديت تباركت ربنا وتعاليت. هذا هو المنقول وزاد أصحابه: ولا يعز من عاديت فلك
الحمد على ما قضيت. (4)
وأما نوافل شهر رمضان فألف ركعة زائدة على ما قدمنا من النوافل المرتبة في اليوم و
الليلة، يصلي كل ليلة عشرين ركعة، ثمانيا منها بعد نوافل المغرب، واثنتا عشرة ركعة بعد
العشاء الآخرة قبل نافلتها من أول الشهر إلى تمام عشرين ليلة، وفي كل ليلة من العشر
الأواخر ثلاثين على الترتيب المذكور وفي ليالي الأفراد الثلاثة كل ليلة مئة ركعة تصير ألف
ركعة هذا هو الأشهر.

1 - الخلاف: 1 / 534 مسألة 273.
2 - الخلاف: 1 / 535 مسألة 274.
3 - الخلاف: 1 / 538 مسألة 277.
4 - الخلاف: 1 / 539 مسألة 278.
118

وقال الشافعي: المستحب كل ليلة عشرين ركعة، بعد العشاء خمس ترويحات كل
ترويحة أربع ركعات في تسليمتين. (1) وكذا عند الحنفية إلا إنهم يجلسون بين كل ترويحتين
مقدار ترويحة ثم يوتر بهم إمامهم. ولا يصلى الوتر بجماعة في غير شهر رمضان. (2)
نوافل شهر رمضان تصلى منفردا، والجماعة فيها بدعة. وقال الشافعي: صلاة المنفرد
أحب إلي، واختلف أصحابه فيه فقال عامة أصحابه: صلاة التراويح في الجماعة أفضل. (3) و
في الوجيز: يستحب الجماعة في التراويح تأسيا بعمر، وقيل: الانفراد به أولى لبعده من
الرياء (4).
لنا اتفاق الأمة أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يصل نافلة رمضان التي يسمونها التراويح جماعة مدة
حياته ولا أصحابه مدة خلافة أبي بكر (رض) فلما كانت خلافة عمر أمر بالجماعة فيها و
السنة ما سنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما لا يسنه يكون بدعة. (5)
وروي أنه يستحب أن يصلي ليلة النصف من رمضان مئة ركعة - زيادة على الألف -
يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات [44 / أ]، وليلة الفطر ركعتين،
يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد سورة الإخلاص ألف مرة، وفي الثانية بعد الحمد مرة واحدة.
وأما صلاة الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فركعتان يصلي قبل الزوال
بنصف ساعة، يقرأ في كل ركعة منهما بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات وسورة القدر
كذلك، وآية الكرسي كذلك، ويستحب أن يصلي جماعة، وأن يجهر فيها بالقراءة، وأن
يخطب قبل الصلاة خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله، وذكر
فضل هذا اليوم وما أمر الله به من النص بالإمامة على أمير المؤمنين (عليه السلام).
وأما صلاة المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب فاثنتا عشرة ركعة، يقرأ
في كل ركعة منها بعد الحمد سورة يس.
وأما صلاة ليلة النصف من شعبان فأربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة
الإخلاص مئة مرة.
وأما صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) فأربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة

1 - الخلاف: 1 / 530 مسألة 269.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 70.
3 - الخلاف: 1 / 528 مسألة 268.
4 - الوجيز: 1 / 54.
5 - الوجيز: 1 / 54.
119

الإخلاص خمسين مرة.
وأما صلاة جعفر بن أبي طالب وتسمى صلاة التسبيح، فأربع ركعات يقرأ في الأولى
بعد الحمد سورة (إذا زلزلت) وفي الثانية (والعاديات) وفي الثالثة (إذا جاء نصر الله) وفي
الرابعة سورة الإخلاص، ويقول في كل ركعة بعد القراءة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر، خمس عشر مرة وفي الركوع عشر مرات، وكذا بعد رفع الرأس منه، وكذا في كل
سجدة وبعد رفع الرأس منها، ويسلم في كل ركعتين.
وأما صلاة الزهراء (عليها السلام) فركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة القدر مئة مرة وفي
الثانية سورة الإخلاص مئة مرة.
وأما صلاة الإحرام فست ركعات ويجزئ ركعتان، يفتتحهما بالتوجه، يقرأ في الأولى
بعد الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} ووقتها حين يريد الإحرام
أي وقت كان من ليل أو نهار وأفضل أوقاتها بعد صلاة الظهر.
وأما صلاة زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) فركعتان عند الرأس، بعد الفراغ من
الزيارة، فإن أراد الإنسان الزيارة لأحدهم وهو مقيم في بلده، قدم الصلاة ثم زار عقيبها.
ويصلي الزائر لأمير المؤمنين ست ركعات: ركعتان له، وأربعة لآدم ونوح (عليهما السلام)،
لأنه مدفون عندهما.
وأما صلاة الاستخارة [44 / ب] فركعتان يقول بعدهما وهو ساجد: أستخير الله، مئة
مرة، اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستهديك بقدرتك إنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب
فصل على محمد وآل محمد وخر لي كذا وكذا، ويذكر حاجته.
وأما صلاة الحاجة فمستحب أن يصوم لها الأربعاء والخميس والجمعة، ويغتسل و
يلبس أجمل ثيابه، ويصعد إلى سطح داره فيصلي ركعتين ويبتهل إلى الله تعالى في قضاء
حاجته، فإذا قضيت صلى ركعتين صلاة الشكر، ويقول في ركوعه وسجوده فيها: الحمد لله
شكرا شكرا لله وحمدا، ويقول بعد التسليم: الحمد الله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي،
ويسجد ويقول في سجوده شكرا شكرا، مئة مرة.
وأما صلاة الاستسقاء فركعتان كصلاة العيد يقنت بين التكبيرات بما يفتتح من
الدعاء، فإذا فرغ الإمام صعد المنبر، ويخطب خطبة يحث فيها - بعد حمد الله والثناء عليه و
الصلاة على محمد وآله - على التوبة وفعل الخير، ويحذر الإقامة على المعاصي، ويعلم أن ذلك
120

سبب القحط.
فإذا فرغ من الخطبة حول ما على منكبه الأيمن من الرداء إلى الأيسر، وما على الأيسر
إلى الأيمن، ثم استقبل القبلة فكبر مئة مرة رافعا بها صوته والناس معه، ثم حول وجهه إلى
يمينه والناس معه فيسبح مئة مرة، ثم يحول وجهه إلى يساره فحمد الله تعالى مئة مرة والناس
معه، ثم حول وجهه إلى الناس فاستغفر الله مئة مرة والناس معه ثم يحول وجهه إلى القبلة و
يسأل الله تعالى تعجيل الغيث ويؤمن الناس على دعائه.
ويستحب لهذه الصلاة الصيام ثلاثة أيام وخروج إمام الصلاة ومؤذنيه وكافة أهل
البلد معه إلى ظاهره على هيئة الخروج إلى صلاة العيد، ولا تصلى في مسجد إلا بمكة. (1)
وهذه الصلاة سنة عندنا وعند الشافعي والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا صلاة
للاستسقاء، ولكن السنة الدعاء والاستغفار (2).
وكيفية الصلاة عند الشافعي ككيفية صلاة العيد عنده يقرأ في إحدى الركعتين إنا
أرسلنا ثم يخطب كخطبة العيد يبدل التكبيرات بالاستغفار، ويبالغ في الدعاء في الخطبة
الثانية، ويستقبل القبلة [45 / أ] فيها ويحول رداءه تفؤلا بتحويل الحال ينقلب الأعلى إلى
الأسفل، واليمين إلى اليسار، والظاهر إلى الباطن، ويتركه كذلك إلى أن ينزع ثيابه. كذا في
الوجيز.
وقال الشافعي: يصوم ثلاثة أيام ويخرج الرابع في ثياب بذلة وتخشع مع الصبيان و
البهائم وأهل الذمة. (3)
وقال أبو حنيفة: لا يحضر أهل الذمة لأن الخروج لطلب الرحمة وخروجهم ليس
سبب الرحمة.
لنا ما روي عن أبي هريرة (4) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج يوما يستسقي فصلى ركعتين، و
عن عبد الله بن زيد الأنصاري (5) أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج يستسقي يصلي ركعتين ويجهر بالقراءة و

1 - الغنية 107 - 110.
2 - الخلاف: 1 / 685 مسألة 460.
3 - الوجيز: 1 / 72.
4 - الدوسي اليماني اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، فقيل: اسمه عبد الرحمن بن الصخر، أو عبد الرحمن بن
غنم. توفي سنة (57). تهذيب الكمال: 34 / 366 رقم 7681.
5 - المازني المدني، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله) وروى عنه: سعيد بن المسيب، وواسع بن حبان بن منقذ، ويحيى بن عمارة بن
أبي حسن قتل بالحرة سنة (63) وهو ابن (70) سنة. تهذيب الكمال: 14 / 538 الرقم 3281.
121

حول رداءه وقال أبو حنيفة: لا أعرف تحويل الرداء. (1)
وأما صلاة تحية المسجد فركعتان يقدمهما داخله تحية له قبل شروعه فيها يريده من
العبادة. (2)
وأما صلاة الضحى فقد ذكر أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه أنها بدعة خلافا
لجميع الفقهاء فإنها عندهم سنة.
وقال الشافعي: أقل ما يكون منها ركعتان، والأفضل اثنتا عشرة ركعة، والمختار ثمان
ركعات (3)، وعند بعض أصحابنا أن الإنسان مخير في هذه الصلاة إن شاء صلاها وإن شاء
تركها (4).
فصل في ما يقطع الصلاة ويوجب إعادتها
يجب إعادة الصلاة على من تعمد ترك شئ مما يجب فعله أو فعل شئ مما يجب تركه.
ويجب إعادتها على من سها فصلى بغير طهارة، أو قبل دخول الوقت، أو مستدبر القبلة
أو فيما لا يجوز الصلاة فيه ولا عليه، من النجس والمغصوب، فإن لم يتقدم له العلم بالنجاسة و
الغصب، فصلى ثم علم بذلك والوقت باق لزمته الإعادة، ولم تلزمه بعد خروجه، وهكذا
حكم من سها فصلى إلى يمين القبلة أو شمالها.
وتلزم الإعادة لمن سها عن النية، أو تكبيرة الإحرام، أو عن الركوع حتى يسجد، أو
عن السجدتين من ركعة ولم يذكر حتى رفع رأسه من الركعة الأخرى، أو سها فزاد ركعة أو
سجدة، أو سها فنقص ركعة أو أكثر منها ولم يذكر حتى استدبر القبلة، أو تكلم بما لا يجوز مثله
في الصلاة، دليل كل ذلك إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط.
وتجب الإعادة على من شك في الركعتين الأوليين من كل رباعية وفي صلاة المغرب و
الغداة وصلاة السفر، فلم يدر أواحدا صلى أم ثنتين أم ثلاث ولا غلب في ظنه شئ من ذلك. (5)
وقال الشافعي: إذا شك في أعداد [45 / ب] الركعات أسقط الشك وبنى على اليقين
بيانه إن شك هل صلى ركعة أو ركعتين جعلها واحدة وأضاف إليها أخرى وسجد للسهو.

1 - الهداية في شرح البداية: 1 / 87.
2 - الغنية 110.
3 - الخلاف: 1 / 543 مسألة 281.
4 - أنظر الإنتصار: 159.
5 - الغنية 111.
122

وقال أبو حنيفة: إن كان أصابه مرة واحدة بطلت صلاته وإن تكرر ذلك تحرى في
الصلاة واجتهد، فإن غلب على ظنه الزيادة أو النقصان بنى عليه وإن تساوت ظنونه بنى على
الأقل كما قال الشافعي. (1)
لنا أنه إذا أعاد وصلى برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا بني على الأقل فإنه لم يأمن أن
يكون قد صلى الأكثر فيفسد صلاته بالزيادة فيها فلا يكون على براءة ذمته بيقين.
فصل في أحكام السهو الواقع في الصلاة
السهو فيها على ضروب خمسة:
ما يوجب الإعادة، وما يوجب الاحتياط، وما يوجب التلافي، وما يوجب الجبران
بسجدتي السهو، وما لا حكم له.
فما يوجب الإعادة فقد مضى ذكره.
وما يوجب الاحتياط فهو أن يشك في الركعتين الأخيرتين من كل رباعية فإنه يبني
على الأكثر خلافا لهما كما ذكرنا، ويجبر النقصان بعد التسليم، مثال ذلك: أن يشك بين الثنتين و
الثلاث أو بين الثلاث والأربع، أو بين اثنتين وثلاث وأربع، فإنه يبني في الصورة الأولى على
الثلاث، ويتم الصلاة، فإذا سلم صلى ركعة من قيام، أو ركعتين من جلوس يقومان مقام
ركعة، فإن كان ما صلاه ثلاثا، كان ما جبر له نافلة، وإن كان اثنتين كان ذلك جبرانا لصلاته.
وكذا يصنع في الصورة الثانية، ويصلي في الصورة الثالثة بعد التسليم ركعتين من قيام و
ركعتين من جلوس.
لنا على ما ذكرنا أنه إذا بنى على الأقل لا يأمن من الزيادة.
فإن قيل: وكذا إن بنى على ا [لأ] كثر لا يأمن أن يكون قد فعل الأقل وما يفعله من
الجبران غير نافع له، لأنه منفصل عن الصلاة وبعد الخروج منها.
قلنا: تقديم السلام في غير موضعه لا يجري في إفساد الصلاة مجرى زيادة ركعة أو
ركعتين، لأن العلم بالزيادة تفسد الصلاة على كل حال، وليس كذلك العلم بتقديم السلام،
فكان الاحتياط فيما ذهبنا إليه.

1 - الخلاف: 1 / 445 مسألة 192.
123

وأما ما يوجب التلافي فأن يسهو عن قراءة الحمد ويقرأ سورة غيرها فيلزمه قبل
الركوع أن يتلافى بترتيب القراءة، وكذا إن سها عن قراءة السورة، وكذا إن سها عن
تسبيح الركوع والسجود قبل رفع رأسه منهما، وكذا إن شك في الركوع وهو قائم تلافاه،
فإن ذكر وهو راكع أنه كان قد ركع أرسل نفسه إلى السجود ولا يرفع رأسه، وكذلك الحكم
إن شك في سجدة أو سجدتين فذكر قبل أن يركع [46 / أ] أو ينصرف أو يتكلم بما لا يجوز مثله
في الصلاة، وكذا إن شك في التشهد، دليل ذلك إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط.
وأما ما يوجب الجبران فإن سها عن سجدة واحدة ولم يذكرها حتى ركع فإنه يلزمه
مع قضائها بعد التسليم سجدتا السهو وكذا الحكم في النهوض للتشهد، ويلزم الجبران
بسجدتي السهو لمن قام في موضع جلوس، أو قعد في موضع قيام، ولمن شك بين الأربع و
الخمس، ولمن سلم في غير موضعه، ولمن تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ناسيا.
سجدتا السهو بعد التسليم ليس فيها قراءة ولا ركوع، بل يقول في كل واحدة منهما:
بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد، ويتشهد تشهدا خفيفا ويسلم. (1) سواء كانتا
للنقصان أو للزيادة، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: إنهما قبل التسليم على كل حال، وعليه أكثر أصحابه.
وقال مالك: إن كانتا للنقصان فالسجود قبل السلام وإن كانتا عن زيادة أو عن زيادة و
نقصان، أو زيادة متوهمة فالسجود بعد السلام.
لنا ما روي من طرقهم من قوله (صلى الله عليه وآله): إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب ثم يسلم
ثم يسجد سجدتين.
وفي خبر آخر: من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم. (2)
وسجدة السهو واجبة وبه قال مالك والكرخي من أصحاب أبي حنيفة.
وقال الشافعي: مسنونة غير واجبة وبه قال أكثر أصحاب أبي حنيفة.
لنا ورد الأمر بها والأمر يقتضي الوجوب وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه. (3)
ومن نسي سجدتي السهو، ثم ذكر فعليه إعادتها تطاولت المدة أو لم تطل، وهو أحد

1 - الغنية 112 - 114.
2 - الخلاف: 1 / 448 مسألة 195.
3 - الخلاف: 1 / 462 مسألة 203.
124

قولي الشافعي وقال في الجديد: إن تطاولت لم يأت بها وإن لم تطل أتى بها.
وقال أبو حنيفة: لا يعيد إذا خرج عن المسجد أو تكلم. (1)
وإذا ترك الإمام سجود السهو عامدا أو ناسيا وجب على المأموم أن يأتي به، وفاقا
للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: لا يأتي به.
لنا أن سجود السهو به تتم الصلاة وما لا يتم الصلاة إلا به يكون واجبا وطريقة
الاحتياط أيضا تقتضيه. (2)
كل ما إذا تركه ناسيا لزمه سجدتا السهو إذا تركه متعمدا، فإن كان فرضا بطلت
صلاته مثل التشهد الأول وتسبيح الركوع والسجود وسجدة واحدة، وإن كان فضلا ونافلة
لا يلزمه سجدتا السهو كالقنوت وما أشبهه. خلافا للشافعي [46 / ب] فإنه قال: [عليه]
سجدتا السهو فيما هو سنة وقال أبو حنيفة: لا يسجد للسهو في العمد.
لنا أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب شئ يحتاج إلى دليل ولا دليل. (3)
لا حكم للسهو في النافلة خلافا للفقهاء، فإنهم قالوا حكم النافلة حكم الفريضة فيما
يوجب السهو. (4)
إذا صلى المغرب أربعا أعاد. وقال جميع الفقهاء يسجد سجدتي السهو وقد مضت
صلاته. (5)
وأما ما لا حكم له فهو أن يشك في فعل وقد انتقل إلى غيره، مثل أن يشك في تكبيرة
الإحرام وهو في القراءة، أو في القراءة وهو في الركوع، أو الركوع وهو في السجود، أو في
التشهد وهو كذلك أو في تسبيح الركوع أو السجود بعد رفع الرأس منهما.
ولا حكم للسهو الكثير المتواتر، ولا حكم في النافلة. (6)
فصل في السجدات
وهي ثلاثة: الأولى سجدة السهو وهي واجبة عندنا ومسنونة عند الشافعي وعند
أكثر أصحاب أبي حنيفة. (7) ومواضع السهو ستة ذكرت في الوجيز:

1 - الخلاف: 1 / 463 مسألة 205.
2 - الخلاف: 1 / 464 مسألة 207.
3 - الخلاف: 1 / 465 مسألة 209.
4 - الخلاف: 1 / 465 مسألة 210.
5 - الخلاف: 1 / 466 مسألة 211.
6 - الغنية 114.
7 - الخلاف: 1 / 462 مسألة 203.
125

الأول إذا قرأ التشهد أو الفاتحة في الاعتدال عن الركوع عمدا بطلت صلاته وإن سها
سجد.
الثاني: من ترك أربع سجدات من أربع ركعات سهوا لم يكف‍ [- ه] أن يقضيها في آخر
صلاته بل لا يحسب من الأربع إلا ركعتان. (1) وقال أبو حنيفة: صحت صلاته إلا أربع
سجدات، فيأتي بها على الولاء وتجزيه وقد تمت صلاته. وقال أبو جعفر الطوسي في خلافه:
والذي يقتضيه المذهب أن يعيد أربع سجدات وأربع مرات سجدتي السهو، إذا قلنا: إن ترك
سجدة في الركعة لا تبطل الصلاة، وإن قلنا يبطلها بطلت الصلاة [و] عليه استئنافها (2)، رجعنا
إلى ما في الوجيز:
الثالث: إذا قام إلى الثالثة ناسيا، فإن انتصب لم يعد إلى التشهد لأن الفرض لا يقطع
بالسنة، فإن عاد عالما بطلت، وإن عاد جاهلا لم تبطل لكن يسجد للسهو.
الرابع إذا تشهد في الأخير قبل السجود تدارك السجود وأعاد التشهد، وسجد للسهو.
الخامس إذا قام إلى الخامسة ناسيا بعد التشهد، فإذا تذكر جلس وسلم، والقياس أنه
لا يعيد التشهد، والنص أنه يتشهد لرعاية الولاء بين التشهد والسلام.
السادس إذا شك في أثناء الصلاة، أخذ بالأقل وسجد للسهو. (3)
الثانية سجدة التلاوة وهي عندنا واجبة في أربعة مواضع - وهي سجدة [47 / أ]
لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك - وما عداها فمندوب للقاري والمستمع.
وقال الشافعي: الكل مسنون، وقال أبو حنيفة: الكل واجب على القارئ و
المستمع (4)، وهي أربعة عشرة سجدة عندهما، وقال في القديم: إحدى عشرة. وعندنا خمسة
عشر موضعا - أربعة منها واجبة وقد ذكرت وهي في آخر الأعراف، وفي الرعد، وفي
النحل، وفي بني إسرائيل، وفي مريم، وفي الحج سجدتان، وفي الفرقان، وفي النمل، و
في (ص)، وفي أنشقت.
وخالف الشافعي في (ص) وقال: إنه سجود شكر لا يجوز فعله في الصلاة وأبو حنيفة
أسقط الثانية وأثبت سجدة صاد. (5)

1 - الوجيز: 1 / 50.
2 - الخلاف: 1 / 456 مسألة 199.
3 - الوجيز: 1 / 51.
4 - الخلاف: 1 / 425 مسألة 173.
5 - الخلاف: 1 / 427 مسألة 176.
126

وموضع السجود في حم السجدة قوله تعالى: {[واسجدوا لله الذي خلقهن] إن كنتم
إياه تعبدون} وقال الشافعي: عند قوله: [لا يسأمون]. (1)
وسجود العزائم واجب على القارئ والمستمع، ومستحب للسامع، وما عداها مستحب
للجميع. وعند الشافعي مسنون في حق التالي والمستمع دون السامع، وقال أبو حنيفة:
واجب على التالي والمستمع والسامع. (2)
وإن سجدها في غير الصلاة سجد من غير تكبير، وإذا رفع رأسه كبر، وليس عليه
تشهد ولا تسليم ولا تكبيرة إحرام، وعند الحنفية كبر ولم يرفع يديه وسجد ثم كبر ورفع
رأسه ولا تشهد عليه ولا سلام (3)، وعند الشافعية أنها تفتقر إلى سائر شرائط الصلاة، و
يستحب قبلها تكبيرة مع رفع اليدين، إن كان في غير الصلاة ودون الرفع إن كان في الصلاة.
الثالثة سجدة الشكر عند هجوم نعمة أو اندفاع بلية.
ويستحب السجود بين يدي الفاسق شكرا على دفع المعصية وتنبيها له، وإن سجد إذا
رأى مبتلى، فليكتمه كيلا يتأذى مذكور في الوجيز. (4)

1 - الخلاف: 1 / 429 مسألة 177.
2 - الخلاف: 1 / 431 مسألة 179.
3 - الخلاف: 1 / 432 مسألة 181.
4 - الوجيز: 1 / 53.
127

الزكاة
كتاب الزكاة
الزكاة على ضربين مفروض ومسنون
والمفروض على ضربين: زكاة الأموال، وزكاة الرؤوس.
وزكاة الأصول تجب في تسعة أشياء: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر و
الزبيب وفي الإبل، والبقر، والغنم بلا خلاف بين الأمة.
ولا تجب فيما عدا ما ذكرناه. (1) خلافا للشافعي وأبي حنيفة.
قال [47 / ب] الشافعي: لا تجب الزكاة إلا فيما أنبته الآدميون ويقتات حال الادخار، و
هو البر، والشعير، والدخن، والذرة، والباقلاء، والحمص، والعدس، وغير ذلك مما يقتاته
الإنسان ويدخره والخضروات كلها القثاء، والبطيخ، والخيار، والبقول، لا زكاة فيها عنده،
وما يقتات مما لا ينبته الآدميون مثل البلوط فلا زكاة فيه، وأما الثمار فقد وافق في العنب و
الرطب، وأما الزيتون فقال في الجديد: أنه لا زكاة فيه، وكذا في الورس والزعفران والعسل
والعصفر، وقال في القديم: فيه زكاة.
وقال أبو حنيفة: تجب في الخضروات العشر وفي البقول كلها، وفي كل الثمار، وقال:
الذي [لا] تجب فيه الزكاة هو القصب الفارسي والحشيش والحطب والسعف والتبن، وقال:
في الريحان العشر، وفي جميع ما تنبته الأرض.
لنا أن الأصل براءة الذمة عما عدا ما ذكرناه من الأجناس التسعة، وشغلها بإيجاب
الزكاة فيه يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه. (2)

1 - الغنية 115.
2 - الخلاف: 2 / 61 مسألة 74.
129

وأيضا ظاهر قوله تعالى: {ولا يسألكم أموالكم}. (1) يدل على ما قلناه، لأن المراد
أنه تعالى لا يوجب فيها حقوقا، ولا يخرج عن هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع. (2)
ولا تجب الزكاة في عروض التجارة إذا طلبت برأس المال خلافا لهما. (3)
لنا دلالة الأصل وقوله (عليه السلام): (ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)، ولم
يفصل بين ما كان معرضا للتجارة وبين ما ليس كذلك، وإذا ثبت ذلك في العبد والفرس ثبت
في غيرهما، لأن أحدا لم يفصل بين الأمرين.
وأما قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}. (4) فلا يصح تعلقهم به، لأن المراد بذلك
الحق هو الشئ اليسير - الذي يعطي الفقير المجتاز - من الزرع وقت الحصاد على جهة التبرع، و
لا ينكر وقوع لفظة (حق) على المندوب، لأنه قد روي بأن رجلا قال: يا رسول الله هل علي
حق في إبلي سوى الزكاة؟ قال (صلى الله عليه وآله) نعم أن تحمل عليها وتسقي من لبنها، ويدل على صحة ما
قلناه في الآية أن الزكاة الواجبة في وقت الحصاد لا يصح، وإنما يصح بعد الدياس والتصفية، و
إن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحصاد والجذاذ وهو صرام النخل بالليل، وليس ذلك إلا لما فيه من
حرمان الفقراء والمساكين.
وكذا قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من
الأرض}. (5) لا يصح التعلق به أيضا، لأنا لا نسلم أن اسم الإنفاق يقع بإطلاقه على الزكاة
بل لا يقع بالإطلاق إلا على غير الواجب [48 / أ]، ولئن سلمنا لخصصنا الآية بالدليل.
وقولهم: قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}. (6) عام يدخل فيه عروض التجارة و
غيرها، باطل متروك الظاهر عندهم لأنهم يضمرون أن تبلغ قيمة العروض مقدار النصاب،
وإذا عدلوا عن الظاهر، لم يكونوا أولى من غيرهم إذا عدل عنه وخص الآية بالأصناف التي
أجمعت الأمة على وجوب الزكاة فيها.
ولهذا نجيب عن تعلقهم بقوله تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم}. (7) على أن سياق
الآية خارجة مخرج المدح للمذكورين فيها بما فعلوه وإعطاؤهم قد يكون ندبا كما يكون

1 - محمد: 36.
2 - الغنية 115.
3 - الخلاف: 2 / 91 مسألة 106.
4 - الأنعام: 141.
5 - البقرة: 267.
6 - التوبة: 103.
7 - المعارج: 24.
130

واجبا لأن المدح جائز على كل واحد منهما.
وقوله تعالى: {وآتوا الزكاة}. لا يصح لهم التعلق به أيضا، لأن اسم الزكاة شرعي،
فعليهم أن يدلوا على أن في عروض التجارة زكاة حتى يتناوله الاسم.
وقوله (عليه السلام): (حصنوا أموالكم بالصدقة) لا دليل لهم فيه أيضا لأنه خبر واحد، ثم إنه
مخصوص بما قدمناه، وأن الصدقة تطلق على الزكاة الواجبة والمندوبة، فتحصين أموال
التجارة وما لا تجب فيه الزكاة بالصدقة المندوبة، كما أن تحصين ما تجب فيه الزكاة بالصدقة
الواجبة.
فصل
وأما شرائط وجوبها في الذهب والفضة: فالبلوغ، وكمال العقل، وبلوغ النصاب، و
الملك له، والتصرف فيه بالقبض والإذن وحؤول الحول وهو كامل في الملك لم تبدل أعيانه و
لا دخله نقصان، وأن يكونا مضروبين دراهم ودنانير منقوشين، أو سبائك فر بسبكها من
الزكاة. (1)
أما الإسلام فليس من شرائط وجوبها لأنها تجب على الكافر كما تجب على المسلم
خلافا للشافعي وأبي حنيفة (2)، فإن الإسلام عندهما من شرائط وجوبها.
لنا أن الكافر لو لم يكن مخاطبا بأمور الصلاة والزكاة لما عذب بتركهما لكنه عذب
فيجب أن يكون مخاطبا مأمورا بهما، بيانه قوله تعالى: {ما سلككم في سقر * قالوا لم نك
من المصلين * ولم نك نطعم المسكين}. (3) وقوله تعالى: {وويل للمشركين * الذين
لا يؤتون الزكاة}. (4)
قولهم لو كانت الصلاة والزكاة واجبتين عليه لوجب قضاؤهما إذا أسلم. قلنا وجوب
القضاء لا يتبع وجوب الأداء بل هو موقوف على أمر آخر وقال (عليه السلام): الإسلام يجب ما قبله
فإذا أسلم سقط عنه وجوب القضاء.
وأما البلوغ وكمال العقل فشرط عندنا وعند أبي حنيفة خلافا للشافعي فإنه يجب

1 - الغنية 116 - 118.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 95، الوجيز: 1 / 87.
3 - المدثر: 43.
4 - فصلت: 6.
131

عنده على الصبي والمجنون، وفي مال الجنين تردد. لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها
بالوجوب يحتاج إلى دليل وقوله (عليه السلام): (رفع القلم عن ثلاثة [48 / ب] عن الصبي حتى يبلغ و
عن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق) (1)، فالصبي والمجنون رفع عنهما القلم ومن رفع
عنه القلم فقد رفع عنه التكليف، ومن رفع عنه التكليف فلا يجب عليه شئ من الصلاة و
الزكاة.
وأما بلوغ النصاب فلا خلاف فيه، فإذا نقص حبه: أو حبتان في جميع الموازين أو في
بعضها فلا زكاة فيه وفاقا لهما، وعن مالك: إن نقص حبة أو حبتان في جميع الموازين ففيه
الزكاة.
لنا أن الأصل براءة الذمة، وقوله (عليه السلام): (ليس فيما دون خمس أواق صدقة)، وما روى
علي بن أبي طالب عن النبي (عليهما السلام)، أنه قال (ص): ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب
صدقة، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال. (2)
وأما الملك فلا خلاف فيه، والعبد إذا ملكه مولاه لا يملك فلا يجب فيما في يده الزكاة بل
يجب على سيده لأنه ماله وله انتزاعه، وفاقا للشافعي في (الجديد) وأبي حنيفة، وخلافا له
في (القديم). (3)
وأما التصرف فيه فلأنه لو لم يكن في تصرفه فلا زكاة عليه كمال الدين وفاقا لأبي
حنيفة والشافعي في (القديم) وخلافا له في سائر كتبه (4).
لنا أن المستدين مالكه لأنه لو لم يكن مالكا له لما جاز له التصرف فيه بالإنفاق والبذل
وغيرهما، والمستدان ليس بمالك له فلا يجب عليه زكاته.
وأما إذا حل أجله والتأخير من قبله فعليه الزكاة لأنه كالوديعة عنده.
وأما اعتبار كمال الحول، فلأن كل مال تجب الزكاة في عينه بالنصاب والحول، فلا زكاة
فيه حتى يكون النصاب موجودا من أول الحول إلى آخره وفاقا للشافعي وخلافا لأبي
حنيفة فإنه قال: إذا كان النصاب موجودا في طرفي الحول لم يضر نقصان بعضه في وسطه، وإنما
ينقطع الحول بذهاب كله، قال ولو ملك أربعين شاة ساعة ثم هلكت إلا واحدة وملك تمام

1 - الخلاف: 2 / 40 مسألة 42.
2 - الخلاف: 2 / 83 مسألة 99.
3 - الخلاف: 2 / 42 مسألة 45.
4 - الخلاف: 2 / 80 مسألة 96.
132

النصاب في الشهر الحادي عشر أخرج زكاة الكل (1) وكذا لو ملك عشرين شاة فتوالدت، و
بلغت أربعين.
وقال: ليس في الفصلان والعجاجيل صدقة إلا أن يكن معها كبار (2).
لنا أجمعت الأمة على مراعاة النصاب والحول وفيما نحن بصدده من هذه المسائل لم يحل
الحول على جميع النصاب بل على بعضه ولم يبلغ نصابا وعلى البعض الآخر ولم يجب فيه زكاة
فمن ادعى وجوب الزكاة فعليه الدليل ولن يجده أبدا، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول (3).
وشرائط وجوبها في الأصناف الأربعة من الغلات الملك لها وبلوغ النصاب، وفي
الأصناف الثلاثة من المواشي: الملك والحول والسوم وبلوغ النصاب، وأما شرائط صحة
أدائها: فالإسلام، والبلوغ [49 / أ]، وكمال العقل، والنية، ودخول الوقت في أدائها على جهة
الوجوب.
فصل
وأما مقدار الواجب من الزكاة فنقول:
أما الذهب فلا شئ فيه حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ وجب فيه نصف مثقال بلا
خلاف - وهو نصابه الأول -، ثم لا شئ فيه فيما زاد حتى يبلغ أربعة مثاقيل، فيجب فيها عشر
مثقال - وهو نصابه الثاني -، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ (4) وفاقا لهما وخلافا للحسن
البصري فإنه قال: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا ففيه دينار.
لنا الروايات المجمع عليها منها ما روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: (ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف
مثقال). (5)
وإذا كان معه ذهب وفضة ونقص كل واحد منهما من النصاب لم يضم أحدهما إلى
الآخر. وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: متى قصرا عن نصاب يضم أحدهما إلى

1 - الخلاف: 2 / 86 مسألة 101.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 99.
3 - سنن البيهقي: 5 / 517 حديث 7414.
4 - الغنية: 119.
5 - الخلاف: 2 / 83 مسألة 99.
133

الآخر، على ما هو أحوط للمساكين بالقيمة أو الأجزاء، والضم بالأجزاء وهو أن يجعل كل
دينار بإزاء عشرة دراهم.
لنا أن كل واحد من الذهب والفضة جنس غير الآخر ولكل منهما اسم وحقيقة وإذا
كان كذلك لا يتعدى حكم أحدهما إلى الآخر وقال (صلى الله عليه وآله): ليس فيما دون عشرين مثقالا من
الذهب صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. (1)
فصل
وأما الفضة فلا شئ فيها حتى تبلغ مئتي درهم، وذلك مقدار نصابها الأول فإذا بلغتها
ففيها خمسة دراهم بلا خلاف فيه، ثم لا شئ فيما زاد حتى تبلغ أربعين درهما، فيجب فيها درهم
وهو نصابها الثاني، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت (2) خلافا للشافعي، فإنه قال: وما زاد
على العشرين من الذهب والمئتين من الفضة ففيه ربع العشر، ولو كان قيراطا، ووفاقا لأبي
حنيفة و [أما] صاحباه - أبو يوسف، ومحمد - [ف‍] يوافقان الشافعي. (3)
لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها بغير ما قلناه يحتاج إلى دليل.
لهم مطلق قوله (عليه السلام): في الرقة ربع العشر (4). ويعارضه ما روي من قوله (صلى الله عليه وآله): ليس في
أقل من أربعين درهما صدقة (5) وما روي أيضا من قوله (صلى الله عليه وآله) لمعاذ حين أنفذه إلى اليمن: لا شئ
في الورق حتى تبلغ مئتي درهم، فإذا بلغتها فخذ خمسة دراهم، ولا تأخذ من زيادتها شيئا،
حتى تبلغ أربعين درهما [49 / ب]، فإذا بلغتها فخذ درهما. وقوله (عليه السلام) هاتوا الزكاة زكاة
الورق عن كل أربعين درهما درهما (6).
لا زكاة في سبائك الذهب والفضة وإذا كان معه دراهم أو دنانير وسبائك ولم يبلغا
نصابا لا يضم إليها السبائك خلافا لجميع الفقهاء، فإنهم يضمون بعضها إلى بعض.
لنا الأصل براءة الذمة إلا أن يكون قصده الفرار عن الزكاة بسبكها عند بعض
الأصحاب. (7)

1 - الخلاف: 2 / 85 مسألة 100.
2 - الغنية 119.
3 - الخلاف: 2 / 81 مسألة 97.
4 - الخلاف: 2 / 79 مسألة 93.
5 - الخلاف: 2 / 76.
6 - الغنية: 120.
7 - الخلاف: 2 / 77 مسألة 97.
134

لا زكاة في الذهب والفضة إذا لم يكونا مضروبين دنانير ودراهم ومنقوشين ولا في
حليهما وأوانيهما خلافا لأبي حنيفة في الجميع والشافعي إلا في الحلي، فإنه قال لا يجب فيه
الزكاة لأنه أعد للابتذال كالثياب (1).
لنا أن الأصل براءة الذمة من زكاة السبائك والحلي من الذهب والفضة وظاهر حديث
الرسول (عليه السلام) وهو قوله: لا شئ في الورق حتى تبلغ مئتي درهم (2) وفي الذهب حتى يبلغ
عشرين دينارا، ولا يسميان درهما ولا دينارا إلا أن يكون مضروبين منقوشين.
في الوجيز لا زكاة في شئ من نفائس الأموال إلا في النقدين، وهو منوط بجوهرهما على
أحد القولين، وفي الثاني منوط بالاستغناء عن الانتفاع بهما، حتى لو اتخذ منه حلي على قصد
استعمال مباح سقطت الزكاة، وإن كان على قصد استعمال محظور كما قصد الرجل بالسوار و
الخلخال أن يلبسه، أو قصدت المرأة ذلك في المنطقة والسيف لم تسقط لأن المحظور شرعا
كالمعدوم حسا، فإن قيل: ما الانتفاع المحرم في عين الذهب والفضة. قلنا: أما الذهب فأصله
على التحريم في حق الرجال وعلى التحليل في حق النساء، ولا يحل للرجل إلا تمويه لا يحصل
منه الذهب أو اتخاذ أنف لمن جدع أنفه، وأما الفضة فحلال للنساء، ولا يحل للرجل إلا
التختم به، أما في غير التحلي فقد حرم الشرع اتخاذ الأواني من الذهب والفضة على الرجال و
النساء، وفي المكحلة الصغيرة تردد، وفي تحلية المصحف بالفضة وجهان للحمل على الإكرام،
وتحلية غير المصحف من الكتب لم يجز أصلا. (3)
إذا كان معه دراهم محمول عليها، لا زكاة فيها حتى تبلغ فيها مئتي درهم، وفاقا
للشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان الغش النصف أو أكثر فمثل ما قلنا، وإن كان الغش دون
النصف سقط حكم الغش، وكانت كالفضة الخالصة، فإن كان مئتي درهم خالصة، فأخرج
منها خمسة مغشوشة أجزأه، ولو كان عليه دين مئتا درهم [50 / أ] خالصة، فأعطى مائتين
من هذه أجزأه. وكل هذا لا يجوز عندنا، ولا عند الشافعي، [لنا] أن الغش ليس بورق وقد
قال (صلى الله عليه وآله): ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. (4)

1 - الهداية في شرح البداية: 1 / 103.
2 - الغنية: 120.
3 - الوجيز: 1 / 93 - 94.
4 - الخلاف: 2 / 76 مسألة 89.
135

فصل
وأما الغلات فالواجب في كل صنف منها إن كان سقيه سيحا أو بعلا أو بماء السماء
العشر، وإن كان بالغرب والدوالي والنواضح فنصف العشر، وإن كان بالأمرين معا
فالاعتبار بالأغلب، وإن تساويا زكى النصف بالعشر، والنصف بنصف العشر، إذا بلغ بعد
إخراج المؤن وحق المزارع النصاب، وهو خمسة أوسق - والوسق ستون صاعا - والصاع
عندنا أربعة أمداد بالعراقي، والمد رطلان وربع (1) يكون ألفين وسبع مأة رطل.
فإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه، وفاقا للشافعي في الوسق والصاع وخلافا له في وزن
المد والصاع، فجعل وزن كل مد رطلا وثلثا، يكون على مذهبه ألفا وستمائة رطل
بالبغدادي - ثمان مئة من - ووافقه أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يعتبر النصاب، بل يجب في قليله وكثيره حتى لو حملت النخلة
رطبة واحدة كان فيها عشرها.
لنا أن ما اعتبرناه من النصاب لا خلاف في وجوب الزكاة فيه عند الشافعي وأبي حنيفة
وغيرهما، وليس على وجوبها فيما نقص دليل قاطع، وقوله (عليه السلام): ليس فيما دون خمسة أوسق
من التمر صدقة. وقوله (عليه السلام): ما سقت السماء ففيه العشر وما سقي بنضح أو دلو ففيه نصف
العشر إذا بلغ خمسة أو سق، وفي رواية أخرى: لا زكاة في شئ من الحرث حتى يبلغ خمسة
أوسق، فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الصدقة (2) وهذا نص في اعتبار النصاب.
" ويكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حلول الحول فرارا من الزكاة، فإن فعل و
حال عليه الحول فلا زكاة عليه وفاقا لهما، وقيل يؤخذ منه الزكاة ". (3)
النصاب في الغلات إذا كان بين خليطين لا تجب فيه الزكاة، وفاقا لأبي حنيفة وخلافا
للشافعي في أحد قوليه والقول الآخر: لا تجب.
لنا أن الأصل براءة الذمة، (4) وأن كل واحد منهما لا يملك نصابا تاما فلا يجب عليهما
زكاة في نصيبهما.
" إذا استأجر أرضا من غير أرض الخراج، كان العشر على مالك الزرع دون مالك الأرض

1 - الغنية 120.
2 - الخلاف: 2 / 58 مسألة 69.
3 - الخلاف: 2 / 56 مسألة 65.
4 - الخلاف: 2 / 60 مسألة 72.
136

وفاقا للشافعي وأبي يوسف ومحمد وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: تجب على مالك الأرض.
لنا قوله (عليه السلام): (فيما سقت السماء العشر) فأوجب الزكاة [50 / ب]، في نفس الزرع، وإذا
كان ذلك للمستأجر وجب عليه فيه الزكاة، ومالك الأرض يأخذ الأجرة، والأجرة لا تجب
فيها الزكاة بلا خلاف ". (1)
كل أرض فتحت عنوة فهي لجميع المسلمين المقاتلة وغيرهم، وللإمام تقبيلها بما يراه
من نصف أو ثلث، وعلى المتقبل بعد إخراج حق القبالة، العشر أو نصف العشر، إذا بلغ
نصابا.
وقال الشافعي: الخراج والعشر يجتمعان في أرض واحدة، يكون الخراج في رقبتها و
العشر في غلتها - قال: وأرض الخراج سواد العراق من تخوم الموصل إلى عبادان طولا، ومن
القادسية إلى حلوان عرضا.
وقال أبو حنيفة: وأصحابه: العشر والخراج لا يجتمعان، بل يسقط العشر ويثبت
الخراج. (2)
الحنطة والشعير جنسان لا يضم أحدهما إلى صاحبه.
وأما السلت فهو نوع من أنواع الشعير ضم إليه وحكم فيه بحكمه، خلافا للشافعي
فإنه جعله جنسا مفردا لم يضم إلى الشعير. (3)
كل مؤنة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة فهو على رب المال، وفاقا لجميع الفقهاء
إلا عطاء (4)، فإنه قال: على رب المال والمساكين بالحصة.
فصل
وأما الإبل فلا شئ فيها حتى تبلغ خمسا - مع شروطها الباقية - ففيها شاة، وفي عشر
شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياه، وفي عشرين أربع وفي خمس وعشرين خمس شياه وفي
ست وعشرين، بنت مخاض، وهي التي لها حول كامل. (5)

1 - الخلاف: 2 / 73 مسألة 84.
2 - الخلاف: 2 / 67 مسألة 80.
3 - الخلاف: 2 / 65 مسألة 77.
4 - ابن أبي رباح، أبو محمد القرشي المكي، سمع ابن عباس، وأبا هريرة، ورافع بن خديج، مات سنة
(116). تاريخ مدينة دمشق: 40 / 366 رقم 4705.
5 - الغنية 121.
137

خلافا لجميع الفقهاء في ذلك وقالوا: في خمس وعشرين بنت مخاض.
لنا ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: في خمس وعشرين [من
الإبل]، خمس شياه (1).
وفي ست وعشرين، بنت مخاض، وفي ست وثلاثين بنت لبون وهي التي لها حولان و
دخلت في الثالثة، وفي ست وأربعين حقة، وهي التي لها ثلاثة أحوال ودخلت في الرابعة، و
في إحدى وستين جذعة، وهي التي لها أربعة أحوال ودخلت في الخامسة، وفي ست وسبعين
بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرون وجب في كل
أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين، حقة (2).
ولا خلاف في ذلك.
قال أبو جعفر في خلافه: وأما إذا زادت واحدة فالذي يقتضيه المذهب أن يكون فيه
ثلاث بنات لبون إلى مئة وثلاثين ففيها حقه وبنتا لبون، إلى مئة وأربعين ففيها حقتان وبنتا
لبون، إلى مئة وخمسين ففيها ثلاث حقاق إلى مئة وستين ففيها أربع بنات لبون، إلى مئة و
سبعين ففيها حقة وثلاث بنات لبون، إلى مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون [51 / أ]، إلى
مئة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى مئتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون،
ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغت مئة وإحدى وعشرين استؤنفت الفريضة (3)، وفي كتاب
النافع لأصحابه: فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى مئة وعشرين ثم نستأنف
الفريضة في الخمس شاة مع الحقتين وفي العشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي
العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مائة وخمسين فإذا بلغت مائة و
خمسين ففيها ثلاث حقاق ثم تستأنف الفريضة في الخمس شاة مع ثلاث حقاق وفي العشر
شاتان وفي خمس عشر ثلاث شياه وفي العشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض
وفي ست وثلاثين بنت لبون فإذا بلغت مئتين ففيها أربع حقاق ثم تستأنف الفريضة هكذا.
لنا على ما قلناه أن الأصل براءة الذمة وقد اتفقنا على وجوب الزكاة في مئة وثلاثين

1 - الخلاف: 2 / 6 مسألة 2.
2 - الغنية: 121.
3 - الخلاف: 2 / 7 مسألة 3.
138

فعندنا وعند الأكثر من المخالفين لنا أن في ذلك حقة وبنتا لبون، وعند أبي حنيفة حقتان و
شاتان، ولم يقم دليل على أن فيما بين العشرين والثلاثين حقا، فوجب البقاء على حكم
الأصل. وقد روي أنه وجد في كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الإبل إذا زادت على مئة وعشرين
فليس فيما زاد شئ دون ثلاثين ومئة فإذا بلغتها ففيها بنتا لبون وحقة. (1)
إذا بلغت الإبل خمسا، ففيها شاة ثم ليس فيها شئ إلى تسع وفيها أيضا شاة، فما دون
النصاب وقص، وما فوق الخمس إلى تسع وقص، والشاة واجبة في الخمس، فما زاد وقص، و
يسمى شنقا. وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أن الشاة واجبة في التسع كلها (2).
إذا بلغت الإبل مئتين، كان الساعي مخيرا بين أربع حقاق وخمس بنات لبون وفاقا
للشافعي في أحد قوليه، والآخر، أربع حقاق لا غير وبه قال أبو حنيفة.
لنا ما ورد في الأخبار أنه إذا زادت على مأة وعشرين ففي كل خمسين حقة وفي كل
أربعين بنت لبون وهذا عدد اجتمع فيه خمسينات وأربعينات فيجب أن يكون مخيرا. (3)
فصل
أما البقر فلا يجب فيها شئ حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة وهي التي
أتى عليها حول، ثم لا شئ فيها حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة، وهي التي لها حولان بلا خلاف
إلا من سعيد بن المسيب (4) والزهري فإنهما قالا: في كل خمس شاة إلى ثلاثين ففيها تبيع أو
تبيعة (5).
لنا أن الأصل براءة الذمة من الحقوق [51 / ب] في الأموال فمن ادعى حقا واجبا لزمه
الدليل الشرعي (6)
وإذا زادت على الأربعين فليس فيها شئ حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ففيها تبيعان أو

1 - الغنية 122.
2 - الخلاف: 2 / 13 مسألة 7.
3 - الخلاف: 2 / 14 مسألة 8.
4 - سعيد بن المسيب بن أبي وهب القرشي، المخزومي، أبو محمد المدني، سيد التابعين. روى عن: أبي بن كعب،
وأنس بن مالك، والبراء بن عازب وغيرهم. مات سنة (94). تهذيب الكمال: 11 / 66 رقم 2358.
5 - الخلاف: 2 / 18 مسألة 14.
6 - الغنية: 123.
139

تبيعتان، ثم على هذا الحساب في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، وفاقا
للشافعي وأبي يوسف ومحمد، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات: المشهور عنه أن ما زادت
وجبت الزكاة بحسابه فإذا بلغت إحدى وأربعين ففيها مسنة وربع عشر مسنة، والثانية: أنه
لا شئ عليه في زيادتها حتى تبلغ خمسين، ففيها مسنة وربع مسنة، والثالثة مثل قولنا. (1)
لنا ما روي عنه (صلى الله عليه وآله): (لا شئ في الأوقاص)، والوقص ما بين النصابين. (2)
فصل
وأما الغنم ففي كل أربعين شاة، إلى مئة وعشرين، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى
مئتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمئة، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه إلى
أربع مئة، فإذا بلغت ذلك ففي كل مئة شاة، وقال جميع الفقهاء مثل ذلك إلا أنهم لم يجعلوا بعد
المئتين وواحدة أكثر من ثلاثة إلى أربعمئة، ولم يجعلوا في ثلاث مئة وواحدة أربعا كما جعلناه،
وهو اختيار المرتضى (قدس سره) (3).
ولا شئ فيما دون الأربعين، ولا بين النصابين.
والمأخوذ من الضأن الجذعة - وهي التي لها سنة - ومن المعز الثنية - وهي التي لها
سنتان - (4).
السخال لا تتبع الأمهات.
وقال الشافعي: تتبع الأمهات بثلاث شرائط: أن تكون الأمهات نصابا، وأن تكون
السخال من عينها لا من غيرها، وأن يكون النتاج في أثناء الحول لا بعده. (5)
إذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت، لم يكن حولها حول الأمهات، وقال
الشافعي: إذا كانت عنده أربعون شاة مثلا فولدت أربعين سخلة كان حولها حول الأمهات، و
إذا تماوتت الأمهات لا ينقطع حولها، فإذا حال على الأمهات الحول أخذنا من السخال الزكاة.
وقال أبو حنيفة: إن ماتت الأمهات انقطع الحول، وإن بقي من الأمهات شئ ولو وحدة،
كان الحول بحاله.

1 - الخلاف: 2 / 19 مسألة 15.
2 - الغنية 123.
3 - الخلاف: 2 / 21 مسألة 17.
4 - الغنية 123.
5 - الخلاف: 2 / 23 مسألة 19.
140

لنا أن من شرائط وجوب الزكاة في الغنم وغيرها من الماشية حؤول الحول، والسخال لم
يحل عليها الحول فلا يجب فيها الزكاة، والسخال غير الأمهات بلا خلاف فحؤول حول
الأمهات كيف يكون حؤول حول السخال، وأن الأصل براءة الذمة (1).
إذا كان له ثمانون شاة في بلدين، وطالبه الساعي في كل بلد من البلدين بشاة لم يلزمه
أكثر من شاة واحدة. وقال الشافعي: يجب عليه شاة واحدة يخرجها في بلدين في كل بلدة
نصفها. (2)
المتولد بين الظبي والغنم سواء كانت الأمهات ظباء والفحولة، فإن سمي غنما كان فيها
زكاة [52 / أ] وإلا فلا.
وقال الشافعي: لا زكاة فيها سواء كانت الأمهات ظباء أو الفحولة.
وقال أبو حنيفة: حكمها حكم أمهاتها.
لنا على ما قلناه ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سائمة الغنم الزكاة و (في أربعين شاة شاة)،
وهذه تسمى غنما وشاة فتجب فيه‍ [- ها] الزكاة ومن أسقط الزكاة فعليه الدليل. (3)
لا تأثير للخلطة في الزكاة، سواء كانت خلطة أعيان أو خلطة أوصاف بل يزكي كل
واحد منهما زكاة الانفراد، وخلطة الأعيان هي الشركة المشاعة بينهما، مثل أن يكون بينهما
أربعون شاة فلا زكاة عليهما، وإن كان ثمانون كانت عليهما شاتان.
وخلطة الأوصاف أن يشتركا في الرعي والفحولة، ويكون مال كل واحد منهما معينا
وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وأصحابه: يزكيان زكاة الرجل الواحد، فإن كان بينهما أربعون شاة كان
فيها شاة، كما لو كانت لواحد. وإن كانا خليطين في ثمانين ففيها شاة، كما لو كانت لواحد فلو
كانت مئة وعشرين لثلاثة [ف‍] - فيها شاة واحدة، ولو لم يكن المال خلطة كان فيها ثلاث
شياه على كل واحد شاة (4).
لنا أن الملك من شرائط وجوب الزكاة وكل واحد منهما إذا لم يملك نصابا لم يجب عليه
زكاة وإذا ملك وجب فلهذا قلنا لم يجب في الأربعين ووجب في الثمانين، وأما ما روي من

1 - الخلاف: 2 / 26 مسألة 23.
2 - الخلاف: 2 / 37 مسألة 36.
3 - الخلاف: 2 / 33 مسألة 33.
4 - الخلاف: 2 / 35 مسألة 35.
141

قوله (عليه السلام): لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع (1) فنحمله على أنه لا يجمع بين مفرق في
الملك ليؤخذ منه زكاة رجل واحد، ولا يفرق بين مجتمع في الملك، لأنه إذا كان ملكا لواحد و
إن كان في مواضع متفرقة يؤخذ منه الزكاة وإن كانت خلطة أو صاف لم يؤثر الخلطة عنده كما
قلنا.
فصل [في المستحق للزكاة]
وأما المستحق لذلك فالأصناف الذين ذكرهم الله تعالى في قوله {إنما الصدقات
للفقراء والمساكين} الآية (2). فالفقراء هم الذين لهم شئ دون كفايتهم. والمساكين هم
الذين لا شئ لهم. (3) وبه قالت الحنفية.
وقد نص على ذلك الأكثر من أهل اللغة وقيل بالعكس من ذلك لقوله تعالى: {أما
السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} (4) سماهم مساكين مع أنهم ملكوا سفينة.
" والعاملون عليها هم عمالها والسعاة في جبايتها.
والمؤلفة قلوبهم وهم الذين يستمالون للجهاد، بلا خلاف " (5).
وأما الرقاب فالمكاتبون، بلا خلاف أيضا، يصرف منها في فك رقابهم، ويجوز عندنا
أن يشترى من مال الزكاة كل عبد هو في ضر ومشقة وشدة، ويعتق (6). خلافا للفقهاء إلا
مالكا فإنه يوافقنا.
لنا ظاهر قوله تعالى: {وفي الرقاب} (7) يقتضيه.
وأما الغارمون فهم الذين ركبتهم الديون في غير معصية الله.
وأما سبيل الله فهو الجهاد بلا خلاف، وعندنا يجوز صرفها فيما عدا ذلك مما فيه
مصلحة للمسلمين كعمارة الجسور والسبل والحج والعمرة وتكفين أموات المؤمنين، وقضاء
ديونهم (8)، خلافا لهم أيضا قالوا: لا يبنى منها مسجد ولا يكفن بها ميت ولا يشترى بها رقبة

1 - الخلاف: 2 / 37.
2 - التوبة: 60.
3 - الغنية 123.
4 - الكهف: 78.
5 - الغنية: 123.
6 - الغنية 123.
7 - البقرة: 177.
8 - الغنية 124.
142

لتعتق لأن الائتاء مأمور (1).
لنا ظاهر قوله {وفي سبيل الله} يقتضيه لأن سبيل الله هو الطريق إلى ثوابه وما أفاد
التقرب إليه، وإذا كان ما ذكرنا كذلك، جاز صرف الزكاة إليه.
وأما ابن السبيل فهو المنقطع به، وإن كان غنيا في بلده، بلا خلاف، وروي أيضا أنه
الضيف الذي ينزل بالإنسان وإن كان في بلده غنيا.
ويجب أن يعتبر فيمن يدفع الزكاة إليه من الأصناف الثمانية - إلا المؤلفة قلوبهم
والعاملين عليها - الإيمان والعدالة (2) أما الإيمان فلا خلاف فيه أنه معتبر لا تعطى كافرا وأما
العدالة فإنه لو لم يكن عادلا لكان فاسقا ولا يجوز معاونة الفساق على فسقهم قال الله تعالى:
{تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (3).
" وأن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب بما يكفيه " لقوله (عليه السلام): لا تحل الصدقة لغني ولا لذي
مرة قوي، وفي رواية أخرى ولا الذي قوة مكتسب (4).
وأن لا يكون ممن تجب على المرء نفقته، وهم الأبوان، والجدان، والولد، والزوجة، و
المملوك.
وأن لا يكون من بني هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه بدليل طريقة
الاحتياط واليقين لبراءة الذمة.
وإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكي هاشميا مثله جاز دفع
الزكاة إليه (5) خلافا لهم (6).
لنا أنه إذا لم يتمكن من أخذ الخمس كان مضطرا إلى أخذ الزكاة والضرورات تبيح
المحظورات فخرج عن عموم قوله (عليه السلام): إن الله تعالى حرم عليكم يا بني هاشم غسالة أوساخ
الناس وعوضكم [بخمس الخمس] عنها (7)، وكذا إذا كان المزكي هاشميا لأنه خرج عن
عموم (الناس) في قوله (أوساخ الناس) لأن بني هاشم هم المخاطبون والمخاطب غير المخاطب.
" ويجوز للمرأة أن تدفع الزكاة إلى زوجها الفقير العادل خلافا لأبي حنيفة ووفاقا

1 - الهداية في شرح البداية: 1 / 111.
2 - الغنية: 124.
3 - المائدة: 5.
4 - الخلاف: 4 / 231 مسألة 11.
5 - الغنية: 124.
6 - الخلاف: 4 / 232 مسألة 14.
7 - نصب الراية: 2 / 487.
143

لصاحبيه.
لنا حديث زينب (1) امرأة عبد الله بن مسعود سألت النبي (صلى الله عليه وآله) عن دفع الصدقة إليه
فقال (صلى الله عليه وآله): لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة " (2).
وللمالك أن يدفع إلى كل واحد من الأصناف [53 / أ] وله أن يصرف إلى صنف واحد
وفاقا للحنفية، وخلافا للشافعية قالوا: لا يجوز الأداء إلى صنف واحد لظاهر النص (3).
لنا أن هذا بيان للمصرف.
" وأما مقدار المعطى فأقله للفقير الواحد ما يجب في النصاب الأول، فإن كان من
الدنانير فنصف دينار، وإن كان من الدراهم [ف‍] - خمسة دراهم، وقد روي أن الأقل من
ذلك ما يجب في أقل نصاب الزكاة وذلك من الدنانير عشر مثقال، ومن الدراهم درهم
واحد (4).
فصل في ما يتعلق بالزكاة من الأحكام
يجب إخراجها على الفور، فإن أخرها من وجبت عليه لغير عذر ضمن هلاكها " (5) و
عند أبي حنيفة إذا هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت وعند الشافعي إذا هلك بعد التفريط
لا يسقط لأنه صار ضامنا كما قلنا فتعلقت بذمته وعنده أن الواجب جزء من النصاب وقد
هلك فتعذر أداء الواجب (6).
ويجب حملها إلى الإمام ليضعها مواضعها، أو إلى من نصبه لذلك، فإن تعذر وكان من
وجبت عليه عارفا بمستحقها، جاز له إخراجها إليه، وإن لم يكن عارفا به حمله إلى الفقيه
المأمون من أهل الحق (7).
وعند الشافعية يتخير بين الصرف إلى الإمام أو إلى المساكين في الأموال الباطنة، و
أيهما أولى فيه وجهان، والصرف إلى الإمام أولى في الأموال الظاهرة وهل يجب؟

1 - بنت عبد الله، وقيل بنت معاوية، وقيل بنت أبي معاوية بن عتاب بن الأسد بن عامرة. روت عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن زوجها
ابن مسعود، وروى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد الله وابن أخيها. الإصابة: 7 / 680 رقم 11251.
2 - الهداية في شرح البداية: 1 / 111.
3 - الوجيز: 1 / 295.
4 - الغنية: 125.
5 - الغنية 125.
6 - الهداية في شرح البداية: 1 / 101.
7 - الغنية: 125.
144

فيه قولان (1).
ولا يجوز لأحد سوى الإمام أو من نصبه أن يصرف شيئا من مال الزكاة إلى المؤلفة، و
لا إلى العاملين، ولا إلى الجهاد، لأن تولي ذلك مخصوص بهما، ومن يجوز له أخذها من بني
هاشم أولى بها من غيرهم، ومن لا تجب نفقته من الأقارب أولى من الأجانب، والجيران
أولى من الأباعد، وأهل البلد أولى من قطان غيره.
ومن لم يدفعها إلى من يعلمه مستحقا لها في بلده، وحملها إلى غيره، ضمن هلاكها، ولم
يضمن إذا لم يعلم، وإن حملها مع خوف الطريق بغير إذن مستحقها ضمن، ولا ضمان عليه مع
استئذانه.
ويجوز إخراجها إلى أيتام المستحق لها عند فقده.
ويجوز إخراجها قبل وقت وجوبها على جهة القرض، فإن دخل الوقت والمعطى على
حاله في الاستحقاق أجزأت عن مخرجها وإن لم يكن فلم تجزء عنه (2).
وقال الشافعي: يجوز تقديم الزكاة قبل الحول. ولا يجوز قبل كمال النصاب.
وقال أبو حنيفة: يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها (3).
فإن حال الحول وقد أيسر المعطى، فإن أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها و
لا يسترد، وإن أيسر بغيره يسترد وفاقا للشافعي.
وقال [53 / ب] أبو حنيفة: لا يسترد على حال أيسر به أو بغيره (4).
إذا دفع إليه وهو موسر في الحال ثم افتقر عند الحول جاز أن يحتسب به.
وقال الشافعي: لا يحتسب به أصلا.
لنا أن هذا المال دين عليه والمراعى في استحقاق الزكاة عند الاعطاء وفي هذه الحال هو
مستحق لها فجاز الاحتساب به. (5)
والنية شرط في الزكاة لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين
حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة} (6) والإخلاص لا يكون إلا بالنية وهو مذهب

1 - الوجيز: 1 / 296.
2 - الغنية 126.
3 - الخلاف: 2 / 43 مسألة 46.
4 - الخلاف: 2 / 43 مسألة 50.
5 - الخلاف: 2 / 46 مسألة 52.
6 - البينة: 5.
145

جميع الفقهاء. (1)
محل النية حال الإعطاء وفاقا للشافعي في أحد وجهيه والثاني يجوز أن يقدمها و
طريقة الاحتياط يقتضي ما قلناه (2).
يجوز إخراج القيمة في الزكوات كلها وفي الفطرة وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي:
لا يجوز، وإنما يخرج المنصوص عليه (3).
ومن وجب عليه سن ولم يكن عنده فإن كان عنده أعلى منها بدرجة أخذت منه و
أعطي شاتين أو عشرين درهما فضة فإن كان عنده أدنى منها بدرجة أخذت منه ومعها
شاتان أو عشرون درهما، مثال ذلك أن يجب عليه بنت مخاض وعنده ابن لبون أو تجب عليه
بنت لبون وعنده بنت مخاض وعلى هذا الحساب يؤخذ مع ما هو أعلى أو أدنى بدرجتين أو
ثلاث درجات (4)، في الوجيز: جبران كل مرتبة في السن عند فقد السن الواجب بشاتين أو
عشرين درهما، وإن رقي إلى الأكبر أخذ الجبران، وإن نزل أعطي، والخيرة في تعيين الشاة و
التسالم إلى المعطى والخيرة في الانخفاض والارتفاع إلى المالك (5).
فصل في زكاة الرؤوس
زكاة الفطرة واجبة على كل حر بالغ كامل العقل مالك لمقدار أول نصاب تجب فيه الزكاة
عنه وعن كل من يعول عنه، ذكر وأنثى، صغير وكبير حر وعبد، مسلم وكافر، قريب و
أجنبي. دليله طريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة (6).
أما الزوجة فقد وافق الشافعي في الفطرة عنها وخالف أبو حنيفة (7).
لنا ما روي عن ابن عمر أنه قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بصدقة الفطرة عن الصغير و
الكبير والحر والعبد ومن تمونون، لأنه قال: (والعبد) ولم يفصل بين المسلم والكافر (8).
وقال الشافعي: لا فطرة على المسلم في عبده الكافر خلافا لأبي حنيفة (9).

1 - الخلاف: 2 / 49 مسألة 57.
2 - الخلاف: 2 / 49 مسألة 58.
3 - الخلاف: 2 / 50 مسألة 59.
4 - الغنية: 127.
5 - الوجيز: 1 / 81.
6 - الغنية 127.
7 - الخلاف: 2 / 132 مسألة 161.
8 - الغنية 127.
9 - الخلاف: 2 / 137 مسألة 170.
146

ثم قال ومن تمونون والزوجة والضيف طول شهر رمضان كذلك.
ومقدار الواجب صاع من كل رأس من فضلة ما يقتات الإنسان، سواء كان حنطة أو
شعيرا أو تمرا أو زبيبا أو ذرة أو أرزا أو أقطا [54 / أ] وغير ذلك (1) وفاقا للشافعي وخلافا
لأبي حنيفة فإنه عنده نصف صاع من بر وصاع من شعير وزبيب (2) وفي الجامع الصغير:
نصف صاع من زبيب (3).
لنا ما روي عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) فرض صدقة الفطرة صاعا من تمر أو صاعا من
شعير أو صاعا من بر على كل حر ذكر أو أنثى، ومقدار الصاع قد بينا فيما مضى.
ويجوز إخراج القيمة.
ووقت وجوبها من طلوع الفجر من يوم العيد، إلى قبيل صلاته، (4) وقال أبو حنيفة:
عند طلوع الفجر فمن مات قبله لم تجب فطرته ومن أسلم أو ولد بعد طلوعه تجب فطرته و
عند الشافعي المعتبر عند غروب الشمس من آخر يوم رمضان (5).
ووقت زكاة الفطرة قبل صلاة العيد فإن أخرجه بعده كان صدقة، وإن أخرجها من
أول الشهر كان جايزا، ومن أخرج بعد ذلك أثم، ويكون قضاء. وبه قال الشافعي. وقال أبو
حنيفة: يجوز أن يخرجها قبله، ولو بسنتين (6).
تجب زكاة الفطر على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة، أو قيمة نصاب. وفاقا لأبي حنيفة
وأصحابه. وقال الشافعي: إذا فضل صاع عن قوته وقوت عياله يوما وليلة وجب عليه
ذلك.
لنا أن الأصل براءة الذمة، وقد أجمعنا على أن من ذكرناه تلزمه الفطرة، ولا دليل على
وجوبها على من قالوا. (7)
إذا ولد له مولود ليلة العيد، روي أنه تلزمه فطرته. وروي أنه لا تلزمه.
وكذلك إن تزوج امرأة أو ملك عبدا أو أسلم كافر قبل طلوع الفجر بلحظة ثم طلع
فعليه فطرته وإن ماتوا بعد طلوعه فلا شئ عليه وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي

1 - الغنية 127.
2 - الخلاف: 2 / 148 مسألة 187.
3 - الجامع الصغير 136.
4 - الغنية 127.
5 - الخلاف: 2 / 139 مسألة 173.
6 - الخلاف: 2 / 155 مسألة 198.
7 - الخلاف: 2 / 146 مسألة 183.
147

في الجديد: تجب بغروب الشمس في آخر يوم رمضان، فإن ماتوا قبل الغروب فلا فطرة. (1)
إذا كان العبد بين شريكين فعليهما فطرته بالحصة، وكذا لو كان بينهما ألف عبد وفاقا
للشافعي خلافا لأبي حنيفة: فإنه قال سقطت الفطرة، ولو كان بينهما ألف عبد مشاعا فلا
فطرة.
لنا عموم الأخبار في إخراج الفطرة عن العبد. (2)
لا يجزئ في الفطرة الدقيق والسويق إلا على وجه القيمة وعند الشافعي لا يجزيان
أصلا. وعند أبي حنيفة كل واحد منهما يجزئ أصلا كالبر.
لنا أن الأخبار تضمنت الحب ولم تتضمن الدقيق والسويق فما خالفها وجب
اطراحه (3).
إذا كان قوته حنطة جاز أن يخرج شعيرا وفاقا لأحد قولي الشافعي والثاني لا يجزءه.
لنا [54 / ب] أن الأخبار الواردة تتضمن التخيير (4) فيكون مخيرا.
" مصرف زكاة الفطرة هو مصرف زكاة الأموال ".
والأصناف الموجودة في الزكاة، اليوم خمسة: الفقير، والمسكين، والغارم، وفي سبيل
الله وابن السبيل. ويجوز أن يخص فريقا دون فريق وفاقا لأبي حنيفة وزاد بأن قال: إن خص
بها أهل الذمة جاز (5).
والصاع المعتبر في الفطرة أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالعراقي، يكون تسعة
أرطال. وعند الشافعي رطل وثلث، يكون خمسة أرطال وثلث، وعند أبي حنيفة رطلان،
يكون ثمانية أرطال. (6)
فصل
وأما المسنون من الزكاة ففي أموال التجارة إذا طلبت برأس المال أو الربح.
وفي كل ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن، سوى ما قدمناه، أن الزكاة واجبة فيه.
وفي الحلي والسبائك من الذهب والفضة، إذا لم يفر بذلك من الزكاة.

1 - الخلاف: 2 / 139 مسألة 173.
2 - الخلاف: 2 / 140 مسألة 174.
3 - الخلاف: 2 / 151 مسألة 191.
4 - الخلاف: 2 / 153 مسألة 195.
5 - الخلاف: 2 / 154 مسألة 196.
6 - الخلاف: 2 / 156 مسألة 199.
148

والمال الغائب الذي لا يتمكن مالكه من التصرف فيه، إذا قدر على ذلك، وقد مضى
عليه حول أو أحوال.
والمال الصامت لمن ليس بكامل العقل إذا اتجر به الولي نظرا لهم.
وفي الإناث من الخيل في كل رأس من العتاق ديناران، ومن البراذين دينار واحد.
وشرائط الاستحباب مثل شرائط الوجوب، ويسقط في الخيل اعتبار النصاب، و
المقدار المستحب إخراجه، مثل المقدار الواجب، إلا في الخيل.
ويستحب إخراج الفطرة لمن لا يملك النصاب، دليل ذلك كله إجماع الإمامية (1) وفيه
الحجة.
" أما أموال التجارة، فلا تجب فيها الزكاة لأنه لا دليل على وجوبها فيها والأصل براءة
الذمة، وعند الحنيفة تجب فيها الزكاة بعد أن تبلغ قيمتها نصابا من الورق والذهب كاملا في
طرفي الحول، ونقصانه في خلال الحول لا يضر، ووافقهم الشافعية في وجوب الزكاة فيها " (2)
ومن أوجب الزكاة فيها من أصحابنا قال تتعلق بالقيمة وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة
تتعلق بالسلعة، فإن أخرج العرض فقد أخرج الأصل الواجب، فإن عدل إلى القيمة فقد
عدل إلى البدل. (3)
وأما ما يخرج من الأرض مما يكال أو يوزن سوى ما ذكرناه فلا يجب فيه الزكاة خلافا
لهم. بدليل ما قدمناه من أن الأصل براءة الذمة وشغلها بالواجب يحتاج إلى دليل قاطع و
لا دليل فبقي على الأصل (4).
وأما الحلي فعلى ضربين: مباح، وغير مباح، فغير المباح أن يتخذ الرجل لنفسه حلي
النساء كالسوار، والخلخال، والطوق. وأن تتخذ المرأة [55 / أ] لنفسها حلي الرجال
كالمنطقة، وحلية السيف فهذا عندنا لا زكاة فيه، لأنه مصاغ، لا من حيث كان حليا. وخالف
جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: فيه زكاة.
وأما المباح، فأن تتخذ المرأة لنفسها حلي النساء، والرجل لنفسه حلي الرجال
كالسكين، والمنطقة، وعندنا لا زكاة فيه أيضا.

1 - الغنية 128.
2 - الخلاف: 2 / 91 مسألة 106 و 118.
3 - الخلاف: 2 / 95 مسألة 109.
4 - الخلاف: 2 / 61 مسألة 74.
149

وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه والثاني فيه زكاة. (1)
أواني الذهب والفضة محرم اتخاذها واستعمالها، غير أنه لا تجب فيها الزكاة.
وقال الشافعي: حرام استعمالها وأما اتخاذها فعلى قولين: أحدهما مباح، والآخر
محظور وتجب فيها الزكاة (2).
في الوجيز: أما الذهب، فأصله على التحريم للرجال ولا يحل منه إلا تمويه لا يحصل منه
الذهب أو اتخاذ أنف لمن جدع أنفه وأما الفضة فحلال للنساء ولا يحل للرجل إلا التختم بها و
تحلية آلات الحرب (3).
وفي الهادي: يحرم اتخاذ أسنان الخاتم من الذهب.

1 - الخلاف: 2 / 87 مسألة 102.
2 - الخلاف: 2 / 90 مسألة 104.
3 - الوجيز: 1 / 94.
150

الخمس
فصل [في الخمس]
واعلم أن مما يجب في الأموال الخمس، فالذي يجب فيه الغنائم الحربية، والكنوز، و
معادن الذهب والفضة، بلا خلاف (1).
وكل ما يخرج من البحر من لؤلؤ ومرجان وزبرجد، أو در أو عنبر أو ذهب أو فضة
ففيه الخمس إلا السمك وما يجري مجراه. وكذا الحكم في الفيروزج والياقوت والعقيق و
غيره من الأحجار خلافا للشافعي في جميع ذلك إلا الذهب والفضة، فإن فيه الزكاة ولأبي
حنيفة أيضا (2).
والمعادن كلها يجب فيه الخمس من الذهب، والفضة، والحديد، والصفر، والنحاس،
والرصاص ما ينطبع وما لا ينطبع، كالياقوت، والزبرجد، والفيروزج، ونحوها، وكذلك
القير، والموميا، والملح، والزجاج، وغيره.
وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شئ إلا في الذهب والفضة فإن فيهما الزكاة وما
عداهما ليس فيه شئ، انطبع أو لم ينطبع.
وقال أبو حنيفة: كل ما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضة ففيه الخمس،
وما لا ينطبع فليس فيه شئ مثل الياقوت والزمرد والزبرجد فلا زكاة فيه لأنه حجارة وفي
الزئبق الخمس. وروي عن أبي حنيفة أنه قال: لا شئ فيه. وقال أبو يوسف: قلت له: أنه

1 - الغنية 128.
2 - الخلاف: 2 / 90 مسألة 105.
151

كالرصاص، فقال: فيه الخمس (1).
لنا في جميع ما قلنا بوجوب الخمس فيه ظاهر قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه} (2) وهذه الأشياء إذا أخذها الإنسان كانت غنيمة، وقد [55 / ب]
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " في الركاز الخمس، فقيل: يا رسول الله وما الركاز؟ فقال (صلى الله عليه وآله): الذهب
والفضة اللذان خلقهما الله تعالى في الأرض يوم خلقها " وهذه صفة المعادن (3).
وفي المعادن، إذا كانت من النقدين الخمس عند الشافعي في قول آخر، وفي قول ثالث:
يلزمه الخمس إن كان ما ناله كثيرا بالإضافة إلى عمله، وإن لم يكثر فربع العشر والنصاب
معتبر والحول، لا، والركاز عنده ما يوجد في الأرض من النقدين.
ويشترط كونه على ضرب الجاهلية، فإن كان على ضرب الإسلام فلقطة، وقيل مال
ضائع يحفظه الإمام، وإن لم يكن عليه أثر كالأواني والحلي فهو ركاز على وجه ولقطة على
وجه.
ويشترط أن يوجد في موضع مشترك كموات وشارع، وما يوجد في ملك نفسه الذي
أحياه ملكه وعليه الخمس، هذا مذكور في الوجيز (4).
ويجب الخمس أيضا في الفاضل عن مؤنة السنة على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة
أو زراعة أو صناعة وغير ذلك من وجوه الاستفادة، وفي المال الذي لم يتميز حلاله من
حرامه، وفي الأرض الذي ابتاعه الذمي من مسلم بدليل إجماع الإمامية.
ووقت وجوب الخمس حين الاستفادة.
ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة، وفي المأخوذ بالغوص بلوغ
قيمة دينار وصاعدا.
والكنز يجب فيه الخمس، ويكون الباقي لمن وجده، إذا وجد في دار الحرب على كل
حال، وكذا إن وجد في دار الإسلام في المباح من الأرض، وفيما لا يعرف له مالك من الديار
الدارسة، فإن وجد في ملك مسلم أو ذمي وجب تعريفه منه، فإن عرفه أخذه، وإن لم يعرفه و
كان عليه سكة الإسلام، فهو بمنزلة اللقطة، وإن لم يكن كذلك، كان بعد إخراج الخمس لمن

1 - الخلاف: 2 / 116 مسألة 138.
2 - الأنفال: 41.
3 - الخلاف: 2 / 116 مسألة 138، الغنية: 129.
4 - الوجيز: 1 / 97.
152

وجده دليله إجماع الإمامية أيضا.
والخمس يقسم على ستة أسهم: ثلاثة منها للإمام القائم بعد النبي مقامه، وهي سهم الله
وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهو الإمام، وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل، ممن
ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر وعقيل (1) والعباس رضي الله عنهم، لكل صنف منهم
سهم يقسمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم للسنة على الاقتصاد، ولا بد فيهم من اعتبار
الإيمان أو حكمه.
وليس لأحد أن يقول إن ذلك مخالف لظاهر قوله تعالى: {ولذي القربى واليتامى
والمساكين وابن السبيل} (2) لأنا نخص ذلك بالدليل، وهذه الآية مخصوصة بلا خلاف،
لأن [56 / أ] ذي القربى مخصوص بقربى النبي، واليتامى والمساكين وابن السبيل معطوف
عليه فيكون حكمها حكمه وذوي القربى هو الإمام لأنه لفظ توحيد ولو أراد الجمع لقال (و
لذوي القربى) (3) والألف واللام في القربى بدل من المضاف إليه الذي هو الضمير الراجع إلى
الرسول أي ولذي قرباه.
مصرف الخمس مطلقا هؤلاء المذكورون في الآية.
" وقال أبو حنيفة: مصرف الخمس من الركاز والمعادن مصرف الفئ.
وقال الشافعي: وأكثر أصحابه مصرفهما مصرف الزكوات (4).
لنا ظاهر الآية المذكورة لأن مصرفه معين فيها ومن خالف وتجاوز عنها فعليه الدليل.

1 - عقيل بن أبي طالب، أبو يزيد، أعلم قريش بالنسب وأعلمهم بأيامها روى عنه ابنه محمد، والحسن البصري توفي في
خلافة معاوية. أسد الغابة: 3 / 560 رقم 3726.
2 - الأنفال: 41.
3 - الغنية: 129 - 130.
4 - الخلاف: 2 / 124 مسألة 152.
153

الصوم
كتاب الصوم
الصوم على ثلاث أضرب: واجب ومندوب ومحظور.
فالواجب على ضربين: أحدهما يجب مطلقا من غير سبب، والثاني يجب عند السبب.
فالأول صوم شهر رمضان، وشروطه على ضربين: أحدهما يشترك فيه الوجوب و
صحة الأداء، والثاني يختص [ب‍] - صحة الأداء.
فالأول: البلوغ وكمال العقل والسلامة من المرض والكبر والسفر ودخول الوقت.
والثاني: الإسلام والنية والطهارة من الجنابة، على تفصيل نذكره، ومن الحيض و
الاستحاضة المخصوصة والنفاس.
وعلامة دخوله رؤية الهلال، وبها يعلم انقضاؤه (1).
أما الإسلام، فهو شرط صحة الأداء لا شرط الوجوب لأن الكافر يجب عليه الصلاة و
الصيام وغيرهما من العبادات غير أنه لا يصح منه مع وجود الكفر.
وأما النية فقد وافقنا فيها الشافعي وهي تتعلق بكراهة المفطرات التي نذكرها من
حيث كانت إرادة، والإرادة لا تتعلق إلا بحدوث الفعل وليس إلا كراهة المفطرات.
" ووقت النية من أول الليل إلى طلوع الفجر، ويتضيق عند طلوع الفجر.
وقال الشافعي قبل طلوع الفجر الثاني لا يجوز أن يتأخر عنه (2).
وعند الحنفية أن الصوم الواجب ضربان: ضرب منه ما يتعلق بزمان معين كصوم

1 - الغنية 131.
2 - الخلاف: 2 / 166 مسألة 5.
154

رمضان والنذر المعين فيجوز صومه بنية من الليل وبنية من النهار إلى وقت الزوال خلافا لنا
وللشافعي (1).
لنا ما مضى في وجوب النية في الطهارة والصلاة وغيرهما وقوله (صلى الله عليه وآله): (لا صيام لمن لم
ينو الصيام من الليل) وفي رواية أخرى: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) فإنما سقط
وجوب المقارنة هاهنا رفعا للحرج وقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (2) ولم
يذكر مقارنة النية.
ويجوز لمن فاتته ليلا تجديدها إلى قبل الزوال يدل عليه ما روي من أنه (صلى الله عليه وآله) بعث إلى
أهل السواد في يوم عاشوراء فقال: من لم يأكل فليصم ومن أكل فليمسك بقية يومه وكان
صوم عاشوراء واجبا وقوله (صلى الله عليه وآله): لا صيام لمن لم يبيت الصيام بالليل محمول على أنه ترك
النية بالليل عامدا.
وأما صوم النفل [56 / ب] فيجوز له النية قبل الزوال وفاقا للشافعي وأبي حنيفة و
بعد الزوال أيضا خلافا له في أحد قوليه (3).
لنا قوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} (4) يتناول ما قبل الزوال، وما روي أنه (عليه السلام)
كان يدخل على بعض نسائه فقال هل بات عندكن طعام؟ فإن قلن نعم أكل وإن قلن لا
فقال (عليه السلام) إذا لصائم، وليس لأحد من المخالفين أن يقول: كيف تؤثر النية المتأخرة فيما مضى من
النهار خاليا منها؟ لأن ما مضى يلحق في الحكم بما يأتي، كما يقوله الأكثر منهم فيمن نوى
التطوع قبل الزوال، وليس لهم أن يقولوا: قبل الزوال مضى أقل العبادة وليس كذلك بعد
الزوال لأن النية إذا أثرت فيما مضي خاليا منها فلا فرق بين الأقل والأكثر، ولا يلزم جواز
النية في آخر جزء من اليوم، لأنها يجب أن تكون بحيث يصح وقوع الصوم بعدها.
ونية القربة تجزئ في صوم شهر رمضان، ولا يفتقر إلى نية التعيين (5).
وإن كان النذر متعينا بيوم يحتاج إلى نية متعينة.
وأما الصوم الواجب في الذمة مثل قضاء رمضان، أو النذر غير المتعين، فلا بد فيه من
نية التعيين ونية القربة تكفي وهي أن ينوي متقربا به إلى الله تعالى، [و] إن أراد الفضل ينوي

1 - الهداية في شرح البداية: 1 / 116.
2 - البقرة: 185.
3 - الخلاف: 2 / 167 مسألة 6.
4 - البقرة: 184.
5 - الغنية 137.
155

أنه يصوم غدا من رمضان فريضة (1).
وقال الشافعي: في جميع ذلك لا بد فيه من نية التعيين، وإن نوى من غيره كالقضاء و
النذر والتطوع لم يقع عن رمضان.
وقال أبو حنيفة: إن كان الصوم في الذمة، مثل قولنا.
وإن كان متعلقا بزمان بعينه كالنذر وشهر رمضان، فإن كان حاضرا لم يفتقر إلى نية
التعيين فإن نوى تطوعا أو غيره وقع عن رمضان فإن كان مسافرا ونوى مطلقا وقع أيضا عن
رمضان، فإن نوى نذرا أو كفارة وقع عما نوى له وإن نوى نفلا ففيه روايتان عنه أحدهما: أنه
وقع عما نوى والثاني عن رمضان وقال أبو يوسف ومحمد: عن أي شئ نوى وقع عن رمضان
سفرا كان أو حضر.
لنا قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أمر بالإمساك فيه ومن أمسك مع
نية القربة فقد امتثل الأمر وأتى بالمأمور به فيجب أن يجزيه (2).
وأيضا فنية التعيين يفتقر إليها في زمان الصوم الذي يصح أن يقع الصوم فيه على
وجهين، كصوم الواجب في الذمة مثل صوم القضاء والنذر غير المتعين والنفل، وأما شهر
رمضان فلا يصح أن يقع الصوم فيه إلا عن الشهر، فلا يحتاج إلى نية التعيين.
لنا والنية الواحدة في أول الشهر تكفي لجميعه، وتجديدها لكل يوم أفضل (3) خلافا
لهم (4).
أن حرمة الشهر واحدة فأثرت في جميعه النية الواقعة في ابتدائه، كما أثرت في جميع
اليوم إذا وقعت في ابتدائه (5).
وأما علامة دخوله [وهي] رؤية الهلال، فلا خلاف فيه ممن يعتد به، وهم! قوم (6) من
أصحابنا اعتبروا العدد دون الرؤية، وتركوا ظواهر القرآن والمتواتر [57 / أ] من [الروايات]
أصحابنا، وعولوا على ما لا يجوز الاعتماد عليه من أخبار آحاد شاذة ومن الجدول الذي

1 - الخلاف: 2 / 164 مسألة 4.
2 - الخلاف: 2 / 164 مسألة 4.
3 - الغنية 137 - 138.
4 - الخلاف: 2 / 163 مسألة 3.
5 - الغنية 138.
6 - كذا في النسخة، والظاهر أنه سقط منها شئ، وفي الخلاف: 2 / 169 مسألة 8: وذهب قوم من أصحابنا إلى القول
بالعدد... وفي الغنية ص 131: وعلامة دخوله أعني الشهر رؤية الهلال وبها يعلم انقضاؤه بدليل الإجماع من الأمة
بأسرها... إلى أن حدث خلاف قوم من أصحابنا فاعتبروا العدد...
156

وضعه عبد الله بن معاوية (1)، ونسبه إلى الصادق (عليه السلام)، وهو مقدوح في عدالته بما هو مشهور،
من سوء طريقته، مطعون في جدوله لما تضمنه من قبيح مناقضته، وقوله تعالى: {يسألونك
عن الأهلة، قل هي مواقيت للناس والحج} (2) نص صريح بأن الأهلة هي الدالة على
أوائل الشهر، وقوله (عليه السلام): صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين (3).
وإذا رئي الهلال قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة وفاقا لجميع الفقهاء. وذهب
قوم من أصحابنا إلى أنه إن رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن رأى بعده فهو لليلة
المستقبلة وبه قال أبو يوسف.
لنا قوله (عليه السلام): إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، وهذا رآه بالنهار، فينبغي أن
يكون صومه وفطره من الغد، لأنه إن صام ذلك اليوم يكون قد صام قبل رؤية الهلال (4)، و
كذا قوله: (صوموا لرؤيته) ظاهر الاستعمال يدل على أن الصوم بعد الرؤية. كما دل قوله تعالى:
{أقم الصلاة لدلوك الشمس} (5) أن الصلاة بعد الدلوك.
ويقوم مقام رؤية الهلال شهادة عدلين مع وجود العوارض من غيم أو غيره.
وأما مع انتفائها فشهادة خمسين (6) أو اثنان من خارج البلد.
وللشافعي قولان: أحدهما اعتبار الشاهدين سواء كان صحوا أو غيما، والآخر: أنه
يقبل شهادة واحد وعليه أكثر أصحابه، خلاف هلال شوال.
وقال أبو حنيفة: إن كان يوم غيم قبلت شاهدا واحدا، وإن كان صحوا لم يقبل إلا
التواتر فيه والخلق العظيم (7).
وإن فقد الأمران وجب تكميل عدة شعبان ثلاثين يوما، ثم الصوم بنية الفرض
لقوله (عليه السلام): (فإن غمت عليكم فعدوا ثلاثين يوما)، وقوله (عليه السلام): (فإن شهد ذوا عدل فصوموا
وأفطروا) يدل على أن شهادة الواحد لا تقبل.
ولا تقبل في ذلك شهادة النساء (8)، وعند أبي حنيفة تقبل قالوا: لأن النبي قبل شهادة

1 - عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. أنظر ترجمته في الأغاني: 12 / 422 - 430.
2 - البقرة: 189.
3 - الغنية 131 - 132.
4 - الخلاف: 2 / 171 مسألة 10.
5 - الإسراء: 78.
6 - الغنية 134 - 135.
7 - الخلاف: 2 / 172 مسألة 11.
8 - الغنية 135.
157

الأعرابي برؤية الهلال رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا لأنه شهادة على نفسه (1).
ويستحب صوم يوم الشك بنية أنه من شعبان، لأنه إن كان من رمضان أجزأه عندنا
عن الفرض، وإن كان من شعبان أحرز الأجر، وقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} يدل
على جواز صوم يوم الشك بنية الاستحباب لأنه عام لا يخرج من ظاهره إلا ما أخرجه دليل
قاطع، وأيضا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما
من رمضان، وأيضا فإنه يوم في الحكم من شعبان لقوله (صلى الله عليه وآله): فإن غم عليكم فعدوا شعبان
ثلاثين.
وما روي من النهي عن صوم يوم الشك فهو من أخبار الآحاد، ثم [57 / ب] إنا نحمله
على النهي عن صومه بنية أنه من رمضان، كما حمله الشافعي على النهي عن صومه منفردا مما
قبله فيمن من لم يكن له عادة أو نذر، وحمله أبو حنيفة على ما إذا لم ينو به التطوع (2).
في الوجيز: صوم يوم الشك صحيح إن وافق [نذرا أو] وردا أو قضاء، وإن لم يكن له
سبب فهو منهي. وفي صحته وجهان، كالصلاة في الأوقات المكروهة.
ويوم الشك أن يتحدث برؤية الهلال من لا يثبت الهلال بشهادته كالعبيد والفساق (3)،
وذهب الشافعي إلى أنه يكره إفراده بصوم التطوع من شعبان أو صيامه احتياطا لرمضان فلا
يكره إذا كان متصلا بما قبله من صيام الأيام وكذا إذا وافق عادة أو نذرا، وقالت
عائشة (رض) وأختها أسماء لا يكره بحال (4) وما يفسد الصوم فيه على ضربين:
أحدهما: يوجب مع القضاء الكفارة.
والثاني: لا يوجبها.
فالأول ما يصل إلى جوف الصائم، مع ذكره الصوم منه عن عمد منه واختيار، سواء
كان بأكل، أو شرب، أو شم، أو ازدراد بما لا يؤكل في العادة، أو حقنة في مرض لا يلجأ إليها.
وأن يحصل جنبا في نهار الصوم، مع الشرط الذي ذكرنا كان ذلك بجماع أو غيره، و
سواء كان مبتدأ بذلك، أو مستمرا عليه عامدا من الليل، ويجري مجرى ذلك إدراك الفجر
جنبا بعد الانتباه مرتين، وترك الغسل من غير ضرورة.

1 - الهداية في شرح البداية: 1 / 119.
2 - الغنية 135 - 136.
3 - الوجيز: 1 / 103.
4 - الخلاف: 2 / 170 مسألة 9.
158

وتعمد الكذب على الله، وعلى رسوله، وأحد الأئمة.
وتعمد الارتماس في الماء إن كان رجلا وإن كان امرأة فجلوسها فيه إلى وسطها (1).
في الوجيز: الكفارة واجبة على كل من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به
لأجل الصوم، فلا يجب على الناسي إذا جامع لأنه لم يفطر على الصحيح، ولا على المرأة
لأنها أفطرت بوصول أول جزء من الحشفة إلى باطنها، ثم الصحيح أن الوجوب لا يلاقيها، و
قيل يلاقيها، والزوج يحمل، ولا كفارة على من أفطر بغير جماع من الأكل ومقدمات الجماع،
وتجبه بوطئ البهيمة والإتيان في غير المأتي وعلى من جامع مرارا كفارات وهذه الكفارة
مرتبة ككفارة الظهار (2).
في النافع للحنفية: الصوم هو الإمساك عن الأكل والمباشرة نهارا مع النية لقوله تعالى:
{فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (3) عرفه بالألف واللام
فينصرف إلى الصيام [58 / أ] عن هذه الأشياء المذكورة فإن أكل أو جامع ناسيا لم يفطر
لقوله (عليه السلام) للرجل: تم على صومك فإنما أطعمك الله وسقاك الله.
فإن قاء فلا شئ عليه وإن استقاء فعليه القضاء لحديث أبي هريرة يرفعه: من قاء فلا
شئ عليه ومن استقاء فعليه القضاء.
ولو نظر إلى امرأة فأمنى فلا شئ، فإن قبل أو لمس بشهوة فأنزل فعليه القضاء، و
لا بأس بالقبلة إذا أمن على نفسه لحديث عائشة قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبل بعض نسائه و
هو صائم.
ومن ابتلع حصاة أو نواة أو غيرهما مما ليس بطعم أفطر لوجود الأكل ولا كفارة لأنه
ليس في معنى ما ورد بهما النص بإيجاب الكفارة.
ومن جامع عامدا في أحد السبيلين أو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى فعليه
القضاء والكفارة، أما القضاء فلأنه إذا وجب على المعذور إذا أفطر فعلى غير المعذور أولى،
وأما الكفارة فلحديث الأعرابي في الوقاع لأنه مفسد للصوم لا لأنه وقاع وقد وجد

1 - الغنية 138.
2 - الوجيز: 1 / 104.
3 - البقرة: 187.
159

الإفطار الكامل في الأكل والشرب لوجود صورته ومعناه.
ولو جامع بهيمة فأنزل فعليه القضاء لكمال المباشرة ولا كفارة لأنه دون الجماع الذي
يتعلق به الكفارة.
ولو احتقن أو استعط أو أقطر في أذنه فوصل إلى جوفه أو دماغه أفطر وفي السرائر
تصنيف ابن إدريس: قال الشيخ في نهايته: شم الرائحة الغليظة التي تصل إلى الجوف يوجب
القضاء والكفارة (1).
وقال المرتضى: قال قوم في تعمد الكذب على الله أو رسوله والأئمة والارتماس و
الحقنة، وتعمد القئ، والسعوط، وبلع ما لا يؤكل، أنه يوجب القضاء والكفارة وقال قوم: إنه
ينقض الصوم ولم يبطله وهو الذي يقوي في نفسي وقال في الحقنة وما يتيقن وصوله إلى
الجوف واعتماد القئ وبلع الحصاة أنه يوجب القضاء من غير كفارة وقال وروي أن من تعمد
البقاء على الجنابة عليه القضاء والكفارة وروي أن عليه القضاء فحسب وهو الذي يقوى في
نفسي.
وشيخنا أبو جعفر في استبصاره لم يوجب الكفارة بالارتماس (2).
وقال في مبسوطه: يجب بالارتماس الكفارة، فأما تعمد الكذب على الله أو رسوله أو
على الأئمة (عليهم السلام)، فقال في مبسوطه: وفي أصحابنا من قال: لا يفطر (3).
وأما غبار النفض فيقوي في نفسي أنه يوجب القضاء دون الكفارة لأن القضاء مجمع
عليه والكفارة فيها خلاف والأصل براءة الذمة.
وأما تعمد البقاء على الجنابة فالأقوى وجوب القضاء والكفارة وكذلك تعمد
القئ والسعوط وتقطير الدهن في الأذن فقال في مسائل [58 / ب] خلافه: إذا أتى
بهيمة ولم يمن فليس فيه نص لكن الذي يقتضي المذهب أن عليه القضاء، لأنه لا خلاف
فيه. (4)
والأصح أن لا قضاء ولا كفارة، لنا في وجوب الكفارة في غير الجماع ما روي من
قوله (عليه السلام): (من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر)، ولم يفصل، وما روي من أن رجلا قال:

1 - النهاية: 1 / 296.
2 - السرائر: 1 / 375 - 380.
3 - المبسوط: 1 / 270.
4 - الخلاف: 2 / 191 مسألة 42.
160

يا رسول الله إني أفطرت في رمضان. فقال: أعتق رقبة، ولم يفصل أيضا.
وفي الفطر بالبقاء على الجنابة ما روي عن أبي هريرة من قوله: من أصبح جنبا فلا صوم
له، ما أنا قلته قاله محمد ورب الكعبة.
والكفارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، مخير في ذلك،
دليل التخيير ما رواه أبو هريرة أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعتق
رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا (1).
ومن أصحابنا من روى أنها على الترتيب وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي له‍ [- م]
ما روي من قوله (عليه السلام): من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر، وكفارة الظهار على الترتيب،
فإن رجحنا الترتيب فبطريقة الاحتياط وإن رجحنا التخيير فإن الأصل براءة الذمة (2).
ويجزئ في الكفارة أي رقبة كانت، إلا في القتل الخطأ، فإنه لا يجزئ إلا المؤمنة، وفاقا
لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: لا يجزئ إلا المؤمنة، لنا الظواهر التي وردت في
وجوب عتق رقبة غير مقيدة بالإيمان والأصل براءة الذمة. (3)
والضرب الثاني الذي يوجب القضاء وحده، إدراك الفجر لمن نام جنبا بعد الانتباه
مرة واحدة، والحقنة والسعوط في المرض المحوج إليه، وتعمد القئ، وبلع ما يحصل في الفم و
الحلق منه إذا ذرعه، ووصول الماء إلى الجوف بالمضمضة، والاستنشاق للتبرد، وتناول ما
يفطر مع الشك في دخول الليل ولم يكن داخلا، أو طلوع الفجر ويكون طالعا ولإخبار الغير
بأنه لم يطلع ويكون طالعا، دليله قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} وقوله تعالى:
{فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} (4) وهذا لم يصم إلى
الليل وأفطر وتبين له الفجر فوجب عليه القضاء.
وكذا يجب القضاء السفر المشروع المذكور، والمرض الذي لا يستطاع معه الصوم، أو
يستطاع بمشقة تظهر لها الزيادة في المرض لقوله تعالى: {ومن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر} (5) لأنه سبحانه علق القضاء بنفس السفر والمرض، ومن أضمر في
الآية [59 / أ] فعليه الدليل والأصل عدم الإضمار (6).

1 - الغنية 138 - 139.
2 - الخلاف: 2 / 186 مسألة 32.
3 - الخلاف: 2 / 186 مسألة 33.
4 - البقرة: 187.
5 - البقرة 184.
6 - الغنية: 139 - 140.
161

فصل في تفصيل هذه المسائل وذكر الخلاف فيها
من رأى الهلال وحده وجامع في نهاره فعليه القضاء والكفارة وفاقا للشافعي وخلافا
لأبي حنيفة في الكفارة.
لنا عموم الأخبار المتضمنة لوجوب الكفارة على من أفطر يوما من رمضان وهذا
منه (1).
ومن أصبح جنبا متعمدا من غير عذر بطل صومه وعليه القضاء والكفارة خلافا
لجميع الفقهاء فإنهم قالوا لا قضاء ولا كفارة، لنا ما روي عن أبي هريرة أنه قال: من أصبح
جنبا فلا صوم له، ما أنا قلته قاله محمد ورب الكعبة (2)، أيضا ولا فرق بين من جامع نهارا و
بين من أصبح جنبا متعمدا في هتك حرمة الشهر فيجب أن يكون عليه الكفارة كما تجب على
من جامع نهارا بالاتفاق (3).
ومن أكره زوجته على الجماع قهرا لم تفطر وعليه كفارتان. وللشافعي قولان في لزوم
كفارة أو كفارتين، وفي إفطارها وجهان، ولا كفارة عليها قولا واحدا (4) لنا قوله (عليه السلام): رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وهي مستكرهة فيكون مرفوعا عنها الحكم.
" ومن شك في طلوع الفجر أو غروب الشمس فأكل ثم تبين الطلوع والغروب كان
عليه القضاء وفاقا لجميع الفقهاء وقال الحسن لا قضاء عليه " (5).
ومن ظن أن الوقت باق فجامع فطلع الفجر نزع، وكان عليه القضاء دون الكفارة، و
قال الشافعي: إذا وقع النزع والطلوع معا فلا قضاء ولا كفارة. وبه قال أبو حنيفة (6)، لنا
طريقة الاحتياط تقتضي القضاء واليقين لبراءة الذمة.
إذا خرج من بين أسنانه ما يمكنه التحرز منه، فابتلعه عامدا كان عليه القضاء. وفاقا
للشافعي. وقال أبو حنيفة: لا قضاء عليه، لنا أنه ابتلع ما يفطر، فوجب أن يفطره، وأيضا
فإنه أكل وهو ممنوع من الأكل. (7)
غبار الدقيق والنفض الغليظ حتى يصل إلى الحلق يفطر، ويجب منه القضاء، والكفارة

1 - الخلاف: 2 / 205 مسألة 60.
2 - الخلاف: 2 / 174 مسألة 13.
3 - الخلاف: 2 / 181 مسألة 25.
4 - الخلاف: 2 / 183 مسألة 27.
5 - الخلاف: 2 / 174 مسألة 14.
6 - الخلاف: 2 / 175 مسألة 15.
7 - الخلاف: 2 / 176 مسألة 16.
162

خلافا لجميع الفقهاء فإنهم قالوا لا قضاء ولا كفارة، لنا الأخبار الواردة في ذلك وطريقة
الاحتياط (1) وأنه تعمد وصول الغبار إلى حلقه فيجب عليه القضاء والكفارة " إذا انفصل
الريق من فمه ثم أعاده وابتلعه أفطر وفاقا للشافعي، وإذا جمعه في فيه ثم بلعه لا يفطر خلافا له
في أحد وجهيه. وكذا القول في النخامة. لنا أن الشرع لا يدل على أن ما ذكره يفطر " (2) و
لا يحكم بإفساد إلا بدليل.
" إذا تقيأ متعمدا وجب عليه القضاء وإن ذرعه فلا قضاء عليه وفاقا للشافعي وأبي
حنيفة " (3).
الكفارة لا تسقط قضاء الصوم الذي أفسده بالجماع خلافا للشافعي في أحد قوليه فإنه
قال: يسقط (4)، لنا أنه فسد صومه والصوم الفاسد لا بد له من قضاء ومن ادعى أن الكفارة
تسقطه فعليه الدليل.
إذا عجز عن الكفارة بكل حال يسقط عنه فرضها، واستغفر الله، ولا شئ عليه، خلافا
للشافعي في أحد قوليه وهو أنه لا يسقط ويكون في ذمته أبدا إلى أن يخرج، وهو الذي
اختاره أصحابه. (5)
إذا أدخل في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة وفاقا للشافعي وخلافا لأبي
حنيفة فإنه قال عليه القضاء دون الكفارة.
لنا أن من أدخل في دبر غلام وجب عليه الحد لما رواه ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه، وكل من أوجب عليه الحد أوجب عليه القضاء
والكفارة. (6)
إذا أتى بهيمة فأمنى فعليه القضاء والكفارة، فإن لم يمن فالمذهب يقتضي أن عليه
القضاء، لأنه لا خلاف فيه، وأما الكفارة فالأصل براءة الذمة منها ويجب عليه التعزير. و
قال أبو حنيفة: لا حد ولا غسل ولا كفارة. وللشافعي قولان: أحدهما يجب عليه الحد إن كان
محصنا الرجم، وإن كان غير محصن فالحد. والآخر: القتل على كل حال مثل اللواط. ومن
أصحابه من قال بمثل ما قلناه. (7)

1 - الخلاف: 2 / 177 مسألة 17.
2 - الخلاف: 2 / 177 مسألة 18.
3 - الخلاف: 2 / 178 مسألة 19.
4 - الخلاف: 2 / 184 مسألة 29.
5 - الخلاف: 2 / 184 مسألة 30.
6 - الخلاف: 2 / 190 مسألة 41.
7 - الخلاف: 2 / 191 مسألة 42.
163

إذا وطأ في يوم فعليه الكفارة، وإن وطأ في اليوم الثاني فعليه كفارة أخرى وفاقا
للشافعي وجميع الفقهاء إلا أبا حنيفة فإنه قال: إن لم يكفر عن الأول فلا كفارة في الثاني. (1)
إذا أكل أو شرب أو ابتلع ما يسمى أكلا لزمه القضاء والكفارة خلافا للشافعي فإنه
قال: لا تجب الكفارة إلا بالوطئ في الفرج إذا كان الصوم تاما، وهو أن يكون في الحضر، وإن
وطأ في غير الفرج أو غيره من الصيام فلا كفارة. وقال أبو حنيفة: يكفر بأعلى ما يقع به الفطر
من جنسه، فأعلى جنس الجماع الوطؤ في الفرج وبه تجب الكفارة، وأعلى جنس المأكولات
ما يقصد به صلاح البدن من طعام أو دواء، فأما ما لا يقصد به صلاح البدن مثل أن يبتلع
جوهرة أو جوزة فلا كفارة. (2)
من ارتمس في الماء متعمدا أو كذب على الله أو على رسوله أو على الأئمة (عليهم السلام) أفطر،
ولزمه القضاء والكفارة، خلافا لجميع الفقهاء في الإفطار ولزوم الكفارة، وبه قال المرتضى
من أصحابنا والأكثر على ما قلناه (3).
قال الشيخ أبو جعفر في الخلاف: السعوط مكروه إلا أنه لا يفطر [60 / أ]. لأنه لا
دليل عليه، وقال الشافعي: ما وصل إلى الدماغ فإنه يفطر (4).
إذا تمضمض للصلاة فرضا أو نفلا فسبق الماء إلى حلقه لم يفطر، وإن تمضمض للتبرد
أفطر. وقال الشافعي: إذا تمضمض ذاكرا للصوم، فبالغ أفطر. وبه قال أبو حنيفة (5).
إذا كرر النظر فأنزل قال الشيخ في الخلاف: أثم ولا قضاء ولا كفارة وبه قال الشافعي.
وقال مالك: عليه القضاء والكفارة (6).
الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وتصدقتا بمدين أو مد من الطعام وعليهما القضاء. و
إليه ذهب الشافعي في القديم والجديد، وأبو حنيفة. وقال في البويطي (7): على المرضع القضاء
والكفارة، وعلى الحامل القضاء دون الكفارة (8).

1 - الخلاف: 2 / 192 مسألة 43.
2 - الخلاف: 2 / 193 مسألة 44.
3 - الخلاف: 2 / 221 مسألة 85.
4 - الخلاف: 2 / 215 مسألة 75.
5 - الخلاف: 2 / 215 مسألة 76.
6 - الخلاف: 2 / 198 مسألة 50.
7 - البويطي يوسف بن يحيى القرشي، أبو يعقوب المصري، الفقيه صاحب الشافعي توفي سنة (231) أما قوله في
البويطي، معناه قال الشافعي في الكتاب الذي رواه البويطي عن الشافعي، فسمي الكتاب باسم مصنفه مجازا.
8 - الخلاف: 2 / 196 مسألة 47.
164

فصل في الشيخ والشيخة
وأعلم أن الشاب الذي به عطاش لا يرجى زواله، يفطر ويكفر عن كل يوم بإطعام
مدين أو مد، وهذا حكم الشيخ الكبير الذي أطاق الصوم بمشقة تدخل عليه الضرر العظيم،
فأما إذا لم يطقه أصلا، فلا خلاف في أنه لا صوم عليه ولا كفارة.
ويوجب على النساء بلا خلاف القضاء خروج دم الحيض والنفاس.
ويكره للصائم الاكتحال بما فيه صبر أو ما أشبهه، وتقطير الدهن في الأذن، وشم
المسك والزعفران والرياحين، وآكدها النرجس، والسواك بالرطب، والحقنة بالجامد مع
الإمكان، ولبس الثوب المبلول للتبرد، والمضمضة والاستنشاق لذلك، وإخراج الدم، و
دخول الحمام على وجه يضعف، وملاعبة النساء من الحلال (1).
فصل
وأما الضرب الثاني من واجب الصيام، فصوم قضاء الفائت، وصوم كفارة من أفطر
يوما من شهر رمضان، وصوم النذر والعهد بلا خلاف، وصوم كفارة الفطر فيهما، بدليل إجماع
الإمامية واليقين لبراءة الذمة، وصوم جزاء الصيد، وصوم دم المتعة، وصوم كفارة أذى حلق
الرأس، وصوم كفارة الظهار، وصوم كفارة قتل الخطأ، وصوم كفارة اليمين بلا خلاف، وصوم
كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان، وصوم كفارة البراءة، وصوم كفارة جز المرأة
شعرها في مصاب، وصوم المفوت للعشاء الآخرة، وصوم الاعتكاف، وصوم كفارة فسخ
الاعتكاف، بدليل الإجماع المذكور واليقين لبراءة الذمة (2).
فصل
و [60 / ب] أما صوم النذر والعهد فقد أوجبهما الله تعالى بقوله: {أوفوا بالعقود} (3) و
قوله: {أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} (4) فإن كان ما نذر أو عاهد عليه معينا بزمان مخصوص
لا مثل له، ككل جمعة، أو أول جمعة من الشهر الفلاني، لزمه ذلك بعينه، وكذا إن كان له مثل

1 - الغنية: 141.
2 - الغنية: 141.
3 - المائدة: 1.
4 - النحل: 91.
165

كيوم جمعة ما، وإن كان غير متعين بزمان مخصوص، كيوم ما أو شهر ما، كان مخيرا في الأيام و
الشهور.
فإن أفطر فيما تعين ولا مثل له مختارا، فعليه ما على المفطر في يوم من رمضان من القضاء
والكفارة، وإن كان له مثل أثم وعليه القضاء.
فإن شرط في الشهر الموالاة، ففرق مضطرا بنى على ما مضى، وإن كان مختارا لزمه
الاستئناف على كل حال، وإن لم يشرط الموالاة فأفطر مضطرا، بنى، وإن كان مختارا في
النصف الأول استأنف، وإن كان في النصف الثاني أثم وجاز له البناء.
وإن شرط أداء ذلك في مكان مخصوص، لزم فعله فيه مع التمكن.
يدل على جميع ذلك الإجماع المذكور [وطريقة الاحتياط]، ورفع الحرج في الدين
يسقط الاستئناف في الموضع الذي أجزنا فيه البناء.
وإن اتفق النذر المعين أو العهد في رمضان سقط فرضه، وكذا إن اتفق في يوم محرم
صومه، ولم يكن كفارة ولا قضاء لشئ من ذلك، لأن النذر والعهد لا يدخلان على ما ذكرناه
من حيث كان صوم رمضان واجبا قبلهما وصوم المحرم معصية (1).
فصل في صوم كفارة جزاء الصيد
الأصل في وجوب ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم
حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم
هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما} (2) فمن قتل صيدا وكان
محرما في الحل، وعجز عن الفداء بالمثل والإطعام، وجب عليه الصوم، وهو مختلف على
حسب اختلاف الصيد، ففي النعامة ستون يوما، فمن لم يستطع فثمانية عشر يوما، وفي حمار
الوحش أو بقر الوحش ثلاثون يوما، فمن لم يتمكن فتسعة أيام، وفي الغزال وما أشبهه ثلاثة
أيام، وفيما لا مثل له من النعم صيام يوم لكل نصف صاع بر من قيمته.
وإن كان محرما في الحرم، فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم، والتتابع فيه أفضل من

1 - الغنية: 142 - 144 مع تلخيص طفيف. وهكذا الفصل التالي.
2 - المائدة: 95.
166

التفريق، فإن قيل ظاهر [61 / أ] الآية التي تلوتها يدل على أن هذه الكفارة مخير فيها قلنا
نعدل عن ظاهر لفظه: (أو) للدليل، كما عدلنا كلنا عن ظاهر الواو في قوله تعالى: {فانكحوا ما
طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}. (1)
فصل في صوم دم المتعة
الأصل في وجوبه قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} (2) و
الثلاثة في الحج يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة، فمن فرق صومها عن اختيار
استأنف، وإن كان عن اضطرار وقد صام يومين قبل النحر صام الثالث بعد أيام التشريق، و
إن صام قبله يوما واحدا صام الثلاثة بعد أيام التشريق، ومن لم يتمكن من صومها بعد أيام
التشريق جاز له صومها في طريقه، وإن لم يقدر صامها مع السبعة الباقية إذا رجع إلى أهله.
والتتابع واجب أيضا في السبعة، فإن جاور بمكة أو صد عن بلده صام السبعة إذا مضى
من المدة ما يصل في مثله إليه (3).
فصل
وصوم كفارة حلق الرأس ثلاثة أيام، وكذا صوم كفارة اليمين، والأصل في وجوبهما
قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام} (4) وقوله:
{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} (5) و
يجب التتابع فيه، فمن فرق مختارا استأنف، وإن فرق مضطرا بنى (6).
وصوم مفوت العشاء الآخرة هو اليوم الذي يلي ليلة الفوات، وليس على من أفطره إلا

1 - النساء: 3.
2 - البقرة: 196.
3 - الغنية: 144.
4 - البقرة: 196.
5 - المائدة: 89.
6 - الغنية 140 - 143.
167

التوبة والاستغفار، (1) وقيل هو على جهة الاستحباب لا الوجوب (2).
فصل
والقضاء مثل المقضي، وهو على الفور، ويفتقر إلى نية التعيين، ويجوز تفريقه، و
الموالاة أفضل، لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} (3) ولم يشرط التتابع وفاقا للشافعي وأبي
حنيفة (4).
ومن دخل عليه رمضان ثان وعليه من الأول شئ لم يتمكن من قضائه قدم صيام
الحاضر، وقضى الفائت بعده، وإن تمكن من القضاء ففرط لزمه مع القضاء أن يكفر عن كل
يوم بإطعام مسكين، وهو مد وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة يقضي ولا كفارة. (5)
إذا أفطر رمضان ولم يقضه، لعذر مثل استمرار مرض أو سفر ثم مات لم تجب القضاء
عنه وفاقا لهما (6) لأن الوقت عدة من أيام أخر ولم يقدر عليه.
" فإن [61 / ب] أخر قضاءه لغير عذر ثم مات، فإنه يصام عنه. وقال الشافعي في
القديم والجديد: يطعم عنه ولا يصام عنه وبه قال أبو حنيفة.
لنا ما رواه سعيد بن جبير (7) عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا
رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت
قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى، وهذا الحديث في الصحيح وهو
نص " (8) فإن أخر قضاءه لغير عذر حتى يلحقه رمضان ثم مات، قضى عنه وليه الصوم وأطعم
عنه لكل يوم مدين. وقال الشافعي: إن مات قبل أن يدركه رمضان آخر تصدق عنه وليه بمد
وإن مات بعده تصدق بمدين. وقال أبو حنيفة: يطعم مدين من بر أو صاعا من شعير أو
تمر. (9)
من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال لزمه قضاؤه وكان عليه الكفارة

1 - الغنية 148.
2 - المختلف: 3 / 435 مسألة 153، والغنية: 148.
3 - البقرة: 184.
4 - الخلاف: 2 / 210 مسألة 68.
5 - الخلاف: 2 / 206 مسألة 63.
6 - الخلاف: 2 / 207 مسألة 64.
7 - ابن هشام الأسدي الوالبي مولاهم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله الكوفي. قتل في شعبان سنة (95) وهو ابن (49)
سنة. تهذيب الكمال: 10 / 358 رقم 2245.
8 - الخلاف: 2 / 208 مسألة 65.
9 - الخلاف: 2 / 209 مسألة 66.
168

خلافا لجميع الفقهاء (1) والكفارة صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين، ومن أصحابنا
من قال: إن كان الإفطار في قضاء وجب لإفطار يجب به الكفارة لزم فيه مثلها (2).
ومنهم من قال: وكذا حكمه إذا أفطر بعد (3) الزوال.
من كان عليه شهران متتابعان، فصام شهرا ويوما ثم أفطر بغير عذر بنى عليه، وكذا
إذا نذر صوم شهر متتابعا فصام خمسة عشرة يوما خلافا لجميع الفقهاء في ذلك فإنهم قالوا
يستأنف. (4)
فصل في الاعتكاف
من شرط صحة انعقاده الصوم، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه، وخلافا للشافعي فإنه
قال: يصح الاعتكاف بغير صوم، ويصح أن يفرد الليل والعيدين وأيام التشريق
بالاعتكاف، لنا ما روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا اعتكاف إلا
بالصوم وقوله لعمر: اعتكف وصم (5) وقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في
المساجد} (6) لفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك، وعلى
كل حال يفتقر فيه إلى بيان، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول وإذا
وجدناه (صلى الله عليه وآله) لم يعتكف إلا بصوم كان فعله بيانا، وفعله إذا وقع على جهة البيان كان كالموجود
في لفظ الآية.
" ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي (صلى الله عليه وآله) [62 / أ]، أو إمام عادل
بعده الجمعة وذلك أربعة مساجد، المسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الكوفة، و
البصرة " (7) خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما قالا: المستحب أن يعتكف في الجامع، ويصح
أن يعتكف في سائر المساجد (8) لنا أنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على
انعقاده في غيرها دليل، وقوله تعالى: {وأنتم عاكفون في المساجد} لا ينافي ما ذكرناه، لأن

1 - الخلاف: 2 / 221 مسألة 86.
2 - الغنية 142.
3 - كذا في الأصل، ولعل الصواب قبل الزوال.
4 - الخلاف: 2 / 223 مسألة 90.
5 - الخلاف: 2 / 227 مسألة 92.
6 - البقرة: 187.
7 - الغنية 146.
8 - الخلاف: 2 / 233 مسألة 102.
169

اللفظ مجمل ولفظ المساجد هاهنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.
ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد (1).
خلافا للشافعي فإنه قال: الاعتكاف عبارة عن اللبث في المسجد ساعة مع الكف عن
الجماع (2) وأبي حنيفة فإنه قال: أقله يوم وليلة (3) وذلك لأن الصوم عنده شرط الاعتكاف و
ليس عند الشافعي شرطا، لنا طريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة لمن وجب عليه
الاعتكاف بنذر أو عهد وليس كذلك إذا لم يكن ثلاثة أيام " وتعلقهم بظاهر قوله تعالى:
{وأنتم عاكفون في المساجد} وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام، لا يصح، لأنا قد بينا أن
الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية، فلا بد من الرجوع إلى
الشرع، إما في الاسم أو في الشروط، فعليهم أن يدلوا أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع
هذا الاسم، وتكمل له الشروط الشرعية حتى تتناول الآية له.
وملازمة المسجد شرط في صحة الاعتكاف بلا خلاف إلا لعذر ضروري من إرادة
بول، أو غائط، أو إزالة حدث الاحتلام، أو أداء فرض تعين من شهادة أو غيرها، ويجوز أن
يخرج لعيادة مريض " (4) أو زيارة الوالدين والصلاة على الأموات خلافا للشافعي وأكثر
الفقهاء فإنه قال: إن فعل ذلك بطل اعتكافه (5).
وفي الوجيز: لا بأس بعيادة المريض في الطريق من غير تعريج، ولا بأس بصلاة الجنازة
من غير ازورار عن الطريق (6)، لنا ما ورد من الأخبار في الحث على ذلك لأنه على عمومه، و
لا يخرج منه إلا ما أخرجه دليل قاطع ولا دليل عليه.
من خرج لإقامة الشهادة ولم يتعين عليه إقامتها لم يبطل اعتكافه، خلافا للشافعي فإنه
قال: يبطل، لنا أن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج إلى دليل (7)، وإن تعين عليه الأداء فعليه أن
يخرج ويقيم الشهادة، ولا يبطل [62 / ب] اعتكافه.
وللشافعي فيه قولان (8) ولا يجوز لمن خرج بعذر أن يجلس تحت سقف مختارا حتى

1 - الغنية: 146.
2 - الوجيز: 1 / 105.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 129.
4 - الغنية 146 - 147.
5 - الخلاف: 2 / 234 مسألة 105.
6 - الوجيز: 1 / 108.
7 - الخلاف: 2 / 235 مسألة 107.
8 - الخلاف: 2 / 236 مسألة 108.
170

يعود إلى المسجد، ولا التجارة بالبيع والشراء على كل حال (1).
وفي النافع للحنفية: ولا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلع
للضرورة.
وإذا أفطر المعتكف نهارا، أو جامع ليلا بطل اعتكافه خلافا للشافعي (2) في الإفطار
ووفاقا لهما في الجماع (3) ووجب عليه استئنافه [و] كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان (4)
خلافا لهما (5).
لنا قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} لأنه لم يفصل بين
الليل والنهار.
وإن جامع نهارا كان عليه كفارتان: إحداهما لإفساد الصوم والأخرى لإفساد
الاعتكاف، وإن أكره زوجته على الجماع وهي معتكفة انتقلت كفارتها إليه.
والاعتكاف المتطوع به يجب بالدخول فيه المضي فيه ثلاثة أيام، وهو في الزيادة عليها
بالاختيار إلا إن زاد له يومان، فيلزم تكميل ثلاثة أخرى، بدليل إجماع الإمامية وطريقة
الاحتياط (6).
وفي النافع من دخل في صوم أو صلاة التطوع ثم أفسدها قضاها، وقال الشافعي لا شئ
عليه لقوله (صلى الله عليه وآله) للمرأة التي قالت كنت صائمة إلا أني كرهت أن أرد سؤالك فقال (عليه السلام) إن شئت
قضيت، ولأبي حنيفة قوله (عليه السلام) لعائشة وحفصة (7) وكانتا صائمتين أفطرتا: اقضيا يوما مكانه.
إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج، أو لمس ظاهرها بطل اعتكافه، أنزل
أو لم ينزل. وفاقا للشافعي في الإملاء وخلافا له في الأم فإنه قال: لا يبطل، أنزل أو لم ينزل.
وقال أبو حنيفة: إن أنزل بطل، وإن لم ينزل لم يبطل.
لنا قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} وهذا عام في كل
مباشرة (8).

1 - الغنية 147.
2 - الوجيز: 1 / 106.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 130.
4 - الغنية: 147.
5 - الخلاف: 2 / 238 مسألة 113.
6 - الغنية 147.
7 - بنت عمر بن الخطاب، كانت قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت خنيس بن حذافة السهمي وتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله). توفيت
سنة (41 ه‍). أسد الغابة: 6 / 65 رقم 6845.
8 - الخلاف: 2 / 229 مسألة 93.
171

إذا وطأ ناسيا، لم يبطل اعتكافه وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يبطل، لنا قوله (عليه السلام):
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (1).
إذا قال لله علي أن اعتكف شهرا كان بالخيار بين أن يعتكف متفرقا أو متتابعا وفاقا
للشافعي. وقال أبو حنيفة: عليه المتابعة إلا أن ينوي اعتكاف نهار شهر، فإنه لا يلزمه
المتابعة. لنا أنه لم يذكر المتتابعة والأصل براءة الذمة (2).
إذا نذر اعتكاف يومين، لا ينعقد نذره خلافا للشافعي فإنه قال يلزمه يومان وليلة
[63 / أ].
ويحكي عن أبي حنيفة يومان وليلتان، لنا ما قدمناه من الدلالة على أنه لا اعتكاف
أقل من ثلاثة أيام (3).
إذا أذن لزوجته أو أمته في الاعتكاف لم يكن له منعهما وفاقا لأبي حنيفة في الزوجة و
خلافا له في الأمة. وقال الشافعي: له منعهما من ذلك. لنا أن جواز المنع بعد ثبوت الاعتكاف
يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في الشرع (4).
لا يجوز للمعتكف استعمال الطيب خلافا للشافعي فإنه قال يجوز، لنا طريقة
الاحتياط. (5)
فصل
والصوم المندوب على ضربين: معين وغير معين.
فالأول صوم رجب كله، وصوم أول يوم منه، وصوم الثالث عشرة منه مولد أمير
المؤمنين (عليه السلام) والسابع والعشرين منه مبعث النبي (صلى الله عليه وآله)، وشعبان كله ويوم النصف منه، ويوم
السابع عشر من ربيع الأول مولد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم (عليه
السلام)، ويوم
عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء، ويوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، ويوم
دحوة الأرض وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة، وثلاثة أيام في كل شهر: أول خميس
منه، وأول أربعاء في العشر الأوسط منه، وآخر خميس منه، وأيام البيض منه وهي: الثالث

1 - الخلاف: 2 / 229 مسألة 94.
2 - الخلاف: 2 / 229 مسألة 95.
3 - الخلاف: 2 / 230 مسألة 96.
4 - الخلاف: 2 / 231 مسألة 98.
5 - الخلاف: 2 / 240 مسألة 116.
172

عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصوم عاشوراء على وجه الحزن والمصيبة، وثلاثة
أيام للاستسقاء ولغيره من الحوائج والشكر.
ويستحب للكافر إذا أسلم في يوم من شهر رمضان، والمريض إذا برئ، والمسافر إذا
قدم، والغلام إذا بلغ، والمرأة إذا طهرت من الحيض والنفاس، أن يمسكوا بقية ذلك اليوم و
هذا هو صوم التأديب.
وغير المعين ما عدا ما ذكرناه من الأيام إلا المحرمة.
ويستحب للمرأة أن لا تصوم إلا بإذن زوجها، وكذا العبد مع مولاه والضيف مع
مضيفه، وهذا صوم الإذن.
وأما الصوم المحرم: فصوم العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى، ويوم الشك على أنه
من رمضان، وصوم الوصال، وصوم نذر المعصية، بدليل إجماع الإمامية (1).

1 - الغنية: 149.
173

الحج
كتاب الحج
وأقسامه ثلاثة: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد
فالتمتع: أن يقدم على أفعال الحج عمرة [63 / ب] يتحلل منها واستأنف الإحرام للحج.
والقران أن يقرن بإحرام الحج سياق الهدي.
والإفراد: أن يفرد الحج بين الأمرين معا.
فالتمتع فرض الله على من لم يكن من أهل مكة وحاضريها - وهم من كان بينهم وبينها
اثنا عشر ميلا فما فوقها - لا يجزئهم مع التمكن في حجة الإسلام سواه (1)، خلافا الجميع
الفقهاء (2).
لنا إجماع الإمامية واليقين لبراءة الذمة (3)، لأن من وجب عليه الحج ولم يكن
من حاضري المسجد الحرام [و] حج حجة الإسلام برئت ذمته بيقين وليس كذلك
إذا حج غيرها، وما روي من قوله (عليه السلام) لما نزل فرض التمتع وكان قد ساق الهدي: لو
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، وأمر من لم يسق الهدي أن يحل
ويجعلها عمرة، فلو كان جائزا في حج الإسلام غيرها أو أفضل على ما يقولون لم يكن
لأمره (عليه السلام) بذلك معنى (4)، والتمتع عندنا أفضل من القران والإفراد وهو قول الشافعي في
اختلاف الحديث. وقال في عامة كتبه: الإفراد أفضل. وقال أبو حنيفة وأصحابه: القران
أفضل.

1 - الغنية: 151.
2 - الخلاف: 2 / 272 مسألة 43.
3 - الغنية: 152.
4 - الغنية 151 - 152.
174

لنا مضافا، إلى إجماع الإمامية ما رواه جابر أن النبي (عليه السلام) قال: لو استقبلت من أمري ما
استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، فتأسف على فوات إحرامه بالعمرة، ولا يتأسف
إلا على ما هو أفضل (1).
وأما أهل مكة وحاضر وها - هم من كان بينهم وبينها اثنا عشر ميلا فما دونها -
ففرضهم القران والإفراد لا يجزئهم في حجة الإسلام غيرهما (2) وقال الشيخ في الخلاف: فمن
تمتع منهم سقط عنه الفرض، ولم يلزمهم دم.
وقال الشافعي: يصح تمتعه وقرانه وليس عليه دم. وقال أبو حنيفة: يكره له التمتع و
القرآن، فإن خالف وتمتع فعليه دم المخالفة دون التمتع والقران (3).
لنا قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} إلى قوله
{ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} (4) وهذا نص، وليس لأحد أن يقول:
إن قوله تعالى (ذلك) إشارة إلى الهدي لا إلى التمتع، لأن ذلك تخصيص بلا دليل (5) وقال الشيخ:
راجع إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه يجري مجرى [64 / أ] قول: من دخل داري فله درهم، ذلك
لمن لم يكن عاصيا، في أن ذلك يرجع إلى الجزاء دون الشرط، ثم قال ولو قلنا أنه راجع إليهما و
قلنا أنه لا يصح منهم التمتع كان أصلا قويا (6).
ومن كان فرضه التمتع، فإن أفرد أو قرن مع الاختيار لم تبرأ ذمته، ولم تسقط عنه حجة
الإسلام خلافا لجميع الفقهاء (7)، لنا أن من وجب عليه شئ معين وهو متمكن من أدائه لم يجز
له غيره عقلا وسمعا فكذلك ما نحن فيه.
" والحج على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض: حج الإسلام، وحج النذر
والعهد، وحج الكفارة، والمسنون: ما عدا ذلك، ويفارق الواجب في أنه لا يجب الابتداء
به، ويساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضي فيه وفي سائر أحكامه إلا وجوب
القضاء بدليل إجماع الإمامية (8) وإذا كان الابتداء مسنونا، فالأولى أن لا يكون القضاء
واجبا.

1 - الخلاف: 2 / 266 مسألة 33.
2 - الغنية 152.
3 - الخلاف: 2 / 272 مسألة 42.
4 - البقرة 196.
5 - الغنية 152.
6 - الخلاف: 2 / 272 مسألة: 42.
7 - الخلاف: 2 / 272 مسألة 43.
8 - الغنية 152.
175

فصل
وشروطه على ضربين: شرائط الوجوب وشرائط صحة الأداء
فشرائط وجوب حج الإسلام: الحرية والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة بلا خلاف،
والاستطاعة تكون بالصحة، والتخلية، وأمن الطريق، ووجود الزاد والراحلة، والكفاية له
ولعياله، والعود إلى كفاية من صناعة أو غيرها (1).
ليس من شرط وجوب الحج، الإسلام خلافا للشافعي، لأن الكافر عندنا يجب عليه
جميع العبادات (2) لما مضى من الأدلة عليه، واعتبرنا الرجوع إلى كفاية زائد [ا] على الزاد و
الراحلة والنفقة لعياله إلى حين عوده خلافا لجميع الفقهاء، فإنهم لم يعتبروا ذلك (3) [حيث]
أن من شرط حسن الأمر بالعبادة القدرة عليها، فلما شرط سبحانه في الأمر بالحج
الاستطاعة، اقتضى ذلك زيادة على القدرة من التمكن من النفقة وغيرها، ومن لا يجد لعياله
نفقة إلى حين عوده لا يكون كذلك، لتعلق فرض نفقتهم به، وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبار العود
إلى الكفاية لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين (4) لأن من قال: تعلق فرض نفقة عياله به فيجب أن
يكون له ما يخليهم لنفقتهم قال يجب أن يكون له ما ينفق عليهم بعد عوده إليهم لتعلق فرض
نفقتهم به.
ومن استطاع أن يمشي لا يجب عليه الحج وفاقا للشافعي وأبي حنيفة وخلافا لمالك
فإنه قال: إذا كان قادرا على المشي لم تكن الراحلة شرطا [64 / ب] في حقه (5).
لنا ما روي أن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل {ولله على الناس حج البيت من استطاع
إليه سبيلا} (6) فقال: يا رسول الله ما السبيل؟ فقال (صلى الله عليه وآله): زاد وراحلة. وتعلقه بقوله تعالى {و
أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر} (7) لأن معنى قوله (رجالا) رجالة،
لا حجة له فيه لأنا نحمله على أهل مكة وحاضريها، ولأنه ليس في الآية أكثر من الإخبار
عن حالة من يأتيه، ونحن لا نمنع أن يأتي الحاج المتطوع ماشيا.
وأما شرائط الصحة، فالإسلام، وكمال العقل، والوقت، والنية، بلا خلاف، و

1 - الغنية 152.
2 - الخلاف: 2 / 245 مسألة 1.
3 - الخلاف: 2 / 245 مسألة 2.
4 - الغنية 153.
5 - الخلاف: 2 / 246 مسألة 4.
6 - آل عمران: 97.
7 - الحج: 27.
176

الختنة (1) خلافا لهم (2).
لنا إجماع آل محمد عليه‍ [- م] السلام عليه وأنه لا خلاف في براءة ذمته إذا كان مختونا و
ليس كذلك إذا لم يختن.
فصل
إعلم أن أفعال الحج، الإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف بعرفات، والوقوف
بالمشعر الحرام، ونزول منى، والرمي، والذبح، والحلق. (3)
فصل في الإحرام
وهو ركن من أركان الحج فمن تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف، ولا يجوز إلا في زمان
مخصوص، وهو شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة (4) وفي الخلاف وذو الحجة إلى
طلوع الفجر [من يوم النحر] وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: وعشرة أيام من ذي
الحجة (5)، فمن أحرم قبل ذلك لم ينعقد إحرامه بالحج ولا بالعمرة التي يتمتع بها، وينعقد
بالعمرة وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: ينعقد في غيرها إلا أن الإحرام فيها
أفضل وهو المسنون، فإذا أحرم في غيرها أساء وانعقد إحرامه. (6) لنا بعد إجماع الإمامية
وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} (7) و التقدير
وقت الحج، لأن الحج لا يصح وصفه بأنه أشهر، وتوقيت العبادة في الشرع بزمان يدل على
أنها لا تجزئ في غيره لأنها لئن أجزأت لما كان لتعليقها بزمان مخصوص فائدة، ولا تعلق له
بقوله تعالى: {ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} (8) لأنا نخص
الإحرام بما ذكرناه من الشهور بدليل كما خصصنا كلنا ما عداه من أفعال الحج بأيام مخصوصة
من ذي الحجة، ولأن عنده أن الإحرام ليس من أفعال الحج فلا يمكنه التعلق بالآية، ولأن
توقيت الفعل بوقت يقتضي جواز فعله [65 / أ] فيه من غير كراهة، وعنده أن تقديم

1 - الغنية 153.
2 - الخلاف: 5 / 494 مسألة 11.
3 - الغنية: 153.
4 - الغنية 154.
5 - الخلاف: 2 / 258 مسألة 23.
6 - الخلاف: 2 / 259 مسألة 24.
7 - البقرة: 197.
8 - البقرة: 189.
177

الإحرام مكروه.
ولا يجوز عقد الإحرام إلا في موضع مخصوص، وهو لمن حج على طريق المدينة ذو
الحليفة، وهو مسجد الشجرة، ولمن حج على طريق الشام الجحفة، ولمن حج على طريق
العراق بطن العقيق، وأوله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق، روى محمد بن
القاسم (1) عن عائشة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وآله) وقت لأهل العراق ذات عرق، وعن جابر أنه (صلى الله عليه وآله)
وقت لأهل المشرق بطن العقيق. وقال الشافعي: الإهلال لأهل الشرق من العقيق أحب إلى
وبه قال أصحابه (2) ولمن حج على طريق اليمن يلملم، ولمن حج على طريق الطائف قرن
المنازل (3).
فإن أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه إلا أن يكون نذر ذلك خلافا لأبي حنيفة فإنه
قال: الأفضل أن يحرم قبل الميقات. وللشافعي قولان: أحدهما مثل قول أبي حنيفة، والثاني:
الأفضل من الميقات، إلا أنه ينعقد قبله على كل حال (4).
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة وأن النبي (صلى الله عليه وآله) وقت هذه
المواقيت، وإذا كان معنى الميقات في الشرع ما يتعين للفعل، فلا يجوز تقديمه عليه، كمواقيت
الصلاة (5).
ومن تجاوز الميقات من غير إحرام متعمدا، ولم يتمكن من الرجوع إليه، كان عليه
إعادة الحج من قابل، وإن كان ناسيا أحرم من موضعه، ويجوز لمن كان منزله دون الميقات
الإحرام منه، وإحرامه من الميقات أفضل.
وميقات المجاور ميقات أهل بلده، فإن لم يكن فمن خارج الحرم وإن لم يقدر فمن المسجد
الحرام (6)، وقال الشافعي يحرم من موضعه (7)، وفي النافع: من كان مقيما بمكة فميقاته في الحج
الحرم ليحرم من دويرة أهله، في العمرة الحل لأن عائشة أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تهل بالعمرة
من التنعيم.

1 - كذا في النسخة والمصدر، وهو تصحيف (القاسم بن محمد) كما ورد الحديث في سنن البيهقي برقم 8998 وفي
سنن الدارقطني: 2 / 236 الحديث 5. وهو بن محمد بن أبي بكر أبو محمد، روى عن عمته عائشة وجماعة. توفي
سنة (101). تهذيب الكمال: 23 / 426 رقم 4818.
2 - الخلاف: 2 / 283 مسألة 58.
3 - الغنية 154 - 155.
4 - الخلاف: 2 / 286 مسألة 62.
5 - الغنية 155.
6 - الغنية 155.
7 - الخلاف: 2 / 284 مسألة 59.
178

ويستحب لمريد الإحرام قص أظفاره وإزالة الشعر عن إبطيه وعانته، وأن يغتسل،
بلا خلاف، ويجب عليه لبس ثوبي الإحرام يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر، ولا يجوز أن
يكونا مما لا يجوز الصلاة فيه، ويكره أن يكون مما تكره الصلاة فيه، ويجزئ مع الضرورة
ثوب واحد بلا خلاف (1).
ويستحب أن يصلي صلاة الإحرام، وأن يقول بعدها إن كان متمتعا:
اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك، فيسر لي أمري وبلغني
قصدي وأعني على أداء مناسكي، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلى حيث حبستني
لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة. وإن لم تكن عمرة فحجة، اللهم أحرم
لك لحمي ودمي وشعري وبشري من النساء والطيب والصيد، وكل محرم على [65 / ب]
المحرمين ابتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.
وإن كان قارنا قال:
اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي وأعني على أداء مناسكي، إلى آخر الدعاء.
وإن كان مفردا قال:
اللهم إني أريد الحج مفردا فسلم لي مناسكي وأعني على أدائها إلى آخر الدعاء.
والقارن مثل المفرد سواء، إلا أنه يقرن بإحرامه سياق الهدي ولذلك سمي قارنا.
ولا يجوز أن يجمع بين الحج والعمرة في حالة واحدة، ولا يدخل أفعال العمرة قط في
أفعال الحج. خلافا لجميع الفقهاء في ذلك فقالوا: إن القارن من قرن بين الحج والعمرة في
إحرامه، فيدخل أفعال العمرة في أفعال الحج (2).
وإذا قرن بين الحج والعمرة في إحرامه، لم ينعقد إحرامه إلا بالحج، فإن أتى بأفعال الحج
لم يلزمه دم، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزمه دم. وبه
قال الشافعي وأبو حنيفة (3) وعندهما أن القارن يحرم بالحج والعمرة من الميقات يقول عقيب
الصلاة: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني. (4)
في الوجيز: ولو أحرم بالعمرة ثم أدخل الحج عليها قبل الطواف كان قارنا، ولو أدخل

1 - هذا وما بعده إلى آخر الأدعية مأخوذ من الغنية: 155 - 156.
2 - الخلاف: 2 / 264 مسألة 29.
3 - الخلاف: 2 / 264 مسألة 30.
4 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 196.
179

العمرة على الحج لم يصح في أحد القولين لأنه لا يتغير الإحرام بعد انعقاده (1).
ثم يجب عليه أن ينوي نية الإحرام على الوجه الذي قدمناه ويعقده بالتلبية الواجبة و
هي: لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. ولا ينعقد الإحرام إلا
بها أو بما يقوم مقامها من الإيماء لمن لا يقدر ومن التقليد والإشعار للقارن (2).
" ولا ينعقد الإحرام بمجرد النية، بل لا بد أن يضاف إليها التلبية أو السوق أو الإشعار أو
التقليد. وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بالتلبية أو سوق الهدي. وقال الشافعي: يكفي مجرد
النية " (3).
ويجوز أن يلبي عقيب إحرامه، والأفضل أن يلبي إذا علت راحلته البيداء. وللشافعي
فيه قولان: الأفضل أن تنبعث به راحلته إن كان راكبا، وإذا أخذ في السير إن كان راجلا. و
الثاني أن يهلل خلف الصلاة نافلة كانت أو فرضا، وبه قال أبو حنيفة (4).
لنا على ما ذهبنا إليه أن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية أو بما يقوم مقامها أن فرض [66 / أ]
الحج مجمل في القرآن ولا خلاف أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل التلبية وفعله إذا ورد مورد البيان كان على
الوجوب، وما روي أن جبرئيل (عليه السلام) أتي النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم
بالتلبية فإنها من شعار الحج، وهذا نص، وقوله (عليه السلام) لعائشة (رض) أنقضي رأسك وامتشطي
واغتسلي ودعي العمرة وأهلي بالحج، والإهلال هو التلبية، وأمره على الوجوب، وفي لغة
العرب رفع الصوت، ومنه قولهم: استهل الصبي: إذا صاح، فلا يجوز أن يقال المراد بالإهلال
الإحرام، ويدل على ذلك ما روي عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) أهل في مصلاه، وحين مرت به
راحلته، وحين بلغ البيداء لأن الإحرام متقدم على بلوغ البيداء، فلا يجوز أن يحمل الإهلال
على الإحرام (5).
والتلبية فريضة، ورفع الصوت بها سنة، خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنها عندهما
سنة. و و [فا] قا وفاقا لهم في أن رفع الصوت بها سنة.
لنا على وجوبها ما مر قبل من أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل التلبية وأمر بها وفعله إذا كان بيانا و
أمره على الوجوب. (6)

1 - الوجيز: 1 / 114.
2 - الغنية: 156.
3 - الخلاف: 2 / 289 مسألة 66.
4 - الخلاف: 2 / 289 مسألة 65.
5 - الغنية 156.
6 - الخلاف: 2 / 291 مسألة 69.
180

لا يلبي في حال الطواف ولا في مسجد مكة ولا في مسجد عرفة خلافا للشافعي فإنه
قال: يستحب ذلك، لنا أما في حال الطواف أنه يجب على المتمتع أن يقطع التلبية عند مشاهدة
بيوت مكة. وما روي عنهم (عليهم السلام) من قولهم: إن هؤلاء يطوفون ويسعون ويلبون، فكلما طافوا
أحلوا، وكلما لبوا عقدوا، فيخرجون لا محلين ولا محرمين، وأما في مسجد عرفة: أن الحاج
يجب عليه أن يقطع التلبية يوم عرفة قبل الزوال، فإن حصل بعرفات بعدها هناك لم يجزله
التلبية، وإن حصل قبل الزوال جاز له ذلك لعموم الأخبار. (1)
التلبية الأربعة لا خلاف في جوازها على خلاف بيننا وبينهم في كونها فرضا أو نفلا، و
ما زاد عليها عندنا مستحب. خلافا للشافعي فإنه قال مباح، وليس بمستحب. وحكى عن
أصحاب أبي حنيفة أنه قال مكروه (2).
ومن الألفاظ المستحبة عندنا: لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك،
لبيك مبدئ الخلق [66 / ب] ومعيده لبيك، غافر الذنب لبيك، لبيك قابل التوب لبيك، لبيك
كاشف الكرب العظام لبيك، لبيك فاطر السماوات والأرض لبيك، لبيك أهل التقوى والمغفرة
لبيك، لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك. إن كان متمتعا ولا يقول لبيك بحجة وعمرة تمامها
عليك، لأن ذلك يفيد بظاهره تعلق نية الإحرام بالحج والعمرة معا وذلك لا يجوز.
وإن كان قارنا أو مفردا قال: لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك، وإن كان نائبا [عن]
غيره قال: لبيك لبيك عن فلان بن فلان لبيك.
وأوقات التلبية أدبار الصلوات، وحين الانتباه من النوم، وبالأسحار، وكلما علا
نجدا، أو هبط غورا، أو رأى راكبا، ويستحب رفع الصوت بها للرجل، كما ذكرناه، وأن
لا يفعل إلا على طهر، وآخر وقتها للمتمتع إذا شاهد بيوت مكة، وحدها من عقبة المدنيين إلى
عقبة ذي طوى، وللقارن والمفرد إذا زالت الشمس من يوم عرفة، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا
وضعت الإبل أخفافها في الحرم، فإن كان المعتمر خارجا من مكة فإذا شاهد الكعبة.
والمتمتع إذا لبى بالحج متعمدا بعد طواف العمرة وسعيها وقبل التقصير بطلت متعته، و
صار ما فيه حجة مفردة، وإن لبى ناسيا لم تبطل " (3).

1 - الخلاف: 2 / 292 مسألة 70 - 71.
2 - الخلاف: 2 / 293 مسألة 72.
3 - الغنية 157.
181

وقال الشافعي: إذا قرن يدخل أفعال العمرة في أفعال الحج، واقتصر على أفعال الحج،
يجزيه طواف واحد وسعي واحد عنهما. وقال بمثل ما قلناه من أن أفعال العمرة لا تدخل في
أفعال الحج - في الصحابة علي وابن مسعود، وفي التابعين الشعبي والنخعي (1)، وفي الفقهاء
أبو حنيفة وأصحابه.
ولأبي حنيفة تفصيل، قال: من شرط القران تقديم العمرة على الحج ويدخل مكة، و
يطوف ويسعى للعمرة، ويقيم على إحرامه حتى يكمل أفعال الحج، ثم يحل منها، فإن ترك
الطواف للعمرة قبل الوقوف انتقضت عمرته، وصار مفردا بالحج، وعليه قضاء العمرة. (2)
لنا على أن أفعال العمرة لا يدخل في أفعال الحج إجماع الإمامية، وأن الحج والعمرة
فرضان متغايران، وأفعال أحدهما يكون غير أفعال الآخر فلا يدخل أفعال أحدهما في
أفعال الآخر.
" فإذا انعقد إحرامه حرم عليه [67 / أ] أن يجامع، أو يستمني، أو يقبل، أو يلمس
بشهوة، بلا خلاف، وأن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره، أو يشهد عقدا، وإن عقد فالعقد
فاسد " (3)، وبه قال في الصحابة علي وعمر، وفي الفقهاء مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة:
أنه لا تأثير [له] في عقد الإحرام بوجه (4).
وإذا عقد على نفسه عالما بتحريمه، أو دخل بها وإن لم يكن عالما، فرق بينهما ولم تحل له
أبدا، خلافا لجميع الفقهاء (5).
وأما الشهادة على النكاح، فقال الشافعي: لا بأس به، والإصطخري (6) من أصحابه
قال مثل ما قلناه (7).
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب)، وفي رواية:
(ولا يشهد)، وهذا نص وقولهم: لفظة نكاح [حقيقة] في الوطئ غير مسلم، بل وفي العقد

1 - اسمه إبراهيم بن يزيد بن قيس الأسود، أبو عمران الكوفي، فقيه أهل الكوفة روى عن خاله الأسود بن يزيد. مات في
سنة (96) وهو ابن (49) سنة. تهذيب الكمال: 2 / 233 رقم 265.
2 - الخلاف: 2 / 332 مسألة 148.
3 - الغينة 158.
4 - الخلاف: 2 / 315 مسألة 111.
5 - الخلاف: 2 / 317 مسألة 114.
6 - أبو سعيد، الحسن بن أحمد بن يزيد، شيخ الشافعية ببغداد، أخذ عن أبي القاسم الأنماطي. توفي سنة (328).
طبقات الشافعية: 1 / 109 رقم 55.
7 - الخلاف: 2 / 317 مسألة 115.
182

بدليل ظاهر الاستعمال، لقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} (1)، {فانكحوهن} (2)
ولا خلاف أن المراد بذلك العقد. وما روي أنه (صلى الله عليه وآله) تزوج ميمونة وهو محرم معارض بما روي
عنها أنها قالت: خطبني رسول الله وهو حلال وتزوجني وهو حلال (3).
ويجوز للمحرم أن يراجع زوجته سواء طلقها حلالا ثم أحرم، أو طلقها وهو محرم.
وفاقا للشافعي وخلافا لأحمد، لنا قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن} (4) ولم يفصل، و
قوله تعالى: {فإمساك بمعروف} (5) والإمساك هو الرجعة ولم يفصل (6).
ويحرم عليه أن يلبس مخيطا بلا خلاف، إلا السراويل عند الضرورة عند بعض
أصحابنا وبعض المخالفين، وعند قوم من أصحابنا أنه لا يلبس حتى يفتق ويصير كالمئزر و
هو أحوط.
وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف.
وأن تلبس المرآة القفازين (7) خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يجوز لها ذلك. وللشافعي
في أحد قوليه، وفاقا لما قلناه في قوله الآخر، لنا إجماع الإمامية وما روي من قولهم: (لا تتنقب
المرأة في الإحرام ولا تلبس القفازين) وهذا نص (8).
ويحرم على الرجل تغطية رأسه، وعلى المرأة تغطية وجهها بلا خلاف، لقوله (عليه السلام):
إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها (9).
ويحرم عليه أن يستظل وهو ساير، بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة، فأما إذا نزل
فلا بأس بجلوسه تحت الظلال، من خيمة أو غيرها (10)، وعندهما لا فرق بين أن يكون سائرا
أو نازلا فإنهما قالا: يجوز له الاستظلال، لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط يقتضيه
أيضا (11).
ويحرم عليه الارتماس في الماء خلافا لهما فإن عندهما يجوز (12)، لنا ما قدمناه في

1 - النور: 32.
2 - النساء: 25.
3 - الغنية 158.
4 - البقرة: 228.
5 - البقرة: 228.
6 - الخلاف: 2 / 318 مسألة 117.
7 - الغنية: 159.
8 - الخلاف: 2 / 294 مسألة 73.
9 - الهداية في شرح البداية: 1 / 136.
10 - الغنية 159.
11 - الخلاف: 2 / 318، مسألة 118، الهداية في شرح البداية: 1 / 136.
12 - الخلاف: 2 / 313 مسألة 107.
183

[67 / ب] المسألة الأولى.
" من لا يجد النعلين، لبس الخفين، وقطعهما حتى يكونا أسفل [من] الكعبين وفاقا لأبي
حنيفة والشافعي (1) لأن النهي ورد عن لبس الخفين المجنة.
ومن كان له نعلان لا يجوز له لبس الشمشك خلافا لأبي حنيفة فإنه قال بالخيار يلبس
أيهما شاء، ولبعض أصحاب الشافعي. وقال في الأم: لا يلبسهما، دليلنا طريقة الاحتياط. (2)
من لبس القباء، يجب أن يلبسه مقلوبا فإن أدخل كتفيه فيه ولم يدخل يديه في كمه
فعليه الفداء، وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: لا شئ عليه. لنا طريقة
الاحتياط فإن توشح به كالرداء فلا شئ عليه بلا خلاف (3).
ويجب على المحرم كشف رأسه، وكشف وجهه غير واجب، وفاقا للشافعي، وخلافا
لأبي حنيفة فإنه قال: يجب عليه كشف وجهه (4).
وإذا حمل على رأسه مكتلا أو غيره لزمه الفداء، وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة
فإنه قال: لا يلزمه شئ (5).
ويحرم عليه أن يصطاد، أو يذبح صيدا، أو يدل عليه، أو يكسر بيضة بلا خلاف،
لقوله تعالى: {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (6) وقوله (صلى الله عليه وآله) في حديث أبي قتادة (7): هل أعنتم
هل أشرتم.
ويحرم عليه أكل لحمه وإن صاده المحل ولم يكن منه دلالة عليه بلا خلاف من أكثر
الفقهاء، لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط وقوله تعالى: {حرم عليكم صيد البر ما دمتم
حرما} لأنه يتناول كل فعل لنا في الصيد من غير تخصيص.
ويحرم عليه أن يدهن بما فيه طيب، أو يأكل ما فيه ذلك، وأن يتطيب بالمسك أو العنبر
أو العود أو الكافور أو الزعفران بلا خلاف (8).
وما عداها لا يتعلق به الكفارة عندنا إذا استعمله المحرم، خلافا لجميع الفقهاء في ذلك

1 - الخلاف: 2 / 295 مسألة 75.
2 - الخلاف: 2 / 296 مسألة 76.
3 - الخلاف: 2 / 297 مسألة 79.
4 - الخلاف: 2 / 298 مسألة 81.
5 - الخلاف: 2 / 299 مسألة 82.
6 - المائدة: 95.
7 - أبو قتادة بن ربعي، اسمه الحارث، ويقال: نعمان الأنصاري الخزرجي صاحب رسول الله وفارسه شهد أحد والخندق
وما بعد ذلك من المشاهد، توفي بالمدينة سنة (54) وهو ابن (70) سنة. تهذيب الكمال: 34 / 194 رقم 7574.
8 - الغنية: 195 - 160.
184

فإنهم أوجبوا في استعمال الكفارة، لنا أن الأصل الإباحة وبراءة الذمة فمن شغلها بشئ من
الكفارة يجب عليه الدليل (1).
والريحان الفارسي فيه خلاف بين أصحاب الشافعي، منهم من قال: بمثل ما قلناه و
منهم من قال: إنه طيب، وكذا الخلاف في النرجس، والمرزنجوش، واللقاح، والبنفسج (2).
والدهن على ضربين: طيب وغير طيب فالطيب هو البنفسج والورد، والزئبق، و
الخيري، والنيلوفر، والبان، لا خلاف أن فيه الفدية على أي وجه استعمله. والضرب الثاني
ما ليس بطيب مثل، الشيرج والزيت، والزبد والسمن لا يجوز الإدهان به [68 / أ] على وجه
عندنا، ويجوز أكله بلا خلاف.
وأما وجوب الكفارة فلا نص فيه والأصل براءة الذمة، وقال أبو حنيفة: فيه الفدية
على كل حال. وقال الحسن بن صالح (3): لا فدية فيه على كل حال. وقال الشافعي: فيه
الفدية في الرأس واللحية، ولا فدية فيما عداهما. (4)
كل من أكل طعاما فيه طيب فعليه الفدية على كل حال. وقال الشافعي: إن كانت أوصافه
باقية من لون أو طعم أو رائحة فعليه الفدية، وكذا إن بقي له لون ورائحة وإن لم يبق
غير لونه فله قولان (5).
ويحرم عليه الفسوق وهو عندنا الكذب على الله، أو على رسوله، أو على أحد الأئمة من
آل محمد (عليهم السلام)، والجدال وهو عندنا قول: (لا والله) و (بلى والله) (6)، وعند ابن عباس
وطاوس (7) وقتادة (8): الفسوق هو المعاصي كلها، وعند مجاهد السباب لقوله (عليه السلام) سباب

1 - الخلاف: 2 / 302 مسألة 88.
2 - الخلاف: 2 / 303 مسألة 89.
3 - الهمداني الثوري، أبو عبد الله الكوفي العابد روى عن: أبان بن أبي عياش البصري روى عنه: أحمد بن عبد الله بن
يونس، توفي سنة (169). تهذيب الكمال: 6 / 177 رقم 1238.
4 - الخلاف: 2 / 303 مسألة 90.
5 - الخلاف: 2 / 304 مسألة 91.
6 - الغنية 160.
7 - بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، أبو عبد الرحمن، سمع بن عباس، وأبا هريرة وروى عنه. مجاهد، وعمر بن
دينار وكان فقيها جليل القدر، توفي بمكة في سنة (106). وفيات الأعيان: 2 / 509 الرقم 306.
8 - ابن الفضل بن قتادة بن عبد الله، أبو حميد الرهاوي، روى عن: إبراهيم بن أبي عبلة المقدسي، وبكير بن فيروز
الرهاوي، وروى عنه: إبراهيم بن موسى الرازي، وأحمد بن سليمان الرهاوي. مات سنة (200). تهذيب الكمال:
23 / 518 رقم 4849.
185

المسلم فسوق وقتاله كفر (1)، والجدال عند ابن زيد المخاصمة (2) وبه قالت الحنفية و
الشافعية (3).
" وقولهم: ليس في لغة العرب أن الجدال هو اليمين، ليس بشئ، لأنه غير ممتنع أن
يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي، كما يقوله في لفظة (الغائط)، ثم الجدال إذا
كان في اللغة المنازعة والمخاصمة، وكان ذلك يستعمل للمنع والدفع، وكانت اليمين تفعل لذلك
كان فيها معنى المنازعة.
ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه في ملكه، وليس من شجر
الفواكه، والإذخر وأن يجز حشيشه بلا خلاف، وأما شجر الفواكه والإذخر وما غرسه
الإنسان في ملكه فيجوز قطعه " (4).
قال الشافعي: شجر الحرم مضمون على المحل والمحرم إذا كان ناميا غير موذ، فأما
اليابس والمؤذي كالعوسج وغيره فلا ضمان عليه في قطعه (5).
أما رعي الحشيش في الحرم. فلا بأس به وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال:
لا يجوز، لنا أن الأصل الإباحة (6)، وتحريم ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه ويخص الرعي عمل المسلمين من لدن النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك إلى الآن من غير إنكار من النبي أو
أحد من الصحابة، أو أحد علماء الأمصار.
ويحرم عليه أن يزيل شعره أو يقص شيئا من أظفاره، وأن يتختم للزينة، أو يدمي
جسده بحك أو غيره، وأن يزيل القمل عن نفسه أو يسد أنفه من الرائحة [68 / ب] الكريهة،
بلا خلاف.
ويحرم عليه أن يلبس سلاحا أو يشهره إلا لضرورة، وأن يقتل شيئا من الجراد و
الزنابير مع الاختيار، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم، و لا بأس أن يقتل
ما يخافه من الحيات والعقارب والسباع في الحرم وغيره بدليل إجماع الإمامية (7).
ويحرم عليه أن يمسك ما كان معه من صيد قبل الإحرام، وأن يخرج شيئا من حمام

1 - البحار: 72 / 320 حديث 46، أحكام القرآن - ابن العربي -: 1 / 134.
2 - أنظر الأقوال في الآية، جامع البيان للطبري: 2 / 279.
3 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 181.
4 - الغنية 160.
5 - الخلاف: 2 / 407 مسألة 280.
6 - الخلاف: 2 / 409 مسألة 282.
7 - الغنية: 160 - 161.
186

الحرم منه، وأن لا يرده بعد إخراجه، وأن يمسك ما يدخل به إلى الحرم من الطير لقوله تعالى:
{حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (1) والمراد تحريم أفعالنا فيه واستدامة الإمساك بعد
الإحرام، ودخول الحرم، والإخراج واستدامته فعل لنا فيجب أن يكون محرما.
فصل
وما يفعله المحرم مما بينا أنه محرم عليه على ضروب ثلاثة:
أحدها يوجب الكفارة، سواء فعله عامدا أو ساهيا.
والثاني يوجبها مع العمد دون النسيان.
والثالث فيه الإثم دون الكفارة.
فالأول: هو الصيد بلا خلاف بين الجمهور (2)، من أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما و
عامة أهل العلم (3) فمن قتل صيدا له مثل، أو ذبحه، وكان حرا كامل العقل، محلا في الحرم، أو
محرما في الحل، فعليه فداؤه بمثله من النعم (4).
وقال الشيخ في الخلاف: إذا قتل صيدا، فهو مخير بين ثلاثة أشياء، بين أن يخرج مثله
من النعم، وبين أن يقوم مثله دراهم ويشتري به طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل
مد يوما. وإن كان الصيد لا مثل له فهو مخير بين شيئين، بين أن يقوم الصيد ويشتري بثمنه
طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل مد يوما، ولا يجوز إخراج القيمة بحال. وبه قال
الشافعي (5).
وفي الوجيز: الواجب في الصيد مثله من النعم أو إطعام بمثل قيمة النعم، أو صيام بقدر
الطعام لكل مد يوم (6).
وفي أصحابنا من قال على الترتيب.
وقال أبو حنيفة: الصيد مضمون بقيمته سواء كان له مثل أو لم يكن له مثل إلا أنه إذا
قومه فهو مخير بين أن يشتري بالقيمة من النعم ويخرجه وبين أن يشتري بالقيمة طعاما و
يتصدق به وبين أن يصوم عن كل مد يوما (7).

1 - المائدة: 96.
2 - الغنية: 160 - 161.
3 - الخلاف: 2 / 396 مسألة 258.
4 - الغينة 161.
5 - الخلاف: 2 / 397 مسألة 260.
6 - الوجيز: 1 / 128.
7 - الخلاف: 2 / 397 مسألة 260.
187

لنا على ما قلنا طريقة الاحتياط وظاهر قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم
يحكم به ذوا عدل منكم} (1) فأوجب مثلا من النعم، وذلك يبطل قول من قال: الواجب
قيمة الصيد (2)، [و] ماله مثل، فهو منصوص على ما نفصل، وما لا نص فيه رجعنا إلى قول
عدلين على ما يقتضيه ظاهر القرآن، وقال الشافعي: ما قضت [69 / أ] عليه الصحابة بالمثل،
مثل البدنة في النعامة، والبقرة في حمار الوحش، والشاة في الظبي والغزال، فإنه يرجع إلى
قولهم وما لم يقضوا فيه بشئ يرجع إلى قول عدلين. (3)
وفي صغار أولاد الصيد صغار أولاد المثل. وفاقا لهما إلا أن أبا حنيفة يوجب القيمة (4).
وإن قتل صيدا أعور أو مكسورا فالأفضل أن يخرج الصحيح من الجزاء، وإن أخرج
مثله جاز وفاقا للشافعي لقوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم}.
ويجوز أن يفدي الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر (5).
وإذا جرح صيدا، فغاب عنه لزمه الجزاء على الكمال.
وقال الشافعي يقوم بين كونه مجروحا، والدم جار وبين كونه صحيحا وألزم ما
بينهما (6).
المثل الذي يقوم هو الجزاء. وبه قال الشافعي، ويدل عليه قوله تعالى: {فجزاء مثل ما
قتل من النعم} والتقدير بمثل ما قتل (7).
لحم الصيد حرام على المحرم، سواء صاده هو أو غيره، قتله هو أو غيره، أذن فيه أو لم
يأذن، أعان عليه أو لم يعن.
وقال الشافعي: ما قتله بنفسه أو أمر به أو أشار عليه أو دل أو أعطى سلاحا فقتله به،
يحرم عليه، وكذلك ما اصطيد بعلمه، وما صاده غيره ولا أثر له فيه، فمباح له أكله.
وقال أبو حنيفة: أنه يحرم عليه ما صاده بنفسه، وماله فيه أثر لا يستغنى عنه، بأن يدل
عليه أو دفع إليه سلاحا يحتاج إليه، وأما إذا دل عليه دلالة لا يحتاج إليها، أو دفع إليه سلاحا
لا يحتاج إليه، أو أشار إليه إشارة يستغني عنها فلا يحرم عليه، وكذلك ما صيد لأجله لا

1 - المائدة: 95.
2 - الغنية 161.
3 - الخلاف: 2 / 399 مسألة 261.
4 - الخلاف: 2 / 399 مسألة 262.
5 - الخلاف: 2 / 400 مسألة 263.
6 - 401 مسألة 267.
7 - الخلاف: 2 / 403 مسألة 269.
188

يحرم عليه (1).
المحرم إذا ذبح صيدا فهو ميتة، لا يجوز لأحد أكله، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي في
الجديد، وقال في القديم، والإملاء: ليس بميتة، يجوز لغيره أكله (2).
وإذا أكل المحرم من صيد قتله لزمه قيمته. وفاقا لأبي حنيفة، وقال الشافعي: لم يلزمه
بذلك شئ (3).
وإذا دل على الصيد، فقتله المدلول، لزمه الفداء، وكذلك المدلول إن كان محرما، أو في
الحرم، خلافا للشافعي فإنه قال: لا يضمن، وقال أبو حنيفة: تجب عليه الجزاء إذا دل عليه
دلالة باطنة، وإذا أعاره سلاحا لا يستغني عنه، فلا جزاء عليه (4).
المحل إذا صاد صيدا في الحل وأدخله في الحرم، ممنوع عن قتله، فإذا قتله فلا جزاء
عليه (5).
إذا [69 / ب] اشترك جماعة في قتل صيد، لزم كل واحد منهم جزاء كامل. وفاقا لأبي
حنيفة وأصحابه، وخلافا للشافعي فإنه قال: يلزم الكل جزاء واحد (6)، لنا قوله تعالى: {و
من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم} (7) وكل واحد من هذه الجماعة قاتل
فيجب على الكل منهم الجزاء.
وإن كان محرما في الحرم فعليه الفداء والقيمة، أو الفداء مضاعفا، خلافا لهم (8) في
القيمة ومضاعفة الفداء لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط واليقين بدأة لذمة، وأن الجزاء
إذا لزم المحل في الحرم، والمحرم وفي الحل، وجب اجتماع الجزائين وذلك باجتماع الأمرين
الإحرام والحرم.
وإن كان مملوكا فكفارته على مالكه إن كان إحرامه بإذنه، وعليه إن كان بغير إذنه
بالصوم، لأن العبد لا يملك شيئا فيلزمه مثل أو قيمة (9).
وفي الخلاف: ولا ينعقد إحرام العبد إلا بإذن سيده، خلافا للفقهاء إلا داود، فإنهم قالوا

1 - الخلاف: 2 / 403 مسألة 271.
2 - الخلاف: 2 / 403 مسألة 272.
3 - الخلاف: 2 / 405 مسألة 274.
4 - الخلاف: 2 / 405 مسألة 275.
5 - الخلاف: 2 / 407 مسألة 279.
6 - الخلاف: 2 / 410 مسألة 285.
7 - المائدة: 95.
8 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 211، المبسوط للسرخسي: 4 / 97، الإنتصار: 249.
9 - الغنية 162.
189

ينعقد، وله أن يفسخ عليه حجة (1).
وإذا أفسد حجه وقد كان أحرم بإذن مولاه، لزمه ما يلزم الحر، ويجب على مولاه إذنه
إلا الفدية، فإنه بالخيار فيه بين أن يفدي عنه، أو يأمره بالصوم.
وإن كان بغير إذنه فإحرامه باطل، لا يتصور معه الإفساد.
وقال جميع الفقهاء: إن الإفساد صحيح في الموضعين، فقال أصحاب الشافعي: عليه
القضاء، ومنهم من قال: لا قضاء عليه، ويدل على وجوب القضاء عموم الأخبار فيمن أفسد
حجه أن عليه القضاء (2)، ويجب على سيده إذنه في القضاء لأنه إذا أذنه في ذلك لزمه جميع ما
يتعلق به، وللشافعي فيه قولان أحدهما: أن له منعه والآخر: ليس له ذلك (3).
وإن كان غير كامل العقل فكفارته على وليه، لأنه الذي أدخله في الإحرام، وليس
بواجب عليه، دليله إجماع الإمامية (4) وبه قال الشافعي، وفي أصحابه من قال: يلزمه في
ماله (5)، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد له صلاة، ولا صيام، ولا حج، فإن أذن له وليه لم ينعقد
إحرامه، وإنما يفعل ذلك ليمرن عليه، ويجنب ما يجتبه المحرم استحسانا.
وإذا قتل صيدا فلا جزاء عليه (6).
ويجوز للأم أن تحرم عن ولدها الصغير خلافا لأصحاب الشافعي إلا أبا سعيد
الإصطخري منهم. لنا ما روي أن امرأة رفعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صبيا من محفة [70 / أ]
فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال (صلى الله عليه وآله): نعم ولك أجرا (7).
إذا حمل الإنسان صبيا فطاف به، ونوى بحمله طواف الصبي وطواف نفسه أجزأه
عنهما. وللشافعي قولان: أحدهما: أنه يقع عن الولي والآخر أنه يقع عن الصبي (8).
وتكرار القتل يوجب تكرار الكفارة بغير خلاف بين أصحابنا إذا كان القاتل ناسيا، و
منهم من قال: هذا حكمه إن كان متعمدا، ومنهم من قال: إن تعمد القتل مرة ثانية لم يلزمه
كفارة، بل يكون ممن ينتقم الله منه كما ذكر تعالى، والأول أحوط، وكونه ممن ينتقم الله منه إذا

1 - الخلاف: 2 / 380 مسألة 229.
2 - الخلاف: 2 / 381 مسألة 230.
3 - الخلاف: 2 / 381 مسألة 231.
4 - الغنية 162.
5 - الخلاف: 2 / 360 مسألة 193.
6 - الخلاف: 2 / 359 مسألة 192.
7 - الخلاف: 2 / 360 مسألة 194.
8 - الخلاف: 2 / 361 مسألة 196.
190

عاد لا ينافي وجوب الكفارة عليه (1) لأنه لا يمتنع أن يلزمه الجزاء وإن كان ممن ينتقم الله عليه و
به قال عامة أهل العلم (2).
والمثل في النعامة بدنة بلا خلاف، فإن لم يجد فقيمتها، فإن لم يجد فض قيمة البدنة على
البر ويصدق على كل مسكين نصف صاع فإن لم يقدر على ذلك صام عن كل نصف صاع
يوما (3) وفي الوجيز عن كل مد يوما (4).
وفي النافع إذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه فعليه الجزاء والعامد والناسي والمبتدئ و
العامد سواء لعموم قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا}، والجزاء عند أبي حنيفة وأبي
يوسف قيمة الصيد يقومه ذوا عدل ثم هو مخير في القيمة إن شاء ابتاع بها هديا فذبحه إن بلغ
هديا أو اشترى بقيمته طعاما فيصدق على كل مسكين نصف صاع، أو يصوم بقدر طعام كل
مسكين يوما، وهو مخير في ذلك ووافقه الشافعي في التخيير.
والمثل في حمار الوحش أو بقرة الوحش بقرة، وفي الظبي شاة بلا خلاف، وفي الأرنب
والثعلب عندنا شاة (5).
ولا كفارة في الضبع ولا في السمع وهو المتولد من الذئب والضبع. وعند الحنفية في
الضبع شاة وفي الأرنب عناق (6)، وعند الشافعية في الضبع كبش ووافقوهم في الأرنب (7) و
حكم من لم يجد ذلك ما قدمناه، ويجوز لمن يجد الفداء والقيمة، أن يصوم للنعامة ستين يوما و
للبقرة ثلاثين يوما وللظبي وما أشبهه ثلاثة أيام.
" ومن صام بالقيمة أقل مما ذكرناه من المدة أجزأه، وإن اقتضى ذلك زيادة عليها لم
يلزمه أن يصوم الزيادة، ومن عجز عن صوم الستين أو الثلاثين، صام لكل عشرة أيام ثلاثة
أيام " (8) خلافا لجميع الفقهاء فإنهم لم يعتبروا ذلك، لنا إجماع الإمامية (9) وطريقة الاحتياط و
اليقين لبراءة الذمة.
" وفي كل حمامة من حمام الحرم، أو إخراج شئ من حمام الحرم منه، أو [70 / ب]
تنفيره منه فلا يرجع، شاة، وفي فرخها حمل، وفي كل بيضة لها درهم، وفي حمام الحل درهم،

1 - الغنية 162.
2 - الخلاف: 2 / 397 مسألة 259.
3 - الغنية 162.
4 - الوجيز: 1 / 128.
5 - الغنية 162.
6 - اللباب في شرح الكتاب: 1 / 213.
7 - الوجيز: 1 / 128.
8 - الغنية: 162.
9 - الخلاف: 2 / 422 مسألة 310.
191

وفي فرخها نصف درهم، وفي كل بيضة لها ربع درهم " (1).
وعند الشافعية في الحمام شاة (2) وفي معناه القمري والفواخت وكل ما عب.
وفي كسر بيضته قيمته، وقال الشافعي: البيض إذا كان من صيد مضمون كان فيه
قيمته، قال مالك: عشر قيمة الصيد وبه قالت الحنيفة (3).
وعندنا في كسر كل بيضة من بيض النعام إذا كان قد تحرك فيها الفرخ فصيل، وإن لم
يتحرك فإرسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر، فما نتج من ذلك كان هديا، فإن لم يكن
لمن فعل ذلك إبل، فعليه لكل بيضة شاة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، وفي بيض الدراج و
الحجل إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج فهو هدي.
ومن رمى صيدا فغاب عنه ولم يعلم حاله، فعليه فداؤه، فإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه
ما بين قيمته صحيحا وكسيرا، وقد روي في كسر أحد قرني الغزال ربع قيمته، وفيهما جميعا
النصف، وفي إحدى عينيه إذا فقئت نصف قيمته، وفيهما معا الكل، وفي يديه من الحكم ما في
عينيه، وكذا في رجليه.
وفي الجرادة كف من طعام (4) وقيل تمرة وبه قالت الحنفية (5) روي ذلك عن عثمان (6)،
والأول مروي عن ابن عباس، وقال الشافعي: هو مضمون بالقيمة، وفي الكثير من ذلك
عندنا دم شاة (7) وحكم الزنبور حكم الجراد عندنا، وفي القنفذ والضب واليربوع حمل قد
فطم ورعى، كل ذلك بدليل الإجماع [عند] الإمامية.
وفي قتل الأسد ابتداء لا على وجه المدافعة كبش (8)، وقال الشافعي لا جزاء في قتل
السبع بحال، وقال أبو حنيفة: إذا صال على المحرم فقتله لم يلزمه شئ، وإن قتله من غير صول
لزمه الجزاء، وعندنا لا جزاء عليه في السباع غير الأسد من الذئب وغيره سواء صال أو لم
يصل (9) لقوله تعالى: {ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} (10) واسم الصيد يقع عليه،

1 - الغنية 163.
2 - الخلاف: 2 / 411 مسألة 287، المغني لابن قدامة: 3 / 556.
3 - الوجيز: 1 / 127، المجموع: 7 / 339، بداية المجتهد: 1 / 676.
4 - الغنية 163.
5 - الهداية في شرح البداية: 1 / 168.
6 - ابن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عبد الله وقيل: أبو عمرو، بويع بالخلافة سنة (24) وقتل سنة
(35 ه‍) ودفن في حش كوكب بالبقيع. أسد الغابة: 3 / 480 رقم 3583.
7 - الخلاف: 2 / 414 مسألة 294.
8 - الغنية 163.
9 - الخلاف: 2 / 417 مسألة 299.
10 - المائدة: 95.
192

قال الشاعر:
ليث تردى زبية فاصطيدا.
والعرب تقول سيد الصيد الأسد، وورود الحظر لا يوجب سلب الاسم عنه (1).
ومن قتل ما لا مثل له من الصيد كالعصفور وما أشبهه، فعليه قيمته، أو عدلها صياما.
وحكم المشارك في قتل الصيد حكم المنفرد وقد ذكرنا قبل.
وحكم من دل على صيد فقتل حكم القاتل، لأنه لا خلاف أنه منهي عن الدلالة، و
لا يقين لبراءة الذمة إذا دل على صيد فقتل إلا بالكفارة.
وأما الضرب الثاني الذي [71 / أ] لا يلزم الكفارة فيه إلا مع العمد، فما عدا الصيد وقلنا
بسقوطها مع النسيان، للإجماع وبما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه، والمراد رفع أحكام الأفعال، ومن أحكامها لزوم الكفارة، وقولهم يختص
ذلك برفع الإثم عن الخاطئ مستفاد من قوله تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} (2)
وحمل كلامه (عليه السلام) على فائدة زائدة على ما هو معلوم أولى.
فمن قبل زوجته من غير شهوة فعليه شاة، فإن قبلها أو لاعبها بشهوة فأمنى فعليه بدنة،
ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه إن كان موسرا بدنة، فإن لم يقدر فبقرة، فإن لم يقدر فشاة،
فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام.
وفي الوطئ في الفرج في إحرام المتعة قبل طوافها أو سعيها مع فسادها بدنة (3)، وفاقا
للشافعية، في الوجيز: مقدمات الجماع كالقبلة والمماسة، وكل ما ينتقض الطهارة منها، يوجب
الفدية أنزل أو لم ينزل ولا يجب البدنة إلا بالجماع (4)، وفي النافع: من قبل أو لمس بشهوة فعليه
دم لقوله تعالى: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (5) دل على أن القبلة و
الملامسة من محظورات الإحرام.
ومن وطأ في الفرج قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه بلا خلاف، ويلزمه المضي فيها، و
يجب عليه الحج من قابل، ويلزمه بدنة (6)، وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال:
يلزمه شاة (7) وحكمه كذلك عنده إذا وطأ في الدبر.

1 - الغنية: 163 - 164.
2 - الأحزاب: 5.
3 - الغنية 163 - 165.
4 - الوجيز: 1 / 126.
5 - البقرة: 197.
6 - الغنية 165.
7 - الخلاف: 2 / 363 مسألة 200.
193

لنا بعد إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط ما روي عن ابن عمر وابن عباس من قولهما
من وطأ قبل التحليل أفسد حجه وعليه ناقة ولا مخالف لهما.
وحكم الوطئ في الفرج بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر عندنا حكم الوطئ
قبل عرفة (1)، خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: لم يفسد حجه وعليه بدنة (2)، لنا أنه قد ثبت
وجوب الوقوف بالمشعر، وأنه ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة لمن [لم] يدركه، فكل
من قال بذلك قال بفساد الحج بالجماع قبله، فالتفرقة بين الأمرين يبطلها الإجماع، وما روي
من قوله (صلى الله عليه وآله) وهو بالمزدلفة: ومن وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان
قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه. وقوله (صلى الله عليه وآله) الحج عرفة. تعارضه
ما قدمناه، ويجوز حمله على أن المراد معظم الحج عرفة، وقوله: (فقد تم حجه) [71 / ب] على
أن المراد قارب التمام كما حملنا كلنا على ذلك قوله (عليه السلام): إذا رفع الإمام رأسه من السجدة
الأخيرة فقد تم صلاته.
وفي الوطئ بعد الوقوف بالمشعر وقبل التحلل بدنة، ولا يفسد الحج (3)،
وقال الشافعي: إن وطأ بعد الوقوف بعرفة قبل التحلل أفسد حجه وعليه بدنة، مثل
الوطئ قبل الوقوف. وقال أبو حنيفة: لا يفسد حجه الواطئ بعد الوقوف بعرفة وعليه
بدنة (4).
لنا أن إفساد الحج يفتقر إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
فأما وطأ المرأة في دبرها، وإتيان الغلام والبهيمة، فلا خلاف بين أصحابنا أنه فيه
بدنة، واختلفوا في أنه هل يفسد الحج إذا وقع قبل عرفة أو قبل المشعر الحرام أم لا فمن قال:
يفسد (5) - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة في الروايتين عنه (6) - دليله طريقة الاحتياط، ومن
قال: لا يفسد دليله أن الأصل الصحة وبراءة الذمة من القضاء (7).
وإذا وطأ المحرم ناسيا، لا يفسد حجه. وفاقا للشافعي في أحد قوليه، وقال أبو حنيفة:
يفسد حجه (8).

1 - الغنية 165.
2 - الخلاف: 2 / 364 مسألة 201.
3 - الغنية 166.
4 - الخلاف: 2 / 364 مسألة 201.
5 - الغنية 166.
6 - الخلاف: 2 / 370 مسألة 210.
7 - الغنية 166.
8 - الخلاف: 2 / 369 مسألة 208.
194

وتكرار الوطئ يوجب الكفارة وهي بدنة، سواء كان في مجلس واحد أم لا، وسواء كفر
عن الأول أم لا، (1) وقال الشافعي: إن وطأ بعد أن كفر عن الأول وجب عليه الكفارة، وهي
شاة أو بدنة. وإن كان قبل أن كفر عن الأول ففيها ثلاثة أقوال: أحدها: لا شئ عليه والثاني:
شاة، والثالثة: بدنة (2).
لنا ما قدمنا من الإجماع وطريقة الاحتياط، وليس للمخالف أن يقول: إن الحج قد
فسد بالوطئ الأول، والثاني لم يفسد، فلا يجب به كفارة، لأنه وإن أفسد بالأول حرمته باقية
بدليل وجوب المضي فيه، فتعلقت الكفارة بالمستأنف عنه.
ومن وطأ زوجته أو أمته وطئا يفسد الحج فرق بينهما، ولم يجتمعا حين يعودا إلى
الموضع الذي وطأها فيه من الطريق وإذا جاءا من قابل وبلغا ذلك المكان الذي واقعها فيه
فرق بينهما (3)، وفاقا للشافعي واختلف أصحابه على وجهين: أحدهما: هي واجبة والآخر
مستحبة (4)، وفي النافع: وليس عليه أن يفارق زوجته إذا حج في سنة أخرى لأنه تعريض لها
عن الزنا.
لنا ما روي عن عمر وابن عباس من قولهما: إذا وطأ الرجل زوجته فقضيا من قابل، و
بلغا الموضع الذي وطأها فيه فرق بينهما. ولم يعرف راد لقولهما.
وفي أكل شئ من الصيد، أو بيضة، أو شم أحد ما ذكرناه ومن أجناس الطيب، أو أكل
طعام فيه شئ من ذلك، دم شاة، وكذا في تظليل المحمل، وتغطية رأس الرجل، ووجه المرأة
مع الاختيار، عن كل يوم دم شاة، ومع الاضطرار لجملة الأيام دم شاة (5).
وفي الخلاف إذا أكل المحرم من صيد [72 / أ] قتله لزمه قيمته. وبه قال أبو حنيفة. و
قال الشافعي لم يلزمه بذلك شئ (6).
ومن طيب كل العضو أو بعضه وكذا إن ستر بعض رأسه.
وإن وجد نعلين بعد لبس الخفين المقطوعين وجب عليه نزعها ولبس النعلين فإن لم
يفعل فعليه الفداء. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن طيب جميع العضو، أو لبس في
العضو كله كاليد والرجل ففيه الفدية، وإن لبس في بعضه أو طيب بعضه فلا فدية وتجب فيه

1 - الغنية 166 - 167.
2 - الخلاف: 2 / 366 مسألة 204.
3 - الغنية 167
4 - الخلاف: 2 / 368 مسألة 207.
5 - الغنية 167.
6 - الخلاف: 2 / 405 مسألة 274.
195

الصدقة إلا في الرأس فإنه إن ستر بعضه ففيه الفدية (1).
وفي قص كل ظفر من أظفار يديه مدمن طعام ما لم يكملها، فإن كملهما فدم شاة (2)، و
للشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: مثل ما قلناه. والثاني: درهم والثالث، ثلاث، شياة (3)، وفي
النافع للحنفية من قول أبي حنيفة: وإن قص أظفار يديه ورجليه فعليه دم وإن قص يدا و
رجلا فعليه دم وإن قص أقل من خمسة أظافير فعليه صدقة وإن قص خمسة أظافير منفردة
من يديه ورجليه فعليه صدقة (4).
وهذا حكم أظفار رجليه إن قصها في مجلس آخر، وإن قص الجميع في مجلس واحد لم
يلزمه إلا دم.
وإن جادل ثلاث مرات فما زاد صادقا، أو مرة كاذبا، فعليه دم شاة، وفي مرتين كاذبا
دم بقرة، وفي ثلاث مرات فما زاد بدنة.
وفي لبس المخيط إن كان ثوبا واحدا أو ثيابا جماعة في مجلس واحد، دم شاة، فإن لبس
في كل مجلس ثوبا، فعليه من الشياه بعدد الثياب، ونزع الثوب من قبل رجليه (5)، وبه قال
الشافعي وفي أصحابه من قال: لا فدية وقال ينزعه من رأسه (6).
إذا لبس المحرم، ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر فعليه من كل لبسة كفارة، سواء كفر
عن الأول أو لم يكفر وكذا الحكم في الطيب.
وقال الشافعي: إن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية وإن لم يكفر قال في القديم:
يتداخل، وبه قال أبو حنيفة (7).
وفي حلق الرأس دم شاة، أو إطعام ستة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف (8).
ولا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه كله ولا بعضه مع الاختيار بلا خلاف، فإن حلقه لعذر
جاز وعليه الفدية لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} (9) ومعناه
فحلق ففدية، وحد ما يلزم به الفدية ما يقع عليه اسم الحلق. وحد الشافعي ذلك بثلاث

1 - الخلاف: 2 / 302 مسألة 87.
2 - الغنية 167.
3 - الخلاف: 2 / 310 مسألة 101.
4 - النافع.
5 - الغنية 167 - 168.
6 - أنظر الخلاف: 2 / 300 مسألة 86.
7 - الخلاف: 2 / 299 مسألة 83.
8 - الغنية 168.
9 - البقرة: 196.
196

شعرات فصاعدا. وحده أبو حنيفة بحلق ربع الرأس فصاعدا، فإن كان أقل من الربع فعليه
الصدقة (1).
وإذا حلق أقل من ثلاث شعرات، لا يلزمه الفدية. ويتصدق بما استطاع وفاقا
للشافعي في أحد أقواله وربما قال: مد من طعام من كل شعرة وربما قال [72 / ب]: درهم و
هكذا في الأظفار الثلاثة قال: دم، وفي ما دونه قال مثل ما في أقل من ثلاث شعرات، لنا أن
الأصل براءة الذمة، وأن اسم الحلق لا يتناوله، وأما الصدقة فطريق وجوبها الاحتياط (2).
وفي قص الشارب، أو حلق العانة أو الإبطين، دم شاة، وفي حلق أحد إبطيه إطعام
ثلاثة مساكين، وفي إسقاط شئ من شعر رأسه أو لحيته - إذا مسهما في غير طهارة - كف من
طعام، وكذلك في إزالة القمل عنه أو قتله، وفي حك الجسد حتى يدمي مد من طعام.
وفي قطع الشجرة الكبيرة من أصلها من الشجر الذي عيناه في الحرم بقرة، وفي الصغيرة
شاة، وفي قطع البعض من ذلك، أو قطع حشيشه ما تيسر من الصدقة.
ومن عقد على امرأة وهو محرم نكاحا لمحرم فدخل بها، فعلي العاقد بدنة (3).
دليل جميع ما قلنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة.
وأما الضرب الثالث الذي فيه الإثم دون الكفارة فما عدا ما ذكرنا لزوم الكفارة فيه،
وذلك لأن لزوم الكفارة يفتقر إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه.
ويكره للمحرم من الطيب ما خالف الأجناس المذكورة وليس ذلك بمحظور، لأن
الحظر يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه.
ويكره الاكتحال والخضاب للزينة (4) وللشافعي قولان (5).
وكذا يكره النظر في المرآة لقوله (صلى الله عليه وآله) الحاج أشعث أغبر وذلك ينافي (6) هذه الأشياء (7).
ويكره أن يغسل رأسه بالخطمي والسدر، فإن فعل لم يلزمه الفداء، وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة عليه الفدية، لنا أن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ
يحتاج إلى دليل (8).

1 - الخلاف: 2 / 308 مسألة 98.
2 - الخلاف: 2 / 308 مسألة 99.
3 - الغنية: 168.
4 - الغنية 168.
5 - الخلاف: 2 / 313 مسألة 106.
6 - في النسخة: وفي ذلك تنافي. والتصويب من الغنية.
7 - الغنية 168.
8 - الخلاف: 2 / 314 مسألة 109.
197

فصل
ويمضي المحرم على حاله حتى يشاهد بيوت مكة، فيقطع التلبية إن كان متمتعا (1)، وفي
الخلاف: إذا دخل الحرم، خلافا لجميع الفقهاء (2)، وعند أبي حنيفة يقطع التلبية إذا ابتدأ
بالطواف (3) وصفة التمتع عنده أن يبتدئ من الميقات فيحرم بعمرة ويدخل مكة ويطوف لها و
يسعى ويحلق أو يقصر وقد حل من عمرته، والمفرد بالحج يقطع التلبية عنده أيضا بأول
حصاة رماها من جمرة العقبة (4)، والقارن كالمفرد بالحج ثم يقيم بمكة حلالا إلى يوم
التروية (5)، وعندنا يقطعها إذا شاهد بيوت مكة.
ويستحب له أن يكثر من حمد الله على بلوغها [73 / أ]، فإذا انتهى إلى الحرم اغتسل، و
أن يدخله ماشيا وعليه السكينة والوقار، وأن يدخل مكة من أعلاها، وأن يغتسل قبل
دخولها (6)، وعند الشافعي يغتسل بذي طوى (7) وأن يدعو إذا عاين البيت، وأن يغتسل قبل
دخول المسجد، وأن يدخله من باب بني شيبة، وأن يقول قبل دخوله:
بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وولاية أهل بيته صلى الله عليه وعلى آله الحمد لله
على ما من به من بلوغ بيته الحرام، السلام على رسول الله وعلى أولي العزم من الرسل، وعلى
أوصيائهم المرضيين.
وأن يقول إذا دخل المسجد وعاين البيت:
اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا، مباركا وهدى
للعالمين، اللهم فأمني سخطك وأجرني من عذابك يا جار من لا جار له أجرني من عذابك و
أعذني من نقمتك برحمتك يا أرحم الراحمين.
ويستحب أن يدعو إذا أتى الحجر الأسود فيقول:
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله).
وأن يقبله أو يمسح بيده عليه ويقبلها إن لم يتمكن من تقبيله أو يشير إليه بيده ويقبلها

1 - الغنية 169.
2 - الخلاف: 2 / 349 مسألة 173.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 153.
4 - الهداية في شرح البداية: 1 / 144.
5 - الهداية في شرح البداية: 1 / 153.
6 - الغنية 169.
7 - الأم: 5 / 147 حديث 5686.
198

إن لم يتمكن من مسحه بها (1)، وفاقا للشافعي في استحباب ذلك (2) ويقول:
أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته ليشهد لي بالموافاة عند الله، اللهم إيمانا بك وتصديقا
بكتابك وعلى سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده و
رسوله وأن الأئمة من ذريته - ويسميهم - حججه في أرضه وشهداءه على عباده صلى الله
عليه وعليم، آمنت به وبكتبه ورسله، وكفرت بالجبت وبكل ند يدعى من دون الله
سبحانه، اللهم إليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل اللهم إجابتي، واغفر لي
وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين.
ثم يستلمه ثم يجب عليه أن يفعل نية الطواف ويطوف (3).
فصل في الطواف
الطواف على ضربين مفروض ومسنون.
فالمفروض ثلاثة: طواف المتعة، وطواف الزيارة، وهو طواف الحج، وطواف
النساء (4)، ويعبر عندهم عن طواف المتعة بطواف القدوم كذا في الوجيز والنافع، وطواف
الزيارة وطواف الصدر (5).
والمسنون ما عدا ما ذكرناه مما يتطوع به المكلف، وقد [73 / ب] روي أنه يستحب أن
يطوف مدة مقامه بمكة ثلاث مئة وستين أسبوعا، أو ثلاثمائة وستين شوطا، وروي أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابع.
أما طواف المتعة فوقته حين يدخل المتمتع مكة إلى أن يغيب الشمس من يوم التروية،
وللمضطر إلى أن يبقى من غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها، فمن فاته
مختارا بطل حجه متمتعا، وكان عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا، وصار ما هو فيه حجة
مفردة، ولم يجز عنه طواف الحج (6)، خلافا للشافعي فإنه قال: يجزيه طواف واحد وسعى
واحد عنهما، ووفاقا لأبي حنيفة فإنه قال: ومن شرط القرآن تقديم العمرة على الحج، و
يدخل مكة، ويطوف ويسعى للعمرة، ويقيم على إحرامه حتى يكمل أفعال الحج ثم يحل

1 - الغنية 169 - 170.
2 - الوجيز: 1 / 119.
3 - الغنية 170.
4 - الغنية 170.
5 - الوجيز: 1 / 118.
6 - الغنية 170 - 171.
199

منها، فإن ترك الطواف للعمرة قبل الوقوف انتقضت عمرته، وصار مفردا بالحج، وعليه
قضاء العمرة (1).
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط لأنه لا خلاف في براءة ذمة من طاف طواف المتعة
وليس على قول من يقول يجزي من ذلك طواف الحج دليل، وأيضا قوله تعالى: {وأتموا
الحج والعمرة لله} (2) فأمر الله تعالى بإتمامهما جميعا، ولكل واحد منهما أفعال مخصوصة،
فوجب بالظاهر تكميلهما. وما روي من قوله (عليه السلام): من جمع الحج إلى العمرة فعليه طوافان، وما
روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه طاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته وقال:
حججت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته.
ومن فاته طواف المتعة مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج، ولا شئ عليه دليله
نفي الحرج في الدين.
وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج، من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف، و
من تركه ناسيا قضاه وقت ذكره، فإن لم يذكر حتى عاد إلى بلده، لزمه قضاؤه من قابل بنفسه،
فإن لم يستطع استناب من يطوفه بدليل الإجماع الإمامي وقوله تعالى: {ما جعل عليكم في
الدين من حرج} (3) ووقته للمتمتع من حين يحلق رأسه من يوم النحر إلى آخر أيام
التشريق، إلا أن يكون هناك ضرورة من كبر أو مرض أو خوف حيض أو عذر، فيجوز
تقديمه على ذلك، وأول وقته للقارن والمفرد من حين دخولهما مكة، وإن كان قبل الموقفين.
وأما طواف النساء فوقته من حين الفراغ من سعى الحج إلى آخر أيام التشريق، فمن
تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد إلى أهله لم يفسد حجه [74 / أ]، لكنه لا تحل له النساء حتى
يطوف، أو يطاف عنه، بدليل إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط وهذا الطواف هو الذي
يسمونه طواف الصدر، ولا خلاف أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل هذا الطواف وقال (صلى الله عليه وآله) خذوا عني
مناسككم وقد روي أيضا أنه قال: من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف وظاهر
أمره الوجوب.
والواجب في الطواف النية ومقارنتها، واستمرار حكمها، والطهارة من الحدث و

1 - الخلاف: 2 / 332 مسألة 148.
2 - البقرة: 196.
3 - الحج: 78.
200

النجس، وستر العورة، (1) فإن أخل بشئ من ذلك لم يصح طوافه ولا يعتد به، وفاقا للشافعي
وعامة أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: إن طاف على غير طهارة فإن أقام بمكة أعاد، وإن عاد إلى بلده وكان
محدثا فعليه دم شاة، وإن كان جنبا فعليه بدنة. (2)
ومتى طاف على غير وضوء وعاد إلى بلده، رجع وأعاد الطواف مع الإمكان فإن لم
يمكنه استناب من يطوف عنه.
وقال الشافعي: يرجع ويطوف، ولم يفصل. وقال أبو حنيفة جبره بدم (3).
ومن أحدث في خلال الطواف انصرف وتوضأ وعاد، فإن زاد على النصف بنى وإلا
أعاد، وقال الشافعي: إن لم يطل المكث بنى وإن طال قال في القديم: يستأنف وقال في الجديد:
يبني (4).
وأن يكون البداية بالحجر والختام به وأن يكون سبعة أشواط (5) فإن ترك خطوة منها
لم يجزه وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة عليه أن يطوف سبعا، لكنه إذا أتى بمعظمه وهو أربع من سبع أجزأه،
فإن عاد إلى بلده جبره بدم، وإن أتى بأقل من أربع لم يجزه.
لنا طريقة الاحتياط وظواهر الأمر بسبع طوافات (6).
وأن يكون البيت عن يسار الطائف، وأن يكون خارج الحجر، وأن يكون بين البيت و
المقام (7) فإن سلك الحجر لم يعتد به وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: أجزأه (8).
وإذا تباعد عن البيت حتى يطوف بالسقاية وزمزم لم يجزه لأنه ليس على جوازه دليل و
قال الشافعي: يجزيه (9).
وإن طاف منكوسا - وهو أن يجعل البيت على يمينه - لا يجزيه وعليه الإعادة وفاقا
للشافعي. وقال أبو حنيفة: إن أقام بمكة أعاد وإن عاد إلى بلده جبره بدم (10).

1 - الغنية 171 - 172.
2 - الخلاف: 2 / 322 مسألة 129.
3 - الخلاف: 2 / 324 مسألة 131.
4 - الخلاف: 2 / 323 مسألة 130.
5 - الغنية 172.
6 - الخلاف: 2 / 325 مسألة 135.
7 - الغنية 172.
8 - الخلاف: 2 / 324 مسألة 132.
9 - الخلاف: 2 / 324 مسألة 133.
10 - الخلاف: 2 / 324 مسألة 134.
201

ولو طاف وظهره إلى الكعبة لا يجزيه. وفاقا لأبي حنيفة. ولا نص للشافعي فيه و
ظاهر مذهبه أنه لا يجزيه (1).
لا يطوف إلا ماشيا مع القدرة فإن طاف راكبا أجزأه ولا يلزمه دم، وقال الشافعي:
الركوب مكروه، فإن فعله لم يكن عليه شئ، مريضا كان أو صحيحا. وقال أبو حنيفة: إن كان
صحيحا فعليه دم. (2)
والمستحب استلام الحجر الأسود، والدعاء إذا أراد الطواف، وأن يقول إذا وصل إلى
باب الكعبة:
سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة إلى [74 / ب] آخر الدعاء.
وأن يقول إذا حاذى المقام مشيرا إليه:
السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المطهرين من الآثام، السلام على إبراهيم
الخليل الداعي إلى البيت الحرام، مسمع من في الأصلاب والأرحام، السلام على أنبياء الله و
على ملائكته الكرام.
وأن يستلم الركن الشامي إذا وصل إليه. (3)
واستلام الركن الذي فيه الحجر لا خلاف فيه وباقي الأركان مستحب استلامها.
وقال الشافعي: لا يستلمها - يعني الشاميين - (4).
ويستحب استلام الركن اليماني وفاقا للشافعي إلا أنه قال يضع يده عليها ويقبلها ولا
يقبل الركن. وقال أبو حنيفة: لا يستلمها أصلا (5).
وأن يقول وهو مستقبل للركن الشامي: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك غير
مقلو ولا مهجور، اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح علي أبواب رحمتك.
وأن يقول إذا استقبل الميزاب:
اللهم اعتقني من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر فسقة
العرب والعجم والجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.
وأن يستلم الركن الغربي مستقبلا له وأن يقول:

1 - الخلاف: 2 / 326 مسألة 137.
2 - الخلاف: 2 / 326 مسألة 136.
3 - الغنية 172 - 173.
4 - الخلاف: 2 / 320 مسألة 125.
5 - الخلاف: 2 / 321 مسألة 126.
202

اللهم رب إبراهيم وإسماعيل الذين أمرتهما أن يرفعا أركان بيتك، ويطهراه للطائفين و
العاكفين والركع السجود، وهما يسألانك أن تتقبل منهما فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، و
تب علي إنك أنت التواب الرحيم.
وأن يقول بين الركن الغربي واليماني:
اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واعف عني وارزقني واحفظني ووفقني.
وأن يقول إذا وصل إلى المستجار، وهو دون الركن بقليل:
اللهم هذا مقام من أساء واقترف، واستكان واعترف. إلى آخر الدعاء.
وأن يستلم الركن اليماني ويعانقه (1) ويدعو بما هو معروف في المناسك من الدعوات.
" وأن يستلم الحجر الأسود ويقبله إذا عاد إليه ويدعو ويصنع مثل ذلك في كل شوط
حتى يكمل سبعة.
ويستحب أن يقف على المستجار في الشوط السابع، ويلصق بطنه وخده به، ويبسط
يديه على البيت ويدعو.
ويستحب أن يقول في الطواف:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض...
إلى آخر الدعاء.
وأن يقرأ (إنا أنزلناه).
ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة، أو لضرورة فإن قطعه للصلاة بنى على ما
طاف ولو كان شوطا واحدا، وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما طاف إن كان أكثر من
النصف، وإن كان أقل منه استأنف، ويستأنفه إن قطعه مختارا على كل حال، ويستأنفه إن
شك وهو طائف ولم يدر كم طاف أو شك بين ستة وسبعة، وإن شك بين سبعة وثمانية، قطعه
ولا شئ عليه، وكذا إن ذكره وهو في بعض الثامن أنه طاف سبعة، فإن ذكر بعد أن [75 / أ]
تممه أضاف إليه ستة أخرى، وصار له طوافان، ولزم لكل طواف ركعتان، وقد دللنا على
وجوبهما في كتاب الصلاة (2).
وعند أبي حنيفة واجبتان. وللشافعي قولان: أحدهما أنهما واجبتان والأخرى أنهما

1 - الغنية: 174.
2 - الغنية 175 - 176.
203

غير واجبتين (1).
ويستحب أن يصلي الركعتين خلف المقام، فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأه. وبه قال
الشافعي (2).
إذا حمل الإنسان صبيا وطاف به ونوى بحمله طواف الصبي وطواف نفسه، أجزأ
عنهما. وللشافعي قولان: أحدهما: يقع عنه، والثاني يقع عن الصبي. (3)
فصل
فإذا أراد السعي استحب له أن يأتي الحجر الأسود فيستلمه، وأن يأتي زمزم فيشرب
من مائها، ويغتسل إن تمكن، أو يصب منه على بعض جسده، وينبغي أن يكون ذلك من الدلو
المقابل للحجر، وأن يكون الخروج من الباب المقابل له أيضا (4).
وفي الوجيز يستلم الحجر ويخرج من باب الصفا. (5)
فصل
والسعي ركن من أركان الحج وهو على ضربين: سعي المتعة وسعي الحج، فإن تركه أو
ترك بعضه ولو خطوة واحدة، فقد أخل به، والإخلال به إخلال بالحج. وإليه ذهب
الشافعي. وعن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس: أنه سنة. وقال أبو حنيفة: أنه واجب
لكنه ليس بركن فإن تركه فعليه دم (6).
وفي النافع من ترك السعي بين الصفا والمروة تم حجه لأنه ليس بفرض لأن دليل
الفريضة الكتاب أو السنة المتواترة، ولم يوجد، وعليه دم لأنه واجب، ويدل على أنه ليس
بفرض قوله تعالى: {ولا جناح عليه أن يطوف بهما} ولا جناح يدل على الإباحة إلا أن
النبي (صلى الله عليه وآله) سعى وقال: خذوا عني مناسككم، والأمر حقيقته الوجوب.
وأول وقت سعي المتعة من حين يفرغ من طوافها، وأول وقت سعي الحج من حين
الفراغ أيضا من طوافه، وحكمه في جواز التقديم للضرورة حكم الطواف، ويمتد كل واحد

1 - الخلاف: 2 / 327 مسألة 138.
2 - الخلاف: 2 / 327 مسألة 139.
3 - الخلاف: 2 / 361 مسألة 196.
4 - الغنية 176.
5 - الوجيز: 1 / 119.
6 - الخلاف: 2 / 328 مسألة 140.
204

منهما بامتداد وقت الطواف، وحكم كل واحد منهما في الإخلال به عن اختيار أو اضطرار
حكم المخل بالطواف، بدليل إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف في براءة ذمة
المكلف إذا سعى، وليس على براءة ذمته - من سعى المتعة إذا اقتصر على سعي الحج، ومن
سعي الحج إذا جبر بدم - دليل.
والمفروض في السعي النية، ومقارنتها [75 / ب] واستدامة حكمها، والبدأة بالصفا، و
الختام بالمروة، وأن يكون سبعة أشواط (1)، بلا خلاف بين الفقهاء، وصفته أن يعد ذهابه إلى
المروة دفعة، ورجوعه إلى الصفا دفعة، وعليه جمع الفقهاء إلا أبا بكر الصيرفي من أصحاب
الشافعي فإنه اعتبر الذهاب والرجوع دفعة (2).
والمسنون فيه أن يكون على طهارة، وأن يصعد الصفا، ويستقبل الكعبة، ويكبر الله،
ويحمده، ويهلله، سبعا سبعا ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت،
بيده الخير وهو على كل شئ قدير. ثلاث مرات.
ويصلي على محمد وآله كذلك، ويقرأ {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، ويقول: اللهم إني
أسألك العفو والعافية... إلى آخر الدعاء.
وأن يقول إذا نزل من الصفا ونوى السعي وابتدأ فيه:
يا رب العفو، يا من أمر بالعفو وهو أولى بالعفو، العفو العفو العفو. وأن يكرر ذلك وهو
يمشي حتى يبلغ المنارة، فإذا بلغها استحب له إن كان رجلا أن يهرول، وإن كانت امرأة مشت
على حالها، وأن يقول:
اللهم اهدني للتي هي أقوم، واغفر لي وارحمني وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.
ويقول ذلك حتى يبلغ المنارة الأخرى، ويجاوز سوق العطارين، فيقطع الهرولة، ويمشي إلى
المروة وهو يقول:
يا ذا المن والطول والكرم والجود، صل على محمد وآل محمد، واغفر لي ذنوبي إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم. ويكرر ذلك حتى يصل إلى المروة، وأن يصعد إلى المروة و
يقول من التكبير والتحميد والتهليل والصلاة على محمد وآله مثل ما قال على الصفا ثم يقول:

1 - الغنية 177.
205

اللهم إني أسألك حسن الظن بك... إلى آخره.
وإذا انحدر عائدا إلى الصفا فعل في كل موضع مثل ما فعله فيه أولا، ولا يزال كذلك
حتى يكمل سبعة أشواط.
وحكم قطع السعي والسهو فيه والشك، حكمه في الطواف.
ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة، ويجوز الوقوف عند الإعياء والجلوس على
الصفا والمروة.
ويجوز السعي راكبا، والمشي أفضل (1).
يكفي في السعي أن يطوف بين الصفا والمروة وإن لم يصعد عليهما، فبه قال جميع الفقهاء
إلا ابن الوكيل (2) من أصحاب الشافعي فإنه [76 / أ] قال: لا بد أن يصعد عليهما ولو شيئا
يسيرا (3).
إذا طاف بين الصفا والمروة سبعا وهو عند الصفا، أعاد السعي من أوله لأنه بدأ بالمروة،
وقال الفقهاء إنه يسقط الأول، ويبني على أنه بدأ بالصفا، فيضيف إليه شوطا آخر. (4)
فصل
وإذا فرغ المتمتع من سعي المتعة وجب عليه التقصير، وهو أن يقص شيئا من أظفاره و
أطراف شعر رأسه أو لحيته، أو من أحد ذلك، فإذا فعل ذلك أحل من كل شئ أحرم منه إلا
الصيد، لكونه في الحرم، والأفضل أن يتشبه بالمحرمين إلى أن يحرم بالحج، فإن نسي التقصير
حتى أحرم فعليه دم شاة (5).
والتقصير من أفعال العمرة.
وأفعال العمرة خمسة: الإحرام والتلبية والطواف، والسعي والتقصير. وإن حلق
جاز، والتقصير أفضل، وبعد الحج الحلق أفضل.
وقال الشافعي: أربعة، في أحد قوليه، ولم يذكر التلبية فيها. وفي الآخر ثلاثة ولم يذكر

1 - الغنية: 178 - 179.
2 - اسمه عمر بن عبد الله بن موسى، أبو حفص، الباب الشامي فقيه جليل الرتبة مات بعد (310 ه‍). طبقات الشافعية:
1 / 97 رقم 43.
3 - الخلاف: 2 / 329 مسألة 142.
4 - الخلاف: 2 / 329 مسألة 143.
5 - الغنية 179.
206

الحلق والتقصير فيها أيضا (1).
ومن كان أصلع أو أقرع فعليه أن يمر الموسى على رأسه استحبابا. وفاقا للشافعي و
خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يجب (2).
وهدي المتمتع لا يجوز نحره إلا بمنى. وقال الشافعي: ينحره على المروة، وإن نحره بمكة
جاز أي موضع شاء. (3)
وإذا حاضت المتمتعة قبل أن تفرغ من أفعال العمرة، جعلته حجة مفردة، وقال
الفقهاء: بأسرهم تحتاج إلى تجديد الإحرام. (4)
فصل
والإحرام بالحج ينبغي أن يكون عند زوال الشمس من يوم التروية في المسجد الحرام،
وأفضل ذلك تحت الميزاب أو عند المقام ويصنع فيه كما صنع في الإحرام الأول من الغسل و
لبس ثوبيه، والصلاة، والدعاء، والنية، وعقده بالتلبية الواجبة، إلا أنه لا يذكر في الدعاء
إلا الحج فقط، و [لا] يرفع صوته بالتلبية، ثم يخرج متوجها إلى منى، وهو يقرأ {إنا أنزلناه
في ليلة القدر} فإذا بلغ الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح، رفع صوته بالتلبية
الواجبة والمندوبة ويقول: لبيك بحجة تمامها عليك، ويدعو بما هو مرسوم.
ويستحب أن يبيت بمنى، ويصلي بها المغرب والعشاء الآخرة والفجر، ليكون الإفاضة
منها إلى عرفات، ولا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس ويقول المتوجه إلى عرفات: اللهم
إليك صمدت إلى آخره ويلبي بالواجبة والمندوبة [76 / ب] رافعا بها صوته، ويقرأ {إنا
أنزلناه} حتى يأتي عرفات، ودليل هذا كله إجماع الطائفة واتفاقهم عليه. (5)
فصل في الوقوف بعرفة
الوقوف بها ركن من أركان الحج بلا خلاف، وأول وقته من حين تزول الشمس في

1 - الخلاف: 2 / 330 مسألة 144.
2 - الخلاف: 2 / 331 مسألة 146.
3 - الخلاف: 2 / 331 مسألة 145.
4 - الخلاف: 2 / 334 مسألة 149.
5 - الغنية 180.
207

اليوم التاسع بلا خلاف إلا من أحمد (1)، (2) فإنه قال: من عند طلوع الفجر من يوم عرفة (3)
وآخره إلى غروبها، وآخره عند الشافعي إلى طلوع الفجر من يوم العيد، ولو أنشأ الإحرام
ليلة العيد جاز عنده لأن الحج عرفة ووقته باق. (4)
وآخره للمختار إلى غروبها وللمضطر إلى طلوع الفجر يوم النحر، بلا خلاف، فمن فوته
مختارا بطل حجه بلا خلاف، وإن كان مضطرا، فأدرك المشعر الحرام في وقت المضطر، فحجه
ماض (5)، خلافا لهم فإنهم قالوا: فاته الحج سواء كان مختارا أو مضطرا لقوله (عليه السلام) من فاته
عرفة ليلا فاته الحج (6).
لنا إجماع الإمامية وأنه قد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر وكل من قال بذلك قال بما
ذكرناه، والتفرقة بين الأمرين يبطلها الإجماع.
ويستحب لمن أتى عرفات أن يضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة، وأن يغتسل إذا
زالت الشمس، ويجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين (7)، وفاقا لأبي حنيفة
والشافعي (8).
وإذا كان الإمام مقيما أتم وقصر من خلفه من المسافرين، خلافا للشافعي، فإنه قال
أتم وأتم من خلفه من المقيمين والمسافرين، وإن كان مسافرا قصر ومن خلفه من المسافرين و
أتم المقيمون، وبه قال أبو حنيفة (9).
وأن يكون وقوفه في ميسرة الجبل، وأن يدعو في حال الوقوف.
والواجب في الوقوف، النية، ومقارنتها، واستدامة حكمها، وأن لا يكون في الجبل إلا
لضرورة، ولا في نمرة (10).
فمن وقف فيه لم يجزه، وفاقا للشافعي، وخلافا لمالك فإنه قال يجزيه (11)، ولا في ثوية و

1 - بن محمد بن حنبل بن هلال، أبو عبد الله، المروزي، توفي سنة (241 ه‍) ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب. وفيات
الأعيان: 1 / 63 رقم 20.
2 - الغنية 180.
3 - الخلاف 2 / 337 مسألة 156.
4 - الوجيز: 1 / 130.
5 - الغنية 180 - 181.
6 - الخلاف: 2 / 342 مسألة 162، الهداية في شرح البداية: 1 / 148.
7 - الغنية: 181.
8 - الخلاف: 2 / 339 مسألة 159.
9 - الخلاف: 2 / 335 مسألة 152.
10 - الغنية 181.
11 - الخلاف: 2 / 336 مسألة 154.
208

لا ذي المجاز ولا تحت الأراك، وأن يكون إلى غروب الشمس، فإن أفاض قبل الغروب
متعمدا عالما أن ذلك لا يجوز، فعليه بدنة (1)، وقال أبو حنيفة: يلزمه دم وبه قال الشافعي في
القديم والأم، وقال في الإملاء: يستحب (2).
وإذا عاد قبل غيبوبة الشمس وأقام حتى غابت سقط الدم، وفاقا لأبي حنيفة، وقال
الشافعي: إن عاد قبل خروج الوقت سقط الدم ولا يجب (3).
وكيفية الوقوف أن يتوجه إلى القبلة، فسبح [77 / أ] الله تعالى مئة مرة، ويحمد الله
ويهلله ويكبره ويصلي على محمد وآله مئة مئة، ويقول:
ما شاء الله لا قوة إلا بالله استغفر الله مأة مرة. ويقول:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده
الخير وهو على كل شئ قدير مئة مرة. (4)
ويفعل ما رسم له في الوقوف من الأذكار والأدعية المذكورة في الكتب العملية ومناسك
الحج " ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة، ويقر بما يعرفه من ذنوبه، ويعترف به ذنبا ذنبا، و
يستغفر الله منه، وما لم يذكره يستغفر منه في الجملة ويرفع رأسه إلى السماء ويتضرع إليه
سبحانه " (5).
فصل
وإذا غربت الشمس أفاض إلى المشعر وقال:
اللهم لا تجعل آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني، واقلبني اليوم
مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك برحمتك يا
أرحم الراحمين.
فإذا وصل إلى الكثيب الأحمر وهو عن يمين الطريق قال:
اللهم صل على محمد وآل محمد وزك عملي، وارحم ذلي في موقفي، وسلم لي ديني و
تقبل مناسكي.

1 - الغنية 181.
2 - الخلاف: 2 / 338 / مسألة 157.
3 - الخلاف: 2 / 339 مسألة 158.
4 - الغنية 181.
5 - الغنية 182.
209

فإذا وصل إلى المشعر - وحده ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي المحسر -
نزل به (1).
فصل في الوقوف بالمشعر
والوقوف به ركن من أركان الحج، ووقته للمختار من طلوع الفجر إلى ابتداء طلوع
الشمس، ويمتد للمضطر الليل كله، فمن فاته حتى طلعت الشمس فلا حج له (2)، خلافا
للفقهاء، فإنهم قالوا ليس بركن، إلا أن الشافعي قال: إن ترك المبيت بها لزمه دم في أحد قوليه،
والثاني: لا شئ عليه، لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط لأنه لا خلاف في صحة حج من
وقف به وليس كذلك من لم يقف (3)، وقوله تعالى {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} (4) و
ظاهر الأمر يقتضي الوجوب فيجب الذكر فيه، ولا يصح الذكر فيه إلا بعد الكون به، وما
لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأيضا لا خلاف في أن النبي (صلى الله عليه وآله) وقف، وقد قال: (خذوا
عني مناسككم) فيجب الوقوف به، وقد روي عنه (عليه السلام) قوله: من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج
له، وقوله [77 / ب]: وهو بالمزدلفة (من وقف معنا بهذا الموضع وصلى معنا هذه الصلاة وقد
كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه)، لأنه يدل على أن تمام الحج
يتعلق بالوقوف بالموقفين، وأما ما رووا من قوله (عليه السلام): (الحج عرفة) فهو معارض بما ذكرناه من
الروايات.
والواجب في الوقوف النية ومقارنتها واستدامة حكمها، وأن لا يرتفع إلى الجبل إلا
لضرورة من ضيق أو غيره، والدعاء بأقل ما يسمى به المرء داعيا والاحتياط يقتضي ذلك و
ظاهر قوله تعالى: {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} لأن قوله {اذكروا الله} أمر وظاهر
الأمر يقتضي الوجوب.
والمستحب أن يطأ المشعر، وأن يكبر الله ويسبحه ويحمده ويهلله مئة مرة، ويصلي
على محمد وآله ما تيسر ويقول: اللهم اهدني من الضلالة وأنقذني من الجهالة... إلى آخر
الدعاء.

1 - الغنية: 183.
2 - الغنية 183.
3 - الخلاف: 2 / 341 مسألة 161.
4 - البقرة: 198.
210

وأن يجتهد في الدعاء والمسألة إلى ابتداء طلوع الشمس، فإذا طلعت أفاض من المشعر،
ولا يجوز لأحد مع الاختيار أن يخرج منه قبل طلوع الفجر، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع
الشمس: ولا يخرج الإمام من المشعر حتى تطلع الشمس.
ويجوز للنساء إذا خفن مجئ الدم الإفاضة ليلا، وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير
ودخول مكة للطواف والسعي ولا يجوز أن تصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتهما
بخروج وقت المضطر، ويستحب الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين (1).
وقال أبو حنيفة: بأذان واحد وإقامة واحدة.
وقال الشافعي مثل ما قلناه إذا جمع بينهما في وقت الأولى وإن جمع بينهما في وقت الثانية
فله ثلاثة أقوال: قال في القديم: يجمع بأذان واحد وإقامتين، وهو الصحيح عندهم. وفي
الجديد بإقامتين بغير أذان. وفي الإملاء: إن رجى اجتماع الناس أذن وإلا لم يؤذن (2).
وأما خوف الفوت فهو إذا مضى ربع الليل، وروي إلى نصف الليل. وبه قال أبو حنيفة
إلا أنه قال: بطلوع الفجر.
وقال الشافعي: إن صلى المغرب في وقتها بعرفات والعشاء بالمزدلفة أجزأه (3).
ويستحب إذا أفاض من المشعر إلى منى أن يسير بسكينة ووقار ذاكرا لله سبحانه
ومستغفرا له، وأن يقطع وادي محسر بالهرولة ويجزيه أن يهرول فيه مئة خطوة وإن كان راكبا
[78 / أ] حرك راحلته، دليل ذلك كله إجماع الإمامية.
فصل في نزول منى
وحدها من وادي محسر إلى العقبة، ومن السنة المبيت بها ليلة [عرفة] ونزولها يوم
النحر لقضاء المناسك من رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق، والتقصير، وكذلك نزولها أيام
التشريق للرمي، والمبيت بها ليالي هذه الأيام إلى حين الإفاضة بلا خلاف، فإن ترك المبيت
بها مختارا من غير عذر ليلة فعليه دم، فإن ترك ليلتين فعليه دمان، فإن ترك الثالث فلا شئ
عليه، لأن له أن ينفر في النفر الأول، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، فإن لم ينفر حتى

1 - الغنية 184 - 185
2 - الخلاف: 2 / 339 مسألة 159.
3 - الخلاف: 2 / 340 مسألة 160.
211

غربت الشمس، فعليه المبيت الليلة الثالثة، فإن نفر ولم يبت فعليه دم ثالث (1).
وللشافعي ثلاثة أقوال إن ترك ليلة، أحدها: عليه مد والآخر عليه ثلث دم والثالث
قاله في مختصر الحج: في ليلة درهم وفي ليلتين در همان وفي الثالثة عليه دم، على أحد قوليه،
والقول الآخر: لا شئ عليه.
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط (2) وقوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا
إثم عليه} (3) فعلق الرخصة باليوم الثاني، وهذا قد فاته اليوم الثاني فلا يجوز له أن ينفر (4).
يوم النفر الأول بالخيار في النفر أي وقت شاء إلى غروب الشمس، فإذا لم ينفر فليس له
أن ينفر، فإن نفر أثم. وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: له أن ينفر إلى [قبل] طلوع الفجر
فإن طلع الفجر يوم النفر الثاني فنفر أثم (5).
لنا ما تقدم من قوله تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} (6) لأنه علق
الرخصة باليوم الثاني، وقد فاته فلا يجوز له أن ينفر. (7) في غيره لأن الرخصة لا تتناوله.
ومن أصاب النساء، أو شيئا من الصيد، فليس له أن ينفر في النفر الأول، بل يقيم إلى
النفر الأخير، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق.
ومن أراد النفر في الأول، فلا ينفر حتى تزول الشمس إلا لضرورة، فإنه يجوز معها قبل
الزوال، ومن أراد النفر في الأخير جاز له بعد طلوع الشمس أي وقت شاء، ومن أراد المقام
بها جاز له ذلك، إلا للإمام وحده، فإن عليه أن يصلي الظهر بمكة.
فصل في الرمي
لا يجوز الرمي إلا بالحصى (8)، وفي الخلاف: لا يجوز إلا بالحجر، وما كان من جنسه من
البرام والجواهر وأنواع الحجارة، ولا يجوز بغيره كالمدر، والآجر، والكحل، والزرنيخ، و
غير ذلك من الذهب [78 / ب] والفضة. وفاقا للشافعي في ذلك.
وقال أبو حنيفة: يجوز بالحجر، وما كان من نفس الأرض كالطين والمدر والكحل

1 - الغنية 186.
2 - الخلاف: 2 / 358 مسألة 190.
3 - البقرة: 203.
4 - الغنية 186.
5 - الخلاف: 2 / 355 مسألة 184.
6 - البقرة: 203.
7 - الغنية 186.
8 - الغنية: 186 - 187.
212

والزرنيخ، ولا يجوز بالذهب ولا الفضة (1).
لنا إجماع الإمامية وطريقة الاحتياط وما روي من قوله (عليه السلام) حين هبط من وادي
محسر: أيها الناس عليكم بحصى الخذف، وهذا نص.
ولا يجوز بالحصى المأخوذ من غير الحرم، ولا بالمأخوذ من المسجد الحرام، أو من
مسجد الخيف، ولا بالحصى الذي قد رمي به مرة أخرى، سواء كان هو الرامي به أو غيره (2)،
خلافا للشافعي، فإنه قال: أكرهه، فإن فعل أجزأه (3)، لنا بعد الإجماع من أهل البيت و
طريقة الاحتياط، أنه فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فالواجب علينا أن نفعل مثل ما فعله وقد قال (خذوا
عني مناسككم) ولا خلاف في أنه لم يرم إلا بما ذكرناه.
ومقداره كرأس الأنملة، وأفضله الملتقط من المشعر الحرام البرش منه ثم البيض والحمر
ويكره السود ويكره أن يكسر، وهو سبعون حصاة، يرمي يوم النحر جمرة العقبة وهي
القصوى بسبع، ويرمي في كل يوم بعده الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة.
ووقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف، و
وقت الإجزاء من طلوع الفجر مع الاختيار، فمن رمي قبل ذلك لم يجزه إلا أن تكون هناك
ضرورة (4) فيجوز أن يرمي بالليل، وقال الشافعي أول وقت الإجزاء إذا انتصف ليلة النحر.
وقال أبو حنيفة: وقته إذا طلع الفجر، فإن رمي قبل ذلك لم يجزه وفاقا لما قلناه (5).
ووقت الرمي في أيام التشريق كلها بعد الزوال وقد روي رخصة قبل الزوال في الأيام
كلها، وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة قال: وإن رمى يوم الثالث قبل
الزوال جاز استحسانا (6).
ومن فاته رمي يوم حتى غربت الشمس، قضاه في اليوم الثاني في صدر النهار، ومن
فاته الرمي بخروج أيام التشريق، قضاه من قابل، أو استناب من يرمي عنه، ويجب أن يبدأ
بالجمرة الأولى، وهي العظمى التي إلى منى أقرب، ثم الوسطى، ثم العقبة، وهي التي إلى مكة
أقرب ولا خلاف في وجوب هذا الترتيب في الرمي، فإن خالف الترتيب استدركه لأنه
لا خلاف في صحته مع الترتيب، وليس كذلك [79 / أ] مع عدمه، وأيضا فقد أتفق على أنه

1 - الخلاف: 2 / 342 مسألة 163.
2 - الغنية 187.
3 - الخلاف: 2 / 343 مسألة 164.
4 - الغنية 187.
5 - الخلاف: 2 / 344 مسألة 167.
6 - الخلاف: 2 / 351 مسألة 176.
213

(عليه السلام) رتب الرمي، وفعله يقع موقع البيان، فيجب الاقتداء به.
ويستحب أن يقف عند الأولى والثانية، ويكبر عند كل حصاة، ولا يقف عند الثالثة
بلا خلاف، ويستحب أن يكون الرامي على طهارة، وأن يقف من قبل وجه الجمرة، ولا يقف
من أعلاها، وأن يكون بينه وبينها قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، وأن يدعو
والحصاة في يده بما رسم وأن يرمي خذفا وهو أن يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها
بظاهر مسبحته ويقول:
بسم الله... إلى آخر المرسوم وإذا نسي، فرمى الأولى بثلاث حصيات، ورمى
الجمرتين على التمام، ثم ذكر، استأنف رمي الجمرات الثلاث، فإن رمى الأولى أربع، تمم رميها
بثلاث حصيات، ولم يعد على الجمرتين، وهكذا حكم النسيان في الوسطى والثالثة (1).
وقال الشافعي: إن نسي واحدة من الأولى أعاد عليها وعلى ما بعدها (2).
وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمرات هي رمي كل جمرة بحصاة وقد أجزأه (3)، وقال الشافعي: يجعلها من الأولى ويرميها بحصاة، ويعيد على الجمرتين (4).
وإذا رمى بحصاة فوقعت في محمل، أو على ظهر بعير، ثم سقطت على الأرض، أجزأت،
وإلا فعليه أن يرمي عوضا غيرها (5)، في الوجيز: ولو وقع في المحمل ففضه صاحبه لم يجزه (6)،
ولو رمي بحصاتين أو سبع دفعة واحدة لم يعتد بأكثر من واحدة، سواء وقعت عليها مجتمعة أو
متفرقة. وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: إذا وقعت متفرقة اعتد بهن كلهن (7).
ومن أخر الرمي حتى مضى أيام الرمي، وجب عليه أن يرميها في العام المقبل، على
ما ذكرنا قبل ولا يلزمه دم (8)، وفي الوجيز ومهما ترك الجميع فيكفيه دم واحد في قول، و
يلزمه أربعة دماء في قول لوظيفة كل يوم دم (9)، وفي النافع من ترك رمي الجمار في الأيام كلها
أو رمي يوم فعليه دم وإن ترك رمي جمرة من الجمار الثلاث يوما من الأيام الثلاثة فعليه
صدقة لأن ترك وظيفة اليوم يوجب الدم فما دونه يوجب الصدقة.

1 - الغنية 188.
2 - الخلاف: 2 / 351 مسألة 177.
3 - الغنية 189.
4 - الخلاف: 2 / 352 مسألة 178.
5 - الغنية 189.
6 - الوجيز: 1 / 122.
7 - الخلاف: 2 / 352 مسألة 179.
8 - الخلاف: 2 / 352 مسألة 180.
9 - الوجيز: 122.
214

فصل في الذبح
الذبح على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض هدي النذر، وهدي الكفارة، وهدي التمتع، وهدي القران بعد التقليد و
الإشعار.
والمسنون هدي القران قبل التقليد والإشعار والأضحية.
وهدي النذر يلزم من صفته وسياقه وتعيين موضع ذبحه أو نحره [79 / ب] ما يشترطه
الناذر بلا خلاف، وإن نذر هديا بعينه لم يجزه غيره، وإن نذر مطلقا ولم يعين شيئا فعليه أن
يهدي إما من الإبل، أو البقر، أو الغنم (1).
وفاقا لأبي حنيفة في الإبل والبقر، وهو أصح القولين للشافعي، وقال في القديم و
الإملاء: لزمه ما يقع عليه اسم الهدي قل أم كثر (2).
لنا في الأول أنا روينا أن اسم الهدي لا يقع إلا على البدن والنعم وفي الثاني أن الأصل
براءة الذمة من الإبل أو البقر.
وأن ينحره بمكة قبالة الكعبة إن أطلقه، وإن قيده بموضع بعينه لزمه في ذلك الموضع.
ولا يجوز أن يكون الهدي إلا ما ذكرناه، لقوله تعالى: {فما استيسر من الهدي} (3) لأنه
بلا خلاف الإبل والبقر والغنم دون غيرها.
وهدي النذر مضمون على الناذر، يلزمه عوض ما انكسر عنه، أو مات، أو ضل، و
لا يحل له الأكل منه (4).
ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران، وفاقا لأبي حنيفة، وخلافا للشافعي فإنه قال:
لا يجوز الأكل من جميع ذلك، وقال مالك: يأكل من الكل إلا ما وجب بالنذر. وقال أبو
حنيفة: لا يأكل من الكل إلا من دم التمتع والقران ويجوز الأكل من الأضحية بلا خلاف (5).
وأما هدي الكفارة فيختلف على حسب اختلاف الجنايات ويلزم سياق ما وجب عن
قتل الصيد من حيث حصل القتل إن أمكن ذلك، ولا يلزم سياق ما وجب عما عدا ذلك من
الجنايات، ويذبح أو ينحر إن كان لتعد في إحرام المتعة، أو العمرة المفردة، بمكة قبالة الكعبة، و

1 - الغنية 189.
2 - الخلاف: 2 / 437 مسألة 334.
3 - البقرة: 196.
4 - الغنية 189 - 190.
5 - الخلاف: 2 / 444 مسألة 345.
215

في إحرام الحج بمنى (1)، وقال الشافعي: فيه ثلاث مسائل إن نحر في الحرم وفرق اللحم في
الحرم أجزأه بلا خلاف بينهم، وإن نحر في الحرم وفرق اللحم في الحل لم يجز عنده خلافا لأبي
حنيفة، وإن نحر في الحل وفرق اللحم في الحرم فإن كان تغير لم يجز وإن كان طريا في الحرم
فعلى وجهين (2).
وأما المحصور جاز له أن ينحر مكانه في حل أو حرم إذا لم يتمكن من إنفاذه بلا
خلاف (3).
وأما هدي التمتع فأعلاه بدنة، وأدناه شاة، ويذبح أو ينحر بمنى، وكذا هدي القران، و
يلزم سياقه بعد التقليد والإشعار وإن كان ابتداؤه تطوعا.
والتقليد: أن يقلد عليه نعل أو مزادة والإشعار أن يشق السنام من الجانب الأيمن
بحديدة حتى يسيل الدم (4).
وبه قال الشافعي، وقال مالك [80 / أ] وأبو يوسف: من الجانب الأيسر. وقال أبو
حنيفة يقلدها ولا يشعرها، فإن الإشعار مثلة وبدعة.
لنا ما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله [صلى الظهر] بذي الحليفة، ثم
دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم أتي براحلته، فقعد عليها واستوت به على
البيداء وأهل بالحج. وفي الصحيح أنه خرج رسول الله (عليه السلام) عام الحديبية، فلما كان بذي
الحليفة قلد الهدي وأشعره (5).
والغنم يستحب تقليدها. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يقلد الغنم (6).
ويجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة، أو بقرة إذا كانوا أهل خوان واحد، ولا يجوز أن
يكون بعضهم يريد اللحم.
ويدل على ذلك خبر جابر قال: كنا نمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونشترك السبعة في
البقرة أو البدنة، وعند أبي حنيفة مثله إلا أنه لا يعتبر أن يكونوا أهل خوان واحد. وعند
الشافعي مثله إلا أنه أجاز أن يكون بعضهم أراد اللحم (7).

1 - الغنية 190.
2 - الخلاف: 2 / 372 مسألة 214.
3 - الخلاف: 2 / 424 مسألة 316.
4 - الغنية 190.
5 - الخلاف: 2 / 439 مسألة 337.
6 - الخلاف: 2 / 440 مسألة 338.
7 - الخلاف: 2 / 441 مسألة 341.
216

إذا ذبح الإبل أو نحر البقر أو الغنم حرم أكله خلافا للشافعي فإنه قال: لم يحرم إلا أنه
خالف السنة. (1)
محل النحر للحاج منى، وللمعتمر مكة، فإن خالف لا يجزيه. وقال الشافعي: يجزيه و
إن خالف السنة (2).
ويجوز الذبح [في] الثالث من أيام التشريق وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه
قال: لا يجوز لأنه ليس من الأيام المعلومات. (3)
وأفضل الهدي والأضاحي من الإبل والبقر الإناث ومن الغنم الفحولة.
ولا يجوز من الإبل والبقر والمعز إلا الثني وهو من الإبل الذي قد تمت له خمس سنين و
دخل في السادسة، ومن البقر والغنم الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية، ويجزي من
الضأن الجذع، وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.
ولا يجوز مع الاختيار أن يكون ناقص الخلقة، ولا أعور بين العور ولا أعرج بين
العرج، ولا مهزولا ولا أخرم ولا أجدع وهو المقطوع الأذن، ولا خصيا، ولا أعضب وهو
المكسور القرن، إلا أن يكون الداخل صحيحا، والخارج مقطوعا فإنه جائز.
ولا يجوز التضحية بمنى إلا بما قد أحضر عرفات سواء أحضره هو أو غيره، ولا يجزي
الهدي الواحد في الواجب إلا عن واحد مع الاختيار، ومع الضرورة يجزي البدنة أو البقرة عن
خمسة وعن سبعة، والمتطوع به عن جماعة إذا كانوا أهل خوان واحد.
ومن السنة أن يتولى الذبح أو النحر بيده أو يشارك [80 ب] الفاعل (4) لقوله (عليه السلام): يا
فاطمة قومي [فاشهدي] إلى أضحيتك (5) ولأنه قربه فالأولى أن يفعل بنفسه إظهارا لتواضعه
وأن ينحر كما ينحر وهو قائم معقول اليد اليسرى من الجانب الأيمن من اللبة (6)، روى جابر
أن النبي (عليه السلام) وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى، قائمة على ما بقي من
قوائمها (7)، وقوله تعالى: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} (8) قال ابن عباس (صواف) أي

1 - الخلاف: 2 / 443 مسألة 342.
2 - الخلاف: 2 / 444 مسألة 344.
3 - الخلاف: 2 / 437 مسألة 333.
4 - الغنية: 191.
5 - البحار: 99 / 300 حديث 37.
6 - الغنية 191.
7 - الدر المنثور: 6 / 52 وفيه ابن سابط، نصب الراية: 3 / 206 عن جابر عن ابن سابط.
8 - الحج: 36.
217

معقولة إحدى يديها، وقوله (فإذا وجبت جنوبها) أي سقطت على جنوبها.
ولا يجوز أن يعطي الجزار شيئا من الهدي ولا من جلاله على جهة الأجر (1) وفاقا لهم،
لما روي عنه (عليه السلام) أنه قال لعلي تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط أجرة الجزار منها (2) ويجوز
على جهة الصدقة.
وأيام الذبح بمنى أربعة: يوم النحر وثلاثة بعده، وفي سائر الأمصار ثلاثة: يوم النحر و
يومان بعده (3).
والأيام المعدودات أيام التشريق بلا خلاف، والأيام المعلومات عشرة أيام من أول
ذي الحجة، آخرها غروب الشمس من يوم النحر، وهو قول علي وابن عباس وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: ثلاثة أيام، أولها يوم عرفة وآخرها أول التشريق، وقال مالك:
لا ذبح إلا في المعلومات. وقال أبو حنيفة: الذبح جائز في غير المعلومات، وهو ثاني التشريق.
وقال سعيد بن جبير: المعدودات هي المعلومات (4).
ويجوز ذبح هدي التمتع طول ذي الحجة، ومن لم يجده ووجد الثمن، تركه عند من يثق
به، ليشتريه في العام المقبل ويذبحه عنه، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع
إلى أهله (5).
فصل في الحلق
إذا ذبح الحاج أو نحر فليحلق رأسه، يجلس مستقبل القبلة، ويأمر الحلاق أن يبدأ من
الناصية من الجانب الأيمن.
والحلق نسك وليس إباحة محظور (6) وللشافعي في كون الحلق نسكا قولان (7)، لنا بعد
إجماع الإمامية قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم} (8) وقد جاء في التفسير أنه الحلق، وإذا أمر
الله تعالى به فهو نسك، وما روي أنه (عليه السلام) قال لأصحابه: انحروا واحلقوا، وأنه دعا للمحلقين
ثلاثا وللمقصرين مرة، ولولا أنه نسك لما أمر، ولا استحق لأجله الدعاء.

1 - الغنية: 191.
2 - البحار: 38 / 72 حديث 1، نصب الراية: 3 / 309.
3 - الغنية 191.
4 - الخلاف: 2 / 435 مسألة 332.
5 - الغنية: 191.
6 - الغنية 191.
7 - الوجيز: 1 / 121، والمجموع: 8 / 189.
8 - الحج: 29.
218

ويجوز التقصير بدلا من الحلق، وروي أن الصرورة لا يجزئه إلا الحلق بمنى، فمن نسيه
عاد إليها فحلق، وإن لم يتمكن حلق بحيث هو وبعث شعره ليدفن [بها] (1).
فصل
ثم يدخل مكة من يوم العيد أو من الغد لطواف الزيارة [81 / أ] - وهو طواف الحج - و
السعي بين الصفا والمروة، ولطواف النساء، ويصنع قبل دخوله مكة والمسجد وفي الطواف و
السعي، مثل ما فعله أولا، ثم يخرج من يومه إلى منى، للمبيت بها ورمي الجمار.
ويستحب له إذا نفر من منى أن يأتي مسجد الخيف، فيصلي فيه ست ركعات عند
المنارة التي في وسطه، ويسبح تسبيح الزهراء، ويدعو بما أحب، وأن يحول وجهه إلى
منى إذا جاوز جمرة العقبة، ويقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا العام وارزقنيه أبدا
ما أبقيتني.
وأن يدخل مسجد الحصباء إذا بلغ إليه، ويصلي فيه ويستريح بالاستلقاء على ظهره، و
إذا أراد المسير من مكة، استحب أن يطوف طواف الوداع، وأن يدخله ويصلي في زواياه، و
على الرخامة الحمراء، ويكثر من التضرع والدعاء، وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها، و
يصلي عند المقام ركعتين، ويدعو بدعاء الوداع. (2)
في الخلاف: نزول المحصب مستحب وهو نسك. وقال الفقهاء: هو مستحب وليس
بنسك. فإن أرادوا بالنسك ما يلزم بتركه الدم فليس بنسك عندنا، لأن من تركه لا يلزم‍ [- ه]
دم وإنما يكون قد ترك الأفضل ويسقط الخلاف. (3)
وطواف الوداع مستحب بلا خلاف، وطواف النساء فرض لا يتحلل من النساء إلا به،
وإن ترك طواف الوداع لا يلزمه دم، وإن ترك طواف النساء لم تحل له النساء حتى يعود و
يطوف، أو يأمر من يطوف عنه، وخالف جميع الفقهاء في طواف النساء، ووافقوا في طواف
الوداع. فأما لزوم الدم بتركه، فذهب إليه أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي والآخر إنه
لآدم عليه. (4)

1 - الغنية: 192.
2 - الغنية: 191 - 193.
3 - الخلاف: 2 / 359 مسألة 191.
4 - الخلاف: 2 / 363 مسألة 199.
219

فصل
إذا صد بعدو أو أحصر لمرض فلم يستطع النفوذ لأداء المناسك، فإن كان قارنا نفذ
هديه، وإن كان متمتعا أو مفردا نفذ ما يبتاع به الهدي، فإذا بلغ محله، وهو يوم النحر،
فليحلق رأسه، ويحل إن كان مصدودا بعدو من كل شئ أحرم منه، وإن كان محصورا بمرض
تحلل من كل شئ إلا النساء حتى يطوف طواف النساء من قابل أو يطاف عنه. (1) لا يجوز
للمحصور أن يتحلل إلا بهدي. وقال مالك: لا هدي عليه، لنا قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما
استيسر من الهدي}. (2) وما روي عن جابر قال: أحصرنا مع رسول الله بالحديبية، فنحرنا
البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة (3)، [81 / ب] وذلك عام في المرض والعدو معا. وليس
لأحد أن يقول الآية خاصة في الإحصار بالعدو، لأنها نزلت حين صد المشركون عام
الحديبية النبي والمسلمين عن البيت، لأن الكلام إذا خرج على سبب لم يجز قصره عليه، بل
يجب حمله على عمومه، وإدخال السبب فيه، ولو أراد الإحصار بالعدو خاصة، لقال: {فإن
حصرتم} لأنه مختص بالعدو ولم يقل {أحصرتم} من الإحصار المشترك بين العدو والمرض.
قال الكسائي (4) والفراء (5) وثعلب (6) وأكثر أهل اللغة: يقال: حصره المرض وأحصره العدو
والمرض، وليس لأحد أن يقول: قوله تعالى في سياق الآية {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة}
دليل على أنه الإحصار بالعدو، لأن الأمن قد يكون من المرض، وهو أن يأمن زيادته، على
أن لفظ الإحصار إذا كان حقيقة في المرض والعدو، كان قوله تعالى: {فإذا أمنتم} راجعا إلى
بعض ما تناوله العموم، وهذا يمنع من دخول غير ما تعلق به التخصيص في الخطاب.
ولا يجوز ذبح هدي الإحصار إلا بمحله من البيت أو منى مع الاختيار، ومع الضرورة

1 - الغنية: 195.
2 - البقرة: 196.
3 - الخلاف: 2 / 423 مسألة 315.
4 - اسمه علي بن حمزة بن عبد الله، الأسدي بالولاء، أبو الحسن، الكوفي المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة. روى
عن: أبي بكر بن عياش، وحمزة الزيات، وابن عيينة، وروى عنه الفراء، وأبو عبيد، القاسم بن سلام وتوفي سنة
(189) بالري. وفيات الأعيان: 3 / 295 الرقم 433.
5 - اسمه يحيى بن زياد بن عبد الله الأسلمي المعروف بالفراء، أبو زكريا، الديلمي الكوفي، أبرع الكوفيين وأعلمهم
بالنحو واللغة وفنون الأدب، أخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي وتوفي سنة (207) في طريق مكة وعمره (63)
سنة. وفيات الأعيان: 6 / 176 رقم 798.
6 - اسمه أحمد بن يحيى، أبو العباس، النحوي اللغوي، ولد سنة (200) ومات سنة (291) يراجع ترجمته في معجم
الأدباء: 5 / 102 رقم 27.
220

يجوز بحيث هو بعد أن ينتظر بلوغ محله، وهو يوم النحر (1).
وفي الخلاف: إذا أحصره العدو، جاز أن يذبح هديه مكانه، والأفضل أن ينفذ به إلى
منى أو مكة. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة لا يجوز أن ينحر إلا في الحرم، سواء أحصر في
الحل أو في الحرم، فإن أحصر في الحرم نحر مكانه، وإن أحصر في الحل أنفذ بهديه، ويقدر له
مدة يغلب على ظنه أنه يصل فيها وينحر، فإذا مضت تلك المدة تحلل ثم نظر، فإن وافق تحلله
بعد نحر هديه لم يصح تحلله، وإن كان تحلل قبل أن يذبح هديه لم يصح تحلله إلى أن ينحر
هديه، فإن كان تطيب أو لبس لزمه بذلك دم.
لنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) فعل [ذلك] بالحديبية، والحديبية من الحل (2)، وقوله تعالى: {ولا
تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله} (3) لا شبهة أنه تعالى كلف ذلك مع التمكن منه،
فإذا فقد التمكن سقط تكليفه.
وإذا لم يكن لمن ذكرنا حاله هدي ولا قدرة على شرائه، لم يجز له التحلل، ويبقى الهدي
في ذمته، ويبقى محرما إلى أن يذبحه من قابل، أو يذبح عنه، ولم ينتقل إلى الإطعام ولا إلى
الصوم (4)، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: وهو الصحيح عندهم، أنه
ينتقل إلى البدل، قال: ينتقل إلى الصيام وفي قول آخر [82 / أ]، إلى الإطعام، وقول ثالث أنه
مخير بين الإطعام والصيام.
لنا قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} والتقدير فإن أحصرتم و
أردتم التحلل {فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله}
فإذا بلغ فاحلقوا، ولم يذكر لذلك بدلا، ولو كان له بدل لذكره، كما ذكر بدل نسك حلق الرأس
من الأذى (5).
ويجب على من ذكرنا حاله القضاء إن كان حجا واجبا ولا قضاء عليه إن كان
تطوعا (6).
وقال الشافعي: لا قضاء عليه بالتحلل، فإن كانت حجة تطوع أو عمرة تطوع لم يلزمه
قضاؤها بحال، وإن كانت حجة الإسلام أو عمرة الإسلام وكانت قد استقرت في ذمته قبل

1 - الغنية: 195.
2 - الخلاف: 2 / 424 مسألة 316.
3 - البقرة: 196.
4 - الغنية: 196.
5 - الغنية: 196.
6 - الغنية 196.
221

هذه السنة، فكأنه لم يفعلها، فيكون باقيا في ذمته، وإن كانت وجبت عليه في هذه السنة
سقط وجوبها ولم يستقر في ذمته.
وقال أبو حنيفة: إذا تحلل المحصر لزمه القضاء، فإن كان أحرم بعمرة تطوع قضاها، و
إن أحرم بحجة تطوع قضاها، وإن أحرم بحجة تطوع وأحصر تحلل عنه وعليه أن يأتي بحج
وعمرة. وإن كان قرن بينهما فأحصر تحلل ولزمته حجة وعمرتان، عمرة لأجل العمرة، و
حجة وعمرة لأجل الحج.
لنا أنه لا دليل على لزوم القضاء عليه إذا كان حجه تطوعا، والأصل براءة الذمة، و
ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج عام الحديبية في ألف وأربع مئة من أصحابه محرمين بعمرة،
فحصره العدو، فتحللوا، فلما كان في السنة الآتية عاد في نفر معدودين، فلو كان القضاء واجبا
على جماعتهم لأخبرهم بذلك ولفعلوا، ولو فعلوا لنقل نقلا عاما أو خاصا (1).
والمحصر بالمرض يجوز له التحلل، غير أنه لا يحل له النساء حتى يطوف في القابل، أو
يأمر من يطوف عنه. وفاقا لأبي حنيفة غير أنه لم يعتبر طواف النساء. وذهب قوم إلى أنه
لا يجوز له التحلل، بل يبقى على إحرامه أبدا إلى أن يأتي به، وبه قال الشافعي.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي} وذلك
عام في المنع بالعدو المنع بالمرض (2) كما ذكرنا قبل.
فصل
والاستئجار على الحج عن الميت والمعضوب جائز ويكون للأجير أجرته، فإذا فعل
الحج وقع عن المكتري، وسقط [82 / ب] الفرض به عنه وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي
حنيفة فإنه قال: لا يجوز الإجارة على الحج، فإذا فعل كانت الإجارة باطلة، فإذا فعل الأجير
ولبى عن المكتري وقع الحج عن الأجير ويكون للمكتري ثواب النفقة، فإن بقي مع الأجير
شئ كان عليه رده.
لنا أن الأصل جواز الإجارة في جميع الأشياء فمن منع ذلك في بعضها فعليه الدليل. وما

1 - الخلاف: 2 / 425 مسألة 319.
2 - الخلاف: 2 / 428 مسألة 322.
222

روي من قوله (عليه السلام) للذي سمعه يلبي عن شبرمة (1) يقول لبيك عن شبرمة: ويحك من شبرمة؟
فقال أخ لي، أو صديق، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): حج عن نفسك، ثم عن شبرمة.
وروى ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: إن فريضة الله في الحج
أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلة، فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال
النبي (صلى الله عليه وآله): نعم. فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك. قال: نعم أما لو كان عليه دين فقضيته
نفعه. وهذا دليل صريح على جواز النيابة (2).
ويستحق الأجير جميع الأجرة بأداء الحج، بلا خلاف ممن أجاز الاستئجار، وكذا
حكمه إن مات بعد الإحرام ودخول الحرم (3).
فإما إذا مات أو حصر قبل الإحرام، لا يستحق شيئا من الأجرة. لأن الإجارة إنما
وقعت على أفعال الحج، وهذا لم يفعل منها شيئا فوجب أن لا يستحق الأجرة، وعليه جمهور
أصحاب الشافعي.
وأفتى الإصطخري والصيرفي (4) بأنه يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، قال الشيخ في
الخلاف: إن قلنا بما قالا كان قويا لأنه كما استؤجر في أفعال الحج استؤجر على قطع المسافة
فيجب أن يستحق الأجرة بحسبه (5).
ويسقط الحج عن المحجوج خلافا لأبي حنيفة (6) كما ذكرنا قبل، لنا بعد إجماع الإمامية
خبر الخثعمية لأن ظاهره يقتضي أنه يسقط بالنيابة كما يسقط الدين.
ومتى صد النائب عن النفوذ قبل دخول الحرم وجب أن يرد ما بقي عليه من نفقة
الطريق (7).
وأما إذا مات أو حصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج، ولا يلزم رد شئ من
الأجرة. وقال أصحاب الشافعي: إن كان بعد الفراغ من الأركان، كأنه تحلل بالطواف ولم يقو

1 - شبرمة: غير منسوب له صحبة، توفي في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله). أسد الغابة: 2 / 350 رقم 2376.
2 - الخلاف: 2 / 384 مسألة 236.
3 - الغنية: 197.
4 - اسمه محمد بن عبد الله الشافعي المعروف بالصيرفي، الفقيه الشافعي البغدادي، سمع الحديث من أحمد بن منصور
الرمادي، والفقيه عن أبي العباس بن سريج، روى عنه: القاضي أبو الحسن علي بن محمد. توفي سنة
(330). الأنساب باب الصاد والياء، وفيات الأعيان: 4 / 199 رقم 574.
5 - الخلاف: 2 / 389 مسألة 243.
6 - الخلاف: 2 / 384 مسألة 236.
7 - الغنية: 197.
223

على المبيت بمنى والرمي. وإن مات بعد أن فعل بعض الأركان، وبقي البعض، قال في الأم: له
من الأجرة بقدر [83 / أ] ما عمل وعليه أصحابه، وقد قيل: لا يستحق عليه شيئا.
ويجب عليه أيضا إذا أفسده قضاء الحج وكفارة ما يجنيه فيه من ماله بدليل إجماع الإمامية.
ويجوز أن يكون النائب صرورة إذا كان غير مخاطب بالحج لعدم الاستطاعة فإذا كان
مخاطبا بذلك لم يجزه حتى يؤدي ما عليه.
ويلزم النائب أن ينوي كل أداء نيابة عن فلان بن فلان طاعة لله وقربة إليه.
" إذا أحرم الأجير عن نفسه وعمن استأجره، لم ينعقد الإحرام عنهما، ولا عن واحد
منهما. لأنه لا دليل عليه. وقال الشافعي ينعقد عنه دون المستأجر " (1).
إذا أفسد الحج فعليه القضاء، وإذا تلبس بالقضاء فأفسده، فإنه يلزمه القضاء ثانيا
لعموم الأخبار. وقال الشافعي: لا يلزمه (2).
إذا استأجره للإفراد فتمتع، فقد أجزأه لأن هذه المسألة منصوصة عليها، وقال
الشافعي: إن كان في كلامه ما يوجب التخيير أجزأه ولا شئ عليه، وإن لم يكن وقعت العمرة
عن الأجير، والحج عن المستأجر، وعليه دم لإخلاله بالإحرام بالحج من الميقات. (3)
من مات وعليه حجة الإسلام وجب إخراجها من أصل التركة سواء أوصى بها أو لم
يوص، فإن لم يخلف كان وليه بالخيار في القضاء عنه. وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يسقط
عنه بوفاته بمعنى أنه لا يفعل عنه بعد وفاته وحسابه على الله، والحج في ذمته، فإن كان أوصى
حج عنه من ثلثه ويكون تطوعا لا يسقط الفرض به. وهكذا يقول في الزكوات، والكفارات،
تسقط بوفاته فلا تفعل عنه بوجه.
لنا إجماع الإمامية وطريقه الاحتياط وخبر الخثعمية (4)، لأنه سمي الحج دينا، وأكده
على دين الآدمي بقوله: فدين الله أحق أن يقضى، والدين يخرج من أصل التركة ويقدم على
الميراث.
" ومن نذر الحج وعليه حجة الإسلام لزمه أداء الحجين، وفي بعض الروايات: إذا حج

1 - الخلاف: 2 / 389 مسألة 241.
2 - الخلاف: 2 / 389 مسألة 242.
3 - الخلاف: 2 / 392 مسألة 248.
4 - الخلاف: 2 / 253 مسألة 16.
224

بنية النذر أجزأه عن حجة الإسلام، والأول أقوى لأنهما فرضان فإجزاء أحدهما عن الآخر
يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه " (1)، وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة يقتضي ذلك، و
لا يجري ذلك مجرى ما يتداخل من الحدود والكفارات لأنها عقوبات، فجاز سقوط بعضها
بفعل بعض، وما نحن فيه مصالح وعبادات تفتقر صحة أدائها إلى النية، وإنما لامرئ ما نوى.
" ومن كان فقيرا وبذلت له الاستطاعة لزمه الحج " (2) [83 ب] وللشافعي فيه
قولان. (3)
لنا إجماع الإمامية وظاهر قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا} (4) وهذا قد استطاع فوجب عليه.
فصل
شرائط وجوب الحج على المرأة والرجل سواء، وهي البلوغ، والعقل، والحرية، و
الزاد، والراحلة، والرجوع إلى كفاية، وتخلية الطريق، وإمكان المسير. وهي بعينها شروط
الأداء.
وليس من شرط الوجوب، ولا من شرائط صحة الأداء في حجة الإسلام المحرم بل
أمن الطريق ومصاحبة قوم ثقات تكفي، فأما حجة التطوع فلا تجوز لها إلا بمحرم. وبه قال
الشافعي. وذهب أبو حنيفة إلي أن المحرم شرط، فالفرض والنفل عنده سواء (5).
وليس للرجل أن يمنع زوجته الحرة من حجة الإسلام إذا وجب عليها وفاقا لأبي
حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال في القديم والجديد: له منعها من ذلك. (6)
فصل
والعمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر، ومن سواهم يغنيه عن
مثل العمرة تمتعه بها إلى الحج، وقد ندب إلى التطوع بها في كل شهر مرة أو في كل سنة، و
أفضل الشهور للاعتمار رجب ويصنع مريدها في الإحرام لها والطواف والسعي مثل ما قدمناه

1 - الخلاف: 2 / 256 مسألة 20.
2 - الغنية 194.
3 - الخلاف: 2 / 251 مسألة 9.
4 - الغنية 194.
5 - الخلاف: 2 / 432 مسألة 328.
6 - الخلاف: 2 / 431 مسألة 325.
225

أولا، ويطوف بعد السعي طوافا آخر وهو طواف النساء، لأنه لازم في العمرة المفردة
كالحج، ثم يحلق رأسه ويذبح إن كان ساق هديا قبالة الكعبة، أو يتبرع بذلك إن شاء، وقد
أحل من كل شئ أحرم منه وحكمه إن صد بعدو أو أحصر بمرض ما قدمناه (1) وقال
الشافعي: في الأم إنها فريضة مثل الحج. وقال في القديم: سنة مؤكدة، وما علمت أحدا
رخص في تركه، وبه قال أبو حنيفة ومالك. (2)
لنا قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} والإتمام لا يحصل إلا بالدخول، فوجب، و
روي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرءا {وأقيموا الحج والعمرة لله}، وقوله (عليه السلام)
للذي سأله عن الإسلام: هو أن يشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله: ويحج ويعتمر وهذا نص لأنه
عد العمرة من فرائض الإسلام. (3)

1 - الغنية: 197 - 198.
2 - الخلاف: 2 / 262 مسألة 28.
3 - الغنية 198.
226

الجهاد
كتاب الجهاد
وهو من فرائض الإسلام بلا خلاف.
وشرائط وجوبه الحرية، والذكورة، والبلوغ، وكمال العقل، والاستطاعة بالصحة و
القدرة عليه وعلى ما يفتقر إليه من ظهر ونفقة، وأمر الإمام العادل به أو من نصبه [84 / أ] أو
ما يقوم مقام ذلك من حصول خوف على الإسلام، أو على الأنفس والأموال.
ومتى اختل شرط من هذه الشروط سقط فرض الجهاد وهو مع تكاملها فرض على
الكفاية، بلا خلاف إلا من ابن المسيب فإنه قال: هو فرض على الأعيان، ويدل على ذلك بعد
الإجماع قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون
في سبيل الله} (1) لأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا منهم الحسنى، و
هذا يدل على أن القعود جائز وإن كان الجهاد أفضل منه (2).
في النافع: إذا هجم العدو على بلد وجب على جميع الناس الدفع تخرج المرأة بغير إذن
زوجها والعبد بغير إذن المولى لأنه صار فرض عين كالصلاة.
وأما من يجب جهاده: فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار، ومن أظهره
وبغى (3) على الإمام العادل وخرج عن طاعته، أو قصد أخذ مال المسلم وما هو في حكمه من
مال الذمي، وأشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر بلا خلاف.

1 - النساء: 95.
2 - الغنية 199 - 200.
3 - في النسخة: ومن بغى. والتصويب حسب الغنية: 200.
227

وأما كيفية الجهاد وما يتعلق به وبالغنائم من الأحكام: فاعلم أنه ينبغي تأخير لقاء
العدو إلى أن تزول الشمس، وتصلى الصلاتان، وأن يقدم قبل الحرب الإعذار والإنذار
والاجتهاد في الدعاء إلى الحق، وأن يمسك عن الحرب حتى يبدأ بها العدو لتحق الحجة عليه،
ويتقلد بذلك البغي.
فإذا عزم أمير الجيش استخار الله تعالى فيه، ورغب إليه في النصر، وعبأ أصحابه
صفوفا وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب، وجعل لهم شعارا
يتعارفون به، وقدم الدارع أمام الحاسر ووقف هو في القلب.
وليجتهد في الوصية لهم بتقوى الله، والإخلاص في طاعته، وبذل الأنفس في مرضاته،
ويذكرهم ما لهم من الثواب في الآجل، ومن الفضل وعلو الكلمة في العاجل، ويخوفهم الفرار
ويذكرهم ما فيه من عاجل العار وآجل النار.
فإذا أراد الحملة أمر فريقا من أصحابه بها، وبقي هو في فريق آخر ليكونوا فئة تتحيز
إليها صفوفهم، فإذا تضعضع العدو زحف هو بمن معه يبعث من أمامه على الأخذ بضم القوم
فإذا زالت صفوفهم عن أماكنهم حمل هو حملة واحدة.
ولا يجوز أن يبارز أحد إلا بإذن الإمام أو من نصبه.
ولا يجوز أن يفر واحد من واحد ولا من اثنين، ويجوز من ثلاثة فصاعدا.
ويجوز قتال العدو بكل ما يرجى به الفتح من نار ومنجنيق وغيرهما [84 / ب] وإن
كان فيما بينهم مسلمون، إلا إلقاء السم فإنه لا يجوز أن يلقى في ديارهم.
ولا يقاتل في أشهر الحرم من يرى لها حرمة من الكفار إلا أن يبدءوا فيها القتال.
وجميع من خالف الإسلام من الكفار يقتلون مدبرين ومقبلين، ويقتل أميرهم ويجاز
على جريحهم، وكذا حكم البغاة على الإمام إن كان لهم فئة يرجعون إليها، وإن لم يكن لهم فئة،
لم يتبع مدبرهم، ولم يجهز على جريحهم، ولم يقتل أسيرهم.
وأسرى من عدا من ذكرناه من المحاربين على أخذ المال إن كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالا
قتلوا، فإن أخذوا مع القتل مالا صلبوا بعد القتل، وإن تفردوا بأخذ المال قطعوا من خلاف،
وإن لم يقتلوا ولا أخذوا مالا نفوا من الأرض بالحبس أو النفي من مصر، إلى مصر دليل ذلك
كله إجماع الإمامية.
228

ومن لا كتاب له من الكفار لا يكف عن قتاله إلا بالرجوع إلى الحق، (1) لقوله (عليه السلام):
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم (2).
وكذا حكم من أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين.
ومن له كتاب وهم اليهود والنصارى والمجوس يكف عن قتالهم إذا بذلوا الجزية و
دخلوا تحت شروطها، ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان، سواء كانوا عجما أو عربا، و
لا من الصابئين ولا من غيرهم (3) وفاقا للشافعي في عباد الأوثان عربا أو عجما، وخلافا
لأبي حنيفة في العجم فإنه قال: يؤخذ من العجم، ولا يؤخذ من العرب.
لنا قوله تعالى: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} (4) وقوله: {فإذا لقيتم الذين
كفروا فضرب الرقاب} (5) (6) وهذا عام في العرب والعجم.
وأما أهل الكتاب يجوز أخذ الجزية منهم وإن كانوا من العرب وفاقا لجميع الفقهاء. و
قال أبو يوسف: لا يجوز.
لنا قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم
الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن
يد وهم صاغرون} (7) (8)، والمجوس كان لهم كتاب ثم رفع عنهم. وهو أصح قولي الشافعي.
وله قول آخر: وهو أنه لم يكن لهم كتاب. وبه قال أبو حنيفة (9).
وأما الصابئة فلا يؤخذ منهم الجزية، ولا يقرون على دينهم. خلافا لجميع الفقهاء،
فإنهم قالوا: يؤخذ منهم الجزية إلا أبا سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي (10).
والصغار المذكور [85 / أ] في الآية هو التزام الجزية على ما يحكم به الإمام من غير أن
يكون مقدرة، والتزام أحكام الإسلام عليهم. وقال الشافعي: هو التزام أحكامنا عليهم. و
منهم من قال: الصغار أن يؤخذ الجزية منه قائما، والمسلم جالس. (11)
والجزية ما يؤدونه كل سنة مما يضعه الإمام على رؤسهم، أو على أرضهم، وليس لها

1 - الغنية: 200 - 202.
2 - سنن ابن ماجة: 2 / 1295 حديث 3927.
3 - الغنية 202.
4 - التوبة: 5.
5 - محمد: 4.
6 - الخلاف: 5 / 539 مسألة 1.
7 - التوبة: 29.
8 - الخلاف: 5 / 540 مسألة 2.
9 - الخلاف: 5 / 542 مسألة 3.
10 - الخلاف: 5 / 542 مسألة 4.
11 - الخلاف: 5 / 543 مسألة 5.
229

قدر معين، بل ذلك راجع إلى ما يراه الإمام (1) وقال الشافعي: إذا بذل الكافر دينارا في الجزية
قبل سواء كان موسرا أو معسرا. وقال مالك: أقل الجزية أربعة دنانير على أهل الذهب، و
أربعون درهما على أهل الورق.
لنا إجماع الإمامية وأن تقدير ذلك يفتقر إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه (2).
وما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وذهب إليه أبو حنيفة أنه وضع على كل واحد من
أغنيائهم ثمانية وأربعين درهما، وعلى كل من هو من أوساطهم أربعة وعشرين، وعلى من
هو من فقرائهم اثني عشر، إنما هو على حسب ماراه في وقته، وليس بتقدير لها على كل حال.
ولا يجوز أخذها إلا من الذكور البالغين الكاملي العقول.
فإذا أسلم الذمي وقد وجبت عليه الجزية بحؤول الحول سقطت عنه بالإسلام (3) خلافا
للشافعي فإنه قال: لا تسقط إذا مات أو أسلم، ووفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشيخ في الخلاف: والذي يقتضيه المذهب أنه لا يسقط الجزية بالموت لأن الحق
واجب عليه فيؤخذ من تركته ولا دليل على سقوطها، ويدل على سقوطها بالإسلام قوله:
{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فشرط في إعطائها الصغار، وذلك لا يمكن مع
الإسلام، وقوله (عليه السلام): لا جزية على مسلم، وقوله: الإسلام يجب ما قبله (4).
والجزية تصرف إلى أنصار الإسلام خاصة على ما جرت به السنة من النبي (صلى الله عليه وآله).
وشرائط الجزية: أن لا يجاهروا المسلمين بكفرهم، ولا يتناولوا المحرمات في شريعة
الإسلام، ولا يسبوا مسلما، ولا يعينوا على أهل الإسلام، ولا يتخذوا بيعة ولا كنيسة، و
لا يعيدوا ما استهدم من ذلك.
وتلزم نصرتهم والمنع منهم ما وفوا بهذه الشروط، ومتى أخلوا بشئ منها، صارت
دمائهم هدرا، وأموالهم فيئا للمسلمين (5) وفي الخلاف: أهل الذمة إذا فعلوا ما يجب به الحد مما
يحرم في شرعهم، مثل: الزنا، واللواطة، والسرقة، والقتل [85 / ب]، والقطع أقيم عليهم الحد
بلا خلاف، لأنهم عقدوا الذمة بشرط أن يجري عليهم أحكامنا.
وإن فعلوا ما يستحلونه مثل: شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ونكاح المحارم فلا يجوز

1 - الغنية 202.
2 - الخلاف: 5 / 545 مسألة 9.
3 - الغنية 202.
4 - الخلاف: 5 / 547 مسألة 11.
5 - الغنية 203.
230

أن يتعرض لهم ما لم يظهروه بلا خلاف فإن أظهروه وأعلنوه كان للإمام أن يقيم عليهم الحدود
وقال الفقهاء:
يعذرهم على ذلك ولا يقيم عليهم الحدود التامة. (1) الشيوخ الهرمى، وأصحاب
الصوامع، والرهبان يؤخذ منهم الجزية وللشافعي فيه قولان (2) ويدل على ما قلنا الآية
وعمومها.
ويغنم من جميع من خالف الإسلام من الكفار ما حواه العسكر وما لم يحوه من الأموال
والأمتعة التي تخصهم فقط، من غير جهة غصب دون ما عداها، وللإمام أن يصطفي لنفسه قبل
القسمة ما شاء، من فرس، أو جارية، أو درع، أو سيف، أو غير ذلك - وهذا من جملة الأنفال،
وأن يبدأ بسد ما ينوبه من خلل في الإسلام، وليس لأحد أن يعترض عليه وإن استغرق ذلك
جميع الغنيمة، ثم يخرج منها الخمس لأربابه.
ويقسم ما بقي مما حواه العسكر بين المقاتلة خاصة، لكل راجل سهم ولكل فارس
سهمان ولو كان معه عدة أفراس، ويأخذ المولود في دار الجهاد ومن أدرك المجاهدين للمعونة
لهم مثل ما يأخذ المقاتل، وحكم غنيمة البحر في القسمة بين من له فرس ومن ليس له، حكم
غنيمة البر سواء. (3)
مال الغنيمة لا يخلو من ثلاثة أحوال: ما يمكن نقله وتحويله إلى بلاد الإسلام مثل
الدراهم والدنانير والثياب والأثاث، أو يكون أجساما مثل النساء والولدان، أو مما لا يمكن
نقله كالأرضين والعقار، فما يمكن نقله يقسم بين الغانمين بالسوية، ولا يفضل راجل على
راجل، ولا فارس على فارس، وإنما يفضل الفارس على الراجل وبه قال الشافعي، غير أنه
قال: لا يدفع الغنيمة إلى من لم يحضر الوقعة.
وعندنا يجوز أن يعطى من يلحق بهم مددا لهم، وإن لم يحضر الوقعة. ويسهم عندنا
الصبيان ومن تولد في تلك الحال.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يعطى لغير الغانمين، لكن يجوز أن يفضل بعض الغانمين على
بعض (4) والنساء والعبيد والكفار لا سهم لهم، إن شاء الإمام أن يرضخ لهم فعل وعند

1 - الخلاف: 5 / 553 مسألة 22.
2 - الخلاف: 5 / 544 مسألة 7.
3 - الغنية 203 - 204.
4 - الخلاف: 4 / 189 مسألة 15.
231

الشافعي: يرضخ للصبيان ولهؤلاء الثلاثة ولا سهم لهم. (1)
وقال أبو حنيفة [86 / أ]: للفارس سهمان: وللراجل سهم واحد مثل ما قلناه.
وفي أصحابنا من قال: للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه. وبه قال الشافعي.
يدل على الأول مضافا إلى روايات أصحابنا، ما روي عن ابن عمر أن النبي (عليه السلام) أعطى
الفارس سهمين: سهما له، وسهما لفرسه وروى المقداد قال: أعطاني رسول الله سهمين،
سهما لي وسهما لفرسي.
ويدل على الثاني ما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) أسهم الرجل ولفرسه ثلاثة
أسهم، سهما له وسهمين لفرسه وروى الزهري (2) عن مالك بن أوس النضري (3) عن عمر
ابن الخطاب وطلحة (4) والزبير (5) أن النبي (عليه السلام) أسهم يوم خيبر لكل فرس سهمين، وعن
عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) أعطاني أربعة أسهم سهما لي وسهمين لفرسي، و
سهما لأمي وكانت من ذوي القربى (6).
وإن كان مع الرجل أفراس أسهم لفرسين خلافا لأبي حنيفة والشافعي فإنهما قالا:
لا يسهم إلا لفرس واحد (7).
وإذا دخل دار الحرب راجلا، ثم وجد فرسا، وكان عند تقضي الحرب فارسا، أسهم
له. وإن دخلها فارسا وعند تقضي الحرب كان راجلا لم يسهم له، وفاقا للشافعي، وخلافا
لأبي حنيفة فإنه قال: إن دخل فارسا أسهم له وإن خرجت الدابة من يده على أي وجه كان و
[كان] عند تقضي الحرب راجلا، وإن دخلها راجلا لم يسهم له، وإن كان عند تقضيها فارسا.
لنا قوله: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (8) والإرهاب

1 - الخلاف: 4 / 197 مسألة 20.
2 - اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله القرشي، أبو بكر المدني. توفي سنة (125). تهذيب الكمال: 26 / 419 رقم 5606
3 - أبو سعيد المدني، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عن الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وروى عنه:
إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الزرقي وسملة بن وردان. توفي سنة (92) بالمدينة. تهذيب الكمال: 27 / 121 رقم 5729.
4 - عبيد الله بن عثمان، أبو محمد، القرشي التيمي، أحد أصحاب الشورى قتل يوم الجمل، وكان شهد ذلك اليوم محاربا
لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) كانت وقعة الجمل سنة (36) وكان عمره (60) سنة. أسد الغابة: 2 / 467 رقم 2625.
5 - بن العوام، القرشي الأسدي، أبو عبد الله المدني، ابن صفية بنت عبد المطلب، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه:
الأحنف بن قيس، والحسن البصري وغيرهما. قتل يوم الجمل في جمادى الأولى سنة (36) وقبره بوادي السباع
ناحية البصرة تهذيب الكمال: 9 / 319 رقم 1971.
6 - الخلاف: 4 / 199 مسألة 24.
7 - الخلاف: 4 / 202 مسألة 26.
8 - الأنفال: 60.
232

بالسيف يكفي حال القتال لا حال الدخول ولأن الاستحقاق يكون بتقضي القتال بدلالة أن
من مات قبل ذلك لم يسهم له بلا خلاف. (1)
ما يؤخذ بالسيف قهرا من المشركين يسمى غنيمة بلا خلاف وعندنا ما يستفيده الإنسان
من أرباح التجارات والمكاسب والصنائع يدخل في ذلك أيضا وخالف جميع الفقهاء في
ذلك. (2)
لنا أن لفظ الغنيمة حقيقة في جميع ما يستفاد سواء يستفاد بالسيف من المشركين أو
بغيره من ضروب المكاسب والصنايع لأنها استعملت فيما ذكرناه، وظاهر الاستعمال يدل على
الحقيقة، قال النبي (عليه السلام): الصوم في الشتاء غنيمة باردة (3) وقال: اغتنم خمسا قبل خمس:
شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك إلى آخر الحديث (4) وفي الدعاء: السلامة من كل
إثم والغنيمة من كل بر (5) ويقال [86 / ب]: أي شئ غنمت اليوم [للتاجر] والصانع و
غيرهما أي شئ استفدت وربحت.
الخمس يقسم ستة أقسام: سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة
كانت للنبي وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء
السبيل من آل محمد لا يشركهم فيه غيرهم.
واختلف الفقهاء في ذلك فذهب الشافعي إلى أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم:
سهم لرسول الله وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء
السبيل، فأما سهم رسول الله فيصرف في مصالح المسلمين وأما سهم ذي القربى فإنه يصرف
إلى ذوي القربى على ما كان يصرف إليهم على عهد رسول الله.
وذهب أبو حنيفة إلى أن خمس الغنيمة يقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم
للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. (6)
سهم ذي القربى ثابت لم يسقط بموت النبي (صلى الله عليه وآله) وهو لمن قام مقامه، وقال الشافعي: هو
ثابت، وهو خمس الخمس، يصرف إلى أقاربه الغني منهم والفقير، ويستحقونه بالقرابة.

1 - الخلاف: 4 / 204.
2 - الخلاف: 4 / 181 مسألة 1.
3 - كنز العمال: 8 / 452 حديث 23619.
4 - البحار: 74 / 77 حديث 3 عن أمالي الطوسي: 526 الحديث 1162.
5 - البحار: 83 / 89.
6 - الخلاف: 4 / 209 مسألة 37.
233

وقال أبو حنيفة سقط سهم ذي القربى بموت النبي [(عليه السلام)] إلا أن يعطيهم الإمام شيئا
بحق الفقر والمسكنة، ولا يعطي الأغنياء منهم شيئا.
ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: {ولذي القربى
واليتامى والمساكين} (1) [و] هذه الآية أدلة:
أحدها: أنه أضاف الخمس إلى المذكورين وشرك بينهم بواو الجمع فيقتضي أن يكون
بينهم بالسوية.
والثاني أنه أضافه إليهم بلام التمليك وشرك بينهم بواو التشريك فعندنا وعند
الشافعي، أن هذه الإضافة إضافة ملك، وعند أبي حنيفة هي إضافة محل، أي هم أهل لذلك
فمن قال: الأغنياء لا يعطون فقد خرج عن مقتضى القولين.
والثالث: أن الله جعل لهم السهم بحق القرابة، فالظاهر أن هذا السهم لهم وعند أبي
حنيفة لا يستحقونه بالقرابة (2) وعندنا أن سهم ذي القربى للإمام. وعند الشافعي: لجميع
ذوي القربى، يستوي القريب فيه والبعيد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، إلا أنه للذكر
مثل حظ الأنثيين لأن ذلك يستحق بالإرث الذي يجري مجرى التعصيب (3).
وهذه الأسهم الثلاثة التي لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل يختص بها من كان من
آل الرسول دون غيرهم وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إنها للفقراء من المسلمين، و
أيتامهم، وأبناء سبيلهم دون من كان [87 / أ] من آل رسول الله خصوصا. (4)
الفئ بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حكمه في أيامه، في أنه خاصة لمن قام مقامه. وللشافعي فيه قولان،
في أربعة أخماسه وخمس الخمس: أحدهما: يكون للمقاتلين والثاني في المصالح، ويبدأ
بالأهم [فالأهم] وأهم الأمور الغزاة، وخمس خمس الغنيمة في مصالح المسلمين قولا واحدا (5).
وما كان للنبي ينتقل إلى ورثته، وخالف جميع الفقهاء في ذلك (6).
وما كان للنبي من الصفايا قبل القسمة فهو لمن قام مقامه. وقال جميع الفقهاء: أن ذلك
يبطل بموته (7).
وما لم يحوه العسكر من غنائم من خالف الإسلام من الكفار، من أرض وعقار وغيرهما

1 - الأنفال: 41.
2 - الخلاف: 4 / 211 مسألة 38.
3 - الخلاف: 4 / 216 مسألة 39.
4 - الخلاف: 4 / 217 مسألة 41.
5 - الخلاف: 4 / 183 مسألة 3.
6 - الخلاف: 4 / 184 مسألة 4.
7 - الخلاف: 4 / 184 مسألة 6.
234

فئ لجميع المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل والحاضر والغائب (1) وقال الشيخ في الخلاف:
ما لا ينقل ولا يحول من الدور والعقارات فعندنا فيه الخمس لأهله، والباقي لجميع المسلمين
يصرف ارتفاعه إلى مصالحهم.
وعند الشافعي: أن حكمه حكم ما ينقل خمس‍ [- ه] لأهل الخمس والباقي للمقاتلة.
وقال أبو حنيفة: الإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء: أن يقسمه على الغانمين، أو يقفه على
المسلمين أو يقر أهلها عليها ويضرب عليها الجزية باسم الخراج.
ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ما روي أن النبي (عليه السلام) فتح هوازن
ولم يقسم أرضها على الغانمين فلو كانت للغانمين لقسمها عليهم (2).
والأرض المفتتحة بالسيف عنوة، لا يجوز التصرف فيها ببيع ولا وقف ولا غيرهما، و
للإمام أن يقبلها بما يراه، وعلى المتقبل - بعد إخراج حق القبالة فيما بقي في يده - الزكاة إذا
تكاملت شروطها (3) وهذه الأرض هي سواد العراق ما بين الموصل وعبادان طولا، وما بين
حلوان والقادسية عرضا، فهي للمسلمين قاطبة.
وقال الشافعي: كانت غنيمة للغانمين فقسمها عمر بين الغانمين، ثم اشتراه منهم، و
وقفها على المسلمين، ثم أجرها منهم، وهذا الخراج هو أجرة.
وقال أبو حنيفة: أقرها في أيدي أهلها المشركين وضرب عليهم الجزية باسم الخراج،
فهذا الخراج هو تلك الجزية. وعنده لا يسقط ذلك بالإسلام. (4)
وأما أرض الصلح فهي أرض الجزية إذا شاء الإمام أن يضعها على الأرض بدلا من
الرؤس، وتسمى الخراجية وتختص بأهل الكتاب، يصح التصرف فيها لأربابها بسائر أنواع
التصرف، وحكم ما يؤخذ من هذه الأرض حكم جزية الرؤس يسقط بالإسلام، وإذا بيعت
الأرض لمسلم سقط خراجها، وانتقلت الجزية إلى رؤس بائعها (5).
وأما أرض الأنفال، وهي كل أرض أسلمها أهلها من غير حرب، أو جلوا
عنها [87 / ب]، وكل أرض مات مالكها، ولم يخلف وارثا بالقرابة ولا بولاء العتق، وبطون
الأودية، ورؤس الجبال والآجام، وقطائع الملوك من غير غصب، والأرضون الموات،

1 - الغنية 204.
2 - الخلاف: 4 / 194 مسألة 18.
3 - الغنية 204.
4 - الخلاف: 4 / 196 مسألة 19.
5 - الغنية ص 204.
235

فللإمام خاصة دون غيره وله التصرف فيها بما يراه من بيع أو هبة أو غيرهما، وأن يقبلها بما
يراه، وعلى المتقبل - بعد حق القبالة وتكامل الشروط - ما بيناه من الزكاة.
من أخذ أسيرا قبل أن تضع الحرب أوزارها، وجب قتله، ولم يجز للإمام استبقاؤه.
وإن أخذ بعد الفتح، فالإمام مخير بين المن عليها بالإطلاق أو المفاداة أو الاستعباد (1)
قال الشافعي: هو مخير بين أربعة أشياء بين القتل، والمفاداة، والمن، والاسترقاق وقال أبو
حنيفة: هو مخير بين القتل والاسترقاق والمفاداة بالرجال دون المال.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا
الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} (2)، وما روي الزهري عن
جبير بن مطعم (3) أن رسول الله (عليه السلام) قال في أسارى بدر: لو كان مطعم بن عدي (4) حيا، و
كلمني في هؤلاء السبي لأطلقتهم. فدل على جواز المن وروي أن أبا غرة الجمحي وقع في
الأسر يوم بدر فقال: يا محمد إني لذو عيلة، فامنن علي فمن عليه على أن لا يعود إلى القتال، فمر
إلى مكة فقال: إني سخرت بمحمد، وعاد إلى القتال يوم أحد فدعا رسول الله أن لا يفلت فوقع
في الأسر فقال: إني ذو عيلة، فامنن علي، فقال النبي (عليه السلام) أمن عليك حتى ترجع إلى مكة
فتقول في نادي قريش: إني سخرت بمحمد مرتين، لا يلسع المؤمن في جحر مرتين فقتله بيده.
ويدل على جواز المفاداة بالمال ما فعله النبي (عليه السلام) يوم بدر فإنه فادى جماعة من الكفار و
القصة مشهورة (5).
وإذا غلب الكفار على شئ من أموال المسلمين وذراريهم، ثم ظهر عليهم المسلمون،
فأخذوا ذلك، فالذراري خارجون عن الغنيمة، وما عداهم من الأمتعة والرقيق وإن وجده
صاحبه قبل القسمة أخذه بغير عوض، وإن وجده بعدها أخذه ودفع الإمام إلى من وقع في
سهمه قيمته من بيت المال، لأن لا ينتقص القسمة، دليل ذلك كله إجماع الإمامية. (6)

1 - الغنية 204.
2 - محمد: 4.
3 - جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل القرشي، أبو محمد، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله) روى عنه: إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف، وسعيد بن المسيب توفي ي سنة (58). تهذيب الكمال: 4 / 506 رقم 904.
4 - بن نوفل بن عبد مناف، كان له عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) يد، وهو أنه كان أجار رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم من الطائف، ودعا
ثقيفا إلى الإسلام، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش علي بني هاشم وبني المطلب. أسد
الغابة: 1 / 323 ضمن رقم 698.
5 - الخلاف: 4 / 190 مسألة 17.
6 - الغنية 205.
236

كتاب الجهاد
السبق والرماية وفايدتهما
كتاب السبق والرماية وفايدتهما
يجب العزم على الاستعداد للقتال والهداية لممارسة النضال.
قال النبي (عليه السلام) [88 / أ]: لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر. (1)
الألفاظ المستعملة في هذا الباب: السابق هو الذي يتقدم بالعنق واليد، وقيل
بالأذن (2).
والمصلي الذي يحاذي رأسه صلوي السابق، والصلوان ما عن يمين الذنب وشماله.
والسبق بسكون الباء المصدر، وبالتحريك العوض وهو الخطر.
والمحلل الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ، وإن سبق لم يغرم.
والغاية: مدى السباق.
والمناضلة: المسابقة والمراماة، يقال: سبق بالتشديد إذا أخرج السبق، وإذا أحرزه
أيضا.
والرشق بكسر الراء عدد الرمي، وبالفتح الرمي، ويقال: رشق وجه ويد، يراد به
الرمي على ولاء حتى يفرغ الرشق ويوصف السهم: بالحابي، والخاصر، والخازق، و
الخاسق، والمارق، والخارم.
والحابي: ما زلج على الأرض ثم أصاب الغرض.
والخاصر ما أصاب أحد جانبيه، والخازق: ما خدشه.

1 - الخلاف: 6 / 101 مسألة 1.
2 - الشرايع، كتاب السبق والرماية.
237

والخاسق: ما فتحه وثبت فيه.
والمارق: الذي يخرج من الغرض.
والخارم: الذي يخرم حاشيته، ويقال: المزدلف للذي يضرب الأرض ثم ينشب إلى
الغرض.
والغرض ما يقصد إصابته، وهو الرقعة.
والهدف: ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.
والمبادرة: هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق.
والمحاطة: هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.
ويدخل تحت النصل السهم والنشاب والحراب والسيف.
ويتناول الخف: الإبل والفيلة اعتبارا باللفظ.
وكذا يدل الحافر على الفرس والحمار والبغل.
وهي عقد تفتقر إلى إيجاب وقبول، وقيل: هي جعالة فلا تفتقر إلى قبول ويكفي
البذل، فهو على الأول لازم وعلى الثاني جائز.
ويصح أن يكون العوض عينا [أ] ودينا.
ولو بذل السبق أحد المتسابقين أو هما أو غيرهما صح.
ولو جعل السبق للمحلل بإنفراده جاز، وكذا لو قيل: من سبق منا فله السبق (1).
وله شروط منها تقدير المسافة ابتداء وانتهاء، وتقدير الخطر، وتعيين ما يسابق عليه و
تساوي ما به السباق في احتمال السبق، فلو كان أحدهما ضعيفا، يتيقن قصوره عن الآخر، لم
يجزه.
وأن يجعل السبق لأحدهما أو للمحلل، ولو جعل لغيرهما لم يجز.
وهل يشترط التساوي في الموقف، قيل: نعم (2) والأظهر لا.
وأما الرمي فيفتقر إلى العلم بأمور: الرشق وعدد الإصابة وصفتها وقدر المسافة، و
الغرض، والسبق وتماثل جنس الآلة، وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد، والظاهر أنه

1 - الشرائع، كتاب السبق والرماية.
2 - الشرائع، كتاب السبق والرماية.
238

لا يشترط، وكذا لا يشترط تعيين القوس والسهم (1).
إذا قال أجني لخمسة [88 / ب]: من سبق فله خمسة فتساويا في بلوغ الغاية، فلا شئ
لأحدهم، لأنه لا سبق، ولو سبق أحدهم كانت الخمسة له.
ولو قال: من سبق فله درهمان، ومن صلى فله درهم، فلو سبق واحد أو اثنان أو أربعة
فلهم الدرهمان، ولو سبق واحد وصلي ثلاثة وتأخر واحد، فللسابق درهمان وللثلاثة
درهم.
ولو كان اثنين وأخرج كل واحد سبقا وأدخلا المحلل، وقالا: أي الثلاثة سبق فله
السبقان، فإن سبق أحد المسبقين، كان السبقان له، وكذا لو سبق المحلل، ولو سبق المستبقان
كان لكل واحد منهما مال نفسه، ولو سبق أحدهما والمحلل كان للمسبق مال نفسه ونصف مال
المسبوق ونصفه الآخر للمحلل (2).
إذا شرطا المبادرة، والرشق عشرين، والإصابة خمسة فرمي كل واحد منهما عشرة
فأصاب خمسة فقد تساويا في الإصابة والرمي فلا يجب إكمال الرشق، لأنه يخرج عن المبادرة،
ولو رمي كل واحد عشرة فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة فقد نضله صاحب الخمسة،
ولو سئل إكمال الرشق لم يجب، أما لو شرطا المحاطة، فرمي كل واحد منهما عشرة وأصاب
خمسة تحاطا خمسة بخمسة وأكملا الرشق، ولو أصاب أحدهما من العشرة سبعة وأصاب
الآخر خمسة يحاط خمسة بخمسة وأكملا الرشق، ولو تحاطا فبادر أحدهما إلى إكمال العدد،
فإن كان مع انتهاء الرشق فقه نصل صاحبه، وإن كان قبل انتهائه فأراد صاحب الأقل إكمال
الرشق، نظر فإن كان له فيه فائدة مثل أن يرجو أن يرجح عليه أو يساويه أو يمنعه أن ينفرد
بالإصابة، بأن يقصر بعد المحاطة عن عدد الإصابة أجبر صاحب الأكثر، وإن لم يكن له فائدة
لم يجر كما إذا رمى أحدهما خمسة عشر فأصابها، ورمى الآخر فأصاب منها خمسة فيتحاطان
خمسة بخمسة، فإذا أكملا فأبلغ ما يصيب صاحب الخمسة ما تخلف، وهي خمسة ويحطها
صاحب الأكثر فيجتمع لصاحب الخمسة عشرة فيتحاطان عشرة بعشرة ويفصل لصاحب
الأكثر عشرة فلا يظهر للإكمال فائدة (3).

1 - الشرائع، كتاب السبق والرماية.
2 - الشرايع، كتاب السبق والرماية.
3 - الشرائع، كتاب السبق والرماية.
239

لا تجوز المسابقة بالأقدام، وهو مذهب الشافعي، وقال قوم من أصحابه: يجوز، وهو
مذهب أبي حنيفة لنا قوله (عليه السلام): لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (1) وكذا لا تجوز المسابقة
بالمصارعة بعوض وقال أهل العراق: تجوز وللشافعي فيه وجهان. (2)
والمسابقة بالطيور بعوض لا تجوز، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما: ما قلناه، و
الآخر: أنه يجوز، لأن فيها فائدة من نقل الكتب ومعرفة الأخبار (3).
وكذا لا تجوز بالسفن، للخبر المقدم ذكره ولأصحاب الشافعي فيه وجهان (4).
عقد المسابقة [89 / أ] من العقود الجائزة وفاقا لأبي حنيفة. وهو أحد قولي الشافعي و
له قول آخر: وهو أنه من العقود اللازمة. يدل على المسألة أن الأصل براء الذمة ولا دليل
على لزوم هذا العقد فيجب نفي لزومه (5) وإن قلنا [بأنه] عقد لازم لقوله تعالى: {أوفوا
بالعقود} (6) لكان قويا.

1 - الخلاف: 6 / 101 مسألة 11.
2 - الخلاف: 6 / 101 مسألة 2.
3 - الشرايع، كتاب السبق والرماية.
4 - الخلاف: 6 / 102 مسألة 3.
5 - الخلاف: 6 / 105 مسألة 9.
6 - المائدة: 1.
240

البيع
كتاب البيع
عقد البيع هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم ولا يكفي
التقابض من غير لفظ ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر ولا ينعقد إلا بلفظ الماضي.
وأقسام البيع أربعة: بيع عين حاضرة مرئية، وبيع خيار الرؤية في الأعيان الغائبة، و
بيع ما فيه الربا بعضه ببعض، وبيع موصوف في الذمة إلى أجل معلوم وهو السلم.
وأما شروطه فعلى ضربين: أحدهما شرائط صحة انعقاده، والثاني شرائط لزومه.
فالأول: ثبوت الولاية في المعقود عليه، وأن يكون معلوما مقدورا على تسليمه،
منتفعا به منفعة مباحة، وأن يحصل الإيجاب من البايع والقبول من المشتري من غير إكراه إلا
في موضع نذكره، ويختص بيع ما فيه الرباء وبيع السلم بشروط زائدة نذكرها بعد إن شاء الله.
اشترطنا ثبوت الولاية، احترازا من بيع من ليس بمالك للمبيع ولا في حكم المالك له، و
هم ستة: الأب والجد ووصيهما أو الحاكم وأمينه والوكيل، فإنه لا ينعقد وإن أجازه
المالك (1)، وعند بعض أصحابنا ينعقد إن أجازه المالك، وبالأول قال الشافعي في الجديد و
بالثاني قال أبو حنيفة.
لنا إجماع الإمامية ومن خالف منهم لا يعتد بخلافه، وما رواه حكيم (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه

1 - الغنية: 207.
2 - بن حزام بن خويلد، القرشي الأسدي، كان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، كان مولده قبل الفيل
بثلاث عشرة سنة، وتوفي سنة (54) انظر ترجمته في أسد الغابة: 1 / 522 رقم 1234.
241

نهى عن بيع الإنسان ما ليس عنده وقوله (عليه السلام): لا بيع إلا فيما يملك، ولم يفصل (1) بين ما أجازه
المالك وما لم يجزه.
وقد دخل فيما قلناه جواز بيع أم الولد إذا مات ولدها، أو كان حيا وثمنها دينا على
سيدها، ولا يقدر على قضائه إلا ببيعها (2) وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك:
لا يجوز بيعها، ولا التصرف في رقبتها بوجه، وتعتق عليه بوفاته لنا مضافا إلى إجماع الإمامية
وأخبارهم ما روى جابر قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما نهى
عن ذلك عمر.
وأما ما رواه ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: أيما امرأة (أمة) ولدت من سيدها فهي
حرة عن دبر منه، فمحمول على أنه إذا مات سيدها [89 / ب] فحصلت لولدها فإنها تنعتق
عليه.
وما رواه عبد الله بن عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أم الولد لا تباع، ولا توهب، ولا تورث،
يستمتع منها مدة حياته، فإذا مات عتقت بموته، فالمعنى فيه أنه لا يجوز بيعها ما دام ولدها
حيا، فإذا مات سيدها انعتقت (3).
ويدل على جواز بيعها أنها مملوكة للسيد بلا خلاف ولهذا جاز وطيها وعتقها و
مكاتبتها وأخذ ما كاتبها عليه عوضا عن رقبتها، ولهذا وجب على قاتلها قيمتها دون الدية،
فالأصل جواز بيعها لأنه في حكم الملك وإنما منعنا منه مع بقاء الولد وعدم الاستدانة لثمنها و
العجز عن وفائه من غيرها بدليل، وهو الإجماع على ذلك [و] بقينا فيما عدا هذا الموضع على
حكم الأصل، وقول من يقول: إذا كان ولد هذه الأمة حرا، وكان كالجزء منها، فحريته
متعدية إليها، باطل لأن أول ما فيه أن يقال لهم: كيف ادعيتم أن حرية الولد يتعدى إلى الأم، و
من مذهبكم أن الأم لا تتبع الولد في الأحكام بل الولد يتبعها ولهذا إذا أعتقت عتق ما في بطنها
ولا تعتق هي إذا أعتق، ثم يلزمكم أن تعتق في الحال، وفي تأخر العتق إلى موت السيد
ما يبطل ما قالوه، على أن مذهب الشافعي أن من زوج أمة ثم اشتراها بعد ما أولدها، لم يتعد
الحرية من الولد إليها، بل هي أمة حتى تحمل منه وهي في ملكه فلا يصح له التعلق بذلك.

1 - الخلاف: 3 / 168 مسألة 275.
2 - الغنية 208.
3 - الخلاف: 6 / 423 مسألة 1.
242

وقد دخل أيضا فيما قلناه جواز بيع المدبر بعد نقض تدبيره - إن كان تدبيره تطوعا (1)
سواء كان التدبير مطلقا، بأن يقول: إذا مت فأنت حرة، أو مقيدا، بأن يقول: إن مت من
مرضي هذا فأنت حرة وفي سفري هذا أو سنتي هذه، فإن لم ينقض تدبيره لم يجز بيع رقبته وإنما
يجوز بيع خدمته مدة حياته.
وقال الشافعي: يجوز بيعه بكل حال وقال أبو حنيفة: إن كان التدبير مقيدا تملك
التصرف فيه وإن كان مطلقا لزم، ولم يجز له التصرف فيه بحال. (2)
لنا أنه مملوك، وتدبيره يجري مجرى الوصية، وتغييرها جائز للموصي ما دام حيا، وإن
كان تدبيره واجبا - بأن يكون قضاء لنذر - لم يجز بيعه لأن ما هذه حاله لا يجوز نقضه و
لا الرجوع فيه.
ويدخل فيه أيضا بيع المكاتب متى شرط عليه أنه إن عجز عن الأداء أو عن بعضه عاد
رقا فعجز، فأما إذا كوتب من غير شرط فإنه لا يجوز بيعه، (3) [90 / أ] وقال أبو حنيفة و
الشافعي في الجديد: لا يجوز بيع رقبته بحال: وقال في القديم: يجوز.
لنا أنه إذا عجز عاد رقا (4).
وفي النافع ولأبي حنيفة أن المولى ما رضي بزوال ملكه عن العبد إلا بهذه النجوم المعينة
وإذا عجز عاد إلى أحكام الرق وما في يده من الاكتساب لمولاه لأنه كسب العبد وإذا عاد رقا
جاز بيعه إجماعا.
وقد دخل فيما أصلناه نفوذ بيع ما يصح بيعه إذا بيع معه في صفقة واحدة ما لا يجوز
بيعه، (5) سواء كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال مثل أن باع خلا وخمرا، أو شاة وخنزيرا،
أو كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال، مثل أن باع أمته وأم ولده، أو يكون أحدهما ماله
والآخر مال الغير، الباب واحد.
قال الشافعي: يبطل فيما لا ينفذ فيه البيع كما قلناه وهل يبطل في الآخر فعلى قولين:
أصحهما عندهم أن البيع يصح. (6) في الوجيز: للبطلان علتان إحداهما أن الصيغة متحدة فإذا

1 - الغنية 208 - 209.
2 - الخلاف: 6 / 411 مسألة 5.
3 - الغنية 209.
4 - الخلاف: 6 / 404 مسألة 34.
5 - الغنية 209.
6 - الخلاف: 3 / 144 مسألة 232.
243

فسد [ت] في البعض لم تقبل التجزئ، والأخرى أن الثمن فيما يصح مجهول. (1)
لنا أن الجهالة الطارئة لا تفسد البيع.
وقال أبو حنيفة: إن كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال، بطل في
المال. وإن كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال، صح في المال، وإن كان أحدهما مالا و
الآخر مال غيره نفذ في ماله وكان في مال الغير موقوفا.
وقال مالك وداود: يبطل فيهما (2).
لنا أن ما نفذ بيعه مملوك يصح بيعه مفردا بلا خلاف، فمن أبطله في هذه الصورة فعليه
الدليل، ويدل على ذلك بعد إجماع الإمامية ظاهرا هو قوله تعالى: {وأحل الله البيع} (3) و
إذا ثبت ما قلناه في صحة البيع فالمشتري بالخيار بين أن يرد أو يمسك ما يصح فيه البيع بما
يخصه من الثمن الذي يتسقط عليه لأنه إذا بطل بيع أحدهما سقط عنه الثمن بحسابه، وللشافعي
فيه قولان: إذا قال يصح البيع أحدهما ما قلنا والثاني أن يمسك بجميع الثمن أو يرد، (4).
إذا اختار إمساكه بكل الثمن، فلا خيار للبايع وإن اختار إمساكه بما يخصه من الثمن،
فلا خيار له عندنا وللشافعي فيه وجهان. (5)
وقد دخل فيه أيضا جواز بيع المعقود عليه قبل قبضه من الثمن والمثمن معا، وسواء في
ذلك المنقول وغيره إلا أن يكون المبيع طعاما، فإن بيعه قبل قبضه لا يجوز إجماعا (6) وبما قلناه
قال مالك.
وقال الشافعي [90 / ب]: لا يجوز بيعه قبل القبض، ولا فرق بين الطعام وغيره.
وقال أحمد: إن كان مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل القبض.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان مما ينتقل ويحول لم يجز بيعه قبل القبض، وإن
كان مما لا ينقل ولا يحول من العقار جاز بيعه قبل القبض.
لنا بعد إجماع الإمامية دلالة الأصل فإن الطعام مجمع عليه ولا دليل على ما عداه فمن
أبطله فعليه الدليل وظاهر القرآن {وأحل الله البيع} وقول النبي (صلى الله عليه وآله): من ابتاع طعاما
فلا يبعه حتى يستوفيه.

1 - الوجيز: 1 / 140.
2 - الخلاف: 3 / 144 مسألة 232.
3 - البقرة: 275.
4 - الخلاف: 3 / 146 مسألة 234 - 235.
5 - الخلاف: 3 / 146 مسألة 235.
6 - الغنية 209.
244

فخص الطعام بذلك، فلو كان حكم غيره حكمه لبينه. (1) والثمن إذا كان معينا يجوز بيعه
قبل قبضه ما لم يكن صرفا، وإن كان في الذمة فيجوز أيضا بدلالة الآية والأصل، وقال
الشافعي: في المعين لا يجوز قولا واحدا، وفيما في الذمة قولان، وروي سعيد بن جبير عن ابن
عمر أنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ
الدنانير، آخذ هذه من هذه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بأس أن تأخذها ما لم تفترقا وبينكما
شئ. (2).
ويخرج على ما اشترطناه بيع العبد الجاني جناية توجب القصاص بغير إذن المجني عليه،
فإنه لا يجوز لأنه قد صار حقا له، فأما إذا كانت توجب الأرش والتزمه مولاه فإنه يجوز بيعه،
لأنه لا وجه يفسده (3).
وللشافعي قولان: أحدهما يصح بيعه وهو اختار المزني (4) وأبي حنيفة ولم يفصلوا و
الثاني: لا يصح ولم يفصل. (5)
ويخرج على ذلك بيع من ليس كامل العقل وشراؤه، فإنه لا ينعقد وإن أجازه الولي (6)
وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: إن كان بإذن الولي صح، وإن كان بغير إذنه
وقف على إجازة الولي لنا.
بعد إجماع الإمامية أنه لا دليل على صحته، وانتفاء الدليل الشرعي يدل على انتفاء
صحة بيعه، وما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم
حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق. (7)
ويخرج على ذلك شراء الكافر عبدا مسلما (8) وفاقا للشافعي في أصح قوليه (9) دفعا
للهزل.
لنا ما قدمناه من الإجماع، ونفي الدليل الشرعي على انعقاده، وقوله تعالى: {ولن

1 - الخلاف: 3 / 97 مسألة 158.
2 - الخلاف: 3 / 99 مسألة 161.
3 - الغنية 210.
4 - صاحب الشافعي، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، كان من أهل مصر وهو إمام الشافعيين، توفي (264)
بمصر ودفن بالقرب من تربة الشافعي. وفيات الأعيان: 1 / 217 رقم 93.
5 - الخلاف: 3 / 117 مسألة 198.
6 - الغنية 210.
7 - الخلاف: 3 / 178 مسألة 294.
8 - الغنية 210.
9 - الخلاف: 3 / 188 مسألة 315.
245

يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} (1) لأنه عام في جميع الأحكام، وقوله (عليه السلام):
الإسلام يعلو ولا يعلى.
واشترطنا أن يكون المعقود عليه معلوما، لأن العقد على المجهول باطل بلا خلاف، لأنه
من بيع الغرر، فلو قال: بعتك [91 / أ] عبدا أو ثوبا [أو] بما باع به فلان سلعته، لم يصح، بل
لا بد من علمه بالمشاهدة، وعلم مقداره وأوصافه إن كان حاضرا أو بتمييز الجنس و
تخصيص العين بالصفة أو المبلغ أو بهما معا بالقول إن كان غائبا (2).
وبيع الأعيان الغائبة إذا علمت بما ذكرناه جائز، خلافا للشافعي قال: لأنه مجهول. و
وفاقا لأبي حنيفة.
لنا أنه معلوم بالإخبار، والجهالة لعدم الرؤية لا يفضي إلى المنازعة.. لأنه لو لم يوافقه
رده وذكر الوصف فيه يقوم مقام الرؤية كما في السلم وظاهر قوله تعالى: {وأحل الله
البيع} (3) وقوله: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} (4) وما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله) من
اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه.
ويدخل فيما قلناه جواز بيع الأعمى وشرائه، سواء ولد أعمى، أو عمي بعد صحته و
يرجع في حصول المبيع وانتفائها إلى من يثق به (5).
وقال الشافعي: إن ولد أعمى، فلا يجوز بيعه وشراؤه (6) في الأعيان، بل يوكل، وإن
كان بصيرا ثم عمى، فإن باع شيئا أو اشتراه ولم يكن رآه فلا يجوز بيعه وشراؤه، وإن كان قد
رآه فإن كان الزمان يسيرا لا يتغير في العادة، أو كان الشئ مما لا يفسد في الزمان الطويل مثل
الحديد والرصاص جاز بيعه، فإن وجد على ما رآه فلا خيار له، وإن وجد مغايرا فله الخيار.
وإن كان الزمان تطاول والشئ مما يتغير، مثل أن يكون عبدا صغيرا فكبر أ وشجرة
صغيرة فكبرت، فإن بيعه لا يجوز، لأنه مجهول الصفة هذا إذا قال: إن بيع خيار الرؤية لا يجوز
وإذا قال: يجوز، ففيه وجهان: أحدهما: لا يجوز، لأن الرؤية لا يصح في الأعمى والثاني:
يجوز ويوكل من يصفه فإن رضيه قبضه، وإن كرهه فسخ البيع.
لنا على مذهبنا دلالة الأصل وظاهر الآية {أحل الله البيع وحرم الربا}.

1 - النساء: 141.
2 - الغنية ص 211.
3 - البقرة: 275.
4 - النساء: 29.
5 - الغنية 211.
6 - بدائع الصنايع: 6 / 609، المبسوط للسرخسي: 13 / 77.
246

ويدخل فيه أيضا المبيع إذا استثني منه شئ معين، كالشاة إلا رأسها، أو جلدها، أو
ربعها، (1) سواء كان في سفر أو حضر ويكون البايع شريكا للمشتري بمقدار ما يستثني من
المثمن.
خلافا لأبي حنيفة والشافعي فإنهما قالا لا يجوز على كل حال وقال مالك: إن كان في
حضر لا يجوز، وإن كان في سفر جاز.
لنا أن ما عدا المستثنى معلوم وبيع المعلوم جائز صحيح (2).
وإذا باع ثمرة بستان، جاز أن يستثني أرطالا معينة.
خلافا لهما أيضا فإنهما قالا: لا يجوز، لأن الثمرة مقدارها مجهول [91 / ب].
لنا أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى الدليل (3) وإذا جاز بيعها ما لم يستثن منها شيئا
إجماعا مع أن مقدار الثمرة مجهول، فكذلك يجوز بيعها وإن استثني منها أرطالا معينة وإن كان
مقدار ما عدا المستثنى مجهولا لأنه لا فرق بين الأمرين.
" واعتبرنا أن يكون مقدورا على تسليمه، تحفظا مما لا يمكن ذلك فيه، كالسمك في الماء،
والطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف، لأنه [من] بيع الغرر " (4).
والغرر ما طوى منك علمه وقيل ما يكون مستور العاقبة. (5)
وقد دخل فيما قلناه بيع الآبق وقد روي بعض أصحابنا جواز بيعه إذا بيع معه في الصفقة
سلعة أخرى، وبيع سمك الآجام مع ما فيها من القصب (6).
وقال الفقهاء: لا يجوز بيعه ولم يفصلوا، وحكى عن ابن عمر أنه أجازه وعن ابن
سيرين (7) أنه قال: إن لم يعلم موضعه لا يجوز وإن علم جاز. (8)
لنا بعد إجماع الإمامية ظاهر القرآن، وإنما أخرجنا منه ما عدا هذا الموضع بدليل قاطع،
والبيع كما ذكره في هذه الصورة ليس بغرر، لأن ما ينضم في العقد إليه يخرجه عن ذلك، ولهذا
جاز بيع الثمرة الموجودة بعضها المتوقع وجود باقيها - عندنا وعند مالك (9) وقال الشافعي

1 - الغنية 211.
2 - الخلاف: 3 / 92 مسألة 149.
3 - الخلاف: 3 / 91 مسألة 148.
4 - الغنية 211.
5 - لسان العرب (غرر).
6 - الغنية 212.
7 - محمد بن نسرين، الأنصاري، أبو بكر روى عن: مولاه أنس بن مالك، والحسن بن علي (عليه السلام)، وجند بن عبد الله
التجلي وغيرهم. ولد في إمارة عثمان، ومات في شوال سنة (110). تهذيب الكمال: 25 / 344 رقم 5280.
8 - الخلاف: 3 / 168 مسألة 274.
9 - الغنية 212.
247

يبطل في الجميع، لنا دلالة الأصل وظاهر الآية وطلع النخل الذي لم يؤبر مع أصوله وإن كان
في الحال معدوما ولا يمكن تسليمه بلا خلاف، ولما ذكرناه من هذين الشرطين نهى النبي (صلى الله عليه وآله)
عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وذلك لا يجوز بيعها منفردة عن الأصول سنة واحدة بشرط
التبقية إجماعا ويجوز بشرط القطع في الحال إجماعا (1).
ويجوز عندنا خاصة بيعها سنتين وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
لنا بعد إجماع الإمامية وظاهر القرآن ودلالة الأصل (2) وأنها إن خلست في سنة زكت
في أخرى (3).
ولا يجوز بيعها مطلقا، وفي ذلك خلاف قال أبو حنيفة: يجوز بشرط القطع ويجوز
مطلقا ويجب عليه القطع في الحال ولا يجوز بشرط التبقية، فجعل الخلاف في البيع المطلق.
ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الفرقة وأخبارهم، ما روي عبد الله بن عمر أن
رسول الله (عليه السلام) نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة، قيل له ومتى ذلك.؟ قال: إذا طلع الثريا
وعن أنس بن مالك أنه (عليه السلام) نهى عن بيع الثمار حتى تزهي، قيل [92 / أ] يا رسول الله وما
تزهي؟ قال: حتى يحمر، وقال: أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه وعن أبي
سعيد الخدري أنه (عليه السلام) قال: لا تبايعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها قيل وما بدو صلاحها؟ قال
يذهب عاتها ويخلص طيبها (4).
وإذا كانت الأصول لرجل، والثمرة لآخر، فباع الثمرة من صاحب الأصول قبل بدو
صلاحها لا يجوز وللشافعي فيه وجهان لنا عموم الأخبار التي تدل على نهي بيعها قبل بدو
الصلاح. (5)
لا اعتبار بطلوع الثريا في بدو الصلاح في الثمار، بل المراعى منه صلاحها بأنفسها
بالبلوغ أو التلون، بدلالة الأخبار المروية في ذلك.
وقال بعض الناس: إن الاعتبار لخبر ابن عمر وقول ابن عمر حتى يطلع الثريا ليس
من قول النبي إنما هو من قوله، ولا يجب اتباع قوله (6).
إذا بدا الصلاح في بعض الجنس، جاز بيع جميع ما في البستان من ذلك الجنس وإن لم يبد

1 - الغنية 212.
2 - الخلاف: 3 / 84 مسألة 139.
3 - الغنية 212 وفيها خاست.
4 - الخلاف: 3 / 85 مسألة 140.
5 - الخلاف: 3 / 87 مسألة 141.
6 - الخلاف: 3 / 88 مسألة 143.
248

صلاحه. وكذلك إذا بدا صلاح بعض الثمار في بستان واحد ولم يبد صلاح نوع آخر فيه، فإنه
يجوز بيع الجميع. وإن كان ذلك في بساتين فلا يجوز.
وقال الشافعي: يعتبر في بعض الثمرة وإن قل، حتى لو وجد في بسرة واحدة، لكان
الباقي من ذلك النوع في ذلك البستان تابعا لها، وجاز بيع الجميع من غير شرط القطع. (1)
ولما ذكرنا من الشرطين أيضا نهي عن بيع حبل الحبلة - وهو نتاج النتاج - وعن بيع
الملاقيح - وهو ما في بطون الأمهات - وعن بيع المضامين - وهو ما في أصلاب الفحول - لأن
ذلك مجهول غير مقدور على تسليمه (2).
ولذلك نهى أيضا عن بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، لأنهما مجهولان، فإن
تركا وتأخرا أخذهما صارا غير مقدورين على تسليمهما لاختلاطهما بما يحدث بعدهما (3) بلا
خلاف إلا من مالك والليث بن سعد. (4)
وللجهالة بالمبيع نهى (صلى الله عليه وآله) عن بيع الحصاة على أحد التأويلين، وهو أن يعقد البيع على
ما يقع عليه الحصاة (5).
وللجهالة بالثمن والأجل أيضا نهى عن بيعتين في بيعة، نحو أن يقول: بعتك كذا بدينار
إلى شهر وبدينارين إلى شهرين، فيقول المشتري: قبلت (6) أو يقول بعت بألفين نسيئة و
بألف نقدا فخذ بأيهما شئت وقال بعض أصحابنا: المروي أن للبايع أقل الثمنين في أبعد
الأجلين (7).
واشترطنا أن يكون منتفعا به منفعة مباحة تحرزا مما لا منفعة فيه كالحشرات وغيرها.
وقيدنا بكونه مباحة تحفظا من المنافع المحرمة، ويدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره إلا
ما أخرجه الدليل، من بيع الكلب المعلم للصيد، والزيت النجس للاستصباح به [92 / ب]
تحت السماء (8).
قال أبو حنيفة ومالك: يجوز بيع الكلاب مطلقا إلا أنه مكروه ويلزم قاتلها قيمتها.
وعندنا لا يجوز بيع غير المعلم ولا يلزم قاتله قيمته.

1 - الخلاف: 3 / 88 مسألة 144.
2 - الغنية ص 212.
3 - الغنية 212.
4 - الخلاف: 3 / 169 مسألة 276.
5 - الغنية ص 213.
6 - الغنية 213.
7 - أنظر المقنعة: 595.
8 - الغنية 213.
249

وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلاب معلمة كانت أو غير معلمة، ولا يجب على قاتلها
القيمة (1).
يجوز اقتناء الكلب لحفظ البيوت أو الحرث أو الماشية أو الصيد إن احتيج إليه، لعموم
ظواهر الأخبار ولأصحاب الشافعي فيه قولان (2).
القرد لا يجوز بيعه لإجماع الإمامية على أنه مسخ نجس، وقال الشافعي يجوز (3).
وكذا لا يجوز بيع شئ من المسوخ كالقرد والخنزير، والدب، والثعلب، والأرنب، و
الذئب، والفيل وغير ذلك، وقال الشافعي: كل ما ينتفع به يجوز بيعه مثل القرد والفيل، و
غير ذلك (4).
وكذلك لا يجوز بيع الغراب الأبقع إجماعا، والسود عندنا مثل ذلك، سواء كانت كبارا
أو صغارا وللشافعي للصغار منها وجهان (5).
وأما بيع الزيت النجس للاستصباح به تحت السماء فقد قلنا أنه يجوز بيعه، وقال أبو
حنيفة: يجوز بيعه مطلقا وقال الشافعي ومالك: لا يجوز بيعه بحال (6).
وسرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه وقال أبو حنيفة: يجوز بيع السراجين وقال
الشافعي: لا يجوز بيعها ولم يفصلا.
لنا على جواز ذلك أنه طاهر عندنا ومن منع منه فإنما منع لنجاسته وأما النجس
فلا يجوز بيعه (7).
ولا يجوز بيع الخمر وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة: يجوز بوكالة الذمي (8).
لنا على من قال بجواز بيع الكلاب مطلقا، وبيع سرجين ما لا يؤكل لحمه، وبيع الخمر
بوكالة الذمي على بيعها ما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله) إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، وعلى من منع من
جواز بيع الكلب المعلم والزيت للاستصباح به عموم الآيتين اللتين قدمناهما، وما روي عن
جابر من أنه (صلى الله عليه وآله) نهى عن ثمن الكلب إلا أن يكون للصيد، وما روى أبو علي بن أبي هريرة (9)

1 - الخلاف: 3 / 181 مسألة 302.
2 - الخلاف: 3 / 183 مسألة 305.
3 - الخلاف: 3 / 183 مسألة 306.
4 - الخلاف: 3 / 184 مسألة 308.
5 - الخلاف: 3 / 184 مسألة 307.
6 - الخلاف: 3 / 187 مسألة 312.
7 - الخلاف: 3 / 185 مسألة 310.
8 - الخلاف: 3 / 185 مسألة 311.
9 - الحسن بن الحسين القاضي، أبو علي بن أبي هريرة البغدادي أحد أئمة الشافعية تقفه علي ابن سريح، وأبي إسحاق
المروزي، روى عنه: الدارقطني مات ببغداد سنة (345). طبقات الشافعية: 1 / 126 رقم 78.
250

في كتابه الإفصاح من أنه (صلى الله عليه وآله) أذن في الاستصباح بالزيت النجس وهذا يدل على جواز
بيعه (1).
واعتبرنا حصول الإيجاب من البايع والقبول من المشتري، تحرزا من القول بانعقاده
بالاستدعاء عن المشتري والإيجاب من البايع وهو أن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك، فإنه
لا ينعقد بذلك، بل لا بد أن يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت حتى ينعقد.
وقال الشافعي: يصح وإن لم يقل ذلك.
وقال أبو حنيفة: إن كان القبول بلفظ الخبر كقوله: اشتريت منك، أو ابتعت منك صح
ذلك وإن كان بلفظ [93 / أ] الأمر لم يصح.
لنا بعد إجماع الإمامية أن ما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به وليس على صحته بما
عداه دليل (2).
واحترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة ويقول:
أعطني بقلا، فيعطيه، فإن ذلك ليس ببيع وإنما هو إباحة للتصرف (3) من كل واحد منهما فيما
أخذه، تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه.
وفائدة ذلك، أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، وأراد صاحب القطة أن يسترجع
قطعته كان لهما ذلك، لأن الملك لم يحصل لهما وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: يكون بيعا
صحيحا وإن لم يوجد الإيجاب والقبول، قال ذلك في المحقرات دون غيرها.
لنا أن العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هاهنا فيجب أن لا يثبت، و
أما الإباحة بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها. (4)
وإذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، فإن نقدتني وإلا فلا بيع بيننا، صح
البيع، وفاقا لأبي حنيفة، وخلافا للشافعي فإنه قال: البيع باطل (5).
لنا قوله الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة (6)، وهذا شرط لا يمنعان
منه.
ولما ذكرناه نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع الملامسة والمنابذة، وعن بيع الحصاة على

1 - الغنية 213 - 214.
2 - الخلاف: 3 / 39 مسألة 56.
3 - الغنية 214.
4 - الخلاف: 3 / 41 مسألة 59.
5 - الخلاف: 3 / 40 مسألة 57.
6 - الخلاف: 3 / 19 مسألة 22.
251

التأويل الآخر، ومعنى ذلك أن يجعل اللمس للشئ أو النبذ له أو إلقاء الحصاة بيعا موجبا (1).
واشترطنا عدم الإكراه، لأن حصوله مفسد للعقد بلا خلاف، واستثناء الموضع
المخصوص وهو الإكراه في حق، نحو إكراه الحاكم على البيع لإيفاء ما يلزم من حق، لأنه يصح
البيع معه بلا خلاف.
وأعلم أن ما يقترن بعقد البيع من الشروط على ضروب:
منها ما هو فاسد مفسد للعقد بلا خلاف، نحو أن يشترط في الرطب أن يصير تمرا، وفي
الحصرم أن يصير عنبا، وفي الزرع أن يسنبل، ومثل أن يسلف في زيت مثلا على أن يكون
حادثا في المستقبل من شجر معين، لأن ذلك غير مقدور على تسلميه.
ومنها: ما هو صحيح والعقد معه كذلك، وهذا على ضربين:
أحدهما لا خلاف فيه نحو أن يشترط في العقد ما يقتضيه، أو ما للمتعاقدين مصلحة
فيه، مثل أن يشترط القبض، وجواز الانتفاع، والأجل والخيار ودهن والكفيل.
والثاني فيه خلاف، وهو أن يشترط ما يمكن تسليمه، نحو أن يشتري ثوبا على أن
يخيطه أو يصبغه، أو يبيعه شيئا آخر، أو يبتاع منه، وأن يبيع ويشترط على المشتري [إن] رد
الثمن عليه في وقت كذا كان البيع له، وأن يشترط على مشتري العبد عتقه (2) [93 / ب‍] صح
عندنا العقد والشرط وبه قال ابن شبرمة.
وقال ابن أبي ليلى (3) صح البيع وبطل الشرط.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يبطلان معا (4).
لنا ما يدل على صحة العقد مع الشرط ظواهر القرآن ودلالة الأصل، وعلى صحة هذه
الشروط ما روي من قوله (عليه السلام) الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة وما روي
من خبر جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما ابتاع منه البعير بمكة شرط عليه أن يحمله عليه إلى المدينة
وأنه (عليه السلام) أجاز البيع والشرط (5).

1 - الغنية 214.
2 - الغنية 214 - 215.
3 - اسمه عبد الرحمن أبو عيسى كان من أكابر تابعي الكوفة، سمع عليا (عليه السلام) وعثمان وأبا أيوب الأنصاري، وغيرهم. ولد
في خلافة عمر، وقتل بدجيل، وقيل غرق في نهر البصرة وقيل فقد بدير الجماجم سنة (83). وفيات الأعيان:
3 / 126 رقم 360.
4 - الخلاف: 3 / 29 مسألة 40.
5 - الغنية 215.
252

وفي هذا حكاية رواها محمد بن سليمان الذهلي (1) قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد (2)
قال: دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيين، أبو حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة.
فصرت إلى أبي حنيفة فقلت: ما تقول فيمن باع بيعها وشرط شرطا؟ قال: البيع
فاسد، والشرط فاسد.
فأتيت ابن أبي ليلى، فقلت له ما تقول فيمن باع بيعا وشرط شرطا فقال: البيع جائز، و
الشرط باطل.
فأتيت ابن شبرمة، وسألته عنه فقال البيع جائز والشرط جائز.
قال: فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت: إن صاحبيك خالفاك في البيع؟ فقال لست أدري
ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب (3)، عن أبيه، عن جده أن النبي (عليه السلام) نهى عن بيع وشرط.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فقلت: إن صاحبيك خالفاك في البيع؟ فقال: ما أدري ما قالا،
حدثني هشام بن عروة (4) عن أبيه عن عائشة قالت: لما اشتريت بريرة جاريتي شرطت على
مواليها أن أجعل ولائها لهم إذا أعتقتها، فجاء النبي (عليه السلام) فقال: الولاء لمن أعتق، فأجاز البيع و
أفسد الشرط.
فأتيت ابن شبرمة فقلت: إن صاحبيك خالفاك في البيع فقال: لا أدري ما قالا، حدثني
مسعر (5)، عن محارب (6)، عن جابر بن عبد الله قال: ابتاع النبي (عليه السلام) بعيرا بمكة شرطت عليه
أن يحملني على ظهره إلى المدينة فأجاز (عليه السلام) الشرط والبيع (7) ومن الشروط ما هو فاسد بلا

1 - لم يعرف له ترجمة إلا ما ذكر في تاريخ بغداد في ترجمة عبد الله بن أيوب بن زاذان أنه روى عن محمد بن سليمان
الذهلي. وقال: مات عبد الله بن أيوب بن زاذان سنة (292).
2 - عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري أبو عبيدة البصري أحد الأعلام، روى عن
عبد العزيز بن صهيب، وشعيب بن الحبحاب وأبي التياح. مات سنة (79). تهذيب التهذيب: 6 / 391 رقم 826.
3 - عمرو بن شعيب بن محمد القرشي السهمي، أبو إبراهيم مات سنة (118) بالطائف. تهذيب الكمال: 22 / 63 رقم
4384.
4 - هشام بن عروة ابن الزبير بن العوام القرشي أبو المنذر، المدني روى عنه: أبان بن يزيد العطار، وإبراهيم بن حميد بن
عبد الرحمن الرؤاسي وغيرهم، مات سنة (147). تهذيب الكمال: 3 / 232 رقم 6585.
5 - مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة، أبو سلمة الهلالي الكوفي، توفي في رجب سنة (155). طبقات ابن سعد: 6 / 364
- 365.
6 - محارب بن دثار بن كردوس بن قرواش السدوسي الكوفي أبو دثار، ولي قضاء الكوفة في إمرة خالد بن عبد الله
القسري، وحدث عن ابن عمر وجابر توفي سنة (116). تهذيب التهذيب: 10 / 45 رقم 80.
7 - الخلاف: 3 / 29 مسألة 40.
253

خلاف غير مفسد للعقد، وفيه خلاف، نحو أن يشترط ما يخالف مقتضى العقد مثل أن
لا يقبض المبيع ولا ينتفع به، أو يشترط ما يخالف الكتاب والسنة نحو أن يشترط البايع العبد
أن يكون ولاؤه له إذا أعتق (1)، فعندنا أن العقد صحيح والشرط فاسد خلافا لأبي حنيفة و
الشافعي (2).
لنا ما قدمناه من إجماع الإمامية [94 / أ] وظاهر الآية ودلالة الأصل، وما روي من
خبر بريرة (3) أن مولاتها شرطت على عائشة حين اشترتها أن يكون ولاؤها لها إذا أعتقتها،
فأجاز النبي (صلى الله عليه وآله) البيع وأفسد الشرط وقال: الولاء لمن أعتق وقد ذكرناه.
وأعلم أنه نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن سوم المراء على سوم أخيه، وهو أن يزيد على المشتري
قبل العقد وبعد استقرار الثمن والإنعام بالبيع، ونهى عن البيع على بيعه، وهو أن يعرض على
المشتري مثل ما اشتراه بعد العقد وقبل لزومه، ونهي عن النجش في البيع، وهو أن يزيد في
الثمن من لا رغبة له في الشراء ليخدع المشتري، (4) فيشتريه صح البيع فيه وفيما تقدم ولكن
للمشتري الخيار لأنه تدليس وعيب، ولأصحاب الشافعي فيه قولان، ولو قلنا لا خيار له
لكان قويا لأن العيب ما يكون بالمبيع، وهذا ليس كذلك، كذا في الخلاف لأبي جعفر. (5)
ونهى أن يبيع حاضر، لباد، وهو أن يصير سمسارا له (6) سواء كان بالناس حاجة إلى
ما معهم، أو لم يكن بهم حاجة لظاهر قوله (عليه السلام): لا يبيعن حاضر لباد فإن خالف أثم لمنعه أن
يبيعه بنفسه حتى يكون للناس منه رزق وربح. (7)
ونهي عن تلقي الركبان للشراء منهم فإن تلقى واشترى كان البايع بالخيار إذا ورد
السوق إلا أن ذلك عندنا محدود بأربعة فراسخ فإن زاد على ذلك كان جلبا ولم يكن به بأس و
للشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يجوز، ولم يحده، والثاني: ليس له الخيار (8).
لنا قوله (صلى الله عليه وآله): فإن تلقي متلق فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (9) وكل هذه
المناهي لا يدل على فساد العقد.

1 - الغنية 216.
2 - الوجيز: 1 / 137. الهداية في شرح البداية: 2 / 48.
3 - مولاة عائشة كانت مولاة أناس من الأنصار، فكاتبوها ثم باعوها من عائشة فأعتقها، وكان اسم زوجها مغيثا، وكان
مولى فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاختارت فراقه. أسد الغابة: 6 / 39 رقم 6770.
4 - الغنية 216.
5 - الخلاف: 3 / 171 مسألة 281.
6 - الغنية 216.
7 - الخلاف: 3 / 72 مسألة 281.
8 - الغنية 216.
9 - الخلاف: 3 / 172 مسألة 282.
254

فصل في أسباب الخيار ومسقطاته
إذا صح العقد ثبت لكل واحد من المتبايعين الخيار بأحد أمور خمسة: أحدها: اجتماعهما
في مجلس العقد وهذا هو خيار المجلس. ولا يسقط إلا بأحد أمرين: تفريق وتخاير.
فالتفريق: أن يفارق كل واحد منهما صاحبه بخطوة فصاعدا عن إيثار.
والتخاير على ضربين: تخاير في نفس العقد، وتخاير بعده، فالأول أن يقول أحدهما
أختار بيعك بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس، فيقول المشتري: قبلت، والثاني أن يقول
أحدهما لصاحبه في المجلس: اختر، فيختار إمضاء العقد. (1)
إعلم أن البيع ينعقد بوجود الإيجاب من البايع، والقبول من المشتري [94 / ب] لكنه
لا يلزم المتبايعين بنفس العقد، بل يثبت لهما، ولكل واحد منهما خيار الفسخ مادا ما في
المجلس، إلى أن يتفرقا أو تراضيا بالتبايع في المجلس.
ورووا ذلك في الصحابة عن علي وعبد الله بن عباس وأبي هريرة، وفي الفقهاء
الأوزاعي وأحمد والشافعي.
وذهبت طائفة إلى أن البيع يلزم بمجرد العقد، ولا يثبت فيه خيار المجلس بحال. وبه
قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه (2).
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي من قوله (عليه السلام): المتبايعان، بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع
الخيار، فسماهما متبايعين، وذلك لا يجوز إلا بعد وجود التبايع منهما - لأنه اسم مشتق من فعل
كالضارب والقاتل - ثم أثبت لهما الخيار قبل التفرق - وأقل ما يحصل به التخاير ما ذكرناه، ثم
استثنى بيع الخيار وهو الذي لم يثبت فيه الخيار بما قدمناه من حصول التخاير، وفي خبر آخر:
ما لم يفترقا عن مكانهما، فإذا تفرقا فقد وجب البيع، وفي خبر آخر: ما لم يفترقا أو يقول
أحدهما لصاحبه اختر، وحمل لفظ المتبايعين في الخبر الأول على المتساومين غير صحيح
بدليل أن من قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم ساوم عليه لم يعتق بلا خلاف، وما يتعلق به في
نفي خيار المجلس، من قوله (عليه السلام): المتبايعان بالخيار: ما لم يفترقا ولا يحل له أن يفارقه خشية أن
يستقيله، وقولهم: إنه أثبت الاستقالة في المجلس وذلك، إنما يثبت في عقد لازم، لا دلالة لهم
فيه، وهو بأن يكون دلالة عليهم أولى، لأن المراد لا يحل له أن يفارقه خشية أن يفاسخه ما

1 - الغنية 217.
2 - الخلاف: 3 / 7 مسألة 6.
255

ثبت من خيار المجلس فعبر عن الفسخ بالاستقالة، وقلنا ذلك لأمرين.
أحدهما: أنه ذكر أمرا يفوت بالتفرق، والاستقالة ليست كذلك، وإنما الذي يفوت
بالتفرق هو الفسخ بحق خيار المجلس.
والثاني: أنه نهى عن المفارقة خوفا من الاستقالة، والاستقالة غير منهي عنها، لأن
الإقالة غير واجبة، وإنما المنهي عنه مفارقة المجلس خوفا من الفسخ بحق الخيار، لأنه مأمور
باستئذان صاحبه واعتبار رضاه (1).
أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة فصاعدا لأنه يقع عليه اسم الافتراق، والزائد
يحتاج إلى دليل، وقال الشافعي: يرجع في ذلك إلى العادة. (2)
بيع الخيار عندنا على ثلاثة أضرب: أحدها خيار المجلس.
والثاني أن يشترطا حال العقد أن لا يثبت [95 / أ] بينهما خيار المجلس بعد انعقاد البيع.
والثالث: أن يشترطا في حال العقد مدة معلومة يكون لهما فيها الخيار ما شاءا، ثلاثا أو
شهرا أو أكثر، فإنه ينعقد البيع، ويكون لهما الخيار في تلك المدة.
وقال أبو حنيفة ومالك: بيع الخيار هو ما يشترط فيه الخيار فيثبت فيه خيار الشرط،
[ف‍] عند أبي حنيفة ثلاثا، وعند الشافعي بيع الخيار ما قطع فيه الخيار، وأكثر أصحابه على ما
اخترناه أولا في القسم الأول، وفي أصحابه من قال بالقسم الثاني أيضا، وأما القسم الثالث
فلم يقل به أحد وهو ما زاد على الثلاث (3).
والسبب الثاني للخيار: اشتراط المدة له، ويجوز أن يكون ثلاثة أيام فما دونها
بلا خلاف، ويجوز الزيادة على الثلاثة، ويلزم الوفاء بذلك، ولا يفسد به العقد (4)، خلافا لأبي
حنيفة والشافعي فإنهما قالا: لا يجوز الزيادة على ثلاثة أيام ويجوز أقل من ذلك فإن شرطا
أكثر من ذلك كان البيع فاسدا عند الشافعي وعند أبي حنيفة.
لنا على صحة البيع ظاهر القرآن ودلالة الأصل وعلى جواز الزيادة على الثلاثة
قوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم وقوله: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب و
لا سنة وما روي من قوله: الخيار ثلاث خبر واحد، ثم إذا لم يمنع من النقصان منها لم يمنع من

1 - الغنية 217 - 218.
2 - الخلاف: 3 / 21 مسألة 26.
3 - الخلاف: 3 / 8 مسألة 7.
4 - الخلاف: 3 / 32 مسألة 43.
256

الزيادة عليها. (1)
مدة خيار الشرط من حين التفرق بالأبدان، لا من حين حصول العقد لأن العقد لا يثبت
إلا بعد التفرق وللشافعي فيه وجهان. (2)
وإذا ثبت أنه من حين التفرق، فمتى شرطا أن يكون من حين الإيجاب والقبول صح،
لأن الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل.
وقال الشافعي - على قوله أنه من حين العقد -: متى شرطا من حين التفرق بطل العقد،
وعلى قوله - من حين التفرق - فشرطا من حين العقد على وجهين: أحدهما يصح والآخر
لا يصح (3).
وإن شرط الخيار ولم يعين مدة كان الخيار ثلاثا، وإذا اختار من له الفسخ كان له ذلك،
ولم يفتقر إلى حضور صاحبه. وهكذا فسخه بالعيب لا يفتقر إلى حضور صاحبه، وسواء
ذلك قبل القبض أو بعده وبه قال الشافعي وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا اختار فسخ البيع مدة خياره، لم يصح إلا بحضور صاحبه.
لنا أن الأصل جوازه، ومن ادعى الحاجة إلى حضور صاحبه فعليه الدلالة. (4)
ويثبت الخيار الثلاث في الحيوان [95 / ب] بإطلاق العقد للمشتري خاصة من غير
شرط، وفي الأمة مدة استبرائها (5) خلافا للفقهاء (6).
لنا بعد إجماع الإمامية أن الثلاث هي المدة المعهودة في الشريعة لضرب الخيار، والكلام
إذا أطلق حمل على المعهود، ولما كانت العيوب في الحيوان أخفى، والتغابن فيه أقوى فسخ فيه
ما لم يفسح في غيره، ولا يمتنع أن يثبت هذا الخيار من غير شرط، كما يثبت خيار المجلس.
ويسقط هذا الضرب من الخيار بأحد ثلاثة أشياء: انقضاء المدة المضروبة له بلا
خلاف، أو التخاير في إثباتها أو التصرف في المبيع، وهو من البايع فسخ ومن المشتري إجازة
بلا خلاف.
وروى أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع وقال للبايع: أجيئك بالثمن، ومضى،
فعلى البايع الصبر عليه ثلاثا، ثم هو بالخيار بين فسخ العقد ومطالبته بالثمن.

1 - الغنية 219.
2 - الخلاف: 3 / 33 مسألة 44.
3 - الخلاف: 3 / 33 مسألة 45.
4 - الخلاف: 3 / 34 مسألة 47.
5 - الغنية 219.
6 - الخلاف: 3 / 12 مسألة 8.
257

إذا كان المبيع مما يصح بقاؤه، فإن لم يكن كذلك كالخضراوات فعليه الصبر يوما واحدا،
ثم هو بالخيار على ما بيناه، وهلاك المبيع في هذه المدة من مال المبتاع وبعدها من مال
البايع (1).
وإذا هلك المبيع في مدة الخيار بعد القبض، لم ينقطع الخيار. وفاقا للشافعي وخلافا
لأبي حنيفة فإنه قال: ينقطع.
لنا أن الأصل ثبوته والانقطاع يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه (2).
وإذا اشترى سلعة من غيره ولم يقبضها، فهلك في يد البايع فإنها يهلك من ضمانه، و
ينفسخ البيع، ولا يجب على المشتري تسليم ثمنها إليه. إلا أن يكون المبتاع قد أحدث فيها
حدثا يدل على الرضا فيكون هلاكه من ماله وفاقا لأبي حنيفة والشافعي إلا أنا نشترط أن
يكون البايع لم يمكنه من التسليم.
وقال مالك: من ضمان المشتري وعليه تسليم الثمن إلى البايع، ولا شئ على البايع، إلا
أن يكون طالبه المشتري بتسليمه إليه، فلم يسلمه حتى تلف، فيجب عليه قيمته للمشتري (3)
.
السبب الثالث للخيار: الرؤية في بيع الأعيان الغائبة التي لم يتقدم من المتبايعين أو من
أحدهما رؤية لها، وينقطع هذا الخيار ويزول حكمه بأحد أمرين.
أحدهما: أن يرى المبيع على ما عين ووصف، (4) فإن وجد بخلاف ما عيت ووصف فله
الخيار.
وهذا البيع صحيح عندنا إذا ذكر جنسه وصفته وفاقا للشافعي في أحد قوليه، وفي
قوله الثاني [96 / أ] وهو الذي يختارونه أنه لا يصح.
وقال أبو حنيفة: يصح ذلك، وإن لم يذكر الجنس. مثل أن يقول: بعتك ما في كمي أو
صندوقي، فلا يفتقر إلى ذكر الجنس وإنما يفتقر إلى تعيين المبيع من غيره.
لنا قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (5) وما روي من قوله (عليه السلام): من اشترى
شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه وقال الشافعي - على قوله الأصح - أن له الخيار على كل حال.

1 - الغنية 219 - 220.
2 - الخلاف: 3 / 39 مسألة 55.
3 - الخلاف: 3 / 66 مسألة 109.
4 - الغنية 220.
5 - البقرة: 275.
258

لنا أن جواز الخيار في ذلك محتاج إلى دلالة، والعقد قد صح، فمن أبطله، أو أجاز الخيار
مطلقا، فعليه الدلالة (1).
والثاني: أن يرى المبيع بخلاف ما وصف، ويهمل الفسخ، لأنه على الفور.
ويدخل خيار المجلس في ضروب السلم وغيره لإجماع الإمامية على ذلك (2) وكذا
خيار الشرط وعند الشافعي لا يدخله.
لنا عموم الأخبار الواردة في جواز الشرط في العقود إلا عقد الصرف فإن خيار الشرط
لا يدخله بلا خلاف. (3)
ولا يدخل خيار المجلس فيما ليس ببيع من سائر العقود (4) في الوجيز: يثبت خيار
المجلس في كل معاوضة محضة من بيع وسلم، وصرف، وإجارة، إلا فيما يستعقب عتاقه
كشراء القريب وشراء العبد نفسه ولا يثبت فيما لا يسمى بيعا لقوله (عليه السلام): المتبايعان بالخيار ما لم
يفترقا (5) فخص بذلك المتبايعين دون غيرهما فمن ادعى دخول ذلك فيما ليس ببيع فعليه
الدليل.
" ولا مانع من دخول خيار الشرط فيما ليس ببيع " (6) والصلح لا يدخله خيار المجلس و
يجوز فيه خيار الشرط وقال الشافعي: الصلح إذا كان معاوضة مثل البيع يدخله خيار
الشرط وخيار المجلس.
لنا أنه ليس ببيع والأصل أنه لا خيار ومن ادعى دخول الخيار فيه فعليه الدليل.
الوكالة والعارية والجعالة والوديعة لا خيار في المجلس ولا يمتنع دحول خيار الشرط
فيها، وقال الشافعي: لا يدخلها الخياران.
لنا ما روي أن كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة فهو جائز (7) وهذا شرط لا يخالف
الكتاب والسنة.
" وإذا وطئ المشتري في مدة الخيار لم يكن مأثوما، ويلحق به الولد، ويكون حرا، و
يلزم العقد من جهته، ولم ينفسخ خيار البايع ولو شاهده يطؤها فلم ينكر، لأنه لا دليل على

1 - الخلاف: 3 / 5 مسألة 1 - 2.
2 - الغنية 220.
3 - الخلاف: 3 / 12 مسألة 9.
4 - الغنية 220.
5 - الوجيز: 1 / 141.
6 - الغنية 220.
7 - الخلاف: 3 / 12 مسألة 10 - 11.
259

ذلك، فإن فسخ البايع العقد لزم قيمة الولد للمشتري وعشر قيمة الأمة، - إن كانت بكرا - و
نصف عشر قيمتها إن كانت ثيبا لأجل الوطئ " (1).
وقال الشافعي: لا يجوز له وطؤه فإن وطأها فلا حد عليه، وإن علقت، فالنسب لاحق
به والولد حر [96 / ب].
وفي لزوم العقد من جهته وجهان: قال الإصطخري يكون ذلك رضا بالبيع وقطعا
للخيار كما قلنا وعليه أكثر أصحابه.
وقال أبو إسحاق: لا يلزم ذلك بل الخيار باق بحاله (2)، ولم يبطل خيار البايع، علم
بوطئه، أو لم يعلم. وفاقا لمذهبنا، وعليه أكثر أصحابه وفي أصحابه من قال: إذا وطئ بعلمه،
بطل اختاره. (3)
وخيار المجلس والشرط موروث، ويقوم الوارث مقام من مات منهما.
وبه قال الشافعي في خيار الشرط وقال في خيار المجلس: إن كان البايع مكاتبا فقد
وجب البيع، ولأصحابه فيه ثلاث طرق: منهم من قال: ينقطع الخيار، ويلزم البيع بموت
المكاتب، ولا يلزم بموت الحر.
لنا بعد إجماع الإمامية أنه إذا كان حقا للميت ورث كسائر حقوقه لظاهر القرآن (4).
وإذا جن من له الخيار، أو أغمي عليه، انتقل الخيار إلى وليه. وفاقا للشافعي وخلافا
لأبي حنيفة: فإنه قال لا ينقطع بالجنون.
لنا قوله (عليه السلام): رفع القلم عن ثلاث: عن المجنون حتى يفيق، فدل على أن حكم اختياره
قد زال. (5)
السبب الرابع للخيار: ظهور عيب [إذا] كان في المبيع قبل قبضه بلا خلاف، ولا ينقطع
إلا بأمور خمسة:
أحدها: شرط البراءة من العيوب حالة العقد، فإنه يبرأ من كل عيب، ظاهرا كان أو
باطنا، معلوما كان أو غير معلوم، حيوانا كان المبيع أو غيره (6)، وفاقا لأبي حنيفة.
وللشافعي ثلاثة أقوال أحدها يصح مثل ما قلناه والثاني: لا يبرأ من عيب بحال، علمه

1 - الغنية 221.
2 - الخلاف: 3 / 23 مسألة 31.
3 - الخلاف: 3 / 23 مسألة 31.
4 - الخلاف: 3 / 26 مسألة 34.
5 - الخلاف: 3 / 27 مسألة 37.
6 - الغنية 221.
260

أو لم يعلمه والثالث: لا يبرأ إلا من عيب واحد وهو عيب بباطن الحيوان لم يعلمه البايع (1).
لنا قوله (عليه السلام): الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة.
وإذا اشترى رجل من غيره عبدا فقبضه، ثم ظهر به عيب، فإنه يرده بكل عيب يظهر
فيه في مدة الثلاثة أيام من حين العقد وما يظهر بعد الثلاث فإنه لا يرده بعد إلا بثلاثة عيوب:
الجنون، والجذام، والبرص فإنه يرده بها إلى سنة.
وقال الشافعي: لا يجوز له رده بشئ من العيوب التي تحدث بعد القبض. (2)
وثانيها: تأخيره الرد مع العلم بالعيب، لأنه على الفور بلا خلاف.
وثالثها: الرضا بالعيب بلا خلاف أيضا.
ورابعها: حدوث عيب آخر عند المشتري، وليس له هاهنا إلا الأرش. (3) وفاقا لأبي
حنيفة والشافعي. (4)
وإذا علم بعيب كان في يد البائع فله الرد أو الإمساك وليس له الإمساك [97 / أ] مع
الأرش عندهما. وعندنا له أخذ الأرش. وهو أن يرجع على البايع من الثمن بقدر ما نقص من
قيمة المبيع صحيحا إلا أن يكون حليا، أو نية من ذهب أو فضة قد بيع بجنسه فإن أخذ الأرش
لا يجوز لما يؤدي ذلك إليه من الربا، والأولى فسخ العقد واستئنافه بثمن ليس من جنس المبيع
ليسلم من ذلك (5).
وخامسها: التصرف في المبيع الذي لا يجوز مثله إلا بملك أو الإذن الحاصل له بعد العلم
بالعيب فإنه يمنع من الرد بشئ من العيوب، ولا يسقط حق المطالبة بالأرش، لأن التصرف
دلالة الرضى بالبيع لا بالعيب، وكذلك حكمه إن كان قبل العلم بالعيب، وكان مما يغير المبيع
بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب، أو نقصان منه كالقطع له، وإن لم يكن كذلك فله الرد بالعيب إذا
علمه ما لم يكن المبيع أمة فيطؤها، فإن ذلك يمنع من ردها بشئ من العيوب إلا الحبل، فإنها ترد
به ومعها نصف عشر قيمتها لأجل الوطئ. (6)
من اشترى أمة فوطئها، ثم علم بالعيب لم يكن له ردها وله الأرش وفاقا لأبي حنيفة و
هو المروي عن علي بن أبي طالب، وقال الشافعي: له ردها ولا يجب عليه مهرها إن كانت

1 - الخلاف: 3 / 127 مسألة 213.
2 - الخلاف: 3 / 191 مسألة 320.
3 - الغنية 222.
4 - اللباب في شرح الكتاب: 2 / 21، الوجيز: 1 / 144.
5 - الغنية ص 222.
6 - الغنية 222.
261

ثيبا، وإن كانت بكرا لم يكن له ردها. (1) وإذا حدث بالمبيع عيب في يد البايع، للمشتري الرد
والإمساك بغير الأرش ولا يجبر البايع على بذل الأرش بلا خلاف، فإن تراضيا على الأرش
كان جائزا. لقوله (عليه السلام) الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حرم حراما وظاهر
مذهب الشافعي أنه لا يجوز (2).
وإذا اشترى عبدين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا، لم يجز له أن يرد المعيب دون
الصحيح، وله أن يردهما وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة: له أن يرد المعيب دون الآخر. (3)
إذا اشترى جارية رأى شعرها جعدا، ثم وجدها سبطا، لم يكن له الخيار. وفاقا لأبي
حنيفة وخلافا للشافعي.
لنا أنه لا دليل عليه (4).
وكذا إذا ابيض وجهها [بالطلاء] ثم أسمر، أو حمر خدها [بالدماء] ثم اصفر. وعند
الشافعي له الخيار. (5)
إذا اشترى جارية على أنها بكر فكانت ثيبا، روى أصحابنا أنه ليس له الرد وقال
الشافعي: له الرد (6).
وإذا اشترى عبدا أو أمة فوجده زانيا أو زانية، لم يكن له الخيار. لأنه لا دليل عليه
خلافا للشافعي وقال أبو حنيفة في الجارية له الخيار، وفي العبد لا خيار له (7).
وإذا وجد العبد أو الجارية أبخر فلا خيار له. وقال الشافعي: له الخيار وقال أبو حنيفة
في الجارية الخيار وفي العبد لا. (8)
وكذا إذا وجد العبد يبول في الفراش سواء كان صغيرا أو كبيرا وقال الشافعي: يثبت
الخيار في الكبير دون الصغير وقال أبو حنيفة: يثبت في الجارية دون العبد (9).
إذا اشترى عبدا فقتله، ثم علم بالعيب كان له الرجوع بالأرش وفاقا للشافعي وقال
أبو حنيفة: ليس له ذلك.

1 - الخلاف: 3 / 108 مسألة 177.
2 - الخلاف: 3 / 109 مسألة 178.
3 - الخلاف: 3 / 110 مسألة 180.
4 - الخلاف: 3 / 111 مسألة 182.
5 - الخلاف: 3 / 111 مسألة 183.
6 - الخلاف: 3 / 112 مسألة 184.
7 - الخلاف: 3 / 112 مسألة 186.
8 - الخلاف: 3 / 113 مسألة 187.
9 - الخلاف: 3 / 113 مسألة 188.
262

لنا أنه قد ثبت أن له الرد بالعيب، فمن أسقطه فعليه الدليل (1).
وإذا أراد أن يرد المبيع بالعيب، جاز له فسخ البيع في غيبة البائع وحضرته، قبل القبض
وبعده. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا كان قبل القبض يجوز أن يفسخه في غيبة البايع وإن كان بعد القبض
فلا يجوز إلا بحضوره ورضاه أو بحكم الحاكم.
لنا أن الرد إذا كان حقه فعل أي وقت شاء، ولا يجوز لأحد منعه (2).
إذا باع ما يكون مأكوله في جوفه وبعد كسره، مثل البيض والجوز واللوز وغير ذلك،
فليس للمشتري رده وله الأرش ما بين قيمته صحيحا وفاسدا وعند الحنفية إن لم ينتفع به
يرجع بالثمن كله وإن كان ينتفع به مع فساده لم يرده ورجع بنقصان العيب.
وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: لا يرده، والثاني يرده ولا يرد معه شيئا، والثالث:
يرده ويرد معه أرش النقص الذي حدث في يده.
لنا أنه قد تصرف في المبيع، فليس له رده بعموم الأخبار الواردة في ذلك (3).
وإذا اشترى عبدين، فوجد بأحدهما عيبا لم يكن له أن يرد المعيب وكان التخاير بين
رد الجميع وأخذ أرش المعيب وهو أحد قولي الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز له رده وفسخ
البيع في المعيب (4).
لنا قوله (عليه السلام): لا ضرر ولا إضرار وفي رد المعيب خاصة إضرار، بالبايع (5).
وفي البداية: يأخذهما أو يدعهما (6)، وفيه أيضا: من اشترى جارية فوجد بها قرحا
فداواها أو دابة فركبها في حاجته فهو رضا وإن ركبها ليردها إلى بايعها أو ليسقيها أو يشتري
لها علفا فليس برضى (7).
ويرد الشاة المصراة ومعها صاع من تمر أو بر عوض لبن التصرية (8) وفاقا للشافعي و
قال أبو حنيفة: لا خيار له.
يدل عليه قوله (صلى الله عليه وآله): من اشترى شاة مصراة [98 / أ] فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء

1 - الخلاف: 3 / 114 مسألة 191.
2 - الخلاف: 3 / 116 مسألة 195.
3 - الخلاف: 3 / 116 مسألة 196.
4 - الخلاف: 3 / 15 مسألة 193.
5 - الغنية: 223.
6 - الهداية في شرح البداية: 3 / 41.
7 - الهداية في شرح البداية: 3 / 41.
8 - الغنية 223.
263

أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر وفي رواية أخرى أو بر (1).
ولا يمنع من الرد الزوائد المنفصلة الحاصلة من المبيع في ملك المشتري كالثمرة والنتاج، و
متى رد فذلك له دون البايع (2) وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة: يسقط رد الأصل بالعيب.
لنا إجماع الإمامية وأنه (صلى الله عليه وآله) قضى أن الخراج بالضمان، ولم يفرق بين الكسب وغيره (3).
السبب الخامس للخيار: ظهور غبن لم تجر العادة بمثله (4) خلافا لأبي حنيفة والشافعي
فإنهما قالا: ليس له الخيار، سواء كان الغبن قليلا أو كثيرا.
وقال مالك: إن كان الغبن دون الثلث فلا خيار، وإن كان الثلث فما فوقه كان له الخيار و
به قال أبو يوسف وزفر.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية قوله (عليه السلام): لا ضرر ولا إضرار، وهذا ضرر، ونهيه (عليه السلام)
عن تلقي الركبان وقال: فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق، ومعلوم أنه إنما جعل له
الخيار لأجل الغبن. (5)
فصل في الربا
وأما الربا فيثبت في كل مكيل وموزون، سواء كان مطعوما أو غير مطعوم، بالنص لا
بالعلة (6).
واختلف أهل القياس في العلة فقال الشافعي: علة الربا في الدراهم والدنانير أنها أثمان
جنس، فالعلة متعدية إلى غيرها.
وقال أبو حنيفة: العلة موزون جنس. فالعلة متعدية عنده إلى كل موزن كالحديد و
الصفر والقطن والإبريسم وغير ذلك.
واختلفا في غير الأثمان، فقال الشافعي في القديم: العلة ثلاثة أو صاف: مأكول مكيل
أو موزون جنس فعلى هذا كل ما يؤكل مما لا يكال ولا يوزن كالقثاء والبطيخ والرمان
والسفرجل والبقول وغير ذلك لا ربا فيه.
وقال في الجديد: العلة ذات وصفين: مطعوم جنس. فكل مأكول فيه الربا، سواء كان

1 - الخلاف: 3 / 102 مسألة 167.
2 - الغنية 223.
3 - الخلاف: 107 مسألة 174.
4 - الغنية 224.
5 - الخلاف: 3 / 41 مسألة 60.
6 - الغنية: 224.
264

مما يكال أو يوزن كالحبوب، والأدهان، واللحمان. أو لا يكال ولا يوزن كالقثاء والسفرجل
وغير ذلك.
وقال أبو حنيفة: العلة ذات وصفين أيضا: مكيل أو موزون جنس، فكل مكيل فيه
الربا سواء أكل أو لم يؤكل (1).
لنا بعد إجماع الإمامية أن الأحكام الشرعية لا بد لها من شارع ولا شارع إلا النبي (صلى الله عليه وآله) و
إذا لم يكن منه نص على حكم، فيجب أن يكون منتفيا فيجب انتفاء الأحكام بالعلة وإثباتها
بالنص وإذا باع [98 / ب] ما فيه الربا من المكيل والموزون، مختلف الجنس، بعضه ببعض
متماثلا أو متفاضلا، جاز، ويجوز بيع متفق الجنس بعضه ببعض متماثلا لا متفاضلا نقدا وقال
الشيخ في الخلاف: ويكره نسيئة فإن تفرقا قبل القبض لم يبطل البيع، وفاقا لأبي حنيفة و
خلافا للشافعي فإنه قال: يبطل البيع.
لنا على ما قلناه أن العقد صحيح بلا خلاف، فمن ادعى بطلانه بالتفرق قبل القبض فعليه
الدلالة (2).
ولا يجوز بيع بعضه ببعض إذا اتفق الجنس أو كان في حكم المتفق كالحنطة والشعير
عندنا إلا بشروط ثلاثة زائدة على ما مضى الحلول النافي للنسيئة والتماثل في المقدار و
التقابض قبل الافتراق بالأبدان (3).
الحنطة والشعير جنس واحد في باب الربا، وبه قال مالك.
وعند أبي حنيفة والشافعي: هما جنسان، مختلفان يجوز بيعهما متفاضلا يدا لا نسيئة.
لنا ما روي عن معمر بن عبد الله (4) أنه بعث غلاما ومعه صاع من قمح، فقال: بعه واشتر
به شعيرا، فجاءه بصاع وبعض صاع، فقال: رده فإن النبي صلى الله عليه قال: الطعام بالطعام
مثلا بمثل وطعامنا يومئذ الشعير، فثبت أن الطعام يطلق عليهما، فلذلك رده (5).
أما التماثل فلا خلاف فيه إلا عن مالك فإنه قال: إذا كان أحد العوضين مصوغا جاز
بيعه بأكثر من وزنه وتكون الزيادة قيمة الصيغة والحجة عليه ما روي من قوله (صلى الله عليه وآله): لا تبيعوا

1 - الخلاف: 3 / 44 مسألة 64.
2 - الخلاف: 3 / 46 مسألة 65.
3 - الغنية ص 224.
4 - بن نضلة القرشي العدوي أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة، وعاش عمرا طويلا روى عنه سعيد بن المسيب. أسد
الغابة: 4 / 460 رقم 5040.
5 - الخلاف: 3 / 47 مسألة 66.
265

الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا سواء بسواء ولم يفصل، وأما قول ابن عباس ومن
وافقه من الصحابة بجواز التفاضل نقدا فقد انقرض وحصل الإجماع على خلافه (1).
فإن اختلف الجنس وكان أحدهما ذهبا والآخر فضة سقط اعتبار التماثل بلا خلاف، و
أما اعتبار الحلول والتقابض فهو الأحوط ويصح البيع بدونهما وإن كان مكروها لقوله (عليه السلام):
فإن اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم، وقد روى أصحابنا أنه إذا اتفق كل واحد من
العوضين في الجنس، وأضيف إلى أحدهما ما ليس من جنسه، سقط اعتبار التماثل في المقدار،
مثل بيع دينار ودرهم بدينارين وألف درهم وثوب بألفين، يدل على صحته ظاهر القرآن
{وأحل الله البيع} (2) [99 / أ] ودلالة الأصل.
واللحمان أجناس مختلفة، فلحم الإبل جنس مفرد عرابها وبخاتيها، ولحم البقر كذلك
عرابها وجواميسها، ولحم الغنم صنف واحد ضأنها وماعزها، ولحم البقر الوحشي صنف
غير الأهلي، وكذا لحم الغنم الوحشي مثل الظبي وكذلك لأن كل جنس منها منفرد باسم و
حكم في الزكاة (3).
والسمك كل ما يختص باسم فهو جنس يخالف الجنس الآخر وعلى قول الشافعي
الذي يقوله أنها جنس واحد، اختلف قول أصحابه في السمك، فنص الشافعي على أنه من
جنس ساير اللحوم، وقال أبو علي الطبري (4): من قال إن اللحمان جنس واحد استثنى
الحيتان منها، لأن لها اسما أخص من اللحم وهو السمك، فيكون الحيتان على هذا القول
جنسا واحدا وهو اختيار أبي حامد الأسفرايني (5) في التعليق (6).
ويجوز بيع لحم مطبوخ بعضه ببعض، وبيع الشواء بالمطبوخ وبيع المطبوخ بالمشوي و
النيء وعند الشافعي كل ذلك لا يجوز لنا دلالة الأصل وظاهر الآية. (7)
بيع اللحم صنف منه بعضه ببعض جائز مثلا بمثل، سواء كان رطبا أو يابسا.

1 - الغنية ص 224.
2 - البقرة: 275.
3 - الغنية 225.
4 - اسمه الحسن بن القاسم، الفقيه الشافعي، أخذ الفقه عن أبي علي ابن أبي هريرة، سكن ببغداد ودرس بها وتوفي سنة
(305). وفيات الأعيان: 2 / 76 رقم 160.
5 - أحمد بن أبي طاهر، الفقيه الشافعي، أخذ عن أبي الحسن بن المرزبان، وأبي القاسم الداركي، ولد سنة (344) وتوفي
ببغداد سنة (406) ودفن في داره. وفيات الأعيان: 1 / 72 رقم 26.
6 - الخلاف: 3 / 73 مسألة 123.
7 - الخلاف: 3 / 75 مسألة 125.
266

وقال أصحاب الشافعي: إذا قلنا أن اللحوم صنف واحد، أو قلنا أصناف، فباع من
الصنف الواحد منها بعضه ببعض، إما أن يكون في حال الرطوبة، أو في حال الجفاف، فإن كان
في حال الرطوبة، فنص الشافعي على أنه لا يجوز، وإن كان في حال الجفاف، فلا يخلو أن
يكون تناهى جفافه أولا، فإن بقيت فيه رطوبة، فلا يجوز بيع بعضه ببعض، وإن تناهى فإن
كان منزوع العظم كان جائزا، فإن بيع مع العظم قال الإصطخري يجوز وحكى عن أبي
إسحاق: أنه لا يجوز. (1)
ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان من جنسه، مثل لحم شاة بشاة، فإن اختلف لم يكن
به بأس وفاقا للشافعي إذا كان من جنسه، فإن كان بغير جنسه، فله قولان وخلافا لأبي
حنيفة وأبي يوسف، فإنهما قالا: يجوز.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم، دلالة الأصل وظاهر القرآن وما رواه سعيد
بن المسيب أن النبي (عليه السلام) نهى عن بيع اللحم بالشاة الحية وروى عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان (2) ودليل جوازه إذا بيع بغير جنسه من الحيوان، ظاهر القرآن
ودلالة الأصل.
ويجوز بيع الحيوان بالحيوان متماثلا ومتفاضلا نقدا، سواء كان صحيحا أو كسيرا (3)،
وفاقا للشافعي نقدا وأجاز نسيئة، وقال مالك: إن كانا كسيرين [99 / ب] ومما يؤكل لحمه
ولا يصلح لشئ غير اللحم، لم يجز لأنه بيع لحم بلحم.
لنا عموم الأخبار في جواز بيع الحيوان بعضه ببعض وهو ما روي عن قوله (عليه السلام):
الحيوان بالحيوان واحد باثنين لا بأس به (4).
الماء لا ربا فيه لأنه ليس بمكيل ولا موزون وللشافعي فيه قولان (5).
وكذا المعدودات وفاقا للشافعي في القديم وقال في الجديد: فيها الربا وإذا كانت
مطعومة مثل السفرجل والرمان فعلى هذا يجوز بيع جنس منه بغيره متفاضلا مثل رمانة
بسفرجلين لأن التفاضل لا تحرم في الجنسين، وإنما تحرم النسيئة والتفرق قبل القبض وهل
يجوز بيع بعضه ببعض إذا كانا متساويين؟ نظر فيه، فإن كان مما ييس ويبقى منفعته يابسا -

1 - الخلاف: 3 / 74 مسألة 124.
2 - الخلاف: 3 / 75 مسألة 126.
3 - الغنية 225.
4 - الخلاف: 3 / 48 مسألة 67.
5 - الخلاف: 3 / 49 مسألة 70.
267

مثل الخوخ والكمثرى - فإنه لا يجوز بيع الرطب بالرطب حتى ييبس وإن كان مما لا ييبس
مثل القثا أو كان رطبا لا يصير تمرا، أو عنبا لا يصير زبيبا، ففيه قولان: أحدهما: لا يجوز بيع
بعضه ببعض وهو مذهبه، المشهور والثاني: يجوز (1).
ويجوز بيع الطعام بالدقيق إذا كان من جنسه، مثلا بمثل، نقدا لا نسيئة.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل، ولا متفاضلا وبه قال أبو
حنيفة.
لنا أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل وقوله تعالى: {وأحل الله البيع} (2) وهذا
بيع (3).
ويجوز بيع الحنطة بالسويق، خلافا لهما، لنا ما ذكرناه في المسألة الأولى (4).
و [يجوز] يبع دقيق الحنطة بدقيق الشعير خلافا له وقال أبو حنيفة يجوز إذا تساويا في
اللين والخشونة (5).
وكذا بيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل لما قلناه خلافا لهما إلا ما رواه أبو يوسف عن أبي
حنيفة من جوازه (6).
لا يجوز بيع مكيل بمكيل جزافا، وفاقا لهما بدلالة الأخبار الواردة في النهي عن بيع
الغرر، وهذا غرر، وفي النهي عن بيع الصبرة بالصبرة لا يدرى ما كيل هذه من كيل هذه، و
عند مالك يجوز بيع الصبرة بالصبرة على البيد ربا لتحري والحرز (7).
ولا يجوز بيع الرطب بالتمر، فأما بيع العنب بالزبيب، أو ثمرة رطبة بيابسها، فلا نص
لأصحابنا فيه، والأصل جوازه، لأن حملها على الرطب قياس، ونحن لا نقول به.
وقال الشافعي: إن جميع ذلك لا يجوز وقال أبو حنيفة: يجوز. (8)
لنا ما روي أنه سئل عن سول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص إذا جف فقيل:
نعم فقال: فلا إذا.

1 - الخلاف: 3 / 50 مسألة 72.
2 - البقرة: 275.
3 - الخلاف: 3 / 51 مسألة 73.
4 - الخلاف: 3 / 53 مسألة 74.
5 - الخلاف: 3 / 53 مسألة 75 وكان في النسخة في الكيل والخشونة.
6 - الخلاف: 3 / 53 مسألة 76.
7 - الخلاف: 3 / 55 مسألة 80.
8 - الخلاف: 3 / 64 مسألة 105.
268

ونهى عن بيع المحاقلة، وهو بيع السنابل التي انعقد حبها [100 / أ] واشتد بحب منه أو
من غيره، من جنسه (1) وروي أن من جنسه من غير ذلك السنبل يجوز وقال الشافعي:
لا يجوز مطلقا. (2)
وعن بيع المزابنة وهو بيع التمر على رؤس النخل بتمر منه أو من غيره، لأن ذلك
لا يؤمن فيه من الربا.
ورخص في بيع العرايا، جمع عرية، وهي النخلة تكون للإنسان في بستان غيره أو في
داره، ويشق دخوله عليها فيبتاعها منه بخرصها تمرا (3) وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة
فإنه قال: لا يجوز.
لنا ما روى سهل بن خيثمة (4) أن النبي (عليه السلام) نهى عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا أن
تباع بخرصها تمرا، يأكلها أهلها رطبا، وهذا نص (5).
والعرية لا تكون إلا في النخل خاصة، فأما الكرم وشجر الفواكه فلا عرية فيها، لأنه
لا دليل على ذلك.
وقال الشافعي: في العنب عرية قولا واحدا وفي غيرها له قولان. (6)
والألبان أجناس مختلفة، فلبن الغنم جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، ولبن الغنم
الوحشي - وهو الظباء - جنس آخر، وكذا لبن البقر الأهلي، وإن اختلفت أنواعه جنس
واحد، ولبن البقر الوحشي جنس آخر وللشافعي قولان.
لنا أن الأصول أجناس مختلفة، فوجب في ألبانها مثله (7).
يجوز بيع اللبن بالزبد متماثلا ولا يجوز متفاضلا وقال الشافعي لا يجوز لنا دلالة الآية و
الأصل (8).
وكذلك الخلاف بيننا وبينه في بيع اللبن الحليب بالدوغ - وهو المخيض - مثلا بمثل، وبيع
اللبن بالجبن والمصل والأقط، وبيع الزبد بالزبد، وكذا بيع الجبن بالجبن والأقط بالأقط، و

1 - الغنية 226.
2 - الخلاف: 3 / 93 مسألة 152.
3 - الغنية ص 226.
4 - كذا في النسخة، وفي المصدر: سهل بن أبي حثمة وله ترجمة في أسد الغابة: 2 / 216 رقم 2285 قال: سهل بن
أبي حثمة ولد سنة ثلاث من الهجرة وقبض النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ابن ثماني سنين وتوفي أول أيام معاوية.
5 - الخلاف: 3 / 95 مسألة 154.
6 - الخلاف: 3 / 97 مسألة 157.
7 - الخلاف: 3 / 58 مسألة 89.
8 - الخلاف: 3 / 59 مسألة 90.
269

المصل بالمصل ويجوز بيع كل واحد منها بالآخر متماثلا بدلالة الآية والأصل، ولا يجوز
متفاضلا لأنا قدمنا أن كل مكيل وموزون ففيه الربا إذا كان الجنس واحدا وهذه جنس
واحد، وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض. (1)
ولا ربا بين العبد وسيده ولا بين المسلم والحربي وفاقا لأبي حنيفة (2) ولا بين الوالد و
ولده، ولا بين الزوج وزوجته.
لنا إجماع الإمامية وبه يخص ظاهر القرآن في تحريم الربا على العموم وإذا اختص تحريمه
بجنس دون جنس فما المنكر من تخصيصه بمكلف دون مكلف. (3)
فصل في السلم
وأما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة: ذكر الأجل المعلوم، وذكر موضع
التسليم، وأن يكون رأس المال مشاهدا، وأن يقبض [100 / ب] في مجلس العقد (4).
وعند أبي حنيفة لا يجوز السلم إلا بشرائط سبعة: أن يكون في جنس معلوم ونوع
معلوم وصفة معلومة ومقدار معلوم وأجل معلوم ومعرفة مقدار رأس المال وموضع
التسليم (5).
وعند الشافعي شرائطه خمسة: تسليم رأس المال في المجلس سواء عينه أو وصفه في
الذمة الثاني: أن يكون المسلم فيه دينا ويصح حالا ومؤجلا الثالث، أن يكون مقدورا على
تسليمه الرابع: أن يكون معلوم القدر بالوزن، ولا يكفي العدد الخامس أن يذكر أوصافا
يختلف بها القيمة لتعدد أركانها كالمخلوطات من الحلاوات والمعجونات (6).
ويدل على اعتبار الأجل المعلوم ما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله): من أسلف فليسلفه في كيل
معلوم إلى أجل معلوم. وظاهر الأمر يقتضي الوجوب (7) ولا يجوز إلى الحصاد أو الدياس أو
ما أشبه ذلك مما يختلف زمانه وفاقا لهما وخلافا لمالك.
لنا قوله (عليه السلام) لا تبايعوا إلى الحصاد ولا إلى الدياس، ولكن إلى شهر معلوم وهذا نص (8).

1 - الخلاف: 3 / 59 مسألة 91 - 95.
2 - الهداية في شرح البداية: 3 / 65.
3 - الغنية 226.
4 - الغنية 227.
5 - الهداية في شرح البداية: 3 / 73.
6 - الوجيز: 1 / 155.
7 - الغنية 227.
8 - الخلاف: 3 / 201 مسألة 7.
270

ولا يجوز السلف فيما لا ينضبط بوصف يتميز به، كالمعجونات، والمركبات، والخبز، و
اللحم - نيا كان أو مطبوخا - وفي روايا الماء، ولا في المعدودات كالجوز والبيض إلا وزنا. (1)
أما اللحم، فيجوز فيه السلم عند الشافعي، إذا ذكر أو صافها، (2)
ولا يجوز عنده في الجوز والبيض إلا وزنا وعند أبي حنيفة يجوز عددا، وأما البطيخ
فلا يجوز فيه السلم إجماعا (3).
واللحم المطبوخ بلا خلاف أنه لا يجوز السلم فيه، وأما الني فللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجوز والثاني لا يجوز وبه قال أبو حنيفة (4).
ويجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت المحل. وفاقا للشافعي وقال
أبو حنيفة: لا يجوز إلا أن يكون جنسه موجودا في حال العقد والمحل وما بينهما (5).
والسلم لا يكون إلا مؤجلا، قصر الأجل أو طال وفاقا لأبي حنيفة وقال الشافعي:
يصح أن يكون حالا إذا شرط ذلك، أو يطلق فيكون حالا. (6)
رأس المال إن كان معينا في حال العقد، ونظر إليه، فإنه لا يكفي إلا بعد أن يذكر مقداره،
سواء كان مكيلا أو موزونا أو مذروعا، ولا يجوز جزافا، وإن كان مثل الجوهر واللؤلؤ فإنه
يغني المشاهدة عن وصفه وهو أحد قولي الشافعي والقول الآخر: لا يجب وهو الصحيح عند
أصحابه.
وقال أبو حنيفة: إن كان من جنس المكيل والموزون، فلا بد من بيان مقداره، وضبطه
بصفاته، وإن كان من جنس [101 /] المذروع يكفي تعيينه ومشاهدته.
لنا على صحة ما اعتبرناه أنه لا خلاف في أنه يصح معه السلم، ولا دليل على صحة
ما قالوه، فوجب اعتبار ما قلناه (7).
ويجوز السلف في الحيوان من الرقيق والإبل والبقر، والغنم، والحمر، والدواب، و
غيرها وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة، لا يجوز السلم في الحيوان.

1 - الغنية 227.
2 - الخلاف: 3 / 204 مسألة 12.
3 - الخلاف: 3 / 209 مسألة 19.
4 - الخلاف: 3 / 209 مسألة 20.
5 - الخلاف: 3 / 195 مسألة 1.
6 - الخلاف: 3 / 196 مسألة 3.
7 - الخلاف: 3 / 198 مسألة 4.
271

لنا ما رووه من أمره (عليه السلام) حين أراد تجهيز بعض الجيوش بأن يبتاع له البعير بالبعيرين و
بالأبرة إلى خروج المصدق. (1)
ولا يجوز لمن أسلم في شئ بيعه من المسلم إليه ولا من غيره قبل حلول أجله - وقد
دخل في ذلك الشركة والتولية له لأنهما بيع - فإذا حل أجله جاز بيعه من المسلم إليه بمثل
ما نقد فيه وبأكثر منه من غير جنسه ومن غير المسلم إليه بمثل ذلك وأكثر منه من جنسه و
غيره، لظاهر القرآن ودلالة الأصل، إلا أن يكون المسلم فيه طعاما فإن بيعه لا يجوز قبل
قبضه إجماعا (2).
وإذا أسلف فلا يجوز أن يشرك فيه غيره، ولا أن يوليه، والشركة أن يقول له رجل:
شاركني في نصفه بنصف الثمن، والتولية أن يقول: ولني جميعه بجميع الثمن، أو نصفه بنصفه، و
ذلك لا يجوز وفاقا لهما وخلافا لمالك.
لنا أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل ولا دليل على أنهما بيع كما قلنا، وقد قال (عليه السلام): من ابتاع
طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه، وأنه نهي عن بيع ما لم يقبض وروى أبو سعيد الخدري (3) أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره (4) وأما بيع المسلم من المسلم إليه بعد
حلول أجله، فقد قال بعض أصحابنا: أنه يجوز بمثل ما باعه، أو أكثر أو أقل إذا عين الثمن و
قبضه قبل التفرق من المجلس سواء كان الثمن من جنس الأول، أو من غير جنسه وهو اختيار
الشيخ المفيد في مقنعته (5) واختاره ابن إدريس في سرائره وقال هو الصحيح (6).
وإذا جئ بالمسلم فيه قبل محله لم يلزم المشتري قبوله ولا يجر عليه (7)، وقال الشافعي:
يجبر عليه، إن لم يكن له غرض سوى براءة الذمة، وإن كان له أي للممتنع غرض بأن كان
زمان نهب أو غارة لا يجبر عليه.
لنا أنه لا يمتنع أن يكون له في تأخيره غرض لا يظهر لغيره وأن إجباره على ذلك مطلقا
يحتاج إلى دليل (8).

1 - الخلاف: 3 / 199 مسألة 5.
2 - الغنية 228.
3 - اسمه سعد بن مالك الأنصاري، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن أسيد بن حضير، وجابر بن عبد الله، وروى عنه: إبراهيم
النخعي، وإسماعيل بن أبي إدريس وغيرهما مات بالمدينة سنة (74). تهذيب الكمال: 10 / 294 رقم 2224.
4 - الخلاف: 3 / 208 مسألة 17.
5 - المقنعة 596.
6 - السرائر: 2 / 310.
7 - الغنية 228.
8 - الخلاف: 3 / 213 مسألة 28.
272

ويجوز التراضي على تقديم الحق عن أجله بشرط النقص منه، لأنه لا مانع من ذلك
لقول النبي (صلى الله عليه وآله): الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا [101 / ب] أو حلل حراما، فأما
تأخير الحق عن أجله بشرط الزيادة فيه فلا يجوز بلا خلاف، لأنه ربا. (1) يجوز بيع الشيرج
بعضه ببعض، تماثلا يدا بيد، وبه قال جميع أصحاب الشافعي إلا ابن أبي هريرة [لنا] ظاهر
الآية ودلالة الأصل [وهما] يدلان على جوازه (2).
وإذا شرط عليه مكان التسليم، وأعطاه في غيره، وبذل له أجرة الحمل، وتراضيا به،
كان جائزا لأنه لا مانع منه وقال الشافعي: لا يجوز أن يأخذ العوض عن ذلك (3).
وتجوز الإقالة على كل حال لأنها فسخ (4) في حق المتعاقدين، سواء كان قبل القبض أو
بعده، وفي حق غيرهما. وفاقا للشافعي وليست ببيع خلافا لمالك وقال أبو حنيفة: في حق
المتعاقدين فسخ، وفي حق غيرهما بيع.
وفائدته وجوب الشفعة بالإقالة، فعند أبي حنيفة يجب الشفعة وعندنا لا يجب وعند
أبي يوسف الإقالة فسخ قبل القبض، وبيع بعده، إلا في العقار، فإنها بيع سوا كان قبل القبض
أو بعده.
لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أقال نادما بيعته أقاله الله نفسه يوم القيامة وإقالة
نفسه هي العفو والترك، فوجب أن يكون الإقالة في البيع هي العفو والترك وأيضا فلو كانت
الإقالة بيعا، لم تصح في السلم لأن البيع في المسلم فيه لا يجوز قبل القبض، فلما صحت الإقالة
فيه إجماعا دل على أنها ليست ببيع (5).
ولا يجوز الإقالة بأكثر من الثمن، أو بأقل، أو بجنس غيره، فإذا أقاله بذلك كانت الإقالة
فاسدة، والمبيع على ملك المشتري كما كان، وقال أبو حنيفة: يصح الإقالة، ويبطل الشرط (6).
وإذا أقاله جاز أن يأخذ بدل ما أعطاه من غير جنسه مثل أن يكون أعطاه دنانير،
فأخذ دراهم، وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ بدله شيئا آخر استحسانا.
لنا قوله تعالى: {وأحل الله البيع} (7) وقوله (عليه السلام): إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف
شئتم. (8)

1 - الغنية 228.
2 - الخلاف: 3 / 56 مسألة 81.
3 - الخلاف: 3 / 214 مسألة 29.
4 - الغنية 228.
5 - الخلاف: 3 / 205 مسألة 13.
6 - الخلاف: 3 / 206 مسألة 14.
7 - البقرة: 275.
8 - الخلاف: 3 / 207 مسألة 229.
273

فصل
وأما ما يتعلق بالبيع من الأحكام فقد مضى في خلال الفصول المتقدمة منه ما يناسبها، و
بقي ما نذكر منه اللائق بغرض الكتاب.
إعلم أن من حكم البيع وجوب تسليم المعقود عليه في الحال إذا لم يشترط التأجيل بلا
خلاف، فإن تشاحا وقال كل واحد منهما: لا أسلم حتى تسلم، فعلى الحاكم إجبار البايع على
تسليم المبيع أولا، لأن الثمن إنما يستحق على المبيع، فوجب الإجبار على تسليمه، ليستحق
الثمن (1)، ثم يجبر المشتري [102 / أ] على تسليم الثمن بعد ذلك بعد أن يحضر المبيع والثمن. و
للشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها يجبر البايع، والثاني يجبر كل واحد منهما، وهو الصحيح
عندهم، والثالث: لا يجبر واحد منهما.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجبر المشتري على تسليم الثمن (2).
فإن امتنع البايع من التسليم فهلاكه من ماله على كل حال، ويبطل العقد لتعذر
تسليمه (3)، وفاقا لهما وقال مالك لا يبطل (4).
وإن كان قبضه المشتري فهلاكه من ماله دون مال البائع، سواء كان قبضه أو رضي بتركه
في يد البايع.
والقبض فيما لا يمكن نقله كالأرضين التخلية ورفع الحظر، وكذا حكم ما يمكن فيه مما
اتصل بها من الشجر والثمرة المتصلة به (5).
وللشافعي فيه قولان أحدهما ما قلناه وهو قوله الجديد والثاني: وهو أن القبض فيها
النقل مقل ما يكون على وجه الأرض وهو قوله القديم.
لنا أن العادة في الشجرة أنها لا تنقل ولا تحول والثمرة ما دامت متصلة بها كانت بمنزلتها
فيكون القبض فيها التخلية. (6)
ويكره بيع المرابحة بالنسية إلى الثمن كقوله ثمن هذه السلعة كذا وقد بعتكها برأس مالي

1 - الغنية 229.
2 - الخلاف: 3 / 151 مسألة 239.
3 - الغنية 229.
4 - المغني لابن قدامة: 4 / 270، والسراج الوهاج: 194، انظر المصادر في الخلاف: 3 / 151 مسألة 240.
5 - الغنية 229.
6 - الخلاف: 3 / 93 مسألة 151.
274

وربح درهم في كل عشرة والأولى تعليق الربح بعين المبيع (1).
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: أنه غير مكروه، والبيع صحيح طلق وقال أحمد
بيع المرابحة باطل (2).
ومن ابتاع شيئا بثمن مؤجل لم يجز أن يبيعه مرابحة حتى يخبر بذلك، فإن باع ولم يخبر
بالأجل صح البيع بلا خلاف، إلا أن المشتري إذا علم ذلك كان بالخيار بين أن يدفع الثمن حالا
وبين أن يرد المبيع بالعيب، لأن ذلك تدليس (3)، وبه قال أصحاب الشافعي، وقال أبو
حنيفة: يلزم البيع بما تعاقدا عليه، ويكون الثمن حالا لأنه صدق فيما أخبر في الثمن. (4)
ومن قال لغيره: هذه السلعة علي بمئة، بعتكها بربح درهم في كل عشرة فقال:
اشتريته‍ [- ا]، ثم قال: غلطت اشتريتها بتسعين، فالبيع صحيح، لأنه لا دليل على فساده، و
المشتري بالخيار بين أن يأخذها بمأة وعشرة، لأن العقد على ذلك وقع، وبين أن يردها، لأن
ما علمه من النقصان عيب، له ردها به إن شاء (5) وافقنا في هذه المسألة أبو حنيفة والشافعي في
صحة البيع، وقال مالك: البيع باطل، وبما قلناه في اختيار المشتري بين الأخذ بمئة وعشرة و
بين ردها قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه وقوله الثاني أنه يلزمه تسعة وتسعون درهما
وبه قال أبو يوسف، وقال الشيخ: وهو قوي لأنه [102 / ب] باع مرابحة. (6)
ومن حط له من الثمن شيئا بعد لزوم العقد وأراد بيعه مرابحة لم يلزمه حطه، بل يخبر بما
وقع العقد عليه، لأن الثمن قد استقر (7) بالعقد وكان الحط هبة للمشتري وفاقا للشافعي و
خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يلحق ذلك بالعقد ويكون الثمن ما بعد العقد.
لنا أن الحط بعد لزوم العقد ومن ادعى أنه يلحق بالعقد فعليه الدليل (8).
و [هكذا] إذا أراد أن يحسب أجرة القصارة مثلا أو الطراز [ف‍] قال: صار علي بكذا أو
جاء علي، ولم يقل: اشتريت (9) ولا خلاف فيه.
ومن باع بشرط حكم البايع أو المشتري في الثمن، فالبيع فاسد، لما قدمناه من الجهالة

1 - الغنية ص 229.
2 - الخلاف: 3 / 134 مسألة 223.
3 - الغنية 229.
4 - الخلاف: 3 / 135 مسألة 224.
5 - الغنية 229 - 230.
6 - الخلاف: 3 / 137 مسألة 226.
7 - الغنية 230.
8 - الخلاف: 3 / 138 مسألة 228.
9 - الغنية ص 230.
275

بالثمن، فإن تراضيا بإنفاذه فحكم المشتري بالقيمة فما فوقها، أو حكم البايع بالقيمة فما دونها،
مضى ما حكما به، وإن حكم البايع بأكثر والمشتري بأقل لم يمض.
وقد قدمنا أيضا أن تعليق المبيع بأجلين وثمنين كقوله: بعت إلى مدة كذا بكذا، وإلي
ما زاد عليها بكذا، يفسده فإن تراضيا بإنفاذه كان للبايع أقل الثمنين في أبعد الأجلين.
وقد قدمنا أيضا أن من جمع في صفقة واحدة بين شيئين يصح بيع أحدهما دون الآخر،
نفذ البيع فيما يصح فيه، وبطل فيما لا ينفذ، وإذا ثبت ذلك فالمشتري بالخيار بين أن يرد الجميع
أو يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه، لأن جميع الثمن إنما كان في
مقابلتهما، ويتقسط عليهما معا، فإذا بطل بيع أحدهما سقط من الثمن بحسابه ومن أوجب
الجميع فعليه الدليل، ولا خيار للبايع على المشتري، في ذلك لأن البيع ثبت من جهته، فمن
جوز له الخيار فعليه الدليل (1).
وقد وافق الشافعي في بطلان ما لا ينفذ فيه البيع وهل يبطل في الآخر؟ فعلى قولين:
أصحهما عندهم أن البيع يصح وقال، أبو حنيفة: إن كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا
في حكم المال بطل في المال، وإن كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال صح في المال، وإن
كان أحدهما مالا والآخر مال غيره نفذ في ماله وكان في مال الغير موقوفا، وقال مالك بطل
فيهما (2).
وإذا اختار المشتري إمساكه بكل الثمن فلا خيار للبايع وإذا اختار بما يخصه من الثمن
فلا خيار له أيضا لما قلناه، وللشافعي فيه وجهان (3).
وإذا اشترى سلعتين بثمن واحد لا يجوز أن يبيع أحدهما مرابحة، ويقسم الثمن عليهما
على قدر قيمتهما وفاقا لأبي حنيفة فيهما وأجاز في النقدين، وقال الشافعي يجوز في الكل (4).
ولا يدخل في بيع الشجر ما عليه من الثمرة إلا بالشرط، وكذا [103 / أ] حكم الزرع مع
الأرض، والحمل مع الحيوان، وما يصاحبه من أداة أو دثار ومال يكون مع العبد والأمة. (5)
والنخل إذا كانت مؤبرة، فثمرتها للبايع إلا أن يشترط المشتري وإذا لم تكن مؤبرة
فللمشتري إلا أن يشترط البايع وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: للبايع سواء أبرها أو

1 - الغنية 230.
2 - الخلاف: 3 / 144 مسألة 232.
3 - الخلاف: 3 / 146 مسألة 235.
4 - الخلاف: 3 / 144 مسألة 231.
5 - الغنية 231.
276

لم يؤبرها (1).
وكذا إذا باع أرضا وفيها زرع فالزرع للبايع، ويلزم المشتري تبقيته في الأرض إلى
وقت الحصاد وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة: يلزمه نقله وتفريغ الأرض.
لنا قوله (عليه السلام): لا ضرر ولا إضرار (2) وفي نقله إضرار للبايع فيكون منفيا.
وكذا إذا باع حيوانا حاملا، فالحمل للبايع خلافا لأبي حنيفة فإنه قال للمشتري (3).
وكذا إذا باع عبدا وله مال فالمال للبايع لقوله (عليه السلام): من باع عبدا وله مال فماله للبايع و
إذا ملك السيد للعبد شيئا، ملك التصرف فيه، ولا يملكه. وبه قال الشافعي في الجديد وأكثر
أهل العراق وقال في القديم: يملكه.
لنا قوله تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ} (4) وقوله: {هل
لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم} (5) فنفى عنه القدرة في الآية الأولى
عموما إلا ما أخرجه الدليل، ونفى في الآية الأخرى أن يشاركه أحد في ملكه، وجعل الأصل
العبد مع مولاه، فقال: إذا لم يشارك عبد أحدكم مولاه في ملكه متساويا، فكذلك لا يشاركني
في ملكي أحد فيساويني فيه فثبت أن العبد لا يملك أبدا.
واستدل من قال أنه يملك بما رواه سالم (6) عن أبيه أن النبي (عليه السلام) قال: من باع عبدا وله
مال، فماله للبايع إلا أن يشترط المبتاع، وبقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم و
الصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} (7) فبين أنه
يغنيهم بعد فقر، فلو لم يملك العبد لما تصور فيه الغنى.
والجواب عن الآية أن معناه يغنيهم بالعتق والجواب عن الخبر أن إضافة المال إلى العبد
إضافة محل، لا إضافة ملك، أو إضافة جواز التصرف فيه لأنا نجيز ذلك بدلالة أنه أضاف
المال إلى العبد بعد البيع، فقال: من باع عبدا وله مال.
وأيضا فإنه قال: فماله للبايع، ولا يجوز أن يكون هذا المال لكل واحد منهما، فثبت أنه

1 - الخلاف: 3 / 78 مسألة 129.
2 - الخلاف: 3 / 83 مسألة 136.
3 - أنظر السراج الوهاج: 189.
4 - النحل: 75.
5 - الروم: 28.
6 - بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمرو، ويقال أبو عبد الله، أحد فقهاء المدينة روى عن أبيه وغيره وروى عنه
الزهري ونافع توفي سنة (106) وفيات الأعيان: 2 / 349 رقم 252.
7 - النور: 32.
277

أضاف إلى العبد مجازا لا حقيقة (1).
ومن قال: بعت هذه الأرض بحقوقها، دخل فيها الشجر (2) والبناء وغيرهما
[103 / ب] وإذا لم يقل بحقوقها لم يدخل خلافا للحنفية في البداية قال: دخل ما فيها من
الشجر وإن لم يسمه (3)، وللشافعي ثلاثة أقوال: أحدها: يدخل في البيع لا في الرهن إلا إذا
قال: بحقوقها والثاني: قال بعض أصحابه: لا فرق بين البيع والرهن، لا يدخل إلا أن يقول
بحقوقها ومنهم من قال: لا يدخلان في الرهن، ويدخلان في البيع بمطلق العقد.
لنا أنه إذا أطلق البيع، فإنه يتناول الأرض دون البناء والشجر، (4) فإن قال: بعت هذه
الدار بحقوقها، دخل في ذلك كل شئ ثابت بثبوت البناء كالشجر، والرفوف، والأوتاد، و
الأغلاق المنصوبة، والفرد التحتاني من الرحى المبنية بلا خلاف، وعندنا الرحى الفوقاني و
المفتاح أيضا لأنهما من حقوقها المنتفع بهما وللشافعي فيه وجهان (5).
ومن اشترى من يحرم عليه مناكحته من ذوي نسبه، عتق عليه عقيب العقد.
وإذا اختلف المتبايعان في جنس المبيع أو في عينه وفقدت البينة، لزم كل واحد منهما أن
يحلف على ما أنكره، لأنه مدعي عليه، ويحلف البايع أنه لم يبع ما ادعاه المشتري، ويحلف
المشتري أنه لم يشتر ما ادعاه البايع.
فإن اختلف في مقدار المبيع، فالقول قول البايع مع يمينه، لأنه المنكر، وإن اختلفا في
مقدار الثمن، فالقول قول المشتري مع يمينه، ويعتبر أصحابنا هاهنا أن تكون السلعة تالفة،
فإن كانت سالمة، فالقول عندهم قول البايع مع يمينه (6).
وقال الشافعي: يتحالفان وينفسخ البيع بينهما سواء كانت السلعة سالمة أو تالفة، وإنما
يتصور الخلاف إذا هلكت في يد المشتري، وأما إذا هلكت في يد البايع بطل البيع بلا خلاف.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة تحالفا، وإن كانت تالفة فالقول
قول المشتري لأنه غارم (7).
وإذا اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف لأجله الثمن مثل أن قال: بعتك نقدا، فقال:

1 - الخلاف: 3 / 121 مسألة 207.
2 - الغنية 231.
3 - الهداية في شرح البداية: 3 / 26.
4 - الخلاف: 3 / 81 مسألة 132.
5 - الخلاف: 3 / 82 مسألة 133.
6 - الغنية 231.
7 - الخلاف: 3 / 147 مسألة 236.
278

بل إلى سنة، أو اختلفا في أصل الأجل أو في قدره أو في أصل الخيار أو في قدره وكذا في العين
أو في ضمان العهدة، وهو أن يضمن عن البايع الثمن، فمتى وقع الاختلاف في شئ من هذا،
فالقول قول البايع مع يمينه بدلالة عموم الأخبار الواردة في أنه متى اختلف المتبايعان فالقول
قول البايع والمبتاع بالخيار وهو على عمومه في كل شئ.
وقال الشافعي: يتحالفان.
وقال أبو حنيفة: لا يتحالفان. والقول قول من ينفي الشرط (1) فإذا اختلفا في شرط
يفسد البيع، مثل أن يقول بعتك بدنانير فقال بل اشتريته بخمر أو خنزير [104 / أ] فالقول
قول من يدعي الصحة، وفاقا للشافعي، وقال ابن أبي هريرة من أصحابه: فيه وجهان.
لنا أن الأصل في العقد الصحة، ومن ادعى الفساد فعليه الدليل (2).
ولا يجوز الاحتكار في الأقوات مع الحاجة الظاهرة ولا يجوز إكراه الناس على سعر
مخصوص (3).
ولا احتكار فيما سوى الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن وحده ثلاثة إيام في
الضيق وأربعون في الرخص، في البداية: يكره الاحتكار في أقوات الآدمين والبهائم، إذا كان
ذلك في بلد يضر الاحتكار بأهله (4).

1 - الخلاف: 3 / 149 مسألة 237.
2 - الخلاف: 3 / 150 مسألة 238.
3 - الغنية 231.
4 - الهداية في شرح البداية: 4 / 377.
279

الشفعة
فصل في الشفعة
الشفعة في الشرع عبارة عن استحقاق الشريك المخصوص على المشتري تسليم المبيع
بمثل ما بذله فيه أو قيمته، وهي مأخوذة من الزيادة، لأن سهم الشريك يزيد بما ينضم إليه،
فكأنه كان وترا فصار شفعة.
ويحتاج فيها إلى العلم بأمرين: شروط استحقاقها، وما يتعلق بها من الأحكام.
وشروط استحقاقها ستة وهي: أن يتقدم عقد بيع ينتقل معه الملك إلى المشتري، وأن
يكون الشفيع شريكا بالاختلاط في المبيع أو في حقه من شربه أو طريقه، وأن يكون واحدا،
وأن يكون الشفيع مسلما إذا كان المشتري كذلك، وأن لا يسقط حق المطالبة، ولا يعجز
عن الثمن.
اشترطنا تقدم عقد البيع، لأن الشفعة لا تستحق قبله بلا خلاف، ولا تستحق بما ليس
ببيع، من هبة أو صدقة أو مهر زوجة أو مصالحة وما أشبه ذلك. (1)
وقال الشافعي: الشفعة تجب بمهر المثل.
وقال مالك: الشفعة تجب لكنه يأخذ بالقيمة لا بمهر المثل. (2)
وعند الحنفية في البداية: إذا ملك العقار بعوض، فهو مال وجبت فيه الشفعة ولا شفعة
في الدار [التي] يتزوج عليها الرجل أو يخالع المرأة بها أو يصالح بها عن دم عمد أو يعتق عليها
عبدا أو يصالح عليها بإنكار فإن يصالح عليها بإقرار وجبت الشفعة، ولا شفعة في الهبة إلا أن

1 - الغنية 232.
2 - الخلاف: 3 / 433 مسألة 8.
280

تكون لعوض مشروط ومن باع بشرط الخيار فلا شفعة وإن أسقط الخيار وجبت الشفعة. (1)
لنا أن إثبات الشفعة في المهر وفي المصالحة وفي الهبة على بعض الوجوه، يفتقر إلى دليل
شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه.
واعتبرنا أن ينتقل الملك معه إلى المشتري، تحرزا من البيع الذي فيه الخيار للبايع أو له
وللمشتري معا، فإن الشفعة لا يستحق هاهنا، لأن الملك لم يزل عن البايع، وأما ما لا خيار
فيه، أو فيه الخيار للمشتري [104 / ب] ففيه الشفعة، لأن الملك قد زال عنه (2)، وفاقا لأبي
حنيفة (3).
واشترطنا أن يكون شريكا للبايع، تحرزا من القول باستحقاقها بالجوار، فإنها
لا تستحق بذلك عندنا (4) وفاقا للشافعي، ومالك، وأهل الحجاز، وفي الصحابة لعمر و
عثمان.
وذهب أهل الكوفة أنها تثبت بالشركة والجوار لكن الشريك أحق، فإن ترك فالجار
أحق، وذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه وله تفصيل قال: الشفعة تجب بأحد أسباب ثلاثة:
الشركة في المبيع، والشركة في الطريق، وقال: الشريك في الطريق أولى من الجار اللازق، ثم
بالجوار، بيان هذا: قال: إن كان شريكا في المبيع فهو أحق من الشريك في الطريق، وإن كان
شريكا في الطريق فهو أحق وإن لم يكن شريكا في المبيع، مثل: أن يكون الدرب لا ينفذ وفيه
دور كثيرة، فإن الطريق مشتركة بين أهله، فإن باع صاحب الصدر داره - في آخر الدرب -
فالشفعة للذي يليه، فإن تركه فللذي يليه أبدا من الجانبين كذلك إلى آخر الدرب فإن لم يبق
في أهل الدرب من يريد الشفعة كانت للجار اللزيق الذي ليس بشريك في الطريق - وهو
الذي ظهر داره إلى دار في غير هذا الدرب، فإن ترك هذا الشفيع الشفعة فلا شفيع هناك وإن
كان الدرب نافذا، فالشفعة للجار اللزيق فقط، سواء كان باب داره في هذا الدرب أو في غيره
فإن كان محاذيا في درب نافذ وعرض الطريق ذراع فلا شفعة، وهاهنا قال الشافعي: منعت
من بينك (5) وبينه ذراع وأعطيت من هو على ألف ذراع.
لنا مضافا إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ما رواه جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الشفعة فيما لم

1 - الهداية في شرح البداية: 4 / 318 - 319.
2 - الغنية 233.
3 - الهداية في شرح البداية: 4 / 319.
4 - الغنية 233.
5 - في النسخة بينه.
281

يقسم فإذا وقعت الحدود، فلا شفعة، وروى أبو هريرة قال: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالشفعة فيما لم
يقسم وأي مال قسم وارف عليه فلا شفعة فيه، ومعنى أرف أعلم عليه وهي لغة أهل
الحجاز (1).
ولا يعارض ذلك ما روي من قوله (عليه السلام): الجار أحق بسقبه (2)، لأن في ذلك إضمارا، وإذا
أضمروا أنه أحق بالأخذ بالشفعة، أضمرنا أنه أحق بالعرض عليه، ولأن المراد بالجار في
الخبر الشريك، لأنه خرج على سبب يقتضي ذلك، روى عمرو بن شريد (3) عن أبيه قال:
بعت حقا من أرض لي فيها شريك فقال شريكي: أنا أحق بها، فرفع ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
الجار أحق بسقبه. والزوجة [105 / أ] تسمى جارة لمشاركتها للزوج في العقد قال
الأعشى (4):
أيا جارتي بيني فإنك طالقة * كذلك أمور الناس غاد وطارقة
وهي تسمى بذلك عقيب العقد وتسمى به وإن كانت بالمشرق والزوج بالمغرب،
فليس لأحد أن يقول إنما سميت بذلك لكونها قريبة مجاورة، فقد صار اسم الجار يقع على
الشريك لغة وشرعا (5).
واشترطنا أن يكون واحدا، لأن الشئ إذا كان مشتركا بين أكثر من اثنين فباع أحدهم
لم يستحق شريكه الشفعة لأن حق الشفعة حكم شرعي يفتقر في ثبوته إلى دليل شرعي، و
ليس في الشرع ما يدل على ذلك، وعلى هذا إذا كان الشريك واحدا ووهب بعض السهم أو
تصدق به، وباع الباقي للموهوب له، أو للمصدق عليه، لم يستحق فيه الشفعة (6).
وذهب قوم من أصحابنا إلى أنها تستحق وإن كانوا أكثر من واحد، على قدر الرؤس و
به قال أبو حنيفة وأصحابه وهو أحد قولي الشافعي، والقول الآخر أنه على قدر الأنصباء و
هو الأصح عندهم، ومن نصر القول الأخير من أصحابنا، فلأخبار وردت في ذلك المعنى قال
الشيخ: والأقوى عندي الأول (7).

1 - الخلاف: 3 / 427 مسألة 3.
2 - أي بقربه.
3 - بن سويد التابعي، الثقفي، أبو الوليد الطائفي روى عن: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عباس، وأبي رافع مولى
النبي (صلى الله عليه وآله). روى عنه: إبراهيم بن مسيرة الطائفي، وبكير بن عبد الله بن الأشج. تهذيب الكمال: 22 / 63 رقم 4384.
4 - اسمه ميمون بن قيس بن جندل، أبو بصير من شعراء الجاهلية وفحولهم أنظر ترجمته. الأغاني: 9 / 75 رقم 108.
5 - الغنية ص 234.
6 - الغنية 233 - 234.
7 - الخلاف: 3 / 435 مسألة 11.
282

واشترطنا أن يكون مسلما إذا كان المشتري كذلك، تحرزا من الذمي لأنه لا يستحق
على مسلم شفعة (1).
سواء اشتراه من مسلم أو ذمي. وبه قال الشعبي وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والشافعي: يستحق الذمي الشفعة على المسلم.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية عموم قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا} (2) وما رووه من قوله (عليه السلام): لا شفعة لذمي على مسلم.
واشترطنا أن لا يسقط حق المطالبة، لأنه أقوى من قول من يذهب إلى أن حق الشفعة
على الفور، ويسقط بتأخير الطلب مع القدرة عليه، من أصحابنا وغيرهم. (3)
قال الشيخ في خلافه: مطالبة الشفيع على الفور فإن تركها مع القدرة عليها بطلت شفعته
وبه قال أبو حنيفة وهو أصح أقوال الشافعي وله ثلاثة أقوال أخر: أحدها: أن الشفيع
بالخيار ثلاثا، ثم يبطل خياره ونص في القديم على قولين: أحدهما أن خياره على التراخي و
لا يسقط إلا بصريح العفو، وإلا كان للمشتري أن يرافعه إلى الحاكم، فيقول: إما أن تأخذ أو
تدع والثاني أنه على التأبيد كالقصاص حتى قال: لا يملك المشتري مرافعته إلى الحاكم، بل
الخيار إليه، ولا اعتراض عليه (4) [105 / ب] في البداية: إذا علم الشفيع بالبيع أشهد في
مجلسه ذلك على المطالبة ثم يشهد على البايع إن كان المبيع في يده أو على المبتاع وإذا فعل ذلك
استقرت شفعته ثم لا تسقط بالتأخير عند أبي حنيفة وقال محمد: إن تركها شهرا بعد الإشهاد
بطلت (5).
لنا على أن الأقوى هو القول في الشفعة بالتراخي أن الشفعة ثابتة للشفيع إجماعا فيجب
أن لا يسقط بتأخير الطلب وهو أصل في كل حق شرعا وعقلا، ولا يخرج من هذا الأصل إلا
ما أخرجه دليل قاطع، كحق رد المبيع بالعيب، على أن حق الرد ربما كان في تأخيره إبطاله،
لجواز تغير أمارات العيب وخفائها، فحصلت الشبهة في وجوده، فوجب لذلك المسارعة إلى
الرد، وليس كذلك حق الشفعة، لأن ما يجب به من عقد البيع قد أمن ذلك فيه.
وما يتعلق به المخالف أخبار آحاد لا يعول على مثلها (6).

1 - الغنية 234.
2 - النساء: 141.
3 - الغنية 234.
4 - الخلاف: 3 / 430 مسألة 4.
5 - الهداية في شرح البداية: 4 / 310 - 311.
6 - الغنية ص 235.
283

وقولهم: إذا لم تبطل الشفعة بتأخير الطلب دخل على المشتري ضرر، لأنه إذا علم
بذلك امتنع من التصرف في المبيع بما يحتاج إليه من غرس وبناء وتغيير لأن الشفيع يأمره
بإزالة ذلك إذا أخذ وهو من أخذه على وجل وذلك ممنوع منه عقلا وشرعا، والجواب عنه
أن يقال: يمكن أن يتحرز من هذا الضرر بما به يسقط حق الشفعة أصلا ووجوه التحرز من
ذلك كثيرة.
ثم يقال لهم على سبيل المعارضة في مقابلة ضرر المشتري بما ذكرتموه [من] ضرر
الشفيع بالشركة، وإزالة ضرره هاهنا هو المقصود المراعى دون إزالة ضرر المشتري، ولهذا
يستحق الشفعة من علم بالبيع بعد السنين المتطاولة بلا خلاف وإن كان حاضرا في البلد، و
كذا حكم المسافر إذا قدم، والصغير إذا بلغ ولم يمنع ما ذكر تموه من ضرر المشتري من
استحقاقها.
واشترطنا عدم عجزه عن الثمن، لأنه إنما يملك الأخذ إذا دفع إلى المشتري ما بذله
للبائع، فإذا تعذر عليه سقط حقه من الشفعة، وسواء كان عجزه لكونه معسرا أو لكون
ما وقع عليه العقد أو بعضه غير معلوم القيمة، وقد فقدت عنه بلا خلاف في ذلك.
وقد روى أصحابنا أن حكمه كذا متى لم يحضر الثمن من البلد الذي هو فيه حتى مضت
ثلاثة أيام، ومتى ادعى إحضاره من مصر آخر فلم يحضره حتى مضت مدة يمكن فيها وصول
الثمن وزيادة ثلاثة أيام، هذا ما لم يؤد الصبر عليه إلى ضرر، فإن [106 / أ] أدى إلى ذلك
بطلت الشفعة.
وإذا كان الثمن مؤجلا فهو على الشفيع كذلك (1)، وهو أحد أقوال الشافعي. وبه قال
مالك (2) ويلزمه إقامة كفيل به إذا لم يكن مليا (3) وفاقا لمالك (4) وهذا لا يتفرع على مذهب من
قال من أصحابنا إن حق الشفعة لا يسقط بالتأخير.
وقال الشيخ: وهو مخير بين أن يأخذه في الحال ويعطي ثمنه حالا وبين أن يصبر إلى
حلول الأجل فيطالبه بالثمن الواجب عندها، لأن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء والذمم
لا تتساوى فوجب عليه الثمن حالا، أو يصبر إلى وقت الحلول فيطالبه بالشفعة مع الثمن وهو

1 - الغنية 235 - 236.
2 - الخلاف: 3 / 433 مسألة 9.
3 - الغنية 236.
4 - الخلاف: 3 / 433 مسألة 9.
284

ثاني أقوال الشافعي و [ال‍] قول الثالث: إن أخذه بسلعته يساويه إلى الأجل المذكور.
وإذا حط البايع من الثمن بعد لزوم العقد فهو للمشتري خاصة ولم يسقط عن الشفيع
لأنه إنما يأخذ الشقص بالثمن الذي انعقد عليه البيع وما يحط بعد ذلك هبة مجددة لا دليل على
لحقوقها بالعقد (1) وهو قول الشافعي سواء كان الحط كل الثمن أو بعضه.
وقال أبو حنيفة: إن حط بعض الثمن لحق العقد ويسقط عن الشفيع، وإن حط كله لم
يلحق العقد. (2)
وإذا تكاملت شروط استحقاق الشفعة، استحقت في كل مبيع، من الأرضين والحيوان
والعروض - كان ذلك مما يحتمل القسمة أو لم يكن (3)، وقال الشيخ في الخلاف: لا شفعة في كل
ما يمكن تحويله من الثياب، والحبوب، والسفن، والحيوان وغير ذلك عند أكثر أصحابنا، و
على الظاهر من رواياتهم وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: الشفعة في كل شئ من الأموال والثياب والطعوم والحبوب والحيوان - و
هو اختيار السيد المرتضى - (4) واستدل عليه ومن تبعه بأن هذا هو المذهب الذي تقدم
الإجماع عليه من أصحابنا، وبما روي من قوله (صلى الله عليه وآله): الشفعة فيما لم يقسم ولم يفصل، وبقوله:
الشفعة في كل شئ، على أنه يقال لهم: إذا كنتم تذهبون إلى أن الشفعة وجبت لإزالة الضرر عن
الشفيع، وكان هذا المعنى حاصلا في ساير المبيعات، لزمكم القول بوجوب الشفعة فيها.
وقولهم: من صفة الضرر الذي تجب الشفعة لإزالته أن يكون حاصلا على جهة الدوام،
وهذا لا يكون إلا في الأرضين، ليس بشئ لأن الضرر المنقطع يجب أيضا إزالته عقلا وشرعا،
كالدائم فكيف وجبت [الشفعة] لإزالة أحدهما دون الآخر، على أن فيما عدا الأرضين ما يدوم
كدوامها ويدوم الضرر بالشركة فيه لدوامها، كالجواهر وغيرها (5).
والشفعة مستحقة على المشتري دون البايع [106 / ب] وعليه الدرك للشفيع وفاقا
للشافعي ومالك وقال أبو حنيفة: إن أخذه من البايع فالعهدة عليه، وإن أخذها من المشتري
فعلى المشتري.
لنا أن الشفيع إنما يأخذ ملك المشتري بحق الشفعة فيلزمه دركه كما هو لو باعه. (6)

1 - الغنية ص 236.
2 - الخلاف: 3 / 448 مسألة 28.
3 - الغنية 236.
4 - الخلاف: 3 / 425 مسألة 1.
5 - الغنية 236 - 237.
6 - الخلاف: 3 / 447 مسألة 23.
285

ولا يأخذ الشفيع الشفعة من البايع أبدا وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال:
له أخذها منه قبل القبض.
لنا أن الشفيع إنما يستحق الشفعة بعد تمام العقد ولزومه، وإذا كان كذلك فالملك
للمشتري، فيجب أن يكون الأخذ من مالكه لا من غيره (1).
وإذا كان الشريك غير كامل العقل فلوليه أو للناظر في أمور المسلمين، المطالبة
بالشفعة (2).
ولا ينتظر بلوغ الصبي ورشاده. وبه قال جميع الفقهاء، خلافا للأوزاعي فإنه قال:
ليس للولي الأخذ له، لكنه يصبر حتى يبلغ (3) وإذا ترك الولي ذلك فللصغير إذا بلغ، والمجنون
إذا عقل، المطالبة (4)، وفاقا للشافعي وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تسقط شفعته وليس له
أخذها.
لنا قد ثبت أنها حقه، فلا يسقط بترك الولي ذلك كما لا يسقط ديونه وحقوقه (5).
وإذا كان للصبي شفعة والحظ له في تركه، فتركه الولي، وإذا بلغ ورشد، فله المطالبة
وفاقا لمحمد وزفر (6) والشافعي في أحد قوليه، والقول الآخر وعليه أصحابه أنه ليس له
المطالبة وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف.
لنا ما قلناه في المسألة الأولى (7).
وإذا غرس المشتري وبنى، ثم علم الشفيع بالشراء وطالب بالشفعة، كان له إجباره
على قلع الغرس والبناء إذا رد عليه ما نقص من ذلك بالقلع (8)، وفاقا للشافعي ومالك و
أحمد، وقال أبو حنيفة وأصحابه: له مطالبته بالقلع ولا يعطيه ما نقص (9)، في البداية: الشفيع
بالخيار، إن شاء أخذ بالثمن للبناء والغرس، وإن شاء كلف المشتري قلعه (10).
لنا أن المشتري إنما غرس في ملكه، فلم يكن متعديا، فيجب أن يرد عليه ما نقص من

1 - الخلاف: 3 / 447 مسألة 24.
2 - الغنية 237.
3 - الخلاف: 3 / 443 مسألة 18.
4 - الغنية 237.
5 - الخلاف: 3 / 444 مسألة 19.
6 - بن الهذيل بن قيس الحنفي، أبو الهذيل، كان من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأي، مولده سنة (110) وتوفي
سنة (158). وفيات الأعيان: 2 / 317 رقم 243.
7 - الخلاف: 3 / 444 مسألة 20.
8 - الغنية 237.
9 - الخلاف: 3 / 439 مسألة 14.
10 - الهداية في شرح البداية: 4 / 316.
286

غرسه بالقلع، ولأنه إذا رد عليه ما نقص فلا خلاف أن له مطالبته بالقلع ولا دلالة على
وجوب القلع إذا لم يرد.
وإذا استهدم المبيع لا بفعل من المشتري، أو هدمه هو قبل علمه بالمطالبة بالشفعة،
فليس له إلا الأرض والآلات، وإن هدمه بعد العلم بالمطالبة، فعليه رده إلى ما كان (1)، وفي
البداية: إذا انهدمت الدار بغير فعل المشتري فالشفيع بالخيار إن شاء أخذها [107 / أ] بجميع
الثمن وإن شاء تركها (2)، وبه قال الشيخ في الخلاف، وإن كان بفعل آدمي، كان له أن يأخذ
العرصة بحصتها من الثمن، بدلالة ما رواه جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الشفعة في كل مشترك ربع أو
حائط، ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، فإن باعه فشريكه أحق بالثمن فثبت
أنه يأخذه بذلك الثمن وهو مذهب أبي حنيفة، وللشافعي فيه قولان، وأصحابه على خمس
طرق: أحدها: ما قلناه، وهو أضعفها وثانيها إذا انتقض البناء وانفصل، فالشفيع يأخذ
العرصة بالشفعة، وما اتصل بها من البناء دون المنفصل عنها على قولين: أحدهما: يأخذ
المتصل بكل الثمن أو يتركه، والقول الآخر: يأخذ بحصة من الثمن أو يدع وهو أصح القولين
عندهم (3).
وإذا عقد المشتري البيع على شرط البراء من العيوب، أو علم بالعيب ورضي به، لم
يلزم الشفيع ذلك، بل متى علم بالعيب رده على المشتري إن شاء.
وحق الشفعة موروث عند بعض أصحابنا لعموم آيات الميراث (4)، وفي الخلاف:
المنصوص لأصحابنا أن الشفعة لا تورث وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والأول اختيار
المرتضى (رحمهم الله) وبه قال الشافعي ومالك (5).
إذا باع شقصا من مشاع لا يجوز قسمته شرعا - كالحمام، والأرحية والدور الضيقة -
فلا شفعة فيها وبه قال أهل الحجاز.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: تجب فيه الشفعة، وبه قال بعض أصحابنا كما ذكرناه قبل
قال الشيخ: ويدل على ما ذهبنا إليه ما رواه أبو هريرة وجابر أن النبي (عليه السلام) قال: الشفعة في
[كل] ما لم يقسم وإذا وقعت الحدود فلا شفعة، ووجه الدلالة أنه ذكر الشفعة بالألف واللام و

1 - الغنية 237 - 238.
2 - البداية في شرح البداية: 4 / 317.
3 - الخلاف: 3 / 437 مسألة 13.
4 - الغنية 238.
5 - الخلاف: 3 / 436 مسألة 12.
287

هما للجنس، فكأنه قال: جنس الشفعة فيما لم يقسم، يعني ما يصح قسمته وما لا يجوز قسمته
لا يدخل تحته، ولأن قوله: (ما لم يقسم) يفيد ما يقسم، إلا أنه لا يفعل فيه القسمة، لأنه لا يقال
فيما لا يقسم ما لم يقسم، وإنما يقال لا يقسم، فلما قال: (لم يقسم) دل على ما قلناه (1).
وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في مبلغ الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه (2).
وإذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن، ومع كل واحد منهما بينة قبلت بينة المشتري،
لأنه هو المدعي للثمن والشفيع ينكره وبه قال الشافعي وأبو يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد:
البينة بينة الشفيع لأنه الجارح (3).
إذا وهب شقصا لغيره سواء كان فوقه أو دونه أو نظيره، فإنه لا يستحق به الشفعة.
وقال الشافعي: إن كانت الهبة لمن هو مثله أو دونه [فإنه] لا يستحق [107 / ب]
الشفعة لأن الهبة للنظير تودد، ولمن دونه استعطاف، فلا يستحق بهما العوض، وإن كان لمن
فوقه فهل يثاب عليه؟ قال في الجديد: لا ثواب، وبه قال أبو حنيفة: وقال في القديم: يثاب
عليه، ففي الأول لا شفعة وفي الثاني فيها الشفعة (4).
وإذا وجبت الشفعة فسار إلى المطالبة فلم يأت المشتري فيطالبه، ولا إلى الحاكم، بل
مضي إلى الشهود فأشهد على نفسه بأنه مطالب للشفعة، لم تبطل شفعته لأنه لا دلالة عليه
وفاقا لأبي حنيفة، وخلافا للشافعي فإنه قال: تبطل (5).

1 - الخلاف: 3 / 441 مسألة 16، مع تصرف وتلخيص ومغايرة.
2 - الغنية 238.
3 - الخلاف: 3 / 431 مسألة 6.
4 - الخلاف: 3 / 451 مسألة 33.
5 - الخلاف: 3 / 456 مسألة 42.
288

القرض
فصل في القرض
القرض جائز من كل مالك للتبرع، ولا يجوز للولي أو الوصي إقراض مال الطفل إلا أن
يخاف ضياعه ببعض الأسباب فيحتاط في حفظه بإقراضه، وفي القرض فضل كثير وثواب
جزيل، ويكره للمرء أن يستدين ما هو غني عنه، ويحرم ذلك عليه مع عدم القدرة على قضائه
وزوال الضرورة، وكل ما يصح السلم فيه يجوز إقراضه من المكيل والموزون والمذروع
والحيوان وغير ذلك (1)، وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز القرض في الثياب ولا في
الحيوان ولا يجوز إلا ماله مثل من المكيل والموزون (2).
لنا أن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل والأخبار الواردة في جواز القرض والحث
على فعله، لأنها عامة لا تخصيص فيها.
وهو مملوك بالقبض، لأنه لا خلاف في جواز التصرف فيه بعد قبضه، ولو لم يكن مملوكا
لما جاز ذلك فيه (3)، ولأصحاب الشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه والآخر أنه يملك
بالتصرف فيه (4).
ويجوز أن يقرض غيره مالا على أن يأخذ في بلد آخر أو على أن يعامله في بيع أو إجارة
أو غير ذلك (5) وقال الشافعي: إذا شرط ذلك كان حراما.
لنا أن الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل (6).

1 - الغنية 239.
2 - الخلاف: 3 / 175 مسألة 288.
3 - الغنية 239.
4 - الخلاف: 3 / 177 مسألة 291.
5 - الغنية 239.
6 - الخلاف: 3 / 173 مسألة 284.
289

ويجوز أن يبيع دارا على أن يقرضه المشتري ألف درهم أو البايع يقرضه ألف درهم،
وقال الشافعي: إنه حرام (1).
ويحرم اشتراط الزيادة فيما يقضي به سواء كانت في القدر أو الصفة (2).
ويجوز أن يأخذ المقرض خيرا مما كان له من غير شرط ولا فرق بين أن يكون ذلك
عادة، من المقترض أو لم يكن (3)، وفي أصحاب الشافعي من قال: إذا ذلك كان عادة لا يجوز.
لنا بعد إجماع الإمامية أن الأصل الإباحة (4).
وإن كان للدين مثل بأن يكون مكيلا أو موزونا فقضاؤه بمثله لا بقيمته لأنه إذا قضاة
بمثله لا بقيمته برئت ذمته بيقين وليس كذلك إذا قضاه بقيمته [108 / أ]، وإذا كان مما لا مثل له
كالثياب والحيوان فقضاؤه برد قيمته (5) وعلى ما قلناه أكثر أصحاب الشافعي، وفيهم من قال:
يجب عليه قضاؤه برد قيمته سواء كان له مثل أو لم يكن كالمتلف (6).
يجوز استقراض الخبز بدلالة عموم الأخبار وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة فإنه
قال: لا يجوز، وقال أبو يوسف: يجوز وزنا، وقال محمد تجوز عددا (7).
ويجوز إقراض الجواري لدلالة الأصل الإباحة [سواء كان] من أجنبي أو ذي رحم و
[متى أقرضها] ملكها المستقرض بالقبض، ويجوز له وطؤها إن لم تكن ذات رحم، وقال
الشافعي: يجوز إقراضها من ذي رحمها، مثل أبيها وأخيها وعمها وخالها، لأنه لا يجوز لهم
وطؤها، فأما الأجنبي ومن يجوز لهم وطؤها من القرابة فلا يجوز قولا واحدا (8).
ولا يحل المطل بالدين بعد المطالبة به لغني، ويكره لصاحبه المطالبة به مع الغنى عنه
وظن حاجة من هو عليه (9) إلى الارتفاق به، ويحرم عليه ذلك إذا حصل له العلم بعجزه عن
الوفاء، لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} (10) ولا يحل له المطالبة به في الحرم
على حال، ويكره له عليه النزول، فإن نزل لم يجز أن يقيم أكثر من ثلاثة أيام، ويكره له قبول
هديته لأجل الدين، والأولى به إذا قبلها الاحتساب بها من جملة ما عليه.

1 - الخلاف: 3 / 173 مسألة 283.
2 - الغنية ص 239.
3 - الغنية: 239.
4 - الخلاف: 3 / 174 مسألة 285.
5 - الغنية: 240.
6 - الخلاف: 3 / 175 مسألة 287.
7 - الخلاف: 3 / 175 مسألة 289.
8 - الخلاف: 3 / 176 مسألة 290.
9 - في النسخة: وظن صاحبه إلى الارتفاق... والتصويب من المصدر أعني الغنية.
10 - البقرة: 280.
290

ولا يجوز لصاحب الدين المؤجل، أن يمنع من هو عليه الدين من السفر، ولا أن يطالبه
بكفيل (1) وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك: له مطالبته بالكفيل (2). [وكذا] ولو كان
سفره إلى الجهاد (3) وهو ظاهر قول الشافعي، وفي أصحابه من قال: له المطالبة بالوثيقة، أو
منعه من الجهاد (4) أو كانت مدته أكثر من أجل الدين لأن الأصل براء الذمة من الكفيل،
ودعوى جواز المطالبة به يفتقر إلى دليل ولأنه لا يستحق عليه شيئا في الحال، فلا يستحق
المطالبة به بإقامة الكفيل.
ويكره استحلاف الغريم المنكر، لأن في ذلك تضييعا للحق وتعريضا لليمين الكاذبة،
ومتى حلف لم يجز لصاحب الدين إذا ظفر بشئ من ماله أن يأخذ منه بمقدار حقه، ويجوز له
ذلك إذا لم يحلف إلا أن يكون ما ظفر به وديعة عنده، فإنه لا يجوز له أخذ شئ منها بغير إذنه
على كل حال ويخص الوديعة عموم قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها} (5).
وإذا استدان العبد بغير إذن سيده فلا ضمان عليه ولا على السيد إلا أن يعتق
فيلزمه الوفاء (6)، وقال الشافعي: متى أذن له في التجارة فركبه دين، فإن كان
في يده مال قضى عنه، وإن لم يكن [108 / ب] في يده مال كان في ذمته يتبع به
إذا أعتق ولا يباع فيه، وقال أبو حنيفة: يباع فيه إذا طالبه الغرماء
ببيعه (7).
ومن مات حل ما عليه من دين مؤجل، بلا خلاف إلا من الحسن البصري، ولا يحل
ماله من دين مؤجل بلا خلاف إلا ما رواه أصحابنا من طريق الآحاد أنه يصير حالا ولا يثبت
الدين في التركة إلا بإقرار جميع الورثة، أو شهادة عدلين منهم أو من غيرهم به مع يمين
المدعي، فإن أقر بعضهم ولم يكن على ما ذكرناه لزمه من الدين بمقدار حقه من التركة، ولم يلزم
غيره، ومتى لم يترك المقتول عمدا ما يقضي به دينه لم يجز لأوليائه القود إلا أن يضمنوا
قضائه (8).

1 - الغنية 240.
2 - الخلاف: 3 / 277 مسألة 26.
3 - الغنية: 240.
4 - الخلاف: 3 / 278 مسألة 27.
5 - النساء: 58.
6 - الغنية: 240.
7 - الخلاف: 3 / 179 مسألة 297.
8 - الغنية 241.
291

الرهن
فصل في الرهن
الرهن في الشريعة عبارة عن جعل العين وثيقة في دين [بحيث] (1) إذا تعذر استيفاؤه
ممن هو عليه استوفي من ثمن العين.
وشرط صحته: الإيجاب والقبول من جائزي التصرف، وأن يكون المرهون عينا
لا دينا لأنا قد بينا أنه وثيقة عين في دين، وأن يكون مما يجوز بيعه، لأن كونه بخلاف ذلك ينافي
المقصود به، وأن يكون المرهون به دينا لا عينا مضمونة كالمغصوب مثلا، لأن الرهن إن كان
على قيمة العين إذا تلفت لم يصح، لأن ذلك حق لم يثبت بعد وإن كان على نفس العين فكذلك
لأن استيفاء نفس العين من الرهن لا يصح (2).
إذا قال إنسان لغيره: من رد عبدي فله دينار، لم يجز له أخذ الرهن إلا بعد رده، في
أصحاب الشافعي من قال يجوز.
لنا أنه لم يستحق قبل الرد شئ فلا يجوز له أخذ الرهن على ما لا يستحقه (3).
لا يجوز شرط الرهن، ولا عقده قبل الحق. وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز عقده، وقال: إذا دفع إليه ثوبا وقال: رهنتك هذا الثوب على
عشرة تقرضنيها. وسلم إليه، ثم أقرضه من الغد، جاز ولزم.
لنا أن ما اعتبرناه مجمع على جوازه، وما قالوه ليس على جوازه دليل (4).

1 - زيادة منا.
2 - الغنية 242.
3 - الخلاف: 3 / 222 مسألة 3.
4 - الخلاف: 3 / 222 مسألة 4.
292

ويلزم الرهن بالإيجاب والقبول خلافا للشافعي وأبي حنيفة فإنهما قالا ليس بلازم و
لا يجبر الراهن على تسليم الرهن، فإن سلم باختياره، لزمه بالتسليم، لنا قوله تعالى: {أوفوا
بالعقود} (1) وهذا عقد مأمور به، والأمر يقتضي الوجوب. (2)
ومن شرطه أن يكون الدين ثابتا (3) خلافا لأبي حنيفة وقد ذكرنا.
وأن يكون لازما كعوض القرض والثمن والأجرة وقيمة المتلف وأرش الجناية.
ولا يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة المشروطة، لأنه عندنا غير لازم (4)، قال الشيخ
في الخلاف: إذا كاتب عبده على نجمين، وأخذ به رهنا [109 / أ] صح الرهن لقوله تعالى:
{فرهان مقبوضة} (5) وفاقا لأبي حنيفة وقال الشافعي: يصح. (6)
وإذا تكامل ما ذكرناه من الشروط صح الرهن بلا خلاف، وليس على صحته مع
اختلال بعضها دليل، فأما القبض فهو شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن، ومن
أصحابنا من قال: يلزم بالإيجاب والقبول - وهو الشيخ في الخلاف كما ذكرنا قبل - والظاهر
من المذهب هو الأول وعليه الإجماع.
وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع لأنه إنما
كان حجة لدخول قول المعصوم فيه لا لأجل الاجتماع، وأما قوله: {أوفوا بالعقود}
فلا يمتنع ترك ظاهره للدليل.
واستدامة القبض في الرهن ليست بشرط (7) في صحته ولزومه، وفاقا للشافعي وقال
أبو حنيفة ذلك شرط (8).
لنا قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} فشرط القبض ولم يشترط الاستدامة.
وما رووه من قوله (عليه السلام): الرهن محلوب ومركوب، وذلك لا يجوز بالإطلاق إلا للراهن
بلا خلاف.
ولا يجوز للراهن أن يتصرف في الرهن بما يبطل حق المرتهن، كالبيع والهبة والرهن

1 - المائدة: 1.
2 - الخلاف: 3 / 222 مسألة 5.
3 - الغنية 242.
4 - الغنية: 242.
5 - البقرة: 283.
6 - الخلاف: 3 / 228 مسألة 68.
7 - الغنية: 243.
8 - الخلاف: 3 / 225 مسألة 8.
293

عند آخر، أو صدقه امرأته، والعتق، فإن تصرف كان تصرفه باطلا، ولا ينفسخ الرهن (1)،
خلافا للشافعي فإنه قال: يكون فسخا للرهن، وإن زوجها لم ينفسخ (2) لنا أن الأصل
صحته، والقول بفسخه يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه، وإنما ينفسخ
الرهن إذا فعل ما يبطل به حق المرتهن منه بإذنه.
ويجوز له الانتفاع بما عدا ذلك، من سكنى الدار، وزراعة الأرض، وخدمة العبد، و
ركوب الدابة، وما يحصل من صوف ونتاج ولبن، إذا اتفق هو والمرتهن على ذلك و
تراضيا به (3).
وفي الخلاف: منفعة الرهن للراهن ونماء الرهن المنفصل عنه لا يدخل في الرهن مثل
الثمرة والصوف والولد واللبن، وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: منفعة الرهن تبطل، فلا تحصل للراهن ولا للمرتهن، وأما النماء
المنفصل، فإنه يدخل في الرهن ويكون حكمه حكم الأصل.
وقال مالك: يدخل الولد، ولا يدخل الثمرة، لأن الولد شبه الأصل والثمرة لا تشبهها.
لنا لا دلالة على بطلان هذه المنفعة، ولا على دخوله في الرهن، فيجب أن يكون للراهن،
لأن الأصل له وما روى أبو هريرة عن النبي (عليه السلام) أنه قال: الرهن محلوب ومركوب، فأثبت
للرهن منفعة الحلب والركوب، ولا خلاف أنه [109 / ب] ليس ذلك للمرتهن، فثبت أنه
للراهن، وعنه (عليه السلام) الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه، ونماؤه غنمه فيجب
أن يكون له (4).
وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب وما يحصل من
النتاج والصوف واللبن إذا أذن له الراهن، وتكفل بمؤنة الرهن، والأولى أن يصرف قيمة
منافعه من صوف ولبن في مؤنته، وما فضل من ذلك كان رهنا مع الأصل، وإن سكن المرتهن
الدار، أو زرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار، وكان الزرع له، لأنه
عين ماله.
ولا يحل للراهن ولا المرتهن وطؤ الجارية المرهونة، فإن وطئها الراهن بغير إذن المرتهن

1 - الغنية: 243.
2 - الخلاف: 3 / 227 مسألة 14.
3 - الغنية: 243.
4 - الخلاف: 3 / 251 مسألة 58.
294

أثم وعليه التعزير، فإن حملت وأتت بولد، فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها، تكون رهنا
مكانها، لحرمة الولد، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها، وجاز بيعها في الدين، فإن وطئها
بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن، حملت أو لم تحمل، لأن ملكه ثابت، على ما بينا وإن كان ثابتا
كان الرهن على حاله (1).
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: إن كان موسرا صارت أم ولده، ووجب عليه
قيمتها، يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا لم تخرج من الرهن، وتباع في حق المرتهن و
الثاني: تصير أم ولده وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا، لكن يجب قيمتها على الموسر
يكون رهنا مكانها والثالث لا تخرج من الرهن، وتباع في دين المرتهن، سواء كان موسرا أو
معسرا.
وقال أبو حنيفة: تصير أم ولده وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا فإن كان موسرا
لزمه قيمتها، ويكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا تستسعى الجارية في قيمتها إن كانت دون
الحق ويرجع بها على الراهن.
ولأصحاب الشافعي في جواز وطئ الجارية المرهونة للراهن قولان وقال: إذا وطئ
الراهن بإذن المرتهن الجارية المرهونة وأحبلها فإنها تخرج من الرهن، ولا يجب عليه قيمته كما
[إذا] أذن في البيع فباعها (2).
فإن وطئها المرتهن بغير إذن الراهن، فهو زان، وولده منها رق لسيدها، ورهن معها،
فإن كان الوطئ بإذن الراهن، مع العلم بتحريم ذلك لم يجب عليه المهر لأن الأصل براءة الذمة،
وإلزامه المهر يحتاج إلى دليل شرعي ولا دلالة عليه في الشرع (3)، وللشافعي فيه قولان فإن
أتت هذه الجارية بولد كان حرا لاحقا بالمرتهن بلا خلاف ولا يلزمه [110 / أ] عندنا قيمته
لأنه لا دلالة عليه والأصل براءة الذمة وللشافعي فيه قولان أحدهما يجب عليه قيمته. و
الآخر لا يجب. (4)
ورهن المشاع جائز كالمقسوم وفاقا للشافعي ومالك، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال
لا يجوز (5).

1 - الغنية: 244.
2 - الخلاف: 3 / 229 مسألة 19 - 20 - 21.
3 - الغنية: 244.
4 - الخلاف: 3 / 232 مسألة 22 - 23.
5 - الخلاف: 3 / 224 مسألة 7.
295

لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} (1) ولم يفصل. (2)
ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن. وفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح شرطه، ولا توكيله إلا أن يحضره الراهن، فإن حضره صح
بيعه وفيهم من قال: لا يجوز بكل حال (3).
لنا أن الأصل جواز ذلك، والمنع يفتقر إلى دليل وعموم الأخبار الواردة في جواز
التوكيل تدل على ذلك (4).
وإن كان الرهن مما يسرع إليه الفساد، ولم يشترط بيعه إذا خيف فساده، كان الرهن
باطلا، لأن المرتهن لا ينتفع به، والحال هذه ولا دليل على أنه يجبر على بيعه (5)، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما ما قلناه والثاني يصح الرهن ويجبر على بيعه. (6)
وإذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه، كان ذلك
جائزا، ولم يبطل البيع وللشافعي فيه قولان.
لنا قول الله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (7) وقوله (عليه السلام): المؤمنون عند
شروطهم. (8)
وإن قال: بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني، قبل محله، صح البيع، وكان الثمن
رهنا إلى وقت المحل، ولم يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله (9)، لأنه لا دليل على لزوم ذلك و
للشافعي قولان: أحدهما أن البيع باطل، والثاني قال المزني: يصح ويكون ثمنه رهنا
مكانه. (10)
والرهن أمانة في يد المرتهن، إن هلك من غير تفريط، فهو من مال الراهن، ولا يسقط
بهلاكه شئ من الدين (11)، وبه قال على (عليه السلام): فإنه روي عنه أنه قال: الرهن أمانة وروي عنه
أنه قال: إذا تلف الرهن بالجائحة فلا ضمان على المرتهن وإليه ذهب الشافعي، وأحمد بن
حنبل.

1 - البقرة: 283.
2 - الغنية: 244.
3 - الخلاف: 3 / 242 مسألة 39.
4 - الغنية: 244.
5 - الغنية: 245.
6 - الخلاف: 3 / 241 مسألة 38.
7 - المائدة: 275.
8 - الخلاف: 3 / 233 مسألة 25.
9 - الغنية: 245.
10 - الخلاف: 3 / 233 مسألة 26.
11 - الغنية: 245.
296

وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري (1) إلى: أن الرهن مضمون بأقل الأمرين من قيمته،
أو الدين وبه قال عمر بن الخطاب، وذهب شريح (2) والشعبي والحسن البصري إلى أن
الرهن مضمون بجميع الدين، فإذا تلف الرهن في يد المرتهن سقط جميع الدين، وإن كان
أضعاف قيمته.
لنا مضافا إلى إجماع الفرقة، وأخبارهم ما روى سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يغلق الرهن والرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه وفيه
دليلان: أحدهما: أنه قال: له غنمه وعليه غرمه والثاني: الرهن [110 / ب] من صاحبه يعني
من ضمان صاحبه ومعنى قوله لا يغلق الرهن أي لا يملكه المرتهن. والمراد بالغنم الزيادة و
بالغرم النقصان والتلف وقولهم المراد بالغرم النفقة والمؤنة لا ينافي ما قلناه فيحمل اللفظ على
الأمرين (3).
وقوله (عليه السلام): الخراج بالضمان وخراجه إذا كان للراهن بلا خلاف، وجب أن يكون من
ضمانه.
ولا يعارض ذلك ما رووه أن رجلا رهن فرسه عند إنسان فنفق، فسأل المرتهن
النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فقال ذهب حقك لأن المراد بذلك ذهب حقك من الوثيقة لا من الدين، و
قلنا ذلك لوجهين: أحدهما أنه وحد الحق، ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا لقال: ذهب
حقاك، والثاني: أن الدين إنما يسقط عند المخالف إذا كان مثل قيمة الرهن أو أقل، ولا يسقط
الزيادة منه إذا كان أكثر، فلو أراد ذهاب حقه من الدين لاستفهم عن مبلغه، أو فصل في
الجواب.
وقولهم: سقوط الحق من الوثيقة معلوم بالمشاهدة فلا فائدة في بيانه، غير صحيح لأن
تلف الرهن لا يسقط حق المرتهن من الوثيقة على كل حال، بل إذا أتلفه الراهن أو أتلفه
أجنبي، فإن القيمة تؤخذ وتجعل رهنا مكانه، فأراد (عليه السلام) أن يبين أن الرهن إذا تلف من غير
جناية سقط حق الوثيقة.

1 - سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، توفي بالبصرة سنة (161). تهذيب الكمال: 11 / 154 رقم
2407.
2 - بن الحارث بن قيس الكندي، أبو أمية الكوفي القاضي ويقال: شريح بن شرحبيل، ويقال: ابن شراحيل، مات سنة
(97). تهذيب الكمال: 12 / 435 رقم 2725.
3 - الخلاف: 3 / 256 مسألة 66.
297

وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن، كان القول قوله مع يمينه، سواء ادعى ذلك بأمر ظاهر أو
خفي (1)، والظاهر مثل الغرق والحرق، والخفي مثل السرقة الخفية والضياع، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: إذا ادعى هلاكه بأمر ظاهر قبل قوله، وإذا حلف فلا ضمان عليه، وإذا ادعى
بأمر خفي لم يقبل إلا ببينة، وإلا فعليه الضمان.
لنا بعد إجماع الإمامية إنا بينا أنه أمانة في يده وإذا كان كذلك فالقول قوله في هلاكه (2).
وإذا اختلف الراهن والمرتهن في الاحتياط والتفريط، وفقدت البينة، فالقول قول
المرتهن أيضا مع يمينه، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن، أو في مقدار قيمته فالقول قول الراهن مع
يمينه، (3) وكذلك إن اختلفا في مقدار الحق، فقال الراهن: رهنتك بخمسمئة وقال المرتهن:
بألف، كان القول قول الراهن مع يمينه، لأن الأصل عدم الرهن، وما أقر له الراهن قد اتفقا
عليه، وما زاد عليه فالمرتهن مدع فعليه البينة، وإلا فعلى الراهن اليمين، وبه قال الشافعي.
وكذلك الحكم إن اختلفا في عبدين فقال المرتهن: رهنتني عبدين [111 / أ] وقال
الراهن رهنتك أحدهما.
وقال مالك: القول قول من شهد له قيمة الرهن، وإن كان الحق ألفا، وقيمة كل واحد
من العبدين ألفا، كان القول قول الراهن مع يمينه، وإن كان قيمتهما جميعا ألفا، وقيمة أحدهما
خمسمئة، كان القول قول المرتهن، لأن الظاهر أن العبدين رهن.
وكذلك إن كان الخلاف في قدر الحق الذي فيه الرهن، إذا كانت قيمة الرهن تشهد
لأحدهما (4).
وأما الاختلاف في مبلغ الرهن أو قيمته فقد تقدم أن القول قول الراهن وذلك لأن
الراهن أعلم به وبقيمته ولكن المذهب يقتضي أن يكون القول قول المرتهن لأن الراهن مدع
للزيادة والمرتهن منكر له والقول قول المنكر لقوله (صلى الله عليه وآله): البينة على المدعي واليمين على من
أنكر (5).
رهن أرض الخراج وهي أرض سواد العراق وحده من القادسية إلى حلوان عرضا،

1 - الغنية: ص 245.
2 - الخلاف: 3 / 257 مسألة 67.
3 - الغنية: 246.
4 - الخلاف: 3 / 250 مسألة 57.
5 - الخلاف: 3 / 148.
298

ومن الموصل إلى عبادان طولا باطل لأنها أرض المسلمين قاطبة لا يتعين ملاكها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن عمر قسم الغانمين فاشتغلوها سنتين أو ثلاثا، ثم
اشتراها منهم لبيت المال، فلما حصلت لبيت المال لا مالك لها معين، وقفها على المسلمين، ثم
أجرها منهم بأجرة ضربها على جريب نخل عشرة دراهم، وعلى جريب كرم ثمانية وعلى
جريب شجرة ستة، وعلى الحنطة أربعة، وعلى الشعير درهمين. فالمأخوذ من القوم أجرة
باسم الخراج.
وقال أبو العباس: ما وقفها، لكنه باعها من المسلمين، فالمأخوذ من القوم بثمن، فعلى
قول أبي العباس: الرهن والبيع فيها صحيح، وعلى قول الشافعي باطل.
وقال أبو حنيفة: إن عمر أقر هذه الأرض في يد أربابها المشركين، وضرب عليهم
الجزية هذا القدر، فمن باع منهم حقه على مسلم أو أسلم كان المأخوذ منه خراجا، ولا يسقط
ذلك الجزية بإسلامه، فهي طلق تباع وتورث وتوهب وترهن. (1)
إذا غصب عينا ثم جعل المغصوب منه إياها رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل أن
يقبضها منه، فالرهن صحيح بالإجماع، ولا يزول ضمان الغصب، وفاقا للشافعي، وخلافا
لأبي حنيفة فإنه قال: ليس عليه ضمان الغصب.
لنا قوله (عليه السلام): على اليد ما أخذت حتى تؤدي (2).
إذا رهن وشرط أن يكون موضوعا على يد عدل، صح شرطه، فإذا قبضه العدل، لزم
الرهن بلا خلاف، إلا من ابن أبي ليلى فإنه قال: لا يصح قبضه [111 / ب] (3).
وإذا عزل الراهن العدل عن البيع، لم تنفسخ وكالته، وجاز له بيع الرهن. خلافا
للشافعي فإنه قال: تنفسخ وكالته، ولا يجوز بيعه.
لنا أنه قد ثبت وكالته بالإجماع فمن ادعى انفساخها، فعليه الدليل (4).
وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه فهو من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن، لأنه بدل
الرهن، فإذا تلف الثمن لم يسقط من دين المرتهن شئ وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: يسقط حق المرتهن إذا تلف ثمن الرهن

1 - الخلاف: 3 / 234 مسألة 27.
2 - الخلاف: 3 / 277 مسألة 17.
3 - الخلاف: 3 / 242 مسألة 40.
4 - الخلاف: 3 / 242 مسألة 41.
299

لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الراهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه
غرمه (1).
وإذا باع العدل الرهن بتوكيل الراهن، وقبض الثمن، وضاع في يده، واستحق المبيع في
يد المشتري، فإنه يرجع على الوكيل والوكيل يرجع على الراهن.
وكذلك كل وكيل باع شيئا فاستحق وضاع الثمن في يد الوكيل فإنه يرجع على الوكيل،
والوكيل يرجع على الموكل، وفاقا لأبي حنيفة.
وقال الشافعي: يرجع على الموكل دون الوكيل.
لنا أن الوكيل هو العاقد للبيع فيجب أن يكون هو الضامن للدرك. (2)
ليس للراهن أن يكري داره المرهونة، أو يسكنها غيره إلا بإذن المرتهن، فإن أكراها و
حصلت أجرتها كانت له.
وقال الشافعي: له أن يسكنها غيره ويؤجرها وهل له أن يسكنها بنفسه له فيه
وجهان (3)
إذا كان له على غيره ألف فقال: أقرضني ألفا آخر حتى أرهن عندك هذه الضيعة
بالألفين، صح ذلك، لأنه لا مانع في الشرع يمنع منه. وقال الشافعي: لا يصح الرهن ولا
القرض الثاني. (4)

1 - الخلاف: 3 / 245 مسألة 47.
2 - الخلاف: 3 / 245 مسألة 48.
3 - الخلاف: 3 / 252 مسألة 59.
4 - الخلاف: 3 / 254 مسألة 62.
300

التفليس
فصل في التفليس
المفلس في الشرع من ركبته الديون، وماله لا يفي بقضائها، فيجب على الحاكم الحجر
عليه بشروط أربعة:
أحدها ثبوت إفلاسه، لأنه سبب الحجر عليه، (1) في الخلاصة بشرط أن يزيد قدر
الدين على المال فلا يجوز قبل ثبوته (2).
والثاني: ثبوت الديون عليه لمثل ذلك.
والثالث: كونها حالة، لأن المؤجل لا يستحق المطالبة به قبل حلول الأجل.
والرابع: مسألة الغرماء الحجر عليه (3)، وفاقا للشافعي فيها (4)، لأن الحق لهم، فلا يجوز
للحاكم الحجر عليه إلا بعد مسألتهم.
فإذا حجر عليه تعلق بحجره أحكام ثلاثة:
أولها: تعلق ديونهم بالمال الذي في يده [112 / أ].
وثانيها: منعه من التصرف في ماله بما يبطل حق الغرماء كالبيع، والهبة، والإعتاق (5).
وفي الإعتاق للشافعي قولان: أصحهما أنه باطل - (6) والمكاتبة، والوقف.
ولو تصرف لم ينفذ تصرفه لأن نفوذه يبطل فائدة الحجر عليه (7). وللشافعي فيه

1 - الغنية: 247.
2 - الخلاصة.
3 - الغنية: 247.
4 - الوجيز: 1 / 70.
5 - الغنية: 247.
6 - الخلاف: 3 / 269 مسألة 11.
7 - الغنية: 247.
301

قولان: أحدهما ما قلناه وهو الصحيح عندهم. والثاني أن تصرفه موقوف، ويقسم ماله سوى
ما يصرف فيه بين غرمائه، فإن وفى بهم نفذ تصرفه، وإن لم يف بطل تصرفه (1).
ويصح تصرفه فيما سوى ذلك، من خلع وطلاق، وعفو عن قصاص، ومطالبة به،
وشراء بثمن في الذمة، ولو جنى جناية توجب الأرش، شارك المجني عليه الغرماء بمقدار
حقه، لأن ذلك حق ثبت على المفلس بغير اختيار صاحبه، ولو أقر بدين، وذكر أنه كان عليه
قبل الحجر، قبل إقراره، وشارك المقر له سائر الغرماء، لأن إقراره صحيح، وإذا كان كذلك،
فظاهر الخبر في قسمة ماله بين غرمائه يقتضي ما ذكرناه فمن خصصه فعليه الدليل (2). وهو
اختيار الشافعي. وله قول آخر: وهو أن يكون في ذمته يقضي من الفاضل من دين غرمائه (3).
وثالثها: أن كل من وجد عين ماله من غرمائه كان أحق بها من غيره (4).
وقد روي أنه يكون أسوة للغرماء، ويتعلق دينه بذمته. والصحيح هو الأول (5).
وكل من وجد عين ماله من غرمائه كان أحق بها إذا كان خلف وفاء للباقين، وإذا لم
يخلف كانوا سواء فيها ولم يكن واحد منهم أحق من غيره.
وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي: كل من وجد عين ماله من غرمائه
كان أحق بها سواء خلف وفاء أو لم يخلف. وقال الباقون: إذا خلف وفاء للديون، لم يكن لأحد
أن يأخذ عين ماله، وإنما له ذلك إذا لم يخلف غيره، عكس ما قلناه (6).
وإن مات هذا المديون قبل أن يحجر الحاكم عليه، فهو بمنزلة ما لو حجر عليه في حال
الحياة لقوله (عليه السلام) أيما رجل مات أو أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه، ويتعلق
بماله الأحكام الثلاثة وبه قال علي (عليه السلام)، وعثمان بن عفان وأبو هريرة، وفي الفقهاء أحمد
والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز للغرماء أن يسألوا الحاكم الحجر عليه، فإن سألوه أو أدى
اجتهاده إلى الحجر عليه، فإن ديونهم لا تتعلق بعين ماله، بل تكون في ذمته، ويمنع من
التصرف في ماله لأن حجر الحاكم عنده صحيح ولا يجوز لمن وجد من الغرماء عين ماله أن
يفسخ البيع، بل يكون أسوة منهم كما روي في بعض الروايات [112 / ب] وكذلك الحكم إذا

1 - الخلاف: 3 / 269 مسألة 11.
2 - الغنية: 247.
3 - الخلاف: 3 / 270 مسألة 12.
4 - الغنية: 248.
5 - الخلاف: 3 / 261 مسألة 1.
6 - الخلاف: 3 / 263 مسألة 2.
302

مات. وقال مالك مثل قولنا إذا حجر الحاكم عليه، فأما بعد الموت فإنه قال: يكون أسوة
للغرماء، ولا يكون صاحب العين أحق بها من غيره (1).
وإن وجد العين وقد تغيرت عن حالها، أو تعلق بها حق لغيره برهن أو كتابة لم يخل
تغيرها إما أن يكون بزيادة أو نقصان، فإن كان بنقصان كان الخيار بين أن يترك ويضرب
بالثمن مع باقي الغرماء، وبين أن يأخذ، فإن أخذ وكان نقصان جزء ينقسم الثمن عليه كعبدين
تلف أحدهما أخذ الموجود، وضارب الغرماء بثمن المفقود بمقدار النقص وإن كان نقصان جزء
لا ينقسم الثمن عليه، كذهاب عضو من أعضائه، فإن كان لا أرش له، لكونه بفعل المشتري، أو
بآفة سماوية، أخذ العين ناقصة، من غير أن يضرب مع الغرماء بمقدار النقص، وإن كان له
أرش، لكونه بفعل أجنبي أخذه وضرب بقسط ما نقص بالجناية مع الغرماء.
وإن كان تغيير العين بزيادة لم يخل إما أن تكون متصلة أو منفصلة، فإن كانت متصلة لم
يخل إما أن تكون بفعل المشتري أو بغير فعله، فإن كان بفعله كصبغ الثوب وقصارته، كان
شريكا للبايع بمقدار الزيادة وإلا أدى إلى إبطال حقه، وذلك لا يجوز، وإن كانت بغير فعله
كالسمن، والكبر، وتعليم الصنعة، أخذ العين بالزيادة، لأنها تبع، وإن كانت منفصلة كالثمرة
والنتاج، أخذ العين دون الزيادة لأنها حصلت في ملك المشتري (2).
وإذا اختار عين ماله وقال الغرماء: نحن نعطيك ثمنه ونسقط حقك من العين، لم يجب
عليه قبوله وله أخذ العين، بدلالة عموم الأخبار في أنه أحق بعين ماله. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يجبر على قبض الثمن، وسقط حقه من العين (3).
إذا باع رجل عبدين قيمتهما سواء بثمن، وأفلس المشتري بالثمن، وقد كان قد قبض منه
قبل الإفلاس نصف ثمنها، فإن حقه يثبت في العين بدلالة قوله فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا
وجده بعينه، وفاقا للشافعي في الجديد. وقال في القديم: إذا قبض بعض الثمن، لم يكن له فيها
حق إذا وجدها وفاقا لمالك (4).
ولو كانت العين زيتا، فخلطه بأجود منه، سقط حق بايعه من عينه، لأنها في حكم
التالفة، بدلالة أنها ليست موجودة مشاهدة ولا من طريق الحكم، لأنه ليس له أن يطالبه

1 - الخلاف: 3 / 261 مسألة 1.
2 - الغنية: 248.
3 - الخلاف: 3 / 265 مسألة 4.
4 - الخلاف: 3 / 265 مسألة 5.
303

بقسمته (1)، وإذا لم تكن موجودة من الوجهين، كانت بمنزلة التالفة، وسقط حقه من عينها.
وفاقا للشافعي (2)، لأنه غير واجد [113 / أ] عين ماله في أصح القولين فله المضاربة، وفي
القول الثاني واجد، ثم كيف يرجع إلى العين فعلى قولين أحدهما بالبيع وقسمة الثمن على
القيمتين والثاني بقسمة عين الزيت على قدر القيمتين، وإن خلطه بمثله أو أردأ منه فالبايع
واجد يعن ماله هكذا في خلاصة الغزالي.
وإذا باع ثوبا من رجل وكان خاما (3)، فقصره أو قطعه قميصا وخاطه بخيوطه أو حنطة
فطحنها، أو غزلا فنسجه، ثم أفلس بالثمن، ثم وجد البايع عين ماله، فالبايع أحق بعين ماله،
ويشاركه المفلس فيها، كما قدمنا ويستحق أجرة المثل في العمل عليه، وفاقا للشافعي. وقال
المزني: لا يشاركه فيها ويختص البايع بها.
لنا أن هذه الصنائع إذا كانت لها أجرة، والعمل غير منفصل من العين، فيجب أن يشاركه
صاحب العين فيها بصنعته وإلا أدى إلى إبطال حقه كما...... (4) الصبغ فهو عين مال المشتري
فيباع ويقسم الثمن على القيمتين وأما القصارة فللشافعي فيه قولان أصحهما أنه أثر وليس
بعين فلا شئ له وهو كسمن الجارية وارتياض الدابة فإنها آثار لا أعيان فلا حكم لها ولا يجب
على المفلس بيع داره التي يسكنها، ولا عبده الذي يخدمه، ولا دابته التي يجاهد عليها (5)، وعند
الشافعية يؤخر القاضي بيع عقاره... يستغني عنه.... لم يستغن لا عه! ويباع مسكنه وغلامه
وثيابه ولا يترك إلا دست ثوب......... م (6) بعد الفراغ له ولعياله لنا أنه لا دليل على
وجوب
بيع ما ذكرناه، فلا يكون واجبا ويلزمه بيع ما عدا ذلك، فإن امتنع باع الحاكم عليه، وقسم الثمن
بين الغرماء (7) وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: ليس له بيعه، وإنما يجبره على بيعه، فإن
باعه وإلا حبسه إلى أن يبيعه ولا يتولاه بنفسه من غير اختياره.
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي من أن النبي (صلى الله عليه وآله) حجر على معاذ وباع ماله في
دينه وظاهر ذلك أنه باعه بغير اختياره (8).

1 - الغنية: 248.
2 - الخلاف: 3 / 266 مسألة 6.
3 - كذا في الخلاف، وكأنه في النسخة: خلعا.
4 - كلمتان غير مقروءتان بسبب انتشار الدواة.
5 - الغنية: 249.
6 - موضع النقاط وهكذا بعض الكلمات لم نستطع قراءته بسبب تفشي الحبر.
7 - الغنية: 249.
8 - الخلاف: 3 / 268 مسألة 10.
304

وإذا ظهر غريم آخر بعد القسمة، نقضها الحاكم وقسم عليه (1)، وبه قال الشافعي (2)،
ذكر في المهذب أنه وجب نقض القسمة كالحاكم إذا حكم بحكم ثم وجد النص بخلافه (3).
وفي خلاصة الغزالي: إذا قسم ماله فظهر غرماء رجعوا على الأولين بالحصص ولم
ينقض القسمة، لنا أن حقه ثابت فيما كان في يد المفلس ولا دليل على سقوطه منه بقسمته على
غيره (4)، وعموم الأخبار التي جاءت في أن رأس المال [113 / ب] يقسم بين الغرماء يدل
على ذلك.
وقال مالك: لا ينقض الحاكم القسمة، وإنما يكون دين هذا الغريم فيما يظهر للمفلس من
المال بعد ذلك (5).
ولا تصير الديون المؤجلة على المفلس حالة بحجر الحاكم عليه (6)، وهو الصحيح من
قولي الشافعي، وقوله الآخر: أنها تصير حالة وبه قال مالك، لنا أن الأصل كونها مؤجلة،
وعلى من ادعى أنها تصير حالة الدليل (7).
ومن مات وعليه دين مؤجل حل عليه بموته، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي ومالك
وأكثر الفقهاء، وقال الحسن البصري لا تصير حالة، وأما إذا كانت له ديون مؤجلة، فلا تحل
بموته بلا خلاف، إلا رواية شاذة رواها أصحابنا أنها تصير حالة (8).
وتسمع البينة على الإعسار (9)، وفاقا للشافعي، وأبي حنيفة، وخلافا لمالك فإنه قال:
لا تقبل (10). لنا أن هذه البينة ليست على مجرد النفي، وإنما تتضمن إثبات صفة في الحال وهي
الإعسار، فوجب أن تكون مقبولة مثل ساير الحقوق والصفات، ولا يقف ذلك على حبس
المعسر (11)، وفي الخلاصة أنه يحبس المفلس ريث [ما] يستبان فقره يومين أو ثلاثة و....
الشهادة على الإعدام في أول زمان الحبس.
وإذا قامت البينة على الإعسار وجب سماعها في الحال. وبه قال الشافعي، وقال أبو

1 - الغنية: 249.
2 - الخلاف: 3 / 267 مسألة 8.
3 - المجموع: 12 / 469.
4 - الغنية: 249.
5 - الخلاف: 3 / 267 مسألة 8.
6 - الغنية: 249.
7 - الخلاف: 3 / 271 مسألة 13.
8 - الخلاف: 3 / 271 مسألة 14.
9 - الغنية: 249.
10 - الخلاف: 3 / 274 مسألة 21.
11 - الغنية: 249.
305

حنيفة: يحبس شهرين، وقال الطحاوي (1): يحبس شهرا وروي أربعة أشهر ثم تسمع
البينة (2).
وإذا ثبت إعساره بالبينة أو صدقه في دعوى ذلك الغرماء لم يجز للحاكم حبسه، ووجب
عليه المنع من مطالبته وملازمته إلى أن يستفيد مالا (3) وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
يجوز لهم ملازمته، فيمشون معه ولا يمنعونه من التكسب والتصرف، فإذا رجع إلى بيته فإن
أذن لهم الدخول معه دخلوا وإن لم يأذن لهم منعوه من دخوله، وبيتوه برا معهم.
لنا قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} (4)، وما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله)
لغرماء الرجل الذي أصيب بما ابتاعه من الثمار: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك، ولم يذكر
الملازمة (5).
وليس للغرماء مطالبة المعسر بأن يؤجر نفسه، ويكتسب لإيفائهم، بالدليل المقدم
ذكره بل هو إذا علم من نفسه القدرة وارتفاع الموانع عنه فعليه أن يكتسب ليبرئ ذمته، وعلى
الحاكم إشهار المفلس ليعرف فلا يعامله إلا من رضي بإسقاط دعواه عليه (6).

1 - أبو جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الفقيه الحنفي، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر. ولد سنة
(238) وتوفي سنة (321) بمصر ودفن بالقرافة. وفيات الأعيان: 1 / 71 رقم 25.
2 - الخلاف: 3 / 275 مسألة 22.
3 - الغنية: 249.
4 - البقرة: 280.
5 - الخلاف: 3 / 277 مسألة 24.
6 - الغنية: 250.
306

الحجر
فصل في الحجر
المحجور عليه هو الممنوع من التصرف في ماله، وهو على ضربين: محجور عليه
[114 / أ] لحق غيره، ومحجور عليه لحق نفسه.
فالأول ثلاثة: المفلس وقد قدمنا حكمه، والمريض محجور عليه في الوصية بما زاد على
الثلث من التركة، لحق ورثته، بلا خلاف، والمكاتب محجور عليه فيما في يده، لحق سيده.
والضرب الثاني أيضا ثلاثة: الصبي والمجنون والسفيه (1)، وعند الشافعية: التبذير
سبب للحجر وذلك لعدم الرشد (2).
ولا يرفع الحجر عن الصبي إلا بأمرين: البلوغ والرشد، والبلوغ يكون بأحد خمسة
أشياء: السن وظهور المني والحيض والحلم والانبات (3).
والانبات دليل على بلوغ المسلمين والمشركين، خلافا لأبي حنيفة فإنه قال: ليس
بدلالة على بلوغ المسلمين والمشركين ولا يحكم به بحال، وقال الشافعي: [هو] دلالة على
بلوغ المشركين، وفي دلالته على بلوغ المسلمين قولان (4).
ويراعى في حد البلوغ في الذكور، خمس عشرة سنة، وفاقا للشافعي، وفي الإناث تسع
سنين خلافا له فإنه قال خمس عشرة سنة، وقال أبو حنيفة: الأنثى تبلغ باستكمال سبع
عشرة سنة، و [في] الذكر عنه روايتان: إحداهما باستكمال تسع عشرة والأخرى ثمان عشرة،

1 - الغنية: 251.
2 - الخلاف: 3 / 286 مسألة 7.
3 - الغنية: 251.
4 - الخلاف: 3 / 281 مسألة 1.
307

وحكى عن مالك أن البلوغ بأن يغلظ الصوت، وأن ينشق الغضروف - وهو رأس الأنف -،
وأما السن فلا يتعلق بالبلوغ.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روى أنس بن مالك أن النبي (عليه السلام) قال: إذا
استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأخذت منه الحدود. وروى عبد الله بن
عمر قال: عرضت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام بدر، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني، وعرضت
عليه عام الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة. فنقل الحكم وهو الرد
والإجازة، وسببه السن (1).
والرشد يكون بشيئين: أحدهما: أن يكون مصلحا لماله، بلا خلاف. والثاني: أن يكون
عدلا، فإن اختل أحدهما استمر الحجر أبدا، إلى أن يحصل الأمران (2)، وفاقا للشافعي، وقال
أبو حنيفة: إذا كان مصلحا له، مدبرا له، وجب فك الحجر عنه، سواء كان عدلا في دينه، أو لم
يكن (3).
لنا قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} (4) والفاسق
سفيه، وقوله {فإن أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} (5) فاشترط الرشد، فمن كان
فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي، ومن وصف بذلك لم يوصف بالرشد لتنافي الصفتين،
وأيضا فلا خلاف في جواز دفع المال إليه مع اجتماع العدالة وإصلاح المال، وليس على جواز
دفعه إذا انفرد أحد الأمرين دليل (6) [114 / ب].
وإذا اجتمع الأمران جاز على كل حال، فإن ارتفع الحجر ثم صار مبذرا مضيعا، أعيد
الحجر عليه (7)، وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة، فك حجره
على كل حال، ولو تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة يصح تصرفه بالبيع
والشراء والإقرار (8).
لنا أن المبذر سفيه غير رشيد بلا خلاف، فوجب إعادة الحجر عليه، لظاهر [ما قدمناه

1 - الخلاف: 3 / 282 مسألة 2.
2 - الغنية: 252.
3 - الخلاف: 3 / 283 مسألة 3.
4 - النساء: 5.
5 - النساء: 6.
6 - الغنية: 252.
7 - الغنية: 252.
8 - الخلاف: 3 / 285 مسألة 4.
308

من] القرآن و [أيضا] قوله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} (1) ذم الله تعالى
المبذرين وذمه يوجب المنع من التبذير، ولا يصح ذلك إلا بالحجر، وقوله: اقبضوا على أيدي
سفهائكم، ولا يصح القبض إلا بالحجر، وقوله (عليه السلام): إن الله كره لكم ثلاثا، قيل وقال وكثرة
السؤال وإضاعة المال، وما يكرهه الله يجب المنع منه، لأنه لا يكون إلا محرما.
وإن عاد الفسق دون تبذير المال فالاحتياط يقتضي إعادة الحجر أيضا (2)، خلافا لأبي
حنيفة (3)، لأن الفاسق سفيه والسفيه ممنوع في دفع المال إليه.
ويصح طلاق المحجور عليه للسفه (4)، وبه قال جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال:
لا يملك طلاقه (5).
ويصح خلعه ولا تدفع المرأة بذل الخلع، ويصح مطالبته بالقصاص وإقراره بما يوجبه،
ولا يصح تصرفه في أعيان أمواله، ولا شراؤه بثمن في الذمة، بلا خلاف من الشافعية (6).

1 - الإسراء: 27.
2 - الغنية: 252 - 253.
3 - الخلاف: 3 / 283 مسألة 3.
4 - الغنية: 253.
5 - الخلاف: 3 / 289 مسألة 9.
6 - الوجيز: 1 / 176.
309

الصلح
فصل في الصلح
الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال، فلا يحل أن يؤخذ
بالصلح ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق، وهو جائز مع الإنكار (1)، وفاقا لأبي حنيفة،
ومالك.
وخلافا للشافعي، وصورة المسألة عنده أن يدعي رجل على غيره عينا في يده، أو دينا
في ذمته فأنكر المدعى عليه، ثم صالحه منه على مال يتفقان عليه، لم يصح الصلح، ولم يملك
المدعي المال الذي قبضه من المدعى عليه، وله أن يرجع فيطالبه به، ووجب على المدعي رده
عليه، وكان على دعواه كما كان قبل الصلح، وإن كان صرح بإبرائه لأنه أبرأه ليسلم له
ما قبضه.
وعندنا وعند أبي حنيفة ومالك يملك المدعي وليس للمدعى عليه مطالبته لنا قوله
تعالى: {والصلح خير} (2) ولم يفرق بين الإقرار والإنكار. وقوله (صلى الله عليه وآله): الصلح جائز بين
المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا. ولم يفرق، وقوله (عليه السلام): كل ما وقي به الرجل عرضه
فهو صدقة، فيجب أن يكون ما بذله المدعى عليه جائزا، أو يكون صدقة، لأنه قصد
به [115 / أ] وقاية عرضه (3).
وعند الشافعية الصلح قسمان صلح إبراء، وهو أن يقول صالحني عن ألف لك علي على

1 - الغنية: 254.
2 - النساء: 128.
3 - الخلاف: 3 / 293 مسألة 1.
310

خمسمئة فيقول صالحت فلا يثبت فيه خيار لأنه إبراء، وصلح معاوضة. هذا بيع في جميع
الأحكام وصورته أن يقول صالحني عن ألف لك علي على هذا الشقص أو على هذا الثوب
فيقول صالحت فيثبت فيه خيار المجلس وخيار الشرط والشفعة ويشترط التقابض في المجلس
إذا صالح عن دراهم على دنانير لأنه صرف ولا يصح واحد منهما على الإنكار فإن جاء ثالث
وصدق المدعي صح مع الثالث (1).
والشوارع على الإباحة يجوز لكل واحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة، فإن
أشرع جناحا وكان عاليا لا يضر بالمجتازين، ترك ما لم يعارض فيه أحد من المسلمين، فإن
عارض وجب قلعه (2)، وفاقا لأبي حنيفة. وقال الشافعي: لا يجب قلعه إذا لم يضر بالمارة. وبه
قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف ومحمد.
لنا أن الطريق حق لجميع المسلمين، فإذا طالبه واحد منهم، كان له ذلك كسائر الحقوق،
ولم يجز أن يغصب على حقه، وأيضا فلو سقط ما أشرعه على إنسان فقتله، أو على مال فأتلفه،
لزمه الضمان ولو كان يملك ذلك لما لزمه (3).
والسكة إذا كانت غير نافذة فهي ملك لأرباب الدور الذين فيها طرقهم، فلا يجوز
لبعضهم فتح باب ولا إشراع جناح فيها إلا برضى الباقين، ضر ذلك أو لم يضر، ومتى أذنوا في
ذلك، كان لهم الرجوع، لأنه إعارة، ولو صالحوه على ترك الجناح بعوض لم يصح، لأن إفراد
الهواء بالبيع باطل، ولا يجوز منعه من فتح كوة في حائطه، لأن ذلك تصرف في ملكه
خاصة (4).
ومن في أسفل السكة يجوز له فتح باب جديد بدون رضى من أعلاها، لأنه تصرف فيما
يخصه ولا يشترك فيه غيره لا خلاف في جميع ذلك.
فإن تساوت الأيدي في التصرف في شئ وفقدت البينة، حكم بالشركة - أرضا كان
ذلك، أو دارا، أو سقفا، أو حائطا أو غير ذلك - لأن التصرف دلالة الملك وقد وجد.
فإن كان للحائط عقد إلى أحد الجانبين، أو فيه تصرف خاص لأحد المتنازعين، كوضع
الخشبة، فالظاهر أنه لمن العقد إليه، والتصرف له، فيقدم دعواه، ويكون القول قوله مع يمينه،

1 - أنظر المجموع: 13 / 63 والوجيز: 1 / 177.
2 - الغنية: 254.
3 - الخلاف: 3 / 294 مسألة 2.
4 - الغنية: 254 - 255.
311

وإنما كلفناه اليمين، لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه، أو مصالحا عليه، والحائط
[115 / ب] ملك لهما.
ويحكم بالخص لمن إليه معاقد القمط، وهي مشاد الخيوط في القصب (1). وبه قال أبو
يوسف وزاد: خوارج الحائط وأنصاف اللبن، ويقدم بهما. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقدم
بشئ من ذلك.
لنا ما رووه من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله): بعث حذيفة بن اليمان (2) ليحكم بين قوم اختصموا في
خص، فحكم به لمن إليه القمط، فلما رجع إليه (عليه السلام) أخبره بذلك فقال: أصبت وأحسنت
رأيا (3).
وإذا انهدم الحائط المشترك لم يجبر أحد الشركين على عمارته والإنفاق عليه، وكذا
القول في كل ملك مشترك، وكذا لا يجبر صاحب السفل على عمارته لأجل العلو (4).
وللشافعي في هذه المسائل قولان: أحدهما: ما قلناه، وهو قوله الجديد، وبه قال أبو
حنيفة. والآخر: قوله القديم: يجبر عليه (5).
لنا أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب إجباره على النفقة في ذلك فعليه الدليل. وقوله
(صلى الله عليه وآله): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وإذا أراد أحدهما الانفراد بالعمارة لم يكن للآخر منعه، وإن عمر متبرعا بالآلات
القديمة، لم يكن له المطالبة لشريكه بنصف النفقة، ولا منعه من الانتفاع، وإن عمر بآلات
متجددة، فالبناء له، وله نقضه إذا شاء، والمنع لشريكه من الانتفاع به، وليس له سكنى السفل
ولا منع شريكه من سكناه، لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء (6).
لا يجوز لأحد الشريكين في الحائط أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا
كثيرا إلا بإذن الآخر، وهو قول الشافعي في الجديد. وقال في القديم: يجوز ذلك. وبه

1 - الغنية: 255. والخص بضم الخاء: البيت من القصب، والقمط جمع قماط. حبل يشد به الأخصاص.
2 - هو حذيفة بن حسيل، أبو عبد الله العبسي. روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله) وروى عنه: الأسود بن يزيد النخعي، وبلال بن يحيى
العبسي، وثعلبة بن زهدم التميمي، توفي سنة (36). تهذيب الكمال: 5 / 495 رقم 1147.
3 - الخلاف 3: 295 مسألة 3 والغنية: 255. وكان في النسخة والمصدران: عبد الله بن اليمان وليس فيهما لفظة " رأيا ".
لاحظ الحديث في سنن ابن ماجة 2 / 285: 2343 وسنن البيهقي 6 / 67 وأسد الغابة 1 / 262.
4 - الغنية: 255.
5 - الخلاف: 3 / 298 مسألة 9.
6 - الغنية: 256.
312

قال مالك.
لنا أن ذلك هو الأصل من حيث كان تصرفا فيما لا يملك على الانفراد، ومن ادعى جواز
ذلك فعليه الدليل، وقوله (عليه السلام): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، وهذا الحائط
بينهما فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه إلا بإذن شريكه وطيب نفسه (1).
ومتى أذن لشريكه في الحائط في وضع خشبة عليه، فوضعه ثم انهدم أو قلع، لم يكن له
أن يعيده إلا بإذن مجدد، وهو أحد قولي الشافعي، ومالك. والقول الثاني أنه يجوز له ذلك (2).
لنا أن الأصل أنه لا يجوز له ذلك إلا بالإذن، والإذن في الأول ليس إذنا في الثاني (3).
وإذا تنازع اثنان في دابة، أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها، وفقدت البينة، فهي
بينهما نصفين (4)، وبه قال أبو إسحاق المروزي. وقال باقي الفقهاء وأبو حنيفة: يحكم بذلك
للراكب (5).
لنا أنه لا دليل على وجوب الحكم بها للراكب وتقديمه على الآخذ، فمن ادعى ذلك
فعليه الدليل.
ومن ادعى على غيره مالا مجهولا، فأقر له به، وصالحه على مال معلوم [116 / أ] صح
الصلح وفاقا لأبي حنيفة وخلافا للشافعي فإنه قال: لا يصح.
لنا قوله تعالى: {والصلح خير} (6) ولم يفرق وقال (عليه السلام): الصلح جائز بين المسلمين إلا
ما أحل حراما أو حرم حلالا (7).
إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما، وهو غير متصل ببناء أحدهما، ولأحدهما عليه
جذوع فإنه لا يحكم لمن الجذع له وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة: يحكم لصاحب الجذوع إذا
كان أكثر من واحد، فإذا كان واحدا لا يقدم به، بلا خلاف.
لنا قوله (عليه السلام): البينة للمدعي واليمين على من أنكر، ولم يفرق، وأيضا فإن وضع الجذع
يجوز أن يكون عارية، فإن في الناس من أوجب ذلك وهو مالك فإنه قال يجبر على ذلك
لقوله (عليه السلام): لا يمنعن أحد جاره أن يضع خشبة على جداره (8).

1 - الخلاف: 3 / 297 مسألة 6، والغنية: 256.
2 - الخلاف: 3 / 297 مسألة 7.
3 - الغنية: 256.
4 - الغنية: 256.
5 - الخلاف: 3 / 296 مسألة 5.
6 - النساء: 128.
7 - الخلاف: 3 / 300 مسألة 11، والغنية: 256.
8 - الخلاف: 3 / 295 مسألة 4.
313

الحوالة
فصل في الحوالة
الحوالة تفتقر في صحتها إلى شروط:
منها: رضى المحيل إجماعا، لأن من عليه الدين مخير في جهات قضائه.
ومنها: رضى المحال بلا خلاف، إلا من داود (1)، فإنه لا يعتبر رضاه وقال: متى أحاله من
عليه الحق على غيره لزمه ذلك (2).
لنا أن نقل الحق من ذمة إلى أخرى مع اختلاف الذمم، تابع لرضى صاحبه، ولأنه إذا
رضي صحت الحوالة بلا خلاف، وليس على صحتها مع عدم رضاه دليل، وقول النبي (عليه السلام): إذا
أحيل أحدكم على ملئ فليحتل، محمول على الاستحباب، لما فيه من قضاء حاجة أخيه
وإجابته إلى ما ينبغي.
ومنها: رضا المحال عليه (3) وفاقا لأبي حنيفة والمزني، والإصطخري من أصحاب
الشافعي كذا في الخلاصة، والمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يعتبر رضاه (4).
لنا أن إثبات الحق في ذمته لغيره - مع اختلاف الغرماء في شدة الاقتضاء وسهولته -
تابع لرضاه، ولأنه لا خلاف في صحتها إذا رضي، وليس كذلك إذا لم يرض.
ومنها: أن يكون المحال عليه مليا في حال الحوالة، فإن رضي المحال بعدم ملائته جاز،
لأنه صاحب الحق.

1 - الغنية: 257.
2 - الخلاف: 3 / 305 مسألة 1.
3 - الغنية: 257.
4 - الخلاف 3 / 305 مسألة 1.
314

وتصح الحوالة على من ليس عليه دين (1) إذا قبل خلافا للشافعي فإنه قال لا تصح. لنا
أن الأصل جواز ذلك، والمنع منه يحتاج إلى دليل (2).
وإذا كان عليه دين اعتبر شرطان آخران: أحدهما: اتفاق الحقين في الجنس والنوع
والصفة، لأن المحال عليه لا يلزمه أن يؤدي خلاف ما هو عليه، والثاني أن يكون الحق مما
يصح أخذ البدل فيه قبل قبضه، لأن في الحوالة - وهذه حالها - معنى المعاوضة. وإذا صحت
الحوالة انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه، بلا خلاف إلا من زفر [116 / ب].
لنا أن الحوالة مشتقة من التحويل، وذلك لا يكون مع بقاء الحق في الذمة الأولى.
ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل إذا جحد المحال عليه الحق وحلف عليه، أو مات مفلسا،
أو أفلس وحجر الحاكم عليه (3)، وبه قال الشافعي: وهو المروي عن علي (عليه السلام).
وقال أبو حنيفة: له الرجوع عليه بالحق إذا جحد المحال عليه، أو مات مفلسا.
وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع عليه إذا أفلس وحجر عليه الحاكم.
لنا أنه قد ثبت انتقال الحق عن ذمته، ولا دليل على انتقاله ثانيا إليه، فمن ادعى ذلك
فعليه الدليل، ولأن الملاءة شرط في الحوالة، ولو كان له الرجوع عند الإعسار لم يكن لشرط
الملاءة تأثير (4).
وإذا أحال البايع بالثمن ثم رد المبيع بالعيب عليه، بطلت الحوالة، لأنها لحق البايع وهو
الثمن وإذا بطل البيع سقط الثمن فبطلت، فإن أحال البايع على المشتري بالثمن ثم رد المبيع
بالعيب، لم تبطل الحوالة، لأنه تعلق به حق لغير المتعاقدين (5). ولا خلاف في هذه المسألة بيننا
وبين الشافعية وأما بين الحنفية فما وجد فيها خلاف أيضا (6).
وإذا اختلفا، فقال المحيل: وكلتك بلفظ الوكالة، فقال المحال: بل أحلتني بلفظ الحوالة،
فالقول قول المحيل بلا خلاف، لأنهما اختلفا في لفظ هو أعرف به من غيره، ولو كان النزاع
بالعكس من ذلك، كان القول قول المحال، لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المحيل (7) ولا خلاف
فيها أيضا.

1 - الغنية: 257.
2 - الخلاف: 3 / 306 مسألة 3.
3 - الغنية: 258.
4 - الخلاف: 3 / 307 مسألة 5.
5 - الغنية: 258.
6 - الخلاف: 3 / 308 مسألة 7.
7 - الغنية: 258.
315

وإذا اتفقا على لفظ الإحالة فإن القدر الذي جرى بينهما منه أنه قال: أحلتك بما لي عليه
من الحق، ثم اختلفا، فقال المحيل: أنت وكيلي في ذلك، وقال المحال: بل أحلتني لآخذ ذلك
لنفسي، فالقول قول المحيل (1)، وبه قال المزني، وأكثر أصحاب الشافعي. وقال ابن سريج:
القول قول المحال.
لنا أنهما قد اتفقا أن الحق كان للمحيل على المحال عليه، وانتقاله إلى المحتال يحتاج إلى
دليل، لأنه ليس في إحالة المحيل بذلك دليل على أنه أقر له به وأحاله بحق له عليه. وإن
شئت قلت: الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه، وبقاء حق المحتال على المحيل، والمحتال
يدعي زوال ذلك والمحيل ينكره، فالقول قوله مع يمينه (2).
الحوالة عند الشافعي بيع، وليس لأصحابنا فيه قول، والذي يقتضيه المذهب أن نقول:
إنه عقد قائم بنفسه، لأنه لا دلالة على أنه بيع، وإلحاقه به قياس لا نقول به (3).
إذا أحال لزيد على عمرو بألف، فقبله صحت الحوالة في ذلك، لأنه إذا قبله فقد أقر
بلزوم ذلك المال في ذمته [117 / أ]، فيجب عليه الوفاء به، ومن قال: لا يصح، فعليه الدلالة.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما ما قلناه. والثاني لا يجوز، لأن الحوالة بيع، والمعدوم لا يجوز
بيعه (4).

1 - الغنية: 259.
2 - الخلاف 3 / 309 مسألة 8.
3 - الخلاف: 3 / 309 مسألة 9.
4 - الخلاف: 3 / 310 مسألة 11.
316

الضمان
فصل في الضمان
ومن شرط صحته أن يكون الضامن مختارا، غير مولى عليه، مليا في حال الضمان إلا أن
يرضى المضمون له بعدم ملاءته، فيسقط هنا هذا الشرط. وأن يكون إلى أجل معلوم. وأن
يقبل المضمون له ذلك. وأن يكون المضمون به حقا لازما في الذمة كمال القرض والأجرة
وما أشبه ذلك أو مصيره إلى اللزوم، كالثمن في مدة الخيار، لقوله (عليه السلام): الزعيم غارم، ولم يفصل (1).
ويصح ضمان مال الجعالة بشرط أن يفعل ما يستحق به، للخبر المتقدم، وقوله تعالى:
{ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} (2)، (3) وللشافعي فيه وجهان: أحدهما ما قلناه،
والآخر لا يصح ضمانه (4).
وليس من شرط صحته أن يكون المضمون به معلوما، بل لو قال: كل حق يثبت على
فلان فأنا ضامنه، صح ولزمه ما يثبت بالبينة أو الإقرار (5)، وقال الشيخ في الخلاف: لا يصح
ضمان المجهول، سواء كان واجبا أو غير واجب، ولا يصح ضمان ما لم يجب، سواء كان معلوما
أو مجهولا، بدلالة ما روي عن النبي (عليه السلام): أنه نهى عن الغرر، وضمان المجهول غرر، ولأنه لا
دلالة على صحته وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة ومالك: يصح ضمان ذلك (6).
وليس من شرط، صحته أيضا رضا المضمون عنه، ولا معرفته ولا معرفة المضمون
له (7)، وللشافعي فيه ثلاثة أوجه، أحدها ما قلناه، والثاني: أن من شرطه معرفتها، الثالث: أن
من شرطه معرفة المضمون له دون عنه.
لنا أنه لا دليل على ذلك، وما رووه أن عليا (عليه السلام) وأبا قتادة لما ضمنا الدين عن الميت،

1 - الغنية: 260.
2 - يوسف: 72.
3 - الغنية: 260.
4 - الخلاف: 3 / 316 مسألة 7.
5 - الغنية: 260.
6 - الخلاف: 3 / 319 مسألة 13 والغنية: 260.
7 - الغنية: 261.
317

أجازه النبي (عليه السلام) ولم يحصل رضاه لموته، ولا سألهما عن معرفته ولا معرفة صاحب الدين، فدل
على أن ذلك ليس من شرط صحة الضمان (1).
وإذا صح الضمان انتقل الحق إلى ذمة الضامن، وبرئ المضمون عنه منه ومن المطالبة
به (2)، وهو مذهب أبي ثور، وابن أبي ليلى وداود. وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إن المضمون له
مخير في أن يطالب أيهما شاء، والضمان لا ينقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.
لنا بعد إجماع الإمامية، قول النبي (عليه السلام): لعلي لما ضمن الدرهمين عن الميت: جزاك الله
عن الإسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك [117 / ب] وقال لأبي قتادة لما
ضمن الدينارين: هما عليك والميت برئ منهما؟ قال: نعم، فدل على أن المضمون عنه يبرأ
بالضمان عنه (3).
ولا يرجع الضامن على المضمون عنه بما ضمنه إذا ضمن بغير إذنه وأدى بغير إذنه، وبه
قال الشافعي. وقال مالك وأحمد: يرجع به إليه.
لنا الخبر المذكور في ضمان علي وأبي قتادة (4).
فإن كان أذن له في الضمان رجع سواء أذن في الأداء أو لم يأذن لأنا قد بينا أنه ينقل المال
إلى ذمته بنفس الضمان فلا اعتبار باستئذانه في القضاء (5) وبه قال أبو علي بن أبي هريرة
والطبري من أصحاب الشافعي، وقال أبو إسحاق: إن أدى عنه مع إمكان الوصول إليه
واستئذانه لم يرجع وإن أدى مع تعذر ذلك رجع (6).
ويصح ضمان الدين عن الميت المفلس وبه قال الشافعي، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف وفاء بمال، أو ضمان ضامن.
لنا أنه ضمن علي (عليه السلام) وأبو قتادة عن الميت وأجاز النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك مطلقا ولم يفصل،
وأيضا ما روي عن أنس أنه قال: من استطاع منكم أن يموت وليس عليه دين فليفعل، فإني
رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: هل عليه دين؟ فقالوا: نعم، فقال:
ما تنفعه صلاتي وهو مرتهن بدينه، فلو قام أحدكم فضمن عنه وصليت عليه، كانت تنفعه
صلاتي، وهذا صريح في جواز ابتداء الضمان بعد موت المضمون عنه (7).

1 - الخلاف 3 / 313 مسألة 1.
2 - الغنية: 261.
3 - الخلاف: 3 / 314 مسألة 3.
4 - الخلاف: 3 / 315 مسألة 5، والغنية: 261.
5 - الغنية: 261.
6 - الخلاف: 3 / 316 مسألة 6..
7 - الخلاف: 3 / 320 مسألة 14.
318

الكفالة
الكفالة
إذا تكفل رجل بدين إنسان، وضمن إحضاره بشرط البقاء، صح بلا خلاف بين أبي
حنيفة وغيره، والشافعي إلا ما رواه المروزي من قول آخر له.
لنا على من قال: لا يصح كفالة الأبدان قوله تعالى: {إلا أن يحاط بكم} (1) فطلب
يعقوب منهم كفيلا ببدنه، وقالوا ليوسف {إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه} (2)
وذلك كفالة بالبدن (3).
وإذا طولب بإحضاره، وهو حي، فلم يحضره، لزمه أداء ما ثبت عليه في قول من أجاز
كفالة الأبدان. وإن مات قبل ذلك بطلت الكفالة ولم يلزمه أداء شئ مما كان عليه، بلا خلاف
ممن أجاز هذه الكفالة إلا من مالك وابن سريج فإنهما قالا: يلزمه ما عليه.
لنا أنه تكفل ببدنه دون ما في ذمته، فلا يلزمه تسليم ما لم يتكفل به (4).
ولو قال: وإن لم آت به في وقت كذا فعلي ما يثبت عليه، لزمه ذلك إذا لم يحضره - حيا
كان أو ميتا - لأنه قد تكفل بما في ذمته [118 / أ]، فيلزمه أداؤه (5).
إذا تكفل ببدن رجل وغاب المكفول به بحيث يعرف موضعه، ألزم الكفيل إحضاره،
ويمهل مقدار زمان ذهابه ومجيئه لإحضاره، فإن لم يحضره بعد انقضاء هذه المدة حبس أبدا
حتى يحضره أو يموت، لأن شرط الكفالة إمكان تسليمه، والغائب لا يمكن تسليمه في الحال،
فوجب أن يمهل إلى أن يمضي زمان الإمكان، وبه قال جميع من أجاز كفالة الأبدان، وقال ابن
شبرمة (6) يحبس في الحال ولا يمهل، لأن الحق قد حل عليه (7).

1 - يوسف: 66.
2 - يوسف: 77.
3 - الخلاف: 3 / 321 مسألة 16، والغنية: 262.
4 - الخلاف: 3 / 323 مسألة 18.
5 - الغنية: 262.
6 - اسمه عبد الله، أبو شبرمة، كان قاضيا لأبي جعفر (المنصور) على سواد الكوفة وكان شاعرا، مات سنة (144). أنظر
معجم رجال الحديث: 10 / 214 رقم 6914.
7 - الخلاف: 3 / 323 مسألة 17.
319

الشركة
فصل في الشركة
ومن شرط صحتها أن يكون في مالين متجانسين إذا خلطا اشتبه أحدهما بالآخر
وأن يخلطا حتى يصيرا مالا واحدا
وأن يحصل الإذن في التصرف في ذلك (1)، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: تنعقد
الشركة بالقول، وإن لم يخلطاهما، بأن يعينا المال ويحضراه، ويقولا: قد تشاركنا في ذلك،
صحت الشركة (2).
وإذا أخرج أحدهما دراهم، والآخر دنانير، انعقدت [أبي حنيفة]، الشركة بينهما،
خلافا لنا وللشافعي (3).
لنا أنه لا خلاف في انعقاد الشركة، بتكامل ما ذكرناه، وليس على انعقادها مع عدمه
أو إخلال بعضه دليل (4).
العروض التي لها أمثال، مثل: المكيلات، والموزونات تصح الشركة فيها ولأصحاب
الشافعي فيه قولان. لنا أن الأصل جوازه ولا مانع منه (5).
وهذه الشركة التي تسميها الفقهاء شركة العنان. وعلى ما قلناه لا يصح شركة المفاوضة
وهي: أن يشتركا في كل ما لهما وعليهما، وما لهما متميزان (6) وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: هي صحيحة إذا صحت شرائطها وموجباتها، وشروطها أن يكون الشريكان
مسلمين حرين، فإن كان أحدهما كافرا أو مكاتبا لم تجز، وأن يتفق قدر المال الذي تنعقد

1 - الغنية: 263.
2 - الخلاف: 3 / 327 مسألة 2.
3 - الخلاف: 3 / 328 مسألة 2.
4 - الغنية: 263، وكان في النسخة كتب أولا: " انعقدت الشركة بينهما وفاقا للشافعي " ثم غيرها وكتب " خلافا لنا
وللشافعي ". وتكررت المسألة بصورة أخرى في الخلاف في المسألة 4 فلاحظ.
5 - الخلاف: 3 / 328 مسألة 3.
6 - الغنية: 263.
320

الشركة في جنسه، وهو الدراهم والدنانير، فإن كان أحدهما أكثر لم تصح. وأما موجباتها
فهي أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكتسبه، قل ذلك أم كثر، وفيما يلزمه من غرامات
بغصب وكفالة بمال.
لنا أن هذه الشركة لا دلالة على صحتها في الشرع فتكون غير صحيحة (1).
ولا [تصح] شركة الأبدان وهي الاشتراك في أجرة العمل (2) مثل أن يشترك الصانعان
على أن ما يرتفع لهما من كسبهما فهو بينما على حسب شرطهما، سواء كانا مختلفي الصنعة،
كالنجار والخباز، أو متفقي الصنعة كالنجارين، وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز مع
اتفاق الصنعة واختلافهما، ولا يجوز في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد. وقال مالك:
يجوز مع اتفاق الصنعة [118 / ب] لامع اختلافها، وقال أحمد: يجوز في جميع ذلك (3).
ولا [تصح] شركة الوجوه وهي أن يشتركا على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه
لا برأس ماله، على أن يكون ما يحصل بينهما من فائدة تكون بينهما (4) وبه قال الشافعي. وقال
أبو حنيفة: تصح فإذا عقداها كان ما يرتفع لهما على حسب ما شرطا.
لنا على بطلان هذه الشركة أنه لا دلالة في الشرع عليه والعقود الشرعية تحتاج إلى
أدلة شرعية (5).
ويدل على فساد هذه الشركة أيضا أنه (عليه السلام) نهى عن الغرر وهو حاصل فيها، لأن كل
واحد من الشريكين لا يعلم أيكسب الآخر شيئا أم لا، ولا يعلم مقدار ما يكسبه، ويدخل في
شركة المفاوضة أن يشاركه فيما يلزمه بعدوان وغصب وضمان، وذلك غرر عظيم (6).
وإذا انعقدت الشركة اقتضت أن يكون لكل واحد من الشريكين من الربح بمقدار رأس
ماله، وعليه من الوضيعة بحسب ذلك، فإن اشترطا تفاضلا في الربح، أو الوضيعة مع التساوي
في رأس المال، أو تساويا في ذلك مع التفاضل في رأس المال، لم يلزم الشرط، وكذا إن جعل
أحد الشريكين للآخر فضلا في الربح بإزاء عمله لم يلزم ذلك، وكان للعامل أجرة مثله ومن
الربح بحسب رأس ماله، ويصح كل من ذلك بالتراضي، ويحل تناول الزيادة بالإباحة دون عقد
الشركة، ويجوز الرجوع بها لمبيحها مع بقاء عينها، لأن الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل.

1 - الخلاف: 3 / 329 مسألة 5.
2 - الغنية: 263.
3 - الخلاف: 3 / 330 مسألة 6.
4 - الغنية 263.
5 - الخلاف: 3 / 331 مسألة 7.
6 - الغنية: 264.
321

فإن قال المخالف: اشتراط الفضل في الوضيعة بمنزلة أن يقول: ما ضاع من مالك فهو
علي، وهذا فاسد، قيل له: ما أنكرت أن يكون بمنزلة من قال: ما ضاع فهو من مالي ومالك إلا
أني قدر رضيت أن يكون من مالي خاصة، وتبرعت لك بذلك، فهذا لا مانع منه، ويلزم
أبا حنيفة على ذلك أن لا يجيز اشتراط التفاضل في الربح، لأنه بمنزلة أن يقول: ما استفيد في
مالي فهو لك (1).
لا فرق بين أن يتفق المالان في المقدار أو يختلفا، فيخرج أحدهما أكثر مما أخرجه الآخر،
فإنه لا دلالة على بطلان هذه الشركة، والأصل جوازها. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي،
وقال الأنماطي (2) من أصحابه: إذا اختلف مقدار المالين بطلت الشركة (3).
ولا يجوز أن يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال، ولا أن يتساويا فيه مع
التفاضل لأنه لا دلالة على جوازه وبه قال الشافعي (4).
وفي الخلاصة الشرط المغير له أو للمذكور فاسد، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك [119 / ب].
والتصرف في مال الشركة على حسب الشرط، إن شرطا أن يكون لهما معا على
الاجتماع، والانفراد، فهو كذلك، وإن شرطا التصرف لأحدهما لم يجز للآخر إلا بإذنه.
وكذا القول في صفة التصرف في المال، من السفر به، والبيع بالنسيئة، والتجارة في شئ
معين، ومتى خالف أحدهما ما وقع عليه الشرط كان ضامنا.
والشركة عقد جائز من كلا الطرفين، يجوز فسخه لكل واحد منهما متى شاء، ولم يلزم
اشتراط التأجيل فيها، وتنفسخ بالموت.
والشريك المأذون له في التصرف مؤتمن على مال الشركة، والقول قوله، فإن ارتاب به
شريكه حلف على قوله.
وإذا تقاسم الشريكان لم يتقسم الدين، بل يكون الحاصل منه بينهما والمنكسر عليهما،
ولو اقتسماه فاستوف أحدهما ولم يستوفي الآخر، لكان له أن يقاسم شريكه على ما استوفاه (5)،
وعليه إجماع الإمامية وللشافعي فيه قولان: الأظهر [عندهم] أنه لا يشاركه فيه (6).

1 - الغنية: 264.
2 - أبو القاسم الأنماطي البغدادي الأحول، أحد أئمة الشافعية، أخذ الفقه عن المزني والربيع، وأخذ عنه أبو العباس بن
سريج والاصطخري وابن الوكيل مات سنة (288). طبقات الشافعية: 1 / 180 رقم 25.
3 - الخلاف 3 / 332 مسألة 8.
4 - الخلاف: 3 / 332 مسألة 9.
5 - الغنية: 264.
6 - الخلاف: 3 / 336 مسألة 15.
322

وإذا باع من له التصرف في الشركة، وأقر على شريكه الآخر بقبض الثمن - مع دعوى
المشتري ذلك وهو جاحد - لم يبرأ المشتري من شئ منه، أما ما يخص البايع فلأنه ما اعترف
بتسليمه إليه ولا إلى من وكله على قبضه، فلا يبرأ منه، وأما ما يخص الذي لم يبع، فلأنه منكر
لقبضه، وإقرار شريكه البائع عليه لا يقبل (1)، لأنه وكيله، وإقرار الوكيل على الموكل بقبض
الحق الذي وكله في استيفائه، لا يقبل وبه قال الشافعي غير أن له في إقرار الوكيل على موكله
بقبض ما وكل فيه قولين: أحدهما: لا يقبل مثل ما قلناه. والثاني: يقبل وبه قال أبو حنيفة (2).
ولو أقر الذي لم يبع، ولا أذن له في التصرف، أن البايع قبض الثمن، برئ المشتري من
نصيب المقر بلا خلاف.
وتكره شركة المسلم للكافر بلا خلاف إلا من الحسن البصري، فإنه قال: إن كان
المسلم هو المنفرد للتصرف لم تكره (3).
وعند الحنفية لا تجوز الشركة بين الحر والمملوك ولا بين الصبي والبالغ ولا بين المسلم
والكافر (4) كما ذكرنا قبل.
إذا عقدا شركة فاسدة، إما بأن يتفاضل المالان ويتساوى الربح، أو يتساوى المالان
ويتفاضل الربح، وتصرفا، وارتفع الربح، ثم تفاضلا، كان الربح بينهما على قدر المالين،
ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله، بعد إسقاط القدر الذي يقابل عمله في
ماله، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يرجع واحد منهما على صاحبه بأجرة عمله، لأن
هذه الأجرة لم تثبت في الشركة الصحيحة، وكذلك في الفاسدة.
لنا أن كل واحد منهما قد شرط [119 / ب] في مقابلة عمله جزءا من الربح، ولم يسلم
له لفساد العقد، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل، فكان له الرجوع إلى قيمته، كما لو باع منه
سلعة بيعا فاسدا وتلفت في يد المشتري رجع عليه بقيمتها، لأن المسمى لم يسلم له، وقد تعذر
عليه الرجوع في السلعة بتلفها فكان له الرجوع في قيمتها، ويفارق ذلك الشركة الصحيحة،
لأن المسمى قد سلم له فيها، وفي الفاسدة لم يسلم له المسمى وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل
فيرجع إلى عوض المثل (5)

1 - الغنية: 265.
2 - الخلاف: 3 / 333 مسألة 11.
3 - الغنية: 265.
4 - اللباب في شرح الكتاب: 2 / 122.
5 - الخلاف: 3 / 336 مسألة 14.
323

المضاربة
فصل في المضاربة
المضاربة والقراض عبارة عن معنى واحد، وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر
به، على أن ما رزقه الله من ربح، كان بينهما على ما يشترطانه.
ومن شرط صحته، أن يكون رأس المال فيه دراهم أو دنانير معلومة مسلمة إلى
العامل (1) وفاقا لأبي حنيفة والشافعي ومالك وخلافا للأوزاعي وابن أبي ليلي، فإنهما قالا:
يجوز بكل شئ يتمول، فإن كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان كان رأس المال قيمته.
لنا إن ما اخترناه مجمع على جوازه، وليس على جواز ما قالا دليل (2).
ولا يجوز القراض بالفلوس وفاقا لأبي حنيفة وأبي يوسف، والشافعي. وقال محمد: هو
القياس، إلا أني أجيزه استحسانا، لأنه ثمن الأشياء في بعض البلاد (3).
ولا بالورق المغشوش، سواء كان الغش أقل أو أكثر أو سواء وفاقا للشافعي، وقال أبو
حنيفة: يجوز إن كان سواء وكان الغش أقل ولا يجوز إن كان أكثر (4).
لنا أنه لا خلاف في جواز القراض مع حصول ما ذكرناه، وليس على صحته إذا لم يحصل
دليل (5).
وتصرف المضارب موقوف على إذن صاحب المال، إن أذن له في السفر به، أو البيع
نسيئة، جاز له ذلك، ولا ضمان عليه لما يهلك أو يحصل من خسران، وإن لم يأذن، لم يجز له (6)

1 - الغنية: 266.
2 - الخلاف: 3 / 459 مسألة 1.
3 - الخلاف: 3 / 459 مسألة 2.
4 - الخلاف: 3 / 459 مسألة 3.
5 - الخلاف: 3 / 336 مسألة 14.
6 - الغنية: 266.
324

وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: ذلك على الوديعة، وأن له أن يسافر بها. وعندنا
ليس له ذلك في الوديعة أيضا (1) وكذا إذا أذن له فيه إلى بلد معين، أو شرط أن لا يتجر إلا في
شئ معين أو لا يعامل إلا إنسانا معينا لم يجز له مخالفته، فإن خالف لزمه الضمان (2)، وعند
الشافعية شرطه أن يكون تجارة غير مضيقة بتعيين وتوقيت فلو شرطه أن يشتري بالمال
ماشية لطلب نسلها أو حنطة فيخبزها لم يصح، لأن التجارة هو البيع والشراء دون الصنعة،
ولو قال: قارضتك سنة أو شرط ألا تشتري إلا من فلان أو لا تتصرف إلا في الخز الأحمر فهو
فاسد للتضييق [120 / أ]، ولو عين جنس الخز جاز (3).
لنا في صحة القراض مع هذه الشروط قوله (صلى الله عليه وآله) المؤمنون عند شروطهم (4)
وقوله [(صلى الله عليه وآله)]: الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة (5)، ولا مانع منه (6).
وإذا سافر بإذن رب المال، كانت نفقة السفر من المأكول والمشروب والملبوس من غير
إسراف من مال القراض، ولا نفقة للمضارب منه في الحضر، ومن أصحابنا من اختار القول
بأنه لا نفقة له سفرا ولا حضرا قال: لأن المضارب له سهم معلوم من الربح، وليس له أكثر من
ذلك إلا بالشرط (7).
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها، لا ينفق كالحضر. والثاني: ينفق كمال نفقته. كما
قلنا. والثالث ينفق القدر الزائد على نفقة الحضر لأجل السفر (8).
وإذا اشترى العامل من يعتقف على رب المال بإذنه صح الشراء وعتق عليه، وانفسخ
القراض إن كان الشراء بجميع المال، لأنه خرج عن كونه مالا، وإن كان ببعض المال انفسخ
من القراض بقدر قيمة العبد، وإن كان الشراء بغير إذنه وكان بعين المال، فالشراء باطل، لأنه
اشترى ما يتلف ويخرج عن كونه مالا عقيب الشراء، وإن كان بغير إذنه وكان الشراء في الذمة
فالعبد له، وعليه ضمان ما أعطى من مال القراض ولا خلاف فيها بيننا وبين الشافعية
وغيرهم، وإذا اشترى المضارب من يعتق عليه قوم، فإن زاد ثمنه على ما اشتراه، انعتق منه
بحساب نصيبه من الربح واستسعى في الباقي لرب المال، وإن لم يزد ثمنه على ذلك أو نقص عنه

1 - الخلاف: 3 / 461 مسألة 5.
2 - الغنية: 266.
3 - الوجيز: 1 / 221 - 222.
4 - الغنية: 266.
5 - الغنية: 215، والخلاف: 3 / 19 مسألة 22.
6 - الغنية: 266.
7 - الغنية: 266 - 267.
8 - الخلاف: 3 / 461 مسألة 6.
325

فهو رق (1).
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، أنه ينعتق بمقدار نصيبه، ويلزم شراء
الباقي إن كان موسرا. وإن كان معسرا قال: يبقى بقيته رقا لرب المال. والقول الثاني: إن
الشراء باطل (2).
والمضاربة عقد جائز من الطرفين، لكل واحد منهما فسخه متى شاء، وإذا بدا لصاحب
المال من ذلك بعدما اشترى المضارب المتاع لم يكن له غيره، ويكون للمضارب أجر مثله.
والمضارب مؤتمن لا ضمان عليه إلا بالتعدي، فإن شرط عليه رب المال ضمانه، صار
الربح كله له ويكره أن يكون المضارب كافرا (3).
وفي الخلاصة: فلو قارض مسلم ذميا جاز ويجنبه شراء الخمر وما لا يحل في الإسلام
وإن انتصب المسلم عاملا لذمي فلا يحمل والعقود صحيحة.
إذا كان العامل نصرانيا، فاشترى بمال القراض خمرا أو خنزيرا أو باع خمرا، كان جميع
ذلك باطلا لأنه لا دليل على ذلك، والتصرف في المحرمات محظور وفاقا للشافعي. وقال أبو
حنيفة: الشراء والبيع صحيحان (4).
لا يصح القراض إذا كان رأس المال جزافا وفاقا [120 / ب] للشافعي. وقال أبو
حنيفة: يصح ويكون القول قول العامل حين المفاضلة، وإن كان مع أحدهما بنية قدمت بينة
رب المال (5).
إذا فسخ رب المال القراض، وكان في المال شئ باعه العامل بإذن رب المال نسيئة،
لزمه أن حسبه سواء كان فيه ربح أو لم يكن لأن على العامل رد المال كما أخذه، وإذا أخذه
ناضا وجب عليه أن يرده كذلك وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن كان فيه ربح فكما
قلنا، وإن لم يكن فيه ربح لم يلزمه (6).
إذا دفع إليه مالا، وقال له: اتجر به، أو قال له: اصنع ما ترى، أو تصرف كيف شئت فإنه
يقتضي أن يشتري بثمن مثله نقدا بنقد البلد. لأن ما ذكرناه مجمع على جوازه، وبه قال
الشافعي، إن اشترى بثمن مثله وبأقل أو أكثر نقدا أو نسيئة، وبغير نقد البلد (7).

1 - الغنية: 267.
2 - الخلاف: 3 / 463 مسألة 9.
3 - الغنية 267.
4 - الخلاف: 3 / 465 مسألة 13.
5 - الخلاف: 3 / 469 مسألة 17.
6 - الخلاف: 3 / 463 مسألة 10.
7 - الخلاف: 3 / 462 مسألة 8.
326

الوكالة
فصل في الوكالة
لا يصح الوكالة إلا فيما يصح النيابة فيه، مع حصول الإيجاب والقبول ممن يملك عقدها
بالإذن فيه، أو بصحة التصرف منه فيما هو وكالته فيه بنفسه.
فلا تصح الوكالة في أداء الصلاة والصوم عن المكلف بأدائهما، لأن ذلك مما لا يدخل
النيابة فيه، ولا يصح من محجور عليه أن يوكل فيما قد منع من التصرف فيه، ولا يصح الوكالة
من العبد، وإن كان مأذونا له في التجارة، لأن الإذن له في ذلك ليس بإذنه في الوكالة، وكذلك
الوكيل لا يجوز له أن يوكل فيما جعل له التصرف فيه إلا بإذن موكله.
ولا يصح أن يتوكل المسلم على تزويج المشركة من الكافر، ولا أن يتوكل الكافر على
تزويج المسلمة من المسلم لأنهما لا يملكان ذلك لأنفسهما، ولا يجوز للمسلم أن يوكل الكافر،
ولا يتوكل له على مسلم (1).
وفي مسائل الخلاف للشيخ: يكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم. ولم يكره ذلك
أحد من الفقهاء (2).
ويصح وكالة الحاضر ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل، ولا يعتبر رضاه بالوكالة (3) وبه
قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يصح وكالة الحاضر غير أنها لا يلزم
خصمه، إلا أن يرضى بها، ومتى أبى ذلك كان على خصمه أن يخاصمه بنفسه، وأجبر على ذلك

1 - الغنية 268.
2 - الخلاف: 3 / 350 مسألة 15.
3 - الغنية: 268.
327

إن امتنع.
لنا عموم الأخبار الواردة في جواز التوكيل في الحاضر والغائب، وأن الأصل جواز
ذلك، ومن منع منه فعليه الدليل (1).
وتصرف الوكيل موقوف على ما يقع عليه العقد، إن كان مطلقا عمت الوكالة لكل شئ
إلا الإقرار بما يوجب حدا أو تأديبا، وإن كان مشروطا بشئ اختصت الوكالة به دون
ما سواه، ومتى فعل الوكيل ما لم يجعل له لم يصح الوكالة ولزمه الدرك [121 / أ].
ولو أقر الوكيل في الخصومة - دون الإقرار - بقبض موكله الحق الذي وكله في المخاصمة
عليه، لم يلزمه إقراره (2) عليه بذلك، سواء كان في مجلس الحكم أو في غيره. وهو مذهب
الشافعي، ومالك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: يصح إقراره على موكله في مجلس الحكم، ولا يصح في غيره.
وقال أبو يوسف: يصح في مجلس الحكم وغيره (3).
لنا أن الأصل براءة الذمة، وعلى من ألزمه ذلك بإقرار الوكيل الدليل.
فإن أذن له في الإقرار عنه لزمه ما يقر به (4) فإن كان معلوما لزمه ذلك، وإن كان مجهولا
رجع في تفسيره إلى الموكل دون الوكيل.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه والآخر لا يصح من الوكيل الإقرار عن الموكل
بحال ولا يصح الوكالة في ذلك.
لنا أنه لا مانع منه، والأصل جواز ذلك والمنع منه يفتقر إلى دليل وقوله (صلى الله عليه وآله) المؤمنون
عند شروطهم يدل على ذلك (5).
والوكيل مؤتمن لا ضمان عليه إلا أن يتعدى.
ومطلق الوكالة بالبيع يقتضي أن يبيع بثمن المثل من نقد البلد حالا فإن خالف لم يصح
البيع، لأنه لا خلاف في صحته مع حصول ما ذكرناه، وليس على صحته إذا لم يحصل دليل (6)
وبه قال الشافعي، ومالك.
وقال أبو حنيفة: لا يقتضي الإطلاق الحلول، ولا نقد البلد، ولا عوض المثل، فإذا باعه

1 - الخلاف: 3 / 341 مسألة 1.
2 - الغنية: 268 - 269.
3 - الخلاف 3 / 343 مسألة 4.
4 - الغنية: 269.
5 - الخلاف: 3 / 343 مسألة 5.
6 - الغنية: 269.
328

بخلاف ذلك صح، حتى قال: لو أن السلعة تساوي ألوفا، فباعها بدانق إلى أجل، صح بيعه (1).
وإذا اشترى الوكيل وقع الملك للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل، ولهذا لو وكله
على شراء من يعتق عليه فاشتراه لم ينعتق (2) بالإجماع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يدخل أولا في ملك الوكيل ثم ينتقل الملك إلى الموكل.
لنا لو دخل في ملك الوكيل لانعتق عليه إذا اشترى من ينعتق عليه وخلافه مجمع عليه (3).
والوكالة عقد جائز من الطرفين، يجوز لكل واحد منهما فسخه، فإذا فسخه الوكيل وعزل
نفسه انفسخ - سواء كان موكله حاضرا أو غائبا - ولم يجز له بعد ذلك التصرف فيما وكل فيه.
ومتى أراد الموكل فسخه وعزل الوكيل، افتقر ذلك إلى إعلامه إن أمكن، وإن لم يمكن
فليشهد به، وإذا فعل ذلك انعزل الوكيل، ولم ينفذ تصرفه، وإن اقتصر [على] عزله من غير
إشهاد، أو على الإشهاد من غير إعلام - وهو يتمكن - لم ينعزل، ونفذ تصرفه إلى أن يعلم (4)
ولأصحابنا روايتان إحداهما: أنه إذا عزله ينعزل في الحال وإن لم يعلمه وهو أحد قولي
الشافعي. والثانية أنه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل وهو قوله الثاني وبه قال أبو حنيفة.
لنا على صحة هذا القول: أن النهي لا يتعلق به حكم في حق المنهي إلا بعد حصول العلم
منه به ولهذا لما بلغ [121 / ب] أهل قبا أن القبلة قد حولت إلى الكعبة وهم في الصلاة داروا
وبنو على صلاتهم، ولم يؤمروا بالإعادة (5).
فإن اختلف في الإعلام، فعلى الوكيل البينة فإن فقد [ت] فعلى الوكيل اليمين أنه ما علم
بعزله، فإن حلف مضى ما فعله، وإن نكل عن اليمين، بطلت وكالته من وقت قيام البينة بعزله.
وتنفسخ الوكالة بموت الموكل، أو عتقه للعبد الذي وكل في بيعه، أو بيعه له قبل بيع
الوكيل بلا خلاف (6).
إذا وكل رجلا في كل قليل وكثير، لم يصح ذلك، لأن في ذلك غرر، وبه قال جميع الفقهاء
إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: يصح (7).
إذا وكل رجلا في بيع ماله، فباعه، كان للوكيل والموكل المطالبة بالثمن. وفاقا للشافعي.

1 - الخلاف: 3 / 348 مسألة 10.
2 - الغنية 269.
3 - الخلاف: 3 / 351 مسألة 18.
4 - الغنية 269.
5 - الخلاف: 3 / 342 مسألة 3.
6 - الغنية: 269.
7 - الخلاف: 3 / 350 مسألة 14.
329

وقال أبو حنيفة: للوكيل المطالبة دون الموكل.
لنا أنه قد ثبت أن الثمن للموكل دون الوكيل، ويدخل في ملكه في مقابلة المبيع، فينبغي
أن يكون له المطالبة به (1).
إذا قال: إن قدم الحاج، أو جاء رأس الشهر، فقد وكلتك في البيع، لا يصح لأنه لا دلالة
على صحته. وفاقا للشافعي وخلافا لأبي حنيفة (2).
وإذا وكل صبيا في بيع أو شراء، لم يصح. ولا يصح تصرفه إن تصرف. وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة يصح توكيله، وإذا تصرف صح تصرفه إذا كان يعقل ما يقول،
ولا يفتقر ذلك إلى إذن وليه (3).
لا يصح إبراء الوكيل من دون الموكل، من الثمن الذي على المشتري. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح إبراء الوكيل بغير إذن موكله.
لنا أن الإبراء تابع للملك، والوكيل لا يملك الثمن لأنه لا يملك هبته بلا خلاف، فلا يصح
منه الإبراء (4).
إذا وكل رجلا في تثبيت حد القذف، أو القصاص عند الحاكم، وإقامة البينة عليه،
فالتوكيل صحيح، بدلالة عموم الأخبار في جواز التوكيل وبه قال جميع الفقهاء إلا أبا يوسف،
فإنه قال: لا يصح التوكيل في تثبيت الحد بحال (5).
يصح التوكيل في استيفاء الحدود التي للآدميين وإن لم يحضر الموكل لأن الأصل جوازه
ولا مانع منه.
ولأصحاب الشافعي ثلاث طرق: فذهب أبو إسحاق المروزي، إلى أن الصحيح ما ذكره
في كتاب الجنايات من أن التوكيل يصح مع غيبة الموكل. ومنهم من قال: الصحيح أنه يعتبر
حضور الموكل. ومنهم من يقول بقولين.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل.
واستدل من اعتبر حضور الموكل بقوله (عليه السلام): ادرؤوا الحدود بالشبهات، قال: وفي هذا
الحد شبهة لأنه لا يدري الوكيل هل عفى عن هذا القصاص الموكل أو لم يعف (6).

1 - الخلاف: 3 / 350 مسألة 16.
2 - الخلاف: 3 / 354 مسألة 23.
3 - الخلاف: 3 / 353 مسألة 21.
4 - الخلاف: 3 / 351 مسألة 17.
5 - الخلاف: 3 / 344 مسألة 6.
6 - الخلاف: 3 / 344 مسألة 7.
330

الإقرار
فصل في الإقرار
لا يصح الإقرار على كل حال [122 / أ] إلا من مكلف غير محجور عليه لسفه أورق،
فلو أقر المحجور عليه للسفه بما يوجب حقا في ماله، لم يصح، ويقبل إقراره فيما يوجب حقا
على بدنه، كالقصاص والقطع والجلد.
ولا يقبل إقرار العبد على مولاه بما يوجب حقا في ماله، من قرض أو أرش جناية، بل
يلزم ذلك في ذمته يطالب به إذا أعتق إلا أن يكون مأذونا له في التجارة، فيقبل إقراره بما يتعلق
بها خاصة، نحو أن يقر بثمن مبيع، أو أرش عيب، أو ما أشبه ذلك، ولا يقبل إقراره بما يوجب
حقا على بدنه (1) مثل القصاص والقطع والجلد، وقال جميع الفقهاء: يقبل إقراره (2)، وإذا أقر
بالسرقة، لا يقبل إقراره، ولا يقطع، وعند الفقهاء يقبل ويقطع، ولا يباع في المال المسروق.
وللشافعي فيه قولان (3).
لنا أن في إقراره حقا على بدنه إتلافا لمال الغير وهو السيد، وذلك لا يجوز، ومتى صدقه
السيد قبل إقراره في جميع ذلك بلا خلاف.
ويصح إقرار المحجور عليه لفلس (4) وذلك إذا أقر بدين وزعم أنه كان عليه قبل الحجر
قبل إقراره وشارك الغرماء وهو اختيار الشافعي، وله قول آخر وهو أن يكون في ذمته يقضي
من الفاضل من دين غرمائه وقد مر ذكره في فصل الحجر (5).

1 - الغنية: 270.
2 - الخلاف: 3 / 371 مسألة 17.
3 - الخلاف: 3 / 371 مسألة 18.
4 - الغنية 270.
5 - ص 391.
331

ويصح إقرار المريض للوارث وغيره، وهو أحد قولي الشافعي: والقول الآخر أنه
لا يصح. وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال أبو إسحاق المروزي: يصح إقراره.
لنا بعد إجماع الإمامية أنه لا دليل على بطلانه ومن منع صحته فعليه الدليل، وأيضا
قوله تعالى: {وكونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} (1) والشهادة على
النفس هي الإقرار ولم يفصل وعلى من ادعى التخصيص الدليل.
ويصح الإقرار المبهم مثل أن يقول: لفلان علي شئ، ولا تصح الدعوى المبهمة، لأنا إذا
رددنا الدعوى المبهمة، كان للمدعي ما يدعوه إلى تصحيحها وليس كذلك الإقرار، لأنا إذا
رددناه لا نأمن أن لا يقر ثانيا.
والمرجع في تفسير المبهم إلى المقر، ويقبل تفسيره بأقل ما يتمول في العادة، وإن لم يفسر
جعلناه ناكلا، ورددنا اليمين على المقر له ليحلف على ما يقول ويأخذه، فإن لم يحلف فلا حق له.
وإذا قال: له علي مال عظيم، أو جليل، أو نفيس، أو خطير، لم يقدر ذلك بشئ، ويرجع
في تفسيره إلى المقر، ويقبل تفسيره بالقليل والكثير (2) وفاقا (3) للشافعي واختلف أصحاب
أبي حنيفة فيه، فمنه ما في البداية أنه لا يصدق في أقل من مأ [تي] درهم. ومنهم من قال: لا يقبل
بأقل من عشرة دراهم وهي مقدار نصاب القطع عندهم. ومنهم من قال: لا يقبل أقل من مأتي
درهم، مقدار نصاب الزكاة (4)، وقال أبو عبد الله الجرجاني: نص أبو حنيفة على ذلك، وقال:
إذا أقر بأموال عظيمة يلزمه ستمائة درهم (5).
لنا أنه لا دليل على مقدار معين والأصل براءة الذمة وما يفسر به مقطوع عليه، فوجب
الرجوع إليه، ويحتمل أن يكون أراد به أنه عظيم من جهة المظلمة عند الله، وأنه نفيس جليل
عند الضرورة إليه وإن كان قليل المقدار، وإذا احتمل ذلك وجب أن يرجع إليه في تفسيره،
وقوله (عليه السلام): لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه، يقتضي أن لا يؤخذ منه أكثر مما
يفسر به.
وإذا قال: له علي مال كثير، كان إقرارا بثمانين (6) وفي البداية لا يصدق في أقل من
عشرة (7) وفي الخلاصة يقبل منه إذا فسر بثلاثة وبه قال مالك لنا بعد إجماع الإمامية، الرواية

1 - النساء: 135.
2 - الغنية: 270.
3 - الخلاف: 3 / 359 مسألة 1.
4 - الهداية في شرح البداية: 3 / 278.
5 - الخلاف: 3 / 359 مسألة 1.
6 - الغنية 371.
7 - الهداية في شرح البداية: 3 / 179.
332

التي وردت أن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين.
وما روي في تفسير قوله تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} (1) أنها كانت
ثمانين موطنا (2).
وإذا قال: له علي ألف ودرهم، لزمه درهم، ويرجع في تفسير الألف إليه لأنه مبهم،
فيجب أن يرجع إليه في تفسيره وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن عطف على الألف من المكيل والموزون كان ذلك تفسيرا للألف،
وإن عطف عليها غير المكيل والموزون لم يكن تفسيرا لها. (3)
لنا أن الأصل براءة الذمة وقوله [ودرهم] زيادة معطوفة على الألف، وليست بتفسير
لها، لأن المفسر لا يكون بواو العطف، وكذا الحكم لو قال: ألف ودرهمان، فأما إذا قال: ألف
وثلاثة دراهم، أو ألف وخمسون درهما، أو خمسون وألف درهم، فالظاهر أن الكل دراهم،
لأن ما بعده تفسير، وكذا لو قال خمسة وعشرون درهما (4) وفي الخلاصة أن الخمسة دراهم
للعادة أو لأن الأكثر يستبع الأقل وفيه أيضا لو قال لفلان علي أكثر مما في يدي، وفي يده مائة
دينار ثم فسر الإقرار بدرهم واحد قبل إذ قد يريد كثرة البركة بكونه حلالا وإنما قلنا إن
ما بعده تفسير لأن الزيادة الثانية معطوفة بالواو على الأول فصار بمنزلة جملة واحدة فإذا جاء
بعد ذلك التفسير وجب أن يكون راجعا إلى الجميع وليس كذلك ألف ودرهم أو ألف ودرهمان
لأن ذلك زيادة وليس بتفسير ولا يجوز أن يجعل الزيادة في العدد تفسيرا، ولأن التفسير
لا يكون بواو العطف وهذا مذهب أكثر أصحاب الشافعي وقال الإصطخري إن التفسير يرجع
إلى ما يليه والأول على إبهامه وعلى هذا قال لو قال بعتك بمئة وخمسين درهما كان البيع باطلا
لأن بعض الثمن مجهول.
وإذا قال [123 / أ]: له علي عشرة إلا درهما، كان إقرارا بتسعة، فإن قال: إلا درهم،
بالرفع كان إقرارا بعشرة، لأن المعنى غير درهم، وإن قال: ماله علي عشرة إلا درهما، لم يكن
مقرا بشئ لأن المعنى ماله علي تسعة، ولو قال: ماله علي عشرة إلا درهم، كان إقرارا
بدرهم، لأن رفعه بالبدل من العشرة، فكأنه قال: ماله علي إلا درهم.

1 - التوبة: 25.
2 - الغنية 271.
3 - الخلاف: 3 / 362 مسألة 4.
4 - الغنية 271 - 272.
333

وإذا قال له: علي عشرة إلا ثلاثة إلا درهما، كان الإقرار بثمانية، لأن المراد إلا ثلاثة
لا يجب إلا درهما من الثلاثة يجب، لأن الاستثناء من الإيجاب نفي، ومن النفي إيجاب، واستثناء
الدرهم يرجع إلى ما يليه فقط، ولا يجوز أن يرجع إلى جميع ما تقدم، لسقوط الفائدة وإذا كان
الاستثناء الثاني معطوفا على الأول كانا جميعا راجعين إلى الجملة الأولى، فلو قال: علي
عشرة إلا ثلاثة وإلا درهما، كان إقرارا بستة (1).
وفي الخلاصة ولو قال: له علي عشرة إلا سبعة إلا ثلاثة، وجبت ستة لأن معناه إلا
سبعة لا يجب إلا ثلاثة من السبعة يجب لأن الاستثناء من النفي إثبات كما قلنا في المسألة الأولى
ولو قال إلا سبعة وإلا ثلاثة، بالواو وجبت العشرة على الصحيح بخلاف ما قلنا في المسألة
الثانية وإذا قال: لفلان علي درهم ودرهم إلا درهما فإنه يلزمه درهم واحد لأنه بمنزلة أن يقول له علي درهمان، إلا درهما وقال الشافعي أيضا أنه يلزمه درهمان، وفي أصحابه من
قال: يصح الاستثناء ويلزمه درهم واحد.
" وإذا استثنى بما لا يبقى معه شئ كان باطلا، لأنه يكون بمنزلة الرجوع عن الإقرار
وإذا استثنى بمجهول القيمة كقوله: علي عشرة إلا ثوبا، فإن فسر قيمته بما يبقى معه من العشرة
شئ، وإلا كان باطلا (2) وفاقا للشافعي وغيره (3).
ويجوز استثناء الأكثر من الأقل بلا خلاف إلا من ابن درستويه النحوي (4) وابن حنبل،
ويدل على صحته قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من
الغاوين} وقال حكاية عن إبليس: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم
المخلصين} (5) ولا بد أن يكون أحد الفريقين أكثر من الآخر.
وإذا قال: علي كذا درهم بالرفع لزمه درهم، لأن التقدير هو درهم، أي الذي أقررت به
درهم، وإن قال: كذا درهم، بالخفض، لزمه مئة درهم، لأن ذلك أقل عدد يخفض ما بعده (6)
وبه قال محمد بن الحسن، وقال الشافعي: يلزمه أقل من درهم، ويفسره بما شاء، ومن

1 - الغنية: 272.
2 - الغنية: 272.
3 - الوجيز: 1 / 201.
4 - أبو محمد، عبد الله بن جعفر، الفسوي النحوي، أخذ عن ابن قتيبة والمبرد، وأخذ عنه الدارقطني وغيره، ولد في سنة
(258)، وتوفي سنة (347) ببغداد. وفيات الأعيان: 3 / 44 رقم 329.
5 - ص: 82 - 83.
6 - الغنية 272 - 273.
334

أصحابه من قال: يلزمه درهم واحد (1) لنا أن كذا كناية عن العدد والمضاف إليه مفسره
[123 / ب] وأقل من درهم ليس بعدد وإنما هو كسور.
وإن قال كذا درهما، لزمه عشرون درهما، لأن ذلك أقل عدد ينتصب ما بعده، وإذا
قال: كذا درهما، لزمه أحد عشر درهما لأن ذلك أقل عددين ركبا وينتصب ما بعدهما (2)
وبهما قال محمد بن الحسن، وقال الشافعي: يلزمه فيهما درهم واحد (3).
وإن قال: كذا وكذا درهما، كان إقرارا بأحد وعشرين درهما لأن ذلك أقل عددين
عطف أحدهما على الآخر وينتصب الدرهم بعدهما (4)، وبه قال محمد بن الحسن، وللشافعي
فيه قولان أحدهما يلزمه درهم واحد والثاني يلزمه درهمان (5).
وإن أقر بشئ وأضرب عنه واستدرك غيره فإن كان مشتملا على الأول بأن يكون من
جنسه وزائدا عليه وغير متعين لزمه دون الأول، كقوله: له علي درهم لا بل درهمان، لأن
قوله " لا بل " إضراب عن الأول واقتصار على الثاني (6)، وبه قال الشافعي، وقال زفر وداود:
يلزمه ثلاثة دراهم (7)، وإن كان ناقصا عنه، لزمه الأول دون الثاني، كقوله: له علي عشرة لا
بل تسعة لأنه أقر بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه، وفارق ذلك ما إذا قال: له
علي عشرة إلا درهما، لأن عن التسعة عبارتين: إحداهما لفظة التسعة، والأخرى لفظة
العشرة، مع استثناء الواحد، فبأيهما أتى فقد عبر عن التسعة.
وإن كان ما استدركه من غير جنس الأول كقوله: له علي درهم لا بل دينار، أو قفيز
حنطة، لا بل قفيز شعير، لزمه الأمران معا، لأن ما استدركه لا يشتمل على الأول، فلا يسقط
برجوعه عنه، وإن كان ما أقر به أولا وما استدركه غير متعينين بالإشارة إليهما أو بغيرهما مما
يقتضي التعريف، لزمه أيضا الأمران، سواء كانا من جنس واحد، أو من جنسين، أو
متساويين في المقدار، أو مختلفين، لأن أحدهما - والحال هذه - لا يدخل في الآخر، فلا يقبل
رجوعه عما أقر به أولا، كقوله: هذا الدرهم لفلان لا بل هذا الدينار، أو هذه الجملة من
الدراهم لا بل هذه الأخرى.

1 - الخلاف: 3 / 367 مسألة 11.
2 - الغنية: 273.
3 - الخلاف: 3 / 366 مسألة 8 - 9.
4 - الغنية: 273.
5 - الخلاف: 3 / 366 مسألة 10.
6 - الغنية: 273.
7 - الخلاف: 3 / 373 مسألة 20.
335

وإذا قال: له علي ثوب في منديل، لم يدخل المنديل في الإقرار، لأنه يحتمل أن يريد في
منديل لي (1) وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يكون إقرارا بهما (2).
لنا أنه لا يلزم من الإقرار إلا المتعين دون المشكوك فيه، لأن الأصل براءة الذمة.
وإذا قال: له علي ألف درهم وديعة، قبل منه، لأن لفظة (علي) للإيجاب، وكما يكون
الحق في ذمته، فيجب عليه تسليمه بإقراره، كذلك يكون في يده فيجب عليه رده وتسليمه
إلى المقر له بإقراره.
ولو ادعى التلف بعد الإقرار قبل منه [124 / أ]، لأنه لم يكذب إقراره، وإنما ادعي تلف
ما أقر به بعد ثبوته بإقراره، بخلاف ما إذا ادعى التلف وقت الإقرار، بأن يقول: كان عندي
أنها باقية فأقررت لك بها وكانت تالفة في ذلك الوقت، فإن ذلك لا يقبل منه، لأنه يكذب
وإقراره المتقدم، من حيث كان تلف الوديعة من غير تعد يسقط حق المودع.
وإذا قال: له علي ألف درهم إن شئت، لم يكن إقرارا، لأن الإقرار إخبار عن حق
واجب سابق له، وما كان كذلك لم يصح تعليقه بشرط مستقبل.
وإذا قال: له من ميراثي من أبي ألف درهم، لم يكن إقرارا، لأنه أضاف الميراث إلى
نفسه، ثم جعل له جزءا منه، ولا يكون له جزء من ماله إلا على وجه الهبة (3) وبه قال الشافعي
وأصحابه (4).
ولو قال: [له] من ميراث أبي ألف، كان إقرارا بدين في تركته، وكذا لو قال: داري هذه
لفلان، لم يكن إقرارا، لمثل ما قدمناه.
ولو قال: هذه الدار التي في يدي لفلان، كان إقرارا، لأنهما قد تكون في يده بإجارة أو
عارية، أو غصب.
ويصح إقرار المطلق للحمل، لأنه يحتمل أن يكون من جهة صحيحة، مثل ميراث أو
وصية، لأن الميراث يوقف له، ويصح الوصية له، والظاهر من الإقرار: الصحة، فوجب حمله
عليه.
ومن أقر بدين في حال صحته، ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه صح، ولا يقدم

1 - الغنية: 273 - 274.
2 - الخلاف: 3 / 365 مسألة 7.
3 - الغنية 274 - 275، الوجيز: 1 / 199.
4 - الخلاف: 3 / 365 مسألة 7.
336

دين الصحة على دين المرض إذا ضاق المال عن الجميع، بل يقسم على قدر الدينين (1) وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا ضاق المال، قدم دين الصحة على دين المرض، فإن فضل شئ
صرف إلى دين المرض.
لنا قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} (2) ولم يفضل أحد الدينين على
الأخر والأصل تساويهما في الاستيفاء، من حيث تساويا في الاستحقاق، وعلى من ادعى
تقديم أحدهما على الآخر الدليل (3).
يصح الإقرار للوارث في حال المرض. وبه قال أبو ثور (4) والحسن البصري، وهو أحد
قولي الشافعي. والآخر أنه لا يصح. وبه قال أبو حنيفة. ومالك وأحمد (5).
وإذا قال لفلان علي ألف درهم، فجاء بألف، فقال: هذه التي أقررت لك بها كانت لك
عندي وديعة، كان القول قوله. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يكون ذلك للمقر له، وله
أن يطالبه بالألف التي أقر بها.
لنا الأصل برأة الذمة ولا يعلق عليها شئ إلا بدليل (6).
إذا أقر لرجل يوم السبت بدرهم، ثم قال يوم الأحد: له علي درهم. لم يلزمه إلا درهم
واحد [124 / ب]، ويرجع إليه في التفسير. وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يلزمه
درهمان.
لنا أن الأصل براءة الذمة ويحتمل أن يكون ذلك تكرارا وإخبارا عن الدرهم
المتقدم (7).
وإذا قال: له علي من درهم إلى عشرة لزمه تسعة. لأن لفظ (من) للابتداء كما إذا قال:
سرت من الكوفة إلى البصرة. والحد هو العشرة، فيحتمل أن تكون داخلة فيه، وأن لا يكون
كذلك، فلا يلزمه إلا اليقين. وبه قال بعض أصحاب الشافعي. ومنهم من قال: يلزمه ثمانية

1 - الغنية: 175.
2 - النساء: 11.
3 - الخلاف: 3 / 367 مسألة 12.
4 - صاحب الشافعي، إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي، كان أحد الفقهاء توفي سنة (246) ببغداد ودفن بمقبرة
الكناس. وفيات الأعيان: 1 / 26 رقم 2.
5 - الخلاف: 3 / 368 مسألة 13.
6 - الخلاف: 3 / 372 مسألة 19.
7 - الخلاف: 3 / 374 مسألة 21.
337

لأنه جعل الأول والعاشر حدا والحد لا يدخل في المحدود. ومنهم من قال: يلزمه العشرة لأن
(من) للابتداء، وهو داخل، والعشرة حد، وهو داخل في المحدود (1).
إذا مات رجل وخلف ابنين، فأقر أحدهما بأخ ثالث، وأنكر الآخر، فلا خلاف أنه
لا يثبت نسبه، وإنما الخلاف في أنه يشارك في المال أم لا فعندنا أنه يشاركه ويلزمه أن يرد
عليه ثلث ما في يده. وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: يشاركه بالنصف مما في يده، لأنه يقر
بأنه يستحق من المال مثل ما يستحقه، فوجب أن يقاسمه المال. وقال الشافعي لا يشاركه في
شئ مما في يده (2).

1 - الخلاف: 3 / 374 مسألة 22.
2 - الخلاف: 3 / 378 مسألة 29.
338

العارية
فصل في العارية
العارية على ضربين: مضمونة وغير مضمونة، فالمضمونة العين والورق على كل حال،
وما عداهما بشرط التضمين أو التعدي، وغير المضمونة ما عدا ما ذكرناه (1).
وفي مسائل الخلاف للشيخ: العارية أمانة غير مضمونة، إلا أن يشرط صاحبها الضمان،
أو يتعدى فيها، فيجب عليه الضمان، وبه قال أبو حنيفة ومالك والحسن البصري إلا أنهم لم
يضمنوها بالشرط. وقال الشافعي: هي مضمونة، شرط ضمانها أو لم يشرط، تعدي فيها أو لم
يتعد. تمسك بقوله (عليه السلام) العارية مضمونة، قال الشيخ: ويدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع
الفرقة وأخبارهم ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ليس على
المستعير غير المغل ضمان (2).
وإذا اختلف المالك والمستعير في المضمونين والتعدي، وفقدت البينة، فعلى المستعير
اليمين، وإذا اختلفا في مبلغ العارية أو قيمتها، أخذ ما أقر به المستعير وكان القول قول المالك مع
يمينه فيما زاد (3) لأنه أعرف به، وقيل: القول قول المستعير لأنه المنكر (4).
وإذا اختلف مالك الدابة وراكبها، فقال المالك: آجرتكها، أو غصبتنيها، وقال الراكب:
بل أعرتنيها، فالقول قول الراكب مع يمينه [125 / أ]، وعلى المالك البينة، لأن الأصل براءة
الذمة، والمالك يدعي الضمان بالغصب [أ]، والأجرة بالكراء (5) فعليه البينة. وللشافعي فيه

1 - الغنية 276.
2 - الخلاف: 3 / 387 مسألة 1.
3 - الغنية: 276.
4 - السرائر: 2 / 431.
5 - الغنية: 276.
339

قولان: أحدهما ما قلناه وهو أن القول قول الراكب لأن المنفعة تلفت في يده ثم فائدة يمينه نفي
ما يدعي، عليه من أجرة أو غصب لا إثبات ما يدعيه وهو من إعارة. والثاني أن القول قول
المالك مع يمينه لأن الأصل عدم إذنه وإنما يفيد يمينه نفي ما يدعي الراكب، لا إثبات ما يدعى
المالك (1).
وكذلك الحكم إذا اختلف مالك الأرض وزارعها.
وإذا استعار من غيره دابة ليحمل عليها وزنا معينا، فحمل أكثر منه، أو ليركبها إلى
مكان معين فتعداه كان متعديا ولزمه الضمان ولو ردها إلى المكان المعين، بلا خلاف.
وإذا أذن مالك الأرض للمستعير للغراس أو البناء، فزرع، جاز، لأن ضرر الزرع
أخف من ضرر ما أذن له فيه، ولا يجوز له الغراس والبناء إذا أذن في الزرع، لأن ضرر ذلك
أكثر والإذن في القليل لا يكون إذنا في الكثير، وكذا لا يجوز أن يزرع الدخن أو الذرة إذا أذن له
في زرع الحنطة، لأن ضرر ذلك أكثر، ويجوز أن يزرع الشعير لأن ضرره أخف.
وإذا أراد مستعير الأرض للغراس أو البناء قلعه كان له ذلك، لأنه عين ماله وإذا لم
يقلعه وطالبه المعير بالقلع بشرط أن يضمن له أرش النقص - وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا -
أجبر المستعير على ذلك، لأنه لا ضرر عليه فيه، وليس للمستعير أن يطالب بالتبقية بشرط
أن يضمن أجرة الأرض، فإن طالبه المعير، بالقلع من غير أن يضمن أرش النقصان، لم يجبر
عليه (2).
وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: يجبر على ذلك. وإن لم يضمن (3).
وفي الخلاصة: من استعار أرضا للبناء والغراس الذي لا ينقل فمهما قلعه المالك غرم له
أرش القلع، سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة بسنة، وسواء بعد مضي المدة أو قبلها، لأن
البناء والغراس للتأبيد وإنما لا يغرم إذا قيد ب‍.... القطع ثم لا يكلفه القلع قبل الميعاد (4).
وفي البداية: إذا استعار أرضا ليبني فيها، أو ليغرس فيها جاز وللمعير أن يرجع فيها
ويكلفه قلع البناء والغرس (5).
ثم إن وقت العارية فلا ضمان عليه وإن رجع قبل الوقت ضمن (6) لنا على ما قلناه ما روي

1 - الخلاف: 3 / 388 مسألة 3.
2 - الغنية: 276 - 277.
3 - الخلاف: 3 / 391 مسألة 9.
4 - الخلاصة.
5 - الهداية في شرح البداية: 3 / 220.
6 - الهداية في شرح البداية 3 / 220.
340

عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من بنى في رباع قوم بإذنهم فله قيمته، ولأنا أجمعنا على أن له
قلعه [125 / ب] مع ضمان النقصان، ولا دليل على جواز ذلك مع عدمه (1).
وأما إن أذن إلى مدة معلومة، ثم رجع قبل مضيها، وطالب بالقلع، فإن ذلك لا يلزمه إلا
بعد أن يضمن الأرش بلا خلاف.
وإذا أعار شيئا بشرط الضمان، فرده المستعير إليه أو إلى وكيله، برئ من ضمانه، ولا يبرأ
إذا رده إلى ملكه، مثل أن يكون دابة فيشدها في إصطبل صاحبها (2)، وبه قال الشافعي. وقال
أبو حنيفة: يبرأ لأن العادة هكذا جرت في رد العواري إلى الأملاك، فيكون بمنزلة المأذون من
طريق العادة (3).
لنا أن الأصل شغل ذمته هاهنا، ومن ادعى أن ذلك يبرئ ذمته فعليه الدليل (4).
إذا تعدي المودع في إخراج الوديعة من حرزه فانتفع به، ثم رده‍ [- ا] إلى موضع‍ [- ها]،
فإن الضمان لا يزول بالتعدي (5) ووجب عليه الضمان بلا خلاف، ولا دليل على أن الضمان يزول
عنه بالرد إلى موضعه وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يزول عنه لأنه مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات وإذا خالف في
جهة منها ثم رجع وعاد إلى الحفظ، كان متمسكا به على الوجه المأمور به، فينبغي أن يزول
الضمان عنه (6).
فصل في الغصب
من غصب شيئا له مثل - وهو ما تساوت قيمة أجزائه كالحبوب والأدهان والتمور وما
أشبه ذلك - وجب عليه رده بعينه، فإن تلف فعليه مثله، بدليل قوله تعالى: {فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (7) ولأن المثل يعرف مشاهدة، والقيمة يرجع
فيها إلى الاجتهاد، والمعلوم مقدم على المجتهد فيه، ولأنه إذا أخذ بمثله أخذ وفق حقه، وإذا
أخذ القيمة ربما زاد ذلك أو نقص.

1 - الخلاف: 3 / 391 مسألة 9.
2 - الغنية: 277.
3 - الخلاف: 3 / 388 مسألة 2.
4 - الغنية 277.
5 - كذا في النسخة وهو خطأ، والصواب بالرد، وفي الخلاف: بذلك.
6 - الخلاف: 3 / 389 مسألة 6.
7 - البقرة: 194.
341

فإن أعوز المثل أخذ القيمة، وإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة
فيها، كان له المطالبة بالقيمة حين القبض لا حين الإعواز (1) وإن كان قد حكم بها الحاكم حين
الإعواز - وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال محمد وزفر: عليه قيمة يوم الإعواز.
لنا أن الذي ثبت في ذمته هو المثل بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل،
وحكم الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها، فإذا كان الواجب المثل اعتبر بذل مثله حين قبض
البدل، ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله (2).
وإن غصب ما لا مثل له - ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه كالثياب والرقيق والخشب
والحطب والحديد والرصاص [126 / أ] والعقار وغير ذلك من الأواني وغيرها - وجب أيضا
رده بعينه، فإن تعذر ذلك بتلفه وجب قيمته (3)، وبه قال جميع الفقهاء، وقال عبيد الله بن
الحسن العنبري البصري (4): يضمن كل هذا بالمثل.
لنا أنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل، لأنه إن ساواه في القدر خالفه في الثقل، وإن ساواه
فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة، وما رواه ابن
عمر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أعتق شقصا له من عبد قوم عليه، فأوجب عليه الضمان بالقيمة
دون المثل (5).
ويضمن الغاصب ما يفوت من زيادة قيمة المغصوب فوات الزيادة الحادثة فيه لا بفعله،
كالسمن والولد وتعلم الصنعة والقرآن سواء كان رد المغصوب أو مات في يده (6) وفاقا
للشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يضمن شيئا من هذا أصلا، ويكون ما حدث في يده أمانة، فإن
تلف بغير تفريط فلا ضمان، وإن فرط في ذلك فعليه ضمانه (7).
لنا أن ذلك حادث في ملك المغصوب منه، لأنه لم يزل بالغصب، وإذا كان كذلك فهو
مضمون على الغاصب، لأنه حال بينه وبينه (8).
وأما زيادة القيمة لارتفاع السوق، فغير مضمون مع الرد، لأن الأصل براءة الذمة،

1 - الغنية: 278.
2 - الخلاف: 3 / 395 مسألة 1.
3 - الغنية: 278 - 279.
4 - القاضي، روى عن: خالد الحذاء، وداود بن أبي هند وسعيد الجريري. وروى عنه: إسماعيل بن سويد، وخالد بن
الحارث وغيرهما ولد سنة (106) وولي القضاء سنة (157) وتوفي سنة (168). تهذيب الكمال: 19 / 23 رقم 3627.
5 - الخلاف: 3 / 396 مسألة 2.
6 - الغنية: 279.
7 - الخلاف: 3 / 401 مسألة 10.
8 - الغنية: 279.
342

وشغلها يفتقر إلى دليل، فإن لم يرد حتى هلكت العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين
الغصب إلى حين التلف (1) وفاقا لمذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم الغصب
ولا اعتبار بما زاد بعده أو نقص.
لنا أنه مأمور برده إلى مالكه في كل زمان يأتي عليه وكل حال كان مأمورا برد الغصب
فيها، لزمه قيمته في تلك الحال مثل حال الغصب (2).
وإذا صبغ الغاصب الثوب بصبغ يملكه، فزادت لذلك قيمته، كان شريكا له فيه بمقدار
الزيادة فيه، وله قلع الصبغ لأنه عين ماله، بشرط أن يضمن ما ينقص من قيمة الثوب، لأن
ذلك يحصل بجنايته (3) وبه قال الشافعي وأصحابه.
وقال المزني: ليس للغاصب قلع الصبغ، لأنه لا منفعة له فيه سواء كان الصبغ أسود
أو أبيض.
وقال أبو حنيفة: إن كان مصبوغا بغير سواد فرب الثوب بالخيار بين أن يسلمه إلى
الغاصب ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يأخذ هو ويعطيه قيمة صبغه. وإن كان مصبوغا
بالسواد فهو بالخيار بين أن يسلمه إلى الغاصب ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يسمكه
مصبوغا ولا شئ للغاصب عليه.
وقال أبو يوسف: الصبغ بالسواد وغيره سواء (4) [126 / ب].
ولو ضرب النقرة دراهم، والتراب لبنة، ونسج الغزل ثوبا، وطحن الحنطة، وخبز
الدقيق، فزادت القيمة بذلك، لم يكن له شئ ولم يملكه (5) وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله ملكه،
فاعتبر ثلاث شرائط زوال الاسم، والمنفعة المقصودة، وأن يكون ذلك بفعله، فإذا فعل هذا
ملك، ولكن يكره له التصرف فيه قبل [دفع] قيمته إليه.
لنا أن ما فعله للغاصب آثار أفعال وليست بأعيان أموال، ولا يدخل المغصوب بشئ
من ذلك في ملك الغاصب، ولا يجبر صاحبه على أخذ القيمة، لأن الأصل ثبوت ملك
المغصوب منه، ولا دليل على زواله بعد التغيير. وقال (عليه السلام): على اليد ما أخذت حتى تؤدي،

1 - الغنية: 279.
2 - الخلاف: 3 / 415 مسألة 29.
3 - الغنية 279.
4 - الخلاف: 3 / 406 مسألة 19.
5 - الغنية: 279 - 280.
343

وقال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه (1).
ومن غصب زيتا فخلطه بأجود منه، فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من ذلك، ويلزم
المغصوب منه قبوله، لأنه تطوع له بخير من زيته وبين أن يعطيه مثله من غيره، لأنه صار
بالخلط كالمستهلك.
ولو خلطه بأردأ منه لزمه أن يعطيه من غير ذلك، مثل الزيت الذي غصبه، ولا يجوز أن
يعطيه منه بقيمة زيته الذي غصب، لأن ذلك ربا.
وإن خلطه بمثله، فالمغصوب منه شريكه فيه، يملك مطالبته بقسمته.
ومن غصب حبا فزرعه، أو بيضة فأحضنها، فالزرع والفرخ لصاحبهما دون الغاصب،
لأنا قد بينا أن المغصوب لا يدخل في ملك الغاصب بتغييره، وإذا كان باقيا على ملك صاحبه
فما تولد منه ينبغي أن يكون له دون الغاصب، ومن أصحابنا من اختار القول بأن الزرع
والفرخ للغاصب وعليه القيمة، لأن عين الغصب تالفة، والمذهب الأول (2).
واختار الشيخ في الخلاف المذهب الثاني وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: هما معا
للمغصوب منه. قال المزني: الفروج للمغصوب منه، والزرع للغاصب (3).
ومن غصب ساجة فأدخلها في بنائه لزمه ردها وإن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه،
وكذا لو غصب لوحا فأدخله في سفينة ولم يكن في رده هلاك ماله حرمة، وعلى الغاصب أجرة
مثل ذلك من حين الغصب إلى حين الرد لأن الخشب يستأجر للانتفاع (4) وبه قال الشافعي،
وحكى محمد في الأصول أنه متى كان عليه ضرر في ردها لم يلزمه ردها، وقال الكرخي
مذهب أبي حنيفة أنه إن لم يكن في ردها قلع ما بناه في حقه - مثل أن [127 / أ] بنى على بدن
الساجة - لزمه ردها، وإن كان في ردها قلع ما بناه في حقه - مثل أن كان البناء مع طرفيها
ولا يمكنه ردها إلا بقلع هذا - لم يلزمه ردها.
وتحقيق الكلام معهم: هل يملكها بذلك أم لا فعنده أنه قد ملكها، كما قال: إذا غصب
شاة، فذبحها وشواها، أو حنطة فطحنها، فعندنا وعند الشافعي لم يملكها (5).
وكل منفعة يملك بعقد الإجارة، كمنافع الدار والدابة والعبد وغير ذلك فإنها تضمن

1 - الخلاف: 3 / 407 مسألة 20.
2 - الغنية 280.
3 - الخلاف: 3 / 420 مسألة 38.
4 - الغنية: 280 - 281.
5 - الخلاف: 3 / 408 مسألة 22.
344

بالغصب وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تضمن المنافع بالغصب بحال، فإن غصب أرضا فزرعها بيده كانت
الغلة له، ولا أجرة عليه إلا أن ينقص الأرض بذلك، فيكون عليه نقصان ما نقص، وزاد على
هذا فقال: لو آجرها فله أجرتها، دون مالكها (1).
في البداية: الغصب فيما ينقل ويحول، وإذا غصب عقارا فهلك في يده لم يضمنه عند أبي
حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: يضمنه، وما نقص منه بفعله وسكناه ضمنه في قولهم
جميعا (2).
لنا قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (3)
والمثل يكون من حيث الصورة، وحيث القيمة وإذا لم يكن للمنافع مثل من حيث الصورة،
وجبت القيمة.
وإذا غصب أرضا فزرعها ببذر من ماله، أو غرسها كذلك، فالزرع والشجر له، لأنه
عين ماله، وإن تغيرت صفته بالزيادة والنماء، وعليه الأجرة للأرض لأنه قد انتفع بها بغير
حق، فصار غاصبا للمنفعة، فلزمه ضمانها، وعليه أرش نقصانها إن حصل بها نقص، لأن ذلك
حصل بفعله.
ومتى قلع الشجر فعليه تسوية الأرض، وكذا لو حفر بئرا أجبر على طمها، وللغاصب
ذلك وإن كره مالك الأرض، لما في تركه من الضرر عليه لضمان ما يتردى فيها.
ومن حل دابة فشردت، أو فتح قفصا فذهب ما فيه، لزمه الضمان سواء كان ذلك عقيب
الحل أو الفتح، أو بعد أن وقفا، لأن ذلك كالسبب في الذهاب، ولولاه لما أمكن، ولم يحدث
سبب آخر من غيره، فوجب عليه الضمان.
ولا خلاف أنه لو حل رأس الزق فخرج ما فيه، وهو مطروح لا يمسك ما فيه غير الشد،
لزمه الضمان، ولو كان الزق قائما مستندا وبقي محلولا حتى حدث به ما أسقطه من ريح أو زلزلة
أو غيرهما، فاندفق ما فيه، لم يلزمه الضمان بلا خلاف، لأنه قد حصل هاهنا مباشرة وسبب من
غيره (4) وبه قال مالك.

1 - الخلاف: 3 / 402 مسألة 11.
2 - الهداية في شرح البداية: 3 / 297.
3 - البقرة: 194.
4 - الغنية 281.
345

وقال أبو حنيفة والشافعي: إذا وقفا ثم ذهبا لا ضمان عليه [127 / ب] وإذا ذهبا عقيب
الحل والفتح عليه الضمان في أحد قولي الشافعي، والأصح عندهم أن لا ضمان عليه، وبه قال
أبو حنيفة (1).
ومن غصب عبدا فأبق، أو بعيرا فشرد، فعليه قيمته، فإذا أخذها صاحب العبد
أو البعير ملكها بلا خلاف، ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد انفسخ الملك عن القيمة ووجب
ردها وأخذ العبد، لأن أخذ القيمة إنما كان لتعذر أخذ العبد والحيلولة بينه وبين مالكه، ولم
يكن عوضا على وجه البيع، لأنا قدمنا أن القيمة يتعجل هاهنا، وملك القيمة بدلا عن [ال‍] - عين
الفائتة بالإباق لا يصح على وجه البيع، لأن البيع يكون فاسدا عندنا وعند المخالف أيضا وعند
بعض المخالفين في هذه المسألة يكون موقوفا، فإن عاد العبد تسلمه المشتري، وإن لم يعد رد
البايع الثمن. ولما ملكت القيمة هاهنا - والعبد آبق ولم يجز الرجوع بها مع تعذر الوصول إلى
العبد - ثبت أن ذلك ليس على وجه البيع (2)، وبما قلنا في هذه المسألة قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا ملك صاحب العين - عبدا كان أو غيره - قيمتها ملكها الغاصب بها
وكانت القيمة عوضا عنها، فإن عادت العين إلى يد الغاصب نظرت، فإن كان المالك أخذ القيمة
بتراضيهما، أو ببينة ثبتت عند الحاكم، وحكم الحاكم بها، لم يكن للمالك سبيل إلى العين.
وإن كان المالك قد أخذ القيمة بقول الغاصب مع يمينه، لأنه الغارم نظرت، فإن كانت
القيمة مثلها أو أكثر فلا سبيل للمالك عليها، وإن كان أقل من قيمتها فللمالك رد القيمة
واسترجاع العين، لأن الغاصب ظلم المالك في قدر ما أخذه به من القيمة.
فالخلاف في فصلين: أحدهما: أن الغاصب بدفع القيمة ملك أم لا عندهم قد ملك.
والثاني: إذا ظهرت العين، فصاحبها أحق بها، وترد عليه، وعند أبي حنيفة لا ترد عليه.
لنا أنه قد ثبت أن العين كان ملكا لمالكها، فمن ادعى زواله إلى ملك غيره فعليه الدلالة (3).
إذا غصب ألف درهم من رجل، وألفا من آخر، فخلط الألفين، فالألفان شركة بين
المالكين، وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يملك الغاصب الألفين، ويضمن لكل
واحد منهما بدل ألفه، بناء منه على أصله في تغير الغصب في يد الغاصب.

1 - الخلاف: 3 / 411 مسألة 24.
2 - الغنية: 281 - 282.
3 - الخلاف: 3 / 412 مسألة 26.
346

لنا أن كل واحد من الألف كان ملكا لكل واحد منهما وزوال ذلك عن ملك المالك يحتاج
إلى دليل (1).
وإذا غصب عبدا، فمات في يده، فعليه قيمته، سواء كان قنا أو مدبرا أو أم ولد، وسواء
مات حتف أنفه أو لسبب [128 / أ] لأن طريقة الاحتياط تقتضيه وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة في غير أم الولد بقولنا، فأما أم الولد، فإن ماتت بسبب - مثل أن لدغتها
عقرب، أو سقط عليها حائط - فكما قلناه وإن ماتت حتف أنفها فلا ضمان عليه (2).
إذا غصب ما يجري فيه الربا مثل الأثمان والمكيل والموزون فجنى عليه جناية استقر
أرشها، مثل أن كان الغصب دنانير فسبكها، فاستقر نقصه، فعليه رده بعينه، وعليه ما نقص.
وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: المالك بالخيار بين أن يسلم العين المجني عليه إلى الغاصب، ويطالب
بالبدل، وبين أن يمسكها ولا شئ له.
لنا أن الخيار الذي أثبته أبو حنيفة يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه
والأصل بقاء عين ملكه وحصول الجناية عليها (3).
إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير، فأتلفه متلف، فلا ضمان عليه بلا خلاف مسلما كان
المتلف أو مشركا.
وإن كان في يد ذمي فأتلفه متلف مسلما كان أو ذميا، فعليه ضمانه، وهو قيمته عند
مستحليه، وفاقا لأبي حنيفة، وخلافا للشافعي فإنه قال لا ضمان عليه، ثم ينظر عند أبي
حنيفة فإن كان مسلما، فعليه قيمة ذلك خمرا كان أو خنزيرا ولا يضمن المسلم الخمر بالمثل
وإن كان ذميا فعليه قيمة الخنزير ومثل الخمر (4).
وإذا غصب ما لا يبقى، كالفواكه الرطبة، فتلف في يديه وتأخرت المطالبة بقيمته، فعليه
أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم المحاكمة، وقال محمد عليه قيمته في الوقت الذي انقطع
عن الناس (5).

1 - الخلاف: 3 / 420 مسألة 37.
2 - الخلاف: 3 / 421 مسألة 39.
3 - الخلاف: 3 / 416 مسألة 31.
4 - الخلاف: 3 / 414 مسألة 28.
5 - الخلاف: 3 / 415 مسألة 30.
347

الوديعة
فصل في الوديعة
المرء مخير في قبول الوديعة والامتناع من ذلك، وهو أولى ما لم يكن فيه ضرر على
المودع، ويجب حفظها بعد القبول لها، كحفظ ماله.
وهي أمانة لا يلزم ضمانها إلا بالتعدي، فإن تصرف فيها أو في بعضها، ضمنها وما
أربحت، وكذا إن فك ختمها، أو حل شدها، أو نقلها من حرز إلى ما هو دونه، كان متعديا
ويلزمه الضمان، وكذا إن لم يكن هناك ضرورة - من خوف غرق أو نهب أو غيرهما - فسافر
بها، أو أودعها أمينا آخر وصاحبها حاضر، أو خالف مرسوم صاحبها في كيفية حفظها (1).
وفي البداية للحنفية: له أن يسافر بها وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة وما لا ليس
له ذلك إذا كان لها حمل ومؤنة (2).
وفيه أيضا إذا قال المودع: لا تسلمها إلى زوجتك فسلمها إليها لا يضمن، وفي الجامع
الصغير: إذا نهاه [128 / ب] أن يدفعها إلى أحد من عياله، فدفعها إلى من لا بد له منه لم
يضمن، فإن كان له منه بد ضمن، وإن قال: احفظها في هذا البيت فحفظها في بيت آخر من
الدار لم يضمن وإن حفظها في دار أخرى ضمن (3).
لنا بعد إجماع الإمامية أنه خالف أمر صاحبها فيكون متعديا وإذا تعدى لزمه الضمان.
وكذا لو أقر بها لظالم يريد أخذها، من دون أن يخاف القتل، أو سلمها إليه بيده،
أو بأمره، وإن خاف ذلك، ويجوز له أن يحلف أنه ليس عنده وديعة إذا طولب بذلك، ويوري
في يمينه بما يسلم به من الكذب، ولا ضمان عليه إن هجم الظالم، فأخذ الوديعة قهرا.
ولو تعدى المودع ثم أزال التعدي، مثل أن يردها إلى الحرز بعد إخراجها، لم يزل الضمان
عنه (4).

1 - الغنية 283.
2 - الهداية في شرح البداية: 3 / 214.
3 - الهداية في شرح البداية: 3 / 216.
4 - الغنية 283.
348

وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي حنيفة.
لنا أن بالتعدي وجب عليه الضمان بلا خلاف ولا دليل على أن الضمان يزول عنه بالرد
إلى موضعه.
له أن المودع مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات فإذا خالف في جهة منها ثم رجع وعاد
إلى الحفظ كان متمسكا به على الوجه المأمور به فينبغي أن يزول عنه الضمان (1).
ولو أبرأه صاحبها من الضمان بعد التعدي، وقال: قد جعلتها وديعة عندك من الآن،
برئ (2)، وللشافعي فيه وجهان أحدهما يبرأ وهو ظاهر قوله، والثاني لا يبرئ قال: لأن
الإبراء لا يصح عن القيمة لأنها لم تجب بعد ولا يصح من العين لأنها في يده باقية.
لنا أن ذلك حق له، فله التصرف فيه بالإبراء والإسقاط والمطالبة، فوجب أن يسقط
بإسقاطه (3).
ويزول الضمان بردها إلى صاحبها أو إلى وكيله، سواء أودعه إياها مرة ثانية، أم لا، بلا
خلاف.
وإذا علم المودع أن المودع لا يملك الوديعة، لم يجز له ردها إليه مع الاختيار، بل يلزمه رد
ذلك إلى مستحقه إن عرفه بعينه، وإن لم يتعين له حملها إلى الإمام العادل، فإن لم يتمكن لزمه
الحفظ بنفسه في حياته، وبمن يثق إليه بعد وفاته إلى حين التمكن من المستحق، ومن أصحابنا
من قال: تكون - والحال هذه - مثل اللقطة والأول أحوط.
وإن كانت الوديعة من حلال وحرام لا يتميز أحدهما من الأخر، لزمه رد جميعها إلى
المودع متى طلبها.
ومتى ادعى صاحب الوديعة تفريطا فعليه البينة، فإن فقدت، فالقول قول المودع مع
يمينه، وروي أنه لا يمين عليه إن كان ثقة غير مرتاب به. وإذا ثبت التفريط واختلفا في قيمة
الوديعة [129 / أ]، ولا بينة، فالقول قول صاحبها مع يمينه، لأنه أعرف بها، وقيل القول قول
المودع لأنه المنكر، ومن أصحابنا من قال: يأخذ بما اتفقا عليه، ويحلف المودع على ما أنكره
من الزيادة (4).

1 - الخلاف: 4 / 172 مسألة 4 و 5.
2 - الغنية: 283.
3 - الخلاف: 4 / 174 مسألة 6.
4 - الغنية 285.
349

الإجارة
فصل في الإجارة
كل شئ يستباح بعقد العارية، يستباح بعقد الإجارة، بلا خلاف ممن يعتد به (1).
وحكي عن عبد الرحمان الأصم (2) أنه قال: لا يجوز الإجارة أصلا (3).
وتفتقر صحتها إلى شروط:
منها: ثبوت الولاية للمتعاقدين، فلا يصح أن يؤجر الإنسان ما لا يملك التصرف فيه،
لعدم ملك، أو إذن، أو ثبوت حجر، أو رهن، أو إجارة متقدمة، وغير ذلك.
ومنها: أن يكون المعقود عليه من الجانبين معلوما، فلو قال: آجرتك إحدى هاتين
الدارين، أو بمثل ما يؤجر به فلان داره، لم يصح.
ومنها: أن يكون مقدورا على تسليمه، حسا وشرعا، فلو آجر عبدا آبقا أو جملا
شاردا، لا يتمكن من تسليمه، أو ما لا يملك التصرف فيه، لم يصح.
ومنها: أن يكون منتفعا به، فلو آجر أرضا للزراعة في وقت يفوت بخروجه، والماء
واقف عليها لا يزول في ذلك الوقت، لم تصح لتعذر الانتفاع.
ومنها: أن تكون المنفعة مباحة، فلو آجر مسكنا أو دابة أو وعاء في محظور، لم يجز (4)

1 - الغنية 285.
2 - ويقال: ابن عبد الله الأصم، ويقال: ابن عمرو الأصم، أبو بكر العبدي، المدائني، مؤذن الحجاج. روى عن: أنس بن
مالك، وأبي هريرة. روى عنه: خلف أبو الربيع، وسفيان الثوري، وليث بن أبي سلم وغيرهما. تهذيب الكمال:
16 / 533 رقم 3759.
3 - الخلاف: 3 / 485 مسألة 1.
4 - الغنية 285.
350

وذلك كاستيجار الدار ليتخذها مأخورا يبيع فيها الخمر وليتخذها كنيسة، أو بيت نار، فإن
ذلك لا يجوز والعقد باطل.
وقال أبو حنيفة: العقد صحيح، ويعمل فيه غير ذلك من الأشياء المباحة دون ما
استأجر له، وبه قال الشافعي (1).
أو استأجر رجلا لينقل له خمرا من موضع إلى موضع لم تصح الإجارة. وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: يصح كما لو استأجر جرة لينقل، الخمر إلى الصحراء ليهريقه (2).
فإن كان المستأجر مسكنا احتيج مع ما تقدم من الشروط إلى تعيين المدة، وإن كان دابة
افتقر إلى ذلك أيضا [أ] وإلى تعيين المسافة (3) لأنه لا خلاف في صحة العقد مع تكامل هذه
الشروط، وليس على صحته مع اختلال بعضها دليل.
وإذا صح العقد استحقت الأجرة عاجلا، إلا أن يشرط التأجيل (4) وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إنما يلزمه أن يسلم إليه الأجرة جزء فجزء، فكلما استوفي جزء من المنفعة
لزمه أن يوفيه ما في مقابلته من الأجرة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: القياس ما قال مالك،
ولكن يشق ذلك فمهما استوفى منفعة يوم فعليه تسليم ما في مقابلته، وقال الثوري: لا يلزمه
تسليم شئ من الأجرة ما لم تنقض مدة الإجارة كلها. (5)
لنا قوله تعالى [129 / ب]: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} (6) لأن المراد فإن
بذلن لكم الرضاع، بدليل قوله في آخر الآية {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}
والتعاسر أن لا ترضى بأجرة مثلها.
ويملك المؤجر الأجرة والمستأجر المنفعة بنفس العقد، حتى لو استأجر دابة ليركبها إلى
مكان بعينه، فسلمها إليه، فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها، فلم يفعل، استقرت الأجرة
عليه (7) وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تستقر عليه الأجرة حتى يسيرها في بقاع تلك المسافة (8) لنا أن

1 - الخلاف: 3 / 508 مسألة 37.
2 - الخلاف: 3 / 508 مسألة 38.
3 - في النسخة: وإلى تعيين المدة، والتصويب من الغنية.
4 - الغنية 285.
5 - الخلاف: 3 / 489 مسألة 4.
6 - الطلاق: 6.
7 - الغنية 286.
8 - الخلاف: 3 / 497 مسألة 15.
351

الأجرة وجبت بالعقد، وإذا لم يستوف المنفعة مع التمكن منها فقد ضيع حقه، وذلك لا يسقط
حق المؤجر.
وإذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، صح العقد وإن لم يعين آخر المدة، لأن
الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل (1)، وهو مذهب أبي حنيفة، وفي البداية: من استأجر
دارا كل شهر بدرهم، فالعقد صحيح في شهر واحد فاسد في بقية الشهور إلا أن يسمي جملة
الشهور معلومة، فإن سكن الشهر الثاني ساعة صح العقد فيه (2). وقال بعض أصحاب
الشافعي هذه إجارة باطلة (3)، وفي الخلاصة ولا يصح الإجارة مشاهرة حتى يذكر مدة
محصورة.
ويستحق الأجرة للزمان المذكور بالدخول فيه، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في
الثاني، ومن أصحابنا من قال: لا يجوز أن يؤجر مدة قبل دخول ابتدائها، لافتقار صحة
الإجارة إلى التسليم، ومنهم من اختار القول بجواز ذلك وهو أولى لقوله تعالى: {أوفوا
بالعقود} (4) وقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم، وأما التسليم فهو مقدور عليه حين
استحقاق المستأجر وتعذره قبل ذلك لا ينافي عقد الإجارة.
ولا يجوز أن يؤجر بأكثر مما استأجره من جنسه - سواء كان المستأجر هو المؤجر
أو غيره - إلا أن يحدث فيما استأجره حدثا يصلحه (5) وبه أي بجوازه قال الشافعي إلا أنه لم
يراع إحداث الحدث.
وقال أبو حنيفة: إن آجرها من المكري بمثل تلك الأجرة أو أقل منها فإنه يجوز، وبأكثر
منها لا يجوز.
وإن آجرها من غير المكري فكما قلناه (6).
لنا أنه لا خلاف في جواز ذلك بعد الحدث ولا دليل على جوازه قبله.
ولا بأس بذلك مع اختلاف الجنس، مثل أن يستأجر بدينار، فيؤجره بأكثر من قيمته
من العروض، لأن الربا لا يدخل مع الاختلاف، ولأن الأصل في العقل [130 / أ] والشرع
جواز التصرف فيما يملك إلا لمانع.

1 - الغنية 286.
2 - الهداية في شرح البداية: 3 / 237.
3 - الوجيز: 1 / 233، والخلاف: 3 / 490 مسألة 5.
4 - المائدة: 1.
5 - الغنية 286.
6 - الخلاف: 3 / 494 مسألة 11.
352

وإذا ملك المستأجر التصرف بالعقد، جاز أن يملكه غيره، على حسب ما يتفقان عليه،
من زيادة أو نقصان، اللهم إلا أن يكون استأجر الدار - على أن يكون هو الساكن - والدابة
على أن يكون هو الراكب، فإنه لا يجوز - والحال هذه - إجارة ذلك لغيره على كل حال.
والإجارة عقد لازم من كلا الجانبين، لا ينفسخ إلا بحصول عيب من قبل المستأجر نحو
أن يفلس بالأجرة فيملك المؤجر الفسخ، أو من قبل المستأجر مثل انهدام المسكن أو غرفه
على وجه يمنع من استيفائه المنفعة فيملك المستأجر الفسخ، ويسقط عنه الأجرة إلى أن يعيد
المالك المسكن إلى الحالة الأولى، لأن المعقود عليه قد فات، اللهم إلا أن يكون ذلك بتعدي
المستأجر فيلزمه الأجرة والضمان (1) وبما قلنا قال الشافعي ومالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن الإجارة يجوز فسخها لعذر، قالوا: إذا اكترى الرجل
جملا ليحج به، ثم بدا له من الحج، أو مرض فلم يخرج، كان له أن يفسخ الإجارة، وكذا إذا
اكترى دكانا ليتجر فيه فذهب ماله فإنه يجوز له أن يفسخ الإجارة، قال: وبمثل هذه الأعذار
لا يكون للمكري الفسخ، وأصحابه يقولون: للمكري الفسخ لعذر كالمكتري (2).
وتنفسخ الإجارة بموت أحد المتعاقدين (3) وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وقال
الشافعي: الموت لا يفسخ الإجارة من أيهما كان، وبه قال مالك وأحمد، وفي أصحابنا من قال:
موت المستأجر يبطلها، وموت المؤجر لا يبطلها، قال الشيخ: لا يتعول على هذا القول،
وادعى إجماع الإمامية على الأول وقال: من خالف في ذلك من أصحابنا لا يؤثر خلافه في
دلالة الإجماع وأيضا فإن المستأجر دخل على أن يستوفي المنفعة لنفسه وقد فات (4).
ولا يملك المستأجر فسخ الإجارة بالسفر وإن كان ذلك بحكم الحاكم، ولا لغير ذلك من
الأعذار المخالف‍ [- ة] كما قدمنا ذكره مثل أن يستأجر جملا للحج فمرض، أو يبدو له في الحج،
أو حانوتا ليتجر فيه ببيع للبز وشرائه فيحترق بزه، أو يأخذ ماله اللصوص.
ولا تنفسخ الإجارة بالبيع، وعلى المشتري إن كان عالما بالإجارة الإمساك عن
التصرف، حتى تنقضي مدتها، وإن لم يكن عالما بذلك، كان الخيار له في الرد بالعيب (5)، وهو
أحد قولي الشافعي. والثاني أن البيع باطل إذا كان من أجنبي. وإذا باعها من المستأجر، صح

1 - الغنية 287.
2 - الخلاف: 3 / 488 مسألة 2.
3 - الغنية 287.
4 - الخلاف: 3 / 491 مسألة 7.
5 - الغنية 287 - 288.
353

قولا واحدا.
وقال أبو حنيفة: يكون البيع موقوفا على رأي المستأجر [130 / ب]، فإن رضي به
صح البيع وبطلت إجارته، وإن لم يرض به ورده بطل البيع وبقيت الإجارة (1).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} (2) وهذه عقد يجب الوفاء به،
وأيضا فقد ثبت صحة العقد والقول بأن شيئا من ذلك يبطله يفتقر إلى دليل.
ومتى تعدى المستأجر ما اتفقا عليه من المدة [أ] والمسافة أو الطريق أو مقدار المحمول،
أو عينه إلى ما هو أشق في الحمل، أو المعهود في السير، أو في وقته، أو ضرب الدابة، ضمن
الهلاك أو النقص، ويلزمه أجرة الزائد على الشرط (3)، فإذا اكترى دابة مثلا من بغداد إلى
حلوان فركبها إلى همدان، فإنه يلزمه أجرة المسمى من بغداد إلى حلوان، ومن حلوان إلى
همدان أجرة المثل، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة (4): لا يلزمه أجرة التي تعدي بناء على
أصله أن المنافع لا تضمن بالغصب (5).
ويضمن الدابة بتعديه فيها من حلوان بلا خلاف إذا لم يكن صاحبها معها، فإن ردها إلى
حلوان فإنه لا يزول ضمانه عندنا، وإن ردها إلى بغداد إلى يد صاحبها زال ضمانه، ويكون
ضمانها من وقت التعدي إلى حين التلف، لا من يوم إكراها، وقال الشافعي أيضا: لا يزول
ضمانه إذا ردها إلى حلوان. وبه قال أبو يوسف وأبو حنيفة. قال أبو يوسف: وكان أبو حنيفة
يقول: لا يزول الضمان عنه بردها إلى هذا المكان، ثم رجع فقال يزول الضمان عنه. وقال محمد:
يزول الضمان عنه، كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها إلى مكانها (6).
لنا أنه قد ثبت الضمان بلا خلاف فمن ادعى زواله بالرد إلى المكان فعليه الدليل.
والأجير ضامن لتلف ما استؤجر فيه أو نقصانه إذا كان بتفريطه أو نقصانا من صنعته
سواء كان ختانا أو حجاما أو بيطارا، وسواء كان مشتركا وهو المستأجر على عمل في الذمة،
أو منفردا وهو المستأجر للعمل مدة معلومة لا يختص عمله فيها بمن استأجره، يدل على ذلك
بعد إجماع الإمامية قوله (عليه السلام): على اليد ما أخذت حتى تؤديه، لأنه يقتضي ضمان الصناع على

1 - الخلاف: 3 / 499 مسألة 20.
2 - المائدة: 1.
3 - الغنية 288.
4 - كذا في الخلاف، وفي النسخة: وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي.
5 - الخلاف: 3 / 492 مسألة 8.
6 - الخلاف: 3 / 493 مسألة 9.
354

كل حال، إلا ما خصه الدليل مما ثبت أنهم غلبوا عليه، ولم يكن بجنايتهم (1).
قال الشيخ في الخلاف: لم أجد أحدا من الفقهاء ضمن الختان والحجام والبيطار بما
يجنون من أفعالهم (2).
وفي البداية: إذا فصد الفصاد، أو بزغ البزاغ ولم يتجاوز الموضع المعتاد، فلا ضمان عليه
فيما عطب من ذلك (3).
وإذا انفرد الأجير بالعمل في غير ملك المستأجر، فتلف الشئ [131 / أ] الذي
استؤجر فيه بتقصير منه، أو بشئ من أفعاله، أو نقصان من صنعته، فإنه يلزمه ويكون
ضامنا سواء كان الأجير مشتركا أو منفردا.
وقال أبو حنيفة في الأجير المشترك مثل ما قلناه وذلك مثل أن يدق القصار الثوب
فينخرق، أو يقصره فيمزق، فيكون عليه الضمان. وقال أبو يوسف ومحمد: إن تلف بأمر ظاهر
لا يمكن دفعه كالحريق المنتشر فإنه لا يضمنه، وإن تلف بأمر يمكنه دفعه ضمنه.
وأما الأجير المنفرد فلا ضمان عليه عندهم، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه إذا انفرد
بالعمل في غير ملك المستأجر فإنه يكون ضامنا متى تلف، بأي شئ تلف، بالسرقة أو
الحرق، أو شئ من فعله، أو غير فعله، والآخر: أنه لا ضمان عليه، سواء كان مشتركا أو
منفردا (4).
وفي الخلاصة كان الشافعي يعتقد أن الأجير غير ضامن والقاضي يقضي بعلمه ولكن
لا يبوح به مخافة إجراء السوء والقضاة.
وإذا اكترى دابة فضربها، أو كبحها باللجام على ما جرت به العادة في التسيير، فتلفت
فلا ضمان عليه، وهو قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: عليه الضمان (5).
يجوز إجارة الدفاتر، سواء كان مصحفا أو غيره ما لم يكن فيه كفر لأنه لا مانع منه،
وفاقا للشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
وكذا الخلاف في أنه إذا استأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه أو يشتري (6).
وإجارة المشاع جائزة لأن الأصل جوازه ولا مانع منه وفاقا للشافعي. وقال أبو

1 - الغنية: 288 - 289.
2 - الخلاف: 3 / 503 مسألة 26.
3 - الهداية في شرح البداية: 3 / 243.
4 - الخلاف: 3 / 501 مسألة 25.
5 - الخلاف: 3 / 504 مسألة 29.
6 - الخلاف: 3 / 501 مسألة 23 - 22.
355

حنيفة: لا تجوز (1).
إذا سلم إلى خياط ثوبا، فقطعه قباء ثم اختلفا، فقال رب الثوب: أمرتك أن تقطع ثوبا
وقال: الخياط: بل قلت اقطع قباء، فالقول قول رب الثوب مع يمينه. وبه قال أبو حنيفة
واختاره الشافعي، لأن المالك رب الثوب، والخياط مدع للإذن فعليه البينة، فإذا فقدها فعلى
المالك اليمين. ولو قيل أن القول قول الخياط لأنه غارم ورب الثوب مدع كان قويا (2).
وإذا استأجره ليطحن له دقيقا على أن يكون له صاع منها صح، وقال الشافعي لا يصح
لأنه مجهول، لا يدرى هل يكون ناعما أو خشنا (3).
أجرة الكيال ووزان البضاعة على البائع، لأن عليه تسليم ما باعه معلوم المقدار، وأجرة
وزان الثمن وناقده على المشتري، لأن عليه تسليم الثمن معلوم الجودة والوزن.
وأجرة رد الضالة على حسب ما يبذله مالكها، فإن لم يعين شيئا بل قال: من رد ضالتي
فعليه جعالتها، كان أجر رد العبد أو الأمة أو البعير في المصر عشرة دراهم فضة، وفي غير
المصر أربعين درهما [131 / ب]، وما عدا ذلك يقضي فيه بالصلح.
من آجر غيره أرضا ليزرع فيها طعاما صح العقد، ولم يجز أن يزرع غير ذلك، بدلالة
قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} (4) وقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم (5)، وقال أبو حنيفة
والشافعي وعامة الفقهاء، إذا عين الطعام بطل الشرط والعقد، وللشافعي في بطلان الشرط
قول واحد وفي بطلان العقد وجهان (6).
وإذا آجرها للزراعة من غير تعيين لما يزرع، كان له أن يزرع ما شاء، لأن الأصل
الجواز، والمنع يفتقر إلى دليل (7) وعليه أكثر أصحاب الشافعي. وقال أبو العباس: لا يجوز لأن
أنواع الزرع تختلف وتتباين، فلا بد من التعيين (8).
وإذا آجرها أن يزرع ويغرس، ولم يعين مقدار كل واحد منهما، لم يصح، لأن ذلك
مجهول، والضرر فيه مختلف، وإذا لم يعين بطل العقد (9)، وبه قال المزني وأكثر أصحاب

1 - الخلاف: 3 / 506 مسألة 33.
2 - الخلاف: 3 / 506 مسألة 34.
3 - الخلاف: 3 / 515 مسألة 45.
4 - المائدة: 1.
5 - الغنية: 289.
6 - الخلاف: 3 / 517 مسألة 4 من كتاب المزارعة.
7 - الغنية: 289.
8 - الخلاف: 3 / 518 مسألة 5 من كتاب المزارعة.
9 - الغنية: 289.
356

الشافعي. وقال الشافعي نصا: أنه يجوز. وقال أصحابه: المراد أنه مخير بين أن يزرع كلها أو
يغرس كلها فأما من النوعين بلا تعيين فلا يجوز (1).
وإذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة أو المنفعة، وفقدت البينة، حكم بينهما
بالقرعة، فمن خرج اسمه حلف وحكم له، لأن كل أمر مجهول مشتبه ففيه القرعة (2). وعند
الشافعي يتحالفان فإن كان لم يمض من المدة شئ، رجع كل واحد منهما إلى ماله وإن كان بعد
مضي المدة في يد المكتري لزمه أجرة المثل. ويجئ على مذهب أبي حنيفة أنه إذا كان قبل
مضي المدة يتحالفان، وإن كان بعده في يد المكتري فالقول قول المكتري، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما أن القول قول الزارع والثاني أن القول قول رب الأرض (3).

1 - الخلاف: 3 / 519 مسألة 7 كتاب المزارعة.
2 - الغنية: 289.
3 - الخلاف: 3 / 521 مسألة 10 - 11 كتاب المزارعة.
357

المزارعة والمساقاة
فصل في المزارعة والمساقاة
تجوز المزارعة - وتسمى المخابرة - على الأرض، سواء كانت خلال النخل أم لا،
والمساقاة على النخل والكرم وغيرهما من الشجر المثمر (1) بنصف غلة ذلك، أو ما زاد على
ذلك أو نقص (2).
وبه قال أبو يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي. وقال أبو حنيفة: لا تجوز قياسا على
المخابرة.
لنا أن الأصل جواز ذلك والمنع يفتقر إلى دليل، وما رووه من أنه (صلى الله عليه وآله) عامل أهل خيبر
بشطر ما يخرج من ثمر وزرع. وما روي من نهيه عن المخابرة، محمول على إجارة الأرض ببعض
ما يخرج منها وإن كان معينا، لأن ذلك لا يجوز بالاتفاق، لعدم القطع على إمكان تسليمه (3).
وما روي أنه أتى رسول الله رجلان من الأنصار اقتتلا، فقال رسول الله: إن كان هذا
شأنكما فلا تكروا المزارع، وهذا يدل على أن النهي [132 / أ] ليس بنهي تحريم، لأنه قال
على وجه المشاورة وطلب الصلاح (4).
وفي الخلاصة: المساقاة في النخل والكرم الذي لم يبرز ثمارهما وإن أطلعت النخل جاز
في أحد القولين - وهو الجديد - لبقاء أكثر العمل، وسائر الأشجار يلحق بالنخل في أحد
القولين، والأصح عندهم أن المساقاة لا يجوز إلا في النخل والكرم وأما في الأرض فلا يصح

1 - في النسخة: الشجرة المثمرة.
2 - الغنية: 290.
3 - الخلاف 3 / 473 مسألة 1.
4 - نصب الراية 6 / 24.
358

المعاملة عليها إلا أن يكون بين النخل بياض لا يمكن تعهد النخل دونه فيجوز أن يعامله عليه
تبعا للنخل.
وفي البداية: قال أبو حنيفة: المساقاة بجزء من الثمرة باطلة، وقالا: (1) جائزة إذا ذكر مدة
معلومة وجزء من الثمرة مشاعا، ويجوز المساقاة في النخل والشجر والكرم والرطاب وأصول
الباذنجان (2).
ومن شرط صحة العقد مشاهدة ذلك، وإمكان تسليمه، وتعيين المدة فيه، وتعيين حق
العامل، وشرطه أن يكون جزءا مشاعا من الخارج، فلو عامله على وزن معين منه، أو على
غلة مكان مخصوص من الأرض، أو على تمر نخلات بعينها، بطل العقد بلا خلاف بين من أجاز
المزارعة والمساقاة، لأنه قد لا يسلم إلا ما عينه، فيبقى رب الأرض والنخل بلا شئ، وقد
لا يعطيه إلا غلة ما عينه، فيبقى العامل بغير شئ.
وإذا تمم المزارع والمساقي عمله على هذا الشرط، بطل المسمى واستحق أجرة المثل.
وتصرف العامل بحيث ما يقع عليه العقد [ف‍] - إن كان مطلقا جاز أن يولي العمل لغيره،
ويزرع ما شاء، وإن شرط أن يتولى العمل بنفسه وأن يزرع شيئا بعينه لم يجز له مخالفة ذلك،
لقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم.
ولو زارع ببعض الخارج من الأرض، والبذر من مالكها، والعمل والحفظ من المزارع
جاز (3)، خلافا لجميع الفقهاء.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما رواه عبيد الله (4) بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال:
عامل رسول الله أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر وزرع (5).
وكذا لو شرط على العامل في حال العقد ما يجب على رب المال، أو بعضه - وهو ما فيه
حفظ الأصل، كبناء الحيطان، وإنشاء الأنهار، والدواليب، وشراء الدابة التي ترفع الماء - أو
شرط على رب المال ما يجب على العامل، أو بعضه - كالتأبير، والتلقيح، وقطع ما يصلح النخل
من جريد وحشيش، وإصلاح السواقي ليجري فيها الماء، وإدارة الدولاب، وحفظ التمر،

1 - كتب تحتها: يعني أبو يوسف ومحمد.
2 - الهداية في شرح البداية: 4 / 337.
3 - الغنية: 290 - 291.
4 - عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عثمان المدني. مات سنة (147).
تهذيب الكمال: 19 / 124 رقم 3668.
5 - الخلاف: 3 / 476 مسألة 4.
359

وجذاذه ونقله إلى المقسم - صح ذلك، لدلالة الأصل وظاهر الخبر (1) وأنه لا مانع منه، وقال
الشافعي: يبطل [132 / ب] ذلك العقد (2).
ولو ساقاها بعد ظهور الثمرة، صح إن كان قد بقي من العمل شئ وإن قل، لدلالة
الأصل، وعموم الأخبار في جواز المساقاة (3)، وللشافعي فيه قولان (4).
وأما الزكاة فإنها تجب على مالك البذر أو النخل فإن كان ذلك لمالك الأرض فالزكاة
عليه، لأن المستفاد من ملكه حيث نماء أصله، وما يأخذه المزارع أو المساقي كالأجرة على
عمله، ولا خلاف أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة، وكذا إن كان البذر للمزارع، لأن ما يأخذه
مالك الأرض كالأجرة، عن أرضه، فإن كان البذر منهما، فالزكاة على كل واحد منهما، إذا بلغ
مقدار سهمه النصاب (5).
وقال الشيخ في الخلاف كان الزكاة على رب المال والعامل معا إذا بلغ النصيب كل واحد
منهما نصيبا وإن بلغ نصيب أحدهما النصاب، ولم يبلغ نصيب الآخر كان عليه الزكاة لا على
الآخر.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن الزكاة تجب على رب المال دون العامل. والثاني أنه
تجب على كل واحد منهما، فإذا قال: على رب النخل، فمن أين يخرج له؟ فيه قولان أحدهما في
ماله وحده. والثاني في مالهما معا، وإذا قال: يجيب عليهما، قال: فإن لم يبلغ نصيب كل واحد
نصابا، بل بلغ الحقان نصابا، فعلى قولين: إن قال: لا خلطة في غير الماشية فلا زكاة، وإن قال
تصح الخلطة في غير الماشية، قال: وجبت الزكاة.
لنا إذا كانت الثمرة ملكا لهما ينبغي أن يجب على كل واحد منهما فمن أوجب الزكاة على
أحدهما دون الآخر فعليه الدليل (6).
وعقد المزارعة والمساقاة يشبه عقد الإجارة من حيث كان لازما وافتقر إلى تعيين المدة
ويشبه القراض من حيث كان سهم العامل مشاعا في المستفاد.
والمزارعة والمساقاة إذا كانت على أرض خراجية، فخراجها على المالك إلا أن يشترطه
على العامل وهو على المتقبل إلا أن يشترط على المالك.

1 - الغنية: 291.
2 - الخلاف 3 / 478 مسألة 6.
3 - الغنية: 291.
4 - الخلاف 3 / 478 مسألة 7.
5 - الغنية 291 - 292.
6 - الخلاف: 3 / 480 مسألة 13.
360

وإذا اختلف صاحب الشجر والعامل، فقال الصاحب: شرطت لك الثلث، وقال
العامل: لا بل النصف، وفقدت البينة، فالقول قول صاحب الشجر مع يمينه، لأن جميع الثمرة
لصاحب الشجرة لأنها نماء أصله، وإنما يثبت للعامل من ذلك شئ بالشرط، فإذا ادعى
شرطا كان عليه البينة، فإذا عدمها كان القول قول صاحب الشجرة مع يمينه، وإن كان معهما
بينة، قدمت بينة العامل، لأنه المدعي (1)، وقال أصحاب الشافعي: يتحالفان.
لنا قوله (عليه السلام): البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه [133 / أ]، وصاحب الشجرة
المدعى عليه فعليه اليمين (2).

1 - الغنية: 293.
2 - الخلاف: 3 / 480 مسألة 11 والوجيز: 1 / 229..
361

إحياء الموات
فصل في إحياء الموات
قد بينا فيما مضى أن الموات من الأرض للإمام القائم مقام النبي (عليه السلام) خاصة وأنه من
جملة الأنفال، يجوز له التصرف فيه بما شاء من أنواع التصرف، فلا يجوز لأحد أن يتصرف
فيها إلا بإذنه (1)، وقال الشافعي: من أحياها ملكها، أذن الإمام أو لم يأذن، وقال أبو حنيفة:
لا يملك إلا بإذن الإمام، وهو قول مالك.
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): ليس لأحدكم إلا ما طابت به نفس إمامه (2).
والأرضون العامرة في بلاد الإسلام التي لا يعرف لها صاحب معين للإمام خاصة، وقال
أبو حنيفة: أنها تملك بالإحياء إذا أذن الإمام في ذلك. وقال الشافعي: لا تملك.
والأرضون العامرة في بلاد الشرك التي لم يجر عليها ملك أحد للإمام خاصة. وقال
الشافعي: كل من أحياه من مسلم أو مشرك، فإنه يملك بذلك (3).
وإذا أذن الإمام لذمي في إحياء أرض الموات في بلاد الإسلام فإنه يملك بالإذن وفاقا
لأبي حنيفة، وخلافا للشافعي، فإنه قال للإمام إذنه ولا يملك بالإحياء.
لنا قوله (عليه السلام): من أحيا أرضا ميتة فهي له، ومن أحاط حائطا على أرض فهي له، وهذا
عام (4).
ومن أحيا أرضا بإذن مالكها، أو سبق إلى التحجير عليها، كان أحق بالتصرف فيها من
غيره، وليس للمالك أخذها منه، إلا أن لا يقوم بعمارتها، [أ] ولا يقبل عليها ما يقبل غيره،

1 - الغنية: 293.
2 - الخلاف: 3 / 524 مسألة 3 والغنية: 293.
3 - الخلاف: 3 / 525 مسألة 1 - 2.
4 - الخلاف: 3 / 526 مسألة 4.
362

لقوله (عليه السلام): من أحيا أرضا ميتة فهي له، والمراد بذلك ما ذكرناه من كونه أحق بالتصرف فيها
لأنه لا يملك رقبة الأرض بالإذن في إحيائها.
وليس لأحد أن يغير ما حماه النبي (صلى الله عليه وآله) من الكلأ (1)، وقال الشافعي: ينظر، فإن كان
السبب الذي حماه رسول الله باقيا لم يجز نقضه وتغييره، وإن لم يبق، ففيه وجهان (2).
لنا أن فعل النبي (عليه السلام) حجة في الشرع يجب الاقتداء به كقوله، على أن ذلك لمصلحة
المسلمين، وما قطع على أنه لمصلحتهم لم يجز نقضه.
وللإمام أيضا أن يحمي من الكلأ لنفسه، ولخيل المجاهدين ونعم الصدقة والجزية
والضوال ما يكون في الفاضل عنه كفاية لمواشي المسلمين، وليس لأحد الاعتراض عليه،
ولا نقض ما فعله (3)، وقال الشافعي: إن أراد لنفسه لم يكن له ذلك، وإن حماه للمسلمين ففيه
قولان: الصحيح أن له ذلك وبه قال أبو حنيفة.
لنا أن الإمام عندنا يجري في وجوب الاقتداء به [133 / ب] مجرى الرسول، ولأنا قد
بينا أن الموات ملك له، ومن ملك أرضا فله حمايتها بلا خلاف، وما رووه من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
لا حمى إلا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، يدل على ما قلناه صريحا (4).
ولا يجوز للإمام أن يقطع شيئا من الشوارع والطرقات ورحاب الجوامع، لأن هذه
المواضع لا يملكها واحد بعينه، والناس فيها مشتركون، فلا يجوز له - والحال هذه - إقطاعها (5).
وقال الشافعي: للسلطان أن يقطع ذلك (6).
والماء المباح يملك بالحيازة، سواء حازه في إناء، أو ساقه إلى ملكه في نهر أو قناة، أو
غلب بالزيادة فدخل إلى أرضه، وهو أحق بماء البئر التي ملك التصرف فيها بالإحياء، وإذا
كانت في البادية، فعليه بذل الفاضل عن حاجته لغيره، لنفسه ولماشيته، ليتمكن من رعي
ما جاور البئر من الكلأ المشترك، وليس عليه بذله لزرعه، ولا بذل آلة الاستقاء (7)، بل
يستحب له ذلك وبه قال الشافعي، وفي الناس من قال: يجب عليه بذله بلا عوض لشرب
الماشية، ولسقي الزرع.

1 - الغنية: 293.
2 - الخلاف: 3 / 529 مسألة 8.
3 - الغنية: 293.
4 - الخلاف: 3 / 528 مسألة 6.
5 - الغنية: 294.
6 - الخلاف: 3 / 531 مسألة 12.
7 - الغنية: 294.
363

وفيهم من قال: يجب عليه بالعوض، فأما بلا عوض فلا.
دليلنا ما رواه أبو هريرة أن النبي (عليه السلام) قال: من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل
رحمته يوم القيامة، وفيه أدلة: أحدها: أنه توعد على المنع. والثاني أنه يجب عليه البذل بلا
عوض. والثالث: أن الفاضل هو الذي يجب عليه بذله. وروى ابن عباس أن النبي (عليه السلام) قال:
الناس شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلاء، وروي جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيع فضل الماء
ولا يمكن حمله إلا على هذا الموضع (1).
ولمن أحيا البئر من حريمها ما يحتاج إليه في الاستقاء، من آلة ومطرح الطين، وروى
أصحابنا أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر
الناضح ستون ذراعا، وما بين بئر العين إلى بئر العين في الأرض الصلبة خمس مئة ذراع، وفي
الرخوة ألف ذراع، وعلى هذا لو أراد غيره حفر بئر إلى جانب بئره، ليسرق منه الماء، لم يكن
له ذلك بلا خلاف، ولا يجوز له الحفر إلا أن يكون بينهما الحد الذي ذكرناه (2).
في حريم البئر وحريم العين وافق أبو حنيفة. وقال الشافعي: على قدر الحاجة إليه، ولم
يحده، بل قال: على ما جرت به العادة (3).
وأما من حفر بئرا في داره، أو في أرض له مملوكة فله ذلك، ولا يجوز له منع جاره من
حفر بئر أخرى في ملكه، ولو كانت بئر بالوعة تضر به، بلا خلاف أيضا، والفرق بين الأمرين
أن الموات يملك التصرف فيه بالإحياء فمن سبق [134 / أ] إلى حفر البئر صار أحق بحريمه،
وليس كذلك الحفر في الملك، لأن ملك كل واحد منهما مستقر ثابت، فجاز له أن يفعل ما شاء
فيه.
ومن قرب إلى الوادي أحق بالماء المجتمع فيه من السيل ممن بعد عنه، وقضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأقرب إلى الوادي بحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق،
وللزرع إلى أن يبلغ إلى الشراك، ثم يرسله إلى من يليه ثم هكذا يصنع الذي يليه مع جاره.
ولو كان زرع الأسفل يهلك إلى أن يصل إليه الماء، لم يجب على من فوقه أن يرسل إليه
حتى يكتفي ويأخذ منه القدر الذي ذكرناه (4).

1 - الخلاف: 3 / 531 مسألة 13.
2 - الغنية: 294 - 295.
3 - الخلاف: 3 / 530 مسألة 10.
4 - الغنية 295.
364

الوقف
فصل في الوقف
تفتقر صحة الوقف إلى شروط:
منها: أن يكون الواقف مختارا مالكا للتبرع، فلو وقف وهو محجور عليه لفلس، لم
يصح.
ومنها: أن يكون متلفظا بصريحه، قاصدا به التقرب إلى الله تعالى.
والصريح من ألفاظه: وقفت وحبست وسبلت، فأما قوله: تصدقت، فإنه يحتمل
الوقف وغيره، وكذا حرمت وأبدت مع أنه لم يرد بهما عرف الشرع، فلا يحمل على الوقف إلا
بدليل، ومن أصحابنا من اختار القول بأنه لا صريح في الوقف إلا قوله وقفت. ولو قال:
تصدقت، ونوى الوقف، صح فيما بينه وبين الله تعالى، لكن لا يصح في الحكم لما ذكرناه من
الاحتمال (1).
وقال الشافعي: ألفاظ الوقف ستة: وقفت، وتصدقت، وسبلت، وحبست، وحرمت،
وأبدت على أحد الوجهين صريحان والآخر: أنهما كنايتان.
لنا أن ما قلناه أن ذلك صريح الوقف مجمع عليه ولا دلالة على ما ذكروه أنه من صريح
الوقف (2).
ومنها أن يكون الموقوف معلوما مقدورا على تسليمه، ويصح الانتفاع به، مع بقاء عينه
في يد الموقوف عليه، وسواء في ذلك المنقول وغيره، والمشاع والمقسوم (3)، وبه قال الشافعي.

1 - الغنية 296.
2 - الخلاف: 3 / 542 مسألة 8.
3 - الغنية: 296.
365

وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا في الأراضي، والدور، والكراع، والسلاح، والغلمان تبع
للضيعة الموقوفة، فأما على الانفراد فلا يجوز.
ووقف المشاع جائز عند أبي يوسف. وقال محمد: لا يجوز.
لنا عموم الأخبار في جواز الوقف، وما رووه أن أم معقل (1) جاءت إلى النبي (عليه السلام) فقالت:
يا رسول الله إن أبا معقل (2) جعل ناضحه في سبيل الله، وإني أريد الحج أفأركبه؟ فقال
النبي (عليه السلام): اركبيه، فإن الحج والعمرة في سبيل الله، وفي الوقف المشاع قوله (عليه السلام) لعمر في سهام
خيبر: حبس الأصل وسبل الثمرة، والسهام كانت مشاعة لأن النبي (عليه السلام) ما قسم خيبر وإنما
عدل السهام [134 / ب] (3).
ولا يجوز وقف الدراهم والدنانير بلا خلاف، لأن الموقوف عليه لا ينتفع بها مع بقاء
عينها في يده.
ومنها: أن يكون الموقوف عليه غير الواقف، فلو وقف على نفسه لا يصح وفي ذلك
خلاف (4)، وبه قال الشافعي. وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى وابن شبرمة والزهري وابن
سريج: يصح وقفه على نفسه.
لنا أن الوقف تمليك، ولا يصح أن يملك الإنسان نفسه ما هو ملك له (5).
وفي البداية: إذا جعل الواقف غلة الوقف لنفسه، أو جعل الولاية إليه جاز عند أبي يوسف.
وأما إذا وقف شئ على المسلمين عامة فإنه يجوز له الانتفاع به بلا خلاف لأنه يعود
إلى أصل الإباحة فيكون هو وغيره فيه سواء (6).
ومنها: أن يكون معروفا متميزا يصح التقرب إلى الله تعالى به بالوقف وهو ممن يملك
المنفعة حالة الوقف، فلا يصح أن يقف على شئ من معابد أهل الضلال، ولا على مخالف أهل
الإسلام أو معاند للحق إلا أن يكون ذا رحم، ولا على أولاده ولا ولد له، ولا على الحمل قبل
انفصاله، ولا على عبد، بلا خلاف.

1 - الأسدية زوج أبي معقل، ويقال أنها أشجعية. ويقال أنصارية روى حديثها أصحاب السنن الثلاثة. الإصابة: 8 / 309
رقم 12265.
2 - الأسدي ويقال: الأنصاري. اسمه الهيثم بن نهيك بن أساف. يقال: أنه شهد أحدا وأنه مات في حجة الوداع يراجع
ترجمته الإصابة: 7 / 377 رقم 10548.
3 - الخلاف: 3 / 542 مسألة 6 و 7 والغنية: 296.
4 - الغنية: 297.
5 - الخلاف: 3 / 549 مسألة 18.
6 - الهداية في شرح البداية: 3 / 19.
366

ولو وقف على أولاده وفيهم موجود صح، ودخل في الوقف من سيولد له على وجه
التبع، لأن الاعتبار باتصال الوقف في ابتدائه لمن هو من أهل الملك.
ويصح الوقف على المساجد والقناطر وغيرهما، لأن المقصود بذلك مصالح المسلمين،
وهم يملكون الانتفاع.
ومنها أن يكون الوقوف مؤبدا غير منقطع، فلو قال: وقفت كذا سنة لم يصح (1)،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه. والثاني أنه يصح، فإذا مضت المدة صرف إلى الفقراء
ويبدأ بقراباته لأنهم أو لي بصدقته (2).
وأما قبض الموقوف عليه أو من يقوم مقامه فشرط في اللزوم (3) وبه قال محمد بن
الحسن، خلافا للشافعي والباقين، فإن عندهم ليس القبض من شرط لزومه (4).
ويدل على صحة ما اعتبرناه من الشرط بعد إجماع الإمامية أنه لا خلاف في صحة
الوقف ولزومه إذا تكاملت هذه الشروط وليس على صحته ولزومه إذا لم تتكامل دليل.
وإذا تكاملت هذه الشروط زال ملك الواقف، ولم يجز الرجوع في الوقف له، ولا تغييره
عن وجوهه ولا سبيله إلا على وجه نذكره (5)، وعليه أكثر أصحاب الشافعي، وخرج ابن
سريج قولا آخر وهو أنه لا يزول ملكه، لقول النبي (صلى الله عليه وآله): حبس الأصل وسبل الثمرة، وتحبيس
الأصل يدل على بقاء الملك وليس ما ذكره بشئ لأن معنى التحبيس في الوقف هو أنها صدقة
لا تباع ولا توهب ولا تورث (6).
في البداية قال أبو حنيفة: لا يزول ملك الواقف إلا أن يحكم به الحاكم. وقال أبو
يوسف: يزول بمجرد القول. وقال محمد: لا يزول حتى يجعل للوقف وليا ويسلمه إليه، وإذا
صح الوقف على اختلافهم خرج من الواقف ولم يدخل في ملك الموقوف عليهم (7).
وفي الخلاصة إذا وقف على رجل شيئا ففي ملك الرقبة ثلاثة أقوال أحدها أنه للواقف
بدليل اتباع شرطه والثاني أنه للموقوف عليه بدليل اختصاصه، والثالث أنه لله.
لنا أنه لا خلاف في انقطاع تصرف الواقف في الرقبة والمنفعة، وهذا هو معنى زوال الملك

1 - الغنية: 297.
2 - الخلاف: 3 / 544 مسألة 11.
3 - الغنية: 297.
4 - الخلاف: 3 / 539 مسألة 2.
5 - الغنية: 298.
6 - الخلاف: 3 / 539 مسألة 3.
7 - الهداية في شرح البداية: 3 / 21.
367

به، وينتقل إلى الموقوف عليه، لأنه يملك التصرف، وقبض منافعه، وهذا هو فائدة الملك.
وتعلق المخالف بالمنع من بيعه، لا يدل على انتفاء الملك، لأن الراهن ممنوع من بيع
المرهون وإن كان مالكا، والسيد ممنوع من بيع أم الولد - في حال عندنا، وعندهم في كل حال -
وهو مالك لها، على أنه يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه، إذا صار بحيث لا يجدي نفعا،
وخيف خرابه، وكانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه، لأن غرض الواقف
انتفاع الموقوف عليه، فإذا لم تبق له منفعة إلا من الوجه الذي ذكرناه جاز.
ويتبع في الوقف ما شرطه الواقف من ترتيب الأعلى على الأدنى أو اشتراكهما، أو
تفضيل في المنافع، أو مساواة فيها إلى غير ذلك بلا خلاف.
وإذا وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل فيهم أولاد البنات (1)، ويشتركون فيه مع
أولاد البنين وبه قال الشافعي. وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يدخل أولاد البنات فيه.
لنا إجماع المسلمين على أن عيسى (عليه السلام) من ولد آدم وهو ولد بنته، وقوله (عليه السلام): الحسن
والحسين ابناي هما إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما وقوله: لا تزرموا (2) ابني حين بال
في حجره الحسين، وهما ابنا بنته وأما استشهادهم بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإنه مخالف لقول النبي (عليه السلام) وإجماع الأمة، والمعقول، فوجب رده، على أنه إنما أراد
الشاعر بذلك الانتساب، لأن أولاد البنت لا ينتسبون إلى أمهم وإنما وينتسبون إلى أبيهم
وكلامنا في غير الأنساب (3).
وإذا وقف على نسله أو على عقبه أو ذريته، فهذا حكمه بدليل قوله تعالى: {ومن
ذريته داود وسليمان} إلى قوله [135 / ب]: {وعيسى وإلياس} (4) فجعل عيسى من
ذريته، وهو ينسب إليه من جهة الأم.
وإن وقف على عترته فهم ذريته، وقد نص على ذلك ثعلب وابن الأعرابي (5) من أهل

1 - الغنية: 298.
2 - لا تزرموا أي لا تقطعوا عليه بوله. يقال زرم الدمع والبول إذا انقطعا (النهاية).
3 - الخلاف: 3 / 546 مسألة 15.
4 - الأنعام: 84 - 85.
5 - أبو عبد الله، محمد بن زياد الكوفي، كان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها، أخذ عن أبي معاوية الضرير،
والكسائي، وأخذ عنه إبراهيم الحربي وثعلب، وابن السكيت وغيرهم ولد في رجب سنة (150) وتوفي سنة (231)
بسر من رأى. وفيات الأعيان: 4 / 306 رقم 633.
368

اللغة، وإذا وقف على عشيرته، أو على قومه، ولم يعينهم بصفة، عمل بعرف قومه في ذلك
الإطلاق، وروي أنه إذا وقف على عشيرته، كان ذلك على الخاص من قومه الذين هم أقرب
الناس إليه في نسبه.
وإذا وقف على قومه، كان ذلك على جميع أهل لغته من الذكور دون الإناث، وإذا وقف
على جيرانه ولم يسمهم، كان ذلك على من يلي داره من جميع الجهات إلى أربعين ذراعا.
ومتى بطل رسم المصلحة التي وقف عليها، أو انقرض أربابه جعل ذلك في وجوه البر،
وروي أنه يرجع إلى ورثة الواقف، والأول أحوط (1)، بالثاني قال أبو يوسف وبالأول قال
الشافعي، وقال الشيخ في الخلاف: رجع إلى الواقف إن كان حيا وإلى ورثته إن كان ميتا، قال:
دليلنا أن عوده إلى البر بعد انقراض الموقوف عليه يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه، والأصل بقاء الملك عليه أو على ولده (2).
وفي البداية: ولا يتم الوقف عند أبي حنيفة ومحمد (رحمهما الله) حتى يجعل آخره بجهة
لا تنقطع أبدا. وقال أبو يوسف: إذا سمى فيه جهة تنقطع جاز وصار بعدها للفقراء وإن لم
يسمهم (3).

1 - الغنية 299.
2 - الخلاف: 3 / 543 مسألة 9.
3 - الهداية في شرح البداية: 3 / 16.
369

الهبة
فصل في الهبة
تفتقر صحة الهبة إلى الإيجاب والقبول، وهي على ضربين: أحدهما: لا يجوز له الرجوع
فيه على حال، والثاني يجوز.
فالأول أن تكون الهبة مستهلكة، أو قد تعوض عنها، أو تكون لذي رحم، ويقبضها هو
أو وليه سواء قصد بها وجه الله أم لا، أو [لم] تقبض وقد قصد بها وجه الله، ويكون الموهوب
له ممن يصح التقرب إلى الله تعالى بصلته.
والضرب الثاني: ما عدا ما ذكرناه (1).
والهبة لا تلزم إلا بالقبض، وقبل القبض للواهب الرجوع فيها، وكذلك الرهن والعارية
والدين الحال إذا أجله لا يتأجل، وله المطالبة به في الحال، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يلزم ذلك كله بنفس العقد، ولا يفتقر إلى القبض، وبتأجل الحق يلزم
الأجل.
وأما أبو حنيفة فقد وافقنا إلا أنه قال: الأجل في الثمن يلزم ويلحق بالعقد.
يدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روى موسى بن عقبة (2) عن
أمه أم كلثوم (3) أن النبي (عليه السلام) قال لأم سلمة: وإني أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة
[136 / أ] وإني لأراه يموت قبل أن تصل إليه ولا أرى الهدية إلا سترد علي، فإن ردت إلي

1 - الغنية 300.
2 - لم أقف على ترجمة له في كتب التراجم إلا ما رواه في الخبر.
3 - بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية ربيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمها أم سلمة. أسد الغابة: 6 / 384 رقم 7574.
370

فهي لي، فكان كما قال (عليه السلام)، فردت إليه فأعطى كل امرأة أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائره
أم سلمة وأعطاها الحلة وهذا نص (1).
وقول المخالف: " جواز الرجوع في الهبة ينافي القول بأنها تملك بالقبض " يبطل بالمبيع
في مدة الخيار، فإنه يجوز الرجوع فيه وإن ملك بالعقد، وتعلقهم بما رووه من قوله (عليه السلام): الراجع
في هبته كالراجع في قيئه، لا يصح، لأنه خبر واحد، ثم معارض بأخبار واردة من طرقهم في
جواز الرجوع، على أن الألف واللام إن كانتا للجنس، دخل الكلب فيمن أريد باللفظ، وإن
كانتا للعهد، فالمراد الكلب خاصة، لأنه لا يعهد الرجوع في القئ إلاله. وعلى الوجهين،
لا يجوز أن يكون المستفاد بالخبر التحريم، لأن الكلب لا تحريم عليه، بل يكون المراد
الاستقذار والاستهجان، وقد روي من طريق آخر: الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه،
وذلك يصحح ما قلناه، على أنه لو دل على التحريم (2) لخصصنا بالموضع الذي يذهب إليه
بالدليل.
والهبة في المرض المتصل بالموت، محسوبة من أصل المال، لا من الثلث (3).
وفي الخلاف للشيخ: إذا وهب في مرضه المخوف شيئا وأقبضه ثم مات، فمن أصحابنا من
قال: لزمت الهبة في جميع الموهوب، ولم يكن للورثة فيها شئ. ومنهم من قال: يلزم في
الثلث، ويبطل فيما زاد، وبه قال جميع الفقهاء (4).
لنا أن الهبة لا تجري مجرى الوصية، لأن حكم الهبة منجز في حال الحياة، وحق الورثة
لا يتعلق بالمال في تلك الحال، وحكم الوصية موقوف إلى بعد الوفاة وحق الورثة يتعلق بالمال
في ذلك الوقت فكانت محسوبة من الثلث. وهبة المشاع جائزة سواء مما يمكن قسمته أو
لا يمكن، بدلالة عموم الأخبار الواردة في جواز الهبة لأنه لا فصل فيها بين المشاع وغيره، وبه
قال الشافعي ومالك وأحمد وسائر الفقهاء، إلا أن أبا حنيفة قال: هبة المشاع فيما لا يمكن
قسمته مثل الحيوان والجواهر والرحى والحمامات وغيرها يصح، فأما ما ينقسم فلا يجوز
هبته.
لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) [أنه] قال يوم خيبر: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس،

1 - الخلاف: 3 / 555 مسألة 1.
2 - كذا في الغنية، وفي النسخة على الرجوع.
3 - الغنية 301.
4 - الخلاف: 3 / 573 مسألة 21.
371

والخمس مردود فيكم، فردوا الخيط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا يوم القيامة
ونارا وشنارا [136 / ب] قام رجل في يده كبة من شعر، فقال: أخذت هذه لأصلح برذعة
بعيري، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك، قال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي
فيها، ونبذها وكانت حصة النبي (صلى الله عليه وآله) في الكبة مشاعا، فدل على جواز الهبة مشاعا (1).
ولو قبض الهبة من غير إذن الواهب لم يصح، ولزمه الرد، لأنه لا خلاف في صحة ذلك
مع الإذن، وليس على صحته من دونه دليل (2)، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن قبضه في المجلس صح، وإن كان بغير إذنه، وإن قام من مجلسه لم
يكن له القبض، فإن قبض كان فاسدا ووجب عليه رده (3).
وإذا وهب ما يستحقه في الذمة، كان إبراء بلفظ الهبة، ويعتبر قبول من عليه الحق، لأن
في إبرائه منه منة عليه، ولا يجبر على قبول المنة.
ومن منح غيره ناقة أو بقرة أو شاة، لينتفع بلبنها مدة معلومة، لزمه الوفاء بذلك إذا
قصد به وجه الله تعالى، وكان ذلك الغير ممن يصح التقرب إلى الله تعالى ببره، ويضمن هلاك
المنيحة ونقصانها بالتعدي.
وكذا لا يجوز الرجوع في السكنى والرقبى والعمرى إذا كانت مدتها محدودة، وقصد بها
وجه الله تعالى.
الرقبى والعمرى سواء وإنما يختلفان بالتسمية، والرقبى أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدة
حياتك أو حياتي. والعمرى أن يقول: أعمرتك كذلك (4).
والعمرى جائزة والسكنى مثلها عندنا. وبه قال الفقهاء. وحكى عن قوم أنهم قالوا:
العمرى غير جائزة.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية و [أخبارهم] ما رواه أبو هريرة أن النبي (عليه السلام) قال: العمرى
جائزة، وقال: العمرى لمن وهبت له (5).
وإذا علق المالك ذلك بموته، رجع إلى ورثته إذا مات، فإن مات الساكن قبله، فلورثته
السكني إلى أن يموت المالك، وإن علقه بموت الساكن رجع إليه إذا مات، فإن مات المالك قبله

1 - الخلاف: 3 / 557 مسألة 3.
2 - الغنية: 301.
3 - الخلاف: 3 / 556 مسألة 2.
4 - الغنية 301 - 302.
5 - الخلاف: 3 / 558 مسألة 4.
372

فله السكنى إلى أن يموت، ومتى لم يعلق ذلك بمدة كان له إخراجه متى شاء. ولا يجوز أن يسكن
من جعل له ذلك من عدا والده وأهله إلا بإذن المالك، ومن شرط صحة ذلك كله الإيجاب
والقبول على ما قدمناه (1).
إذا قال: أعمرتك ولعقبك. فإن هذه عمري صحيحة، ويملك المعمر له المنفعة دون
الرقبة.
وإذا قال أعمرتك. فإذا مات يعود إليه، وإن قال: ولعقبك. فإذا مات عقبه عاد إليه. وبه
قال مالك والشافعي في القديم، وعندنا إن قال: أعمرتك حياتي فإنها له مدة حياته، فإذا مات
لمعمر أولا كان لورثته إلى أن يموت المعمر، فإذا مات عاد إلى ورثته، وإن مات المعمر [137 /
أ] أولا بطلت العمرى. وقال الشافعي في الجديد: إذا جعلها عمري لا تعود إليه، ولا إلى ورثته
بحال، وبه قال أبو حنيفة (2).
إذا قال: أعمرتك. وأطلق لم تصح، لأن هذه اللفظة محتملة ولا يعلم المراد بها فوجب
بطلانها لأن الأصل بقاء الملك. وقال الشافعي في الجديد: تكون صحيحة، فإذا مات تكون
لورثته. وقال في القديم: ببطلانها وبه قال أبو حنيفة. (3)
الرقبى جائزة كالعمرى، وقال الشافعي: حكمها حكم العمرى، ومعناه إذا قال:
أعمرتك على إن مت أنا فهي لك ولورثتك، فإن مت أنت ترجع علي.
وقال المزني: الرقبى إذا جعل لمن يتأخر موته، ولهذا سمي الرقبى، لأن كل واحد منهما
يترقب موت صاحبه.
وقال أبو حنيفة: العمرى جائزة، والرقبى باطلة، لأن صورتها أن يقول أرقبتك هذه
الدار، فإن مت قبلك كانت الدار لك، وإن مت قبلي كانت الدار راجعة إلي وباقية على ملكي
كما كانت، وهذا تمليك بصفة، كما إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وهبت لك داري، فإن ذلك
لا يصح.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه جابر أن النبي (عليه السلام) قال: يا معشر
الأنصار امسكوا عليكم أموالكم، لا تعمروها ولا ترقبوها، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فله

1 - الغنية 302.
2 - الخلاف: 3 / 559 مسألة 5.
3 - الخلاف: 3 / 560 مسألة 6.
373

ولورثته، فجمع بين العمرى والرقبى وجوزهما جميعا (1).
وفي الخلاصة: كانوا في الجاهلية يرقبون فإن مات الموهوب له قبل موت الواهب
رجعت الرقبى وإن لم يمت حتى مات الواهب استقرت، وهما في الإسلام مثبتان لازمتان إذا
اتصل بهما القبض.
إذا أعطى الإنسان ولده، يستحب أن لا يفضل بعضهم على بعض، سواء كانوا ذكورا أو
إناثا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وقال أحمد ومحمد بن الحسن: يفضل الذكور على الإناث على حسب التفضيل في
الميراث.
لنا ما روى ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: سووا بين أولادكم ولو كنت مفضلا أحدا
لفضلت الإناث، وهذا نص. (2).
وإذا وهب الوالد لولده وإن علا، والأم لولدها وإن علت، وقبضوا إن كانوا كبارا، [أ] و
كانوا صغارا لم يكن لهما الرجوع فيه. وبه قال أبو حنيفة: وقال أيضا مثل ذلك في كل محرم
محرم بالنسب، ليس له الرجوع فيما وهب.
وقال الشافعي: للوالد والوالدة أن تسترجعا هبتهما على كل حال من الولد وذي
الرحم، ذكرا كان أو أنثى (3).
إذا وهب لأجنبي وقبضه [137 / ب]، أو لذي رحم غير الولد، كان له الرجوع فيه،
ويكره الرجوع في الهبة لذي الرحم.
وقال أبو حنيفة: يجوز له الرجوع في هبة الأجنبي، وكل قريب إذا لم يكن ذا رحم محرم
منه بالنسب وأجرى الزوجة مجرى الرحم المحرم بالنسب، وبه قال قوم من أصحابنا.
وقال الشافعي: إذا وهب لغير الولد وقبض لزم، ولا رجوع له بعد ذلك.
لنا ما روي مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
قال: الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها (4).
الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن فوقه، وهبة لمن دونه، وهبة لمن هو مثله، وكلها

1 - الخلاف: 3 / 562 مسألة 8.
2 - الخلاف: 3 / 563 مسألة 9.
3 - الخلاف: 3 / 566 مسألة 11.
4 - الخلاف: 3 / 567 مسألة 12.
374

عندنا تقتضي الثواب بدلالة عموم الأخبار التي رواها أصحابنا أن الهبة تقتضي الثواب ولم
يخصوا منها نوعا دون نوع، وقال جميع الفقهاء: إنها إذا كانت لمن فوقه، أو لمن مثله لا تقتضي
الثواب، وإذا كانت لمن دونه اختلفوا، فقال أبو حنيفة: لا تقتضي الثواب، وبه قال الشافعي في
الجديد، وقال في القديم: أنها تقتضي الثواب (1).
وإذا اقتضت الثواب فلا يخلو إما أن يطلق، أو يشرط الثواب، فإن أطلق فإنه يقتضي
ثواب مثله على ما جرت العادة.
وللشافعي على قوله أنها تقتضي الثواب ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلنا. والثاني يثيبه
حتى يرضى الواهب. والثالث يثيبه بقدر قيمة الهبة أو مثلها (2).
وإذا شرط الثواب، فإن كان مجهولا صح، لأنه وافق ما يقتضيه الإطلاق، وإن كان
معلوما كان أيضا صحيحا. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يصح، لأنه إذا صح مع الجهل،
فمع العلم أولى. والثاني: لا يصح (3).
ومن السنة الإهداء، وقبول الهدية إذا عريت من وجوه القبح، ومتى قصد بها وجه الله
وقبلت لم يجز له الرجوع فيها، ولا التعوض عنها، وكذا إن قصد بها التكرم والمودة الدنيوية
وتصرف فيها من أهديت إليه، وكذا إن قصد بها العوض عنها فدفع وقبله المهدى، وهو مخير
في قبول الهدية وردها، ويلزم العوض عنها بمثلها كما ذكرناه والزيادة أفضل. ولا يجوز
التصرف فيها إلا بعد التعويض، أو العزم إليه. (4)

1 - الخلاف: 3 / 568 مسألة 13.
2 - الخلاف: 3 / 570 مسألة 14.
3 - الخلاف: 3 / 570 مسألة 15.
4 - الغنية 302.
375

اللقطة
فصل في اللقطة
من وجد ضالة من (1) الإبل لم يجز له أخذها (2)، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: من
وجده فله أخذه، مثل ساير الضوال.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله (عليه السلام) - حين سأله السائل عن الإبل: ما لك ولها، معها
حذاؤها وسقاؤها، يعني خفها وكرشها (3).
ومن وجد ما عدا ذلك [138 / أ] كره له أخذه، فإن أخذه وكانت قيمته دون الدرهم لم
يضمنه، ويحل له التصرف فيه (4).
أما أنه كره له أخذها، ففيه قال مالك. وما روي في ذلك أصحابنا من قولهم: لو أن
الناس كلهم تركوها لجاء صاحبها وأخذها. وعن ابن عمر أنه قال: دع خيرها بشرها،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يجب عليه أخذها إذا كان أمينا ويخاف ضياعها. والآخر: لا
يجب عليه، غير أنه مستحب. وإن كان غير أمين [ف‍] - لا يجوز له أخذها (5).
وأما إذا كانت قيمتها دون الدرهم فلا يجب تعريفها، خلافا للشافعي فإنه قال: يجب
تعريفها قليلا كان أو كثيرا، ومن أصحابه من قدر ذلك بدينار.
وقال أبو حنيفة: إن كان قيمتها ما يقطع فيه وجب تعريفها وبه قال مالك. إلا أن أبا
حنيفة لا يقطع إلا في عشرة دراهم قيمتها دينار، وإن كان أقل عرفها أياما وعند مالك يقطع

1 - في النسخة: في الإبل.
2 - الغنية: 303.
3 - الخلاف: 3 / 579 مسألة 2.
4 - الغنية 303.
5 - الخلاف: 3 / 579 مسألة 3.
376

في ربع دينار (1).
وما بلغ قيمة الدرهم وزاد عليه مما يخاف فساده بالتعريف كالأطعمة يحل له التصرف
من غير تعريف.
وأما ما سوي ذلك فعليه تعريفه حولا كاملا في أو قات بروز الناس، وأماكن اجتماعهم
كالأسواق وأبواب المساجد (2).
وفاقا لأبي حنيفة والشافعي (3).
وهو بعد الحول إن لم يأت صاحبه بالخيار بين حفظه انتظارا للتمكن منه، وبين أن
يتصدق به ويضمنه إن حضر ولم يرض به، وبين أن يتملكه ويتصرف فيه، وعليه أيضا ضمانه
إلا لقطة الحرم، فإنه لا يجوز تملكها، ويلزم ضمانها إن تصدق بها (4).
وقال الشافعي: هو بالخيار بعد السنة بين أن يحفظها على صاحبها، وبين أن يتملكها
ويأكلها، ويضمن ثمنها بالمثل إن كان له مثل أو القيمة إن لم يكن له مثل.
وقال أبو حنيفة، في الفقير وقبل حلول الحول مثل قول الشافعي. وإن كان بعد الحول
وهو فقير فهو مخير بين الأشياء الثلاثة التي ذكرناها نحن، وإن كان غنيا فهو مخير بين شيئين:
بين أن يحفظ على صاحبها، وبين أن يتصدق بها عن صاحبها بشرط الضمان وليس له أن
يأكلها على حال.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم، وهي أكثر من أن تحصى ما روى أبي بن كعب
قال: وجدت صرة فيها مئة دينار - وروي ثمانون - فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: اعرف عددها
ووكاءها ثم عرفها سنة، قال فجئت إليه السنة الثانية فقال: عرفها، جئت إليه السنة الثالثة
فقال: استمتع بها، وهذا يدل على جواز الانتفاع [138 / ب] بخلاف ما قاله أبو حنيفة لأن
أبيا كان غنيا (5). وفي خبر آخر أنه سئل عن اللقطة، فقال: اعرف عفاصها ووكائها ثم عرفها
فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها، والعفاص هو الذي فوق رأس القارورة وشبهها من جلد
وغيره [يكون] فوق الصمامة وهي: ما يحشى في الرأس، والوكاء: وهو ما يشد به العفاص من
سير أو خيط (6).

1 - الخلاف: 3 / 582 مسألة 7.
2 - الغنية: 303.
3 - الهداية في شرح البداية: 2 / 417.
4 - الغنية: 303 - 304.
5 - الخلاف: 3 / 577 مسألة 1.
6 - الغنية 303 - 304.
377

وأما لقطة الحرم فيجوز أخذها، ويجب تعريفها سنة، فإذا لم يجئ صاحبها فهو مخير بين
أن يتصدق بها بشرط الضمان، أو يحفظها على صاحبها وليس له أن يتملكها كما ذكرناه.
وقال الشافعي: إن أخذ لقطة الحرم ليعرفها أو يحفظها على صاحبها كان جائزا بلا
خلاف، ولا يجوز له أخذها ليملكها، وإليه ذهب عامة أهل العلم. وعند بعض أصحابه يجوز
التقاط لقطة مكة.
وقال أبو حنيفة: حكم لقطة الحرم حكم لقطة غير الحرم.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال - في مكة - لا
ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلي خلاؤها، ولا يحل لقطتها إلا لمنشد، يعني لمعرف (1).
وحكم لقطة المحجور عليه يتعلق بوليه، ولقطة العبد يتعلق حكمها بمولاه (2).
ويجوز للعبد أن يلتقطها لعموم الأخبار. وللشافعي فيه قولان (3).
وهكذا الحكم فيمن نصفه حر ونصفه عبد والخلاف (4).
واللقيط حر لا يجوز تملكه وإذا تبرع ملتقطه بالإنفاق لم يرجع عليه بشئ إذا بلغ
وأيسر، وإذا لم يرد التبرع، ولم يجد من يعينه على الإنفاق من سلطان أو غيره، فأنفق
للضرورة جاز له الرجوع، وليس عليه بالإنفاق ولاؤه.
وإذا ادعى اثنان أنه ولدهما، ألحق بمن أقام البينة، فإن أقاما بها جميعا تكأفات، أقرع
بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به (5).
وللشافعي قولان إذا تعارضت بينتاهما: أحدهما: للقرعة. والثاني أنهما يسقطان،
وكأنه ليس هناك بينة وأرى القافة، فإن قالت: هو ابن لأحدهما ألحق به، وإن لم يكن قافة، أو
أشكل عليهم، أو قالوا: هو ابنهما أوليس بابنهما، يوقف حتى يبلغ ويختار أيهما شاء (6).
وقد بينا فيما مضى حكم الموجود من الكنوز وقدر أجر رد العبد أو البعير (7).
قال الشيخ في خلاف: لم ينص أصحابنا على شئ من جعل اللقط والضوال إلا على
إباق العبد، فإنهم رووا أنه إن رده من خارج البلد استحق الأجرة أربعين درهما وإن كان من

1 - الخلاف: 3 / 585 مسألة 12.
2 - الغنية 304.
3 - الخلاف: 3 / 583 مسألة 8.
4 - الخلاف: 3 / 587 مسألة 14.
5 - الغنية: 304.
6 - الخلاف: 3 / 595 مسألة 22.
7 - الغنية 304.
378

البلد عشرة دراهم وفيما عدا ذلك يستحق الأجرة بحسب العادة وقال الشافعي: لا
يستحق [139 / أ] على شئ من ذلك إلا أن يجعل له الجاعل.
وقال أبو حنيفة: إن كان ضالة أو لقطة، فإنه لا يستحق شيئا وإن كان آبقا فرده من
مسيرة ثلاثة أيام، استحق أربعين درهما. وإن جاء بأقل من ثلاثة أيام فبحسابه، وإن كان
قيمته أقل من أربعين قال أبو حنيفة ومحمد: ينقص من قيمته درهم ويستحق الباقي، وإن كان
قيمته أربعين فيستحق تسعة وثلاثين، وإن كانت قيمته ثلاثين يستحق تسعة وعشرين.
وقال أبو يوسف: يستحق أربعين، وإن كان يسوى عشرة دراهم، والقياس أنه
لا يستحق شيئا لكن أعطيناه استحسانا هكذا حكاه الساجي (1).
إذا عرف اللقطة سنة، لا تدخل في ملكه إلا باختياره بأن يقول: اخترت ملكها لأنه
لا دلالة على ذلك.
وللشافعي فيه أربعة أوجه: الأصح عندهم ما قلناه. والثاني يملك بمضي السنة من غير
اختياره. والثالث: بمجرد القصد دون التصرف. والرابع: بالقول والتصرف (2).
ويستحب لمن وجد اللقطة أن يشهد عليها وهو أحد قولي الشافعي. والآخر يجب عليه
الإشهاد، وقال أبو حنيفة: إن أشهد فإنه يكون أمانة، وإن لم يشهد يكون مضمونا عليه في
يده (3).

1 - الخلاف: 3 / 589 مسألة 17.
2 - الخلاف: 3 / 584 مسألة 10.
3 - الخلاف: 3 / 580 مسألة 4.
379

الوصية
فصل في الوصية
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الوصية حق على كل مسلم. وقال: وما ينبغي لامرئ [مسلم] أن
يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه، وقال: من مات بغير وصية فقد مات ميتة جاهلية.
والواجب منها الإقرار على جهة الجملة بما أو جب الله سبحانه علمه والعمل به ثم
الوصية بالاستمساك بذلك، وبالتقوى، ولزوم طاعته، ومجانبة معصيته، ويعين من ذلك
ما يجب من غسله وتكفينه ومواراته، ثم الوصية بقضاء ما عليه من واجب ديني أو دنيوي،
ويخرج ذلك من أصل التركة إن أطلق ولم يقيد بالثلث.
فإن لم يكن عليه حق، استحب له أن يوصي بجزء من ثلثه في النذور والكفارات، وجزء
في الحج والزيارات، وجزء يصرف إلى مستحقي الخمس، وجزء إلى مستحقي الزكاة، وجزء
إلى من لا يرثه من ذوي أرحامه (1).
ولا يجب الوصية لهم ويستحب عند جميع الفقهاء وعامة الصحابة، وذهب الزهري
والضحاك (2) وداود بن علي وابن جرير الطبري أن الوصية واجبة لهؤلاء، ولا دليل على
ما قالوا (3).
وتصح الوصية عن المحجور عليه للسفه ومن بلغ عشر سنين من الصبيان مما يتعلق

1 - الغنية 305.
2 - الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، ويقال: أبو محمد الخراساني روى عن أنس بن مالك وزيد بن أرقم، وروى
عنه: إسماعيل بن أبي خالد وغيره مات سنة (106). تهذيب الكمال: 13 / 291 رقم 2928.
3 - الخلاف: 4 / 136 مسألة 2.
380

بأبواب البر خاصة (1)، خلافا لهما فإن عندهما لا تصح وصية الصبيان (2).
ومن شرط صحتها حصول الإيجاب [139 / ب] من الموصي والقبول من المسند إليه،
ومن شرطه أن يكون حرا مسلما بالغا عاقلا عدلا بصيرا [بالقيام بما] أسند إليه، رجلا كان
أو امرأة (3) وبه قال جميع الفقهاء إلا عطاء فإنه قال: لا يصح أن تكون المرأة وصيا.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي أن هندا (4) أتت النبي (عليه السلام) فقالت: يا رسول الله إن
أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذه سرا، فقال (عليه السلام): خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف، فجعلها (عليه السلام) قيمة أولادها، وروي أن عمر وصى إلى صفية (5)
بنته ولم ينكر ذلك عليه (6).
ولا يجوز للمملوك أن يكون وصيا، وبه قال الشافعي سواء كان عبدا للموصي أو عبد
غيره، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال مالك: يجوز بكل حال، وقال أبو حنيفة: الوصية إلى عبد غيره لا تصح وإلى عبد
نفسه نظر فإن كان في الأولاد كبار لم تصح، وإن لم يكن تصح (7).
ويجوز للمسند إليه القبول في الحال ويجوز له تأخير ذلك، لأن الوصية ليست بمنزلة
الوكالة وهي عقد منجز في الحال فجاز له القبول فيها، بخلاف قبول الموصى له لأنه لا يعتد به
إلا بعد الوفاة، لأن الوصية تقتضي تمليكا في تلك الحال، فتأخر القبول إليها (8).
في الخلاصة: الملك يحصل بالوصية وفي وقت حصوله ثلاثة أقوال:
في قول عند الموت، وفي قول عند القبول، وفي قول يتوقف، وعلى الأقوال إذا مات
الموصى له قبل القبول قام ورثته مقامه.
وللموصي الرجوع في الوصية وتغييرها بالزيادة والنقصان، والاستبدال بالأوصياء

1 - الغنية: 305 - 306.
2 - الوجيز: 1 / 269، الهداية في شرح البداية: 4 / 516.
3 - الغنية 306، وكان في النسخة بدل ما بين المعقوفين: وما أسند إليه.
4 - بنت عتبة بن ربيعة المخزومية، امرأة أبي سفيان وهي أم معاوية أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان وهي
التي شقت بطن الحمزة واستخرجت كبده فلاكتها. توفيت في خلافة عمر بن الخطاب. أسد الغابة: 6 / 292 رقم
7342.
5 - صفية بنت عمر بن الخطاب العدوية أوردها الطبراني في الصحابة وعن ابن عباس أنها كانت مع النبي (صلى الله عليه وآله) يوم
خيبر. أسد الغابة: 6 / 174 رقم 7061.
6 - الخلاف: 4 / 159 مسألة 38.
7 - الخلاف: 4 / 158 مسألة 37.
8 - الغنية 306.
381

ما دام حيا، ولا يجوز للمسند إليه ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد موت الموصي، ولا ترك القيام بما
فوض إليه من ذلك إذا لم يقبل ورد فلم يبلغ الموصي ذلك حتى مات.
ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يجعل له ذلك الموصي.
وإذا ضعف الوصي عما أسند إليه، فعلى الناظر في أمور المسلمين أن يعضده بقوي
ولا يعزله، فإن مات أقام مقامه من يراه لذلك أهلا (1).
وإذا أوصى إلى غيره، وأطلق الوصية، ولم يقل: فإذا مت أنت فوصيي فلان، ولا قال:
فمن أو صيت إليه فهو وصيي. فلأصحابنا فيه قولان: أحدهما أن له أن يوصي إلى غيره، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك. والثاني ليس له أن يوصي فإذا مات أقام الناظر في أمور
المسلمين من ينظر في تلك الوصية كما ذكرنا قبل. وبه قال الشافعي وأحمد (2).
وإذا أوصى إليه وقال: من وصيت إليه فهو وصيي [140 / أ]، أو قال: متى أو صيت إلى
فلان فهو وصيي كانت الوصية صحيحة لأنه لا مانع منه في الشرع والأصل جوازه.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال يصح قولا واحدا لأنه نص على الموصي.
ومنهم من قال هذا على قولين (3).
والوصية المستحبة والمتبرع بها محسوبة من الثلث، سواء كانت في حال الصحة أو في
حال المرض، وتبطل فيما زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بلا خلاف (4).
وتصح الوصية للوارث في المرض المتصل بالموت، خلافا لجميع الفقهاء وقالوا: لا
وصية لوارث (5).
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} (6) وهذا نص في موضع الخلاف،
ولا يمكن أن يدعي نسخ هذه الآية بآية المواريث، لأنه لا تنافي بينهما، وإذا أمكن العمل
بمقتضاهما لم تصح دعوى النسخ.
وقولهم: " تخص الآية بالوالدين والأقربين إذا كانوا كفارا " يفتقر إلى دليل ولا دليل، لهم
على ذلك.

1 - الغنية 306.
2 - الخلاف: 4 / 162 مسألة 43.
3 - الخلاف: 4 / 162 مسألة 44 - 45.
4 - الغنية: 306.
5 - الخلاف: 4 / 135 مسألة 1.
6 - البقرة: 180.
382

وما يروونه من قوله (عليه السلام) لا وصية لوارث، قد نص أصحاب الحديث على تضعيف
راويه ثم هو مخالف لظاهر القرآن المعلوم، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون، ولو سلم من ذلك
كله لكان خبر واحد وقد بينا أنه لا يجوز العمل به في الشرعيات (1).
ولا تصح الوصية للكافر إلا أن يكون ذا رحم للموصي (2)، وفاقا لأبي حنيفة وخلافا
للشافعي فإنه قال: يصح (3).
لنا أنه لا خلاف في جوازها إذا كان ذا رحم وليس على جوازها إذا لم يكن كذلك
دليل (4).
والوصية لأهل الذمة جائزة بلا خلاف. وفي أصحابنا من قيدها إذا كان من قرابته ولم
يشترط الفقهاء ذلك (5).
ويجوز الوصية للحمل فإن ولد ميتا، فهو لورثة الموصي.
وفي الخلاصة للشافعية تجوز الوصية للحمل إذا خرج لأقل من ستة أشهر من وقت
الإيصاء فإن خرج لأكثر ولها زوج فباطلة وإن لم يكن [لها] زوج فولدت لأقل من أربع سنين
من وقت الإيصاء فعلى قولين.
وإذا أوصى بثلث ماله في أبواب البر ولم يذكر تفصيلا، كان لكل باب منها مثل الآخر،
وكذا إن أوصى لجماعة ولم يرتبهم في جهة البر ولا سمى لكل واحد منهم شيئا معينا. وإن رتبهم
وعين ما لكل واحد منهم بدئ بالأول ثم بالثاني، إلى أن يتكامل الثلث ثم لا شئ لمن بقي
منهم.
ومن أوصى بوصايا من ثلثه، وعين منها الحج [140 / ب]، وكانت عليه حجة الإسلام
وجب تقديم الحج على الوصايا الأخر وإن لم يبق لها شئ من الثلث، وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: ما قلناه. والثاني يساوي بينه وبين الوصايا، فإن وفى الثلث بالكل فلا كلام، وإن كان
ما يصيب الحج لا يكفيه تمم من رأس المال، لأن حج الإسلام يجب من رأس المال (6).
وإن لم يكن عليه حجة الإسلام، فهي متبرع بها، يستأجر للنيابة عنه من ميقات
الإحرام.

1 - الغنية: 306 - 307 وفيها: على تضعيف رواته.
2 - الغنية: 307.
3 - الخلاف: 4 / 153 مسألة 26.
4 - الغنية: 307.
5 - الخلاف: 4 / 153 مسألة 26.
6 - الخلاف: 4 / 146 مسألة 17.
383

ومن أوصى بسهم من ماله أو شئ كان ذلك السدس، وإذا أوصى بجزء منه كان ذلك
السبع منه (1)، وروي أنه جزء من عشرة. وقال الشافعي: ليس فيه شئ مقدر، والأمر إلى
الورثة (2).
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي عن أياس بن معاوية (3) في السهم أنه قال: هو في اللغة
السدس، وروي عن ابن مسعود أن رجلا أوصى له بسهم من ماله فأعطاه النبي (عليه السلام) السدس.
ومن أوصى لقرابته دخل في ذلك كل من يقرب إليه إلى آخر أب وأم في الإسلام (4)،
واختلف الناس في القرابة. فقال الشافعي: إذا أوصى بثلثه لقرابته ولأقربائه وذوي رحمه،
فالحكم واحد، فإنها تنصرف إلى المعروفين من أقاربه في العرف، فيدخل كل من يعرف في
العادة أنه من قرابته، سواء كان وارثا أو غير وارث. قال الشيخ: ويقوي هذا في نفسي،
وليس لأصحابنا فيه نص عن الأئمة (عليهم السلام).
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يدخل كل ذي رحم محرم، فأما من ليس بمحرم فإنه لا يدخل
فيه، كبني الأعمام وغيرهم.
لنا قوله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} (5) فجعل لذي القربى
سهما من الغنيمة، فأعطى (صلى الله عليه وآله) ذلك لبني هاشم وبني عبد المطلب، فجاء عثمان وجبير بن مطعم
فقالا: يا رسول الله أما بنو هاشم فلا ينكر فضلهم لمكانك وضعك الله فيهم وأما بنو المطلب فما
بالنا أعطيتهم ومنعتنا، وقرابتنا وقرابتهم واحدة.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله) [أما بنو هاشم وبنو عبد المطلب فشئ واحد] وشبك بين أصابعه.
ووجه الدلالة أنه (عليه السلام) أعطى ذلك لبني أعمامه، وبني جده. وعند أبي حنيفة ليس
هؤلاء من ذوي القربى.
روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعطي لعمته صفية (6) من سهم ذي القربى (7).
وإذا أوصى بثلثه في سبيل الله، صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين [141 / أ]، مثل

1 - الغنية: 307.
2 - الخلاف: 4 / 139 مسألة 7.
3 - أبو واثلة المزني قاضي البصرة، أخذ عن أبيه، وأنس بن مالك وسعيد بن المسيب وغيرهم. وروى عنه: حميد
الطويل، وخالد الحذاء، مات سنة (122) بواسط. تاريخ دمشق: 10 / 5 رقم 843.
4 - الغنية 308.
5 - الأنفال: 41.
6 - صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام، توفيت سنة (20) في خلافة عمر بن الخطاب ودفنت بالبقيع.
أسد الغابة: 6 / 172 رقم 7059.
7 - الخلاف: 4 / 150 مسألة 24.
384

بناء المساجد والقناطر والحج والزيارة (1)، وقال الشيخ في الخلاف: هم الغزاة المطوعة، دون
المترصدين للقتال الذين يستحقون أربعة أخماس الغنيمة وهو قول الشافعي. قال: وفي
أصحابنا من قال: إن سبيل الله يدخل في جميع مصالح المسلمين وقد ذكرنا، وجميع ذلك طرق
إلى الله تعالى، فالأولى حمل لفظ سبيل الله على عمومها (2).
إذا قبل الوصية، فله أن يردها ما دام الموصي باقيا، فإن مات فليس له ردها. وبه قال
أبو حنيفة، إلا أنه قال: ليس له أن يردها في حال الحياة ما لم يردها في وجهه، وبعد الوفاة
ليس له ردها - كما قلناه - إلا أن يقر بالعجز أو الخيانة. وقال الشافعي: له ردها قبل الوفاة
وبعدها (3).
إذا مات الموصي ثم مات الموصي له قبل أن يقبل الوصية قام ورثته مقامه في قبول
الوصية وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: تبطل الوصية.
إذا كان رجل له ابن فأوصى لأجنبي بمثل نصيبه كان ذلك وصية بنصف المال، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: يكون وصية بجميع المال (4).
وإذا قال: أوصيت له بنصيب ابني، كانت الوصية باطلة، لأن قوله: نصيب ابني كأنه
يقول: ما يستحق ابني، وما يستحقه لا يجوز أن يستحقه غيره. وبه قال الشافعي. وقال أبو
حنيفة: تصح ويكون له كل المال (5).
وإذا قال: أوصيت له ضعف نصيب أحد ولدي يكون له مثلا نصيب أقل ورثته، لأن
الضعف مثلا الشئ، وبه قال جميع الفقهاء، وقال أبو عبيدة (6): الضعف هو مثل الشئ.
واستدل بقوله تعالى: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب
ضعفين} (7) قال: وأجمع العلماء أنهن إذا أتين بفاحشة فعليهن حدان فلو كان الضعف مثليه
لكان عليهن ثلاثة حدود. قلت: إن الضعف هو المثل وأجيب عن ذلك بأن الظاهر يقتضي
ثلاثة حدود. وبه قال أبو عبيدة، لكنا تركنا ذلك بدليل وهو قوله: {من جاء بالسيئة

1 - الغنية: 308.
2 - الخلاف: 4 / 148 مسألة 20.
3 - الخلاف: 4 / 148 مسألة 21.
4 - الخلاف: 4 / 136 مسألة 3.
5 - الخلاف: 4 / 136 مسألة 4.
6 - معمبر بن المثنى، التيمي بالولاء، البصري النحوي، روى عنه علي بن المغيرة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو عثمان
المازني وغيرهم، ولد سنة (110) وتوفي سنة (209) بالبصرة. أنظر ترجمته في وفيات الأعيان: 5 / 235 رقم 731.
7 - الأحزاب: 30.
385

فلا يجزى إلا مثلها} (1)، وروي أن عمر أضعف الصدقة على نصاري بني تغلب، ومعلوم أنه
كان يأخذ من كل أربعين شاة شاتين. (2)
إذا قال: لفلان ضعفا نصيب أحد ورثتي، يكون له ثلاثة أمثالها. وبه قال عامة الفقهاء،
إلا أبا ثور، فإنه قال: له أربعة أمثالها، قال الشيخ: ويقوى في نفسي مذهب أبي ثور، لأنا قد
دللنا أن ضعف الشئ مثلاه [141 / ب] (3).
تصرف المريض فيما زاد على الثلث إذا لم يكن منجزا لا يصح بلا خلاف، وإن كان منجزا
مثل العتاق والهبة والمحاباة فلأصحابنا فيه روايتان. إحداهما: أنه يصح والأخرى: لا يصح.
وبه قال الشافعي، وجميع الفقهاء (4).
إذا أوصى لرجل بشئ، ثم مات الموصي، فإنه ينتقل ما أوصى به إلى ملك الموصى له
بوفاة الموصي لأنه لا يكون ملكا للورثة بدلالة قوله تعالى: {من بعد وصية يوصي} (5)
فجعل لها الميراث بعد الوصية فلا بد أن يكون ملكا للموصي له. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال
أحدها: ما قلناه. والثاني ينتقل بشرطين: بوفاة الموصي، وقبول الموصى له. والثالث أنه
مراعى، فإن قبل، انتقل إليه بوفاته، وإن رد انتقل إلى ورثته بوفاته (6).
إذا أوصى بثلث ماله لجيرانه، فرق بين من يكون بينه وبين داره أربعون ذراعا من أربع
جوانب، وقد روي أربعون دارا، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة جيرانه: الجار
الملاصق (7).
إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته دخل أولاده فيه وآباؤه وأجداده. وقال ثعلب:
لا يدخل الأولاد فيه، وهو الذي اختاره أصحاب الشافعي (8).
إذا أوصى لعترته كان ذلك في ذريته الذين هم أولاده وأولاد أولاده، وكذلك قال ثعلب
وابن الأعرابي. وقال القتيبي (9): عترته عشيرته. وحكى أصحاب الشافعي القولين معا،

1 - الأنعام: 160.
2 - الخلاف: 4 / 138 مسألة 5.
3 - الخلاف: 4 / 139 مسألة 6.
4 - الخلاف: 4 / 143 مسألة 12.
5 - النساء: 11.
6 - الخلاف: 4 / 146 مسألة 18.
7 - الخلاف: 4 / 152 مسألة 25.
8 - الخلاف: 4 / 156 مسألة 32.
9 - أبو محمد، عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي صاحب كتاب (المعارف) حدث عن إسحاق بن
راهويه، ومحمد بن زياد الزيادي وروى عنه: عبيد الله بن عبد الرحمن السكري مات (276). الأنساب باب القاف
والتاء. وفيات الأعيان: 3 / 42 رقم 328.
386

وضعفوا قول القتيبي (1). لا يجوز أن يوصي إلى أجنبي بأن يتولى أمر أولاده مع وجود أبيه
ومتى فعل ذلك لم تصح لأن الجد أو لي به. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: تصح وصيته
للأجنبي مع وجود الجد (2).
الأم لا تلي على أولادها بنفسها إلا بوصية من أبيهم لأنه لا دلالة على ذلك في الشرع،
وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه، خلافا للإصطخري فإنه قال: هي تلي أمرهم بنفسها من
غير ولاية (3).

1 - الخلاف: 4 / 156 مسألة 33.
2 - الخلاف: 4 / 161 مسألة 40.
3 - الخلاف: 4 / 161 مسألة 41.
387

الفرائض
كتاب الفرائض
جملة ما يحتاج إلى العلم به في ذلك ستة أشياء:
ما به يستحق الميراث، وما به يمنع، ومقادير سهام الوراث. وترتبهم في الاستحقاق.
وتفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع وكيفية القسمة عليهم.
فأما ما يستحق به فشيئان: نسب وسبب، والسبب على ضربين: زوجية وولاء،
والولاء على ضروب ثلاثة: ولاء العتق، وولاء تضمن الجريرة، وولاء الإمامة.
أما ما به يمنع فثلاثة أشياء: الكفر، والرق، وقتل المورث منه عمدا على وجه الظلم (1).
فصل
وأما مقادير السهام فستة: النصف والربع [142 / أ] والثمن والثلثان والثلث والسدس.
فالنصف سهم أربعة: سهم الزوجة مع عدم الولد وولد الولد وإن نزلوا، وسهم البنت إذا
لم يكن غيرها من الأولاد، وسهم الأخت من الأب والأم، وسهم الأخت من الأب، إذا لم تكن
أخت من الأب والأم.
والربع سهم اثنين: سهم الزوج مع وجود الولد وولد الولد وإن نزلوا، وسهم الزوجة مع
عدمهم.
والثمن سهم الزوجة فقط، مع وجود الولد وولد الولد وإن نزلوا.

1 - الغنية: 309.
389

والثلثان سهم ثلاثة: سهم البنتين فصاعدا، والأختين فما زاد من الأب والأم،
والأختين فصاعدا من الأب. إذا لم يكن أخوات من أب وأم.
والثلث سهم اثنين: سهم الأم مع عدم الولد وولد الولد، وعدم من يحجبها من الإخوة،
وسهم الاثنين فصاعدا من كلالة الأم.
والسدس سهم خمسة: سهم كل واحد من الأبوين مع وجود الولد وولد الولد وإن
نزلوا، وسهم الأم مع عدم الولد، ووجود من يحجبها من الإخوة وسهم الواحد من الإخوة
والأجداد من قبل الأم (1).
فصل
وأما ترتيب الوراث، فاعلم أن الواجب تقديم الأبوين والولد، فلا يجوز أن يرث مع
جميعهم ولا مع واحدهم أحد ممن عداهم، إلا الزوج والزوجة فإنهما يرثان مع جميع الوراث،
وحكم ولد الولد - وإن نزلوا - حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق ومشاركة الأبوين
وحجبهما عن أعلى السهمين وحجب من عداهما من الإرث جملة إلا من استثنيناه.
والأقرب من الأولاد أو لي من الأبعد، وإن كان الأقرب بنتا والأبعد ابن ابن، فإن عدم
الأبوان والولد فالواجب تقديم الإخوة والأخوات والأجداد والجدات، فلا يرث مع جميعهم
ولا واحدهم أحد ممن عداهم إلا الزوج والزوجة.
وحكم أولاد الإخوة والأخوات - وإن نزلوا - حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق
ومشاركة الأجداد وحجب من سواهم واعتبار الأقرب منهم فالأقرب فإن لم يكن أحد من
هؤلاء، وجب تقديم الأعمام والعمات والأخوال والخالات أو واحدهم على غيرهم من
الوراث إلا من استثنيناه.
وحكم الأولاد منهم - وإن نزلوا - حكم آبائهم وأمهاتهم على ما قدمناه إلا في مشاركة
الأعمام والأخوال وفيما رواه أصحابنا - رضي الله عنهم - من أن ابن العم للأب والأم أحق
بالميراث من العم للأب.
فإن عدم هؤلاء الوراث فالمستحق من له الولاء بالعتق أو بتضمن الجريرة دون الإمام،

1 - الغنية: 309 - 310.
390

ويقوم ولد المعتق الذكور منهم دون الإناث مقامه، فإن لم يكن [142 / ب] له ولد قام عصبته
مقامهم (1).
فصل
في تفصيل أحكام الوراث مع الانفراد والاجتماع.
وقد بينا أن أول المستحقين الأبوان والولد، فالأبوان إذا انفردا من الولد، كان المال كله
لهما، للأم الثلث والباقي للأب، والمال كله لأحدهما إذا انفرد، فإن كان معهما زوج أو زوجة،
فللأم الثلث من أصل التركة. والباقي بعد سهم الزوج أو الزوجة للأب (2) وهو السدس، وبه
قال عبد الله بن عباس وإليه ذهب شريح، وروي عن علي (عليه السلام) مثل ذلك.
وقال جميع الفقهاء: للأم ثلث ما بقي (3).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه
الثلث} (4) وهذا نص في موضع الخلاف، لأنه لا يفهم من إيجاب الثلث لها إلا الثلث من
الأصل، كما لا يفهم من إيجاب النصف للبنت أو للزوج مع عدم الولد إلا ذلك.
وأيضا فإنه تعالى لم يسم للأب مع الأم شيئا، وإنما يأخذ الثلثين، لأن ذلك هو الباقي بعد
المسمى للأم، لا لأنه الذي لا بد أن يستحقه، بل الذي اتفق له.
فإذا دخل عليهما زوج أو زوجة وجب أن يكون النقص داخلا على من له ما يبقى، وهو
الأب، كما أن له الزيادة، دون صاحب السهم المسمى وهو الأم، ولو جاز نقصها عما سمي لها في
هذا الموضع، لجاز ذلك أيضا في الزوج أو الزوجة، وقد علمنا خلاف ذلك.
وحمل المخالف الآية على أن المراد للأم الثلث مع الأب إذا لم يكن وارث غيرهما، ترك
الظاهر من غير دليل.
وقولهم: لما ورث الأبوان بمعنى واحد وهو الولادة وكانا في درجة واحدة أشبها الابن
والبنت، فلم يجز أن تفضل الأنثى على الذكر، قياس لا يجوز أن تثبت به الأحكام الشرعية، ثم
لو منع ذلك من التفضيل لمنع من التساوي، كما منع في الابن والبنت منه، وقد علمنا

1 - الغنية: 310 - 311.
2 - الغنية: 312.
3 - الخلاف: 4 / 40 مسألة 33.
4 - النساء: 11.
391

تساوي الأبوين.
وقولهم: إذا دخل على الأبوين من يستحق بعض المال، كان الباقي بعد أخذ المستحق
بينهما على ما كان في الأصل، كالشريكين في المال لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه، استحق عليهما
بعضه، ليس بشئ لأن الشريكين قد استحق كل واحد منهما سهما معينا، فإذا استحق من
المال شئ كان ما يبقى بينهما على قدر سهامهما المسماة المعينة، وليس كذلك ما نحن فيه لأنا قد
بينا أن الأب لا يأخذ الثلثين بالتسمية، ولاهما سهمه الذي لا بد أن يستحقه، وإنما له الفاضل
بعد ما سمى للأم، فاتفق أنه [143 / أ] الثلثان له.
وبهذا نجيب عن قولهم: إذا دخل النقص على الابن والبنت معا، لمزاحمة الزوج
والزوجة، فكذلك يجب في الأبوين، لأن الله سبحانه قد صرح في الابن والبنت بأن للذكر مثل
حظ الأنثيين، فوجب أن القسمة بينهما على ذلك في كل حال، ولم يصرح بأن للأب في حال
الانفراد من الولد الثلثين، وإنما أخذهما اتفقا، فافترق الأمران.
فإن كان مع الأبوين أخوان، أو أربع أخوات، أو أخ وأختان لأب وأم، أو لأب، أحرار
مسلمون، فالأم محجوبة عن الثلث إلى السدس (1)، وقال جميع الفقهاء: أنها تحجب بأختين
أيضا. وقال ابن عباس: لا تحجب بأقل من ثلاثة إخوة.
وقالوا أيضا إنها تحجب إذا كانت الإخوة والأخوات من قبل الأم.
لنا أنه لا خلاف في صحة الحجب بمن ذكرناه وليس كذلك الحجب بمن عداهم، وقوله
تعالى: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} (2) وإن تناول ظاهره الإخوة من الأم، فإنا عدلنا
عن الظاهر للدليل (3).
وللأبوين مع الولد السدسان بينهما بالسوية، ولأحدهما السدس، واحدا كان الولد أو
أكثر، ذكرا كان أو أنثى، ولد صلب كان أو غيره، إلا أنه إن كان ذكرا فله جميع الباقي بعد سهم
الأبوين، وإن كان ذكرا وأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين، وهذا كله لا خلاف فيه، وإن كان أنثى
فلها النصف والباقي رد عليها وعلى الأبوين (4)، وعند الفقهاء الباقي رد على الأب بالتعصيب
ولا يرد على الأم (5).

1 - الغنية: 311 - 313.
2 - النساء: 11.
3 - الخلاف: 4 / 39 مسألة 31 - 32.
4 - الغنية: 313.
5 - الخلاف: 4 / 56 مسألة 69.
392

لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله} (1) وإذا كانت البنت والأبوان أقرب إلى الميت، وأو لي برحمه من عصبته ومن إمام
المسلمين وبيت المال، كان أحق بميراثه، وما رووه من قوله (صلى الله عليه وآله): المرأة تحوز ميراث ثلاثة:
عتيقها ولقيطها وولدها، وهي لا تحوز جميعه إلا بالرد عليها.
وما رووه من أنه (صلى الله عليه وآله) جعل ميراث ولد الملاعنة لأمه ولذريتها من بعدها، وظاهر ذلك
أن جميعه لها، ولا يكون لها ذلك إلا بالرد، وما رووه أيضا عن سعد (2) أنه قال للنبي (عليه السلام) إن لي
مالا كثيرا، وليس لي من يرثني إلا بنتي، أفأوصي بمالي كله. قال: لا، قال: فبالنصف. قال:
لا، قال: فبالثلث. قال: الثلث والثلث كثير، فأقره (عليه السلام) على قوله: ليس يرثني إلا بنتي، ولم
ينكر عليه، وروي الخبر بلفظ آخر وهو أنه قال: أفأوصي بثلثي مالي والثلث لبنتي. قال:
لا، قال: أفأوصي بنصف مالي [143 / ب] والنصف لبنتي. قال: لا، قال: أفأوصي بثلث
مالي والثلثان لبنتي. قال: الثلث والثلث كثير، وهذا يدل على أن البنت ترث الثلثين.
وقول المخالف: إن الله تعالى جعل للبنت الواحدة النصف، فكيف تزاد عليه، لا حجة
فيه، لأنها تأخذ النصف بالتسمية، وما زاد عليه بسبب آخر وهو الرد بالرحم، ولا يمتنع أن
ينضاف سبب إلى آخر، كالزوج إذا كان ابن عم ولا وارث معه، فإنه يرث النصف بالزوجية،
والنصف الآخر عندنا بالقرابة، وعندهم بالعصبة (3).
فصل
وإن كان مع الأبوين ابنتان فما زاد، كان لهما الثلثان وللأبوين السدسان، ولأحد الأبوين
السدس، والباقي رد عليهم بحساب سهامهم، وعندهم رد على الأب بالتعصيب كما ذكرنا
قبل (4)، والحجة عليهم قد مرت.
فإن كان هناك إخوة يحجبون الأم، لم يرد عليها شئ ويرد على الأب والبنت، وعندهم

1 - الأنفال: 75.
2 - سعد بن أبي وقاص (واسم أبي وقاص: مالك بن وهيب) القرشي الزهري أبو إسحاق، أسلم بعد ستة، وقيل بعد أربعة
واستعمله عمر على الجيوش وجعله أحد أصحاب الشورى. توفي سنة (55) وكان آخر المهاجرين موتا. أسد
الغابة: 2 / 366 رقم 2037.
3 - الغنية: 313 - 315.
4 - الخلاف: 4 / 56 مسألة 70، الغنية: 314 - 315.
393

يرد على الأب، وروي عن ابن عباس أن السدس الذي حجبوا به الأم يكون للأخوة (1).
فإن كان مع الأبوين والولد زوج أو زوجة، كان للولد ما يبقى بعد سهم الأبوين والزوج
أو الزوجة، واحدا كان الولد أم جماعة، ذكرا كان أو أنثى، وإن لم يف الباقي بالمسمى للبنت أو
البنتين، يكون النقص داخلا على البنت أو ما زاد عليها، دون الأبوين، ودون الزوج أو
الزوجة.
وهذه من مسائل العول التي يذهب المخالفون فيها إلى إدخال النقص في جميع السهام،
ويشبهون ذلك بمن مات وعليه ديون لا تتسع تركته لوفائها.
والعول في اللغة عبارة عن الزيادة والنقصان معا، فإن أضيف هاهنا إلى المال، كان
نقصانا، وإن أضيف إلى السهام كان زيادة. (2)
مسائل العول
زوج وأبوان وبنت، للزوج الربع وللأبوين السدس والباقي للبنت. وعندهم أن المسألة
تعول إلى ثلاثة عشر (3).
زوج وأبوان وبنتان، للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي للبنتين. ولا عول.
وعندهم يعول من اثني عشر إلى خمسة عشر (4).
زوج وبنتان وأم، للزوج الربع، وللأم السدس، والباقي للبنتين، ولا عول. وعندهم
تعول إلى ثلاثة عشر (5).
بنتان وأب وأم وزوجة، للزوجة الثمن، وللأبوين السدسان والباقي للبنتين. وعندهم
تعول من أربعة وعشرين إلى سبعة وعشرين.
وهذه المسألة يقال لها المنبرية التي قال فيها: صار ثمنه تعسا (6).
لنا بعد إجماع الإمامية أنه لا خلاف أن النقص داخل على البنت أو البنتان، ولا دليل
على دخوله هاهنا على ما عداهن، من إجماع ولا غيره [144 / أ]، فوجب البقاء فيهم على
الأصل الذي اقتضاه ظاهر القرآن.

1 - الخلاف: 4 / 56 مسألة 68.
2 - الغنية 315.
3 - الخلاف: 4 / 43 مسألة 41.
4 - الخلاف: 4 / 43 مسألة 40.
5 - الخلاف: 4 / 42 مسألة 39.
6 - الخلاف: 4 / 44 مسألة 45.
394

وأيضا فدخول النقص على جميع ذوي السهام تخصيص لظواهر كثيرة من القرآن
وعدول عن الحقيقة فيها إلى المجاز، ودخوله على البعض رجوع عن ظاهر واحد فكان أولى
إذا ثبت أن نقص البعض أو لي ثبت أنه الذي عيناه، لأن من قال بأحد الأمرين قال بالآخر،
والقول بأن المنقوص غيره مع القول بأن نقص البعض أولى خروج عن الإجماع.
والفرق بين ما نحن فيه وبين الديون على التركة، أن الغرماء مستوون في وجوب استيفاء
حقوقهم منها، ولا مزية لبعضهم على بعض في ذلك، وليس كذلك مسائل العول، لأنا قد بينا
أن في الورثة من لا يجوز أن ينقص عن سهمه، وفيهم من هو أو لي بالنقص من غيره، فخالف
حالهم حال الغرماء.
ودعواهم على أمير المؤمنين أنه كان يقول بالعول وروايتهم عنه أنه قال بغير روية
وقد سئل وهو على المنبر عن ابنتين وأبوين وزوجة صار ثمنها تسعا، غير صحيحة، لأن ابناه
(عليه السلام) وشيعته أعلم بمذهبه من غيرهم، وقد نقلوا عنه خلاف ذلك، وابن عباس ما أخذ مذهبه
في إبطال العول إلا عنه، وقد روى المخالف عنه أنه قال: من شاء باهلته أن الذي أحصى رمل
عالج ما جعل في مال نصفا وثلثا وربعا.
ثم اعتمادهم في الرواية عن أمير المؤمنين لما ادعوه من قوله بالعول على أخبار آحاد،
لا يعول على مثلها في الشرع، ثم هي موقوفة على الشعبي والنخعي والحسن بن عمارة (1)،
والشعبي ولد في سنة ست وثلاثين، والنخعي ولد في سنة سبع وثلاثين، وأمير المؤمنين (عليه السلام)
قتل في سنة أربعين، فلا يصح روايتهما عنه، والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث،
ولما ولي المظالم قال سليمان بن مهران الأعمش (2): ظالم ولي المظالم.
وأما ما ادعوه من قوله (عليه السلام): صار ثمنها تسعا، فرواه سفيان عن رجل لم يسمه، والمجهول
لا يعتمد بروايته، على أنه يتضمن ما لا يليق به (عليه السلام)، لأنه سئل عن ميراث المذكورين،
فأجابه عن ميراث الزوجة فقط وإغفاله من عداها - وقد سئل عنه - غير جائز.

1 - بن المضرب البجلي، مولاهم، أبو محمد الكوفي الفقيه، كان على قضاء بغداد في خلافة (المنصور) مات سنة (153)
أنظر الأقوال في تضعيفه في تهذيب الكمال: 6 / 265 رقم 1252.
2 - الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي، روى عن: أبان بن أبي عياش، وإبراهيم التميمي، وإبراهيم النخعي وغيرهم،
روى عنه: أبان بن تغلب وإبراهيم بن طهمان، وأسباط بن محمد القرشي، مات سنة (148) وفيه مظالمنا. تهذيب
الكمال: 12 / 76 رقم 2570.
395

وقد قيل: إن الخبر لو صح لاحتمل أن يكون المراد به صار ثمنها تسعا عند من يري
العول، على سبيل التهجين له والذم كما قال تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} (1) أي عند
قومك وأهلك، واحتمل أيضا أن يكون أراد الاستفهام، وأسقط حرفه [144 / ب]، كما روي
عن ابن عباس في قوله، {فلا اقتحم العقبة} (2) وكما قال عمر بن [أبي] ربيعة (3):
ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرا * عدد القطر والحصى والتراب (4)
فصل
وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين، فله المال كله، سواء كان واحدا أو جماعة،
ذكرا كان أو أنثى.
فلا يرث مع البنت أحد سوى من قدمناه، عصبة كان أم غيره، بل النصف لها بالتسمية
والنصف الآخر بالرد بالرحم، ومخالفونا يذهبون إلى أنه لو كان مع البنت عم أو ابن عم،
لكان له النصف بالتعصيب، وكذا لو كان معهما أخت، ويجعلون الأخوات عصبة مع البنات،
ويسقطون من هو في درجة العم أو ابن العم من النساء، كالعمات وبنات العم إذا اجتمعوا،
ويخصون بالميراث الرجال دون النساء ونحن نورثهن (5).
مسائل التعصيب
بنت وبنت ابن وعصبة، للبنت النصف بالتسمية، والباقي رد عليها.
وعندهم للبنت النصف، ولبنت الابن السدس - تكملة الثلثين، والباقي للعصبة (6).
بنت وبنات ابن وعصبة، للبنت النصف بالفرض والباقي رد عليها.
وعندهم لها النصف، ولبنات الابن السدس - تكملة الثلثين - والباقي للعصبة. (7)
بنتان وبنت ابن وعصبة، للبنتين الثلثان بالتسمية، والباقي رد عليهما.

1 - الدخان: 49.
2 - البلد: 11.
3 - المخزومي، أبو الخطاب، الشاعر المشهور، أنظر ترجمته في وفيات الأعيان: 3 / 436 رقم 490.
4 - الغنية: 315 - 318.
5 - الغنية: 318.
6 - الخلاف: 4 / 45 مسألة 47.
7 - الخلاف: 4 / 46 مسألة 48.
396

وعندهم للبنتين الثلثان، والباقي للعصبة (1).
بنتان وبنت ابن ومعهما ابن ابن، للبنتين الثلثان، والباقي رد عليهما.
وعندهم الباقي بين بنت الابن وأخيها، للذكر مثل حظ الأنثيين. (2)
زوج وأبوان وبنت وبنت ابن، للزوج الربع، وللأبوين السدسان، والباقي للبنت،
وليس لبنت الابن شئ.
وعندهم هذه من اثنى عشر وتعول إلى خمسة عشر، للزوج ثلاثة الربع، وللأبوين
السدسان أربعة، وللبنت النصف ستة ولبنت الابن السدس، اثنان تكملة الثلثين (3).
بنت وبنات ابن وابن ابن، للبنت النصف والباقي لها بالرد.
وعندهم الباقي لبنات الابن وابن الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين (4).
بنتان وأخت لأب وأم، أو لأب، للبنتين الثلثان فرضا، والباقي رد عليهما.
وعندهم الباقي للأخت، لأن الأخوات مع البنات عصبة. (5)
بنت واحدة وأخت لأب وأم أو لأب، للبنت النصف بالفرض، والباقي رد عليها.
وعندهم الباقي للأخت بالتعصيب (6).
لنا ما يدل على مذهبنا ما قدمنا من آية ذوي الأرحام، لأن الله سبحانه نص فيها على أن
سبب الميراث القربى وتداني الأرحام، وإذا ثبت ذلك وكانت البنت أقرب من العصبة وجب
أن تكون أو لي بالميراث [145 / أ].
ويدل أيضا على أنه لا يجوز إعطاء الأخت النصف مع البنت، قوله تعالى: {إن امرؤ
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} (7) شرط في استحقاقها النصف فقد الولد،
فوجب ألا تستحقه مع البنت، لأنها ولد.
ويدل على بطلان تخصيص الرجال بالإرث دون النساء، قوله تعالى: {للرجال نصيب
مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل
منه أو كثر نصيبا مفروضا} (8) فأوجب سبحانه للنساء نصيبا، كما أو جب للرجال، من

1 - الخلاف: 4 / 46 مسألة 49.
2 - الخلاف: 4 / 47 مسألة 50.
3 - الخلاف: 4 / 47 مسألة 51.
4 - الخلاف: 4 / 47 مسألة 52.
5 - الخلاف: 4 / 49 مسألة 55.
6 - الخلاف: 4 / 50 / 56.
7 - النساء: 176.
8 - النساء: 7.
397

غير تخصيص، فمن خص الرجال بالميراث في بعض المواضع، فقد ترك الظاهر، فعليه الدليل،
ولا دليل يقطع به على ذلك.
ولا يلزمنا مثل ذلك إذا خصصنا البنت بالميراث دون العصبة، لأن الاستواء في الدرجة
مراعى مع القرابة، بدليل أن ولد الولد لا يرث مع الولد - وإن شمله اسم الرجال - إذا كان من
الذكور، واسم النساء إذا كان من الإناث، وإذا ثبت ذلك وكان هو المراد بالآية، وورث المخالف
العم دون العمة، مع استوائهما في الدرجة، كان ظاهر الآية حجة عليه دوننا، على أن
التخصيص بالأدلة غير منكر، وإنما المنكر أن يكون ذلك بغير دليل.
فإن قالوا: نحن نخص الآية التي استدللتم بها بما رواه ابن طاووس عن أبيه عن ابن
عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: يقسم المال على أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت فلأولي
ذكر قرب، ونحن نورث الأخت مع البنت بما رواه الهذيل بن شرحبيل (1) من أن أبا موسى
الأشعري (2) سئل عمن ترك بنتا وبنت ابن وأختا لأب وأم، فقال: للبنت النصف وما بقي
فللأخت. وبما رواه الأسود بن يزيد (3) قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله
فأعطى البنت النصف والأخت النصف ولم يورث العصبة شيئا.
فالجواب إن ترك ظاهر القرآن لا يجوز بمثل هذه الأخبار، لأن أول ما فيها أن الخبر
المروي عن ابن عباس لم يروه أحد من أصحاب الحديث إلا من طريق ابن طاووس، ومع هذا
فهو مختلف اللفظ فروي فلأولي ذكر قرب، وروي فلأولي عصبة قرب، وروي فلأولي عصبة
ذكر قرب، وروي فلأولي رجل ذكر عصبة، واختلاف لفظه مع اتحاد طريقه دليل ضعفه، على
أن مذهب ابن عباس في نفي التوريث بالعصبة مشهور، وراوي الحديث إذا خالف كان قدحا
في الحديث، والهذيل بن شرحبيل مجهول ضعيف.

1 - كذا في النسخة وفي المصدر بالزاي المعجمة الأودي الكوفي (الأزدي) روى عن: علي، وابن مسعود وغيرهما
وروى عنه: الشعبي، وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان. تاريخ الإسلام: 81 - 100 رقم 159 وأسد الغابة: 4 / 397 رقم
5364.
2 - اسمه عبد الله بن قيس، استعمله النبي (صلى الله عليه وآله) على بعض اليمن: كزبيد، وعدن واستعمله عمر على البصرة ثم استعمله
عثمان على الكوفة ثم كان أحد الحكمين بصفين مات سنة (50) بالكوفة أو بمكة. الإصابة: 4 / 211 رقم 4901.
3 - الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو، روى عن عمر، وعلي [(عليه السلام)] وابن مسعود توفي سنة (75). الطبقات
لابن سعد: 6 / 70.
398

ثم إن أبا موسى الأشعري لم يسند ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وفتواه (1) لا حجة فيها، ولا حجة
أيضا في قضاء معاذ بذلك ولا في كونه [145 / ب] على عهد رسول الله ما لم يثبت علمه (عليه السلام) به
وإقراره عليه، وفي الخبر ما يبطل أن تكون الأخت أخذت بالتعصيب، وهو قوله: ولم يورث
العصبة شيئا، لأنها لو كانت هاهنا عصبة، لقال: ولم يورث باقي العصبة شيئا.
على أن هذه الأخبار لو سلمت من كل قدح، لكانت معارضة بأخبار مثلها، واردة من
طريق المخالف، مثل قوله (عليه السلام): من ترك مالا فلأهله، وقول ابن عباس وجابر بن عبد الله: إن
المال كله للبنت دون الأخت، وروى الأعمش مثل ذلك عن إبراهيم النخعي، وبه قضى عبد
الله بن الزبير (2) على ما حكاه الساجي والطبري (3)، وما نختص نحن بروايته في إبطال التوريث
بالعصبة كثير.
وإذا تعارضت الأخبار وسقطت، وجب الرجوع إلى ظاهر القرآن، على أن أخبارهم لو
سلمت من المعارضة لكانت أخبار آحاد، وقد دللنا على فساد العمل بها في الشرعيات.
على أنهم قد خالفوا لفظ الحديث عن ابن عباس، فورثوا الأخت مع البنت، وليست
برجل ولا ذكر، وورثوها أيضا مع الأخ إذا كان مع البنت ولم يخصوا الأخ، وكذا لو كان مكان
الأخ عم، وإذا جاز لهم تخصيصه بموضع دون موضع، جاز لنا حمله على من ترك أختين لأم
وأخا لأب وأم (4)، أو أن ترك زوجة وأخا مع عمومة وعمات، فإن ما يبقى بعد الفرض
المسمى، للأختين أو للزوجة لأولي ذكر قرب، وهو الأخ بلا خلاف.
على أنهم إذا جعلوا الأخت عند فقد الإخوة عصبة، لزمهم أن يجعلوا البنت مع عدم
البنتين عصبة بل هي أولى، لأن الابن أحق بالتعصيب من الأب، والأب أحق بالتعصيب من
الأخ، وأخت الابن يجب أن يكون أحق بالتعصيب من أخت الأخ بلا شبهة، وليس لهم أن

1 - كذا في الغنية: 321، وفي النسخة: وفتوى هواه إلا حجة. مع غموض في الخط.
2 - بن العوام، أبو خبيب بويع له بمكة سنة (64) وقتل في حربه مع الحجاج سنة (73) كان عمره 72 سنة أنظر ترجمته
في وفيات الأعيان: 3 / 71 رقم 340.
3 - أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري القاضي الفقيه الشافعي، تفقه بآمل على أبي على الزجاجي وارتحل إلى
نيسابور وبغداد وولي القضاء بربع الكرخ. توفي سنة (450) ودفن في مقبرة باب حرب. وفيات الأعيان: 2 / 512
الرقم 307.
4 - وفي الغنية: 322: وأخا لأب مع أولاد إخوة لأب وأم أو ترك زوجة....
399

يفرقوا بأن البنت لا تعقل عن أبيها لأن الأخت أيضا لا تعقل (1).
وقال الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي (رضي الله عنه) في الخلاف: القول بالعصبة باطل عندنا،
ولا يورث بها في موضع من الموضع، وإنما يورث بالفرض المسمى، أو القربى، أو الأسباب التي
يورث بها مثل الزوجية والولاء.
وروي ذلك عن ابن عباس، لأنه قال فيمن خلف بنتا وأختا: أن المال كله للبنت
دون. الأخت، ووافقه جابر بن عبد الله في ذلك.
وحكى الساجي: أن عبد الله بن الزبير قضى بذلك، وحكى مثل ذلك عن إبراهيم
النخعي.
ولم يجعل داود الأخوات عصبة مع البنات.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وأثبتوا العصبات من جهة الأب والابن، واستدلوا
بخبر [146 / أ] رووه عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الحقوا
الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر.
والذي يدل على بطلان هذه الرواية أنهم رووا عن طاووس خلاف ذلك.
روى ذلك أبو طالب الأنباري (2) قال: حدثنا محمد بن أحمد البربري (3) قال:
حدثنا بشر بن هارون (4) قال: حدثنا الحميدي (5) قال: حدثنا سفيان (6) عن
أبي إسحاق (7)، عن حارثة بن مضرب (8) قال: جلست إلى ابن عباس وهو بمكة، فقلت يا ابن

1 - الغنية 318 - 322.
2 - عبيد الله بن أحمد بن يعقوب، يعرف بابن أبي زيد، روى عن إسحاق بن موسى الرملي، وثعلب، ويوسف القاضي.
روى عنه محمد بن زهير بن أخطل وغيره. لسان الميزان: 4 / 521 رقم 5429 ومعجم رجال الحديث: 10 / 88
رقم 6666.
3 - لم أقف له على شرح حال.
4 - لم أعثر عليه ولعل وقع فيه تصحيف حيث أن الراوي عن الحميدي هو بشر بن موسى الأسدي البغدادي. ينظر تاريخ
بغداد: 7 / 88 رقم 3523.
5 - عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة، أبو بكر الأسدي الحميدي روى عن بن عيينة، وإبراهيم بن سعد،
والشافعي، وروى عنه جماعة كثيرة مات بمكة سنة (219) وكان ثقة كثير الحديث. تهذيب التهذيب: 5 / 189 رقم
373.
6 - بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، أبو محمد الكوفي روى عن أبي إسحاق الشيباني وجماعة وروى عنه عبد الله بن
الزبير الحميدي. ولد سنة (107) وتوفي سنة (198) ودفن بالحجون. تهذيب الكمال: 11 / 177 رقم 2413.
7 - هو عمرو بن عبد الله بن عبيد أبو إسحاق السبعي الكوفي مات سنة (126) ينظر ترجمته. تهذيب الكمال: 22 / 102
رقم 4400.
8 - حارثة بن مضرب العبدي الكوفي روى عن خباب بن الأرت، وسلمان الفارسي وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وروى عنه
أبو إسحاق السبيعي. تهذيب الكمال: 5 / 317 رقم 1058.
400

عباس حديث يرويه أهل العراق عنك، وطاووس مولاك يرويه: أن ما أبقت الفرائض
فلأولى عصبة ذكر. قال: أمن أهل العراق أنت. قلت: نعم قال: أبلغ من وراءك، أني أقول قول
الله عز وجل: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله} (1)
وقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (2) وهل هذه إلا فريضتان
وهل أبقتا شيئا؟ ما قلت هذا، ولا طاووس يرويه، فلقيت طاووس فقال: لا والله ما رويت
هذا عن ابن عباس قط، وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم. قال سفيان، أراه من قبل ابنه عبد
الله بن طاووس (3)، ولو سلم هذا الخبر لكان محمولا على أشياء: منها أن يكون مقدرا في رجل
مات وخلف أختين من قبل أمه وابن أخ وبنت أخ لأب وأم وأخا لأب، فللأختين من الأم
الثلث وما بقي فلأولى ذكره وهو الأخ للأب. وفي مثل امرأة وخال وخالة وعم وعمة وابن أخ،
فللمرأة الربع، وما بقي فلأولى ذكر وهو ابن الأخ، لأنه ليس في ظاهر الخبر أن الباقي لأولي
عصبة ذكر مع التساوي في الدرج، بل هو عام على أنه لو أراد التساوي لم يجز لهم أن يورثوا
ابن العم والعم مع البنت، لأن البنت أقرب منهما. ويمكن أن يقول أيضا مع التساوي
في الدرج، أنه مقدر في رجل مات وخلف زوجة وأختا لأب وأخا لأب وأم، فللزوجة
الربع، والباقي للأخ من الأب والأم، وفي مثل امرأة ماتت وخلفت زوجا وعما من قبل الأب
والأم، وعمة من قبل الأب، فإن للزوج النصف والباقي للعم للأب والأم، دون العمة من قبل
الأب.
واستدلوا بخبر رووه عن عبد الله بن محمد بن عقيل (4) عن جابر: أن سعد بن الربيع (5)

1 - النساء: 11.
2 - الأنفال: 75.
3 - عبد الله بن طاووس اليماني، أبو محمد الابناوي روى عن عطاء وعمرو بن شعيب وعكرمة بن خالد وغيرهم، وعنه
عمرو بن دينار وأيوب السختياني مات سنة (132). تهذيب التهذيب: 5 / 237 رقم 3507.
4 - بن أبي طالب، القرشي الهاشمي، أبو محمد المدني روى عن: إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، وأنس بن
مالك، وجابر بن عبد الله، روى عنه: إبراهيم بن الفضل المخزومي، وإسحاق بن حازم المدني البزاز، مات بالمدينة
قبل خروج محمد بن عبد الله بن حسن، وخرج محمد بن عبد الله بن حسن سنة (145). تهذيب الكمال: 16 / 78
رقم 3543.
5 - سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة الأولى والثانية، وقتل يوم أحد شهيدا.
أسد الغابة: 2 / 196 رقم 1993 والإصابة: 3 / 58 رقم 3155.
401

قتل يوم أحد، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) رأى امرأته جاءت بابنتي سعد، فقالت: يا رسول الله إن أباهما
قتل يوم أحد وأخذ عمهما المال كله، ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): سيقضي الله في
ذلك، فأنزل الله تعالى [146 / ب] {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين} (1) حتى ختم الآية فدعا النبي (عليه السلام) عمهما وقال: أعط الجاريتين الثلثين، وأعط أمهما
الثمن وما بقي فهو لك، والكلام في هذا الخبر أنه قد قيل بأن راويه (2) عبد الله بن محمد بن عقيل
واحد. وهو عندهم أيضا ضعيف ولا يحتجون بحديثه، ومع هذا فهو معارض لظاهر القرآن.
وقد ألزم القائلون بالعصبة من الأقوال ما لا يحصى.
منها أن ابن الصلب أضعف عندهم من ابن ابن ابن العم، فإنا إذا قدرنا أن رجلا مات،
وخلف ثمانية وعشرين بنتا وابنا، فإن من قول الكل: أن للابن جزئين من ثلاثين جزء، فيقال
لهم: لو كان بدل الابن ابن ابن ابن العم، فلا بد أن يقولوا أن له عشرة أجزاء من ثلاثين جزء
وعشرين جزء من الثمانية والعشرين بنتا، وفي هذا تفضيل للبعيد على الولد للصلب، فيكون
في ذلك خروج عن العرف والشريعة وترك لظاهر قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض} (3) وأمثال هذه الإلزامات والمعارضات كثيرة (4).
وقال أيضا أعني الشيخ في الخلاف: العول عندنا باطل وبه قال ابن عباس، فإنه لم يعل
المسائل وأدخل النقص على البنات، وبنات الابن، والأخوات للأب والأم أو الأب. وبه قال
محمد بن الحنفية (5) وداود بن علي وأعالها جميع الفقهاء.
يدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الفرقة وأخبارهم ما روى الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله بن [عتبة بن] مسعود (6) قال: التقيت أنا وزفر بن أوس (7) فقلنا نمضي إلى ابن عباس

1 - النساء: 11.
2 - وفي النسخة والخلاف: رواية.
3 - الأنفال: 75.
4 - الخلاف: 4 / 62 - 71 مسألة 80.
5 - ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبو عبد الله المدني المعروف بابن الحنفية واسمها خولة بنت جعفر من سبي اليمامة،
وقيل: كانت أمه لبني حنيفة، ولم تكن من أنفسهم. روى عن: عبد الله بن عباس وأبيه (عليه السلام) وعمار بن ياسر، روى عنه
إبناه إبراهيم والحسن، وسالم بن أبي الجعد. قيل: إنه ولد في خلافة أبي بكر، ومات برضوى سنة (73) ودفن بالبقيع.
تهذيب الكمال: 26 / 147 رقم 5484.
6 - أبو عبد الله، الهذلي التابعي، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، سمع من ابن عباس وأبي هريرة، وروى عنه: أبو الزناد،
والزهري توفي سنة (102). وفيات الأعيان: 3 / 115 رقم 356.
7 - زفر بن أوس بن الحدثان النصري، من بني نضر بن معاوية. قيل: أنه أدرك النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا تعرف له صحبة ولا رؤية.
أسد الغابة: 2 / 106 رقم 1752، وانظر تهذيب التهذيب: 3 / 282 رقم 611.
402

فتحدث عنه فمضينا وتحدثنا، فكان مما نتحدث أن قال: سبحان الله الذي أحصى رمل عالج
عددا جعل للمال نصفا ونصفا وثلثا، ذهب النصفان بالمال فأين الثلث. إنما جعل نصفا
[و] نصفا وأثلاثا وأرباعا. وأيم الله لو قدموا من قدمه الله، وأخروا من أخره الله لما عالت
الفريضة قط.
قلت: من الذي قدمه الله ومن الذي أخره الله قال: الذي أهبطه الله من
فرض إلى فرض، فهو الذي قدمه الله والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي فهو الذي
أخره الله.
فقلت: من أول من أعال الفرائض. قال: عمر بن الخطاب. قلت: هلا أشرت عليه به.
قال: هبته، وكان امرءا مهيبا.
ووجه الدليل من قوله شيئان: أحدهما أنه قال: الذي يعلم عدد الرمل لا يعلم أن المال
لا يكون له نصف ونصف وثلث، يعني يستحيل أن يكون كذلك.
والثاني: أنه قال لو قدموا من قدمه الله [147 / أ]، وأخروا من أخره الله، يعني أن
الزوج له النصف إذا لم يكن لها الولد والربع مع الولد، وللزوجة الربع ولها الثمن مع الولد، وللأم
الثلث ومع الولد السدس، وللبنت أو الأخت إذا كانت وحدها النصف، وإذا كان مع البنت
ابن، أو مع الأخت أخ فإن لهما يبقى للذكر مثل حظ الأنثيين.
فالزوج والزوجة يهبطان من فرض إلى فرض، والبنت والأخت يهبطان إلى ما بقي،
فوجب أن [النقص] يكون داخلا على من يهبط من فرض إلى ما بقي لا على من يهبط من فرض
إلى فرض.
واستدل القائلون بالعول بخبر رواه عبيدة السلماني (1) عن علي (عليه السلام) حين سئل عن
رجل مات وخلف زوجة وأبوين وابنتيه، فقال: صار ثمنها تسعا، وأجيب عن ذلك
بجوابين أحدهما أن ذلك خرج مخرج الإنكار لا الإخبار كما يقول الواحد منا إذا أحسن إلى
غيره وقابله بالذم والإساءة قد صار حسني قبيحا. والآخر أنه خرج مخرج التقية، لأنه
لم يمكنه إظهار خلافه. (2)

1 - عبيدة بن عمرو، ويقال: ابن قيس بن عمرو، السلماني، المرادي، أبو عمرو الكوفي روى عن: علي بن
أبي طالب (عليه السلام)، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مسعود. مات سنة (72). تهذيب الكمال: 19 / 266 رقم 3756.
2 - الخلاف: 4 / 73 مسألة 81.
403

فصل في ولد الولد يقومون مقام آبائهم
وقد بينا فيما تقدم أن ولد الولد وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم وأمهاتهم في مشاركة من
يشاركونه، وحجب من يحجبونه ويأخذ [كل منهم] ميراث من يتقرب به، كابن بنت وبنت
ابن، فإن لابن البنت الثلث، ولبنت الابن الثلثان (1).
ثم الأقرب يمنع الأبعد، والأعلى يمنع الأسفل، فعلى هذا لا يجتمع الأعلى مع من هو أنزل
منه ذكرا كان أو أنثى. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، فقالوا: ولد الولد يقوم مقام الولد. ومعناه:
لو كانوا ولد الصلب لورثوا ميراث ولد الصلب، فولد البنت لا يرث على مذهب الشافعي.
وبنت الابن تأخذ النصف فإن كان معها أخوها فللذكر مثل حظ الأنثيين، وبنتا الابن
لهما الثلثان، وبنت الابن مع بنت ابن الابن تجريان مجرى البنت للصلب مع بنت الابن.
ثم على هذا الترتيب للبنت العليا النصف، وللتي تليها تكملة الثلثين ويسقط من هو
أنزل منها إلا أن يكون معها أخوها فيكون الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين (2).
ومن أصحابنا من وافق الفقهاء فقال: ولد الولد يقوم مقام الولد كابن البنت وبنت الابن
فإنهما يقومان مقام الولد الصلبي، فالمال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين (3).
والدليل على المذهب الأول - وهو أن بنت الابن يقوم مقام الابن وابن البنت يقوم مقام
البنت - أن اسم الولد يقع على ولد الولد حقيقة وإن نزلوا سواء [147 / ب] كان الولد ذكرا أو
أنثى، لما قدمناه من إطلاق المسلمين في عيسى أنه من ولد آدم ومن قول النبي (عليه السلام): الحسن
والحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ولأن جميع ما علقه سبحانه من الأحكام بالولد قد
عم به ولد البنين والبنات في قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} إلى قوله: {وبنات
الأخ وبنات الأخت} (4) وقوله {وحلائل أبنائكم} (5) وفي قوله: {ولا يبدين زينتهن إلا
لبعولتهن} إلى قوله: {أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن} (6) وإذا وقع اسم الولد على ولد الولد
حقيقة تعلق بهم من أحكام الميراث إذا لم يوجد ولد الصلب مثل ما تعلق به ظاهر القرآن.
وليس لأحد أن يقول: إن اسم الولد يقع على ولد الولد مجازا، ولا يدخل في الظاهر إلا
بدليل، لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة، على ما بين في أصول الفقه، ومن ادعى المجاز فعليه

1 - الغنية 323.
2 - الخلاف: 4 / 50 مسألة 57.
3 - السرائر: 3 / 233 عن فضل بن شاذان.
4 - النساء 23.
5 - النساء 23.
6 - النور: 31.
404

الدليل.
ولا يلزم على ذلك مشاركة ولد الولد لولد الصلب في الميراث، ولا مشاركة الأجداد
الآباء الأدنين لظاهر قوله تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس} (1) لأنا عدلنا عن
الظاهر في ذلك بالدليل القاطع، ولا دليل يوجب الرجوع عنه فيما اختلفنا فيه، فبقينا على
ما يقتضيه الظاهر (2).
فصل
ويستحب أن يخص الأكبر من الأولاد الذكور بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه وثياب
جلده إذا كان هناك تركة سوى ذلك، ومن أصحابنا من قال يحتسب بقيمة ذلك من سهمه
ليجمع بين ظاهر القرآن وما أجمعت الطائفة عليه، وكذا قال فيما رواه أصحابنا من أن الزوجة
لا ترث من الرباع، والأرضين فحمله على أنها لا ترث من نفس ذلك بل من قيمته (3).
خلافا لجميع الفقهاء في المسألتين فإنهم لا يخصون الأكبر من الأولاد بما قلناه ويعطون
الزوجة نصيبها من الرباع والأرضين (4).
فصل
ولواحد الإخوة والأخوات أو الأجداد والجدات إذا انفرد جميع المال من أي الجهات
كان، وإذا اجتمع كلالة الأم مع كلالة الأب والأم كان للواحد من قبل الأم - أخا كان أم أختا
جدا أم جدة - السدس، وللاثنين فصاعدا الثلث، والذكر والأنثى فيه سواء، وروي أن لواحد
الأجداد من قبل الأم الثلث نصيب الأم، والباقي لكلالة الأب والأم، أخا كان أم أختا، جدا أم
جدة، فإن كانوا جماعة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.
ولا يرث أحد من الأخوة والأخوات من قبل الأب خاصة، مع وجود واحد منهم من
الأب والأم أخا كان أم أختا ومتى اجتمع واحد من كلالة الأم مع أخت أو أختين فصاعدا من
الأب والأم كان الفاضل من سهامهم مردودا على كلالة الأب والأم خاصة، وتشترك كلالة

1 - النساء: 11.
2 - الغنية: 324.
3 - الغنية 323 - 324.
4 - الخلاف: 4 / 115 مسألة 129 - 131.
405

الأم مع كلالة الأب في الفاضل على قدر سهامهم، ومن أصحابنا من قال: تختص بالرد كلالة
الأب، لأن النقص يدخل عليها خاصة إذا نقصت التركة عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو
الزوجة، ولا يدخل على كلالة الأم ولا على الزوج والزوجة على حال.
وولد الإخوة والأخوات وإن نزلوا يقومون عند فقد آبائهم مقامهم في مقاسمة الأجداد
وفي الحجب لغيرهم، وكذا حكم الأجداد والجدات وإن علوا، [و] الأدنى من جميعهم - وإن
كان أنثى - أحق من الأبعد، وإن كان ذكرا (1).
واعلم أن كلالة الأم: هم الإخوة والأخوات من قبل الأم، وكلالة الأب: الإخوة
والأخوات من قبل الأب والأم أو من قبل الأب، وبه قال الشافعي، وفي الصحابة: علي (عليه السلام)
وأبو بكر وعمر وزيد بن ثابت (2).
وقال القتيبي: الكلالة: الوالدان. وقال أهل البصرة: الكلالة إنما هو الميت. وقال أهل
الحجاز وأهل الكوفة: الكلالة الورثة (3). وعلى هذا أهل اللغة.
الإخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب كلالة، وهم يسقطون بالأب وبالابن
ويسقطون بابن الابن بلا خلاف، ويسقطون بالبنات وبنات الابن، وبجميع ولد الولد، وإن
نزلوا سواء كانوا أولاد ابن أو أولاد بنت، وقال الشافعي: أنهم لا يسقطون بهؤلاء.
ولا خلاف أنهم لا يسقطون بالجد (4).
أولاد الأم يسقطون مع الأبوين ومع الأولاد، ذكورا كانوا أو إناثا، ومع ولد الولد
ذكورا كانوا أو إناثا، ولا يسقطون مع الجد.
وقال الشافعي: يسقطون مع أربعة: مع الأب، والجد وإن علا، ومع الأولاد ذكورا كانوا
أو إناثا، ومع أولاد الابن ذكورا كانوا أو إناثا (5).
أم الأم تسقط بالأب. وعند الفقهاء: لا تسقط، لأنها تدلي بالأم لا بالأب (6).
أم الأب لا ترث مع الأب، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ومالك. وذهب قوم إلى أنها

1 - الغنية 324 - 325.
2 - زيد بن ثابت بن الضحاك، الأنصاري، النجاري، أبو سعيد، وأبو خارجة، المدني. روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) توفي سنة
(45) وسنه (50) سنة. تهذيب الكمال: 10 / 24 رقم 2091.
3 - الخلاف: 4 / 34 مسألة 26.
4 - الخلاف: 4 / 36 مسألة 27.
5 - الخلاف: 4 / 33 مسألة 25.
6 - الخلاف: 4 / 37 مسألة 28.
406

ترث مع الأب وهو قول أبي بكر وعمر وعبد الله بن مسعود وغيرهم كالشعبي وأحمد.
وقال أصحابنا: إذا خلف أبوين وجدته أم أبيه فللأم الثلث، وللأب الثلثان، ويؤخذ
السدس من نصيبه، ويعطي الجدة التي هي أم أبيه على وجه الطعمة لا الميراث (1).
إذا خلف أم الأم وأم الأب مع الأب فالمال كله، للأب، ويؤخذ منه السدس طعمة،
فيعطى أم الأب، ولا شئ لأم الأم [148 / ب].
وقال الشافعي، لا ترث أم الأب مع الأب شيئا، وعند مخالفيه السدس بين أم الأم وأم
الأب (2).
زوج وأخت لأب [وأم]، للزوج النصف وللأخت النصف الآخر بلا خلاف، فإن كان
زوج وأختان لأب وأم، أو لأب، فللزوج النصف من أصل المال، والباقي للأختين، ولا عول.
وعند الفقهاء أنها تعول إلى سبعة (3).
زوج وأختان لأب وأم، للزوج النصف، والباقي للأم، ولا يرث معها الأختان.
وعند الفقهاء أنها تعول إلى ثمانية، (وذلك لأن عندهم إلا... محجوبة من الثلث إلى
السدس) (4).
زوج، وأختان لأب وأم، وأم، وأخ لأم، للزوج النصف، والباقي للأم، ولا شئ
للأختين، ولا للأخ معها. وعندهم تعول إلى تسعة (5).
زوج، وأختان لأب وأم، وأختان لأم، وأم، للزوج النصف، والباقي للأم. وعندهم
أنها تعول إلى عشرة (6).
بنو الأخ يرثون مع الجد وإن نزلوا، ويقومون مقام أبيهم، خلافا لجميع الفقهاء قالوا هم
يسقطون مع الجد (7).
أخت من أب وأم، وأخت من أب، وعصبة، للأخت من الأب والأم النصف
بلا خلاف، والباقي عندنا يرد عليها، لأنها تجمع السببين.

1 - الخلاف: 4 / 37 مسألة 29.
2 - الخلاف: 4 / 38 مسألة 30.
3 - الخلاف: 4 / 41 مسألة 35.
4 - الخلاف: 4 / 41 مسألة 36، وما بين القوسين من هامش النسخة ولم ترد في الخلاف.
5 - الخلاف: 4 / 42 مسألة 37.
6 - الخلاف: 4 / 42 مسألة 38.
7 - الخلاف: 4 / 51 مسألة 58.
407

وقال جميع الفقهاء: للأخت من الأب السدس تكملة الثلثين، والباقي للعصبة (1).
أختان من أب وأم، وأخت من أب، وابن أخ من أب، للأختين الثلثان بلا خلاف،
والباقي عندنا رد عليهما، وعندهم الباقي لابن الأخ من الأب لأنه عصبة، ولا شئ للأخت
من الأب (2).
أختان من أب وأم، وأخ وأخت لأب، للأختين الثلثان بلا خلاف والباقي عندنا رد
عليهما، وعندهم الباقي للأخ والأخت، للذكر مثل حظ الأنثيين (3).
ثلاث أخوات متفرقات، وعصبة، للأخت من الأب والأم النصف، وللأخت للأم
السدس، والباقي رد على الأخت من الأب والأم. ومن أصحابنا من قال: رد عليهما لأنهما ذوا
سهام (4).
لا ترث واحدة من الجدات مع الولد. وقال جميع الفقهاء: للجدة السدس مع الولد (5).
للجدة من قبل الأم نصيب الأم إذا لم يكن غيرها، الثلث والباقي رد عليها كما يرد على
الأم.
وإن اجتمعت جدتان: جدة أم، وجدة أب، كان للجدة من قبل الأم الثلث، وللجدة من
قبل الأب الثلثان، كل واحد يأخذ نصيب من يتقرب به. وقال الفقهاء كلهم: لها السدس، فإن
اجتمعتا كان السدس بينهما نصفين (6).
أم الأم ترث وإن علت بالإجماع، وأم أب الأم ترث عندنا ولا ترث عندهم، وأم أم
الأب ترث وإن علت بالإجماع، وأم أب الأب ترث عندنا إلا أن يكون هناك من هو أقرب
منها. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنها ترث - وهو الصحيح عندهم - وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه. والثاني أنها لا ترث [149 / أ] (7).
أم أم أم هي أم أب أب صورتها: كان لها ابن ابن ابن، وبنت بنت بنت فتزوج ابن ابن
ابنها ببنت بنت البنت، فجاءت بولد، فهي أم أم أم وأم أب أب، فإذا مات المولود ترث
بالسببين معا عندنا على حسب استحقاقها.

1 - الخلاف: 4 / 51 مسألة 59.
2 - الخلاف: 4 / 52 مسألة 61.
3 - الخلاف: 4 / 52 مسألة 62.
4 - الخلاف: 4 / 53 مسألة 64.
5 - الخلاف: 4 / 57 مسألة 72.
6 - الخلاف: 4 / 58 مسألة 73.
7 - الخلاف: 4 / 58 مسألة 74.
408

وفي أصحاب الشافعي من قال: ترث بالسببين معا ثلثي الثلث، وبه قال محمد بن
الحسن وزفر.
ومذهب الشافعي أنها لا ترث الثلثين وبه قال أبو يوسف (1). أم أب الأم ترث عندنا.
وقال جميع الفقهاء: لا ترث (2). أم أب أب لا تسقط بأم أم أب لأن درجتهما واحدة. وعند
الشافعي تسقط لأنها جهة واحدة (3).
أم الأم لا ترث عندنا مع الأب وعندهم لها السدس (4).
ويستحب إطعام الجد والجدة من قبل الأب السدس من نصيب الأب إذا كان حيا
وسهمه الأوفر، فإن وجدا معا فالسدس بينهما نصفان، ومن أصحابنا من قال: إن هذا حكم
الجد والجدة من قبل الأم معها (5).
فصل
ويرث الأعمام والعمات والأخوال والخالات مع فقد من قدمنا ذكره من الوراث،
ويجري الأعمام والعمات من الأب والأم مجرى الإخوة والأخوات من قبلهما في كيفية الميراث،
وفي إسقاط الأعمام والعمات من قبل الأب فقط، ويجري الأخوال والخالات مجري الإخوة
والأخوات من قبل الأم، لواحدهم إذا اجتمع مع الأعمام والعمات السدس ولمن زاد عليه
الثلث، الذكر والأنثى فيه سواء، والباقي للأعمام والعمات من قبل الأب والأم أو من قبل الأب
إذا لم يكن واحد منهم من قبل أب وأم، للذكر من هؤلاء مثل حظ الأنثيين بدليل إجماع
الإمامية وظاهر القرآن الذي قدمنا ذكره في توريث ذوي الأرحام والقرابات.
فإن اجتمع الأعمام والعمات المتفرقون مع الأخوال والخالات المتفرقين، كان للأعمام
والعمات الثلثان، لمن هو للأم من ذلك السدس، والباقي لمن هو للأب والأم دون من هو للأب،
وللأخوال والخالات الثلث، [و] لمن هو للأم من ذلك السدس والباقي لمن هو للأب والأم دون
من هو للأب.
ولا يقوم ولد الأعمام والعمات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأخوال والخالات،

1 - الخلاف: 4 / 59 مسألة 75.
2 - الخلاف: 4 / 60 مسألة 76.
3 - الخلاف: 4 / 60 مسألة 77.
4 - الخلاف: 4 / 62 مسألة 79.
5 - الغنية 325.
409

ولا يقوم أيضا ولد الخؤولة والخالات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأعمام والعمات، فلو
ترك عمة أو خالة مثلا مع ابن عم وابن خال، لكانت كل واحدة من العمة والخالة أحق
بالميراث منهما، [149 / ب] ولا يرث الأبعد من هؤلاء مع من هو أدنى منه إلا من استثناه من
ابن العم للأب والأم، فإنه أحق عندنا من العم للأب (1)، وخالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا
إجماع الإمامية (2).
واعلم إنا قد بينا أن ميراث ذوي الأرحام الأقرب أولى من الأبعد، فأولاد الصلب وإن
نزلوا، ذكورا كانوا أو إناثا أولى من أولاد الأب ومن أولاد الأم وإن لم ينزلوا، وأن أولاد
الأب والأم وإن نزلوا أولى من أولاد الجد منهما وإن لم ينزلوا، وأن أولاد الأبوين وإن نزلوا
يقاسمون الجد والجدة من قبل الأبوين، وكذا أولاد الجد والجدة منهما وإن نزلوا أولى من
أولاد جد الأب وجد الأم وإن لم ينزلوا وعلى هذا التدريج كل من كان أقرب كان أولى.
وكان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يورثون ذوي الأرحام على ترتيب العصبات،
فيجعلون ولد الميت من ذوي أرحامه أحق من سائر ذوي الأرحام، ثم ولد أب الميت، ثم ولد
جده، ثم ولد جد أب الميت، إلا أن أبا حنيفة قدم أبا الأم على ولد الأب، وذكر عنه أنه يقدمه
على ولد الميت أيضا.
وكان أبو يوسف ومحمد يقدمان كل أب على أولاده، أو من كان في درجة أولاده، و
يقدمان عليه ولد أب أبعد منه ومن في درجتهم (3).
ثلاث خالات متفرقات، وثلاثة أخوال متفرقين يأخذون نصيب الأم، للخال والخالة
من الأم الثلث بينهما بالسوية، والباقي بين الخال والخالة من قبل الأب والأم بينهما أيضا
بالسوية. وفي أصحابنا من قال: بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط الخال والخالة من
قبل الأب. وقال من تقدم ذكره: للخال والخالة من الأب والأم المال كله، فإن لم يكن فللخال
والخالة من قبل الأب، وإن لم يكن فللخال والخالة من قبل الأم (4).
العمات المتفرقات يأخذن نصيب الأب يقسم بينهم قسمة الأخوات المتفرقات
بالسواء. وقال من تقدم ذكره: يقدم من كان للأب والأم، فإن لم يكن فالتي للأب، وإن لم يكن

1 - الغنية 326.
2 - الخلاف: 4 / 20 مسألة 11.
3 - الخلاف: 4 / 16 مسألة 5.
4 - الخلاف: 4 / 16 مسألة 6.
410

فالتي للأم (1).
بنات الإخوة المتفرقين يأخذون نصيب آبائهن على ترتيب الإخوة المتفرقين، وكذلك
أولاد الأخوات المتفرقات.
وقال أبو يوسف في الفريقين: المال لمن كان للأب والأم، ثم لولد الأب، ثم لولد الأم.
وروي عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف وكانوا يورثون الأخوال والخالات من الأم
وأولادهما، للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك الأعمام والعمات وأولادهما [150 / أ] وكان
أهل التنزيل لا يفضلون ذكورهم على إناثهم، وأجمعوا على أن ولد الإخوة والأخوات من
الأم لا يفضل ذكورهم على إناثهم (2).
اختلف من ورث ذوي الأرحام إذا كان معهم زوج أو زوجة، مثل أن يخلف الميت
زوجا وبنت بنت وبنت أخت، فعندنا للزوج سهمه وهو الربع، والباقي لبنت البنت، وأن
تسقط بنت الأخت. وكان الحسن بن زياد (3) وأبو عبيد يعطيان الزوج فرضه النصف، و
يجعلان نصفه الباقي لبنت البنت ونصفه لبنت الأخت (4).
مسائل:
الجد والجدة من قبل الأم، بمنزلة الأخ والأخت من قبلها، يقاسمون الإخوة والأخوات
من قبل الأب والأم، أو الأب، وخالف جميع الفقهاء في ذلك (5).
إذا كان مع الجد للأب إخوة من الأب والأم، أو من الأب، فإنهم يرثون معه ويقاسمونه.
واختلف الفقهاء في ذلك على مذهبين: أحدهما أنهم لا يسقطون معه، وبه قال الشافعي
وأبو يوسف ومحمد، والمذهب الآخر أنهم يسقطون مع الجد، وبه قال أبو حنيفة وبعض
أصحاب الشافعي كداود والمزني. (6)
ابن الأخ يقوم مقام الأخ في مقاسمة الجد إذا عدم الأخ. وخالف الفقهاء في ذلك (7).

1 - الخلاف: 4 / 16 مسألة 7.
2 - الخلاف: 4 / 17 مسألة 8.
3 - اللؤلؤئي، صاحب أبي حنيفة مولى الأنصار، كان من أهل الكوفة مات سنة (204) الأنساب باب اللام والواو.
والجواهر المضية: 2 / 56 رقم 448.
4 - الخلاف: 4 / 19 مسألة 10.
5 - الخلاف: 4 / 88 مسألة 98.
6 - الخلاف: 4 / 89 مسألة 99.
7 - الخلاف: 4 / 90 مسألة 100.
411

الجد يقاسم الإخوة، ويكون كواحد منهم بالغا ما بلغ. وقال الشافعي يدفع إلى الجد
ما هو خير له من المقاسمة، أو ثلث جميع المال، وبه قال في الصحابة زيد بن ثابت وابن
مسعود (1).
الأخوات مع الجد يقاسمن معه، وبه قال زيد بن ثابت والشافعي، ورووا عن ابن
مسعود أن الأخوات لا يقاسمن، إنما يفرض لهن، إذا كانت واحدة فلها النصف، وإن كانتا
اثنتين فلما الثلثان. (2)
بنت وأخت وجد، للبنت النصف بالفرض، والباقي بالرحم، وقال الشافعي: للبنت
النصف بالفرض، والباقي بين الأخت والجد، وبه قال زيد بن ثابت. وعلى مذهب أبي بكر، و
ابن عباس: للبنت النصف والباقي للجد، وعلى مذهب ابن مسعود: للبنت النصف وللجد
السدس والباقي للأخت. (3)
زوج وأم وجد، فللزوج النصف وللأم الثلث بالفرض والباقي رد عليها. وقال
الشافعي: الباقي للجد. (4)
أخت وأم وجد، للأم الثلث بالفرض والباقي رد عليها، واختلف الصحابة فيها: عن
أبي بكر وابن عباس أن للأم الثلث والباقي للجد.
وعن عمر في رواية للأم ثلث ما يبقى وسدس جميع المال، وعن ابن مسعود في رواية
للأخت النصف، والباقي بين الجد والأم نصفين، وعن عثمان أن المال بينهم أثلاثا، ومذهب
زيد للأم الثلث والباقي بين الأخت والجد [150 / ب] للذكر مثل حظ الأنثيين يقال لهذه
المسألة خرقاء لأنه تخرقت أقاويل الصحابة فيها (5).
المسألة الأكدرية
زوج وأم وأخت وجد، عندنا للزوج النصف، وللأم الثلث بالفرض، والباقي رد عليها
واختلفت الصحابة على حسب مذاهبهم فيها، فذهب أبو بكر ومن تابعه على أن
للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وتسقط الأخت.

1 - الخلاف: 4 / 90 مسألة 101.
2 - الخلاف: 4 / 92 مسألة 103.
3 - الخلاف: 4 / 92 مسألة 104.
4 - الخلاف: 4 / 92 مسألة 105.
5 - الخلاف: 4 / 92 مسألة 106.
412

وذهب عمر وابن مسعود: إلى أن للزوج النصف، وللأخت النصف، وللأم السدس، و
للجد السدس، تصير المسألة من ثمانية، لأنهما لا يفضلان الأم على الجد
ورووا عن علي أن للزوج النصف وللأم الثلث، وللأخت النصف، وللجد السدس،
لأنه يفضل الأم على الجد، فتكون المسألة من تسعة.
وذهب زيد إلى أن للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف أيضا
يضاف إلى سدس الجد، فتكون المسألة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
قيل: إنما سميت هذه المسألة أكدرية لأن امرأة ماتت وخلفت وكان اسمها أكدرة.
وقيل: لأنها كدرت المذهب على زيد بن ثابت لأنه ناقض أصله في هذه المسألة في
موضعين: أحدهما أنه فرض للأخت [مع الجد]، والأخت مع الجد لا يفرض لها، وأعال
المسألة مع الجد، والجد عصبة ومن مذهبه أن لا يعال العصبة. (1)
أخ لأب وأم، وأخ لأب، وجد، المال بين الأخ للأب والأم نصفين. وذهب أبو بكر إلى
أن المال للجد، وبه قال أبو حنيفة.
وذهب عمر وابن مسعود إلى مثل ما قلناه ويسقط الأخ للأب.
وذهب زيد بن ثابت إلى أن المال بينهم أثلاثا، للجد الثلث، وللأخ للأب الثلث، ثم
يعاد الثلث الذي للأخ للأب إلى الأخ للأب والأم، فيكون له الثلثان. (2)
أخت لأب وأم، وأخ لأب، وجد، المال بين الجد والأخت من الأب والأم.
وذهب أبو بكر ومن تابعه إلى أن المال للجد، وذهب عمر وابن مسعود إلى أنه بين
الأخت للأب والأم وبين الجد نصفين.
وروي عن علي (عليه السلام) أن للأخت النصف والباقي بين الجد والأخ نصفين.
وذهب زيد بن ثابت إلى أن للجد خمسين، لأن المسألة من خمسة: للجد سهمان و
للأخت سهم وللأخ سهمان ثم يأخذ الأخت من الأخ لأم النصف فيصير لها سهمان ونصف و
يبقى نصف سهم للأخ فيضرب اثنان في خمسة فيكون عشرة: للجد أربعة وللأخت خمسة و
يبقى سهم للأخ وهذه تسمى عشارية زيد (3).

1 - الخلاف: 4 / 95 مسألة 107.
2 - الخلاف: 4 / 97 مسألة 108.
3 - الخلاف: 4 / 98 مسألة 109.
413

امرأة وأم وأخ وجد، للمرأة الربع، وللأم الثلث بالفرض، والباقي رد عليها.
وعن ابن مسعود: للمرأة الربع، وللأم السدس، والباقي بين الجد والأخ [151 / أ].
وروي أنه جعلها من أربعة: للمرأة سهم، وللأم سهم، وللأخ سهم، وللجد سهم، و
هي مربعة ابن مسعود. (1)
المسألة المشركة (2) زوج وأم وأخوان لأب وأم، وأخوان لأم، عندنا للزوج
النصف، للأم الثلث بالفرض، والباقي بالرد.
وقال الشافعي: للزوج النصف، وللأم السدس، وللأخوين للأم الثلث، ويشركهم بنو
الأب والأم، ولا يسقطون وصاروا بنو الأم معا، وبه قال في الصحابة عمر حين سئل عنه
فقال: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين للأم الثلث فقال الإخوان من الأب والأم:
هب أن أبانا عير بالفلاة (3) ألسنا من أم واحد فشرك بينهم فلهذا سميت المسألة مشركة، وبه
قال عثمان وابن مسعود وزيد وفي الفقهاء مالك والنخعي والثوري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين للأم الثلث و
يسقط الإخوان للأب وللأم، وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وفي الفقهاء ابن [أبي] ليلى و
أحمد (4).
فصل في الولاء
وإن لم يكن أحد ممن قدمنا ذكره من الوراث، كان ميراثه لمن أعتقه تبرعا، لا فيما يجب
عليه من الكفارات، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة (5)، خلافا لهم فإنهم قالوا: الولاء لمن
أعتق سواء كان متبرعا أو غير متبرع (6).
لنا بعد إجماع الإمامية، أن الولاء حكم شرعي يفتقر ثبوته إلى دليل شرعي، وليس في
الشرع ما يدل على ثبوته في الموضع الذي اختلفنا فيه فوجب نفيه.

1 - الخلاف: 4 / 129 - مسألة 150.
2 - بفتح الراء كما ضبطها بعض أي المشرك فيها، وبكسرها على نسبة التشريك إليها مجازا كما ضبطها بعض آخر أي
المشتهرة بذلك عند الفرضيين.
3 - في المبسوط للسرخسي: 29 / 155 هب أبانا كان حمارا وكذا أحكام القرآن للجصاص: 2 / 116.
4 - الخلاف: 4 / 102 مسألة 112 مع مغايرة وتلخيص.
5 - الغنية: 326.
6 - أنظر الخلاف: 4 / 547 مسألة 36.
414

وإن لم يكن المعتق باقيا فالميراث لولده الذكور منهم دون الإناث، ومن أصحابنا من
قال: إن ولد المعتقة لا يقوم‍ [- ون] مقامها في الميراث ذكورا كانوا أو إناثا (1)، خلافا لجميع
الفقهاء (2).
فإن لم يكن للمعتق أولاد فالميراث لعصبته، وأولاهم الإخوة، ثم الأعمام، ثم
بنو العم (3).
والولاء لا يثبت مع وجود واحد من ذوي الأنساب قريبا كان أو بعيدا، ذا سهم كان أو
غير ذي سهم، عصبة كان أو غير عصبة أو من يأخذ بالرحم، وقال الشافعي:
إذا لم يكن [له] عصبة مثل الابن أو الأب أو الجد أو العم أو ابن العم الذين يأخذون
الكل بالتعصيب، أو الذي يأخذ بالفرض، والتعصيب مثل: بنت وعم، أو أخت وعم، أو
بنت وأخ فإن المولى يرث، والمولى له حالتان: حالة يأخذ الكل وحالة يأخذ النصف، وذلك
إذا كان معه واحد ممن يأخذ النصف، مثل البنت، والأخت، والزوج، فإن لم يكن مولى
[151 / ب] فعصبة المولى، فإن لم يكن عصبة المولى فلبيت المال. (4)
الولاء يجري مجرى النسب، يرثه من يرث من ذوي الأنساب على حد واحد، إلا
الإخوة والأخوات من الأم، أو من يتقرب بها من الجد والجدة والخال والخالة وأولادهما.
وفي أصحابنا من قال: إنه لا ترث النساء من الولاء شيئا، وإنما يرث الذكور من الأولاد
والعصبة.
وقال الشافعي: أولي العصبات يقدم، ثم الأولى فالأولى بعد ذلك، على ما ذكر في النسب
سواء، وعنده الابن أولى من الأب، وأقوى منه بالتعصيب، ثم الأب أولى من الجد، ثم الجد
أولى من الأخ، ثم الأخ أولى من ابن الأخ، وابن الأخ أولى من العم، والعم أولى من ابن العم.
وبه قال أكثر الفقهاء.
ولا يرث [أحد] من البنات ولا الأخوات مع الإخوة شيئا يدل على مذهبنا بعد إجماع
الإمامية قوله (عليه السلام): الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب. (5)
الجد والأخ يستويان، وبه قال محمد وأبو يوسف.

1 - الغنية: 327.
2 - الخلاف: 4 / 81 مسألة 86.
3 - الغنية 327.
4 - الخلاف 4 / 79 مسألة 83.
5 - الخلاف: 4 / 79 مسألة 84.
415

وقال مالك: الأخ أولى وسقط الجد. وقال الشافعي: الأقيس أن الأخ أولى ولولا
الإجماع لقلت بإسقاط الجد مع الأخ في الولاء. وقال أبو حنيفة: الجد أولى من الأخ في
الميراث بالنسب والولاء (1).
إذا خلف المولى إخوة وأخوات، أو أخا وأختا، فإن الولاء يكون بينهم للذكر مثل حظ
الأنثيين.
وقال الشافعي وعامة الفقهاء: المال للذكور منهم دون الإناث، وبه قال بعض أصحابنا
يدل على ما قلناه قوله (عليه السلام): الولاء لحمة كلحمة النسب، وفي النسب يكون كذلك (2).
ومن زوج عبده بمعتقة غيره فولاء أولادها لمن أعتقها، فإن أعتق أبوهم انجر ولاء
الأولاد إلى من أعتقه ممن أعتق أمهم، فإن أعتق جدهم من أبيهم مع كونه عبدا انجر ولاء
الأولاد إلى من أعتق جدهم، فإن أعتق بعد ذلك أبوهم انجر الولاء ممن أعتق جدهم إلى من
أعتق أباهم (3).
في الخلاف: عبد تزوج بمعتقة رجل، فأتت بولد، فإنه يكون حرا ولمولى الأم عليه
الولاء، فإ [ن أ] عتق العبد ومات الولد، فإن ولاؤه لا ينجر إلى مولى الأب، فإن لم يكن مولى
الأب فعصبة مولى الأم (4)
عندنا أنه ينجر إليه، لأن الجد يقوم مقام الأب، فإذا منع مانع في الأب لا يتعدى إلى
الجد، ألا ترى أنه لو كان الأب كافرا أو الجد حكمنا بإسلام الولد تبعا للجد فكذا هاهنا الأب
فإن لم يكن عصبة فمولى عصبة مولى الأب [152 / أ] فإن لم يكن مولى ولا عصبة كان لبيت
المال، وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن عباس: يكون الولاء لمولى الأم، لأن الولاء كان له فلما
جر مولى الأب كان له، فلما لم يكن عصبة المولى عاد إليه
يدل على ما قلناه أنا أجمعنا على انتقاله عنه، وعوده إليه يحتاج إلى دليل، وليس في
الشرع ما يدل عليه. (5)
عبد تزوج بمعتقة قوم، فجائت بولد، حكمنا بالولاء لمولى الأم، فإن كان هناك جد، و
أعتق الجد والأب حي، فهل ينجر الولاء إلى هذا الجد من مولى الأب.

1 - الخلاف: 4 / 81 مسألة 87 وفيه: بإسقاط الجد مع الأخ في النسب.
2 - الخلاف: 4 / 82 مسألة 88.
3 - الغنية: 327.
4 - وفي الخلاف: فأعتق العبد....... فعصبة مولى الأب.
5 - الخلاف: 4 / 85 مسألة 95 - 93.
416

عندنا أنه ينجر إليه، لأن الجد يقوم مقام الأب، فإذا منع مانع في الأب لا يتعدى إلى
الجد، ألا ترى أنه لو كان الأب كافرا والجد مسلما حكمنا بإسلام الولد تبعا للجد فكذا
هاهنا، فإن أعتق بعد ذلك الأب انجر إلى مولى الأب من مولى الجد. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ينجر إلى الجد. ولأصحاب الشافعي فيه وجهان:
أحدهما مثل قولنا، والآخر مثل قول أبي حنيفة (1).
وحكم المدبر حكم المعتق سواء. ولا يثبت الولاء على المكاتب إلا بالشرط فإن لم
يشرط ذلك كان سائبة. (2)
المكاتب على ضربين: مشروط وغير مشروط، فالمشروط عليه: بمنزلة القن ما بقي
عليه درهم، فإنه لا يرث ولا يورث. وغير المشروط عليه: يرث ويورث بمقدار ما تحرر منه. و
به قال علي (عليه السلام).
وروي عن عمر وزيد بن ثابت وابن عمر أنهم جعلوا المكاتب عبدا ما بقي عليه درهم،
ولم يفصلوا. وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي (3).
والمعتق بعضه بمنزلة المكاتب المطلق إذا أدى بعض مكاتبته يرث ويورث بحساب
حريته، ويمنع بحساب رقه. وبه قال علي (عليه السلام) وإليه ذهب ابن [أبي] ليلى وعطاء وطاووس و
كان مالك والشافعي في أحد قوليه لا يورثان منه، ويجعلون ماله للمتمسك برقه.
وأبو حنيفة يجعل ماله كمال المكاتب يؤدى عنه مكاتبته، وإن بقي شئ كان لورثته.
وعند أبي يوسف ومحمد: المعتق بعضه بمنزلة الحر في جميع أحكامه (4).
فصل
وإن لم يكن أحد ممن ذكرناه كان الميت سائبة، بأن يكون معتقا في كفارة واجبة أو معتقا
تطوعا، وقد تبرأ معتقه عن جريرته، أو مكاتبا غير مشروط عليه الولاء وقد توالى إلى من
ضمن جريرته، كان ميراثه له، فإن مات لم ينتقل إلى ورثته، فإن عدم جميع هؤلاء الوراث
فالميراث للإمام، فإن مات انتقل إلى من يقوم مقامه في الإمامة، دون من يرث تركته (5).

1 - الخلاف: 4 / 85 مسألة 93.
2 - الغنية: 327
3 - الخلاف: 4 / 117 مسألة 133.
4 - الخلاف: 4 / 118 مسألة 134.
5 - الغنية 327 - 328.
417

المعتق سائبة لا ولاء عليه، وله أن يوالي من شاء، وبه قال عمر وابن مسعود في إحدى
الروايتين عنهما. وبه قال الزهري، ومالك. والرواية الأخرى عنهما أنهما قالا: لا سائبة في
الإسلام، الولاء لمن أعتق، وكذلك [152 / ب] الشافعي وأهل العراق يجعلون ولاءه
لمعتقه. (1)
إذا خلف المعتق أبا مولاه وابن مولاه، فللأب السدس والباقي لابن المولى.
وعند زيد المال كله لابن المولى، وبه قال مالك والشافعي وأهل العراق، و [أما] أبو
يوسف والأوزاعي والنخعي [ف‍] - قالوا بما قلناه. (2)
وإذا ترك جد مولاه وأخا مولاه فالمال بينهما نصفين. وهو أحد قولي الشافعي.
وقول [الشافعي] الآخر إنه لأخي المولى (3).
وإذا ترك ابن أخي المولى وجد المولى، فالمال بين ابن الأخ والجد. وعلى أحد قولي
الشافعي ومالك: لابن الأخ. وكان أبو حنيفة يجعل المال للجد (4)
وسهم الزوج والزوجة ثابت مع جميع من ذكرناه على ما مضى بيانه. (5)
وإذا خلفت المرأة زوجا ولا وراث لها غيره فالنصف له بالفرض والباقي يعطى إياه، و
في الزوجة الربع لها والباقي لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما مثل الزوج يرد عليها. و
الأخرى: أن الباقي لبيت المال، خلافا لجميع الفقهاء في المسألتين فإنهم قالوا: الباقي لبيت
المال. (6)
فصل
وقد بينا فيما سبق أن الكافر لا يرث المسلم، وأما المسلم فإنه يرث الكافر عندنا وإن
بعد نسبه (7)، وبه قال في الصحابة علي (عليه السلام) في رواية أصحابنا، وعلى قولهم معاذ بن جبل و

1 - الخلاف: 4 / 121 مسألة 139.
2 - الخلاف: 4 / 123 مسألة 142.
3 - الخلاف: 4 / 123 مسألة 143.
4 - الخلاف: 4 / 123 مسألة 144.
5 - الغنية 328.
6 - الخلاف: 4 / 116 مسألة 130.
7 - الغنية: 328.
418

محمد بن الحنفية ومسروق وإسحاق بن راهويه (1).
وقال الشافعي: لا يرث المسلم الكافر وحكوا عن علي (عليه السلام) وعمر وعبد الله بن
مسعود، وبه قال الفقهاء كلهم.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم (2) ظاهر آيات القرآن في الميراث لأنه إنما
يخرج من ظاهرها ما أخرجه دليل قاطع، وما رووه من قوله (عليه السلام): الإسلام يعلو ولا يعلى
عليه، وقوله: الإسلام يزيد ولا ينقص.
وأما ما رووه من قوله (عليه السلام): لا توارث بين أهل ملتين فهو مخالف لظاهر القرآن، و
معارض بما قدمناه ولو سلم من ذلك كله لكان من أخبار الآحاد التي لا يجوز العمل بها في
الشرعيات.
على أنا نقول بموجب قوله (عليه السلام): لا توارت بين ملتين، لو سلمناه تسليم جدل، لأن
التوارث تفاعل، وذلك لا يكون إلا بأن يرث كل واحد منهما الآخر، ونحن لا نقول: بأن
الكافر يرث المسلم، فلا توارث بينهما والحال هذه (3).
الكفر ملة واحدة، فالذمي يرث من الذمي، كما أن المسلم يرث المسلم. وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي.
وذهب قوم إلى أن الكفر ملل، ولا يرث الذمي من الذمي. وبه قال أحمد وابن أبي ليلى
وإسحاق. (4)
وإذا كان للكافر أولاد صغار، وقرابة مسلم، أنفق عليهم من التركة [153 / أ] حتى
يبلغوا، فإن أسلموا فالميراث لهم، وإن لم يسلموا كان لقرابته المسلم، وإذا أسلم الكافر أو
أعتق المملوك بعد القسمة لم يرث شيئا (5).
وإذا أسلم قبل قسمة الميراث، شارك أهل الميراث في ميراثهم، وبه قال في الصحابة
عمر وعثمان وجابر [بن زيد] (6)، وعكرمة، وأحمد، وإسحاق.

1 - إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، الحنظلي، أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه نزيل نيسابور، اجتمع له
الحديث والفقه. توفي (238). تهذيب الكمال: 2 / 373 رقم 332.
2 - الخلاف: 4 / 23 مسألة 16.
3 - الغنية 328 - 329.
4 - الخلاف: 4 / 25 مسألة 17.
5 - الغنية 329.
6 - جابر بن زيد الأزدي، اليحمدي، أبو الشعثاء البصري، روى عن: الحكم بن عمرو الغفاري روى عنه: أمية بن زيد
الأزدي، مات سنة (93). تهذيب الكمال: 4 / 434 رقم 866.
419

وقالوا: إن عليا (عليه السلام) كان لا يورث من أسلم على ميراث، وبه قال أهل العراق و
الشافعي والفقهاء بأجمعهم قالوا ميراث له بحال إذا أسلم بعد موته سواء قبل القسمة
أو بعده (1).
ومتى لم يكن للميت إلا وارث مملوك، ابتيع من التركة وأعتق وورث الباقي، ويجبر
المالك على بيعه، هذا إذا كانت التركة تبلغ قيمته فما زاد، فأما إذا نقصت عن ذلك فلا يجب
شراؤه، ومن أصحابنا من قال: إذا كانت التركة أقل من الثمن استسعي في الباقي والأول
أظهر (2). وكان المال لبيت المال.
وقال ابن مسعود: يشترى بهذا المال، فما بقي له.
وقال باقي الفقهاء: أبو حنيفة والشافعي ومالك: إنه لا يورث (3).
وأم الولد إذا مات سيدها، وولدها حي جعلت في نصيبه وعتقت عليه، فإن لم يخلف
غيرها عتق منها نصيب الولد واستسعيت في الباقي لغيره من الورثة، فإن كان ثمنها دينا على
سيدها، قومت على ولدها، وتركت حتى يبلغ، فإذا بلغ أجبر على قضاء ثمنها، فإن مات قبل
البلوغ بيعت لقضائه.
ولا يرث القاتل عمدا على وجه الظلم، على ما بيناه بلا خلاف، ويرثه إن كان قتله
خطأ ما عدا الدية المستحقة عليه، (4) ووافقنا عليه جماعة من الفقهاء: عطاء وسعيد بن
المسيب، ومالك.
وذهب قوم إلى أنه يرث من ماله ومن ديته..
وقال الشافعي: القاتل لا يرث سواء كان عمدا أو خطأ، صغيرا أو كبيرا، عاقلا أو
مجنونا، بسبب جناية أو غير جناية. ومن أصحابه من قال: إن كان جناية لا يرثه، مثل أن
يكون قتل العمد الذي يوجب القود والكفارة، أو قتل الخطأ الذي يوجب الدية والكفارة، و
اختلفوا في قاتل الخطأ، فرووا عن علي (عليه السلام) وعمر وزيد وابن عباس أنهم لا يورثونه.
وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه، إلا [أن] من قول أبي حنيفة: إن المجنون و
الصبي، والعادل إن قتل الباغي ورثوا من المال والدية معا

1 - الخلاف 4 / 26 مسألة 18.
2 - الغنية 329.
3 - الخلاف: 4 / 26 مسألة 19.
4 - الغنية 330.
420

يدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما رواه محمد بن سعيد (1) - قال
الدارقطني (2): هو ثقة - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، أن النبي (عليه السلام)
قال: لا يتوارث أهل ملتين بشئ، ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته، ويرث الرجل من
مالها ومن ديتها [153 / ب] ما لم يقتل أحدهما صاحبه، فإن قتل أحدهما صاحبه عمدا فلا
يرث من ماله ومن ديته، وإن قتله خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته، وهذا نص (3)
ويدل على ذلك أيضا ظاهر آيات المواريث، وقاتل العمد إنما أخرجناه بدليل قاطع، و
ليس ذلك في قاتل الخطأ.
وقول المخالف: لو كان القاتل خطأ وارثا لما وجب تسليم الدية عليه، ليس بشئ لأنه
لا تنافي بين وجوب تسليم الدية وبين أخذ الميراث مما عداها، ولا يرث من الدية أحد من
كلالة الأم، ويرث من عداهم من ذوي الأنساب والأسباب. (4)
وفي الخلاف: يرث الدية جميع الورثة، سواء كانوا مناسبين أو غير مناسبين، من الزوج
والزوجة.
وبه قال جميع الفقهاء، وروي عن علي (عليه السلام) روايتان: إحداهما: ما قلناه وهو الصحيح.
والثانية أن الدية للعصبة، ولا يرث من لا يعقل عنه مثل الأخت والزوج الزوجة. (5)
ويرث ولد الملاعنة أمه ومن يتقرب بها، ولا يرث‍ [- ه] ه أبوه ولا من يتقرب به على
حال، ولا يرثه الولد إلا أن يقر به بعد اللعان. (6)
إذا مات ولد الملاعنة وخلف أما وأخوين لها، فللأم الثلث والباقي رد عليها، ويسقط
الأخوان.
وقال الشافعي: للأم السدس وللأخوين الثلث والباقي لمولى الأم، وإن لم يكن فلبيت
المال. وقال أبو حنيفة: للأم السدس ولهما الثلث والباقي رد عليهم. وعن ابن مسعود أن المال

1 - محمد بن سعيد الطائفي روى عن ابن جريح وعنه الحسن بن صالح حي، قال الدارقطني بعد ذكر الحديث: إنه ثقة.
سنن الدارقطني 4 / 73 حديث 17.
2 - علي بن عمر بن أحمد البغدادي، أبو الحسن، أخذ الفقه عن أبي سعيد الإصطخري، كانت ولادته سنة (306) وتوفي
سنة (385) ببغداد ودفن في مقبرة باب الدير. وفيات الأعيان: 3 / 297 رقم 434.
3 - الخلاف: 4 / 28 مسألة 22.
4 - الغنية 330.
5 - الخلاف: 4 / 114 مسألة 127.
6 - الغنية 330.
421

كله للأم لأنها عصبته. (1)
وميراثه لأمه إذا كانت حية وإلا فلمن يتقرب إليه بها من الإخوة والأخوات والخؤولة
والخالات والجد والجدة، يقدم الأولى فالأولى والأقرب فالأقرب. وإليه ذهب أهل
العراق.
وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: يجعل عصبة ولد الملاعنة عصبة أمه إذا لم يكن [له] وارث
ذو سهم، فإن كان له وارث ذو سهم جعل فاضل المال ردا عليه.
وكان ابن مسعود يجعل عصبته عصبة أمه، فإن لم تكن فعصبة عصبة أمه.
وكان زيد يجعل الباقي من فرض ذوي السهام لمولى أمه فإن لم يكن فلبيت المال. وإليه
ذهب مالك والشافعي. (2)
وولد الزنا لا يرث أبويه ولا من يتقرب بهما، ولا يرثونه على حال، لأنه ليس بولد
للفراش. ومن أصحابنا من قال: حكمه حكم ولد الملاعنة سواء (3).
وسواء كان ولدا واحدا أو ولدين، فإن أحدهما لا يرث الآخر إلا على القول الثاني.
وقال الشافعي: إن كان واحد فحكمه حكم ولد الملاعنة، وإن كان ولدي زنا توأمين
فإن مات أحدهما فإنه [154 / أ] يرثه الآخر بالأمومة لا بالأبوة على أحد الوجهين وهكذا
قال الفقهاء. والوجه الثاني أنه يرث بالأبوة والأمومة وبه قال مالك (4).
ويعزل من التركة مقدار نصيب الحمل، والاستظهار يقتضي عزل نصيب ذكرين، فإن
ولد ميتا فلا ميراث له، وإن ولد حيا ورث، وتعلم حياته باستهلاله والحركة الكثيرة التي لا
تكون إلا لحي (5)، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأهل العراق، إلا أن من قول أبي حنيفة و
أصحابه أن المولود إذا خرج أكثره من الرحم وعلم حياته، ثم خرج جميعه وهو ميت فإنه
يورث منه ويرث (6).
وإن ولد وله ما للرجال وما للنساء، اعتبر حاله بالبول فمن أي الفرجين خرج ورث
عليه، فإن خرج منهما اعتبر بالسبق، فمن أيهما سبق ورث عليه، فإن تساويا فأيهما انقطع
أخيرا ورث عليه، فإن تساوى انقطاعه منهما ورث نصف ميراث الرجال ونصف ميراث

1 - الخلاف: 4 / 104 مسألة 113.
2 - الخلاف: 4 / 125 مسألة 146.
3 - الغنية 330.
4 - الخلاف: 4 / 104 مسألة 114 - 115.
5 - الغنية 331.
6 - الخلاف: 4 / 112 مسألة 124.
422

النساء، وقد روي: أنه تعد أضلاعه، فإن نقص أحد الجانبين ورث ميراث الرجال، وإن
تساويا ورث ميراث النساء، فإن لم يكن للمولود فرج أصلا استخرج بالقرعة فما خرج ورث
عليه (1)، قال الشيخ: والمعمول عليه في الخنثى أن يرجع إلى القرعة فيعتمد عليها.
وقال الشافعي: ننزله بأسوء حالتيه، فنعطيه نصف المال لأنه اليقين، والباقي يكون
موقوفا حتى يتبين حاله، فإن بان أنه ذكر أعطي الباقي، وإن بان أنه أنثى فقد أخذ حقه ونعطي
الباقي للعصبة.
وقال أبو حنيفة: نعطيه النصف يقينا، والباقي يدفع إلى عصبته، وذهب قوم من أهل
الحجاز والبصرة إلى أنه يدفع إليه نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء (2).
وإذا عقد على الصغيرين عقد النكاح أبواهما توارثا، وإن كان العاقد غيرهما، فلا
توارث بينهما حتى يبلغا ويمضيا العقد، فإن بلغ أحدهما فأمضاه ثم مات أنتظر بلوغ الآخر،
فإن بلغ وأمضاه حلف أنه لم يرض به طمعا للميراث فإن حلف ورث، وإلا فلا ميراث له.
ويتوارث الزوجان بعد الطلاق الرجعي، سواء كان في الصحة أو المرض، ما دامت
المرأة في العدة، وإن كان في مرض الزوج - ورثته المرأة وإن كان بائنا - إذا مات من مرضه
ذلك ما لم تتزوج أو يمضي لطلاقها سنة
إذا زوج المريض ومات قبل الدخول بطل العقد ولم ترثه المرأة (3).
وقال أبو حنيفة وأهل العراق والشافعي إنها ترثه ولم يفصلوا. وقال مالك وأهل
المدينة: لا ترثه، ولم يفصلوا. (4) [154 / ب].
وإذا انفرد الزوج بالميراث، فله النصف بالتسمية والنصف الأخر بالرد ولا يلزم أن
يرد على الزوجة، لأن الشرع لا يؤخذ بالقياس، وقد مر ذكرها والخلاف فيها.
وإذا تعارف المجلوبون من بلاد الشرك بنسب يوجب الموارثة بينهم قبل قولهم بلا بينة،
وورثوا عليه، ويوقف نصيب الأسير في بلاد الشرك إلى أن يجئ أو يصح موته، فإن لم يعلم
مكانه فهو مفقود، وحكمه أن يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يعلم له خبر في هذه المدة
قسم ماله بين ورثته. (5)

1 - الغنية 331.
2 - الخلاف: 4 / 106 مسألة 116.
3 - الغنية: 331.
4 - الخلاف: 4 / 117 مسألة 132.
5 - الغنية 332.
423

وفي الخلاف: الأسير إذا علم حياته فإنه يورث، وإذا لم يعلم فهو بمنزلة المفقود وبه قال
عامة الفقهاء (1).
ولا يقسم مال المفقود حتى يعلم موته، أو تمضي مدة لا يعيش مثله إليها بمجرى العادة.
وإن مات من يرثه المفقود دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه، ووقف الباقي حتى يعلم
حاله، لأن الاعتبار بما يجري به العادة، فالاحتياط يقتضي أن يعمل على ذلك، وما لم يجربه
العادة فلا طريق إليه، والتحديد بمدة بعينها لا دليل عليه، وبه قال الشافعي.
وقال الحسن بن زياد: إذا مضى على المفقود من السن ما يكون مع سنه يوم فقده مئة و
عشرين سنة قسم ماله بين الأحياء من ورثته، وبه قال أبو يوسف. (2)
وإذا مات اثنان أو ما زاد عليهما في وقت واحد، لهدم أو غرق، ولم يعلم أيهما مات قبل
صاحبه، ورث أحدهما من الآخر من نفس تركته، لا مما يرثه من صاحبه، وأيهما قدم في
التوريث جاز
وروي أن الأولى تقديم الأضعف في الاستحقاق وتأخير الأقوى ثم ينتقل ميراث كل
واحد منهما من صاحبه إلى وارثه، فإن كان أحدهما يرث صاحبه، والآخر لا يرث، بطل هذا
الحكم، وانتقل مال كل واحد منهما إلى وارثه من غير واسطة.
وقال الشافعي: من غرق أو انهدم عليه، ولم يعرف موت أحدهم [سبق] إذا كانوا
جماعة، فإن كان يعرف أن أحدهم سبق موته فإن الميراث يكون للباقي، فإن كان أحدهم
أسبق ولم يعرف عنه فإن ميراثه يكون لورثته الأحياء، ولا يرث الموتى عنه
وعن عمر وابنه ومعاذ بن جبل قالوا: لا يورث الموتى من الموتى. وبه قال أبو
حنيفة. (3)
ومن أصحابنا من قال: يورث المجوسي وغيرهم إذا تحاكموا إلينا على ما قرره شرع
الإسلام، من الأنساب الأسباب والصحيحة والسهام.
ومنهم من قال: يورثون على ما يرونه في ملتهم (4).
[155 / أ].

1 - الخلاف: 4 / 119 مسألة 135.
2 - الخلاف: 4 / 119 مسألة 136.
3 - الخلاف: 4 / 31 مسألة 23.
4 - الغنية 332.
424

وقال أبو حنيفة وأصحابه والنخعي وابن أبي ليلى: المجوس يورثون بجميع قراباتهم
التي يدلون بها ما لم يسقط بعضها بعضا، فإذا تزوج واحد منهم بمن يحرم عليه في شرع الإسلام
مثل أن يتزوج بأمه أو بنته أو عمته، فإنه لا يثبت بينهما الميراث بالزوجية بلا خلاف عند
الفقهاء.
وقال الشافعي: كل قرابة إذا انفرد كل واحد منهما يرثه بجهة واحدة، فإذا اجتمعا لم
يرث بهما، مثال ذلك مجوسي تزوج ببنته فماتت [هي فإن الأب] يرث بالأبوة ولا يرث
بالزوجية لأن الزوجية ما ثبتت وإن كان المجوسي تزوج بالأخت فجاءت ببنت ومات
المجوسي، فإن هذا البنت هي بنت وبنت أخت وأمها أخت، وأم لهذه، إن ماتت البنت فإن الأم
ترث بالأمومة، لأن الأمومة أقوى من الأخوة، لأنها تسقط، والأم لا تسقط وإن ماتت الأم
فهي ترث بالبنوة لا بالأخوة، وبه قال في الصحابة: زيد بن ثابت وفي التابعين الحسن
البصري وفي الفقهاء مالك. (1)
فصل
في كيفية القسمة على الوراث يحتاج إلى تصحيح السهام في قسمة الأرضين والرباع، و
الوجه في ذلك أن يضرب سهام المنكسر عليهم في أصل الفريضة، فما بلغت إليه خرجت منه
السهام صحاحا.
وأصل الفريضة أقل عدد يخرج منه السهام المسماة فيها صحاحا مثل أن يجتمع مع
النصف ثلث أو سدس فيكون أصلها من ستة، فإن كان معه ربع فأصلها من أربعة، فإن كان
مع النصف ثمن فأصلها من ثمانية، فإن كان مع الربع ثلث أو سدس فأصلها من اثنى عشر، فإن
كان مع الثمن الثلثان أو سدس فأصلها من أربعة وعشرين.
مثال ما قدمناه في تصحيح السهام، أن نفرض أبوين وابنا وبنتا، فأصل فريضتهم من
ستة، للأبوين سهمان، وتبقى أربعة تنكسر على الابن والبنت، فتضرب سهامهما وهي ثلاثة
في أصل الفريضة وهي ستة، فتكون ثمانية عشر، لكل واحد من الأبوين ثلاثة، يبقي اثنا
عشر، للابن منها ثمانية وللبنت أربعة.

1 - الخلاف: 4 / 108 مسألة 119.
425

وكذا لو كان مكان الابن والبنت ثلاث بنات، فإنا نضرب سهامهن، وهي ثلاثة، في
أصل الفريضة وهي ستة فتكون ثمانية عشر، ويكون للأبوين ستة ولكل واحد من
البنات أربعة.
وإن كان في الفريضة رد ينكسر، فالوجه أن يجمع مخرج فرائض من يجب الرد عليه ثم
يضرب في أصل الفريضة ويقسم الجميع [155 / ب] كفريضة الأبوين والبنت مثلا فإن
أصلها من ستة، فللأبوين الثلث، وللبنت النصف، ويبقى سهم ينكسر في الرد عليهم، فمخرج
الثلث من ثلاثة، ومخرج النصف من اثنين، وذلك خمسة تضرب في أصل الفريضة وهي ستة
فيكون ثلاثين، للأبوين عشرة، وللبنت خمسة عشر بالفرض، وللأبوين من الباقي، وهو
خمسة، سهمان، وللبنت ثلاثة بالرد، وعلى هذا يجري الحساب في جميع الفرائض فليتأمل.
والوجه في تصحيح المناسخات (1)، أن تصحح مسألة الميت الأول ثم تصحح مسألة
الميت الثاني وتقسم ما يخص بالميت الثاني من المسألة الأولى على سهام مسألته. فإن انقسمت،
فقد صحت المسألتان مما صحت من مسألة الميت الأول، كمن مات وخلف أبوين وابنين،
فأصلها من ستة، للأبوين سهمان لكل واحد من الاثنين سهمان، فإن مات أحد الابنين وخلف
ابنين، كان لكل واحد منهما سهم من هذين السهمين، فقد صحت المسألتان من المسألة الأولى.
فإن لم تنقسم الثانية من الأولى، جمعنا سهام المسألة الثانية وضربناها في المسألة
الأولى، مثل أن يخلف أحد الابنين في المسألة التي قدمناها ابنا وبنتا، فإن سهمه وهو اثنان من
ستة ينكسر عليهما، فيضرب سهم الابن وهو اثنان وسهم البنت وهو واحد في أصل الفريضة
من المسألة الأولى وهي ستة، فتكون ثمانية عشر، للأبوين السدسان ستة، ولكل واحد من
الابنين ستة، فيكون لابنه وبنته اللذين خلفهما للذكر مثل حظ الأنثيين من غير انكسار.
وكذا الحكم لو مات ثالث ورابع فما زاد، فإنا نصحح في مسألة كل ميت. ويقسم ماله من
مسائل من مات قبله من السهام على سهام مسألته، فإن انقسمت فقد صحت لنا المسائل كلها،
وإن لم تصح ضربنا جميع مسألته فيما صحت من مسائل من مات قبله، فما اجتمع صحت
المسائل كلها إن شاء الله (2) في الخلاصة إذا استبهم التقدم والتأخر في الموت كما إذا مات قوم من

1 - وهي أن تموت ورثة بعد ورثة، قبل تقسيم الإرث، فلا يقسم على حكم الميت الأول بل على الثاني أو ما بعده.
2 - الغنية 334.
426

الأقارب في سفر أو تحت هدم أو غرق فيقدر في حق كل واحد كأنه لم يخلف صاحبه وإنما
خلف الأحياء. (1)

1 - الخلاصة.
427

النكاح
كتاب النكاح
نحتاج أولا أن نبين من يحرم نكاحه، ثم نبين أقسام النكاح المباح وشروطه، والأسباب
الموجبة لتحريم الوطئ بعد صحة العقد، وما يتعلق بذلك كله من الأحكام، فنقول: من يحرم
العقد عليهن على ضربين: أحدهما يحرم على كل حال، والثاني يحرم في حال دون حال.
فالضرب الأول [156 / أ] المحرمات بالنسب. وهن ست: الأم وإن علت، والبنت وإن
نزلت، والأخت، وبنت الأخ والأخت وإن نزلتا، والعمة والخالة وإن علتا، بلا خلاف.
والمحرمات بالرضاع، وهن ست أيضا كالمحرمات بالنسب، إلا أن الراضع من لبن المرأة
يحرم عليه كل من ينتسب إلى بعلها بالولادة والرضاع، ولا يحرم من ينتسب إلى المرأة إلا
بالولادة دون الرضاع.
ولا يقتضي [ال‍] - تحريم الرضاع إلا بشروط: منها: أن يكون سن الراضع والمرتضع من
لبنه دون الحولين (1).
إذا حصل الرضاع المحرم، لم يحل للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع بلبنه، ولا
لأحد من أولاده من غير المرضعة ومنها، لأن الإخوة والأخوات بمنزلة أولاده. وخالف جميع
الفقهاء في ذلك (2).
وتنتشر حرمة الرضاع إلى أم المرضعة والفحل، فيصير الفحل بالمرضع، وأبوه جده، و
أمه جدته وأخته عمته، وأخوه عمه وكل ولد له فهم إخوة لهذا المرضع، وبه قال علي (عليه السلام)، و
ابن عباس، وفي الفقهاء مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد، وذهب قوم إلى أن لبن الفحل لا

1 - الغنية 335.
2 - الخلاف: 5 / 93 مسألة 1، من كتاب الرضاع.
428

ينشر الحرمة، ولا يكون من الرضاع أب، ولا عم، ولا عمة، ولا جد، ولا أخ لأب. ولهذا
الفحل أن يتزوج التي أرضعتها زوجته وهم ابن عمر وابن الزبير وربيعة بن [أبي] عبد
الرحمن أستاد (1) مالك، وحماد بن أبي سليمان (2) أستاد أبي حنيفة، وابن علية (3) وهو أستاد
الأصم، وأهل الظاهر وهم داود وشيعته.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي عن علي (عليه السلام) أنه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة
عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال (عليه السلام): أما علمت أن حمزة (4) أخي من
الرضاعة، وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب.
وما روي عن عائشة، أنها قالت: دخل علي أفلح أخو أبي القعيس (5) فاستترت منه،
فقال: تستترين مني وأنا عمك؟ فقلت: من أين؟ فقال: أرضعتك امرأة أخي قلت: إنما
أرضعتني امرأة ولم يرضعني الرجل، فدخلت على رسول الله فحدثته، فقال: إنه عمك فليلج
عليك. وهذا نص في المسألة، فإنه أثبت الاسم والحكم (6).
والرضاع إنما ينشر الحرمة إذا كان الولد صغيرا، وإن كان كبيرا لم ينشر الحرمة، وبه
قال عمرو [بن العاص] (7) وابن عباس وابن مسعود وأبو حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم.

1 - ابن أبي عبد الرحمان، القرشي التيمي أبو عثمان، ويقال: أبو عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي روى عن:
إسماعيل بن عمرو بن قيس، وأنس بن مالك، وبشير بن يسار وغيرهم. وروى عنه: إسماعيل بن أمية القرشي،
وإسماعيل بن جعفر المدني، وغيرهما. توفي سنة (136) بالمدينة وقيل بالأنبار. تهذيب الكمال: 9 / 123 رقم
1881.
2 - واسمه مسلم الأشعري، أبو إسماعيل الكوفي الفقيه روى عن: إبراهيم النخعي، وأنس بن مالك، والحسن البصري،
وروى عنه: جرير بن أيوب البجلي، وحفص بن عمر، قاضي حلب وغيرهما توفي (120). تهذيب الكمال: 7 / 269
رقم 1483.
3 - إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو بشر الأسدي الكوفي ولي المظالم ببغداد في أيام هارون الرشيد ولد سنة (110)
ومات (193) ودفن ببغداد. طبقات الحنابلة: 1 / 99 رقم 108.
4 - بن عبد المطلب، أبو يعلى، سيد الشهداء، عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه من الرضاعة، أسلم في السنة الثانية من المبعث،
هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا وقتل في أحد في شوال سنة (3) وكان عمره (75) سنة. أسد الغابة: 1 / 528 رقم
1251.
5 - عم عائشة من الرضاعة. ويقال: أفلح بن أبي القعيس. أنظر الإصابة: 1 / 99 رقم 227.
6 - الخلاف: 5 / 93 مسألة 2.
7 - أبو عبد الله وأبو محمد، أسلم عام خيبر واستعمله رسول الله على عمان وسيره أبو بكر أميرا إلى الشام ثم سيره عمر في
جيش إلى مصر وشهد صفين مع معاوية وهو أحد الحكمين واستعمله معاوية على مصر مات بها سنة (43). أسد
الغابة: 3 / 741 رقم 3965.
429

وقالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير، وبه قال أهل الظاهر (1).
لنا [على] ما قلنا [من] أن سن الراضع والمرتضع من لبنه [156 / ب] يجب أن يكون
دون الحولين، بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين
كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) * (2) لأن المراد إثبات الرضاع الشرعي، الذي يتعلق به
الحرمة، بدليل أنه لا يجوز أن يريد الرضاع اللغوي، لأنه ينطلق على ما يحصل بعد الحولين و
قبل تمامهما، ولا يريد نفي جوازه دونهما، أو بعدهما، لأن ذلك جائز بلا خلاف، ولا نفي الكفاية
بدونها، لأن الكفاية قبل تمامها قد تحصل بلا شبهة، فلم يبق إلا ما قلناه.
ومن شروط تحريم الرضاع: أن يكون لبن ولادة لا در (3) خلافا للشافعية والحنيفية فإن
في الخلاصة أن الصغيرة إذا خرج من ثديها وسنها دون سن الحيض لا يتعلق به الحرمة وإن
بلغت سن الحيض فنزل لها لبن تعلقت به الحرمة وإن لم تسبق ولادة.
وفي البداية: وإذا نزل للبكر لبن فأرضعته صبيا تعلق به التحريم (4).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن) * (5) ومن لا ولد لها
من النساء لا يطلق عليها اسم الوالدة فلا يتعلق برضاعها ولبنها حكم.
ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويشد العظم، بأن يكون يوما وليلة، أو عشر رضعات
متواليات، عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم خمس عشرة رضعة، والأول أحوط، كل رضعة
منها تروي الصبي لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى، بلا خلاف بين أصحابنا، ولا يثبت
الرضاع بقول المرضعة، بل يفتقر ثبوته إلى بينة عادلة (6).
القدر المعتبر في الرضاع أن يكون في مدة الحولين، فإن وقع بعضه خارجا عنها لم يعتبر.
وقال الشافعي: إن وقع أربع رضعات في الحولين والخامسة بعدهما لم ينشر الحرمة. وبه
قال أبو يوسف ومحمد.
والمدة عند مالك حولان وشهر، وعند أبي حنيفة حولان ونصف: ثلاثون شهرا. وقال
زفر ثلاثة أحوال (7).

1 - الخلاف: 5 / 98 مسألة 4.
2 - البقرة: 233.
3 - الغنية 336.
4 - الهداية في شرح البداية 1 / 219.
5 - البقرة: 233.
6 - الغنية 336.
7 - الخلاف: 5 / 99 مسألة 5.
430

وأما عدد الرضعات، فاختار الشيخ خمس عشرة رضعة.
وقال الشافعي لا يحرم إلا خمس رضعات مفترقات، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن
الرضعة الواحدة أو المصة الواحدة ولو كان قطرة تنشر الحرمة، وبه قال مالك.
لنا ما روي عن النبي (عليه السلام) الرضاعة من المجاعة، يعني ما سد الجوع. وقال (عليه السلام): الرضاع ما
أنبت وشد العظم (1).
والرضعة ما يشربه الصبي حتى يروي ولا تعتبر المصة.
وقال الشافعي: المعتبر في الرضعة العادة فما يسمى رضعة اعتبر، ولم يعتبر أيضا أن
لا يدخل بينهما رضاع امرأة أخرى، بل قال: لا فرق بين أن يدخل بينهما ذلك وأن لا يدخل (2).
إذا أوجر اللبن [157 / أ] في حلقه، ووصل إلى جوفه، لم يحرم.
وكذا إذا سعط باللبن حتى يخرج إلى جوفه لم ينشر الحرمة وفاقا لداود وعطاء في
المسألتين وخلافا للشافعي ولباقي الفقهاء.
وكذا إذا حقن المولود باللبن. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه وهو قول أبي
حنيفة، والآخر أنه ينشر. وبه قال محمد.
وكذا إذا شيب اللبن بغيره ثم سقي، غالبا كان اللبن أو مغلوبا، وشيب بجامد أو مايع،
مستهلك، كان أو غير مستهلكا بدلالة قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * (3) وهذه
ما أرضعت.
وقال الشافعي: إنما ينشر الحرمة إذا تحقق وصوله إلى جوفه، مثل أن حلبت في قدح
وصب عليه الماء، واستهلك فيه، فشرب كالماء نشر الحرمة، لأنا تحققنا وصوله إلى جوفه، و
إن وقعت قطرة في جب من الماء فإنه إذا شرب بعض الماء لم ينشر الحرمة، لأنا لا نتحقق
وصوله إلى جوفه إلا بشرب الماء كله.
قال أبو حنيفة: إن كان مشوبا بجامد لم ينشر الحرمة، سواء كان غالبا أو مغلوبا وإن كان
مشوبا بمايع نشر الحرمة إن كان غالبا، ولم ينشرها مغلوبا.
وقال أبو يوسف ومحمد: ينشر إن كان غالبا نشرها ولم ينشرها إن كان مغلوبا

1 - الخلاف: 5 / 95 مسألة 3، وفي النسخة: وأنشر العظم.
2 - الخلاف: 5 / 100 مسألة 7.
3 - النساء: 23.
431

مستهلكا، والجامد والمائع سواء.
قالوا: فإن شيب بلبن امرأة أخرى، فالمولود عند أبي يوسف وأبي حنيفة ابن لمن غلب
لبنها. وقال محمد: هو ابنهما معا (1).
ولو ارتضع بعض الرضعات حال حياتها وتمامها بعد مماتها لا ينشر الحرمة لأنه لا
دليل عليه وبه قال الشافعي، [وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك]: لبنها كما هو في حال
حياتها (2).
إذا كانت له زوجة مرتضعة، فأرضعتها من يحرم عليه بنتها انفسخ النكاح بلا خلاف، و
لا يلزمه شئ من المهر إذا لم يكن بأمره ولأنه لا دليل عليه.
وقال الشافعي: يلزمه نصف المهر قياسا على المطلقة (3).
إذا كانت له زوجة كبيرة لها لبن من غيره، وله ثلاث زوجات صغار لهن دون الحولين،
فأرضعت منهن واحدة بعد واحدة، فإذا أرضعت الأولى الرضاع المحرم، انفسخ نكاحها و
نكاح الكبيرة، فإذا أرضعت الثانية، فإن كان دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الثانية، وإن لم يكن
دخل بها فنكاحها بحاله، لأنها بنت من لم يدخل بها، فإذا أرضعت بعد ذلك الثالثة، صارت
الثالثة أخت الثانية، من رضاع، وانفسخ نكاحها ونكاح الثانية، وبه قال أبو حنيفة و
الشافعي في القديم. وقال في الأم: ينفسخ نكاح الثالثة وحدها، لأن نكاح الثانية كان صحيحا
بحاله، وإنما تم الجمع [157 / ب] بينهما وبين الثانية بفعل الثالثة، فوجب أن ينفسخ نكاحها.
يدل على المسألة قوله (عليه السلام): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (4).
لا تقبل شهادة النساء عندنا على وجه.
وقال أبو حنيفة لا تقبل منفردة إلا في الولادة.
وقال الشافعي: تقبل على الانفراد [في] أربعة مواضع: الولادة والاستهلال والرضاع و
العيوب تحت الثياب (5).
ومن هذا الضرب من المحرمات أم المعقود عليها (6)، وبه قال ابن عباس وابن مسعود و
جميع الفقهاء إلا أن للشافعي فيه قولين، ورووا عن علي (عليه السلام) [أنه قال]: لا تحرم الأم [بالعقد]

1 - الخلاف: 5 / 100 مسألة 8 - 11.
2 - الخلاف 5 / 104 مسألة 14.
3 - الخلاف: 5 / 104 مسألة 15.
4 - الخلاف: 5 / 105 مسألة 18.
5 - الخلاف: 5 / 105 مسألة 19.
6 - الغنية: 336.
432

وإنما تحرم بالدخول (1).
لنا ما رووه من قوله (عليه السلام): من نكح امرأة ثم ماتت قبل الدخول لم تحل له أمها، وهذا نص.
ومن هذا الضرب أيضا بنت المدخول بها، سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن، بلا
خلاف إلا من داود فإنه قال: فإن كانت في حجره حرمت وإلا فلا، ظنا منه أن قوله تعالى:
{اللاتي في حجوركم} (2) شرط في التحريم، وليس ذلك شرطا، وإنما هو وصف لهن، لأن
الغالب أن الربيبة تكون في حجره.
ومن هذا الضرب أم المزني بها وابنتها، فهو الظاهر من مذهب أصحابنا والأكثر من
رواياتهم (3).
وروي أنه لا يتعلق به تحريم نكاح ويجوز له أن يتزوج أمهاتها وبناتها وهو المروي عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) وابن عباس وبه قال مالك والشافعي، وبالرواية الأولى قال أبو حنيفة و
أصحابه وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لو نظر إلى فرجها بشهوة، أو قبلها، أو لمسها فهو كما [لو] زنى بها، قال:
ولو قبل أم امرأته بشهوة حرمت عليه امرأته (4)، ولو قبل رجل زوجة ابنه بشهوة انفسخ
نكاحها.
والذي يدل على الأول المروي من الأخبار فيه، وقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب
لكم} (5) {وأحل لكم ما وراء ذلكم} (6)، وقوله (عليه السلام) الحرام لا يحرم الحلال، وهذا عام، و
الذي يدل على الثاني طريقة الاحتياط والأخبار المروية في ذلك (7).
وتحرم على الابن زوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة، بلا خلاف من أصحابنا، و
على الأب زوجة الابن أيضا وأمته المنظور إليها بشهوة، ومن أصحابنا من قال: الموطوء، و
الأول أحوط (8).
في الخلاف: اللمس بشهوة مثل القبلة واللمس إذا كان مباحا أو بشبهة انتشر التحريم،
وتحرم الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت. وبه قال أكثر أهل العلم: أبو حنيفة ومالك وهو

1 - الخلاف 4 / 303 مسألة 75.
2 - النساء: 23.
3 - الغنية 336 - 3337.
4 - في النسخة: أمه.
5 - النساء: 3.
6 - النساء: 24.
7 - الخلاف: 4 / 306 مسألة 79.
8 - الغنية 337.
433

المنصوص للشافعي (1).
وإذا نظر إلى فرجها، تعلق به تحريم المصاهرة. وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي:
لا يتعلق به ذلك.
ويدل [158 / أ] على المسألة بعد إجماع الفرقة ما روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال: لا ينظر الله
إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها. وقال (عليه السلام) من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها و
بنتها (2).
ويحرم على كل واحد من الأب والابن العقد على من زنى بها الآخر، خلافا لهم [و]
يخص التحريم على الابن قوله تعالى: * (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * (3) لأن
لفظ النكاح يقع على العقد والوطئ معا.
وتعلق المخالف بما يرويه من قوله (عليه السلام) الحرام لا يحرم الحلال، غير معتمد لأنه خبر
واحد، ثم إنه مخصوص بالإجماع، ويحمل على مواضع. منها: أن وطئ المرأة في الحيض حرام
ولا يحرم ما عداه من الحلال هاهنا. ومنها: أن الزنا بالمرأة لا يحرم والتزويج بها إذا تابت. و
منها: أن وطئ الأب لزوجة ابنه والابن لزوجة أبيه حرام ولا يحرم من الزوجة ما كان حلالا.
ويحرم العقد على الزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ممن زنى بها، وعلى أم الغلام
الموقب وأخته وابنته ممن لاط به (4)، وخالف جميع الفقهاء في ذلك (5).
ويحرم أيضا على التأبيد المعقود عليها في عدة معلومة أو إحرام معلوم، والمدخول بها
فيهما (6).
إذا تزوجها في عدتها مع الجهل بتحريم ذلك، ودخل بها فرق بينهما، ولا تحل له أبدا. وبه
قال عمر ومالك والشافعي في القديم. وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقالوا تحل له بعد انقضاء
عدتها. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي في الجديد (7).
وإذا تزوجها في عدتها مع العلم ولم يدخل بها فرق بينهما، ولا تحل له أبدا، وبه قال
مالك. وخالف جميع الفقهاء (8).

1 - الخلاف: 4 / 308 مسألة 81.
2 - الخلاف: 4 / 308 مسألة 82.
3 - النساء: 22.
4 - الغنية: 337 - 338.
5 - الخلاف: 4 / 308 مسألة 80.
6 - الغنية 338.
7 - الخلاف: 4 / 321 مسألة 98.
8 - الخلاف: 4 / 321 مسألة 97.
434

وإذا تزوجها في حال إحرامها جاهلا، ودخل بها، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا. وكذا إن
كان عالما ولم يدخل بها. وخالف جميع الفقهاء فيهما (1).
وكذا المطلقة للعدة تسعا ينكحها بينها رجلان لم تحل له أبدا، وهو إحدى الروايتين عن
مالك. وخالف باقي الفقهاء في ذلك (2).
وكذا الملاعنة والمقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء (3)، وفاقا للشافعي في
الملاعنة، وخلافا لهما في المقذوفة الصماء أو الخرساء، فإن عندهما لا يتعلق اللعان بها (4)،
وفي البداية: وإذا تلاعنا لا تقع الفرقة بينهما حتى يفرق الحاكم وتكون الفرقة تطليقة بائنة عند
أبي حنيفة ومحمد وهو يخطبها إذا أكذب نفسه. وقال أبو يوسف تحرم عليه أبدا (5).
يدل عليه قوله (عليه السلام): المتلاعنان لا يجتمعان أبدا، وقوله لعويمر (6) حين فرق بينه وبين
[158 / ب] زوجته باللعان: لا سبيل لك عليها، وقول المخالف - وهو أبو حنيفة -: أراد بذلك
في هذه الحال، تخصيص بغير دليل.
واستدلال المخالف بأن الأصل الإباحة وبظاهر القرآن كقوله تعالى: * (فانكحوا ما
طاب لكم من النساء) * (7) * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * (8) غير لازم، لأنا نعدل عن ذلك
بالدليل، كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.
وحكم الأم والبنت والأخت بالرضاع في التحريم بهذه الأسباب، حكم ذوات النسب،
وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب، حكم الحرائر.
وأما من يحرم العقد عليهن في حال دون حال فأخت المعقود عليها بلا خلاف، أو
الموطوءة بالملك بلا خلاف إلا من داود، ويدل عليه قوله تعالى: * (وأن تجمعوا بين
الأختين) * (9) لأنه لم يفصل، والخامسة حتى تبين إحدى الأربع بما يوجب البينونة، والمطلقة
للعدة ثلاثا، أو للسنة، على ما نبينه، حتى تنكح زوجا آخر وتبين منه، وكذا حكم كل

1 - الخلاف: 4 / 322 مسألة 99.
2 - الخلاف: 4 / 322 مسألة 100.
3 - الغنية: 338.
4 - الخلاف: 5 / 12 مسألة 8 و 9.
5 - الهداية في شرح البداية: 2 / 271.
6 - ابن أبيض العجلاني الأنصاري صاحب اللعان، وهو الذي رمى زوجته بشريك بن سحما، فلاعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بينهما وذلك في شعبان سنة تسع لما قدم من تبوك. أسد الغابة: 4 / 17 رقم 4133.
7 - النساء: 3.
8 - النساء: 24.
9 - النساء: 23.
435

مزوجة، والمعتدة من الطلاق الرجعي حتى تخرج من عدتها، كل هذا بلا خلاف، وبنت الأخ
على عمتها، وبنت الأخت على خالتها حتى تأذنا، والأمة على الحرة حتى تأذن، الزانية حتى
تتوب (1).
إذا كانت عنده حرة وأذنت له في تزويج أمة جاز خلافا لجميع الفقهاء، فإنهم: قالوا
لا يجوز وإن أذنت (2).
وكذا في العمة والخالة إذا رضيا قالوا: لا يجوز نكاحهما، ولا تأثير لرضاهما (3).
وظاهر القرآن يقتضي إباحة تزويج المرأة على عمتها وخالتها لأنه عام ولا يخرج منه
إلا ما أخرجه دليل قاطع من حظر ذلك إذا لم يكن منها إذن، وما يرويه المخالف من قوله (عليه السلام):
لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها، خبر واحد مخالف لظاهر القرآن، ومعارض بأخبار تقتضي
الإباحة مع الاستئذان، ومحمول - لو سلم من ذلك كله - على ما إذا لم يكن منهما إذن، فلا يمكن
الاعتماد عليه (4).
لا يجوز للعبد أن يتزوج بأكثر من حرتين، أو أربع إماء. وقال الشافعي: لا يزيد على
ثنتين، حرتين كانتا أو أمتين، وبه قال أبو حنيفة وأحمد. وقال مالك: إنه كالحر، له نكاح
أربع (5)، وفي الخلاصة: ومن كان تحته حرة وهو حر لا يجوز له نكاح أمة ولا يجوز له قط نكاح
أمتين.
ويحرم العقد على الكافرة وإن اختلفت جهات كفرها حتى تسلم إلا على وجه
نذكره (6)، وأجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيات وهو المروي عن عمر وعثمان وطلحة و
حذيفة وجابر. وروي أن عثمان نكح نصرانية وكذلك طلحة ونكح حذيفة يهودية وروي
عن ابن عمر كراهية ذلك، وإليه ذهب الشافعي (7)
لنا ما دل على مذهبنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم
الكوافر} (8) وقوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} (9) وقوله: {لا يستوي

1 - الغنية 338 - 339.
2 - الخلاف: 4 / 315 مسألة 87.
3 - الخلاف: 4 / 296 مسألة 64.
4 - الغنية 339.
5 - الخلاف: 4 / 295 مسألة 63.
6 - الغنية 339.
7 - الخلاف: 4 / 311 مسألة 84.
8 - الممتحنة: 10.
9 - البقرة: 221.
436

أصحاب النار وأصحاب الجنة} (1) لأنه تعالى نفى بالظاهر التساوي في جميع الأحكام التي
من جملتها المناكحة.
وقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} (2) نخصه بنكاح
المتعة، فإنه جائز عندنا على الكتابيات، أو نحمله على ما إذا كن مسلمات، بدليل ما قدمناه، و
لا يمتنع أن يكون من جهة الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر، وبين من لم
تكفر أصلا، فيكون في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة.
وليس لأحد مع جواز هذا أن يقول: قد أغنى عما اشترطتموه من إسلام الكتابيات قوله
تعالى: {والمحصنات من المؤمنات}.
فإن قالوا: لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه، لتسلم لكم ظواهر آياتكم بأولى منا
إذا خصصنا ظواهر آياتكم بالمرتدات والحربيات، ليسلم لنا ظاهر الآية التي نستدل بها.
قلنا: غير مسلم لكم التساوي في ذلك، بل نحن أولى بالتخصيص منكم، لأنكم تعدلون
عن ظواهر كثيرة ونحن نعدل عن ظاهر واحد، فإذا كان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما
يفعل للضرورة، فقليله أولى من كثيره. بلا شبهة (3).
أنكحة المشركين صحيحة. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم.
وقال مالك: أنكحتهم فاسدة، وكذلك طلاقهم غير واقع. فلو طلق المسلم زوجته
الكتابية، ثم تزوجت بمشرك ودخل بها، لم تحل لزوجها المسلم (4).
وأما أقسام النكاح المباح فثلاثة: نكاح غبطة ونكاح متعة، ونكاح بملك يمين.
ونكاح المستدام سنة بلا خلاف إلا من داود، فإنه قال: واجب.
يدل على ما قلناه قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} إلى قوله:
{فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} (5) لأنه تعالى علق ذلك باستطابتها وما كان كذلك فليس
بواجب، ولأنه خير بينه وبين ملك اليمين، والتخيير لا يكون بين واجب ومباح، ولأن ذلك
يقتضي جواز الاقتصار على ملك اليمين، والمخالف لا يجيزه، ويدل على ذلك أيضا {ومن لم
يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} إلى قوله: {وأن تصبروا خير

1 - الحشر: 20.
2 - المائدة: 5.
3 - الغنية 339 - 340.
4 - الخلاف: 4 / 333 مسألة 112.
5 - النساء: 3.
437

لكم} (1) ولو كان نكاح الأمة عند عدم طول الحرة واجبا، لم يكن الصبر خيرا منه، وعند
المخالف أن الصبر [159 / ب] لا يجوز، فضلا أن يكون خيرا من النكاح:
ومن شرط صحة عقد النكاح. أن يكون المعقود عليه معلوما متميزا، فلو قال: زوجتك
من عندي، أو امرأة، أو حمل هذه الجارية، لم يصح للجهالة.
وأن يكون ومن يصح نكاحه، فلا يصح العقد بين الكافر والمسلم بلا خلاف، ولا بين
المسلم وإحدى المحرمات عليه اللاتي قدمنا ذكرها.
وأن يحصل الإيجاب والقبول، وأيهما سبق جاز، فلو قال: زوجنيها، فقال الولي:
زوجتكها، صح يدل عليه ما رووه من حديث سهل بن سعد فإنه قال: زوجنيها يا رسول الله.
فقال: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم يأمره بعد ذلك بالقبول.
ولو قال: أتزوجينها؟ فقال: زوجتكها، لم يصح حتى يقبل الإيجاب، لأن السابق
استفهام، ولو اقتصر القائل على قوله: قبلت، صح العقد، لأن ذلك جواب الإيجاب وهو منضم
إليه، فكأن معناه قبلت هذا التزويج بلا شبهة.
ومن شرط ذلك أن يكون بلفظ النكاح، أو التزويج، أو الاستمتاع في النكاح المؤجل
عندنا، مع القدرة على الكلام (2)، وفي الخلاصة: يجوز بالعجمية مع القدرة على العربية.
ولا يصح العقد بلفظ الإباحة، ولا التحليل، ولا التمليك، ولا الإجارة، ولا الهبة، ولا
العارية، لأن ما اعتبرناه في نكاح الدوام، مجمع على انعقاده، وليس على انعقاده بما عداه
دليل (3)، وبما قلناه قال في التابعين: عطاء وسعيد والزهري، وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح بلفظ البيع والهبة والصدقة والتمليك. وفي لفظ الإجارة عنه
روايتان سواء ذكر المهر أو لم يذكر.
وقال مالك: إن ذكر المهر وقال: بعتكها على مهر كذا صح وإلا فلا، لأن ذكر المهر يخلص
اللفظ للنكاح (4).
ومن شرطه أن يكون صادرا ممن له ولاية، والولاية التي يجوز معها تزويج الصغيرة
غير البالغ - سواء كانت بكرا أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو بغيره ولا يكون لها بعد البلوغ

1 - النساء: 25.
2 - الغنية 340 - 341.
3 - الغنية 342.
4 - الخلاف: 4 / 288 مسألة 57.
438

خيار بلا خلاف، بين أصحابنا، وتزويج البكر البالغ من غير إذنها، على خلاف بينهم في ذلك -
مختصة بأبيها وجدها له في حياته، فإن لم يكن الأب حيا فلا ولاية للجد (1)، خلافا للشافعي
فإن عنده ولاية الجد مع عدم الأب، ولا ولاية له مع وجوده. (2) ومن يختاره الجد أولى ممن
اختاره الأب، وليس لأحدهما فسخ العقد الذي سبق الآخر إليه، وإن كان بغير إذنه، والأولى
بالأب استئذان الجد (3) [160 / أ].
إذا بلغت الحرة رشيدة ملكت العقد على نفسها، وزالت ولاية الأب عنها وولاية الجد،
إلا إذا كانت بكرا، فإن الظاهر من روايات أصحابنا أنه لا يجوز لها ذلك. وفي أصحابنا من
قال: البكر أيضا تزول ولايتهما عنها.
فأما غير الأب والجد فلا ولاية لأحد عليها، سواء كانت بكرا أو ثيبا، غير أن الأفضل
لها أن ترد أمرها إلى أخيها وابن أخيها أو عمها وابن عمها.
وقال الشافعي: إذا بلغت الحرة رشيدة ملكت كل عقد إلا النكاح، فإنها متى أرادت أن
تتزوج افتقر نكاحها إلى الولي، وهو شرط لا ينعقد النكاح إلا به سواء كانت صغيرة أو
كبيرة، بكرا أو ثيبا، فإن كان لها ولي مناسب مثل الأب أو الجد أو الأخ أو ابن الأخ أو العم أو
ابن العم فهو أولى، وإن لم يكن فالحاكم، ويملك الولي أن يزوجها بنفسه، وأن يوكل من
يزوجها من الرجال، فإن أذن لها أن تعقد على نفسها لم يجز، ولا أن يوكل غيرها من النساء، و
على الجملة لا ولاية للنساء في مباشرة عقد النكاح ولا وكالة. وبه قال ابن مسعود وابن
عباس ورووه عن علي (عليه السلام) وفي الفقهاء ابن [أبي] ليلى، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغت المرأة رشيدة فقد زالت ولاية الولي عنها، كما زالت عن مالها،
[و] لا يفتقر نكاحها إلى إذنه، بل لها أن تتزوج وتعقد على نفسها. إلا أنها إن وضعت نفسها في
غير كفو كان للولي أن يفسخ نكاحها.
وقال مالك: إن كانت عربية ونسيبة فنكاحها يفتقر إلى الولي وإلا فلا (4).
البكر إذا كانت كبيرة فالظاهر في روايات أصحابنا أن للأب أو الجد أن يجبرها على
النكاح، ويستحب له أن يستأذنها، وإذنها صماتها، وبه قال مالك والشافعي وأحمد.

1 - الغنية 342.
2 - الخلاف: 4 / 265 مسألة 17.
3 - الغنية 342.
4 - الخلاف: 4 / 250 مسألة 6.
439

وقال قوم من أصحابنا: ليس لوليها إجبارها على النكاح كالثيب الكبيرة. وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه، فاعتبر أبو حنيفة الصغر والكبر والشافعي الثيبوبة والبكارة (1).
الثيب إذا كانت صغيرة قد ذهبت بكارتها - بزوج أو بغيره - قبل البلوغ، جاز لأبيها
العقد عليها، ولجدها مثل ذلك قبل البلوغ، وحكمها حكم البكر الصغيرة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ليس لأحد إجبارها على النكاح، وينتظر بها البلوغ ثم تزوج
بإذنها (2).
ولا ولاية لغير الأب والجد مع الأب على الصغيرة عندنا خلافا للفقهاء (3)، يدل على ما
قلنا ما رووه من قوله (عليه السلام) لقدامة بن مظعون (4) [160 / ب] وقد زوج ابنة أخيه: إنها يتيمة
وإنها لا تنكح إلا بإذنها، ولا يجوز أن يقال: سماها يتيمة إن كانت بالغا، لقرب عهدها باليتم لأن
ذلك رجوع عن الظاهر في الشرع بغير دليل، لأنه لا يتم بعد الحلم، على ما ورد في الخبر.
فإن عقدا بغير إذنها، فأبت العقد، لم ينفسخ عند من قال من أصحابنا: لهما إجبارها على
النكاح، وعند من قال ليس لهما ذلك ينفسخ، وطريقة الاحتياط يقتضي اعتبار رضاها في
صحة العقد، لأنه لا خلاف في صحته إذا رضيت، وليس كذلك إذا لم ترض، وعلى هذا،
النكاح يقف على الإجازة، سواء كانت من الزوج أو الولي أو المنكوحة لما رووه من أن امرأة
بكرا أتت النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة، فخيرها النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا يدل على أن
النكاح يقف على الفسخ والإجازة (5).
وقال الشيخ في الخلاف: النكاح لا يقف على الإجازة، مثل أن يزوج رجل بنت غيره و
هي بالغ من رجل فقبل الرجل لم يقف العقد على إجازة الولي ولا إجازتها، وكذلك لو زوج
بنته الثيب الكبيرة الرشيدة لم يقف على إجازتها وكان باطلا بدلالة أن العقود الشرعية تحتاج
إلى أدلة شرعية، ولا دليل على أن هذا العقد واقف على الإجازة فوجب القضاء بفسادها، وبه
قال الشافعي وأحمد.

1 - الخلاف: 4 / 255 مسألة 10.
2 - الخلاف: 4 / 264 مسألة 15.
3 - الخلاف: 4 / 265 مسألة 17.
4 - بن موسى بن عمر، القرشي الجمحي المكي. روى عن: أنس بن مالك. مات سنة (153). تهذيب الكمال: 23 / 553
رقم 4860.
5 - الغنية 343.
440

وقال أبو حنيفة: يقف على الإجازة (1).
ولا تعقد البكر على نفسها بغير إذنهما، فإن عقدت وأبيا العقد انفسخ إلا أن يكونا قد
عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء، فإنه لا ينفسخ.
والكفاءة تثبت عندنا بأمرين: الإيمان، وإمكان القيام بالنفقة، لأن ما اعتبرناه مجمع على
اعتباره، وليس على اعتبار ما عداه دليل (2).
وقال الشافعي: شرائط الكفاءة ستة: النسب، والحرية، والدين، والصناعة، والسلامة
من العيوب، وإمكان القيام بالنفقة.
وقال أبو يوسف: الشرائط أربعة، حذف الحرية والسلامة من العيوب، وهي إحدى
الروايتين عن أبي حنيفة. وفي رواية أخرى ثلاثة، حذف الصناعة أيضا. وقال محمد: هي
ثلاثة أثبت الصناعة، وحذف الدين (3).
يجوز للعجمي أن يتزوج بعربية وبقرشية هاشمية، إذا كان من أهل الدين، وعنده
اليسار.
وقال الشافعي: العجم ليسوا بأكفاء للعرب والعرب ليسوا بأكفاء لقريش، وقريش
ليسوا بأكفاء لبني هاشم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: قريش كلها أكفاء وليس العرب أكفاء لقريش (4).
في الخلاصة: إن اجتمعت الأولياء في درجة واحدة كالإخوة جاز للواحد أن ينفرد
بتزويجها [161 / أ] بمرضاها من كفؤ وإن زوجها من غير كفوء برضاها لم يجز لحق بقية
الأولياء، وإلا فالكفاءة ليست مشروطة في صحة النكاح، زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بناته ولا كفو
لرسول الله، نعم الكفاءة حقها وحق الأولياء والمهر حقها فليس للولي الاعتراض عليها.
والثيب إذا كانت رشيدة لها أن تعقد على نفسها بغير ولي، وكذا البكر إذا لم يكن لها أب،
وإن كان الأولى لها رد أمرها إلى بعض الصلحاء من الأقارب أو الأجانب، والدليل على ما
قلنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره} (5)، فأضاف عقد النكاح إليها، وهذا يقتضي بظاهره أنها المتولية لعقدها، ومثل ذلك

1 - الخلاف: 4 / 257 مسألة 11.
2 - الغنية 343.
3 - الخلاف: 4 / 271 مسألة 27.
4 - الخلاف: 4 / 271 مسألة 27 - 28.
5 - البقرة: 230.
441

قوله سبحانه: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} (1)
وما يتعلق به المخالف من قوله (عليه السلام): أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، غير
معتمد، لأنه مقدوح في روايته مع أنه خبر واحد، ومعارض بما ورد من طرقهم من قوله (عليه السلام)
الأيم أحق بنفسها من وليها، والأيم التي لا زوج لها، وهذا عام، وقوله (عليه السلام): ليس للولي مع
الثيب أمر، ولو سلم من ذلك كله لجاز حمله على الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها، لأن الولي
في اللغة والمولى بمعنى واحد.
ويشهد بهذا التأويل أنه قد روي من طريق آخر أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها، و
قول المخالف: في الخبر ما يمنع من ذلك، وهو قوله (صلى الله عليه وآله): فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل
من فرجها، لأنه أضاف المهر إليها والأمة لا تملكه، ليس بشئ يعول على مثله، لأن ذلك إنما
جاز للعلقة التي بينهما وإن لم تملكه، كما قال النبي (عليه السلام): من باع عبدا وله مال كان المال لمولاه.
وتعلقهم لقوله (عليه السلام): لا نكاح إلا بولي، يسقط بمثل ما قلناه من القدح والمعارضة، وبأنه
خبر واحد، وبأنا نقول بموجبه، لأن الولي هو الذي يملك العقد، والمرأة عندنا هذه حالها فإذا
عقدت النكاح كان ذلك بولي، ولفظة (ولي) يقع على الذكر والأنثى بغير شبهة على من يعرف
اللغة، كما يقع عليهما لفظة (وصي) وبأنا نحمله على نفي الفضيلة كما قال (عليه السلام): لا صلاة لجار
المسجد إلا في المسجد، ولا صدقة وذو رحم محتاج (2).
فصل
وليس من شرط صحة العقد الشهادة، بل من مستحباته، وبه قال في الصحابة الحسين
بن علي وابن الزبير وابن عمر، وبه قال أهل الظاهر.
وقال الشافعي: لا يصح ذلك إلا بشاهدين عدلين. ورووا ذلك [161 / ب] عن علي
(عليه السلام) وابن عباس وعمر، وفي الفقهاء أحمد.
وقال أبو حنيفة: من شرطه الشهادة، وليس من شرطها العدالة ولا الذكورة، ويجوز
بعدلين وفاسقين، وبشاهد وامرأتين (3).

1 - البقرة: 232.
2 - الغنية ص 343 - 345.
3 - الخلاف: 4 / 261 مسألة 13.
442

لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} (1) فقد أمر الله تعالى
بالنكاح، ولم يشترط الشهادة، ولو كانت شرطا لذكرها، وما رووه من قوله (عليه السلام) أوصيكم
بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، و
لا كلام يباح به فرج المرأة إلا الإيجاب والقبول، فيجب بظاهر الخبر حصول الاستباحة بذلك،
من غير أمر سواه، ولا يجوز حمل الخبر على أن المراد بكلمة الله قوله تعالى: {وأنكحوا
الأيامى}، وما أشبه ذلك، لأن المستفاد به الإذن فيما يقع به تحليل الفرج، وهو ما قلناه من
الإيجاب والقبول، ولذلك لا يستغنى بذلك عنهما.
وتعلقهم بما رووه من قوله (عليه السلام): لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، قد بينا الجواب عنه،
على أن أبا حنيفة لا يصح على مذهبه أن يزيد الشهادة بأخبار الآحاد، لأن عنده أن كل زيادة
في القرآن توجب النسخ، ونسخ القرآن لا يجوز بأخبار الآحاد (2).
فصل
وليس من شرط عقد الدوام ذكر المهر بلا خلاف، بل من مستحباته، ويدل عليه وقوله
تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} (3) و
الطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح.
والمهر ما تراضي عليه الزوجان، دائما كان العقد أو مؤجلا، مما له قيمة، ويحل تملكه،
قليلا كان أو كثيرا (4)، وعند الحنفية أقل المهر عشرة دراهم وإن سمى أقل من عشرة فلها
عشرة (5)، وعند الشافعية في الخلاصة للصداق ثلاثة أحوال الحالة الأولى أن يكون الصداق
المسمى صحيحا، والمسمى الصحيح كل ما يجوز أن يكون ثمنا أو أجرة، فيجوز أن يكون أقل
ما يتمول، تركنا ذكر الحالتين له لعدم الاحتياج إليهما.
ويجوز أن يكون تعليم شئ من القرآن صداقا ولو كان آية، ويدل على ما قلناه قوله
تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} (6) وفي موضع آخر: {فآتوهن أجورهن} (7) و

1 - النور: 32.
2 - الغنية 345 - 346.
3 - البقرة: 236.
4 - الغنية: 346.
5 - الخلاف: 4 / 364 مسألة 2، كتاب الصداق.
6 - النساء: 4 و 24.
7 - النساء: 4 و 24.
443

الاسم يتناول القليل والكثير، وما رووه من قوله (عليه السلام): أدوا العلائق، فقيل له: ما العلائق؟
فقال: ما تراضي عليه الأهلون، وقوله (عليه السلام): من استحل بدرهين فقد استحل، وقوله: لا جناح
على امرئ أصدق امرأة صداقا قليلا كان أو كثيرا، وقوله (عليه السلام) للذي طلب منه تزويج
[162 / أ] المرأة زوجتكها بما معك من القرآن، بعد أن طلب منه أن يصدقها بشئ، وقال له:
التمس ولو خاتما من حديد. والظاهر أنه (عليه السلام) جعل ما معه من القرآن صداقا، لأنه لم يطلب
الفضل والشرف، وإنما طلب المهر، ولأنه قال (بما معك) والباء تدل على البدل والعوض، ولو
أراد الشرف لقال: لما معك من القرآن، ولا يصح جعل القرآن صداقا إلا على وجه التعليم له، و
في خبر آخر عن أبي هريرة أنه قال (صلى الله عليه وآله) قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك، وهذا نص (1).
ليس للأولياء الاعتراض في قدر المهر، فمتى رضيت بكفؤ لزمهم أن يزوجوها منه بما
رضيت من المهر، سواء كان مهر مثلها أو أقل، فإن منعوها ولت أمرها من شاءت.
وعند الشافعي يكون السلطان وليها، وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: للأولياء أن يعترضوا عليها في قدر المهر، فمتى نكحت بأقل من مهر
مثلها فللولي أن يقول للزوج: إما أن تبلغ بالمهر مهر المثل، وإلا فسخت عليك النكاح، و
أجرى المهر مجرى الكفاءة (2).
وإذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها، فالنكاح صحيح، ليس للأولياء الاعتراض.
وقال أبو حنيفة: النكاح صحيح، وللأولياء الاعتراض عليها. وقال الشافعي: النكاح
باطل (3).
ولا يجوز أن يقول الإنسان لغيره: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن يكون
بضع كل واحد منهما مهر الأخرى، لأن ذلك هو نكاح الشغار الذي نهى الرسول (صلى الله عليه وآله) عنه و
لا خلاف في تحريمه (4).
في الخلاف: نكاح الشغار باطل عندنا، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، غير أن مالكا
أفسده من حيث فساد المهر، والشافعي أفسده من حيث أنه ملك البضع كل واحد من
شخصين (5) وفي الخلاصة من حيث أنه نكاح والنكاح لا يقبل التعليق.

1 - الغنية 346 - 347.
2 - الخلاف: 4 / 277 مسألة 34.
3 - الخلاف: 4 / 277 مسألة 35.
4 - الغنية 347 - 348.
5 - الخلاف: 4 / 338 مسألة 118.
444

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن نكاح الشغار صحيح وإنما فسد فيه المهر فلا يفسد
النكاح بفساده (1).
ويجوز جعل العتق مهرا، بأن يقول لأمته، تزوجتك وجعلت عتقك مهرك، ولو قال: قد
أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك، ثبت العتق، وكانت مخيرة في التزويج.
وإذا عين المهر حالة العقد، كان للزوجة أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض جميعه،
فإذا قبضته فله نقلها إلى منزله، وليس لها الامتناع.
وإذا دخل بها وهو أو بعضه باق في ذمته، لم يكن لها منع نفسها منه حتى تقبض ذلك، و
إنما لها المطالبة (2) وذلك لأن البضع حقه والمهر حق عليه [162 / ب] ولا يمنع حقه لثبوت حق
عليه لأن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، وبمثل ما قلناه قال الشافعي وعند أبي حنيفة لها أن تمتنع
حتى تقبض، لأن المهر في مقابلة كل وطئ في النكاح (3). وإذا لم يسم لها مهرا حالة العقد، و
دخل بها، فإن أعطاها قبل الدخول شيئا وقبضته منه، لم يكن لها غيره، لأنها لو لم ترض به
لما مكنته من نفسها، فإن لم يكن أعطاها شيئا، لزمه مهر مثلها، ويعتبر في ذلك السن والجمال
والنسب والتخصيص، وكل ما يختلف المهر لأجله، فإن نقص عن مهر السنة، وهو خمسمائة
درهم فضة أو قيمتها خمسون دينارا، لم يكن لها غيره، وإن زاد على ذلك رد عليه (4).
مهر المثل يعتبر بنساء أهلها مثل أمها وأختها وخالتها وعمتها.
وقال الشافعي: تعتبر بنساء عصبتها دون أمها ونساء أرحامها، ونساء أهل بلدها، و
نساء عصباتها أخواتها وبنات الإخوة، وعماتها وبنات الأعمام، وعمات الأب وبنات أعمام
الأب.
وقال مالك: يعتبر بنساء بلدها.
وقال أبو حنيفة: يعتبر بنساء أهلها من العصبات، وغيرهم من أرحامها (5).
وفي البداية: يعتبر بأخواتها وعماتها وبنات عماتها، ولا يعتبر بأمها وخالتها، ويعتبر
تساوي المرأتين في السن والجمال والمال والعقل والدين والبلد (6).
وإذا وقع العقد على عبد مجهول، أو دار مجهولة، صح العقد، وكان لها من أوسط العبيد

1 - الخلاف: 4 / 338 مسألة 118.
2 - الغنية 348.
3 - الخلاف: 4 / 393 مسألة 39، كتاب الصداق.
4 - الغنية: 348.
5 - الخلاف: 4 / 382 مسألة 24.
6 - الهداية في شرح البداية: 1 / 205.
445

أو الدور (1).
وقال الشافعي: يبطل المسمى، ويجب لها مهر المثل (2).
وإذا وقع على عين محرمة، كالخمر، وعين الغصب، صح العقد وبطل المسمى بلا
خلاف، ووجب لها مهر المثل، إلا من مالك وبعض أصحابنا فإنهم يقولون بفساد النكاح.
لنا أن ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد، فذكر المهر الفاسد لا يكون أكثر من ترك
ذكره أصلا فينبغي أن لا يؤثر في فساد العقد، كما لو عقد بغير مهر فلا خلاف أنه يصح النكاح،
ولأنهما عقدان يصح أن ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه، ففساد أحدهما لا يدل على فساد
الآخر (3).
والزوجة يملك [ال‍] صداق المسمى لها كله بنفس العقد، وهو من ضمان الزوج إن تلف
قبل القبض، ومن ضمانها إن تلف بعده، خلافا لمالك، فإن دخل بها أو مات عنها استقر كله
بلا خلاف، وإن طلقها قبل الدخول بها رجع بنصف العين (4).
دون ما نمي. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إنما ملك بالعقد نصفه، فيكون الصداق بينهما نصفين، فإذا قبضته كان لها
نصفه بالملك، والآخر أمانة في يدها لزوجها، فإن طلقها قبل الدخول كان له أخذ النصف
[163 / أ] لأنه ملكه ولم يزل عنه.
لنا قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} (5) فأضاف الصدقة إليهن، والظاهر
أنه لهن، ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده، وأيضا فإنه أمر بإيتائهن كله، فثبت أن الكل لهن.
وأيضا فإنه إذا أصدقها غنما، ثم طلقها قبل الدخول، فإن كانت الغنم حاملا عنده فله نصفها
ونصف ما ولدت، وإن أصدقها حائلا ثم حملت عندها لم يكن له من أولادها، وهذا يدل على
أنها ملكت بالعقد دون الدخول (6).
ومتى لم يسم لها مهرا وطلقها قبل الدخول، فلا مهر لها ولها المتعة، ويعتبر بحال
الزوج، فعلى الموسر خادم أو دابة وما أشبه ذلك، وعلى المتوسط ثوب وما أشبه ذلك، وعلى

1 - الغنية: 348.
2 - الخلاف: 4 / 398 مسألة 43.
3 - الخلاف: 4 / 363 مسألة 1.
4 - الغنية: 349.
5 - النساء: 3.
6 - الخلاف: 4 / 369 مسألة 6.
446

الفقير خاتم ونحوه (1).
وعليه إجماع الصحابة وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: يستحب أن يمتعها وبه قال الليث وابن أبي ليلى.
لنا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} (2)
وهذا أمر يقتضي الوجوب، وقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن
أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدرة} (3) قال
الشافعي: المستحب من ذلك خادم، فإن لم يقدر فمقنعة، وإن لم يقدر فثلاثون درهما (4).
في الخلاصة: المتعة غير مقدرة والأولى أن يكون شيئا نفيسا على حسب حالهما وحسن
أن يكون قدر ثلاثون درهما فصاعدا.
وقال أبو حنيفة: قدر المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة تمام ثيابها، فإن كان
نصف مهر مثلها أقل من ذلك نقصا منه ما نشاء، ما لم يبلغ بالنقص أقل من خمسة دراهم وهو
نصف أقل ما يكون صداقا (5).
إذا أصدقها على أن لأبيها ألفا، صح العقد بلا خلاف، ويجب عليه الوفاء بما سمى لها، و
هو بالخيار فيما شرط لأبيها (6).
وقال الشافعي: المهر فاسد، ولها مهر المثل. وهو نقل المزني من الأم، وقال في القديم:
الكل للزوجة وبه قال مالك (7).
ولو أصدقها وشرط ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، يصح النكاح والصداق، وبطل
الشرط لأنه شرط خالف الكتاب والسنة فكان باطلا (8).
وقال الشافعي: المهر فاسد ويجب مهر المثل، وأما النكاح فصحيح (9).
ولو شرط أن لا يسافر بها، لكان الأولى الوفاء بذلك لقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم.

1 - الغنية: 349.
2 - الأحزاب: 49.
3 - البقرة: 236.
4 - الخلاف: 4 / 374 مسألة 15 - 16.
5 - الخلاف: 4 / 376 مسألة 16.
6 - الغنية 349.
7 - الخلاف: 4 / 387 مسألة 31.
8 - الغنية 349.
9 - الخلاف: 4 / 388 مسألة 32.
447

وإذا شرط في النكاح أو فيه وفي الصداق معا خيار المدة [163 / ب] بطل النكاح و
الصداق، لأن ثبوت النكاح حكم شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية، وليس في الشرع ما يدل
على ثبوت ذلك ها هنا (1) وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يبطل الشرط، والنكاح بحاله (2).
ولو شرط الخيار في الصداق وحده لم يبطل النكاح وصح الشرط والصداق لقوله (عليه السلام):
المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط لا يخالف الكتاب والسنة (3). وللشافعي في صحة
النكاح قولان: فإذا قال: يصح، فله في الصداق ثلاثة أوجه: أحدها: يصح المهر والشرط معا،
كما قلناه، والثاني يبطلان معا، والثالث: يبطل الشرط دون الصداق (4).
ومن السنة في عقد الدوام الخطبة قبله بلا خلاف إلا من داود فإنه قال واجبة (5).
وقال الشافعي: يستحب أن يخطب [ب‍] كلمات عند الإيجاب، ويستحب للزوج مثل
ذلك عند القبول (6).
والإعلان به، والوليمة.
واجتماع الناس سنة (7) وهو أحد قولي الشافعي، والآخر أنها واجبة (8).
لنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها بإيجاب شئ من ذلك يحتاج إلى دليل (9).
يستحب الحضور للوليمة، وليس بواجب أي وليمة كانت، وظاهر مذهب الشافعي أن
الإجابة في جميع الولائم واجبة، وهل هو من فروض الأعيان، أو من فروض الكفايات. فيه
وجهان وله قول آخر: إنه مستحب (10).
فصل
لا يجوز للحر أن يجمع في عقد الدوام بين أكثر من أربع حرائر، أو أمتين، ولا للعبد أن
يجمع بين أكثر من أربع إماء أو حرتين (11).

1 - الغنية 349 - 350.
2 - الخلاف: 4 / 292 مسألة 59.
3 - الغنية: 350.
4 - الخلاف: 4 / 388 مسألة 33.
5 - الغنية: 350.
6 - الخلاف: 4 / 293 مسألة 61.
7 - الغنية 350.
8 - الخلاف: 4 / 405 مسألة 1.
9 - الغنية 350.
10 - الخلاف: 4 / 405 مسألة 2 من كتاب الوليمة.
11 - الغنية: 350.
448

وقال الشافعي: لا يزيد على ثنتين، حرتين كانتا أو أمتين. وبه قال عمر وعبد الرحمن
ابن عوف (1)، والحسن البصري، وأبو حنيفة.
وقال مالك: إنه كالحر له نكاح أربع وبه قال الزهري وداود وأبو ثور (2).
وإذا اجتمع عنده أربع حرائر لزم العدل بينهن في المبيت، ولا يفضل واحدة إلا برضى
الأخرى، بلا خلاف، فإن كان عنده زوجتان جاز أن يفضل إحداهما بليلتين (3)، خلافا
لجميع الفقهاء فإنهم قالوا: يجب التسوية بينهما (4).
لنا بعد إجماع الإمامية أن له حقا بدلالة له أن يتزوج ثنتين أخراوين، فجاز أن يجعل
نصيبه لإحدى زوجتيه (5).
وإن كان له زوجتان حرة وأمة، كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة (6)، وبه قال على (عليه السلام) و
جميع الفقهاء، إلا مالكا فإنه قال: يسوي بينهما.
لنا ما روي من قوله (عليه السلام): من نكح أمة على حرة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة وهذا
نص (7).
وإن كان عنده زوجة أو أكثر فتزوج بأخرى [164 / أ]، فإن كانت بكرا، فلها حق
التقديم وحق التخصيص بسبعة أيام، وإن كانت ثيبا فلها حق التقديم والتخصيص بثلاثة
أيام، من غير قضاء، أو سبعة تقضيها في حق الباقيات، ولها الخيار في ذلك (8)، وفاقا
للشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: للجديدة حق التقديم فحسب، دون التخصيص. فإن كانت
بكرا قدمها بالبيتوتة عندها سبعا ثم يقضي، وإن كانت ثيبا قدمها بثلاث ثم يقضي.
لنا ما رواه أنس أن النبي (عليه السلام) قال: للبكر سبع ليال وللثيب ثلاث ليال، فأضاف إليهما
بلام الملك. وروت أم سلمة: أن النبي (عليه السلام) لما تزوجها قال لها: ما بك على أهلك من هوان، إن
شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت (9).

1 - أبو محمد الزهري، ولد بعد الفيل بعشر سنين، ومات بالمدينة سنة (32). تهذيب الكمال: 17 / 324 رقم 3923.
2 - الخلاف: 4 / 295 مسألة 63.
3 - الغنية: 350.
4 - الخلاف: 4 / 412 مسألة 4.
5 - الغنية: 350.
6 - الغنية: 350.
7 - الخلاف: 4 / 411 مسألة 3.
8 - الغنية: 351.
9 - الخلاف: 4 / 413 مسألة 6.
449

فصل
ويكره للحر أن يتزوج بأمة وهو يجد طول الحرة ولا يخاف العنت (1).
وفي الخلاف: لا يجوز للحر المسلم تزويج الأمة إلا بشروط ثلاثة: أن تكون مسلمة
أولا، وأن لا يجد طولا، ويخاف العنت. بدلالة قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولا
أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} (2) وبه
قال ابن عباس وجابر ومالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يحل له إلا بشرط واحد، وهو أن لا يكون عنده حرة، و
إن كانت تحته حرة لم يحل، وبه قال قوم من أصحابنا. وقال قوم: يجوز له نكاحها مطلقا
كالحرة (3).
يجوز للحر أن يتزوج بأمتين، ولا يزيد عليهما.
وقال الشافعي: لا يجوز له أن ينكح أكثر من واحدة، وإن نكح بأمة وتحته أمة فنكاح
الثانية باطل.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن تحته حرة فله أن يتزوج أربع إماء إما بعقد واحد أو
أكثر (4).
وللعبد أن ينكح أربع إماء، أو حرتين، أو حرة وأمتين ولا يجوز أن أن ينكح أمة على
حرة إلا برضا الحرة.
وقال الشافعي: له نكاح أمة وأمتين، ونكاح أمة على حرة، وحرة على أمة.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك إلا إذا كانت تحته حرة، فإنه لا يجوز له نكاح أمة، كالحر (5).
إذا كانت عنده حرة، وأذنت له في تزويج أمة، جاز عند أصحابنا. وخالف جميع
الفقهاء في ذلك، فقالوا: لا يجوز وإن أذنت (6).
لا يجوز للحر أن يتزوج أمة، ولا للحرة أن تتزوج عبدا إلا بإذن السيد، فإن فعلا ذلك
بغير إذنه، كان العقد موقوفا على إجازته، والولد حر مع الإذن، ورق مع عدمه (7).

1 - الغنية 351.
2 - النساء: 25.
3 - الخلاف: 4 / 313 مسألة 86.
4 - الخلاف: 4 / 315 مسألة 88.
5 - الخلاف: 4 / 316 مسألة 89، وكان في النسخة: (أو حرة وأربع إماء) بدل (أو حرة وأمتين) فصوبناه حسب الخلاف.
6 - الخلاف: 4 / 315 مسألة 87.
7 - الغنية 352.
450

قال الشيخ في الخلاف في مسألة النكاح لا يقف على الإجازة: إذا تزوج الأمة بغير إذن
سيدها بطل النكاح، وقال فيها أيضا: وقد روى أصحابنا أن تزويج العبد خاصة يقف على
إجازة مولاه [و]، له فسخه. ورووا أنهم (عليهم السلام) قالوا: إنما عصى مولاه ولم يعص الله (1).
وإذا مات السيد أو باع العبد، فالوارث أو المبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه،
وكذا لو [أ] عتق الأمة، كان الخيار لها في ذلك، سواء كان الزوج حرا أو عبدا، وإذا حصل
الرضا من هؤلاء، لم يكن لهم بعد الرضا خيار (2).
وقال جميع الفقهاء: أن العقد بحاله (3).
لا توارث بين الزوجين إذا كان أحدهما رقا.
وإذا زوج عبده بأمة غيره فالطلاق بيد الزوج، والولد - إن لم يكن هناك شرط أنه رق
لأحد السيدين - بينهما في الملك على السواء، ومن زوج عبده بأمته استحب له أن يعطيها شيئا
من ماله، والفراق بينهما بيده، يأمر كل واحد منهما باعتزال صاحبه وليس للزوج طلاق على
كل حال، بدليل إجماع الإمامية.
وإن كانت الزوجة ممن يصح الدخول بها لبلوغها تسع سنين فصاعدا وتسلمها الزوج،
لزمه إسكانها، والإنفاق في كسوتها وإطعامها بالمعروف، ولزمها طاعته في نفسها، وملازمة
منزله، فإن عصته وهي مقيمة فيه، وعظها وخوفها الله تعالى، فإن لم يؤثر ذلك هجرها
بالإعراض عنها، أو اعتزال الفراش، أو تحويل الوجه عنها فيه، فإن لم تؤثر ذلك ضربها
ضربا رفيقا غير مؤثر في جسدها، ولا يترك ما تضطر إليه من غذاء أو لباس.
فإن خرجت من منزله بغير إذنه أو بإذنه وامتنعت من العود، سقط عنه فرض نفقتها و
كان له ردها إليه وإن كرهت، فتأديبها بما قدمناه، قال الله تعالى: {واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} (4) وقال كثير من أهل
التفسير معنى {تخافون} تعلمون، ومن لم يقل ذلك، وحمل الخوف على ظاهره، لا بد أن
يضمر: وعلمتم ذلك منهن، لأن بمجرد الخوف من النشوز وقبل حصوله، لا يفعل شئ من
ذلك مما ذكرناه.

1 - الخلاف: 4 / 257 مسألة 11.
2 - الغنية: 352.
3 - الخلاف: 4 / 298 مسألة 67.
4 - النساء: 34.
451

وأما الزوج إذا نشز على المرأة وكره المقام معها وهي راغبة (1) فيه فلا بأس أن تبذل له
على استدامة المقام معه شيئا من مالها، وتسقط عنه فرض نفقتها والليلة التي لها منه، و
يصطلحها على ذلك قال الله تعالى: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا
[165 / أ] فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير} (2).
والشقاق بين الزوجين يكون بأن يكره كل واحد منهما صاحبه، ويقع بينهما الخصام، و
لا يستقر بينهما صلح لا على طلاق، ولا على مقام من غير شقاق، فأيهما رفع الخبر إلى الحاكم،
فعليه أن يبعث رجلين مأمونين أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل المرأة ينظران بينهما،
فإن أمكنهما الإصلاح نجزاه، وإن رأيا أن الفرقة أصلح، أعلما الحاكم بذلك ليرى رأيه.
وليس له إجبار الزوج على الطلاق إلا أن يمنع من حقوق الزوجة واجبا عليه قال الله
تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا
إصلاحا يوفق الله بينهما} (3) (4).
إذا أنشزت المرأة، ضربها بنفس النشوز. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه،
والثاني: إنه لا يحل له حتى تصر وتقيم عليه.
وظاهر الآية يدل على أن الضرب لنفس النشوز لأنه قال: {واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن} إلى قوله {واضربوهن} المراد واضربوهن لنشوزهن (5).
بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم، لا على سبيل التوكيل، وبه قال علي (عليه السلام) و
ابن عباس، وهو أحد قولي الشافعي. والقول الآخر أن ذلك على سبيل التوكيل. وبه قال أبو
حنيفة.
لنا أن ظاهر قوله تعالى: {فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} يدل على
التحكيم لأنه لم يقل وكيلا من أهله.
وأيضا فإن الخطاب إذا ورد مطلقا فيما طريقه الأحكام كان منصرفا إلى الأئمة والقضاة
كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (6) و {الزانية والزاني

1 - في النسخة: فهي راضية فيه.
2 - النساء: 128.
3 - الغنية 352 - 353.
4 - النساء: 35.
5 - الخلاف: 4 / 415 مسألة 8.
6 - المائدة: 38.
452

فاجلدوا} (1) وكذلك هاهنا.
أيضا: فإن الخطاب لم يتوجه إلى الزوجين، لأنه لو توجه إليهما لقال فابعثا. وقال {إن
يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما} فأضاف الإرادة إلى الحكمين، ولو كان وكيلا لم يضف
إليهما. (2) وإذا ثبت أن ذلك على جهة التحكيم، فليس لهما أن يفرقا، ولا أن يخلعا إلا بعد
الاستئذان، ولهما أن يجمعا من غير استئذان. وقال الشافعي على هذا: إن لهما جميع ذلك من
غير استئذان (3).
من تزوج امرأة على أنها حرة فخرجت أمة، أو بنت حرة فخرجت بنت أمة، أو
سليمة فخرجت مجذومة أو برصاء أو عمياء أو رتقاء أو مفضاة أو مجنونة أو عرجاء - ومن
أصحابنا من ألحق بذلك كونها محدودة في الزنا - [165 / ب] كان له ردها وفسخ العقد بغير
طلاق (4).
وقال الشافعي: يفسخ النكاح من سبعة: اثنان يختص الرجال: الجب والعنة، واثنان
يختص النساء: القران والرتق، وثلاثة يشتركان فيه: الجنون والجذام والبرص.
وقال أبو حنيفة: النكاح لا يفسخ بالعيب أصلا، لكن إن كان الرجل مجنونا أو عنينا
ثبت لها الخيار خيار الفرقة فيفرق بينهما ويكون طلاقا لا فسخا، ورووا عن علي (عليه السلام) أنه
قال: إذا وجد الرجل بالمرأة الجذام والبرص، فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق. وعن ابن
مسعود: أن الحرة لا ترد بالعيب.
لنا ما دل على مذهبنا ما رواه زيد بن كعب (5) عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه تزوج امرأة من
غفار، فلما خلا بها رأى في كشحها بياضا، فقال لها: ضمي عليك ثيابك. والحقي بأهلك. وفي
بعضها: فردها وقال: دلستم علي، فالراوي نقل الحكم وهو الرد، ونقل السبب وهو وجود
البرص بكشحها فوجب أن يتعلق الحكم بهذا السبب متى وجد (6).
إذا دخل بها، ثم وجد بها عيبا، فلها المهر ويرجع على من دلسها وغرم. وللشافعي فيه

1 - النور: 2.
2 - الخلاف: 4 / 416 مسألة 9.
3 - الخلاف: 4 / 416 مسألة 10.
4 - الغنية 354.
5 - عن جميل بن زيد قال صحبت شيخا من الأنصار يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب أن رسول الله تزوج امرأة من
بني غفار، فلما دخل عليها وقعد على الفراش ووضع ثوبه أبصر بكشحها بياضا، فقال: ضمي إليك ثيابك. الإصابة:
2 / 618 رقم 2931.
6 - الخلاف: 4 / 346 مسألة 124.
453

قولان: أحدهما ما قلناه. والآخر: يستقر عليه، ولا يرجع على أحد.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب
أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها، فلها صداقها وذلك
لزوجها غرم على وليها، ولم يخالفه أحد من الصحابة (1).
وإذا حدث بالرجل جب أو جنون أو جذام أو برص لم يكن له في حال العقد فإنه لا يرد
بذلك إلا الجنون الذي لا يعقل منه أوقات الصلاة فإنه يرد لأن العقد قد صح ولا دلالة على
ثبوت الرد. وقال الشافعي: يرد به قولا واحد (2).
وإذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي ترد بها ولم يكن في وقت العقد فإنه يثبت به الفسخ،
بدلالة عموم الأخبار التي وردت في أن له الرد بهذه العيوب، ولم يفصلوا. وللشافعي فيه
قولان: قال في القديم: لا خيار له. وقال في الجديد: له الخيار، وهو أصحهما (3).
وإذا عقد على أنها حرة فبانت أمة كان العقد باطلا وكذا القول في الزوج إذا كان عبدا.
وللشافعي فيه قولان (4):
فإن عقد على أنها حرة بشهادة شاهدين فبانت أمة وقد رزق منها ولدا، فالولد حر،
ويرجع السيد بقيمة الولد والمهر على من تولى أمرها، فإن كان عقد من غير بينة بذلك
[166 / أ]، فولدها رق ويلزم سيدها دفعه إلى الأب بالقيمة، وعلى الأب دفعها إليه، فإن لم
يكن له مال استسعي فيها، فإن أبى ذلك، فعلى الإمام القيام من سهم الرقاب، وعلى الأب
لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت بكرا، ونصف عشرها إن لم تكن كذلك.
وإن علم الزوج بأحد هذه العيوب، فوطئها، أو رضي به، لم يكن له بعد ذلك رد، و
لا أخذ شئ من المهر، ويكون الولد من الأمة رقا لسيدها إن كان العقد بغير إذنه ولا يلزم
دفعه بالقيمة بلا خلاف.
والحرة إذا تزوجت برجل على أنه حر فظهر عبدا، أو سليم فظهر أنه مجنون أو عنين
أو مجبوب، فلها رده، ولا يرد الرجل إلا بهذه العيوب، وحكم الولد ما قدمناه من حكم ولد
الأمة، غير أن العنين يجب عليه الصبر سنة، بعد ثبوت عنته، فإن تعالج ووصل إليها فيها ولو

1 - الخلاف: 4 / 348 مسألة 126. وفيه: يرجع على من دلسها وغرم.
2 - الخلاف: 4 / 349 مسألة 127.
3 - الخلاف: 4 / 349 مسألة 128.
4 - الخلاف: 4 / 352 مسألة 132، وفيه: وكذلك القول في الزوج إذا كان حرا.
454

مرة واحدة، فلا خيار لها في رده، وإن لم يصل إليها في هذه المدة، فلها الخيار، وهكذا حكم
العنة الحاصلة بعد الدخول (1).
وبه قال جميع الفقهاء. وقال الشافعي: لا أعلم خلافا فيه عن مفت لقيته في أنه إن
جامع وإلا فرق بينهما (2).
فسخ العنين ليس بطلاق. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: هو طلاق (3).
والجنون الحادث بعد الدخول، إن كان يعقل معه أوقات الصلاة، فلا خيار لها في فراقه،
وإن كان لا يعقل فلها الخيار، ولزم وليه أن يطلقها عنه إن طلبت الفراق بلا خلاف من
أصحابنا.
وإذا حدث بالزوجة بعد الدخول أحد ما قدمناه من العيوب، لم يكن للزوج به فسخ
العقد، وإنما يفارقها إذا شاء بالطلاق على خلاف بينهم في ذلك.
يجوز لمن أراد نكاح امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها (4) وبه قال أبو حنيفة ومالك و
الشافعي، إلا أن عندنا وعند مالك والشافعي: ما ليس بعورة الوجه والكفان فحسب.
وعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما: ما قدمناه. والثانية: والقدمان أيضا، وقال داود:
ينظر إلى كل شئ من بدنها وإن تعرت.
لنا ما رواه جابر بن عبد الله أن النبي (عليه السلام) قال: إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر
إلى وجهها وكفيها. وروى أبو الدرداء (5) عن النبي (عليه السلام): إذا طرح الله في قلب امرئ خطبة
امرأة فلا بأس أن تأمل محاسن وجهها (6).
يكره للرجل أن ينظر في فرج امرأته، وليس بمحظور. وفاقا للشافعي في أحد وجهيه.
والآخر أنه محرم.
ويدل على ما قلناه ما رووه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: النظر [166 / ب] إلى فروج النساء
يورث الطرش وقيل: العمى (7).

1 - الغنية 354.
2 - الخلاف: 4 / 354 مسألة 135.
3 - الخلاف: 4 / 355 مسألة 136.
4 - الغنية 355.
5 - اسمه: عويمر بن مالك الخزرجي الأنصاري روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله)، وعن زيد بن ثابت. توفي سنة (32). تهذيب
الكمال: 22 / 469 رقم 4558.
6 - الخلاف: 4 / 247 مسألة 3.
7 - الخلاف: 4 / 247 مسألة 4، عن بعض نسخه (الطمس) مكان الطرش.
455

كل امرأة تزوجها النبي (عليه السلام) ومات عنهن لا يحل لأحد أن يتزوجها بلا خلاف، دخل بها
أو لم يدخل.
وعندنا: أن حكم من فارقها النبي (عليه السلام) في حياته حكم من مات عنها، في أنه لا يحل
لأحد أن يتزوجها، بدلالة قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} (1) وهو عام وقوله تعالى:
{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} (2) وذلك عام.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ما قلناه، الثاني: إنها تحل لكل أحد، دخل بها أو لم
يدخل. والثالث: إن لم يدخل بها تحل (3).
إذا تزوج الكتابي بمجوسية أو وثنية، ثم ترافعوا إلينا قبل أن يسلموا، أقررناهم على
نكاحهم. بدلالة عموم الأخبار التي وردت بإقرارهم على أنكحتهم وعقودهم، وبه قال جميع
أصحاب الشافعي. وقال الإصطخري: لا نقرهم (4).
فصل في نكاح المتعة
وأما نكاح المتعة فتفتقر صحته إلى شرطين زائدين على ما تقدم من الشروط: أحدهما
تعيين الأجر، والثاني تعيين الأجل، فإذا ذكر الأجر دون الأجل كان دواما، وإن ذكر الأجل
فقط فسد العقد.
ويستحب ذكر ما عدا هذين الشرطين، نحو أن يقول: علي أن لا ترثيني ولا أرثك، و
أن أضع الماء حيث شئت، وأنه لا سكنى لك ولا نفقة، وعليك العدة إذا انقضت المدة.
والمتمتع بها لا يتعلق بها حكم الإيلاء، ولا يقع بها طلاق، ولا يصح بينها وبين الزوج
لعان، ويصح الظهار، وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق، ولا سكنى لها، ولا نفقة، و
لا توارث بينهما، بلا خلاف بينهم، ولو شرط ذلك كله، لم يجب أيضا عند بعض أصحابنا،
لأنه شرط يخالف السنة، وعند بعضهم يثبت بالشرط.
ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع، ولا يلزم العدل بينهن في المبيت، و
يلحق الولد بالزوج، ويلزمه الاعتراف به إذا وطئ في الفرج وإن كان يعزل الماء (5).

1 - الأحزاب: 6.
2 - الأحزاب: 53.
3 - الخلاف: 4 / 245 مسألة 1.
4 - الخلاف: 4 / 334 مسألة 113.
5 - الغنية: 355 - 356.
456

وهذا النكاح أعني نكاح المتعة مباح لا خلاف بين أصحابنا وبه قال علي (عليه السلام) على ما
رواه أصحابنا. وروي ذلك عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع (1) وأبي
سعيد الخدري وابن عباس والمغيرة بن شعبة (2) ومعاوية بن أبي سفيان (3) وسعيد بن جبير و
مجاهد، وعطاء، خلافا لجميع الفقهاء.
لنا ما يدل على مذهبنا أولا أن الأصل الإباحة، والتحريم يحتاج إلى دليل شرعي
قطعي، وأيضا فإن هذا النكاح كان مباحا في عهد النبي (عليه السلام) بلا خلاف وإنما ادعي النسخ
[167 / أ] وعلى من ادعاه الدليل، وقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} (4) و
هذا مما طاب له منهن، وقوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} (5) وفي قراءة ابن
مسعود فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، ولفظة الاستمتاع لا تفيد عند الإطلاق إلا
نكاح المتعة (6).
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بالاستمتاع الالتذاذ هاهنا والانتفاع دون العقد
المخصوص بدليل أن قوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} يتناول عقد الدوام بلا خلاف.
قلنا: لا يجوز حمل الاستمتاع على ما ذكر لأمرين: أحدهما: أنه يجب حمل الألفاظ
الواردة في القرآن على ما يقتضيه العرف الشرعي، دون الوضع اللغوي، على ما تبين في أصول
الفقه، والثاني: أن الإلتذاذ لا اعتبار به في وجوب المهر، لأنا لو قدرنا ارتفاعه عمن وطئ
زوجته ولم يلتذ، لأن نفسه كرهتها، أو لغير ذلك، لوجب المهر بالاتفاق، فثبت أن المراد ما
قلناه.
وأما إباحته تعالى بالآية نكاح الدوام، فغير مناف لما ذكرناه، من إباحة نكاح المتعة،
لأنه سبحانه عم الأمرين جميعا، لقوله: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم

1 - سلمة بن عمرو بن الأكوع، أبو إياس، وأبو عامر، المدني، شهد بيعة الرضوان، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه: ابنه
إياس، وبريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي، والحسن بن محمد بن الحنفية وغيرهم، مات بالمدينة سنة 74 وهو ابن
80 سنة. تهذيب الكمال: 11 / 301 رقم 2462.
2 - المغيرة بن شعبة ابن أبي عامر بن مسعود توفي سنة (49) بالكوفة، أنظر ترجمته في تهذيب الكمال: 28 / 369 رقم
6132.
3 - معاوية بن صخر بن حرب أمية، أسلم يوم الفتح، واستخلفه أبو بكر على الشام ولم يزل واليا عليه خلافة عمر وعثمان
ولم يبايع عليا (عليه السلام) فكان وقعة صفين وتوفي سنة (60). أسد الغابة: 4 / 433 الرقم 4977.
4 - النساء: 3.
5 - النساء: 24.
6 - الخلاف: 4 / 340 مسألة 119.
457

محصنين غير مسافحين} ثم خص نكاح المتعة بقوله: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهن فريضة}.
ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين وعبد الله بن عباس وابن مسعود ومجاهد (1) و
عطاء من أنهم كانوا يقرؤن {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى} وقوله تعالى: {و
لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة} والمراد بذلك على ما اتفق عليه
أصحابنا، ورووه عن [آل] الرسول عليه [وعليهم] السلام: الزيادة من الزوج في الأجر، ومن
الزوجة في الأجل.
وتعلق المخالف بقوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} (2) و
ادعاؤهم أن المتمتع بها ليست زوجة، لأنها لا ترث ولا تورث ولا تبين بالطلاق، ولا
يلحقها حكم الإيلاء والظهار، ولا يصح بينها وبين زوجها لعان، ولا يلحق الولد بزوجها، و
لا تعتد لانقضاء الأجل وللوفاة إذا كانت حرة كعدة الحرائر من الأزواج، ولا يحل للمطلق
ثلاثا العود إلى الزوجة، ولا يجب لها سكنى ولا نفقة، ليس بشئ يعول على مثله، لأن
الأحكام الشرعية إنما تثبت بالأدلة الشرعية، ولا مدخل فيها للقياس، وإذا ثبت ذلك، وكان
الدليل الشرعي قد قرر هذه الأحكام في المتمتع بها، وجب القول بها، ولم يجز قياسها على
غيرها من الزوجات.
على أن ما ذكروه [من الميراث] ينتقض بالقاتلة لزوجها [167 / ب]، فإنها لا ترثه
بالزوجية، وإذا كانت زوجته ذمية أو أمة، فإنها لا توارث بينها وبين زوجها.
وأما الطلاق فقد قام مقامه في الفرقة غيره في كثير من الزوجات، كالملاعنة، والمرتدة،
والأمة المبيعة، والمالكة لزوجها، فما أنكروا أن يكون انقضاء الأجل يقوم في الفرقة مقام
الطلاق، ولا يحتاج إليه.
وليس لأحد أن يقول: فألا وقع الطلاق قبل انقضائه. لأن كل من أجاز النكاح إلى
أجل، منع من وقوع الطلاق قبله، فالقول بأحد الأمرين دون الآخر، يبطله الإجماع.

1 - ابن جبر، المكي، أبو الحجاج القرشي المخزومي، روى عن: إبراهيم بن الأشتر النخعي، وروى عنه: أبان بن صالح،
ولد (21) في خلافة عمر، ومات بمكة سنة (103). تهذيب الكمال: 27 / 228 رقم 5783.
2 - المؤمنون: 6.
458

وأما الإيلاء فإن الله تعالى علق حكم من لم يراجع ولم يكفر بالطلاق ولا يقع بالمتمتع
بها طلاق، فلا يلحقها حكم الإيلاء مع أنه قد يكون أجل المتعة أقل من أجل المضروب في
الإيلاء، وهو أربعة أشهر، فكيف يصح في هذا النكاح الإيلاء.
وأما اللعان فعند أبي حنيفة أن الشرط في وقوعه بين الزوجين أن يكونا حرين
مسلمين، وعنده أن الأخرس لا يصح قذفه ولا لعانه، فلا يصح له التعلق في نفي زوجية
المتمتع بها بانتفاء اللعان.
وأما الظهار فيقع بالمتمتع بها عندنا، ويلحق الولد بأبيه في هذا النكاح بخلاف ما ظنوه.
وأما العدة إذا انقضى أجلها فقرءان، وقد ثبت بلا خلاف أن عدة الأمة كذلك، وإن
كانت زوجة، وإذا توفي زوجها قبل انقضاء الأجل فعدتها عندنا أربعة أشهر وعشرة أيام،
كعدة المعقود عليها عقد الدوام.
وما يتعلق به المخالف في تحريم المتعة من أخبار الآحاد وقد طعن أصحاب الحديث في
رواتها، وضعفوهم بما هو مسطور، وعارضها أخبار كثيرة في إباحة المتعة، واستمرار العمل
بها، حتى ظهر من نهي عمر منها ما نقله الرواة، وقوله: متعتان كانتا في عهد رسول الله حلالا
إلا أنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج، يبطل دعوى المخالف أن النبي (عليه السلام)
هو الذي حرمها، لأنه اعترف بأنها كانت حلالا في عهده، وأضاف النهي والتحريم إلى
نفسه.
فإن قيل: كيف يصرح بتحريم ما أحله النبي (عليه السلام)، ولا ينكر على ذلك.
قلنا: ارتفاع النكير يحتمل أن يكون للتقية، ويحتمل أن يكون لشبهة وهي اعتقاد
التغليظ والتشديد في إضافة النهي إليه وإن كان (صلى الله عليه وآله) الذي هو حرمها، أو اعتقاد جواز نهي
بعض الأئمة عما أباحه الله إذا أشفق [168 / أ] في استمراره عليه من ضرر في الدين.
وهذا الوجه هو الذي حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج عليه، على أن المتمتع لا
يستحق حدا من رجم ولا غيره باتفاق، وقد قال عمر: لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا رجمته
بالحجارة، وما أنكر أحد ذلك عليه، ومهما اعتذر عن ذلك كان عذرا في ترك النكير لتحريم
المتعة (1).

1 - الغنية: 356 - 360.
459

وما رووه من الأخبار في تحريم المتعة مع أنها آحاد، فيها اضطراب، لأن فيها أنه
حرمها يوم خيبر في رواية ابن الحنفية عن أبيه. وروي الربيع بن سبرة (1) عن أبيه قال: كنت
مع رسول الله - (صلى الله عليه وآله) - بمكة عام الفتح، فأذن في متعة النساء، فخرجت أنا وابن عمي وعلينا
بردان لنفعل ذلك، فلقيتني امرأة فأعجبها حسني، فتزوجت بها، وكان الشرط عشرين ليلة
فأقمت عندها ليلة، فخرجت فأتيت النبي - (صلى الله عليه وآله) - وهو بين الركن والمقام فقال: كنت أذنت
لكم في متعة النساء وقد حرمها الله إلي يوم القيامة، فمن كان عنده شئ من ذلك فليخل
سبيلها ولا يأخذ مما آتاها شيئا، وفي هذا ما ترى من الاضطراب، فإنه كان بين الوقتين قريب
من ثلاث سنين.
فإن قالوا: حرمها يوم خيبر، وأعاد تحليلها بمكة، فإن هذا ساقط بالإجماع لأن أحدا لا
يقول: أن النبي (عليه السلام) أباحها دفعتين وحرمها دفعتين، ودخل بينهما نسخ دفعتين، وكيف يدعي
نسخها وقد قال عمر بن الخطاب: متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا وأنا أنهي عنهما،
وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج.
وابن عباس كان يفتي به. ويناظر فيها ومناظرته مع ابن الزبير فيها مشهورة ونظم
الشعراء فيها القول فقال بعضهم:
أقول للشيخ لما طال مجلسه * يا شيخ هل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في قينة بيضاء تهكنه * يكون مثواك حتى يصدر الناس
وقوله بذلك مجمع عليه ورجوعه من ذلك لا دليل عليه (2).
فصل
وأما ملك اليمين فيكون بأحد أسباب التمليك، وإذا انتقلت إلى الملك بأحد أسباب
التمليك لم يجز وطؤها حتى تستبرأ بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما إن كانت ممن لا تحيض، إلا
أن يكون البايع لها قد استبرأها قبل وهو ممن يوثق بأمانته، فإنه لا يجب على المشتري - و
الحال هذه - استبراؤها، وإنما يستحب له ذلك. (3)

1 - بن معبد، ويقال: ابن عوسجة، الجهني المدني، التابعي روى عن أبيه سبرة، وعمر بن عبد العزيز وروى عنه:
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز. تهذيب الكمال: 9 / 82 رقم 1862.
2 - الخلاف: 4 / 340 مسألة 119.
3 - الغنية 360.
460

في الخلاف: الأمة المشتراة والمسبية يستبرئان بقرءين، وقال الشافعي: بقرء واحد (1).
وإذا كانتا من ذوات الشهور استبرئتا بخمسة وأربعين يوما. وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: تستبرأ بشهر واحد. والثاني: وهو الأظهر عندهم بثلاثة أقراء (2).
وإذا ملك أمة بابتياع، فإن كان وطأها البايع، فلا يحل للمشتري وطؤها [إلا بعد
الاستبراء] إجماعا. وهكذا إذا أراد تزويجها لم يجز له ذلك إلا بعد الاستبراء. وكذلك إذا أراد
أن يعتقها ثم يتزوجها قبل الاستبراء، لم يكن له ذلك.
وكذلك إن استبرأ ووطئها ثم أراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز، وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز أن يزوجها قبل الاستبراء، ويجوز أن يعتقها
ويتزوجها (3).
فإن كانت حاملا لم يجز له وطؤها في الفرج - حتى يمضي لها أربعة أشهر - إلا بشرط
عزل الماء، فإن لم يعزل لم يجز له بيع الولد، ولا أن يعترف به ولدا، بل يجعل له قسطا من ماله،
لأنه غذاه بنطفته (4).
وفي الخلاف: كره له وطؤها قبل أربعة أشهر وعشرة أيام. وقال الشافعي وغيره: لا
يجوز له وطؤها حتى تضع (5).
ولا يحل وطؤ الأمة إذا كان بعضها حرا وبعضها رقا، بل يكون لمالك البعض خدمتها في
الزمان بمقدار ما يملكه منها، ولها من نفسها بمقدار ما هو حر منها، وقد روي [أنه] يجوز أن
يعقد عليها في يومها عقد المتعة خاصة.
وإن كانت مشتركة بين شريكين لم يجز لأحدهما وطؤها، إلا أن يحله شريكه من ذلك
على ما رواه أصحابنا، ولا بد من اعتبار لفظ التحليل، بأن يقول: أحللت لك من وطئها، [أ]
وجعلتك منه في حل، وكذلك لو كانت خاصة في الملك، فإنه يجوز وطؤها لغير المالك بتحليله
لها، فإن وطأها أحد الشريكين من غير تحليل أثم ووجب تأديبه، فإن جاءت بولد ألحق به، و
لزمه لشريكه سهمه من قيمته، فإن وطآها جميعا أثما وأدبا، فإن جاءت بولد ألحق بمن خرج

1 - الخلاف: 5 / 80 مسألة 36.
2 - الخلاف: 5 / 80 مسألة 37.
3 - الخلاف: 5 / 81 مسألة 39، وكان في النسخة: وكذلك إن اشتراها ووطئها ثم أراد أن يتزوجها... يجوز أن يتزوجها،
والتصويب من الخلاف.
4 - الغنية 360.
5 - الخلاف: 5 / 85 مسألة 46.
461

له اسمه بالقرعة، ودفع إلى شريكه بمقدار نصيبه من قيمته.
ويجوز شراء الجارية ووطؤها، وإن سباها الظالمون، إذا كانت مستحقة للسبي وإن لم
يخرج منها الخمس، لتحليل مستحقيه شيعتهم إياه خاصة من ذلك لتطيب مواليدهم، ويجوز
وطؤها وإن لم تسلم إذا كانت كتابية.
ومتى ملك المرء من يحرم عليه مناكحته بالنسب، عتق عليه عقيب ملكه بلا فصل.
ويجري على أم الولد أحكام الرق إلا بيعها وولدها حي في غير ثمنها، فإنه لا يجوز على
ما بيناه في كتاب البيع.
ويجوز الجمع في الوطئ بملك اليمين بقليل العدد وكثيره [169 / أ] ويجوز الجمع بين
المحرمات بالنسب والسبب في الملك دون الوطئ.
ووطؤ النساء الحلائل في الدبر غير محظور بدليل قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم
فأتوا حرثكم أنى شئتم} (1) ومعنى {أنى شئتم} من أين شئتم، وكيف شئتم، في قول العلماء
بالتفسير واللغة، وحمل ذلك على الوقت - وأن يكون المعنى {متى شئتم} على ما حكى عن
الضحاك - خطأ عند جميعهم.
وقول المخالف: إذا سمى الله تعالى النساء حرثا، وجب أن يكون الوطؤ حيث يكون
النسل، لا يعول على مثله، لأنه لا يمتنع تسميتهن بذلك، مع إباحة وطيهن فيما لا يكون منه
الولد، بدليل أنه لا خلاف في جواز وطئهن فيما عدا القبل والدبر، لأنه لو صرح بأن قال:
فأتوا حرثكم أني شئتم من قبل ودبر، لحسن ولما كان متنافيا، ولو كان ذكر الحرث يمنع من
الوطئ في الدبر، لتنافى ذلك ولم يحسن التصريح به.
ومن يقول: إن المراد بالآية إباحة وطئ المرأة في قبلها من جهة دبرها، خلافا لما
يكرهه اليهود، مخصص للظاهر من غير دليل، ولو صح نزول الآية على هذا السبب لم يجز
أكثر من مطابقتها له، فأما منع تعديها إلى غيره مما يقتضيه ظاهرها فلا يجب (2).
وقد حكى الطحاوي عن الشافعي أنه قال: ما صح عن النبي (عليه السلام) في تحريم ذلك ولا
تحليله شئ والقياس أنه مباح، وحكى عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني
يشك أن وطئ المرأة في دبرها حلال وتلا الآية، وروى مالك ذلك عن نافع عن ابن عمر.

1 - البقرة: 223.
2 - الغنية: 360.
462

وقال الشيخ في الخلاف: يكره إتيان النساء في أدبارهن، وليس بمحظور. ونقل المزني
كلاما ذكره في القديم في إتيان النساء في أدبارهن، فقال: قال بعض أصحابنا: حلال، وقال
بعضهم: حرام. ثم قال: وآخر ما قال الشافعي: ولا أرخص فيه، بل أنهي عنه. وقال الربيع:
نص على تحريمه في ستة كتب.
وحكوا تحريمه عن علي وابن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء والحسن البصري و
مجاهد وطاووس وعكرمة وقتادة. وبه قال الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وذهب زيد بن أسلم (1) إلى أنه مباح. وحكى الطحاوي عن حجاج بن أرطأة (2):
إباحة ذلك.
وعن مالك روايتان.
وروي نافع قال: قال لي ابن عمر: امسك علي هذا المصحف، فقرأ عبد الله حتى قرأ
{نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال يا نافع أتدري في فيمن نزلت هذه
الآية. قال، قلت: لا، قال: في رجل من الأنصار أصاب امرأت‍ [- ه] في دبرها، فوجد في نفسه
من ذلك، فسأل النبي (صلى الله عليه وآله) [169 / ب] فأنزل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} (3).

1 - القرشي، العدوي، أبو أسامة، المدني، الفقيه. روى عن: إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وأبيه أسلم، وأنس بن مالك،
وغيرهم. وروى عنه: ابنه أسامة بن زيد بن أسلم، وإسماعيل بن عياش، وأيوب السختياني، وغيرهم. مات سنة
(136). تهذيب الكمال: 10 / 12 رقم 2088.
2 - بن ثور، النخعي، أبو أرطأة الكوفي القاضي. روى عن: ثابت بن عبيد، وروى عنه: إسماعيل بن عياش، مات
بخراسان أو بالري. تهذيب الكمال: 5 / 420 رقم 1112.
3 - الخلاف: 4 / 336 مسألة 117.
463

الإيلاء
فصل [في روافع النكاح]
وأما ما يقتضي تحريم الحلائل من النساء فعلى ضربين:
أحدهما: يصاحب ما يقتضي تحليلهن.
والثاني: يوجب فسخه.
فالأول الدخول في الإحرام، والصوم الواجب، وحدوث الحيض والنفاس، والإيلاء
والظهار.
والثاني في الطلاق واللعان والارتداد على ما نبينه.
فصل في الإيلاء
يفتقر الإيلاء الشرعي - الذي يتعلق به إلزام الزوج بالفئة أو الطلاق، بعد مطالبة
الزوجة - بذلك إلى شروط:
منها: أن يكون الحالف بالغا كامل العقل.
ومنها: أن يكون المولي منها زوجة دوام.
ومنها أن يكون الحلف بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة (1)، فأما اليمين
بالطلاق والعتاق، والصدقة وغير ذلك فلا يكون إيلاء، وبه قال الشافعي في القديم. وقال
في الجديد: يكون موليا بجميع ذلك، وبه قال أبو حنيفة (2).

1 - الغنية 363.
2 - الخلاف: 4 / 512 مسألة 3.
464

ومنها: أن يكون ذلك مطلقا من الشروط (1)، خلافا لجميع الفقهاء في ذلك (2).
ومنها: أن يكون مع النية والاختيار، من غير غضب ملجئ ولا إكراه (3).
ولا ينعقد إلا بالنية، إذا كان بألفاظ مخصوصة، وهي أن يقول: لا أنيكك ولا أغيب
ذكري في فرجك، ولا أدخل ذكري في فرجك. وقال الشافعي: الإيلاء لا يحتاج إلى النية بهذه
الألفاظ لأنها صريحة في الإيلاء، فمتى لم ينوبها الإيلاء، حكم عليه بها وإن لم ينعقد فيما بينه و
بين الله، وزاد في البكر: والله لا افتضك (4).
ومنها: أن تكون الزوجة مدخولا بها (5)، خلافا لجميع الفقهاء (6).
ومنها: أن تكون المدة التي حلف أن لا يطأ الزوجة فيها، أكثر من أربعة أشهر (7) فإن
حلف على أربعة أشهر لم يكن موليا، وفاقا لمالك والشافعي وأحمد، وقال الثوري وأبو
حنيفة: إذا حلف أن لا يطأها أربعة أشهر، كان موليا وإن حلف أقل من ذلك لم يكن موليا. و
قال الحسن البصري وابن أبي ليلى: يكون موليا ولو حلف أن لا يطأها يوما، وعن ابن
عباس: الإيلاء أن يحلف أن لا يطأها على التأبيد، فإن أطلق فقد أبد، وإن قال على التأبيد
فقد أكد (8).
ومنها: أن لا يكون الإيلاء في صلاحه لمرض يضر به الجماع، أو في صلاح الزوجة
لمرض أو حمل أو رضاع، وخالف جميع الفقهاء في ذلك (9).
لنا ما يدل على جميع ما ذكرناه من الشروط بعد إجماع الإمامية أن وقوع الإيلاء وتعلق
الأحكام به [170 / أ] طريقة الشرع، ولا خلاف في ثبوت ذلك مع تكامل ما ذكرناه، وليس
على ثبوته مع اختلال بعضه دليل، فوجب نفيه.
ويخص ما اشترطناه من كونها زوجة دوام ما قدمناه في فصل المتعة.
ويدل فيما اعتبرناه من كون اليمين بأسماء الله خاصة ما رووه من قوله (عليه السلام): من كان حالفا
فليحلف بالله أو ليصمت.

1 - الغنية: 363.
2 - الخلاف: 4 / 512 مسألة 12.
3 - الغنية: 263.
4 - الخلاف: 4 / 513 مسألة 4.
5 - الغنية: 364.
6 - الخلاف: 4 / 517 مسألة 13.
7 - الغنية: 364.
8 - الخلاف: 4 / 509 مسألة 1.
9 - الغنية: 364.
465

وفي النية بقوله (عليه السلام): إنما الأعمال بالنيات، والمراد أن أحكام الأعمال إنما تثبت بالنية، لما
علمناه من حصول الأعمال في أنفسها من غير نية
وفي الإكراه بما رووه من قوله (عليه السلام): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه،
ويدخل في ذلك رفع الحكم والمأثم، لأنه لا تنافي بينهما.
ويخص كون المدة أكثر من أربعة أشهر قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر} (1)، فأخبر سبحانه أن له التربص في هذه المدة، فثبت أن ما يلزمه من الفئة و
الطلاق يكون بعدها.
ويخص كونها مدخولا بها قوله تعالى: {فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم} (2) لأن المراد
بالفئة العود إلى الجماع بلا خلاف، ولا يقال: عاد إلى الجماع، إلا لمن تقدم منه فعله، وهذا
لا يكون إلا في المدخول بها.
ولا يصح اعتماد المخالف على ظاهر قوله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر} (3) لأنا نخص ذلك بالدليل، على أنا نمتنع من تسمية من أخل ببعض ما
اشترطناه موليا، فعليهم أن يدلوا على ذلك حتى تتناوله الآية، ولا دليل لهم عليه (4).
وقال الشيخ في الخلاف: الإيلاء في الرضا والغضب سواء، إذا قصد به الإيلاء، بدلالة
عموم الأخبار. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي وإن لم يعتبر النية. وقال مالك: إن إلى في حال
الغضب كان موليا، وإن آلى في حال الرضا لم يكن موليا. (5)
إذا قال: [والله] لا جامعتك، لا أصبتك، لا وطئتك وقصد به الإيلاء كان إيلاء. وقال
الشافعي: هذا صريح (6).
ولو قال: [والله] لا باشرتك، لا لامستك، لا باضعتك، وقصد به الإيلاء والعبارة عن
الوطئ كان موليا، وإن لم يقصد لم يكن بها موليا، وللشافعي فيه قولان: قال في القديم:
صريح. وقال في الجديد كناية، فإن نوي الإيلاء كان موليا. (7)
وإذا تكاملت هذه الشروط في الإيلاء، فمتى جامع حنث، ولزمته كفارة يمين، وإن

1 - البقرة: 226.
2 - البقرة: 226.
3 - البقرة: 226.
4 - الغنية 365.
5 - الخلاف: 4 / 518 مسألة 14.
6 - الخلاف: 4 / 514 مسألة 5.
7 - الخلاف: 4 / 514 مسألة 6.
466

استمر اعتزاله لها، فهي بالخيار بين الصبر عليه وبين مرافعته إلى الحاكم، فإن رافعته إليه أمره
بالجماع والتكفير، فإن أبى [170 / ب] أنظره أربعة أشهر من حين المرافعة، لا من حين اليمين،
ليراجع نفسه، فإن مضت هذه المدة ولم يجب إلى ما أمره، فعليه أن يلزمه بالفئة أو الطلاق، فإن
أبى ضيق عليه في التصرف والمطعم والمشرب، حتى يفعل أيهما اختار.
ولا تقع الفرقة بين الزوجين بانقضاء المدة، وإنما يقع بالطلاق (1).
مدة التربص أربعة أشهر سواء كان الزوج حرا أو عبدا أو الزوجة حرة أو أمة، بدلالة
عموم الأخبار، وفاقا للشافعي.
وقال مالك: الاعتبار بالرجل، فإن كان عبدا فالمدة شهران، وإن كان حرا فأربعة
أشهر.
وقال أبو حنيفة: الاعتبار بالمرأة، فإن كانت حرة فأربعة أشهر، وإن كانت أمة
فشهران (2).
وأما الطلاق فليس للسلطان أن يطلق زوجته عليه. وفاقا لأحد قولي الشافعي، و
خلافا لقوله الثاني في الجديد، فإنه له أن يطلق عليه. وعند أبي حنيفة يقع الطلاق بانقضاء
المدة (3).
وإذا اختلفا في انقضاء المدة، أو ابتداء اليمين، كان القول قوله مع يمينه عند الشافعي. و
هذا لا يصح على مذهبنا، لأنا نعتبر المدة من حين الترافع إلى الحاكم، لا من وقت اليمين (4).
لنا على أن الفرقة لا تقع إلا بطلاق الزوج بعد إجماع الإمامية قوله (عليه السلام): الطلاق لمن أخذ
بالساق (5).
وقوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} أضاف الطلاق إلى الزوج، كما أضاف الفئة إليه،
فكما أن الفئة لا تقع إلا بفعله، فكذا الطلاق، وقوله تعالى: {فإن الله سميع عليم} (6) لأنه
يفيد أن هناك ما يسمع، ولا يوصف بذلك إلا الطلاق دون انقضاء المدة، وأيضا فإن الأصل
بقاء العقد في من ادعى أن انقضاء المدة طلقة بائنة أو رجعية، فعليه الدليل. (7)

1 - الغنية 365.
2 - الخلاف: 4 / 519 مسألة 16.
3 - الخلاف: 4 / 515 مسألة 8.
4 - الخلاف: 4 / 519 مسألة 17.
5 - سنن ابن ماجة: 1 / 672 حديث 2081، الخلاف: 4 / 442 مسألة 29
6 - البقرة: 227.
7 - الغنية: 365.
467

وإذا طلق المولي طلقة كانت رجعية، وبه قال الشافعي إذا كان في المدخول بها. وقال
أبو ثور: تكون بائنة على كل حال.
لنا أن الأصل في الطلقة أن تكون رجعية، ولا دليل على كونها بائنة (1).
وعند أبي حنيفة إذا انقضت المدة بانت عنه بتطليقة بائنة (2). ومن آلى أن لا يقرب
زوجته المعقود عليها عقد المتعة، أو أمته، لزمه الوفاء به، ومتى لم يف حنث وعليه الكفارة، و
لا حكم لها إذا استمر على مقتضى الإيلاء. (3)

1 - الخلاف: 4 / 516 مسألة 9.
2 - الخلاف: 4 / 510 مسألة 2.
3 - الغنية 366.
468

الظهار
فصل في الظهار
يفتقر صحة الظهار الشرعي إلى شروط:
منها: أن يكون المظاهر بالغا كامل العقل، فلا يصح من صبي، ولا مجنون، ولا سكران.
ومنها: أن يكون مؤثرا له، فلا يصح من مكره، ولا غضبان لا يملك مع غضبه
الاختيار (1).
ظهار السكران غير واقع، وروي ذلك عن عثمان، وابن عباس، وبه قال داود والمزني.
وقال [171 / أ] كافة الفقهاء: إنه يصح، ورووا ذلك عن علي وعمر (2).
ومنها أن يكون قاصدا به التحريم، فلا يقع بيمين، ولا مع سهو، ولا لغو.
ومنها: أن يكون متلفظا بقوله: أنت علي كظهر أمي، أو إحدى المحرمات عليه، فلو علق
ذلك بغير الظهر، من رأس أو يد، أو غيرهما، لم يصح. (3).
إذا قال: أنت علي كيد أمي أو رجلها، وقصد به الظهار قال الشيخ في الخلاف: يكون
مظاهرا. وهو أحد قولي الشافعي، والآخر لا يكون مظاهرا، وبه قال أبو حنيفة، قال: إذا
علق بالرأس والفرج، وجزء من الأجزاء المشاعة، يكون مظاهرا، وإذا علق باليد والرجل
لم يكن مظاهرا (4).
إذا قال: أنت علي كظهر بنتي أو أختي أو عمتي أو خالتي فالأظهر الأشهر في أخبار

1 - الغنية 366.
2 - الخلاف: 4 / 528 مسألة 6.
3 - الغنية 366.
4 - الخلاف: 4 / 53 مسألة 9.
469

أصحابنا أنه يكون مظاهرا، وبه قال الشافعي في الجديد. ويدل عليه قوله تعالى: {وأنهم
ليقولون منكرا من القول وزورا} (1) وذلك موجود في غير الأمهات.
والرواية الأخرى أنه لا يكون مظاهرا إلا إذا شبهها بأمه، وهو أحد قولي الشافعي في
القديم. ويدل [عليه] قوله تعالى: {ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} (2)
فأنكر عليهم تشبيه المرأة بالأم فوجب تعليق الحكم بذلك دون غيره. (3)
ومنها: أن يكون مطلقا من الاشتراط، فلو قال: أنت علي كظهر أمي إن كان كذا، لم
يصح، وإن حصل الشرط (4)
قال الشيخ في الخلاف: الظهار على ضربين، مطلق ومشروط. والمطلق يجب به
الكفارة إذا أراد الوطئ، والمشروط لا يجب به الكفارة إلا بعد حصول الشرط.
ومن أصحابنا من قال: إنه إذا كان بشرط لا يقع، مثل الطلاق. (5)
ومنها أن يكون موجها ذلك إلى معقود عليها، سواء كانت حرة أو أمة، دائما نكاحها أو
مؤجلا، فإذا قال: إذا تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لم يقع بها ظهار وإن تزوجها (6)
وفاقا للشافعي، وخلافا لمالك وأبي حنيفة فإنهما قالا: يقع (7).
وأما المملوكة والمدبرة وأم الولد فمثل الزوجة. وبه قال علي (عليه السلام)، والثوري، ومالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقع الظهار، إلا بالزوجات (8).
ومنها أن يكون معينا لها، فلو قال - وله عدة أزواج - زوجتي أو إحدى زوجاتي علي
كظهر أمي، من غير تمييز لها بنية أو إشارة أو تسمية، لم يصح.
ومنها أن تكون طاهرا من الحيض أو النفاس، طهرا لم يقربها فيه بجماع، إلا أن تكون
حاملا، أو ليست ممن تحيض، ولا في سنها من تحيض، أو غير مدخول بها، أو مدخولا بها و
هي غائبة عن زوجها، فإنه لا اعتبار بهذا الشرط فيها (9)، خلافا لجميع [171 / ب] الفقهاء
فإنهم قالوا بوقوع الظهار في حال الحيض (10).

1 - المجادلة: 2.
2 - المجادلة: 2.
3 - الخلاف: 4 / 530 مسألة 10.
4 - الغنية 366.
5 - الخلاف: 4 / 535 مسألة 2.
6 - الغنية 366.
7 - الخلاف: 4 / 532 مسألة 12 - مع مغايرة.
8 - الخلاف: 4 / 529 مسألة 8.
9 - الغنية: 366.
10 - الخلاف: 4 / 533 مسألة 15.
470

ومنها أن يكون الظهار بمحضر من شاهدي عدل (1)، ولم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك (2)
لنا على ما ذكرناه من الشروط ما قدمناه في اعتبار شروط الإيلاء من إجماع الإمامية ونفي
الدليل الشرعي على وقوعه مع اختلال بعضها، ولا يقدح فيما اعتمدناه من إجماع الإمامية
خلاف من قال من أصحابنا بوقوع الظهار مع الشرط وبحصول التحريم، وثبوت حكم
الظهار مع تعليق اللفظ بغير الظهر، وبنفي الحكم بغير المدخول بها، لتميزه من جملة المجتمعين
باسمه ونسبه، على أن قوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم} (3) ينافي تعليقه بغير
الظهر، وغير المدخول بها، توصف بأنها من نساء الزوج.
وإذا تكاملت شروط الظهار، حرمت الزوجة عليه، فإن عاد لما قال، بأن يؤثر
استباحة الوطئ، لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وإن لم
يستطع فإطعام ستين مسكينا. (4)
اختلف الناس في السبب الذي يجب به كفارة الظهار على ثلاثة مذاهب: فذهب مجاهد و
الثوري إلى أنها تجب بنفس التلفظ بالظهار، ولا يعتبر فيها أمر أخر. وذهب طائفة إلى أنها
تثبت بظهار وعود. ثم اختلفوا في العود ما هو على أربعة مذاهب: فذهب الشافعي إلى أن
العود أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع قدرته على الطلاق، فإذا وجد ذلك صار عائدا عليه،
ولزمته الكفارة، وذهب مالك وأحمد إلى أن العود هو العزم على الوطئ، وذهب الزهري و
الحسن وطاووس إلى أن العود هو الوطئ، وذهب داود وأهل الظاهر إلى أن العود هو تكرار
الظهار وإعادته.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الكفارة في الظهار لا تستقر في الذمة بحال، وإنما يراد
لاستباحة الوطء ء فيقال للمظاهر عند إرادة الوطء ء: إن أردت أن يحل لك الوطء ء فكفر، وإن لم
ترد استباحة الوطء ء فلا تكفر، كما يقال لمن أراد أن يصلي صلاة تطوع: إن أردت أن تستبيح
الصلاة تطهر، وإن لم ترد استباحتها لم يلزمك الطهارة. فإن وطئ قبل التكفير، فقد وطئ
وطئا محرما، ولا يلزمه عنده التكفير، بل يقال له عند إرادة الوطء ء الثاني والثالث: إن أردت
أن يحل لك الوطء ء فكفر، وعلى هذا أبدا (5).

1 - الغنية: 376.
2 - الخلاف: 4 / 533 مسألة 15.
3 - المجادلة: 3.
4 - الغنية 367.
5 - الخلاف: 4 / 535 مسألة 20.
471

لنا أن العود شرط في وجوب الكفارة ظاهر القرآن، ولأنه لا خلاف أن المظاهر لو طلق
قبل الوطء ء لم يلزمه الكفارة، وهذا يدل على أن الكفارة لا تجب بنفس الظهار، فيدل على أن
العود ما ذكرناه، أن الظهار [172 / أ] إذا اقتضى التحريم، وأراد المظاهر الاستباحة، وآثر
رفعه، كان عائدا لما قال، ومعنى قوله: {ثم يعودون لما قالوا} (1) أي المقول فيه، كقوله
سبحانه: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (2) أي الموقن به، وكقوله (عليه السلام) الراجع في
هبته (رحمه الله) أي الموهوب، وكما يقال اللهم أنت رجاؤنا أي مرجونا.
ولا يجوز أن يكون المراد بالعود الوطء ء على ما ذهب إليه قوم، لأن قوله تعالى: {فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا} أوجب الكفارة بعد العود وقبل الوطء ء، فدل أنه غيره.
ولا يجوز أن يكون العود إمساكها بعد الظهار زوجة، مع القدرة على الطلاق، على ما
قاله الشافعي، لأن العود يجب أن يكون رجوعا إلى ما يخالف مقتضى الظهار، وإذا لم يقتض
فسخ النكاح لم يكن العود الإمساك عليه، ولأنه تعالى قال: {ثم يعودون لما قالوا} وذلك
يقتضي التراخي، والقول بأن العود هو البقاء على النكاح قول بحصول العود عقيب الظهار من
غير فصل، وهو خلاف الظاهر.
وإذا جامع المظاهر قبل التكفير فعليه كفارتان إحداهما كفارة العود والأخرى عقوبة
الوطء ء قبل التكفير، دليله إجماع الإمامية واليقين لبراءة الذمة (3)، وقال الشافعي: إذا وطئ
قبل الكفارة لا يلزمه بهذا الوطء ء كفارة، وعليه كفارة الظهار التي كانت عليه (4)
وإن استمر المظاهر على التحريم فزوجة الدوام - وإن كانت أمة - بالخيار بين الصبر
على ذلك وبين المرافعة إلى الحاكم، وعلى الحاكم أن يخيره بين التكفير واستباحة الجماع، و
بين الطلاق، فإن لم يجب إلى شئ من ذلك، أنظره ثلاثة أشهر فإن فاء إلى أمر الله في ذلك، وإلا
فضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفئ، ولا يلزمه الطلاق إلا إذا كان قادرا على الكفارة و
أقام على التحريم مضارة (5).
وقال مالك: يصير موليا بعد أربعة أشهر. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يلزمه شئ
من ذلك، ولا يصير موليا، وبه قال الثوري. (6).

1 - المجادلة: 3.
2 - الحجر: 99.
3 - الغنية 367 - 368.
4 - الخلاف: 4 / 539 مسألة 23.
5 - الغنية 368 - 369.
6 - الخلاف: 4 / 528 مسألة 7.
472

وإذا طلق قبل التكفير سقطت عنه الكفارة، فإن راجع في العدة لم يجز له الوطء ء حتى
يكفر، (1) وللشافعي قولان: إذا قال: الرجعة عود فإذا راجعها ثم طلق لزمته الكفارة، وإذا
قال: لا يكون عودا فإذا طلقها عقيب الرجعة لم تلزمه كفارة حتى يمضي بعد الرجعة زمان يمكنه
فيه الطلاق (2).
وإن خرجت من العدة، واستأنف العقد عليها، جاز له الوطء ء من غير تكفير، ومن
أصحابنا من قال: لا يجوز له الوطء ء حتى يكفر على كل حال، وظاهر القرآن معه، لأنه
[172 / ب] يوجب الكفارة بالعودة من غير فصل.
وإذا ظاهر من زوجتين له فصاعدا، لزمه مع العود لكل واحدة منهن كفارة، سواء
ظاهر من كل واحدة على الانفراد، أو جمع بينهن في ذلك بكلمة واحدة (3) بأن يقول: أنتن علي
كظهر أمي لزمه عن كل واحدة كفارة، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في أصح قوليه، وقال في
القديم: يجب عليه كفارة واحدة. (4)
وإذا كرر كلمة الظهار، لزمه بكل دفعة كفارة، فإن وطئ التي كرر القول عليها قبل أن
يكفر لزمه كفارة واحدة وكفارة التكرار (5)، وفاقا للشافعي إذا لم يرد بالتكرار التأكيد في قوله
الجديد. وقال في القديم: عليه كفارة واحدة (6).
وفرض العبد في الكفارة الصوم، وفرضه فيه كفرض الحر، لظاهر القرآن، ومن
أصحابنا من قال: الذي يلزمه شهر واحد، ومن أصحابنا من قال: لا يصح الظهار من
المنكوحة بملك اليمين، ومنهم من قال: يصح (7).
إذا قال: أنت علي حرام كظهر أمي لم يكن ظهارا ولا طلاقا، نوى ذلك أو لم ينو، لأنه
لا دليل عليه والأصل براءة الذمة. قال الشافعي: إذا طلق كان ظهارا، وإن نوى غير الظهار
قبل منه، نوى الظهار أو غيره. وعلى قول بعض أصحابه يلزم الظهار ولا تقبل نيته في طلاق
ولا غيره (8).
إذا كانت له زوجتان فقال لإحداهما: أنت علي كظهر أمي ثم قال للأخرى: أشركتك

1 - الغنية 369.
2 - الخلاف: 4 / 526 مسألة 4.
3 - الغنية 369.
4 - الخلاف: 4 / 534 مسألة 18.
5 - الغنية 369.
6 - الخلاف: 4 / 535 مسألة 19.
7 - الغنية 369.
8 - الخلاف: 4 / 533 مسألة 16.
473

معها فإنه لا يقع بالثانية حكم، نوى الظهار أو لم ينو، لأنه لا دليل عليه.
وقال الشافعي: إن ذلك كناية، فإن نوى الظهار كان ظهارا، وإن لم ينو لم يكن شيئا (1).
إذا ظاهر من زوجته مدة مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة لم
يكن ذلك ظهارا إذ لا دليل عليه. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يكون مظاهرا، وهو قول
أبو حنيفة واختيار المزني. والثاني لا يكون مظاهرا وهو قول مالك. (2).
الاعتبار في وجوب الكفارات المرتبة حال الأداء دون حال الوجوب، فمن قدر حال
الأداء على الإعتاق لم يجزه الصوم، وإن كان غير واجد لها حين الوجوب. وللشافعي فيه
ثلاثة أقوال: أحدها ما قلناه. والثاني: أن الاعتبار بحال الوجوب دون حال الأداء. وبه قال
أبو حنيفة. والثالث أن الاعتبار بأغلظ الحالين من حين الوجوب إلى حين الأداء.
لنا قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} (3) وهذا واجد الرقبة عند
الشروع في الصوم فيجب عليه الإعتاق [173 / أ] (4).
إذا ظاهر فأعتق قبل العود لم يجز. وقال الشافعي: يجوز. (5)
لنا ظاهر قوله تعالى: {ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة} (6) يدل على أن الإعتاق
عقيب العود لأن الفاء في {تحرير رقبة} يدل على التعقيب.
إذا وجبت الكفارة بعتق رقبة يجزي في جميع الكفارات أن لا تكون مؤمنة، إلا في القتل
خاصة، وفاقا لأبي حنيفة وأصحابه، إلا أنهم أجازوا أن تكون كافرة. وعندنا أن ذلك مكروه
وإن أجزأ، خلافا للشافعي فإنه قال لا يجوز في جميع ذلك إلا المؤمنة، وبه قال مالك وأحمد.
لنا أن الله تعالى أطلق الرقبة في جميع الكفارات وإنما قيدها بالإيمان في القتل خاصة، و
لو كان الإيمان شرطا لما أطلق بل قيد. (7)
كل موضع يعتبر الإيمان في الرقبة فإنه يجزي إذا كان محكوما بإيمانه، وإن كان صغيرا،
لأنه يطلق عليه اسم الرقبة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي فإنه قال: وإن كان ابن يومه أجزأ.
وفي الناس من قال: لا يجزي الصغير (8).

1 - الخلاف: 4 / 534 مسألة 17.
2 - الخلاف: 4 / 542 مسألة 26.
3 - النساء: 92.
4 - الخلاف: 4 / 557 مسألة 56.
5 - الخلاف: 4 / 559 مسألة 58.
6 - المجادلة: 3.
7 - الخلاف: 4 / 542 مسألة 27.
8 - الخلاف: 4 / 542 مسألة 28.
474

عتق أم الولد جائز في الكفارات، خلافا لجميع الفقهاء. لنا أنها مملوكة بلا خلاف فجاز
عتقها. (1) إذا اشترى بنية الإعتاق عن الكفارة من يعتق عليه من الآباء والأمهات لم يقع عنها،
وينعتقون بحكم القرابة، وفاقا لمذهب الشافعي، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: يقع عتقهم
عن الكفارة.
لنا أن العتق لا يصح قبل الملك، ولا تؤثر النية إلا في الملك وهذا لا يصح هاهنا لأنهم لم
يدخلوا في ملكه. (2)
نية الإعتاق: يجب أن تقارن حال الإعتاق، ولا يجوز تقدمها. وللشافعي فيه طريقان:
أحدهما ما قلناه كالصلاة. والثاني أنه يجوز تقدمها.
لنا طريقة الاحتياط واليقين ابراءة الذمة. (3)
الأعمى لا يجزي بلا خلاف بين الفقهاء، والأعور يجزي بلا خلاف، والمقطوع اليدين أو
الرجلين، أو يد واحدة ورجل واحدة عن خلاف فعند الشافعي لا يجزي. وعند أبي حنيفة
يجزي، وبه نقول، لقوله تعالى: {فتحرير رقبة} (4) ولم يفصل. (5)
إذا وجد رقبة وهو محتاج إليها لخدمته، أو وجد ثمنها وهو محتاج إليه لنفقته وكسوته و
سكناه لا يلزمه الرقبة، ويجوز له الصوم، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يلزمه العتق. وقال أبو حنيفة: إذ كان واجدا للرقبة وهو محتاج
إليها لزمه إعتاقها، وإذا وجد الثمن وهو محتاج إليه لا يلزمه الإعتاق ويجوز له
الصوم. (6)
وإذا انتقل إلى الصوم عند العجز فآلوا جب أن يصوم شهرين متتابعين [173 / ب] فإن
أفطر في الشهر الأول لغير عذر أو قبل أن يصوم من الثاني شيئا، وجب استئنافه بلا خلاف، و
إن كان بعد أن صام من الثاني ولو يوما جاز له البناء، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا:
يجب عليه الاستئناف. (7)
لا يلزمه أن ينوي التتابع في الصوم، بل تكفيه نية الصوم فحسب، لأنه لا دلالة على

1 - الخلاف: 4 / 544 مسألة 30.
2 - الخلاف: 4 / 547 مسألة 35.
3 - الخلاف: 4 / 550 مسألة 41.
4 - النساء: 92.
5 - الخلاف: 4 / 551 مسألة 44.
6 - الخلاف: 4 / 552 مسألة 46.
7 - الخلاف: 4 / 552 مسألة 47.
475

ذلك. وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ما قلناه. والثاني: يحتاج أن ينوي كل ليلة. و
الثالث: يحتاج أن ينوي ذلك أول ليلة. (1)
وإذا أطعم يجب أن يدفع إلى ستين مسكينا، ولا يجوز أن يدفع حق مسكينين إلى
مسكين، لا في يوم واحد ولا في يومين، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن أعطى
مسكينا واحدا كل يوم حق مسكين في ستين يوما حق ستين مسكينا أجزأه، وإن أعطى في
يوم واحد حق مسكينين لم يجزه، وعندنا يجوز هذا مع عدم المسكين.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {فإطعام ستين مسكينا} (2) وقوله وفي كفارة
اليمين {فإطعام عشرة مساكين} (3) فاعتبر العدد فلا يجوز الإخلال به كما لا يجوز
الإخلال بالإطعام، وأيضا فطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأن ما اعتبرناه مجمع على
جوازه. (4)
يجب أن يدفع إلى كل مسكين مدان، والمد رطلان وربع بالعراقي، في سائر
الكفارات. وقال الشافعي: مد في جميع ذلك، وهو رطل وثلث، إلا فدية الأذى خاصة
فإنه مدان.
وقال أبو حنيفة: إن أخرج تمرأ وشعيرا فإنه يدفع إلى كل مسكين صاعا - أربعة
أمداد - والمد: رطلان وإن أخرج طعاما فنصف صاع، وفي الزبيب روايتان (5).
كل ما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة. وروى أصحابنا أن أفضله الخبز و
اللحم، وأوسطه الخبز والزيت، وأدونه الخبز والملح. وقال الشافعي: لا يجوز إلا الحب، فأما
الدقيق والسويق والخبز فإنه لا يجزي.
وقال الأنماطي من أصحابه: يجزيه الدقيق.
وكذا الخلاف في الفطرة، قالوا: لأن النبي (عليه السلام) أوجب صاعا من تمر أو شعير أو طعام، و
لم يذكر الدقيق ولا الخبر (6).
ويجب أن يطعم ما يغلب على قوته وقوت أهله.
وقال الشافعي: يجب أن يطعم من غالب قوت البلد.

1 - الخلاف: 4 / 556 مسألة 54.
2 - المجادلة: 4.
3 - المائدة: 89.
4 - الخلاف: 4 / 559 مسألة 59.
5 - الخلاف: 4 / 560 مسألة 62.
6 - الخلاف: 4 / 563 مسألة 66.
476

لنا قوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}. (1) (2)
إذا أحضر ستين مسكينا فأعطاهم ما يجب لهم من الطعام أو أطعمهم إياه، سواء قال:
ملكتكم أو أعطيتكم فإنه يكون جائزا على كل حال إذا كانوا بالغين. وبه قال أهل العراق.
وقال الشافعي: إن أطعمهم لا يجزيه، لأنه لا يملكهم، لأن أكلهم يزيد وينقص، وإن
قال: أعطيتكم، أو خذوه، لا يجزي، لأنه ما ملكهم، وإن قال: [174 / أ] ملكتكم بالسوية
ففيه وجهان. (3)

1 - المائدة: 89.
2 - الخلاف: 4 / 561 مسألة 63.
3 - الخلاف: 4 / 562 مسألة 65.
477

الطلاق
فصل في الطلاق
تفتقر صحة الطلاق الشرعي إلى مثل ما افتقر إليه الظهار من الشروط، فلا يصح إلا من
عاقل مختار. (1)
فلا يقع طلاق المكره وعتاقه وفاقا للشافعي ومالك، وخلافا لأبي حنيفة وأصحابه،
فإنهم قالوا: طلاق المكره وعتاقه واقع وكذلك كل عقد يلحقه فسخ، فأما ما لا يلحقه فسخ -
كالبيع والصلح والإجارة - فإنه إذا أكره عليه ينعقد عقدا موقوفا، فإن أجازها وإلا بطلت
لنا بعد إجماع الإمامية قوله (عليه السلام): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه،
والمراد رفع الأحكام (2) قاصد إلى التحريم به (3) فإذا قال لها: أنت طالق، ولم يقصد التحريم و
البينونة لم يقع الطلاق، ومتى قال: أردت غير الظاهر، قبل في الحكم فيما بينه وبين الله تعالى،
ما لم تخرج من العدة، فإن خرجت لم يقبل منه ذلك في الحكم. وقال جميع الفقهاء: إنه لا يقبل
منه (4) في الخلاصة: الركن الثاني القصد فلو بدر من لسانه الطلاق بغير قصد لم يقع، ولا يقع
طلاق الصبي والمجنون وكل من غلب على عقله إلا السكران الذي عصى بشربه فيقع طلاقه
في أصح القولين، والمكره على الإقرار بالطلاق وعلى الإنشاء لا يؤاخذ به إلا إذا ترك التورية
في الإنشاء مع القدرة عليه.
لنا أن القصد معتبر وهو متعلق بالقلب ولا يعلم ذلك إلا الله سبحانه فإذا ادعى أنه لم

1 - الغنية 370.
2 - الخلاف: 4 / 478 مسألة 44.
3 - الغنية 370.
4 - الخلاف: 4 / 458 مسألة 14.
478

يقصد قبل وأمره إلى الله.
وإذا سألته بعض نسائه أن يطلقها فقال: نسائي طوالق، ولم ينو أصلا فإنه لا تطلق
واحدة منهن. لما بينا أن الطلاق يحتاج إلى نية وهي معتبرة فيه، وقال الشافعي: يطلق كل
امرأة له نوي أو لم ينو.
وقال مالك: يطلق جميعهن إلا التي سألته، لأنه عدل عن المواجهة إلى الكناية، فعلم أنه
قصد غيرها (1).
غير حالف ولا ساه ولا لاعب ولا حاك، تلفظ بصريحه ولفظ هو الطلاق دون كناياته
نحو أنت حرام أو بائنة أو خلية أو برية أو الحقي بأهلك أو جلك على غاربك وما أشبه ذلك، و
إن قارنته النية مطلق له من الاشتراط (2).
في البداية في باب الأيمان في الطلاق: إذا أضاف الطلاق إلى النكاح وقع عقيب النكاح،
بأن يقول لامرأته إن تزوجتك فأنت طالق أو كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وإذا أضافه إلى
شرط وقع عقيب الشرط مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق (3).
إذا قال امرأتي طالق [174 / ب] إن كان لفلان علي حق!، فقد حلف بالطلاق فقد بانت
منه امرأته إن كان كاذبا في الحال عند جميع الفقهاء، وإن علق الطلاق بالشرط وقال لزوجته:
إن كلمت فلانا فأنت طالق فكذلك عندهم، وعندنا لا يقع لنا أولا أن الحلف بالطلاق باطل و
ذلك لأن الحلف لا يكون صحيحا مشروعا إلا بأسماء الله تعالى لقوله (عليه السلام) من كان حالفا
فليحلف بالله أو ليصمت، وإذا بطل الحلف بطل الطلاق.
وأما بطلان الطلاق المعلق بالشرط فلأن ذلك غير مشروع، لأن الله سبحانه لم يشرع
لمريد الطلاق أن يعلقه بأمر يجوز حصوله وارتفاعه، وإذا لم يكن مشروعا لم يتعلق به شئ
من الأحكام الشرعية، وأما طلاق الساهي واللاعب والحاكي فلأن العقد والنية يعتبر في
الطلاق ولا نية لهم فلا يقع طلاقهم، وأما التلفظ بصريح الطلاق فلأنه الذي ورد به القرآن و
تعلقت به الأحكام، فيجب أن لا يتعلق بغيره، ولا يقال لمن فعل ما فيه معنى الطلاق أنه مطلق
كما لا يقال لمن يفعل ما فيه معنى الضرب أنه ضارب (4)، وعند الشافعي صريح الطلاق:

1 - الخلاف: 4 / 459 مسألة 16.
2 - الغنية: 370.
3 - الهداية في شرح البداية: 1 / 243.
4 - الغنية 370.
479

الطلاق والفراق والسراح، ويستوي فيه قوله أنت طالق وقوله طلقتك وقوله سرحتك أو
فارقتك، وقوله أنت مفارقة أو مسرحة فيه خلاف أظهره أنه صريح هكذا أورد الغزالي في
الخلاصة.
وعند مالك صريح الطلاق كثير: الطلاق والفراق والسراح وخلية وبرية وبتة وبتلة
وبائن وغير ذلك.
وعند أبي حنيفة صريح الطلاق لفظ الطلاق كما قلناه غير أنه لم يراع النية. وقال: إن
قال حين الغضب فارقتك أو سرحتك كان صريحا، فأما غير هذه اللفظة فكلها كنايات لا يقع
بها الطلاق عندنا قارنها النية أو لم يقارنها. (1)
موجه به إلى معقود عليها عقد دوام، معين لها، معلق بجملتها دون أبعاضها، بمحضر من
شاهدي عدل، في طهر لا جماع فيه، إلا في حق من استثنيناه (2).
فإذا وجه إلى غير معقود عليها بأن قال لأجنبية: إذا نكحتك فأنت طالق، ثم نكحها لم
تطلق، وفاقا للشافعي، وخلافا لأبي حنيفة فإنه قال: تطلق
لنا قوله (عليه السلام) لا طلاق قبل النكاح، ولأن الطلاق حل عقد النكاح فلا يتصور ذلك قبل
العقد
والمعقود عليها عقد المؤجل تبين بانقضاء الأجل وهو يقوم مقام الطلاق.
وإذا قال: إحدى زوجاتي [175 / أ] طالق، وله أربع، لا يقع طلاق واحدة منهن لعدم
اليقين.
وإذا قال لزوجته: رأسك، أو وجهك طالق، لم يقع به طلاق. خلافا لجميع الفقهاء فإنهم
قالوا يقع به الطلاق (3).
لنا أنه ليس من الألفاظ المشروعة في الطلاق فيجب ألا يقع، وقوله تعالى: {يا أيها
النبي إذا طلقتم النساء} يدل على ذلك، لأنه علق الطلاق بما يتناوله اسم النساء، والرأس و
الوجه لا يتناولهما. (4)
وكذلك إذا قال: يدك أو رجلك أو شعرك أو أذنك طالق، لا يقع به شئ من الطلاق، و

1 - الخلاف: 4 / 459 مسألة 17.
2 - الغنية 370.
3 - الخلاف: 4 / 482 مسألة 50.
4 - الغنية: 370.
480

به قال أبو حنيفة وأو يوسف ومحمد، وقال الشافعي وزفر: يقع الطلاق (1).
كل طلاق لم يحضره شاهدان عدلان مسلمان - وإن تكاملت سائر شروطه - فإنه لا يقع،
خلافا لجميع الفقهاء فإنه لم يعتبر أحد منهم الشهادة (2).
لنا قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} إلى قوله: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (3) لأن
ظاهرا الأمر في الشرع يقتضي الوجوب، وهذا يوجب عود ذلك إلى الطلاق، لأنه لا يليق إلا
به دون الرجعة التي يعبر عنها بالإمساك، لأنه لا خلاف في أن الإشهاد عليها غير واجب، كما
وجب عود التسبيح إليه تعالى مع بعد ما بينهما في اللفظ في قوله: {إنا أرسلناك شاهدا و
مبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه} (4) من حيث لم
يلق إلا به.
وحمل الأمر بالإشهاد على الاستحباب ليعود إلى الرجعة عدول عن الظاهر في عرف
الشرع بغير دليل، ولا يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد متعلقا بقوله: {أو فارقوهن
بمعروف} (5) لأن المراد بذلك هاهنا ترك المراجعة والاستمرار على موجب الطلاق، وليس
بشئ يتجدد فعله فيفتقر إلى إشهاد (6).
وإذا طلقها وهي حائض حاضرا في بلده لم يقع طلاقها خلافا لجميع الفقهاء (7).
لنا أنه لا خلاف في أن الطلاق في الحيض بدعة ومعصية وقد فسر العلماء قوله:
{فطلقوهن لعدتهن} بالطهر الذي لا جماع فيه، وإذا ثبت أنه بدعة مخالف لما أمر الله تعالى به
لم يقع ولم يتعلق به حكم شرعي. ويدل على ما قلناه أيضا ما رووه من أن ابن عمر طلق
زوجته ثلاثا بلفظ واحد، وهي حائض، فسأل عمر النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فردها عليه ولم يره
شيئا، وظاهر ذلك نفي التأثيرات كلها، والتخصيص ببعضها يفتقر إلى دليل، وما رووه من
طريق آخر من قوله (صلى الله عليه وآله) لعمر: مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم
ليطلقها إن شاء، وظاهر الأمر [175 / ب] على الوجوب.
وإذا أوجب المراجعة دل ذلك على أن الطلاق لم يقع، والمراد بالمراجعة على هذا ردها

1 - الخلاف: 4 / 482 مسألة 51.
2 - الخلاف: 4 / 453 مسألة 5.
3 - الطلاق: 2.
4 - الفتح: 8 - 9.
5 - الطلاق: 2.
6 - الغنية 371.
7 - الخلاف ف: 4 / 446 مسألة 2.
481

إليه وترك اعتزالها، لأنه كان فارقها ظنا منه بوقوع الطلاق، وذلك يقال على سبيل الحقيقة
لمن طلق زوجته طلاقا فاسدا، ولمن ظن وقوعه، فأخرجها من منزله واعتزلها (1).
إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا، ووقعت واحدة عند تكامل شروطه عند أكثر
أصحابنا، وفيهم من قال: لا يقع شئ أصلا، وبه قال علي (عليه السلام) وأهل الظاهر، وحكى
الطحاوي عن محمد بن إسحاق (2) أنه قال: يقع واحدة كما قلناه.
قال الشافعي: المستحب أن يطلقها طلقة فإن طلقها ثنتين أو ثلاثا في طهر لم يجامعها فيه،
دفعة أو متفرقة، كان ذلك واقعا مباحا غير محظور، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا طلقها ثنتين
أو ثلاثا في طهر واحد دفعة أو متفرقة فعل محرما، وعصى وأثم، إلا أن ذلك واقع.
لنا قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة} (3) فأمر بإحصاء العدة، وثبت
أنه أراد في كل قرء طلقة، وقوله: {الطلاق مرتان} (4) يعني دفعتين، ثم قال: {فإن طلقها فلا
تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} (5) ومن جمع بين الثلاث فإنه لم يطلق دفعتين ولا
الثالثة، فإن قالوا: إذا ذكر العدد عقيب الاسم لا يقتضي التفريق وإنما يقتضي ذلك إذا ذكر
عقيب الفعل، مثال الأول إذا قال له: علي مئة درهم مرتان ومثال الثاني: ادخل الدار مرتين، و
العدد في الآية عقيب الاسم لا الفعل، فجوابه أن معنى قوله تعالى: {الطلاق مرتان} طلقوا
مرتين، لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فالعدد مذكور عقيب الفعل لا الاسم (6)، وأيضا فإنه إذا
قال: أنت طالق ثلاثا مع تكامل شروطه وجب وقوعه، وما أبدع من قوله: (ثلاثا) لا حكم له
في الشرع، لأنه مخالف للسنة، ولا تأثير له في إفساد ما قد تكاملت شروطه الشرعية من
الطلاق، ولا فرق بين أن يتبع الطلاق بقوله: ثلاثا، وبين أن يتبعه بشتم المرأة، وكما أن ذلك - و
أن كان بخلاف السنة - غير مانع من وقوع الطلاق فكذلك ما نحن فيه.
ويدل على أنه قوله: (ثلاثا) بدعة قوله تعالى: {الطلاق مرتان}، والمراد بذلك الأمر،
لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فكأنه قال: طلقوهن مرتين ولا يكون الطلاق مرتين إلا بحصول

1 - الغنية 371 - 372.
2 - الظاهر أنه محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة السلمي مولى لهم. من أهل نيسابور، مات سنة (312) وكان يقال
له: إمام الأئمة جمع بين الفقه والحديث. طبقات الفقهاء: 116.
3 - الطلاق: 1.
4 - البقرة: 229.
5 - البقرة: 230.
6 - الخلاف: 4 / 450 مسألة 3.
482

واحدة بعد أخرى، وكما أن من أعطى درهمين دفعة لم يوصف أنه معط مرتين [176 / أ]، وما
رووه أيضا في حديث ابن عمر (إذا عصيت ربك) حين قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا، وما
رووه أن رجلا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي: كيف
طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد، فقال: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت،
فراجعها. (1)
طلاق الحامل المستبين حملها يقع على كل حال بلا خلاف، سواء كانت حائضا أو
طاهرا، ولا بدعة في طلاق الحامل عندنا، وهو أحد قولي الشافعي وعامة أصحابه. والقول
الآخر: أن في طلاقها بدعة وسنة. (2)
إذا قال لها - في طهر لم يجامعها فيه -: أنت طالق للبدعة، وقع الطلاق في الحال. وقال
جميع الفقهاء: لا يقع طلاقه في الحال، فإن حاضت بعد ذلك أو نفست وقع الطلاق، لأن ذلك
زمان البدعة.
لنا أن قوله (للبدعة) لغو وكذب وإن نوي أنها طالق إذا حاضت فإنه لا يقع أصلا لأنه
علقه بشرط ولأنه طلاق محرم فلا يقع على الوجهين لما مر (3).
وإذا قال لها - في طهر لم يقربها فيه -: أنت طالق ثلاثا للسنة، وقعت واحدة، وقال
الشافعي: يقع الثلاث في الحال. وقال أبو حنيفة: في كل قرء واحدة.
لنا أن التلفظ بالطلاق الثلاث بدعة، وكل بدعة ضلالة (4).
إذا قال لها: أنت طالق أكمل طلاق، أو أكثر طلاق، أو أتم طلاق، وقعت واحدة، و
كانت رجعية. وفاقا للشافعي، وأبي حنيفة في قوله: أتم طلاق، وقال في: أكمل وأكثر، أنها
تقع بائنة. (5)
وإذا علقه بشرط من الشروط أو صفة من الصفات المستقبلة فإنه لا يقع أصلا لا في
الحال ولا في المستقبل حين يحصل الشرط والصفة، خلافا لجميع الفقهاء (6).
إذا قال: أنت طالق طلاق الحرج، فإنه لا يقع به فرقة لأن الحرج هو الإثم والمسنون
لا يكون فيه إثم فيكون طلاق البدعة فلا يقع عندنا. وقال أصحاب الشافعي: ليس لنا فيها

1 - الغنية 376 - 377.
2 - الخلاف: 4 / 454 مسألة 6.
3 - الخلاف 4 / 456 مسألة 8.
4 - الخلاف: 4 / 456 مسألة 9.
5 - الخلاف: 4 / 456 مسألة 11.
6 - الخلاف: 4 / 457 مسألة 13.
483

نص، والذي يجئ على المذهب أنه عبارة عن طلاق البدعة، لأن الحرج عبارة عن الإثم (1).
إذا قال: أنت الطلاق، لم يكن صريحا في الطلاق ولا كناية، لأنه لا دلالة عليه في الشرع.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما أنه صريح، وبه قال أبو حنيفة. والآخر: إنه كناية. (2).
إذا قال لها: أنت حرة، أو قال أعتقتك، ونوى الطلاق، لم يكن طلاقا. وقال جميع
الفقهاء: يكون طلاقا مع النية. (3).
وإذا قال لزوجته: أنا منك طالق، لم يكن ذلك شيئا، لأنه لا دلالة على كونه صريحا في
الطلاق أو كناية [176 / ب] وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: يكون كناية، إن نوى به
البينونة: وقع. (4).
إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق فعندنا
أنه لا يقع به شئ، وهو أحد قولي الشافعي. والآخر: أنه يقع على كل حال وبه قال أبو
حنيفة. (5)
إذا خيرها فاختارته لم يقع بذلك فرقة. وقال الحسن البصري يقع به طلقة رجعية (6).
وإذا خيرها فاختارت نفسها لم يقع الطلاق، نويا أو لم ينويا، أو نوى أحدهما. وقال
قوم من أصحابنا: إذا نويا وقع الطلاق. ثم اختلفوا، فمنهم من قال: يقع واحدة رجعية، ومنهم
من قال: بائنة وانعقد إجماع الإمامية على خلاف أقوالهم فلا يعتد بخلافهم. وقال الشافعي:
هو كناية من الطرفين، يفتقر إلى نية الزوجين معا. وقال مالك: يقع به الطلاق الثلاث من غير
نية، لأن عنده إن هذه اللفظة صريحة في الطلاق الثلاث.
ومتى نويا الطلاق ولم ينويا عددا، وقعت طلقة رجعية عند الشافعي وبائنة عند أبي
حنيفة، وإن نويا عددا فإن اتفقت نيتا هما على عدد وقع ما اتفقا عليه، عند الشافعي. وعند
أبي حنيفة: إن نويا طلقتين، لم يقع إلا واحدة كما يقول في الكنايات الظاهرة وإن اختلفت نيتهما
في العدد، وقع الأقل لأنه متيقن فيه وما زاد عليه مختلف فيه (7).
وإذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة لم يقع شئ أصلا، وبه قال داود. وقال جميع

1 - الخلاف: 4 / 458 مسألة 15.
2 - الخلاف: 4 / 465 مسألة 21.
3 - الخلاف: 4 / 465 مسألة 22.
4 - الخلاف: 4 / 466 مسألة 24.
5 - الخلاف: 4 / 469 مسألة 29.
6 - الخلاف: 4 / 470 مسألة 30.
7 - الخلاف: 4 / 470 مسألة 31.
484

الفقهاء يقع طلقة. (1)
المريض إذا طلقها طلقة لا يملك رجعتها، فإن ماتت لا يرثها بلا خلاف، وإن مات من
ذلك المرض ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج، فإن تزوجت بعد انقضاء عدتها لم ترثه، و
إن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه، وللشافعي فيه قولان، الأصح عندهم أنها لا ترثه، و
القول الثاني ترثه كما قلنا، وبه قال في الصحابة علي وعمر وعثمان، وفي الفقهاء ربيعة ومالك
والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد ولهم في ذلك تفصيل: فأبو حنيفة لا يورثها بعد
خروجها من العدة، وكذلك الأوزاعي والثوري وأحد الأقوال الثلاثة للشافعي على قوله
الثاني أنها ترثه، والقول الثاني للشافعي على هذا القول أنها ترثه ما لم تتزوج، وبه قال ابن أبي
ليلى وأحمد ولم يقيدوه بسنة، والقول الثالث للشافعي على هذا القول: أنها ترثه أبدا
[177 / أ] ولو تزوجت ما تزوجت، وبه قال ربيعة قال: ولو تزوجت عشرة أزواج ورثه.
لنا ما دل على مذهبنا - مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم - ما روي أن عبد الرحمن
بن عوف طلق زوجته (تماضر) (2) في مرضه وأبت طلاقها فترافعوا إلى عثمان فورثها منه. و
روي أن عثمان طلق بعض نسائه وهو محصور، فورثها منه على (عليه السلام). (3)
إذا سألته أن يطلقها في مرضه، فطلقها لم يقطع ذلك منه الميراث، بدلالة عموم الأخبار
الواردة في ذلك، وبه قال ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي على قوله: أنها ترث. وقال
الباقون من أصحابه وأبو حنيفة: إنها لا ترثه (4).
وإذا تقرر ما ذكرناه من شروط الطلاق، فاعلم أنه ضروب أربعة: واجب، ومحظور، و
مستحب، ومكروه.
فالواجب طلاق المولي بعد التربص، لأن عليه أن يفئ أو يطلق على ما قدمناه، و
طلاق الخلع على ما نبينه.
والمحظور طلاق المدخول بها في الحيض، أو الطهر الذي جامعها فيه، قبل أن يظهر بها
حمل ولا خلاف في حظره، وإنما الخلاف في وقوعه على ما بيناه.

1 - الخلاف: 4 / 483 مسألة 52.
2 - بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة روي أن النبي بعث عبد الرحمن بن عوف إلى بني كلب فقال: إن استجابوا لك فتزوج
ابنة ملكهم أو سيدهم فلما قدم فاستجابوا فتزوجها ثم قدم بها المدينة. الإصابة: 7 / 543 الرقم 10951.
3 - الخلاف: 4 / 484 مسألة 54.
4 -! الخلاف: 4 / 486 مسألة 55.
485

والمستحب طلاق من كانت الحال بينه وبين زوجته فاسدة بالشقاق وتعذر الإنفاق، و
عجز كل واحد منهما عن القيام بما يجب عليه لصاحبه.
والمكروه طلاقه إذا كانت الحال بينهما عامرة، وكل واحد قيم بحق صاحبه.
والنساء في الطلاق على ضربين: منهن ليس في طلاقها سنة ولا بدعة. ومنهن في
طلاقها ذلك.
فالضرب الأول الآيسة من الحيض، لصغر أو كبر، والحامل، وغير المدخول بها، و
الغائب عنها زوجها.
والضرب الثاني: المدخول بها لا غير إذا كانت حائلا من ذوات الأقراء، وطلاقها
للسنة في طهر لا جماع فيه، وللبدعة في حيض أو طهر فيه جماع.
واعلم أن الطلاق على ضربين رجعي وبائن فالبائن على ضروب أربعة: طلاق غير
المدخول بها، وطلاق العدة وهو التطليقة الثالثة بعد كل تطليقتين من أي طلاق كان، و
الخلع، والمباراة.
فأما الرجعي فهو أن يطلق المدخول بها واحدة، ويدعها تعتد في سكناه ونفقته، ويحل
له النظر إليها، ومراجعتها بالعقد الأول ما دامت في العدة، وليس لها عليه في ذلك خيار، و
يجوز المراجعة من غير إشهاد والإشهاد أولى، وإن قال: راجعتك، كان حسنا، وإن لم يقل
ذلك، ووطئها أو قبلها بشهوة كان ذلك رجعة (1)، وبه قال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي.
وقال الشافعي: هي محرمة كالمبتوتة، ولا يحل له وطؤها، والاستمتاع بها إلا أن
يراجعها ويحتاج في الرجعة [177 / ب] عنده إلى أن يقول (راجعتك) مع القدرة، ومع العجز
كالخرس فالإشارة والإيماء (2). لنا مضافا إلى إجماع الإمامية قوله تعالى: {وبعولتهن أحق
بردهن في ذلك} (3) فيسمى المطلق طلاقا رجعيا بعلا، ولا يكون ذلك إلا والمرأة بعلة، و
هذا يقتضي ثبوت الإباحة، ولم يشرط الشهادة ولا لفظ المراجعة (4).
والإشهاد على الرجعة مستحب غير واجب وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وقال
مالك، الإشهاد واجب (5).

1 - الغنية 372 - 373.
2 - الخلاف: 4 / 499 مسألة 3.
3 - البقرة: 228.
4 - الغنية 373.
5 - الخلاف: 4 / 500 مسألة 4.
486

وإذا خرجت من العدة ملكت نفسها، فإن آثر مراجعتها فبعقد جديد ومهر جديد، و
تبقى على طلقتين أخراوين، فإن كمل طلاقها ثلاث مرات في ثلاثة أطهار مع تخلل مراجعته
على ما سندل عليه ولم تكن تزوجت فيما بينها سواه، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، نكاح
دوام، ويكون بالغا، ويدخل بها، ويفارقها، وتنقضي عدتها منه.
ويهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث وإن تكرر من الأول أبدا ويبيح المرأة بالعقد
المستأنف.
وكذا إن تزوجت فيما بين الأولى والثانية، أو الثالثة تهدم ذلك ما تقدم من الطلاق على
الأظهر الأكثر من روايات أصحابنا، ومنهم من قال: لا يهدم الزوج الثاني ما دون الثالث، و
متى رجعت إلى الأول، كانت معه على ما بقي من تمام الثلاث، وظاهر قوله تعالى: {فإن طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} (1) معه، لأنه يدل على تحريمها بالثالثة، حتى
تنكح زوجا غيره من غير فصل. (2)
اعلم أن الوطء ء من الزوج الثاني شرط لتحل للأول، وبه قال علي وابن عمر وجابر، و
جميع الفقهاء إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم يعتبر الوطء ء، وإنما اعتبر النكاح
لنا على ما ذهبنا إليه مضافا إلى إجماع الإمامية ما روته عائشة قالت: أتت زوجة رفاعة
بن مالك (3) إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالت: طلقني رفاعة وبت طلاقي، وتزوجت بعبد الرحمن بن
الزبير (4) وإن ما معه مثل هدبة الثوب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أتريدين أن تراجعي رفاعة [أم لا؟
فقالت: نعم، فقال]: لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك. (5)
إذا نكحت نكاحا فاسدا ودخل بها الزوج الثاني، لا تحل به للأول. وللشافعي فيه
قولان.
لنا قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} ولفظة النكاح إنما تطلق على الصحيح دون

1 - البقرة: 230.
2 - الغنية 373 - 374.
3 - هكذا في النسخة والمصدر وهو رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان والذي طلق زوجه ثلاثا رفاعة ابن سموال،
وقيل: رفاعة بن رفاعة القرظي من بني قريظة وهو خال صفية بنت حيي بن أخطب زوج النبي (صلى الله عليه وآله). أنظر أسد الغابة:
2 / 76 رقم 1690.
4 - بن زيد بن أمية وقيل: هو عبد الرحمن الزبير بن باطيا القرظي واتفقوا على أنه هو الذي تزوج الامرأة التي طلقها رفاعة
القرظي. أنظر أسد الغابة: 3 / 242 رقم 3303.
5 - الخلاف: 4 / 502 مسألة 6.
487

الفاسد (1).
إذا تزوجت بمراهق وتيسر (2) عليه، ويعرف لذة الجماع، ودخل بها، فإنه يحل للأول
[178 / أ] وبه قال الشافعي. وقال مالك لا يحل للأول
لنا قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} ولم يفصل وقوله (عليه السلام) حتى يذوق عسيلتها،
وهذا قد ذاق. (3)
إذا وطئها الزوج الثاني في حال يحرم وطؤها فيها بأن يكون محرما أو هي محرمة أو
[كان] صائما أو هي صائمة أو كانت حائضا فإنها لا تحل للأول، لأنه لا دليل على أن هذا
الوطء ء محلل وبه قال مالك. وقال الشافعي وجميع الفقهاء: إنها تحل للأول، قال الشيخ: هو
قوي (4).
في الخلاصة: نكاح المحلل باطل إذا شرط في صلب العقد أن يطلقها، ولا تحل للزوج
الأول بإصابة هذا المحلل، وإذا لم يشرط صح، فإذا أصابها وغيب الحشفة مرة واحدة - وتعتد
عنه إذا طلقها مختارا، ويستوي فيه قوي الجماع وضعيفه والبالغ والصغير، وفي الصغير قول
آخر - حلت للأول.
وأما غير المدخول بها فإنه إذا طلقها واحدة، بانت منه، وملكت نفسها في الحال، فإن
اختار مراجعتها ورضيت، فبعقد جديد ومهر جديد، فإن راجعها وطلقها قبل الدخول تمام
ثلاث مرات، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وهذا مختص بحرائر النساء، فأما الأمة
فأقصى طلاقها - حرا كان الزوج أو عبدا - طلقتان.
وأما طلاق العدة فيختص بالمدخول بها المستقيمة الطهر والحيض، وصفته أن يطلقها
في طهر لا جماع فيه بشاهدي عدل، ثم راجعها قبل الخروج من العدة ووطئها، فإذا حاضت و
طهرت طلقها ثانية بشاهدي عدل، ثم راجعها ووطئها فإذا حاضت وطهرت طلقها ثالثة
بشاهدي عدل فإذا فعل ذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، ولا يهدم الزوج الثاني
هذه التطليقات الثلاث أبدا بل متى طلقها على هذا الوجه تسع تطليقات ينكحها بينها
رجلان، حرمت عليه أبدا على ما قلناه فيما مضى.

1 - الخلاف: 4 / 503 مسألة 7.
2 - في الخلاف: وينتشر.
3 - الخلاف: 4 / 504 مسألة 8.
4 - الخلاف: 4 / 504 مسألة 9.
488

وأما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة دون الرجل، وهو مخير في فراقها إذا دعته
الزوجة إليه حتى تقول له: إن لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك، ولأوطئن فراشك غيرك، أو
يعلم منها العصيان في شئ من ذلك، فيجب عليه - والحال هذه - طلاقها.
ويحل له أخذ العوض على ذلك - سواء بذلته ابتداء، أو بعد طلبه منها، وسواء كان مثل
المهر الذي دفعه إليها أو أكثر. (1)
وإذا كانت الحال بين الزوجين عامرة والأخلاق ملتئمة واتفقا على الخلع، فبذلت له
شيئا [178 / ب] على طلاقها لم يحل له ذلك لإجماع الإمامية على أنه لا يجوز خلعها إلا بعد أن
يسمع منها شيئا مما ذكرناه وهو مفقودها هنا فيجب أن لا يجوز الخلع، وبه قال عطاء والزهري
والنخعي وداود.
وقال أبو حنيفة والشافعي: أن ذلك مباح
لنا قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا
يقيما حدود الله} (2) فحرم الأخذ منها إلا عند الخوف من ترك إقامة الحدود، ثم قال: {فإن
خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فدل ذلك على أنه متى ارتفع هذا
الخوف حصل الجناح. (3)
ولا يصح الخلع إلا في طهر لم يقربها فيه بجماع، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
لنا أنه لا خلاف في صحته مع اعتبار ما ذكرناه فلا بد في صحته على ما ذكروه من دليل،
ولا دليل. (4)
ولا يقع الخلع بمجرده، بل لا بد معه من التلفظ بالطلاق، فيقول مريده: قد خلعتك على
كذا وكذا فأنت طالق، وفي أصحابنا من قال: لا يحتاج إلى ذلك، بل نفس الخلع كاف (5)، وبه
قال جميع الفقهاء. لنا أنه لا خلاف بين الأمة في حصول الفرقة بما ذكرناه، وليس على حصولها
بمجرد لفظ الخلع دليل. (6)
والذين قالوا أن الخلع كاف فقد اختلفوا فمنهم من قال: إنه فسخ وليس بطلاق قال:
لأنه لا دليل على كونه طلاقا، ويدل عليه قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو

1 - الغنية 74 - 375.
2 - البقرة: 229.
3 - الخلاف: 4 / 421 مسألة 1.
4 - الخلاف: 4 / 421 مسألة 2.
5 - الغنية: 375.
6 - الخلاف: 4 / 422 مسألة 2.
489

تسريح بإحسان} (1) ثم ذكر الفدية بعد هذا ثم ذكر الطلقة الثالثة {فإن طلقها فلا تحل له بعد
حتى تنكح زوجا غيره} (2) الطلاق ثلاثا، وذكر الفدية في أثنائها فلو كان طلاقا لكان
الطلاق أربعا، وذلك باطل بالإجماع. ومن قال: إنه طلاق قال: لأنه روي في الأخبار أن
الخلع يكون تطليقة بغير طلاق يتبعها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه طلاق، ذكره في
الإملاء وأحكام القرآن. وبه قال عثمان ورووه عن علي (عليه السلام) وبه قال مالك وأبو حنيفة و
أصحابه.
وقال في القديم: إنه فسخ وهو اختيار الأسفرايني وبه قال ابن عباس، وفي الفقهاء
أحمد وإسحاق وأبو ثور. (3)
الخلع جائز بين الزوجين، ولا يفتقر إلى حاكم. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه و
الشافعي. وقال الحسن البصري وابن سيرين: لا يصح إلا بحاكم. (4)
والبذل في الخلع غير مقدر، إن شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر أو بأقل، وبه قال أبو
حنيفة والشافعي ومالك وذهب الزهري [179 / أ] وأحمد وإسحاق إلى أنه لا يجوز بأكثر من
المهر الذي تزوجها عليه. (5)
إذا وقع الخلع على بذل فاسد كالخمر والخنزير لم يصح لأنه لا دليل على صحته و
الأصل بقاء العقد. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، فقالوا يصح ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة:
يكون تطليقة رجعية. وقال الشافعي: الخلع صحيح، والبذل فاسد، ويجب له مهر مثلها. (6)
ولا يقع الخلع بشرط ولا صفة. وقال جميع الفقهاء: إنه يقع. (7)
إذا قال: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، أو إذا أعطيتني، أو متى أعطيتني، أو منضما، أو
أي حين، أو غير ذلك من ألفاظ الزمان، فإنه لا ينعقد الخلع لأن هذه كلها شروط.
وعند جميع الفقهاء ينعقد، فإن كان اللفظ (إن) و (إذا) اقتضى العطية على الفور، وإلا
بطل العقد، وإن كان لفظ زمان فأي وقت أعطته وقع الطلاق. (8)
ولا ينعقد الطلاق قبل النكاح، ولا يتعلق به حكم، سواء عقده في عموم النساء، أو

1 - البقرة: 229.
2 - البقرة: 230.
3 - الخلاف: 4 / 422 مسألة 3.
4 - الخلاف: 4 / 422 مسألة 4.
5 - الخلاف: 4 / 422 مسألة 5.
6 - الخلاف: 4 / 427 مسألة 7.
7 - الخلاف: 4 / 436 مسألة 18.
8 - الخلاف: 4 / 436 مسألة 19.
490

خصوصهن، أو أعيانهن، وسواء كانت الصفة مطلقة، أو مضافة إلى ملك، فالعموم أن يقول:
كل امرأة أتزوجها فهي طالق، والخصوص: كل امرأة أتزوج بها من القبيلة الفلانية فهي
طالق، والأعيان: أن أتزوج بفلانة، أو بهذه فهي طالق. والصفة المطلقة أن يقول لأجنبية: إن
دخلت الدار فأنت طالق. والصفة المقيدة أن يقول لأجنبية: إن دخلت الدار وأنت زوجتي
فأنت طالق.
وبه قال في الصحابة علي (عليه السلام) وابن عباس، وفي الفقهاء الشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينعقد الطلاق قبل النكاح في عموم النساء وخصوصهن و
في أعيانهن وأما الصفة فعند أبي حنيفة ينعقد في الصفة المقيدة ولا ينعقد في الصفة المطلقة.
وقال مالك: إن عقده في عموم النساء لم ينعقد، وفي خصوصهن وأعيانهن ينعقد، لأنه
إذا عقده في عموم النساء بقي متبتلا لا زوج له، فلم ينعقد. وليس كذلك الخصوص والأعيان،
لأن له سبيلا إلى غيرهن. (1)
وأما طلاق المباراة فيكون مع كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه، ويجوز للزوج
أخذ البذل عليه إذا لم يزد على ما أعطاها من المهر، ولا يحل له أخذ الزيادة عليه، ويقول من
يريد ذلك: قد باريتك على كذا وكذا فأنت طالق، وإذا تلفظ بالطلاق في الخلع والمباراة، بانت
الزوجة عنه بواحدة، ولم يملك رجعتها في العدة بالعقد الأول، إلا أن تعود هي فيما بذلت له أو
في بعضه فيها، ولا خيار في العود بشئ من ذلك بعد العدة. (2)
في الخلاصة: الخلع مبين لازم من الجانبين، فلا يلحق المختلعة طلاق لأنها بائنة، و
لا خيار في المال، ولا رجعة للزوج عليها [179 / ب] فإن قال: خالعتك طلقة: بدينار على أن
لي الرجعة فله الرجعة ولا مال له لأنه اشترطهما واستحال جمعهما فثبت أقواهما.
المختلعة لا يلحقها طلاق. ومعناه أن الرجل إذا خالع زوجته خلعا صحيحا ملك به
العوض، وسقطت به الرجعة، ثم طلقها، لم يلحقها طلاقه، سواء كان بصريح اللفظ أو
بالكناية، في العدة كان أو بعد انقضائها، وبه قال ابن عباس وابن الزبير، وفي الفقهاء الشافعي
وأحمد.
وذهب أبو حنيفة إلى أنها يلحقها طلاقه قبل انقضاء العدة، ولا يلحقها بعد ذلك بصريح

1 - الخلاف: 4 / 432 مسألة 13.
2 - الغنية: 375.
491

الطلاق ولا يلحقها بالكناية مع النية.
يدل على المسألة إنا بينا أن الخلع يحتاج بالتلفظ بالطلاق فإذا تلفظ به لم يمكنه أن يطلقها
ثانيا إلا بعد المراجعة، وهذه لا يمكن مراجعتها.
ومن قال من أصحابنا: أن الخلع لا يحتاج إلى الطلاق فلا يمكنه أيضا أن يقول بإيقاع
الطلاق لأنها قد بانت بنفس الخلع ولا يمكن مراجعتها. (1)
وإذا اختلعها أجبني من زوجها بغير إذنها بعوض لم يصح، وبه قال أبو ثور. وقال جميع
الفقهاء يصح ذلك.
لنا قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} (2) فأضاف الفداء إليها، فدل على
أن فداء غيرها لا يجوز، وأيضا فلا دلالة في الشرع على جواز ذلك (3).

1 - الخلاف: 4 / 429 مسألة 10.
2 - البقرة: 229.
3 - الخلاف: 4 / 440 مسألة 26.
492

اللعان
فصل في اللعان
تفتقر صحة اللعان بين الزوجين إلى أمور:
منها أن يكونا مكلفين، سواء كانا أو أحدهما من أهل الشهادة أو الجزية أم لا (1)،
فيصح القذف واللعان في حق الزوجين المسلمين والكافرين، أو أحدهما (2) مسلم والآخر
كافر، وكذلك بين الحرين والمملوكين، أو اللذين أحدهما حر والآخر مملوك. وكذلك إذا
كانا محدودين في قذف، أو أحدهما. وبه قال مالك والشافعي والثوري وأحمد.
وذهب قوم إلى أن اللعان إنما يصح بين الزوجين إذا كانا من أهل الشهادة، فلا لعان بين
الكافرين ولا إذا كان أحدهما كذلك، ولا بين المملوكين ولا إذا كان أحدهما مملوكا، ولا بين
المحدودين في القذف ولا إذا كان أحدهما كذلك، وبه قال الزهري والأوزاعي وأبو حنيفة
وأصحابه.
لنا قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} (3) ولم يفرق وعموم الأخبار الواردة في
ذلك يتدل على ما ذهبنا إليه.
ثم إن الخلاف في أن اللعان هل هو يمين أو شهادة. فعندنا أنه يمين. وعندهم شهادة.
لنا على أنه يمين ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما لاعن بين هلال بن
أمية (4) وزوجته [180 / أ] قال: إن أتت به على نعت كذا [وكذا] فما أراه إلا وقد كذب عليها،

1 - الغنية 378.
2 - في الخلاف: وأحدهما مسلم..... وأحدهما حر.
3 - النور: 6.
4 - بن عامر، شهد بدرا وأحدا، وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهو الذي لاعن امرأته بشريك... أسد
الغابة: 4 / 630 رقم 5381.
493

وإن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا من شريك ابن سحماء (1)، قال: فأتت به على النعت
المكروه. فقال النبي (عليه السلام): لولا الأيمان لكان لي ولها شأن، فسمى اللعان يمينا، ولأنه لو كان
شهادة لما جاز من الأعمى، ولما صح من الفاسق، لأن شهادة الأعمى لا تقبل عند أبي حنيفة،
وشهادة الفاسق لا تقبل بلا خلاف (2)
ومنها أن يكون النكاح دواما.
ومنها: أن تكون الزوجة مدخولا بها، وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة
كذلك (3).
ولا يثبت اللعان بين الزوجين قبل الدخول، خلافا لجميع الفقهاء فإنهم قالوا: يثبت (4).
ومنها أن لا تكون صماء ولا خرساء (5).
وإذا قذف زوجته وهي خرساء أو صماء فرق بينهما ولم تحل له أبدا. وقال الشافعي: إن
كان للخرساء إشارة معقولة أو كناية مفهومة فهي كالناطقة سواء، وإن لم يكن لها ذلك فهي
بمنزلة المجنونة. (6)
الأخرس إذا كانت له إشارة معقولة أو كناية مفهومة، يصح قذفه ولعانه ونكاحه و
طلاقه ويمينه وساير عقوده. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح قذفه ولا لعانه، وإذا قذف في حال انطلاق لسانه ثم خرس لم
يصح منه اللعان. ووافقنا في أنه يصح منه نكاحه وطلاقه، ويمينه وعقوده (7)
ومنها أن يقذفها الزوج بزنا يضيفه إلى مشاهدته، بأن يقول: رأيتك تزنين، ولو قال: يا
زانية، لم يثبت بينهما لعان، أو ينكر حملها، أو يجحد ولدها، ولا يقيم أربعة من الشهود بما
قذفها به.
وأن تكون منكرة لذلك
يدل على هذه الشرائط المذكورة إجماع الإمامية، وأيضا فلا خلاف في صحة اللعان مع

1 - هي أمه، وأبوه عبدة بن معتب، وهو صاحب اللعان، نسب في ذلك الحديث إلى أمه. أسد الغابة: 2 / 270 رقم 2434.
2 - الخلاف: 5 / 6 مسألة 2.
3 - الغنية 378.
4 - الخلاف: 5 / 49 مسألة 69.
5 - الغنية: 378.
6 - الخلاف: 5 / 13 مسألة 9.
7 - الخلاف: 5 / 12 مسألة 8.
494

تكامل ما ذكرناه، وليس على صحته مع اختلال بعضه دليل (1)
إذا قذف زوجته بزنا أضافه إلى مشاهدة، أو انتفى من حمل، كان له أن يلاعن. وإن لم
يضفه إلى المشاهدة، فإن قذفها مطلقا، وليس هناك حمل، لم يجز له اللعان، وبه قال مالك. و
قال أبو حنيفة والشافعي: له أن يلاعن بالزنا المطلق. (2)
وإذا أخبر ثقة بأنها زنت، أو استفاضت في البلد أن فلانا زنا بفلانة زوجة الرجل، ولم
ير شيئا، لا يجوز له ملاعنتها لما بيناه من أنه لا يجوز إلا بعد أن يدعي المشاهدة. وقال الشافعي
يجوز لعانها في الموضعين (3).
موجب القذف في حق الزوج الحد، وله إسقاطه باللعان، وموجب اللعان في حق المرأة
الحد، ولها إسقاطه باللعان، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: موجب القذف في حق الزوج اللعان فإذا قذف زوجته لزمه اللعان
[180 / ب] فإن امتنع من اللعان حبس حتى يلاعن، فإذا لاعن وجب على المرأة اللعان، فإن
امتنعت حبست حتى تلاعن، وقال أبو يوسف: الحد يجب بالقذف على الرجل، فأما المرأة إذا
امتنعت من اللعان لم يلزمها الحد، لأنه يكون حكما بالنكول، فالحد لا يجب بالنكول.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي أن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك ابن سحماء
فقال له النبي (عليه السلام): البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال: يا رسول الله أيجد أحدنا مع امرأته رجلا
يلتمس البينة. فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: البينة وإلا فحد في ظهرك (4).
وإذا كان مع الزوج البينة جاز له أن يلاعن أيضا ويعدل عن البينة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لا عن
بين العجلان (5) وزوجته، ولم يسأل عن البينة (6).
حد القذف من حقوق الآدميين، لا يستوفى إلا بمطالبة آدمي، ويورث كما يورث حقوق
الآدميين، ويدخله العفو والإبراء كما يدخل في حقوق الآدميين. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هو من حقوق الله تعالى متعلق بحق الآدمي، ولا يورث ولا يدخله
العفو والإبراء، ووافق في أنه لا يستوفي إلا بمطالبة آدمي (7).

1 - الغنية 378.
2 - الخلاف: 5 / 10 مسألة 5.
3 - الخلاف: 5 / 11 مسألة 6.
4 - الخلاف 5 / 7 مسألة 1.
5 - في الخلاف: العجلاني. وهو عويمر بن الحارث بن زيد بن جابر الجد بن العجلاني.
6 - الخلاف: 5 / 8 مسألة 3.
7 - الخلاف: 5 / 9 مسألة 4.
495

إذا قذف زوجته بأن رجلا أصابها في دبرها حراما لزمه الحد، وله إسقاطه باللعان. و
به قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الحد بالرمي بالإصابة في هذا الموضع، بناه على أصله في أن
الحد لا يجب بهذا الفعل (1).
وصفة اللعان أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، ويوقفهما بين يديه، المرأة عن يمين
الرجل، موجهين إلى القبلة، ويقول للرجل: قل: أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من
الفجور لمن الصادقين، فإذا قال ذلك أمره أن يعيده تمام أربع مرات.
فإذا شهد الرابعة قال له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنته شديدة وعذابه أليم،
فإن كان حملك على ما قلت غيرة أو غيرها فراجع التوبة، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب
الآخرة.
فإن رجع عن قوله، جلده حد المفتري، وإن أصر على ما ادعى قال له: قل إن لعنة الله
علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قالها، أقبل على المرأة وقال لها: ما تقولين فيما رماك به.
فإن اعترفت رجمها، وإن أصرت على الإنكار، قال لها: قولي: أشهد بالله أنه فيما رماني
به لمن الكاذبين، فإذا قالت طالبها بإتمام أربع شهادات كذلك، فإذا شهدت الرابعة وعظها كما
وعظ الرجل، فإن اعترفت رجمها [181 / أ] وإن أصرت على الإنكار، قال لها: قولي: إن
غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإذا قالت ذلك، فرق الحاكم بينهما، ولم تحل له أبدا على
ما قدمناه.
ولفظ الشهادة وعددها والترتيب واجب في اللعان، فلو قال: أحلف بالله، أو أقسم
بالله، أو نقص شيئا من العدد، أو بدأ الحاكم بالمرأة أولا، لم يعتد باللعان، ولم يحصل الفرقة، و
إن حكم الحاكم بذلك، لأن ما قلناه مجمع على صحته وليس على صحة ما خالفه دليل.
ولأن ما عدا ما ذكرناه مخالف لظاهر القرآن، لأن الله تعالى ذكر لفظ الشهادة والعدد و
الترتيب من حيث أخبر أنها تدرأ عن نفسها العذاب، بلعانها، والمراد بالعذاب عندنا الحد، و
عند أبي حنيفة الحبس ولا يثبت واحد منهما إلا بلعان الزوج فصح ما قلناه (2).
يغلظ اللعان باللفظ والموضع والوقت والجمع، لأن ذلك يكون أردع وأخوف، وبه

1 - الخلاف: 5 / 19 مسألة 18.
2 - الغنية 379 - 380.
496

قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يغلظ بالحال ولا بالوقت ولا بالجمع (1).
ألفاظ اللعان معتبرة، فإن نقص منها شيئا لم يعتد باللعان، وإن حكم الحاكم بينهما لم
ينفذ الحكم. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا أتى بالأكثر وترك الأقل، وحكم الحاكم بينهما بالفرقة نفذ الحكم.
وإن لم يحكم به حاكم لم يتعلق به حكم اللعان، ولا يجوز عنده للحاكم أن يحكم بذلك (2).
الترتيب واجب فيه بلا خلاف، يبدأ بلعان الرجل ثم بلعان المرأة، فإن خالف الحاكم و
لاعن المرأة أولا وحكم بالتفرقة لم يعتد به، ولم تحصل الفرقة، لأن ذلك خلاف القرآن، وبه
قال الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: ينفذ حكمه ويعتد به (3).
فرقة اللعان على مذهبنا فسخ، وليس بطلاق. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: هي
طلقة بائنة. فعلى قولنا يتعلق به تحريم مؤبد، ولا يرتفع بحال، وعلى قول أبي حنيفة يحرم
العقد في الحال فإذا أكذب نفسه، أو جلد في حد، زال التحريم (4).
إذا أخل بترتيب الشهادة، فأتى بلفظ اللعن في خلال الشهادات أو قبلها، لم يصح ذلك،
رجلا كان أو امرأة. لأن الله تعالى شرط أن يأتي باللعن في الخامسة فإذا أتى به قبل ذلك لا
يعتد به. وللشافعي فيه وجهان (5).
وإذا بدل لفظ الشهادة بلفظ اليمين فقال: أحلف بالله، أو أقسم بالله، أو أولى بالله، لم يجزء
لأنه لا دلالة على ذلك. وللشافعي فيه وجهان (6)
إذا قذف زوجته برجل بعينه وجب عليه حدان فإذا لاعن سقط حق الزوجة ولم يسقط
حق الأجنبي [181 / ب] لأنه لا دلالة على سقوطه وقد انعقد الإجماع على ثبوت حقه، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: يسقط الحدان (7)
إذا حد للأجنبي، كان له أن يلاعن في حق الزوجة عندنا بدلالة عموم الآية وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يلاعن لأن المحدود في القذف لا يلاعن (8).
إذا حصلت البينونة بينهما باللعان لم يجب لها السكنى والنفقة. وقال الشافعي:

1 - الخلاف: 5 / 21 مسألة 21.
2 - الخلاف: 5 / 21 مسألة 22.
3 - الخلاف: 5 / 22 مسألة 23.
4 - الخلاف: 5 / 25 مسألة 26.
5 - الخلاف: 5 / 26 مسألة 27.
6 - الخلاف: 5 / 26 مسألة 28.
7 - الخلاف: 5 / 27 مسألة 29.
8 - الخلاف: 5 / 27 مسألة 30.
497

لها السكنى (1)
وإذا قال الرجل لامرأته: يا زان - بلا هاء التأنيث - كان قاذفا لها عند جميعهم إلا داود.
وإذا قالت المرأة للرجل: يا زانية. كانت قاذفة عند محمد والشافعي، وغير قاذفة عند
أبي حنيفة وأبي يوسف.
والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول إن علم من قصدهما القذف كانا قاذفين، وإن لم يعلم
يرجع إليهما في ذلك لأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب حكم القذف عليهما يحتاج إلى دليل (2).
إذا قال رجل لرجل: زنأت في الجبل. فظاهر هذا أنه أراد صعدت في الجبل، ولا يكون
صريحا في القذف، فإن ادعي عليه القذف كان القول قوله مع اليمين، فإن نكل ردت على
المقذوف، فإن حلف حد. وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: هو قذف و
بظاهره يجب الحد (3).
يعتبر في باب لحوق الأولاد إمكان الوطء ء، ولا يكفي التمكين فقط وقدرته. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المعتبر قدرته وتمكينه من الوطء ء د [و] ن إمكان الوطء ء، وعلى هذا
حكى الشافعي عنه ثلاث مسائل في القديم أحدها: إذا نكح رجل امرأته بحضرة القاضي
فطلقها في الحال ثلاثا، ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر فإن الولد يلحقه، ولا يمكنه نفيه
باللعان. والثانية: لو تزوج مغربي بمشرقية ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر، فإنه
يلحقه، وإن كان العلم حاصلا أنه لا يمكن وطؤها بعد العقد بحال. والثالثة إذا تزوج رجل
امرأة، ثم غاب عنها وانقطع خبره، فقيل لامرأته: أنه مات، فاعتدت وانقضت عدتها، و
تزوجت برجل فأولدها أولادا، ثم عاد الزوج الأول، فإن هؤلاء الأولاد كلهم للأول، ولا
شئ للثاني.
يدل على مذهبنا إنا ننفي عنه الولد بوجود اللعان من جهته، وإن جوزنا أن يكون منه
فمع حصول بالعلم أن الولد ليس منه أولى أن ننفيه عنه (4).

1 - الخلاف: 5 / 33 مسألة 38.
2 - الخلاف: 5 / 34 مسألة 41.
3 - الخلاف: 35 مسألة 42.
4 - الخلاف: 5 / 49 مسألة 70.
498

كتاب الجهاد
الردة
فصل في الردة
متى أظهر المرء الكفر بالله، أو برسوله، أو الجحد بما يعم فرضه والعلم به من دينه (عليه السلام)
[182 / أ]، كوجوب الصلاة والزكاة أو ما يجري مجرى ذلك، بعد إظهار التصديق به، كان مرتدا.
وهو على ضربين: أحدهما أن يكون مولودا على فطرة الإسلام، والثاني أن يكون
إسلامه بعد كفره.
فالأول تبين زوجته منه في الحال، ويقسم ماله بين ورثته، ويجب قتله من غير أن
يستتاب (1). وتعتد زوجته عدة الوفاة.
قال أبو حنيفة والشافعي ومالك وعامة الفقهاء: أنه يستتاب سواء كان مسلما في
الأصل أو كافرا فمتى لم يتب وجب قتله (2).
لنا بعد إجماع الإمامية ما رووه من قوله (عليه السلام): من بدل دينه فاقتلوه. وقوله: لا يحل دم
امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، و
لم يشترط الاستتابة، فمن اشترطها في هذا الموضع فعليه الدليل.
والثاني هو المرتد عن إسلام حصل بعد كفر فهذا يستتاب، فإن رجع إلى الإسلام، كان
العقد ثابتا بينه وبين زوجته، فإن أسلم ثم ارتد ثانية، قتل من غير أن يستتاب، ومتى لحق
بدار الحرب وعاد إلى الإسلام، والمرأة لم تخرج من عدتها كان أملك بها من غيره (3).
الموضع الذي قلنا أنه يستتاب، لم يحده أصحابنا بقدر، والأولى أن لا يكون مقدرا لأنه

1 - الغنية 380.
2 - الخلاف: 5 / 353 مسألة 3.
3 - الغنية 380.
499

لا دلالة عليه، وروي عن علي (عليه السلام) أن رجلا تنصر فدعاه وعرض عليه الرجوع إلى الإسلام
فلم يرجع، فقتله ولم يؤخر.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن يستتاب ثلاثا. وبه قال أحمد وهو ظاهر مذهب
أبي حنيفة. والآخر: يستتاب في الحال وإلا قتل وهو أصحهما (1).
والمرتد الذي يستتاب إذا لحق بدار الحرب لم يجر ذلك مجرى موته، ولا يتصرف في
ماله، ولا ينعتق مدبره ولا تحل الديون التي عليه، لأنه حي فلا يصح أن يجعل في حكم
الأموات بغير دلالة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجري ذلك مجري موته، تحل ديونه
وينعتق مدبره ويقسم ماله بين ورثته (2).
إذا مات المرتد، وخلف مالا، وله ورثة مسلمون ورثوه، سواء كان المال اكتسبه حال
الردة أو حال إسلامه، وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: يرث المسلمون ماله الذي اكتسبه حال حقن دمه، وهو حال إسلامه،
وما اكتسبه حال إباحة دمه فهو فئ. وقال الشافعي: الكل فئ ولا يرثه مسلم (3).
ولا تقتل المرأة بل تحبس حتى تسلم أو تموت في الحبس، وبه قال أبو حنيفة و
أصحابه، وقالوا: إن لحقت بدار الحرب فسبيت واسترقت [182 / ب]. ورووا عن علي (عليه السلام):
أنها تسترق. وبه قال قتادة.
وقال الشافعي: تقتل المرأة وإن لم ترجع، كما يقتل الرجل، وبه قال الحسن البصري. و
في الفقهاء مالك، وأحمد بن حنبل (4).
لنا بعد إجماع الإمامية ما رووه من نهيه (عليه السلام) عن قتل المرتدة، ونهيه عن قتل النساء و
الولدان، ولم يفصل (5).
وروى أصحابنا أن الزنديق - وهو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام - يقتل ولا تقبل
توبته (6)، لأنه دين مكتوم. وبه قال مالك. وقال الشافعي تقبل توبته. وعن أبي حنيفة
روايتان مثل قول مالك والشافعي (7).

1 - الخلاف: 5 / 356 مسألة 6.
2 - الخلاف: 5 / 360 مسألة 10.
3 - الخلاف: 5 / 358 مسألة 8.
4 - الخلاف: 5 / 351 مسألة 1.
5 - الغنية 381، وكان في النسخة: (ولم تقتل) بدل (ولا تقتل).
6 - الخلاف: 5 / 352 مسألة 2.
7 - الغنية: 381.
500

العدة
فصل في العدة
العدة على ضربين: عدة من طلاق أو ما يقوم مقامه، وعدة من موت أو ما يجري مجراه.
والمطلقة على ضربين: مدخول بها وغير مدخول بها، وغير المدخول بها لا عدة عليها
بلا خلاف.
والمدخول بها لا تخلوا إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن كانت حاملا، فعدتها أن تضع الحمل، حرة كانت أو أمة، بلا خلاف ممن يعتد به، و
قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (1) يدل على ذلك، ولا يعارض
هذه الآية قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} (2) لأن آية وضع
الحمل عامة في المطلقة وغيرها وناسخة لما تقدمها بلا خلاف، يبين ذلك أن قوله سبحانه: {و
المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} في غير الحوامل لأنه تعالى قال: {ولا يحل
لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} (3) ومن كانت مستبينة الحمل لا يقال فيها ذلك،
وإذا كانت خاصة في غير الحوامل لم يعارض آية الحمل، لأنها عامة في المطلقة وغيرها.
وإن كانت حائلا فلا تخلوا إما أن تكون ممن تحيض أم لا، فإن كانت ممن تحيض، فعدتها
إذا كانت حرة ثلاثة قروء بلا خلاف.
وإن كانت أمة فعدتها قرءان بلا خلاف إلا من داود فإنه قال عدتها، ثلاثة أقراء فإن

1 - الطلاق: 4.
2 - البقرة: 228.
3 - البقرة: 228.
501

أعتقت في العدة تممتها عدة الحرة (1)، وإن كان بائنا أكملت عدة الأمة وبه قال الشافعي في
القديم، وإن كان رجعيا فعلى قولين وقال في الجديد: إن كان رجعيا أكملت عدة الحرة وإن
كان بائنا فعلى قولين (2).
والقرء المعتبر، الطهر بين الحيضتين (3)، وبه قال عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت ومالك
والشافعي وأبو ثور، وقال قوم: هو الحيض، ورووه عن علي (عليه السلام) وعمر وابن مسعود وابن
عباس وأهل الكوفة وأبو حنيفة وأصحابه [183 / أ].
وحكي عن أحمد أنه قال: الأظهر عندي قول زيد بن ثابت أنه الطهر.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال لفاطمة بنت أبي حبيش (4):
صلي أيام أقرائك، يعني: أيام طهرك، والقرء في اللغة لفظة مشتركة بين الطهر والحيض وإذا
كان اللفظ مشتركا رجعنا في البيان إلى الشرع (5).
وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض، فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر بلا خلاف، وإن
كانت أمة فخمسة وأربعون يوما (6).
في الخلاصة: الأمة إذا اعتدت عن الطلاق بالأشهر ففيها ثلاثة أقوال: أحدها تعتد
بشهر ونصف لأن الشهر يتنصف وإن كان القرء لا يتنصف، والثاني إنها تعتد بشهرين بدلا
عن قرءين، والثالث مخرج أنها تعتد ثلاثة أشهر كما جعل الشافعي استبراء الأمة الآيسة في
قول ثلاثة أشهر وهي مدة استبانة الحمل غالبا.
وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر وليس في سنها من تحيض، فقد اختلف أصحابنا في
وجوب العدة عليها، فمنهم من قال: لا يجب، ومنهم من قال: يجب أن تعتد بالشهور، وهو
اختيار المرتضى (رضي الله عنه) وهي ثلاثة أشهر وبه قال جميع المخالفين، وطريقة الاحتياط تقتضي
ذلك، وأيضا قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن
ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} (7) وهذا نص، وقوله تعالى: {وإن ارتبتم} معناه على

1 - الغنية 381 - 382.
2 - الخلاف: 5 / 64 مسألة 14.
3 - الغنية 382.
4 - فاطمة بنت أبي حبيش واسمه قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي، تعد من النساء المهاجرات، روت
عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث الاستحاضة وروى عنها عروة بن الزبير. تهذيب التهذيب: 12 / 469 رقم 2861.
5 - الخلاف: 5 / 54 مسألة 2.
6 - الغنية 382.
7 - الطلاق: 4.
502

ما ذكر جمهور المفسرين: إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء، وغير عالمين بمقدارها، و
قد روي أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار و
الكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض} إلى قوله: {و
أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}. ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها آيسة من
المحيض أو غير آيسة لأنه تعالى قد قطع فيمن تضمنته الآية باليأس عن المحيض بقوله {و
اللائي يئسن} والمرتاب في أمرها لا تكون آيسة، وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة و
ارتفاعه إلى قولها، وكانت مصدقة فيما تخبر به من ذلك، وأخبرت بأحد الأمرين، لم يبق
للارتياب في ذلك معنى، وكان يجب لو كانت الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول (إن ارتبن) لأن
الحكم في ذلك يرجع إلى النساء ويتعلق بهن.
ولا يجوز أن يكون الارتياب ممن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها لأنه لا ريب في
ذلك من حيث كان [183 / ب] المرجع فيه إلى العادة، على أنه لا بد فيما علقنا به الشرط و
جعلنا الريبة واقعة فيه من مقدار عدة من تضمنته الآية من أن يكون مرادا من حيث لم يكن
معلوما قبل الآية، وإن كانت الريبة حاصلة فيه بلا خلاف تعلق الشرط به، واستقل بذلك
الكلام، ومع استقلاله يتعلق الشرط بما ذكرناه، لا يجوز أن يعلق بشئ آخر كما لا يجوز فيه لو
كان مستقلا باشتراطه (1).
وقال الشيخ في الخلاف: الأظهر من روايات أصحابنا، أن التي لم تحض ومثلها لا
تحيض، لا عدة عليها وإن كانت مدخولا بها. وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: تجب عليها
العدة بالشهور، وبه قال قوم من أصحابنا.
ويدل على الأول قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم
فعدتهن ثلاثة أشهر} فشرط الارتياب في إيجاب العدة ثلاثة أشهر، والريبة لا تكون إلا
فيمن تحيض مثلها (2).
وأما ما يقوم مقام الطلاق: فانقضاء أجل المتمتع بها، وعدتها قرءان إن كانت ممن
تحيض، وخمسة وأربعون إن كانت ممن لا تحيض (3).

1 - الغنية 382 - 383.
2 - الخلاف: 5 / 53 مسألة 1.
3 - الغنية 383.
503

الحرة إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها. وللشافعي فيه قولان:
أحدهما ما قلناه. والثاني: لا تنقضي حتى يمضي الدم يوما وليلة (1).
أقل ما يمكن أن ينقضي به عدد ذوات الأقراء ستة وعشرون يوما ولحظتان، لما دللنا
عليه من أن الأقراء الأطهار، وإن أقل الحيض ثلاثة أيام، وأقل الطهر عشرة أيام. فإذا ثبت
ذلك، فإذا طلقها قبل حيضها بلحظة، ثم حاضت ثلاثة أيام ثم طهرت عشرة أيام ثم [حاضت
ثلاثة أيام ثم طهرت عشرة أيام ثم] رأت الدم لحظة فقد مضى ثلاثة أقراء.
وقال الشافعي: أقل ما يمكن اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، لأن أقل الحيض عنده يوم
وليلة وأقل الطهر خمسة عشر يوما.
وقال أبو يوسف ومحمد: أقل ذلك تسعة وثلاثون يوما ولحظتان، لأن أقل الحيض
ثلاثة أيام وأقل الطهر خمسة عشر يوما عندهما، والأقراء: الحيض.
وقال أبو حنيفة: أقله ستون يوما ولحظة، لأنه يعتبر أكثر الحيض وأقل الطهر، وأكثر
الحيض عنده عشرة أيام وأقل الطهر خمسة عشر يوما (2).
إذا طلقها وهي حامل، فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن عدتها لا تنقضي
حتى تضع الثاني منهما، بدلالة قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن} (3) وبه قال أبو حنيفة ومالك، والشافعي وعامة الفقهاء [184 / أ].
وقال عكرمة: تنقضي عدتها بوضع الأول.
وقد روى أصحابنا: أنها تبين بوضع الأول، غير أنها لا تحل للأزواج حتى تضع الثاني و
المعتمد هو الأول (4).
إذا خلا بها ولم يدخل بها، لم تجب عليها العدة، ولا يجب لها المهر على أكثر روايات
أصحابنا، إن كان هناك ما يعتبر به عدم الوطء ء بأن تكون المرأة بكرا فتوجد بحالها وإن كانت
ثيبا حكم في الظاهر بالإصابة، ولا يحل لها جميع الصداق إلا بالوطء.
وقال أبو حنيفة: الخلوة كالإصابة على كل حال، وللشافعي في ذلك قولان: قال في
القديم: للخلوة تأثير، قال بعض أصحابه: أنه أراد بذلك أنها بمنزلة الإصابة مثل قول أبي

1 - الخلاف: 5 / 56 مسألة 3.
2 - الخلاف: 5 / 56 مسألة 4.
3 - الطلاق: 4.
4 - الخلاف: 5 / 60 مسألة 8.
504

حنيفة. وقال بعضهم: أراد بذلك ما قال مالك من أنه يرجح بها قول من يدعي الإصابة و
لا يستقر به المهر وهو المذهب عندهم (1).
والمتوفى عنها زوجها إن كانت حرة حائلا، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء
كانت صغيرة أو كبيرة، مدخولا بها أو غير مدخول بها، بلا خلاف، وقد دخل في ذلك المطلقة
طلاقا رجعيا إذا توفي زوجها وهي في العدة، لأنها زوجته وهذه عدة المتمتع بها إذا توفي
زوجها قبل انقضاء أيامها، وعدة أم الولد إذا مات سيدها، وعدتها لو زوجها سيدها وتوفي
زوجها.
وإن كانت الوفاة بعدما ما انقضت أيام المتمتع بها، فعدتها شهران وخمسة أيام إذا كانت
في العدة (2).
وفي هذه خلاف والأظهر أنها إذا انقضت أيامها بانت منه وعدتها قرءان.
وهذه عدة الزوجة إذا كانت أمة، فإن أعتقها وهي في العدة فعليها أن تكمل عدة
الحرة (3).
والاعتبار في العدة بالأيام لا بالليالي عندنا، فإذا غربت الشمس من اليوم العاشر
انقضت العدة، وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنه قال: تنقضي بطلوع الفجر من اليوم
العاشر، ويدل على ما قلناه أن ما اعتبرناه مجمع على انقضاء عدتها به، وما ذكره ليس عليه
دليل. وأيضا: فإن الليالي إذا أطلقت فإنما يراد بها الليالي بأيامها (4).
المدبرة إذا مات عنها سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشرا، فإن أعتقها في حال حياته ثم
مات عنها اعتدت ثلاثة أقراء.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن المدبرة لا عدة عليها بموت سيدها ولا استبراء.
فأما أم الولد فإنها تعتد بثلاثة أقراء، سواء مات عنها سيدها أو أعتقها في حال حياته،
ولا تجب عليها عدة الوفاة.
وقال الشافعي: المدبرة وأم الولد والمعتقة في حال الحياة استبرأت بقرء واحد (5).

1 - الخلاف: 5 / 61 مسألة 10.
2 - الغنية 383 - 384. وفيها: (سواء كانت في العدة أم لا) بدل: (إذا كانت في العدة).
3 - الغنية 384.
4 - الخلاف: 66 مسألة 18.
5 - الخلاف: 5 / 79 مسألة 35.
505

أم الولد [184 / ب] إذا زوجها سيدها من غيره ثم مات زوجها، وجب عليها أن تعتد
أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء مات سيدها في أثناء تلك العدة أو لم يمت.
وقال الشافعي: عدتها شهران وخمس ليال. فإن مات سيدها في أثناء عدتها، فهل
تكمل عدة الحرة؟ فيه قولان (1).
وإن كان المتوفى عنها زوجها حاملا، فعليها أن تعتد عندنا خاصة بأبعد الأجلين، فإن
وضعت قبل انقضاء الأيام المعينة لها لم تنقض عدتها حتى تكمل تلك المدة، وإن كملت قبل
وضع الحمل لم تنقض عدتها حتى تضع (2) وبه قال علي (عليه السلام) وابن عباس.
وقال جميع الفقهاء: عدتها وضع الحمل.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (3) ولم يفصل، فإذا وضعت قبل ذلك وجب عليها
تمام ذلك بحكم الآية، فإذا ثبت ذلك ثبتت المسألة الأخرى لأنها مجمع عليها، وهو أنه إذا
مضى بها الأشهر الأربعة وعشرة الأيام يجب عليها أن تنتظر وضع الحمل (4). وأيضا: إذا
كانت العدة عبادة تستحق عليها الثواب والثواب، فيما ذهبنا إليه أوفر، لأن المشقة فيه أكثر،
كان أولى، وقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} (5) معارض بقوله
سبحانه: {والذين يتوفون منكم} الآية (6)، مع أنها مخصوصة بالمطلقات لأنها نزلت
فيهن وسياق ما قبلها من الآيات يدل على ما قلنا.
وأما ما يجري مجرى الموت فشيئان:
أحدهما: غيبة الزوج، التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا، فإنها إذا لم تختر الصبر على
ذلك، ورفعت أمرها إلى الإمام، ولم يكن له ولي يمكنه الإنفاق عليها، فيلزمه ذلك، حتى يجب
عليها الصبر، ويبعث الإمام من يتعرف خبره في الآفاق، فإن لم يعرف له خبرا حتى انقضت
أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام، فعدتها عدة المتوفى عنها زوجها (7).
وقال الشيخ في الخلاف: إنها تصبر أربع سنين، ثم يرفع خبرها إلى الإمام لينفذ من

1 - الخلاف: 5 / 80 مسألة 38.
2 - الغنية 384.
3 - البقرة: 234.
4 - الخلاف: 5 / 67 مسألة 19.
5 - الطلاق: 4.
6 - البقرة: 234.
7 - الغنية 384 - 385.
506

يتعرف خبر زوجها في الآفاق، فإن عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج، وإن لم يعرف
أمر وليه أن ينفق عليها، فإن أنفق فلا طريق لها إلى التزويج، وإن لم يكن له ولي أمرها أن تعتد
عدة المتوفى عنها زوجها، وتحل للأزواج.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم: تصبر أربع سنين، ثم ترفع أمرها إلى الحاكم حتى
يفرق بينهما، ثم تعتد [185 / أ] عدة المتوفى عنها زوجها وتحل للأزواج، وروي ذلك عن عمر
[وابن عمر] وابن عباس ومالك وأحمد، وظاهر كلام الشافعي يدل على أن مدة التربص
تكون من حين الفقد والغيبة. وأصحابه يقولون: من حين ما ترفع أمرها إلى الإمام ويضرب
لها المدة. وقال في الجديد: إنها على الزوجية أبدا لا تحل للأزواج إلى أن تتيقن وفاته وهو
أصح القولين عندهم. وروي ذلك عن علي (عليه السلام) وبه قال أبو حنيفة وأهل الكوفة (1).
امرأة المفقود إذا اعتدت وتزوجت، ثم جاء الأول، فإنه لا سبيل له عليها، وإن لم تكن
قد تزوجت بعد - وإن خرجت من العدة - فهو أولى بها، وهي زوجته. وبه قال قوم من
أصحاب الشافعي إذا نصروا قوله القديم. والذي عليه عامة أصحابه أنها بانقضاء العدة تملك
نفسها ولا سبيل للزوج عليها. وإن كانت تزوجت فالثاني أولى بها وهي زوجته، هذا على
قوله: إن حكم الحاكم ينفذ في الظاهر والباطن، فأما على قوله إن حكم الحاكم ينفذ في
الظاهر، فإنها ترد إلى الأول على كل حال (2).
أقل الحمل ستة أشهر بلا خلاف، وأكثره عندنا تسعة أشهر. وروي في بعض الأخبار سنة.
وقال الشافعي: أكثره أربع سنين، و [ذهب] (3) الزهري وربيعة والليث بن سعد (4)
[إلى أن] أكثره سبع سنين. وعن مالك روايات، المشهور منها ثلاث وروي خمس وسبع.
وقال أبو حنيفة والمزني: أكثره سنتان (5).
والثاني: الارتداد عن الإسلام على الوجه الذي لا تقبل التوبة منه، وأما ما تصح التوبة
منه فقد روي أن عدته ثلاثة أشهر.
وحكم المعتدة في الطلاق الرجعي أن لا تخرج من بيت مطلقها إلا بإذنه، ولا يجوز له

1 - الخلاف: 5 / 77 مسألة 33.
2 - الخلاف: 5 / 78 مسألة 34.
3 - من الخلاف وفي النسخة: وبه قال الزهري....
4 - الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، روى عن: إبراهيم بن أبي عبلة، وروى عنه: أحمد بن
عبد الله بن يونس. ولد سنة (94) وتوفي سنة (175). تهذيب الكمال: 24 / 255 رقم 5016.
5 - الخلاف: 5 / 88 مسألة 52.
507

إخراجها منه إلا أن تؤذيه، أو تأتي فيه بما يوجب الحد، فيخرجها لإقامته ويردها، ولا تبيت
إلا فيه، ولا يردها إذا أخرجها للأذى، وروي أن أقل ما يحصل به الأذى أن تخاصم أهل الرجل.
وتجب النفقة في عدة الطلاق الرجعي بلا خلاف، ولا تجب في عدة البائن لأن الأصل
براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل إلا أن تكون حاملا، فإن النفقة تجب لها بلا خلاف، لقوله
تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} (1).
ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا أنفق عليها
عندنا خاصة من مال ولدها، حتى تضع الحمل (2).
وقال الشيخ في الخلاف: لا تجب النفقة للمتوفى عنها زوجها سواء كانت حاملا أو
حائلا بلا خلاف إلا أن أصحابنا رووا أنها إذا كانت حاملا [185 / ب] أنفق عليها من نصيب
ولدها الذي في جوفها ولم ذلك يذكر أحد من الفقهاء. وروي عن بعض الصحابة: أن لها
النفقة، ولم يفصل (3).
وكما أنها لا تستحق النفقة بلا خلاف، فعندنا لا تستحق السكنى أيضا. ورووا ذلك عن
علي (عليه السلام) وابن عباس وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه. والقول الثاني:
أنها تستحق السكنى. رووا ذلك عن عمر وعثمان وابن مسعود وهو قول مالك وعامة أهل
العلم وهو أصح القولين عندهم (4).
وأما المطلقة البائنة فلا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا. وبه قال عبد الله بن
عباس وجابر وأحمد بن حنبل. وقال الشافعي: لا تستحق النفقة وتستحق السكنى. وبه قال
ابن مسعود ومالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لها النفقة والسكنى معا (5).
والفاحشة التي تحل إخراج المطلقة من بيت زوجها أن تشتم أهل الزوج وتؤذيهم و
تبدأ عليهم. وبه قال ابن عباس وهو مذهب الشافعي.
وقال ابن مسعود أن تزني، فتخرج وتحد، ثم ترد إلى موضعها. وبه قال الحسن.
يدل على المسألة أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخرج فاطمة بنت قيس (6) لما بذت على سب أحمائها

1 - الطلاق: 6.
2 - الغنية 385.
3 - الخلاف: 5 / 68 مسألة 20.
4 - الخلاف: 5 / 71 مسألة 24.
5 - الخلاف: 5 / 69 مسألة 22.
6 - فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر بن وهب القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس انظر ترجمتها في أسد الغابة:
6 / 230 رقم 7185.
508

وشتمهم (1).
وتبيت المتوفى عنها زوجها حيث شاءت، ويلزمها الحداد بلا خلاف، وهو اجتناب
الزينة في الهيئة ومس الطيب واللباس، ولا يلزم المطلقة وإن كانت بائنة (2).
يلزم المتوفى عنها زوجها الحداد في جميع العدة، وبه قال جميع الفقهاء إلا الشعبي
والحسن البصري فإنهما قالا: لا يلزمها الحداد في جميع العدة، وإنما يلزمها في بعضها.
يدل على المسألة بعد إجماع الإمامية قول النبي (عليه السلام): لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشرا (3).
ولا يلزم المطلقة البائنة الحداد. وللشافعي قولان: أحدهما: يجب عليها الإحداد
وبه قال أبو حنيفة، وظاهر قوله الجديد أنه لا يجب عليها الإحداد ويستحب لها
ذلك (4).
وإذا كانت صغيرة فيكون عليها الحداد بلا خلاف وينبغي لوليها أن يجنبها ما يجب على
الكبيرة اجتنابه في الإحداد. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا إحداد عليها.
ويدل على المسألة عموم الخبر في وجوب الإحداد على الزوجات. وروي أن امرأة
أتت النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها. أفنكحلها.
فقال: لا. [186 / أ] ولم يسألها أهي كبيرة أم صغيرة (5).
وتلزم عدة الوفاة للغائب عنها زوجها من يوم يبلغها الخبر بلا خلاف من أصحابنا،
ولأن العدة عبادة المرأة فلا تصح إلا بالنية في ابتدائها (6) وبه قال علي (عليه السلام)، وهذا حكم العدة
من الطلاق على خلاف بين أصحابنا. وذهب قوم إلى أن عدتها من يوم مات، سواء بلغها بخبر
واحد أو متواتر. وبه قال ابن عمر وابن عباس وابن مسعود ومالك وأبو حنيفة والشافعي،
وقال عمر بن عبد العزيز (7): إن ثبت ذلك بالنية، فالعدة من حين الموت وإن ثبت بالخبر فمن
حين الخبر (8).

1 - الخلاف: 5 / 70 مسألة 23.
2 - الغنية 385.
3 - الخلاف: 5 / 72 مسألة 26.
4 - الخلاف: 5 / 73 مسألة 27.
5 - الخلاف: 5 / 73 مسألة 28.
6 - الغنية: 386.
7 - بن مروان بن الحكم أبو حفص الخليفة الأموي ولد سنة (63) ومات (101). تهذيب التهذيب: 7 / 418 رقم 791.
8 - الخلاف: 5 / 62 مسألة 11.
509

فصل في أحكام الأولاد
السنة في المولود أن يحنك عند وضعه بماء الفرات إن وجد أو بماء عذب، فإن لم يوجد إلا
ملحا، جعل فيه عسل أو تمر، وأن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى.
وأن يحلق رأسه في اليوم السابع، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، وأن يختن، و
يسمى بأحسن الأسماء، وأفضلها اسم النبي (عليه السلام) أو أحد الأئمة من أهل بيته.
وأن يعق في هذا اليوم عن الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى، ويعطي القابلة ربع
العقيقة، ويكون ذلك الورك بالرجل، إلا أن تكون ذمية فإنها لا تعطى من اللحم شيئا بل
تعطى قيمته. ويطبخ الباقي من اللحم، ويدعى إلى تناوله جماعة من فقراء المؤمنين، وإن فرق
اللحم عليهم جاز، والأفضل الأول، ولا يأكل الأبوان من العقيقة شيئا.
ولا خلاف بين أصحابنا في ذلك [كله] إلا [في] العقيقة، فإن منهم من يقول: إنها واجبة.
ومنهم من يقول: إنها سنة مؤكدة.
ولا تجبر الحرة على إرضاع ولدها، وتستحق الأجرة على أبيه، فإن كان قد مات
استحقته من مال الولد، وهي أحق برضاعته، إلا أن تطلب من الأجر أكثر مما رضي به
غيرها.
المطلقة أحق بالولد الذكر من الأب مدة الرضاع، وبعدها الأب أحق به، فإن كان ال‍ [- ولد] أنثى فالأم أحق بها إلى سبع سنين، إلا أن تتزوج، فيكون الأب أحق على كل حال،
كل ذلك بدليل إجماع الإمامية.
واعلم أن أقل الحمل ستة أشهر، لقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} (1) و
قوله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وأكثره
في غالب العادة تسعة أشهر، بلا خلاف، وينضاف إلى ذلك أشهر الريب، وهي ثلاثة أشهر، و
هي أكثر أيام الطهر بين الحيضتين، فتصير أكثر مدة الحمل سنة [186 / ب] بدليل إجماع
الإمامية ولأن ما ذهبنا إليه من أكثر مدة الحمل مجمع عليه، وليس على قول من ذهب إلى أن
أكثره سنتان، أو أربع، أو سبع، دليل (2)، وقد ذكرنا من قبل (3) مذهب المخالفين في هذه المسألة

1 - الأحقاف: 15.
2 - الغنية 387.
3 - ص 642.
510

وأسمائهم فلم نطل الكلام بذكرهم مرتين.
وعلى ما ذكرناه فإذا طلق الرجل زوجته، أو مات عنها، وتزوجت وجاءت بولد
لستة أشهر فصاعدا من يوم دخل الثاني بها فهو لاحق به، وإن أتت لأقل من ستة أشهر الحق
بالأول إن كانت مدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها، وإن كانت مدة ذلك أكثر من سنة لم
يلحق به، ولا يحل للرجل الاعتراف بالولد في الموضع الذي قلناه لأنه لا يلحق به فيه (1).
في الخلاف للشيخ: ليس للرجل أن يجبر زوجته على إرضاع ولدها شريفة كانت أو
مشروفة، موسرة كانت أو معسرة، لأنه لا دليل عليه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: له إجبارها إذا كانت معسرة دنية، وليس له ذلك إذا كانت شريفة موسرة.
وقال أبو ثور: له إجبارها عليه بكل حال لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} و
هذا خبر معناه الأمر (2).
والبائن إذا كان لها ولد يرضع، ووجد الزوج من يرضعه تطوعا، وقالت الأم: أريد
أجرة المثل، كان له نقل الولد عنها لقوله تعالى: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} (3) وبه
قال أبو حنيفة وقوم من أصحاب الشافعي. ومنهم من قال: المسألة على قولين: أحدهما:
ما قلناه. والثاني: ليس له نقله عنها، ويلزمه أجرة المثل. وهو اختيار أبي حامد (4).
وإذا بانت المرأة من الرجل، ولها ولد منه، وإن كان طفلا لا يميز فهي أحق به
بلا خلاف، وإن كان طفلا لا يميز - وهو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فما فوقها إلى حد البلوغ
- فإن كان ذكرا فالأب أحق به، وإن كان أنثى فالأم أحق به ما لم تتزوج، فإن تزوجت فالأب
أحق بها.
ووافقنا أبو حنيفة في الجارية. وقال في الغلام: الأم أحق به حتى يبلغ حدا يأكل و
يشرب ويلبس بنفسه فيكون أبوه أحق به.
وقال الشافعي: يخير بين أبويه، فإن اختار أحدهما سلم إليه. وبه قال علي (عليه السلام) فيما
رووه.
وقال مالك: إن كانت جارية فأمها أحق بها حتى تبلغ وتتزوج ويدخل بها الزوج، و

1 - الغنية 387.
2 - الخلاف: 5 / 129 مسألة 33.
3 - الطلاق: 6.
4 - الخلاف: 5 / 130 مسألة 34.
511

إن كان غلاما فأمه أحق به حتى يبلغ (1).
وإذا تزوجت الأم [187 / أ] سقط حقها من حضانة الولد. وبه قال أبو حنيفة ومالك و
الشافعي. وقال الحسن البصري: لا يسقط حقها بالنكاح.
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني، فقال لها
رسول الله: أنت أحق به ما لم تنكحي (2).
وإذا طلقها زوجها عاد حقها من الحضانة، لأن النبي (عليه السلام) علق ذلك بالتزويج، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك: لا يعود لأن النكاح أبطل حقها (3).
وإذا طلقها طلقة رجعية، لم يعد حقها، وإن طلقها بائنا عاد، بدلالة أن الرجعية في
حكم الزوجة، وبه قال أبو حنيفة والمزني. وقال الشافعي: يعود على كل حال (4).
فصل في النفقات
نفقة الزوجات مقدرة، وهي مد، قدره رطلان وربع.
وقال الشافعي: إن كان الزوج موسرا فمدان، وإن كان متوسطا فمد ونصف، وإن كان
معسرا فمد واحد، والاعتبار بالزوج، والمد عنده رطل وثلث.
وقال مالك: نفقة الزوجة غير مقدرة، بل عليه لها الكفاية، والاعتبار بها لا به.
وقال أبو حنيفة: نفقتها غير مقدرة والاعتبار بقدر كفايتها كنفقة الأقارب والاعتبار
بها لا به (5).
وإذا كان الزوج كبيرا، والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها، فلا نفقة لها، لأن الأصل براءة
الذمة ولا دليل على وجوب نفقتها عليه، وبه قال أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي
الصحيح عندهم. والقول الآخر أن لها النفقة (6).
وإذا كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرا فلا نفقة لها وإن بذلت التمكين. وهو أحد قولي

1 - الخلاف: 5 / 131 مسألة 36.
2 - الخلاف: 5 / 132 مسألة 38.
3 - الخلاف: 5 / 133 مسألة 39.
4 - الخلاف: 5 / 134 مسألة 40.
5 - الخلاف: 5 / 112 مسألة 3.
6 - الخلاف: 5 / 113 مسألة 4.
512

الشافعي، والأصح أن لها النفقة وبه قال أبو حنيفة (1).
وإذا كانا صغيرين فلا نفقة لها وللشافعي قولان (2)
إذا صامت تطوعا، فإن طالبها بالإفطار فامتنعت كانت ناشزة وتسقط نفقتها. و
للشافعي فيه وجهان (3).
وإذا نشزت سقطت نفقتها اتفاقا (4).
وإذا أعسر الزوج فلم يقدر على النفقة على زوجته لم تملك الزوجة الفسخ وعليها أن
تصبر إلى أن ييسر بدلالة الأخبار الواردة في ذلك، وقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة} (5) ولم يفصل، وقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من
فضله} (6) فندب الفقراء إلى النكاح، وإليه ذهب الزهري وعطاء وأهل الكوفة وابن شبرمة
وابن أبي ليلى وأبو حنيفة.
وقال الشافعي: هي مخيرة بين أن تصبر حتى إذا أيسر [187 / ب] استوفت ما اجتمع
لها، وبين أن تختار الفسخ، فيفسخ الحاكم بينهما.
وهكذا إذا أعسر بالصداق قبل الدخول، فالاعسار عيب فلها الفسخ، وبه قال سعيد
بن المسيب وعطاء وحماد وربيعة ومالك وأحمد وإسحاق (7).
ومن وجب إخدامها من الزوجات، فلا يجب عليه أكثر من خادم واحد، لأن ذلك مجمع
عليه، وما زاد على واحد ليس عليه دليل. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كانت من أهل الحشم والخدم، ومثلها لا تقتصر على خادم واحد، فعلى
الزوج أن يخدمها بقدر حالها ومالها (8).
في الخلاصة: لخادمتها كل يوم على الموسر مد وثلث ومن الأدم ما يشبه ذلك، وعلى
المتوسط والمعسر جميعا مد واحد إذ لا أقل منه، ولا تفرد الخادمة باللحم، وللمخدومة في كل
جمعة رطلان، وليس عليه إلا نفقة خادمة واحدة وله إخراج من زاد على الواحدة وتعيين
تلك الواحدة إليها، وأما الكسوة وهو من اللبس الحسن في حق الموسر، ولا بد من الفراش، و

1 - الخلاف: 5 / 113 مسألة 5.
2 - الخلاف: 5 / 113 مسألة 6.
3 - الخلاف: 5 / 115 مسألة 10.
4 - الخلاف: 5 / 115 مسألة 11.
5 - البقرة: 280.
6 - النور: 32.
7 - الخلاف: 5 / 117 مسألة 15.
8 - الخلاف: 5 / 111 مسألة 2.
513

يفرض لمشطها ودهنها شيئا، ولا يجب للخادمة ثمن المشط والدهن، ويفرض خفا وليس
ذلك للعروس، فإن أعسر بنفقة الخادمة صارت دينا عليه ولا خيار لها في فسخ النكاح.
وفيه أيضا: إذا أعسر بنفقة الزوجة أمهل ثلاثة أيام ولها الخروج في تلك الأيام لطلب
نفقتها فإن أنفق عليها يوم الثالث وعجز يوم الرابع لم تستأنف الثلاثة ولكن يبنى عليها فإذا تم
عجزه في ثلاثة أيام فلها الفسخ في أشهر القولين كما لها الفسخ إذا كان عنينا.
فأما نفقة الولد، فإنها تجب على الوالد (إن كان الولد معسرا) فإن لم يكن [الوالد]، أو
كان وهو معسر فعلى جده، فإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى أب الجد وعلى هذا أبدا.
بدلالة الظواهر الواردة في وجوب النفقة على الولد، فإن ولد الوالد يسمى ولدا والجد يسمى
أبا فإن الله تعالى يقول: {يا بني آدم} (1) وقال: {ملة أبيكم إبراهيم} (2)، {واتبعت ملة
آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} (3) فسماهم آباء. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: النفقة على أبيه، فإن لم يكن أو كان وهو معسر لم تجب على جده، لأن
النسب قد بعد (4).
وإذا لم يكن أب ولا جد، أو كانا وكانا معسرين، فنفقته على أمه. بدلالة عموم الأخبار
الواردة في وجوب النفقة على الولد، ويدخل في ذلك الآباء والأمهات، وإنما قدمنا الآباء
بدليل الإجماع. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: لا يجب على الأم الإنفاق لقوله تعالى [188 / أ]: {فآتوهن أجورهن} (5)
فالخطاب منصرف إلى الآباء.
وقال أبو يوسف ومحمد: عليها أن تنفق، لكن تتحملها عن (6) الأب فإذا أيسر بها
رجعت عليه بما أنفقت (7).
إذا اجتمع جد - أبو أب وإن علا - وأم، كانت النفقة على الجد دون الأم، لأنا قد بينا أن
الجد يتناوله اسم الأب، والأب أولى بالنفقة على ولده من الأم بلا خلاف. وبه قال أبو

1 - الأعراف: 26.
2 - الحج: 78.
3 - يوسف: 38.
4 - الخلاف: 5 / 120 مسألة 19، وما بين القوسين في أول المسألة لم يرد في الخلاف.
5 - الطلاق: 6.
6 - كذا في الخلاف، وفي النسخة: لتحملها على.
7 - الخلاف: 5 / 120 مسألة 20.
514

يوسف، ومحمد، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: النفقة بينهما، على الأم الثلث، وعلى الجد الثلثان بحسب الميراث (1).
تجب النفقة على الأب والجد معا. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة. وقال مالك: لا تجب
النفقة على الجد، كما لا تجب على الجد النفقة عليه (2).
ويجب عليه أن ينفق على أمه وأمهاتها وإن علون. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي. و
قال مالك: لا يجب عليه أن ينفق على أمه.
ويدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي أن رجلا قال: يا رسول الله من أبر
قال: أمك. ثم قال: من. قال: أمك. ثم قال: من. قال: أمك. ثم قال: من. قال: أباك، فجعل
الأب في الرابعة (3).
الوالد إذا كان كامل الأحكام، مثل أن يكون عاقلا، وكامل الخلقة، بأن لا يكون زمنا،
إلا أنه فقير محتاج، وجب على ولده أن ينفق عليه. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: ما قلناه. و
الثاني: لا يجب (4).
وكذا الولد إذا كان كامل الأحكام والخلقة، وكان معسرا، وجب على والده أن ينفق
عليه.
وللشافعي فيه طريقان: منهم من قال على قولين كالأب، ومنهم من قال: ليس عليه أن
ينفق عليه قولا واحدا، لأن حرمة الأب أقوى (5).
اختلف الناس في وجوب نفقة الغير على الغير بحق النسب على أربعة مذاهب.
فأضيقهم قولا مالك، لأنه يقف على الوالد والولد، ينفق كل واحد منهما على صاحبه، و
لا يتجاوزه.
ويليه مذهب الشافعي، فإنه قال: يقف على الوالدين والمولودين، ولا يتجاوز، فعلى
كل أب - وإن علا -، وكل أم - وإن علت -، وكذا كل جد من قبلها وجدة، أو من قبل الأب، و
على المولودين كانوا من ولد البنين أو البنات - وإن سفلوا - فالنفقة تقف على هذين
العمودين، ولا تتجاوز.

1 - الخلاف: 5 / 122 مسألة 21.
2 - الخلاف: 5 / 123 مسألة 23.
3 - الخلاف: 5 / 123 مسألة 24.
4 - الخلاف: 5 / 123 مسألة 25.
5 - الخلاف: 5 / 123 مسألة 26.
515

ويليه مذهب أبي حنيفة فإنه قال: تتجاوز عمود الوالدين والمولودين، ويدور على كل
ذي رحم محرم بالنسب، فيجب على الأخ لأخيه دون أولاده، والأعمام والعمات والأخوال و
الخالات دون أولادهم.
والرابع: هو مذهب عمر بن الخطاب [188 / ب] وهو أعم الناس قولا - لأنه قال تجب
على من عرف بقرابته.
والذي يقتضيه مذهبنا ما قال الشافعي لعموم أخبارنا الواردة في أن النفقة تجب على
الوالدين والولد، وذلك متناول لهذين العمودين، وإن كان قد روي في بعضها أن كل من ثبت
بينهما موارثة تجب نفقته، وذلك محمول على الاستحباب.
ويمكن نصرة هذه الرواية بقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} (1) فأوجب على
الوارث مثل ما أوجب على الوالد.
ويدل على الأول ما روى أبو هريرة أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله عندي
دينار. فقال: أنفقه على نفسك، قال: عندي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: عندي آخر قال:
أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أعلم، و
في بعضها: أنفقه في سبيل الله وذلك أيسر (2).

1 - البقرة: 233.
2 - الخلاف كتاب: 5 / 127 مسألة 31.
516

العتق والتدبير والمكاتبة
فصل في العتق والتدبير والمكاتبة
لا يصح العتق إلا من كامل العقل غير مولى على مثله، مختار له، قاصد إليه، متلفظ
بصريحه، مطلق له من الشروط، موجه به إلى مسلم أو من هو في حكمه، متقرب به إلى الله
تعالى.
فلا يقع العتق من طفل، ولا مجنون، ولا سكران، ولا محجور عليه، ولا مكره، ولا ساه،
ولا حالف، ولا بالكتابة أو الإشارة مع القدرة على النطق باللسان، ولا بكنايات العتق كقوله:
أنت سائبة، أو: لا سبيل لي عليك، ولا بقوله: إن فعلت كذا فعبدي حر، ولا بكافر، و
لا للأغراض الدنيوية من نفع أو دفع ضرر أو إضرار.
يدل على وجوب اعتبار هذه الشروط إجماع الإمامية وأيضا فلا خلاف في صحة
العتق مع تكاملها، ولم يقم بصحته مع اختلال بعضها دليل (1).
العتق لا يقع إلا بقوله: أنت حر، مع القصد إلى ذلك والنية، ولا يقع بشئ من الكنايات
كقوله: أنت سائبة أو لا سبيل لي عليك، نوى بذلك العتق أو لم ينو.
وقال الفقهاء: إذا قال: أنت حر، وقع العتق وإن لم ينو، وإن قال: أنت سائبة، أو لا سبيل
لي عليك، وكل ما كان صريحا في الطلاق فهو كناية في العتق، إن نوى العتق أو لم ينو لم يقع
العتق (2).

1 - الغنية 388.
2 - الخلاف: 6 / 372 مسألة 14، وفيه: فهو صريح في العتق فإن نوى العتق عتق وإن لم ينو لم ينعتق.
517

ولا يقع العتق بشرط، ولا بصفة، ولا بيمين. وخالف جميع الفقهاء في ذلك (1).
إذا قال: كل عبد أملكه فهو حر، أو قال: إن ملكت هذا فهو حر ثم ملك لم ينعتق، و
كذلك إن قال: كل عبد تلد أمتي فهو حر ثم حملت فلا ينعتق، ووافقنا الشافعي في الأول
[189 / أ] وقال في الثاني قولان، وقال: أبو حنيفة: ينعتق إذا ملك (2).
في البداية للحنفية: إذا قال لعبده أو أمته: أنت حر أو معتق أو عتيق أو محرر أو قد
حررتك أو أعتقتك فقد عتق نوى به العتق أو لم ينو، وكذلك لو قال: رأسك حر أو وجهك، أو
رقبتك، أو بدنك، أو قال لأمته: فرجك حر، وإن قال: لا ملك لي عليك، ونوى به الحرية
عتق، وإن لم ينو لم يعتق، وكذا كنايات العتق، وإن قال: لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم
يعتق، وإن قال: هذا ابني وثبت على ذلك أو قال: هذا مولاي أو يا مولاي عتق، وإن قال:
يا بني أو يا أخي لم يعتق، وإن قال لأمته: أنت طالق أو بائن أو اعتدى ونوى العتق لم يعتق (3).
وفيه في باب الحلف بالعتق: ومن قال: إذا دخلت الدار فكل مملوك لي يومئذ فهو حر و
ليس له مملوك فاشترى مملوكا ثم دخل عتق، ولو لم يكن قال في يمينه يومئذ لم يعتق (4).
وإذا أعتق مالك العبد نصفه أو ربعه، أو ما زاد على ذلك، أو نقص منه، عتق الجميع (5).
في البداية: إذا أعتق المولى بعض عبده عتق ذلك البعض، ويسعى في بقية قيمته لمولاه و
قالا: يعتق كله (6).
وفيه: من أعتق عبده لوجه الله أو للشيطان أو للصنم عتق، وعتق المكره والسكران
واقع، وإن أضاف العتق إلى جزء أو شرط صح كما في الطلاق (7).
وإن كان العبد مشتركا، فأعتق أحد الشريكين نصيبه، انعتق ملكه خاصة، إلا أنه إن
كان موسرا، طولب بابتياع الباقي، فإذا ابتاعه انعتق الجميع، وإن كان معسرا استسعى العبد
في قيمة باقيه، فإذا أداها عتق جميعه، فإن عجز عن ذلك كان بعضه عتيقا وبعضه رقيقا (8).
في الخلاصة: المعتق إذا كان موسرا مهما! أعتق نصيبه من عبده المشترك قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): فيما رواه عبد الله بن عمر من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ قيمة

1 - الخلاف: 6 / 374 مسألة 18.
2 - الخلاف: 6 / 374 مسألة 18.
3 - الهداية في شرح البداية: 2 / 296 - 297.
4 - الهداية: 2 / 309.
5 - الغنية 388.
6 - الهداية في شرح البداية: 2 / 301.
7 - الهداية في شرح البداية: 2 / 300.
8 - الغنية 388.
518

العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق العبد وإلا عتق منه ما عتق (1)، ثم
في وقت حصول عتقه ثلاثة أقوال الصحيح منها أنه يسري العتق في الحال ويصير حرا في
جميع أحكامه وعليه توفية شريكه قيمة نصيبه وإن تلف ماله بعد السراية لم يعد شئ منه
رقيقا ويعتبر قيمته يوم العتق ولو أعتق الثاني نصيبه كان عتقه باطلا.
وقال أبو حنيفة: إذا أعتق وكان موسرا فشريكه بالخيار بين ثلاثة أشياء: بين أن يعتق
نصيبه [189 / ب]. وبين أن يستسعي العبد في قيمة نصيبه منه حتى إذا أدى قيمة نصيبه
عتق، وبين أن يقومه على المعتق، فإذا صار إلى المعتق كان له أن يستسعيه فيما بقي فيه من الرق،
فإذا أدى قدر قيمة ذلك عتق. وإن كان معسرا كان شريكه بالخيار، بين أن يعتق نصيبه منه،
وبين أن يستسعي العبد في قدر نصيبه، فإذا أدى ذلك عتق، وليس له أن يعتقه على شريكه
لأنه معسر.
فوافقنا في المعسر وفي بعض أحكام الموسر.
وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق نصيب شريكه في الحال، موسرا كان أو معسرا، فإذا
كان معسرا فلشريكه أن يستسعى العبد وهو حر بقيمة نصيبه منه، وإن كان موسرا كان له
قيمة نصيبه على المعتق وهذا مثل مذهبنا سواء (2).
والعتق في مرض الموت من أصل التركة إن كان واجبا، وإن كان متبرعا به فهو من
الثلث، وإن كان المتبرع به أعتق جماعة عبيده، ولا مال له غيرهم، استخرج ثلثهم
بالقرعة (3) وأعتقوا، واسترق الباقون.
وإن دبر عبده عند موته، ولا مال له غيره، انعتق ثلثه، بعد موته [واستسعي فيما بقي
للورثة]، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يستسعى في جميع ذلك.
وقال الشافعي ومالك في العتق مثل ما قلنا. وقالا في المدبر: ينعتق ثلثه، ويستقر الرق
فيما بقي للورثة.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم رواية عمران بن حصين: أن
رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فبلغ النبي ذلك فقال

1 - مختصر المزني: 318.
2 - الخلاف: 6 / 359 مسألة 1.
3 - الغنية 389.
519

قولا سديدا، ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة (1).
وإن أعتق واحدا ولا مال له غيره، عتق ثلثه واستسعي في باقيه، وبه قال جميع
الفقهاء.
وفي بعض الروايات أنه من صلب المال وبه قال مسروق (2).
لنا ما روى جابر بن عبد الله أن النبي (عليه السلام) قال: إن الله تعالى أعطاكم عند وفاتكم ثلث
أموالكم زيادة في أعمالكم، فمن قال ينفذ عتقه في كل ماله فقد أعطاه كل ماله (3).
وإن كان على الميت دين، فإن كان ثمن العبد مثل الدين مرتين، صح العتق واستسعي في
قضائه، وإن كان أقل من ذلك لم يصح العتق (4).
في الخلاصة: أما المعتق فشرطه أن يكون مالكا مكلفا غير محجور عليه صحيحا فإن
كان مريضا فلا ينفذ عتقه إلا بشرطين أحدهما أن لا يكون عليه دين مستغرق فإن كان فلا
ينفذ إلا فيما فضل من الدين.
ولا يجوز أن يعتق [190 / أ] في الكفارة الأعمى ولا الأعرج ولا الأشل ولا المجذوم.
وإذا أعتق مملوكا وله مال يعلم به فهو للمعتق، وإن لم يعلم به، أو علم فاشترطه لنفسه
فهو له، وينبغي أن يقول: مالك لي وأنت حر، فإن قال: أنت حر ومالك لي، لم يكن له على
المال سبيل (5).
الذين ينعتقون على من يملكهم العمودان: الوالدان الآباء وإن علو، والأمهات وإن
علون، والأولاد وإن نزلوا، وكل من يحرم عليه العقد عليهن من المحارم الأخت وبنتها وإن
نزلت، وبنت الأخ وإن نزلت والعمة والخالة.
وقال أبو حنيفة: يتعلق ذلك بكل ذي رحم محرم بالنسب، فزاد على ما اعتبرناه
الأخوال والأعمام والإخوة.
وقال الشافعي: يتعلق بالعمودين فقط، ولا يتعدى منهما إلى غيرهما (6).

1 - الخلاف: 6 / 363 مسألة 2.
2 - هو ابن الأجدع الهمداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي. قيل: إنه سرق وهو صغير ثم وجد فسمي مسروقا. مات سنة
(62) عن (63) سنة. تهذيب الكمال: 27 / 451 رقم 5902.
3 - الخلاف: 6 / 363 مسألة 3.
4 - الغنية 389.
5 - الغنية 389.
6 - الخلاف: 6 / 365 مسألة 4.
520

كل من ذكرنا أنه ينعتق إذا ملك من جهة النسب فإنه ينعتق إذا كان من الرضاع.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك (1).
والتدبير عتق بعد الوفاة، ويفتقر صحته إلى شروط العتق المنجز في الحياة، وقد بينا
في باب البيع، في الموضع الذي يجوز بيعه فيه فلا نطول بإعادته (2).
هذا كلما ذكر صاحب الغنية إلا أنه باب آخر غير باب البيع يحتاج فيه إلى مسائل كثيرة
لم يذكرها لأن باب البيع لم يكن موضع ذكرها، منها في مسائل الخلاف:
إذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر أو محرر، أو عتيق، أو معتق، كان صريحا، غير أنه لا بد
فيه من النية، كما نقوله في صريح الطلاق والعتاق. فإن تجرد عن النية، لم يكن له حكم.
وقال جميع الفقهاء: لا يحتاج ذلك إلى نية لأنه صريح لنا بعد إجماع الإمامية أن الأصل
بقاء الرق ولا دليل على صحة التدبير مع عدم النية ولا خلاف في صحته مع حصول النية (3).
وإذا قال أنت مدبر أو مكاتب لا ينعقد به كتابه ولا تدبير، وإن نوى ذلك، بل لا بد أن
يقول في التدبير: إذا مت فأنت حر، وفي الكتابة: إذا أديت إلي مالي فأنت حر فمتى لم يقل ذلك لم
يكن شيئا.
وقال الشافعي في الكتابة بأن ذلك كناية فمتى نوى بها الكتابة صحت ومتى لم ينو لم
تصح، وقال في التدبير إنه صريح (4).
التدبير بشرط لا يقع، وكذلك العتق. وقال جميع الفقهاء: إنه يصح ذلك وينعقد (5)
والتدبير بمنزلة الوصية يجوز له الرجوع فيه بالقول، بأن يقول: رجعت في هذا التدبير و
نقضته.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه. وهو ضعيف عندهم، واختاره المزني.
والقول الآخر: إنه عتق بصفة، لا يصح [190 / ب] الرجوع فيه. وبه قال أبو حنيفة (6).
وأما بيعه وهبته ووقفه فلا خلاف في أن ذلك ينتقض به التدبير كما ينتقض به العتق
بشرط.
" إذا دبر عبدا، ثم أراد بيعه والتصرف فيه، كان له ذلك - سواء كان التدبير مطلقا بأن

1 - الخلاف: 6 / 367 مسألة 5.
2 - الغنية 389.
3 - الخلاف: 409 مسألة 1.
4 - الخلاف: 6 / 409 مسألة 1.
5 - الخلاف: 6 / 409 مسألة 3.
6 - الخلاف: 6 / 410 مسألة 4.
521

يقول: إذا مت فأنت حر، أو مقيدا بأن يقول: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا فأنت حر -
إذا نقض تدبيره، فإن لم ينقض لم يجز له بيع رقبته، وإنما يجوز بيع خدمته مدة حياته.
وقال الشافعي: يجوز بيعه بكل حال.
وقال أبو حنيفة: إن كان التدبير مقيدا ملك التصرف فيه، وإن كان مطلقا لزم، ولم يجز
له التصرف فيه بحال " (1).
إذا دبره، ثم وهبه، كانت هبته رجوعا، سواء أقبضه أو لم يقبضه، لأن الهبة إزالة ملك،
فوجب أن ينقض به التدبير كما لو باعه.
وقال الشافعي - إن أقبضه - بما قلناه، وإن لم يقبضه فعلى طريقين: منهم من قال: يكون
رجوعا، قولا واحدا. ومنهم من قال على قولين (2).
إذا أبق المدبر بطل تدبيره. وقال جميع الفقهاء: لا يبطل (3).
إذا ارتد المدبر ارتدادا يستتاب فيه، لم يبطل تدبيره، فإن رجع إلى الإسلام كان تدبيره
باقيا بلا خلاف، فإن لحق بدار الحرب بطل تدبيره لإجماع الإمامية على أن المدبر متى أبق
بطل تدبيره، وهذا قد زاد على الإباق.
وقال الشافعي: لا يبطل تدبيره بلحوقه بدار الحرب (4).
إذا كان لإنسان مملوك، فدبر نصفه كان صحيحا ولا يسري إلى النصف الآخر، لأن
الأصل عدم التدبير وإيجاب السراية إلى ما لم يدبره يحتاج إلى دليل. وبه قال الشافعي ونص
عليه. وقال أصحابه: فيه قول آخر: إنه يسري (5).
تدبير الصبي ووصيته إذا لم يكن عاقلا باطلان بلا خلاف، وإن كان مراهقا مميزا عاقلا
كانا صحيحين، وقيده أصحابنا بمن له عشر سنين فصاعدا إذا كان عاقلا.
وللشافعي فيه قولان: إذا كان مميزا عاقلا، أحدهما مثل ما قلناه، ولم يحده بسنين.
والثاني: لا يصح. وهو اختيار المزني، وبه قال أبو حنيفة (6).
المدبر يعتبر عتقه من الثلث. وبه قال جميع الفقهاء. وقال سعيد بن جبير ومسروق:

1 - الخلاف: 6 / 411 مسألة 5.
2 - الخلاف: 6 / 412 مسألة 6.
3 - الخلاف: 6 / 413 مسألة 9.
4 - الخلاف: 6 / 413 مسألة 8.
5 - الخلاف: 6 / 417 مسألة 18.
6 - الخلاف: 6 / 419 مسألة 21.
522

يعتبر من رأس المال، وبه قال داود (1).
وأما المكاتبة فهي أن يشترط المالك على عبده تأدية شئ معلوم يعتق بالخروج منه
إليه، وهي بيع العبد من نفسه، وقد بينا في باب البيع أيضا أنها على ضربين: مشروطة وغير
مشروطة، وإذا أدى المكاتب [191 / أ] من غير شرط شيئا من مال الكتابة، عتق عنه
بحسابه (2).
المشروطة هي أن يقول كاتبتك على كذا وكذا، فمتى أديت مال الكتابة فأنت حر، وإن
عجزت عن الأداء فأنت رد في الرق. فهذا الضرب متى أدى بعض مال الكتابة لا ينعتق منه
شئ إلى أن يؤدي جميع ما عليه، ولو بقي درهم، فإذا وفاه انعتق، وإن عجز دون الوفاء فهو
رد في الرق.
والمطلقة أن يقول: كاتبتك على كذا فإذا أديت جميعه فأنت حر، ولم يقل فإن عجزت
فأنت رد في الرق، فإذا كان كذلك فمتى أدى منها شيئا انعتق بحساب ما يؤديه ويبقى رقا بمقدار
ما بقي عليه.
وقال الشافعي: إن أدى جميع ما عليه عتق، وإن أدى البعض لم يعتق منه شئ حتى
يؤدي جميع ما عليه. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه.
وعن علي (عليه السلام) روايتان: إحداهما: إذا أدى نصف ما عليه عتق كله وطولب بالباقي بعد
عتقه. والثانية: يعتق منه بقدر ما أدى بالحصة، وهذا هو الذي يرويه أصحابنا عنه (عليه السلام) (3).
ويدل عليه أن الرقبة جعلت بإزاء المال، فيجب أن يتحرر من الرقبة بمقدار ما يؤدي
من المال (4).
الكتابة لازمة من جهة السيد، جائزة من جهة العبد، ومعناه: أن له الامتناع من أداء ما
عليه وتعجيزه، فإذا امتنع منه كان سيده بالخيار بين البقاء على العقد وبين الفسخ وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: لازم من الطرفين معا، فإن كان له مال [أجبرناه على الأداء
ليعتق، وإن لم يكن معه مال] فعند مالك يجبر على الكسب وعند أبي حنيفة لا يجبر عليه (5)

1 - الخلاف: 6 / 420 مسألة 22.
2 - الغنية 389.
3 - الخلاف: 6 / 391 مسألة 16.
4 - الغنية 389 - 390.
5 - الخلاف: 6 / 393 مسألة 17.
523

ولا يجوز للرجل وطء أمته المكاتبة، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة،
بلا خلاف، فإن وطأها، [و] كانت مشروطة عليها لم يحد لأن هناك شبهة يسقط بها الحد، وإن
كانت غير مشروطة عليها وقد أدت من مال المكاتب شيئا كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها
ويدرأ عنه بمقدار ما بقي.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي والثوري: لا حد عليه بحال.
وقال الحسن البصري: عليه الحد، لأنه حرام، فوجب أن يحد كالزنا الصريح (1).
ولا يجوز مكاتبة الكافر لقوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} (2) وحمل
ذلك على الإيمان والدين أولى من حمله على المال والتكسب، لأنه لا يقال للكافر - وإن كان
موسرا أو مكتسبا - أن فيه خيرا، ولا أنه خير، ويقال ذلك لمن كان فيه إيمان ودين وإن لم
يكن مكتسبا ولا ذا مال، ولو تساوى ذلك في الاحتمال لوجب الحمل على الجميع (3).
وقال الشيخ في الخلاف: المراد بالخير الأمانة والاكتساب لأن اسم الخير يقع على المال
[191 / ب] بدلالة قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد} (4) وقوله {إن ترك خيرا} (5)
أي مالا وهذا مذهب مالك والشافعي.
وقال ابن عباس وصاحباه مجاهد وعطاء: هو الثقة والأمانة فقط، وقال الحسن
البصري والثوري: هو الاكتساب فقط (6).
وإذا عدم العبد الأمرين: الثقة والكسب، كانت كتابته مباحة غير مستحبة، وإذا وجد
الأمران كانت مستحبة. وبه قال الشافعي.
وقال أحمد بن حنبل: إذا عدم الأمران كره كتابته (7).
إذا دعا العبد سيده إلى مكاتبته، استحب له أن يجيبه إلى ذلك، وليس بواجب عليه،
سواء دعاه إلى ذلك بقيمته أو أقل أو أكثر. وبه قال في التابعين: الحسن البصري والشعبي، و
في الفقهاء: مالك وأبو حنيفة والشافعي.
وذهب داود إلى أنه إذا دعاه إليها بقيمته أو أكثر، وجب على سيده الإجابة، وإن كان

1 - الخلاف: 6 / 403 مسألة 32.
2 - النور: 33.
3 - الغنية 390.
4 - العاديات: 8.
5 - البقرة: 180.
6 - الخلاف: 6 / 381 مسألة 3.
7 - الخلاف: 6 / 381 مسألة 4.
524

بأقل لم يجب (1).
تصح المكاتبة حالة ومؤجلة، وليس الأجل شرطا في صحتها لقوله تعالى: {و
كاتبوهم} (2) ولم يفصل وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: من شرط صحتها الأجل، فمتى لم يذكر الأجل كانت باطلة (3).
إذا كاتب عبده كتابة فاسدة كانت الكتابة باطلة سواء عاش المكاتب أو مات.
وقال الشافعي: تكون جائزة من قبل المكاتب ما دام حيا، فإن مات انفسخت الكتابة.
وقال أبو حنيفة: الكتابة لازمة، ولا يبطل بموت السيد (4).
إذا كان عبد بين شريكين، فكاتب أحدهما على نصيبه بإذن شريكه صح وبه قال مالك
وأبو حنيفة. وللشافعي فيه قولان:
لنا عموم الأخبار الواردة في ذلك والآية (5).
وإذا كاتب على نصيبه بغير إذن شريكه صح أيضا. وبه قال ابن أبي ليلى. وقال أبو
حنيفة ومالك والشافعي: الكتابة فاسدة (6).

1 - الخلاف: 6 / 380 مسألة 1.
2 - النور: 33.
3 - الخلاف: 6 / 383 مسألة 5.
4 - الخلاف: 6 / 387 مسألة 11.
5 - الخلاف: 6 / 400 مسألة 27.
6 - الخلاف: 6 / 400 مسألة 28.
525

اليمين والعهد والنذر
فصل في اليمين والعهد والنذر
لا يمين شرعية إلا بالله تعالى، أو اسم من أسمائه الحسنى، دون غيرها من كل مقسم
به (1)، فإذا قال: أنا يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو برئت من الإسلام، أو من الله، أو من
القرآن، لا فعلت كذا، ففعل، لم يكن يمينا ولا بالخالفة حنث، ولا يجب به كفارة. وبه قال مالك
والشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: كل هذا يمين، فإذا خالف حنث ولزمته
الكفارة (2).
لنا بعد إجماع الإمامية أن الحالف بغير الله عاص لمخالفته المشروع من كيفية اليمين، وإذا
كان انعقاد اليمين ولزوم الكفارة بالحنث حكما شرعيا لم يثبت بالمعصية، وأيضا الأصل براءة
الذمة، [192 / أ] وشغلها يفتقر إلى دليل.
واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث، هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن
لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه، أو أن يفعل طاعة أو مباحا
لا ضرر عليه في فعله مع عقد اليمين بالنية، وإطلاقها من الاستثناء بالمشيئة فيخالف ما عقد
اليمين عليه، مع العمد والاختيار (3).
إذا حلف: والله لا أكلت طيبا، ولا لبست ناعما. كانت هذه يمينا مكروهة، والمقام

1 - الغنية 391.
2 - الخلاف: 6 / 112 مسألة 4.
3 - الغنية 391.
526

عليها مكروه، وحلها طاعة، لقوله: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} (1) وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: المقام عليها طاعة ولازم (2).
كل يمين حلها طاعة وعبادة، إذا حلها لم تلزمه كفارة. وقال الشافعي وأبو حنيفة و
مالك: يلزمه كفارة (3).
إذا حلف على مستقبل على نفي أو إثبات، ثم خالف ناسيا، لم تلزمه الكفارة، وإن خالفه
عامدا تلزمه إذا كان من الأيمان التي تجب بمخالفتها الكفارة.
وقال الشافعي: إن خالف عامدا لزمته قولا واحدا [وإن خالفه] ناسيا فعلى قولين (4).
إذا قال أقسمت بالله، وسمع منه ثم قال: لم أرد به يمينا، يقبل منه فيما بينه وبين الله في
الظاهر، لأنه أعرف بمراده، لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن
يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} (5) وذلك لا يكون إلا بالنية.
وقال الشافعي: تقبل فيما بينه وبين الله لأنه لفظة محتملة وهل يقبل في الحكم أولا فيه
قولان (6).
لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله إلا في اليمين بالله فحسب. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يدخل في اليمين بالله، وبالطلاق والعتاق، وفي الطلاق و
العتاق، وفي النذور وفي الإقرار (7).
لا حكم للاستثناء إلا إذا كان متصلا بالكلام أو في حكم المتصل، فمن حلف وقال: إن
شاء الله، فلا حنث عليه، فأما إذا انفصل، فلا حكم له فيه سواء كان في المجلس أو بعد
انصرافه، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عطاء والحسن: له أن يستثني ما دام في المجلس.
وعن ابن عباس روايتان: إحداهما أن له أن يستثني أبدا، حتى لو أنه حلف صغيرا ثم
استثني وهو كبير جاز. والثانية: أن له أن يستثني إلى حين، والحين سنة (8).
لغو اليمين [هو] أن يسبق [اليمين] إلى لسانه، ولم يعقدها بقلبه، كأنه أراد أن يقول {بلى و

1 - المائدة: 87.
2 - الخلاف: 6 / 110 مسألة 2.
3 - الخلاف: 6 / 110 مسألة 3.
4 - الخلاف: 6 / 114 مسألة 6.
5 - المائدة: 89.
6 - الخلاف: 6 / 123 مسألة 13.
7 - الخلاف: 6 / 132 مسألة 26.
8 - الخلاف: 6 / 133 مسألة 28.
527

الله} فسبق لسانه {لا والله} ثم يستدرك فيقول {بلى والله} فالأولى تكون لغوا ولا كفارة بها.
وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: فيها الكفارة.
وقال مالك: لغو اليمين: يمين الغموس، وهو أن يحلف على ما مضى [192 / ب] قاصدا
الكذب فيها وبه قال أصحابنا.
وقال أبو حنيفة: لغو اليمين ما كانت على ما مضى لكنه حلف، لقد كان كذا معتقدا أنه ما
حلف أو حلف ما كان كذا معتقدا على ما حلف (1) ثم بان الأمر خلاف ما حلف عليه، فكأنه
حلف على مبلغ علمه، فبان ضد ما حلف عليه، هذه لغو اليمين عنده، ولا كفارة فيها. وعند
الشافعي فيها قولان.
لنا قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} (2) فما لا يؤاخذه به هو ما قلناه.
وروى عطاء عن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لغو اليمين قول الرجل في بيته: لا والله وبلى و
الله (3).
إذا حلف أن يفعل القبيح أو يترك الواجب، وجب أن يفعل الواجب ويترك القبيح، و
لا كفارة. وقال جميع الفقهاء: تلزمه الكفارة (4).
إذا قال: والله لأصعدن السماء، لا تلزمه كفارة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يحنث في الحال، وتلزمه الكفارة (5).
لا تنعقد يمين الكافر بالله، ولا يجب عليه الكفارة بالحنث، ولا يصح منه التكفير بوجه،
لأن الكفارة تحتاج إلى نية ولا يصح النية ممن لا يعرف الله تعالى، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ينعقد يمينه وتلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث حال كفره أو بعد
إسلامه، واستدل بالظواهر والأخبار وعمومه، وقال الشيخ أبو جعفر: وهذا قوي يمكن
اعتماده ويمكن أن يجاب عما قلناه بأن يقال: اليمين تصح ممن يعتقد الله وإن لم يكن عارفا و
لأجل هذا تصح أيمان المقلدة والعامة وتنعقد وتصح منهم الكفارة وإن لم يكونوا عارفين بالله
على الحقيقة (6).

1 - وفي الخلاف: على ماض لكنه حلف لقد كان معتقدا أنه على ما حلف أو حلف ما كان كذا إنه على ما حلف.
2 - المائدة: 89.
3 - الخلاف: 6 / 134 مسألة 29.
4 - الخلاف: 6 / 113 مسألة 5.
5 - الخلاف: 6 / 116 مسألة 8.
6 - الخلاف: 6 / 116 مسألة 9.
528

إذا قال: وقدرة الله، أو وعلم الله، أو وحياة الله، وقصد به كونه قادرا عالما حيا كان
ذلك يمينا بالله، وإن قصد بذلك المعاني والصفات التي يثبتها الأشعري لم يكن حالفا بالله، وبه
قال أبو حنيفة، لقيام الدلالة على أنه تعالى يستحق هذه الصفات لنفسه. وقال أصحاب
الشافعي: كل ذلك يمين بالله (1).
إذا حلف بالقرآن أو سورة من سوره، لم يكن ذلك يمينا، ولا كفارة بمخالفتها، لما ثبت أن
اليمين بغير الله لا ينعقد، فكلام الله غير الله، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي:
يكون ذلك يمينا ويلزم بخلافها الكفارة (2)
إذا قال: لعمر الله - ونوى يمينا - كان يمينا، وقال أبو حنيفة: يكون يمينا إذا أطلق أو أراد
يمينا، وهو أحد قولي الشافعي. والآخر أنه إذا أطلق أو لم يرد لم يكن يمينا (3).
إذا قال [193 / أ] وحق الله، لا يكون يمينا، قصد أو لم يقصد، لأنه لا دلالة على كونه
يمينا. وأيضا فإن حقوق الله هي الأمر والنهي والعبادات كلها، فإذا حلف بذلك كان يمينا بغير
الله، وبه قال أبو حنيفة ومحمد. وقال الشافعي: يكون يمينا إذا أطلق، أو أراد يمينا (4).
واليمين التي لا تنعقد، ولا كفارة فيها، فيما عدا ما ذكرناه، مثل أن يحلف الإنسان على
ماض هو كاذب فيه، أو يقول: لا والله، وبلى والله، من غير أن يعقد ذلك بالنية، وهذه يمين
اللغو، أو يحلف أن يفعل، أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى، واجبة أو مندوبا إليها، أو
يكون أصلح له في دنياه وقد ذكرناها قبل والخلاف فيها.
ويحتج على المخالفين بقوله (عليه السلام) من حلف على شئ فرأى ما هو خير منه فليأت الذي
هو خير منه وتركه كفارتها، ويخص اليمين على المعصية، أن معنى انعقاد اليمين، أن يجب على
الحالف، أن يفعل أو يترك ما علق اليمين به، وهذا لا يصح في المعصية لأن الواجب تركها، و
ليس لأحد أن يقول: معنى انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة، لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين و
موجب عنه فكيف يفسر الانعقاد به (5).
لا تنعقد اليمين على ماض، سواء كانت على نفي أو إثبات، ولا تجب بها الكفارة، صادقا
كان أو كاذبا، عالما كان أو ناسيا. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد.

1 - الخلاف: 6 / 117 مسألة 10.
2 - الخلاف: 6 / 118 مسألة 11.
3 - الخلاف: 6 / 125 مسألة 15.
4 - الخلاف: 6 / 125 مسألة 16.
5 - الغنية 392.
529

وقال الشافعي: إن كان صادقا فهو بار فلا شئ عليه، وإن كان كاذبا فإن كان عالما
حنث ولزمته الكفارة قولا واحدا، وإن كان ناسيا فعلى قولين (1).
وكفارة اليمين عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام، والكسوة على الموسر ثوبان، وعلى المعسر ثوب، والإطعام شبع المسكين في يومه (2).
وقيل أقل ما يجزي في الكسوة قميص وسراويل، أو قميص ومنديل، أو قميص ومقنعة،
وثوب واحد لا يجزي.
وقال الشافعي: يجزي قميص أو سراويل أو مقنعة أو منديل للرجال وللنساء.
وقال مالك: إن أعطى رجلا فكما قال الشافعي، وإن أعطى امرأة فلا يجزئ إلا ما
يجوز لها الصلاة فيه، وهو ثوبان: قميص ومقنعة. وقال أبو يوسف: السراويل لا تجزي (3).
وصوم ثلاثة الأيام في كفارة اليمين متتابع، لا يجوز تفريقه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: ما قلناه وبه قال أبو حنيفة واختاره المزني. والقول
الآخر: إنه بالخيار [193 / ب] إن شاء تابع وإن شاء فرق. وبه قال مالك (4).
فرض العبد في كفارة الحنث الصيام دون العتق والإطعام والكسوة إجماعا.
وعندنا أن فرضه شهر واحد فيما يجب فيه شهران متتابعان، وفي كفارة اليمين ثلاثة أيام
مثل الحر سواء خلافا لجميع الفقهاء فإنهم قالوا فرضه فرض الحر في كل موضع (5).
ولا كفارة قبل الحنث (6) فإن أخرجها لم تجزه.
وقال الشافعي: تجزيه قبل الحنث إلا الصوم فإنه لا يجزيه لأنه من عبادة الأبدان. وبه
قال مالك وأحمد، وزاد مالك فقال: يجوز تقديم الصيام على الحنث.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: كفارة اليمين تجب بسبب واحد وهو الحنث، فأما عقد اليمين
فليس بسبب فيها، فعلى هذا لا يجوز تقديمها قبل وجوبها بحال (7).
ولا يمين للولد مع والده، ولا للعبد مع سيده، ولا للمرأة مع زوجها، فيما يكرهونه من
المباح.

1 - الخلاف: 6 / 114 مسألة 7.
2 - الغنية 392.
3 - الخلاف: 6 / 140 مسألة 35.
4 - الخلاف: 6 / 142 مسألة 37.
5 - الخلاف: 6 / 143 مسألة 38.
6 - الغنية: 392.
7 - الخلاف: 6 / 137 مسألة 31.
530

ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله تعالى، أو من رسوله، أو من أحد الأئمة (عليهم السلام)، فإن فعل
أثم ولزمه إن خالف كفارة الظهار وفيه خلاف منهم - أي من أصحابنا - من قال: أثم ولا يلزمه
كفارة لأنه ليس بيمين.
ومن قال: علي عهد الله أن أفعل كذا من الطاعات، أو أترك كذا من المقبحات، كان عليه
الوفاء، ومتى خالف لزمه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا،
مخير في ذلك، دليله إجماع الإمامية (1).
إذا قال: علي عهد الله، روى أصحابنا أن ذلك يكون نذرا، فإن خالفه لزمه ما يلزمه في
كفارة النذر، هذا إذا نوى ذلك، فإن لم ينو ذلك لم يلزمه شئ.
وأما قوله علي ميثاقه وكفالته وأمانته، فلم يرووا فيه شيئا، والأولى أن نقول في ذلك
إنه ليس من ألفاظ اليمين، لأنه لا دليل على ذلك.
وقال الشافعي: إذا أطلق أو لم يرد يمينا لم يكن يمينا، وإن أراد يمينا كان كذلك.
وقال أبو حنيفة ومالك: يكون إطلاقه يمينا.
ثم اختلفوا، فقال الشافعي إذا خالف بواحدة منها أو بجميعها لزمته كفارة واحدة.
وقال مالك: إذا حنث في الكل - مثل أن يقول: علي عهد الله وميثاقه وأمانته وكفالته ثم
خالف - لزمته عن كل واحدة كفارة (2).
وأما النذر فهو أن يقول: لله علي كذا إن كان كذا، ويلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه، و
قد دللنا على وجوب ذلك فيما تقدم [194 / أ] من الكتاب في باب الصلاة، فإن لم يفعل لزمته
كفارة نقض العهد، دليله إجماع الإمامية (3).
إذا نذر أن يصوم يوما بعينه فأفطر من غير عذر وجب عليه قضاؤه وعليه ما على من
أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من الكفارة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك (4).
في الخلاصة: النذر سبب ملزم للوفاء بشرطين: أحدهما أن يكون بطريق التقريب كما
إذا قال: لله علي صوم أو صلاة، وكذا لو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي حج، لزمه هذا تبرر.
في الوسيط لو قال: لله علي صوم أو صلاة فيه قولان مشهوران أحدهما يجب كنذر

1 - الغنية 392 - 393.
2 - الخلاف: 6 / 129 مسألة 22.
3 - الغنية 393
4 - الخلاف: 6 / 201 مسألة 15.
531

التبرر، والثاني لا، لأن ذلك كالعوض عن النعمة، وهذا ابتداء تبرع، فلا يصير واجبا
بإيجابه (1).
في الخلاصة: لو قال: إن دخلت هذه الدار فلله علي حج فأصح المذهب أن لا يلزمه إلا
كفارة اليمين، والشرط الثاني أن يلتزم للتقرب بما هو عبادة في نفسه دون المباحات
والمحظورات.
ومتى قال: علي كذا إن كان كذا ولم يقل لله، أو قال لله علي كذا ولم يقل إن كان كذا، لم يكن
ناذرا ولم يلزمه بالمخالفة كفارة، لأن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد النذر به، ولا دليل على
انعقاده من دونه، وقد روي عن ثعلب أنه قال: النذر عند العرب وعد بشرط، ومن أصحابنا
من أجرى قول القائل لله علي كذا - من غير شرط - مجرى العهد (2) وهو الشيخ في خلافه قال:
إذا قال ابتداء، لله علي أن أصوم أو أتصدق أو أحج ولم يجعل جزاء على غيره، لزمه الوفاء به،
وكان نذرا صحيحا، وهو الظاهر من مذهب الشافعي وبه قال أهل العراق.
وقال: أبو بكر الصيرفي وأبو إسحاق المروزي: لا يلزمه الوفاء به ولا يتعلق به حكم.
قال الصيرفي: قال أبو عمر (3): قال ثعلب: النذر عند العرب وعد بشرط، جوابه إنه وعد
بشرط ووعد بغير شرط (4) كقول جميل بن معمر (5):
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يا بثين لقوني
وكقول عنترة العبسي (6):
[الشاتمي عرضي ولم أشتمهما] * والناذرين إذا لقيتهما دمي
قال: ويدل على المسألة بعد إجماع الفرقة وأخبارهم قوله تعالى {وأوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم} (7) {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم} (8) وروي عن النبي (عليه السلام) من نذر أن يطيع الله

1 - الوسيط: 7 / 260.
2 - الغنية 393
3 - أبو عمر، محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، المعروف بالمطرز غلام ثعلب، أحد أئمة اللغة، صحب ثعلبا وأخذ عنه
كثيرا وروى عنه أبو الحسن محمد بن رزقويه، وأبو علي بن شاذان وغيرهم. ولد سنة (261) وتوفي سنة (345)
ودفن ببغداد. وفيات الأعيان: 4 / 329 رقم 638.
4 - وفي الخلاف: إنه وعد بغير شرط.
5 - جميل بن عبد الله بن معمر بن الحارث العذري. شاعر فصيح مقدم جامع للشعر والرواية. أنظر ترجمته في الأغاني:
8 / 288 - 331.
6 - عنترة بن شداد، وقيل: ابن عمرو بن شداد، وقيل: عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة
العبسي. الأغاني: 8 / 386.
7 - النحل: 91
8 - البقرة: 40
532

فليطعه (1).
ولا ينعقد نذر المعصية ولا النذر فيها (2).
إذا نذر في معصية بأن يصوم يوما بعينه كان نذره باطلا [194 / ب] ولا يلزمه قضاء ولا
كفارة وبه قال الشافعي.
وقال الربيع فيها قول آخر أن عليه كفارة يمين بكل نذر معصية (3).
لنا أن معنى انعقاد النذر أن يجب على الناذر فعل ما أوجبه على نفسه وإذا انتفى بالإجماع
أن تجب المعصية على كل حال ثبت أن النذر لا ينعقد فيها، وقال (عليه السلام) لأنذر في معصية (4).
وإذا نذر ذبح آدمي، كان أيضا نذرا باطلا لا يتعلق به حكم، وكان كلامه لغوا، وبه قال
الشافعي وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة: إن نذر ذبح ولده فعليه شاة. وروي ذلك عن ابن عباس. وروي أيضا
عنه إن نذر ذبح ولده فعليه دية.
وقال أبو حنيفة: إن نذر ذبح غير ولده من أقاربه فلا شئ عليه.
لنا أن الأصل براءة الذمة، وقوله (عليه السلام): لأنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم، وهذا
معصية لا يملكه أيضا ابن آدم (5).
إذا نذر أن يصوم يوم الفطر، لا ينعقد نذره. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره، يصوم يوما غير الفطر، ولا يحل له أن يصومه عن نذره،
فإن صامه عن نذره صح وأجزأه عن نذره
لنا أن صوم الفطر معصية والنذر في المعصية لا ينعقد كما ذكرناه (6).
إذا نذر أن يصوم ولم يذكر مقداره، لزمه صوم يوم بلا خلاف، لأنه أقل ما يقع عليه
الاسم، وإن نذر أن يصلي لزمه ركعتان وهو أحد قولي الشافعي والثاني أنه يلزمه ركعة
واحدة، لأنها أقل صلاة في الشرع وهو الوتر.
لنا على ما قلنا طريقة الاحتياط (7).

1 - الخلاف: 6 / 191 مسألة 1
2 - الغنية 393
3 - الخلاف 6 / 201 مسألة 16
4 - الغنية 393
5 - الخلاف 6 / 203 مسألة 20.
6 - الخلاف 6 / 199 مسألة 12
7 - الخلاف: 6 / 201 مسألة 17.
533

إذا قال: أيمان البيعة تلزمني، أو حلف بأيمان البيعة لا دخلت الدار، لا يلزمه شئ،
ولا يكون يمينا سواء عني بذلك حقيقة البيعة التي كانت على عهد رسول الله في المصافحة أو
بعده إلى أيام الحجاج، أو ما حدث من أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك
صرح بذلك أو نواه، وإن لم يصرح به وعلى كل حال.
وقال الشافعي: إن لم ينو بذلك شيئا كان لاغيا، وإن نوى أيمان الحجاج ونطق فقال:
أيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتقها، انعقدت يمينه [لأنه حلف بالطلاق، وإن لم ينطق بذلك
ونوى الطلاق والعتق انعقدت يمينه] أيضا لأنه كناية عن الطلاق والعتق (1).

1 - الخلاف: 6 / 202 مسألة 19.
534

الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة
فصل في الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة
لا يجوز الصيد عندنا إلا بالكلب المعلم، دون غيره من سباع الوحش والطير (1) كالفهد
والنمر وغيرهما والصقر والباشق والبازي والعقاب، وبه قال ابن عمر ومجاهد [195 / أ].
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: يجوز بجميع ذلك الصيد إذا أمكن تعليمه متى تعلم.
وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق: يجوز بكل ذلك إلا الكلب الأسود البهيم فإنه
لا يجوز الاصطياد به لقوله (عليه السلام): لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا الأسود
البهيم (2).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} (3)، لأنه
سبحانه لما أتى بلفظة مكلبين وهي تختص بالكلاب، علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع
ما يستحق هذا الاسم، وإنما أراد الكلاب خاصة، ويجري ذلك مجرى أن يقال: ركب القوم
مبقرين أو مجمزين في أنه يختص ركوب البقر والجمازات (4)، وإن كان اللفظ الأول عام
الظاهر، ولا يجوز حمل لفظ (مكلبين) في الآية على أن المراد بها التضرية للجارح، والتمرين
حتى يدخل في ذلك غير الكلاب، لأن (مكلبا) عند أهل اللغة صاحب الكلاب بلا خلاف
بينهم، وقد نص على ذلك صاحب كتاب الجمهرة وأنشد قول الشاعر:
[تباري مراخيها الزجاج كأنها ضراء] * أحست نبأة من مكلب

1 - الغنية 394.
2 - الخلاف: 6 / 5 مسألة 1.
3 - المائدة: 5.
4 - الجمازة: مركب سريع يتخذه الناس في المدن.
535

ولم يقل أحد من أهل اللغة أن المكلب هو المضري والممرن على أن حمل مكلبين على
ما ذكروه يقتضي التكرار، لأنا استفدنا هذا المعنى من قوله تعالى (وما علمتم) وحملها على
ما قلناه يفيد فائدة زائدة على ذلك، وهو أن هذا الحكم يختص بالكلاب دون غيرها.
والكلب يعتبر في كونه معلما أن يرسله صاحبه فيسترسل، ويزجره فينزجر، ولا
يأكل مما يمسكه، ويتكرر هذا منه، حتى يقال في العادة: إنه معلم (1) وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: إذا فعل ذلك مرتين كان معلما، وما اعتبرناه مجمع عليه فلا بد لمن خالفه من
دليل (2).
وما هذه حاله يحل أكل ما قتله بلا خلاف إذا سمى المسلم عند إرساله، وفي ذلك خلاف.
والتسمية شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح (3) فما يصطاده الكلب المعلم
وقتله قبل أن يدرك ذكاته ولم يأكل منه شيئا يجوز أكله، وإن أكل فإن كان معتادا لذلك لا يحل
أكله، وإن كان ذلك نادرا جاز أكله.
وقال الشافعي: كل جارحة معلمة إذا أرسلت فأخذت وقتلت، فإن لم تأكل منه شيئا
فهو مباح، من الطير كان أو من السبع وإن قتلت وأكلت فإن كان سبعا ففيه قولان: قال في
القديم: يحل، وهو مذهب مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يحل هذا الذي أكل منه، وكل ما اصطاده وقتله فيما سلف وإن لم يأكل
منه (4).
وأما التسمية فهي واجبة، فمتى لم يسم مع الذكر لم يحل أكله، وإن نسيها لم يكن به بأس،
وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: التسمية مستحبة فإن لم يفعل لم يكن به بأس (5).
وفي الخلاصة: إذا أرسل جارحة فليقل اسم الله فإن لم يقل حلت الذبيحة لأن اسم الله
تعالى مع كل مسلم كذلك قال رسول الله.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} (6) وإنما
أخرجنا من هذا الظاهر ما تركت التسمية عليه سهوا أو نسيانا. بدليل، وما رووه من

1 - الغنية 394 - 395.
2 - الخلاف: 6 / 6 مسألة 2.
3 - الغنية: 395.
4 - الخلاف: 6 / 7 مسألة 3.
5 - الخلاف: 6 / 10 مسألة 6.
6 - الأنعام: 121.
536

قوله (عليه السلام): إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، فأباح ذلك بشرط الإرسال
والتسمية. وفي خبر آخر: فكل وإلا فلا.
ولا يحل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب، وكان أكله معتادا، لأن ذلك يخرج‍ [- ه] عن
كونه معلما على ما قلناه، ولقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن} (1) وما هذه حاله ممسك على
نفسه دون صاحبه، فإن كان أكله نادرا لم يخرجه عن كونه معلما، لأن العالم إذا لم يخرجه
السهو والغلط فيما كان عالما به عن كونه عالما بذلك بالإطلاق فالبهيمة مع فقد العقل بذلك
أولى.
وكل صيد أخذ حيا ولم تدرك ذكاته لا يحل أكله (2).
إذا أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لا يتسع لذبحه أو كان ممتنعا فجعل يعدو
خلفه، فوقف له وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه، لا يحل أكله، وبه قال أبو حنيفة. وقال
الشافعي: يحل أكله.
يدل على المسألة أن ما ذكرناه مجمع على جواز أكله، وهو إذا أدركه فذبحه، وأما إذا لم
يذبحه فليس على إباحته دليل، وأيضا: فقد روى أصحابنا أن أقل ما يلحق معه الذكاة أن
يجده وذنبه يتحرك، أو رجله تركض، وهذا أكثر من ذلك (3) قال الشيخ: فإن قلنا بجوازه كان
قويا.
ولا يحل أكل ما قتله غير كلب المسلم المعلم من الجوارح، ولا ما قتله الكلب إذا انفلت
من صاحبه ولم يرسله، أو كان المسمي عند إرساله غير صاحبه الذي أرسله، أو شاركه في
القتل غير واحد من الكلاب المعلمة ولم يسم أحد أصحابها، وكذا حكم كل صيد وجد مقتولا
بعد ما غاب عن العين، أو سقط في ما [196 / أ] أو وقع من موضع عال، أو ضرب بسيف
فانقطع نصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا سال منه دم، كل ذلك دليله إجماع الإمامية (4).
أما ما قتله الجوارح من الطير فقال الشافعي: حكمه حكم ما قتل سباع البهائم، إن أكلت
مما قتلت، فهل يحل أكل ما فلت منه؟ فيه قولان. وقال المزني: إذا أكل منه لم يحرم قولا واحدا.
وبه قال أبو حنيفة (5).

1 - المائدة: 4.
2 - الغنية: 395 - 396.
3 - الخلاف: 6 / 14 مسألة 10.
4 - الغنية 396.
5 - الخلاف: 6 / 9 مسألة 4، وفيه فهل يحل أكل ما أكلت منه على قولين.
537

وأما إذا انفلت ولم يرسله صاحبه فقتل الصيد، فلم يحل أكله. وبه قال جميع الفقهاء إلا
الأصم فإنه قال: لا بأس بأكله (1).
وإذا استرسل بنفسه نحو الصيد، ثم رآه صاحبه فأضراه وأغراه، وصار عدوه أسرع
من الأول، لم يحل أكله أيضا بدلالة الخبر وأن النبي (عليه السلام) اعتبر الإرسال والتسمية، وبه قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة: يحل أكله (2).
وأما إذا لم يسم عند إرساله فعند الشافعي يحل لأنه يرى التسمية غير واجبة، وكذا إذا
شاركه غير واحد من الكلاب المعلمة ولم يسم أصحابها يحل عنده.
وأما إذا غاب عن العين ثم وجده مقتولا فلأصحاب الشافعي فيه طريقان: أحدهما يحل
أكله قولا واحدا، والآخر: أن المسألة على قولين، وقال أبو حنيفة: إن تشاغل به وتبعه
فوجده ميتا حل أكله، وإن [لم يتبعه لم يحل أكله، وقال مالك: إن وجده من يومه حل أكله،
وإن] وجده بعد يوم لم يحل أكله.
لنا ما روى سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم (3) قال: قلت: يا رسول الله إنا أهل صيد
وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلة والثلاث فيجده ميتا وفيه سهمه، فقال: إذا وجدت
فيه أثر سهمك ولم يكن فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل فأباحه بشرط أن يعلم أن
سهمه قتله. وروي أن رجلا أتى عبد الله بن عباس فقال: إني أرمي وأصمي وأنمي، فقال له:
كل ما أصميت، ودع ما أنميت، يعني كل ما قتله وأنت تراه، ولا تأكل ما غاب عنك خبره (4).
وإذا رمى طائرا فجرحه فسقط على الأرض، فوجده ميتا، حل أكله، سواء مات قبل
أن يسقط أو بعد ما سقط. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وروى عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصيد فقال: إذا رميت الصيد
وذكرت اسم الله فقتل فكل وإن وقع في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك.
وقال مالك: إذا مات بعد سقوطه لا يحل أكله، لأن السقوط أعان على موته كما لو وقع
في الماء (5).

1 - الخلاف 6 / 16 مسألة 14.
2 - الخلاف: 6 / 16 مسألة 15.
3 - عدي بن حاتم، أبو طريف، وفد على النبي (صلى الله عليه وآله) سنة (9) فأسلم وكان نصرانيا، وشهد صفين مع علي (عليه السلام) توفي سنة
(67) بالكوفة. أسد الغابة: 3 / 505 رقم 3604.
4 - الخلاف: 6 / 13 مسألة 9.
5 - الخلاف: 6 / 25 مسألة 25.
538

وأما إذا قطع الصيد بنصفين قال الشيخ: حل الكل بلا خلاف، وإن كان الذي مع
[196 / ب] الرأس أكثره حل الذي مع الرأس دون الباقي. وبه قال أبو حنيفة. وقال
الشافعي: يحل أكل الجميع (1).
في الخلاصة: إذا قطع الصيد بسيفه قطعتين فصار بذلك إلى حالة المذبوح حلت القطعتان
وإن لم يصر إلى حالة المذبوح بأن أبان عضوا ثم ذبح الأصل فالمبان حرام فإن مات بذلك
الجرح حل الأصل، [و] في العضو المبان وجهان أولاهما أنه حرام لأنه أبين عن حي عاش بعد
إبانته.
لنا طريقة الاحتياط وما روى ابن عمر أن النبي (عليه السلام) قال: ما أبين من حي فهو ميت،
وهذا الأقل أبين فيجب كونه ميتا (2).
لا يحل أكل ما قتل من مصيد الطير بغير النشاب، ولا به إذا لم يكن فيه حديد (3).
وفي الخلاصة: ما قتله حديدة الأحبولة لا يحل لأنه ذكاة بغير قصد (4).
وما عدا الطير من صيد البر يحل أكل ما قتل منه بسائر السلاح وإن كان قتله بالعقر في
غير الحلق واللبة بلا خلاف بشرط كون المتصيد مسلما (5).
وقال جميع الفقهاء: يجوز أكله إذا كان يهوديا أو نصرانيا (6).
وحكم ما استعصى من الأنعام أو وقع في زبية وتعذر نحره أو ذبحه حكم الوحش في
صحة ذكاته بسائر السلاح، على أي وجه كان وفي ذلك خلاف (7) وبه قال في الصحابة
علي (عليه السلام) وابن عباس وابن مسعود، وفي التابعين: عطاء وطاووس والحسن، وفي الفقهاء:
الثوري وأبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: ذكاته في الحلق واللبة فإن قتله في غيرهما لم يحل أكله، وبه قال سعيد بن
المسيب وربيعة والليث (8).
والنحر في الإبل، والذبح فيما عداها، وهو السنة بلا خلاف، ولا يجوز في الإبل الذبح

1 - الخلاف: 6 / 18 مسألة 17.
2 - الخلاف: 6 / 18 مسألة 17.
3 - الغنية 396.
4 - الخلاصة
5 - الغنية 396.
6 - الخلاف: 6 / 23 مسألة 23.
7 - الغنية 396.
8 - الخلاف: 6 / 20 مسألة 21.
539

وفيما عداها النحر، فإن فعل ذلك لم يحل الأكل (1).
وقال جميع الفقهاء: إن التذكية في الحلق واللبة على حد واحد ولم يفصلوا (2).
في البداية: المستحب في الإبل النحر فإن ذبحها جاز (3).
وقال مالك: النحر يجوز في الكل، والذبح لا يجوز إلا في الإبل فإن نحرهما جاز ويكره،
وفي البقر والغنم الذبح (4).
وإذا أراد نحر شئ من الإبل، عقل يديه، وطعنه في لبته وهو بارك، ويذبح ما عدا
الإبل، فإن كان من الغنم عقل يديه ورجله الواحدة ويضجع، وإن كان من البقر عقل يديه
ورجليه.
ولا يكون الذكاة صحيحة مبيحة للأكل إلا بقطع الحلقوم والودجين والمرئ على الوجه
الذي قدمناه مع التمكن من ذلك بالحديد، أو ما يقوم مقامه في القطع عند فقده من زجاج
[197 / أ] أو حجر أو قصب مع كون المذكي مسلما، ومع التسمية، واستقبال القبلة (5).
الحلقوم وهو مجرى النفس والمرئ وهو تحت الحلقوم، وهو مجرى الطعام والشراب،
والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم وبما قلناه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: قطع أكثر الأربعة شرط في الإجزاء، قالوا: وظاهر مذهبه الأكثر من
كل واحد منها.
وقال أبو يوسف: الأكثر الأربعة عددا فكأنه يقطع ثلاثة من الأربع بعد أن يكون
الحلقوم والمري من الثلاثة.
وقال الشافعي: الإجزاء يقع بقطع الحلقوم والمري وحدهما وقطع الأربع من الكمال (6).
في الخلاصة: شرط تمام الذكاة قطع تمام الحلقوم والمري وإلا فهي ميتة، وإن أمر السكين
فوق الحلقوم فإن الرأس لم يقطع من الحلقوم شيئا فهي ميتة، وقطع الودجين ليس بشرط.
لنا أن ما اعتبرناه مجمع على وقوع الذكاة به، وروى أبو أمامة (7) عن النبي (عليه السلام) قال:

1 - الغنية 296.
2 - الخلاف: 6 / 25 مسألة 24.
3 - الهداية في شرح البداية: 4 / 351.
4 - الخلاف: 6 / 48 مسألة 8.
5 - الغنية 397.
6 - الخلاف: 6 / 47 مسألة 7.
7 - اسمه صدي بن عجلان بن الحارث الباهلي، أبو أمامة مشهور بكنيته. روى عن النبي (صلى الله عليه وآله). وكان مع علي (عليه السلام)
بصفين، ومات سنة (86). الإصابة: 3 / 420 رقم 4063.
540

ما فرى الأوداج فكلوا ما لم يكن قرض ناب أو جز ظفر، فاعتبر فري الأوداج بغير قطعها (1).
لا تحل التذكية بالسن والظفر المتصلين بلا خلاف، والمنفصلين وفي ذلك خلاف (2)، فإن
خالف وذبح به لم يحل أكله. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان الظفر والسن متصلين فكما قلنا وإن كانا منفصلين حل أكله (3).
ولا تحل ذبائح الكفار (4)، أما المجوسي والوثني فلا خلاف في تحريم ذبيحتهما وأما أهل
الكتاب - اليهود والنصاري - فلا تحل ذبائحهم عند المحصلين من أصحابنا.
وقال شذاذ منهم لا يعتد بقولهم: إنه يجوز أكله، وبه قال جميع الفقهاء (5).
لنا أنهم لا يرون التسمية فرضا ولا سنة ولأنهم لو سموا لما كانوا مسمين الله تعالى لأنهم
غير عارفين به سبحانه، ولا في حكم العارفين، ولا يلزم على ذلك تحريم ما يذبحه الصبي الذي
يحسن الذبح، لأنه غير كافر وفي حكم العارف (6).
وفي الخلاصة: ذبح الصبي والمجنون صحيح في قول وفي غيره أعني الخلاصة المذهب أن
ذبيحة الصبي المميز حلال لأن عمد الصبي عمد على الأصح (7).
ولا يحل أكل ذبيحة يعمد فيها قلب السكين من أسفل إلى فوق، أو فصل الرأس منها،
أو سلخ جلدها قبل أن تبرد بالموت، أو لم تتحرك، أو تحرك‍ [- ت] ولم يسل منها دم (8).
وفي الخلاف للشيخ: يكره إبانة الرأس من الجسد، وقطع النخاع قبل أن تبرد الذبيحة،
فإن خالف وأبان لم يحرم أكله [197 / ب] وبه قال جميع الفقهاء (9).
وفي الخلاصة: ولو ذبحها ثم أبان رأسه قبل سكونها فهي ذكية وكرهنا صنيعه ولا يجوز
قبل أن يهدأ لما فيه من التعذيب وقال سعيد بن المسيب: يحرم أكلها.
يدل على المسألة أن الأصل الإباحة وما روي عن علي (عليه السلام) أنه سئل عن بعير ضربت
عنقه بالسيف، فقال: يؤكل ولا مخالف له (10).
وذكاة ما أشعر أو أوبر من الأجنة ذكاة أمه، إن خرج ميتا حل أكله وإن خرج حيا

1 - الخلاف: 6 / 47 مسألة 7.
2 - الغنية: 397.
3 - الخلاف: 6 / 22 مسألة 22.
4 - الغنية: 397.
5 - الخلاف 6 / 23: مسألة 23.
6 - الغنية 397.
7 - الوجيز: 2 / 206.
8 - الغنية 397.
9 - الخلاف: 6 / 53 مسألة 13.
10 - الخلاف: 6 / 53 مسألة 13.
541

فأدركت ذكاته أكل وإلا فلا، وإن لم يكن أشعر أو أوبر لم يحل أكله إذا خرج ميتا (1).
وقال الشافعي: إذا خرج ميتا حل أكله، ولم يفصل بين أن يكون تاما أو غير تام، وإن
خرج حيا فإن بقي زمانا يتسع لذبحه ثم مات لم يحل أكله، وإن لم يتسع الزمان لذبحه ثم مات
حل أكله، سواء ذلك لتعذر آلة أو لغير ذلك. وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد.
وانفرد أبو حنيفة بأن قال: إذا خرج ميتا فهو ميت لا يؤكل حتى يخرج حيا فيذبح
فيحل بالذبح.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه أبو داود في سننه (2) عن أبي سعيد
الخدري قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله ننحر الناقة [أ] ونذبح البقرة أو الشاة
وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكل فقال: كلوه إن شئتم فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه. وعن أبي هريرة
أن النبي (عليه السلام) قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه. وروي عن ابن عمر وابن عباس: إذا خرج الجنين ميتا
وقد أشعر أكل (3).
الطحال والقضيب والخصيتان والرحم والمثانة والغدد والعلباء الكليتان. والحذق
والخرزة، تكون في الدماغ، والنخاع والفرج محرم عندنا ويكره الكليتان.
وقال جميع الفقهاء: إن جميع ذلك مباح (4).
وذكاة السمك والجراد صيد المسلم لهما فقط، ومن أصحابنا من قال بجواز صيد الكافر
لهما، لأنه ليس من شرط ذلك التسمية، وإن كانت أولى إلا أنه لا يحل أكل شئ من ذلك إذا لم
يشاهد المسلم أخذ الكافر له حيا، فالأول أحوط.
ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلس، ولا يحل الدبا من الجراد، ولا يحل من السمك ما
مات في الماء، ولا من الجراد ما مات في الصحراء، وكذا حكم ما مات من السمك لذهاب الماء
عنه، وما مات من الجراد لوقوعه في ماء (5).
وقال الشافعي: يحل جميع ذلك في جميع حيوان الماء.
وقال أبو حنيفة [198 / أ] إذا مات حتف أنفه لم يؤكل، وإن مات بسبب مثل أن انحسر

1 - الغنية 397.
2 - أبو داود السجستاني صاحب السنن معروف ولد سنة (202) وتوفي بالبصرة سنة 275.
3 - الخلاف: 6 / 88 مسألة 18.
4 - الخلاف: 6 / 29 مسألة 30.
5 - الغنية 398 - 399.
542

الماء عنه أو ضربه بشئ أكل إلا ما يموت بحرارة الماء أو برودته ففيه عنه روايتان، وقال
مالك: لا يحل حتى يقطع رأسه (1).
لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل من أنواع السمك إلا ما كان له قشر، فأما
غيره مثل المارماهي والزمير وغيره، وغير السمك من الحيوان مثل: الخنزير والكلب
والسلحفاة والضفادع والفأر والإنسان فإنه قد قيل: ما من شئ [في البر] إلا ومثله في الماء،
فإن جميع ذلك لا يحل أكله بحال.
وقال: أبو حنيفة: لا يؤكل غير السمك، ولم يفصل وبه قال بعض أصحاب الشافعي.
وقال الشافعي: جميع ذلك يؤكل. قال الربيع: سئل الشافعي عن خنزير الماء فقال:
يؤكل. وبه قال مالك، وفي أصحاب الشافعي من يعتبر بدواب البر، فإن أكل من دواب البر
فكذلك من دواب البحر، وما لم يؤكل البري منه فكذلك البحري (2).
ابتلاع السمك الصغار قبل [قبل أن يموت] لا يحل لأنه لا دليل عليه وإنما أبيح لنا إذا
كان ميتا لقوله (عليه السلام): أحلت لنا ميتتان السمك والجراد (3).
في الخلاصة: لا يجوز ابتلاعهما حية على الصحيح وميتة الجراد كميتة السمك وهما
مخصوصان من الميت كالكبد والطحال من الدماء.
في الوسيط: الظاهر أنه حلال وإنما كره ابتلاعها للتعذيب (4).
ويحرم أكل الكلب والخنزير (5) وهما نجسان في حال الحياة. وبه قال أبو حنيفة،
والشافعي.
وقال مالك: هما طاهران في حال الحياة، وإنما ينجسان بالموت (6).
والحيوان. على ضربين طاهر ونجس فالطاهر النعم بلا خلاف، وما جرى مجراها من
البهائم والصيد، والنجس: الكلب والخنزير، والمسوخ كلها.
وقال الشافعي: الحيوان طاهر سوى الكلب والخنزير.
وقال أبو حنيفة: الحيوان على ثلاثة أضرب: طاهر مطلق وهو النعم وما في معناها،
ونجس العين وهو الخنزير، ونجس نجاسته تجري مجرى ما نجس بالمجاورة وهو الكلب والذئب

1 - الخلاف: 6 / 31 مسألة 32 - 33.
2 - الخلاف: 6 / 29 مسألة 31.
3 - الخلاف: 6 / 33 مسألة 34.
4 - الوسيط: 7 / 103.
5 - الغنية: 398.
6 - الخلاف: 6 / 73 مسألة 1.
543

والسباع كلها، ومشكوك فيه وهو الحمار (1).
والثعلب والأرنب والضبع حرام (2).
السباع على ضربين: ذي ناب قوي يعدو على الناس كالأسد والنمر والذئب والفهد فهذا
كله لا يؤكل بلا خلاف. الثاني ما كان ذا ناب ضعيف لا يعدو على الناس، وهو الضبع والثعلب،
فعندنا أنهما حرام أكلهما وعند الشافعي هما مباحان وقال مالك: الضبع حرام أكله، وقال أبو
حنيفة: مكروه (3).
والأرنب حرام وقال الشافعي: حلال [198 / ب] (4).
وابن آوى لا يحل أكله، ولأصحاب الشافعي فيه وجهان (5).
والضب حرام وبه قال مالك وقال أبو حنيفة مكروه يأثم بأكله، إلا أنه لا يسميه
حراما، وقال الشافعي: حلال (6).
واليربوع حرام. وقال الشافعي: حلال (7).
والسلحفاة والقنفذ حرام (8) وكذلك الوبر وهو دويبة سوداء أكبر من ابن عرس خلافا
للشافعي فإنه قال: يجوز أكلها (9).
والفأر وأيضا يحرم السنور بريا كان أو أهليا وفاقا للشافعي في الأهلي وقال في البري:
وجهان، وبما قلناه قال أبو حنيفة في البري والأهلي (10).
وكذا ابن آوى لا يحل أكله ولأصحاب الشافعي فيه وجهان (11).
والقرد والدب والفيل لا يحل أكلها وكل ذي ناب ومخلب من السباع وكل ذي مخلب من
الطير ولا ما لا حوصلة له ولا ما ما لا قانصة له، ولا دواب البحر ما عدا ما ذهبنا إليه من
السمك (12). وقد تقدم الخلاف فيها.
ويحتج على الشافعي في قوله بإباحة أكل الثعلب والضبع بما رواه أبو هريرة من قوله (عليه السلام)
كل ذي ناب من السباع حرام. ومن طريق آخر أنه (عليه السلام) نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع

1 - الخلاف: 6 / 73 مسألة 2.
2 - الغنية 398.
3 - الخلاف: 6 / 74 مسألة 3.
4 - الخلاف: 6 / 78 مسألة 8.
5 - الخلاف: 6 / 75 مسألة 5.
6 - الخلاف: 6 / 78 مسألة 9.
7 - الخلاف: 6 / 75 مسألة 4.
8 - الغنية: 398.
9 - الخلاف: 6 / 77 مسألة 7.
10 - الخلاف: 6 / 77، مسألة 6، والغنية ص 398.
11 - الخلاف: 6 / 75، مسألة 5، وقد ذكره آنفا قبل أسطر.
12 - الغنية 398.
544

وذي مخلب من الطيور.
ويحتج عليه في تحليل أكل الضب بما رووه من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى أصحابه وقد نزلوا
بأرض كثيرة الضباب وهم يطبخون، فقال: ما هذا قالوا: ضباب أصبناها، فقال (عليه السلام): إن أمة
من بني إسرائيل مسخت دوابا في هذه الأرض وإني لأخشى أن تكون هذه، فأكفؤوا القدور (1).
وكذا حشرات الأرض والميتة، والدم المسفوح بلا خلاف والطحال والقضيب والعصب
والأنثيين والغدد والمشيمة والمثانة (2)، خلافا للشافعي فيها (3).
والطين إلا اليسير من تربة الحسين (عليه السلام)، وبيض ما لا يؤكل لحمه ولبنه، وما اتفق طرفاه
من مجهول البيض، والسموم القواتل، وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها قبل أن يبرد
بالموت على خلاف فيه ذكرناه قبل، وما كان في بطن ما شرب خمرا من ذلك وإن غسل، والذي
في بطن ما شرب بولا حتى غسل، وما وطأه الإنسان من الأنعام، وما شرب من لبن خنزيرة
واشتد به، وما كان من ولد ذلك ونسله، وما أدمن شرب النجاسات حتى يمنع منه عشرا،
وجلالة الغائط إذا كان غذاؤها كله من ذلك حتى تحبس الإبل أربعين يوما، والبقر عشرين
يوما، والشاة عشرة أيام وروي سبعة، والبط والدجاج خمسة أيام، وروي في الدجاج ثلاثة
أيام [199 / أ] والسمك يوما وليلة، والطعام النجس، والمغصوب، والطعام في آنية الذهب
والفضة.
ويحرم شرب قليل المسكر وكثيره، من عنب كان أو من غيره، مطبوخا كان أو غير
مطبوخ، والفقاع، وكل ما ليس بطاهر من المياه وغيرها من المايعات.
وثمن كل ما يحرم أكله وشربه من المسوخ والأنجاس إلا ما استثنيناه في كتاب البيع،
وأجر عمل المحرمات من الملاهي وآلات القمار وغير ذلك من كل محرم [حرام]، وكذا الأجر
على العبادات التي أمر بها المكلف لا بسبب الاستئجار، دليل ذلك كله إجماع الإمامية (4).
الخمر المحرم المجمع على تحريمها، هي عصير العنب الذي اشتد وأسكر، وبه قال أبو
يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة: اشتد وأسكر وأزبد، فاعتبر الازباد، فهذه حرام نجس يحد شاربها،

1 - الغنية 399.
2 - الخلاف: 6 / 29 مسألة 30.
3 - الغنية 398.
4 - الغنية 398 - 399.
545

أسكر أو لم يسكر بلا خلاف (1).
وكل شراب أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام نجس يحد شاربه، سكر أو لم يسكر
كالخمر، سواء عمل من زبيب أو تمر أو عسل أو حنطة أو شعير أو ذرة، الكل واحد، ونقيعه
ومطبوخه سواء، وبه قال في الصحابة علي (عليه السلام) وابن عمر وابن عباس، وفي الفقهاء أهل
الحجاز، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: أما عصير العنب إذا مسته النار وطبخ نظرت فإن ذهب ثلثاه فهو
حلال ولا حد حتى يسكر، وإن ذهب أقل من الثلثين فهو حرام، ولا حد حتى يسكر، وما
عمل من التمر والزبيب نظرت فإن طبخ فهو النبيذ وهو مباح، ولا حد حتى يسكر، وإن لم
يطبخ فهو حرام، ولا حد حتى يسكر، فأما ما عمل من غير هاتين الشجرتين الكرم والنخل
مثل العسل والشعير والحنطة والذرة فكله مباح، ولا حد فيه، أسكر أو لم يسكر.
قال محمد في كتاب الأشربة: قال أبو حنيفة: الشراب المحرم أربعة نقيع العنب الذي
اشتد وأسكر، ومطبوخ العنب إذا ذهب ثلثه، ونقيع التمر والزبيب، وما عدا هذا حلال كله.
فالكلام مع أبي حنيفة في أربعة فصول:
أحدها كل شراب مسكر فهو خمر، وعنده ليس بخمر.
والآخر أنه حرام، وعنده حلال إلا ما يعقبه سكر، فإنه متى شرب عشرة فسكر عقيبها
فالعاشر حرام، وما قبله حلال.
الثالث أنه نجس وعنده طاهر.
والرابع يحد شاربه عندنا وعنده لا يحد ما لم يسكر (2).
تحريم الخمر غير معلل، وإنما حرمت وسائر المسكرات لاشتراكها في الاسم، أو لدليل
آخر [199 / ب] وقال الشافعي: هي معللة، وعلتها الشدة المطربة، وسائر المسكرات مقيس
عليها.
وقال أبو حنيفة: هي محرمة لعينها، غير معللة وإنما حرم نقيع التمر والزبيب لدليل آخر
ولا نقيس عليها شيئا من المسكرات (3).
يحتج على أبي حنيفة في تحليل ما عدا الخمر من النبيذ بما رووه من قوله (عليه السلام): ما أسكر

1 - الخلاف: 5 / 474 مسألة 2.
2 - الخلاف: 5 / 475 مسألة 3.
3 - الخلاف: 5 / 488 مسألة 4.
546

كثيره فقليله حرام، وقوله: حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب (1).
والفقاع حرام، لا يجوز شربه بحال. وقال أحمد بن حنبل: كان مالك يكرهه، ويكره أن
يباع في الأسواق.
وروى أصحابنا أن على شاربه [الحد] كما يجب على شارب الخمر وأن على بائعه
التعزير. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: هو مباح (2).
والدليل على تحريم الفقاع بعد إجماع الإمامية ما رواه أبو عبيد القاسم بن السلام (3)،
والساجي في كتاب اختلاف الفقهاء عن أم حبيبة (4) زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) من أن قوما من اليمن
قدموا عليه لتعلم الصلاة والفرائض والسنن، فقالوا يا رسول الله إن لنا شرابا نتخذه من القمح
والشعير، فقال (عليه السلام): الغبيراء، قالوا: نعم، فقال رسول الله: لا تطعموها، قال الساجي في
حديثه: إنه (عليه السلام) قال ذلك ثلاثا، وقال أبو عبيد في حديثه: لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها
له (عليه السلام) فقال: الغبيراء قالوا: نعم قال: لا تطعموها قالوا: فإنهم لا يدعونها، فقال (عليه السلام): من لم
يتركها فاضربوا عنقه.
وروي أبو عبيد أيضا عن زيد بن أسلم أن النبي (عليه السلام) سئل عن الغبيراء فنهى عنها وقال:
لا خير فيها، قال: وقال زيد بن أسلم والأسكركة هي، وقد علمنا أن الأسكركة اسم يختص
في لغة العرب بالفقاع.
وقد روى ابن حنبل عن ضمرة أنه قال: الغبيراء التي نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها الفقاع،
وقال ابن حنبل: إن مالك بن أنس كان يكره الفقاع ويكره بيعه في الأسواق، وابن المبارك (5)
كان يكرهه، وكان يزيد بن هارون (6) يكرهه، وهؤلاء عند المخالف من كبار شيوخ

1 - الغنية 399.
2 - الخلاف: 5 / 489 مسألة 6.
3 - بتشديد اللام، كان أبوه عبدا روميا، روى عن أبي زيد الأنصاري، والأصمعي، وأبي عبيدة وابن الأعرابي وجماعة
كثيرة، ولي القضاء بمدينة طرسوس (18) سنة وتوفي سنة (223). وفيات الأعيان: 4 / 60 رقم 534.
4 - بنت أبي سفيان، زوج النبي (صلى الله عليه وآله)، اسمها رملة وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، ولدت قبل البعثة تزوجها عبيد الله
بن جحش، فولدت له حبيبة كانت تكنى بها، وماتت بالمدينة سنة (44). الإصابة: 7 / 651 رقم 11185.
5 - عبد الله بن مبارك بن واضح، أبو عبد الرحمن الحنظلي سمع من الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وأبي عبد رب
الزاهد، وغيرهم وروى عنه: معمر بن راشد، وسفيان الثوري وغيرهما، مات بهيت سنة (181 ه‍). تاريخ مدينة
دمشق: 32 / 396 الرقم 3555.
6 - يزيد بن هارون ابن زاذي، أو ابن زاذان السلمي أبو خالد الواسطي ولد سنة (117) وتوفي سنة (206). تهذيب
الكمال: 32 / 261 رقم 7061.
547

أصحاب الحديث.
ولحوم الحمر الأهلية والبغال غير محرمة (1) بل هي مكروهة، وبه قال ابن عباس في
الحمر الأهلية، ووافقنا الحسن البصري في البغال، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: محرم
أكلها (2).
لنا أن الأصل الإباحة والمنع [200 / أ] يحتاج إلى دليل، ولا دليل يقطع به على ذلك،
لأن ما يتعلق به المخالف في تحريم لحم الحمر أخبار آحاد لا يجوز العمل بها في الشرعيات، ثم
هي معارضة بغيرها، ومحمولة على أن سبب النهي عن ذلك قلة الظهر في ذلك الوقت لا تحريم
اللحم، كما كان نهيه (عليه السلام) عن لحوم الخيل لذلك.
وقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} (3)، لا دلالة فيها
للمخالف، لأن جعلها للركوب والزينة لا يمنع من كونها لغيرهما، بدليل جواز الحمل عليها
وإن لم يذكره، وأكل لحوم الخيل عند الأكثر جائز، ولأن الظاهر أن المقصود بذلك الركوب
والزينة دون أكل اللحم، وكذا نقول، وليس بمانع من كون لحمها حلالا إذا أريد أكله، ألا ترى
أن من قال: وهبتك هذا الفرس لتركبه، لا يمنع من جواز انتفاعه بغير الركوب (4).
أكل لحوم الخيل حلال، عرابا كانت أو براذين، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد
وأحمد وإسحاق. وقال مالك: حرام وقال أبو حنيفة: مكروه (5).
جوارح الطير محرم أكلها مثل البازي والصقر وغيرهما، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: الطائر كله حلال لقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحي إلي} (6) الآية (7).
الغراب كله حرام على الظاهر من الروايات، وروي في بعضها رخص في الزاغ وهو
غراب الزرع والغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد.
وقال الشافعي: الأسود والأبقع حرام، وفي الزاغ والغداف وجهان: أحدهما حرام
والثاني حلال، وبه قال أبو حنيفة (8).
الجلال من البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة والرطبة كالناقة والبقرة والشاة والدجاجة

1 - الغنية 399 - 401.
2 - الخلاف: 6 / 80 مسألة 11.
3 - النحل: 8.
4 - الغنية 401
5 - الخلاف: 6 / 79 مسألة 10.
6 - الأنعام: 145.
7 - الخلاف: 6 / 84 مسألة 14.
8 - الخلاف: 6 / 85 مسألة 15.
548

فإن كان الغالب عليها كره لحمها عندنا وعند جميع الفقهاء، وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان
غذاؤه كله من ذلك، ويزول حكم الجلل عندنا بأن يحبس ويطعم علفا طاهرا كما مر ذكره قال
الشيخ: ولم أعرف للفقهاء فيها نصا (1).
ويجوز أن ينتفع من ميتة ما يقع الذكاة عليه بالصوف والشعر والوبر والقرن والظلف
والخف والمخلب والسن والريش واللبن والإنفحة (2)، وفيها خلاف بين أصحابنا (3).
ومتى وجد لحم ولم يعلم أذكي هو أم ميت يطرح على النار، فإن تقلص فهو ذكي، وإن
انبسط فهو ميت، ويعتبر السمك بطرحه في الماء فإن رسب فهو ذكي، و [200 / ب] إن طفا
فهو ميت، دليل ذلك كله إجماع الإمامية (4).

1 - الخلاف: 6 / 85 مسألة 16.
2 - الغنية 401.
3 - السرائر: 3 / 112.
4 - الغنية 401
549

الجنايات
كتاب الجنايات
الجنايات على ضربين: قتل وغير قتل، فالقتل على ضروب ثلاثة: عمد محض، وخطأ
محض، وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض هو ما وقع من كامل العقل عن قصد بلا خلاف، سواء كان بمحدد، أو
مثقل أو سم أو خنق أو تحريق أو تغريق (1)، وفي ذلك خلاف، فعندنا إذا ضربه بمثقل يقصد به
القتل غالبا كالدبوس واللت والخشبة الثقيلة والحجر الثقيل فعليه القود، وكذلك إن قتله بكل
ما يقصد به القتل غالبا مثل أن حرقه أو غرقه أو غمه حتى يتلف أو هدم عليه بيتا أو طينه
عليه بغير طعام حتى مات، أو والى عليه بالخنق فقتله، ففي كل هذا القود، وإن ضربه بعصا
خفيفة فقتله ينظر، فإن كان نضو الخلق ضعيف القوة والبطش يموت مثله منها فهو عمد
محض، وإن كان قوي الخلقة والبطش لم يكن عمدا محضا، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد
والشافعي.
وقال أبو حنيفة متى قتله بمثقل وبجميع ما ذكرناه فلا قود، وإليه ذهب الشعبي والنخعي
والحسن البصري، وفصل أبو حنيفة وقال لا قود إلا إذا قتله بمثقل حديد أو بمحدد أو النار
ففيه القود (2).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (3)

1 - الغنية: 401.
2 - الخلاف: 5 / 159 مسألة 18.
3 - الإسراء: 33.
550

لأنه لم يفصل بين أن يكون القتل بمحدد أو غيره، وما رووه من قوله (عليه السلام): ثم أنتم يا خزاعة قد
قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقلته، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين: إن أحبوا
قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، لأنه لم يفرق أيضا (1).
والخطأ المحض، وهو ما وقع من غير قصد، إليه، ولا إيقاع سببه بالمقتول، نحو أن يقصد
المرء رمي طائر مثلا فيصيب إنسانا فقتله، بلا خلاف.
والخطأ شبيه العمد، هو ما وقع من غير قصد إليه، بل إلى إيقاع ما يحصل القتل عنده بما لم
تجر العادة بانتفاء الحياة بمثله نحو أن يقصد المرء تأديب من له تأديبه أو معالجة غيره بما جرت
العادة بحصول النفع عنده، من مشروب، أو فصد أو غيرهما.
وبما قلنا من أقسام القتل قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك [201 / أ]: القتل ضربان: عمد محض، وخطأ محض، وما سميناه شبيه العمد
جعله عمدا، وأوجب فيه القود.
والحجة على مالك قوله (عليه السلام): ألا إن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط والعصا مئة من
الإبل راويه عبادة بن صامت (2)، وما رواه أيضا عبد الله بن عمر أن النبي (عليه السلام) قال: ألا إن في
قتل العمد الخطأ بالسوط والعصا مئة من الإبل وهذا نص (3).
والضرب الأول من القتل موجبة القود بشروط:
منها أن يكون غير مستحق بلا خلاف.
ومنها أن يكون القاتل بالغا كامل العقل، فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله حكم
الخطأ (4). روى أصحابنا أن عمد الصبي والمجنون وخطأهما سواء، فعلى هذا يسقط القود عنهما
والدية محققة على العاقلة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: ما قلنا والآخر: أن الدية في قتلهما دية العمد المحض
مغلظة حالة في ماله، وقال في المجنون: إذا شرب شيئا أو أكل جن منه، فكان كالسكران

1 - الغنية 402.
2 - ابن قيس، الأنصاري، الخزرجي، أبو الوليد المدني، شهد العقبة الأولى والثانية وهو أحد النقباء الاثني عشر ليلة
العقبة روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله). مات بالرملة من أرض الشام سنة (34) وهو ابن (72) سنة. تهذيب الكمال: 14 / 183
رقم 3107.
3 - الغنية 402 - 403، والخلاف 5 / 217 مسألة 2، وليس في الخلاف ذكر لعبادة بن الصامت بل نسب الحديث إلى ابن
عمر.
4 - الغنية: 403.
551

والسكران كالصاحي.
لنا بعد إجماع الإمامية ما روي عن النبي (عليه السلام)، رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي
والمجنون والنائم (1).
ومنها أن لا يكون المقتول مجنونا بلا خلاف بين أصحابنا.
ومنها: أن لا يكون صغيرا، على خلاف بينهم فيه، وظاهر القرآن يقتضي
الاستقادة به (2).
وفي البداية: يقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والعبد بالحرة والحر بالعبد، والمسلم
بالذمي، ولا يقتل بالمستأمن، ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالأعمى
والزمن (3).
ومنها أن لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا، سواء كان عبد نفسه، أو عبد غيره، فإن
كان عبد نفسه عزر وعليه الكفارة، وإن كان عبد غيره عزر وغرم قيمته. وهو إجماع
الصحابة. وبه قال: الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يقتل بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه، وقال النخعي: يقتل به، سواء
كان عبده أو عبد غيره.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية قوله تعالى: {الحر بالحر والعبد بالعبد} (4) وما رووه من
قوله (عليه السلام): لا يقتل حر بعبد (5).
ومنها: أن لا يكون القاتل والد المقتول (6)، وبه قال عمر، وفي الفقهاء: ربيعة والأوزاعي
والثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: إن قتله خذفا بالسيف فلا قود، وإن قتله ذبحا
أو شق بطنه فعليه القود. وبه قال عثمان البتي (7).
لنا ما رووه من قوله (عليه السلام) لا يقتل الوالد بولده.
ومنها أن لا يكون القاتل مسلما والمقتول كافرا [201 / ب] سواء كان معاهدا أو
مستأمنا أو حربيا (8)، وبه قال: في الصحابة علي (عليه السلام) وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وفي الفقهاء

1 - الخلاف: 5 / 270 مسألة 87.
2 - الغنية 403.
3 - الهداية في شرح البداية: 4 / 444.
4 - البقرة: 178.
5 - الخلاف: 5 / 148 مسألة 4.
6 - الغنية: 403.
7 - الخلاف: 5 / 151 مسألة 9، الغنية: 403.
8 - الغنية: 404.
552

مالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يقتل بالذمي، ولا يقتل بالمستأمن والحربي وإليه ذهب الشعبي
والنخعي.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا} (1) بيانا وقوله (عليه السلام): لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهدة في عهده (2).
ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدي أوليائها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته وهو
النصف (3).
خلافا لجميع الفقهاء: فإنهم قالوا يقتل بها، ولا يرد أولياؤها شيئا (4).
لنا قوله تعالى: {والأنثى بالأنثى} (5) لأنه يدل أن [الذكر] لا يقتل بالأنثى إلا أنا
أخرجنا من ذلك قتله بها مع الشرط الذي ذكرناه بدليل.
وتقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدي ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل من دية صاحبه،
فإن اختار ولي الدم قتل واحد منهم، كان له ذلك، ويؤدي المستبقون ما يجب عليهم من
أقساط الدية إلى ورثة المقاد منه (6) وبه قال في الفقهاء: مالك والأوزاعي والثوري وأبو
حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أنهم لا يعتبرون ما اعتبرناه.
وذهبت طائفة إلى أن الجماعة [لا تقتل] بالواحد، لكن ولي المقتول يقتل منهم واحدا،
وتسقط الدية بحسبه ويأخذ من الباقين أو الباقي من الدية على عدد الجناة وهو قول عبد الله
بن الزبير ومعاذ بن جبل وابن سيرين والزهري.
وذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد ولا واحد منهم، لكن يسقط القود وتجب
الدية بالحصة على عدد الجناة ذهب إليه ربيعة بن [أبي] عبد الرحمن وداود وأهل الظاهر (7).
يدل على ما اعتبرناه أنه أشبه بالعدل وأليق به، ويدل على جواز قتل الجماعة بالواحد
بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (8) لأنه لم

1 - النساء: 141.
2 - الخلاف: 5 / 145 مسألة 2.
3 - الغنية: 404.
4 - الخلاف: 5 / 145 مسألة 1.
5 - البقرة 178.
6 - الغنية: 404.
7 - الخلاف: 5 / 155 مسألة 14.
8 - الإسراء: 33.
553

يفرق بين الواحد والجماعة، وأيضا قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة} (1) لأن المعنى
أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل يقتل كف عن القتل، وكان في ذلك حياته وحياة من هم بقتله،
وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالآية، وقوله تعالى: {النفس بالنفس} (2)
و {الحر بالحر} (3) المراد به الجنس لا العدد، فكأنه قال: إن جنس النفوس يؤخذ بجنس
النفوس وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.
ولا تجب الدية [202 / أ] في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود، فإن بذلها
القاتل ورضي بها ولي الدم جاز ذلك، وسقط حقه من القصاص (4).
ولا تثبت له الدية على القاتل بغير رضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على
مال، قليلا كان أو كثيرا، فأما ثبوت الدية بغير رضاه فلا، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما: أن موجب القتل أصلان: القود أو الدية وهو اختيار أبي حامد.
والقول الثاني: موجبه القود فقط، والولي بالخيار بين أن يقتله أو يعفو، فإن قتل فلا
كلام، وإن عفا على مال سقط القود وتثبت الدية بدلا عن القود، فتكون الدية على هذا بدلا
عن بدل، وعلى القولين معا تثبت الدية بالعفو سواء رضي الجاني ذلك أو سخط، وبه قال في
التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق (5).
ومتى هرب قاتل العمد، ولم يقدر عليه حتى مات، أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له
مال، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون الدية.
ويقتل واحد بجماعة فإن اختار أولياء الدم قتله، فلا شئ لهم غيره، فإن تراضوا بالدية
فعليه من الديات الكاملة بعدد من قتل، وإن أراد بعض الأولياء القود وبعض الدية، كان لهم
ذلك، وإن عفا بعضهم سقط حقه، وبقي حق من لم يعف على مراده (6) وإن بادر واحد منهم
فقتله، سقط حق كل واحد من الباقين، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: يسقط حق الباقين إلى
بدل، وهو كمال الدية في ماله خاصة.
وقال: أبو حنيفة: يتداخل حقوقهم من القصاص، وليس لواحد منهم أن ينفرد بقتله بل
يقتل بجماعتهم، فإن قتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن بادر واحد فقتله فقد استوفى حقه،

1 - البقرة: 179.
2 - المائدة: 45.
3 - البقرة 178.
4 - الغنية 405.
5 - الخلاف: 5 / 176 مسألة 40.
6 - الغنية 405.
554

ويسقط حق الباقين إلى بدل (1).
ولو كان المقتول واحدا، وأولياؤه جماعة فاختار بعضهم القود والبعض الآخر الدية أو
العفو، جاز قتله بشرط أن يؤدي من أراده إلى مريدي الدية أقساطهم منها، أو إلى ورثة المقاد
منه أقساط من عفا (2).
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إذا عفا بعض الأولياء عن القود سقط القصاص ووجب
للباقين الدية على قدر حقهم (3).
إذا كان القصاص لابنين فعفى أحدهما عن القصاص، سقط حقه ولم يسقط حق أخيه إذا
رد على أولياء المعفو عنه نصف الدية، وقال الشافعي يسقط حقهما عن القصاص لأن
القصاص لا يتبعض، وكان لأخيه نصف الدية (4).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (5)
ومن أسقط القود مع عفو بعض الأولياء، وأراد به الدية فقد ترك الظاهر.
ويجوز لأحد الأولياء استيفاء القصاص من غير استئذان الشركاء فيه، بشرط أن
يضمن نصيبهم من الدية (6) وقال جميع الفقهاء: ليس له ذلك حتى يستأذنهم إن كانوا
حاضرين، ويقدموا إن كانوا غائبين (7).
لنا بعد إجماع الإمامية ظاهر الآية لأنه ولي فيجب أن يكون له سلطان.
ويقتل الذمي بمن قتله من المسلمين، ويرجع على تركته أو أهله بديات الأحرار وقيمة
الرقيق، وبما يلحقه من قسط ذلك إذا كان مشاركا في القتل.
إذا قتل العبد الحر، وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من مال [وولد] إن شاء قتله
ويملك ماله وولده وإن شاء استرقه فإن كان للعبد شريكا للحر في هذا القتل، واختار الأولياء
قتل الحر فعلى سيد العبد لورثته نصف ديته، أو تسليم العبد إليهم يكون رقا لهم، وإن اختاروا
قتل العبد، كان لهم بلا خلاف بين أصحابنا.
وليس لسيد العبد على الحر سبيل عند الأكثر منهم، وهو الظاهر في الروايات، ومنهم

1 - الخلاف: 5 / 182 مسألة 47.
2 - الغنية: 406.
3 - الخلاف: 5 / 153 مسألة 12.
4 - الخلاف: 5 / 181 مسألة 44.
5 - الإسراء: 33.
6 - الغنية: 406.
7 - الخلاف: 5 / 181 مسألة 44.
555

من قال يؤدي الحر إلى سيد العبد نصف قيمته، وإن اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك بلا
خلاف بين أصحابنا، ومنهم من قال: بشرط أن يردوا قيمة العبد إلى سيده خاصة ومنهم من
قال إلى ورثة الحر أيضا.
وإذا قامت البينة بالقتل على إنسان، وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود عليه منه
فأولياؤه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين، وبين قتلهما ورد نصف ديته على ورثة المشهود
عليه دون المقر ببراءته وبين قتل المشهود عليه ويؤدي المقر إلى ورثته نصف ديته وبين قتل
المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه، وإذا لم يبرئ المقر المشهود عليه كانا شريكين في
القتل متساويين فيما يقتضيه.
وإذا أقر إنسان بقتل يوجب [القود] وأقر آخر بذلك القتل خطأ، كان ولي الدم بالخيار
بين قتل المقر، بالعمد ولا شئ لهم على الآخر، وبين أخذ الدية منهما نصفين.
والقود على المباشر للقتل، دون الآمر به أو المكره عليه (1)، وبه قال زفر (2) وفرض
الفقهاء ذلك في الإمام والمتغلب مثل الخوارج والخلاف، في الإمام والآمر واحد، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما: يجب عليهما القود كأنهما [203 / أ] باشرا قتله معا، وبه قال زفر قال: وإن
عفا الأولياء فعلى كل واحد منهما نصف الدية والكفارة. والقول الثاني: يجب على الملجئ
وحده القود، وعلى الملجأ نصف الدية فإن عفى عن الإمام فعليه نصف الدية، وعلى كل واحد
منهما الكفارة، فلا يختلف مذهبه في أن الدية عليهما نصفين وعلى كل واحد منهما الكفارة، وأن
على الإمام القود.
وقال أبو حنيفة ومحمد: القود على المكره وحده ولا ضمان على المكره في قود ولا دية ولا
كفارة.
وقال: أبو يوسف: لا قود على الإمام ولا على المكره، أما المكره فلأنه ملجأ، وأما الإمام
فلأنه ما باشر القتل.
لنا على ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} (3)
وهذا مقتول ظلما وفيه إجماع الصحابة (4).

1 - الغنية 406 - 407.
2 - كلمة: (وبه قال زفر) زائدة ولم ترد في الخلاف، ولاحظ ما سيأتي قريبا من رأي زفر.
3 - الإسراء: 33.
4 - الخلاف: 5 / 166 مسألة 29.
556

الإمام عندنا لا يأمر بقتل من لا يجب قتله لأنه معصوم، لكن يجوز ذلك في الأمير فمتى
أمره بقتل من لا يجب قتله، وعلم المأمور ذلك فقتله، من غير إكراه فإن القود على القاتل بلا
خلاف، وإن لم يعلم أن قتله واجب إلا أنه اعتقد أن الإمام لا يأمر بقتل من لا يجب قتله، فقتله،
فعند الشافعي لا قود على القاتل وإن القود على الإمام.
والذي يقتضيه مذهبنا أن هذا المأمور إن كان له طريق يعلم به أن قتله محرم، فأقدم من
غير توصل إليه فإن عليه القود لأنه متمكن من العلم بذلك، وإن لم يكن من أهل ذلك فلا
شئ عليه، وعلى الآمر القود (1).
وقد روي إن كان الآمر سيد العبد، وكان معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس،
وإذا كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس (2).
في الخلاف: اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر غلامه بقتل غيره فقتله، على
من يجب القود؟ فرووا في بعضها: أن على الآمر القود. وفي بعضها: أن على العبد القود ولم يفصلوا.
والوجه في ذلك أنه إذا كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمره به معصية، فإن القود على
العبد، وإن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز، ويعتقد أن جميع ما أمره سيده واجب عليه كان القود
على السيد، قال الشيخ: والأقوى في نفسي أنه إن كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل، أو
متمكنا من العلم به، فعليه القود، وإن كان صغيرا أو مجنونا (3) فإنه يسقط القود ويجب فيه
الدية، قال الشافعي: إن كان العبد صغيرا لا يعقل ويعتقد أن كل ما يأمره سيده فعليه فعله أو
كان كبيرا [203 / ب] أعجميا جاهلا يعتقد طاعة مولاه واجبة وحتما في كل ما يأمر به ولا
يعلم أنه لا طاعة في معصية الله تعالى فعلى السيد القود لأن العبد منصرف عن رأيه فكان
كالآلة بمنزلة السكين والسيف (4).
وإذا اجتمع ثلاثة في قتل واحد فأمسك أحدهم، وضرب الآخر وكان الثالث عينا لهم،
قتل القاتل، وخلد الممسك الحبس وسملت عين الرقيب (5)، وبه قال: ربيعة في القاتل والممسك.
وقال الشافعي: إن أمسكه متلاعبا مازحا فلا شئ عليه، وإن أمسكه للقتل أو
للضرب ولم يعلم أنه يقتله فقد عصى وأثم، وعليه التعزير، ورووا ذلك عن علي (عليه السلام) وإليه

1 - الخلاف: 5 / 166 مسألة 28.
2 - الغنية 407.
3 - كذا في الخلاف، وفي النسخة: أو موؤفا به.
4 - الخلاف: 5 / 168 مسألة 30.
5 - الغنية: 407.
557

ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: إذا كان متلاعبا لا شئ عليه، وإن كان للقتل فعليهما القود معا، كما لو
اشتركا في قتله.
وأما الثالث وهو العين قلنا يسمل عينه ولا يقتل. قال أبو حنيفة: يجب عليه القتل دون
الممسك. وقال مالك: يجب على الممسك دونه. وقال الشافعي: يجب القتل على المباشر دونهما.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية ما روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال: يقتل القاتل ويصبر الصابر،
وقال أبو عبيد: معناه يحبس الحابس (1).
وإذا قتل السيد عبده بالغ السلطان في تأديبه وأغرمه قيمته، وتصدق بها، فإن كان
معتادا لقتل الرقيق مصرا عليه قتل لفساده في الأرض لا على وجه القصاص، وكذا لو كان
معتادا لقتل أهل الذمة (2).
وإذا قتل عبد غيره عزر وغرم قيمته. وهو إجماع الصحابة. وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: يقتل بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه. وقال النخعي: يقتل به سواء عبده أو عبد غيره (3).
ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام، أو من يأذن له في ذلك، وهو ولي من ليس له ولي من
أهله، يقتل بالعمد أو يأخذ الدية، ويأخذ دية الخطأ، ولا يجوز له العفو كغيره من الأولياء.
ولا يستقاد إلا بضرب العنق ولا يجوز له القتل بغير الحديد وإن كان هو فعل ذلك بلا
خلاف بين أصحابنا في ذلك كله (4).
وقال الشافعي: قتل بما قتل، وقال أبو حنيفة: لا يستقاد منه إلا فيما قتل بمثقل الحديد أو
النار، ولا يستقاد منه إلا بالحديد مثل ما قلناه.
لنا بعد إجماع الإمامية وأخبارهم قوله (عليه السلام): لا قود إلا بحديد وهذا خبر معناه النهي (5).
ومن أصحابنا من قال: إن قصاص الطرف يدخل في قصاص النفس، وكذلك ديته
تدخل في دية النفس ومنهم من قال [204 / أ]: إن قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر،
فعل به مثل ذلك ثم قتل، وظاهر قوله تعالى: {والجروح قصاص} (6) وقوله تعالى: {فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (7)

1 - الخلاف 5 / 174 مسألة 36 و 37.
2 - الغنية 407.
3 - الخلاف: 5 / 148 مسألة 4.
4 - الغنية: 408.
5 - الخلاف: 5 / 189 مسألة 5.
6 - المائدة: 4.
7 - البقرة 194.
558

معه (1).
قال الشيخ في الخلاف: يدخل (2) قصاص الطرف في قصاص النفس، ودية الطرف
تدخل في دية النفس، مثل أن يقطع يده ثم يقتله، أو يقلع عينه ثم يقتله، فليس عليه إلا القود
أو دية النفس، ولا يجمع بينهما، وقال الشافعي: [لا] يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس
ويدخل دية الطرف في دية النفس كما بيناه. وقال الإصطخري: لا يدخل دية الطرف في دية
النفس أيضا وقال أبو حنيفة: يدخلان جميعا في النفس في القصاص وفي الدية (3).
الأم إذا قتلت ولدها قتلت به، وكذلك أمهاتها وأمهات الأب، وأما الأجداد فيجرون
مجرى الأب لا يقادون به لتناول اسم الأب لهم.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: لا يقاد الأم ولا واحد من الأجداد والجدات في الطرفين
بالولد (4).
إذا قطع واحد يد إنسان، وآخر رجله (5) وأوضحه الثالث، فسرى إلى نفسه، فهم قتلة،
فإن أراد ولي الدم قتلهم، قتلهم وليس له أن يقتص منهم ثم يقتلهم.
وقال الشافعي: له أن يقطع قاطع اليد ثم يقتله ويقطع رجل القاطع ثم يقتله وكذلك
أوضح الذي أوضحه ثم يقتله (6).
إذا أخذ صغيرا فحبسه ظلما، فوقع عليه حائط أو قتله سبع أو لسعته حية أو عقرب
كان عليه ضمانه، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا ضمان عليه (7). إذا جعل السم في طعام
نفسه، وقر به إلى الغير، ولم يعلمه أنه مسموم، فأكله، فعليه القود، لأنه كالقاتل له بتعريضه
لأكل الطعام. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه، والآخر: لا قود عليه، بل عليه الدية (8).
إذا وجب القود للقاتل فهلك قبل أن يستقاد منه، سقط القصاص [ويرجع] إلى الدية
بدلالة قوله (عليه السلام): لا يطل دم امرئ مسلم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط
القصاص لا إلى بدل (9).

1 - الغنية 407 - 408.
2 - في النسخة: لا يدخل.
3 - الخلاف: 5 / 163 مسألة 23.
4 - الخلاف: 5 / 152 مسألة 10.
5 - في النسخة: وآخر يده. والتصويب من الخلاف، والسياق يقتضيه.
6 - الخلاف: 5 / 158 مسألة 16.
7 - الخلاف: 5 / 161 مسألة 19.
8 - الخلاف: 5 / 170 مسألة 31.
9 - الخلاف: 5 / 184 مسألة 50، وكان في النسخة: يسقط القصاص لا إلى دية.
559

الديات
فصل في الديات
دية الحر المسلم في قتل العمد مئة من مسان الإبل أو مئتان بقرة، أو ألف شاة، أو مئة
حلة أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم فضة جياد، على حسب ما يملكه من يؤخذ منه في
الموضع الذي ذكرناه (1).
إعلم أن للدية ستة أصول: على أهل الإبل مئة من الإبل، وعلى أهل الذهب ألف
دينار، وعلى أهل الورق [204 / ب] عشرة آلاف درهم، وعلى أهل البقر مئتا بقرة وعلى أهل
الحلل مئتا حلة، وعلى أهل الغنم ألف شاة. وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل إلا
أنهم قالوا في الشاة أنها ألفان.
وقال أبو حنيفة: الدية لها ثلاثة أصول مئة من الإبل أو ألف دينار، أو عشرة آلاف
درهم، ولا يجعل الإعواز شرطا، بل يكون بالخيار في تسليم أي الثلاثة شاء، وللشافعي فيه
قولان: [الأصل في] قال في القديم: الإبل مئة فإن أعوزت انتقل‍ [- ت] إلى أصلين ألف دينار
أو اثنى عشر ألف درهم، كل واحد منهما أصل. فيكون للدية ثلاثة أصول إلا أن للإبل مزية
فإنها متى وجدت لم يعدل عنها. وقال في الجديد: إن أعوز الإبل انتقل إلى قيمة الإبل حين
القبض ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم، فالدية الإبل والقيمة بدل عنها (2).
لنا على ما ذكرنا بعد إجماع الإمامية أن الأصل براءة الذمة. ومن قال إنها من الغنم ألفان

1 - الغنية 412.
2 - الخلاف 5 / 226 مسألة 10.
560

ومن الدراهم اثنا عشر ألف درهم، فعليه الدليل (1).
والدية المغلظة هي ما تجب عن العمد المحض، وهي مئة من مسان الإبل.
وقال الشافعي، ومحمد بن الحسن: يجب عن العمد المحض وعن شبه العمد أثلاث:
ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة في بطونها أولادها. وبه قال عمر وزيد، وروا
عن علي (عليه السلام).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: المغلظة أرباع: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس
وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة (2).
وتجب هذه الدية أعني العمد المحض في مال القاتل بلا خلاف وتستأدى في سنة (3).
قال الشيخ في الخلاف: دية العمد المحض حالة في مال القاتل، وبه قال الشافعي. وقال
أبو حنيفة: هي مؤجلة في ثلاث سنين (4) وروى أصحابنا أنها تستأدى في سنة. ودية الخطأ
شبيه العمد على أهل الإبل ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية
كلها طروقة الفحل، وقد روي: ثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع
وثلاثون خلفة (5)، وروي أنها ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة (6)،
وما ذكرناه أولا يقتضيه طريقة الاحتياط، لأن الأسنان فيه أعلى.
وتجب هذه الدية في مال القاتل فإن لم يكن له مال استسعي فيها، وأنظر إلى حين اليسر،
فإن مات أو هرب أخذت من أوليائه الذين يرثون ديته الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له
أولياء أخذت من بيت المال وتستأدى هذه الدية في سنين [205 / أ] (7).
وقال الشافعي: هي أثلاث مثل دية العمد سواء، والتأجيل مثل دية الخطأ في ثلاث
سنين وهي تلزم العاقلة.
وقال أبو حنيفة: هي أرباع، على ما مضى عنه في العمد المحض.
وقال مالك: شبه العمد يوجب القود دون الدية (8).
لنا ما يدل على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الإمامية أن ذمة العاقلة في الأصل بريئة وشغلها

1 - الغنية 412.
2 - الخلاف: 5 / 219 مسألة 3.
3 - الغنية ص 412.
4 - الخلاف: 5 / 220 مسألة 4.
5 - في النسخة: جذعة في الموردين.
6 - في النسخة: جذعة في الموردين.
7 - الغنية 412 - 4132، وفيها: في سنتين.
8 - الخلاف 5 / 221 مسألة 5.
561

بإيجاب الدية مع قدرة القاتل عليها يفتقر إلى دليل (1)، وما روى عبادة بن الصامت أن
النبي (عليه السلام)، [قال]: ألا أن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط والعصا مئة من الإبل منها
أربعون خلفة (2) وفي رواية عبد الله بن عمر: في بطونها أولادها.
ودية قتل الخطأ المحض على أهل الإبل ثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون، وعشرون
بنت مخاض، وعشرون ابن لبون ذكر وروي أنها خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس
وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة والأول أظهر في
الروايات.
وتجب هذه الدية على العاقلة، بلا خلاف إلا من الأصم وتستأدى في ثلاث سنين، بلا
خلاف إلا من ربيعة فإنه قال: في خمس سنين (3).
وقال الشافعي: هي أخماس: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت
لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة، من جميع أسنان الزكاة.
وقال: أبو حنيفة: هي أخماس أيضا إلا أنه جعل مكان ابن لبون ابن مخاض (4).
فإذا لم يكن للعاقلة مال، أو لم يكن له عاقلة، وجبت الدية في ماله، فإن لم يكن له مال،
وجبت في بيت المال.
وعاقلة الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته (5).
قال: الشيخ في الخلاف: كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم الأخوة
وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم، والموالي وبه. قال الشافعي وجماعة من أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: يدخل الوالد والولد فيها، ويعقل القاتل.
يدل على المسألة أن من اعتبرناهم مجمع على أنهم من العاقلة ولا دليل على أن الوالدين
والولد منهم، وروى ابن مسعود أن النبي (عليه السلام) قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض، لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه، ولا الابن بجريرة أبيه (6).
وعاقلة الرقيق مالكه وعاقلة الذمي الفقير الإمام (7) لأنهم يؤدون إليه جزيتهم كما

1 - الغنية: 413.
2 - الخلاف 5 / 221 مسألة 5.
3 - الغنية: 413.
4 - الخلاف: 5 / 224 مسألة 9.
5 - الغنية 413.
6 - الخلاف: 5 / 277 مسألة 98.
7 - الغنية 413.
562

يؤدي العبد الضريبة إلى مولاه.
وقال جميع الفقهاء: إن عاقلة الذمي ذمي مثله إذا كان عصبته، فإن لم يكن له عاقلة ففي
ماله ولا يعقل عنه في بيت مال المسلمين [205 / ب] (1).
ولا تعقل العاقلة صلحا ولا إقرارا ولا مع وقع من تعد كحرث الطريق ولا ما دون
الموضحة (2).
يدل على أن العاقلة لا تعقل صلحا ولا إقرارا قوله (عليه السلام) لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا
ولا اعترافا (3).
ودية رقيق المسلمين قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر المسلم، وقيمة الأمة دية
الحرة، فإن تجاوزت ذلك ردت إليه (4).
وقال الشافعي: تلزمه ولو بلغت ديات، وعند أبي حنيفة قيمته ولكن لا يتجاوز عشرة
آلاف إلا عشرة دراهم وكذلك في كل ما يجب به قيمته إذا بلغ دية الحر أو زاد عليه (5).
ودية اليهودي والنصارى والمجوس ثمان درهم (6).
واختلف الناس فيها على أربعة مذاهب: فقال الشافعي: دية اليهودي والنصارى ثلث
دية المسلم، وقال مالك: نصف دية المسلم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: هي مثل دية المسلم.
وقال أحمد بن حنبل: إن كان القتل عمدا فدية المسلم، وإن كان خطأ فنصف دية
المسلم، والذمي والمعاهد والمستأمن في كل هذا سواء (7).
وأما المجوسي فما قلنا به في ديته قال مالك والشافعي وفيه إجماع الصحابة.
وقال أبو حنيفة: ديته مثل دية المسلم (8).
ودية رقيقهم قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر الذمي، وقيمة الأمة دية الحرة
الذمية، فإن تجاوزت ذلك ردت إليها (9).
كل جناية لها على الحر أرش مقدر من ديته، لها من العبد مقدر من قيمته.

1 - الخلاف: 5 / 287 مسألة 114.
2 - الغنية 413 - 414.
3 - الخلاف: 5 / 270 مسألة 86.
4 - الغنية 414.
5 - الخلاف: 5 / 150 مسألة 8.
6 - الغنية 414.
7 - الخلاف: 5 / 263 مسألة 77.
8 - الخلاف 5 / 263 مسألة 78.
9 - الغنية 414.
563

ففي أنف الحر ديته وكذا في لسانه وفي كل واحد منهما من العبد قيمته.
وفي يد الحر نصف ديته، ومن العبد نصف قيمته. وبه قال سعيد بن المسيب والشافعي.
وقال مالك في العبد: ما نقص إلا فيما ليس له بعد الاندمال نقص وهي الموضحة والمنقلة
والمأمومة والجائفة ففي كل هذا مقدر من قيمته.
وعن أبي حنيفة روايتان: إحداهما مثل قولنا والأخرى إن كل شئ فيه من الحر ديته
ففيه من العبد قيمته إلا الحاجبين والشارب والعنقة واللحية.
وقال محمد: فيه ما نقص بكل حال كالبهيمة سواء (1).
دية المرأة نصف دية الرجل، بلا خلاف إلا من ابن عليه: والأصم فإنهما قالا: سواء،
ويحتج عليهما بما روي من طرقهم من قوله (عليه السلام): دية المرأة على النصف من دية الرجل.
ويجب على القاتل في الحرم وفي شهر حرام دية وثلث (2) من أي أجناس الديات كان،
وقال من وافقنا في التغليظ: أنها لا تغلظ إلا في أسنان الإبل (3) فإن بلغ الأسنان التي تجب في
العمد [206 / أ] وشبه الخطأ يؤخذ بقيمتها.
ودية الخطأ تغلظ في الشهر الحرام، وفي الحرم. وقال الشافعي: تغلظ في ثلاثة مواضع:
في الحرم، وفي الشهر الحرام، وإذا قتل ذا رحم محرم مثل: الأبوين والإخوة والأخوات
وأولادهم.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تغلظ في موضع من المواضع ورووه عن ابن مسعود (4).
ومن أخرج غيره من منزله ليلا، ضمن ديته في ماله حتى يرده أو يقيم البينة بسلامته أو
براءته من هلاكه، وهكذا حكم الظئر مع الصبي الذي تحضنه.
وإذا وجد صبي في بئر لقوم وكانوا متهمين على أهله، فعليهم الدية، وإن كانوا مأمونين
فلا شئ عليهم، والقتيل إذا وجد في قرية، ولم يعرف من قتله، فديته على أهلها، فإن وجد
بين القريتين، فالدية على أهل الأقرب إليه منهما، فإن كان وسطا فالدية نصفان، وحكم
القبيلة والمحلة والدار والدرب حكم القرية، ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن إضافته إلى
أحد على بيت المال، كقتيل الزحام، والموجود بالأرض التي لا مالك لها، كالبراري

1 - الخلاف: 5 / 266 مسألة 80.
2 - الغنية 414.
3 - الخلاف: 5 / 223 مسألة 7.
4 - الخلاف: 5 / 222 مسألة 6.
564

والجبال (1).
في البداية: إن وجد في برية ليس بقربها عمارة فهو هدر (2).
ومن عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها لزمته دية النطفة عشرة دنانير، وإن كان بإفزاع
غيره فالدية لهما عليه (3)، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا به شيئا (4). ومن جنى على
امرأة فألقت نطفته فعليه من ماله ديتها عشرون دينارا، وإن ألقت علقة وهي قطعة دم
كالمحجمة فأربعون دينارا، وإن ألقت مضغة وهي بضعة من لحم فستون دينارا (5).
في الخلاصة: وليس في المضغة والعلقة شئ حتى يظهر صورته أو يقطع القوابل بأنه
لحم ولد.
فإن ألقت عظما، وهو أن يصير في المضغة شبه عقد فثمانون دينارا، وإن ألقت جنينا
كامل الصورة فمئة دينار (6).
وعند الفقهاء غرة عبد أو أمة وبكل ذلك تصير عندنا أم ولد فتنقضي به عدتها، وأما
الكفارة فلا تجب بإلقاء الجنين على ضاربها.
وقال الشافعي: إذا تم الخلق تعلق به أربعة أحكام: الغرة، والكفارة، وانقضاء العدة،
وتكون أم ولد (7).
ودية الجنين مئة دينار، ذكرا كان أو أنثى.
وقال الشافعي: يعتبر بغيره، ففيه نصف عشر دية أبيه، أو عشر دية أمه، ذكرا كان أو
أنثى.
وقال أبو حنيفة: يعتبر بنفسه، فإن كان ذكرا ففيه نصف عشر ديته لو كان حيا، وإن
كان أنثى ف‍ [- نصف] عشر ديتها لو كانت حية وإنما نحقق هذه المعاني لنبين الخلاف معهم في
جنين الأمة (8).
وإن ألقته حيا [206 / ب] ثم مات فعليه دية كاملة، وإن مات الجنين في الجوف ففيه

1 - الغنية 414.
2 - الهداية في شرح البداية: 4 / 502.
3 - الغنية 415.
4 - الخلاف: 5 / 293 مسألة 123.
5 - الغنية 415.
6 - الغنية 415.
7 - الخلاف: 5 / 292 مسألة 122.
8 - الخلاف: 5 / 293 مسألة 124.
565

نصف الدية (1).
وقال الشيخ في الخلاف: وإن كان بعد ولوج الروح فيه، فالدية كاملة، سواء ألقته حيا
ثم مات، أو ألقته ميتا، إذا علم أنه كان حيا معها.
وقال الشافعي: عليه ديتها، وفي الجنين الغرة سواء ألقته ميتا أو حيا ثم مات. وبه قال
أبو حنيفة: إلا في فصل وهو أنه إذا ألقته ميتا بعد وفاتها فإنه قال: لا شئ فيه.
وفي المسألة إجماع الفرقة الإمامية وأخبارهم وهي قضية أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب (عليه السلام) فيمن ضرب امرأة على بطنها فماتت ومات الولد في بطنها فقضى باثني عشر ألفا
وخمس مئة خمسة آلاف ديتها ونصف دية الذكر ونصف دية الأنثى لما أشكل الأمر في ذلك (2).
دية الجنين موروث‍ [- ة] عنه، ولا تكون لأمه خاصة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال الليث بن سعد: تكون لأمه لا تورث عنه لأنه بمنزلة [عضو] من أعضائها (3).
دية جنين اليهودي والنصراني والمجوسي عشر ديته ثمانون درهما.
وقال الشافعي: فيه الغرة قيمتها عشر دية أمه مئتا درهم إن كانت يهودية أو نصرانية
لأن ديتها عنده ألفان، وقال في المجوسي عشر دية أمه أربعون درهما (4).
وفي جنين الأمة عشر قيمتها، ذكرا كان أو أنثى، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: فيه عشر قيمته إن كان ذكرا نصف عشر قيمته إن كان أنثى فاعتبره
بنفسه (5).
وفي جنين البهيمة عشر قيمتها. وقال الفقهاء فيهما: عشر ما نقص من ثمنها (6).
وتجب الدية للأم خاصة إن كان الزوج هو الجاني، وتجب للزوج خاصة إن كانت
الجانية هي، وإن كان للحمل حكم الرقيق أو أهل الذمة ففيه بحساب دياتهم وفي قطع رأس
الميت عشر ديته، وفي قطع أعضائه بحساب ذلك، ولا يورث ذلك، بل يتصدق به عنه (7)، ولم
يوجب أحد من الفقهاء فيه شيئا (8).

1 - الغنية 415.
2 - الخلاف: 5 / 294 مسألة 125.
3 - الخلاف: 5 / 294 مسألة 126.
4 - الخلاف: 5 / 296 مسألة 129.
5 - الخلاف: 5 / 298 مسألة 133، وكان في النسخة: فيه عشر قيمته إن كان أنثى ونصف عشر قيمته إن كان ذكرا. على
العكس والتصويب من الخلاف.
6 - أنظر الخلاف: 5 / 298 مسألة 134.
7 - الغنية: 415.
8 - الخلاف: 5 / 299 مسألة 137.
566

وقضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في ستة غلمان كانوا يسبحون، فغرق أحدهم فشهد منهم ثلاثة
على اثنين بتغريقه، وشهد الاثنان على الثلاثة بذلك: أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية،
وعلى الثلاثة خمسا الدية.
وقضى في أربعة تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان: أن على الباقيين دية
المقتولين يقاصان منهما بأرش جراحتهم.
وقضى (عليه السلام) في امرأة ركبت عنق أخرى فجائت أخرى فقرصت المركوبة فقمصت
فوقعت الراكبة فاندق عنقها [207 / أ] أن على القارصة ثلث الدية، وعلى المركوبة الثلث
وأسقط الثلث، لأن الراكبة كانت لاعبة ولم تكن مضطرة (1) ولو كانت كذلك لوجبت الدية
عليهما كاملة.
واعلم أن في ذهاب العقل الدية كاملة بلا خلاف.
وفي شعر الرأس أو اللحية إذا لم ينبت الدية كاملة وفاقا للحنفية في البداية (2).
وفي الخلاصة: شعر اللحية وسائر الشعور فيها الحكومة كما في الجراحة على الأعضاء
ولا تبلغ حكومة عضو ديته بل ينقص كالتعزير من الحدود، وتفسير الحكومة أن يقال: لو كان
عبدا كم ينقص من قيمته بالجناية فإن نقص عضو يعتبر الدية بشرط أن لا يزيد على دية ذلك
العضو فإن نبت كان في شعر رأس الرجل أو لحيته عشر الدية، وفي شعر المرأة مهر مثلها.
وفي قلع العينين وذهاب ضوئهما الدية كاملة، وفي إحداهما نصف الدية بلا خلاف،
ويعتبر بالفتح في عين الشمس، فإن أطرف حكم بالسلامة، وإن لم يطرف حكم بذهاب
النور (3) قال الشيخ: ويستظهر عليه بالأيمان.
وقال الشافعي: نريه رجلين عدلين إن كانت الجناية عمدا، وإن كانت خطأ فرجلا
وامرأتين، فإن قالا: صدق أوجبنا الدية أو القصاص إذا قالا: لا يرجى عوده، وإن قالا: كذب
سقط قوله، وإن لم يشهدا بذلك لم يلزمه أكثر من دية الجناية (4).
وفي نقص البصر بحساب ما ذكرناه، وتقاس إحدى العينين بالأخرى بلا خلاف،
والعينان بعيني من هو من أبناء سنه عندنا، فما نقص عن ذلك حكم له به مع يمينه ويعتبر مدى

1 - في الغنية: ولم تكن مستأجرة.
2 - الغنية 415 - 416.
3 - الغنية 416، وفيها: أطرق... لم يطرق.
4 - الخلاف: 5 / 235 مسألة 21.
567

ما يبصر بها من أربع جهات، فإذا استوى صدق وإن اختلف كذب (1).
وقال الفقهاء: القول قول: المجني عليه مع يمينه، بلا اعتبار ذلك (2).
وفي قلع عين الأعور إذا كان عوره خلقة أو بآفة من قبل الله تعالى الدية كاملة وإن كان
عوره بغير ما ذكرناه فنصف الدية، وبه قال الزهري ومالك وأحمد إلا أنهم لم يفصلوا.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هو بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو وله نصف الدية (3).
وفي شفر العين الأعلى ثلث ديتها، وفي الأسفل نصف ديتها (4).
في البداية: في أحدهما ربع الدية (5).
قال الشيخ: إذا جنى على أهداب العينين فأعدم إنباتها، ففيه الدية كاملة. وبه قال أبو
حنيفة، وقال الشافعي: فيها حكومة (6).
والعين العمياء إذا كانت واقفة ففي خسفها ثلث ديتها، وفي طبقيها إذا كانت مفتوحة أو
ذهاب سوادها [207 / ب] ربع ديتها (7).
وفي الأجفان الأربعة الدية كاملة، وفي كل جفنين من عين واحدة خمس مئة دينار، وفي
الأسفل ثلث ديتها، وفي العليا ثلثا ديتها، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: في كل واحدة منهما
نصف ديتها، وقال مالك: فيها حكومة (8).
وفي ذهاب شعر الحاجبين إذا لم ينبت الدية كاملة وفي أحدهما نصف الدية، فإن نبت
ففيه الأرش (9)، وعند الشافعي فيه الحكومة (10)، وقال الشيخ في الخلاف: في شعر الحاجبين
خمس مئة (11).
وفي قطع الأذنين أو ذهاب السمع الدية كاملة وفي أحدهما نصف الدية، وفي نقصان
السمع بحساب ذلك، يقاس بالصوت في الجهات كالقياس في العين بالبصر (12).
إذا قطع أذن غيره قطعت أذنه فإن أخذ الجاني أذنه فألصقها فالتصقت كان للمجني عليه
أن يطالب بقطعها وإبانتها.

1 - الغنية 416.
2 - الخلاف: 5 / 236 مسألة 23.
3 - الخلاف: 5 / 251 مسألة 57.
4 - الغنية 416.
5 - الهداية في شرح البداية: 4 / 464.
6 - الخلاف: 5 / 237 مسألة 25.
7 - الغنية 416.
8 - الخلاف: 5 / 236 مسألة 24.
9 - الغنية: 417.
10 - الخلاف: 5 / 237 مسألة 25.
11 - الخلاف: 5 / 197 مسألة 67.
12 - الغنية 417.
568

وقال الشافعي: ليس له ذلك، لكن يجب على الحاكم أن يجبره على قطعها لأنه حامل
نجاسة لأنها بالبينونة صارت ميتة ولا تصح صلاته ما دامت هي معه (1).
وفي قطع شحمة الأذنين ثلث ديتهما (2).
في الخلاصة: وفي الأذن المستحشفة حكومة كما في العضو الأشل والحدقة العمياء.
وفي استئصال الأنف بالقطع الدية كاملة، وفي قطع الأرنبة نصف الدية، وفي أحد
المنخرين الربع منها، وفي النافذة في المنخرين ثلث الدية، وإن كانت في أحدهما فالسدس، وإن
صلحت الأولى والتأمت كان فيها خمس الدية، فإن التأمت الثانية كان فيها العشر وفي كسره
وجبره من غير عيب ولا عثم عشر الدية (3).
قال الشيخ: في النافذة إذا لم ينسد ثلث الدية، فإن انسد كان فيها عشر الدية. وقال
الشافعي: فيهما جميعا الحكومة إلا أنها إذا لم ينسد كان أكثر (4).
وإذا جنى على أنفه، فصار أشل، كان عليه ثلثا دية الأنف. وللشافعي فيه قولان:
أحدهما الدية كاملة، والثاني فيه الحكومة (5).
وفي ذهاب الشم، الدية كاملة بلا خلاف، ويعتبر بتقريب الحراق، فإن دمعت العين،
فحاسة الشم سليمة وإلا فلا، والاحتياط أن يستظهر باليمين.
وقال الشافعي: يعتقل بالروايح الطيبة والكريهة فإن هش للطيبة وتكره للمنتنة علم
أنه كاذب، وإن لم يفعل شيئا من ذلك حلف (6).
وإذا أخذ منه دية الشم، ثم عاد شمه، لم يجب عليه رد الدية، لأنه هبة من الله ولا دلالة
على وجوب الرد وقال الشافعي [208 / أ]: يجب عليه ردها (7).
وفي استئصال اللسان بالقطع، أو ذهاب النطق جملة، الدية [كاملة] ويعتبر بالإبرة فإن
لم يخرج دم أو خرج [وكان] أسود فهو أخرس وإن خرج أحمر فهو صحيح، وفي قطع بعضه
الدية بحساب الواجب في جميعه ويقاس بالميل، وكذا الحكم في ذهاب بعض اللسان، ويعتبر
بحروف المعجم فما ذهب من النطق به منها فعلى الجاني من الدية بحسابه (8).

1 - الخلاف: 5 / 201 مسألة 72.
2 - الغنية: 417.
3 - الغنية ص 417.
4 - الخلاف: 5 / 237 مسألة 26.
5 - الخلاف: 5 / 237 مسألة 27.
6 - الخلاف: 5 / 238 مسألة 28.
7 - الخلاف: 5 / 238 مسألة 29.
8 - الغنية 417.
569

ولا يعد (لا) فيها، لأنها دخلت في الألف واللام، فإن كان النصف ففيه نصف الدية
وما زاد فيها أو نقص فبحسابه لكل حرف جزء من ثمانية وعشرين، وبه قال الشافعي وأكثر
أصحابه.
وقال الإصطخري: الاعتبار بالحروف اللسانية دون الشفوية والحلقية فإنه لاحظ
للسان فيها، وأجيب عنه بأن الحروف الآخر وإن لم تكن من حروف اللسان فإنه لا ينتفع بها
إلا مع وجود اللسان، فينبغي أن يكون الاعتبار بجميعها (1).
وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية الصحيح (2). وقال الفقهاء: فيه الحكومة ولا مقدر
فيه (3).
وإذا جنى على لسانه فذهب كلامه واللسان بحالة، وحكم له بالدية [ثم عاد] فتكلم
لا يجب عليه الرد لأنه لا دلالة على إيجاب الرد وقد أخذه بالاستحاق، وقال الشافعي: عليه
رد الدية (4).
وفي الشفتين الدية كاملة بلا خلاف، وفي العليا منهما الثلث منها، وفي السفلى الثلثان،
وفي البعض منها بحساب ذلك، وفي شق إحد [ا] هما ثلث ديتها، فإن التأمت فالخمس (5)، قال
الشيخ: في السفلى ست مئة [دينار] وفي العليا أربعمئة وبالأول قال زيد بن ثابت. وقال أبو
حنيفة والشافعي ومالك: هما سواء (6).
وفيهما القصاص، وبه قال أكثر الفقهاء. وعليه نص الشافعي، وفي بعض أصحابه [من
قال] لا قصاص في ذلك (7).
وفي الأسنان الدية كاملة بلا خلاف، وفي كل واحد مما في مقاديم الفم، وهي اثنتا
عشرة، نصف عشر الدية، وفي كل واحدة مما في مآخيره وهي ست عشرة، ربع عشر
الدية (8).
والأسنان الأصلية عندنا ثمانية وعشرون، وعند الشافعي اثنان وثلاثون، في كل سن
خمس من الإبل، والمقاديم والمآخير سواء، فإن قلعت واحدة فواحدة ففيها خمس خمس، وبه

1 - الخلاف: 5 / 240 مسألة 32.
2 - الغنية: 417.
3 - الخلاف: 5 / 241 مسألة 34.
4 - الخلاف: 5 / 242 مسألة 37.
5 - الغنية 417.
6 - الخلاف: 5 / 238 مسألة 30.
7 - الخلاف: 5 / 238 مسألة 31.
8 - الغنية 418.
570

قال ابن عباس، وقال عمر بن الخطاب: في السن خمس من الإبل وهي التي تبين عند الأكل،
والكلام فأما الأضراس ففي كل ضرس بعير.
قال الشافعي: فإن قلعت دفعة ففيها قولان: المشهور أن فيها مئة وستين بعيرا والقول
الآخر أن فيها دية كاملة لا أكثر (1).
وفي السن الزائد على العدد المذكور الأرش (2)، قال الشيخ: السن الزائدة فيها ثلث دية
السن الأصلي. وقال جميع الفقهاء: فيها الحكومة ولا تبلغ الحكومة دية السن الأصلي (3).
وسن الصبي قبل أن يثغر فيها [208 / ب] عشر عشر الدية، وفي بعض السن بحساب
ديتها، وفي اسودادها ثلثا دية سقوطها (4)، وقال الشافعي: فيها الحكومة (5).
وفي قلعها بعد الاسوداد ثلثا ديتها صحيحة (6)، وقال الشافعي فيها الدية كاملة (7).
وفي الثديين الدية كاملة وفي أحدهما نصف الدية (8)، وفي الخلاصة: في حلمتيها ديتها
وكذلك في ثدي الرجل على القياس الصحيح والنص الظاهر إيجاب الحكومة في ثدي الرجل.
وفي اليدين الدية الكاملة وفي إحداهما نصف الدية، وفي كل واحدة من الساعدين أو
العضدين نصف الدية (9).
إذا قطعت إحدى اليدين من الكوع، وجب فيها نصف الدية، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال أبو عبيد: لا يجب نصف الدية إلا إذا قطعت عن المنكب لأن اسم اليد يقع على ذلك
أجمع (10).
وفي كل أصبع عشر الدية إلا الإبهام، فإن فيها ثلث دية اليد، وفي أنملة كل إصبع ثلث
ديتها إلا الإبهام فإن في الأنملة منها نصف ديتها (11)، وقال الشافعي: الخمسة متساوية في كل
واحدة عشرة من الإبل (12).
وأما الأنملة فوافقنا فيه أبو حنيفة. وقال الشافعي: في أنملة الإبهام ثلث ديتها مثل

1 - الخلاف: 5 / 243 مسألة 38.
2 - الغنية: 418.
3 - الخلاف: 5 / 205 مسألة 79.
4 - الغنية: 418.
5 - الخلاف: 5 / 246 مسألة 45.
6 - الغنية: 418.
7 - الخلاف: 5 / 246 مسألة 46.
8 - الغنية: 418.
9 - الغنية 418.
10 - الخلاف: 5 / 247 مسألة 48.
11 - الغنية: 418.
12 - الخلاف: 5 / 248 مسألة 50.
571

غيرها، قال: لأنها ثلاثة أنامل ظاهرتان وباطنة (1).
إذا ضربت يده فشلت كان فيها ثلثا ديتها. وقال الشافعي: فيها جميع ديتها (2).
اليد الشلاء والإصبع الشلاء فيها ثلث دية الصحيحة، أو الأصبع الصحيحة وقال
الشافعي: فيها حكومة ولا مقدر فيها (3).
وحكم الفخذين والساقين والقدمين وأصابعهما حكم اليدين (4)، والخلاف فيها
كالخلاف في اليدين (5).
وفي كل إصبع زائدة ثلث دية الأصلية (6)، سواء قطعت مع الأصبع الأصلية أو قطعت
مفردة.
وقال الشافعي: ليس فيها شئ مقدر بل فيها حكومة، فإن أحدثت شيئا حين
الاندمال لزمه ما بين كونه عبدا لا شين فيه وبين كونه عبدا به شين فينظر كم ذلك من القيمة
فيلزمه بمقدار ذلك من دية الحر (7).
وفي الصلب إذا كسر، الدية كاملة، فإن جبر وصلح من غير عيب، فأربعة أخماس
ديته (8).
إذا كسر صلبه فشلت رجلاه كان عليه دية في كسر الصلب وثلثا الدية في شلل
الرجلين، وقال الشافعي: فيه دية لشلل الرجلين وحكومة لكسر الصلب (9).
إذا كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه معا كان عليه ديتان. وفي أصحاب الشافعي من
قال: عليه دية واحدة. وظاهر قوله: أن عليه ديتين (10).
إذا كسر صلبه فاحدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود [209 / أ] كان عليه الدية،
وقال الشافعي: فيه الحكومة (11).
وفي قطع الحشفة فما زاد من الذكر، الدية كاملة (12)، عند الشافعي في الحشفة الدية وفي
نصفها نصف الدية.

1 - الخلاف: 5 / 248 مسألة 51.
2 - الخلاف: 5 / 248 مسألة 49.
3 - الخلاف: 5 / 201 مسألة 71.
4 - الغنية: 418.
5 - الخلاف: 5 / 250 مسألة 54.
6 - الغنية: 418.
7 - الخلاف: 5 / 200 مسألة 70.
8 - الغنية: 418 وفيه: من غير عيب، فعشر الدية.
9 - الخلاف: 5 / 252 مسألة 59.
10 - الخلاف: 5 / 252 مسألة 60.
11 - الخلاف: 5 / 252 مسألة 61.
12 - الغنية ص 418.
572

وفي ذكر العنين ثلث الدية، وقال جميع الفقهاء: فيه الحكومة (1).
يقطع ذكر المفحل بذكر الخصي الذي سلت بيضتاه وبقي ذكره لعموم قوله تعالى
{والجروح قصاص} (2) وعموم الأخبار الواردة في ذلك وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
ومالك: لا قود عليه فيه لأنه لا منفعة فيه (3).
وفي الأنثيين الدية كاملة، وفي إحداهما نصف الدية، وروي أن في اليسرى منهما ثلثين
وفي اليمنى الثلث (4)، وعند جميع الفقهاء هما سواء (5).
في الذكر الدية، وفي الخصيتين معا الدية كما ذكرنا، فإن قطعهما قاطع كان عليه الديتان
معا، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: إذا قطع الخصيتين ثم قطع الذكر كان في الخصيتين الدية وفي
الذكر الحكومة، لأن الخصيتين إذا قطعتا ذهبت منفعة الذكر، فهو كالشلل (6).
وفي إفضاء الحرة ديتها (7)، فإن كان البول يستمسك فلا زيادة على الدية، وإن كان
مسترسلا ففيه حكومة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إن كان البول مستمسكا فعليه
ثلث الدية، وإن كان مسترسلا فعليه الدية ولا حكومة (8).
وفي كسر عظام العضو خمس دية العضو، فإن جبر فصلح من غير عيب، فأربعة أخماس
ديته (9).
في الخلاف: متى كسر عظما فانجبر مستقيما بغير شين ففيه مقدر، ومتى ضربه بمثقل
فلم يشن لزمه مقدر، ومتى جرحه فاندمل بغير شين لزمه أرشه. وقال الشافعي: في الأولى أن
فيها حكومة، وفي الثانية لا شئ عليه، وفي الثالثة أن فيها وجهين، المذهب أن فيها
حكومة (10).
وفي موضحة كل عضو من البدن ربع دية كسره وفي رضه [ثلث ديته] فإن جبر وصلح
من غير عيب، فأربعة أخماس رضه، وكل عضو فيه مقدر إذا جني عليه، فصار أشل وجب

1 - الخلاف: 5 / 202 مسألة 74.
2 - المائدة: 45.
3 - الخلاف: 5 / 201 مسألة 73.
4 - الغنية: 418.
5 - الخلاف: 5 / 212 مسألة 94.
6 - الخلاف: 5 / 259 مسألة 70.
7 - الغنية 418.
8 - الخلاف: 5 / 257 مسألة 67.
9 - الغنية 419.
10 - الخلاف: 5 / 262 مسألة 75.
573

فيه ثلثا ديته، دليل ذلك كله إجماع الإمامية (1).
قال الشافعي: ففي نظر فيه فإن لم يبق هناك غير الجمال ففيه حكومة قولا واحدا،
كاليدين والرجلين والذكر، وإن كانت المنفعة قائمة كالأنف والأذنين فعلى قولين: أحدهما:
حكومة، لأنه صيره أشل. والثاني فيه الدية لأنه أذهب منفعته (2).
في الترقوتين وكل واحدة منهما، وفي الأضلاع وكل واحد منها شئ مقدر.
ولأصحاب الشافعي في ذلك طريقان: أحدهما: فيه الحكومة قولا واحدا والآخر:
المسألة على قولين [209 / ب]: أحدهما فيه الحكومة، والآخر في كل ضلع وكل ترقوة جمل،
وبه قال عمر (3).
وحكم الشجاج في الوجه حكمها في الرأس (4).
واعلم أن الجراح في كل واحد منها مقدرا إذا كانت في الرأس والوجه، فإن كانت في
الجسد ففيها بحساب ذلك من الرأس منسوبا إلى العضو الذي هي منه إلا الجائفة فإن فيها
مقدرا في الجوف وهو ثلث الدية، مثال ذلك أن الموضحة إذا كانت في الرأس أو الوجه، ففيها
نصف لعشر الدية، فإن كانت الموضحة في اليد ففيها نصف عشر دية اليد، وإن كانت في
الأصبع ففيها نصف عشر دية الأصبع وهكذا باقي الجراح.
وقال الشافعي: في جميع ذلك حكومة إلا الجائفة فإن فيها ثلث الدية (5).
والشجاج ثمانية:
أولها الحارضة وهي الدامية، وهي التي تقشر الجلد وتسيل الدم، وفيها عشر عشر دية
المشجوج.
ثم الباضعة: وهي التي تبضع اللحم، وفيها خمس عشر ديته.
ثم النافذة وهي المتلاحمة وهي التي تنفذ في اللحم وفيها خمس عشر وعشر عشر ديته.
ثم السمحاق: وهي التي تبلغ القشرة التي بين اللحم والعظم، وفيها خمسا عشر ديته.
ويثبت في هذه الأربع القصاص (6).
قال الشيخ: في الأول بعير، وفي الثاني بعيران، وفي الثالث ثلاثة أبعر وفي الرابع

1 - الغنية 419.
2 - الخلاف: 5 / 261 مسألة 72.
3 - الخلاف: 5 / 261 مسألة 73.
4 - الغنية 419.
5 - الخلاف: 5 / 263 مسألة 76.
6 - الغنية: 419.
574

أربعة أبعر.
وقال جميع الفقهاء: لا قصاص في شئ من هذه ولا فيها شئ مقدر بل فيها الحكومة،
وقال المزني: في الدامية القصاص. وقال أبو حامد الأسفرايني المتلاحمة يمكن فيها
القصاص (1).
ثم الموضحة وهي التي توضح عن العظم، وفيها نصف عشر الدية خمس من الإبل بلا
خلاف وفيها القصاص أيضا بلا خلاف.
ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم وفيها عشر الدية عشر من الإبل.
ثم المنقلة وهي التي تحوج مع كسر العظم من نقله من موضع إلى موضع آخر وفيها عشر
ونصف عشر خمس عشرة.
ثم المأمومة وهي التي تصل إلى أم الدماغ، وفيها ثلث الدية وفي الثلاث ما ذكرناه من
المقدر بلا خلاف وليس فيها قصاص بلا خلاف أيضا.
وأما الجائفة فليست من الشجاج لأنها في البدن وهي التي تبلغ الجوف، ولا قصاص
فيها، وفيها ثلث الدية بلا خلاف.
وفي لطمة وجه الحر إذا احمر موضعها دينار ونصف، فإن اخضر أو اسود [ف‍] - ثلاثة
دنانير (2) قال الشيخ في الخلاف: إذا اسود الموضع كان فيها ستة دنانير وكذلك حكم
الرأس (3).
وفي لطمة الجسد النصف [210 / أ] من لطمة الوجه، وقال الشافعي: في جميع ذلك
حكومة (4).
والمرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغت
ذلك، رجعت إلى النصف من ديات الرجال (5)، وبه قال عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب
والزهري ومالك وأحمد وإسحاق.
وقال ربيعة: تعاقل الرجل ما لم يزد على ثلث الدية أرش الجائفة والمأمومة، فإذا زاد
فعلى النصف، وبه قال الشافعي في القديم. وقال في الجديد: لا تعاقله في شئ منها بحال، بل

1 - الخلاف: 5 / 191 مسألة 57.
2 - الغنية 419 - 420.
3 - الخلاف: 5 / 262 مسألة 74.
4 - الخلاف: 5 / 262 مسألة 74.
5 - الغنية 420
575

هي معه على النصف فيما قل وكثر، وإليه ذهب أهل الكوفة: ابن [أبي] ليلى وابن شبرمة
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده أن النبي (عليه السلام) قال: المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها.
قال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر، قلت: ففي إصبعين
قال: عشرون قلت: في ثلاث؟ قال: ثلاثون قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون، فقلت: لم عظمت
مصيبتها قل عقلها؟ قال: هكذا السنة يعني سنة النبي (عليه السلام) (1).
وديات ذلك في العبيد بحساب قيمتهم ما لم يزد على دية الحر فإن زادت رد إلى ذلك على
ما قدمناه (2).
إذا جنى على عبد جناية تحيط برقبته كالأنف واللسان والذكر واليدين والرجلين لزمته
قيمته ويتسلم العبد من سيده.
وقال الشافعي: لزمته قيمته والعبد لسيده، وقال أبو حنيفة: السيد بالخيار بين أن
يمسكه ولا شئ له، وبين أن يسلمه ويأخذ كمال قيمته، فأما إن يمسكه ويطالب بقيمته فليس
له ذلك لأنه لو كان له ذلك لجمع له بين البدل والمبدل وذلك لا يجوز (3).
في ذكر العبد قيمته، ولا يتجاوز به دية الحر. وقال الشافعي: تلزمه ولو بلغت ديات.
وعند أبي حنيفة: قيمته ولكن لا يتجاوز عشرة آلاف إلا عشرة دراهم وكذا في كل ما تجب
قيمته إذا بلغ دية الحر أو زاد عليه (4).
وديات ذلك في أهل الذمة بحساب دياتهم.
ولا دية للمستأجر بما يحدث عليه في إجارته بفعله أو غير فعله، ولا دية لمقتول الحدود
والآداب المشروعة، ولا للمدافع عن النفس والمال، وما تسقط الدية فيه تسقط قيمة المتلف
وأرش الجناية، وعلى جميع ذلك إجماع الإمامية (5).

1 - الخلاف: 5 / 255 مسألة 64.
2 - الغنية 420.
3 - الخلاف: 5 / 267 مسألة 81.
4 - الخلاف: 5 / 268 مسألة 83.
5 - الغنية 420.
576

الحدود
كتاب الحدود
فصل في حد الزنا
متى ثبت الجماع في الفرج على عاقلين مختارين، من غير عقد، ولا شبهة عقد، ولا ملك
يمين، [210 / ب] ولا شبهة ملك، ثبوتا شرعيا، فهما زانيان، يجب عليهما الحد بلا خلاف.
والزناة على ضروب: منهم من يجب عليه القتل، حرا كان أو عبدا، محصنا أو غير
محصن، وعلى كل حال، وهو من زنا بذات محرم له، أو وطئها مع العقد عليها، والعلم برحمها
منه، أو زنى بامرأة أبيه، أو غصب امرأة على نفسها، أو زنى وهو ذمي بمسلمة، أو زنى وهو حر
بكر رابعة، وقد جلد في الثلاثة قبلها، أو زنى وهو عبد ثامنة، وقد جلد فيما قبلها من المرات.
يدل على ما قلناه بعد إجماع الإمامية ما رووه من قوله (عليه السلام): (من وقع على ذات محرم
فاقتلوه) ولم يفصل، وليس لهم أن يحملوا ذلك على المستحل، لأنه تخصيص بغير دليل، ولأنه
لو أراد ذلك لم يكن لتخصيص ذوات الأرحام بالذكر فائدة، ورووا أيضا أن رجلا تزوج امرأة
أبيه، فقال أبو بردة (1): فأمرني رسول الله أن أقتله.
وغصب المرأة على نفسها أفحش وأغلظ من الزنا مع التراضي، وكذا المعاودة للزنا بعد
الجلد ثلاث مرات وسبع مرات ولا شبهة في عظم ذنبه، وتأكد فحشه، فلا يمتع أن يكون
[الحد]، وأغلظ في زنا الذمي بالمسلمة خرق للذمة، ومن خرق الذمة فهو مباح القتل بلا
خلاف، وليس لأحد أن يقول: كيف يقتل من ليس بقاتل، لأن المحصن والمرتد يقتلان بلا

1 - اسمه هاني بن نيار البلوي، وقيل اسمه الحارث، وقيل: مالك بن هبيرة شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). روى
عنه: بشير بن يسار، وجابر بن عبد الله وغيرهما توفي سنة (42). تهذيب الكمال: 33 / 71 رقم 7221.
577

خلاف وليسا بقاتلين (1).
إذا اشترى ذات محرم: كالأم، والبنت، والأخت، والعمة، والخالة من نسب أو رضاع
فوطئها مع العلم بالتحريم، كان عليه القتل. وللشافعي فيه قولان: أحدهما عليه الحد وهو
الصحيح عندهم، والآخر: لا حد عليه، وبه قال أبو حنيفة (2).
قال الشيخ: وإذا عقد النكاح على ذات محرم له - مما ذكرناه - من نسب أو رضاع، أو
امرأة أبيه، أو ابنه، أو تزوج بخامسة، أو امرأة لها زوج ووطئها، أو وطئ [امرأة] بعد أن
بانت باللعان، أو بالطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم فعليه الحد، وقال الشافعي: عليه الحد ولم
يفصل. وقال أبو حنيفة: لا حد في شئ من هذا، حتى قال: لو استأجر امرأة ليزني بها فزنا
بها، فلا حد عليه، وإن استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحد (3).
وعندنا وعند الشافعي لزمه الحد إذا استأجرها للوطئ، وعنده لا حد عليه (4).
وقال في الخلاف: إذا استكره امرأة على الزنا فلا حد عليها بلا خلاف، وعليه الحد، ولا
مهر لها، لأنه لا دليل عليه ولما روي: أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن مهر البغي وهو مذهب [211 / أ]
أبي حنيفة. وقال الشافعي: لها مهر (5).
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم الرجم، وهو المحصن إذا كان شيخا أو شيخة (6)،
وقال الشيخ في الخلاف: المحصن إذا كان شيخا أو شيخة فعليهما الجلد ثم الرجم، وإن كانا
شابين فعليهما الرجم بلا جلد، بدلالة قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مئة جلدة} (7)، ولم يفصل، وروي: أن عليا (عليه السلام) جلد شراحة (8) يوم الخميس،
ورجمها يوم الجمعة، فقيل له تحدها حدين؟ فقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة
رسول الله.
وقال داود وأهل الظاهر: عليهما الجلد ثم الرجم، ولم يفصلوا، وبه قال جماعة من
أصحابنا (9).

1 - الغنية: 421 - 422.
2 - الخلاف: 5 / 375 مسألة: 13.
3 - الخلاف: 5 / 386 مسألة 29.
4 - الخلاف: 5 / 384 مسألة 26.
5 - الخلاف: 5 / 393 مسألة 36.
6 - الغنية: 422.
7 - النور: 2.
8 - شراحة الهمدانية.
9 - الخلاف: 5 / 366 مسألة 2.
578

ومن الزناة من يجب عليه الرجم فقط، وهو كل محصن ليس بشيخ ولا شيخة، بلا
خلاف إلا من الخوارج، فإنهم أوجبوا الجلد، ونفوا أن يجب الرجم في موضع من المواضع،
وقد انعقد الإجماع على خلافه، ومن أصحابنا من قال بوجوب الجلد هاهنا مع الرجم،
والظاهر من المذهب هو الأول.
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم النفي عاما إلى مصر آخر، وهو الرجل إذا كان بكرا،
لقوله (عليه السلام): البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام (1).
والبكر عبارة عن غير المحصن، فإذا زنا البكر جلد مئة وغرب عاما، كل واحد منهما
حد، هذا إذا كان ذكرا، وإن كان أنثى لم يكن عليها تغريب. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: هما سواء في الجلد والتغريب. وقال أبو حنيفة: الحد هو الجلد فقط،
والتغريب ليس بحد، وإنما تعزير باجتهاد الإمام، وليس بمقدر، فإن رأى الحبس فعل، وإن
رأى التغريب إلى بلد آخر فعل من غير تقدير، وسواء كان ذكرا أو أنثى.
روى ابن عمر: أن النبي (عليه السلام) جلد وغرب، روى ابن مسعود [مثل ذلك]، فغرب أبو بكر
إلى فدك، وعمر إلى الشام، وعثمان إلى مصر، وعلي إلى الروم ولا مخالف لهم (2).
ولا نفي على العبد، ولا على الأمة لأنه لا دلالة عليه. وبه قال مالك وأحمد. وللشافعي
فيه قولان (3).
ومن الزناة من يجب عليه الجلد فقط، وهو كل من زنا وليس بمحصن ولا بكر، والمرأة
إذا زنت وكانت بكرا.
ومن الزناة من يجب عليه جلد خمسين فقط، وهو العبد أو الأمة، سواء كانا محصنين أو
غير محصنين، شيخين أو غير شيخين، وعلى كل حال (4) وبه قال أبو حنيفة، ومالك،
والشافعي.
وقال ابن عباس: إن كانا تزوجا، فعلى كل واحد منهما نصف الحد، وإن لم يكونا تزوجا،
فلا شئ عليهما [211 / ب].
وقال داود: يجلد العبد مئة والأمة إن كانت تزوجت فعليها نصف الحد خمسون، وإن لم

1 - الغنية: 423.
2 - الخلاف: 5 / 368 مسألة 3.
3 - الخلاف: 5 / 370 مسألة 4.
4 - الغنية 423.
579

تكن تزوجت، ففيه روايتان: إحداهما تجلد مئة والأخرى لا تجلد أصلا، وإنما اختلفت الرواية
هاهنا لأن قوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات
من العذاب} (1)، يعني إذا تزوجن والمراد بقوله {أحصن} [بفتح الألف] أسلمن، وأما
أحصن [بالضم] يعني تزوجن، فلا يدل على أنه إذا لم يتزوجن، فلا شئ عليهن لأنا لا نقول
بدليل الخطاب (2).
ومن الزناة من يجب عليه من حد الحر ومن حد العبد بحساب ما تحرر منه وبقي رقا،
وهو المكاتب الذي قد تحرر بعضه.
ومن الزناة من يجب عليه التعزير، وهو الأب إذا زنا بجارية ابنه (3).
وفي البداية: لا حد على من وطئ جارية ابنه (4).
وليس لأحد أن ينكر سقوط الحد هاهنا مع اعترافه بسقوط القصاص عنه في القتل،
لأن ما أوجب ذلك في أحد الموضعين وهو الدليل الشرعي يوجبه في الآخر.
والإحصان الموجب للرجم هو أن يكون الزاني بالغا كامل العقل، له زوجة دوام، أو
ملك يمين، سواء كانت الزوجة حرة أم أمة، مسلمة أو ذمية، عند من أجاز نكاح الذمية -
ويكون وطئها، ولا يمنعه من وطئها مستقبلا مانع، من سفر أو حبس أو مرض، ويعبر عمن
هذه حاله بالثيب أيضا.
والبكر هو الذي ليس بمحصن وقد أملك على امرأة ولم يدخل بها، وحكم المرأة في ذلك
كله حكم الرجل (5).
وقال جميع الفقهاء: متى عقد على امرأة، ودخل بها، وكانت حرة، ثبت الإحصان وإن
فارقها بموت، أو طلاق، ولم يراعوا التمكين من وطئها.
وأما الأمة، فعند الشافعي: إذا أصاب أمة بنكاح صحيح، أو أصاب العبد حرة، ثبت
الإحصان للحرة دون المملوك وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: لا يثبت الإحصان لأحدهما.
وهكذا الصغير إذا أصاب كبيرة بنكاح، أو الكبير الصغيرة، ثبت الإحصان للكبير عند
الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: لا يثبت الإحصان لأحدهما، وهو قول الشافعي في

1 - النساء: 25.
2 - الخلاف: 5 / 394 مسألة 37.
3 - الغنية: 423.
4 - الهداية في شرح البداية: 2 / 345.
5 - الغنية: 423.
580

القديم (1).
ويثبت [حكم الزنا] إذا كان ممن يصح منه القصد عليه، سواء كان مكرها أو سكران،
وإن كان مجنونا مطبقا لا يفيق، لا شئ عليه وإن كان يصح منه القصد عليه جلد مئة محصنا
كان أو غير محصن، إذا ثبت فعله ببينة أو علمه الإمام، ولا يعتد بإقراره وإن كان ممن يفيق
ويعقل، كان حكمه في حال الإفاقة حكم العقلاء.
وسواء في ثبوت الحكم على الزاني كون المزني بها صغيرة [أو] مجنونة أو ميتة [212 / أ]
ويسقط عنها إن كانت مكرهة أو مجنونة ولا تفيق، وإن كانت ممن تفيق فحكمها في حال
الإفاقة حكم العاقلة.
وإذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البينة وظهرت توبته وصلاحه، سقط الحد عنه، وكذا
إن رجع عن إقراره بالزنا قبل إقامة الحد أو في حاله إذا فر منه، ولا تأثير لفراره إذا كان بعد
ثبوت الزنا عليه لا بإقراره.
وإن تاب بعد ثبوت الزنا عليه، فللإمام العفو عنه، وليس ذلك لغيره (2).
لا يجب الحد بالزنا إلا بإقرار أربع مرات في أربعة مجالس، فأما في دفعة واحدة فلا يثبت
به الحد. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إذا أقر دفعة واحدة لزمه الحد بكرا كان أو ثيبا.
وبه قال مالك. وقال ابن أبي ليلى: لا يثبت إلا بأن يعترف أربع مرات، سواء كان في مجلس
واحد، أو أربع مجالس (3).
وإذا أقر بحد، ثم رجع عنه، سقط عنه الحد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال الحسن
البصري: لا يسقط وبه قال سعيد بن جبير وداوود.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية، ما روي أن ما عزا أقر عند النبي (عليه السلام) بالزنا
فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا، ثم قال: لعلك قبلت، لعلك لمست، فعرض (عليه السلام) بالرجوع حين
أعرض عنه وصرح له بذلك بقوله: لعلك لمست لعلك قبلت، فلولا أن ذلك يقبل منه، ما كان
فيه فائدة (4).
ويحفر للمرجوم حفيرة يجعل فيها، ويرد التراب عليه إلى صدره، ولا يرد التراب عليه

1 - الخلاف: 5 / 371 مسألة 5.
2 - الغنية: 424.
3 - الخلاف: 5 / 377 مسألة 16.
4 - الخلاف: 5 / 378 مسألة 17.
581

إن كان رجمه بإقراره (1).
ومن وجب عليه الرجم يؤمر بالاغتسال والتكفين، ثم يرجم ويدفن بعد ذلك، بعد أن
يصلي عليه، ولا يغسل بعد موته.
وقال جميع الفقهاء: أنه يغسل بعد موته (2).
وإذا اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد، وأمهل حتى يبرأ من الضرب، ثم رجم، ويبدأ
الإمام بالرجم فيما ثبت بعلمه أو بإقراره، ويبدأ الشهود فيما ثبت بشهادتهم، وبعدهم الإمام،
وبعده من يحضره من عدول المسلمين وأخيارهم دون فساقهم، (3) وبه قال أبو حنيفة. وقال
الشافعي: لا يجب على واحد منهم البدأة بالرجم (4).
ويتولى الإمام - أو من يأذن له - الجلد إذا ثبت موجبه بعلمه أو بإقراره، وإن كان ثبوته
بالبينة تولاه الشهود.
ويقام الحد على الرجل على الهيئة التي رئي زانيا عليها من عري أو لباس، ولا يقام الحد
في [زمان] القيظ في الهواجر ولا في زمان القر في السوابر (5) ويضرب أشد الضرب على سائر
بدنه، [212 / ب] سوى رأسه وفرجه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة، وقد شدت عليها
ثيابها (6).
في الخلاصة: وكيفية الجلد أن يضرب مئة سوط وسط ويتوقى المقاتل وأنهار الدم ولا
يضرب الوجه والفرج ويضرب الرأس لأن الشيطان فيه، كذلك قال أبو بكر، ويضرب
الرجل قائما غير مربوط، ولا يمنع أن يتوقى بيديه وتضرب المرأة جالسة وتضم عليها ثيابها
وتباشر ضمها امرأة ويضرب النضو الضعيف بأثكال النخل وكيفيته أن ينفى عن بلده إلى
مسافة تقصر الصلاة إليها فصاعدا سنة.
وفي البداية: كيفية الحد، إذا كان رجما أن يخرجه إلى أرض فضاء ويبتدئ الشهود
برجمه ثم الإمام ثم الناس، وإن كان مقرا يبتدئ الإمام ثم الناس، ويغسل ويكفن ويصلى
عليه ويدفن، وإذا كان جلدا يأمر الإمام بضربه ضربا متوسطا ينزع عنه ثيابه ويفرق

1 - الغنية: 424.
2 - الخلاف: 5 / 385 مسألة 28.
3 - الغنية: 424.
4 - الخلاف: 5 / 377 مسألة 15.
5 - الهواجر جمع الهاجرة: نصف النهار، والسوابر جمع السبرة: الغداة الباردة.
6 - الغنية: 425.
582

الضرب على أعضائه إلا رأسه ووجهه وفرجه، وقال أبو يوسف يضرب الرأس أيضا، و
المرأة لا تنزع عنها ثيابها إلا الفرو والحشو، وتضرب جالسة إن حفر لها في الرجم جاز ولا
يحفر للرجل (1).
ويجوز للسيد، إقامة الحد على من ملكته يمينه بغير إذن الإمام، ولا يجوز لغير السيد إلا
بإذنه (2)، وبه قال ابن مسعود وابن عمر، وفي التابعين الحسن البصري والأسود، وفي الفقهاء
الأوزاعي والثوري والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس له ذلك، وإقامة الحد إلى الأئمة فقط.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي عن علي (عليه السلام) أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم. وروى أبو هريرة أن النبي (عليه السلام) قال: إذا
زنت أمة أحدكم فليحدها، فإن زنت فليجلدها، فإن زنت فليجلدها فإن زنت فليبعها ولو
بضفر (3) والضفر الحبل.
فصل في حد اللواط والسحق
اللواط هو فجور الذكران بالذكران وهو على ضربين: إيقاب وما دونه من التفخيذ.
ففي الأول إذا ثبت الثبوت الشرعي، قتل الفاعل والمفعول به.
وفي الثاني جلد كل واحد منهما مئة جلدة، بشرط كونهما بالغين عاقلين مختارين، ولا
فرق في ذلك بين المحصن والبكر، والعبد والحر، والمسلم والذمي.
والإمام مخير في قتله إن شاء صبرا أو رجما أو تردية عن علو أو إلقاء جدار عليه أو
إحراقا بالنار دليله إجماع الإمامية وقوله (عليه السلام) [213 / أ] من وجدتموه على عمل قوم لوط
فاقتلوا الفاعل والمفعول (4).
وفي الخلاصة للشافعية: واللواط زنا وحده كحده وفيه قول آخر أن يقتل الأعلى
والأسفل بكل حال سواء كان بكرا أو ثيبا.
وفي البداية للحنيفة: ومن أتى امرأة في موضع المكروه أو عمل عمل قوم لوط فلا حد

1 - الهداية في شرح البداية 2 / 341.
2 - الغنية: 425.
3 - الخلاف: 5 / 395 مسألة 38.
4 - الغنية: 425.
583

عليه عند أبي حنيفة ويعزر، وأورد في الجامع الصغير: ويودع في السجن، وقالا: هو كالزنا
فيحد (1).
والسحق هو فجور الإناث بالإناث، وفيه إذا ثبت جلد مئة لكل واحدة من الفاعلة
والمفعولة بها، بشرط البلوغ وكمال العقل والاختيار، ولا فرق بين حصول الإحصان والحرية
والإسلام وارتفاع ذلك، وروي وجوب الرجم مع الإحصان هاهنا وفي القسم الثاني من
اللواط.
وحكم ذلك كله مع الجنون والإكراه والتوبة قبل ثبوت الفاحشة وبعدها، وفي الرجوع
عن الإقرار، وكيفية الجلد ووقته، وفي القتل في المرة الرابعة، حكم الزنا (2).
فصل في حد القيادة
من جمع بين رجل وامرأة أو غلام، أو بين امرأتين للفجور، فعليه جلد خمسة وسبعين
سوطا، رجلا كان أو امرأة، حرا أو عبدا، مسلما أو ذميا، ويحلق رأس الرجل ويشهر في
المصر، ولا يفعل ذلك بالمرأة.
وحكم الرجوع عن الإقرار، وحكم الفرار والتوبة قبل ثبوت ذلك وبعده، وكيفية إقامة
الحدود ووقته، ما قدمناه.
ومن عاد ثانية جلد ونفي عن المصر، وروي: إن عاد ثالثة جلد، وإن عاد رابعة عرضت
عليه التوبة فإن أبى قتل، وإن أجاب قبلت توبته وجلد فإن عاد خامسة قتل من غير أن
يستتاب (3).
فصل في مسائل متفرقة
إذا مكنت العاقلة المجنون من نفسها فوطئها فعليهما جميعا الحد، فإن وطئ عاقل مجنونة
وجب على العاقل الحد ولا يجب على المجنونة.
وقال الشافعي: يحد العاقل دون من ليس بعاقل. وقال أبو حنيفة: لا يجب على العاقلة

1 - الهداية في شرح البداية: 346.
2 - الغنية: 426.
3 - الغنية: 427.
584

الحد إذا وطأها المجنون، فإن وطئ عاقل مجنونة لزمه الحد (1).
وإذا وجدت امرأة حبلى ولا زوج لها، وأنكرت أن يكون من زنا، فلا حد عليها، لأنه
يحتمل أن يكون من وطئ بشبهة أو إكراه، ومع الشبهة فلا حد، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: عليها الحد (2).
يستحب أن يحضر عند إقامة الحد على الزاني طائفة من المؤمنين [213 / ب] بلا
خلاف، أقل ذلك عشرة، وبه قال الحسن البصري. وقال ابن عباس: أقله واحد. وقال
عكرمة: اثنان. وقال الزهري: ثلاثة وبه قال الشافعي (3).
إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا بامرأة، فشهد اثنان أنه أكرهها، وآخران أنها
طاوعته. فعند الشافعي، لا يجب عليه الحد لأن الشهادة لم تكمل بفعل واحد، بل هي على
فعلين، لأن الزنا طوعا غير الزنا كرها.
وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وهو الصحيح الذي نذهب إليه لأنهم شهدوا عليه بالزنا
وكونها مكرهة، أو طائعة لا يغير حكم كونه زانيا وإنما يؤثر في حكمها (4).
إذا تكامل شهود الزنا أربعة ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا في مجلس واحد أو في
مجالس، وشهادتهم مفترقين أحوط، ويدل عليه كل ظاهر ورد بأنه إذا شهد أربعة وجب
الحد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن شهدوا في مجلس واحد ثبت الحد بشهادتهم، وإن كانوا في مجالس
فهم قذفة يحدون، والمجلس عنده مجلس الحاكم، فإن جلس بكرة ولم يقم إلى العشي، فهو
مجلس واحد، وإن شهد اثنان فيه بكرة وآخران عشية ثبت الحد، ولو جلس لحظة ثم انصرف
لحظة وعاد فهما مجلسان (5).
إذا شهد أربعة، ثم رجع واحد منهم، فلا حد على المشهود عليه بلا خلاف، وعلى
الراجع الحد بلا خلاف، ولا حد على الثلاثة لأنه لا دليل عليه. وللشافعي فيه قولان. وقال

1 - الخلاف: 5 / 372 مسألة 6.
2 - الخلاف: 5 / 374 مسألة 10.
3 - الخلاف: 5 / 374 المسألة 11، وفيه: وقال الشافعي: أربعة.
4 - الخلاف: 5 / 383 مسألة 24، واختيار المصنف هنا يخالف اختيار الشيخ الطوسي، حيث أن الطوسي اختار القول
الأول.
5 - الخلاف: 5 / 388 مسألة 31.
585

أبو حنيفة: عليهم الحد (1).
في الخلاصة: وأما إتيان البهائم فالصحيح أن فيه التعزير وأنه يثبت بشاهدين (2)، وفي
البداية: من وطئ بهيمة فلا حد عليه (3).
فصل في حد القذف
من قذف - وهو كامل العقل - حرا أو حرة بزنا أو لواط، حرا كان القاذف أو مملوكا،
رجلا أو امرأة، فهو مخير بين العفو عنه وبين المطالبة بحق القذف، وهو جلد ثمانين سوطا،
والعبد والحر فيه سواء (4)، وبه قال الزهري. وقال جميع الفقهاء: حده أربعون جلدة، أي حد
العبد (5).
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة} (6)، ولم يفصل بين العبد وغيره.
وإن كان القاذف ذميا قتل بخروجه من الذمة.
وسواء في ذلك الصريح من اللفظ، والكناية المفيدة لمعناه، فالصريح: لفظ الزنا واللواط،
والكناية كلفظ القحوبية والعلوقية والفسق والفجور والقرنية والدياثة، وما أشبه ذلك مما
يفيده، في عرف القاذف معنى الصريح (7) [214 / أ].
في الخلاصة: وأما الكناية ففيه تعزير إلا أن تفسر بما هو قذف ولو قال [العربي]: يا
نبطي، ثم قال: عنيت نبطي الدار حلف وعزر، ولو قال: قذفت الأب الجاهلي فكذلك
الجواب، فإن لم يحلف حلف المقذوف لقد أراد القذف وحد.
ومن قال: لغيره زنيت بفلانة، فهو قاذف لاثنين، وعليه لهما حدان (8). وقال أبو حنيفة:
عليه حد واحد، وهو قول الشافعي في القديم، وقال في الجديد قولان (9).
وكذا لو قذف جماعة، وأفرد كل واحد منهم بلفظ، سواء جاءوا به على الاجتماع [أ]

1 - الخلاف: 5 / 392 مسألة 34.
2 - الخلاصة.
3 - الهداية على شرح البداية: 2 / 347.
4 - الغنية: 427.
5 - الخلاف: 5 / 403 مسألة 47.
6 - النور: 4.
7 - الغنية: 428.
8 - الغنية: 428.
9 - الخلاف: 5 / 405 مسألة 49.
586

والانفراد، أو قذفهم بلفظ واحد وجاء به كل واحد منهم على الانفراد، فإن جاءوا به مجتمعين
حد لجميعهم حدا واحدا (1).
وإن جاؤوا به مفترقين كان لكل واحد منهم حد. وللشافعي فيه قولان: أحدهما عليه
حد واحد لجميعهم، والآخر عليه لكل واحد حد كامل، ولم يفصل. وقال أبو حنيفة: عليه
لجماعتهم حد واحد سواء قذفهم بكلمة واحدة، أو أفرد كل واحد منهم بكلمة القذف (2).
وحد القاذف موروث يرثه كل من يرث المال من ذوي الأنساب دون الأسباب، وإذا
طالب أحدهم بالحد فأقيم له، سقط حق الباقين، وإذا عفا بعضهم كان لمن لم يعف المطالبة
باستيفاء الحد (3).
وقال أبو حنيفة: حد القذف لا يورث.
وقال الشافعي: هو موروث. وفيمن يرثه ثلاثة أوجه: أحدها ما قلناه، والثاني يرثه
العصبات من الرجال فقط، والثالث [و] هو المذهب أنه يرثه كل من يرث المال من النساء
والرجال من ذوي الأنساب والأسباب (4).
وإذا لم يكن للمقذوف المتوفى ولي، أخذ بحقه سلطان الإسلام، ولم يجز له العفو.
ولا يسقط حد القذف بالتوبة على كل حال وإنما يسقط بعفو المقذوف، أو وليه من ذوي
الأنساب خاصة.
ويقتل القاذف في المرة الرابعة، إذا حد فيما قبلها من المرات (5).
وقال الشيخ: إذا جلد الزاني الحر [البكر] أربع مرات، قتل في الخامسة، وكذلك في
القذف في الخامسة، والعبد يقتل في الثامنة: قال: وقد روي أن الحر يقتل في الرابعة. وخالف
جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: عليه الحد بالغا ما بلغ (6).
ومن لم تكمل فيه الحرية فمتى قذف قاذف، جلد بحساب الحرية، وعزر بحساب الرق،
وقال جميع الفقهاء: عليه التعزير (7).
التعريض بالقذف ليس بقذف، مثل أن يقول: لست بزان ولا أمي زانية، وكقوله

1 - الغنية: 428.
2 - الخلاف: 5 / 404 مسألة 48.
3 - الغنية: 428.
4 - الخلاف: 5 / 406 مسألة 51.
5 - الغنية: 428.
6 - الخلاف: 5 / 408. مسألة 55.
7 - الخلاف: 5 / 407 مسألة 53.
587

يا حلال ابن الحلال [214 / ب] وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وقال مالك: هو قذف حال
الغضب، وليس بقذف حال الرضا (1).
من سب النبي أو غيره من الأنبياء أو أحدا من الأئمة (عليهم السلام) يقتل، وليس على من سمعه
فسبق إلى قتله من غير استئذان صاحب الأمر سبيل (2)، وقال الشافعي: من سب الإمام العادل يجب تعزيره، وبه قال باقي الفقهاء (3).
فصل [في حد شرب المسكر]
والحد في شرب قليل المسكر وكثيره، وإن اختلفت أجناسه، إذا كان شاربه كامل
العقل، حرا أو عبدا، رجلا أو امرأة، مسلما أو كافرا، متظاهرا بذلك بين المسلمين، ثمانون
جلدة (4)، وبه قال أبو حنيفة: وأصحابه والثوري ومالك، لا يزاد ولا ينقص.
وقال الشافعي: حده أربعون، فإن رأى الإمام أن يزيد عليها أربعين تعزيرا ليكون الحد
والتعزير ثمانين فعل.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم، ما روى منبه بن وهب (5)، عن محمد بن علي
عن أبيه: أن النبي (عليه السلام) جلد شارب الخمر ثمانين. وروى شعبة (6)، عن قتادة، عن أنس أن
النبي (عليه السلام) جلد شارب الخمر بجريدتين نحو أربعين، وإذا كان أربعون بجريدتين كان ثمانون
بواحدة. وروي أن عمر استشار الصحابة، وقال: إن الناس يشربون الخمر ويستحقرون
حدها فما ترون؟ فقال علي: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذي، وإذا هذى افترى، فتحده
حد المفتري. وقال عبد الرحمن [بن عوف] (7): أرى أن تحد كأقل الحدود ثمانين، فثبت أنهم

1 - الخلاف: 5 / 408 مسألة 54. والمثال لم يرد في الخلاف.
2 - الغنية: 428.
3 - الخلاف: 5 / 340 مسألة 5.
4 - الغنية: 429.
5 - كذا في النسخة والمصدر وهو تصحيف (وهب بن منبه) قال المزي: وهب بن منبه بن كامل اليماني، أبو عبد الله روى
عن أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله وروى عنه جماعة. توفي سنة (113). تهذيب الكمال: 31 / 140 رقم 6767.
6 - شعبة ابن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي، أبو بسطام الواسطي. ولد سنة (82) ومات (160) عن (77) سنة. تهذيب
الكمال: 12 / 479 الرقم 2739.
7 - عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف القرشي الزهري، أبو محمد، كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الرحمن ولد بعد الفيل بعشر سنين، توفي بالمدينة (31) وهو ابن (75) سنة. أسد الغابة: 3 / 376
رقم 3364.
588

أجمعوا على الثمانين (1).
إذا تقيأ خمرا، أقيم عليه الحد، وأما بالرائحة فلا. وقال ابن مسعود: يقام عليه الحد بها.
وقال الشافعي وجميع الفقهاء: لا يقام الحد بالقئ والرائحة (2).
الحد الذي يقام بالسوط حد الزنا وحد القذف بلا خلاف، وحد شرب الخمر عندنا
مثل ذلك. وللشافعي فيه قولان: أحدهما ما قلناه. والمنصوص له: أنه يقام بالأيدي والنعال
وأطراف الثياب لا بالسوط (3).
ويقتل المعاود لشرب المسكر في الثالثة (4)، وفي الخلاف: من شرب الخمر، وجب عليه
الحد، إذا كان مكلفا بلا خلاف، فإن تكرر منه ذلك قبل أن يقام عليه الحد، أقيم عليه حد
واحد بلا خلاف، وإن شرب فحد، ثم شرب فحد، ثم شرب فحد ثم شرب رابعا قتل في
الرابعة. وقال جميع الفقهاء: لا يقتل، وإنما يقام عليه الحد، بالغا ما بلغ.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه سفيان عن الزهري عن
قبيصة بن ذؤيب (5)، [215 / أ] أن النبي (عليه السلام) قال: من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب
الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب الخمر فاقتلوه (6).
وحكم شارب الفقاع حكم شارب الخمر، وقد ثبت تحريم شربه فيما مضي، وكل من
قال بذلك أوجب فيه حكم [حد] الخمر والقول بأحد الأمرين دون الآخر خروج عن الإجماع.
وحكم التائب من ذلك قبل ثبوته أو بعده حكم التائب من الزنا وغيره، مما يوجب حدا
لله تعالى، ولا يتعلق به حق لآدمي، وقد تقدم.
ويضرب الرجل على ظهره، وكتفه وهو عريان، والمرأة في ثيابها (7).
فصل في حد السرقة
يجب القطع على من ثبت كونه سارقا بشروط:
منها: أن يكون مكلفا.

1 - الخلاف: 5 / 490 مسألة 7.
2 - الخلاف: 5 / 492 مسألة 8،
3 - الخلاف: 5 / 496 مسألة 12.
4 - الغنية: 429.
5 - قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي، أبو سعيد، ويقال: أبو إسحاق المدني ولد عام الفتح ومات (86 ه‍). تهذيب
التهذيب: 8 / 311 رقم 630.
6 - الخلاف: 5 / 473 مسألة 1.
7 - الغنية: 429.
589

ومنها: أن لا يكون والدا من ولده، وإن كان غنيا عن ماله، ولا عبدا من سيده، بلا
خلاف، (1)، إلا من داود فإنه قال: يقطع الوالد والعبد (2).
ومنها: أن يكون مقدار المسروق ربع دينار فصاعدا، أو قيمة ذلك مما يتمول عادة أو
شرعا، سواء كان محرزا بنفسه، وهو الذي إذا ترك لم يفسد، كالثياب والحبوب اليابسة، أو لم
يكن كذلك، كالفواكه واللحوم، سواء كان أصله الإباحة كالخشب والقصب والطين، وما
يعمل من الأواني، وما يستخرج من المعادن، أو لم يكن كذلك كالأثاث والثياب (3)، وافقنا في
النصاب مذهب الشافعي والأوزاعي، وأحمد.
وقال داود وأهل الظاهر: يقطع بقليل الشئ وكثيره، ولا حد لأقله. وقال الحسن
البصري: القطع في نصف دينار فصاعدا، وقال [أبو حنيفة]: القطع في عشرة دراهم فصاعدا،
فإن سرق من غيرها قوم بها (4).
إذا سرق ربع دينار من هذه الدنانير المنقوشة يجب القطع بلا خلاف بيننا وبين
الشافعي، وإن كان تبرا من ذهب المعادن الذي يحتاج إلى سبك أو علاج فلا قطع، وإن كان
ذهبا خالصا غير مضروب فإنه يقطع عندنا بدلالة عموم الأخبار الواردة في أن القطع في ربع
دينار، وعنده فيه وجهان (5).
وإذا سرق ما قيمته ربع دينار، وجب القطع، سواء كان محرزا بنفسه، أو لم يكن لما روي
من عبد الله بن عمر أن النبي (عليه السلام)، سئل عن التمر المعلق فقال: من سرق منه بعد أن يؤويه الحريز
إذا بلغ ثمنه ربع دينار، ففيه القطع. وأما قوله (عليه السلام): لا قطع في ثمر ولا كثر فمحمول على أنه إذا لم
يكن في حرز، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إنما يجب القطع فيما كان محرزا بنفسه، فأما الأشياء الرطبة والطبيخ فلا
قطع فيه بحال [215 / ب] (6).
كل جنس يتمول في العادة ففيه القطع، سواء كان أصله الإباحة أو غير الإباحة، فما لم
يكن على الإباحة كالثياب والأثاث والحبوب، وما أصله الإباحة كالصيود على اختلافها إذا
كانت مباحة، وكذلك الجوارح المعلمة، والخشب والحطب، وما يعمل من الطين، والزجاج

1 - الغنية: 430.
2 - الخلاف: 5 / 447 مسألة 44 - 45.
3 - الغنية: 430.
4 - الخلاف: 5 / 411 مسألة 1.
5 - الخلاف: 5 / 414 مسألة 2.
6 - الخلاف: 5 / 415 مسألة 3.
590

والحجر، وما يخرج من المعادن، كالقير النفط والملح، وجميع الجواهر، والذهب، والفضة، كل
هذا فيه القطع، وفاقا للشافعي.
وقال أبو حنيفة: فيما لم يكن أصله الإباحة مثل قولنا، وما أصله الإباحة في دار الإسلام
فلا قطع فيه بحال، قال: فلا قطع في الصيود والجوارح المعلمة وغير المعلمة، والخشب إلا
ما يعمل منه كالجفان والقصاع والأبواب، فيكون في معمولة القطع. وعنه في الزجاج روايتان،
وكل ما يعمل من الطين من الخزف والفخار والقدور والأواني لا قطع فيه، وهكذا كل ما كان
من المعادن إلا الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإن فيه القطع. قال: لأن جميع ذلك على
الإباحة في دار الإسلام فلا يجب فيه القطع كالماء (1).
ومنها: أن يكون المسروق لاحظ ولا شبهة للسارق فيه (2)، قال الشيخ: روى أصحابنا
أنه إذا سرق الرجل من بيت المال أو مما له فيه سهم أكثر مما يصيبه بمقدار النصاب، كان عليه
القطع، وكذلك إذا سرق من الغنيمة.
وقال جميع الفقهاء: لا قطع عليه (3).
ومنها: أن يكون مخرجا من حرز، وروي أصحابنا أن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز
لغير مالكه أو مالك التصرف فيه دخوله إلا بإذن المالك.
والسارق هو الآخذ على جهة الاستخفاء والتفزع، وعلى هذا ليس على المنتهب و
المختلس والخائن في وديعة أو عارية قطع (4) وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وقال داود: لا اعتبار بالحرز، فمتى سرق من أي موضع كان فعليه القطع.
وقال أحمد: إذا سرق فعليه القطع، وكذلك المنتهب، والمختلس والخائن في وديعة أو
عارية، وهو أن يجحد ذلك فعليه القطع.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي جابر عن النبي (عليه السلام) من
قوله: ليس على المنتهب والمختلس وعلى الخائن القطع، وهذا نص [على أحمد] (5).
ونحتج على المخالف بما اعتبرناه من النصاب بما رووه عن عائشة من قوله (عليه السلام): القطع في
ربع دينار فصاعدا، وهذا أيضا نص [216 / أ] وأيضا فالأصل براءة الذمة، عما زاد على

1 - الخلاف: 5 / 416 مسألة 4.
2 - الغنية: 430.
3 - الخلاف: 5 / 450 مسألة 49.
4 - الغنية: 430.
5 - الخلاف: 5 / 418 مسألة 5.
591

الربع ومن أوجب القطع فيما نقص عنه يحتاج إلى دليل.
ونحتج على المخالف - وهو أبو حنيفة - في إسقاط القطع بسرقة ما ليس بمحور بنفسه، و
ما كان أصله الإباحة، سوى الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإنه لم يسقط القطع
بسرقته، بقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (1) لأنه لم يفصل، ولا يجوز
أن يخرج من ذلك إلا ما أخرجه دليل قاطع، وبقوله [(صلى الله عليه وآله)]: القطع في ربع دينار. وإنما أراد ما
قيمته ذلك بلا خلاف، ولم يفرق.
وإذا تكاملت شروط القطع، قطعت يمين السارق أول مرة، فإن سرق ثانية، قطعت
رجله اليسرى، بلا خلاف إلا من عطاء فإنه قال: يده اليسرى.
يدل على ما قلناه ما روي عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) أتي برجل سارق فقطع يده، ثم أتي به
وقد سرق [ثانية ف‍] - قطع رجله اليسرى.
فإن سرق ثالثة خلد في الحبس إلى أن يموت، أو يرى ولي الأمر فيه رأيه، فإن سرق في
الحبس ضربت عنقه (2).
وقال الشافعي: تقطع يده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد: لا يقطع في الثالثة مثل ما قلناه غير إنهم لم يقولوا
يخلد السجن.
يدل على صحة مذهبنا ما روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه أتي بسارق مقطوع اليد و
الرجل، فقال: إني لأستحيي من الله أن لا أترك له ما يأكل به ويستنجئ به، ولم ينكر ذلك
عليه أحد، وأيضا فالأصل براءة الذمة من القطع، فمن أوجب في الثالثة فعليه الدليل.
ويحتج على المخالف في جواز قتله بما رووه عن جابر من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قتل السارق في
الخامسة. وقال عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر، وعمر بن عبد العزيز: يقتل في الخامسة (3).
وإذا كانت يمنى من وجب عليه القطع لها شلاء قطعت، ولم تقطع يساره، وكذلك من
وجب قطع رجله اليسرى وكانت شلاء، تقطع دون رجله اليمنى (4).
قال الشيخ: إذا كانت يمينه ناقصة الأصابع، ولم يبق إلا واحدة، قطعت بلا خلاف، وإن

1 - المائدة: 38.
2 - الغنية: 431.
3 - الخلاف: 5 / 438 مسألة 32.
4 - الغنية: 432.
592

لم يكن فيها إصبع قطع الكف، وإن كانت شلاء روى أصحابنا أنها تقطع، ولم يفصلوا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: ما قلناه. وهو الأظهر، وفي أصحابه من قال
[216 / ب] لا تقطع لأنه لا منفعة فيها ولا جمال، وإن كانت شلاء رجع إلى أهل المعرفة
بالطب، فإن قالوا إذا قطعت اندملت قطعت، وإن قالوا تبقى أفواه العروق مفتحة لم تقطع (1).
كل عين قطع السارق بها مرة، فإذا سرقها مرة أخرى يقطع بدلالة الآية والخبر وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا قطع السارق بالعين مرة لم يقطع بسرقتها مرة أخرى، سواء سرقها
من الأول أو من غيره إلا في مسألة واحدة، قال: إذا كانت العين غزلا، فقطع بها، ثم نسج ثوبا،
ثم سرق الثوب قطعناه (2).
وموضع القطع من أصول الأصابع ويترك الإبهام، وفي الرجل عند معقد الشراك و
يترك له مؤخر القدم والعقب (3).
وفي الخلاصة: تقطع من الكوع ويحسم بالنار لسد منافذ الدم. وفي السرقة الثانية تقطع
الرجل اليسرى من مفصل الكعب وتحسم بالنار، وفي الثالثة اليد اليسرى من الكوع، وفي
الرابعة الرجل اليمنى، ويعزر بعد ذلك إذا سرق ويحبس كذلك أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وفي البداية: يقطع يمين السارق من الزند ويحسم فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى
فإن سرق ثالثا لم يقطع وخلد في السجن حتى يموت (4).
لنا أن ما اعتبرناه مجمع على وجوب قطعه، وليس على قطع ما زاد دليل عليه. وروى
الناس كلهم عن علي (عليه السلام): أنه قطع السارق من الموضع الذي ذكرناه بمشهد من الصحابة ولم
ينكر أحد منهم ذلك عليه، وهذا على أصل المخالف الإجماع على ذلك في تلك الحال.
وإذا سرق اثنان فما زاد عليهما شيئا، فبلغ نصيب كل واحد منهم المقدار الذي يجب فيه
القطع، قطعوا جميعا بلا خلاف سواء كانوا مشتركين في السرقة، أو كان كل واحد منهم سرق
لنفسه، وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم ذلك المقدار ولم يكونوا مشتركين فلا قطع على
واحد منهم بلا خلاف.

1 - الخلاف: 5 / 441 مسألة 37.
2 - الخلاف: 5 / 442 مسألة 39.
3 - الغنية: 432.
4 - الهداية في شرح البداية: 2 / 369.
593

وإن كانوا مشتركين في ذلك في إخراجه من الحرز قطعوا بربع دينار لقوله تعالى:
{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (1) لأن ظاهره يقتضي أن وجوب القطع إنما كان
بالسرقة المخصوصة، وإذا استحق كل واحد منهم هذا الاسم، وجب أن يستحق القطع (2).
إذا نقب ثلاثة، وأخرج كل واحد منهم شيئا، قوم، فإن بلغ قيمته نصابا وجب قطعه، و
إن نقص لم يقطع [217 / أ] وبه قال مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: أجمع ما أخرجه جميعهم وأقومه، ثم أفض على الجميع، فإن أصاب
كل واحد نصابا قطعته، وإن نقص لم أقطعه (3).
وإذا نقب ثلاثة، وكوروا المتاع، وأخرج واحد منهم دون الباقين فالقطع على من
أخرج المتاع، وبه قال مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: أفض السرقة على الجماعة، فإن بلغت حصة كل واحد نصابا قطعت
الكل، وإلا لم أقطع واحدا منهم (4).
ومن أصحابنا من اختار القول بأنه لا قطع على واحد من الجماعة حتى يبلغ نصيبه
المقدار الذي يجب فيه القطع على كل حال.
وتقطع الأم بالسرقة من مال ولدها، والولد بالسرقة من مال أحد الوالدين، وكل
واحد من الزوجين بالسرقة من مال الآخر، بشرط أن يكون المال محرزا ممن سرقه (5).
قال جميع الفقهاء: لا تقطع الأم إذا سرقت من مال ولدها، وأما أحد الزوجين إذا سرق
مال الآخر من الحرز، فأحد قولي الشافعي ما قلناه والثاني أنه لا قطع وبه قال أبو حنيفة (6).
ومن خرج من عمود الوالدين والولد من ذوي الأرحام إذا سرق من الآخر، فهو
كالأجنبي، يجب عليه القطع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: كل شخصين بينهما رحم محرم فالقطع ساقط بينهم كما يسقط بين الوالد
وولده مثل الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات (7).
ويقطع الطرار من الجيب والكم من الثوب التحتاني (8).

1 - المائدة: 38.
2 - الغنية: 433.
3 - الخلاف: 5 / 421 مسألة 9.
4 - الخلاف: 5 / 421 مسألة 10.
5 - الغنية: 433.
6 - الخلاف: 5 / 449 مسألة 46 - 47.
7 - الخلاف: 5 / 450 مسألة 48.
8 - الغنية: 434.
594

وإن سرقه من الجيب والكم الفوقاني فلا يقطع عليه، سواء شده في الكم من داخل أو
خارج.
وقال جميع الفقهاء: عليه القطع ولم يعتبروا قميصا فوق قميص، إلا أن أبا حنيفة قال: إذا
شده من داخل كمه وتركه من خارج فلا قطع عليه، وإن شده من خارج وتركه من داخل
فعليه القطع، والشافعي لم يفصل (1).
ويقطع النباش والطرار إذا أخذ كل واحد منهما ما قيمته ربع دينار فصاعدا (2). وبه
قال مالك والشافعي وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يقطع النباش، لأن القبر ليس بحرز، والكفن ليس بملك
لأحد، وأجيب عن ذلك أن القبر عندنا حرز مثله، وفي الكفن وجوه أحدها أنه على حكم
ملك الميت، ولا يمتنع أن يكون ملكا له في حياته، وفي حكم ملكه بعد وفاته، ألا ترى أن
الدين في ذمته بعد وفاته. والثاني: أنه ملك للوارث، والميت أحق به [217 / ب] ولهذا قلنا:
لو أن سبعا أكل الميت، كان الكفن لوارثه. والثالث: أنه ليس بملك لأحد، ولا يمتنع أن لا يكون
ملكا لأحد، ويتعلق به القطع كستارة الكعبة، وبواري المسجد. فإذا قيل [هو] ملك الوارث
أو في حكم الملك للميت فالمطالب به الوارث. وإذا قلنا لا مالك له، فالمطالب به هو الحاكم (3).
يدل على المسألة ظاهر الآية والخبر لأن السارق هو الآخذ للشئ على جهة
الاستخفاء والتفزع، فيدخل من ذكرناه في ظاهر الآية. وما روي عن عائشة وعمر بن عبد
العزيز: أنهما قالا: سارق موتانا كسارق أحيائنا.
والغرم لازم للسارق وإن قطع لظاهر الآية والخبر، لأنه يقتضي إيجاب القطع على كل
حال، فمن منع منه مع الغرم فعليه الدليل (4)، وهو أبو حنيفة فإنه قال: لا أجمع بين الغرم و
القطع، فإذا طالبه المسروق منه بالسرقة رفعه إلى السلطان، فإن غرم له ما سرق سقط القطع،
وإن سكت حتى قطعه الإمام سقط الغرم عنه، وكان صبره وسكوته حتى قطع رضى منه
بالقطع عن الغرم.
وقال مالك: يغرم إن كان موسرا، ولا يغرم إن كان معسرا.

1 - الخلاف: 5 / 451 مسألة 51.
2 - الغنية: 434.
3 - الخلاف: 5 / 433 مسألة 28.
4 - الغنية: 434.
595

وعندنا إن كانت العين قائمة ردها بلا خلاف، وإن كانت تالفة غرم قيمتها وبه قال
الحسن البصري والنخعي والزهري والأوزاعي والشافعي وأحمد (1).
ومن أقر أو قامت البينة عليه بسرقات كثيرة، قطع بأولها وغرم الباقي، فإذا رجع المقر
بالسرقة عن إقراره، لم يقطع (2)، وبه قال جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا يسقط
برجوعه (3).
وكذا إن تاب وظهر صلاحه قبل أن يرتفع خبره إلى ولي الأمر، فإن تاب بعد ما ارتفع
خبره إليه، كان مخيرا بين قطعه والعفو عنه، وليس لغيره في ذلك خيار، وعليه رد ما سرق إن
كانت عينه باقية وغرم قيمته إن كانت تالفة على كل حال (4).
لا يثبت الحكم بالسرقة ووجوب القطع بالإقرار مرة، ويحتاج أن يقدر مرتين حتى
يحكم عليه بالقطع، وبه قال ابن أبي ليلى وزفر وأحمد.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: إنه يثبت بإقراره مرة واحدة، ويغرم، ويقطع (5).
إذا أقر العبد على نفسه بالسرقة، لا يقبل إقراره. وقال جميع الفقهاء: أنه يقبل
ويقطع (6).
كل موضع كان حرزا لشئ من الأشياء، فهو حرز لجميع الأشياء، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يختلف ذلك [218 / أ] باختلاف الأشياء، فحرز البقل وما أشبه ذلك
دكاكين البقالين تحت الشريحة المقفلة، وحرز الذهب والفضة والثياب وغيرها المواضع
الحريزة من البيوت والدور إذا كانت عليها أقفال وثيقة، فمن ترك الذهب والفضة في دكان
البقلي فقد ضيع ماله، لأن ذلك ليس بحرز مثله (7).
الإبل إذا كانت مقطرة، وكان سائقا لها، فهي في حرز بلا خلاف، وإن كان قائدا لها
لا تكون في حرز إلا التي زمامها بيده لأنه لا دليل على كونه حرزا، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: تكون في حرز بشرطين، أحدهما أن تكون بحيث لو التفت إليها
شاهدها كلها والآخر أن يكثر الالتفات إليها (8).

1 - الخلاف: 5 / 446 مسألة 43.
2 - الغنية: 434.
3 - الخلاف: 5 / 444 مسألة 41.
4 - الغنية: 434.
5 - الخلاف: 5 / 443 مسألة 40.
6 - الخلاف: 5 / 453 مسألة 54.
7 - الخلاف: 5 / 419 مسألة 6.
8 - الخلاف: 5 / 420 مسألة 7.
596

روى أصحابنا، أن الصبي إذا سرق هدد، فإن عاد ثانية أدب بحك أصابعه في الأرض
حتى تدمى، فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول، فإن عاد رابعة
قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسة قطعت من أصولها.
ورووا أنه لا قطع على من سرق طعاما في عام مجاعة، (1) ولم يفصلوا.
وقال الشافعي: إن كان الطعام موجودا مقدورا عليه ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع،
وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه، فسرق طعاما، فلا قطع عليه. (2)
فصل [في التعزيرات]
واعلم أن التعزير يجب بفعل القبيح أو الإخلال بالواجب الذي لم يرد للشرع
بتوظيف حد عليه أو ورد بذلك فيه ولم يتكامل شروط إقامته فيعزر على مقدمات الزنا
واللواط من النوم في إزار واحد والضم والتقبيل إلى غير ذلك على حسب ما يراه ولي الأمر
من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، ويعزر من وطئ بهيمة، أو استمنى بيده،
ويعزر العبد إذا سرق من مال سيده، والوالد إذا سرق من مال ولده، ومن سرق أقل من
ربع دينار، ومن سرقه أو أكثر منه من غير حرز، ومن قذف وهو حر مسلم ولدا له أو عبدا
له أو لغيره أو ذميا أو صغيرا أو مجنونا، عير ويعزر العبيد والإماء وأهل الذمة إذا
تقاذفوا.
ومن قذف غيره بما هو مشهور به ومعترف به من ساير القبايح لم يستحق حدا
ولا تعزيرا، ويعزر المسلم إذا عير مسلما بعمى أو عرج أو جنون أو جذام أو برص فإن كان
كافرا فلا شئ عليه.
والتعزير لما ناسب (3) من التعريض [218 / ب] بما لا يفيد زنا ولا لواطا والنبز
بالألقاب من ثلاثة أسواط إلى تسعة وسبعين سوطا وإذا تقاذف اثنان بما يوجب الحد سقط
عنهما ووجب تعزيرهما لي دليل ذلك كله إجماع الإمامية، وروي أنه متى عزر المرء رابعة
استتيب فإن أصر وعاد إلى ما يوجب التعزير ضربت عنقه (4).

1 - الغبة 434.
2 - الخلاف: 5 / 432 مسألة 27.
3 - القذف.
4 - الغنية: 435.
597

القضاء
كتاب القضاء وما يتعلق به
يجب في متولي القضاء أن يكون عالما بالحق في الحكم المردود إليه (1).
لا يجوز أن يتولي القضاء إلا من كان عالما بجميع ما ولي فيه، ولا يجوز أن يشذ. منه شئ
من ذلك، ولا يجوز أيضا أن يفتي إلا بما هو عالم به، ولا يجوز أن يقلد غيره فيحكم به أو يفتي.
وقال الشافعي: ينبغي أن يكون من أهل الاجتهاد، لا عاميا، ولا يجب أن يكون عالما
بجميع ما وليه، وقال في القديم (2) مثل ما قلنا.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يكون جاهلا بجميع ما وليه إذا كان ثقة، ويستفتي الفقهاء
ويحكم به. ووافقنا في المفتي أنه لا يجوز أن يفتي إلا بما هو عالم به (3). لنا أن تولية المرء ما لا
يعرفه قبيحة عقلا، ولا يجوز فعلها، وأيضا فالحاكم مخبر في الحكم عن الله تعالى، ونائب عن
رسول الله ولا شبهة في قبح ذلك من دون العلم، وأيضا قوله تعالى:
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (4). ومن حكم بالتقليد لم
يقطع على الحكم بما أنزل الله.
ويحتج على المخالف بما رووه في خبر تقسيم القضاة: القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان
في النار، فالذي في الجنة رجل عرف الحق فاجتهد فعدل، ورجل عرف الحق فحكم فجار
فذاك في النار، ورجل قضى بين الناس على جهل فذاك في النار (5)، ومن قضى بالفتيا فقد

1 - الغنية: 436.
2 - في النسخة: في المقلد.
3 - الخلاف: 6 / 207 مسألة 1 وفيه (العامي) مكان (المفتي)، والغنية ص 436.
4 - المائدة: 44.
5 - سنن البيهقي: 10 / 116.
599

قضى على جهل.
ويجب أن يكون عدلا بلا خلاف إلا من الأصم، وخلافه غير معتد به.
وينبغي أن يكون كامل العقل، حسن الرأي، ذا حلم وورع، وقوة على القيام بما
فوض إليه.
ويجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء من الأموال والحدود والقصاص وغير
ذلك. وسواء في ذلك ما علمه في حال الولاية أو قبلها (1) أو بعدها في غير موضع ولايته، الباب
واحد.
وللشافعي في حقوق الآدميين قولان أحدهما ما قلناه، وبه قال أبو يوسف، واختاره
المزني، وعليه نص في الأم واختاره، والقول الثاني: لا يقضي بعلمه بحال، وبه قال في الفقهاء
مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وإسحاق، فأما حقوق الله تعالى فإنها تبنى على القولين، فإذا
قال: لا يقضي بعلمه في حقوق الآدمين فبأن لا يقضي به [219 / أ] في حقوق الله أولى، وإذا
قال: يقضي بعلمه في حقوق الآدميين ففي حقوق الله قولان، وقال أبو حنيفة ومحمد: إن علم
ذلك بعد التولية في موضع ولايته حكم، وإن علم قبل التولية أو بعدها في غير موضع ولايته لم
يقض به، هذا في حقوق الآدميين، فأما في حقوق الله فلا يقضي عندهم بحال.
لنا بعد إجماع الإمامية قوله تعالى: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} (2)، وقوله:
{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} (3)، ومن حكم بعلمه
فقد حكم بالحق والعدل، وأيضا قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
مئة جلدة} (4)، {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (5).
ومن علمه الإمام أو الحاكم زانيا أو سارقا وجب عليه امتثال الأمر، وإذا ثبت ذلك في
الحد ثبت في الأموال، لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين، وأيضا فلو لم يقض الحاكم بعلمه، لأدى
إما إلى فسقه، من حيث منع الحق الذي يعلمه، أو إعطاء ما لم يعلم استحقاقه، وإما إلى إيقاف
الحكم، والأول يقتضي فسخ ولايته وإبطال أحكامه مستقبلا والثاني ينافي المقصود بها، و
أيضا فإنما يحتاج إلى البينة ليغلب في الظن صدق المدعي، ولا شبهة في أن العلم بصدقه آكد من

1 - الغنية: 436.
2 - المائدة: 42.
3 - ص: 26.
4 - النور: 2.
5 - المائدة: 38، ولاحظ الخلاف 5 / 242: مسألة 41 والغنية ص 436 - 437.
600

غلبة الظن، فإذا وجب الحكم مع الظن بذلك، فلأن يجب مع العلم به أولى وأحرى.
ويدل أيضا على ما قلناه إمضاء رسول الله الحكم بالناقة على الأعرابي من أمير
المؤمنين (عليه السلام) ومن خزيمة بن ثابت (1) وسماه لذلك ذا الشهادتين من حيث علما صدقه (صلى الله عليه وآله)
بالمعجز.
وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح لما طالبه بالبينة على ما ادعاه في درع طلحة: ويحك
خالفت السنة بمطالبة إمام المسلمين ببينة، وهو مؤتمن على أكثر من هذا، يدل على ما قلناه،
لأنه أضاف الحكم بالعلم إلى البينة على رؤوس الأشهاد من الصحابة والتابعين، فلم ينكر
ذلك أحد منهم.
وليس لأحد أن يمنع من الحكم بالعلم من حيث إن ذلك ربما اقتضى تهمة الحاكم، لأن
ذلك استحسان محض، فلا يجوز العدول به عما اقتضاه الدليل، ويلزم على ذلك أن لا يجوز
الحكم في المستقبل بالبينة أو الإقرار المتقدمين من حيث كان مستند هذا الحكم إلى العلم
السابق لهما.
على أن الشروط المراعاة في الحكم تقتضي حسن الظن به، وتمنع من تهمته في الحكم
بعلمه، كما تمنع ذلك في قوله: أقر عندي بكذا، أو قامت البينة بكذا وإذا وجب الحكم بما ثبت
عنده بإقرار أو بينة، وإن لم يحضر ذلك أحد سواه، وحرم عليه الامتناع من الحكم لأجل
التهمة، [219 / ب] فكذلك ما نحن فيه.
ويقضي بشهادة الشهاد المسلمين بشرط الحرية والذكورة والبلوغ وكمال العقل
[والعدالة] في جميع الأشياء بلا خلاف، غير أنه لا يقبل في الزنا إلا شهادة أربعة رجال بمعاينة
الفرج في الفرج مع اتحاد اللفظ والوقت، ومتى اختلفوا في الوقت أو نقص عددهم أو لم يأتوا
بها في وقت [واحد]، حدوا حد الافتراء بلا خلاف، أو شهادة ثلاثة رجال وامرأتين، وكذا
حكم اللواط والسحق (2).
وفي الخلاف قال الشيخ: روى أصحابنا أنه يجب الرجم بشهادة رجلين وأربع نسوة، و
ثلاثة رجال وامرأتين، ويجب الحد [دون الرجم] بشهادة رجل واحد وست نساء. وخالف

1 - ابن فاكه، الأنصاري الخطمي، أبو عمارة المدني ذو الشهادتين شهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد، روى عن:
النبي (صلى الله عليه وآله). روى عنه: إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهما. قتل بصفين سنة (37).
تهذيب الكمال: 8 / 243 رقم 1685.
2 - الغنية: 437 - 438،
601

جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: لا يثبت شئ منها بشهادة النساء لا على الانفراد ولا على
الجميع (1).
إذا شهد أربعة على رجل أنه زنا في هذا البيت، وأضاف كل واحد منهم بشهادته، إلى
زاوية منه مخالفة للأخرى، فإنه لا حد على المشهود عليه، ويحدون، وكذلك إن شهد اثنان
على زاوية وآخران على زاوية أخرى، لم يختلف الحكم فيه، وقال أبو حنيفة: لا حد على
المشهود عليه، لكن أجلده مئة إن [كان] بكرا، وأرجمه إن كان ثيبا استحسانا، ووافقنا
الشافعي في سقوط حد الزنا وقال في الحد عليهم قولان (2).
ويقبل فيما عدا ذلك شهادة عدلين، ويعتبر في صحتها اتفاق المعنى ومطابقة الدعوى
دون الوقت بلا خلاف.
ولا يقبل شهادة النساء فيما يوجب حدا، لا على الانفراد من الرجال ولا معهم،
بلا خلاف إلا في الزنا عندنا على ما قدمناه، ولا تقبل شهادتهن على حال في الطلاق، ولا في
رؤية الهلال (3).
ولا يثبت النكاح، والخلع، والطلاق، والرجعة، والقذف والقتل الموجب للقود، و
الوكالة، والوصية إليه، والوديعة عنده، والعتق، والنسب، والكتابة، ونحو ذلك مما لم يكن
مالا، ولا المقصود منه المال، إلا بشهادة رجلين، وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي و
النخعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يثبت كل هذه بشاهد وامرأتين إلا القصاص فإنه
لا خلاف فيه (4).
وتقبل شهادتهن على حال الانفراد من الرجال في الولادة والاستهلال والعيوب التي
لا يطلع عليها الرجال كالرتق والإفضاء بلا خلاف (5)، قال الشيخ لا تقبل شهادتهن عندنا في
الرضاع (6) وقال الشافعي: تقبل فيه وفي الاستهلال. وقال أبو حنيفة: لا تقبل فيهما، على
الانفراد، بل تقبل بشاهد وامرأتان (7).

1 - الخلاف: 6 / 251. مسألة 2 من كتاب الشهادات.
2 - الخلاف: 5 / 400. كتاب الحدود مسألة 44.
3 - الغنية: 438.
4 - الخلاف: 6 / 252. مسألة 4.
5 - الغنية: 438.
6 - في النسخة: في الرجوع. والتصويب حسب الخلاف.
7 - الخلاف: 5 / 257 مسألة 9.
602

وتقبل شهادة القابلة إذا كانت مأمونة في الولادة والاستهلال ويحكم لأجلها بربع
الدية أو الميراث (1).
كل موضع تقبل فيه شهادة النساء [220 / أ] على الانفراد لا يثبت الحكم، فيه إلا
بشهادة أربع منهن، فإن كانت شهادتهن في الاستهلال أو في الوصية لبعض الناس، تقبل
شهادة امرأة في ربع الوصية وربع ميراث المستهل، وشهادة امرأتين في النصف، وثلاث في
ثلاثة الأرباع منهما، وأربع في جميعها.
وقال: الشافعي: لا يقبل في جميع ذلك أقل من شهادة أربع منهن ولا يثبت به حكم، و
قال عثمان البتي: يثبت بثلاث نسوة. وقال مالك: يثبت بالثنتين منهن وقال الحسن البصري و
أحمد: يثبت الرضاع بالمرضعة وحدها، وبه قال ابن عباس. وقال أبو حنيفة: تثبت ولادة
الزوجات بامرأة واحدة، القابلة أو غيرها، ولا تثبت بها ولادة المطلقات (2).
وتقبل شهادتهن فيما عدا ما ذكرناه مع الرجال ويقوم كل امرأتين مقام رجل بلا خلاف.
ويقضى بشهادة الواحد مع يمين المدعي في الديون خاصة (3)، وبه قال في الصحابة
علي (عليه السلام) وأبو بكر وعمر وعثمان، وفي الفقهاء مالك والشافعي، وذهب قوم إلى أنه لا يقضي
بالشاهد الواحد مع اليمين، قاله أبو حنيفة وأصحابه والزهري والنخعي والأوزاعي.
يدل على المسألة مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما رواه عمرو بن دينار (4) عن
ابن عباس أن النبي (عليه السلام) قضى باليمين مع الشاهد. وروى أبو صالح (5) عن أبي هريرة أن
النبي (عليه السلام) قضى باليمين مع الشاهد، وروى جابر أن النبي (عليه السلام) قال: أتاني جبرئيل فأمرني أن
أقضي باليمين مع الشاهد (6).
وتقبل شهادة كل واحد من الولد والوالدين والزوجين للآخر (7).
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا شهادة الوالد لولده وأما

1 - الغنية: 439.
2 - الخلاف: 6 / 258، مسألة 10.
3 - الغنية: 439.
4 - عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم الجمحي مولى موسى بن باذام. روى عنه: أبان بن يزيد العطار وجماعة
كثيرة مات سنة (125). تهذيب الكمال: 22 / 5 رقم 4360.
5 - ذكوان، أبو صالح السمان الزيات المدني، مولى جويرية بنت الأحمش الغطفاني، روى عن سعد بن أبي وقاص،
وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري وغيرهم، وروى عنه أولاده مات (101). تهذيب التهذيب: 3 / 189 رقم 417.
6 - الخلاف: 6 / 274. مسألة 23.
7 - الغنية ص 439.
603

الشافعي فوافقنا في قبول شهادة أحد الزوجين للآخر، وقال أبو حنيفة: وأهل العراق:
لا تقبل. وقال النخعي وابن أبي ليلى: تقبل شهادة الزوج لزوجته، ولا تقبل شهادة الزوجة
لزوجها (1) ولا تقبل شهادة الولد على والده، وبه قال عمر بن عبد العزيز والمزني وأبو ثور و
قال باقي الفقهاء: تقبل، وقال الشافعي: إن تعلق بالمال أو ما يجري مجري المال - كالدين و
النكاح والطلاق - قبلت، وإن تعلق بالبدن كالقصاص وحد الفرية ففيه وجهان: أحدهما
لا تقبل، والآخر - وهو الأصح - أن تقبل (2).
وتقبل شهادة العبيد لكل واحد وعليه إلا في موضع نذكره (3)، خلافا للشافعية
والحنفية (4)، يدل عليه ظاهر القرآن، لأنه على عمومه إلا ما أخرجه دليل قاطع.
وتقبل شهادة الأخ لأخيه، بلا خلاف إلا من الأوزاعي، وقال مالك: إن شهد له في غير
النسب قبلت [220 / أ] وإن شهد له في النسب فإن كانا أخوين من أم فادعى أحدهما أخا من
أب، وشهد له آخر، لم تقبل (5).
وتقبل شهادة الصديق لصديقه وإن كان بينهما ملاطفة ومهادا، ة بلا خلاف إلا من مالك
فإنه قال: لا تقبل إذا كان بينهما ملاطفة ومهاداة.
وتقبل شهادة الأعمى فيما لا يحتاج فيه إلى مشاهدة (6)، قال الشيخ في الخلاف: لا تقبل
شهادته فيما يفتقر في العلم به إلى المشاهدة بلا خلاف وذلك مثل السرقة والغصب والقتل و
القطع والرضاع والولادة والزنا واللواط وشرب الخمر، وما يفتقر إلى سماع ومشاهدة من
العقود كلها كالبيوع والصرف والسلم والإجارة والهبة والنكاح ونحو ذلك. والشهادة على
الإقرار لا يصح بشهادة الأعمى عليه، وبه قال في الصحابة علي (عليه السلام) وفي التابعين سعيد بن
جبير، وفي الفقهاء الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وذهبت طائفة إلى أن شهادته
على العقود تصح قال‍ [- ه] ابن عباس وربيعة ومالك وغيرهم (7).
ويصح أن يكون شاهدا في الجملة في الأداء دون التحمل، وفي التحمل والأداء فيما

1 - الخلاف: 6 / 296 مسألة 44، ومسألة 49.
2 - الخلاف: 6 / 296 مسألة 45. وقد وقع خلط بين مسألة 44 و 45.
3 - الغنية: 439.
4 - الخلاف: 6 / 269 مسألة 19.
5 - الخلاف: 5 / 298 مسألة 47، والغنية ص 439.
6 - الغنية: 439.
7 - الخلاف: 5 / 266 مسألة 16.
604

[لا] يحتاج إلى المشاهدة مثل النسب والموت والملك المطلق، وبه قال مالك وأبو يوسف
[والشافعي]، وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يصح منه التحمل ولا الأداء فجعلا العمى كالجنون،
[وقالا أشد من هذا أنه] حتى لو شهد بصيران عند الحاكم فسمع شهادتهما ثم عميا أو خرسا
قبل الحكم بها، لم يحكم كما لو فسقا [قبل الحكم] (1).
وليس للمخالف أن يقول: الأعمى لا طريق له إلى معرفة المشهود عليه، لاشتباه
الأصوات، لأن ذلك يلزم في البصير، لاشتباه الأشخاص، وإذا كانت حاسة البصر طريقا إلى
العلم مع جواز الاشتباه، فكذلك حاسة السمع، ولا شبهة في أن الأعمى يعرف أبويه و
زوجته وولده ضرورة من جهة إدراك الصوت، وقد ثبت أن الصحابة كانت تروي عن
أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) وهن من وراء حجاب على التعيين لهن، وهذا يدل على أن التمييز بينهن
حصل من جهة السماع (2).
وتقبل شهادة الصبيان في الشجاج والجراح خاصة، إذا كانوا يعقلون ذلك، ويؤخذ
بأول أقوالهم، ولا يؤخذ بآخرها (3)، وقال الشيخ: ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على أمر مباح
كالرمي وغيره، وبه قال ابن الزبير ومالك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تقبل بحال، في
الجراح ولا غيرها، وبه قال ابن عباس (4).
وقد اشتهر عند الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قضى في ستة غلمان دخلوا الماء فغرق
أحدهم فشهد ثلاثة منهم [221 / أ] على الاثنين أنهما غرقاه، وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم
غرقوه: أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وعلى الثلاثة الخمسان، وقد ذكرنا هذه في فصل
الديات.
ولا يمتنع قبول شهادة الصبيان في بعض الأشياء دون بعض، كما نقول كلنا في شهادة النساء.
وتقبل شهادة القاذف إذا تاب وأصلح عمله، ومن شرط التوبة أن يكذب نفسه (5)، و
به قال في الفقهاء مالك والشافعي (6) والأوزاعي وربيعة والزهري وأحمد وإسحاق وعثمان

1 - الخلاف: 6 / 267 مسألة 17.
2 - الغنية: 439 - 440.
3 - الخلاف: 6 / 270 مسألة 20.
4 - الخلاف: 6 / 270 مسألة 20.
5 - الغنية: 440.
6 - عثمان البتي ابن مسلم، أبو عمرو البصري، روى عن: أنس بن مالك والحسن البصري وكان يبيع البتوت فقيل: البتي.
تهذيب الكمال: 19 / 492 رقم 3862.
605

البتي، وقال أبو حنيفة وأصحابه تسقط شهادته، فلا تقبل أبدا، وبه قال شريح والحسن
البصري والنخعي والثوري.
فالكلام مع أبي حنيفة في فصلين: فعندنا وعند الشافعي ترد شهادته بمجرد القذف، و
عنده لا ترد بمجرد القذف حتى يجلد، فإن جلد ردت بالجلد لا بالقذف. والثاني: إن عندنا
تقبل شهادته إذا تاب، وعنده لا تقبل ولو تاب ألف مرة.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} فذكر
القذف وعلق وجوب الجلد ورد الشهادة به، فثبت أنهما يتعلقان به.
ويدل على أن شهادتهم لا تسقط أبدا، قوله تعالى في سياق الآية: {وأولئك هم
الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (1)، والخطاب إذا
اشتمل على جمل ثم تعقبها استثناء، رجع الاستثناء إلى جميعها، إذا كانت كل واحدة منها [مما
لو انفردت راجع] إليها كقوله: امرأتي طالق، وعبدي حر وأمتي، إن شاء الله فإنه رجع
الاستثناء إلى الكل، فكذلك في الآية (2).
ومن شرط التوبة [من القذف] أن يكذب نفسه حتى يصح قبول شهادته فيما بعد،
بلا خلاف بيننا وبين أصحاب الشافعي. إلا أنهم اختلفوا فقال أبو إسحاق، وهو الصحيح
عندهم: التوبة أن يقول: القذف باطل، ولا أعود إلى ما قلت. وقال الإصطخري: التوبة إكذابه
نفسه، وحقيقة الإكذاب أن يقول: كذبت فيما قلت (3).
وإذا أكذب نفسه وتاب، لا تقبل شهادته حتى يظهر منه العمل الصالح، لقوله تعالى:
{إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} (4)، وهو أحد قولي الشافعي إلا أنه اعتبر ذلك
ستة أشهر أو سنة، ونحن لا نعتبر في ذلك مدة لأنه لا دليل عليهما، والقول الآخر: أنه يكفي
مجرد الإكذاب (5).
روي أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة (6) حين شهد على المغيرة بالزنا ثم قال له: تب

1 - النور: 4 - 5.
2 - الخلاف: 5 / 260 مسألة 11.
3 - الخلاف: 5 / 260 مسألة 12.
4 - النور: 5.
5 - الخلاف: 5 / 260 مسألة 13.
6 - نفيع بن الحارث بن كلدة أبو بكرة الثقفي وقيل اسمه مسروح، روى عن: النبي (صلى الله عليه وآله)، وروى عنه: إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف، توفي سنة (52) بالبصرة. تهذيب الكمال: 30 / 5 رقم 6465.
606

تقبل شهادتك، [و] قال الشعبي [221 / ب]: يقبل الله توبته ولا نقبل نحن شهادته (1).
ولا تقبل شهادة الولد على والده - وقد ذكرناه - ولا العبد على سيده، فيما ينكرانه،
وتقبل عليهما بعد الوفاة، دليله إجماع الإمامية.
ولا تقبل شهادة العدو على عدوه، ولا الشريك لشريكه فيما هو شريك له (2)، وبما قلنا
في العدو قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: تقبل ولا تأثير للعداوة.
لنا ما رواه طلحة بن عبيد الله: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر مناديا فنادى: لا تقبل شهادة
خصم، ولا ظنين، والعدو منهم، وقال علي (عليه السلام): لا تقبل شهادة الخائن، ولا الخائنة، ولا
الزاني، ولا الزانية، ولا ذي غمر على أخيه (3).
وشهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه بلا خلاف في أنها لا تقبل.
ولا شهادة الأجير لمستأجر، فيها خلاف إذا كان عدلا لا دليل على ردها.
ولا شهادة ذمي على مسلم إلا في الوصية في السفر خاصة عندنا، بشرط عدم أهل
الإيمان (4) وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: لا تقبل بحال.
لنا بعد إجماع الإمامية وأخبارهم، قوله تعالى: {أو آخران من غيركم} (5)، يعني من
أهل الذمة، فإن ادعوا فيها النسخ طولبوا بالدلالة عليه، ولن يجدوها (6).
واعلم أنه يحكم بالقسامة إذا لم يكن لأولياء الدم عدلان يشهدان بالقتل، وتقوم مقام
شهادتهما في إثباته، والقسامة خمسون رجلا من أولياء المقتول، يقسم كل واحد منهم يمينا أن
المدعى عليه قتل صاحبهم، فإن نقصوا على ذلك، كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين
يمينا، وإن لم يكن إلا ولي الدم وحده، أقسم خمسين يمينا، فإن لم يقسم أولياء المقتول، أقسم
خمسون رجلا من أولياء المتهم يقسمون أنه برئ مما ادعي عليه، فإن لم يكن له من يحلف،
حلف هو خمسين يمينا وبرئ.
والقسامة لا تكون إلا مع التهمة بأمارات ظاهرة (7)، وبه قال الشافعي وأحمد ومالك.
وقال أبو حنيفة: لا أعتبر اللوث، ولا أراعيه، ولا أجعل اليمين في جنبة المدعي.

1 - الخلاف: 6 / 260 مسألة 11.
2 - الغنية: 440.
3 - الخلاف: 6 / 296 مسألة 43.
4 - الغنية: 440.
5 - المائدة: 106.
6 - الخلاف: 6 / 272 مسألة 21.
7 - الغنية: 440.
607

لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم: ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة (1)، وقوله للأنصار لما ادعت على
اليهود أنهم قتلوا عبد الله (2) بخيبر: تحلفون خمسين يمينا، وتستحقون دم صاحبكم، فقالوا: أمر
لم نشاهده، كيف نحلف عليه فقال: يحلف اليهود خمسين يمينا، فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم
كفار، فوداه (عليه السلام) من عنده (3).
إذا حلف المدعون على قتل عمد، وجب القود على المدعى عليه، وبه قال مالك وأحمد
[222 / أ] والشافعي في قوله القديم. وقال في الجديد: لا يشاط به الدم - أي لا يسفك - وإنما
تجب به الدية مغلظة في ماله حالة، وبه قال أبو حنيفة وإن خالف في هذا الأصل (4).
وروى أصحابنا أن القسامة في قتل الخطأ خمسة وعشرون رجلا (5)، وعند الشافعي
لا فرق بين أنواع القتل، والقسامة في جميعها خمسون (6).
والقسامة تراعي فيها خمسون من أهل المدعي يحلفون، فإن لم يكونوا حلف الولي
خمسين يمينا. وقال من وافقنا في القسامة: أنه لا يحلف إلا ولي الدم خمسين يمينا (7).
والقسامة فيما فيه دية كاملة [من الأعضاء] ستة نفر، وفيما نقص من العضو بحسابه، و
أدنى ذلك رجل واحد في سدس العضو، (8) أي إن كان مما يجب فيه سدس الدية، ففيه يمين
واحد.
وقال جميع الفقهاء: لا قسامة في الأطراف، وإنما هي في النفس وحدها، إلا أن الشافعي
قال: إذا ادعي قطع طرف يجب فيه الدية كاملة، كان على المدعى عليه اليمين، وهل يغلظ اليمين
أم لا فيه قولان (9).
إذا كان المدعي واحدا فعلية خمسون يمينا بلا خلاف، وكذلك المدعى عليه إن كان
واحدا، وإن كان المدعون جماعة فعليهم خمسون يمينا كما ذكرنا، ولا يلزم كل واحد خمسون
يمينا، وكذا في المدعى عليه.

1 - الخلاف: 5 / 304 مسألة 1.
2 - عبد الله بن سهل بن زيد الأنصاري قتيل اليهود بخيبر. أسد الغابة: 3 / 165 رقم 2994.
3 - الغنية: 441.
4 - الخلاف: 5 / 306 مسألة 2.
5 - الغنية: 441.
6 - الخلاف: 5 / 308 مسألة 4.
7 - الخلاف: 5 / 308 مسألة 3.
8 - الغنية: 441.
9 - الخلاف: 5 / 312 مسألة 12.
608

وللشافعي قولان في الموضعين، أحدهما ما قلناه، والثاني: يلزم كل واحد خمسين يمينا
في الموضعين (1) واعلم أن من دعي إلى تحمل الشهادة وهو من أهلها، فعليه الإجابة لقوله
تعالى: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا} (2)، فإذا تحملها لزمه أداؤها متى طلبت منه لقوله
سبحانه: {ولا تكتموا الشهادة} (3)، وهو مخير فيما سمع أو شاهد من تحمله وإقامته وترك
ذلك.
ولا يجوز لأحد أن يتحمل شهادة إلا بعد العلم بما يفتقر فيها إليه، ولا تجزيه مشاهدة
المشهود عليه، ولا تحليته ولا تعريف من لا يحصل العلم بخبره، ولا يجوز له أداؤها إلا بعد
الذكر لها، ولا يعول على وجود خطه، لقوله: {ولا تقف ما ليس لك به علم} (4)، ولأن
الشاهد مخبر على جهة القطع بما يشهد به، وإخبار المرء على هذا الوجه بما لا يعلمه قبيح.
وتثبت شهادة الأصل بشهادة عدلين، وتقوم مقامها إذا تعذر حصول الأصل بموت أو
مرض أو سفر، ولا يجوز إلا في الديون والعقود، ولا يجوز في الحدود (5).
قال الشيخ: يجوز أن يقبل شهادة الفرع مع تمكن حضور شاهد الأصل لأن أصحابنا قد
رووا أنه إذا اجتمع شهادة الأصل وشهادة الفرع واختلفا فإنه تقبل شهادة أعدلهما، حتى أن
في أصحابنا من قال: أنه تقبل شهادة الفرع وتسقط [222 / ب] شهادة الأصل، لأن الأصل
يصير مدعى عليه، والفرع بينة المدعي للشهادة على الأصل.
وقال جميع الفقهاء: لا تجوز ذلك إلا مع تعذره، إما بالموت أو المرض المانع من الحضور
أو الغيبة، واختلفوا في حد الغيبة، فقال أبو حنيفة: ما يقصر فيه الصلاة، وهو ثلاثة أيام. وقال
أبو يوسف: هو ما لا يمكنه أن يحضره، ويقيم الشهادة، ويعود فيبت [في منزله]. وقال
الشافعي: الاعتبار بالمشقة، فإن كان عليه مشقة في الحضور حكم بشهادة الفرع، وإن لم تكن
مشقة لم يحكم، والمشقة قريبة بما قاله أبو يوسف (6).
يثبت القصاص بالشهادة على الشهادة، بدلالة عموم الأخبار في جواز الشهادة على
الشهادة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يثبت (7).

1 - الخلاف: 5 / 214 مسألة 13.
2 - البقرة: 282.
3 - البقرة: 283.
4 - الإسراء: 36.
5 - الغنية: 441 - 442.
6 - الخلاف: 6 / 314 مسألة 65.
7 - الخلاف: 6 / 313 مسألة 63.
609

حقوق الله تعالى - مثل حد الزنا، وشرب الخمر، وما أشبههما، لا يثبت بالشهادة على
الشهادة وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه، والقول الثاني، وهو الأقيس - أنها
تثبت، وبه قال مالك (1).
وإذا شهد اثنان على شهادة واحد، ثم شهدا على شهادة آخر، ثبتت شهادة الأول بلا
خلاف، وثبتت أيضا شهادة الثاني وهو قول الأكثر من المخالفين والصحيح من قول الشافعي،
والأخبار التي وردت بأن شهادة الأصل تثبت بشهادة عدلين يتناول هذا الموضع (2).
ولا تقبل شهادة النساء على الشهادة إلا في الديون والأملاك والعقود، وأما الحدود فلا
يجوز أن تقبل شهادة على شهادة.
وقال الشافعي: لا تقبل شهادة النساء على شهادة بحال في جميع الأشياء.
وقال أبو حنيفة: إن كان الحق مما يثبت بشهادة النساء، أو لهن مدخل فيه قبلت
شهادتهن على الشهادة، وإن كان مما لا مدخل لهن فيه لم تقبل (3).
ولا يحكم ببينة المدعي بعد استحلاف المدعى عليه (4)، وبه قال داود وابن أبي ليلى. و
قال باقي الفقهاء: إنه يحكم بها.
لنا بعد إجماع الإمامية وأخبارهم ما رووه من قوله (عليه السلام): من حلف فليصدق، ومن
حلف له فليرض، ومن لم يفعل فليس من الله في شئ (5).
وللمدعى عليه رد اليمين على المدعي.
إذا لم يحلف المدعى عليه، ونكل ردت اليمين على المدعي فيحلف ويحكم له، ولا يجوز
الحكم على المدعى عليه بنكوله، وبه قال الشافعي ومالك (6)، في الخلاصة: فإذا تحقق النكول
فأقبل القاضي على الخصم، فاستحلفه فتنافس الناكل في اليمين وعاد راغبا فيه لم ينفعه فقد
مضى الحكم بالرد [223 / أ].
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ترد اليمين على المدعي بحال، فإن كانت الدعوى في مال
كرر الحاكم اليمين على المدعى عليه، فإن حلف وإلا قضى عليه بالحق بنكوله، وإن كان في
قصاص فقال أبو حنيفة: يحبس المدعى عليه أبدا حتى يقر بالحق أو يحلف على نفيه. وقال

1 - الخلاف: 6 / 314 مسألة 64.
2 - الغنية: 442.
3 - الخلاف: 6 / 316 مسألة 66.
4 - الغنية: 442.
5 - الخلاف: 6 / 293 مسألة 40.
6 - الخلاف: 6 / 290 مسألة 38.
610

أبو يوسف ومحمد: يكرر عليه اليمين ثلاثا، ويقضي عليه بالدية، فأما إذا كانت الدعوى في
طلاق أو نكاح، فإن اليمين لا يثبت عنده في هذه الأشياء في جنبة المدعى عليه، ولا يتصور
فيهما نكول، والخلاف مع أبي حنيفة في فصلين: أحدهما في الحكم بالنكول، والثاني في رد
اليمين (1).
لنا بعد إجماع الإمامية وأخبارهم قوله تعالى {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد
أيمانهم} (2)، والمراد به بعد وجوب أيمانهم للإجماع على أن اليمين لا ترد بعد حصول يمين
أخرى (3) فأثبت الله تعالى، يمينا مردودة بعد يمين، وهذا يبطل قول من لم يجز رد اليمين على
حال، وما رووه من قوله (عليه السلام): المطلوب أولى باليمين، لأنه يدل على اشتراكهما في جواز المطالبة
باليمين، وأن للمطلوب مزية عليه بالتقديم عليه، لأن لفظة (أولى) كلفظة (أفضل) وهي في
اللغة تفيد تفضيل أحد الشيئين على الآخر فيما اشتركا فيه.
ولا يجوز الحكم إلا بما قدمناه من علم الحاكم أو ثبوت البينة على الوجه الذي قرره
الشرع، أو إقرار المدعى عليه، أو يمينه أو يمين المدعي، دون ما سوى ذلك، مما لم يرد العمل به،
من قياس ورأي واجتهاد أو كتاب حاكم آخر إليه، وإن ثبت بالبينة أنه كتابه أو قوله
مشافهة ثبت له عندي كذا، لأنه إذا حكم بما ذكرناه تيقن براءة ذمته مما تعلق بها من الحكم بين
الخصمين، وليس كذلك إذا حكم بما خالفه (4) ولقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به
علم} (5).
ولا يجوز الحكم بكتاب قاض إلى قاض، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وأجازوه إذا
ثبت أنه كتابه.
ومن أجاز كتاب قاض إلى قاض إذا قامت به بينة فإنهم اختلفوا في كيفية تحمل
الشهادة. فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح إلا بعد أن يقرأ [الحاكم] على الشهود ويشهد
هما على نفسه بما فيه، ولا يصح أن يدرجه ثم يقول لهما اشهدا علي بما فيه ولا يصح (6) هذا
التحمل ولا يعمل به. وقال أبو يوسف: إذا ختم بختمه وعنونه، جاز أن يتحملا الشهادة عليه
مدرجا، فيشهدهما على أنه كتابه إلى فلان، فإذا وصل [223 / ب] الكتاب شهدا عنده بأنه،

1 - الخلاف: 6 / 290. مسألة 38.
2 - المائدة: 108.
3 - الغنية: 442.
4 - الغنية: 443.
5 - الغنية ص 443، والآية من سورة الإسراء: 36.
6 - في النسخة: ولو صح.
611

كتاب فلان إليه، فيقرأه ويعمل بما فيه (1).
ويستمع الحاكم بينة الخارج وهو المدعي، دون بينة الداخل وهو المدعى عليه الذي
هو صاحب اليد لقوله (عليه السلام): البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (2)،
قال الشيخ: إذا ادعيا ملكا مطلقا، ويد أحدهما عليه، كانت بينته أولى، وكذلك إن
أضافاه إلى سببه، وإن ادعى صاحب اليد الملك مطلقا، والخارج أضافه إلى سببه كانت بينة
الخارج أولى [وبه قال الشافعي]. وقال [أصحاب] الشافعي: [إذا تنازعا] عينا يد أحدهما
عليها، وأقام كل واحد منهما [بينة] سمعنا بينة كل واحد منهما، وقضينا لصاحب اليد، سواء
تنازعا ملكا مطلقا أو ما يتكرر. فالمطلق كل ملك إذا لم يذكر أحدهما سببه، وما يتكرر كآنية
الذهب والفضة وغيرهما، يقول كل واحد منهما: صيغ في ملكي، وهذا يمكن أن يصاغ في ملك
كل واحد منهما، وما لا يتكرر سببه كثوب قطن فإنه لا يمكن أن ينسج مرتين وبه قال مالك، و
هل يحلف مع البينة، للشافعي فيه قولان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان التداعي ملكا مطلقا أو ما يتكرر سببه، لم يسمع
بينة المدعى عليه، وهو صاحب اليد، وإن كان ملكا لا يتكرر سببه، سمعنا بينة الداخل، و
هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا.
وقال أحمد بن حنبل: لا يسمع بينة الداخل بحال، في أي مكان كان. وروى ذلك
أصحابنا أيضا.
يدل على مذهبنا إجماع الإمامية وأخبارهم، والخبر المشهور: البينة على المدعي واليمين
على المدعى عليه وروى جابر: أن رجلين اختصما إلى رسول الله في دابة وأقام كل واحد منهما
البينة أنها له أنتجها، فقضى بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذي هي في يده (3)، وإن كان مع كل واحد
منهما بينة ولا يد لأحدهما، حكم لأعدلهما شهودا، فإن استووا في ذلك، حكم لأكثرهما مع
يمينه، فإن استووا أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف وحكم له. وإن كان لكل واحد منهما يد
ولا بينة لأحدهما، كان الشئ بينهما نصفين (4).
وقال مالك: يرجح كثرة الشهود، وأومأ إليه الشافعي في القديم، والذي اعتمدوه أنه

1 - الخلاف: 6 / 224 مسألة 20، كتاب آداب القضاء.
2 - الغنية 443.
3 - الخلاف: 6 / 329 مسألة 2، كتاب الدعاوي والبينات.
4 - الغنية: 443.
612

لا يرجح بشئ منها. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الأوزاعي: أقسط على عدد الشهود فاجعل لصاحب الشاهدين الثلث و
لصاحب الأربعة [224 / أ] الثلثين.
يدل على مذهبنا ما روى أبو بصير عن أبي عبد الله أن عليا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في
بغلة، فقامت لهؤلاء بينة أنهم أنتجوها لم يبيعوها ولم يهبوها وقامت لهؤلاء البينة بمثل ذلك
فقضى بها لأكثرهم بينة واستحلفهم (1).
وأما إذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لإحداهما - فقد قلنا - أقرع بينهما، فمن
خرج اسمه حلف وأعطي الحق، وقد روي أنه يقسم بينهما نصفين، وبهذين القولين قال
الشافعي، وقوله الثالث: إنهما يسقطان، والرابع يوقف أبدا.
يدل على مذهبنا ما رواه سعيد بن المسيب: أن رجلين اختصما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمر،
وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم بينهما، وقال: اللهم أنت تقضي
بينهما، وهذا نص. وقد روي أنه قسم بينهما نصفين (2).
وإذا ثبت أن الشاهد شهد بالزور، عزر وأشهر وأبطل الحاكم حكمه إن كان حكم بها و
رجع على المحكوم له بما أخذ، إن أمكن، وإلا على شاهد الزور، وإن كان ما شهد به قتلا أو
جرحا أو حدا اقتص منه (3)، وكيفية الشهر أن ينادى عليه في قبيلته أو سوقه أو مسجده وما
أشبه ذلك: بأن هذا شاهد زور فاعرفوه، ولا يحلق رأسه ولا يركب، ولا يطاف به، لأنه
لا دلالة على ذلك. وبه قال الشافعي.
وقال عمر بن الخطاب: يجلد أربعين سوطا، ويسخم وجهه، ويركب ويطاف ويطال
حبسه (4)، إذا شهدا بدين أو عتق، وحكم بذلك عليه، ثم رجعا، كان عليهما الضمان.
واختلف أصحاب الشافعي على طريقين: قال أبو العباس وشيوخ أصحابه: على
قولين، ومنهم من قال لا غرم عليهما قولا واحدا. قال أبو حامد: والمذهب على طريقين كما
قال أبو العباس: أحدهما لا ضمان عليه، وهو الضعيف. والآخر عليهما الضمان وهو الأصح، و
به قال أبو حنيفة (5).

1 - الخلاف: 6 / 333 مسألة 4.
2 - الخلاف: 6 / 337 مسألة 10.
3 - الغنية: 444.
4 - الخلاف: 5 / 240 مسألة 39.
5 - الخلاف: 6 / 324 مسألة 79.
613

إذا شهد شاهدان، ظاهرهما العدالة، فحكم بشهادتهما، ثم تبين أنهما كانا فاسقين قبل
الحكم، نقض حكمه لقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة} (1)، أمر بالتثبت والتوقف، فإذا علمه فاسقا، وجب رد شهادته ونقض الحكم به.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما ينقضه قاله أبو العباس والمزني، والآخر: لا ينقضه. و
به قال أبو حنيفة. وقال أبو إسحاق: ينقضه قولا واحدا [224 / ب] (2).
وإذا حكم بشهادة نفسين في قتل، وقتل الشهود عليه، ثم بان أن المشهود كانوا فساقا
قبل الحكم بالقتل، سقط القود، وكان دية المقتول - المشهود عليه - على بيت المال.
وقال أبو حنيفة: الدية على المزكين. وقال الشافعي: الدية على الحاكم وأين تجب؟ فيه
قولان. أحدهما: على عاقلته، والثاني: على بيت المال (3).
وإذا رجع عن الشهادة بشبهة دخلت عليه لزمه دية القتل أو الخروج، ومثل العين
المستهلكة بشهادته أو قيمتها (4) لا يجوز قبول شهادة من لا يعتقد إمامة الأئمة الاثني عشر ولا
منهم إلا من كان عدلا يعتقد التوحيد والعدل، ونفي القبائح والتشبيه عن الله تعالى، ومن
خالف في شئ من ذلك كان فاسقا، لا تقبل شهادته.
وقال الشافعي: أهل الآراء على ثلاثة أضرب منهم: من نخطئه ولا نفسقه - كالمخالف في
الفروع - فلا يرد شهادته إذا كان عدلا. ومنهم: من نفسقه ولا نكفره، - كالخوارج و
الروافض - نفسقهم ولا نكفرهم ولا نقبل شهادتهم. ومنهم: من نكفره - وهم القدرية الذين
قالوا: بخلق القرآن، ونفي الرؤية وإضافة المشيئة إلى نفسه، وقالوا: إنا نفعل الخير والشر معا
- فهؤلاء كفار، لا تقبل شهادتهم، وحكمهم حكم الكفار، وبه قال مالك وشريك وأحمد بن
حنبل.
وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة: لا أرد شهادة أحد من هؤلاء، والفسق الذي ترد به
الشهادة ما لم يكن على وجه التدين - كالفسق بالزنا، والسرقة، فأما ما كان على وجه التدين و
اعتقده مذهبا ودينا يدين الله تعالى به لم أرد بذلك شهادته (5).
اللعب بالشطرنج حرام على أي وجه كان يفسق فاعله ولا تقبل شهادته (6).

1 - الحجرات: 6.
2 - الخلاف: 6 / 288 مسألة 35.
3 - الخلاف: 6 / 289 مسألة 36.
4 - الغنية 444.
5 - الخلاف: 6 / 300 مسألة 50.
6 - وخالف بعض فقهاء الشيعة في ذلك.
614

وقال مالك وأبو حنيفة: مكروه إلا أن أبا حنيفة قال: هو ملحق بالحرام، وقالا جميعا:
ترد شهادته. وقال الشافعي: مكروه غير محظور، ولا ترد شهادة اللاعب به إلا ما كان فيه
قلمارا، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها متعمدا، أو يتكرر ذلك منه دفعات، فإن لم يتعمد ترك
الصلاة حتى خرج وقتها.
يدل على مذهبنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي عن علي (عليه السلام) أنه مر
بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون}؟ [225 / أ] فشبهها
بالأصنام المعبودة، وروى الحسن عن رجال من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن اللعب
بالشطرنج (1).
من شرب نبيذا حتى سكر، لم تقبل شهادته، وكان فاسقا بلا خلاف، وإن شرب قليلا
لا يسكر فعندنا لا تقبل شهادته، ويحد ويحكم بفسقه.
وقال الشافعي: أحده ولا أفسقه ولا أرد شهادته. وقال أبو حنيفة: لا أحده ولا أرد
شهادته إذا شرب مطبوخا، فإن شرب نقيعا فهو حرام، لكنه لا يفسق بشربه (2).
اللاعب بالنرد يفسق، وترد شهادته. وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: أنه مكروه، وليس بمحظور، ولا يفسق فاعله، ولا ترد شهادته، وهو
أشد كراهية من الشطرنج. وقال قوم من أصحابه: إنه حرام، ترد شهادة لاعبه.
يدل على مذهبنا ما رواه أبو موسى، قال: سمعت النبي (عليه السلام) يقول: من لعب بالنرد فقد
عصى الله ورسوله. وقال: من لعب بالنرد شير، فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه (3).
الغناء محرم، يفسق فاعله، وترد شهادته.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هو مكروه، وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة في شهادة
المغني والمغنية والنائح والنائحة، فقال: لا أقبل شهادتهم.
يدل على مذهبنا قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول
الزور} (4)، قال محمد بن الحنفية: قول الزور هو الغناء، وقوله تعالى: {ومن الناس من
يشتري لهو الحديث} (5)، قال ابن مسعود: هو الغناء. روى أبو أمامة الباهلي أن النبي (صلى الله عليه وآله)

1 - الخلاف: 6 / 302 مسألة 51.
2 - الخلاف: 6 / 303 مسألة 52.
3 - الخلاف: 6 / 304 مسألة 53.
4 - الحج: 30.
5 - لقمان: 6.
615

نهى عن بيع المغنيات وشرائهن والتجارة فيهن وأكل أثمانهن وثمنهن حرام. وروى ابن
مسعود أن النبي (عليه السلام) قال: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل (1).
الغناء محرم، سواء كان صوت المغني، أو القصب، أو بالأوتار مثل: العيدان والطنابير و
النايات والمزامير والمعازف وغير ذلك، أما الضرب بالدف في الأعراس والختان فإنه
مكروه.
وقال الشافعي: صوت المغني والقصب مكروه، وليس بمحظور، وصوت الأوتار محرم
كله، والضرب بالدف مباح في الأعراس والختان (2).
إنشاد الشعر مكروه.
وقال الشافعي: إذا لم يكن كذبا ولا هجوا ولا تشبيبا بالنساء كان مباحا.
يدل على ما ذهبنا إليه ما رواه أبو هريرة أن النبي (عليه السلام) قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم
قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا (3).
شهادة ولد الزنا لا تقبل وإن كان عدلا [225 / ب] وبه قال مالك، إلا أنه قال: لا تقبل
بالزنا. وقال الشافعي: وباقي الفقهاء: تقبل.
لنا مضافا إلى إجماع الإمامية وأخبارهم ما روي عنه (عليه السلام): ولد الزنا شر الثلاثة يعني شر
من الزاني والزانية (4).
شهادة المختبئ مقبولة، وهو إذا كان على رجل دين يعترف به سرا ويجحده جهرا،
فخبأ له صاحب الدين شاهدين يريانه ولا يراهما، ثم حاوره الحديث، فاعترف به، وشهدا
به صحت الشهادة لقوله تعالى: {إلا من شهد بالحق [وهم يعلمون]} (5)، وهذا قد [شهد
بالحق لأنه] علمه (6).
إذا كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد وامرأتان، تقابلتا بلا خلاف بيننا وبين
الشافعي.
فأما إن كان مع أحدهما شاهدان، ومع الآخر شاهد واحد، وقال: أحلف مع شاهدي
أو كان مع أحدهما شاهد وامرأتان ومع الآخر شاهد وقال: أحلف مع شاهدي فإنهما

1 - الخلاف: 6 / 305 مسألة 54.
2 - الخلاف: 6 / 307 مسألة 55.
3 - الخلاف: 6 / 308 مسألة 56.
4 - الخلاف: 6 / 309 مسألة 57.
5 - الزخرف: 86.
6 - الخلاف: 6 / 311 مسألة 61.
616

لا يتقابلان. وللشافعي في كل واحد منهما قولان.
لنا على ما ذكرنا أن الشاهدين لا تلحقهما التهمة، والحالف تلحقه لأنه يحلف لنفسه، و
الشاهد يشهد لغيره (1).
إذا شهدا بما يدعيه، فقال المشهود عليه: احلفوه لي مع شاهديه، لم يحلفه، وبه قال أبو
حنيفة: وأصحابه ومالك والشافعي. وقال شريح والنخعي والشعبي وابن أبي ليلى: يستحلفه
مع البينة.
لنا قوله (عليه السلام): البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (2).
إذا حضر خصمان عند القاضي، فادعى أحدهما على الآخر، فأقر له بذلك، فقال المقر
للقاضي: اكتب لي بذلك محضرا، والقاضي لا يعرفهما، ذكر بعض أصحابنا أنه لا يجوز له أن
يكتب، لأنه يجوز أن يكونا استعارا نسبا باطلا وتواطئا عليه. وبه قال ابن جرير الطبري.
وقال جميع الفقهاء: إنه يكتب، ويحليهما بحلاهما التامة،
وقال الشيخ: والذي عندي أنه لا يمتنع ما قال الفقهاء: فإن الضبط بالحلية يمنع من
استعارة النسب وليس في ذلك نص عن أئمتنا (عليهم السلام) فنرجع إليه (3).
إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم، فشهد عنده اثنان، فإن عرفا بعدالة حكم، وإن
عرفا بفسق وقف، وإن لم يعرف عدالة ولا فسقا بحث عنهما، وسواء كان لهما السيماء الحسنة
والمنظر الجميل أو ظاهرهما الصدق بدلالة قوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} (4)، و
به قال الشافعي.
وقال مالك: إن كان لهما المنظر الحسن توسم فيهما العدالة، وحكم بشهادتهما (5).
الجرح والتعديل لا يقبل إلا من اثنين يشهدان بذلك [226 / أ] لأن ذلك حكم من
الأحكام، ولا يثبت إلا بشهادة شاهدين، وبه قال مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: وأبو يوسف: يجوز أن يقتصر على واحد لأنه إخبار (6).
وإذا شهد اثنان بالجرح وشهد آخران بالتعديل، وجب على الحاكم أن يتوقف لأنه إذا
تقابلت الشهادتان وجب التوقف.

1 - الخلاف: 6 / 334 مسألة 5.
2 - الخلاف: 6 / 335 مسألة 6.
3 - الخلاف: 6 / 221 مسألة 16.
4 - البقرة: 282.
5 - الخلاف: 6 / 221 مسألة 15.
6 - الخلاف: 6 / 218 مسألة 11.
617

وقال الشافعي: يعمل على الجرح دون التعديل. وقال أبو حنيفة: يقبل الأمرين
فيقاس الجرح على التزكية (1)، يجوز الشهادة على الوقف والولاء والعتق والنكاح
بالاستفاضة، كالملك المطلق والنسب، لأنه لا خلاف أنه يجوز لنا الشهادة على أزواج
النبي (عليه السلام)، ولم يثبت ذلك إلا بالاستفاضة.
وأما الوقف فمبني على التأبيد فلو لم تجز الشهادة فيه بالاستفاضة لأدى إلى بطلان
الوقوف، فإن شهود الأصل لا يبقون.
وللشافعي فيه وجهان: قال الأصطخري مثل ما قلناه، وقال غيره لا يثبت شئ من
ذلك بالاستفاضة، ولا يشهد عليها بملك (2). لا يثبت الوقف بشهادة واحد مع يمين المدعي،
لأن الوقف ليس بمال للموقوف عليه بل له الانتفاع به فقط. والأخبار الواردة بالشاهد
الواحد مع اليمين مختصة بالأموال.
وللشافعي فيه قولان، بناء على الوقف إلى من ينتقل، فإذا قال: ينتقل إلى الله فلا يثبت
إلا بشاهدين، وإذا قال ينتقل إلى الموقوف عليه يثبت بشاهد واحد ويمين (3).
واعلم أنه ينبغي للحاكم أن يفرد الوقت الذي يجلس فيه للحكم له خاصة، ولا يشوبه
بأمر آخر سواه، وأن لا يجلس وهو غضبان ولا جائع ولا عطشان ولا مشغول القلب بشئ
من الأشياء، ويجلس مستدبر القبلة وعليه السكينة والوقار، وينزه مجلسه عن الدعابة و
المجون، ويوطن نفسه على إقامة الحق والقوة في طاعة الله.
وينبغي أن يسوي بين الخصمين في المحل واللحظ والإشارة، ولا يبدأهما بخطاب إلا أن
يطيلا الصمت، فحينئذ يقول لهما: إن كنتما حضرتما لأمر فاذكراه، فإن أمسكا أقامهما، وإن
ادعى أحدهما على الآخر لم يسمع دعواه إلا أن تكون مستندة إلى علم مثل أن يقول: أستحق
[عليه]، أو ما أفاد هذا المعنى، ولو قال: أدعي عليه كذا [226 / ب] أو أتهمه بكذا، لم يصح
للجهالة، وإذا صحت الدعوى أقبل الحاكم على الخصم فقال: ما تقول فيما ادعاه، فإن أقر به أو
كان ممن يقبل إقراره للحرية والبلوغ وكمال العقل والإيثار للإقرار، ألزمه الخروج إلى
خصمه منه، فإن أبى أمر بملازمته، فإن آثر صاحب الحق حبسه حبسه، وإن آثر إثبات اسمه

1 - الخلاف: 6 / 219 مسألة 12.
2 - الخلاف: 6 / 265 مسألة 15.
3 - الخلاف: 6 / 280 مسألة 25.
618

في ديوان الحكم أثبته، إذا كان عارفا بعين المقر واسمه ونسبه، أو قامت البينة العادلة عنده
بذلك، وإن أنكر ما ادعي عليه قال للمدعي: قد أنكر دعواك، فإن قال: لي بينة، أمر
بإحضارها، فإن ادعى أنها غائبة ضرب له أجلا لإحضارها وفرق بينه وبين خصمه، وله أن
يطلب كفيلا بإحضاره إذا أحضر بينته، ويبرأ الكفيل من الضمان إذا انقضت مدته (1) ولم
يحضرها، فإن أحضرها وكانت مرضية حكم بها، وإلا ردها.
وإذا أحضر شاهدا واحدا أو امرأتين قال له الحاكم: تحلف مع ذلك على دعواك، فإن
حلف ألزم خصمه ما ادعاه، وإن أبى أقامهما، وإن لم يكن له بينة قال له: ما تريد، فإن أمسك
أقامهما، وإن قال: أريد يمينه، قال أتحلف فإن قال: نعم خوفه بالله تعالى من عاقبة اليمين
الفاجرة في الدنيا والآخرة.
فإن أقر بما ادعاه عليه ألزمه به، وإن أصر على اليمين عرض عليهما الصلح، فإن أجابا
أمر ببعض أمنائه أن يتوسط ذلك بينهما، ولم يجز أن يلي هو ذلك بنفسه، لأنه منصوب لبت
الحكم وإلزام الحق، ويستعمل الوسيط في الإصلاح ما يحرم على الحاكم فعله، وإن لم يجيبا إليه
أعلم المدعي أن استحلاف خصمه يسقط حق دعواه، ويمنع من سماع بينته بها عليه. فإن نزل
عن استحلافه أقامهما، فإن لم ينزل واستحلفه سقط حق دعواه، وإن نكل المدعي عليه عن
اليمين ألزمه الخروج إلى خصمه بما ادعاه، وإن قال: يحلف ويأخذ ما ادعاه، قال له الحاكم
أتحلف، فإن قال: لا، أقامهما، وإن قال: نعم، خوفه بالله تعالى، فإن رجع عن اليمين أقامهما، و
إن حلف استحق ما ادعاه، والأكثر من هذا لا خلاف فيه، وما فيه منه الخلاف قد قدمنا ذكر
المخالفين وأقوالهم [227 / أ] فيما اختلفوا فيه، والحجة عليهم، فلا نطول بذكره (2).
الأيمان تغلظ عندنا بالمكان والزمان، وهو مشروع، بدلالة إجماع الإمامية، وروايتهم:
أنه لا يحلف عند قبر النبي (عليه السلام) أحد على أقل مما يجب فيه القطع، ولقوله تعالى: {من بعد
الصلاة فيقسمان بالله} (3)، وقال أهل التفسير: يعني بعد صلاة العصر. وروي عن
النبي (عليه السلام): ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل بايع إمامه،
فإن أعطاه وفي له، وإن لم يعطه خانه، ورجل حلف بعد العصر يمينا فاجرة ليقتطع بها مال

1 - وفي النسخة: بإحضاره إذا أحضر بينته برئ الكفيل من الضمان ويبرأ إذا انقضت مدته والمثبت من الغنية ص 445.
2 - الغنية: 444 - 446.
3 - المائدة: 105.
619

امرئ مسلم، وهذا مذهب الشافعي أيضا. وقال أبو حنيفة: لا تغلظ بالمكان بحال، وهو
بدعة (1).
لا تغلظ بأقل مما يجب فيه القطع، ولا يراعى النصاب الذي يجب فيه الزكاة، وبه قال
مالك.
وقال الشافعي: لا تغلظ بأقل مما تجب فيه الزكاة إذا كانت يمينا في مال أو المقصود منه
المال، وإن كانت يمينا غير ذلك غلظ بكل حال، وقال ابن جرير: يغلظ بالقليل والكثير (2).
الحالف إذا حلف على فعل نفسه، حلف على القطع والبتات نفيا كان أو إثباتا. وإن كان
على فعل غيره، فإن كانت على الإثبات كانت على القطع، وإن كانت على النفي، كانت على
[نفي] العلم، لأنه لا يمكن إحاطة العلم بنفي فعل الغير فقد يمكن أن يفعل وهو لا يعلم، وبه قال
الشافعي.
وقال الشعبي والنخعي: كلها على العلم. وقال ابن [أبي] ليلى: كلها على البت.
وروي أن النبي (عليه السلام) حلف رجلا، فقال: " قل والله ماله عليك حق " فلما كان على نفسه
استحلفه على البت (3).
هذا آخر ما قصدناه من تأليف هذا الكتاب في إيراد أقوال المخالفين لنا وأساميهم في
كتاب فروع الفقه من غنية النزوع إلى علم الأصول والفروع، وأهمل صاحبه - روح الله
روحه وأدام عليه غبوق الروح وصبوحه - ذكر أساميهم وأقوالهم في مذاهبهم، وقد احتج
عليهم وألحقنا كل باب وفصل من كتبه وفصوله ما لم يذكره من المسائل التي تبين الحاجة
بذكرها والخلاف فيها، فتم - والحمد لله على توفيقه [227 / ب] والإرشاد إلى الحق وطريقه -
يوم الاستفتاح النصف من شهر الله المبارك رجب، في المشهد المعظم للإمام المكرم علي بن
موسى الرضا (عليه السلام) سنة ثمان وتسعين وستمائة. والحمد لله أولا وآخرا.
وقع الفراغ لكاتبه العبد الضعيف الخاطئ المحتاج إلى الله ورحمته الحسن بن محمد بن
عبد العزيز الايامي [ظ] أصلح الله أعماله - يوم الأربعاء وقت صلاة العصر في العشرين من
جمادى الأولى سنة سبعمئة حامدا مصليا مسلما.

1 - الخلاف: 6 / 285 مسألة 31.
2 - الخلاف: 6 / 286 مسألة 32.
3 - الخلاف: 6 / 287 مسألة 34.
620

لأجل صاحب الكتاب الإمام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل ملك الزهاد والعباد،
قدوة الأولياء والأوتاد، نجم الملة والدين بدر الإسلام والمسلمين علي بن محمد بن محمد القمي
أصلا، السبزواري مولدا ومنشأ، متعه! الله به وبأمثاله ووفقه على الطاعات واكتساب
السعادات وما يرفع به الدرجات، تحريرا في الثالث من ذي القعدة سنة سبعمئة وكتب هذه
الأسطر الداعي لجميع المؤمنين والمؤمنات ومحب صاحب الكتاب محمد بن عليشاه الحافظ
غفر الله له ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات بفضله وكرمه، إنه مجيب الدعوات وولي
الحسنات.
621

فهرس المصادر والمراجع
فهرس المصادر والمراجع
1 - القرآن الكريم
2 - الإستبصار - أبو جعفر الطوسي - توفي 450 - دار الكتب الإسلامية. طهران
3 - أسد الغابة - ابن أثير علي بن أبي كرم - توفي 630 - دار الفكر. بيروت
4 - الإصابة في معرفة الصحابة - أحمد بن علي بن محمد العسقلاني - توفي 852 - تحقيق علي محمد
البجاوي - دار الجيل. بيروت
5 - الأغاني - علي بن الحسين أبي الفرج - توفي 356 - تحقيق وطبع دار إحياء التراث العربي
6 - الأمالي - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 - تحقيق وطبع مؤسسة البعثة. قم
7 - الأم - الشافعي محمد بن إدريس - توفي 204 - تحقيق أحمد بدر الدين حسون - دار قتيبة. بيروت
8 - الإنتصار - الشريف المرتضى - توفي 436 - تحقيق وطبع جماعة المدرسين. قم
9 - الأنساب - عبد الكريم السمعاني - توفي 562 - دار الفكر. بيروت
10 - بحار الأنوار - محمد باقر المجلسي - توفي 1111 - مؤسسة الوفاء. بيروت
11 - بدايع الصنايع - أبو بكر بن مسعود الكاساني - توفي 587 تحقيق علي محمد معوض وعادل
أحمد عبد الموجود - دار الكتب العلمية. بيروت
12 - بداية المجتهد - محمد بن رشد القرطبي - توفي 595 - تحقيق
13 - تاريخ الإسلام - شمس الدين الذهبي - توفي 748 - تحقيق عمر عبد السلام تدمري - دار الكتاب
العربي. بيروت
14 - التبيان - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 - تحقيق أحمد حبيب القصير - دار أحيا التراث العربي
15 - تذكرة الفقهاء - الحسن بن يوسف - توفي 726 - تحقيق وطبع مؤسسة آل البيت
623

16 - التهذيب - حسين بن مسعود البغوي - توفي 516 تحقيق عادل أحمد عبد الموجود
وعلي محمد معوض - دار الكتب العلمية. بيروت
17 - تهذيب الأحكام - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 دار الكتب الإسلامية. طهران
18 - تهذيب التهذيب - أحمد بن حجر العسقلاني - توفي 852 - دار الفكر. بيروت
19 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال - جمال الدين يوسف المزي - توفي 742 - تحقيق بشار عواد -
مؤسسة الرسالة. بيروت
20 - جامع البيان - محمد بن جرير الطبري - توفي 210 - دار الفكر. بيروت
21 - الجامع الصغير - محمد بن الحسن الشيباني - توفي 189 عالم الكتب. بيروت
22 - الجمل والعقود - الرسائل العشر - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 تحقيق واعظ زاده -
جماعة المدرسين. قم
23 - جمل العلم والعمل - الشريف المرتضى - توفي 436 - تحقيق رشيد الصفار - مطبعة النعمان.
النجف
24 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد - توفي 775 - تحقيق عبد الفتاح محمد
الحلو - الطبعة الثانية. هجر
25 - الخلاف - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 - تحقيق الجماعة - جماعة المدرسين. قم
26 - الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - توفي 911 تحقيق وطبع دار الفكر. بيروت
27 - السراج الوهاج - محمد الزهري الغمراوي - دار المعرفة. بيروت
28 - السرائر - محمد بن إدريس الحلي - توفي 598 - جماعة المدرسين. قم
29 - سنن الدارقطني - علي بن عمر الدارقطني - توفي 385 - عالم الكتب. بيروت
30 - السنن الكبرى - أحمد بن الحسين البيهقي - توفي 458 - تحقيق وطبع دار الفكر. بيروت
31 - سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني - توفي 275 - تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - دار الفكر.
بيروت
32 - شرائع الإسلام - محمد بن الحسن الهذلي - توفي 672 - تحقيق عبد الحسين محمد علي بقال -
مؤسسة المعارف الإسلامية. قم
33 - طبقات الشافعية - عبد الوهاب السبكي - توفي 771 - تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود
محمد الطناجي -
دار إحياء الكتب العربية. القاهرة
34 - طبقات الشافعية - تقي الدين بن قاضي شهبة - توفي 851 تحقيق عبد العليم خان - عالم
624

الكتب. بيروت
35 - الطبقات الكبرى - محمد بن سعد - توفي 230 - دار البيروت
36 - عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور - توفي 940 - تحقيق مجتبى العراقي - سيد الشهداء. قم
37 - عمدة القاري - محمود بن أحمد العيني - توفي 855
38 - غنية النزوع - حمزة بن علي بن زهرة - توفي 585 - تحقيق إبراهيم البهادري - مؤسسة الإمام الصادق. قم
39 - كنز العمال - المتقي الهندي - توفي 975 - مؤسسة الرسالة. بيروت
40 - لسان العرب - ابن منظور - توفي 711 - دار صادر. بيروت
41 - اللباب في شرح الكتاب - عبد الغني الغنيمي - دار الكتب العلمية. بيروت
42 - المبسوط - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 تحقيق سيد محمد تقي الكشفي - مكتبة المرتضوية.
طهران
43 - المبسوط - شمس الدين السرخسي - دار المعرفة. بيروت
44 المجموع - محي الدين النوي - توفي 676 - تحقيق محمد نجيب المطعي - مكتبة الإرشاد. جدة
45 - مجمع البيان - الفضل بن الحسن - القرن 6 - تحقيق اللجنة - مؤسسة الأعلمي. بيروت
46 - مختلف الشيعة - الحسن بن يوسف - توفي 726 - تحقيق وطبع الأبحاث الإسلامية
47 - مستدرك الوسائل - الميرزا حسين النوري - تحقيق وطبع مؤسسة آل البيت. قم
48 - مشكاة المصابيح - محمد ابن عبد الله التبريزي - تحقيق سعيد محمد اللحام - دار الفكر. بيروت
49 - المصنف - عبد الرزاق - توفي 211 - تحقيق حبيب الرحمان الأعظمي - المجلس العلمي. بيروت
50 - المصنف - عبد الله بن أبي شيبة - توفي 235 تحقيق محمد عبد السلام شاهين - دار الكتب العلمية.
بيروت
51 - معجم الأدباء - ياقوت الحموي 616 - دار الفكر. بيروت
52 - المغني - ابن قدامة - توفي 620 - دار الكتاب العربي. بيروت
53 - مفاتيح الغيب - فخر الدين الرازي - توفي 604 - دار الفكر. بيروت
54 - نصب الراية لأحاديث الهداية - جمال الدين الزيلعي - توفي 762 - دار الحديث. القاهرة
55 - نيل الأوطار - محمد بن علي الشوكاني - توفي 1255 - دار الجيل. بيروت
56 - النهاية - أبو جعفر الطوسي - توفي 460 تحقيق وطبع جماعة المدرسين. قم
57 - الوسيط في المذهب محمد الغزالي توفي 505 - تحقيق أحمد محمود إبراهيم ومحمد تأمر -
دار السلام. القاهرة
625

58 - الوجيز - محمد الغزالي - توفي 505 - دار المعرفة. بيروت
59 - الوافي بالوفيات - خليل بن ايبك الصفدي - طبع هلموت ريتر
60 - وفيات الأعيان - شمس الدين ابن خلكان - توفي 681 - تحقيق إحسان عباس - دار الثقافة.
بيروت - النهاية 46 - 61 - الهداية في شرح بداية المبتدي - برهان الدين المرغيناني - توفي 593 -
تصحيح طلول يوسف - دار إحياء التراث العربي. بيروت
626