الكتاب: تحرير الأحكام
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ٣
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة: اعتماد - قم
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (ع)
ردمك: ٧-٦٥-٦٢٤٣-٩٤٦
ملاحظات:

تحرير الأحكام الشرعية
على مذهب الإمامية
1

هوية الكتاب
اسم الكتاب:... تحرير الأحكام الشرعية / الجزء الثاني
المؤلف:... العلامة الحلي
إشراف:... آية الله جعفر السبحاني
المحقق:... الشيخ إبراهيم البهادري
الطبعة:... الأولى - 1421 ه‍
المطبعة:... اعتماد - قم
الكمية:... 1500 نسخة
الناشر:... مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)
حقوق الطبع محفوظة للمحقق
5 - 66 - 6243 - 964: شابك
ISBN: 964 - 6243 - 66 - 5
توزيع
مكتبة التوحيد
إيران - قم; ساحة الشهداء
هاتف: 7743151 - 2925152
E - MAIL: emamsadegh _ int @ aalulbayt. org
2

إشراف
العلامة المحقق جعفر السبحاني
تحرير الأحكام الشرعية
على مذهب الإمامية
موسوعة فقهية كاملة مشحونة بالتخريج والتفريع
للإمام جمال الدين أبي منصور الحسن بن
يوسف بن المطهر
المعروف بالعلامة الحلي
(648 - 726 ه‍)
الجزء الثالث
تحقيق
الشيخ إبراهيم البهادري
3

بسم الله الرحمن الرحيم
(وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون)
التوبة: 122
4

كتاب الصلح
5

المقصد السادس: في الصلح
وفيه ثلاثة وثلاثون بحثا:
4014. الأول: الصلح عقد شرع لقطع التنازع بين المختلفين،
وهو على أنواع:
صلح بين المسلمين وأهل الحرب، أو بين أهل العدل والبغي، وقد سلف.
وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما، وسيأتي.
وصلح بين المختصمين في الأموال، وهذا الباب معقود له.
4015. الثاني: الصلح عقد قائم مستقل بنفسه، ليس فرعا على غيره، وهو لازم
من الطرفين، لا يبطل إلا بالتقايل، وقد أجمع العلماء كافة على تسويغه ما لم يؤد
إلى تحريم حلال، أو تحليل حرام، ولا خيار بعد انعقاده لأحدهما، سواء افترقا
من المجلس أو لا، وإن اشتمل على المعاوضة، ولا يحتاج إلى
شرائط البيع.
وقول الشيخ في الخلاف: إذا أتلف ما يساوي دينارا، فصالحه مع الإقرار
على دينارين لم يصح، وإلا كان بيعا للدينار بأزيد، فيكون ربا، (1) ضعيف (2) عندي.
4016. الثالث: الصلح جائز على الإقرار والإنكار، وإنما يقع الصلح على

1. الخلاف: 3 / 299، المسألة 10 من كتاب الصلح. نقله المصنف بتلخيص.
2. قوله «ضعيف» خبر لقوله «وقول الشيخ».
7

الإنكار إذا اعتقد المدعي حقية قوله، والمدعى عليه براءة ذمته، فيجوز للمدعي
أخذ ما يصالحه عليه المنكر، سواء كان من جنس المدعى، أو من غيره، وسواء
زاد عن المدعى، أو نقص، فإن وجد بالمأخوذ عيبا، كان له رده، والرجوع في
دعواه، فلو وجد الدافع بالمصالح عنه عيبا لم يرجع به على المدعي.
ولو كان المأخوذ شقصا، أو المصالح عنه لم تثبت الشفعة فيه. ولو كان
أحدهما كاذبا، كان الصلح باطلا في نفس الأمر، ولا يحل للمنكر ما أخذه بالصلح
إذا دفع الأقل مع كذبه، ولا للمدعي إذا كان مبطلا، ويحكم عليهما في
الظاهر بالصحة.
ولو ادعى على رجل أمانة، كالوديعة، والمضاربة، أو مضمونا، كالقرض،
والتفريط في الوديعة، فأنكر، جاز الصلح.
4017. الرابع: إذا صالح أجنبي عن المنكر للمنكر صح، سواء اعترف للمدعي
بصحة دعواه، أو لم يعترف، وسواء كان بإذنه، أو بغير إذنه، وسواء كان في دين،
أو عين، ثم إن لم يأذن المنكر في الصلح، لم يكن للأجنبي الرجوع عليه بشئ،
ولو أدى بإذنه على إشكال.
وإن أذن في الصلح والأداء، رجع عليه، وإن أذن في الصلح خاصة، لم
يرجع مع الأداء تبرعا، وهل يرجع مع نية الرجوع (1)؟ الوجه أنه لا يرجع أيضا.
4018. الخامس: إذ صالح الأجنبي عن المنكر لنفسه، لتكون المطالبة له، فإن لم
يعترف للمدعي بصحة دعواه، فالوجه عدم الجواز، وإن اعترف له بالصحة، فإن

1. في «ب»: وهل يرجع معه بنية الرجوع.
8

كان المدعى دينا صح، وتكون الخصومة بين الأجنبي والمدعى عليه، وإن كان
عينا، وصدقه على دعواه، صح الصلح، فإن قدر على انتزاعه، استقر الصلح، وإن
عجز قال الشيخ: تخير بين فسخ الصلح والإقامة عليه. (1)
4019. السادس: لو قال الأجنبي للمدعي: أنا وكيل المدعى عليه في
مصالحتك عن هذه العين، وهو مقر لك بها باطنا ويجحد ظاهرا، فالوجه صحة
الصلح، فإن صدقه المدعى عليه، ملك العين ورجع الأجنبي عليه بما أداه، إن
كان أذن له في الدفع.
ولو أنكر الإذن، فالقول قوله مع يمينه، وإن أنكر التوكيل، فالقول قوله مع
يمينه، وليس للأجنبي الرجوع عليه، ثم إن كان الأجنبي صادقا في دعوى الوكالة،
ملك المدعى عليه العين بالصلح، وإن لم يكن صادقا، احتمل عدم الملك،
واحتمل أن يقف على الإجازة.
4020. السابع: إذا قال المدعى عليه: صالحني، لم يكن إقرارا بالمدعى، أما لو
قال: ملكني، كان إقرارا له، وكذا لو قال: بعني، أو هبني، أو أبرئني منه،
أو قبضته. (2)
4021. الثامن: إذا اعترف بحق فامتنع من أدائه حتى صولح على بعضه، كان
الصلح باطلا، سواء كان بلفظ الصلح، أو الهبة، أو الإبراء، وسواء شرط في الهبة
والإبراء أداء الباقي، أو أطلق. أما لو اعترف له وصالحه من غير منع، كان جائزا،
سواء صالحه بالبعض، أو بأكثر في غير الربوي، وفي الربوي إشكال،
أقربه الجواز.

1. المبسوط: 2 / 290.
2. لعل المراد: قبضته منك فيكون إقرارا بملكية المدعي.
9

ويجوز بغير الجنس أقل، أو أكثر، وسواء كان الصلح عن دين أو عين. (1)
فإذا اعترف له بدنانير فصالحه على دراهم، أو بالعكس جاز، ولم يكن صرفا،
ولا يعتبر فيه شروطه، وكذا لو صالحه بالجنس.
ولو اعترف له بعوض، فصالحه بثمن، أو بالعكس صح، ولم يكن بيعا،
ولا يلحقه أحكامه.
ولو صالحه على سكنى دار، أو خدمة عبد، أو على أن يعمل له عملا
صح، ولم يكن إجارة، فإن تلفت الدار أو العبد قبل استيفاء شئ من المنفعة،
بطل الصلح، وإن كان في الأثناء، بطل فيما تخلف من المدة، ورجع بقسطه.
ولو ادعي بعين فاعترف، ثم صالحه على أن يزوجه أمته صح، ولا بد من
تجديد عقد النكاح وجعل المصالح عليه مهرا، فإن انفسخ النكاح بما يسقط
المهر قبل الدخول، وقلنا يكون المصالح عليه مهرا، يرجع الزوج به، ولو طلقها
قبل الدخول، رجع بنصفه.
ولو اعترفت بدعوى العين، وصالحته على أن تزوجه نفسها فتزوجته 2 بها
صح، ولو اعترفت بعيب في مبيعها، فصالحته على نكاحها فتزوجته بالأرش
صح، فإن زال العيب، رجعت بأرشه لا بمهر المثل، وإن لم يزل، لكن انفسخ
نكاحها بالمسقط للمهر، رجع [على] الزوجة بأرشه.
4022. التاسع: إذا اعترف بالدين في ذمته، فأبرأه من بعضه وأعطاه الباقي
صح، ولو شرط في الإبراء ذلك لم يصح، ولو صالحه على أن يدفع إليه البعض

1. في «أ»: أو عن عين.
2. في «أ»: فزوجته.
10

ويبرئه من الباقي صح، وإن كان ربويا، فإن خرج ما قبضه مستحقا، رده إلى
مستحقه، ورجع على الدافع بعوضه، وليس له الرجوع في الإبراء إلا إذا كان
بعقد الصلح.
4023. العاشر: إذا اعترف بالعين فوهبه بعضها، ويدفع الباقي صح، وإن شرطه
في الهبة، وكذا يصح لو صالحه على بعضها، ويكون الباقي في حكم الموهوب،
لكن لا تلحقه أحكام الهبة.
4024. الحادي عشر: إذا ادعى بيتا، فاعترف له، وصالحه على بعضه صح، وكذا
لو صالحه على بناء غرفة عليه، أو على سكناه سنة، ولا يكون ذلك عارية، بل
يجب عليه الإسكان من غير عوض، وللشيخ هنا قول ضعيف (1).
4025. الثاني عشر: لو صالحه على خدمة العبد سنة، فباعه، صح البيع،
ويتخير المشتري مع عدم علمه، ولو أعتقه صح أيضا، ولا يبطل الصلح، ويجب
على العبد الخدمة، ولا يرجع بها على السيد.
ولو وجده معيبا، عيبا تنقص الخدمة به، كان له فسخ الصلح، ولو صالح
على العبد نفسه صح، ولم يكن بيعا، فإن خرج به عيب، كان له الفسخ.
4026. الثالث عشر: إذا ظهر استحقاق أحد العوضين، بطل الصلح، فإن كان
[الصلح] (2) عن إقرار، انتزع المقر له مضمونه. (3) وإن كان على إنكار، رجع

1. وهو انه بمنزلة العارية ومتى شاء رجع في إعارته. لاحظ المبسوط: 2 / 294.
2. قد تقدم في المسألة الثالثة أن الصلح على قسمين: صلح على الإقرار. وصلح على الإنكار.
3. أي مضمون الإقرار.
11

مدعيا. أما لو ظهر عيب في أحد العوضين، فإن الصلح لا يبطل من رأس، بل
للمصالح فسخه.
4027. الرابع عشر: لو اعترف له بزرع في يده، وصالحه على دراهم أو غيرها،
جاز، سواء بدأ صلاحه أو لا، وسواء شرط القطع أو لا، أما لو صالحه عليه قبل
خروجه من الأرض، ففي الصحة إشكال، ولو كان في يد اثنين فاعترف له
أحدهما فصالحه عليه، صح، وإن لم يبد صلاحه، سواء شرط القطع أو لا، فإن
شرط القطع قاسمه الشريك، وقطع نصيبه، وإلا تركه إلى وقت أخذه.
ولو كان الزرع لواحد، فاعترف له بنصفه، وصالحه بنصف الأرض، ليصير
الزرع كله لواحد والأرض بينهما نصفين، صح بشرط القطع وبغيره.
وإن صالحه على جميع الأرض بشرط القطع ليسلم الأرض فارغة جاز.
4028. الخامس عشر: يجوز تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه، فإن صالحه على
ذلك جاز، ولم يكن مكروها، أما لو صالحه عن المؤجل ببعضه حالا، وكان
ربويا، فالوجه عندي الجواز.
ولو صالحه على ألف حالة بنصفها مؤجلا، فالوجه عندي الصحة وإن كان
ربويا، وكذا يجوز لو أبرأه من النصف لكن لا يلزم الأجل، فإن شرطه في الإبراء
بطل الجميع.
4029. السادس عشر: يصح الصلح عن المجهول دينا كان أو عينا إذا لم يمكن
معرفته، ولو علمه أحدهما وكان أكثر، لم يجز إلا أن يعرفه إياه.
ولو اختلط قفيز حنطة بقفيز شعير، وطحنا بيعا، وأخذ كل منهما بنسبة
قيمة ماله، إلا أن يصطلحا.
12

ولو أتلف صبرة طعام ولم يعلما مقدارها، فباعه إياها بثمن، لم يصح،
ولو صالحه عليها به، جاز.
وإذا كان العوض مما لا يحتاج إلى تسليمه، ولا سبيل إلى معرفته،
كالمتنازعين في مواريث مجهولة وحقوق متقدمة، أو في أرض، أو عين من
المال لا يعلم كل واحد حقه منها، جاز الصلح مع الجهالة من الطرفين.
وإن كان مما يحتاج إلى تسلميه، وجب أن يكون معلوما، وإن أمكنهما
معرفة ما يصالحان عليه، بأن يكون عينا موجودة، وجب العلم بها، وكذا لو كان
من عليه الحق يعلمه، وجب أن يعرف صاحبه.
4030. السابع عشر: يصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه، سواء
جاز بيعه، كالأعيان المملوكة، أو لا، كأرش الجناية، ودم العمد، وسكنى الدار،
وعيب المبيع، ولو صالح عما يوجب القصاص بأكثر من ديته أو أقل جاز، ولو
صالح عن الخطاء بأكثر من ديته من جنسها، وكان ربويا، ففيه إشكال.
ولو أتلف شيئا، فصالح عنه بأكثر من قيمته من جنسها جاز، وللشيخ قول
بالمنع (1) ضعيف، ولو صالح عن القيمة، فالوجه ما قاله الشيخ، ولا خلاف في
الجواز لو صالحه من غير الجنس بالأكثر أو الأقل.
4031. الثامن عشر: يجوز الصلح عن المؤجل بالحال وبالعكس، ويلزم
الأجل، وعن كل من الحال والمؤجل بمثله.
4032. التاسع عشر: لو صالح عن القصاص بعبد فخرج مستحقا،

1. المبسوط: 2 / 308.
2. في «ب»: وعبد.
13

بطل الصلح، ورجع بأرش القصاص لا بقيمة العبد، وكذا لو خرج حرا.
ولو صالح على دار، أو عبد 2 فوجد العوض مستحقا أو معيبا، رجع في
الدار والعبد إن كان باقيا، وبقيمته إن كان تالفا، ولو صالح على العيب بعبد فبان
مستحقا، أو حرا، رجع بأرش العيب، ولو صالحه عن القصاص بحر يعلمان
حريته، أو يعلمان أنه مستحق، رجع بالدية.
4033. العشرون: لا يجوز الصلح على ما لا يجوز أخذ العوض عنه، مثل ان
يصالح امرأة لتقر له بالزوجية، ولو دفعت إليه عوضا ليكف عن هذه الدعوى،
فالوجه عدم الجواز، فإن اصطلحا على ذلك، ثم ثبتت الزوجية بالبينة، أو
بإقرارها، كان النكاح باقيا.
ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا، فصالحها على مال لتنزل عن دعواها لم
يجز، ولو دفعت إليه عوضا، ليقر بطلاقها لم يملكه، بخلاف ما لو بذلت
عوضا ليطلقها.
4034. الواحد والعشرون: لو ادعى عبودية من أنكرها، فصالحه على مال ليقر
له بها، لم يجز، فإن أقر لزمه، ولو دفع المنكر مالا صلحا عن دعواه، ففي عدم
الصحة إشكال.
ولو ادعى على رجل مالا، فأنكر، فدفع إليه شيئا ليقر له به، لم يصح فإن
أقر لزمه ما أقر به، ويرد ما أخذه، ولو دفع المنكر مالا صلحا عن الدعوى، جاز.
4035. الثاني والعشرون: لو صالح شاهدا على أن لا يشهد عليه، أو
صالح الزاني والسارق والشارب بمال على أن لا يرفعه إلى السلطان، أو
14

صالحه عن القذف، لم يصح، ولو صالح عن حق الشفعة، فالوجه الجواز.
4036. الثالث والعشرون: إذا ادعى اثنان عينا بسبب يوجب الاشتراك في
كل جزء منها، مثل أن يقولا: ورثناها (1) أو ابتعناها صفقة، فأقر المتشبث لأحدهما
بنصفها، اشتركا فيه، فإن صالح المقر له عما أقر به، مضى الصلح فيه أجمع إن كان
بإذن صاحبه، وإلا ففي قدر نصيبه، وهو الربع خاصة.
ولو ادعياها مطلقا من غير قيد يقتضي الشركة، فأقر لأحدهما، لم يشاركه
الآخر، ولو أقر بها أجمع لأحدهما، فإن صدق المقر له الآخر سلم إليه النصف،
سواء سبق تصديقه أو تأخر، ولو لم يصدق الآخر، كان الجميع له إن ادعاه بعد
الإقرار، ولا يسقط حقه من الجميع بدعوى النصف أولا. ولو لم يدع الجميع
بعد الإقرار، ولا اعترف للآخر بالنصف، ثبت النصف للمقر له، واحتمل إبقاء
النصف الآخر في يد المقر، و [احتمل] دفعه إلى الحاكم حتى يثبت المدعي،
و [احتمل] دفعه إلى الآخر، ومنعه الشيخ. (2)
4037. الرابع والعشرون: إذا تداعيا جملا ولأحدهما عليه حمل، حكم به
لصاحب الحمل.
ولو تنازعا عبدا ولأحدهما عليه ثياب قضي به لهما.
ولو تنازع راكب الدابة وقابض لجامها، قضي بها للراكب مع يمينه،
وقيل: يستويان (3).

1. في «أ»: أورثناها.
2. المبسوط: 2 / 294.
3. القائل هو الشيخ في الخلاف: 3 / 296، المسألة 5 من كتاب الصلح، وابن إدريس في
السرائر: 2 / 67.
15

ولو تنازعا ثوبا في يد أحدهما أكثره، تساويا فيه.
ولو تداعيا غرفة على بيت أحدهما وبابها إلى غرفة الآخر، فهي لصاحب
البيت مع اليمين.
4038. الخامس والعشرون: إذا ادعى دارا في يد أخوين، فاعترف أحدهما،
فصالحه على بذل ماله بعوض صح، وليس للآخر الأخذ بالشفعة، سواء كان
الإنكار مطلقا، أو قال: هذه لنا ورثناها جميعا عن أبينا أو أخينا.
4039. السادس والعشرون: إذا اصطلح الشريكان على أن يكون لأحدهما
رأس ماله نقدا، والربح والخسران والنقد والنسيئة والعروض (1) للآخر ويسلم إليه
صح، وهي رواية الحلبي والكناني الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) (2).
4040. السابع والعشرون: إذا كان مع اثنين درهمان ادعاهما وادعى الآخر
واحدا منهما، أعطي مدعيهما درهما ونصفا، وللآخر النصف الآخر، ولو كانا في
يد مدعيهما، حلف للآخر وكان الجميع له، ولو كانا في يد مدعي أحدهما،
حلف للآخر وأخذ درهما.
4041. الثامن والعشرون: إذا أخذ رجل من آخر عشرين درهما بضاعة، ومن
آخر ثلاثين كذلك، واشترى بكل منهما ثوبا وامتزجا ولم يتميزا، فإن خير
أحدهما صاحبه، فقد انصفه، وإن ماكسا بيعا وقسم الثمن على خمسة أجزاء،
فأعطي صاحب العشرين خمسيه (3) وللآخر الباقي، وهي رواية إسحاق بن

1. في «ب»: القروض.
2. الوسائل: 13 / 165، الباب 4 من كتاب الصلح، الحديث 1.
3. في «ب»: خمسين.
16

عمار عن الصادق (عليه السلام). (1) قال ابن إدريس: والأولى استعمال القرعة (2).
4042. التاسع والعشرون: إذا استودع لرجل دينارين وللآخر دينارا،
وامتزج المال من غير تفريط، وضاع منها (3) دينار ففي رواية السكوني عن
الصادق (عليه السلام): يعطى صاحب الدينارين دينارا منهما، ويقسم الآخر بينهما
نصفين. (4) وفي السكوني ضعف.
والأولى عندي قسمة التالف على قدر رأس المالين، فيعطى صاحب
الدينارين دينارا وثلث دينار، وللآخر ثلثي دينار، ولو فرط المستودع في المزج
لزمه الدينار.
4043. الثلاثون: يصح الصلح على عين بمثلها وبمنفعة، وعلى منفعة بمثلها
وبعين، وعلى دين بمثله أو عين، وبالعكس.
4044. الواحد والثلاثون: إذا كان لأحدهما عليه ألف درهم ولآخر مائة دينار،
فصالحاه على ألف درهم، ففي صحته إشكال، وجوزه ابن الجنيد بشرط
التقابض، فإن عين حصة كل واحد وإلا بسطت على الألف وقيمة المائة بالنسبة.
4045. الثاني والثلاثون: إذا كان الدين مؤجلا، فصالحه على التعجيل صح،
وسقط الأجل، فإن ظهر العوض مستحقا أو معيبا فرده، قال ابن الجنيد: كان
لصاحب الدين مطالبته بتوفيته إياه معجلا، وليس بمعتمد.

1. الوسائل: 13 / 170، الباب 11 من كتاب الصلح، الحديث 1.
2. السرائر: 2 / 69.
3. في «أ»: منهما.
4. الوسائل: 13 / 171، الباب 12 من كتاب الصلح، الحديث 1.
17

4046. الثالث والثلاثون: لو صالح الوصي المدعي (1) على الميت بغير بينة، قال
ابن الجنيد: بطل الصلح، والوجه تقييده بانتفاء المصلحة. ولو كان لليتيم مال وبه
بينة، فصالح عنه وصيه، قال: لا يصح الصلح بالبعض، ولو لم تكن بينة، جاز
الصلح. قال: ولو وجد الوصي، أو اليتيم بينة بحقه (2) انتقض الصلح (3) وهو أشكل
من الأول.
وقد بقي في الصلح مسائل تتعلق بالأملاك وأشباهها، تذكر في كتاب
إحياء الموات إن شاء الله تعالى.

1. في «أ»: للمدعي.
2. في «أ»: بحق.
3. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 6 / 182.
18

كتاب الوكالة
19

المقصد السابع: في الوكالة
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في الماهية
وفيه ستة عشر بحثا:
4047. الأول: الوكالة عقد شرع للاستنابة في التصرف، وهي جائزة بالنص
والإجماع، وتفتقر إلى الإيجاب والقبول.
فالأول: كل لفظ دل على الإذن، مثل: وكلتك واستنبتك، أو افعل كذا، أو
أذنت لك في فعله، ولو قال: وكلتني، فقال: نعم أو أشار بذلك مع العجز، كفى
في الإيجاب.
والقبول: كل لفظ، أو فعل يدل على الرضا بذلك، مثل: قبلت وما شابهه
من الألفاظ، ولو لم يقل لفظا، وفعل ما يدل على الرضا كالتصرف وفعل ما
أمر به، كان قبولا صحيحا.
21

4048. الثاني: لا تشترط فورية القبول، بل لو وكل جاز أن يقبل على التراخي
قولا وفعلا، سواء كان حاضرا أو غائبا.
4049. الثالث: من شرط الوكالة أن تقع منجزة، فلو علقت على شرط، أو
صفة، بطلت، ولو قال: مهما عزلتك فأنت وكيلي، لم ينعقد بعد العزل، ولو نجز
الوكالة، وعلق التصرف صح، ولم يجز للوكيل التصرف قبل وجود المعلق.
4050. الرابع: يجوز التوكيل بجعل (1) وبغير جعل، فإن كانت بجعل استحقه
الوكيل بتسليم ما وكل فيه إلى الموكل إن كان مما يمكن تسليمه، فإن وكله في
عمل، كثوب ينسجه، أو يقصره، أو يخيطه، فمتى سلمه إلى الموكل معمولا،
استحق الأجر، وإن كان في منزل الموكل.
وإن وكل في بيع، أو شراء، استحقه مع العمل، وإن لم يقبض الثمن في
البيع، إلا أن يجعل الأجر في مقابلة البيع والقبض.
4051. الخامس: في اشتراط تعيين ما وكل فيه إشكال، فلو وكله في كل قليل
وكثير، أو في كل تصرف يجوز له، أو في كل ماله التصرف فيه، قال الشيخ: لا
يجوز; لعظم الغرر فيه المقتضي للضرر (2) ولو قيل: بالجواز كان حسنا، ويكون
تصرف الوكيل منوطا بالمصلحة.
ولو قال: اشتر لي ما شئت، قيل: لا يجوز، لأنه قد يشتري مالا يقدر على
ثمنه (3) ولو قيل: بالجواز مع اعتبار المصلحة كان وجها، فحينئذ لا يشتري إلا بثمن

1. الجعل: ما جعل على العمل من أجر أو رشوة. المعجم الوسيط: 1 / 126.
2. الخلاف: 3 / 350، المسألة 14 من كتاب الوكالة.
3. القائل هو ابن قدامة في المغني: 4 / 212.
22

المثل فما دون، ولا يشتري مالا يقدر الموكل على ثمنه، ولا ما انتفت
المصلحة فيه.
ولو قال: بع مالي كله جاز إجماعا، وكذا: اقبض ديوني كلها.
ولو قال: بع ما شئت من مالي، أو من عبيدي، واقبض ما شئت من ديوني
جاز، وكذا: اقبض ديني كله وما يتجدد في المستقبل.
ولو قال: اشتر لي عبدا، أو ثوبا، وأطلق، قال الشيخ: لا يجوز للجهالة (1) ولو
قال: تركيا، أو هنديا 2 جاز إجماعا، والوجه عندي جواز الأول أيضا، ولا يشترط
ذكر قدر الثمن، أطلق، أو قيد، بل له أن يشتري بثمن المثل.
4052. السادس: الوكالة عقد جائز من الطرفين، فللموكل عزل وكيله متى
شاء، وللوكيل عزل نفسه، سواء كان الموكل حاضرا، أو غائبا، فإذا فسخ الوكيل،
بطلت وكالته، وبطل تصرفه بعد الفسخ، وافتقر في التصرف بعد الفسخ إلى
تجدد عقد الوكالة.
4053. السابع: تبطل الوكالة بموت الموكل أو الوكيل، وبالجنون من أيهما
كان، وكذا الإغماء، وبفعل الموكل متعلق الوكالة، وتلفه كموت العبد الموكل في
بيعه، والمرأة الموكل في طلاقها، ولا تبطل بالنوم وإن طال زمانا، ولا بالسهو وإن
كثر، ولا السكر، ولا بالفسوق المتجدد، وإن كان في الإيجاب في عقد النكاح.
ولو حجر الحاكم على الموكل، لسفه، أو فلس، بطلت الوكالة أيضا في
أعيان أمواله، بخلاف ما لو حجر على الوكيل.

1. المبسوط: 2 / 391 - 392.
2. في «ب»: هرويا.
23

ولو حجر على الموكل، لم تبطل الوكالة بما لا يتعلق بالمال، كالخصومة،
والشراء في الذمة، والطلاق، والقصاص، والخلع.
ولو كان وكيلا فيما يشترط فيه الأمانة، كوكيل ولي اليتيم، وولي الوقف
على الفقراء ونحوه، انعزل بفسقه وفسق موكله.
ولو كان وكيلا لوكيل من يتصرف في مال نفسه، انعزل بفسقه لا
بفسق موكله.
4054. الثامن: إذا عزل الموكل الوكيل، وأعلمه العزل، انعزل إجماعا، فإن لم
يعلمه، بل أشهد على عزله، فإن كان مع إمكان الإعلام، لم ينعزل، وهل يجوز
لشاهد العزل الشراء من الوكيل حينئذ؟ فيه نظر (1).
وإن كان مع تعذره، فقولان، أجودهما عدم العزل، واختار الشيخ في
النهاية العزل (2)، فعلى ما اخترناه، متى تصرف قبل علمه مضى تصرفه، فلو
اقتص، وقع موقعه، وعلى قول الشيخ يكون قصاص الوكيل بعد العزل خطأ.
ولو مات الموكل فقد انعزل الوكيل، سواء علم بموته أو لا، فكل تصرف
فعله بعد الموت، كان باطلا وإن لم يعلم بالموت.
4055. التاسع: لا تبطل الوكالة بالتعدي فيما وكل فيه، كلبس الثوب، وركوب
الدابة، لكنه يضمن بالتعدي، فإذا باعه صح البيع ويبرأ من الضمان بالتسليم إلى
المشتري، وهل يزول الضمان بمجرد العقد؟ فيه نظر، منشؤه انتقال العين إلى
المشتري، (3) فإذا قبض الثمن من المشتري كان أمانة غير مضمون، وكذا لو وكله

1. في «ب»: فيه إشكال.
2. النهاية: 318.
3. ولم يذكر منشأ وجه الضمان فتدبر.
24

في شراء شئ، فتعدى في الثمن، فإنه يبرأ بتسليمه إلى البائع، ولا يضمن
المبيع، ولو وجد بالمبيع عيبا فرده المشتري عليه، أو وجد هو بما اشترى عيبا،
فرده وقبض الثمن، فالوجه عود الضمان.
4056. العاشر: لو وكل امرأته في بيع، أو شراء، أو غيره، ثم طلقها، لم تبطل
الوكالة، أما لو وكل عبده ثم أعتقه، أو باعه، فالأقرب انعزاله، وكذا لو وكل عبد
غيره بإذنه ثم بيع، أما لو أعتق، فالوجه بقاء وكالته، وكذا لو اشتراه الموكل.
4057. الحادي عشر: لو وكل مسلم كافرا فيما يصح تصرفه فيه صح، سواء كان
ذميا، أو مستأمنا، أو حربيا، أو مرتدا، ولو وكل مسلما فارتد، لم تبطل وكالته،
سواء لحق بدار الإسلام، أو أقام بدار الحرب، وسواء تاب عن ارتداده أو لا.
ولو ارتد الموكل لم تبطل الوكالة أيضا، إن لم يكن عن فطرة، وإلا بطلت،
وكذا التفصيل لو وكل في حال ردته.
4058. الثاني عشر: لو وكل رجلا في نقل امرأته، أو بيع عبده، أو قبض داره
من فلان، فقامت البينة بطلاق الزوجة وعتق العبد وانتقال الدار عن الموكل،
بطلت الوكالة.
4059. الثالث عشر: لو تلفت العين الموكل فيها، بطلت الوكالة على ما تقدم،
فلو دفع إليه دينارا ووكله في الشراء به، فهلك، أو ضاع، أو استقرضه الوكيل
وتصرف فيه، بطلت الوكالة، سواء وكله في الشراء بالعين، أو مطلقا وينقد
الدينار، فإن اشترى حينئذ، وقف على إجازة الموكل.
ولو اشترى الوكيل بعين ماله لغيره شيئا، فالوجه الوقوف على الإجازة لا
وقوع الشراء للوكيل.
25

4060. الرابع عشر: لو غاب الموكل وطالب الوكيل الغريم، وجب عليه الدفع
إليه، ولا اعتبار بحضور ورثة الغائب إذا لم يثبت موته.
4061. الخامس عشر: العبارة عن العزل أن يقول: عزلتك، أو أزلت نيابتك، أو
فسخت، أو بطلت، أو نقضت، أو لا تتصرف، أو امتنع من التصرف، ولو أنكر
الوكالة فأقام الوكيل البينة تثبت، ولم يكن الإنكار عزلا فيما مضى قطعا، وفي
المستقبل إشكال.
4062. السادس عشر: لا يشترط في التوكيل رضى الخصم فتصح الوكالة من
دون رضاه، ولو عزله الخصم لم ينعزل.
الفصل الثاني: فيما يصح التوكيل فيه وما لا يصح
وفيه أحد عشر بحثا:
4063. الأول: كل ما يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من العبد مباشرة لا
يصح التوكيل فيه، وكل ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة، جاز
التوكيل فيه.
وشرطه: أن يكون مملوكا للموكل، فلو وكله في طلاق امرأة سينكحها،
أو بيع عبد يشتريه، لم يجز، وأن يكون مما تصح فيه النيابة.
4064. الثاني: الطهارة لا تصح النيابة فيها، لتعين محلها، ولا
26

يجوز أن يوضئه غيره في محله إلا مع الضرورة، ويجوز أن يستعين.
ويجوز التوكيل في تطهير بدنه وثوبه من النجاسة.
4065. الثالث: الصلاة لا تصح النيابة فيها، إلا في ركعتي الطواف مع العذر، (1)
ويجوز مطلقا بعد الموت عندنا، وإن لم يكن توكيلا حقيقيا.
4066. الرابع: الزكاة تجوز النيابة في أدائها، فيؤديها عنه غيره، ويجوز أن
يستنيب في إخراجها من ماله ومن مال النائب، ويستنيب الفقراء والإمام أيضا
في التسليم.
4067. الخامس: الصيام لا تصح النيابة فيه إلا إذا مات، فيصوم عنه وليه، وأما
الاعتكاف فلا تدخله النيابة.
4068. السادس: والحج تدخله النيابة مع العجز والموت.
4069. السابع: البيع يصح التوكيل فيه وفي جميع أحكامه، وكذا الشراء،
والرهن وقبضه.
4070. الثامن: التفليس لا يتصور فيه الوكالة، وأما الحجر فيصح أن يوكل
الحاكم من ينوب عنه.
4071. التاسع: الصلح يصح التوكيل فيه، وكذا الحوالة، والضمان، والشركة،
والوكالة، والإقرار على إشكال، والعارية، والقراض، والمساقاة، والمطالبة
بالشفعة وأخذها، والإجارة، والاصطياد، والاحتطاب، والاحتشاش، وإحياء
الموات على إشكال، والجعالة، والمزارعة، والعطايا، والهبات، والوقف، وقبض

1. في «أ»: مع التعذر.
27

الحقوق ودفعها كالميراث وغيره، والقسمة، والوصايا، والودائع، والنكاح إيجابا
وقبولا من الولي والخاطب والمرأة، والخلع، والطلاق، والرجعة، واستيفاء
القصاص بحضرة الموكل وغيبته، وقتال أهل البغي، والجهاد، واستيفاء الحدود
دون إثباتها، إلا حد القذف، وعقد الجزية، وتسليمها وقبضها، والذبح، وعقد
السبق والرمي، والقضاء، والدعوى، وإثبات الحجج والحقوق، والقرض،
والصلح، والإبراء.
ولا يشترط علم الوكيل بالقدر المبرئ عنه، ولا من عليه الدين. وفي
اشتراط علم الموكل نظر، والعتق والتدبير والكتابة.
4072. العاشر: الغصب لا يصح التوكيل فيه، فإذا غصب الوكيل، كان هو
الغاصب لا الموكل، ولا الميراث، ولا القسم بين الزوجات، ولا الإيلاء، ولا
الظهار، ولا اللعان، ولا العدة، ولا الرضاع، ولا الجناية، ولا القسامة، ولا الأشربة،
بل يجب الحد على الشارب لا الموكل، ولا الأيمان والنذور، والعهود، وأما
الشهادة، فإذا استناب كان شاهد فرع لا وكيلا، ولا الاستيلاد.
4073. الحادي عشر: جوز الشيخ الوكالة في الإقرار، (1) فإن عين الموكل لم
يلزمه ما يزيده الوكيل في الإقرار، وإن أطلق، لم ينفذ إقرار الوكيل (بالمعين) (2)،
فإذا أقر بالمطلق، رجع في التفسير إلى الموكل، وإن منعنا من الوكالة، ففي كونها
إقرارا من الموكل نظر، فإن قلنا به، لزمه - إن وكله في الإقرار بالمعين - ما عينه،
وفي المطلق ما يعينه، ويجبر على التعيين.

1. الخلاف: 3 / 344، المسألة 5 من كتاب الوكالة.
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
28

الفصل الثالث: في الموكل
وفيه أربعة عشر بحثا:
4074. الأول: يعتبر في الموكل جواز التصرف، فكل من صح تصرفه في شئ
بنفسه، وكان مما تدخله النيابة، جاز أن يوكل فيه، رجلا كان أو امرأة، حرا، أو
عبدا، مسلما، أو كافرا، فلو وكل المجنون والسكران والمغمى عليه لم يصح.
وكذا لا تصح وكالة الصبي، مميزا كان أو غير مميز، ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل
فيما له فعله بنفسه، كالوصية في المعروف، والصدقة والطلاق على رواية (1)
ممنوعة، وليس له أن يوكل في غير ذلك وإن كان مراهقا بإذن الولي أو بغير إذنه.
4075. الثاني: لو عرض للموكل الجنون، بطلت الوكالة من وقت عروضه،
وإن لم يعلم به، سواء كان مطبقا، أو أدوارا، وكذا الإغماء، وأما السكر العارض،
فلا يبطل الوكالة.
4076. الثالث: المحجور عليه لسفه، أو فلس، ليس له أن يوكل فيما لا يجوز
له التصرف فيه بنفسه، كالأموال، ويجوز فيما له التصرف فيه بنفسه، كالطلاق،
والخلع، واستيفاء القصاص.

1. لاحظ الوسائل: 13 / 321، الباب 15 من كتاب الوقوف والصدقات، الحديث 1 - 2، والباب
44 من كتاب الوصايا، الحديث 4; و ج 15 / 324 - 325، الباب 32 من أبواب مقدمات
الطلاق، الحديث 2 و 6.
29

4077. الرابع: العبد القن ليس له أن يوكل إلا بإذن سيده فيما يشترط فيه إذن
المولى، ولا يكفي فيه الاذن في التجارة فيما لا يتعلق بها.
أما المكاتب فله أن يوكل فيما يتولى بنفسه مما تصح فيه النيابة، ويجوز
للقن أن يوكل فيما يتولاه بنفسه، من غير إذن السيد، كالطلاق، والخلع، فلو وكله
أجنبي في شراء نفسه من مولاه صح.
4078. الخامس: لا يجوز للوكيل أن يوكل غيره إلا بإذن الموكل، سواء
منعه، أو أطلق، إلا إذا كان الوكيل ممن يترفع عن متعلق الوكالة (1)، أو كان كثيرا
منتشرا يعجز عنه بنفسه، فيجوز له أن يستنيب، وهل يجوز للعاجز من حيث
الكثرة الاستنابة في الجميع؟ أو يجب أن يقتصر على الزيادة التي عجز عنها؟
الأقرب الأخير.
ولو أذن له في التوكيل جاز بلا خلاف، ولو قال: وكلتك فاصنع ما شئت،
ففي جواز التوكيل نظر، أقربه ذلك.
4079. السادس: إذا أذن له في التوكيل، فإن عين، لم يجز التعدي، وإن أطلق،
وجب أن يعين على أمين، فلو وكل فاسقا لم يجز، ولو وكل أمينا، فصار خائنا،
وجب عليه عزله.
4080. السابع: الوصي يجوز له أن يوكل، وكذا الحاكم وأمينه، وولي
النكاح يجوز أن يوكل في تزويج موليته، سواء كان أبا، أو جدا، أما الوكيل، فيقف
على الإذن.

1. كالأعمال الدنية.
30

4081. الثامن: إذا أذن الموكل للوكيل في التوكيل صح، وكان الوكيل
الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الوكيل الأول ولا عزله، ولا يملك الأول
عزل الثاني.
ولو أذن له أن يوكل لنفسه، جاز، وكان وكيلا للوكيل، ينعزل بموته وعزله
إياه وموت الموكل وعزل الأول.
ولو وكل الأول من غير الإذن نطقا بل عرفا، كان الثاني وكيلا للوكيل.
4082. التاسع: العبد المأذون له في التجارة، يجوز له أن يوكل فيما تحتاج
التجارة إلى التوكيل فيه من غير إذن، ولا يجوز في غير ذلك.
4083. العاشر: لا يجوز للمحرم أن يوكل في عقد النكاح، ولا شراء الصيد.
4084. الحادي عشر: للأب والجد أن يوكلا عن الصغير.
4085. الثاني عشر: للغائب أن يوكل في الطلاق إجماعا، وكذا للحاضر، فإذا
وقع الطلاق بحضور الموكل وقع، خلافا للشيخ. (1)
4086. الثالث عشر: ينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء ونواقص العقول من
يحاكم عنهم.
4087. الرابع عشر: يكره لذوي المروات مباشرة الحكومة (2)، وينبغي لهم أن
يوكلوا فيها.

1. النهاية: 319.
2. أي ممارسة طرح الدعوى وإقامة البينة مباشرة.
31

الفصل الرابع: في الوكيل
وفيه اثنا عشر بحثا:
4088. الأول: يشترط فيه البلوغ، وكمال العقل. فلا تصح استنابة الصبي
ولا المجنون والمغمى عليه، فلو وكل الصبي لم يصح تصرفه، وإن كان يعقل
ما يقول.
4089. الثاني: كل ماله أن يليه بنفسه مما تصح النيابة فيه، صح أن يكون وكيلا
فيه.
4090. الثالث: تجوز وكالة الفاسق في النكاح إيجابا وقبولا وفي غيره،
وكذا الكافر والمرتد، وتجوز استنابة المحجور عليه لسفه، أو فلس في
الأموال وغيرها.
4091. الرابع: لا يجوز استنابة المحرم فيما ليس له أن يفعله، كابتياع الصيد،
وعقد النكاح.
4092. الخامس: العبد يجوز أن يكون وكيلا في قبول النكاح بإذن مولاه وفي
إيجابه، وكذا في غيره من العقود وغيرها، ولا يجوز من دون الإذن.
4093. السادس: المرأة تجوز استنابتها في كل ما تصح الاستنابة فيه،
ويجوز أن تكون وكيلة في عقد النكاح إيجابا وقبولا، وكذا يجوز أن تكون
32

وكيلة في طلاق غيرها، والأقرب جواز توكيلها في طلاق نفسها، ونقل الشيخ
خلافا عن بعض علمائنا في ذلك وقوى المنع. (1)
4094. السابع: كلما لا يصح للوكيل أن يوقعه مباشرة لا يجوز أن يتوكل فيه،
فلا يجوز للكافر أن يتوكل في نكاح المسلمة، قاله الشيخ (2). والأقرب عندي
الجواز، ولا الطفل ولا المجنون في الحقوق أجمع، إلا فيما يجوز للطفل إيقاعه
مباشرة على ما قلنا في الرواية (3) ولا يشترط عدالة الولي ولا الوكيل في النكاح.
4095. الثامن: يجوز أن يوكل عبده في إعتاق نفسه.
4096. التاسع: يجوز للمكاتب أن يتوكل بجعل من غير إذن مولاه، وليس له
أن يتوكل لغيره بغير جعل إلا مع الإذن.
4097. العاشر: يجوز تعدد الوكلاء، فلو وكل اثنين جاز، وليس لأحدهما
الانفراد بالتصرف في الجميع ولا في البعض إلا أن يجعل له ذلك، ولو جعله
لأحدهما لم يكن للآخر ذلك، ولو وكلهما في حفظ ماله حفظاه في حرز لهما،
ولو غاب أحد الوكيلين لم يكن للآخر التصرف، ولا للحاكم ضم آخر إليه.
ولو ادعى أحد الوكيلين الوكالة، أثبتها الحاكم، وسمع البينة منه، وإن كان
الآخر غائبا، ولم يملك الحاضر التصرف إلا مع حضور الغائب، ولا يحتاج مع
حضوره إلى إعادة البينة.
ولو جحد الغائب الوكالة، أو عزل نفسه، لم يكن للآخر التصرف.
ولو وكلهما في الخصومة، لم يكن لأحدهما الانفراد بها، كغيرها
من الحقوق.

1. المبسوط: 2 / 365.
2. المبسوط: 2 / 365.
3. تقدمت آنفا.
33

4098. الحادي عشر: المسلم يجوز أن يتوكل على مثله لمثله إجماعا، ويكره
أن يتوكل للذمي على المسلم، وليس بمحرم، خلافا للشيخ في بعض أقواله (1)
ويتوكل للذمي على الذمي، وللمسلم على الذمي. وكذا يتوكل الذمي لمثله على
مثله وللمسلم على الذمي، ولا يجوز أن يتوكل على المسلم لا لذمي ولا لمسلم.
4099. الثاني عشر: يستحب أن يكون الوكيل أمينا، ذا بصيرة تامة، عارفا
باللغة التي تنازع بها.
الفصل الخامس: فيما تثبت به الوكالة
وفيه اثنا عشر بحثا:
4100. الأول: لا تثبت الوكالة بدعوى الوكيل، سواء كذبه الغريم أو صدقه،
وإنما تثبت بإقرار الموكل أو البينة - وهي شاهدان عدلان - ولا تثبت بشهادة
النساء منفردات، وإن كثرن، ولا بشهادة رجل وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، وإن
كانت الوكالة بمال.
4101. الثاني: لو شهد عدلان بالوكالة، ثم شهد أحدهما أن الموكل عزله، لم
تثبت الوكالة إن كان قبل الحكم بالوكالة، وإن كان بعده لم تؤثر شهادته في العزل،
ولو شهد ثالث بالعزل، لم يلتفت إلى شهادته قبل الحكم ولا بعده إلا أن يشهد
معه آخر به.

1. الخلاف: 3 / 350، المسألة 15 من كتاب الوكالة.
34

ولو شهدا بالوكالة، ثم شهدا بالعزل بعد أن وكله، فإن كان على وجه
الرجوع عن الشهادة، بطلت الوكالة، إن شهدا بالعزل قبل الحكم، وإن كان بعده،
لم تبطل.
أما لو شهدا لا على جهة الرجوع، فإنه يثبت العزل بشهادتهما.
4102. الثالث: يشترط في ثبوت الوكالة اتفاقهما في الشهادة، فلو شهد
أحدهما أنه وكله يوم الجمعة، والآخر يوم السبت، أو شهد أحدهما أنه وكله
بالعجمية والآخر بالعربية، أو شهد أحدهما أنه قال: وكلتك، والآخر أنه قال:
استنبتك، أو أذنت لك في التصرف، أو ما أشبهه من ألفاظ الوكالة، أو شهد
أحدهما على عقد الوكالة، والآخر على الإقرار بها، أو شهد أحدهما أنه وكله في
بيع عبده، وشهد الآخر أنه وكله وزيدا، أو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه،
والآخر أنه قال: لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلانا، لم تثبت الوكالة.
ولو شهد أحدهما أنه أقر بتوكيله يوم الجمعة والآخر أنه أقر بتوكيله يوم
السبت، أو شهد أحدهما أنه أقر بالعجمية، والآخر انه أقر بالعربية، أو قال
أحدهما: أشهد أنه وكله، وقال الآخر: أشهد أنه استنابه، أو أذن له في التصرف،
من غير حكاية لفظه، أو شهد أحدهما أنه أقر أنه وكيله، والآخر أنه أقر أنه نائبه،
أو وصيه في حياته في التصرف تثبت الوكالة.
ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده، والآخر في بيع عبده وجاريته،
تثبت الوكالة في العبد (1)، وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد، والآخر أنه
وكله في بيعه لزيد وإن شاء لعمرو.

1. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «وكالة العبد».
35

4103. الرابع: لا تثبت الوكالة بخبر الواحد، ولا يجوز للوكيل
التصرف بمجرد الخبر، وإن شرط الضمان مع إنكار الموكل، وكذا لا يثبت العزل
بخبر الواحد، وإن كان رسولا.
ولو شهد اثنان بالوكالة على الغائب، فقال الوكيل: ما علمت هذا وأنا
أتصرف الآن جاز، لأن القبول لا يجب على الفور، ولا يشترط في الوكالة أيضا
حضور الوكيل عقد الوكالة، ولا علمه به، فلا يضر جهله به، أما لو قال: لم أعلم
صدق الشاهدين، لم تثبت وكالته، وإن قال: ما علمت، وسكت، طلب منه
التفسير، فإن فسر بالأول تثبت وكالته، وإن فسر بالثاني بطلت.
4104. الخامس: لو أقام البينة على الغائب بأنه وكله، سمعت بينته، وحكم
على الغائب، ولو قال من عليه الحق: احلف أنك تستحق مطالبتي، لم يجز.
ولو ادعى العزل وأقام بذلك بينة، سمعت وانعزل، وإن لم يقم بينة، لم
يكن له إحلاف الوكيل إلا أن يدعي عليه العلم بالعزل، فيحلف على نفيه.
4105. السادس: تقبل شهادة الوكيل على موكله مطلقا، إذا كان من
أهل الشهادة، وتقبل شهادته له فيما ليس وكيلا فيه.
ولو شهد بعد العزل بما كان وكيلا فيه، سمعت فيه شهادته إن لم يكن
قد شرع في الخصومة عليه، أو كان قد أقامها وردت، وإن كان قد شرع أو
أقامها لم تقبل.
4106. السابع: لو شهد الموليان أن الزوج وكل في طلاق أمتهما، لم
تسمع لجر النفع ببقاء البضع لهما، ولو شهدا بعزل الوكيل عن الطلاق لم تقبل،
لتهمة إبقاء المؤنة.
36

4107. الثامن: لو ادعى الوكالة فشهد له ابناه أو أبواه، قبلت، ولو شهد له أبناء
الموكل، لم تقبل، وتقبل لو شهد له أبواه، ولو ادعى وكالة الغائب، فادعى
الخصم العزل، وشهد له ابنا الغائب، لم تقبل.
ولو قبض الوكيل محضر الموكل، وادعى عزله وبقاء الحق عند الغريم،
وشهد له ابناه، قبلت.
ولو ادعى مكاتب الوكالة (1) فشهد له سيده لم تقبل، ولو شهد له ابنا سيده
قبلت، ولو أعتق، وأعاد السيد الشهادة قبلت.
4108. التاسع: للحاكم أن يحكم بالوكالة بعلمه، فلو شهد بوكالة شخص، لم
يفتقر إلى البينة.
4109. العاشر: لو ادعى الوكالة وأقام شاهدين، سمعها الحاكم، وأثبتها، ولم
يفتقر إلى حضور خصم للموكل.
4110. الحادي عشر: إذا ادعى الوكالة، لم تسمع دعواه في حق موكله قبل
ثبوت وكالته، ولو ادعى رجل مالا على غائب (2) في وجه وكيله، وأقام [المدعي]
بينة، حكم له بعد الإحلاف على إشكال، فإن حضر الغائب وأنكر الوكالة، أو
ادعى العزل، لم يؤثر في الحكم. (3)
4111. الثاني عشر: لو ادعى الوكالة فشهد له اثنان، أحدهما ابن الآخر، قبلت
إجماعا، ولو شهد له أب الموكل قبلت، ولو شهد له ابناه، لم تقبل إن أنكر
الموكل ذلك، وكذا لو كان غائبا أو ساكتا.

1. في «ب»: ولو ادعى لمكاتب.
2. المراد: الموكل.
3. في «ب»: «لم يقبل في الحكم» وجهه: ان القضاء على الغائب نافذ بلا حاجة إلى حضور
الوكيل. لاحظ المبسوط: 2 / 401، والتذكرة: 2 / 143 - الطبعة الحجرية -.
37

الفصل السادس: في التنازع
وفيه عشرون بحثا:
4112. الأول: إذا ادعى الوكالة وأنكر الموكل، فالقول قوله مع يمينه، إذا
لم تكن للمدعي بينة، ولو قال: وكلتك، ودفعت إليك مالا، فأنكر الوكيل الجميع،
فالقول قوله، وكذا لو قال: وكلتك فأنكر.
4113. الثاني: لو زوجه، وأنكر الموكل الوكالة، ولا بينة، فالقول قول
الموكل مع يمينه، فإن صدقت المرأة الوكيل لم ترجع عليه بشئ، وإلا رجعت
عليه بالمهر كملا، اختاره ابن إدريس (1) وروي بنصفه (2).
وقيل: يحكم ببطلان العقد في الظاهر، فإن كان الوكيل صادقا، وجب على
الموكل أن يطلقها ويسوق إليها نصف المهر (3) وفيه قوة.
ولو ضمن الوكيل المهر، رجعت عليه به أجمع، وعلى الرواية ينبغي أن
يرجع بالنصف، والأول أجود، لأن الفرقة لم تقع بإنكاره، فيكون النكاح باقيا 4
في الباطن، فيجب الجميع.
ثم إن صدقت المرأة الوكيل في دعوى الوكالة، لم يجز لها أن تتزوج

1. السرائر: 2 / 95.
2. لاحظ الوسائل: 13 / 288، الباب 4 من كتاب الوكالة، الحديث 1; و ج 14 / 228، الباب 26
من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.
3. لاحظ شرائع الإسلام: 2 / 206.
4. في «ب»: ثابتا.
38

إلا بعد أن يطلقها، والوجه وجوب الطلاق على الموكل، وبه شهدت الرواية. (1)
4114. الثالث: لو ادعى أن فلانا الغائب وكله في التزويج، فزوجها له، ومات
الغائب، لم ترثه المرأة إلا أن يصدقها الورثة، أو يثبت بالبينة.
4115. الرابع: لو صدقه الموكل على الوكالة، وأنكر أنه زوجه، فهنا الاختلاف
في تصرف الوكيل، ففي تقديم قول الموكل إشكال.
4116. الخامس: لو قال لزوجة الغائب: أنه قد طلقك ووكلني في
تجديد النكاح بألف، فأذنت، وعقد بها، وضمن الوكيل الألف، ثم أنكر الموكل،
فالنكاح الأول باق بحاله، فإن صدقت المرأة الوكيل، فهل يرجع على الضامن أم
لا؟ فيه نظر، أقربه الرجوع، وإن لم تصدقه، لم ترجع عليه بشئ.
4117. السادس: إذا اختلفا في صفة الوكالة، كان القول قول الموكل مع
يمينه، فإذا ادعى إذنه في شراء الجارية بعشرين، وقال الموكل: أذنت بعشرة،
قدم قول الموكل مع عدم البينة، فإن كان الوكيل اشترى بعين مال الموكل وذكر
الشراء له في العقد (2) رجعت الجارية إلى البائع.
وإن اشتراها بعين مال الموكل إلا أنه لم يذكره في العقد، فإن صدقه البائع
في أن الشراء بعين مال الموكل، فالحكم ما تقدم، وإن كذبه، حلف على نفي
العلم، فتسقط دعوى الوكيل ويلزمه البيع، ويغرم الوكيل الثمن للموكل، فإن كان
الوكيل كاذبا، فالسلعة للبائع، وعلى البائع ما قبضه من الثمن للوكيل، وإن

1. لاحظ الوسائل: 13 / 288، الباب 4 من كتاب الوكالة، الحديث 4.
2. مثل أن يقول حال العقد: إنه يشتريها لموكله بماله الذي في يده.
39

كان صادقا، فالسلعة للموكل ولا تحل له، فإن أراد استحلالها، اشتراها ممن
هي له باطنا.
وإن اشترى في الذمة وأطلق، لزمه البيع، وإن ذكر أن الشراء لموكله، بطل
البيع، ولا يلزم الوكيل.
وكل موضع قلنا: يبطل فيه البيع، ترجع الجارية إلى البائع، وكل موضع
حكم بصحته، ثبت الملك للوكيل ظاهرا، [وأما في الباطن] فإن كان كاذبا في
نفس الأمر، ثبت له أيضا باطنا، وإن كان صادقا، فالملك باطنا للموكل، فيأمره
الحاكم بالبيع على الوكيل، بأن يقول: إن كنت أذنت لك، فقد بعتك بعشرين،
ويقبل الوكيل، ليحل له الفرج، وليس ذلك شرطا حقيقيا، وإن كانت بصيغته.
فإن أجاب الموكل إلى البيع، ثبت الملك للوكيل باطنا أيضا، وإن امتنع، لم
يجبر، وحينئذ فالأولى أن الوكيل لا يستحل استمتاعها، ويجوز له بيعها واستيفاء
دينه من الثمن، فإن كان وفق (1) حقه، وإلا توصل إلى رد الفاضل إلى الموكل
واستيفاء الناقص منه.
ولو تولى الحاكم بيعها، كان جائزا.
4118. السابع: إذا قال: وكلتك في بيع العبد، فقال: بل في بيع الجارية، أو قال:
وكلتك في البيع بألفين، فقال بل بألف، أو قال: وكلتك في بيعه نقدا، قال: بل
نسيئة، أو قال: وكلتك في شراء عبد، فقال: بل في شراء أمة، فالقول في ذلك كله
قول الموكل مع يمينه وعدم البينة، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة.

1. كذا في النسختين والأنسب «وفى».
40

وإذا قال: وكلتني في شراء هذه الجارية، فقال: بل في غيرها، فالقول قول
الموكل، والحكم فيه كما قلنا فيما إذا اختلفا في ثمنها.
4119. الثامن: إذا باع الوكيل نسيئة، فقال الموكل: إنما أذنت في النقد،
فالقول قوله مع يمينه، فإن صدقه الوكيل والمشتري، كان له انتزاعه مع بقائه ممن
شاء منهما، وإن كان تالفا، رجع بالقيمة على من شاء، فإن رجع على الوكيل،
رجع الوكيل بها على المشتري، وان رجع على المشتري، لم يرجع المشتري
على الوكيل بشئ.
وإن كذباه، فالقول قوله مع يمينه، ويرجع بالعين مع وجودها وبقيمتها
على من شاء منهما مع تلفها، فإن رجع على المشتري، رجع المشتري على
الوكيل بما أخذه منه أولا، وإن رجع على الوكيل، لم يكن للوكيل الرجوع
على المشتري في الحال، فإذا حل الأجل رجع بأقل الأمرين من قيمته
والثمن المسمى.
ولو صدقه أحدهما، كان له الرجوع على من صدقه بغير يمين، والحكم
في المكذب على ما تقدم. ولو أنكر المشتري كون الوكيل وكيلا في البيع، وإنما
المبتاع (1) ملكه، فالقول قوله مع يمينه.
4120. التاسع: إذا قال الوكيل: تلف مالك في يدي، أو الثمن الذي
قبضته، وأنكر الموكل، فالقول قول الوكيل، سواء ادعى تلفه بسبب خفي، أو
ظاهر كالحريق، وكذا كل من في يده أمانة كالأب، والجد والوصي، والحاكم،
وأمينه والمودع، والشريك، والمضارب، والمرتهن، والمستأجر.

1. في «ب»: المتاع.
41

4121. العاشر: لو ادعى تعدي الوكيل، كلبس الثوب، وركوب الدابة،
أو تفريطه في حفظه، فأنكر الوكيل، فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف فلا ضمان
عليه، سواء كان التالف المتاع المأمور ببيعه، أو ثمنه، وسواء كان بجعل، أو غيره.
ولو باع الوكيل، وتلف الثمن في يده من غير تفريط، ثم استحقت العين،
رجع المشتري على المالك لا الوكيل.
4122. الحادي عشر: إذا اختلفا في التصرف، فيقول الوكيل: بعت، أو
قبضت الثمن فتلف، ويقول الموكل: لم تبع أو لم تقبض، احتمل تقديم قول
الوكيل، لإقراره بما له أن يفعله، واحتمل تقديم قول الموكل، لإقرار الوكيل هنا
على الموكل، فلم يقبل، كما لو أقر عليه، وقوى الشيخ الأول (1) وعندي فيه تردد.
4123. الثاني عشر: إذا وكله في الشراء (2) فقال: اشتريته بمائة، فقال
الموكل بخمسين، وهو (3) يساوي المائة، فالقول قول الوكيل على ما اختاره
الشيخ (4) وإن كان الشراء في الذمة، ويحتمل تقديم قول الموكل على ما تقدم،
وإن كان الشراء بالعين.
4124. الثالث عشر: إذا ادعى الوكيل الرد إلى الموكل، قال الشيخ: إن كان
بغير جعل، فالقول قوله مع اليمين، وإن كان بجعل، فالقول قول الموكل
(مطلقا). (5) ولو قيل: إن القول قول الموكل مطلقا كان حسنا، وكذا الوصي إذا ادعى

1. المبسوط: 2 / 373.
2. في «ب»: في الشراء في الذمة.
3. الضمير يرجع إلى «المبيع» المفهوم من الكلام.
4. المبسوط: 2 / 392.
5. المبسوط: 2 / 372. وما بين القوسين يوجد في «ب».
42

الرد على اليتيم، أو الأب، أو الجد، أو الحاكم وأمينه، والشريك، والمضارب،
ومن حصل في يده ضالة، أما إذا ادعى الوصي أو الولي الإنفاق على الطفل،
فالقول قوله مع اليمين، ولا فرق بين أن يدعي الوكيل رد العين أو الثمن.
ولو أنكر الوكيل قبض المال، ثم ثبت ذلك ببينة، أو اعتراف، فادعى الرد،
أو التلف، لم يقبل قوله، ولو أقام بينة بالرد أو التلف، فالأقرب عدم القبول، أما لو
قال: لا تستحق علي شيئا، أو ليس لك عندي أو قبلي شئ، فإنه تقبل بينته،
وتسمع دعواه.
4125. الرابع عشر: إذا اشترى وادعى الوكالة فيه، كان القول قول المنكر، فإن
كان الوكيل ذكر الشراء له، بطل البيع مع يمين المنكر، وإن لم يذكره، قضي عليه
بالثمن، فإن كان الوكيل صادقا، توصل إلى بيع المتاع، كما تقدم، وإن كان كاذبا،
وقع الشراء له باطنا وظاهرا.
4126. الخامس عشر: لو قال الوكيل: ابتعت لك، فأنكر الموكل، أو قال: ابتعت
لنفسي، فقال: بل لي، فالقول قول الوكيل مع اليمين، ولو اشترى لموكله قيل:
يتخير البائع بين مطالبة الوكيل والموكل، والوجه مطالبة الوكيل مع جهل البائع
بالوكالة، والموكل مع العلم.
4127. السادس عشر: لو طالب الوكيل الغريم، فقال: لا تستحق المطالبة، لم
يسمع قوله، ولو قال: عزلك، أو أبرأني، أو قضيته، فإن ادعى العلم على الوكيل،
توجهت اليمين عليه، وإلا فلا، ولو صدقه، بطلت وكالته.
4128. السابع عشر: لو أقر الوكيل بقبض الدين من الغريم، وصدقه الغريم،
وأنكر الموكل، فالأقرب أن القول قول الموكل على إشكال، ولو أمره ببيع
43

سلعة وتسليمها وقبض ثمنها، فتلفت من غير تفريط، فأقر الوكيل بالقبض،
وصدقه المشتري، وأنكر الموكل، فالقول قول الوكيل، لأن الدعوى عليه، حيث
سلم المبيع ولم يقبض الثمن، ولو ظهر في المبيع عيب، رده على الوكيل، ولو
قيل برده على الموكل، كان أقرب.
4129. الثامن عشر: لو وكله في قضاء دينه (1) فادعاه، وأنكر الغريم،
فالقول قوله مع يمينه، ويطالب الموكل، ثم الوكيل إن كان قد قضاه بحضرة
الموكل، لم يرجع الموكل عليه بشئ، وكذا إن لم يكن بحضرته لكن أشهد عليه
شاهدين، ماتا، أو غابا، أو كان ظاهرهما العدالة، ثم ظهر فسقهما، وإن لم يشهد
عليه، كان له الرجوع، سواء صدقه الموكل وأمره بالإشهاد أو لم يأمره، أو كذبه،
لتفريطه بترك الإشهاد، وإن لم يأمره، أما لو أذن في القضاء بغير إشهاد، أو اعترف
الغريم، فلا ضمان.
ولو قال الوكيل: قضيت بحضرتك، أو قال: أذنت لي في قضائه بغير بينة،
أو قال: أشهدت شاهدين ماتا، فأنكره الموكل، فالقول قول الموكل مع اليمين،
ويحتمل تقديم قول الوكيل.
ولو دفع إلى الوكيل عينا ليودعها عند فلان، فأنكر المستودع، فالقول قوله
مع اليمين، ثم الوكيل إن كان أودع بحضرة الموكل لم يضمن، وإن كان بغيبته،
احتمل عدم الرجوع، وقواه الشيخ 2 وثبوته للتفريط بترك الإشهاد.
ولو اعترف المستودع، فإن كانت العين باقية، كان للموكل استعادتها، أو

1. في «أ»: ديونه.
2. المبسوط: 2 / 377.
44

إبقاؤها، وإن كانت تالفة لم يضمنها المستودع، وفي تضمين الوكيل إشكال،
أقربه العدم.
4130. التاسع عشر: إذا ادعى خيانة وكيله، لم يسمع إلا مع التعيين، وحينئذ
يكون القول قول الوكيل مع يمينه وعدم البينة، ويستحق الجعل إن كان شرط له،
ولو نكل، حلف الموكل ويثبت الخيانة، وقاصه، (1) فإذا كان له جعل على البيع،
كان له المطالبة به من قبل أن يتسلم الموكل الثمن.
ولو قال: وكلتك في بيع مالي، فإذا سلمت الثمن إلي فلك كذا، استحق
الجعل بعد التسليم.
4131. العشرون: إذا ادعى الوكالة عن الغائب في قبض حقه، فإن أقام بينة،
انتزعه، وإن لم يقم بينة، وأنكر الغريم لم يتوجه عليه اليمين، وإن ادعى عليه
العلم، سواء كان الحق دينا، أو عينا، كالوديعة وشبهها، ولو صدقه لم يؤمر
بالتسليم إليه في الدين والعين معا على إشكال في الدين.
فإن دفع إليه مع التصديق أو عدمه، وصدقه الموكل برئ الدافع، وإن كذبه،
فالقول قوله مع اليمين، فإن كان الحق عينا موجودة في يد الوكيل، كان له
أخذها، وله مطالبة من شاء بردها، فإن طالب الدافع، فللدافع مطالبة الوكيل.
وإن تلفت العين، أو تعذر ردها، رجع صاحبها على من شاء (بردها) (2)
وعلى أيهما رجع، لم يكن للمأخوذ منه مطالبة الآخر إلا أن يكون الدافع دفع

1. من الجعل الذي للوكيل على ذمة الموكل.
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
45

العين إلى الوكيل من غير تصديقه في الوكالة، فحينئذ إن رجع المالك عليه، رجع
هو على الوكيل، وكذا لو صدقه، وتعدى الوكيل، أو فرط، استقر الضمان عليه،
فإن رجع على الدافع، رجع الدافع على الوكيل لتفريطه دون العكس.
ولو كان الحق دينا، لم يكن للمالك الرجوع على الوكيل وإن كذبه، بل
يرجع على الدافع خاصة، ويرجع الدافع بما أخذه الوكيل (1) ويكون قصاصا بما
أخذ منه صاحب الحق.
وإن كان قد تلف في يد الوكيل، لم يرجع الدافع عليه إن كان قد صدقه
أولا ولم يفرط، ولو تلف بتفريط، أو لم يكن قد صدقه الدافع، رجع عليه.
ولو جاء رجل وادعى أنه وارث صاحب الحق (خاصة) (2) وأنه قد مات،
فأنكر من عليه الحق، لزمه اليمين على نفي العلم، وكذا يلزم اليمين في كل
موضع لو أقر لزمه الدفع، ولو صدقه، لزمه الدفع إليه في العين والدين إجماعا.
ولو ادعى أن صاحب الحق أحاله عليه، فصدقه، فالوجه وجوب الدفع
إليه، ولو كذبه، توجهت عليه اليمين.

1. في «ب»: فيما أخذه الوكيل.
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
46

الفصل السابع: في الأحكام
وفيه سبعة وثلاثون بحثا:
4132. الأول: يجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها، سواء
كان الموكل غائبا، أو حاضرا، صحيحا، أو مريضا، وليس للخصم أن يمتنع من
مخاصمة الوكيل، وإن كان الموكل حاضرا.
4133. الثاني: كل ما جاز التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكل وغيبته،
سواء كان قصاصا، أو حد قذف، أو غيرهما، وكذا يجوز للوكيل في الطلاق
وإيقاعه، وإن كان الموكل حاضرا، خلافا للشيخ (1).
4134. الثالث: إذا وكله صار بمنزلته فيما وكل فيه، فإن وكله عاما، قام مقامه في
جميع الأشياء، وإن كان خاصا، فكذلك فيما عينه من غير تعد. (2)
وعلى التقديرين إنما يمضي تصرف الوكيل مع اعتبار المصلحة للموكل،
ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن موكله من جهة النطق، أو
العرف، ولو وكله في التصرف في زمن معين، لم يملك (3) التصرف في غيره.
4135. الرابع: ليس للوكيل مخالفة الموكل، فإن فعل، وقف تصرفه

1. النهاية: 319.
2. وفي النسخ «بعد» أو «نقد» والصحيح ما أثبتناه.
3. في «أ»: لم ينفذ.
47

على الإجازة مع تعلق الغرض بالتخصيص، فلو عين له السوق التي يبيع فيها،
فباع في غيرها بذلك الثمن، أو أزيد، قال الشيخ: يصح (1) والوجه إن كان للموكل
غرض في التخصيص، بأن يكون السوق معروفا بجودة النقد، أو كثرة الثمن، أو
حله، أو صلاح أهله، أو المودة (2) بين المالك وبينهم، وقف على الإجازة مع
التعدي، وإلا فالوجه ما قاله الشيخ.
ولو عين له المشتري، لم يجز له بيعه على غيره بذلك الثمن أو أزيد.
4136. الخامس: لو اشترى غير ما عين له شراءه، لم يلزم في حق الموكل،
ثم إن كان قد اشترى بالعين (3)، فالوجه وقوفه على الإجازة، ولو قيل: بالبطلان (4)
وكان قد ذكر الموكل في العقد، أو صدقه البائع، أو أقام بينة، لم يلزم الوكيل البيع،
ورد البائع ما أخذه.
وإن لم يذكره، ولم يصدقه، ولا بينة هناك، حلف البائع على انتفاء العلم،
ولم يلزمه رد شئ.
وكذا لو ادعى البائع أنه باع مال غيره بغير إذنه، فالقول قول المشتري في
الملكية للبائع لا في إذن الغير، وكذا القول قول البائع لو ادعى المشتري أنه باع
مال غيره بغير إذنه، وقال البائع: بل ملكي أو ملك موكلي.
ولو اتفق البائع والمشتري على ما يبطل البيع وقال الموكل: بل البيع
صحيح، فالقول قوله مع اليمين، ولا يلزمه رد ما أخذه عوضا.

1. المبسوط: 2 / 380.
2. في «أ»: لمودة.
3. يأتي الشق الثاني بعد أسطر وهو قوله: «وإن كان الشراء في الذمة».
4. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 249 - 250.
48

وإن كان الشراء في الذمة، ثم نقد العين، فإن أطلق، لزمه البيع دون الموكل،
وإن ذكر الشراء للموكل، بطل في حق الوكيل، والوجه أن الموكل إن أجازه، لزمه،
وإلا بطل في حقه أيضا، وكذا كل من اشترى شيئا في ذمته لغيره بغير إذنه سواء
كان وكيلا لذلك الغير أو لا.
ولو وكله في تزويج امرأة، فزوجه غيرها، فالوجه وقوف العقد على
الإجازة، فإن أجازه لزمه، وإلا فلا، لكن يجب على الوكيل نصف المهر كما
قلناه أولا.
4137. السادس: لو قال: اشتر لي بديني عليك طعاما صح، وكذا لو قال:
اسلفه فيه، وانصرف إلى الحنطة، فإن أسلف في الشعير لم يجز.
ولو قال: اشتر لي خبزا، انصرف إلى المعتاد في موضعه، فلا ينصرف في
بغداد إلى الأرز، وإن كان حقيقة فيه قضى للعادة.
إذا ثبت هذا، فإذا سلم الوكيل الثمن إلى البايع برئ من الدين، وإذا قبض
الطعام كان أمانة في يده.
ولو لم يكن عليه دين، فقال: أسلف ألفا من مالك في كر طعام قرضا علي،
ففعل، فالأقرب الصحة، فإذا أداها، كانت دينا على الآمر.
وكذا لو قال: اشتر به عبدا، سواء عينه أو لم يعينه، وكذا لو قال: أسلف ألفا
في كر، واقض الثمن عني من مالك، أو من الدين الذي لي عليك، صح، ولو لم
يسم الوكيل الموكل، ثم قال: أسلمت لنفسي، وقال الموكل: لي، فالقول قول
الوكيل مع يمينه، ويدفع الألف إلى الموكل.
49

ولو اتفقا على الإطلاق من غير قصد له أو لموكله، فالوجه أنه للوكيل.
4138. السابع: إذا وكله في عقد فاسد، لم يملكه، ولا يملك الصحيح أيضا. (1)
4139. الثامن: لو وكله في شراء عبد أو غيره، لم يملك العقد على
بعضه، سواء عقد على البعض الآخر أو لا، إلا أن يأذن في تعدد الصفقة، وكذا لو
وكله في بيعه.
ولو وكله في شراء عبيد، وأطلق، ملك العقد جملة، وواحدا واحدا، وكذا
لو أذن في بيعهم على إشكال، أما لو نص على التعيين في البيع أو الشراء، فإنه لا
يجوز له المخالفة.
ولو قال: اشتر [لي] عبدين صفقة، فاشترى عبدين لاثنين شركة بينهما، أو
لكل منهما عبد منفرد من وكيلهما، أو من أحدهما، وأجاز الآخر صح، ولو
اشتراهما منهما صفقتين لم يجز، وإن قبل بلفظ واحد منهما، ويقع للوكيل إن لم
يذكر الموكل.
4140. التاسع: إذا أمره بالشراء بالعين، لم يكن له أن يشتري في الذمة،
ولو أمره أن يشتري في الذمة، لم يكن له أن يشتري بالعين، ولو أطلق انصرف
إلى الشراء بهما.
4141. العاشر: إذا أطلق الإذن في البيع، انصرف إلى الحال بنقد البلد
لا النسيئة، وكذا الشراء، ولو كان في البلد نقدان، باع بأغلبهما، فإن تساويا، باع بما
شاء منهما.

1. وجهه أن الموكل لم يأذن فيه.
50

ولو عين النقد أو النسيئة لم يجز المخالفة، فلو أمره بالبيع نقدا، فباع نسيئة
لم يجز، وكذا لو أمره بالبيع نسيئة فباع نقدا بثمن المثل، أو بما عينه المالك أو
بأزيد منهما إن تعلق بالتأجيل غرض صحيح، وإلا جاز.
ولو وكله في الشراء نسيئة، فاشترى نقدا، لم يلزم الموكل، ولو أذن في
الشراء نقدا، فاشترى نسيئة بالثمن الذي قدره، أو أقل، فالوجه الوقوف على
الإجازة مع حصول الغرض وإلا صح مطلقا.
4142. الحادي عشر: إذا عين له الثمن في المبيع لم يلزمه البيع لو باع
بأقل، بل يقف على الإجازة، وكذا الشراء، ولو أطلق له البيع، انصرف إلى البيع
بثمن المثل لأيهما شاء، وكذا لو أذن في الشراء اقتضى أن يشتري بثمن المثل،
وللشيخ قول بأن الوكيل يضمن تمام ما حلف عليه المالك، ويمضى البيع (1).
فعلى هذا لو أطلق، فباع بدون ثمن المثل، لزم الوكيل الباقي من ثمن
المثل، وهل يضمن الوكيل التفاوت بين ما باعه به، وبين ثمن الفثل، أو بين ما
يتغابن الناس به، وما لا يتغابن؟ الأقرب الأول، وهذا كله على قول الشيخ.
أما على ما اخترناه نحن أولا فلا، ولو قدر له الثمن، لم يكن له بيعه بأقل
منه، وإن كان يسيرا، ولو لم يقدر فباع بدون ثمن المثل بما يتغابن الناس بمثله،
فالوجه الصحة.
ولو حضر من يشتري بأزيد من ثمن المثل، لم يجز للوكيل بيعه بثمن
المثل على الدافع ولا على غيره، ولو باعه بثمن المثل، فجاء من يزيد عليه في
مدة الخيار للوكيل، فالوجه أنه لا يجب عليه الفسخ.

1. النهاية: 407 - كتاب المتاجر، باب أجرة السمسار والدلال... -.
51

4143. الثاني عشر: لو أمره بالبيع بثمن، فباع بأزيد، لزم البيع، سواء
كانت الزيادة من جنس الثمن، أو لا، أما لو كان الثمن أو بعضه من غير جنس
الثمن، افتقر إلى الإذن، فإن أمضاه، وإلا فسخ، ولو باع بأقل، وقف على الإجازة.
ولو ادعى الوكيل الإذن به، فأنكر المالك، فالقول قوله مع يمينه، ثم تستعاد
العين إن كانت باقية، ومثلها أو قيمتها إن كانت تالفة، فإن تصادق الوكيل
والمشتري على الثمن، ودفع الوكيل السلعة إلى المشتري، وتلفت في يده،
رجع الموكل على من شاء منهما، لكن إن رجع على المشتري، لم يرجع
المشتري على الوكيل، وإن رجع على الوكيل، رجع الوكيل على المشتري بأقل
الأمرين من ثمنه وما اغترمه.
4144. الثالث عشر: لو وكله في بيع عين بثمن، فباع بعضها بذلك الثمن،
أو وكله مطلقا، فباع البعض بثمن مثل الجميع، فالأقرب ثبوت الخيار للمالك بين
الإجازة والفسخ، مع قرب القول باللزوم، فحينئذ يجوز له بمجرد الوكالة الأولى
بيع الباقي من العين ظاهرا.
وكذا لو وكله في بيع عبدين بمائة، فباع أحدهما به، أما لو أمره ببيع عبده
بمائة، فباع بعضه بأقل، لم يلزم إجماعا.
ولو وكله مطلقا، فباع بعضه بأقل من ثمن المثل لم يجز.
4145. الرابع عشر: لو أذن له في الشراء بثمن معين، فاشتراه بأقل لزم، إلا
أن يقول: لا تشتر بأقل، فمتى اشتراه بالأقل بطل.
ولو قال: اشتره بمائة ولا تشتر بخمسين، لم يكن له شراؤه بخمسين،
52

وله أن يشتريه بأزيد من الخمسين، وأقل من المائة، والأقرب أنه يجوز أن
يشتريه بأقل من الخمسين.
ولو قال: اشتره بمائة دينار، فاشتراه بمائة درهم، فالأقرب الوقوف
على الإجازة.
ولو قال: اشتر نصفه بمائة، فاشتراه أجمع أو أكثر من النصف بها،
صح البيع.
ولو قال: اشتر نصفه بمائة ولا تشتر الجميع، فاشترى أكثر من النصف
وأقل من الجميع بالمائة، جاز كما تقدم.
4146. الخامس عشر: لو وكله في شراء عبد موصوف بمائة، فاشتراه
على الصفة بدونها جاز، وإن خالف في الصفة، واشتراه بأكثر منها، لم يلزم
الموكل، ولو اشترى ما هو بأزيد من تلك الصفة بالمائة أو أقل جاز، ولو اشترى
ما دون الصفة بالمائة أو أقل لم يجز.
ولو قال: اشتر لي عبدا بمائة، فاشترى عبدا يساوي مائة بها أو بدونها جاز،
ولو كان لا يساوي مائة لم يجز، ولو كان يساوي أكثر، واشتراه بها جاز، وإن
اشتراه بأكثر، لم يجز.
4147. السادس عشر: لو وكله في شراء عبد بمائة، فاشترى عبدين
يساوي كل واحد أقل من مائة، لم يجز، وإن ساويا المائة، (1) وإن ساوى
كل واحد أو أحدهما المائة جاز، ولزم الموكل، ولا يلزم أحدهما بالنصف،
ويتخير في إمساك الآخر بالباقي، أو يرده، ويرجع على الوكيل بالنصف،

1. في «أ»: وإن تساويا المائة.
53

ولا يلزمه أحدهما، ويلزم الوكيل الآخر، ويرجع الموكل عليه بالنصف.
ولو باع الوكيل أحد العبدين بمائة، وقف على إجازة الموكل، ولو كان
وكيلا مطلقا، لزم البيع، وحديث (1) عروة البارقي (2) محمول على أحد هذين.
4148. السابع عشر: إطلاق الإذن في الشراء ينصرف إلى السليم، فلا يملك
شراء المعيب، فإن اشترى المعيب لم يلزم الموكل، ولو لم يعلم بالعيب، كان
للوكيل الرد مع العلم، وللموكل أيضا، فإن رضي قبل رد الوكيل، لم ينفذ الرد.
ولو قال البائع للوكيل: اصبر بالرد حتى يحضر الموكل لم تلزمه الإجابة،
فإن أخره على ذلك ثم حضر الموكل فلم يرض به، لم يسقط رده، وإن قلنا
بثبوت الرد على الفور.
ولو ادعى البائع علم الموكل ورضاه، افتقر إلى البينة، فإن فقدت، لم
تتوجه اليمين على الوكيل إلا أن يدعي العلم، فيحلف على نفيه.
فإن رد الوكيل، وحضر الموكل، واعترف بقول البائع، أو قامت به البينة،
بطل الرد، ويسترجعه الموكل، وللبائع رده عليه إن لم يشترط في عزل الوكيل
علمه وإلا فلا على إشكال.

1. رواه البخاري في صحيحه: 4 / 252; والدار قطني في سننه: 3 / 10، برقم 29 - 30; والترمذي
في سننه: 3 / 559، برقم 1258; وأبو داود في سننه: 3 / 256، برقم 3384; وأحمد بن حنبل
في مسنده: 4 / 375; وابن قدامة في المغني: 4 / 259.
2. عروة بن الجعد ويقال: ابن أبي الجعد. ويقال عروة بن عياض بن أبي الجعد الأزدي البارقي،
وبارق جبل نزله سعد بن عدي بن مازن، أنظر ترجمته في أسد الغابة: 3 / 403; تهذيب
التهذيب: 7 / 178; وتهذيب الكمال في أسماء الرجال: 20 / 5.
54

ولو رضيه الوكيل، كان للموكل بعد حضوره الرد، إلا أن ينكر البائع الشراء
للموكل، ولا بينة، فيحلف ويسقط رد الموكل.
ولو أمره بشراء سلعة بعينها، فاشتراها ثم وجدها معيبة، ففي ملك الوكيل
للرد إشكال، أقربه ذلك، ولو علم الوكيل العيب قبل الشراء، فهل له الشراء؟ يبنى
على ملك الرد مع العلم به بعد البيع.
4149. الثامن عشر: إذ اشترى الوكيل لموكله، انتقل الملك إلى الموكل
من البائع، من غير أن يدخل في ملك الوكيل، فلو وكل المسلم ذميا في شراء
الخمر، أو خنزيرا فاشتراه، لم يصح الشراء.
ولو باع الوكيل بثمن معين، ثبت الملك للموكل في الثمن، ولو كان الثمن
في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة به، وثمن ما اشتراه في الذمة ثابت في ذمة
الموكل لا الوكيل، وللبائع مطالبة الموكل خاصة، ولو أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل،
ولو أبرأ الموكل برئ الوكيل أيضا.
ولو دفع الثمن إلى البائع، فوجده معيبا، فرده على الوكيل، كان أمانة
في يده.
ولو وكله في أن يستسلف ألفا في كر طعام، ملك الموكل الثمن ولا
يضمن الوكيل.
ولو دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه، ففعل، فوهب له المشتري منديلا، فالمنديل
للوكيل لا لصاحب الثوب.
4150. التاسع عشر: إذا قال له: بع هذا الثوب بعشرة، فما زاد عليها فهو
لك، كان للوكيل أجرة المثل، والزيادة للمالك.
55

4151. العشرون: إذا وكله في الخصومة لم يقبل إقرار الوكيل عليه
بقبض الحق ولا غيره، سواء أقر في مجلس الحكم بحد، أو قصاص، أو غيرهما،
أو في غير مجلس الحكم، ولا يملك الابراء على الحق، ولا المصالحة عليه.
ولو أذن في إثبات الحق والمحاكمة عليه، لم يملك قبضه، وبالعكس،
سواء كان دينا، أو عينا، وسواء علم الموكل بجحود الغريم أو لا.
4152. الواحد والعشرون: إذا وكله في البيع، كان وكيلا في تسليم المبيع إلى
المشتري بعد إيفاء الحق (ولا يملك الإبراء من ثمنه) (1)، ولا يملك قبض الثمن،
لكن ليس له تسليم إلا بقبض الثمن للمالك، أو حضوره، فإن سلمه من غير
قبض، ضمنه، ولو قيل بالملك مع القرينة، - كما لو أذن في بيع الثوب في السوق
الذي يضيع الثمن بترك قبض الوكيل فيه - وعدمه 2 مع انتفائها، كان وجها.
4153. الثاني والعشرون: إذا وكله في البيع، أو القسمة، أو مطالبة الشفعة،
لم يكن إذنا في التثبيت، وهل يملك المأذون له في البيع مطلقا جعل الخيار
للمشتري؟ الأقوى أنه ليس له ذلك، بل إما لنفسه أو لموكله.
4154. الثالث والعشرون: لو وكله في شراء شئ، ملك تسليم ثمنه،
وحكم قبض المبيع، كحكم قبض الثمن كما تقدم، ولو اشترى عينا وسلم الثمن،
فخرجت مستحقة، فالأقرب أنه ليس له مخاصمة البائع في الثمن، ولو اشترى،
وقبض السلعة، وأخر التسليم من غير عذر، فهلك الثمن، ضمنه، ولا ضمان إلا
مع التفريط.

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. عطف على قوله «بالملك».
56

4155. الرابع والعشرون: لو وكله في قبض دين فلان (1) فمات، نظر
في لفظه، فإن وكله في قبض الدين منه، لم يكن إذنا في القبض من الوارث، وإن
وكله في قبض الدين الذي على فلان، كان له مطالبة الوارث، وكذا لو قال:
اقبض حقي من فلان، فوكل فلان من يدفع إليه، كان للوكيل القبض من الوكيل.
4156. الخامس والعشرون: إذا قبض الوكيل الحق كان أمانة في يده،
لا يضمنه إلا مع التعدي أو التفريط، ولا يلزمه تسليمه قبل طلبه، ولو طلبه فأخر
دفعه مع انتفاء العذر ضمنه، ولو ادعى الموكل المطالبة، فالقول قول الوكيل مع
عدم البينة، فإن نكل عن اليمين حلف المدعي وألزمه الضمان، ولو وعده برده،
ثم أعاده قبل الطلب أو التلف كذلك لم تسمع دعواه ولا بينته على إشكال، ولو
صدقه الموكل برئ، ولو لم يعده، بل منعه ومطله، ضمن مع التلف، ولو ادعاه أو
الرد قبل الطلب، لم يقبل قوله، ولو أقام بينة سمعت.
4157. السادس والعشرون: لو كان له دراهم على زيد، فبعث رسولا
في طلبها، فأنقد له دينارا ذهبا، فضاع من غير تفريط، كان من مال الباعث، ولو
بعث دراهم كان من مال المالك، ولو أخبر الرسول الدافع بإذن المالك في قبض
الدينار، كان من ضمان الرسول.
ولو وكله في قبض ثوب، فقبض اثنين، فتلف الزائد، ضمنه الدافع،
ويرجع به على الرسول، ويجوز الرجوع على الرسول، ولا يرجع به على أحد.
ولو وكله في قبض الدين، فأخذ به رهنا، لم يصح، ولا يضمنه الوكيل لو

1. في «ب»: في قبض دين على فلان.
57

تلف من غير تفريط، لأن صحيح العقد وفاسده مستويان (1) في الضمان، ولو دفع
إليه دراهم ليشتري بها شيئا، فمزجها بغيرها، ضمن لو تلفت، سواء تلف ماله
معها أو لا، إلا أن يكون قد أذن في المزج، أو مزجها مزجا يتميز بعضه
عن الآخر.
4158. السابع والعشرون: لو أمره بالإيداع، فأودع من غير إشهاد،
فالأقرب عدم الضمان مع إمكانه، ولو ادعى الوكيل الإيداع وأنكر الموكل،
فالقول قول الوكيل مع يمينه، ولو أنكر المودع فالقول قوله مع اليمين.
4159. الثامن والعشرون: كل من عليه حق، له الامتناع من تسليمه إلى
ربه حتى يشهد عليه بالقبض، سواء كان به بينة أو لا، وسواء كان من عليه الحق
يقبل قوله في الرد من غير بينة كالمودع، أو لا كالغاصب، ما لم يؤد الإشهاد إلى
تأخير الحق، فإن أدى، فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل قول الدافع فيه مع
اليمين، فإن أخر ضمن، وإذا أشهد على نفسه بالقبض، لم يجب عليه تسليم
الوثيقة بالحق ولا تمزيقها، بل له إبقاؤها في يده.
4160. التاسع والعشرون: الذين يلون أموال غيرهم ستة: الأب، والجد
له، ووصيهما، والحاكم وأمينه، والوكيل، قال الشيخ: ليس لأحدهم أن يشتري
لنفسه من نفسه مال من هو ولي عليه، سوى الأب والجد (2).
وكذا يجوز أن يبيع الأب والجد عن أحد الولدين ويشتري للآخر، دون
الأربعة الباقية، فليس للوصي أن يشتري مال اليتيم، وإن زاد في القيمة على مبلغ
ثمنه في النداء، أو تولى النداء غيره، وكذا الوكيل.

1. في «ب»: يستويان.
2. المبسوط: 2 / 381; والخلاف: 3 / 346، المسألة 9 من كتاب الوكالة.
58

أما لو وكله في شراء شئ، لم يجز له أن يعطيه من عنده إلا بعد إعلامه،
وإن كان الذي يعطيه أجود، وكذا ليس لغير الأب والجد أن يبيع على وكيله، أو
ولده الصغير، أو عبده المأذون. ويجوز أن يبيع على ولده الكبير، ووالده،
وزوجته، ومكاتبه، وطفل يلي عليه.
ولو وكله في تزويج امرأة غير معينة، جاز له أن يزوجه ابنته.
ولو أذنت له المرأة في تزويجها فهل له أن يزوجها؟ الأقرب المنع،
والأولى أن له أن يزوجها بابنه وإن كان صغيرا، وكذا بوالده.
ولو وكله في بيع عبد وآخر في شراء عبد، فالأقرب جواز توليه
طرفي العقد.
ولو وكله المتداعيان في الخصومة عنهما، لم أستبعد جوازه، وقال الشيخ:
الأحوط المنع (1).
ولو وكله، وأذن له في الشراء لنفسه، أو خيره بين بيعه على غيره وعلى
نفسه، جاز، أن يشتري لنفسه، سواء عين الثمن أو أطلق.
وكذا يجوز لو وكل عبدا في شراء نفسه من مولاه، أو يشتري له عبدا غيره
منه، وهل يجوز للعبد أن يشتري نفسه من مولاه لنفسه؟ فيه نظر، لكن لو قلنا به
سوغناه بشرط إعلام المولى، وأن يكون الثمن مما يتجدد ملكه بعد الإعتاق،
وأن يكون للعبد أهلية التملك مع إذن المولى، فعلى هذا لو قال العبد: اشتريت
نفسي لزيد، وصدقه سيده وزيد جاز، ولزم زيدا الثمن.

1. المبسوط: 2 / 382.
59

ولو قال السيد: إنما اشتريت نفسك لنفسك عتق العبد، وعليه دفع الثمن
إلى مولاه، ولو اتفق زيد والعبد على أن الشراء لزيد، فالوجه انتقاله إلى زيد،
وثبوت الثمن عليه، لكن ليس للسيد مطالبته به، بل يأخذه العبد أو الحاكم منه،
ويسلمه إلى البائع، ولو صدقه السيد، وكذبه زيد في الوكالة، حلف وبرئ واسترد
السيد العبد، وإن كذبه في الشراء لنفسه مع اعترافه بالوكالة، فالقول قول العبد.
4161. الثلاثون: إذا وكل عبده في إعتاق نفسه، أو امرأته في طلاقها جاز، ولو
وكل العبد في إعتاق عبيده، والمرأة في طلاق نسائه، فالأقرب أن العبد يملك
إعتاق نفسه، والمرأة طلاق نفسها عملا بالعموم، ويحتمل عدمه عملا بانصراف
الإطلاق إلى التصرف في غيره.
ولو وكل غريما له في إبراء نفسه، صح، سواء عين أو أطلق، وإن وكله في
إبراء غرمائه، فالاحتمال في دخوله وعدمه كما تقدم.
ولو وكله في حبس غرمائه، فالأقرب عدم دخوله. وكذا لو وكله في
خصومتهم، لم يملك خصومة نفسه.
ولو وكل المضمون له المضمون عنه في ابراء الضامن، صح، ويبرأ
المضمون عنه.
ولو وكل الضامن في إبراء المضمون عنه، لم يصح، ولم يبرأ الضامن.
ولو وكل الكفيل في إبراء المكفول، فأبرأه، برئا معا.
ولو وكله في إخراج صدقة على المساكين، وهو منهم، جاز أن يأخذ مثل
ما يعطي غيره، لا يفضل نفسه عليهم، ولو عين لم يجز الأخذ إذا لم يدخله،
وكذا لو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل وهو يدخل فيهم.
60

ولو قال: أعط غيرك، لم يجز له الأخذ منه، ويجوز أن يعطي منه ولده
ووالده وزوجته دون مملوكه.
4162. الواحد والثلاثون: إذا وكله، ملك التصرف أبدا ما لم يقيد بوقت،
أو يحصل أحد الأسباب الموجبة للفسخ، أو ما يدل على الرجوع عن الوكالة،
فلو وكله في طلاق زوجته، مع قيام الخصومة بينهما، ثم اصطلحا، فالأقرب
بطلان الوكالة على إشكال، وكذا لو وطئها، أو قبلها، أو لامسها، أو فعل بها ما
يحرم على غير الزوج، فعلى هذا لو عادت الخصومة، افتقر إلى تجديد عقد
الوكالة على تردد.
ولو وكله في بيع عبد، فأعتقه، أو باعه بيعا صحيحا، أو دبره، أو كاتبه،
بطلت الوكالة. ولو باعه فاسدا لم تبطل.
4163. الثاني والثلاثون: لو قال: اشتر لي ولك العبد بخمسمائة،
فاشتراه للموكل لزمه النصف وحكم النصف الآخر ما تقدم، من أنه إن ذكره،
وقف على الإجازة، وإلا وقع لنفسه، ولو اشتراه وآخر بألف، كان مخالفا، وكذا
لو قال: بعه بخمسمائة، فباعه مع عبد له بألف وقيمتهما سواء.
4164. الثالث والثلاثون: لو أمره ببيع عبده على أن يجعل الخيار له
شهرا، فباعه، وجعل الخيار ثلاثة أيام، لم يصح. وكذا لو كان أقل، والوجه الجواز
لو كان أكثر.
4165. الرابع والثلاثون: إذا وكله في عتق عبده، فعتق نصفه أو
بالعكس، فالأقرب الصحة، وينعتق الجميع فيهما.
61

ولو وكله في تزويج امرأة، وعين المهر لم يجز له التجاوز، فإن زوجها
بأكثر، لم يلزم الموكل، ووقف على الإجازة، فإن لم يرض، ففي الرجوع إلى مهر
المثل أو إلزام الوكيل بالزائد إشكال.
ولو اختلفا في الإذن، فالقول قول الموكل مع يمينه، ثم إن صدقت المرأة
الوكيل، لم ترجع عليه بشئ، وإلا كان الحكم ما تقدم من التردد، ولو لم يسم
انصرف الإطلاق إلى مهر المثل، فلو تجاوز بما فيه غبن فاحش، لم يجز.
ولو أذن له في التزويج مطلقا، انصرف إلى الكفؤ، فلو زوجه من غيره،
وقف على الإجازة، ولم يلزمه النكاح (1).
ولو زوجه ابنته الكبيرة أو الصغيرة جاز، ولو زوجه عمياء أو نحوها لم
يجز مع انتفاء المصلحة، ولو أذن له في التزويج بفلانة، وهي حرة، فارتدت
ولحقت بدار الحرب، فالأقرب عدم الجواز لتطرق الملكية إليها.
4166. الخامس والثلاثون: لو وكله في إجارة داره، انصرف الإطلاق
إلى أجرة المثل بنقد البلد، فلو آجرها بالعروض، فالأقرب الوقوف على
الإجازة، ولا تلزمه الإجارة، وإن زادت قيمتها.
ولو وكله في استيجار أرض، فأخذها مزارعة لم يجز، ولو وكله في
المصالحة عما يستحقه من دم العمد، فصالح على مال قليل، فالأقرب عدم
الجواز، ولو صالح عن الموضحة وما يحدث منها، بخمسمائة درهم، فبرأت
سلم المال كله للمجروح، لا نصف العشر خاصة.

1. في «ب»: ولا يلزمه النكاح.
62

4167. السادس والثلاثون: إذا وكله في شراء شئ، انصرف الإطلاق
إلى الشراء بالأثمان، فلو اشتراه بكيلي أو وزني في الذمة، أو معينا، افتقر إلى
الإجازة، ولم يلزم الموكل.
4168. السابع والثلاثون: إذا حضر رجل مدع عند الحاكم، جاز لخصمه
أن ينفذ وكيله للمنازعة، ولم يجب عليه الحضور بنفسه، وكذا لو حضر، لم
يجب عليه الجواب بنفسه، وجاز له الاستنابة فيه، وكذا البحث في المدعي.
63

كتاب الإجارة
وتوابعها
وفيه مقاصد
65

[المقصد] الأول: في الإجارة
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في العقد
وفيه أحد عشر بحثا:
4169. الأول: الإجارة عقد يقتضي تمليك المنفعة بعوض معلوم، واشتقاقها
من الأجر، وهو العوض. (1)
وهي جائزة بالنص والإجماع، ولا بد فيه من إيجاب وقبول، وليست
بيعا للمنافع.
وعبارة الإيجاب: آجرتك أو أكريتك، والقبول أن يقول: قبلت. ولا ينعقد
بلفظ التمليك مجردا، ولو قرنه بالمنفعة المعينة، مثل أن يقول: ملكتك سكنى
هذه الدار سنة بكذا، انعقد، وفي انعقادها بلفظ العارية إشكال.
4170. الثاني: لو قال: بعتك هذه الدار، ونوى الإجارة، لم ينعقد، ولو

1. ومنه سمي الثواب أجرا، لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبره عن معصيته.
67

قال: بعتك سكناها سنة، فالأقرب عدم الجواز، لاختصاص لفظ البيع بنقل
الأعيان، وهل المعقود عليه المنافع أو العين؟ فيه نظر.
فإن قلنا بالأول، جاز أن يقول: آجرتك منفعة داري، وفي اشتراط تقديم
الإيجاب نظر.
4171. الثالث: الإجارة عقد لازم من الطرفين لا يبطل إلا بالتقايل، أو
أحد الأسباب الموجبة للفسخ، كوجود عيب في الأجر المعين، أو إفلاس
المستأجر به، أو وجود عيب في العين، كانهدام الدار، ولا ينفسخ بالعذر، فلو
اكترى جملا للحج ثم بدا له، أو مرض ولم يخرج، لم يكن فسخ الإجارة، وكذا
لو استأجر دكانا للتجارة، فاحترق قماشه أو تلف ماله، لم يكن له الفسخ، وكذا لو
آجر جمله من إنسان ليحج عليه، ثم بدا للمؤجر أو آجر داره أو دكانه وأراد
السفر ثم بدا له عنه، لم يكن له فسخ الإجارة.
ولو فسخ المستأجر الإجارة قبل انقضاء المدة، لم تنفسخ، وكانت المنافع
مملوكة له لم تزل عنه، وكذا لا تنفسخ لو ترك الانتفاع بها حتى خرجت المدة
اختيارا، ويجب عليه دفع الأجرة، إن لم يكن دفعها، ولو أراد استيفاء بقية
المنافع، جاز في المدة، أما لو خرجت، فليس له المطالبة بالانتفاع عوض ما
تركه ولا أجرته.
4172. الرابع: اختلف علماؤنا، فقال بعضهم: إن الإجارة تبطل بموت أحد
المتواجرين سواء كان الميت المستأجر أو المؤجر. (1) وقال بعضهم: تبطل بموت

1. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 3 / 491، المسألة 7 من كتاب الإجارة، والقاضي في المهذب:
1 / 501 - 502، وابن حمزة في الوسيلة: 267.
68

المستأجر دون المؤجر. (1) وقال آخرون: لا تبطل بموت من كان منهما. (2) وهو
الأقوى عندي سواء كان الموت قبل استيفاء المنفعة أو بعد استيفاء البعض.
ولو مات المستأجر ولا وارث له يستوفي المنفعة، أو يكون غائبا، كمن
يكتري دابة ويموت في طريق مكة، ولا وراث معه، وليس على جمله شئ
يحمله، احتمل فسخ الإجارة هنا في باقي المدة، لوجود ما يمنع المستأجر من
استيفاء المنفعة، كالهدم، والغصب والأقرب عدم الفسخ. ولو كان له عليه متاع
لم تبطل الإجارة، وكذا لو كان هناك وارث يستوفي المنفعة.
4173. الخامس: لو آجر البطن الأول الوقف مدة، ثم انقرضوا في
أثنائها بطلت في الباقي خاصة، فإن كان الموجر قبض مال الإجارة، أخذ
المستأجر من تركته بحصة الباقي.
4174. السادس: إذا آجر الولي الصبي أو ماله مدة يعلم بلوغه فيها، بطلت
في المتيقن وصحت في المحتمل، فلو آجر ابن عشر عشرا، فالوجه صحة
الإجارة في خمس والبطلان في الباقي، ولو آجره خمسا، فبلغ في أثنائها،
فالأقرب ثبوت الخيار للصبي بين الفسخ والامضاء، ولا يلزمه العقد، وقوى
الشيخ (رحمه الله) انتفاء الخيار ولزوم العقد. (3) ثم بعد ذلك أثبت له الفسخ (4) كما قلناه.

1. قال ابن البراج في المهذب: 1 / 501: وعمل الأكثر من أصحابنا على أن موت المستأجر هو
الذي يفسخها لا موت المؤجر.
وقال الشيخ في الخلاف: 3 / 492: وفي أصحابنا من قال: موت المستأجر يبطلها، وموت
المؤجر لا يبطلها.
2. منهم: أبو الصلاح في الكافي: 348، والحلي في السرائر: 2 / 449، ونقله عن السيد المرتضى،
لاحظ السرائر: 2 / 460.
3. المبسوط: 3 / 240; والخلاف: 3 / 500، المسألة 21 من كتاب الإجارة.
4. المبسوط: 3 / 240.
69

أما مدة الحجر عليه، فلا خيار له فيها بعد البلوغ، ولا فرق بين الأب
والجد له، والوصي وغيرهم من الأولياء.
وإذا مات الولي لم تنفسخ الإجارة على ما اخترناه نحن، وكذا لو عزل أو
انتقلت الولاية إلى غيره، وليس للثاني فسخ ما عقده الأول.
4175. السابع: لو آجر عبده مدة، ثم أعتقه في أثنائها، صح العتق، ولا يبطل
عقد الإجارة، وليس للعبد رجوع على مولاه بأجرة المثل، ولا خيار للعبد في
الفسخ، ونفقة العبد إن كانت مشروطة على المستأجر، فهي عليه كما كانت، وإلا
فهي على العبد، ولو افتقر إلى السعي لأجلها، وكانت الإجارة مستوعبة، فالوجه
أنها على العبد أيضا، فإن أنفق عليه المستأجر، أو المعتق، أو استعان بالحاكم أو
ببعض المسلمين، وإلا سعى في قدر النفقة كل يوم، وصرف باقيه إلى
المستأجر، والأقرب احتساب ذلك الزمان على المستأجر على إشكال.
وقال بعض الجمهور: النفقة على السيد فيما إذا لم يشترطها على
المستأجر، لأنه باستيفاء عوض المنافع يكون كالباقي على ملكه، ولعدم قدرة
العبد على نفقة نفسه لشغله بالإجارة (1) ولا نفقة على المستأجر فتتعين على
المولى 2 وليس بمستبعد.
4176. الثامن: إذا باع العين المستأجرة، صح البيع، ولا يقف على
إجازة المستأجر، سواء باعها للمستأجر أو لغيره، ثم إن علم المشتري بالإجارة
لزمه البيع، وإلا تخير بين الفسخ والإمضاء بالجميع، فإن اختار الإمضاء، أو كان
عالما، ملك العين مسلوبة المنفعة إلى حين انقضاء مدة الإجارة، ولا يستحق

1. في «أ»: لشغلها بالإجارة.
2. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 46.
70

تسليم العين إلا حين الانقضاء، فلو فسخ المستأجر الإجارة لحدوث عيب،
فالأقرب رجوع المنفعة إلى البائع لا المشتري.
ولو اشتراها المستأجر صح البيع، والأقرب عدم بطلان الإجارة فيكون
الأجر باقيا على المشتري والثمن أيضا، فيجتمعان للبائع، فإن ردها بعيب لم
تنفسخ الإجارة بفسخ البيع.
ولو قيل بفسخ الإجارة مع شرائه العين، وعدم رجوع المشتري بالمال (1)،
كان وجها.
4177. التاسع: لو ورث المستأجر العين، فإن قلنا موت المؤجر يبطل الإجارة
بطلت في الباقي، ويرجع المستأجر بالأجر على التركة، وإن قلنا بعدم الإبطال،
على ما اخترناه، فالأقرب هنا عدم البطلان إلا أنه لا فرق في الحكم بين الفسخ
والإبقاء.
فلو مات المؤجر وخلف ابنين أحدهما المستأجر، كانت الرقبة بينهما،
والمستأجر أحق بالجميع مدة الإجارة، وعليه نصف الأجرة للآخر، فإن كان قد
دفعها، لم يرجع بشئ على أخيه ولا على التركة.
4178. العاشر: لو تلفت العين المستأجرة، انفسخ العقد بتلفها،
ورجع المستأجر بأجرة الباقي، ولو خرجت معيبة، كان له الفسخ، وليس له
المطالبة ببدلها.
ولو خرجت مستحقة تبينا (2) بطلان العقد، فيرجع المالك على من شاء

1. حاصل هذا الوجه في مقابل الوجه السابق المشار إليه بقوله: «الأقرب» هو انفساخ الإجارة
بالاشتراء ولكن لا يرجع المشتري إلى الأجر الذي دفعه إلى البائع لأنه ملكه بالعقد.
2. أي تبين لنا.
71

منهما بأجرة المثل، فإن رجع على المستأجر رجع على المؤجر، إن كان دفع
إليه، وإلا فلا على إشكال.
ولو علم المستأجر ففي رجوعه بما دفعه إشكال، ولو كان المدفوع أقل
من الأجرة ففي رجوع المستأجر بما رجع عليه من التفاوت مع الجهل نظر،
أقربه عدم الرجوع.
4179. الحادي عشر: لو استأجر شيئا موصوفا، فتلف، لم ينفسخ العقد، ولزم
المؤجر الإبدال، ولو خرجت مغصوبة، طالبه بالبدل، وكان الحكم في رجوع
المالك ما تقدم، ولو وجدها معيبة فردها، كان له الإبدال أيضا.
الفصل الثاني: فيما تصح إجارته
وفيه أربعة وعشرون بحثا:
4180. الأول: كلما صحت إعارته صحت إجارته بمعنى أن كل عين يمكن
استيفاء منفعتها الحكمية مع بقائها، تصح إجارتها، أما ما لا يمكن استيفاء المنفعة
منه إلا بإتلافه، كالطعام، والشمع، فإنه لا يصح عقد الإجارة فيه.
4181. الثاني: تجوز إجارة الأرض للزراعة، وليس بمكروه، سواء كان
بالذهب والفضة، أو المطعوم غير الخارج منها، وسواء كان المطعوم من جنس ما
يخرج منها أو لا، أما لو استأجرها بما يخرج منها، فإنه لا يجوز.
4182. الثالث: لا خلاف بين العلماء كافة في جواز استيجار العقار
72

والدواب، وكذا يجوز أجرة الحمام، سواء شرط على المكتري أن لا يدخله أحد
بغير إزار أو لم يشترط، ويجوز استيجار القناة للزرع بمائها.
4183. الرابع: تجوز إجارة الأعيان المشاهدة والموصوفة، ويثبت له خيار
الرؤية، والأقرب عندي جواز إجارة غير المعين مع الوصف الرافع للجهالة.
ويجب في الأعيان المشاهدة رؤية كلما يتعلق الغرض به، فإن كانت دارا،
احتاج إلى مشاهدة البيوت، ليعرف صغيرها وكبيرها ومرافقها، وإن كانت
حماما، وجب مشاهدة قدره، ليعلم كبرها وصغرها، ومعرفة مائه هل هو من
قناة أو بئر، ويحتاج إلى مشاهدة البئر، وعمقها، ومؤنة إخراج الماء منها،
ومشاهدة الأتون (1) ومطرح الرماد، وموضع الرمل، ومصرف ماء الحمام.
ولو استأجر أرضا، وجب أن يشاهدها لانتفاء معرفتها بالوصف.
وكذا تجوز إجارة العبد، والبهيمة، والثياب، والفسطاط، والخيام،
والحبال، والمحامل، وآلات الدواب، كالسرج، واللجام، والبردعة (2) وآلات
الحرب، كالسيف، والرمح، والقوس، والنشاب.
4184. الخامس: تجوز إجارة الحلي، وثياب الزينة والتجمل، وسواء في
الإباحة إجارة الحلي بجنسه أو بغير جنسه.
4185. السادس: الأقرب جواز إجارة الدراهم والدنانير للنظر والتحلي
بها مدة معلومة، ولو أطلق إجارتهما، فالوجه جوازه، وانصرف الإطلاق إلى

1. الأتون - بالتشديد -: الموقد، ويطلق على أخدود الجبار والجصاص. لسان العرب.
2. البردعة: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه، كالسرج للفرس. المعجم الوسيط: 1 / 48.
73

استعمالهما في النظر والتحلي، ولا يكون قرضا مع الإطلاق، خلافا للشيخ (1).
4186. السابع: يجوز استئجار الشجر والنخل لتجفيف الثياب عليها أو لبسطها
عليها حتى يستظل بظلها، سواء كانت ثابتة، أو مقطوعة، وكذا يجوز استيجار
الحبال لذلك.
4187. الثامن: يجوز استئجار غنم لتدوس له طينا، أو زرعا، وكذا غير الغنم،
ويجوز استئجار الفحل للضراب على كراهية بشرط التقييد بالمرة والمرات
المعينة، وفي الاكتفاء بالمرة نظر، أقربه العدم، إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية
كثيرة فيقدره بالمدة.
4188. التاسع: يجوز استئجار ما يبقى من الأطياب والصندل (2) وأقطاع
الكافور، والند (3) للشم للمرضى وغيرهم مدة معينة، وكذا يجوز استئجار الحائط
ليضع عليه خشبا معلوما مدة معينة.
4189. العاشر: يجوز استئجار دار ليتخذها مسجدا يصلي فيها، وثوب يصلي
فيه، وكذا يجوز استئجار البئر ليستسقي منها أياما معلومة، والسطح للنوم عليه،
واستئجار الفهد والبازي والصقر للصيد مدة معينة، وإجارة كتب العلم التي يجوز
بيعها للقراءة فيها والنسخ منها، واستئجار درج (4) فيه خط حسن ليكتب عليه
ويتمثل منه.

1. المبسوط: 3 / 250; والخلاف: 3 / 510، المسألة 42 من كتاب الإجارة.
2. الصندل: شجر خشبه طيب الرائحة. يظهر طيبها بالدلك أو بالإحراق. المعجم الوسيط: 1 / 525.
3. الند: ضرب من النبات يتبخر بعوده. المعجم الوسيط: 2 / 910.
4. الدرج: الورق. المعجم الوسيط: 1 / 277.
74

4190. الحادي عشر: لو استأجر شمعة ليسرجها ويرد المتخلف وأجرته وثمن
التالف، لم يجز، ولو استأجرها ليتجمل بها ثم يردها من غير إشعال، ففي الجواز
نظر، وكذا التردد لو استأجر طعاما ليتجمل به على مائدته من غير أكل، والأقرب
المنع.
وكذا يجوز استئجار الستور ليعلقها يتجمل بها، وما أشبه ذلك.
ولا يجوز استئجار ما لا بقاء له من المشمومات، كالورد والرياحين للشم،
وفي جواز استئجار الغنم والإبل والبقر، ليأخذ لبنها، ويسترضعها لسخاله، أو
ليأخذ صوفها أو شعرها أو وبرها، إشكال، وقد روى أصحابنا جواز أخذ الغنم
بالضريبة مدة من الزمان.
ولا يجوز استئجار شجرة ليأخذ ثمرها أو شيئا من أعيانها.
4191. الثاني عشر: كلما له منفعة محرمة لا يجوز عقد الإجارة عليه
كالشطرنج، والنرد، وآلات القمار واللهو، من الزمر، والنوح بالباطل، والغناء
كذلك، ولا بأس بأخذ الأجر على النوح بالحق، والغناء في الأعراس.
ويجوز أن يستأجر من يكتب له غناء أو نوحا.
ولا يجوز أن يستأجر من يحمل له خمرا للشرب، أو ميتة للأكل، أو
خنزيرا، ولو استأجره لحمل الخمر طلبا للتخليل، أو الإراقة، أو لنقل الميتة من
منزله، أو محلته إلى خارج البلد، لإزالة الرائحة، لم أستبعد جوازه.
ولا يجوز الاستئجار على كتابة شئ محرم، أو بدعة، أو شعر باطل، أو
كتب ضلال لغير النقض والحجة، وحمل الخمر لأهل الذمة.
ويجوز أن يؤجر نفسه لنظارة كرم الذمي.
75

4192. الثالث عشر: لا بأس بأجرة الحجامة، ويكره مع الشرط، وكذا
يجوز استئجار من يكنس الكنيف، ولكنه مكروه أيضا.
4193. الرابع عشر: لا يجوز أن يوجر داره لمن يتخذها بيعة أو كنيسة
أو يحرز فيها الخمر وإن كان في السواد (1).
4194. الخامس عشر: كلما يحرم بيعه تحرم إجارته إلا الحر والوقف
وأم الولد، فإن هذه تجوز إجارتها وإن حرم بيعها، وما عداها لا تجوز، كالعبد
الآبق، والجمل الشارد، وما لا ينتفع به كسباع البهائم، والطيور التي لا تصلح
للصيد، والأقرب المنع من إجارة المغصوب لغير الغاصب إذا لم يتمكن
من تسليمه.
ولا تجوز إجارة الكلب العقور والخنزير بحال، ويجوز استئجار كلب
الصيد، والماشية، والزرع، والحائط، ولو آجر ما غصب منفعته، فالأقرب المنع،
كمن ادعى إجارة الدار سنة، وانتزعها ظلما من مالكها، والأولى عدم جواز إجارة
هذه السنة لغير الغاصب.
4195. السادس عشر: تجوز إجارة المشاع على الشريك وعلى غيره،
وكذا يجوز أن يوجر داره لاثنين، وأن يوجر نصف داره لواحد والنصف الآخر
طلق، أو يوجره له أو لغيره.
4196. السابع عشر: تجوز إجارة المصحف للنظر فيه والحفظ منه
على إشكال، وكذا تجوز إجارة كتب العلم، والفقه، والأدب، وغير ذلك.

1. السواد: القرى والريف أطراف البلد، وهذا ناظر إلى رد ما قاله أصحاب الرأي من العامة من أنه إن
كان بيته في السواد والجبل فلا مانع منه، وله أن يفعل ما شاء. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 136.
76

4197. الثامن عشر: تجوز إجارة المسلم نفسه للذمي ليعمل له عملا،
وهل يجوز لخدمته؟ الأقرب الكراهية دون المنع، ولا فرق في جواز إجارة نفسه
لعمل معين، أو مطلق في الذمة مدة من الزمان.
4198. التاسع عشر: لا يجوز أن يستأجر الديك ليوقظه وقت الصلاة، ويجوز
استئجار السنور لاصطياد الفأر.
4199. العشرون: لا يجوز الأجر على الأذان والصلاة بالناس، ويجوز
أخذ الرزق من بيت المال.
ويجوز أخذ الأجر على الحج وتعليم القرآن على كراهية شديدة.
ويجوز على بناء المساجد والقناطر وغيرهما، وعلى الرقية (1) ولو كان إمام
المسجد قيما له يفرش حصره، وكنسه، ويغلق فيه، جاز له أخذ الأجرة على
ذلك، لا على الصلاة.
ويجوز الأجر على تعليم الشعر المباح، والحساب، والفقه وأشباهه والخط.
ولا يجوز أخذ الأجرة على ما لا يتعدى نفعه من العبادات المختصة
بصلاة الإنسان لنفسه، وحجه لنفسه، وأداء زكاة نفسه، بلا خلاف.
ويجوز أخذ الأجر على الصلاة عن الغير بشرط أن يكون ميتا.
4200. الحادي والعشرون: يجوز للحر إجارة نفسه بلا خلاف، إما
لعمل معين، كخياطة ثوب، أو مدة من الزمان معلومة، وكذا يجوز الاستئجار

1. رقى المريض رقيا ورقيا ورقية: عوذه. المعجم الوسيط: 1 / 367.
77

لحفر الآبار والأنهار والقنى (1) والعيون، وعلى ضرب اللبن، وعلى البناء، وتطيين
السطوح والحيطان، وتجصيصها، مدة معلومة.
ولا تجوز على عمل معين، لاختلاف الطين بالرقة والغلظ، وأجزاء
السطح بالعلو والنزول، وكذا الحائط.
ويجوز أن يستأجر لنسخ كتب فقه أو حديث، أو شعر مباح، أو سجل، أو
مصحف، ولا يكره، وعلى حصاد زرعه، ورفعه، وتصفيته، وعلى استيفاء
القصاص في النفس وما دونها، وعلى الدلالة على الطريق، وعلى الكيل والوزن
المعلومين بالمدة أو القدر، وعلى ملازمة غريم يستحق ملازمته، وعلى الثمرة،
وعلى بيع ثياب بعينها، وعلى شراء ثياب معينة على إشكال، وعلى البيع على
شخص معين على إشكال أيضا، وعلى خدمته، سواء كان الأجير رجلا، أو
امرأة، حرا، أو عبدا. وحكم النظر بعد الإجارة حكم قبلها، وعلى الإرضاع، سواء
انضم إلى الحضانة أو لا، وعلى الختان وقطع السلع (2) والكحل، والطبيب
للمداواة، وقلع الضرس، والراعي للرعي، وبالجملة على كل عمل
محلل مقصود.
4201. الثاني والعشرون: يجوز استئجار العين المستأجرة، سواء رضي
المالك أو لا، بشرطين: أحدهما أن يوجر لمثله أو دونه في الاستعمال، الثاني أن
يتجرد العقد عن شرط التخصيص، فلو آجره بشرط أن لا يسكن غيره، أو لا

1. القنى: الآبار التي تحفر في أرض متتابعة ليستخرج ماؤها. وهي جمع القناة، كالحصاة
والحصى. مجمع البحرين.
2. السلع والسلعة: ورم غليظ غير ملتزق باللحم يتحرك عند تحريكه. المعجم الوسيط: 1 / 443.
78

يركبه لم تجز المخالفة، واستيجار الأرض (1) للزرع والغراس، والقميص ليلبسه.
4202. الثالث والعشرون: لا يجوز استئجار ما يتعذر استيفاء منفعته، كما
لو استأجر أرضا فيها ماء لا ينحسر عنها، أو ينحسر من غير معرفة بالوقت، ولو
كان ينحسر عنها وقت الانتفاع جاز.
ولو كانت الزراعة ممكنة لكن يخشى عليها الغرق، والعادة غرقها، لم تجز
إجارتها، وكذا لو استأجر الأخرس للتعليم والأعمى للحفظ، وأرضا لا ماء لها
للزراعة، وتجوز للسكون.
ولو أطلق وكان في محل تتوقع الزراعة فيه، فكالمصرح بالزراعة، ولو
كان الماء متوقعا لكن على الندور ففاسد، ولو كان يعلم وجود الماء فصحيح،
ولو كان يغلب وجود الماء بالأمطار، فالوجه الصحة.
4203. الرابع والعشرون: لو استأجر الإبل والبقر، والدواب والحمير، للحمولة
والعمل منفردة ومنضمة إلى صاحبها أو آلتها أو إليهما، ولدياس الزرع، وإدارة
الرحى، واستقاء الماء عليها، ولعمل لم يخلق له مثل أن يستأجر البقر للركوب،
والإبل والحمير للحرث، مع إمكانه، جاز.
والأقرب جواز إجارة الحائط المزوق (2) للنظر إليه، والتعلم منه،
ومنعه الشيخ (3).
وفي استئجار الدلال على كلمة تروج بها السلعة من غير نعت نظر.

1. عطف على قوله: «استئجار العين».
2. في مجمع البحرين: زوقته تزويقا مثل زينته تزيينا وزنا ومعنى.
3. المبسوط: 3 / 240; والخلاف: 3 / 501، المسألة 24 من كتاب الإجارة.
79

الفصل الثالث: في شرائط الإجارة
وهي ستة:
4204. الأول: المتعاقدان، ويشترط فيهما: البلوغ، والعقل، وجواز التصرف.
فلا تصح إجارة الصبي وإن كان مميزا، ولو أذن له الولي على إشكال إيجابا
وقبولا، وكذا المجنون، والمغمى عليه، والسكران الذي لا يعقل، والنائم،
والغائب، والساهي، لانتفاء القصد فيهما، والمكره، والسفيه، والمحجور عليه
للفلس، ويختص منع هذين بالإجارة المتعلقة بأموالهما، فلو آجرا أنفسهما
للعمل، كان جائزا، ولو آجر الراهن، أو المرتهن من دون رضا الآخر
لم تجز.
ولو امتنع أحدهما أو هما معا، وكانت العين مما تصح إجارتها، آجرها
الحاكم، وكذا حكم الشريكين إذا تشاجرا في الإجارة، وللولي التسلط على مال
الطفل والمجنون بالإجارة له، وكذا الوصي والحاكم عنهما مع فقد أولئك وعن
السفيه، والمحجور عليه، والغائب.
4205. الثاني: الأجرة وهي لازمة في العقد وركن فيه، فلو أخل بها
لم تصح، ولزمه مع استيفاء المنفعة أجرة المثل، وكذا لو بطل العقد في
كل موضع، فإنه تثبت أجرة المثل، سواء زاد على المسمى، أو ساواه، أو نقص.
ويشترط كونها معلومة بالوزن أو الكيل فيما يدخلانه، والمشاهدة مطلقا
على إشكال في الاكتفاء بها فيما يدخلانه، وجزم الشيخ بالجواز. (1)

1. المبسوط: 3 / 223.
80

وكلما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز عوضا في الإجارة، فيجوز أن
يكون عينا، أو منفعة أخرى، اتفق جنسها، كسكنى دار بسكنى أخرى، أو
اختلف كاستخدام عبد بالسكنى.
ويجوز، أن تكون مطلقة بشرط الوصف الرافع للجهالة، ومعينة موصوفة
معلومة المقدار، ولا يكره بالطعام الموصوف، ولو استأجر دارا بعمارتها، جاز
مع التعيين، وإلا فلا، وكذا لو استأجر بدراهم ويشترط صرفها إلى العمارة.
ولو استأجر لسلخ الميتة بجلدها، لم يجز، ولو كان للمذكى، قال الشيخ:
يجوز. (1) وعندي فيه نظر لجهالة الجلد، فلا يعلم خروجه سليما، أو معيبا،
وثخينا، أو رقيقا.
ولو استأجره لنقل الميتة بجلدها، ثبتت له أجرة المثل، ولو أستأجره لرعي
الغنم مدة معينة بنصفها أو جزء معلوم جاز، والنماء بينهما من حين العقد على
النسبة، وكذا لو استأجره لرعيها بشياه معينة منها، ولو كانت مجهولة لم تجز
وتثبت أجرة المثل، ولو استأجره بدرها، أو نسلها، أو صوفها، أو شعرها، أو
بعض ذلك لم تجز، وكذا لو استأجره بطعامه، وشرابه، وكسوته، أو بأحدها لم
تجز، سواء كان ظئرا أو غيرها، ولو عين الطعام والشراب والكسوة بما يرفع
الجهالة، جاز بشرط تعيين وقت الدفع.
ولو استأجره بعوض، وشرط الإطعام، والكسوة عليه (2) ففي الجواز نظر،
فإن سوغناه، وتشاحا، رجع في القدر في الإطعام والكسوة إلى قدر كفايته
بمجرى عادته، ولا يقدر الإطعام بمد.

1. الخلاف: 3 / 511، المسألة 44 من كتاب الإجارة; والمبسوط: 3 / 250.
2. في «ب»: والكسوة العادة عليه.
81

وليس له إطعام الأجير إلا ما يوافقه من الأغذية، ولو لم يشترط طعاما ولا
كسوة كانا على نفسه، ولو شرط الأجير طعام غيره وكسوته، جاز بشرط العلم
بالمقدار، وهل يكون ذلك للأجير إن شاء أطعمه وإن شاء تركه، أو للمشروط
له؟ فيه نظر.
ولو استأجر دابة يعلفها، أو بأجر مسمى وعلفها، فإن عينه جاز، وإلا فلا.
ولو شرط طعاما معينا، واستغنى عنه بطعام نفسه، أو غيره، أو عجز عن
الأكل لمرض، أو غيره، لم تسقط نفقته، وطالب بها.
ولو احتاج إلى دواء لمرضه، لم يلزم المستأجر، ويجب دفع قدر
المشترط من الطعام، يشتري به ما يصلح له، ولو شرط الطعام مع الأجرة،
وسوغناه مع الإطلاق، لزمه بقدر طعام الصحيح، ولو استفضل من طعامه، فإن
كان المؤجر دفع إليه أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته، ويسترد الباقي، أو كان
في تركه لأكله ضرر على المؤجر، بأن يضعف عن العمل، أو يقل لبن الظئر، منع
منه، ولو لم يلحقه ضرر في الاستفضال، ودفع إليه الواجب خاصة أو أزيد،
وملكه الباقي جاز له الاستفضال.
ولو قدم الطعام فنهب أو تلف قبل أكله، فإن كان بعد القبض، فهو من
ضمان الأجير، وإلا فمن ضمان المستأجر. ولو كان على مائدة ولا يخصه فيها
بطعامه، فهو من ضمان المستأجر.
ولو قال: بع هذا الثوب بكذا، فما ازددت فهو لك، فالوجه عندي وجوب
أجرة المثل للدلال، والزيادة للمالك، ولا يلزمه الوفاء، ولو باعه بالقدر المسمى،
ثبتت له أجرة المثل أيضا، ولو باعه بنقص، لم يصح البيع، ولو تعذر الرد،
82

ضمن النقص، وللشيخ قول بضمان النقصان مطلقا (1). ولو باعه نسيئة لم يصح.
ولو استأجره لحصد الزرع أو صرام النخل بجزء منه معلوم كالسدس
وشبهه جاز، وكذا لو استأجر الطحان بالنخالة المتبرعة أو بقفيز منها.
ولو شرط للمرضعة جزءا من المرتضع الرقيق بعد الفطام، ولقاطف (2)
الثمار جزءا منها بعد الصرام جاز، وكذا في الحال.
فلو قال: إن خطته اليوم، فلك درهمان، وإن خطته غدا، فدرهم.
فللشيخ قولان أحدهما الجواز، ويلزمه إن عمله في الأول درهمان، وإن
عمله في الثاني درهم (3) والثاني الجواز أيضا، لكن إن عمله في الأول لزمه
درهمان، وإن عمله في الثاني كإن له أجرة المثل، لكن لا يزاد عن درهمين ولا
ينقص عن درهم (4) ولو قيل بالبطلان وثبوت أجرة المثل كان وجها، وأول قول
الشيخ لا يخلو من قوة.
ولو قال: إن خطته روميا - وهو ما يعمل بدرزين - فلك درهمان، وإن
خطته فارسيا - وهو ما يكون بدرز واحد - فلك درهم، جاز على إشكال.
ولو استأجره ليحمل متاعه إلى موضع معين بأجرة معينة في وقت معين،
فإن قصر عنه، نقص من أجرته شيئا، جاز (5)، ولو شرط سقوط الأجرة مع
التقصير، لم يجز، وله أجرة المثل عملا، برواية محمد بن مسلم الصحيحة
عن الباقر (عليه السلام) (6) وهل يتعدى الحكم؟ الوجه ذلك، فلو استأجره إلى مصر

1. النهاية: 408.
2. في مجمع البحرين: قطفت العنب: قطعته.
3. الخلاف: 3 / 509، المسألة 39 من كتاب الإجارة.
4. المبسوط: 3 / 249 - 250.
5. جواب «لو الشرطية».
6. الوسائل: 13 / 253، الباب 13 من كتاب الإجارة، الحديث 1.
83

بأربعين، فإن نزل دمشق فثلاثون، فإن نزل الكوفة فعشرون، ففي الجواز نظر.
ولو اكترى دابة وشرط، إن ردها ليومها فدرهم، ولغدها درهمان، ففي
الجواز نظر.
4206. الثالث: أن تكون المنفعة إما بالتبعية لملك العين أو بانفرادها،
فلو استأجر عينا، جاز أن يؤجرها غيره ممن يساويه أو يقصر عنه في استيفاء
المنفعة، ما لم يشترط المالك عدم ذلك، قبل قبض العين، للمؤجر وغيره أيضا،
والأقرب أنه ليس له إبدال الثوب الذي عين للخياطة، والصبي الذي عين
للارتضاع والتعليم.
ثم المستأجر إن أحدث في العين حدثا، كحفر النهر، وبناء الحائط، وعمل
الباب، وغير ذلك، وإن قل العمل، جاز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، سواء
كان من الجنس أو من غيره، وإن لم يحدث فيها حدثا، ففي جواز إجارتها بأكثر
مما استأجرها من الجنس قولان أقربهما المنع، ولو آجرها بغير الجنس جاز،
سواء كان بالزيادة أو النقصان، ولو آجرها من الجنس بأقل، جاز أيضا.
ولو آجر بالجنس من غير حدث بأزيد، ففي بطلان العقد نظر، ومع القول
بالصحة لا تجب الصدقة بالزيادة، (1) ولو سكن بعض الدار، وآجر الباقي بغير
الجنس، جاز بالزيادة والنقصان، ولو كان من الجنس لم يجز أن يوجره بأزيد إلا
أن يحدث فيه حدثا، ويجوز أن يؤجره بأكثر [من] مال الإجارة.
والصانع إذا تقبل عملا بشئ معلوم لم يجز أن يقبله غيره بأقل من ذلك

1. ناظر إلى رد فتوى أحمد بن حنبل حيث قال: «فإن فعل تصدق بالزيادة». لاحظ المغني لابن
قدامة: 6 / 55.
84

ما لم يحدث فيه حدثا، كقطع الثوب، أو خياطة شئ منه، أو يعطيه خيوطا أو
إبرة، ولو أحدث حدثا جاز أن يقبله بأقل من ذلك الجنس وغيره، وكذا لو لم
يحدث وقبله بأقل من غير ذلك الجنس.
ولو شرط المؤجر استيفاء المنفعة بنفسه فآجرها، ضمن. ولا تجوز إجارة
مالا منفعة له، أو تكون له منفعة لا اعتبار بها في نظر الشرع، أو تكون له منفعة
محرمة، ولا يجوز أن يؤجر مال غيره إلا بإذنه، فإن فعل، فالأقرب وقوفه
على الإجازة.
4207. الرابع: أن تكون المنفعة معلومة
وفيه عشرون بحثا:
4208. الأول: يجب كون المنفعة معلومة لينفى الغرر، فلو كانت
مجهولة، مثل أن يستأجر أحد الدارين لم يجز، والعلم يحصل إما بتقدير العمل،
كخياطة الثوب، وبناء الجدار، ونسخ الكتاب، وإما بتقدير المدة، كالخياطة
شهرا، أو سنة مثلا.
ولو كانت العين مما له عمل، كالحيوان، جاز الوجهان، وإن لم يكن له
عمل، كالدار والأرض، لم يجز إلا على الوجه الثاني.
وهل يجوز تقييد المنفعة بالمدة والعمل معا، كما لو استأجره ليخيط له
هذا الثوب في هذا اليوم؟
قال الشيخ: لا يجوز، لإمكان الفعل في أقل من ذلك الزمان وأكثر (1)

1. المبسوط: 3 / 221.
85

ويحتمل الجواز، لأن الإجارة وقعت على العمل، والمدة ذكرت للتعجيل،
فحينئذ إن فرغ قبل المدة، لم يكن له إلزامه بالعمل في باقيها، وإن خرجت المدة
قبله، فللمستأجر فسخ العقد، فإن فسخ قبل عمل شئ، فلا أجرة، وإن كان
بعده، كان عليه أجرة مثل ما عمل، وإن اختار الإمضاء ألزمه بباقي العمل خارج
المدة لا غير، وليس للأجير الفسخ.
4209. الثاني: إذا قرنت المنفعة بالمدة، وجب أن تكون مضبوطة
لا تتطرق إليها الزيادة والنقصان، كالسنة، والشهر، واليوم.
ولو عقد على ما لا ينضبط، كإدراك الغلات، وقدوم الحاج، لم يجز،
ووجب أجرة المثل مع استيفاء المنفعة، ولو استأجر كل شهر بكذا، ولم يعين
الأشهر، قال الشيخ: يصح ويكون له المسمى في شهر واحد وأجرة المثل في
الزائد (1) والوجه عندي البطلان، وتكون له أجرة المثل في الجميع.
ولو قرنت بالعمل، كخياطة الثوب، وبناء الجدار، اقتضى ذلك التعجيل إن
شرطاه، أو أطلقا.
ولو شرط مدة متأخرة عن العقد، قال الشيخ: لم يجز (2). وعندي فيه نظر.
قال: ولو كانت الإجارة في الذمة، مثل أن يستأجر ظهرا للركوب، جاز أن تكون
معجلة ومؤخرة. قال: ولو أستأجره لتحصيل خياطة خمسة أيام بعد شهر
لم يجز (3).
ولو قال: آجرتك من هذا الوقت شهرا بكذا (4) وما زاد فبحسابه، صح في
الشهر وكان في الزائد أجرة المثل.

1. النهاية: 444; والمبسوط: 3 / 223.
2. المبسوط: 3 / 230.
3. المبسوط: 3 / 229 - 230.
4. كذا في «أ»: ولكن في «ب»: شهرا للركوب بكذا.
86

4210. الثالث: إذا أطلق السنة، وجب احتساب اثني عشر شهرا أهلة، ولو
شرط هلالية، كان تأكيدا، ولو قال: عددية، أو سنة بالأيام، وجب ثلاثمائة
وستون يوما.
ولو استأجر هلالية من أول الهلال، عد اثني عشر شهرا هلالية، ولو كان
في أثناء الشهر عد بعد كماله أحد عشر هلالا، ثم أخذ من الثاني عشر بإزاء ما
خرج من الشهر الأول، وقيل يجب إكمال ثلاثين، وهو حسن، ولا يستوفي
الأحد عشر بالعدد.
4211. الرابع: لو قيد السنة بالرومية، وهي التي سبعة أشهر منها أحد
وثلاثون، وأربعة ثلاثون، وواحد ثمانية وعشرون، وكانا عارفين بحسابها، صح،
ولو جهله أحدهما، أو كلاهما بطلت، ولو قيداها بالقبطية: وهي التي كل شهر
منها ثلاثون ويزيدونها خمسة، لتساوي الرومية، جاز أيضا مع العلم بالحساب،
ومع هذين القيدين تكون مدة الإجارة ثلاثمائة وخمسة وستين يوما.
4212. الخامس: لو آجره إلى العيد، وعينه، حمل على المعين، وإن أطلق،
حمل على الأقرب، ويحتمل البطلان، وتخرج المدة بدخول أول جزء منه، وكذا
لو علقه بشهر يشترك، فيه اثنان ك‍ «جمادى» و «ربيع» ولو علقه ب‍ «رجب» أو
بشبهه من المنفرد، حمل على «رجب» سنته مع احتمال ما قلنا.
ولو علقه بيوم، حمل على أقرب أيام الأسبوع إليه، إلا أن يعين غيره، ولو
علقه بعيد من أعياد الكفار، وهما يعلمانه، صح، وإلا فلا.
4213. السادس: لو آجره إلى العشاء، فآخر المدة غروب الشمس لا
87

زوالها (ولو قال: إلى العشي، فكذلك مع احتمال الزوال على ضعف) (1) ولو قال:
إلى الليل، فهو إلى أوله، وكذا إلى النهار، ولو استأجره نهارا، فهو إلى غروب
الشمس، وليلة إلى طلوع الفجر.
4214. السابع: لو استأجر فسطاطا إلى مكة ولم يعين وقت الخروج،
بطل العقد، وكذا كل ما يستأجر مدة، ولم يعين ابتداءها.
4215. الثامن: لا يشرط في مدة الإجارة اتصالها بالعقد، فلو آجره
«المحرم» وهما في «رجب» صح سواء كانت العين مشغولة بغيره، أو لا، فإن
كانت الإجارة على مدة تلي العقد، لم يحتج إلى ذكر ابتدائها، وإن كانت لا تليه،
وجب ذكر ابتدائها، ولو أطلق، فقال: آجرتك سنة أو شهرا، فالأقرب الصحة،
وابتداء المدة من حين العقد، وإن لم يسم السنة والشهر، فعلى هذا يجوز أن
يؤجر العين الواحدة لاثنين في زمانين قبل أن تنقضي مدة الأول.
4216. التاسع: لا يتقدر أكثر مدة الإجارة بقدر، بل يجوز على ما
تراضيا عليه، وإن تجاوز سنة أو ثلاثين سنة أو أكثر، ولو استأجره شهرا، لم يجب
تقسيط الأجر على الأيام، وكذا لو استأجره سنة لم يحتج إلى تقسيط أجر كل
شهر، وكذا لو استأجره سنتين فصاعدا، لم يجب تقسيط أجر كل سنة، ولو قسط
الأجر على أجزاء المدة، جاز، فإن انهدمت الدار في بعض الأجزاء، سقط ما
سماه في التقسيط، وإن لم يقسط، لزم تقسيط المسمى في أصل العقد،
ورجع بحصته.
4217. العاشر: يجوز استئجار المنازل، والعقار بشرط التقييد بالمدة المعينة،

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
88

ولا بد فيه من المشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة، إن أمكن ضبطه بوصف،
ويثبت له خيار الرؤية.
ولو آجرها للزراعة، فإن كان بحرث جريب معلوم، وجب مشاهدته، أو
وصفه بما يرفع الجهالة، ولا تصح إجارة العقار في الذمة، بل يكون مشاهدا
أو موصوفا.
4218. الحادي عشر: إذا استأجره لعمل معين، فإن قدره بمدة، مثل
أن يستأجره شهرا ليحفر له بئرا، أو نهرا، لم تجب معرفة القدر، وعليه أن يحفر
المدة، وهل يحتاج إلى معرفة الأرض؟ فيه نظر، وإن قدره بالعمل، مثل أن
يستأجره لحفر بئر معينة، أو نهر معين، وجب مشاهدته، ومعرفة دور البئر،
وعمقها، وطول النهر، وسعته، وعمقه، ولو حفر بئرا، وجب أن يشيل (1) التراب،
ولو انهار تراب من جوانبها. أو سقطت فيه بهيمة وشبهها، لم يجب عليه
إخراجه، ولو وقع من التراب الذي أخرجه فيها لزم الحفار إخراجه إلا أن يقع بعد
تسليمها محفورة.
ولو حصل بصخرة (2) أو جماد يمنع الحفر، أو نبع ماء يمنعه، لم يلزمه
حفره، ويتخير في الفسخ، فيثبت له من الأجر بنسبة ما عمل، فيقسط الأجرة
عليه وعلى الباقي، ويأخذ بالنسبة، ولا يقسط على الأذرع.
وفي رواية: من استأجر ليحفر بئرا عشر قامات بعشرة دراهم فحفر قامة
وامتنع من الباقي، بسطت الأجرة على خمسة وخمسين جزءا فما أصاب
واحدا فهو للقامة الأولى، والاثنين للثانية، وهكذا (3) والأول أقرب.

1. شاله شيلا: رفعه. المعجم الوسيط: 1 / 504.
2. أي وصل الحفر إلى الصخرة.
3. الوسائل: 13 / 284، الباب 35، من أبواب الإجارة، الحديث 2.
أقول: ولنا بحث حول الرواية سندا ومتنا أوردناه في إصباح الشيعة: 280 - 281.
89

ولو كانت الصخرة مما يمكن حفرها أو ثقبها مع المشقة، قال الشيخ:
يجب عليه ذلك (1) وعندي فيه نظر.
4219. الثاني عشر: لو استأجره لضرب اللبن، وقرنه بالعمل، افتقر إلى
بيان العدد، وذكر القالب، وموضع الضرب، وما يؤخذ منه الماء، فإن كان هناك
قالب معروف، جازت الحوالة عليه، وكذا لو عين أبعاده.
ولو شرط قالبا غير معروف، وهو مشاهد، فالوجه الجواز.
ولو قرنه بالزمان، لم يفتقر إلى ذلك، سوى موضع الضرب على إشكال.
4220. الثالث عشر: لو استأجره للبناء، فإن قدره بالعمل، افتقر إلى
معرفة المكان، وموضع الماء، وذكر أبعاد الحائط، وآلة البناء من لبن أو حجر،
أو طين.
ولو استأجره لبناء آجر (2) معروف العدد، أو لبن كذلك، ثم سقط الحائط
بعد البناء، استحق الأجر، إن لم يكن بتفريطه، وبناه محكما، ولو فرط، أو بناه
محلولا، فعليه الإعادة، وغرامة ما تلف من الآلة.
ولو استأجره لبناء عشرة أذرع، فرفع بعضها ثم سقط، أعاده وأتم المقدر.
4221. الرابع عشر: إذا استأجره للنسخ، وقرنه بالعمل، وجب ذكر
عدد الأوراق، وقدرها، وعدد السطور، وقدر الحاشية من كل جانب، ودقة
القلم وغلظه.

1. المبسوط: 3 / 237.
2. في مجمع البحرين: الآجر - المد والتشديد أشهر من التخفيف -: اللبن إذا طبخ، والواحدة
آجرة، وهو معرب.
90

ثم الخط إن عرف بالمشاهدة، أو الوصف الرافع للجهالة، جاز وإلا افتقر
إلى مشاهدته، ويجوز تقدير الأجر بأوراق الفرع وبأوراق الأصل، ولو قاطعه
على نسخ الأصل بشئ معلوم جاز، وإذا غلط قليلا تجري به العادة، لم يكن
عليه شئ، وان تجاوز العادة، فهو عيب يرد به.
ولو كان الكاغذ من المستأجر، كان عليه الأرش، ولا يجوز له التشاغل بما
يقتضي غلطه، كالمحادثة وقت الكتابة، وكذا ما يشبه الكتابة كالنساجة.
4222. الخامس عشر: لو استأجره لحصاد الزرع، قرنه إما بمدة معينة، أو
عمل معلوم، وكذا في دوسه (1) أو تصفيته، ونقله إلى موضع معين.
ولو أستأجره للاحتطاب، أو الاحتشاش، جاز، وقرنه بالمدة أو العمل، ولو
آجر نفسه لنقل حطب، وقرنه بالعمل، جاز أن ينقل بغيره معه، وإن قرنه بالمدة،
فإن كان لا ضرر فيه، فالأقرب الجواز، وإن كان فيه ضرر، فالأقرب سقوط ما قابل
فعله مع الثاني من الأجرة، وهكذا حكم كل أجير خاص عمل مع غير مستأجره.
4223. السادس عشر: لو استأجره لاستيفاء القصاص، وقرنه بالعمل
جاز، وكذا إن قرنه بالمدة مع كثرته، وعلى التقديرين فهل الأجرة على المقتص
منه، أو على المستوفي؟ نظر من حيث إن الاستيفاء واجب ولا يتم إلا بالأجرة،
فتجب، كالوزان، ومن حيث إن المقتص منه عليه التمكين، وقد حصل، والأول
فيه قوة.
4224. السابع عشر: لو استأجره ليشتري له ثيابا، قرنه بالمدة،
ولو عين العمل، فجعل له من كل ألف درهم يشتري بها شيئا معلوما، صح،

1. في النسخ: «رفعه» ولعل الصحيح ما أثبتناه بقرينة قول «ونقله».
91

ولو قال: كلما اشتريت ثوبا، فلك درهم أجرا، وكانت الثياب معلومة
بصفة، أو مقدرة بثمن، جاز وإن لم يكن كذلك ثبتت له أجرة المثل.
4225. الثامن عشر: لو أستأجر الحر للخدمة، لم يجز له منعه عن
فرائض الصلوات اليومية وغيرها كالجمع، والأعياد، والآيات، والأقرب أن له
منعه عن النوافل، إن كانت في وقت الخدمة، وكذا العبد.
4226. التاسع عشر: لو استأجر دارا، جاز إطلاق العقد، ولا يجب
ذكر السكنى ولا صفتها، عملا بالإطلاق، ويجوز أن يسكنها بنفسه وعياله، وإن
لم يذكر في العقد، وأن يسكنها غيره ممن يقوم مقامه في الضرر أو دونه.
ويضع فيها ما جرت العادة به من الرحل، والطعام، والثياب، ولا يسكنها
من هو أضر منه، كالقصار، والحداد.
ولا يجعل فيها الدواب الخارجة عن العادة، ولا يجعل فيها شيئا لم يكن
ولم تجر عليه موافقة ولا شاهد حال، مما هو مضر بها، كالرحى، ووضع الأشياء
الثقيلة فوق سطحها، وجعل الطعام في بيوتها على سبيل الإحراز فيها.
ولا يجب ذكر عدد السكان.
ولو اكترى ظهرا ليركبه، جاز أن يركبه غيره ممن هو أخف، ولا يركبه
الأثقل، ولا يشترط التساوي في الطول، والقصر، والمعرفة بالركوب، وليس
للمالك منعه عن ذلك، ولو شرط في العقد اختصاص المستأجر باستيفاء
المنفعة، لزم.
4227. العشرون: لو استأجر للرضاع دون الحضانة، أو الحضانة
92

دون الرضاع، أو لهما معا، جاز، ولو أطلقا العقد (1) على الرضاع، فالأقرب عدم
دخول الحضانة فيه.
والحضانة: تربية الصبي وحفظه، وجعله في سريره، وأخذه منه، وكحله،
ودهنه، وتنظيفه، وغسل خرقه وثيابه وأشباه ذلك، واشتقاقها من الحضن، وهو
ما تحت الإبط تشبيها بحضانة الطير للفراخ والبيض.
ويجوز استئجار المرضعة على إرضاع من لها فيه نصيب، ولا بد في
الرضاع من تعيين المدة، ومعرفة الصبي بالمشاهدة، وموضع الرضاع،
ومعرفة العوض.
وهل المعقود عليه في الرضاع، خدمة الصبي وحمله ووضع الثدي في
فمه، ويكون اللبن تابعا، كماء البئر في الدار، والصبغ في الصباغة، أو اللبن؟
الأقرب الثاني، ولهذا تستحق الأجرة بالرضاع، وإن لم تخدمه دون العكس،
وكون المنفعة عينا للرخصة (2).
وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب ما يكثر به اللبن ويدر، ويصلح به،
وللمستأجر مطالبتها به، وعليها السقي (3) بمجرى العادة.
ولا يجب صرف اللبن بأجمعه إلى الولد لئلا يتلف ولدها، أو يتضرر، ولو
اسقته لبن الغنم، لم تستحق أجرا، ولو دفعته إلى خادمتها، فأرضعته، فالوجه أنه
لا أجرة لها، ولو اختلفا في الإرضاع، فالقول قولها مع اليمين.

1. في «ب»: ولو أطلق العقد.
2. أي الغالب في الإجارة كون المنفعة غير العين، بخلاف المقام فإنها هي العين (اللبن) وانما
رخص للضرورة.
3. سقي المرتضع.
93

ويجوز أن يؤجر أمته، ومدبرته، وأم ولده، والمأذون لها في التجارة،
للرضاع، وليس لواحدة منهن الامتناع، ولا إجارة نفسها من دون إذنه، وإنما
تجوز الإجارة على الإرضاع إذا كان في اللبن فضل عما يحتاج الولد إليه، ولو
كان الولد مملوكا، لأن السيد إنما يملك فاضل حاجة مملوكه.
ولو كانت الأمة مزوجة، لم تجز إجارتها للرضاع.
إلا بإذن الزوج على إشكال فيما إذا لم يمنع شيئا من حقوقه، ولو زوجها
بعد الإجارة لم ينفسخ عقد الإجارة، ويكون للزوج الاستمتاع بها وقت فراغها،
ويطؤها، وإن لم يأذن المستأجر.
وليس له إجارة مكاتبته، ولها أن تؤجر نفسها، ويجوز أن يستأجر أمه أو
أخته وابنته وسائر أقاربه لرضاع ولده، ولو استأجر زوجته لرضاع ولده صح،
ولزم العوض، سواء كانت في حباله أو لا، وليس للزوجة أن تؤجر نفسها
للرضاع إلا بإذن الزوج على إشكال، ولو تطوعت بإرضاع ولدها منه، أو من
غيره، لم يجبر الأب على القبول، وكان له منعها.
قال الشيخ: ولو تعاقدا عقد الإجارة على رضاع الولد، لم تجز ما دامت في
حباله، وتجوز مع البينونة (1) وجوزه ابن إدريس مطلقا (2) وهو جيد.
وتبطل الإجارة بموت المرضعة، أو الطفل، فإن كان قد مضى بعض
المدة، رجع المستأجر بما قابله، وإلا رجع بالجميع، ولا تبطل بموت المستأجر،
وأجرة الرضاع على الصغير إن كان مؤسرا، وإن كان معسرا فعلى الأب، وليس

1. المبسوط: 3 / 239.
2. السرائر: 2 / 472.
94

للرجل إجبار امرأته على إرضاع ولده منها، وله إجبار مملوكته، ومدبرته، وأم
ولده، ومكاتبته المشروطة لا المطلقة.
4228. الخامس (1): أن تكون المنفعة مباحة، فلو استأجر مسكنا ليحرز فيه
خمرا، أو دكانا ليبيع فيه شيئا محرما، أو أجيرا ليحمل له حراما، لم يصح العقد،
وكذا لو استأجر حائضا لكنس المسجد.
4229. السادس: أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها، فلو استأجر الآبق
للخدمة، لم تصح، ولو ضم إليه غيره، ففيه نظر، ولا تجوز إجارة الأرض للزراعة
ببعض ما يخرج منها سواء عين مقداره، أو جعله جزءا مشاعا.
الفصل الرابع: في باقي مباحث العقار
وهي أربعة عشر بحثا:
4230. الأول: يملك المستأجر المنافع بالعقد، ويزول ملك المؤجر عنها،
ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها، ولو استأجر دارا سنة، فسكن شهرا مثلا، لم
يكن للمالك إخراجه منها، فإن خرج بنفسه، لم يسقط عنه مال الإجارة، وكذا لو
لم يسكنها أصلا، ولو منعه المالك من السكنى في ابتداء مدة العقد، حتى
خرجت السنة، انفسخ العقد.

1. أي الشرط الخامس من شروط الإجارة التي بدأ بها الفصل الثالث.
95

ولو مكنه بعد المنع في الابتداء، انفسخ العقد فيما منعه، وكان عليه أجرة
الباقي بالنسبة.
ولو خرج المستأجر بعد أن سكن شهرا من قبل نفسه، وتركها شهرا،
فسكنها المالك باقي السنة، أو آجرها، فالأقرب عدم بطلان الإجارة في الباقي،
ويجب على المالك أجرة المثل عن هذه المدة، سواء زادت عن المسمى أو
ساوته، أو قصرت عنه، ولو سكنها شهرا، ثم سكن المؤجر شهرين، ثم تركها،
وجب على المؤجر أجرة مثل الشهرين، وعلى المستأجر إجارة الجميع.
4231. الثاني: لو سكن بعض المدة، ثم أخرجه المالك تمامها، كان له
اجرة (1) ما سكنه المستأجر، ولا تسقط عنه الأجرة فيما مضى بإخراج المالك له
قهرا، وهل تنفسخ الإجارة في الباقي؟ الأقرب عدم البطلان، وتكون للمستأجر
أجرة المثل إن زادت عن المسمى، ولو نقصت عنه، فالأقرب أنه
لا يضمن الزائد.
وكذا لو آجر دابة ومنعه المالك عن استيفاء المنفعة بعد استعمالها بعض
المدة، أو آجر نفسه أو عبده للخدمة، ثم امتنع من إتمامها، أو آجر نفسه لبناء
حائط، أو خياطة، أو حفر بئر، أو حمل شئ إلى موضع، فحمله بعض الطريق،
أو بنى بعض الحائط، أو خاط بعض الثوب، أو حفر بعض البئر، فإنه لا تسقط
أجرة التالف في ذلك كله.
ولو آجر نفسه للخدمة فهرب، أو آجر دابة فشردت، أو أخذ المؤجر
العين وهرب بها، أو منعه من استيفاء المنفعة، تخير المستأجر بين الفسخ

1. في «أ»: مدة.
96

والإمضاء، فإن لم يفسخ انفسخت بمضي المدة يوما فيوما، فإن عادت العين في
الأثناء استوفى الباقي، ولو انقضت المدة انفسخت الإجارة.
أما لو كانت الإجارة على موصوف في الذمة، كخياطة الثوب، أو بناء
حائط، فالوجه أنه يستأجر من ماله من يعمله، ولو تعذر كان للمستأجر الفسخ،
والصبر إلى وقت القدرة على المطالبة بالعمل.
4232. الثالث: إذا استأجر دارا، أو أرضا للزرع، فانهدمت الدار، وغرقت
الأرض، أو انقطع ماؤها (1) في أثناء المدة، فإن لم يبق فيها نفع أصلا، فهي كالتالفة
تنفسخ الأجرة فيما بقي، وليس له الفسخ فيما مضى والرجوع إلى أجرة المثل،
على إشكال، وإن بقي فيها نفع غير ما استأجرها له مثل أن ينتفع بعرصة الدار
لوضع حطب فيها، أو نصب خيمة (2) أو صيد السمك، فالأقرب ثبوت الخيار
للمستأجر بين الفسخ والإمضاء بالجميع، ولا تبطل الإجارة من دون الفسخ، ولو
لم يختر أحدهما لجهله بأن له التخيير أو لغيره، كان له الفسخ بعد ذلك، ولو كان
النفع الباقي لا يجوز استيفاؤه بالعقد، كما لو استأجر [دابة] للركوب، فصارت لا
تصلح إلا للحمل أو بالعكس، انفسخت الإجارة.
ولو أمكن الانتفاع مع قصوره، مثل أن يمكنه الزرع بغير ماء، أو كان الماء
ينحسر عن الأرض التي غرقت على وجه يمتنع معه بعض الزرع، أو كان يمكنه
سكنى ساحة الدار، لم تنفسخ الإجارة، بل يتخير المستأجر بين الفسخ والقبول
بالجميع على إشكال.

1. في «أ»: «بناؤها» وهو تصحيف.
2. في «ب»: «أو نصب خشبة» والصحيح ما في المتن.
97

ولو كان الحادث لا يضر، مثل انقطاع الماء وقت الغنى عنه، أو وقت
الحاجة لكن يجيء به المؤجر من موضع آخر، وكان الغرق مما ينحسر سريعا
من غير منع من الزرع ولا ضرر، لم يكن للمستأجر الفسخ.
ولو حدث الهدم، أو الغرق، أو انقطاع الماء ببعض العين، تخير المستأجر
بين فسخ الجميع، أو البعض، ويمسك الباقي بحصته لا بالجميع.
4233. الرابع: يجب على المالك دفع ما تتوقف المنفعة عليه كالمفاتيح، ولو
ضاعت من المستأجر بغير تفريطه، وجب على المالك بدلها، ولو انهدم بعض
المسكن، وجب عليه بناؤه، وكذا لو سقطت خشبة، وجب إبدالها، وعليه عمل
الحمام إما بالقير أو الصاروج (1) وعمل أبوابه وبزله (2) وليس عليه التحسين
والتزويق، وأما الحبل والدلو والبكرة (3) فعلى المستأجر، وعلى المالك تنقية
البالوعة والكنيف، إن احتيج إليه في ابتداء المدة، أما لو احتيج إليه لامتلائها بفعل
المستأجر، فالأقرب أنه كذلك، وكذا البحث في تفريغ جية (4) الحمام.
ولو خرجت المدة وفي الدار زبل أو قمامة، وجب على المستأجر
تفريغها منه على إشكال.

1. هذا ما أثبتناه ولكن في المطبوع «الصهروج» وفي «ب» «الصروج».
والصاروج: خليط يستعمل في طلاء الجدران والأحواض. المعجم الوسيط: 1 / 511 وفي
مجمع البحرين: في الحديث «لا تسجد على الصاروج». هو النورة وأخلاطها، فارسي معرب.
2. البزل: الشقوق.
3. آلة مستديرة، في وسطها محز يمر عليها حبل لرفع الأثقال وحطها. المنجد.
4. قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط: وأن يشاهد جوبة الحمام ويسمى جية. المبسوط: 3 / 251. وفي
مجمع البحرين: الجوبة: الحفرة المستديرة الواسعة.
98

4234. الخامس: لو شرط على مستأجر الحمام أو غيره، أن مدة تعطيله
عليه ففي المنع نظر، ولا يجوز أن يشترط استيفاء ما قابل مدة التعطيل بعد
مدة الإجارة.
ولو شرط المالك سلفا، قائما يأخذه، يكون في يده بحاله على وجه
الرهن ويرده على المستأجر بعد انقضاء المدة، قال الشيخ: يبطل العقد. (1)
4235. السادس: إذا تجدد العيب، كالهدم، والغرق، بعد استيفاء
بعض المنفعة، تخير المستأجر، وليس له الأرش، ولو لم يعلم بالعيب حتى
انقضت المدة، فلا خيار ولا أرش.
4236. السابع: إذا شرط المالك الإنفاق على العين، مثل أن يشترط أن
ما يحتاج الدار أو الحمام إليه من العمارة فعلى المستأجر، ففي البطلان نظر،
وأفتى به في المبسوط (2). ولو لم يشترط لكن أذن له في الإخراج ليحسب له من
الأجرة، جاز، فإن اختلفا في الإخراج، فالقول قول المستأجر على إشكال، ولو
اختلفا في القدر، فالقول قول المالك، ولو لم يأذن لم يلزمه ما أخرجه تبرعا.
ولو أذن الحاكم، لغيبة المالك، وحاجة الموضع، كان له الرجوع به، ولو
تعذر الحاكم، فالأقرب جواز الرجوع للضرورة.
4237. الثامن: إذا آجره أرضا تصلح للزرع والغرس، وجب تعيين

1. قال الشيخ في المبسوط: ولا يجوز أن يشترط على المكري سلفا قائما، وهو عادة الناس ببغداد،
لأنهم يشرطون على المكتري سلفا يأخذونه يكون في يد المكري بحاله على وجه الرهن ويرده
على المكتري إذا انقضت مدة إجارته، فان شرط ذلك كان العقد باطلا. المبسوط: 3 / 252.
2. المبسوط: 3 / 251.
99

أحدهما، فلو قال: آجرتكها للزرع أو الغرس، لم تصح حتى تعين.
ولو قال: آجرتك لهما، جاز، وزرع النصف، وغرس الآخر على إشكال،
ويحتمل البطلان، وهو قوي، ولو قال: لتزرعها ما شئت وتغرسها ما شئت،
فالأقرب الجواز، ولا يجب التقسيط بينهما، بل يجوز زرع الجميع وغرسه،
والتقسيط بالسوية ومتفاضلا.
4238. التاسع: لو آجرها للزراعة، لم يجز له الغرس ولا البناء، ويتخير في
أنواع المزروعات مع الإطلاق، ومع التخصيص لا يجوز التعدي إلى ما هو. أكثر
ضررا، أو أقل.
ولو آجرها لزرع نوع معين، فالأقرب جواز زرع غيره مما يساويه في
الضرر أو يقصر عنه، ولا يجوز إلى ما هو أزيد، ولا إذا شرط المالك التخصيص،
وكذا البحث لو أكراها للغراس في الإطلاق والتخصيص.
ولو آجرها للبناء، لم يكن له الزرع ولا الغرس، وبالعكس فيهما.
4239. العاشر: إذا كان الماء دائما صحت إجارة الأرض للزرع والغرس، سواء
كان الماء من نهر، أو عين، أو مصنع يكتفى به، ولو لم يكن الماء دائما، بل كان
وقت الحاجة، مثل ماء الفرات الذي يزيد وقت الحاجة إليه للزرع، ومصر (1)
وأشباه ذلك، فإنه تجوز إجارة الأرض للزراعة قبل زيادة الماء وبعده، ولو كان
مجيئه نادرا بحيث لا يتحقق حصوله وقت الحاجة، لم تجز إجارتها للزرع
والغرس قبل وقت الحصول، وتجوز بعده.

1. عطف على قوله «الفرات».
100

ولو آجرها في غير وقت الماء مطلقا على أنه لا ماء لها، جاز الانتفاع بها
في غير الزرع، كالنزول بها وغيره، ومع حصول الماء يجوز له زرعها، وليس له
أن يبني ولا يغرس، وله زرعها قبل مجيء الماء لرجاء حصوله، ولو أطلق
الإجارة لهذه الأرض مع علمهما بحالها، صحت.
ولو كان لها ماء غير دائم، وينقطع قبل الزرع، أو كان لا يكفيه، فهي
كالعادمة.
ولو استأجرها للزرع، ولم يعلم بحالها، أو علم وظن أن المالك يسوق
الماء إليها، لم يصح العقد.
4240. الحادي عشر: لو استأجر أرضا غارقة لم تجز إلا أن يعلم انحسار الماء
عنها وقت الحاجة.
4241. الثاني عشر: لو استأجر للزراعة فزرع، ثم بقي بعد المدة غير بالغ، فإن
كان لتفريط من المستأجر، كما لو زرع ما لا يدرك في المدة، فكالغاصب يتخير
المالك بين قطعه وإبقائه بالأجرة ولو اختار المستأجر قطع زرعه في الحال، كان
له ذلك، وليس للمالك أخذه بالقيمة بدون رضا صاحبه.
وإن كان بغير تفريط، مثل تأخره لبرد حصل، أو تأخر الأهوية، أو المياه،
أو غير ذلك، فعلى المؤجر تركه، وله المسمى وأجرة المثل في الزائد، ويحتمل
وجوب نقله لحصول التفريط منه، إذ قد كان يمكنه الاستظهار بزيادة المدة،
والأول أقرب.
ولو أراد المستأجر زرع ما لا يدرك في المدة، فالأقرب أنه ليس للمالك
101

منعه، وقال الشيخ: له منعه (1) وفيه نظر، نعم له قلعه عند الانقضاء لا قبله.
ولو استأجر لزرع مدة لا يكمل فيها، وشرط تفريغ الأرض عند الانتهاء،
جاز، ولزمه النقل، وإن أطلق، فالوجه الجواز، سواء أمكنه الانتفاع بها في
المدة، بزرع (2) ما يساوي المشترط في الضرر، أو يقصر عنه أو لا، على إشكال.
وحينئذ فالأقرب عدم وجوب الإبقاء على المالك ولو رضي بالأجرة عن
الزيادة جاز، ولو اشترط التبقية إلى وقت البلوغ، بطل العقد.
4242. الثالث عشر: إذا استأجر للغراس سنة ما يبقى بعدها غالبا، صح،
سواء شرط قلع الغراس عند الانتهاء أو لا، وله الغرس قبل الانقضاء لا بعده،
ويجب مع الانتهاء قلع الغرس مع الشرط، وهل مؤونة القلع على الغارس أو
المالك؟ فيه تردد، ولا أرش على المالك.
ولا يجب على المستأجر تسوية الحفر، وإصلاح الأرض، إلا أن يقلعه
قبل المدة، ولو اتفقا على إبقائه بعوض، أو غيره، جاز، إن قرنه بمدة معينة.
ولو أطلق العقد، فللمستأجر القلع، وعليه تسوية الحفر، وكذا إن قلعه قبل
انتهاء المدة.
ولو لم يقلعه، قال الشيخ: لم يجبر على قلعه مجانا، ويتخير المالك بين
أخذ الغرس بالقيمة، ويجبر المستأجر على القبول، وبين الإجبار على القلع مع
دفع الأرش لنقص الغرس بالقلع، وبين التبقية بأجرة المثل (3).

1. المبسوط: 3 / 257 - ضمن كتاب المزارعة -.
2. في «ب»: يزرع.
3. المبسوط: 3 / 264 - 265 - ضمن كتاب المزارعة -.
102

وعندي في إجباره على قبول القيمة نظر، ولا يتخير المالك بين دفع قيمة
الغراس والقلع مجانا، والترك، فيكونان شريكين.
ولو باع الغارس غرسه على غير المالك، جاز، وقام المشتري مقام البائع،
ولو شرط في العقد تبقية الغراس، فالأقرب البطلان، وتثبت أجرة المثل.
4243. الرابع عشر: إذا آجرها للزرع وأطلق، جاز أن يزرع ما شاء، وله زرع ما
هو أبلغ ضررا وأدناه وما بينهما، وإن عين المزروع جاز أن يزرعه، وما يساويه،
أو يقصر عنه، في الضرر، سواء شرطه أو لا، وإن شرط أن لا يزرع غيره، صح
الشرط والعقد، ومع التخصيص، لو زرع ما هو أضر به، كان للمؤجر قلعه، سواء
بلغ إلى الضرر الزائد على ما سماه أو لا.
ثم إن بقي من المدة ما يمكن فيه زرع المسمى، كان له ذلك، وإلا فلا،
وعليه أجرة جميع المدة.
ولو لم يعلم المالك حتى استحصد، فالوجه أن له المسمى وأجرة الزيادة،
ويلوح من كلام الشيخ التخيير بين ذلك وبين أجرة المثل (1).
وكذا لو استأجر للسكنى فأسكن القصار أو الحداد، فإن الوجه أن يأخذ
المسمى وأجرة الزائد من الضرر، وكذا لو استأجر غرفة ليجعل فيها وزنا من
القطن، فوضع ذلك الوزن من الحديد.
ولو قال: ازرع ما شئت جاز، وليس له أن يغرس، ولو استأجرها للبناء،
جاز، ويشترط معرفة الموضع والعرض، وفي العلو نظر.

1. لاحظ المبسوط: 3 / 263 - ضمن كتاب المزارعة -.
103

الفصل الخامس: في باقي مباحث الحيوان
وفيه سبعة عشر بحثا:
4244. الأول: إذا استأجر دابة لمنفعة كان له أن يستوفي تلك المنفعة ومثلها
ودونها، فلو استأجرها لحمل شئ معلوم، جاز أن يحملها ما يساويه في المقدار
والضرر، وليس للمؤجر إبدال الدابة بمثلها، أو أجود بدون رضى المستأجر، ولو
كانت المنفعة التي يستوفيها أكثر ضررا، أو مخالفة للمعقود عليه في الضرر، لم
يجز، فلو استأجر لحمل حديد، لم يحمل قطنا، وبالعكس، لكثرة مقدار الأول (1)،
فيعاوق الهواء، فيكثر التعب، وملازمة الثاني موضعا واحدا، (2) فإن خالف كان
عليه المسمى وأجرة الزائد، ويضمن.
ولو استأجر للركوب، لم يكن له أن يحمل وبالعكس.
ولو استأجره ليركبه عاريا، لم يكن له ركوبه بالسرج، وبالعكس، ولو
استأجره ليركبه بسرج، لم يكن له ركوبه بأثقل.

1. والمراد من الأول الصورة الأولى أي استئجار الدابة للحديد، وكثرة المقدار كناية عن حجم
القطن، حيث إنه يتخلخل ويلج فيه الريح فيثقل.
قال الفقيه الشافعي القاضي الشيرازي على ما في المجموع للنووي: 15 / 301: فإذا اكترى ظهرا
ليحمل عليه القطن، لم يحمل عليه الحديد، لأنه أضر على الظهر من القطن، لاجتماعه وثقله،
فإن اكتراه للحديد لم يحمل عليه القطن، لأنه أضر من الحديد، لأنه يتجافى، ويقع فيه الريح
فيتعب الظهر. ولاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 81.
2. والمراد ان الحديد يجتمع على موضع من البهيمة فربما عقرها.
104

4245. الثاني: لو استأجرها للركوب أو الحمل في مسافة معينة، لم يجز
أن يسلك بها في غيرها، سواء كان أكثر ضررا إما لخوف أو حزونة (1) أو أقل، ولو
فعل ضمن، وهل يجب المسمى مع الزيادة إن كانت أو أجرة المثل؟ فيه نظر.
4246. الثالث: إذا استأجرها للركوب أو الحمل إلى غاية فتجاوزها، كان
عليه المسمى وأجرة المثل للزائد، ويضمن من حين التعدي، ولا خيار للمالك
مع بقائها، بين المطالبة بالأجرة، وبالقيمة يوم التعدي، وإن بعدت
مسافة التجاوز.
ولا فرق في الضمان بين أن يتلف في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة،
هذا إذا كان صاحبها غائبا.
وإن كان حاضرا، ولم ينطق بشئ حتى تعدى فيها، لم تكن مضمونة
ضمان اليد، فإن يد صاحبها عليها، فإن ماتت والمستأجر راكب، ضمن إما
النصف، أو ما قابل الزائد على مسافة الإجارة بعد النسبة، على الاحتمالين، هذا
ما قاله الشيخ (2) والوجه عندي ضمان الجميع، وإن كان صاحبها ساكتا.
وإن تلفت بسبب سبع، أو سقوط في وهدة وشبهها، بعد نزوله عنها
وتسليمها إلى صاحبها، لم يضمنها.
ولو كان التلف بسبب التعدي، فإنه يضمنها بأجمعها، وكذا الأول يضمن

1. الحزن - كفلس -: ما غلظ من الأرض. مجمع البحرين.
2. المبسوط: 3 / 225. وفيه: إذا ثبت هذا وأنها تكون في ضمانه فكم يضمن؟ قيل فيه قولان:
أحدهما يضمن بنصف قيمتها، لأنها ماتت من مباح ومحذور، والثاني يقسط على الفراسخ
ويضمن بقدره.
105

الجميع لو كان التلف من الراكب بسبب الحمل أو السير، ولا يسقط الضمان
بردها إلى المسافة.
4247. الرابع: لو استأجر لحمل شئ فحمل أزيد، وجب المسمى
وأجرة المثل للزائد، ويلزمه الضمان، ولو استأجره لحمل قفيز، فوجده قفيزين،
فإن كان المستأجر تولى الكيل من غير علم المالك، كان حكمه حكم من
استأجر لحمل شئ فزاد، وإن كان المالك (1) من غير علم المستأجر فلا أجرة
عليه للزائد، وللمستأجر مطالبته برد الزائد إلى موضعه وليس للمؤجر إلزامه
بذلك لو لم يرده.
ولو رجعا إلى بلد الأجرة، ثم علما بالزيادة، فالأقرب أن للمستأجر
المطالبة برد الزيادة، ولا يجب عليه قبول المثل، ولا ضمان.
ولو تلف الزائد من الطعام، ضمنه، سواء كاله أحدهما ووضعه الآخر على
ظهر الدابة، أو كاله ووضعه، وإن تولاه أجنبي من غير علم المستأجر، فهو متعد
عليهما، يضمن الدابة لصاحبها، والطعام لمالكه.
ولو كاله المستأجر ووضعه المالك مع علمه بالزيادة، فلا ضمان، وفي
ثبوت الإجارة في الزائد نظر، ولو انعكس الحال، فعليه أجرة الزائد، ولو أمره
بالحمل ففي الأجر نظر.
وإن كاله أحدهما، وحمله أجنبي بأمره، أو بأمر الآخر، فهو كما لو حمله
أحدهما، ولو كان بغير أمرهما، تعلق به الضمان.

1. أي وإن كان المالك متوليا للكيل.
106

إذا عرفت هذا، فإذا حملها أزيد، فقد قلنا انه ضامن، وهل يضمن الجميع
أو البعض بالتقسيط؟ الأقرب الثاني، ولو كانت الزيادة مما لا يقع غلطا، لم
يضمن، ولا يوجب لها أجرة في ذلك كله.
هذا إذا تلفت من الحمل، ولو تلفت بسبب غيره، كافتراس السبع،
والوقوع في الوهدة، وأخذ ظالم لها، ففي الضمان إشكال.
4248. الخامس: لو استأجر الدابة مدة غزاته، لم يجز، وكذا مدة سفره
في تجارته، فإن فعل، فله أجرة المثل، ولو سمى لكل يوم شيئا معلوما من غير
تعيين الأيام، لم يجز. ولو عينها صح، ويلزمه الأجر، سواء كانت مقيمة أو
سائرة، ولا بد من تعيين ما يستأجر له، من ركوب أو حمل.
وكذا لو اجر نفسه لسقي النخل كل دلو بتمرة، أو فلس، أو غيرهما، جاز
بشرط تعيين الدلاء، ولو لم يعين، بطل، وكان له أجرة المثل مع العمل، ولا بد من
معرفة الدلو والبئر وما يستسقى به.
4249. السادس: لو استأجر دابة عشرة أيام بعشرة دراهم، فإن حبسها
أكثر من ذلك، فله بكل يوم درهم، لم يجز، فإن جعل ذلك شرطا في العقد، بطل
العقد. وإلا فلا، فإن حبسها أكثر من المدة، كان له أجرة المثل، وكذا البحث في
الصبرة لو استأجره (1) لحملها على أنها عشرة أقفزة بدرهم، فما زاد فبحسابه.
4250. السابع: لو استأجر لحمل صبرة مشاهدة إلى موضع معين، جاز،
ولو قال: استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم، فإن علما مقدار القفزان، (2) صح

1. في «ب»: «ولو استأجره» والصحيح ما في المتن.
2. القفيز جمعه أقفزة، وقفزان. المعجم الوسيط: 2 / 751.
107

إجماعا، وإلا فالأقرب البطلان، وتثبت أجرة المثل، ولا يلزم في قفيز واحد
على إشكال (1).
ولو قال: لتحمل قفيزا بدرهم، وما زاد فبحسابه، يريد به حمل الجميع
صح في القفيز إن لم يجعل الزائد شرطا، وإلا بطل، ووجبت أجرة المثل.
ولو أراد مهما حملت عن باقيها فبحسابه، لم يصح، وكذا لو قال: لتحمل
قفيزا بدرهم على أن تحمل الباقي بحساب ذلك، أو قال: لتحمل هذه الصبرة كل
قفيز بدرهم، وتنقل لي صبرة أخرى في البيت بحساب ذلك، سواء علما
الصبرتين بالمشاهدة، أو لم يعلماهما، ولو علماهما بالكيل جاز، ولو علما
إحداهما خاصة، صح فيها خاصة.
ولو قال: لتحمل هذه الصبرة والتي في البيت بعشرة، فإن علما التي في
البيت بالمشاهدة، صح وإلا فلا، ولا يصح في المشاهدة بانفرادها.
ولو قال: لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم فإن زادت على
ذلك فبحسابه، صح في العشرة خاصة إن لم يجعل الزائد شرطا.
4251. الثامن: إذا استأجر دابة للركوب، اشترط في صحته معرفة
المتعاقدين بما عقدا عليه، فإذا آجره جملا للركوب، وجب معرفة الراكبين،
والآلة التي يركبون (2) فيها، كالمحارة (3) وغيرها وهل المحمل مغطى أو مكشوف؟

1. لعله إشارة إلى رد ما عليه أبو حنيفة من أنه يلزم عقد الإجارة في قفيز واحد، ويبطل فيما زاد.
لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 89.
2. هذا ما أثبتناه ولكن في النسخ: يركبان.
3. المحارة - بفتح الميم -: محمل الحاج، وتسمى الصدفة أيضا. المصباح المنير.
108

وجنس غطائه، ومعرفة الوطاء، (1) وإن كان مقتبا ذكره، ويحتاج إلى معرفة المعاليق
كالقربة والسطيحة (2) والسفرة (3) ونحوها من جميع ما يحمل معه.
ويجب معرفة الدابة التي يركب عليها، إما بالمشاهدة أو الوصف، فيذكر
الجنس كإبل، أو فرس، أو حمار، والنوع، كبختي، أو عربي، أو برذون، (4) أو
مصري، أو شامي، والذكورة، والأنوثة، وجودة مشيه ورداءته.
وإذا كان الكراء إلى مكة أو ما يشبهها مما لا مدخل للمؤجر في السير، لم
يحتج إلى ذكر وقته وقدره كل يوم.
ولو كان السير في كل وقت إلى المؤجر، فالأقرب عدم وجوب ذلك
أيضا. لكنه مستحب.
وإذا أطلق، وللطريق منازل معروفة، عمل على العرف مع اختلافهما،
وكذا لو اختلفا في وقت السير من الليل أو النهار، وفي موضع المنزل من داخل
البلد أو خارجه، فإنه يحمل على العادة.
ولو لم تكن للطريق منازل معروفة، فالأولى صحة العقد، والرجوع إلى
العادة في غير تلك الطريق.
4252. التاسع: إذا شرط حمل زاده، وكان معينا، فنقص بالأكل المعتاد،
فالأقرب أنه ليس له حمل بدله، وقوى الشيخ أن له الإبدال (5) وليس بردي، ولو

1. الوطاء - بكسر أوله -: ما يوطأ به المحمل.
2. السطيحة: المزادة تكون من جلدين لا غير. المعجم الوسيط: 1 / 429.
3. قال الفيومي: السفرة - كغرفة -: طعام يصنع للمسافر، وسميت الجلدة التي يوعى فيها الطعام
سفرة مجازا. المصباح المنير.
4. البرذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال. المعجم الوسيط: 1 / 48.
5. المبسوط: 3 / 233.
109

شرط ذلك فالأقرب الجواز، وكذا لو فنى الزاد بالأكل، أما لو نقص بالسرقة أو
بالأكل الخارج عن العادة، فالوجه جواز حمل العوض.
وعلى ما اخترناه، لو فقد الزاد، وكان بين يديه مراحل يوجد الزاد فيها،
كان له أن يشري ما يتزود به مرحلة مرحلة، وإن لم يوجد، أو وجد بثمن غال،
كان له أن يحمل البدل مع نفسه، ولو شرط عدم إبدال ما نقص من الأكل، فنقص
بسرقة، أو سقوط، فالوجه جواز الإبدال.
4253. العاشر: إذا اكترى جملا ليحج عليه، فله الركوب عليه إلى مكة
ومن مكة إلى عرفة، والخروج عليه إلى منى.
ولو اكترى إلى مكة فقط لم يكن له الخروج عليه إلى عرفات ومنى.
4254. الحادي عشر: يجب على المؤجر القيام بما يحتاج الركوب إليه
من الحداجة (1)، والقتب، والزمام. أو السرج واللجام، أو البردعة (2) والمقود (3)،
وعلى المستأجر الزائد على ذلك، كالمحارة، والحبال التي تربط بها، والوطاء
الذي يشد به فوق الحداجة تحت المحمل، وعلى المؤجر رفع المحمل، وحطه،
وشده على الجمل، ورفع الأحمال وشدها وحطها وعليه إعانة الراكب على
الصعود والنزول، وعليه السائق والقائد هذا إذا اكتراه على أن يصحبه.
ولو استأجر على أن يأخذ الدابة هو، ويمضي بانفراده كان، (ذلك) (4)،
جميعه عليه.

1. الحدج: الحمل، ومركب من مراكب النساء كالهودج والمحفة. المعجم الوسيط: 1 / 160.
2. البردعة: ما يوضع على الحمار أو البغل ليركب عليه كالسرج للفرس. المعجم الوسيط: 1 /
48، وفي بعض النسخ «البرذعة» وكلاهما بمعنى واحد.
3. المقود: ما تقاد به الدابة من حبل ونحوه. المعجم الوسيط: 2 / 765.
4. ما بين القوسين يوجد في «ب».
110

وأما الدليل، فالأقرب أنه على المستأجر إن كانت الأجرة على ظهر معين،
وعلى المؤجر إن آجره للحمل إلى المشترط.
وأما السوق، فإن كان الكراء ليحمل المستأجر أو ليركب هو عليها،
فالسوق عليه، وإن استأجره لحمل المتاع، فعلى الموجر، وجميع ما قلناه على
أحدهما لو شرطه على الآخر، جاز.
وعلى المؤجر إبراك البعير للمرأة، والعاجز لكبر أو مرض أو سمن، وليس
عليه ذلك لغير المعذور، ولو كان قويا حال العقد، فضعف أو بالعكس، كان
الاعتبار بحال الركوب.
وعلى المؤجر إيقاف البعير لينزل (1) لصلاة الفريضة، وقضاء الحاجة،
والطهارة، ويستمر على وقوفه حتى يفعل المستأجر ذلك، ثم يركب، أما ما
يمكنه فعله راكبا، كالأكل، والشرب، وصلاة النافلة، فلا يجب إيقافه لذلك، ولا
أن يبركه له. ولو كان في موضع يتخير بين التمام والقصر، فطلب المستأجر
التمام، لم يكن للمؤجر مطالبته بالقصر، بل يقف معه حتى يتم صلاته.
ولو آجره، وسلمه إليه، ليركبه بنفسه، لم يلزمه شئ مما قلناه، ولو كانت
العادة تقتضي النزول والمشي عند قرب بعض المنازل، لم يجب على الراكب
النزول فيه، وإن كان جلدا 2 على المشي.
4255. الثاني عشر: لو هرب الجمال بانفراده، لم تبطل الإجارة، وأقام
الحاكم عوضه من يقوم بما يجب عليه، من إطعام الدواب، والشد والحل، ولو

1. في «ب»: لتبرك.
2. الجلد: القوي الشديد. مجمع البحرين.
111

لم يجد مالا سوى الجمال، وفيها فضلة، بيعت في حمل المستأجر (1)، والنفقة
على الجمال، وإقامة عوضه 2.
ولو لم تكن فضلة، اقترض الحاكم عليه إما من بيت المال، أو غيره، ودفع
إلى المستأجر ما يحتاج إليه، ولو استدان من المكتري وأنفق جاز، وإن أذن
للمستأجر في الإنفاق ليرجع به، جاز.
ولو اختلفا في قدر النفقة، فان كان الحاكم قدرها، قبل قوله في القدر مع
اليمين دون الزائد، وكذا إن لم يقدر في المعروف خاصة.
ولو أنفق بغير إذن الحاكم مع القدرة عليه، لم يرجع بها، وكذا مع التعذر
وترك شرط الرجوع والإشهاد، ولا يقبل قوله في إيجاب الرجوع له على غيره،
وإن أشهد بشرط الرجوع فالأقرب ثبوت الرجوع.
فإن انقضت مدة الإجارة، ورجع الجمال، طولب بما عليه، وسلم إليه
الجمال، وإن لم يعد أو لم يؤد، باع الحاكم منها بقدر ما عليه، فان فضل، كان
للحاكم الخيار في بيعه مع الغيبة والاحتفاظ بالثمن، وفي الإبقاء.
وإن هرب بجماله وكانت الإجارة في الذمة، لم تنفسخ بالهرب، ويكتري
الحاكم من مال الجمال له ظهرا، فإن فقد المال، اقترض عليه إما من بيت المال،
أو بعض الناس، أو المستأجر، والأقرب أنه ليس له أن يجعل الاستئجار
إلى المستأجر.
ولو تعذر الاقتراض، فللمستأجر الفسخ، ويبقى المال دينا على الجمال،

1. أي المكري.
2. أي من يقوم مقام الجمال الفار.
112

والبقاء على العقد، ويطالب الجمال مع عوده بظهر يركبه، إلا أن تكون مقيدة
بزمان، وينقضي، فله مال الإجارة.
وإن كانت الإجارة على بهيمة معينة، لم يكن للحاكم أن يستأجر له غيرها،
فإن فسخ المستأجر، رجع بمال الإجارة، ويدفع الحاكم العين، إن وجدها، وإلا
المثل أو القيمة، ولو لم يكن له مال، فهل له أن يقرض عليه؟ قال الشيخ: ليس له
ذلك (1) والوجه تخصيص المنع بالاقتراض من المستأجر، لانتفاء الفائدة (2) وإن لم
يفسخ، وكانت الإجارة متعلقة بمدة، انفسخت بانقضائها.
ولو بقى من الزمان شئ ثم عاد الجمال بجماله، انفسخ فيما فات دون ما
بقى (لكن له الخيار فيه، ولو هرب بعد العمل بعض المدة. ثم عاد قبل الانقضاء،
لم ينفسخ فيما بقي) (3) ولا فيما استوفاه، وإن كانت مقدرة بالعمل، كان له المطالبة
به مع رجوع الجمال، سواء كان عوده بعد مضي مدة يمكن فيها الانتفاع أو لا.
4256. الثالث عشر: يصح ذكر العقبة (4) وهو أن يركب البعض ويمشي
الآخر، بشرط أن يقدرها بفراسخ معينة، أو زمان معلوم، مثل أن يركب إلى
الزوال، ويمشي إلى آخره، ويعتبر في هذا زمان السير دون زمان النزول.
ولو اكترى على أن يركب يوما ويمشي آخر جاز، ولو أطلق العقبة من

1. المبسوط: 3 / 235. وعلله بأن الدين لا يقضى بالدين.
2. في المطبوع هنا تعليق من المصنف وهو: قد بينا أنه إذا لم يكن له مال، يقترض الحاكم عليه
إما من بيت المال، أو من بعض الناس، فإن لم يمكن فمن المستأجر، وفي هذه الصورة ليس
للاقتراض من المستأجر فائدة، لأن المستأجر له في ذمة المؤجر مال فإبداله لا فائدة فيه.
3. ما بين القوسين يوجد في «ب» وسقط من المطبوع.
4. العقبة - بضم العين - النوبة. المعجم الوسيط: 2 / 613.
113

غير تعيين، فان كانت هناك عادة معلومة، حمل عليها، وإلا بطل.
ولو اتفقا على أن يركب ثلاثة، ويمشي مثلها، أو ما زاد على ذلك، أو
نقص، جاز، ولو اختلفا لم يجبر الممتنع منهما.
ولو اكتراه اثنان للعقبة بينهما، يركب أحدهما ثم ينزل، فيركب الآخر،
جاز، وتكون الإجارة متعلقة بجميع المسافة، ويرجعان في التناوب إلى العادة،
أو ما يتفقان عليه، ولو اختلفا في البادي أقرع، ولو لم تكن للتناوب عادة، بطلت
الإجارة، إلا أن يعينا في العقد التناوب إما بالزمان، أو بالفراسخ.
4257. الرابع عشر: لو استأجر للحمل، لم تجب معرفة الحمولة (1) من كونها
فرسا أو إبلا أو غيرها إلا أن يكون المحمول يستضر بكثرة الحركة، كالفاكهة،
والزجاج، أو يكون الطريق مما يعسر على بعضها دون بعض، فيفتقر إلى تعيينه.
ولا بد من معرفة المحمول، فلو شرط أن يحمل ما شاء، لم يجز، وكذا لو
قال: لتحمل (2) عليها طاقتها، بل تجب معرفته إما بالمشاهدة، أو الوصف بالقدر
والجنس، والظرف إن دخل في الوزن، لم يحتج إلى ذكره وإلا وجب إن اختلف،
ولو لم يختلف كالصوف والشعر، لم يجب تعيينه.
ولو استأجر لمائة رطل من الحنطة، لم يدخل الظرف، ولو قال:
بمائة، (3) دخل.

1. قال المصنف في التذكرة: الحمولة، بالفتح الدابة التي تحمل الأحمال، والحمولة، بضم الحاء
الشئ الذي يحمل، تذكرة الفقهاء: 2 / 390 - الطبعة الحجرية -.
2. كذا في «أ» ولكن في «ب»: «ليحمل» ولعل الصحيح «احتمل».
3. في «أ»: لمائة.
114

ولو استأجر ظهرا للحمل موصوفا بجنس، مثل أن يشترط الخيل والبغال،
أو الإبل، ليسرع (1) في السير، فلا تفوته الصحبة (2)، أو ليسكن (3) السير (4)، فلا
يحصل من الخيل، (5) فأراد حمله على غير ذلك الجنس، لم يقبل منه سواء كان
المستأجر أو المؤجر.
4258. الخامس عشر: لو استأجر بقرا للحرث، جاز (وافتقر إلى معرفة الأرض
بالمشاهدة، وبقدر العمل، إما بالمدة أو بالأرض، أو بالمساحة، وإذا قرن
بالمدة) (6) افتقر إلى معرفة البقر، ويجوز استئجارها بانفرادها، فالمتولي للحرث
المستأجر، وبانضمامها إلى مالكها، ليعمل بها، وإلى الآلات كالنير (7) وبدون الآلة.
ولو استأجر البقر للدياس، افتقر إلى معرفة الزرع إما بالمشاهدة أو بالمدة (8)
من غير تعيين الزرع، ومتى شرط المدة، افتقر إلى تعيين البقر.
4259. السادس عشر: لو استأجر لإدارة الرحى، افتقر إلى معرفة
الحجر بالمشاهدة أو الوصف، وتقدير العمل، إما بالزمان، أو بتقدير المطحون
وذكر جنسه، ولو استأجر لدوران الدولاب، افتقر إلى مشاهدة الدولاب، وتقدير
العمل، إما بالزمان أو بامتلاء شئ معين كالحوض مثلا.

1. راجع إلى الخيل والبغال.
2. لئلا ينقطع عن القافلة.
3. راجع إلى الإبل.
4. أي لا يسرع في السير.
5. هذا ما أثبتناه، ولكن في النسختين «من الحمل» ويحتمل أن تكون العبارة «فلا يتلف من الحمل»
فعلى هذا المراد لئلا تتضرر الحمولة لكون الحمولة مما يضره الهز. ولاحظ التذكرة: 2 / 315.
6. ما بين القوسين يوجد في «ب».
7. النير: الخشبة المعترضة فوق عنق الثور أو عنقي الثورين المقرونين: لجر المحراث أو غيره.
المعجم الوسيط: 2 / 966.
8. في «أ»: المدة.
115

ولو استأجره للغرب (1) افتقر إلى معرفة الغرب، وتقدير الاستيفاء بالزمان،
أو تعدد الضروب، أو بامتلاء شئ معين، ولا يجوز التقدير بشرب الأرض وإن
كانت معينة، وكذا لو قدره بشرب الماشية.
ولو استأجر لاستقاء الماء، افتقر إلى معرفة الآلة، كالراوية والجرة والقربة
وتقدير العمل، إما بالوقت، أو عدد المرات، أو امتلاء شئ معين، فإن قدره
بالمرات، افتقر إلى معرفة الموضع الذي يستقي منه، ويذهب إليه، وإن قدره
بملء شئ افتقر إلى معرفته ومعرفة موضع الماء.
ولو استأجر الدابة لنقل التراب، جاز، ولا بد من معرفتها في كل موضع
وقع العقد فيه على المدة، وإن وقع على العمل المعين، لم تجب (2).
4260. السابع عشر: لو استأجر دابة، وذكر المستأجر أنها تتعب راكبها،
فإن كان من قبله، مثل أن يكون قليل الركوب، فلا خيار له، وإن كان من قبلها،
كالعثار وقلة البصر، فإن رضي، فلا خيار، وإن لم يرض، فإن استأجرها بعينها،
كان له الفسخ دون الإبدال، وإن كانت في الذمة، كان له البدل، ولم يكن له
فسخ العقد.

1. الدلو العظيمة تتخذ من جلد الثور. المعجم الوسيط: 2 / 467.
2. أي معرفة الدابة.
116

الفصل السادس: في تضمين الأجراء
وفيه واحد وعشرون بحثا:
4261. الأول: العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعد
أو تفريط، وإذا انقضت المدة وجب عليه رفع يده، وليس عليه الرد إلا مع
المطالبة، ولا يضمنها بعد المدة بدون التفريط.
ولو طلبها صاحبها بعد المدة، وجب ردها مع المكنة، فإن امتنع، ضمنها،
وعليه أجرة المثل وقت الإمساك، وإن لم يستعملها، ولو امتنع من الانتفاع من
قبل نفسه لزمه الأجرة، ولا ضمان، وإن كان بوقوع الإصطبل على الدابة.
4262. الثاني: لو شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين، لم يصح،
وهل تبطل الإجارة؟ فيه نظر.
ولو آجره شيئا وشرط عدم السير ليلا، أو وقت الظهيرة، أو لا يتأخر بها
عن القافلة، أو لا يسير في الأعقاب، أو في الابتداء، أو لا يسلكها طريقا معينا، أو
لا ينزل واديا، فخالف، ضمن.
4263. الثالث: إذا كانت الإجارة فاسدة، لم تكن العين مضمونة أيضا،
إلا بالتعدي.
4264. الرابع: يسوغ للمستأجر ضرب الدابة بمجرى العادة وتكبيحها
117

باللجام (1) للإصلاح والحث على السير ليلحق الرفقة، وللرائض ضرب الدابة
للتأديب، وترتيب المشي والعدو والسير، وللمعلم ضرب الصبيان للتأديب إلا
صغيرا لا يعقل.
ولو تلفت الدابة بضرب المستأجر ما (2) يسوغ ضربها به لم يضمن، وكذا لا
يضمن لو وضع عليها السرج، أو اللجام، أو البرذعة فماتت، ولو تعدى في ذلك
كله، ضمن.
ولو ضرب امرأته للتأديب فماتت، ضمن.
والرائض لا يضمن مع ضربه موافق العادة.
ولو مات الصغير حتف أنفه، أو وقع عليه شئ من السقف لم يضمن
المؤدب، سواء كان الصبي حرا أو عبدا.
4265. الخامس: الختان والحجام والمتطبب إذا أتلفوا شيئا بفعلهم ضمنوه،
وإن كانوا حاذقين، كما لو قطع الحشفة، أو يقطع الطبيب سلعة (3) فيتجاوزها، أو
يقطع بآلة كالة، (4) أو في وقت لا يصلح للقطع فيه، أما لو لم يتجاوزوا محل
القطع (5) مع حذقهم في الصنعة، فاتفق التلف، فإنهم لا يضمنون.
ولو ختن صبيا من غير إذن وليه، أو قطع سلعة من إنسان بغير إذنه،
فسرت جنايته، ضمن، ولو فعل بإذن من له الولاية لم يضمن إلا مع التعدي.

1. كبح الدابة كبحا: جذب رأسها إليه باللجام وهو راكب لكي تقف. المعجم الوسيط: 2 / 772.
2. في «أ»: مما.
3. السلعة - بكسر السين -: زيادة في الجسد كالغدة. مجمع البحرين.
4. كل السيف: لم يقطع. المعجم الوسيط: 2 / 796.
5. في «ب»: محل القطع فيه.
118

4266. السادس: لو استأجره لقلع ضرسه، فقلع غير ما أمره، ضمنه،
واقتص منه في العمد.
4267. السابع: الراعي لا يضمن الماشية إلا بالتعدي أو التفريط، مثل أن
ينام عنها، أو يغفل، أو يضعها في بعد منه، أو تغيب عن نظره وحفظه، أو يضربها
كثيرا، أو في غير موضعه، أو من غير حاجة، أو يسلك بها طريقا مخوفا.
ولو اختلفا في التعدي، فالقول قول الراعي، ولو اختلفا في كون الفعل
تعديا، رجع إلى أهل الخبرة.
ولو ادعى موت شاة، قبل قوله مع اليمين، ولا يضمن، وإن لم
يأت بجلدها.
ولا يضمن ما يأخذه العرب اللصوص والأكراد، أو يأخذه السباع إلا مع
التعدي بأن يخالف صاحب الغنم في المرعى، فإن أطلق، ولم يعين الموضع،
فلا ضمان إلا مع التعدي.
4268. الثامن: الصانع مثل القصار، والخياط، والحائك، والطباخ،
وأشباههم، يضمنون ما يتلف بفعلهم، سواء كانوا في ملك المستأجر أو ملكهم،
وسواء كان المستأجر حاضرا، أو غائبا.
والحمال يضمن ما يسقط من حمله عن رأسه أو يتلف من عثرته.
والجمال يضمن ما يتلف بقوده وسوقه، وانقطاع حبله الذي يشد
به الحمل.
والملاح يضمن ما تلف في يده أو جذفه (1) أو ما يعالج به السفينة.

1. أي في حركة المجذاف لدفع السفينة إلى الأمام.
119

سواء حصل منهم التعدي أو لا، وسواء كان صاحب العمل حاضرا أو
غائبا، وكذا كل من أعطي شيئا ليصلحه فأفسده أو أعابه.
ولو كان للمستأجر عبيد صغار أو كبار على جمله، ضمن المؤجر ما تلف
من قوده وسوقه، وكذا الأجير الخاص يضمن ما يتلف بفعله، سواء كان عن
تفريط أو لا.
4269. التاسع: إذا أتلف الصانع الثوب بعد عمله، تخير المالك بين
تضمينه إياه معمولا، وعليه الأجر له إن لم يكن دفعه، وبين تضمينه إياه قبل
عمله، ولا أجر له عليه، وكذا لو أتلف الحامل ما حمله، تخير بين تضمينه في
موضع التلف، وعليه أجرة حمله إليه، وبين تضمينه إياه في موضع التسليم،
ولا أجرة.
4270. العاشر: إذا دفع غزلا إلى حائك فقال: انسجه عشرة طولا في
عرض ذراع، فنسجه زائدا فيهما، فلا أجرة له على الزيادة، ثم إن كانت الزيادة
في الطول خاصة، استحق المسمى، وإن كان في العرض، فالأقرب أنه كذلك
على إشكال، وكذا الإشكال لو كانت الزيادة فيهما، ولو نسجه ناقصا في الطول،
فالأقرب أنه يستحق بنسبة عمله من الأجرة. ولو كان ناقصا في العرض
فالإشكال فيه أقوى، وعليه الأرش في البابين.
وإن نسجه زائدا في أحدهما، ناقصا في الآخر، فلا شئ له عن الزيادة،
وكان الحكم في النقصان ما ذكرنا، وليس لصاحب الثوب دفعه إلى النساج
وإلزامه بثمن الغزل.
ولو أثرت الزيادة أو النقص [في] العين، مثل أن يأمره بعشرة [أذرع]
120

ليكون خفيفا فينسجه خمسة عشر صفيقا (1)، أو بالعكس، ضمن الأرش، والوجه
عدم الأجرة.
4271. الحادي عشر: إذا قال للخياط: إن كان هذا يكفيني قميصا
فاقطعه، فقال: نعم، وقطعه، ولم يكفه، ضمن الخياط أرش القطع، ولو قال:
أنظره يكفيني قميصا؟ قال: نعم، قال: اقطعه، لم يضمن.
4272. الثاني عشر: لو أمره بقطع قميص رجل، فقطعه قميص امرأة،
احتمل الزامه بأرش ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا، وما بين قيمته مقطوعا
قميص امرأة ورجل، والأول أقوى، وعلى التقديرين لا يستحق أجرا.
4273. الثالث عشر: إذا اختلفا فقال: أذنت لي في قطعه قميص امرأة أو
قباء، أو صبغ الثوب أسود، فقال: بل في قميص رجل، أو في قميص أو في
الصبغ أحمر (2)، فالوجه أن القول قول المالك مع يمينه على عدم الإذن بما ادعاه
الخياط والصباغ، ولا أجرة عليه على قطع ما ادعاه الخياط، والوجه أنه لا أجرة له
أيضا في مقابلة القطع الذي يصلح لما ادعاه المالك، وله الأرش.
ثم الخيوط إن كانت له، لم يكن للخياط فتقه، وإن كانت للصانع جاز له
فتقه وانتزاع الخيوط منه، إلا أن يتفقا على العوض.
ولو طلب المالك أن يشد في كل خيط خيطا ليقعد في مكانه عند سله، لم
تجب إجابته، وكذا البحث في الصبغ.
4274. الرابع عشر: إذا استأجره لعمل في عين، فتلفت في يد المؤجر من غير

1. صفق الثوب صفاقة: كثف نسجه. المعجم الوسيط: 1 / 517.
2. في الكلام لف ونشر مرتب.
121

تفريط، لم يضمن، سواء كان هلاكه بما يستطاع، أو بغيره، كالغرق أو القهر باليد
الغالبة (1) عليه ولا أجرة له فيما عمل له فيها، إن كان العمل في ملكه والمستأجر
غائب، وإن كان في ملك المستأجر وهو حاضر، قال الشيخ: له الأجرة، لأنه
يسلم العمل جزءا فجزءا (2).
ولو حبس الصانع الثوب على استيفاء الأجرة، ضمنه إلا أن يجعله
المستأجر رهنا.
ولو دفع القصار الثوب إلى غير المالك للاشتباه بثوب آخر، ضمنه، فإن
قطعه رده مع الأرش، وفي تضمين القصار الأرش إشكال، ويطالب بثوبه، فإن
كان موجودا، أخذه، وإن نقص فله الأرش، ولو هلك عند القصار، ففي لزومه
إشكال، أقربه ذلك.
4275. الخامس عشر: إذا استأجره للخبز فاحترق بتفريط منه، ضمنه،
وإن كان بغير تفريط لم يضمنه، سواء كان التنور في ملك أحدهما أو أجنبي.
4276. السادس عشر: إذا استأجر لحفظ ما في البيت من القماش وبيعه.
لم يضمنه. وإذا سرق الثياب من الحمام لم يكن على صاحبه شئ، إلا أن
يودع فيفرط.
4277. السابع عشر: إذا حبس حرا أو عبدا فسرقت ثيابه (3) كان
عليه الضمان. ولو قال له الحر: اقطع يدي، فقطعها، لم يضمنها، ولو قال له
عبد ضمنها.

1. في «أ»: باليد العالية.
2. المبسوط: 3 / 242 - 243.
3. في «ب»: فسرق من ثيابه.
122

4278. الثامن عشر: إذا استأجره للعمل في عين، كالثوب فقصره، فتلف بغير
سببه، فلا ضمان إلا مع التعدي، مثل أن يلبس الثوب، ثم يسرق من حرزه، فعليه
ضمانه بقيمته أكثر ما كانت من يوم التعدي إلى يوم التلف، وإن كان التلف بسببه،
ضمنه يوم الجناية.
4279. التاسع عشر: إذا استأجره ليحجم حرا أو عبدا، أو يعلمه صنعة، فتلف
لم يضمن إلا بالتعدي.
ولو استأجره ليحمل شيئا، فتلف في الطريق، لم يضمنه إلا مع التعدي أو
التفريط، سواء كان صاحبه حاضرا معه أو لا.
ولو أخرج روشنا (1) أو جناحا إلى طريق، فتلف به شئ ضمنه.
ولو عزر الإمام أو حد من يستحق ذلك فتلف لم يضمن.
4280. العشرون: إذا استأجر ثوبا ليلبسه فائتزر (2) به، ضمنه، وله أن يقيل (3) فيه،
وليس له البيتوتة فيه.
4281. الحادي والعشرون: إذا استأجر دابة لقطع المسافة، فأمسكها قدر قطعها
من غير تسيير، استقرت الأجرة عليه، فإذا أمسكها بعد المدة، ففي وجوب
الضمان ومؤنتها ومؤنة الرد إشكال، ويلوح من كلام الشيخ وجوب ذلك كله
عليه (4).

1. كلمة فارسية بمعنى الكوة.
2. هذا هو الصحيح، وأما إتزر بقلب الهمزة تاء فهو لغة عامية لأنها لا تقلب تاء.
3. قال قيلا: نام وسط النهار. المعجم الوسيط: 2 / 770.
4. المبسوط: 3 / 249.
123

الفصل السابع: في باقي الأحكام
وفيه واحد وثلاثون بحثا:
4282. الأول: إذا تمت الإجارة بأركانها، ملك المستأجر المنافع المعقود
عليها إلى المدة، ويكون حدوثها على ملكه لا ملك المؤجر، ويملك المؤجر
مال الإجارة بمجرد العقد مع الإطلاق، أو اشتراط التعجيل، ولا يشترط في ذلك
استيفاء المنفعة ولا مضي وقتها، سواء كانت معينة، كالثوب والدار، والعبد، أو
غير معينة.
ولو كانت الإجارة على عمل، ملك الأجير بالعقد أيضا مال الإجارة، وهل
يستحق تسليمه قبل تسليم العمل؟ فيه نظر، فإن قلنا به وكان العمل في ملك
الصانع لم يبرأ من العمل، ولا يستحق الأجر حتى يسلم العين، وإن كان في ملك
المستأجر، استحق الأجر بنفس العمل، ولو استأجر كل يوم بأجر معلوم، استحق
أجر كل يوم فيه.
4283. الثاني: إذا اشترط تأجيل الأجر، صح بشرط أن يكون الأجل
مضبوطا، ولو شرطه منجما يوما بيوم، أو شهرا بشهر، أو أقل من ذلك أو أكثر،
جاز، ولو خالف في تقسيط الأجرة في النجوم، صح بشرط الضبط. (1)
4284. الثالث: إذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر، فإن سلمت

1. في «ب»: القسط.
124

العين إليه، ومضت المدة من غير مانع له عن الانتفاع، استقر الأجر، وإن لم ينتفع
المستأجر، وكذا لو استأجر للعمل ومضت مدة يمكن استيفاؤه فيها، مثل أن
يستأجر دابة ليركبها إلى موضع، ومضت مدة يمكن ركوبها فيها.
ولو بذل المؤجر العين، فامتنع المستأجر من أخذها مع إمكانه، ومضت
مدة الاستيفاء، استقرت الأجرة.
ولو كانت الإجارة متعلقة بعبد وشبهه على عمل موصوف، كخياطة ثوب،
وبناء حائط، وقلع ضرس، وبذل المؤجر العين، ومضت مدة يمكن استيفاؤه
فيها، فامتنع من أخذها، ففي استقرار الأجرة نظر.
ولو كانت الإجارة فاسدة، وعرضها على المستأجر، فلم يأخذها، فلا أجر
عليه، وإن مضت المدة، ولو قبضها المستأجر، ومضت المدة المشروطة، أو مدة
يمكن استيفاء العمل فيها، احتمل وجوب أجرة المثل وعدمه، أما لو استوفى
المنفعة، فإنه تلزمه أجرة المثل لا أقل الأمرين من المسمى والأجرة.
4285. الرابع: الإجارة عقد لازم على ما تقدم، لا يثبت فيه خيار المجلس، ولو
شرط الخيار فيه لهما، أو لأحدهما، أو لأجنبي، جاز بشرط ضبطه بالمدة
المعلومة، سواء كانت معينة، مثل أن يستأجر هذا العبد، أو مطلقة في الذمة، مثل
أن يستأجر لخياطة ثوب.
4286. الخامس: إذا استأجر عينا فتلفت قبل قبضها، انفسخت الإجارة إجماعا،
وكذا لو تلفت بعد قبضها في ابتداء المدة، ولو تلفت بعد مضي بعض المدة، لم
تنفسخ فيما مضى، وبطلت في المستقبل، وعليه من الأجر بقدر الماضي، فإن
تساوت أجزاء المدة بسطت الأجرة عليها، وإن اختلفت
125

كموضع تكثر إجارته في وقت دون آخر، بسطت الأجرة على قدر القيمتين في
المدتين لا على المدتين، وكذا التفصيل لو أبق العبد.
4287. السادس: لو غصبت العين المستأجرة بعد التمكين التام والإقباض، لم
تبطل الإجارة، وكان على المستأجر دفع الأجرة، وله مطالبة الغاصب بأجرة
المثل، سواء زادت عن المسمى، أو نقصت.
وإن كان قبل الإقباض، تخير المستأجر في الفسخ مع الرجوع على
المالك بالمسمى، وفي الرجوع على الغاصب إن اختار الإمضاء، وإن اختار
الفسخ، كان له، ويسقط عنه مال الإجارة، ويسترده مع الدفع، ولو ردت العين
في الأثناء، ولم يكن قد فسخ، كان له استيفاء الباقي، وكان الخيار فيما مضى.
ثابتا، وليس له مطالبة المالك بالانتزاع، وإن كان متمكنا منه.
ولو أقر المالك بالرقبة تثبت في حقه، ولم تثبت في حق المستأجر، بل
كان له مخاصمة الغاصب، ولو كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب، أو حمل
شئ، فمات العبد أو الخياط أو الجمل الحامل، لم تنفسخ الإجارة، وكان عليه
إقامة من يعمل ذلك، وكذا لو غصب، ولو تعذر البدل، تخير المستأجر في
الفسخ والصبر حتى يظفر بالعين المغصوبة.
ولو منعه المالك من استيفاء المنفعة في ابتداء المدة، كان له الفسخ،
والأقرب أن له الإمضاء فيرجع بالتفاوت إن كان.
ولو غصب المستأجر العين المستأجرة، كان ذلك استيفاء للمنافع،
ولو أبق العبد في الأثناء، كان للمستأجر البقاء، فإن رجع قبل الانقضاء،
انفسخ فيما مضى حال الإباق، ولا ينفسخ في الباقي، ولو لم يرجع انفسخت
في الباقي خاصة.
126

4288. السابع: لو استأجر مسكنا وحصل خوف في ذلك البلد عام يمنع
السكنى فيه، أو يحصر البلد، فيمتنع من الخروج (1) إلى العين المستأجرة للزرع،
ففي ثبوت الخيار للمستأجر إشكال.
ولو استأجر دابة ليركبها، أو يحملها إلى موضع معين، فانقطعت تلك
الطريق لخوف الناس، أو استأجر إلى مكة فامتنع الناس من الحج تلك السنة،
فالأقرب ثبوت الخيار لكل منهما بين الفسخ والإمضاء.
ولو كان الخوف مختصا بالمستأجر، كقرب عدوه من ذلك المكان، أو
حبس، أو مرض، أو ضاعت نفقته، أو تلف متاعه، لم يملك الفسخ.
4289. الثامن: لو وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا، تخير في الفسخ
والإمضاء بالجميع، وليس له المطالبة بالبدل.
ولو تجدد العيب بعد العقد، كان للمستأجر الفسخ في الباقي
والإمضاء بالجميع.
فلو انهدمت الدار كان على المالك عمارتها، وللساكن خيار الفسخ، وهل
له إجبار المالك على العمارة؟ فيه نظر.
ولو باع المالك العين كان عدم الإجبار أولى، سواء سبق البيع الهدم،
أو تأخر.
ولو اختلفا في كون الموجود عيبا، رجع إلى أهل الخبرة، ولو كانت
الإجارة في الذمة لم يكن له الفسخ، وكان له الإبدال.

1. في «أ»: فيمنع من الخروج.
127

4290. التاسع: يجوز أن يستأجر كحالا ليكحل عينه، ويفتقر إلى
تقديره بالمدة لا العمل، ولا بد من ذكر المرة في كل يوم، أو المرتين، ولو قدره
بالبرء، لم يجز إلا على وجه الجعالة، والكحل على العليل، ولو شرطه
على الكحال، جاز، أما الخيوط، فعلى الخياط، وكذا المداد والأقلام على
الناسخ لا المستأجر.
ولو استأجره لبناء حائط، وشرط الآجر على الصانع، فالوجه الجواز،
والصبغ على الصباغ، واللبن على المرضعة.
وإذا استأجره مدة فكحله فيها ولم تبرأ عينه استحق الأجرة، ولو برأت
عينه في أثناء المدة، انفسخت الإجارة في الباقي، وكذا لو مات.
ولو امتنع من الاكتحال مع بقاء المرض، استحق الكحال الأجر بمضي
المدة، أما لو قال أهل الطب: إن الكحل يضره، فحكمه حكم البرء.
ويجوز استئجار الطبيب للمداواة، والحكم فيه كالكحل، ولو اشترط
المريض الدواء على الطبيب، فالأقرب الجواز.
ولو استأجره لقلع ضرسه، جاز، فإن برأ قبل القلع، انفسخت الإجارة، ولو
لم يبرأ وامتنع المستأجر من قلعه، لم يجبر عليه، وعليه الأجرة إذا مضت
مدة العمل.
4291. العاشر: يجوز أن يستأجر لرعي ماشية معينة أو زمانا معينا، فان
عينها تعينت، ويبطل العقد لو ماتت، ولو مات بعضها بطل فيه، وليس له إلزامه
برعي البدل، ولو ولدت لم يجب عليه رعي السخال، ولو قرن الرعي بالمدة،
128

وجب ذكر الجنس، كالإبل، أو البقر، أو الغنم، والنوع كالبخاتي (1) والجواميس، أو
العراب (2) والضأن أو المعز.
ولو أطلق البقر، فالأقرب عدم دخول الجواميس، وفي دخول البخاتي في
إطلاق الإبل إشكال، ولو وقع العقد في موضع يقع الإطلاق عليهما بالسوية
افتقر إلى التعيين، ولا بد من ذكر الكبير والصغير، فيقول: كبارا أو صغارا (3).
وإذا عين العدد لم يجب عليه الزيادة، وإن كان من سخالها، ولو لم يعين
العدد، بل استأجره لرعي مدة، قال الشيخ: يسترعيه القدر الذي يرعاه الواحد
عادة من العدد، فلو اقتضت مائة، لم يجب الزائد ولو تلف شئ منها كان له
الإبدال، ولو نتجت كان عليه ان يرعى السخال معها للعادة 4 ولو قيل: بالبطلان
كان وجها.
4292. الحادي عشر: إذا ظهر للمؤجر عيب في الأجرة سابقا على القبض، كان
له الفسخ، أو المطالبة بالعوض، إن كانت الأجرة مضمونة، وإن كانت معينة، كان
له الرد أو الأرش لا المطالبة بالبدل.
ولو أفلس المستأجر بالأجرة، فسخ المؤجر إن شاء.
4293. الثاني عشر: يكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة، وأن
يضمن مع انتفاء التهمة، ولو استعمل قبل الشرط، كان له أجرة المثل، ولو
شارطه وأعطاه بالمشترط عرضا، ثم تغير سعره، كان عليه بسعر وقت إعطاء
المال، دون وقت المحاسبة.

1. البخاتي واحدها بختي وهي الإبل الخراسانية. المعجم الوسيط: 1 / 41.
2. خيل عراب: خلاف البراذين. وإبل عراب: خلاف البخاتي. المعجم الوسيط: 2 / 591.
3. في «أ»: أو سخالا.
4. المبسوط: 3 / 251.
129

4294. الثالث عشر: الأجير الخاص هو الذي يستأجر مدة معينة،
والمشترك هو الذي يستأجر للعمل مجردا عن المدة، فالأول لا يجوز له العمل
لغير المستأجر، إلا بإذنه في المدة، والثاني يجوز.
4295. الرابع عشر: إذا تعدى المستأجر في العين، ضمنها وقت العدوان، ولو
اختلفا في القيمة، فالقول قول المستأجر مع يمينه، وقيل: قول المالك إن كانت
دابة، والوجه الأول، ويجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها بمجرى العادة،
فلو أهمل ضمن.
4296. الخامس عشر: من استأجر رجلا لينفذه في حوائجه كانت نفقة
الأجير على المستأجر، إلا أن يشترطها على الأجير، قاله الشيخ (1) ومنعه ابن
إدريس 2 وفيه قوة.
4297. السادس عشر: إذا أفسد المملوك فيما استؤجر فيه بإذن مولاه،
كان لازما للمولى في كسب العبد.
4298. السابع عشر: إذا استحق المؤجر الأجرة فأسقطها، صح، ولو
أسقط المستأجر النفقة المعينة، لم تسقط، أما لو أبرأه عما استحقه في ذمته من
العمل، فإنه يصح.
4299. الثامن عشر: إذا تسلم أجيرا ليعمل له صنعة فهلك، لم يضمنه،
صغيرا كان أو كبيرا، وسواء كان حرا أو عبدا.
4300. التاسع عشر: إذا دفع إلى الصانع شيئا ليعمله، فإن عقد معه

1. النهاية: 447.
2. السرائر: 2 / 468.
130

إجارة صحيحة، لزمه المسمى، وإن كانت فاسدة، فأجرة المثل، وإن لم يعقد
لكن صرح له بإعطاء الأجر، فأجرة المثل أيضا، وكذا لو عرض له بإعطاء الأجرة،
مثل أن يقول: خذ هذا فاعمله، وأنا أعلم أنك لا بد لك من أجرة.
ولو لم يعرض ولم يصرح، فإن كان ممن عادته أخذ الأجرة عليه، بأن
يكون منتصبا لذلك، فله أجرة المثل أيضا، وإن لم تجر له عادة بالأجرة عليه،
فإن كان الفعل مما يستحق عليه الأجر، كان له أجرة المثل، وإن لم تكن له أجرة،
لم يلتفت إلى مدعيها، وكذا البحث لو دفع سلعة ليبيعها.
ولو تلفت السلعة من حرزه من غير تفريط، لم يضمنها، ولو تلفت
بفعله ضمنها.
4301. العشرون: إذا استأجر رجلا ليحمل له كتابا إلى صاحب له غائب،
فلم يجده في الموضع المشترط، فرجع به إلى صاحبه، استحق الأجر
لذهابه وعوده.
4302. الحادي والعشرون: إذا اختلفا في قدر مال الإجارة ولا بينة،
فالقول قول المستأجر مع اليمين، وقال في الخلاف: الذي يليق بمذهبنا
استعمال القرعة (1) ولو تعارضت البينتان، حكم لبينة المؤجر معها.
4303. الثاني والعشرون: لو اختلفا في المدة، مثل أن يقول: آجرتك
سنة بدينار، فيقول: بل سنتين بدينارين، فالقول قول المالك مع يمينه وعدم
البينة، ولو قال: بل سنتين بدينار، فها هنا اختلاف في العوض والمدة، فالأقرب

1. الخلاف: 3 / 521، المسألة 10 من كتاب المزارعة.
131

فيه أن يتحالفا، ويفسخ العقد بينهما، وحلف كل واحد منهما على نفي ما ادعاه
الآخر (1) ولو رضى أحدهما بيمين صاحبه، أقر العقد.
ولو قال المالك: أجرتكها سنة بدينار، فقال: بل استأجرتني لحفظها سنة
بدينار، فالقول قول المالك مع السكنى سنة.
4304. الثالث والعشرون: لو اختلفا في أصل الإجارة، فالقول قول المنكر،
وكذا لو اختلفا في قدر المستأجر، ولو اختلفا في رد العين المستأجرة إلى
مالكها، فالقول قول المالك.
4305. الرابع والعشرون: لو اختلفا في التعدي في العين المستأجرة،
فالقول قول من ينكره، ولو ادعى المستأجر إباق العبد من عنده بغير تفريط، أو
أن الدابة قد شردت من غير انتفاع بهما، فالأقرب أن القول قوله مع يمينه، وكذا
لو ادعى التلف من غير تفريط.
ولو ادعى أن العبد مرض في يده، فالأقرب التفصيل، فإن جاء به صحيحا،
فالقول قول المؤجر، وإن جاء به مريضا، فالقول قوله، وكذا لو ادعى إباق العبد
في حال إباقه، أو جاء به غير آبق.
ولو هلكت العين فاختلفا في وقت هلاكها، أو أبق العبد، أو مرض،
فاختلفا في وقت ذلك، فالأقرب أن القول قول المستأجر مع اليمين، لأن الأصل
عدم العمل.
4306. الخامس والعشرون: إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري

1. في «ب»: على نفي ما ادعاه صاحبه الآخر.
132

هلاك المتاع، وأنكر المالك، كلفوا البينة، ومع عدمها، يلزمهم الضمان، ولو قيل:
ان القول قولهم مع اليمين كان أولى، وكذا البحث لو ادعى المالك
التفريط فأنكروا.
4307. السادس والعشرون: قال الشيخ: يجوز السلم في المنافع، فإن
ذكر بلفظ السلم، كان من شرطه قبض الأجرة في المجلس، وإن كان بلفظ
الإجارة، مثل أن يقول: استأجرت منك ظهرا صفته كذا، قيل فيه وجهان:
أحدهما اشتراط القبض في المجلس، والثاني عدمه (1) ولم يرجح شيئا.
4308. السابع والعشرون: إذا اختلفا، فقال المؤجر: وسع قيد
المحمل المقدم وضيق المؤخر، ليكون أسهل على الجمل، وطلب الراكب
العكس، ليكون أسهل عليه، لم يقبل من أحدهما، ووضع مستويا.
4309. الثامن والعشرون: إذ استأجرها للرضاع فانقطع اللبن،
بطلت الإجارة، ولو استأجرها للرضاع والحضانة، فانقطع اللبن، فالأقرب تخير
المستأجر بين الفسخ والإمضاء إما بالجميع أو بقدر الحصة على إشكال.
4310. التاسع والعشرون: إذا استأجر دارا ليس لها باب ولا ميزاب، لم
يكن على المؤجر تجديده، فإن علم المستأجر، فلا خيار، وإلا فله الفسخ.
4311. الثلاثون: الملك المشترك لا يجوز لأحد من أربابه الانفراد
بأجرته وإجارته دون باقي الشركاء، فإن تشاحوا تناوبوا بمقدار من الزمان.
4312. الحادي والثلاثون: أجرة العبد لمولاه، ولو شرط المستأجر للعبد

1. المبسوط: 3 / 232.
133

شيئا من غير علم المولى، لم يجب الوفاء به، ولا يحل للمملوك أخذه، فإن
أخذه، وجب عليه رده على مولاه، قاله الشيخ (1) والوجه بقاؤه على الدافع.

1. النهاية: 448.
134

كتاب المزارعة
135

المقصد الثاني: في المزارعة
وفيه فصلان
[الفصل] الأول: في الماهية والشرائط
وفيه اثنا عشر بحثا:
4313. الأول: المزارعة والمخابرة شئ واحد، والمزارعة مشتقة من الزرع،
والمخابرة مشتقة من الخبار، وهي الأرض اللينة، وهي دفع الأرض إلى من
يزرعها بحصة مشاعة مما يخرج منها، وهي جائزة سواء كانت الأرض بيضاء،
أو كان بينها نخل بقدر البياض.
وهي عقد لازم لا يبطل إلا بالتقايل، ولا يبطل بموت أحد المتعاقدين،
وعبارته أن يقول: زارعتك على هذه الأرض مدة معينة بحصة معينة من
حاصلها، وكذا ينعقد بقوله: ازرع هذه الأرض، على ما قلنا، أو سلمت هذه
الأرض للزراعة بالحصة المعلومة.
4314. الثاني: يشترط في المزارعة أمور أربعة: أن يكون النماء مشاعا،
137

وأن يكون نصيب كل منهما معلوما، وتعيين المدة، (1) وإمكان الانتفاع بالأرض،
فلو شرط كل منهما الانتفاع بشئ منه معين، مثل أن يكون لأحدهما الأفل
وللآخر الهرف، (2) أو ما يزرع على الجداول والآخر ما يزرع في غيرها، أو يشترط
أحدهما زرع ناحية والآخر زرع أخرى، أو يشترط أحدهما الشتوي والآخر
الصيفي، أو أحدهما قدرا معينا والآخر الباقي إما منفردا، أو مع نصيبه، بطلت. (3)
4315. الثالث: يجوز اشتراط التساوي في النماء والتفاضل فيه، واشتراط
ذهب أو فضة على كراهية، وكذا اشتراط قفيز معين من غير الأرض المزروعة،
ولو شرط أحدهما قفيزا معلوما من الحاصل، وما زاد بينهما، ففي البطلان نظر،
وكذا لو شرط أحدهما إخراج بذره، والباقي بينهما، فإن فيه خلافا، والجواز
حسن، فحينئذ إن شرط إخراج البذر (وسطا) (4) جاز، وإن لم يشترط لم يخرج،
وقسم الحاصل على قدر الشرط.
4316. الرابع: الشروط قسمان: منها ما يقتضي جهالة نصيب كل واحد
منهما، مثل أن يشرط أحدهما نصيبا مجهولا، أو اشتراط قفزان معلومة من
الحاصل، فهذا يبطل المزارعة، ومنها ما لا يقتضي ذلك، كعمل رب الأرض، أو
غلامه، أو عمل العامل في شئ آخر، فهذا لا يبطل المزارعة.
ولو شرط أنه إن سقى سيحا فله كذا، وإن سقى بدولاب وشبهه فكذا ففي
الجواز إشكال.

1. في «أ»: وتعيين الملك.
2. الهرف: ما يعجل من الثمر وغيره. المعجم الوسيط: 2 / 982. والمراد منه هنا المتقدم من الزرع
أي ما زرع عاجلا، و «الأفل» خلافه.
3. قوله «بطلت» جواب لقوله «فلو شرط».
4. ما بين القوسين يوجد في «ب».
138

ولو قال: إن زرعت حنطة فلي الربع، وإن زرعت شعيرا فالثلث، وإن
زرعت باقلاء فلي النصف بطل، وكذا لو قال: ما زرعت فيه من حنطة فلي الربع،
وما زرعت فيه من شعير فالثلث، وما زرعت من باقلاء فالنصف.
ولو قال: ما زرعتها من شئ فلي نصفه، صح، وكذا يصح لو جعل له ثلث
الحنطة وربع الشعير ونصف الباقلاء إذا عين ما يزرع من كل واحد منها، إما
بتقدير البذر، أو المكان بالمشاهدة أو المساحة.
4317. الخامس: قيل: يكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير
مما يخرج منها، والوجه البطلان، ويجوز بحنطة أو شعير في الذمة، أو من
غيرها موجود.
4318. السادس: يجب تعيين مدة الزرع بالأشهر المضبوطة، ولو اقتصر
على تعيين المزروع من غير ذكر المدة، فوجهان أقربهما البطلان.
4319. السابع: إذا عينا مدة معلومة، فأدرك الزرع في بعضها، فالأقرب
أنه ليس للعامل زرع الأرض مرة ثانية، وإن كان يدرك مع انتهاء تلك المدة، هذا
إذا عينا المزروع، ولو أطلقه، أو كانت العادة تقتضي زرعه مرتين، فإنه يجوز كما
لو شرط زراعة سنتين فصاعدا، ولو انتهت المدة قبل إدراكه، فالأقرب أن للمالك
إزالته، سواء كان بسبب العامل كالتفريط أو من قبل الله تعالى كتغير الهواء
وتأخير (1) الماء عن وقت العادة.
ولو اتفقا على التبقية بعوض أو بغير عوض، جاز، لكن مع شرط العوض
يفتقر إلى تعيين المدة.

1. في «أ»: أو تأخير.
139

ولو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدة المشروطة،
فالأقرب البطلان.
4320. الثامن: إذا ترك العامل الزراعة حتى انقضت المدة، لزمته أجرة
المثل، ولو كان قد استأجرها لزمته الأجرة.
4321. التاسع: يجب كون الأرض التي يزار عليها مما ينتفع بها، بأن
يكون لها ماء إما من نهر، أو بئر، أو عين، أو مصنع، أو غيث معتاد، ولو تعذر
وصول الماء إليها، لم تصح المزارعة. ولو زارع على ما لا ينحسر الماء عنه، أو
ينحسر بعد المدة، أو في أثنائها بعد فوات الوقت المعتاد للزرع، لم تصح، ولو
كان قليلا يمكن معه بعض الزرع جاز، ولو كان ينحسر عنها بالتدريج، فالأقرب
جواز المزارعة لا الإجارة للزرع، للجهل بوقت الانتفاع.
4322. العاشر: لو انقطع الماء في أثناء المدة فإن كان الزرع يحتاج إليه
تخير العامل في الفسخ والإمضاء إن كان (1) قد زارع عليها، أو استأجرها للزراعة،
وعليه أجرة ما سلف، ويرجع بما قابل المدة المتخلفة.
4323. الحادي عشر: إذا أطلق المزارعة، كان له أن يزرع ما شاء، وإن
عين المزروع، لم تجز المخالفة، فإن زرع ما هو أضر كان للمالك أجرة المثل إن
شاء أو المسمى مع الأرش، ولو كان أقل ضررا، جاز.
4324. الثاني عشر: لو اشترط الزرع والغرس، فالأقرب وجوب تعيين مقدار
كل واحد منهما، وكذا البحث لو استأجر لزرعين أو غرسين
مختلفي الضرر.

1. في «ب»: إذا كان.
140

الفصل الثاني: في الأحكام
وفيه ثمانية عشر بحثا:
4325. الأول: إذا كان في الأرض شجر فساقاه على الشجر، وزارعه على
الأرض التي بين الشجر، صح، سواء قل بياض الأرض أو كثر، فإذا قال: ساقيتك
على النخل، وزارعتك على الأرض مدة كذا على النصف، جاز، وكذا لو قال:
عاملتك على الأرض والشجر بالنصف.
ولو قال: زارعتك على الأرض بالنصف، وساقيتك على الشجر بالربع، أو
بالعكس، جاز.
ولو قال: ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف، ففي الجواز إشكال، من
حيث إن المزارعة تستلزم السقي، (1) وإن شرط المساقاة المعاملة على أصل ثابت،
والأقرب الجواز، مع إرادة المجاز الشرعي (2)، وكذا البحث في الأرض البيضاء
(ولو قال: ساقيتك على هذه الأرض بنصف ما يزرع فيها) (3).
ولو قال: ساقيتك على الشجر بالنصف، ولم يذكر الأرض لم تدخل في

1. وجه للجواز، كما أن ما بعده وجه لعدمه.
2. أي استعمال اللفظ في المعنى الجامع بين المزارعة والمساقاة.
3. ما بين القوسين موجود في نسخة «ب» ولعل الصحيح «لو قال» بحذف «الواو» ليكون مثالا
للأرض البيضاء.
141

العقد، وليس للمالك أن يزرع، ولو شرط رب الأرض أن يزرع هو دون
العامل، جاز.
ولو زارعه أرضا فيها نخلات يسيرة، جاز أن يشترط العامل ثمرتها، سواء
كان الشجر بقدر الثلث فما دون، أو أزيد، ولو آجره بياض الأرض وساقاه على
الشجر الذي فيها، جاز سواء فعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو لا.
4326. الثاني: تصح المزارعة إذا كان البذر من رب الأرض والعمل من
العامل، وكذا تصح لو كان البذر والعوامل من العامل، أو كان من أحدهما الأرض
والعمل، ومن الآخر البذر، ولو كان بلفظ الإجارة لم تصح لجهالة العوض.
4327. الثالث: لو كان البذر منهما نصفين، وشرطا أن الزرع بينهما
بالسوية، فهو بينهما كذلك وليس لأحدهما الرجوع على الآخر بشئ، وكذا لو
شرطا التفاضل، فإنه يلزم الشرط، سواء كان الفاضل للمالك أو العامل، وكذا لو
تفاضلا في البذر وتساويا في الحاصل، أو تفاضلا فيه.
4328. الرابع: إذا فسدت المزارعة كان الزرع لصاحب البذر، فإن كان
هو المالك، كان عليه أجرة المثل لعمل العامل، وإن كان هو العامل، كان عليه
أجرة مثل الأرض لربها، ولو كان البذر منهما فالزرع لهما ويترادان الفاضل من
أجرة مثل الأرض التي فيها نصيب العامل وأجرة العامل بقدر عمله في نصيب
صاحب الأرض.
ولو قال: صاحب الأرض آجرتك نصف أرضي مدة كذا بنصف بذرك
ونصف منفعتك ومنفعة عواملك وآلتك، وأخرج العامل البذر كله، لم تجز،
لجهالة المنفعة، ولو أمكنت معرفة المنفعة وضبطها وضبط البذر، جاز.
142

4329. الخامس: لو قال صاحب الأرض: أنا أزرع الأرض ببذري
وعواملي، ويكون سقيها من مائك، والزرع بيننا، جاز.
4330. السادس: لو اشترك ثلاثة من أحدهم الأرض، ومن الآخر البذر،
ومن الآخر العوامل والعمل، فالأقرب الجواز على إشكال بلفظ المزارعة لا
الشركة، وكذا لو كانوا أربعة، وكان العوامل والعمل من اثنين، ولو كان شركة لم
تصح، وكان الزرع لصاحب البذر، ولصاحب الأرض والفدان (1) والعمل، الأجرة
عليه ولا يجب عليه الصدقة بالفاضل.
ولو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم
وأعوانهم على الشركة في الحاصل على قدر مالهم، جاز.
4331. السابع: لو زارع رجلا على أرض أو آجره إياها فسقط من الحب
الحاصل من الزرع في تلك الأرض عاما آخر، فهو لصاحب البذر لا لصاحب
الأرض، إلا أن يكون صاحب البذر أسقط حقه منه.
4332. الثامن: إذا تنازعا في المدة، فالقول قول منكر الزيادة، ولو اختلفا
في قدر الحصة، فالقول قول صاحب البذر مع يمينه، ولو أقاما بينة، قدمت بينة
العامل، وقيل: يرجع إلى القرعة. (2)
4333. التاسع: لو ادعى [العامل] العارية وادعى المالك الحصة أو
الأجرة ولا بينة، تحالفا، ويثبت لصاحب الأرض أجرة المثل، وقيل: القرعة، 3 إذا
عرفت هذا فللزارع تبقية الزرع إلى وقت أخذه.

1. الفدان: المحراث وربما يقال: الثوران يقرن بينهما للحرث. لاحظ المعجم الوسيط، والمنجد.
2. كما في شرائع الإسلام: 2 / 152.
3. كما في شرائع الإسلام: 2 / 153.
143

4334. العاشر: لو ادعى العارية وادعى المالك الغصب، فالقول قول
المالك مع يمينه، وكان له أجرة المثل وأرش الأرض إن عابت وطم الحفر، ولا
يجب على المالك تبقية الزرع إلى وقت أخذه، بل للمالك قلعه وإن لم يدرك
بغير أرش عليه، وكذا لو ادعى الإجارة، وادعى المالك الغصب.
4335. الحادي عشر: يجوز للمزارع أن يزارع غيره مع الإطلاق، وإن لم
يأذن المالك، وكذا له أن يشارك غيره في العمل، ولو شرط المالك العمل بنفسه
لم تجز المشاركة ولا مزارعة الغير.
4336. الثاني عشر: خراج الأرض ومؤونتها على ربها، ولو شرطه على العامل
أو بينهما، جاز.
4337. الثالث عشر: يجوز للمالك خرص الزرع على العامل، ولا يجب
على العامل القبول، فإن قبل، صح، وعليه دفع حصة الأرض، سواء زاد الخرص
[عن الواقع]، أو نقص، وكان مشروطا بالسلامة (1) فلو تلف الزرع بآفة سماوية،
أو أرضية من غير تفريط من العامل، لم يكن عليه شئ.
وقال ابن إدريس: إن كان ذلك بيعا إما بحاصلها أو بغيره، بطل، وإن كان
صلحا من حاصلها، بطل، وإن كان من غيره، لزم، وإن تلفت الغلة بالآفات
السماوية وغيرها 2 وفيه قوة.
4338. الرابع عشر: الحصة التي يأخذها المزارع الذي منه العمل دون
البذر، يملكها بالزراعة، لا بالإجارة، فلو بلغت النصاب وجبت الزكاة فيها عليه لا

1. أي استقرار ما فرض مشروط بالسلامة.
2. السرائر: 2 / 450 - 451.
144

على المالك، وكذا المالك إن بلغ نصيبه النصاب وجبت الزكاة فيه عليه وإلا فلا.
4339. الخامس عشر: إذا سوغنا اشتراط إخراج البذر أو لا على ما ذهب
إليه الشيخ (1) وابن إدريس 2 فاختلفا في قدره، فالقول قول العامل إن كان البذر من
رب الأرض، ولو كان من العامل ففي تقديم قوله نظر.
ولو ادعى أحدهما اشتراط حصة معينة، والآخر مجهولة، فالقول قول
مدعي الصحة، وكذا البحث في الإجارة.
4340. السادس عشر: إذا شرط الخراج على العامل، وكان قدرا
معلوما، جاز، وكان لازما له، فإن زاد السلطان، كانت الزيادة على المالك، ولم
يتعرض الشيخ لطرف الجهالة، وفي تسويغ اشتراطه إشكال، ومعه يكون
الخراج بأجمعه على العامل.
4341. السابع عشر: لو زارع على أرض ثم باعها، لم تبطل المزارعة، ووجب
على المشتري الصبر إلى انقضاء المدة إن كان عالما قبل العقد، وإن لم يكن
عالما، تخير بين الصبر بغير عوض ولا أرش على إشكال، وبين الفسخ.
4342. الثامن عشر: من استأجر دارا للسكنى فزرع فيها، أو غرس بغير
إذن المالك، وجب عليه قلعه، وللمالك مع امتناعه قلعه بغير أرش، وله أجرة
المثل وأرش الأرض إن عابت، وطم الحفر، وإن كان بإذنه، لم يكن له القلع
إلا بالأرش.

1. النهاية: 440.
2. السرائر: 444.
145

كتاب المساقاة
147

المقصد الثالث: في المساقاة والنظر في الماهية والشرائط والأحكام
فهاهنا فصلان:
[الفصل] الأول: في ماهيتها وشروطها
وفيه أحد عشر بحثا:
4343. الأول: المساقاة: معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرتها، وهي
مفاعلة من السقي، ولا بد فيها من إيجاب كقوله: ساقيتك، أو عاملتك، أو سلمت
إليك، وما أشبهه، ومن قبول.
وهي عقد صحيح لازم من الطرفين، لا يبطل إلا بالتقايل، ولا ينفسخ
بموت أحد المتعاملين، ولا بجنونه، ولا بالحجر عليه، ولو شرط المريض للعامل
أزيد من أجرة المثل، ففي إخراج الزيادة من صلب المال إشكال.
ولو قال: استأجرتك لسقي البستان حتى تكمل ثمرته بنصف الثمرة، لم
تصح، بخلاف ما لو قال: ساقيتك.
149

4344. الثاني: عقد المساقاة لا يدخل فيه خيار المجلس، لاختصاصه
بالبيع، ولا الشرط، لعدم إمكان رد المعقود عليه، وهو العمل مع الفسخ،
على إشكال.
4345. الثالث: يشترط في الصحة أن تكون المعاملة على أصل ثابت له
ثمرة ينتفع بها مع بقاء عينه، فتصح المساقاة على النخل والكرم وشجر الفواكه،
ولا تجوز المساقاة على ما لا ثمر له من الأشجار ولا ورق ينتفع به،
كالصفصاف، (1) ولا على ما له ثمر غير مقصود كالصنوبر، ولو كان له ورق ينتفع به
كالتوت والحناء، أو زهر مقصود كالورد، فالأقرب جواز المساقاة عليه.
4346. الرابع: لو ساقاه على ودي (2) النخل مغروس، أو على صغار
الشجر إلى مدة يحمل فيها غالبا بجزء من ثمرها، جاز ذلك، ثم إن حمل في تلك
المدة، استحق العامل الحصة، وإلا فلا شئ له.
4347. الخامس: يشترط أن تكون المعاملة على الثمرة، فلو جعل للعامل
مع النصيب من الثمرة نصيبا من الأصل، لم تصح، وكذا لو جعل له جزءا من
ثمرها مدة بقائها، فلو جعل له ثمرة عام بعد مدة المساقاة، ففي البطلان نظر.
4348. السادس: يشترط أن تكون المعاملة (3) على أصل ثابت، فلو ساقاه

1. قال في القاموس: 3 / 237: الصفصاف: شجر الخلاف، واحدته بهاء. مادة (صفف) وقال في
مادة (خلف): الخلاف - ككتاب -: صنف من الصفصاف، سمي خلافا لأن السيل يجيء به سبيا
فينبت من خلاف أصله.
2. قال المصنف في التذكرة: الودي - بكسر الدال وتشديد الياء -: الفسيل. تذكرة الفقهاء: 2 / 342 -
الطبعة الحجرية - وفي مجمع البحرين: الودي - بالياء المشددة -: هو صغار النخل قبل أن يحمل.
3. في «ب»: يشترط وقوع المعاملة.
150

على شجر يغرسه لم تجز، وإن قرنه بمدة يمكن أن يحمل فيها غالبا، ولو قال:
اغرس أرضي فما كان من غلة فلك بحق عملك كذا وكذا، ولي الباقي، لم يجز،
وللمالك القلع مع الأرش وأخذ الغرس بالقيمة إن رضي العامل، ولو اختار
العامل أخذ شجرة كان له ذلك، ولا أرش عليه للأرض، ولو اتفقا على إبقاء
الغرس ودفع الأجرة، جاز، وكذا لو دفع الأرض ليغرسها على أن الغرس بينهما،
أو على أن الأرض والغرس بينهما.
4349. السابع: يشترط كون المدة معلومة لا يتطرق إليها الزيادة
والنقصان، ويكون وجود الثمرة فيها غالبا، ولا تقدير لأكثرها، أما أقلها فيتقدر
بمدة تكمل فيها الثمرة، فلو ساقاه أقل منها لم تصح، وكان له أجرة المثل إن
ظهرت الثمرة، ولو لم تظهر فالأقرب الأجرة أيضا، ولو ساقاه سنة فظهرت
الثمرة في آخرها ولم تكمل، فالعامل شريك.
4350. الثامن: يشترط ذكر الحصة للعامل، فلو أهمل بطلت المعاملة، وكذا
لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة، ويجب كون الحصة مشاعة، فلو شرط
أحدهما ثمرة نخلات بعينها والآخر الباقي لم يجز، وكذا لو شرط لنفسه أرطالا
معينة، وللآخر الباقي، أو شرطا إخراج قدر معين من الثمرة لأحدهما
والباقي بينهما.
4351. التاسع: يجب كون الحصة معينة، سواء قلت أو كثرت، وسواء
كانت جزءا واحدا كالثلث، أو أجزاء كالخمسين، أو سدس، ونصف سبع، فلو
أبهما كالسهم والحظ والنصيب لم يصح، وكذا لو قال: ساقيتك على أن نصف
الثمرة لي، وسكت على إشكال، ولو قال: على أن نصف الثمرة لك وسكت،
151

صح، ويجوز أن يجعل لكل صنف من الشجر حصة على حدة، سواء ساوت
الأخرى أو لا، لكن يشترط مع المفاوتة أن يكون العامل عارفا بكل نوع.
4352. العاشر: لو شرط في العقد أنه إن سقى سيحا فالنصف، وبالناضح
الثلث، فالأقرب البطلان، ولو قال: لك الخمسان إن كان عليك خسارة، وإلا
فالربع، فكذلك.
4353. الحادي عشر: يجوز ان يشترط أحدهما على الآخر شيئا من
ذهب أو فضة على كراهية، ويجب الوفاء بالشرط لو وقع، ولو تلفت من الثمرة
لم يلزم.
الفصل الثاني: في الأحكام
وفيه سبعة وعشرون بحثا:
4354. الأول: لو ساقاه في هذا الحائط بالثلث على أن يساقيه في الحائط الآخر
بجزء معلوم، صح.
4355. الثاني: إذا شرط المالك على العامل عملا معينا وجب على العامل
القيام به، فإن أخل بشئ منه، تخير المالك بين فسخ العقد وإلزامه بأجرة العمل،
وكذا لو أخل بجميعه.
وإن أطلق المساقاة، اقتضى الإطلاق قيام العامل بجميع ما فيه استزادة
152

النماء من الرفق، أو حرث الأرض تحت الشجر، وإصلاح الأجاجين (1) وسقي
الشجر، واستقاء الماء، وإصلاح طرق الماء، وتنقية الأرض من الحشيش المضر
بالشجر، والشوك، وقطع الشجر اليابس، وتهذيب الجريد، وزبار الكرم (2) وقطع
ما يحتاج إلى قطعة، وإدارة الدولاب، والبقر التي تديره وتحرث الأرض (3)
والتلقيح، والتعديل، واللقاط، والجذاذ، وإصلاح موضع التشميس، ونقل الثمرة
إليه، وحفظها على رؤوس الشجر إلى وقت قسمتها.
ويجب على المالك القيام بما فيه حفظ الأصل، كبناء الجدار، وإنشاء النهر،
وعمل الدولاب وحفر البئر، وإقامة الدالية، وهل كش (4) التلقيح على العامل أو
المالك؟ فيه إشكال ينشأ من كونه غير عمل، ومن كون التلقيح لا يتم إلا به،
فأشبه بقر الحرث، واختار الشيخ الثاني (5) وابن إدريس الأول 6.
وأما تسميد الأرض بالزبل، فعلى المالك شراؤه، وعلى العامل تفريقه
على الأرض إن احتاجت الثمرة إليه.
4356. الثالث: إذا أطلقا العقد ولم يبينا ما على كل واحد منهما، فعلى
كل منهما ما ذكرنا أنه عليه، وإن شرطاه كان تأكيدا، وإن شرطا على أحدهما شيئا
يلزم الآخر، صح إلا أن يشترط العامل على المالك القيام بجميع العمل، ولو

1. الأجاجين جمع إجانة بالكسر والتشديد، والمراد بها هنا الحفر التي يقف فيها الماء في أصول
الشجر التي تحتاج إلى السقي، لاحظ تذكرة الفقهاء: 2 / 346 - الطبعة الحجرية -.
2. والمراد به كما قيل: تقليمه وقطع رؤوس الأغصان المضر بقاؤها على الثمرة والأصل.
3. في «أ»: وتحريث الأرض.
4. الكش - بالضم -: ما يلقح به النخل. لسان العرب.
5. المبسوط: 3 / 210.
6. السرائر: 2 / 451.
153

شرط القيام بأكثره جاز، ولا بد أن يكون ما يشترطه المالك على العامل مما قلنا
انه على المالك معلوما.
4357. الرابع: لو شرط أن يعمل معه غلمان المالك، جاز، ولو شرط أن يكون
عمل الغلمان لخاص العامل فالأقرب الجواز، وكذا الأقرب جواز اشتراط عمل
المالك معه.
إذا ثبت هذا فإن نفقة الغلمان على مالكهم لا على العامل، ولو شرطها
المالك على العامل جاز، وهل يشترط حينئذ تقديرها؟ فيه نظر، ولا بد من معرفة
الغلمان المشروط عملهم برؤية أو صفة تحصل بها المعرفة. (1)
4358. الخامس: لو شرط العامل أن أجر الأجراء الذين يحتاج إلى
الاستعانة بهم من الثمرة، وقدر الأجرة، فالأقرب الجواز، ومنعه الشيخ وأبطل
معه العقد 2 وكذا لو شرطها على المالك، ولو لم يقدر الأجرة، فالأقرب البطلان.
4359. السادس: تصح المساقاة على الثمرة المعدومة إجماعا، والأقرب
جوازها على الموجودة بشرط أن يكون في العمل ما يستزاد به الثمرة، وإن بقي
ما لا يستزاد به الثمرة كالجذاذ لم يجز، وعلى هذا إن كانت الثمرة قد بدا
إصلاحها قبل العقد، فالزكاة على المالك، وإلا فعليهما إن بلغ نصيب كل منهما
النصاب وإلا فلا.
4360. السابع: إذا عينا حصة أحدهما وسكتا عن الآخر، فإن كانت
المعينة حصة العامل، صحت، وإلا فإشكال، وقد تقدم، فلو اختلفا في الجزء

1. في «أ»: يحصل معها.
2. المبسوط: 3 / 217.
154

المشروط لمن هو منهما، فإن قلنا بالصحة مع تعيين حصة المالك خاصة، فلا
بحث وإلا فالقول قول العامل.
4361. الثامن: إذا قال: ساقيتك على هذين البستانين بالنصف منهما،
أو بالنصف من هذا والثلث من ذاك صح، ولو قال: بالنصف من أحدهما والثلث
من الآخر، ولم يعين، بطل.
ولو قال: ساقيتك على هذا البستان نصفه بالنصف والنصف الآخر بالثلث،
جاز، وإن لم يعينهما.
4362. التاسع: إذا كان البستان لاثنين فساقيا عاملا على أن له نصف
نصيب هذا وثلث نصيب الآخر، جاز مع معرفته بالنصيبين، ولو جهل بطل، ولو
شرطا قدرا واحدا من النصيبين، جاز وإن جهلهما.
4363. العاشر: لو كان البستان لواحد فعامل اثنين جاز، سواء شرط
تساويهما في الحصة، أو اختلافهما، ولو أطلق انصرف إلى التساوي.
4364. الحادي عشر: لو ساقاه ثلاث سنين على أن له في الأولى النصف
وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الربع، جاز.
4365. الثاني عشر: لو كان البستان لاثنين فساقى أحدهما شريكه، وجعل
له من الثمرة أكثر من نصيبه، جاز، ولو شرط للعامل مثل نصيبه، أو أقل، بطلت،
وللعامل بقدر نصيبه من الأصل ولا أجرة له على عمله.
ولو ساقى شريكه وشرط أن يعملا معا، ففي الإبطال نظر مع الاختلاف
في الحصة والتساوي في الملك، أو بالعكس، ولو اتفقا فيهما فلا فائدة للمساقاة
155

مع تساويهما في العمل، ولو تفاضلا فيه، فإن كان قد شرط له فضل في مقابلة
عمله، استحق ما فضل له من أجرة المثل، وإن لم يشرط (1) له شئ فلا شئ له.
4366. الثالث عشر: تجوز المساقاة على البعل من الشجر (2) كما تجوز على
المفتقر إلى الماء.
4367. الرابع عشر: انما تصح المساقاة على شجر معلوم بالمشاهدة أو الصفة
الرافعة للجهالة، فلو ساقاه على مجهول، أو على أحد بستانين من غير تعيين لم
تصح.
4368. الخامس عشر: إذا ساقاه إلى سنة (3) يحمل فيها غالبا فلم يحمل تلك
السنة، لم يكن للعامل شئ، ولو ظهرت الثمرة ولم تكمل، فله نصيبه منها
وعليه تمام العمل فيها على إشكال، ولو ساقاه إلى مدة لا يحمل فيها غالبا، أو
يحتمل وجود الثمرة وعدمها، فالأقرب البطلان وله أجرة المثل، وإن ظهرت
الثمرة في تلك المدة لم يكن للعامل فيها شئ.
4369. السادس عشر: إذا مات العامل أو المالك قام وارثه مقامه، ولو
امتنع وارث العامل من العمل، لم يجبر عليه، فيستأجر الحاكم من التركة من
يعمله، ولو لم تكن تركة، أو تعذر الاستئجار فللمالك الفسخ، وعليه الأجرة إلى
وقت الموت، ولو اختار الإمضاء صح، فإن كانت الثمرة قد ظهرت بيع من
نصيب العامل بأجرة ما بقي من العمل، ويستأجر عنه به، ولو احتيج إلى بيع

1. في «أ»: لم يشترط.
2. في مجمع البحرين: يستعار البعل للنخل، وهو ما يشرب بعروقه من الأرض فاستغنى عن السقي.
3. في «ب»: إلى مدة.
156

الجميع، بيع في ذلك، فإن كان قد بدا صلاحها خير المالك بين شراء حصة
العامل وبيع حصته، ويبيع الحاكم حصة العامل، ولو امتنع المالك، باع الحاكم
حصة العامل، واستأجر على باقي العمل، والفاضل للورثة، وكذا لو لم
يبد صلاحها.
ومن يشترط (1) بدو الصلاح، سوغ بيع حصة العامل بشرط القطع إن باع
المالك أيضا، ولو امتنع، فالأقرب جواز بيع حصته بانفراده على تقدير
الاشتراط أيضا.
وللمالك البقاء على المعاملة، فيستأذن الحاكم على الإنفاق على الثمرة،
ويسترجعه منها، فإن عجزت، فالأقرب أخذ الباقي من التركة، ولو عجز عن
استئذان الحاكم، فالأقرب جواز الرجوع بما أنفقه مع الإشهاد على احتساب
الرجوع، ولو تمكن من الحاكم وأنفق وأشهد على الرجوع، فالأقرب عدم
الرجوع، وكذا لو أنفق متبرعا.
4370. السابع عشر: إذا هرب العامل، فللمالك الفسخ والبقاء، فينفق
الحاكم من ماله إن لم يتبرع بالعمل أحد، فإن لم يجد فمن بيت المال قرضا، فإن
لم يجد اقترض (2) من أحد، فإن لم يجد استأجر من يعمل بأجرة مؤخرة إلى
الإدراك، فإن تعذر استأذن الحاكم وأنفق، فإن تعذر الاستئذان أشهد في
الإنفاق والرجوع.
ولو عمل المالك بنفسه كان متبرعا، وللمالك الفسخ وعليه الأجرة إلى

1. في «ب»: يشرط.
2. هذا ما أثبتناه، ولكن في النسختين: أقرض.
157

وقت الهرب، وهل للمالك الفسخ مع وجود المتبرع بالعمل؟ فيه نظر، فإن عمل
الأجنبي ولم يشعر به استحق العامل الأجرة، وكان الأجنبي متبرعا.
4371. الثامن عشر: العامل أمين لا يضمن إلا مع التفريط أو التعدي،
وقوله مقبول مع اليمين في التلف وعدم الخيانة (1)، ولو ثبتت الخيانة بالإقرار أو
البينة، أو النكول، لم يكن للمالك رفع يده عن حصته، وله رفع يده عن حصة
المالك، ولو ضم المالك إليه من يحفظ نصيبه كانت أجرة الحافظ على المالك لا
على العامل.
4372. التاسع عشر: لو عجز عن العمل مع أمانته، ضم إليه آخر يساعده،
ولا ينتزع يده منه، وأجرة الآخر عليه، ولو عجز بالكلية أقام من يعمل عوضه،
وأجرته عليه أيضا.
4373. العشرون: لو اختلفا في الحصة، فالقول قول المالك لا العامل،
ولا يتحالفان بل المالك، وكذا البحث لو اختلفا في قدر ما تناولته المساقاة من
الشجر، ولو كان هناك بينة عمل بها، وإن تعارضتا، فالوجه تقديم بينة العامل، قال
الشيخ: يقرع ولا يحلف من خرجت القرعة له 2.
ولو تعدد المالك فصدقه أحدهما دون الآخر، أخذ من نصيب المصدق ما
ادعاه ومن نصيب الآخر ما حلف عليه، ولو شهد المصدق على المنكر، وكان
عدلا، قبلت شهادته، ولو كان العامل اثنين والمالك واحدا، فشهد أحد العاملين
على صاحبه، قبلت شهادته أيضا.

1. في «ب»: الجناية.
2. المبسوط: 3 / 219.
158

4374. الحادي والعشرون: الحصة يملكها العامل بالظهور لا بالمقاسمة،
وتجب الزكاة على كل من بلغ نصيبه نصابا، سواء كان منفردا أو منضما إلى غير
هذه الثمرة، ولا يضم حصة أحدهما إلى الآخر، ولو كان أحدهما لا تصح الزكاة
منه، كالنصراني والمكاتب، وجبت على الآخر إن بلغت حصته نصابا.
4375. الثاني والعشرون: لو كانت المساقاة على نخل في أرض خراجية، كان
الخراج على المالك، ولو شرطه أو بعضه على العامل جاز.
ولو شرط العامل دراهم منفردة عن الجزء، أو المالك من الثمرة، لم يجز.
وكذا لا يجوز لو جعل له ثمرة السنة التي تلي سنة المساقاة، أو ثمرة بستان غير
بستان المعاملة، ولو شرط عليه عملا في غير النخل الذي ساقاه عليه، أو في غير
السنة، ففي البطلان نظر.
4376. الثالث والعشرون: لو ساقاه على نخل، فعامل العامل غيره على
النخل لم يجز وإن جاء بأمين. (1)
4377. الرابع والعشرون: لو ساقاه على شجر فبان مستحقا، دفع إلى
المالك ولا شئ للعامل عليه، ولا في الثمرة، ويرجع بأجرة مثله على المساقي.
ولو نقصت الثمرة بالتشميس، كان للمالك الرجوع بالنقص على من شاء
منهما، ويستقر الرجوع على الغاصب.
ولو اقتسماها وأكلاها، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالجميع
وبالتقسيط، وقوى الشيخ أنه لا يرجع على العامل بالجميع، بل بالنصيب (2).

1. ناظر إلى رد فتوى «مالك» حيث أجازه إذا ساقى رجلا أمينا. لاحظ المغني لابن قدامة: 5 / 578.
2. المبسوط: 3 / 217.
159

فإن رجع بالجميع على الغاصب، ففي رجوع الغاصب على العامل بما
أتلفه نظر، فإن رجع عليه، رجع العامل بأجرته فيه، فإن رجع على العامل
بالجميع، رجع العامل بقدر نصيب الغاصب وبأجرة مثل نصيبه، ويحتمل
بنصيبه على إشكال، ولو رجع عليهما، رجع العامل بأجرة مثله.
ولو تلفت الثمرة في الشجر، أو بعد الجذاذ قبل القسمة، فالوجه الرجوع
على من شاء منهما.
4378. الخامس والعشرون: إذا دفع أرضا إلى غيره للغرس على أن
الغرس بينهما، بطلت المغارسة، والغرس لصاحبه، ولصاحب الأرض قلعه إذا
دفع أرش نقصه بالقلع، وله أجرة أرضه، ولو دفع القيمة ليكون الغرس له، لم
يجبر الغارس، وكذا لو دفع الغارس أجرة التبقية لم يجبر صاحب الأرض عليها.
4379. السادس والعشرون: كل موضع يبطل فيه المساقاة تكون الثمرة
للمالك، وعليه أجرة المثل للعامل.
4380. السابع والعشرون: لو استأجره للعمل في الثمرة بحصة منها
معلومة بعد بدو صلاحها، جاز، وكذا لو استأجره قبل بدو الصلاح بها أجمع،
أو ببعضها بشرط القطع أولا، أما لو استأجره قبل ظهورها بها، أو ببعضها،
فإنه لا يجوز.
160

كتاب
السبق والرمي
161

المقصد الرابع: في السبق والرمي
وفيه فصلان
[الفصل] الأول: في أحكام المسابقة
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
4381. الأول: المسابقة جائزة بلا خلاف، قال الله تعالى (وأعدوا لهم ما
استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) (1).
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
«ألا إن القوة الرمي» (2) قاله ثلاثا.
وقال تعالى: (إنا ذهبنا نستبق) (3) وقد وقع الإجماع على جواز المسابقة
على النصل والخف والحافر، لقوله (عليه السلام):

1. الأنفال: 60.
2. صحيح مسلم: 6 / 52، كتاب الإمارة، باب فضل الرمي والحث عليه. ورواه الحاكم في
المستدرك: 2 / 328; والبيهقي في سننه: 10 / 13; وابن قدامة في المغني: 11 / 128، ورواه
الشيخ الطوسي (قدس سره) في المبسوط: 6 / 289.
3. يوسف: 17.
163

«إن الملائكة لتنفر عند الرهان، وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخف
والريش والنصل» (1).
وقال (عليه السلام):
«لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر» (2).
ويدخل تحت النصل السهم والنشاب والمزاريق (3) والحراب (4) والسيف،
ويدخل تحت الخف الإبل والفيلة، وتحت الحافر الفرس، والحمار، والبغل.
ولا تجوز المسابقة على غير هذه. كالمسابقة على الأقدام والسفن
والطيور والمصارعة ورفع الحجر وغير ذلك، سواء كان بعوض، أو غير عوض.
ويجوز المسابقة على ما يتناوله الحديث بعوض وغير عوض.
4382. الثاني: الرمح والسيف تجوز المسابقة فيهما، وكذا الفيلة والبغال
والحمير، ولا تجوز على الأقدام إلى موضع جبل وغيره، بعوض وغيره، ولا على
رمي الحجارة بعوض وغيره (والمصارعة بعوض وغيره) (5)، ولا الطير بعوض
وغيره، ولا المراكب والسفن بعوض وغيره.

1. الوسائل: 13 / 347، الباب 1 من كتاب السبق والرماية، الحديث 6. (عن الصادق (عليه السلام)).
2. الوسائل: 13 / 348، الباب 3 من كتاب السبق والرماية، الحديث 1 و 2 و 4 (عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
والصادق (عليه السلام)).
3. المزاريق جمع المزراق، وهو: الرمح القصير. مجمع البحرين.
4. الحراب جمع الحربة وهي آلة قصيرة من الحديد محددة الرأس: تستعمل في الحرب.
المعجم الوسيط: 1 / 164.
5. ما بين القوسين يوجد في «ب»: ولو صح يجب أن يقال «ولا المصارعة» على أنه تقدم الكلام
فيها من المؤلف آنفا.
164

4383. الثالث: عقد المسابقة والرماية لازم من الطرفين، يفتقر إلى إيجاب
وقبول، قال الأزهري (1): النضال في الرمي والرهان في الخيل، والسباق فيهما (2).
4384. الرابع: السبق بإسكان الباء مصدر سبق يسبق سبقا، وبفتحها
العوض، وهو الخطر والندب والقرع والوجب (3)، فمن سبق أخذه ويقال فيه كله
«فعل» مشدد العين إذا أخذه، يقال سبق: إذا أخذ السبق، وسبق: إذا أعطى السبق
أيضا، وهو من الأضداد، ويقال سبق بالتشديد: إذا أخرج السبق وإذا أحرزه.
ويوصف السهم (4) بأنه:

1. الأزهري محمد بن أحمد الأزهري الهروي الشافعي، أديب، لغوي، ولد في هراة بخراسان سنة
282، ومات بهراة سنة 370، ومن تصانيفه: تهذيب اللغة. لاحظ الأعلام للزركلي: 6 / 202.
2. لاحظ تهذيب اللغة: 12 / 39، و ج 6 / 273، و ج 8 / 417.
3. القرع والوجب: الخطر، وهو السبق الذي يناضل فيه. المعجم الوسيط: 2 / 1013 و 728. نقل
الشيخ في المبسوط عن ابن الأعرابي: ان السبق والخطر والندب والقرع والوجب عبارة عن
المال المخرج. المبسوط: 6 / 297.
4. ذكر المصنف هنا من أوصاف السهم سبعة عشر اسما، وفي التذكرة: 2 / 360 - من الطبعة
الحجرية - أحد عشر وقال الثعالبي في فقه اللغة:
إذا مر السهم ونفل، فهو صارد، فإذا أخذ مع وجه الأرض، فهو زالج، فإذا عدل عن الهدف يمينا
وشمالا، فهو ضائف وصائف، وكذلك العاضد، والعادل الذي يعدل عن الهدف، فإذا جاوز
الهدف، فهو طائش وعائر وزاهق، فإذا زحف إلى الهدف ثم أصاب، فهو حاب، فإذا اضطرب
عند الرمي، فهو معظعظ، فإذا أصاب الهدف، فهو مقرطس وخازق وخاسق وصائب، فإذا أصاب
الهدف وانفضخ عوده، فهو مرتدع، فإذا وقع بين يدي الرامي فهو حابض، فإذا التوى في الرمي،
فهو معصل، فإذا قصر عن الهدف، فهو قاصر، فإذا خرج من الهدف، فهو دابر، فإذا دخل من
الرمية [أي الصيد الذي يرمى بالسهام] بين الجلد واللحم ولم يحز فيها، فهو شاظف، فإذا خرج
من الرمية ثم انحط فذهب، فهو مارق، ومنه الحديث في وصف الخوارج «يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية».
فقه اللغة: 187 - الطبعة الثالثة 1417 ه‍ -.
165

خاسق: وهو الذي يخرق الغرض أي يثقبه ويثبت فيه، وهو
الخارق أيضا.
والحابي: ما وقع على الأرض ثم زحف (1) إلى الهدف وجمعه حواب (2).
وإن أصاب الغرض ونفذ فيه ومضى ولم يؤثر، فهو صارد وجمعه صوارد،
وقد صرد السهم يصرد صردا وأصردته أنا.
وأما الطامح والفاخر: فهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا إلى السماء.
والخاصل: هو الذي أصاب الغرض، وقد خصله: إذا أصابه.
والمعظعظ (3): الذي يميل يمينا وشمالا.
والزاهق: هو الذي يتجاوز الهدف من غير إصابة.
والحابض: هو الذي يقع بين يدي الرامي (4).
والدابر: الذي يخرج من الهدف، (5) وهو المارق أيضا، وجمعه موارق.
والمرتدع: الذي إذا أصاب الهدف، يشدخ عوده ويكسر.

1. في «أ»: ثم رجع.
2. قال المصنف في التذكرة: وقد اختلف في الحابي. فقيل: ان أبا حامد الإسفرائيني وهم هنا
حيث جعل الحوابي صفة من صفات السهم، وسماه حوابي - بإثبات الياء - وفسره بأنه السهم
الواقع دون الهدف، ثم يحبو إليه حتى يصل إليه، مأخوذا من حبو الصبي، ونوع من الرمي
المزدلف، يفترقان في الاسم، لأن المزدلف أحد والحابي أضعف، ويستويان في الحكم.
وقال قوم: إن الحواب - بإسقاط الياء -: نوع من الرمي... والمشهور ان الحابي ما وقع بين يدي
الغرض ثم وثب إليه فأصابه، وهو المزدلف. تذكرة الفقهاء: 2 / 360 - الطبعة الحجرية -.
3. في بعض النسخ: «المغطغط» والصحيح ما في المتن. وفي لسان العرب: عظعظ السهم: التوى
وارتعش والمعظعظ من السهام: الذي يضطرب ويلتوي إذا رمي به.
4. حبض السهم: طاش ولم يصب الغرض. المعجم الوسيط: 1 / 152.
5. دبر السهم: خرج من الهدف. المعجم الوسيط: 1 / 269.
166

والخارم: الذي يصيب طرف القرطاس فلا يثقبه، ولكن يخرق
الطرف ويخرمه.
والخاصر: ما أصاب أحد جانبيه.
والخاذق: ما خدشه ولم يثقبه.
والمزدلف: الذي يضرب الأرض ثم يثب إلى الغرض.
والهدف: ما رفع وبني من الأرض، والقرطاس: ما وضع في الهدف ليرمى
والغرض: ما نصب في الهواء ويقصد، إصابته، ويسمى القرطاس هدفا وغرضا.
والمناضلة (1): المسابقة والمراماة.
والرشق بكسر الراء: عدد الرمي وبالفتح: الرمي.
والمبادرة: هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق.
والمحاطة: هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة. (2)

1. في المطبوع «والمنازلة» وهو مصحف. قال الجوهري: ناضله: أي راماه، يقال: ناضلت فلانا
فنضلته: إذا غلبته، وانتضل القوم وتناضلوا: أي رموا للسبق. الصحاح: 5 / 1831. وفي
القاموس. ناضله مناضلة ونضالا ونيضالا: باراه في الرمي. قاموس المحيط: 4 / 58.
2. وما عرف به المصنف نفس ما في الشرائع وقد علق الشهيد على قول المحقق قال ما هذا
لفظه: «المراماة قسمان: مبادرة ومحاطة، والمراد من الأول أن يتفقا على رمي عدد معين
كعشرين سهما مثلا، فمن بدر إلى إصابة عدد معين منها - كخمسة - فهو ناضل لمن لم يصب أو
أصاب ما دونها.
والمراد من المحاطة - بتشديد الطاء - أن يقابل إصاباتهما من العدد المشترط ويطرح المشترك
من الإصابات، فمن زاد فيها بعدد معين كخمسة مثلا فناضل للآخر، فيستحق المال المشروط
في العقد، وما ذكره المصنف [يعني صاحب الشرائع] من تعريفهما غير سديد، لدخول كل
منهما في تعريف الآخر».
ولكلامه صلة لاحظ مسالك الأفهام: 6 / 81 - 82.
167

والسابق: هو الذي يتقدم بالهادي وهو العنق وبالكتد وهو الكاهل، وهو
مجتمع الكتفين، وهو الناتي ما بين أصل العنق والظهر، وهو من الخيل مكان
السنام من البقر، فإن تساوت خلقة الفرسين في قدر العنق، فمن سبق به أو
ببعضه، فهو سابق، وإن كان أحدهما أطول عنقا، فإن سبق القصير بالعنق، أو
بعضه، فقد سبق، وان سبق الطويل بالجميع، فقد سبق وكذا إن سبقه بأكثر مما
بينهما في طول العنق، وإن كان أقل من قدر الزيادة، كان السابق هو القصير، لأنه
قد سبق بكاهله، ولا اعتبار بالأذن.
والمصلي: هو الذي يحاذي رأسه صلوي السابق، والصلوان ما عن يمين
الذنب وشماله. (1)
والمحلل: الذي يدخل بين المتسابقين إن سبق أخذ، وإن سبق لم يغرم.
والغاية: مدى السباق. (2)
4385. الخامس: عقد السبق لازم، سواء كان العوض منهما معا أو من
أحدهما أو من أجنبي، وقيل: إنها عقد جائز كالجعالة، وقواه الشيخ. (3)
فعلى الأول لا يجوز الفسخ وإن لم يتلبس بالعمل، وعلى الثاني يجوز قبله
وبعده للفاضل كالسابق في العدو (4) والرمي لا المفضول على إشكال.

1. في مجمع البحرين: الصلوان: العظمان النابتان عن يمين الذنب وشماله. ولاحظ تهذيب اللغة:
12 / 238 - 239.
2. قال في المسالك في شرح كلام صاحب الشرائع «والغاية مدى السباق» ما هذا نصه: غاية
الشئ منتهاه، والمراد بمدى السباق هنا منتهاه لا مجموع مسافته، كما يظهر من المدى. ثم نقل
عن القاموس أن المدى - كفتى -: الغاية وعن نهاية ابن الأثير: ان غاية الشئ: مداه ومنتهاه.
فعلى هذا يكون العطف تفسيريا. لاحظ مسالك الأفهام: 6 / 74.
3. المبسوط: 6 / 300.
4. في «ب»: في العدد.
168

4386. السادس: يشترط كون العوض معلوما إما بالمشاهدة، أو الوصف
الرافع للجهالة، ويجوز أن يكون دينا وعينا حالا ومؤجلا، أو يكون بعضه حالا
وبعضه مؤجلا.
ويجوز أن يخرجه الإمام من [ماله] خاصة ومن بيت المال، وأن يخرجه
أحدهما، أو كلاهما، أو أجنبي، وإذا كان دينا وحل، أجبر على تسليمه، وإذا
أفلس به ضرب مستحقه مع الغرماء.
ومع الإصابة المعقود عليها يستحق السابق السبق، سواء قلنا أنها عقد لازم
أو جائز، ويجوز أخذ الرهن والضمين على العوض إن كان دينا، وإذا أخرج
السبق أحدهما كان للسابق منهما، ولو شرط أكثره للسابق والباقي للمصلي جاز،
ولو شرط أن يطعم العوض أصحابه، احتمل صحة الشرط، ولو قيل: بفساده
فالأقرب عدم فساد المسابقة، وهو اختيار الشيخ. (1) والشروط الفاسدة إن اقتضت
اختلال شرط الصحة مثل جهالة العوض، أو المسافة، فالعقد فاسد، وإن لم
يقتض مثل أن يشترط أن لا يرمي أبدا إن سبق، فالأقرب عدم فساد
العقد بفساده.
4387. السابع: كل موضع فسدت فيه المسابقة فإن كان السابق هو
المخرج، لم يستحق شيئا على صاحبه، وكان سبقه له، وإن كان الآخر،
استحق على المخرج أجرة المثل، ولو كان العوض مستحقا، كان على مخرجه
قيمته أو مثله.

1. الخلاف: 6 / 105، المسألة 10 من كتاب السبق; والمبسوط: 6 / 302.
169

4388. الثامن: إذا قال أجنبي لا ثنين أو جماعة: من سبق فله عشرة، صح،
فإن سبق أحدهم استحق، وإن جاءوا دفعة لم يستحقوا شيئا.
ولو قال لاثنين: من سبق منكما فله عشرة، ومن صلى فله عشرة، لم
يصح، ولو قال: من صلى فله خمسة جاز، وكذا يصح لو قال لجماعة: من سبق
فله عشرة، ومن صلى فله عشرة، ولو قال: للمصلي عشرة وللسابق خمسة،
لم يصح.
ولو قال لعشرة: من سبق فله عشرة، فسبق واحد أخذ العشرة، وإن سبق
اثنان فلهما العشرة، ولو سبق تسعة تساووا فيها، ولا شئ للأخير (1) ويحتمل أن
يكون لكل واحد من التسعة عشرة كاملة (2) ولو قال: من سبق فله عشرة، ومن
صلى فله خمسة فسبق خمسة، وصلى خمسة، فعلى الأول (3) للسابقين عشرة
وللمصلين خمسة، وعلى الثاني لكل من الخمسة الأول عشرة، ولكل واحد من
الثانية خمسة ويتطرق على الأول احتمال البطلان. (4)
4389. التاسع: إذا كان السبق منهما، لم يشترط المحلل، فلو أخرجا
عوضا وقالا: من سبق منا فله العوضان، صح، فإن سبق أحدهما أحرز مال نفسه،
وأخذ عوض صاحبه، وإن لم يسبق أحدهما أحرز كل منهما مال نفسه، ولو

1. في «أ»: للآخر.
2. لأن كل واحد منهم يسمى سابقا فيستحق الجعل بكماله.
3. أي على الوجه الأول.
4. وعلله المصنف في القواعد بإمكان سبق تسعة فيكون لكل واحد من السابقين درهم وتسع،
وللمصلي الواحد خمسة، وعلى هذا يفوت مقصود المسابقة. لاحظ قواعد الأحكام: 1 / 263 -
الطبعة الحجرية -.
170

أدخلا محللا جاز، فإن سبق المحلل، أخذ العوضين، وكذا إن سبق أحدهما،
ولو سبقا معا أحرز كل منهما مال نفسه، ولو سبق أحدهما والمحلل، أحرز
السابق مال نفسه، وكان العوض الآخر بينه وبين المحلل نصفين، ولو قالا: من
كان مسبوقا، فعوضه للمحلل جاز، ولو قال لخمسة: من سبق فله درهمان، ومن
صلى فله درهم، فسبق واحد وصلى ثلاثة، وتأخر الخامس، فللسابق درهمان،
وللثلاثة المصلين درهم ولا شئ للمتأخر.
4390. العاشر: يشترط في المسابقة أمور خمسة:
تقدير المسافة ابتداء وانتهاء، فلو استبقا لينظر أيهما يقف قبل صاحبه من
غير غاية ينظران إليها لم يجز.
وتقدير العوض.
وتعيين ما يسابق عليه.
وتساوي ما به المسابقة في احتمال السبق، فلو كان أحدهما ضعيف
الدابة، أو مريضها يعلم أنه مسبوق، لم يصح العقد، وكذا يشترط في دابة
المحلل، ولا يشترط تساوي جنسها، فيجوز بين البغال والحمير، وكذا الإبل
والخيل مع احتمال السبق.
وأن يجعل العوض لأحدهما أو للمحلل، ولو جعله لأجنبي لم يجز، وفي
اشتراط تساوي الموقف إشكال. (1)

1. قال المحقق في الشرائع: وهل يشترط التساوي في الموقف؟ قيل: نعم، والأظهر: لا، لأنه مبني
على التراضي. شرائع الاسلام: 2 / 238.
171

4391. الحادي عشر: قد بينا أن السبق يحصل بالعنق في المتساوي
الخلقة، وبالكتد في المختلف، فلو شرط أحدهما المسابقة بثلاثة أقدام، أو أقل،
أو أكثر، ففي بطلان الشرط نظر.
4392. الثاني عشر: يشترط في المسابقة تساوي الدابتين جنسا، فلو
تسابقا على بعير وفرس لم يجز إلا مع احتمال السبق على إشكال، ولا
يشترط تساويهما صنفا، فتجوز المسابقة بين العربي والبرذون، وبين
البخاتي والعراب.
4393. الثالث عشر: إذا تسابقا لم يجز أن يجنب أحدهما إلى فرسه فرسا
آخر لا راكب عليه يحرضه على العدو، ولا أن يصيح به وقت العدو في سباقه،
ولا يركض خلفه. (1)

1. روى النسائي في سننه: 6 / 111 عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «لا جنب ولا جلب». وقد اختلف
شراح الحديث في معنى اللفظين وقول المصنف «لم يجز أن يجنب...» إشارة إلى تفسير «لا
جنب» كما أن قوله: «ولا أن يصيح...» إلى تفسير «لا جلب».
وقد فسره المصنف بما في المتن وفي المغني في تفسيره: «وأما الجلب فهو أن يتبع
الرجل فرسه يركض خلفه ويجلب عليه ويصيح وراءه يستحثه على العدو» المغني لابن
قدامة: 11 / 159.
172

الفصل الثاني: في أحكام الرمي
وفيه ثلاثون بحثا:
4394. الأول: يفتقر الرمي إلى عشرة شرائط:
الأول: أن يكون الرشق (1) معلوما، وهو بكسر الراء عدد الرمي الذي
يتفقان عليه، مطلقا عند الفقهاء، ويختص عند أهل اللغة بما بين العشرين
إلى الثلاثين.
الثاني: أن يكون عدد الإصابة معلوما، فيقال الرشق عشرة،
والإصابة خمسة مثلا.
الثالث: صفة الإصابة، مثل أن يقول: حوابي، أو خواصر، أو خواسق، مما
أشبه ذلك مما تقدم.
الرابع: أن يكون قدر المسافة معلوما، إما بالذرع فيقال: مائة ذراع مثلا،
وإما بالمشاهدة.

1. في مجمع البحرين: الرشق - بالفتح والسكون -: الرمي، رشقه يرشقه من باب قتل رشقا: إذا
رماه بالسهام، والرشق - بالكسر -: عدد الرمي الذي يتفقان عليه.
وقال في المسالك: الرشق - بالكسر -: عدد ما يرمى به من السهام، يقال: رمى رشقا: أي رمى
بسهامه التي يريد رميها كلها، وإذا حصل الاتفاق على رمي خمسة خمسة، فكل خمسة يقال لها
رشق. مسالك الأفهام: 6 / 75.
173

الخامس: قدر الغرض، وهو ما ينصب في الهدف، إما بالمشاهدة، أو
التقدير، كالشبر والشبرين.
السادس: العلم بالسبق، وهو المال المخرج.
السابع: تساويهما في جميع أحوال الرمي، فلو شرطا أن يرمي أحدهما
عشرة، والآخر عشرين، أو إصابة أحدهما خمسة، والآخر ثلاثة، أو أن إصابة
أحدهما خواسق، والآخر موارق، أو يحط أحدهما من إصابته سهما، أو يرمي
أحدهما من قرب والآخر من بعد أو يرمي أحدهما ويده مشغولة أو رأسه
حامل لشئ والآخر خال عن ذلك، أو يحط أحدهما واحدا من خطائه لا له ولا
عليه، لم يصح.
الثامن: تعيين الرماة، فلا يصح مع الإبهام، فلو شرطا أن يكون مع كل
واحد منهما آخر أو اثنان أو أزيد من غير تعيينهم بالمشاهدة أو المعرفة لم يجز.
التاسع: أن تكون المسابقة على الإصابة لا على البعد، فلو قالا: السبق
لأبعدنا رميا، لم يجز على إشكال، أقربه الجواز. (1)
العاشر: أن تكون المسابقة على الحذق، فلو جعلا العوض للمخطئ دون
المصيب لم يجز.

1. قال المصنف في التذكرة: «ولو تناضلا على أن يكون السبق لأبعدهما رميا، ولم يقصدا غرضا، فالأقرب الجواز، لأن الإصابة وإن كانت مقصودة في النضال، فكذا البعد وزيادته مطلوب فيه
أيضا، وهو أصح وجهي الشافعية، والثاني المنع لتطرق الجهالة فيه، ولانتفاء المقصود بالذات
وهو الإصابة. وهو غلط فإنا قد بينا أن الزيادة في البعد من غير إصابة مقصودة في مقابلة من بعد
من العدو في إيقاع السهم في القلاع ليرهب العدو ويعرف به شدة الصاعد وضعفه». تذكرة
الفقهاء: 2 / 362 - الطبعة الحجرية -.
174

أما المبادرة أو المحاطة (1) ففي اشتراط ذكر أحدهما نظر، أقربه
عدم الاشتراط.
4395. الثاني: ما ذكرناه في السباق بين الخيل، من إخراج السبق منهما،
أو من أحدهما، أو من أجنبي، في النضال مثله، ولا يشترط المحلل أيضا فيه،
وان كان السبق منهما، فلا بد في السباق من معرفة الفرس، وأما في النضال فلا
يشترط معرفة القوس، فلو نفق الفرس (2) بطل السباق، ولو أنكر القوس لم يبطل
النضال وكما لا يشترط تعيين القوس فكذا لا يشترط تعيين السهم، نعم الإطلاق
يقتضي تساوي جنس الآلة، فإذا أطلقا النضال جاز، واقتضى أن يكون الرمي
منهما بنوع واحد إما بالقوس العربية معا، أو بالعجمية معا، وليس لهما أن يختلفا
فيرمي أحدهما بقوس والآخر بغيرها، إلا أن يشترطا ذلك في العقد، فيجوز
حينئذ أن يختلفا.

1. قال المصنف في التذكرة في تعريف المبادرة والمحاطة ما هذا نصه:
«المبادرة: هي أن يشترط الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين، فإذا رميا عشرين
فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة، فالأول ناضل، ولو رمى أحدهما عشرين فأصاب
خمسة، ورمى الآخر تسعة عشر فأصاب أربعة لم يكن الأول ناضلا حتى يرمي الثاني سهما فإن
أصاب فقد استويا وإلا كان ناضلا».
وقال في تعريف المحاطة:
«هي أن يشترط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما
بإصابات الآخر وطرح ما يشتركان فيه، فإذا شرط عشرين رشقا وخلوص خمس إصابات، فرميا
عشرين فأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة، فالأول هو السابق، وإن أصاب كل واحد منهما
خمسة أو عشرة فلا سبق هنا».
ثم قال: «فالأقرب انه يشترط في عقد المسابقة التعرض للمبادرة والمحاطة، لأن حكم كل واحد
منهما مخالف بحكم الآخر، فإن أهمل بطل العقد، لتفاوت الأغراض». تذكرة الفقهاء: 2 / 362 -
الطبعة الحجرية - بتقديم وتأخير في كلامه (قدس سره).
2. في مجمع البحرين: نفقت الدابة - من باب قعد -: أي هلكت وماتت.
175

ولو عقد النضال على نوع من القسي، تعين، ما عقداه، مثل أن يقولا: نرمي
معا بالعربية، أو بالعجمية، وليس لأحدهما العدول.
ولو عقدا على قوس معينة من النوع، كان له العدول عنها إلى غيرها من
ذلك النوع، لحاجة وغيرها، بخلاف الفرس، ولو قالا: نرمي بهذه القوس لا
بغيرها من نوعها وشرطاه، بطل العقد.
والنشاب: هي سهام القوس الأعجمي، فلو اتفقا على أن يرميا بالنشاب
من غير تعيين القوس، انصرف إلى العجمية.
والنبال: هي سهام العربي. والحسبان قوس تكون سهامه صغارا تجمع في
قصبة واحدة ويرمى بها، فتتفرق في الناس، فلا تمر بشئ إلا عقرته لشدتها.
4396. الثالث: لو شرط أن يرمي ثلاثين، والإصابة عشرة، والآخر عشرين،
والإصابة عشرة، ففي الجواز نظر، وكذا لو شرط أن يكون في يد أحدهما سهام
والآخر لا شئ في يده يشغلها بحفظه، ولو شرطا أن يحسب خاسق أحدهما
خاسق واحد، والآخر كل خاسق بخاسقين، أو خاسق واحد بخاسقين، أو يحط
من خواسق أحدهما خاسق واحد، فالجميع باطل.
ولو شرط حوابي على أن يعد الخاسق حابيتين، فالأقرب الجواز، لأن
رميه في الخاسق أحذق.
4397. الرابع: إذا كان الرشق عشرين، والإصابة خمسة، فان شرطا
المبادرة، ورمى كل عشرة فأصاب خمسة تساويا، ولم يجب الإكمال، ولو
أصاب أحدهما دون الخمسة، فقد نصله صاحب الخمسة، ولو سأل الناقص
176

إكمال الرشق لم يجب، وإن شرطا المحاطة، فأصاب كل واحد من العشرة
خمسة، تحاطا خمسة بخمسة، وأكملا الرشق، ولو أصاب أحدهما منها تسعة
والآخر خمسة تحاطا خمسة بخمسة وأكملا العدد.
ولو تحاطا وكان أحدهما قد أكمل العدد، فإن كان مع انتهاء العدد، فقد
نصل بصاحبه، وإن كان قبله وطلب صاحب الأقل الإكمال أجيب مع الفائدة بأن
يمكن رجحانه، أو مساواته، أو قصور صاحبه بعد المحاطة عن إكمال الإصابة،
وأجبر الآخر مع امتناعه، مثل ان يرمي أحدهما عشرة فيصيب ستة، ويصيب
الآخر واحدا، ويرجو صاحب الواحد إصابة العشرة الباقية دون صاحبه فيحصل
له أحد عشر ولصاحبه ستة، فيحصل له العدد بعد المحاطة.
وإن لم تكن له فائدة، لم تجب الإجابة، (1) مثل أن يرمي أحدهما خمسة
عشر، فيصيبها، ويصيب الآخر منها خمسة، فإذا تحاطا لم يجب الإكمال، لأن
الخمسة المتخلفة إذا أخطاها صاحب الأكثر وأصابها صاحب الأقل، انفرد
الأول بالإصابة.
4398. الخامس: لو قال: إن نصلتني فلك علي عشرة، وتعطيني قفيز حنطة لم
يجز، لأن المناصل لا يغرم، ولو قال: إن نصلتني فلك علي عشرة دنانير إلا دانقا
جاز، ولو قال: إلا درهما لم يجز للجهالة.
4399. السادس: إذا كان السباق بالخيل وشبهها، جريا دفعة واحدة، وإن
كان في النضال وجب أن يبدأ أحدهما قبل صاحبه، ليعلم المصيب وكيفية
إصابته فإن شرطا البادئ صح.

1. في «أ»: «لم تجب الإصابة» وهو تصحيف.
177

وإن أطلقا فإن أخرج كل واحد السبق، فالأقرب القرعة، ويحتمل البطلان،
وإن أخرجه أجنبي، قدم من شاء، وإن أخرجه أحدهما، احتمل تقديمه،
لمزيته، والبطلان لأن موضوع النضال على انتفاء المزية.
4400. السابع: يستحب لأهل النضال اتخاذ غرضين يرمون من أحدهما
إلى الآخر، ثم يمشون ويرمون من الآخر إلى الأول، فإذا بدأ أحدهم بالرمي
من أحدهما بالقرعة أو الشرط، لم يكن له أن يبدأ من الآخر بل غيره بحسب
ما يرتبونه.
4401. الثامن: إطلاق المناضلة يقتضي المراسلة، وهو أن يرمي أحدهما
سهما والآخر سهما، ولو شرطا أن يرمي أحدهما رشقه (1)، أو عددا معينا، والآخر
بعده جاز.
4402. التاسع: إذا اضطرب رمي أحدهما لعارض، مثل أن أغرق النزع،
فخرج، السهم من اليمين إلى اليسار، لأن من شأن السهم أن يمر على إبهام
يسراه، فإذا أراد النزع غير السهم فمر على أصل سبابة يسراه، أو أنكر قوسه، أو
انقطع وتره، أو أصابه ريح في كتفه، أو عرض في الطريق عارض، مثل أن وقع
في بهيمة، أو غيرها فخرقه وخرج منه، أو استلبته الريح، فلم يصب الغرض لم
يعد عليه خطأ، ولو أصاب مع بعض هذه العوارض، فالأقرب أنه يعد له إصابة،
ولو جاوز السهم الغرض، احتسب عليه خطأ، إلا مع العارض.
4403. العاشر: إذا شرطا الخاسق، فإن ثقب وثبت النصل فيه، حسب له،

1. الرشق - بالكسر -: عدد الرمي الذي يتفقان عليه. مجمع البحرين.
178

وإن لم يثقبه كان خطأ، وإن ثقبه ثقبا يصلح للخسق إلا أن السهم سقط، فالأقرب
انه لا يحتسب خاسقا، ولو شرطا الإصابة مطلقا حسب له وإن لم ينفذ، ولو شرطا
الخاسق، فسقط السهم فادعى الرامي أنه خسق وإنما سقط لغلظ لقيه، من حصاة
وشبهها وأنكر الآخر، فإن علم موضع الإصابة بالبينة، أو الإقرار، فإن لم يكن فيه
ما يمنع الثبوت، وكان قد خرقه، فالأقرب أنه لا يعد خاسقا، بل خطأ، وإن لم
يخرقه فهو خطأ قطعا، وإن كان في الموضع ما يمنعه من الثبوت، احتمل أن يعد
خاسقا، وأن لا يعد خطأ ولا صوابا، وإن لم يعلم، واتفقا على الخرق، ولا مانع من
الثبوت، فالقول قول المنكر من غير يمين، وإن كان هناك مانع، فالقول أيضا
قوله لكن مع اليمين، وإن أنكر الخرق، فالقول أيضا قوله مع اليمين.
ولو أصاب ثقبا في الغرض، أو موضعا باليا وثبت في الهدف احتمل أن
يكون خاسقا مطلقا، أو مع قوة الهدف، كالحائط والخشب لا مع ضعفه كالتراب
وشبهه، ولو أصاب طرف الغرض فخرقه وثبت فيه بأن يقطع قطعة من طرفه
ويثبت مكانها، أو يشقه ويثبت في شقه من غير أن يكون الغرض محيطا بالسهم،
فالأقرب انه خاسق، ولو مرق السهم منه ولم يثبت، فالأقرب انه يعد إصابة، لأنه
أبلغ من الخسق.
ولو أصاب ثقبا في الغرض وثبت في الهدف مع جلدة من الغرض،
وادعى الخسق وقطع الجلد، لشدة الرمي، وأنكر الآخر وادعى ضعف الغرض،
فالقول قول الآخر مع يمينه، ولو وقع في غير الثقب خسق.
4404. الحادي عشر: لو شرطا الإصابة مطلقا فكيف ما أصاب بالنصل
جاز، ولو وقع دون الغرض ثم انقلب فأصاب الغرض بفوقه وهو الثلمة التي في
179

أسفل السهم يوضع الوتر فيها، عد عليه خطأ، ولو ازدلف وأصاب بنصله
الغرض، فالأقرب الإصابة.
4405. الثاني عشر: إذا كان الريح عاصفا جاز له تأخير الرمي حتى يسكن، ولو
تناصلا مع ريح لينة، وميل رميه إلى الريح بحيث يكون قدر ما يميله يوافق
الإصابة فأصاب، أو كانت الريح في وجه الغرض فنزع نزعا بقدر ما يكون قوة
رميه مع مقاومة الريح يصل إلى الغرض فأصاب، حسب له ولو كانت الريح
عاصفة، لم يحتسب الخطأ عليه ولا الإصابة له، ولو حولت الريح الغرض عن
مكانه بعد الرمي، ووقع السهم في الهدف، حسب له إن كان الشرط الإصابة، أو
كان الشرط الخواسق، وكان الهدف بصلابة الغرض، أو أشد، وإلا لم يحتسب له
ولا عليه. ولو أصاب الغرض موضع انتقاله، كان خطأ، ولو شرطا الخسق، فثبت
في الغرض ثم سقط، حسب له.
4406. الثالث عشر: إذا شرطا إصابة موضع من الهدف جاز، فلو شرطا
إصابة الشن. وهي: الجلدة، فأصاب الشنبر المحيط به (1) كإحاطة شنبر المنخل، أو
العرى التي حول الشن، أو المعاليق، وهي الخيوط التي يعلق بها، لم يصب.
ولو شرطا إصابة الغرض، اعتد بإصابة الشن والشنبر والعرى. ولو أصاب
المعاليق، فالأقرب عدم الاعتداد.
4407. الرابع عشر: إذا طلب أحدهما الزيادة في الرشق أو الإصابة، فإن
قلنا إنه عقد لازم، لم يكن له ذلك إلا بعد أن يتفاسخاه ويعقداه على حسب ما

1. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 308: الشن هو الجلد، والجريد هو الشنبر المحيط بالشن كشنبر
المنخل، والعرى المخدمة هي التي حول الشن.
180

أرادا، وإن قلنا إنه جائز، ولم يأخذا في الرمي، أو أخذا فيه، وتساويا رميا وإصابة،
فلهما الزيادة والنقصان.
ولو طلب أحدهما الزيادة، فإن أجابه، وإلا كان له الفسخ، وإن تفاضلا،
فإن طلب الزيادة صاحب الفضل، تخير المفضول في الإجابة والفسخ، وإن طلب
المفضول لم يكن له ذلك.
4408. الخامس عشر: لو قالا: من سبق إلى خمس إصابات من عشرين،
فهو السابق، فأصابا خمسة من عشرة، لم يجب الإكمال، ولا سبق، ولو أصاب
أحدهما خمسة، والآخر أربعة، فقد نضله الأول، ولو رمى أحدهما عشرا
فأصاب خمسا، والآخر تسعا فأصاب أربعا، لم يحكم بالسبق قبل العاشر، فإن
أخطاه، فهو مسبوق، وإلا فلا، ولو أصاب دون الأربع من التسعة، فهو مسبوق،
ولا حاجة إلى الإكمال.
ولو قالا: أينا فضل صاحبه بثلاث من عشرين فهو سابق، فهو محاطة،
ويسمى أيضا مفاضلة، ويلزم إتمام الرشق مع الفائدة كما قلنا لا بدونها، كما لو
أصاب أحدهما اثني عشر وأخطأها الآخر.
ولو قالا: أينا أصاب خمسا من عشرين، فهو سابق، فمن أصاب خمسة
منها قبل صاحبه، فهو سابق، ولو أصاب كل منهما خمسا، أو لم يصب واحد
منهما خمسا، فلا سابق، وهذه كالمحاطة في وجوب الإكمال مع الفائدة لا
بدونها، كما لو رميا ستة عشر فأخطئاها معا، لم يجب الإكمال.
ولو شرط أن يحسب كل واحد منهما خاسقه بإصابتين، فالأقرب الجواز.
181

4409. السادس عشر: إذا شرطا أن يرميا أرشاقا كثيرة جاز مع التعيين من
غير حصر، فإن شرطا أن يرميا كل يوم قدرا منها، جاز، ولو أطلقا، حمل على
التعجيل، ويرميان من أول النهار إلى آخره ما لم يحصل عارض من مرض، أو
شبهه، فإذا جاء الليل قبل إكماله أخراه إلى الغد ما لم يشترطا الرمي ليلا. ولو أراد
أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بمسح القوس وشبهه، منع من ذلك ولا
يدهش بالاستعجال بالكلية، ويمنع كل منهما من الكلام الردئي الذي يغيظ
صاحبه، كالافتخار، والارتجاز، وتعنيف صاحبه على الخطأ، وإظهار أنه يعلمه،
وكذا يمنع الحاضر معهما من ذلك كالشاهد، والأمين، ولا يمدح السابق ولا
يعنف المسبوق.
وإذا تشاحا في الموقف مع تساويه، كان الحكم للسابق، ولو اختلف كان
الحكم لمن يختار الأصلح إلا مع الشرط.
4410. السابع عشر: لو رميا عشرة من عشرين، فأصاب كل واحد اثنين، فقال
أحدهما: ارم سهمك هذا، فإن أصبت (1) سبقت، لم يجز، ولو فسخا العقد، أو قال
ابتداء: ارم سهمك فإن أصبت فلك كذا، جاز جعالة.
ولو قال: ارم هذا السهم فإن أصبت فلك كذا غير مال النضال، جاز جعالة
أيضا، ويأخذ مع الإصابة لا مع عدمها، ولا يحتسب من الرشق.
ولو قال: ارم سهما فإن أصبت فلك كذا، وإن أخطأت فعليك كذا، لم يجز.
4411. الثامن عشر: لو قال: ناضل نفسك، فإن كان صوابك أكثر، فلك

1. في «ب»: فإن أصيب.
182

السبق، لم يجز، وكذا لو قال: ناضل نفسك، فإن كان صوابك أكثر، فقد نضلتني.
ولو قال: ارم عشرين، فإن كان صوابك أكثر، فلك كذا، جاز جعالة.
4412. التاسع عشر: لو رمى سهما فانكسر، فإن أصاب بالنصل، أو بهما
معا، فهو إصابة، وإن أصاب بالفوق، فهو خطأ، ولو أصاب فوق سهم ثابت نصله
في الغرض، لم يحتسب له ولا عليه، ولو كان الثابت في الغرض قد نفذ فيه حتى
بلغ فوقه الغرض، ثم أصابه، فإن كانت الإصابة مطلقة حسب له، وإن شرط
الخاسق لم يحتسب له ولا عليه، ولو أصاب الفوق وشج على السهم حتى
أصاب الغرض، فهو إصابة.
4413. العشرون: إن قلنا ان العقد لازم لم يكن لأحدهما الترك بعد العقد،
فإن امتنع حبس، فإذا امتنع عزر، فإن فعل، وإلا رد إلى الحبس، فإن فعل وإلا
عزر، وإن قلنا انه جائز، كان للفاضل أن يترك، وفي المفضولة وجهان.
ولو شرطا أن يقعد أحدهما متى أراد، بطل العقد إن قلنا انه لازم، وإلا فلا.
ولا يجوز أن يشترطا كون السبق على الجالس، ولا يجب في عقد النضال
اشتراط قدر ارتفاع السهم، ولو سمى قدر ذلك، فالوجه المنع، لعدم ضبطه،
وحصول التنازع به، وكذا لا يشترط قدر ارتفاع الغرض عن وجه الأرض،
وينصرف الإطلاق إلى العرف، ولو شرطاه لم يجز خفضه ولا رفعه، إن قلنا بلزوم
العقد وإلا جاز.
4414. الحادي والعشرون: لو عقدا على مائة ذراع، ثم اتفقا على الزيادة،
لم يكن لهما ذلك إلا بعد التفاسخ وإنشاء عقد على ما يريدانه، إن قلنا انه
183

لازم، وإلا جاز. وكذا البحث لو شرط إصابة الهدف أولا، ثم طلبا إصابة الغرض.
ولا يجوز اشتراط بعد تتعذر الإصابة معه، كأربعمائة ذراع، ويجوز على
مائتين وخمسين فما دون، وكذا لا يجوز اشتراط الإصابة في عدد يتعذر معه
ذلك كما لو شرطا إصابة تسعة من عشرة، وكذا لو شرطا إصابة العشرة، وقوى
الشيخ الجواز فيهما (1) وهو جيد.
ولو كان الرشق عشرة والإصابة خمسة، وشرط الإصابة من تسعة بمعنى
أن العاشر لا يحسب له وإن أصابه، لم يجز.
4415. الثاني والعشرون: يجوز للرامي أن يقف أين شاء من الغرض عن
يمينه أو يساره، ولو شرطا موضعا خاصا، لزم، ولو قال أحدهما: نستقبل الشمس
والآخر: نستدبرها (2) أجيب طالب الاستدبار، ولو شرطا الاستقبال لزم.
4416. الثالث والعشرون: يجوز أن تكون الرماة ضربين، ويقتسمون
بالاختيار، والأقرب جواز القرعة، والأول أولى، فيختار رئيس أحد الحزبين
واحدا، ثم يختار الآخر واحدا، وهكذا، ولا يختار أحدهما الجميع ثم الآخر
الباقي، ويقرع في المبتدئ للاختيار من الزعيمين، ولو جعلوا الرئيس للحزبين
واحدا، لم يجز، ولو قال أحد الزعيمين: أنا أختار أولا، على أن أخرج السبق أو
على أن يكون السبق على حزبي لم يجز، وكذا لو قال للآخر: اختر أنت على أن
عليك السبق، أو يقرع فمن أصابته كان السبق عليه، ولا نرمي معا، فأينا أصاب،
كان السبق على الآخر.

1. المبسوط: 6 / 311.
2. هذا ما أثبتناه، ولكن في النسختين «يستقبل... ويستدبرها».
184

4417. الرابع والعشرون: لا بد من تعيين الرماة، فلو اختار ثلاثة لا يسميهم
لصاحبه، وصاحبه ثلاثة لا يسميهم للأول، لم يجز.
ولو حضر غريب لا يعرفونه، فاختير في أحد الحزبين فخرج لا يحسن
الرمي، بطل العقد فيه وفي محاذيه الذي اختاره الزعيم الآخر في مقابلته، ولا
يبطل في الباقين، بل لكل حزب خيار تفريق الصفقة، ولو ظهر راميا قليل
الإصابة، فقال حزبه: ظنناه كثيرها، أو بان كثيرها، فقالا الآخر: ظنناه قليلها، لم
يلتفت إليهم.
4418. الخامس والعشرون: إذا شرطوا تقديم أحد الحزبين، فيكون
أحدهم المبتدئ، جاز، ولو شرطوا أن يكون فلان مقدما وفلان معه من الحزب
الآخر، ثم فلان ثانيا من الحزب الأول، وفلان معه، كان باطلا وإذا تعينت البدأة
لواحد فرمى غيره، رد السهم عليه، ولم يحتسب له ولا عليه.
4419. السادس والعشرون: لو أخرج أحد الزعيمين السبق منه، فسبق حزبه،
لم يرجع عليهم إلا مع الشرط، فيرجع بالسوية، ويأخذه السابق بالسوية
ويحتمل قسمته على قدر الإصابة.
4420. السابع والعشرون: يشترط كون الرشق بين الحزبين يمكن قسمته بغير
كسر ويتساوون فيه، فلو كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث، وكذا لو كانوا أربعة
وجب أن يكون له ربع.
4421. الثامن والعشرون: إذا قال أحد المتناضلين لصاحبه وقد فضله:
اطرح الفضل وعلي كذا (1) لم يجز، ولو تفاسخا العقد وعقدا عقدا آخر، جاز. ولو

1. في «أ»: اطرح الفضل مقابله وعلي كذا.
185

لم يفسخاه فتمت الإصابة مع ما أسقطه، استحق السبق، ورد ما أخذه في
مقابلة الطرح.
ولو سبق أحدهما صاحبه عشرة، فقال: إن نضلتني فلك هذه العشرة، وإن
نضلتك فلا شئ لك، فقال: ثالث للمسبق: أنا شريكك في الغنم والغرم إن
نضلك فنصف العشرة علي وإن نضلته فنصفها لي، لم يجز، لأن الغرم والغنم
للمناضل لا لغير الرامي، وكذا لو سبق كل واحد منهما صاحبه عشرة وأدخلا
محللا، فقال رابع لكل من المسبقين: أنا شريكك في الغنم والغرم.
4422. التاسع والعشرون: لو قال واحد لآخر: ارم هذا السهم فإن أصبت
به فلك درهم، صح جعالة، ولو قال: إن أصبت فلك درهم، وإن أخطأت فعليك
درهم، لم يجز، ولو قال: ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر من خطائك فلك
درهم، صح جعالة، وكذا: إن كان صوابك أكثر، فلك بكل سهم أصبت به درهم،
أو قال: ارم عشرة ولك بكل سهم أصبت به منها درهم، أو قال: فلك بكل سهم
زائد على النصف من المصيبات درهم.
ولو قال: فإن كان خطائك أكثر فعليك درهم، لم يجز، لأن الجعل في
مقابلة العمل، ولا عمل للقائل، وكذا لا يجوز لو قالوا: نقرع فمن خرجت قرعته
فهو السابق، ولا من خرجت قرعته فالسبق عليه، ولا نرمي فأينا أصاب فالسبق
على الآخر.
4423. الثلاثون: إذا شرطا إصابة موضع من الهدف على أن ما كان أقرب
إلى الشن يسقط الأبعد، جاز، لأنه نوع من المحاطة، فإذا رمى أحدهما سهما
فوقف في الهدف، ورمى الآخر خمسة فوقعت أبعد من سهم الأول، ثم رمى
186

الأول سهما فوقع أبعد من الخمسة سقطت الخمسة بالأول، وسقط الذي بعد
الخمسة بالخمسة.
ولو رمى أحدهما خمسة في الهدف بعضها أقرب من بعض، ورمى الثاني
خمسة كلها أبعد من الخمسة الأولى، سقطت الثانية أجمع، وتثبت الأولى
أجمع، ولا يسقط الأقرب الأبعد، لأن الأقرب يسقط الأبعد من رمي الآخر لا من
رمي نفسه.
ولو أصاب أحدهما الهدف، والآخر الغرض، سقط ما أصاب الهدف بما
أصاب الغرض.
ولو أصاب أحدهما الغرض والآخر العظم الذي في وسطه، لم يسقط
الأول، ولو أصابا الهدف وكانا في القرب سواء، تساقطا.
ولو رمى أحدهم ساقطا - وهو ما وقع بين يدي الغرض - والآخر عاضدا -
وهو ما وقع من أحد الجانبين - والآخر خارجا - وهو ما جاوز الغرض - قبل
الأقرب إلى الغرض من أي الجهات كان وسقط به الأبعد.
187

كتاب الوديعة
وتوابعها
وفيه مقاصد
189

[المقصد] الأول: في الوديعة
والنظر في فصول ثلاثة:
[الفصل] الأول: في العقد
وفيه ثمانية مباحث:
4424. الأول: الوديعة حقيقتها: استنابة في حفظ المال، وأتوا بالهاء لأنهم
ذهبوا بها إلى الأمانة (1) وهي مأخوذة من ودع يدع: إذا سكن واستقر.
قال الكسائي: أودعت الرجل مالا: إذا دفعته إليه يكون وديعة عنده،
وأودعته: قبلت وديعته (2).
وهي عقد جائز من الطرفين: ولها حكم في الشريعة بالنص والإجماع.
4425. الثاني: تفتقر الوديعة إلى إيجاب وقبول، ويكفي فيهما كل عبارة دالة

1. الظاهر أن المراد: أنهم لما أماتوا مصدر «ودع» استعمل مكانه اسم المصدر، أعني «الوديع»
فألحق بآخرها الهاء، لتضمنه معنى الأمانة أو إلحاقها بها.
2. وهو من الأضداد. لاحظ الصحاح للجوهري: 3 / 1296; والمصباح المنير: 2 / 371 - 372 (ودع).
191

على معناهما، ويكفي في القبول الفعل مجردا عن اللفظ، ولو طرح الوديعة عنده
لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها.
ولا بد في العاقدين من التكليف، فلو استودع من الصبي، أو المجنون،
ضمن. ولو أكره على القبول، لم تصر وديعة، ولو أهملها لم يضمن.
4426. الثالث: لو أودع الصبي ففرط فيها، لم يضمن، أما لو باشر الإتلاف فإنه
يضمن، ولو أودع المجنون لم يضمن بالإتلاف مباشرة وتسبيبا.
4427. الرابع: عقد الوديعة يبطل بالموت منهما، والجنون، والإغماء،
وبعزله نفسه، وإذا انفسخ بقي أمانة شرعية في يده، كالثوب تطيره الريح
في داره.
4428. الخامس: الحرية شرط في المتعاقدين (1) أو إذن المولى، فلو
استودع العبد فإن كان بإذن مولاه صح، وإلا فلا، وعلى التقدير الأول لو فرط
العبد أو باشر الإتلاف، فالوجه تعلق الضمان بكسبه، أما على التقدير الثاني،
فالأقرب أنه يتبع به بعد العتق.
4429. السادس: لا تصح وديعة الطفل، ولا المجنون، فلو أودعا شيئا
ضمن القابض. ولو رده إليهما لم يبرأ وإنما يبرأ برده إلى وليهما.
4430. السابع: الوديعة. أمانة يجب حفظها، فلو أهمل المستودع ضمن،
ولو لم يهمل لم يضمنها وإن تلفت، سواء تلف معها شئ من ماله أو لا، وكذا لو
أخذت منه قهرا. ولو تمكن من الدفع وجب. ولو أهمل حينئذ ضمن، ولو

1. في «أ»: الحرية يشترط في المتعاقدين.
192

خاف من الظالم لو منعها، جاز دفعها إليه ولا يجب تحمل الضرر الكثير لأجل
حفظها عنه، ولو أنكرها فطالبه الظالم باليمين ظلما، جاز الحلف ويوري ما
يخرج به عن الكذب.
4431. الثامن: يجب رد الوديعة إلى صاحبها مع الطلب وإمكان الدفع،
فلو أهمل مع القدرة والمطالبة، ضمن.
الفصل الثاني: في أسباب الضمان:
وهي شئ واحد على الإجمال: هو التقصير
وللتقصير أسباب سبعة:
4432. الأول: الانتفاع بالوديعة، فإذا لبس الثوب، أو ركب الدابة، أو أخذ
الدراهم ليصرفها في حاجته، ضمن، ولو نوى الأخذ ولم يأخذ، أو عزم على
التعدي ولم يفعله، لم يضمن، وفيه احتمال ضعيف، بخلاف الملتقط، ولا يعود
أمينا لو ترك الخيانة، ولو رد الثوب بعدما لبسه أو الدابة، بعدما ركبها إلى الحرز،
لم يزل الضمان، ولو أعاده إلى المالك، سقط الضمان وإن جدد الاستيمان، ولو
لم يردها لكن جدد الاستيمان، أو أبرأه من الضمان، برئ أيضا، ولو أخرجها من
الحرز للاستعمال ولم يستعملها ضمنها، وإن أعادها إلى الحرز لم يبرأ، ولو دفع
إليه دراهم فوضعها في كيس، ثم أخرج منها درهما، ضمنه خاصة، ولو رد ذلك
الدرهم بعينه إلى الكيس واختلط بالباقي ولم يتميز، لم يتعد الضمان إلى الباقي
ولم يزل الضمان عن الدرهم، وإن رد بدله ومزجه بالباقي ضمن الجميع، ولو
193

تميز لم يتعد الضمان إلى الباقي، وكذا لو مزج الوديعة بغيرها من ماله أو من غير
ماله من غير استيذان بحيث لا يتميز، فإنه يضمنها.
ولو كانت الدراهم في كيس للمودع فإن لم يكن مشدودا، فكذلك، وإن
كان مشدودا فحل الشد، أو كانت مختومة فكسر الختم، وإن لم يحل الشد فإنه
يضمنها أجمع، وإن لم يأخذ منها شيئا، ولا يختص ضمانه بالختم.
ولو خرق الكيس، فإن كان الخرق فوق الشد، ضمن ما خرقه دون
الدراهم، وإن كان تحته، ضمن الدراهم، فلو أودع كيسين فمزجهما ضمن، وإن
لم يكونا مشدودين.
ولو أتلف بعض الوديعة لم يضمن الباقي إلا إذا كان متصلا به، كما لو قطع
الثوب أو يد العبد، ولو كان الثوب مخيطا، فالأقرب انه يضمن الجميع لو فتقه
وأتلف بعضه.
فلو خلط المستودع الوديعة بماله خلطا لا يتميز ضمنها، سواء كان
المخلوط بها دونها، أو مثلها، أو أجود، ولو تميز. كالدراهم والدنانير لم يضمن
إلا أن يتضمن التفريط بغير المزج، كحل الشد وفتح الختم، وكذا لا يضمن لو
مزجها بإذن المالك.
ولو أنفق الوديعة ضمنها، ولو رد بدلها إلى موضعها، لم يتعين بذلك،
وكانت في ضمانه.
4433. الثاني: التضييع بأن يلقيه إلى مضيعة، أو يدل عليه سارقا، أو يسعى
به إلى ظالم، أو لا يحرزها في حرز مثلها، ولو ضيع بالنسيان، فالأقرب الضمان،
194

ولو أكره على أخذ الوديعة لم يضمن، وكذا لو سلمها مكرها، وللمالك الرجوع
على من شاء من الودعي (1) والظالم، وإذا طالبه الظالم، وجب إخفاؤها، ولو طلب
منه الحلف ولم يحلف، فالأقرب الضمان.
4434. الثالث: المخالفة في كيفية الحفظ، فلو عين له موضعا للحفظ، تعين،
فإن لم ينهه عن غيره، ونقلها، فإن كان الموضع ملكا للمودع، أو مستأجرا له،
ضمن، لأنه في الحقيقة وكالة لا استيداع، إلا أن يخاف عليها فينقلها، لأنه مأمور
بحفظها، وإن كان ملكا للمستودع، فنقلها منه، أو حفظها ابتداء في غيره، فإن كان
أدون، ضمن قطعا، وإن كان مثله أو أحرز، قال الشيخ: لم يضمن 2 وعندي فيه
نظر ويقوى الإشكال لو تلفت بالنقل، كانهدام البيت المنقول إليه.
ولو نهاه عن النقل، ضمن به، وإن كان إلى مساو أو أحرز، ولو لم يعين له
موضعا، فنقلها بعد إيداعها في حرز إلى حرز مثلها، لم يضمن، سواء كان مثل
الأول أو أدون.
تنبيه
كل موضع قلنا انه يضمن بالنقل إنما هو مع عدم خوف التلف، أما لو
خاف التلف من حريق، أو غرق، أو نهب، أو لص، فإنه يجوز نقلها وإن عين له
حرزا، سواء نهاه عن نقلها عنه، أو لا، ولا ضمان عليه إذا نقلها إلى مثل المعين،
أو أحرز.
ولو نقلها إلى أدون، فإن لم يتمكن، من المساوي والأجود فلا ضمان،

1. في «ب»: من المودع.
2. المبسوط: 4 / 140.
195

وإن تمكن ولم يكن حرز مثلها، ضمن، وإن كان حرز مثلها ففي الضمان إشكال.
ولو لم ينقلها مع الخوف فتلفت، فالأقرب التفصيل، فإن لم يعين له
موضعا ضمن، وإن عين ولم ينهه عن النقل فكذلك، ولو نهاه عن النقل ففي
عدم الضمان إشكال.
إذا عرفت هذا فلا فرق في الضمان بين أن ينقلها من دار إلى أخرى، أو
من بيت من دار إلى بيت آخر منها مع التعيين والنهي عن التحويل.
ولو قال: لا تخرجها من المعين وإن خفت التلف، فأخرجها من غير
خوف، ضمن. وإن أخرجها مع الخوف، أو تركها، فلا ضمان.
ولو أمره بوضعها في صندوق فوضعها في غيره، أو في خريطة، فوضعها
في غيرها، فالتفصيل فيه كما قلنا في البيت سواء.
ولو أمره بوضعها في بيته، فتركها في ثيابه ضمن، ولو دفعها إليه في دكانه
وأمره بوضعها في بيته، فسارع فتلفت من غير تفريط، لم يضمن، ولو وضعها
في دكانه إلى وقت فراغه ليستصحبها إلى بيته مع المكنة من المسرعة، فالأقرب
الضمان، ولو نهاه عن التأخير ضمن قطعا.
ولو أمره بوضعها في كمه فوضعها. في جيبه، ففي الضمان إشكال،
وبالعكس يضمن.
ولو أمره بوضع الخاتم في الخنصر، فوضعه في البنصر وكان متسعا ينزل
إلى أسفل لم يضمن، وإن كان ضيقا يقف عند الأنملة ضمن، وبالعكس يضمن.
ولو قال: ضعها في جيبك أو كمك، فوضعها في يده، ضمن إن سقطت
منه، ولو غصبت منه فكذلك على إشكال.
196

ولو أمره بحفظها مطلقا، فوضعها في جيبه أو يده، لم يضمن، إلا أن
تسقط من يده، لاسترخائه بنوم أو نسيان ولو تركها في كمه مشدودة لم يضمن،
فان كانت غير مشدودة فسقطت ضمن إن كانت خفيفة، وكذا إن كانت ثقيلة على
إشكال ضعيف.
ولو شدها في عضده لم يضمن، سواء كان مما يلي الجيب أو لا، نعم لو
أمره بشدها مما يلي الجيب فعكس ضمن، ولو كان بالعكس لم يضمن، ولو
شدها على وسطه لم يضمن.
ولو دفع إليه صندوقا وقال: لا تنم عليه، أو لا تقفل عليه، أو لا تضع عليه
رجلا، فخالفه، أو قال: لا تقفل عليه إلا قفلا واحدا، فقفل قفلين، لم يضمن.
ولو قال: اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا، فأدخل إليها فسرقها
الداخل ضمن، سواء سرقها حال الإدخال أو بعده، ولو سرقها من لم يدخل
البيت، فالأقرب الضمان.
4435. الرابع: الإيداع، ومن استودع شيئا فأودعه من غير إذن المالك
ولا ضرورة كان ضامنا، سواء أودع من جرت عادته بحفظ ماله كالمرأة والغلام،
أو غيرهما، وإن كان القاضي، ولو أراد السفر ردها إلى المالك أو وكيله، فإن
فقدهما فإلى الحاكم، فإن تعذر فإلى ثقة، فإن تعذر جاز له السفر بها، ولو خالف
هذا الترتيب، ضمن على إشكال ضعيف، ولو أودع في السفر جاز النقل، ولا
ضمان عليه.
ولو دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على الموضع، وكانت مما لا
يغيرها الدفن، فهو كإيداعها عنده وإن لم يعلم بها أحدا ضمنها إلا مع
197

خوف المعاجلة عليها وكذا يضمن لو أعلم بها غير الثقة، أو اعلم بها الثقة ولم
يشعره بالمكان، أو أشعره وليس ساكنا بالمكان، أو كانت مما يتغير بالدفن.
ولو أراد السفر بها وقد نهاه المالك، ضمنها إلا أن يخاف التلف مع المقام
بها، وإن لم يكن نهاه وكان الطريق مخوفا، أو البلد المقصود كذلك، ضمنها وإن
لم يكن كذلك احتمل جواز السفر بها مع القدرة على المالك والوكيل والحاكم
والثقة، وعدمه، وهو الأقوى.
ولو دفع إلى الحاكم للضرورة، ففي وجوب القبول على الحاكم وجهان،
ولو دفعها إلى الحاكم من غير إرادة السفر، للضرورة كالحريق والنهب وغيرهما،
لم يضمن.
وإن تعذر الحاكم واحتاج إلى إيداعها، أودعها الثقة، ولو وجد المالك أو
وكيله، فتخطاهما إلى الحاكم أو الثقة، ضمنها، ولو جعلها في بيت المال بنفسه
من دون الحاكم ضمن.
ولو جن المالك أو حجر عليه للسفه، كان على المودع رد الوديعة إلى
الحاكم، ولو نقل الوديعة من قرية إلى أخرى، كان حكمه حكم المسافر بها، وإن
لم يكن بينهما مسافة القصر.
4436. الخامس: التقصير فيما تحتاج الوديعة إليه، فلو استودع دابة وجب عليه
القيام بعلفها وسقيها على قدر حاجتها، سواء أمره المالك أو لم يأمره، ولو نهاه
المالك عن العلف والسقي، لم يجز له الامتثال، لكن لو امتثل لم يضمن، وكذا
لو لم ينشر الثوب المحتاج إلى النشر، ولو افتقر إلى اللبس وجب لبسه، ولو
أهمل ضمن إلا مع نهي المالك.
198

4437. السادس: الجحود، فمن أودع شيئا وجب رده على مالكه مع المكنة،
فإن طالبه المالك فجحد، ضمن، ولو طالبه غير المالك فجحد، لم يضمن، ولو
سأله المالك من غير مطالبة فجحد، ففي الضمان إشكال.
4438. السابع: التأخير عن الدفع مع المطالبة وإمكان الدفع، ولو لم يمكن
لبعدها، أو لمخافة في طريقها، أو للعجز عن حملها، أو غير ذلك، لم يكن متعديا
بترك تسليمها، وليس على المستودع مؤونة لو حملها إلى مالكها إذا كان حملها
يفتقر إلى المؤونة قلت، أو كثرت، بل عليه التمكين من أخذها، ولو سافر بها
بغير إذن المالك، كان عليه الرد، ولزمته مؤونته.
الفصل الثالث: في الأحكام
وفيه تسعة عشر بحثا:
4439. الأول: قبول الوديعة مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة، وليس
بواجب إجماعا.
4440. الثاني: الوديعة أمانة لا يضمن إلا بالتعدي، ولو شرط الضمان
في العقد لم يلزم وإن قبل الشرط، وكذا لو قال: أنا ضامن لها، وكذا كل ما
أصله الأمانة.
4441. الثالث: لا يجوز مزج الوديعة بغيرها من جنسها أو غير جنسها أجود أو
أدون أو مساو، مثل أن يمزج السمن بمثله أو بالزيت، ولو استودع من اثنين
199

وأذنا في المزج، جاز ولا ضمان، ولو أذن أحدهما ضمن حصة (1) غير الآذن، ولو
امتزجت بغير تفريط فلا ضمان، ولو مزجها غيره، فالضمان على المباشر.
4442. الرابع: إذا حضرت المودع الوفاة وجب عليه دفعها إلى المالك،
أو الوكيل، أو الحاكم، أو الثقة على الترتيب، ولو تعذر وجب الإيصاء بها
والإشهاد، فإن أهمل مع القدرة حتى مات، ضمن، ولو مات فجأة ولم يوص
فالأقرب عدم الضمان، ولو أوصى إلى فاسق ضمن، وكذا لو أوصى وأجمل من
غير تميز، كما لو قال: عندي ثوب، ولم يميزه، وعنده أثواب، ولو لم يكن عنده
غيره لم يضمن.
ولو قال: عندي ثوب وديعة، ولم يوجد في تركته ثوب أصلا، فالأقرب
عدم الضمان على إشكال، ولو وجد في تركته كيس مختوم عليه مكتوب أنه
وديعة فلان لم يسلمه إليه إلا مع البينة.
4443. الخامس: لو أمر المودع غلامه أو صاحبه بعلف الدابة أو سقيها،
فالأقرب عدم الضمان. ولو أخرجها للسقي، والطريق آمن، ففي الضمان
إشكال، أما لو كان مخوفا، فإنه يضمن.
ولو قال المالك: اربط الدراهم في كمك، فوضعها في يده فأخذها
غاصب، فالأقرب الضمان، ولو أمره بحفظها، فشدها في كمه الظاهر، أو
وضعها 2 في جيبه الظاهر، فالوجه الضمان، بخلاف ما لو كانا باطنين.
4444. السادس: إذا ادعى عليه وديعة فأنكر، فالقول قوله مع اليمين، فإن

1. في «ب»: ضمن حقه.
2. في «ب»: أو جعلها.
200

أقيمت عليه البينة، فادعى عليه الرد أو التلف من قبل، فإن كانت صيغة جحوده
إنكار أصل الوديعة، لم يقبل قوله بغير بينة، ومع إقامة البينة، فالأقرب عدم قبوله
أيضا، وإن كانت الصيغة انه لا يلزمني تسليم شئ إليك، أو ليس في ذمتي
شئ، قبل قوله في الرد والتلف.
4445. السابع: يجب رد الوديعة مع المطالبة والمكنة، فإن أخر معها ضمن،
ولو أخر لضرورة لم يضمن، وإن كان لاستتمام غرض نفسه، مثل أن يكون في
حمام، أو على طعام، أو على نوم، أو طلب الإمهال لينهضم الطعام.
4446. الثامن: لو قال: رد على وكيلي، وطلب الوكيل، ولم يرد مع المكنة،
ضمن، ولو لم يطلب ولكن تمكن من الرد فلم يرد، فالأقرب الضمان على
إشكال، ولو علم من حال الموكل المسارعة، فأهمل ضمن قطعا.
وإذا رد على الوكيل، ولم يشهد، فأنكر الوكيل فالأقرب عدم الضمان،
بخلاف الوكيل لقضاء الدين.
4447. التاسع: لو طالب بالرد، فادعى التلف، فالقول قوله مع يمينه، سواء
ادعى سببا ظاهرا، كالحريق والغارة على إشكال، أو خفيا، ولو ادعى الرد، فالقول
قوله مع اليمين، إلا أن يدعي الرد على غير من ائتمنه، كدعوى الرد على وارث
المالك، أو دعوى وارث المستودع على المالك، أو دعوى من طير الريح ثوبا
إلى داره، أو دعوى المستودع الرد على وكيل المالك.
4448. العاشر: لو ادعى اثنان عليه وديعة فاعترف لأحدهما مطلقا، وقال:
نسيت التعيين، فإن صدقاه خلص منهما وتنازعا، والأقرب انه لا يجب نقلها إلى
عدل غيره، وإن كذباه حلف على نفي العلم، ولا تكفي يمين واحدة على
201

إشكال، بل لا بد من يمينين، فإذا حلف احتمل استعمال القرعة، فمن خرج
اسمه حلف، فإن نكل حلف صاحبه، فإن نكلا قسم بينهما، واحتمل القسمة
بينهما وحينئذ لا يضمن المستودع نصفها لتفويت ما استودع بجهله، لأن الجهل
عذر، وإن نكل، فحلفا على علمه، ضمن القيمة، وجعلت القيمة والعين في
أيديهما، فإن سلم العين بحجة لأحدهما رد نصف القيمة إلى المودع، ولم يجب
على الثاني الرد، لأنه استحقها بيمينه، ولم يعد عليه البدل.
وقال الشيخ: لو حلفا، فيه قولان: أحدهما القسمة بينهما، والثاني انه
يوقف حتى يصطلحا، والأول أقوى، ثم قال: ولو قلنا بالقرعة كان قويا (1) وعندي
في ذلك نظر.
ولو حلف أحدهما حكم له، ولو نكلا احتمل القسمة والقرعة، ولو
كذبهما معا، فالقول قوله مع يمينه، ولو كذب أحدهما وصدق الآخر فكذلك،
ويدفعها إلى من اعترف له بها مع يمينه للمكذب، ولو أقر لهما معا، كان إقرارا
لكل واحد منهما بالنصف، ويكون الحكم في النصف الآخر ما تقدم فيها إذا أقر
بالجميع لغيره.
4449. الحادي عشر: إذا أخرج الوديعة المنهي عن إخراجها فتلفت، فادعى أنه
أخرجها للخوف إما من حريق، أو غريق، أو نهب، أو غير ذلك، فأنكر المالك،
فعلى المدعي البينة على حصول السبب، وحينئذ يبقى القول قوله في التلف مع
اليمين.

1. المبسوط: 4 / 151.
202

4450. الثاني عشر: إذا أودع المودع من غير إذن ولا ضرورة، ضمن،
وللمالك الرجوع على من شاء، فإن رجع على الأول برئ الثاني، وإن رجع على
الثاني كان للثاني مطالبة الأول (مع الغرور). (1)
4451. الثالث عشر: لو مات وثبت أن عنده وديعة لم توجد بعينها، أخذت من
التركة، ولو كان عليه دين سواها، فهي والدين سواء، ولا فرق بين أن يوجد في
تركته من جنس الوديعة أو لا، هذا إذا أقر المستودع أن عندي وديعة، أو علي
وديعة لفلان، أو ثبت ببينة أنه مات وعنده وديعة، ولو كانت عنده وديعة في
حياته ولم يوجد بعينها، ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت، ففي وجوب
ضمانها إشكال.
4452. الرابع عشر: لو مات وعنده وديعة معلومة بعينها، فعلى ورثته
تمكين صاحبها من أخذها، ولو لم يعلم المالك بالموت، وجب على الورثة
إعلامه بها، وليس لهم إمساكها، وكذا لو أطارت الريح إلى داره ثوبا، وعلم به،
فعليه إعلام المالك.
4453. الخامس عشر: المستودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من تلف
الوديعة مع يمينه، ولو ادعى ردها إلى صاحبها، فالقول قوله أيضا، سواء أودعه
إياها ببينة، أو بغير بينة.
4454. السادس عشر: (2) لو قال: دفعتها إلى فلان بأمرك، فأنكر مالكها الإذن

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
2. جاء في حاشية المطبوع: ان البحث السادس عشر لا يوجد في جميع النسخ، وإنما أثبتناه
للاحتياط فلاحظ.
203

في دفعها، فالقول قول المالك، ولو صدقه على الإذن، لم يضمن بترك الإشهاد،
ولو اعترف المالك بالإذن وأنكر الدفع، فالقول قول المستودع، فإن أقر المدفوع
إليه بالقبض، وكان الدفع إليه في دين، برئ الجميع، وإن أنكر فالقول قوله مع
يمينه، ويضمن المأمور بترك الإشهاد، وإن كان الأمر بالدفع وديعة، فالوجه عدم
الضمان، فإذا حلف برئ أيضا وكان الهلاك من المالك.
4455. السابع عشر: إذا استودع دابة وجب عليه القيام بعلفها وسقيها،
فإن قدر على المالك، أو وكيله، طالبه بالإنفاق، أو ردها عليه، أو يأذن له ثم
يرجع به، فإن تعذر المالك ووكيله، رفع أمره إلى الحاكم فينفق عليها من مال
صاحبها، ولو لم يجد [المال]، ورأى من الحظ (1) بيعها، أو بيع بعضها وإنفاقه
على الباقي، أو إجارتها، أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال أو من غيره،
ويدفعه إلى المودع، فعل، وإن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها، جاز.
ولو استدان من المودع جاز، ثم يدفعه إليه إن شاء أو إلى غيره، ويجوز أن
يأذن له في الإنفاق بقدر ما يراه المودع، ويرجع به على صاحبها، فإن اختلفا في
قدر النفقة، فالقول قول المودع في المعروف وفي الزائد قول المالك، وان
اختلفا في قدر المدة التي أنفق فيها، فالقول قول المالك.
ولو تعذر الحاكم وأنفق على نية الرجوع وأشهد، فالأقرب الرجوع، ولو
تمكن من الحاكم فلم يستأذنه، فالأقرب عدم الرجوع وإن أشهد.
ولو عجز عن الحاكم ولم يشهد، فالأقرب عدم الرجوع.

1. والمراد انه: لو لم يجد الحاكم مالا لصاحب الدابة فعل ما يرى لصاحبها الحظ فيه من بيعها و...
204

4456. الثامن عشر: إذا فرط واختلفا في القيمة، فالقول قول الغارم، وقيل (1):
قول المالك، وفيه ضعف.
4457. التاسع عشر: إذا مات المودع سلمت الوديعة إلى الوارث، فإن كانوا
جماعة سلمت إلى الجميع أو من يقوم مقامهم، ولو سلمها إلى بعضهم من غير
إذن الباقين، ضمن حصص من لم يأذن.

1. القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية: 437، والشيخ المفيد في المقنعة: 626.
205

كتاب العارية
207

المقصد الثاني: في العارية
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في العقد
وفيه ثلاثة مباحث:
4458. الأول: العارية مأخوذة من: عار الشئ يعير: إذا ذهب وجاء، وشدد الياء
لأنها منسوبة إلى العارة وهو اسم من قولك: أعرت المتاع إعارة وعارة، فالعارة
الاسم، والإعارة المصدر (1).
والعارية عقد يقتضي إباحة المنفعة خاصة بغير عوض، فخرج عنه إباحة
الأعيان كالبيع والصدقة والإجارة.
4459. الثاني: العارية عقد مشروع بالنص والإجماع قال الله تعالى: (وتعاونوا
على البر والتقوى) (2). وقال تعالى: (ويمنعون الماعون) 3.

1. وللنووي تحقيق حول لفظة «العارية» ومعناها. لاحظ المجموع: 15 / 38.
2. المائدة: 2.
3. الماعون: 7.
209

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«العارية موداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم» (1).
4460. الثالث: العارية عقد جائز من الطرفين، ويفتقر إلى إيجاب وقبول،
وعبارته الصريحة: أعرتك، فيقول: قبلت، ويقع بكل لفظ يشتمل على الإذن في
الانتفاع، وقد يحصل القبول بالفعل.
الفصل الثاني: في أركانها
وفيه سبعة مباحث:
4461. الأول: أركان العارية ثلاثة: المعير، والمستعير، والمستعار.
ويشترط في المعير التكليف وجواز التصرف، فلو أعار الصبي، أو
المجنون، أو المحجور عليه للسفه أو الفلس، لم يجز، ولو كان الصبي مميزا، أو
أذن له الولي في الإعارة جاز مع المصلحة، ولا فرق بين أن يعير ما يملكه أو
يكون نائبا عن غيره.
4462. الثاني: يشترط في المعير كونه مالكا للمنفعة، فلو أعار المستأجر صح،
ولو أعار غيره ممن ليس بمالك لم يجز وإن كان مستعيرا، نعم للمستعير أن
يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله، وليس له أن يؤجر.

1. سنن الترمذي: 4 / 433 برقم 2021; ومسند أحمد بن حنبل: 5 / 267 و 293; ورواه ابن
قدامة في المغني: 5 / 354; والشيخ الطوسي (قدس سره) في المبسوط: 3 / 49.
210

4463. الثالث: يشترط في المستعير كونه أهلا للتبرع عليه، فلو استعار المحرم
صيدا لم يجز له إمساكه وإن كان من محل، ولو أمسكه ضمنه وإن لم يشترط عليه
الضمان، وعليه مع تلفه قيمته لصاحبه والجزاء لله تعالى، وهل يجوز للمشرك
استعارة المصحف أو العبد المسلم للاستخدام؟ فيه نظر.
4464. الرابع: يشترط في المستعار كونه عينا مملوكة يصح الانتفاع به مع بقاء
عينه كالثوب، والدابة، وتصح إعارة الأرض للزراعة، أو الغراس، أو البناء، وكذا
تجوز إعارة الحيوان للركوب، والعبد والجارية للخدمة، وإن كانت الجارية
أجنبية، وتجوز أيضا عارية الفحل للضراب وعارية الكلب للصيد، أو الحفظ.
4465. الخامس: لا تجوز إعارة العين لنفع محرم كإعارة الدار لمن
يشرب فيها الخمر.
4466. السادس: يكره أن يستعير أحد والديه لخدمته، ويستحب استعارتهما
للترفه، ولا تجوز إستعارة الجواري للاستمتاع إلا بلفظ التحليل أو الإباحة، فلو
وطئ بلفظ العارية مع علمه، بالتحريم، كان زانيا، وإلا فهو وطء شبهة، وتجوز
استعارة الشاة للحلب، ويكون ذلك منحة، وتجوز استعارة العين للرهن.
4467. السابع: تجوز إعارة كل عين يصح الانتفاع بها منفعة مباحة مع
بقائها، كالدور، والعقار، والثياب، والحلي، وغير ذلك، ولو استعار الدراهم
والدنانير لمنفعة التزين (1) بها جاز، ولا يكون قرضا، ولو استعارها للإنفاق كان
قرضا، ولو قال: آجرتك حماري لتعيرني فرسك، فالأقرب الجواز، فلو قال:
اغسل هذا الثوب، فهو استعارة لبدنه، فإن كان العمل مما يؤخذ الأجرة عليه،
استحق الأجرة وإلا فلا.

1. في «أ»: التزيين.
211

الفصل الثالث: في أحكامها
وفيه خمسة وعشرون بحثا:
4468. الأول: يملك المستعير من الانتفاع بالعارية ما جرت العادة به في
الانتفاع بذلك المستعار، كالدابة في الركوب، والدار في السكنى، والثوب في
اللبس، ولو أذن المالك في نوع من التصرف لم يجز التعدي إلى ما ضرره أكثر،
فإن أذن له في زرع الحنطة لم يكن له زرع ما هو أضر منها، ويزرع ما ضرره مثلها
أو دونها، ولو نهاه عن التجاوز لم يجز مطلقا، ولو أذن في الغراس فبنى، أو في
البناء فغرس، فالوجه المنع.
4469. الثاني: إذا أطلق له العارية، فالأقرب الجواز، وله الانتفاع بمجرى
العادة، فلو استعار أرضا من غير قيد جاز أن يبني ويغرس ويفعل كلما هي معدة
من الانتفاع، ولو اذن له في الغراس، أو البناء جاز له الزرع دون العكس.
ولو أذن له في الزرع مرة لم يكن له التكرار، ولو أطلق، فالأقرب الجواز.
ولو أذن له في الغرس مطلقا، فانقلعت الشجرة لم يكن له غرس أخرى،
وكذا لو أذن له في وضع خشبة على حائط فانكسرت لم يكن له وضع أخرى.
4470. الثالث: لو استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره فلبسه، فهو ضامن، وكذا
لو لم يسم من يلبسه، وكذا غير الثوب من الأعيان إذا أعاره غيره من غير إذن
ضمنه وإن كان الثاني لا يعمل بها إلا ما كان المستعير يعمل بها، إذا ثبت هذا
212

فللمالك أجرة المثل على من شاء منهما، فإن رجع على الأول رجع الأول على
الثاني مع علمه، وإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على الأول، ولو كان جاهلا
ففي رجوع الأول عليه وعدم رجوعه على الأول لو رجع عليه، نظر.
ولو تلفت العين في يد الثاني ضمنها الثاني، فإن رجع على الأول كان
للأول الرجوع على الثاني، وإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على أحد.
4471. الرابع: لو آجره المستعير لم يجز، وكان للمالك الأجرة إن شاء
أجرة المثل، وإن شاء المسمى، وله الرجوع على من شاء، والتفصيل هنا كما قلنا
في العارية.
ولو أذن له المالك في الإجارة مدة معلومة أو في الإعارة مطلقا، أو معينا،
جاز فإذا عقد المستعير الإجارة لم يكن للمالك الرجوع حتى تنقضي المدة، ولا
تكون العين مضمونة على المستعير ولا على المستأجر.
4472. الخامس: تجوز العارية مطلقة ومقيدة، وللمعير الرجوع في العارية متى
شاء، سواء كانت مطلقة أو مؤقتة ما لم يأذن في الشغل بما لا يجوز معه الرجوع،
ولا يلزمه في المطلقة الصبر إلى وقت يمكن للمستعير (1) الانتفاع في مثله
بالعين، ولا في المقيدة خروج الوقت، بل يجوز قبله، وكذا يجوز للمستعير الرد
متى شاء إجماعا.
4473. السادس: للمستعير الانتفاع بالعارية المطلقة ما لم يرجع المالك
والمقيدة ما لم يرجع، أو يمضي الوقت، ولو تصرف بعد المدة كان غاصبا،

1. أي يتمكن المستعير من الانتفاع بالعين.
213

وعليه الأجرة، فإن كان قد غرس قلعه وعليه تسوية الحفر ونقص الأرض.
4474. السابع: إذا استعار شيئا ليرهنه، ففي اشتراط العلم بقدر الدين
وجنسه إشكال، فان عين له قدر الدين، أو جنسه، أو صفته من الحلول
والتأجيل، تعين، ولا يجوز له المخالفة، فإن خالف كان للمعير فسخ الرهن إلا
أن يأذن له في الرهن بمقدار فيرهنه على أقل، وللمالك المطالبة بافتكاكه إن كان
الدين حالا، أو مؤجلا حل أجله، وإن لم يحل فكذلك على إشكال، وإذا حل
الدين ولم يفكه الراهن، جاز بيعه في الدين، فإذا بيع بالدين، أو تلف بتفريط،
كان للمالك الرجوع على الراهن بالقيمة، وله الرجوع في صورة البيع بالثمن، ولو
تلف من غير تفريط، لم يكن على أحدهما (1) ضمانه.
ولو استعار شيئا من اثنين فرهنه على مائة صفقة عند واحد ثم قضى
خمسين ليفك حصة أحدهما لم ينفك إلا بقضاء الجميع، ولا يضمن المعير
الدين في رقبة عبده إذا رهنه المستعير.
4475. الثامن: إذا استعار شيئا لينتفع به نفعا يلزم من الرجوع فيه الضرر،
ففي جواز الرجوع إشكال، فلو استعار لوحا فرقع به السفينة لم يكن له الرجوع
بعد إصلاحه فيها إذا لجج (2) في البحر، ويجوز الرجوع قبل دخول البحر وبعد
الخروج منه.
ولو أعاره أرضا للدفن جاز الرجوع ما لم يدفن، فيلزم حينئذ ما لم
يبل الميت.

1. في «ب»: على أحد.
2. الأولى: لججت.
214

ولو أعاره حائطا لطرح خشبة، جاز الرجوع ما لم يطرح ويبنى عليه، ففي
الرجوع حينئذ مع الأرش إشكال، ولا يجوز الرجوع مجانا، ولو أزاله المستعير
باختياره، أو سقط الحائط فبناه المالك بذلك اللبن أو غيره لم يكن للمستعير
الوضع ثانيا إلا مع تجدد الإذن، وكذا لو سقط الخشب خاصة.
4476. التاسع: لو استعار أرضا للزراعة، فله الرجوع ما لم يزرع، فإن
زرع بعد الرجوع، كان للمالك قلعه بغير شئ وعلى الزارع أرش الأرض
وتسوية الحفر والأجرة، وإن زرع قبله، ففي جواز الرجوع إشكال، فإن سوغناه،
أوجبنا الأرش على الإذن فليس له القلع بدونه، وان منعناه أوجبنا بقاءه
في الأرض إلى وقت إدراكه بغير عوض. ولو بذل المالك قيمة الزرع لم
يجب على ربه القبول على التقديرين. ولو كان مما يمكن حصاده قصيلا،
فالوجه التردد أيضا.
4477. العاشر: لو أذن له في البناء والغرس كان له أن يرجع قبل الفعل،
وحينئذ لا يجوز للمستعير البناء والغرس، فإن فعل كان للمالك قلعه وإلزامه
بالأجرة وأرش الأرض وتسوية الحفر، فإن لم يرجع حتى غرس أو بنى ثم رجع
في الإذن، فإن كان قد شرط على المستعير القلع عند انقضاء مدة العارية إن
كانت مقدرة، أو شرط القلع متى طالبه به، إن كانت مطلقة، فإنه يلزمه القلع،
وليس على المالك ضمان ناقص الغرس والبناء بالقلع، ولا يجب على المستعير
طم الحفر وتسوية الأرض، وإن لم يشترط القلع، فإن اختار المستعير القلع، كان
له ذلك، وإن كره المالك، وهل تلزمه تسوية الحفر وطمها؟ فيه احتمال.
وإن لم يختر القلع وطالبه المعير به، لم يكن له ذلك إلا بعد ضمان
215

ما ينقص بالقلع، فحينئذ يجب عليه قلعها بعد غرم ما نقص، فيقوم قائمه
ومقلوعه (1) ويغرم ما بين القيمتين.
ولو قال المعير: أنا أغرم قيمة الغرس، قال الشيخ: يجبر المستعير على
ذلك (2) وعندي فيه نظر.
ولو قال المستعير: أنا أدفع قيمة الأرض، لم يلزم المالك إجابته إجماعا،
ولو طالبه المالك بالقلع من غير ضمان أرش النقص، لم يجبر صاحب
الغرس عليه.
ولو أذن مقيدا، فطالب بالقلع من غير ضمان الأرش قبل المدة، لم يكن له
ذلك، وإن كان بعد المدة، فالأقرب أن له ذلك.
إذا عرفت هذا فإن لم يدفع المعير قيمة الغرس ولا ضمن أرش النقص، لم
يكن له القلع، فإن اتفقا على البيع جاز، ويقسم الثمن على قدر القيمتين بأن
يقوم الغراس منفردا في أرض المعير، والأرض مشغولة بزرع الغير، فيؤخذ
بالنسبة، وإن امتنعا من البيع، كان للمعير الدخول إلى أرضه والاستظلال بالشجر
دون الانتفاع به، من شد دابته فيه وغيرها. (3)
وأما المستعير فليس له الدخول لغير حاجة قطعا، وفي دخوله لحاجة (4)
كسقي الغرس وجهان، قوى الشيخ المنع 5.

1. كذا في النسختين، وفي المبسوط: 3 / 55: قائمة ومقلوعة.
2. المبسوط: 3 / 55.
3. هذا ما أثبتناه، ولكن في النسختين «من شد دابة وغيره».
4. في «ب»: بحاجة.
5. المبسوط: 3 / 56.
216

ولو باع الغارس غرسه على المالك جاز، ولو باعه لغيره ابتني على جواز
الدخول، فإن سوغناه، جاز البيع وإلا فلا.
4478. الحادي عشر: إذا حمل السيل إلى أرضه حب غيره فنبت زرعا، أو
شجرا، كان لصاحب الحب، وله نقله عن أرض غيره، وإن طالب صاحب
الأرض بالنقل، كان له ذلك، ولا أرش عليه، وهل على صاحب الغرس طم
الحفر؟ الأقرب ذلك.
4479. الثاني عشر: العارية أمانة غير مضمونة إلا مع التعدي أو التفريط
في الحفظ، أو اشتراط الضمان، أو تكون العارية للذهب والفضة، وإن لم يشترط
الضمان، أو يكون المستعير محرما والعارية صيدا، أو يستعير من غير المالك،
ولو اشترط في ذلك سقوط الضمان، سقط إلا في الصيد وغير المملوك.
4480. الثالث عشر: إذا ذهب شئ من أجزاء العين بالاستعمال من غير تفريط
لم يضمن المستعير، وكذا لو تلفت العين بجملتها بالاستعمال من غير تعد ما لم
يشترط الضمان، ولو تلفت العين أو أبعاضها بغير الاستعمال، فإن فرط ضمن،
وإلا فلا.
ولو استعملها استعمالا مأذونا فيه فتلف بعض أجزائها ثم أتلفها بتفريط،
ضمنها ناقصة، وكذا يضمنها ناقصة لو تلفت بغير تفريط مع شرط الضمان.
وكذا لا يضمن ولد العارية، أما ولد المغصوبة فإن كان مغصوبا ضمنه
أيضا، وإلا فلا.
4481. الرابع عشر: إذا كانت العارية مضمونة، ضمنها بالمثل إذا كانت
217

من ذوات الأمثال، وإلا فالقيمة يوم التلف، ولو تلف من أجزائها شئ حال
الضمان بالاستعمال، ثم تلفت ضمنها كاملة.
4482. الخامس عشر: إذا كانت العين باقية وجب ردها إلى مالكها أو إلى
وكيله، ويبرأ بذلك، ولا يبرأ لو ردها إلى ملك صاحبها أو إلى الموضع الذي
أخذها منه، أو إذا اودعها مع عدم الضرورة، وكذا لو ردها إلى من جرت العادة
بحفظها كزوجة المالك وسائس الدابة.
4483. السادس عشر: إذا استعار دابة ليركبها إلى موضع فتجاوزه، لزمه
الضمان، وعليه أجرة الزيادة، وكذا لو حملها أثقل من المأذون، أو سيرها أكثر
من المعتاد أو أشد.
ولو ادعى المستعير الإذن في السير إلى المسافة البعيدة، فالقول قول
المالك لو أنكر، وإن كان (1) يشبه ما قاله المستعير.
4484. السابع عشر: إذا ظهر استحقاق العين كان للمالك الرجوع على من شاء
بأجرة مدة الانتفاع، لكن مع رجوعه على المستعير يرجع المستعير على المعير،
دون العكس، هذا (2) إذا كان المستعير جاهلا، ولو كان عالما فالرجوع عليه، ولا
يرجع هو على أحد، ولو رجع على المعير كان للمعير الرجوع عليه، وكذا البحث
في القيمة لو تلفت العين في يد المستعير بغير تفريط.
4485. الثامن عشر: إذا ادعى المالك الإجارة والمنتفع العارية، فإن لم

1. أي يشبه قول المالك لقول المستعير في اللفظ.
2. في «أ»: وهذا.
218

تمض مدة يمكن الانتفاع فيها، فالقول قول المنتفع، (1) وكذا لو قال المالك:
أعرتك، وادعى المنتفع الإجارة، فالقول قول المالك مع يمينه.
ولو مضت مدة ينتفع فيها فالأقرب (2) ان القول قول المالك مع يمينه لا
قول المنتفع، خلافا للشيخ، (3) والوجه أن المالك يحلف على عدم الإعارة لا على
المدعى، (4) فحينئذ يثبت له أجرة المثل، ولو نكل ففي إحلاف الآخر نظر.
ولو اختلفا في أثناء المدة، فالقول قول المالك فيما مضى، وقول المستعير
فيما بقي، ولو ادعى المالك هنا العارية والمنتفع الأجرة، فالمنتفع يدعي
استحقاق المنافع ويعترف بالأجر للمالك، والمالك ينكرها، فيحلف ويأخذ
العين خاصة.
ولو اختلفا في ذلك بعد تلف العين، فإن كان التلف عقيب القبض، فلا
فائدة هنا، إلا فيما يكون مضمونا بالعارية، كالذهب والفضة، فالأقرب فيه أن
القول قول المالك، سواء ادعى الأجرة أو العارية، لأنه بادعاء الإجارة يعترف
ببراءة ذمة القابض، وبادعاء الإعارة يلتجئ إلى الأصل، وهو ضمان القابض،
فيحلف المالك ويأخذ القيمة، والقول في قدرها قول القابض.
ولو اختلفا بعد مضي مدة لمثلها أجرة، فإن ادعى المالك الإجارة، فالقول
قوله مع يمينه في عدم العارية، ويثبت له أجرة المثل، وإن ادعى الإعارة، فلا

1. لأن الأصل عدم عقد الإجارة وبراءة ذمة المنتفع عنها.
2. كذا في «ب» ولكن في «أ»: ينتفع فيها به فالأولى.
3. المبسوط: 3 / 50.
4. أي الإجارة حتى يكون مدعيا ويحتاج إلى البينة، بل يحلف على عدم الإعارة الموافق للأصل.
219

ضمان على المستعير عندنا، ولو كانت العين مما يضمن بالإعارة، فالقول أيضا
قوله مع اليمين إلا أن يكون الأجر بقدر القيمة أو أكثر، فلا يمين.
4486. التاسع عشر: لو اختلفا في اشتراط التضمين، فالقول قول المنكر،
ولو اختلفا في القيمة أو القدر مع التفريط، فالقول قول منكر الزيادة، ولو ادعى
أنه استعار الصيد حالة إحرامه، وقال المستعير: بل بعده (حتى يغرم) (1) ففي
تقديم قول المالك نظر.
4487. العشرون: لو ادعى المالك الغصب والقابض العارية، فإن كانت
العين قائمة، ولم تمض مدة، فلا فائدة للاختلاف، فيأخذ المالك عينه وإن
مضت مدة، لها أجرة، فالقول قول المالك مع اليمين، ويثبت له أجرة المثل، ولو
تلفت فعلى القابض الضمان.
فلو ادعى المالك الغصب والقابض الإجارة، فالاختلاف هنا في وجوب
القيمة وقدر الأجرة، فالقول قول المالك مع اليمين، وإن نقص المسمى عن
أجرة المثل.
4488. الحادي والعشرون: إذا استعار من الغاصب، كان للمالك الرجوع
على من شاء بالأجرة وبالقيمة مع التلف، فإن رجع على المستعير رجع
المستعير على الغاصب، ولو رجع على الغاصب لم يرجع الغاصب عليه، هذا إذا
كان المستعير جاهلا لم يشترط عليه الضمان، ولو كان عالما لم يكن له
الرجوع على الغاصب لو رجع عليه المالك، وللغاصب الرجوع عليه إن رجع
عليه المالك.

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
220

ولو شرط الغاصب الضمان، ففي رجوع المستعير عليه مع الجهل بما
أخذه المالك من القيمة والأجرة إشكال، ويترتب عليه رجوع الغاصب عليه لو
رجع المالك على الغاصب.
ولو كانت القيمة زائدة في يد الغاصب، ثم نقصت، واستعارها بعد
النقص، ضمنها المستعير ناقصة، وكانت الزيادة على الغاصب، والبحث في
رجوع المستعير كما قلناه.
4489. الثاني والعشرون: إذا استعار شيئا لينتفع به في شئ مخصوص،
فاستعمله في غيره ضمن، وكذا يضمن لو جحد العارية ثم ثبتت بالبينة أو
بالإقرار، ويزول الاستئمان.
4490. الثالث والعشرون: إذا ادعى التلف، فالقول قوله مع يمينه، ولو
ادعى الرد، فالقول قول المالك مع اليمين.
4491. الرابع والعشرون: لو تلف شئ من أجزاء العين بالتفريط في
الاستعمال، ضمنه، وإن كان لو استعمله مدة الإذن، لتلف به (1) من غير تفريط
على إشكال.
4492. الخامس والعشرون: إذا استعار الحلال صيدا من محرم، فإن كان
في يد المحرم، ملكه المحل ولا قيمة عليه، وإن كان بعيدا عنه صحت العارية
وكان عليه ضمانه لصاحبه مع التفريط أو الشرط.

1. أي بالاستعمال.
221

كتاب الشركة
223

المقصد الثالث: في الشركة
والنظر في أمرين
[النظر] الأول: [في] الماهية
وفيه ثمانية مباحث:
4493. الأول: الشركة على أقسام ثلاثة:
شركة في الأعيان إما بالميراث، أو عقد البيع، أو الهبة، أو الصدقة، أو
الوصية، أو الحيازة، كالاغتنام والاصطياد والاحتطاب.
وشركة في المنافع بعقد الإجارة أو الوقف.
وشركة في الحقوق كالشركة في حق القصاص، وحد القذف، وخيار
الشرط والعيب، والرهن، والشفعة، ومرافق الطرق، والبحث هنا مقصور
على الأول.
4494. الثاني: تنقسم الشركة باعتبار آخر إلى أربعة:
225

شركة العنان، وهي شركة الصحيحة، وهي أن يخرج كل من المشتركين
مالا ويمزجاه مزجا يرتفع معه التميز، سميت بذلك لتساويهما في التصرف
كالفارسين إذا تساويا في السير، فإن عنانيهما يكونان سواء.
وقال الفراء: هي مأخوذة من «عن الشئ»: إذا عرض، يقال عنت لي
حاجة: إذا عرضت وسميت بذلك، لأن كل واحد عن له شركة صاحبه، وقيل:
من المعاننة (1) يقال: عاننت فلانا: إذا عارضته بمثل ماله وفعاله، وكل من
الشريكين عارض صاحبه بمثل ماله وفعاله (2).
وشركة المفاوضة: وهي أن يكون مالهما من كل شئ يملكانه بينهما،
وهي باطلة، سواء كانا مسلمين أو لا، وسواء كان مالهما في الشركة، أو لا، وسواء
أخرجا جميع ما يملكانه من جنس مال الشركة، وهو الدراهم والدنانير، أو لا.
وشركة الأبدان: وهي أن يشترك الصانعان فيما يحصل به من كسب
عملهما، وهي باطلة عندنا، سواء كانت في الاحتطاب والاحتشاش والاغتنام، أو
في غيرها وسواء اتفقت الصنعتان، أو اختلفتا، بل يأخذ كل من الصانعين أجرة
عمله بانفراده، ولو لم يتميز العمل بأن يستأجرهما لخياطة الثوب، فيفعل كل
منهما فيه شيئا غير معلوم اصطلحا في الأجرة.

1. قال الشيخ في المبسوط: 2 / 347: وهذا أصلح ما قيل فيه.
2. قال في الحدائق: 21 / 161 في بيان وجه التسمية أيضا ما هذا نصه:
فقيل: من عنان الدابة، إما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف واستحقاق الربح على
قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان... وإما لأن لكل واحد منهما أن يمنع الآخر من
التصرف كما يشتهي ويريد، كما يمنع العنان الدابة... وقيل: من «عن» إذا ظهر، إما لأنه ظهر
لكل واحد منهما مال صاحبه، أو لأنها أظهر أنواع الشركة، ولهذا أجمع على صحتها، وقيل: من
«العانة» وهي المعارضة، لأن كل واحد منهما عارض بما أخرجه الآخر.
226

وشركة الوجوه: وهي أن يتفق رجلان على أن يشتركا ولا مال لهما، على
أن يبتاعا بجاههما ويبيعا، ويكونان شريكين في الربح، وهي باطلة. ولو أذن
أحدهما لصاحبه في الشراء عنهما فاشترى لهما، وقع الشراء لهما.
4495. الثالث: الشركة عقد صحيح بالنص والإجماع، وهي جائزة
من الطرفين، ويشترط فيه أهلية كل من المتعاقدين للتوكيل والتوكل، فإن كل
واحد متصرف في مال نفسه ومال صاحبه بإذنه، ويكفي في الصيغة ما يدل على
الرضا بالمزج.
4496. الرابع: إنما تصح الشركة مع المزج الرافع (1) للامتياز، سواء قصد المزج
أو لا، فلو اختلط أحد المالين بالآخر من غير قصد المالكين، تحققت الشركة،
ولو مزج الصحيح بالقراضة، أو السمسم بالكتان، لم يصح، وكذا كل اختلاط
يمكن معه التميز، فإن الشركة فيه باطلة، ولو تقدم الخلط على العقد أو العكس،
جاز، ولا يشترط تساوي المالين قدرا ولا العلم بالمقدار حالة العقد، وقد تقع
الشركة في الأعيان المتميزة بأن يبيع أحدهما نصف العين التي له، بنصف عين
صاحبه.
4497. الخامس: الشركة جائزة في النقدين إجماعا، وكذا في العروض
عندنا، سواء كانت من ذوات الأمثال أو من غيرها، على وجه لا يمكن التميز
معه، مثل أن يبيع أحدهما نصف سلعته بنصف سلعة صاحبه، أو يمزجهما مزجا
يحصل معه الاختلاط.
4498. السادس: شركة التجارة بالأموال جائزة بين المسلمين، ويكره بينهم

1. في «أ»: «الواقع» وهو تصحيف.
227

وبين أهل الذمة إجماعا، فلو اشترى الذمي بمال الشركة، أو باع بما يحرم على
المسلم، وقع فاسدا، وعليه الضمان.
4499. السابع: قد بينا أن شركة الأبدان باطلة، وأن لكل منهما أجرة عمله، ولو
قال أحدهما للآخر: أنا أتقبل وأنت تعمل على الشركة في الأجرة كانت أجرة
العمل للمتقبل، وعليه أجرة المثل للعامل، إن كان المتقبل قد استؤجر للعمل،
وإلا كانت الأجرة للعامل، وعليه للمتقبل أجرة السمسرة، ولو عمل أحد
الشريكين في شركة الأبدان دون صاحبه كانت الأجرة للعامل خاصة.
4500. الثامن: لو اشتركا في الحيازة، فإن اتحد الفعل بأن يقتلعا شجرة، أو
يغترفا ماء دفعة، تحققت الشركة، وإن تعدد العمل اختص كل واحد بما حازه.
النظر الثاني: في الأحكام
وفيه سبعة وعشرون بحثا:
4501. الأول: إذا اشتركا شركة العنان ولم يشترطا قسمة الربح، كان تابعا لأصل
المال إجماعا. ولو اشترطا ذلك أيضا، جاز بلا خلاف.
ولو اشترطا التفاوت في الربح مع تساوي المالين، أو بالعكس، قال الشيخ:
لا يصح وكان الربح على قدر رأس المال، ولكل منهما أجرة مثل عمله في
مال صاحبه. (1)

1. المبسوط: 2 / 357; ولاحظ الخلاف: 3 / 332، المسألة 9 من كتاب الشركة.
228

وقال السيد المرتضى: يلزم الشرط (1) وهو الأقوى عندي، سواء شرطت
الزيادة للعامل أو لغيره.
4502. الثاني: قد بينا جواز الشركة بالعروض، والحكم في النقرة كذلك، وكذا
يجوز في المغشوش من الأثمان مع العلم بالغش، سواء قل الغش أو كثر بأن
يزيد على النصف، وكذا تصح الشركة بالفلوس مع المزج الرافع للتميز، سواء
كانت ناقصة أو غير ناقصة.
4503. الثالث: لا تجوز الشركة بالمال المجهول والجزاف إذا لم يمكن
العلم به بعد المزج، ولا بالمال الغائب ولا الدين.
4504. الرابع: قد بينا اشتراط المزج في الشركة، سواء كان المال من الأثمان،
أو غيرها، وسواء عينا المالين وأحضراهما، أو لا، وسواء جعلا في بيت لهما، أو
في يد وكيلهما أو لا.
4505. الخامس: إذا حصل الشياع في المال، لم يجز لأحد الشركاء التصرف
فيه بدون إذن الباقين، ولا يجوز له التعدي عن محل الإذن، سواء كان في جنس،
أو نوع، أو بلد، أو طريق. ولو أطلق له الإذن تصرف كيف شاء مع اعتبار
المصلحة، فيبيع ويشتري مرابحة، ومساومة، ومواضعة، وتولية، ويقبض المبيع
والثمن ويقبضهما، ويطالب بالدين ويحتال، ويرد بالعيب.
4506. السادس: يستأجر من مال الشركة ما يحتاج إليه، ويؤجر ما يرى
إجارته، وليس له أن يكاتب ويعتق على مال إلا مع المصلحة. ولا يزوج الرقيق،

1. الانتصار: 470، المسألة 265 - الطبعة الحديثة -.
229

ولا يقرض ولا يحابي (1) ولا يشارك بمال الشركة، ولا يدفعه مضاربة، ولا يمزج
مال الشركة بماله أو مال غيره، ولا يستدين على مال الشركة، ولا يقر على مال
الشركة، فإن فعل لزمه في حصته، سواء كان بعين، أو دين، ولو أقر بعيب في
عين باعها لزم، وكذا يقبل لو أقر بثمن المبيع، أو بأجرة المنادي والحمال، وله
دفع أرش المعيب فيما باعه، والحط من ثمنه، والصبر به إلى مدة لأجل العيب،
ولو حط من الثمن ابتداء أو أبرأ منه، لزم في حصته.
والأقرب جواز أن يبيع نسيئة ويشتري كذلك، سواء كان عنده نقد، أو من
جنس الثمن، أو لا، ويودع مع الحاجة لا بدونها، وكذا يوكل فيما لا يباشره
بنفسه، ولو وكل أحدهما ملك الآخر عزله، والأقرب أن لأحدهما أن يرهن
ويسترهن على مال الشركة، وفي السفر بالمال إشكال، والأقرب أن له الإقالة.
ولو قال: اعمل برأيك، اقتضى العمل برأيه في جميع أصناف التجارة،
وهل يملك تمليك شئ بغير عوض، كالهبة والحطيطة، والعتق، والإبراء؟
فالأقرب المنع.
ولو أخذ أحدهما مالا مضاربة، كان الربح له دون شريكه، ولو أذن كل من
الشريكين لصاحبه في التصرف، جاز منفردا، ولو شرطا الاجتماع لزم. ولو
تعدى المأذون ما عين، له ضمن، وكان الربح على ما اتفقا عليه.
وإذا حصل الإذن لأحد الشركاء في التصرف، لم يكن لغيره ذلك، ولكل
من الشركاء الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة. (2)

1. قال الفيومي: حاباه محاباة: سامحه، مأخوذ من «حبوته»: إذا أعطيته. المصباح المنير.
2. في المطبوع: «بالقيمة» وهو مصحف.
230

والشركة من العقود الجائزة، تبطل بموت أيهما كان وجنونه والحجر
عليه لسفه أو فلس، وبفسخ أحدهما، على معنى أن الباقي على جواز التصرف
لا يتصرف (1).
ولو عزل أحدهما صاحبه انعزل المعزول خاصة، فلا يتصرف فيما زاد
على نصيبه، ويبقى المال على الشركة، وللعازل التصرف في الجميع ما لم يعزله
المعزول، سواء كان المال ناضا (2) أو به عروض.
ولا يجب على أحد الشريكين انضاض المال المأذون في الابتياع به، بل
يقتسمان الأقمشة إن اتفقا على القسمة، وإن اتفقا على البيع جاز.
ولو طلب أحدهما القسمة والآخر البيع، أجيب طالب القسمة.
وإذا مات أحد الشريكين كان لوارثه القيام على الشركة والمطالبة
بالقسمة، ولو كان له ولي كان له فعل المصلحة من أحد الأمرين.
ولو أوصى الميت بمال الشركة لواحد معين، كان حكمه حكم الوارث،
ولو أوصى لغير معين كالفقراء، لم يجز للوصي الإذن في التصرف، فيعزل
نصيبهم ليصرف إليهم.

1. يشير إلى أن البطلان في الفسخ، يغاير البطلان فيما تقدمه من الموت والجنون والحجر،
ومعناه أن «الباقي على جواز التصرف» أي غير الفاسخ، لا يتصرف في مال الشركة مطلقا،
بخلاف الفاسخ فهو يتصرف في نصيبه، ونصيب شريكه، لعدم فسخه ونهيه. لاحظ المبسوط:
2 / 349.
2. قال الفيومي: أهل الحجاز يسمون الدراهم والدنانير نضا وناضا، قال أبو عبيد: إنما يسمونه
ناضا إذا تحول عينا بعد أن كان متاعا، لأنه يقال: ما نض بيدي منه شئ: أي ما حصل.
المصباح المنير.
231

ولو كان على الميت دين لم يكن للوارث إمضاء الشركة إلا بعد قضائه.
4507. السابع: لا تصح الشركة مؤجلة، فلو شرطا الأجل فيها، لم يصح، ولكل
منهما أن يرجع متى شاء، نعم لو شرطا الأجل لم يكن للمتصرف التصرف بعده
إلا بإذن مستأنف.
4508. الثامن: إذا وقعت الشركة فاسدة، كان الربح على قدر رأس المال،
ويرجع كل منهما على الآخر بأجرة عمله.
4509. التاسع: الشريك أمين إذا قبض المال بإذن شريكه لا يضمن ما يتلف
في يده إلا مع التعدي أو التفريط في الاحتفاظ، ويقبل قوله في دعوى التلف،
سواء ادعى سببا ظاهرا كالغرق والحرق، أو خفيا كالسرقة، وكذا القول قوله مع
يمينه في عدم التفريط وعدم الخيانة.
4510. العاشر: إذا كان لاثنين دابتان فاشتركا على أن يؤاجراهما فما
حصل لهما كان بينهما، لم يصح، وكان لكل منهما أجرة دابته، ولو تقبلا حمل
شئ معلوم في ذمتهما ثم حملاه على البهيمتين أو غيرهما، صح إن وقعت
إجارة صحيحة.
ولو قال: بع عبدك وثمنه بيننا لم يصح، وكذا لو قال: آجره لتكون الأجرة
بينك وبيني، ولو أعان أحدهما صاحبه بالنقل كان له أجرة مثله. (1)
ولو كان لقصار آلة ولآخر بيت فاشتركا على أن يعملا بآلة هذا في بيت
الآخر والكسب بينهما، لم يصح، وكان الحاصل لهما على قدر أجر عملهما
وأجر البيت والآلة.

1. والمسمى للآخر.
232

ولو دفع دابته إلى آخر ليعمل عليها والحاصل بينهما لم يصح، وكان
الحاصل للعامل وعليه أجرة الدابة إن تقبل حمل شئ فحمله عليها، وإن كان قد
آجرها بعينها فالأجرة للمالك وللعامل أجرة مثله إن رضي المالك بالأجرة، وإلا
قسما الحاصل على قدر أجرة المثل لهما لا على ما اشترطاه.
ولو دفع إلى نساج غزلا ليصنعه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه، لم يجز، وكان
الثوب لصاحب الغزل، وعليه أجرة الصانع، وكذا لو قال له: إذا نسجته فبعه، ولك
نصف الربح، وكذا لو دفع شبكة ليصطاد بها على النصف، لم يجز، وكان السمك
للصائد، وعليه أجرة المثل للشبكة.
ولو اشترك صاحب الدابة والجوالقات في الحاصل، لم يصح،
والأجرة لصاحب الدابة، وعليه لصاحب الجوالقات أجرة المثل، سواء
زادت عن المأخوذ أو نقصت، ولو آجر كل منهما ملكه منفردا، فلكل منهما
أجرة ملكه.
4511. الحادي عشر: لو اشترك ثلاثة، من أحدهم دابة ومن الآخر راوية (1)
وللآخر العمل، لم يصح، وكذا لو اشترك أربعة من أحدهم دكان، ومن الآخر
رحى، ومن الآخر دابة، ومن الرابع العمل.
والأجرة بأجمعها في الأول للسقاء، وعليه أجرة المثل للدابة
والراوية، وقيل: يقسم أثلاثا ولكل واحد منهم على صاحبه (2) ثلث اجرة مثله 3

1. الراوية: المزادة فيها الماء. القاموس: 4 / 337.
2. الأصح «على صاحبيه».
3. في «ب»: ثلثا أجرة مثله.
233

ويسقط الثلث الباقي، قال الشيخ: والأول على وجه الصلح والثاني مر الحكم (1).
وأما في الثانية فإن كان قد استأجرهم أجمع للطحن، فلكل ربع الأجرة،
لأن كل واحد قد لزمه طحن ربعه ويرجع كل واحد منهم على أصحابه بربع
أجرة مثله، وإن كان قد استأجر واحدا منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم، فالأجر

1. حاصل كلامه أنه يأخذ كل واحد منهم - بعد التقسيم أثلاثا - عن الآخرين ثلث أجرة مثله، مثلا:
لو فرضنا أن السقاء حصل له 14 درهما، وكانت أجرة مثله 15 درهما، فهو يأخذ عن كل من
صاحبي الدابة والسقاء ثلث أجرة مثله، فيأخذ من الأول 5 ومن الثاني أيضا 5، فيحصل له
عشرة دراهم 5 + 5 = 10
ولو كانت أجرة مثل صاحب الدابة 12 درهما، يرجع هو إلى كل واحد من السقاء وصاحب
الراوية بثلث أجرة مثله، فيحصل له ثمانية 4 + 4 = 8
ولو كانت أجرة مثل الراوية درهمين، يرجع إلى كل من السقاء وصاحب الدابة بدرهم فيحصل
له درهمان 1 + 1 = 2
وبما أن المحصول (24 درهما) قسم بينهم ثلاثا، وقبض كل واحد 8 دراهم، تكون النتيجة بعد
القبض والدفع كالتالي:
كان عند السقاء 8، وأخذ 10 ودفع 5 يفضل له 13 درهما 10 + 8 = 18 - 5 = 13
كان عند صاحب الدابة 8 وأخذ 8 أيضا ودفع 6، فيفضل له 10 دراهم
8 + 8 = 16 - 6 = 10
كان عند صاحب الراوية 8 وأخذ درهمين ودفع 9، فيفضل من المجموع درهم واحد
2 + 8 = 10 - 9 = 1
وعلى ذلك، فيعود إلى السقاء 13 درهما، وإلى صاحب الدابة 10 دراهم، ودرهم لصاحب
الراوية، والجميع مساو ل‍ 24 درهما
1 + 10 + 13 = 24
ثم إن الوجه الأول كان مبنيا على بطلان الشركة، وفرض السقاء كالغاصب فيملك الماء
المحوز ويضمن للآخرين الأجرة. وبما أنه افتراض غير قطعي فعليهم التصالح، بخلاف الثاني
فهو مبني على صحة التوكيل فهو مر الحكم ونفسه. لاحظ المبسوط: 2 / 346; ومسالك الأفهام
: 4 / 324; وجواهر الكلام: 26 / 317 - 318.
234

كله له، وعليه لأصحابه أجرة المثل، وإن نوى أصحابه أو ذكرهم، كان كما لو
استأجر منهم أجمع.
ولو كان قد قال: استأجرت هذا الدكان والدابة والرحى والرجل بكذا
وكذا، لطحن كذا من الطعام، صح، والأجر على قدر أجر مثلهم لا بالسوية.
4512. الثاني عشر: إذا كان لأحد الأربعة الأرض، ولآخر البذر، ولآخر الفدان،
ولآخر العمل، واشتركوا على التساوي في الحاصل، لم يصح، وكان الزرع
لصاحب البذر، ويرجع الباقون بأجرة المثل عليه.
4513. الثالث عشر: لو احتطب، أو احتش، أو اصطاد أو استقى ماء مباحا
بنية أنه له، ملكه، وهل يفتقر في تملكه إلى نية بمعنى أنه يبقى على الإباحة لو
أخذه لا بنية التملك؟ فيه نظر أقربه ذلك على إشكال، ولو فعل أحد هذه بنية أنه
له ولغيره، لم يؤثر تلك النية في تملك الغير، وكذا لو أخذه بنية أنه للغير.
4514. الرابع عشر: لو استأجر للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة
معينة جاز، وكان الحاصل للمستأجر، ولو استأجره لصيد شئ بعينه، لم يصح إلا
مع القدرة على تحصيله.
4515. الخامس عشر: لو كان لأحدهما ضعف الآخر، فأذن له في العمل
على شرط التساوي في الربح، قال الشيخ: إن شرط الآخر عمل صاحب الأكثر
معه لم تصح الشركة بناء على أصله، وان لم يشترط صحت، وكانت شركة
قراض يستحق العامل الثلث بماله والسدس بعمله (1) وعلى ما اخترنا لو شرط
معه العمل جاز.

1. لاحظ المبسوط: 2 / 358.
235

4516. السادس عشر: لو كان لكل منهما ألف فأذن أحدهما للآخر في العمل
على شرط التساوي في الربح، لم يكن شركة، لانتفاء العمل من أحدهما وشركة
العنان تقتضي الشركة في المال والعمل معا، ولا قراضا، لعدم اشتراط جزء من
الربح، فتكون بضاعة. (1)
4517. السابع عشر: إذا اشتريا متاعا بالمشترك ووجدا به عيبا، تخيرا بين
رده وأرشه، قال الشيخ: ولو أراد أحدهما الأرش والآخر الرد كان له ذلك (2) فإن
أراد مع تعدد الصفقة صح، وإلا منع مع قوته.
قال: ولو اشترى أحدهما بالمشترك ثم ظهرا على العيب فإن أعلم البائع
أنه يشتريه للشركة، كان لهما الافتراق (3) وإلا فلا (4) وهذا التفصيل عندي جيد.
4518. الثامن عشر: لو ادعى البائع أن المبيع من المشترك، وأنكر المشتري مع
عدم إجازة الشريك، فالقول قول المشتري مع يمينه، ولو أقام الشريك البينة،
كان عليه اليمين إن ادعى المشتري عليه الرضا، ومع اليمين يتخير المشتري بين
الفسخ وأخذ البعض بالحصة.
4519. التاسع عشر: إذا اشترى أحد الشريكين في الذمة من غير إذن،
وقع الشراء له، ومع الإذن يقع لهما، ولو اشترى بالمال المشترك من غير إذن بطل

1. البضاعة عقد يقتضي ان الربح كله لرب المال بخلاف القراض فإنه عقد يقتضي
الربح بين العامل والمالك، وأما القرض فهو عقد يقتضي أن الربح كله للمديون. لاحظ
المبسوط: 3 / 184.
2. المبسوط: 2 / 351.
3. والمراد من الافتراق افتراق الشريكين بأن يرد أحدهما نصيبه ويمسك الآخر.
4. المبسوط: 2 / 351.
236

العقد في النصف، ولو أذن له في الشراء مطلقا فاشترى بأكثر من ثمنه مما (1) لا
يتغابن الناس فيه، فإن كان الشراء في الذمة، وقع الشراء له خاصة، وإن كان بالعين
المشتركة، صح في نصيبه، وبطل في نصيب الشريك.
4520. العشرون: إذا ادعى المشتري أن الشراء له دون الشركة، أو
بالعكس، فالقول قوله مع اليمين.
4521. الحادي والعشرون: إذا باع أحد الشريكين السلعة وقبض الثمن بالإذن،
ثم أنكر البائع القبض، وصدق الشريك المشتري فيه، فالقول قول البائع مع
يمينه، لكن المشتري يبرأ من حصة الشريك.
وتقبل شهادة الشريك في حصة البائع إذا كان من أهلها، ويحلف معه
المشتري، وإن لم يكن من أهلها حلف البائع ورجع على المشتري بنصف
الثمن ولا يرجع الشريك بشئ على المشتري ثم إن قامت البينة إما من
المشتري أو من الشريك على البائع بالقبض لزمه حصة الشريك، وإلا كان القول
قوله مع اليمين، ولو نكل حلف الشريك، وأخذ منه.
والبينة تثبت الحكم في حق الشريك والمشتري، أما اليمين مع الشاهد، أو
مع نكول البائع فيثبت الحكم في حق الحالف دون الآخر.
ولو أقر البائع أن الشريك قبض الثمن من المشتري، وصدقه المشترى
وأنكر الشريك، لم يبرأ المشتري من حصة البائع، لدفعها إلى غير وكيله، ولا من
حصة الشريك، لأن المشتري مدع، وتصديق البائع يتضمن زوال الضمان عنه،

1. في «ب»: فيما.
237

ولأن الشريك منكر فللشريك مطالبته بعد اليمين بحصته، وللبايع مطالبته بحصة
نفسه أيضا من غير يمين، وليس له مطالبته بحصة الآخر، هذا إذا لم يأذن
الشريك للبائع في الإقباض من غير قبض الثمن، ولو أذن في ذلك قبل تصديق
البائع على الشريك إن كان قوله مقبولا مع اليمين، وإلا فلا.
4522. الثاني والعشرون: قد يتحقق غصب المشاع كالمقسوم بأن يغصب
أحد الشريكين في عبد على أخذ حصته ويمنعه من استخدامه دون الآخر، أو
يخرج أحد المالكين من الدار المشتركة ويسكن مع الآخر، ويتعلق الضمان
بالغاصب، ولو باع الغاصب والشريك العين، مضى في حق الشريك، ووقف في
حق الآخر. وكذا لو باع الغاصب الجميع بوكالة الشريك، أو غصب أحد
الشريكين الآخر وباع الجميع.
4523. الثالث والعشرون: لو كان لكل واحد من الرجلين عبد بانفراده،
فباعاهما صفقة واحدة بثمن واحد، فإن تساوت قيمتهما صح البيع وقسط الثمن
بالسوية، وإن تفاوتت، قال الشيخ: يبطل لجهالة ثمن كل واحد منهما (1) وقيل
يصح. وهو قوي. ولو كانا بينهما على الشياع، صح البيع قطعا وكذا لو
كانا لواحد.
ولو باع واحد عبدين متفاوتي القيمة صفقة، ثم ادعى أن أحدهما لغيره،
فعلى ما اخترناه لا بحث، وعلى قول الشيخ إن صدقه المشتري بطل البيع، وإلا
حلف مع عدم البينة على عدم العلم، وكانا له والثمن يأخذانه كما يؤخذ من
الغاصب القيمة مع تعذر المغصوب، فإن فضل منه فضلة عن قيمتها ردت إلى
الحاكم يحفظها لمن يدعيها منهم.

1. المبسوط: 2 / 356.
238

4524. الرابع والعشرون: إذا باع الشريكان سلعة بينهما صفقة بثمن، فلكل
منهما مطالبة المشتري بحصته (1) فإن استوفاه أحدهما شاركه صاحبه فيه، وكان
الباقي بينهما.
4525. الخامس والعشرون: كل ما تتساوى أجزاؤه ولا ضرر في قسمته، تجب
قسمته مع طلب بعض الشركاء، ويجبر الممتنع. وغير متساوي الأجزاء إذا لم
يكن في قسمته ضرر، كانت جائزة، لكن لا يجبر الممتنع عليها، كدارين يطلب
أحدهما إحداهما والآخر الأخرى، أو كدار يطلب أحدهما علوها والآخر سفلها،
أو تتضمن القسمة رد مال من أحدهما ليجبر به حصة الآخر، وما تتضمن قسمته
الضرر كالجوهرة 2 والحجر الواحد، والحمامات، لا تجوز قسمتها، وإن رضى
بها الشركة.
ولو كان بين اثنين وقف لم تجز قسمته بينهما، ولو كانت حصة أحدهما
طلقا جاز قسمتها مع الوقف.
والقسمة تقتضي التمييز وليست بيعا، وإنما تصح مع اتفاق الشركاء
وتكون بتعديل السهام والقرعة، ولو طلب أحد الشركاء التمييز لم يجبر الباقون
عليه، ولو جعل لهم التميز ففي إجبارهم نظر.
4526. السادس والعشرون: إذا أخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير لم
تصح الشركة، فإن اشتريا بهما ثوبا كان لهما، فإذا أراد القسمة نظر إلى نقد البلد،
وقوما الثوب به، وقوما الآخر أيضا به، ويكون التقويم حين صرف الثمن فيه.

1. في «أ»: بحقه.
2. في «أ»: كالجوهر.
239

4527. السابع والعشرون: إذا كانت الشركة فاسدة، وكانت شركة العنان، وباع
أحدهما واشترى، صح عملا بالإذن، والمال في يده أمانة، والربح على قدر
رأس المالين (1) ويرجع كل منهما بأجرة عمله في مال الآخر، وإن كانت شركة
المفاوضة فحكمها كذلك وأما شركة الأبدان، فإنها باطلة، ولكل منهما أجرة
عمله، ولو امتزج العمل، كان الحكم فيه الصلح، وأما شركة الوجوه فإنها باطلة
كما تقدم، فإن اشترى أحدهما لهما اشتركا فيه، وإن اشتراه لنفسه كان له خاصة.

1. في «ب»: رأس المال.
240

كتاب القراض
241

المقصد الرابع: في القراض
وفصوله ثلاثة:
[الفصل] الأول: في أركانه
وهي ستة: الصيغة، والمالك والساعي، ورأس المال، والعمل، والربح.
فهاهنا مطالب
[المطلب] الأول: في الصيغة
وفيه بحثان:
4528. الأول: القراض معاملة صحيحة بالإجماع، وهو أن يدفع شخص إلى
آخر مالا ليسعى به على الشركة في الكسب من غير أن يكون عليه شئ من
الخسارة، وهذا تسميه أهل الحجاز بالقراض إما من القرض وهو القطع، لأن
صاحب المال اقتطع بعض ماله ودفعه إلى العامل، وإما من المساواة، كما يقال:
تقارض الشاعران: إذا وازن كل منهما صاحبه بشعره، فكأن المالك بإخراج ماله
243

وازن العامل بعمله، وأهل العراق يسمونه مضاربة، مأخوذة إما من الضرب في
الأرض، أو من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم.
والمقارض بكسر الراء صاحب المال وبفتحها العامل، والمضارب بكسر
الراء العامل، ولم يشتق لرب المال من المضاربة اسما.
4529. الثاني: لا بد في هذا العقد من صيغة خاصة، وهي إما قارضتك،
أو ضاربتك، أو ما أدى معناهما، فيقول العامل: قبلت، وما أشبهه. ومع حصول
الإيجاب والقبول يتم العقد، وهو جائز من الطرفين لكل منهما الفسخ، سواء
نض المال، أو كان به عروض، ولا يلزم فيه التأجيل بأن يقول: قارضتك إلى سنة
فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر وإن شرطه، قاله الشيخ (رحمه الله) (1) ولو قيل: بالجواز
كان وجها.
ولو قال: إن مرت بك سنة فلا تشتر بعدها وبع، لزم، ولو قال: قارضتك
سنة على أني لا أملك فيها منعك، لم يصح. (2)
المطلب الثاني: في المتعاقدين
وفيه ثلاثة مباحث:
4530. الأول: يشترط في المتعاقدين التكليف وإمكان التصرف، فلو قارض
الصبي، أو المجنون، أو السفيه، أو المفلس، أو المملوك، لم يصح. ويجوز تعدد
العامل واتحاده، وكذا المالك.

1. المبسوط: 3 / 170.
2. علله الشهيد (قدس سره) في المسالك: (4 / 345) بأن مقتضاه جواز الفسخ لكل من المتعاقدين، كما
هو شأن العقود الجائزة، فإذا شرط ما ينافيه فسد العقد لفساد الشرط.
244

وتنفسخ المضاربة بموت العامل أو المالك وبجنون أحدهما.
4531. الثاني: يصح قراض المريض، ولو شرط للعامل ما يزيد على أجرة
المثل صح، ولزم من صلب المال، بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر، فإنه
تحتسب الزيادة من الثلث، وفي المزارعة والمساقاة لو شرط الزائد نظر في
احتسابه من الأصل أو من الثلث.
فإذا مات، انفسخ القراض، فإن كان المال ناضا ولا دين، أخذ الوارث رأس
المال، واقتسما الربح على الشرط، وإن كان هناك دين انفرد العامل بنصيبه من
الربح، وقضي من الباقي دين الميت. وان كان به عروض جاز للوارث أخذ
نصيبه بالقيمة، واقتسما الفاضل قال الشيخ: وله إلزام العامل بالبيع بجنس رأس
المال، والفاضل على الشرط (1) وإن كان دين 2 فعلى العامل بيع المتاع، ويصرف
إلى الغرماء الدين، ويأخذ هو حصته من الربح.
4532. الثالث: المملوك يصح أن يكون عاملا بإذن المولى، وتكون حصته من
الربح لمولاه، ولا يجوز أن يكون عاملا للمولى، لأن المولى يستحق العمل
بدون عقد القراض.
المطلب الثالث: في المال
يشترط في رأس المال أمور أربعة:
أن يكون نقدا، معينا، معلوما، مسلما.
وأردنا بالنقد الدراهم والدنانير، فلا يجوز القراض بالعروض ولا بالنقرة

1. المبسوط: 3 / 179.
2. في «ب»: ولو كان دين.
245

والسبائك والحلي، ولا بالفلوس، ولا بالدراهم المغشوشة، سواء كان الغش أكثر
أو أقل أو مساويا.
واحترزنا بالمعين عن الدين، فلا تجوز المضاربة بما في الذمة قبل
قبضه، فإن قبضه جاز، ولو أذن للعامل في القبض من الغريم، لم يصح العقد ما
لم يجدده بعد القبض، ولو قال: أقرضتك هذه الألف شهرا، ثم هي قراض بعد
ذلك، لم يصح، وكذا لو عكس إن قلنا ببطلان القراض المؤجل.
ولو عين وأبهم فقال: قارضتك على أحد هذين الألفين والآخر عندك
وديعة، وهما في كيسين متميزين، لم يجز، وكذا لو قال: قارضتك بأيهما شئت،
أو قال: بع هذه السلعة، فإذا نض ثمنها فهو قراض، لم يصح.
ولو مات المالك وبالمال عروض، بطلت المضاربة، فلو أقره الوارث
لم يصح.
ولو كان النقد في يد العامل وديعة، أو غصبا، وقارضه عليه، صح، ولو
تلفت الوديعة بالتفريط أو الغصب لم يصح بهما.
وأردنا بالمعلوم أن يكون معلوم القدر والوصف، ولا تكفي المشاهدة،
وقيل: لا يشترط علم المقدار، ويكون القول قول العامل مع التنازع في قدره.
وأردنا بالمسلم أن يكون في يد (1) العامل، ولو شرط المالك أن يكون له
فيه يد، ويراجع [إليه] في التصرف، أو يراجع مشرفه ففي الفساد نظر.
ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.
ويجوز القراض بالمشاع كما يجوز بالمشترك.

1. في «أ»: في يدي.
246

المطلب الرابع: في العمل
وفيه تسعة مباحث:
4533. الأول: العمل عوض الربح، وشرطه أن يكون تجارة، فإن عقد القراض
على الحرف والصنائع كالطبخ والخبز، فالوجه البطلان.
والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء، ويدخل تحتها ما هو من توابعها،
كالنقل، والكيل، والوزن، وليس الإذن في التجارة إذنا في الزرع.
ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه، كالشجر والغنم، بطل، لأن
مقتضاه التصرف في رأس المال، ثم إطلاق الإذن يوجب أن يتولى العامل ما
يتولاه المالك من عرض القماش ونشره على المشتري وطيه وإحرازه، وبيعه،
وشرائه، وقبض ثمنه، وإقباضه، وإيداعه الصندوق.
ولا يجب عليه فعل ما لا يليه المالك، كالنداء على المتاع في الأسواق،
ونقله إلى الخانات بل يستأجر له، وكذا له استئجار ما جرت العادة بالاستيجار
فيه، كالدلال، والوزان، والحمال، والمسكن. ولو تولى ذلك بنفسه لم يستحق
أجرة عليه، ولو استأجر لما يجب عليه مباشرة كان عليه الأجرة.
4534. الثاني: إذا نص المالك على نوع من التصرف، لم يجز له المخالفة،
كما لو شرط النقد فباع نسيئة، أو بالعكس، أو نقد البلد، أو غيره، فإن خالف
ضمن، ووقف التصرف على الإجازة، ولو أطلق كان الإذن مصروفا إلى البيع
والشراء نقدا بثمن المثل من نقد البلد، فلو باع نسيئة لم يجز، وكذا لو باع بدون
ثمن المثل، أو بغير نقد البلد، ويسترد المبيع مع وجوده ومثله، أو قيمته مع تلفه،
247

ويتخير المالك في إلزام من شاء، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة، لم
يرجع على العامل، وإن رجع على العامل، كان له الرجوع على المشتري، وإن
اشترى نسيئة، فإن لم يذكر المالك، وقع الشراء له، وكان الثمن في ذمته، وإن
ذكره كان باطلا، هذا كله مع عدم الإجازة، ولو أجاز المالك في المواضع
كلها لزم.
4535. الثالث: لو قال له: اعمل برأيك أو اصنع ما شئت، قال الشيخ: حكمه
حكم الإطلاق ليس له أن يبيع نسيئة (1) والأقرب عندي جواز ذلك، فحينئذ إذا
فات من الثمن شئ لم يلزمه ضمانه إلا أن يفرط ببيع المعسر، أو المجهول، أو
من لا يثق به، أو يفرط في ترك الإشهاد، (أو الضمين، أو الرهن، وليس الأخيران
واجبين إلا مع ترك الإشهاد) (2) وعلى قول الشيخ ينبغي أن يكون موقوفا على
الإجازة لا باطلا من أصله (3) نعم يكون العامل ضامنا على التقديرين عنده.
4536. الرابع: إطلاق الإذن يقتضي التجارة في بلد القراض، فلا يجوز
السفر بالمال إلا بإذن المالك، فإن خالف ضمن، وكان الربح على ما شرطاه، وإن
أذن المالك جاز، وكان على العامل أن يعمل بنفسه ما كان المالك يباشره عادة
كحمل المال، أو حطه وحفظه، والاحتياط في حراسته، وليس عليه رفع الأحمال
بنفسه ولا حطها، بل له الاستيجار فيه من مال القراض.
وأما نفقة العامل من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب في حال
السفر، فالأقرب أنها تؤخذ من أصل مال القراض لا من حصة العامل، وقوى
الشيخ أنها لا تؤخذ من مال القراض، بل تجب على العامل (4).

1. المبسوط: 3 / 174.
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
3. في «أ»: من نفسه.
4. المبسوط: 3 / 172.
248

وعلى ما اخترناه هل يؤخذ كمال النفقة من مال القراض، أو الزائد عن
نفقة الحضر؟ الأقرب الأول وقوى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة (1).
أما النفقة في الحضر، فإنها على العامل في خاصته، ولو كان مع العامل مال
لنفسه ليسعى فيه، أو لغيره، قسط النفقة على المالين، وأخذ من مال المضاربة
بقسطه ومن مال نفسه بقسطه، ولو أخذ المالك ماله من العامل في السفر،
فالأقرب أن نفقة العامل في الرجوع على خاصته.
ولو مات العامل لم يكن على المالك كفنه، وإذا أذن له في السفر مطلقا، لم
يجز له أن يسلك طريقا مخوفا، ولا إلى بلد مخوف، فإن فعل ضمن.
4537. الخامس: إذا أطلق له العمل جاز أن يبيع ويشتري مهما شاء مما يظهر
فيه الفائدة ويعامل من شاء، فان شرط عليه أن لا يبيع إلا على شخص معين، أو
لا يشتري إلا منه، أو لا يشتري إلا سلعة معينة لزم ولم يجز له التعدي، سواء
كانت السلعة عامة الوجود في أيدي الناس كافة كالطعام، أو غير عامة كلحم
الصيد، أو يحصل في وقت دون آخر كالرطب، فإن خالف، وقف على الإذن،
وكان ضامنا، والربح على ما شرطاه، ولو لم يجز بطل البيع إن سماه عند العقد،
وإلا وقع الشراء له.
4538. السادس: إذا اشترى شيئا فبان معيبا، كان له الرد بالعيب والإمساك
بأرش وغيره، فان كان الحظ في الأخذ لم يرد، وكذا العكس، ولو حضر المالك
واختلفا قدم الحاكم قول من الحظ معه.
4539. السابع: إطلاق الإذن يبيح شراء المعيب مع الحظ بخلاف الوكيل.

1. المبسوط: 3 / 172.
249

4540. الثامن: لا يجوز للعامل أن يشتري بأكثر من ثمن المثل، وكذا لا
يبيع بدونه، فإن باع، وقف على الإجازة، فإن لم يجز المالك استرد العين، وإن
تلفت كان له الرجوع على من شاء، فإن رجع على المشتري رجع بالقيمة، ولا
يرجع على العامل، وإن رجع على العامل، فالوجه رجوعه بجميع القيمة لا
بالتفاوت بين ثمن المثل محذوفا عنه ما يتغابن الناس به (1) وبين المسمى، وإن
اشترى بأكثر من ثمن المثل، فإن كان بالعين بطل، وإن كان في الذمة وقع الشراء
له إن لم يسم المالك، وإلا وقف على الإجازة.
4541. التاسع: ليس للعامل أن يشتري ما لا يحل للمسلم تملكه إذا كان
المالك مسلما، كالخمر والخنزير وإن كان العامل ذميا، وإن كان في يده عصير
فاستحال خمرا، لم يجز له بيعه، فلو اشترى العامل ذلك ودفع الثمن من مال
القراض، ضمنه.
وليس له أن يمزج مال القراض بغيره، فإن فعل بدون الاذن ضمن، وكان
الربح على ما شرطاه.
المطلب الخامس: في الربح
وفيه تسعة مباحث:
4542. الأول: يشترط في الربح أمور أربعة: أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين، 2
مشتركا، معلوما بالجزئية لا بالتقدير، وعنينا بالخصوص بالمتعاقدين صرفه إلى

1. في «ب»: عنه.
2. في «أ»: بالعاقدين.
250

المالك والعامل، فلو أضيف جزء من الربح إلى غيرهما
لم يجز، وبالاشتراك عدم تخصيص كل واحد منهما به، فلو اختص به المالك،
بطل قراضا، وكان بضاعة، ولو اختص بالعامل كان قرضا، وبالعلم معرفة حصة
كل واحد منهما، وبالجزئية النسبة بالجزء المشاع كالنصف والثلث. ولو قال: على
أن لك من الربح (1) مائة ولي الباقي، أو يكون بيننا، أو بالعكس، بطل.
4543. الثاني: إذا وقع القراض صحيحا، ملك العامل الحصة المشترطة،
وللشيخ (رحمه الله) قول آخر ضعيف: ان له أجرة المثل (2) والأخبار الصحاح (3)
واردة بالأول.
4544. الثالث: إذا شرط المالك لمملوكه قدرا من الربح، صح، سواء كان
المملوك عاملا، أو لا. وكذا العامل لو شرط لمملوكه، ويكون ما شرط لكل من
العبدين لسيديهما.
وإن شرط لغلامه الحر (4) أو ابنه، أو أجنبي، فإن شرط على أحدهم العمل
مع العامل، صح، وكانا عاملين، وإن لم يشترط بطل، ولا يكون للمالك.
ولو قال للعامل: لك الثلثان على أن تعطي امرأتك حصة، ففي اللزوم نظر.
4545. الرابع: لو شرط على الساعي أن يوليه سلعة معينة برأس مالها،
لم يجز، لإمكان اختصاصها بالربح فينفرد المالك به، ولو شرط المالك الانتفاع

1. كذا في «ب»: ولكن في «أ»: ولو قال: على الشريك من الربح.
2. ذهب إليه في النهاية: 428.
3. لاحظ التهذيب: 7 / 187 - 189 برقم 827 - 829 و 836.
4. الظاهر ان المراد به الخادم.
251

بالسلعة إلى وقت البيع، كاستخدام العبد وركوب الفرس، قال الشيخ:
يبطل القراض (1).
4546. الخامس: إذا دفع إليه ألفين متميزين، وقال: خذهما قراضا على
أن ربح هذه لي وربح هذه لك، بطل، ولو كانتا ممتزجتين وقال: لي ربح ألف
ولك ربح ألف، صح. ولو قال: لك ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارة في شهر
أو عام بعينه، لم يجز.
4547. السادس: العامل يملك حصته من الربح بظهوره، ولا يتوقف على
وجوده ناضا على أقرب الوجهين، ملكا غير مستقر بل هو وقاية لرأس المال،
فإن وقع خسران انحصر في الربح وإنما يستقر بالقسمة، أو بإنضاض المال،
والفسخ قبل القسمة على إشكال.
فإن كان مما يجب فيه الزكاة، كانت زكاة الأصل وحصة المالك على
المالك نفسه، وزكاة حصة العامل على خاص العامل، ولا يضم أحدهما إلى
الآخر في الحول، بل للفائدة حول بانفرادها، ولو قلنا لا يملك كان له حق مؤكد
يورث عنه، ولو أتلف المالك أو غيره المال غرم حصته.
4548. السابع: لو قال: خذه على النصف صح، واقتضى التنصيف بينهما
في الربح، وكذا لو قال: على أن الربح بيننا.
ولو قال: على أن لك النصف، وسكت عن الآخر، صح، ولو قال: على أن

1. قال الشيخ في المبسوط: 3 / 170: فإن شرط عليه أن يوليه سلعة من السلع مثل أن يقول رب
المال: أعطني هذا الثوب بقيمته من غير ربح، كان باطلا، لأنه قد لا يكون الربح إلا في ذلك
الثوب فيؤدي إلى ما قدمناه من انفراد أحدهما بالربح، وكذلك إن قال: على أن لي أن أنتفع
ببعض المال مثل أن يكون عبدا يستخدمه وثوبا يلبسه.
252

لي النصف وسكت بطل، ويحتمل الصحة، ويكون الباقي للعامل، ولو قال: على
أن لك ربح نصفه، أو نصف ربحه، صح.
ولو قال لاثنين: على أن لكما نصف ربحه، صح، وتساويا في الحصة، وإن
اختلفا في العمل، ولو فضل أحدهما صح وإن تساويا في العمل.
ولو قال: خذه مضاربة على ما شرط فلان لعامله، صح إن كانا عالمين، وإن
جهلاه أو أحدهما لم يصح، ولو قال للعامل: لك ثلث ربحه وثلثا باقي الربح صح
وكان له سبعة أتساع (1) الربح.
ولو قال: لك ثلث الربح وثلث ما بقي، كان له خمسة اتساعه.
ولو قال: ثلث الربح وربع ما بقي، فالنصف.
ولو قال: ربع الربح وربع الباقي، فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن، سواء عرف
بالحساب، أو لا.
ولو قال المالك: على أن لك النصف ولي الثلث، صح، وكان السدس له
أيضا، ولو قال: خذه على النصف، ولم يتبين صح، وكان الشرط للعامل، لأن
النماء للمالك فيصرف الشرط إلى من يفتقر إلى ذكره في حقه.
ولو اختلفا فقال العامل: شرطته لي، وقال المالك: شرطته لنفسي، احتمل
تقديم قول العامل، لأنه يدعي الظاهر.
4549. الثامن: إذا قال: خذه قراضا على أن الربح كله لي بطل، وكذا يبطل لو
قال: كله لك، ولا يكون بضاعة ولا قرضا، ولو لم يذكر قراضا، كان الأول بضاعة
والثاني قرضا.

1. «أتساع» جمع التسع وهو جزء من تسعة أجزاء الشئ. مجمع البحرين.
253

ولو قال: خذه والربح كله لك، ولا ضمان عليك، كان قرضا قد شرط فيه
نفي الضمان، ولا ينتفي بشرطه، وكذا لو قال: خذه والربح كله لي كان بضاعة،
فلو قال: وعليك الضمان، لم يلزمه.
ولو قال: خذه على أن لي نصف الربح إلا عشرة دراهم، لم يصح.
ولو قال: قارضتك على أن لك شركة في الربح، أو شركاء، لم يصح لعدم
البيان، ولا يكون له مضاربة المثل.
4550. التاسع: لو قارض اثنان واحدا، وشرطا له قدرا واحدا من الربح،
جاز، وكذا لو اختلفا فشرط أحدهما أكثر والآخر أقل، ولو شرط أحدهما
النصف والآخر الثلث على أن يكون الباقي بينهما بالسوية، احتمل المنع
والجواز، وقوى الشيخ المنع. (1)
الفصل الثاني: في الأحكام
وفيه سبعة وثلاثون بحثا:
4551. الأول: العامل أمين لا يضمن ما يتلف إلا بالتفريط أو التعدي، وقوله
مقبول في التلف مع اليمين، وهل يقبل في الرد؟ قولان.
4552. الثاني: إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك، فإن كان بإذنه،

1. المبسوط: 3 / 191.
254

صح الشراء وانعتق، فإن لم يبق من مال القراض شئ بطل القراض، وإلا بطل
في الثمن خاصة، ثم العبد على التقديرين إن كان فيه فضل، قال الشيخ: ضمن
المالك حصة العامل (1) والأقرب الأجرة، وإن لم يكن فيه فضل لم يضمن المالك
على قول الشيخ شيئا، وعلى قولنا ففي الأجرة نظر.
وإن كان بغير إذنه فإن كان بالعين بطل الشراء، قاله الشيخ 2 والأقرب وقوفه
على الإجازة، وإن كان في الذمة، فإن ذكر المالك، وقف على الإجازة، وإن لم
يذكر، وقع له، وليس له دفع الثمن من مال القراض، فإن خالف ضمن.
والوكيل في شراء عبد مطلق لو اشترى من ينعتق على المالك، فالأقرب
وقوفه على إجازة الموكل.
4553. الثالث: إذا اشترى زوجة المالك، احتمل الصحة والبطلان، ولو أذن،
صح وبطل النكاح، ولو قلنا بالصحة مع الإطلاق، لو كان بعد الدخول، استحق
المولى المهر، وإن كان قبله فإشكال.
ولو كان المالك امرأة، فاشترى العامل زوجها بإذنها، صح الشراء، وبطل
النكاح، وكان العبد قراضا، وإن كان بغير إذنها، بطل الشراء إن كان بالعين، وإن
كان في الذمة وقع له إن لم يذكرها لفظا، وإلا بطل مع عدم الإجازة.
4554. الرابع: إذا اشترى المأذون من ينعتق على سيده بإذنه، صح والوجه
أنه يعتق على المولى ويأخذ المأذون القيمة من مولاه، ليصرفه في الثمن،
وإن كان بغير إذنه، بطل، سواء اشتراه في الذمة، أو بالعين، بخلاف العامل

1. المبسوط: 3 / 175.
2. نفس المصدر.
255

إذا اشترى في الذمة، ولا فرق بين أن يشتريه بدين على المأذون أو بغيره.
4555. الخامس: إذا اشترى العامل أبا نفسه، فإن لم يكن فيه ربح، صح الشراء
للقراض، وجاز بيعه، فإن بيع قبل ظهور الربح، فلا بحث، وإن بقي في يده حتى
ظهر ربح، وقلنا انه يملك الحصة بالظهور وهو الأقوى، عتق عليه قدر ما ملكه (1)
ويستسعى العبد في الباقي، وهل يقوم على العامل مع يساره؟
قال الشيخ: نعم (2) والأقرب أنه يستسعى العبد، وإن كان العامل موسرا،
وإن اشتراه وكان فيه ربح، فالوجه صحة الشراء أيضا.
وإن قلنا انه يملك الحصة بالقسمة، لم ينعتق عليه نصيبه
4556. السادس: إذا فسخ المالك القراض، وكان المال ناضا، قبل التصرف
أو بعده، ولا ربح، أخذ المالك المال أجمع، وهل للعامل أجرة المثل إلى ذلك
الوقت مع العمل؟ فيه نظر، ولو كان ربح اقتسماه على الشرط، ولو كان به
عروض، قال الشيخ: للعامل بيعه، سواء ظهر فيه ربح، أو لا، لجواز أن يرغب فيه
من يشتريه بربح إلا أن يدفع المالك قيمة العروض بقول مقومين، فليس له
البيع حينئذ (3).
والوجه أنه ليس للعامل بيعه مع فسخ المالك بل يقتسمانه إن كان فيه
ربح، وإن لم يكن، أخذه المالك.
ولو وجد العامل من يشتريه بربح، كان له بيعه، أو يتقبل به المالك بالربح،

1. في «ب»: يملكه.
2. المبسوط: 3 / 178.
3. المبسوط: 3 / 179.
256

قاله بعض الجمهور (1) والأقرب أنه ليس كذلك، لأن حدوث الزيادة بعد فسخ
العقد، فلا يستحقها العامل، قال: فلو امتنع العامل من البيع ألزمه المالك بانضاض
المال (2) وفيه نظر.
أما لو كان المال دينا، فإن باع نسيئة، كان على العامل تحصيله ممن هو
عليه، وللمالك إجباره عليه مع الامتناع، وإن لم يكن فيه ربح، وفيه احتمال
ضعيف، وكذا البحث لو كان الفاسخ العامل، وإذا قلنا بوجوب البيع على العامل
لو باع برأس المال لم يجب بيع الباقي وانضاض ثمنه، ولو كان نسيئة وجب.
ولو طلب أحدهما قسمة الربح مع بقاء المضاربة، لم يجبر الآخر عليها
سواء كان الممتنع المالك، أو العامل، ولو اتفقا على القسمة، جاز، فإن خسر رد
العامل أقل الأمرين من نصف الخسارة ومن جميع ما أخذه.
4557. السابع: إذا مات المالك، فإن كان المال ناضا قبل التصرف أو
بعده، ولا ربح، أخذه الوارث، وإن كان فيه ربح، قاسمه، وإن كان عروض، قال
الشيخ كان للعامل بيعه إلا أن يمنعه الوارث (3) وهل للعامل إجباره على البيع؟ فيه
ما تقدم، ولو كان دينا كان على العامل تحصيله.
ولو أراد الوارث إقرار العامل، فإن كان المال ناضا افتقر إلى تجديد عقد،
وإن كان به عروض لم يجز.
ولو مات العامل، وكان المال ناضا، ولا ربح، أخذه المالك، وإن كان به

1. لاحظ المغني لابن قدامة: 5 / 180.
2. لاحظ المغني لابن قدامة: 5 / 180.
3. المبسوط: 3 / 179.
257

ربح، قاسم الوارث، وإن كان به عروض، كان للمالك منع الوارث من البيع،
وأخذه الحاكم باعه، أو قومه على المالك، فإن كان فيه ربح قسمه بين المالك
والوارث، وإن طلب المالك إقرار الوارث، فإن كان المال ناضا صح استيناف
العقد وإلا فلا.
4558. الثامن: إذا قارض على النصف، فقارض العامل غيره بإذن المالك
وشرط الربح بينه وبين المالك نصفين، صح، وكان الربح بين المالك والثاني،
وإن شرط بعضه لنفسه، بطل وكان الربح للمالك، وعليه أجرة مثل الثاني (1) ولا
شئ للأول.
وإن كان بغير إذن المالك، وشرط الربح بينه وبين الثاني دون المالك، بطل،
ثم إن ربح احتمل أن يكون الربح كله للمالك ونصفه، فيكون النصف الآخر
للعامل الأول، وعليه للثاني الأجرة، وهو الأقرب.
ويحتمل كون النصف الثاني بين العاملين ويرجع الثاني على الأول
بنصف أجرة عمله، ويحتمل عدم الرجوع.
ويحتمل أن لا يكون للمالك شئ من الربح، ويكون الربح كله بين
العاملين، أو للأول، وعليه أجرة الثاني.
وللمالك تضمين من شاء منهما، فإن رجع على الأول لم يكن
للأول الرجوع على الثاني وإن طالب الثاني احتمل رجوعه على الأول،
لغروره، وعدمه، لحصول التلف في يده، ولو كان الثاني عالما كان للأول الرجوع

1. في «ب»: أجرة مثله للثاني.
258

عليه إن رجع المالك عليه، ولا يرجع هو على الأول لو رجع عليه المالك.
4559. التاسع: إذا تصرف العامل وحصل له فضل، ثم طلب القسمة، وكان
المال ناضا من جنس رأس المال، اقتسماه على ما شرط، وإن كان من غير
جنسه، كالدراهم مع الدنانير، أخذ المالك بقيمة رأس المال، إن شاء، واقتسما
الباقي، وإلا باع العامل بقدر رأس المال، وقسما الباقي، وإن كان عرضا، تخير
المالك في الأخذ بقيمة رأس المال وطلب البيع به، ولو تعذر بيع البعض بيع
الجميع، وأخذ المالك رأس المال، وقسما الباقي.
وإن قال العامل: خذه أجمع، وقد تركت حقي، فإن قلنا يملك الحصة
بالظهور، لم يجب القبول، وإلا وجب.
4560. العاشر: إذا دفع ألفا للقراض، فاشترى العامل بها عبدا للقراض،
إما بالعين، أو مطلقا، ثم اشترى عبدا آخر بألف، فإن كان بالعين، بطل الثاني. وإن
كان بألف مطلقة، وقع الشراء له، وليس له أن يدفع مال القراض فيها، فإن
خالف، ضمن والربح له.
4561. الحادي عشر: إذا دفع ألفين للقراض، فتلفت إحداهما بعد دورانها
في التجارة، كانت محسوبة من الربح، وليس للعامل في الربح شئ إلا بعد
توفية الألفين.
وإن تلفت قبل العمل، قال الشيخ: يكون أيضا من الربح. (1) واختاره ابن
إدريس 2 وفيه نظر ضعيف.

1. المبسوط: 3 / 190.
2. السرائر: 2 / 416.
259

4562. الثاني عشر: إذا كان في يده وديعة، أو غصب، فأمره المالك بالشراء
(به) (1) قراضا صح وهل يبرأ الغاصب بنفس العقد أو بالدفع إلى البائع؟ قال الشيخ:
بالثاني (2)، وفيه احتمال.
4563. الثالث عشر: إذا قال للمديون: اعزل الدين الذي لي عليك، واقبضه،
فإذا فعلت فقد قارضتك عليه، قال الشيخ: لا يصح قبض المديون، وذمته
مشغولة كما كانت (3) ولو قيل: بالصحة كان وجها، فإن اشترى بعين المال، قال
الشيخ: كان الشراء له، لأنه لا يملك أن يشتري بعين ماله ملكا لغيره، وإن اشترى
في الذمة قيل: فيه وجهان، أحدهما انه قراض فاسد، لتعليقه بالصفة، فإذا دفع
المال ثمنا برئت ذمته، لأنه قضى دين غيره بإذنه، ولا حصة له بل الأجرة،
والثاني أنه ليس بقراض صحيح ولا فاسد، بل الربح للعامل، وكذا الخسران (4) ولو
قيل: بالأول كان وجها، وعلى القول بصحة القبض، إذا اشترى بالعين كان قراضا
فاسدا، له الأجرة وللمالك الربح، أما لو كان الدين على أجنبي فقال للعامل:
اقبضه وقد قارضتك عليه، كان القبض صحيحا، والقراض فاسدا، فالربح
للمالك، وللعامل الأجرة.
4564. الرابع عشر: إذا تلف المال بعد الشراء قبل دفعه، فالأقوى أن السلعة
لرب المال، ويجب عليه ثمنها ثانيا، ويكونان معا رأس المال، وليس للمالك
الخيار بين دفع الثمن ثانيا، ويكون الثاني رأس المال دون الأول، وبين عدم
الدفع، فيكون المبيع للعامل والثمن عليه، وكذا لو تلف الثمن الثاني قبل

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. المبسوط: 3 / 192.
3. المبسوط: 3 / 192.
4. المبسوط: 3 / 192 - 193.
260

تسليمه، وجب على رب المال دفعه ثالثا، وهكذا، ويكون الجميع رأس
ماله، والأقرب عندي أنه إن كان قد اشترى في الذمة، فإن كان بإذن المالك
فكذلك، وإلا كان الشراء باطلا، ولا يلزم الثمن أحدهما، ولو كان التلف
قبل الشراء، احتمل القول بوقوع الشراء للعامل ووجوب الثمن عليه
لانفساخ القراض.
4565. الخامس عشر: ليس لرب المال أن يشتري من العامل شيئا من مال
القراض، ولا أن يأخذ منه بالشفعة، وكذا لا يشتري من عبده المأذون وإن كان
السيد مدينا، وله أن يشتري من المكاتب ويأخذ منه بالشفعة.
ولو اشترى العامل من مال المضاربة شيئا ولا ربح، فالأقرب الجواز.
4566. السادس عشر: إذا دفع إليه ألفا قراضا، وشرط أن يأخذ له بضاعة،
صح القراض والشرط، لكنه لا يلزمه الوفاء به.
4567. السابع عشر: إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف، ثم دفع إليه ألفا
أخرى وقال: ضمها إلى الأولى كذلك، فان كان قبل دوران الأولى في التجارة
صح، وكانتا معا قراضا بالنصف، وإن كانت الثانية بعد دوران الأولى، قال الشيخ:
يبطل الثاني لاستقرار حكم الأول في الربح والخسران المختصين به، فإذا شرط
ضم الثانية إليه لزم جبر خسران أحدهما بربح الآخر. (1)
4568. الثامن عشر: إذا دفع ألفا قراضا، وقال له: أضف من عندك أخرى
واتجر بهما على أن لي ثلثي الربح، ولك الثلث بطل، قاله الشيخ، قال: وكذا لو

1. كانت الضمائر في النسختين مشوشة فصححناها حسب ظاهر كلام المصنف، وتركنا كلام
الشيخ على حاله. لاحظ المبسوط: 3 / 197 - 198.
261

شرط الأكثر للعامل (1) وليس بجيد. قال: ولو دفع ألفين وقال: أضف من عندك ألفا
أخرى على أن الألفين شركة، والألف الأخرى قراضا، صح. (2)
4569. التاسع عشر: لولي اليتيم أن يدفع ماله قراضا إلى الثقة، فلو دفعه
إلى غير الثقة ضمن.
4570. العشرون: إذا خسر مائة فاقترضها ليدفعها مع المال إلى المالك
من غير أن يشعره لئلا ينتزع المال، ففسخ المالك، لم يكن للمقرض الرجوع
على المالك بما أخذه.
4571. الحادي والعشرون: إذا اشترى بمائة جارية ثم أخذ من آخر
مائة واشترى بها جارية، ثم اشتبهتا، تشاركا في الجاريتين وبيعتا، وقسما الثمن
بينهما، وإن ظهر ربح، كان للعامل نصيبه، وإن خسر ضمن العامل إن فرط في
المزج وإلا فلا، ولا يملكهما العامل، ويرجعان برأس المال عليه. قال الشيخ:
ولو قلنا بالقرعة كان قويا (3).
4572. الثاني والعشرون: يجوز للعامل أن يعامل آخر ويسعى بالمالين،
وتكون حصته من الربح الثاني له، ولا يقاسم المالك الأول فيه.
4573. الثالث والعشرون: إذا أخذ ما يعجز عن السعي لضعفه، أو كثرة المال،
ضمن لتفريطه في قبضه.
4574. الرابع والعشرون: إذا قتل عبد القراض، وكان القاتل عبد أجنبي، وجب
القصاص، فإن لم يكن فضل، لم يكن للعامل حق، فإن اقتص، أو عفا

1. المبسوط: 3 / 198.
2. المبسوط: 3 / 198.
3. المبسوط: 3 / 201.
262

على غير مال، زال القراض، وإن عفا على مال كان قراضا، وإن كان فضل لم يكن
للعامل الانفراد بالقصاص ولا للمالك، ويقتسمان الربح على الشرط إن عفوا
على مال.
4575. الخامس والعشرون: إذا اشترى جارية للقراض، لم يكن للعامل وطؤها
ولا للمالك، ولو أذن أحدهما لصاحبه فيه، جاز، ويعتبر في إذن المالك لفظ
التحليل، وليس لأحدهما أن يزوجها بغيره، ولو اتفقا عليه جاز.
ولو اذن المالك في وطئ ما يشتريه العامل له، لم يجز، ولو وطئ العامل
من غير إذن كان عليه المهر، وإن كان هناك ربح، وان علقت منه ولا ربح فالولد
للمولى وعليه الحد، وإن ظهر ربح تحرر الولد، وصارت أم ولد، وعليه قيمتها
وقيمة الولد يوم سقوطه حيا إن قلنا انه يملك بالظهور وإلا فكالأول.
4576. السادس والعشرون: ليس للعامل أن يكاتب عبد القراض على
ما تقدم، ولا للمالك، فإن اتفقا جاز، فإن أعتق، كان الولاء للمولى إن لم يكن
ربح، وإن كان، فهو بينهما على النسبة، هذا إذا شرطا الولاء عليه، وإلا فلا ولاء
لواحد منهما.
4577. السابع والعشرون: إذا دفع مائة، فخسر العامل عشرة، ثم أخذ
المالك عشرة أخرى، ثم ربح العامل، كان رأس المال تسعة وثمانين إلا تسعا
لعدم انتقاص القراض بالخسران، ولهذا لو ربح رد إليه من الربح، حتى يجبر
الذاهب فالخسران إذن كالموجود في يد العامل، فإذا أخذ المالك عشرة انتقص (1)

1. في «أ»: انتقض.
263

فيها القراض، كما لو أخذ الجميع، فحينئذ ينتقض (1) في الخسران ما يخصه من
العشرة، فتقسط العشرة المأخوذة على تسعين، فلكل عشرة واحد وتسع
واحد، فيكون رأس المال ما بقى.
فقد ظهر أنه لا يجب على العامل جبر ما يخص المسترد من الخسران،
فلو استرد المال وكان فيه ربح، استقر ملك العامل على ما يخصه من ذلك القدر،
فلا يسقط بالنقصان، فلو كان المال مائة فربح عشرين، فأخذ منه ستين، ثم
خسر في الباقي فصار أربعين، رد الأربعين وكان له على المالك خمسة، لأن
سدس ما أخذه ربح، ولا يجبر به الخسران، لأن المأخوذ انفسخت فيه المضاربة.
4578. الثامن والعشرون: إذا دفع إليه بغلا ليستعمله على الشركة في الحاصل،
كان قراضا باطلا، والحاصل للمالك وعليه أجرة المثل للعامل.
ولو دفع شبكة للصيد على الشركة، بطل، وكان الحاصل للعامل، وعليه
أجرة الشبكة.
ولو دفع أرضا للغرس على الشركة منهما (2) لم يصح، وللعامل غرسه،
وللمالك أرضه، وللمالك على الغارس أجرة الأرض، ثم إن لم يستضر الغرس
بالقلع، كان للمالك إلزام الغارس به، وإلا تخير بين قلعه 3 مع الأرش ودفع قيمة
الغرس، وإبقائه بالأجرة.
ولو كان زرعا، لزمه إبقاؤه بالأجرة، فإن اختار المالك قلع الغرس بالأرش

1. كذا في النسختين ولعل ظاهر السياق «ينتقص».
2. في «أ»: فيهما.
3. في «أ»: قطعه.
264

والغارس الإبقاء بالأجرة، قدم قول المالك، ولو انعكس الفرض، قدم
قول الغارس.
ولو اختار المالك أخذ الغرس بالقيمة، والعامل القلع مع أخذ الأرش، قدم
قول العامل، ولو انعكس الفرض قدم قول المالك.
ولو قال المالك: خذ القيمة، وطلب الغارس الإبقاء مع الأجرة، أو
بالعكس، لم يجبر أحدهما على ما طلبه الآخر.
4579. التاسع والعشرون: إذا كان القراض فاسدا، نفذ التصرف بمجرد الإذن،
وخلص الربح بأجمعه للمالك، وعليه أجرة المثل للساعي، ولا ضمان على
الساعي إلا بتعد أو تفريط، ولو شرط المالك الربح كله، ففي استحقاق العامل
الأجرة نظر، والأجرة يستحقها الساعي، سواء كان في المال ربح أو لا، وليس
للعامل قراض المثل.
4580. الثلاثون: الزيادات العينية كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح، وكذا بدل
منافع الدواب، ومهر الجواري، ولو وطئ العامل وجب عليه العقر، وفي المالك
نظر.
وأما النقصان الحاصل بالعيب الطارئ، أو انخفاض السوق خسران يجب
جبره بالربح، وما يقع باحتراق، أو سرقة، وفوات عين، فالوجه أنه كذلك.
4581. الحادي والثلاثون: السيد إذا أذن لعبده في التجارة، جاز على
حسب الإذن، فإن أذن في الشراء في الذمة، جاز، وكذا لو أذن في التجارة في
صنف واحد، لم يجز أن يتجر في غيره، وإذا أذن له في التجارة لم يجز له أن
يؤاجر نفسه.
265

ولو لم يأذن له لكن رآه يبيع ويشتري فلم يمنعه لم يكن ذلك إذنا في
التجارة، ويكون بيعه باطلا، وكذا شراؤه إلا أن يجيز المولى، وفي بطلان شرائه
بمال في الذمة نظر.
وإذا أبق المأذون لم يبطل الإذن.
وليس للمأذون أن يتخذ دعوة بغير إذن مولاه، وكذا لا يهب بغير إذنه.
4582. الثاني والثلاثون: إذا اشترى العامل ما لم يؤذن فيه، فربح، كان الربح
على ما شرطاه، ولا يكون بأجمعه للمالك، ولا يتصدقان به وجوبا.
4583. الثالث والثلاثون: إذا سرق المال أو غصب فالأقرب أن للمضارب طلبه
والخصومة عليه، فإن ترك ذلك مع غيبة المالك وإمكان التخليص، ففي الضمان
نظر، ولو كان المالك حاضرا وعلم بالحال، ففي لزوم العامل به نظر.
4584. الرابع والثلاثون: الربح وقاية لرأس المال يجبر به الخسران، سواء كان
الربح والخسران في مرة واحدة، أو الربح في صفقة والخسران في أخرى، أو
أحدهما في سفرة والآخر في أخرى.
وليس للعامل أن يأخذ من الربح شيئا بغير إذن المالك.
ولو نض المال خاسرا فدفعه إلى المالك، فرده إليه وقال: اعمل به ثانيا،
فهو عقد جديد، إن ربح لم يجبر الخسران الأول، أما لو لم يقبضه، بل أذن له في
العمل بعد انضاضه، فالأقرب أنه ليس عقدا ثانيا، بل يجبر من الربح الثاني ما
خسره أولا.
266

4585. الخامس والثلاثون: إذا مات وفي يده أموال مضاربة، فإن علم
مال أحدهم بعينه، كان أولى به، وإن جهل، تساووا فيه، وإن جهل كونه مضاربة
قضي به ميراثا، ولو مات وعلم أن بيده مضاربة ولم توجد ففي أخذها من
التركة إشكال.
4586. السادس والثلاثون: إذا شرط على العامل ضمان المال، أو سهما
من الوضيعة، بطل الشرط، ففي صحة القراض حينئذ إشكال، ولو شرط العامل
نفقة نفسه في السفر صح، وكذا في الحضر.
4587. السابع والثلاثون: الشروط الفاسدة على أقسام ثلاثة:
أحدها: ينافي مقتضى العقد، مثل أن يشترط ان لا يبيع إلا برأس المال، أو
بالوضيعة، أو لا يبيع إلا ممن اشترى منه، أو لا يشتري، أو لا يبيع، أو يوليه ما
يختاره من السلع.
والثاني: ما يقتضي جهالة الربح، مثل أن يشترط للعامل جزءا من الربح
مجهولا، أو ربح أحد الكسبين (1) أو العبدين، أو دراهم معلومة بجميع حقه
أو بعضه.
الثالث: اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه، مثل اشتراط النفع
ببعض السلع، مثل لبس الثوب، واستخدام العبد، وركوب الدابة، ووطء
الجارية، وضمان العامل المال أو بعضه، فهذه الشروط كلها باطلة تفسد العقد إن
اقتضت جهالة الربح وإلا فلا على إشكال.

1. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «الكيسين» وهو مصحف.
267

الفصل الثالث: في أحكام النزاع
وفيه أحد عشر بحثا:
4588. الأول: لو اختلفا في قدر رأس المال، فالقول قول العامل مع اليمين،
وكذا القول قوله مع اليمين لو ادعى الخسارة، أو التلف، أو ادعى عليه الخيانة، أو
التفريط، فأنكر.
4589. الثاني: لو اختلفا فيما اشتراه، فقال المالك: للقراض، وادعاه العامل
لنفسه، فالقول قول العامل، لأنه أبصر بنيته (1) وكذا لو قال: اشتريت للقراض،
وقال المالك: لنفسك.
4590. الثالث: لو ادعى المالك أنه نهاه عن شراء المعين، فأنكر، فالقول قوله
مع اليمين، لأن الأصل عدم النهي وعدم الخيانة.
4591. الرابع: لو ادعى العامل الإذن في البيع نسيئة، أو الشراء بعشرة، فأنكر
المالك ذلك، فالوجه أن القول قول المالك، ولو ادعى عموم الإذن وادعى
المالك تخصيصه، أو ادعى الإذن في شراء شئ بعينه، وأنكر المالك، فالأقرب
تقديم قول المالك.
4592. الخامس: لو اختلفا في قدر ما شرط للعامل، فالأقرب أن القول قول

1. في «ب»: بنفسه.
268

المالك مع اليمين، ولا يتحالفان، ولا يصار إلى قول العامل فيما يساوي أجرة
المثل، ولا إلى قول المالك فيما يزيد عليها.
4593. السادس: لو ادعى العامل رد المال، فأنكر المالك، فالأقرب أن القول
قول المالك مع اليمين لا قول العامل.
4594. السابع: لو قال العامل: ربحت كذا ثم خسرت، أو تلف الربح، قبل مع
اليمين، أما لو قال: غلطت أو نسيت، لم يقبل وألزم بما أقر به من الربح.
4595. الثامن: لو ادعى أنه دفع إليه قراضا، فأنكر، ثم اعترف، أو قامت البينة،
فادعى التلف قبل الإنكار، لم يلتفت إليه، ولو كانت صورة إنكاره بعدم
الاستحقاق، قبل.
4596. التاسع: لو دفع إلى اثنين قراضا، ثم اختلفوا، فقال المالك: رأس
المال ثلثا الحاصل والثلث الآخر ربح (1)، فصدقه أحدهما، وقال الآخر: بل رأس
المال ثلثه، والثلثان ربح، فالقول قول المكذب مع يمينه، فيأخذ حصته مما ادعاه
فائدة وهو السدس، ويأخذ المالك بتصديق الآخر ما ادعاه رأس ماله، وهو
الثلثان، ويبقى السدس، لرب المال ثلثاه، وللمصدق ثلثه، لأن المأخوذة باليمين،
وهو نصف السدس، أخذ من ربح المالك والمصدق على نسبة استحقاقهما،
وهي الثلث.
4597. العاشر: لو اختلفا فقال المالك: دفعته قراضا، وقال العامل: قرضا،
فالأقرب أنهما يتحالفان، ويثبت للعامل أكثر الأمرين من أجرة المثل - إذا لم تزد
على ما ادعاه - ومما ادعاه المالك من النصيب.

1. في «أ»: الربح.
269

وقال بعض الجمهور: القول قول المالك (1) وفيه نظر، ولو أقام كل منهما
بينة، قال بعض الجمهور: يتعارضان ويقسم الربح نصفين (2).
ولو كان هناك خسران، فادعى المالك القرض والعامل القراض، فالقول
قول المالك مع اليمين، ولو ادعى المالك الإبضاع، وادعى العامل القراض، ففي
تقديم قول العامل من حيث إن العمل له، نظر، ويحتمل أنهما يتحالفان، فحينئذ
يأخذ العامل أقل الأمرين من أجرة المثل وما ادعاه نصيبا.
ولو ادعى المالك الإبضاع والعامل القرض، أمكن إحلاف كل منهما على
ما ينكره الآخر، فيثبت للعامل أجرة المثل ما لم تزد.
4598. الحادي عشر: إذا أوجبنا النفقة في السفر، لو أنفق من غير المال إما
من ماله، أو قرضا ليرجع به، ففي الرجوع إشكال، ولو شرط النفقة ثم ادعى
الإنفاق من مال نفسه، وطلب الرجوع، كان القول قوله مع اليمين، سواء كان
المال في يده، أو رده إلى المالك.

1. ذهب إليه ابن قدامة في المغني: 5 / 195.
2. ذهب إليه أحمد بن حنبل. لاحظ المغني لابن قدامة: 5 / 195.
270

كتاب الهبات
وتوابعها
وفيه مقاصد
271

[المقصد] الأول: في الهبة
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في الماهية
وفيه ثمانية عشر بحثا:
4599. الأول: الهبة عقد يقتضي تمليك العين منجزا من غير عوض،
ويسمى النحلة والعطية، قال الشيخ (رحمه الله): الهدية والهبة والصدقة بمعنى واحد،
ولهذا يحنث لو حلف ألا يهب فتصدق على مسكين، غير أنه إذا قصد الثواب
والتقرب إلى الله تعالى بالهبة، سميت صدقة، وإن قصد بها التودد والمواصلة
سميت هدية (1).
4600. الثاني: الهبة جائزة بالنص والإجماع، وهي عقد يفتقر إلى
الإيجاب والقبول والقبض، وهل يستغنى عن الإيجاب والقبول في هدية
الأطعمة؟ الأقرب عدمه، نعم يجوز التصرف عملا بالإذن المستفاد من العادة،

1. المبسوط: 3 / 303.
273

وللمالك الرجوع ما لم يتلف، ولا يكفي هنا التصرف. ومع التلف ليس للمالك
مطالبته (1) بالعوض.
ولا يصح تعليقه بشرط ولا تأقيته، فالإيجاب كل لفظ قصد به التمليك
المذكور، مثل: وهبتك وملكتك، والقبول كل لفظ دال على الرضا بالإيجاب.
4601. الثالث: لا تصح الهبة إلا من بالغ، كامل العقل، جائز التصرف. فلو وهب
الصبي، أو المجنون، أو السفيه، أو المحجور عليه للفلس، أو المملوك،
لم تصح.
4602. الرابع: أركان الهبة خمسة:
الواهب، وهو كل مالك جائز التصرف، فلو وهب غير المالك لم تصح.
والموهوب له، وهو القابل، ويشترط فيه البلوغ والعقل وجواز التصرف
في ذلك، فلو وهب العبد لم تصح.
والموهوب، هو كل عين مملوكة يصح نقلها، فلو وهب الدين لم يجز،
وكذا لو وهب ما لا يصح تملكه من الأعيان، كالخمور والخنازير، أو لا يصح
نقله كالوقف وأم الولد.
والعقد، وهو الإيجاب والقبول على ما تقدم.
والقبض، فلا تصح الهبة ما لم ينضم القبض إلى العقد، فلو مات الواهب،
أو الموهوب له بعد العقد قبل القبض، بطلت الهبة، سواء مات قبل الإذن في
القبض أو بعده.

1. في «ب»: المطالبة.
274

وقال الشيخ: لا تبطل بموت الواهب، ويقوم الوارث مقامه في الإقباض (1)
وفيه بعد.
ومن شرط صحة القبض إذن الواهب فيه، فلو قبض المتهب بدون إذن
الواهب لم يحصل الملك.
4603. الخامس: القبض شرط في الهبة، سواء كانت الهبة بشئ معين، أو
غير معين، وسواء كان مكيلا، أو موزونا، أو لم يكن أحدهما، ويكون الواهب
قبل الإقباض بالخيار إن شاء أقبضه، وإن شاء منعه، ولو أذن له في القبض
فقبض، صحت الهبة. ولو رجع قبل القبض، بطلت الهبة، ولو قبض بغير إذن
الواهب، لم تصح الهبة وإن كانا في المجلس.
4604. السادس: الهبة قبل القبض باقية على ملك الواهب، فلو نمت كان النماء
للواهب، وكذا تلحقها بقية أحكام الملك، ولو أتلفها المتهب، كان له
إلزامه بالضمان.
4605. السابع: إذا وهبه ما في ذمته، كان إبراء صحيحا، ولا يفتقر الإبراء
إلى القبول. قال الشيخ: ويقوى في نفسي افتقاره إليه، ثم قوى العدم 2 وهو يدل
على تردده.
4606. الثامن: لو وهبه ما هو في يد المتهب، كالوديعة، والغصب
انعقدت بالإيجاب والقبول، ويكفي حصولها في يده عن القبض المتجدد، ولا
يفتقر إلى تجديد قبض ولا مضي زمان يمكن وقوعه فيه، ولا تجديد إذن
في القبض.

1. المبسوط: 3 / 305.
2. المبسوط: 3 / 314.
275

4607. التاسع: القبض فيما لا ينقل ولا يحول التخلية، وفيما ينقل ويحول
النقل والتحويل، وتصح هبة المشاع كالمقسوم، ويتحقق فيه القبض بتسليم
الجميع إليه، فإن أبى الشريك، أمر المتهب بتوكيل الشريك في قبضه، فإن
امتنع، نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله.
4608. العاشر: تجوز هبة المشاع، سواء قبل القسمة كالعقار أو لم يقبلها
كالجوهرة، ولو وهب واحد اثنين شيئا صح، وإن كان مما لا يمكن (1) قسمته،
وكذا يصح لو وهب اثنان اثنين شيئا مما يمكن قسمته أو لا يمكن، وإذا وهب
الاثنين وأذن لهما في القبض فقبضاه، صحت الهبة. ولو أذن لأحدهما دون
صاحبه، صحت الهبة في نصيب المأذون خاصة.
4609. الحادي عشر: لا تصح هبة ما لا يصح إقباضه، كالطير في الهواء،
والسمك في الماء، والعبد الآبق، والجمل الشارد، والمغصوب لغير الغاصب مع
عدم إمكان القبض منه، ولو أمكن ووهبه لغير الغاصب صح، ولزم مع القبض
وليس للمتهب القبض من الغاصب بدون إذن الواهب، ولو وكل الواهب
الغاصب في التقبيض جاز، ولو وكل المتهب الغاصب في القبض له، جاز أيضا،
ويصير مقبوضا بذلك، ولا يفتقر إلى مضي زمان يتحقق فيه القبض، وملكه
المتهب، وبرئ الغاصب من ضمانه.
4610. الثاني عشر: لا تصح هبة اللبن في الضرع، ولا الحمل في البطن.
والوجه عندي جواز هبة الصوف على ظهر الغنم (2) لجواز بيعه كذلك، وإذا أذن

1. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «مما يمكن».
2. في «ب»: على ظهور الغنم.
276

له في حلب الشاة، كان إباحة لا هبة. ولو وهبه زيت زيتونه (1) قبل استخراجه، أو
دهن سمسمه (2) قبل عصره، لم تصح.
ولا تصح هبة المعدوم، كهبة ثمرة شجرته المتجددة، أو حمل
دابته المتجدد.
4611. الثالث عشر: لا تصح (3) هبة المجهول، مثل شاة من غنمه، أو عبد
من خدمه، والأقرب جواز هبة المعلوم عند الواهب المجهول عند المتهب،
ويحتمل البطلان على ضعف، أما لو كان مجهولا عند الواهب معلوما عند
المتهب، بأن يكون في يد المتهب مال للواهب ولا يعلم الواهب قدره ولا نوعه،
فوهبه جميع ما في يده، فالأقرب البطلان على إشكال.
ولو وهبه صبرة مشاهدة صحت الهبة، وإن كانت مجهولة القدر.
4612. الرابع عشر: لو شرط في العقد شروطا تنافي مقتضى الهبة، كقوله:
وهبتك بشرط ان لا تبيعه، أو لا تهبه، أو بشرط أن تبيعه، أو تهبه، بطل الشرط،
والأقرب صحة الهبة.
4613. الخامس عشر: إذا أبرأه عما في ذمته، صح بلفظ الإبراء
والهبة والإسقاط والعفو والتمليك والصدقة.
ولا تصح هبة ما في ذمة غيره له، قال الشيخ: الذي يقتضيه مذهبنا
جواز بيعه وهبته ورهنه (4) ويلوح من كلامه عدم اشتراط الإقباض هنا،
ويجعله كالحوالة.

1. في «ب»: زيتونة.
2. في «ب»: أو دهن شحمته.
3. في «أ»: لا يجوز.
4. المبسوط: 3 / 314.
277

ويجوز بيعه بعين حاضرة، أو بموصوف بشرط قبضه في المجلس،
سواء كان الدين على ملي باذل، أو معسر، أو جاحد، وتصح البراءة من المجهول
إذا لم يكن طريق إلى معرفته، ولا يشترط أن يقول: أبرأتك من درهم إلى
ألف مثلا.
ولو كان من عليه الحق يعلمه، ويكتمه، لئلا يطالبه صاحبه به لكثرته،
فالأقرب المنع من جواز الإبراء.
ولو أبرأه من مائة، وهو يعتقد أن لا شئ له، وله عليه مائة (1)، ففي صحة
الإبراء نظر.
4614. السادس عشر: لولي الصبي قبول الهبة وقبضها، ولا يصح قبض
غير الولي ولا قبوله، وإن عدم الولي، ولا فرق بين المميز في ذلك وغيره، ويفتقر
المميز في القبول والقبض إلى إذن الولي.
4615. السابع عشر: لو وهب الأب ولده الصغير شيئا في يده صح، ولم يحتج
إلى قبول، ولا قبض مستأنف، ولا مضي زمان له، ولا يجب على الأب وضع
الموهوب على يد غيره، وإن كان من الأثمان، وكذا حكم الجد.
أما باقي الأولياء، فقال الشيخ: ليس لهم أن يتولوا الإيجاب والقبول، بل
ينصب الحاكم من يقبلها منهم. (2)
4616. الثامن عشر: إذا أقر بالهبة والإقباض، حكم عليه بإقراره، سواء
كان الموهوب في يده أو يد المتهب، ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل، وله إحلافه لو

1. المقصود: أبرأه هو يعتقد أنه غير مدين ولكن كان في الواقع مدينا.
2. المبسوط: 3 / 305.
278

طلبه على عدم المواطاة. ولو أقر بالهبة مطلقا، فادعى المتهب الإقباض، فالقول
قول الواهب، سواء كانت العين في يد الواهب، أو المتهب، ولو قال: نعم، عقيب
قوله: وهبتنيه وأقبضتنيه (1) كان إقرارا.
الفصل الثاني: في الأحكام
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
4617. الأول: يكره تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية، وليس
بمحرم، ويستحب العطية لذي الرحم ويتأكد في الولد، والتسوية بينهم في
العطية، وهل تزول الكراهية لو خصصه لمعنى مثل زيادة حاجته، أو زمانته، أو
كثرة عائلته، أو اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل؟ أو فسق الآخر واستعانته
بالعطية على المعصية؟ الأقرب ذلك.
4618. الثاني: المراد بالتسوية ما يفهم من معناها، وهو عدم التفاضل،
سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، أو ذكورا وإناثا، ولا نعني بالتسوية جعل الذكر
ضعف الأنثى.
4619. الثالث: يجوز للولد مطالبة أبيه بالدين مع تمكنه، ولو امتنع كان له
حبسه على كراهية شديدة.

1. في «ب»: عقيب قوله: وهبته واقبضته.
279

4620. الرابع: إذا تمت الهبة بالإيجاب والقبول والقبض، ملكها الموهوب له،
فإن كان الموهوب له أحد الأبوين، لزمت الهبة إجماعا، ولم يكن للواهب
الرجوع فيها، سواء أثاب عليها، أو لا، وكذا لو كان ذا رحم غيرهما، وإن كان
أجنبيا، كان له الرجوع فيها، ما دامت العين باقية، ولم يعوض عنها، فإن تلفت، أو
أثاب عنها، وإن كان العوض يسيرا، لم يكن له الرجوع فيها.
ولو كان المتهب قد تصرف ولم يثب والعين باقية، ففي جواز
الرجوع قولان.
أما الزوج والزوجة، فقد أجراهما الشيخ مجرى ذي الرحم في أنه ليس
لأحدهما أن يرجع فيما يهبه لصاحبه (1) وفيه نظر.
ولو أقبض البعض ففي اللزوم فيه إشكال، أقربه اللزوم، والأقرب أن موت
المتهب كالتصرف.
4621. الخامس: الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب، سواء كانت من الإنسان
لمثله، أو لمن دونه، أو لمن هو أعلى، فإن أثاب لم يكن للواهب الرجوع في
هبته، فإن شرط الثواب صح، فإن عين لزمت الهبة بدفع المعين، ولم يكن ذلك
بيعا، فلا يلحقه الخيار، ولا الشفعة، فلو ظهر العوض مستحقا، كان للواهب
الرجوع، ولو ظهر استحقاق الموهوب، كان للمتهب الرجوع في العوض، وليس
إلزامه بالضمان، وليس لكل منهما مع فساد ما أخذه أن يرجع في نماء ما دفعه إن
كان منفصلا، وإن شرط ثوابا مجهولا، صح ولزمه دفع (2) ما يصدق عليه إطلاق

1. لاحظ الاستبصار: 4 / 110 برقم 423; والتهذيب: 9 / 152 برقم 624.
2. في «أ»: ودفع.
280

الاسم، ولو أثابه منها (1) فالأقرب الجواز، ولا يجب عليه دفع ما يرضى به الواهب
ولا قيمة الموهوب ولا ما تقضي العادة أنه هبة مثله (2) وقوى الشيخ لزوم الأخير (3).
4622. السادس: إذا شرط الثواب المعين أو المطلق، كان للواهب الرجوع
في هبته ما لم يدفع المتهب إليه ما شرطه، ومع القبض لا رجوع، ولا يجبر
المتهب على دفع العوض، بل إن دفع لزمت الهبة، وإلا كان للواهب الخيار في
الرجوع، فإن تلفت العين، أو عابت، بفعله أو بغير فعله قبل الإثابة ثم لم يثب،
ففي رجوع الواهب بالأرش مع العيب، أو القيمة مع التلف، أو ما شرطه، نظر.
ولو لم يشرط الثواب، وكان أجنبيا، فرجع الواهب قبل التصرف، كان له
أخذ العين، فإن كانت بحالها فلا بحث، وإن زادت زيادة متصلة، كانت الزيادة
للواهب، وصح الرجوع، وإن كانت منفصلة، فهي للموهوب له، وإن نقصت أو
عابت، لم يكن له الرجوع على المتهب بالأرش، وإن نقصت بالاستعمال وقلنا
التصرف لا يسقط الرجوع، فلا أرش أيضا لو استعاد العين.
4623. السابع: إذا صبغ الثوب، ثم رجع الواهب، فان قلنا التصرف
يسقط الرد، فلا بحث، وإن قلنا بجواز الرجوع معه، كان الموهوب له شريكا
بقيمة الصبغ.
4624. الثامن: الرجوع في الهبة أن يقول الواهب: قد رجعت في الهبة أو
ارتجعتها أو رددتها، وما أشبه ذلك، ولا يفتقر الرجوع إلى حكم حاكم، بل يصح،
وإن لم يقبض به حاكم.

1. في «ب»: ولو أثابه فيها.
2. في «ب»: أنه يهبه مثله.
3. المبسوط: 3 / 311.
281

ولو أخذ المشاع من الموهوب، لم يكن ذلك رجوعا بمجرده ما لم ينضم
إليه قرينة تدل عليه، فلو مات ولم يعلم القرينة، لم يحكم بالرجوع، ولو
حصلت القرينة كان رجوعا ولم يفتقر إلى التصريح على الأقرب.
ولو نوى الرجوع، ولم يأت به صريحا ولا كناية، فإنه لا يقتضي الرجوع.
ولو علق الرجوع على شرط، مثل أن يقول: إذا قدم زيد فقد رجعت في
الهبة، لم يصح الرجوع، وكذا لو علقه على صفة.
ولو وطئ الجارية ففي كونه رجوعا نظر.
4625. التاسع: لو مات الواهب في موضع يصح له الرجوع، ففي انتقال
هذا الحق إلى الورثة إشكال، أقربه العدم، ولم أقف فيه على نص لنا، فلو فضل
ولده بشئ ثم مات بعد لزوم العطية، لم يكن للورثة استعادته.
4626. العاشر: لو باع الواهب ما وهبه قبل القبض، صح البيع وإن كان
يعتقد بطلانه، ولو كان بعد القبض، فإن كان الموهوب له رحما، أو من عوض،
لم يصح البيع وإن كان أجنبيا يجوز له الرجوع بما وهبه إياه، احتمل صحة المبيع
لجواز الرجوع، وعدمها لأنه لم يصادف ملكا، وحكم الشيخ بالبطلان (1).
أما لو كانت الهبة فاسدة فإن البيع ماض، وكذا لو باع مال مورثه فلم يعلم
بموته، ثم بان أنه ميت قبل البيع، وكذا لو أوصى لزيد برقبة عتقها أو كاتبها، قبل
الوصية (2) ثم ظهر فساد العتق والكتابة.

1. المبسوط: 3 / 304.
2. في «ب»: وكذا لو أوصى لزيد برقبة كاتبها أعتقها قبل الوصية.
282

4627. الحادي عشر: إذا تأخر القبض عن العقد، حكم بالانتقال من حين
القبض لا من حين العقد، أما الوصية فإنه يحكم فيها بمجرد الموت وإن تأخر
القبول بشرط حصوله.
4628. الثاني عشر: المريض إذا وهب وأقبض، فإن برأ، أو شرط ثوابا
يوازي (1) القيمة خرجت من صلب المال، وإن تبرع بالهبة ومات في ذلك
المرض، أخرجت من الثلث.
4629. الثالث عشر: لو ادعى عليه الهبة، كان القول قول المنكر مع يمينه، وكذا
لو أقر بأنه وهبه ولم يقبضه، وادعى المتهب الإقباض، ولو قال: وهبته وملكته،
وأنكر الإقباض، فإن كان مالكا، أو توهم الملك بالعقد، كان القول قوله مع
اليمين، وإلا حكم عليه.
ولو قال: وهبته وخرجت إليه منه، لم يكن صريحا في الإقباض، نعم إن
كان الموهوب في يد المتهب كان ذلك كناية عن الإقباض، ولو كان في يد
الواهب لم يكن إقرارا بالقبض.
4630. الرابع عشر: قد بينا أنه لا يجوز للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده، سواء
كان ولده لصلبه، أو ولد ولده، وكذا ليس لذي الرحم الرجوع فيما يهبه لرحمه،
سواء كان محرما كالخالة أو العمة، أو غير محرم، كبنت العمة
وبنت الخالة.
4631. الخامس عشر: لو وهب الأجنبي شيئا، فوهبه لثالث، فإن قلنا

1. في «ب»: يوازن.
283

التصرف مانع من الرجوع فلا بحث، وإلا كان له الرجوع، سواء تصرف الثالث أو
لا، وإن رهنه المتهب، أو كاتبه، وقلنا التصرف غير مانع من الرجوع ففي الرجوع
هنا إشكال، أما لو انفسخت الكتابة، أو انفك الرهن، فإنه يجوز الرجوع على
ذلك التقدير، ولو باعه الموهوب له ثم عاد إليه، ففي جواز الرجوع إشكال أقوى
من الأول.
4632. السادس عشر: إذا حجر الحاكم على الموهوب له، وكان ممن
يصح الرجوع عليه، فالأقوى أن للمالك استعادة العين، ولا يشاركه الغرماء، ولو
باعها ثم اشتراها بثمن مؤجل وأفلس به، وسوغنا الرجوع بعد البيع، فالأقرب أن
البائع أحق من الواهب.
4633. السابع عشر: إذا جنى الموهوب وتعلقت الجناية برقبته، وأراد الواهب
الرجوع فيه، فالأقرب جواز الرجوع، لكن لا يسقط حق المجني عليه، بل له
الاقتصاص منه وتملكه إن شاء، ولا يرجع الواهب على المتهب بأرش وغيره.
ولو أخذه (1) المجني عليه لم يكن للواهب حينئذ الرجوع فيه، ولو بذل أرش
الجناية ليرجع في العين، ففي وجوب إجابته إلى ذلك نظر.
أما لو رهنه المتهب فأراد الواهب الرجوع في العين وسوغناه مع
التصرف، لم يكن له ذلك هنا، فلو طلب فكه ببذل الدين ليرجع فيه، فالأقرب
إجابته إلى ذلك على إشكال.
4634. الثامن عشر: إذا وطئ الموهوب له الجارية الموهوبة، وسوغنا الرجوع
مع التصرف، جاز الرجوع، ولا يلزم الواطئ المهر، ولو حبلت ففي جواز

1. في «أ»: ولو أفسده.
284

الرجوع إشكال، ومعه لا يرجع في الولد، ويكون حرا ولا قيمة له عنه.
4635. التاسع عشر: إذا وهبه حليا فأثابه من جنسه أو من غير جنسه،
جاز مع التفاضل والتساوي، ولا يشترط التقابض في المجلس وإن اتحد الجنس.
4636. العشرون: لو وهب العارية للمستعير صح، ولا يشترط الإذن في
القبض ولا مضي زمان يتحقق فيه، ولو وهبه لغيره جاز، فإن وكل المعير
المستعير في قبضه صح، وإن لم يمض زمان يمكن فيه، وبطلت الإعارة، فلا
يجوز له الانتفاع به إلا بإذن الموهوب له.
4637. الحادي والعشرون: إذا وهب العين المستأجرة صح، وإن وهبها
لغيره فكذلك مع الإقباض، ولو امتنع المستأجر منه كان له ذلك، ولو أذن فيه كان
له الانتفاع باقي المدة.
4638. الثاني والعشرون: الأقرب اشتراط التعجيل في القبول بحيث
يكون جوابا للإيجاب، فلو أنفذ هدية مع رسوله، وكله في إيجاب الهبة، ويقبل
المهدى إليه فان لم يفعل كان إباحة، ولو قيل بعدم اشتراط القبول نطقا كان
وجها، قضاء للعادة بقبول الهدايا من غير نطق.
285

كتاب الوقف
287

المقصد الثاني: في الوقف
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في الماهية
وفيه ثمانية مباحث:
4639. الأول: الوقف عقد يقتضي تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة، يقال:
وقفت وقفا، ولا يقال: أوقفت إلا في شاذ اللغة، ويقال: حبست وأحبست.
ولا بد فيه من الصيغة الدالة عليه إما صريحا، أو كناية مقترنة بما يدل عليه،
فالصريح ألفاظه ثلاثة: وقفت، وهو صريح فيه إجماعا، وفي «حبست» وسبلت»
قولان أحدهما أنه صريح، والآخر أنه كناية يفتقر إلى النية قال الشيخ: الذي
يقوى في نفسي أن صريح الوقف قول واحد وهو «وقفت» خاصة وبه يحكم
بالوقف، فأما غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلا بدليل (1) واختاره ابن إدريس 2
وهو الأقوى.

1. المبسوط: 3 / 292.
2. السرائر: 3 / 155.
289

وأما الكناية فثلاثة «تصدقت» و «حرمت» و «أبدت» فإن اقترن بها ما يدل
على الوقف صرفت إليه مثل صدقة محرمة، أو محبوسة، أو مسبلة، أو مؤبدة، أو
لا يباع ولا يوهب، ولو أطلق الكناية ونوى بها الوقف، حكم بما نواه باطنا دون
الظاهر، إلا أن يعترف بما نواه، ويقبل قوله في نية الوقف وعدمها.
4640. الثاني: لا يحصل الوقف بالفعل المقترن بما يدل عليه، مثل أن يبني
مسجدا ويأذن للناس بالصلاة فيه، أو مقبرة ويأذن بالدفن فيها، أو سقاية ويأذن
في دخولها، وإنما يصير وقفا بالقول الدال عليه.
4641. الثالث: لو قال الموقوف عليه: رددت الوقف، بطل، ولو سكت
فالأقرب اعتبار قبوله، أما البطن الثاني فلا يشترط قبوله ولا يرتد عنه برده.
4642. الرابع: من شرط الوقف الإقباض، فلا يصح بدونه.
4643. الخامس: إذا تم الوقف صح ولزم، ولم يجز فسخه ولا إبطاله
بمجرد الوقف، وليس للواقف الرجوع فيه، سواء أوصى به بعد موته، أو لا،
وسواء حكم به حاكم، أو لا، وقول المفيد (رحمه الله): الوقف صدقة لا يجوز الرجوع
فيها إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع من معونتهم والقربة إلى الله تعالى
بصلتهم، أو يكون تغيير الشرط في الوقف أدر (1) عليهم وأنفع من تركه على
حاله (2)، متأول (3).
4644. السادس: إذا صح الوقف زال به ملك الواقف عنه، والأقرب أن

1. هذا ما أثبتناه ولكن في المصدر والنسختين: «أرد» ولعله مصحف.
2. المقنعة: 652.
3. قوله: «متأول» خبر لقوله «وقول المفيد...».
290

الموقوف عليه يملكه ملكا غير تام فيثبت بشاهد ويمين، ومن قال: بانتقاله إلى
الله تعالى لا يثبت إلا بشاهدين.
4645. السابع: إذا وقف شاة دخل فيه الصوف واللبن الموجودان حالة
الوقف ما لم يخرجه (1) عنه بالاستثناء.
4646. الثامن: الوقف عقد يتوقف على واقف، وموقوف عليه، وموقوف،
ولكل واحد من الأربعة شرائط نحن نذكرها في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى.
الفصل الثاني: في شرائط الوقف
وهي أربعة: التنجز، 2 والدوام، والإقباض، وعدم الشركة
فهاهنا سبعة مباحث:
4647. الأول: إذا علق الوقف على شرط أو صفة، لم ينعقد وكان باطلا،
مثل أن يقول: إذا جاء رأس الشهر فداري وقف، أو فرسي، أو إذا ولد لي ولد، أو
قدم لي غائب، ولا نعلم فيه خلافا.
4648. الثاني: إذا وقفه وعلق الوقف بما لا ينقرض غالبا، صح الوقف،
مثل أن يقفه على أولاده وأولاد أولاده ما تعاقبوا، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء

1. في «أ»: ما لم يخرج.
2. في «ب»: «التنجيز».
291

والمساكين، أو المتعلمين، أو بعض المساجد والجوامع، أو المشاهد، أو يقفه
ابتداء على هذه من غير ذكر الأولاد.
ولو علقه بما ينقرض غالبا، مثل أن يقفه على أولاده وأولاد أولاده من غير
بيان المصرف بعد الانقراض، ففيه قولان: أحدهما البطلان (1) والثاني الصحة (2)
فحينئذ يعود إلى الواقف إن كان موجودا أو إلى ورثته إن كان معدوما، اختاره
الشيخ (رحمه الله) (3) وقيل: إلى ورثة الموقوف عليه، اختاره المفيد (رحمه الله) (4) وابن إدريس (5)
وفيه قوة، ولا يعاد على بيت مال المسلمين، ولا إلى الفقراء، وإذا عاد إلى ورثة
الواقف اشترك الأغنياء فيه والفقراء على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب للذكر
مثل حظ الأنثيين.
4649. الثالث: إذا علقه بمدة كأن يقفه سنة أو أكثر (6) ففي البطلان نظر،
أقربه أنه يصح ويكون حبسا يرجع إليه بعد المدة.
4650. الرابع: لو وقف لم ينعقد بدون الإقباض، فلو مات الواقف قبل
القبض بطل الوقف، وكذا لو جن، أو أغمي عليه، أما لو مات الموقوف عليه
فأقبض البطن الثاني ففي صحته نظر.

1. قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 9 / 18 ما هذا لفظه: وأما القول بالبطلان فقد حكاه في
الخلاف والمبسوط عن بعض أصحابنا ولم نجده، ويظهر من التذكرة انه لم يظفر به أيضا.
ولاحظ المبسوط: 3 / 292.
2. ذهب إليه المفيد في المقنعة: 655; والشيخ في النهاية: 599.
3. المبسوط: 3 / 293; والنهاية: 599.
4. المقنعة: 655.
5. السرائر: 3 / 165.
6. كذا في «أ»: ولكن في «ب»: كأن يقفه على شهر أو أكثر.
292

ولو كان الوقف على ولده الصغير، كان قبضه قبضا عنه، ولم يفتقر إلى
نصب وكيل يقبض عنه، ولا إلى مضي زمان يمكن فيه الإقباض، وكذا الجد
للأب والوصي على إشكال.
والقبض إنما يشترط في الطبقة الأولى، فإذا حصل تم الوقف، ولا يفتقر
إلى قبض بقية الطبقات.
ولو وقف على الفقراء والفقهاء افتقر إلى نصب قيم يقبض الوقف، ولو
وقف على مصلحة لم يفتقر إلى القبول، وكان المتولي للوقف هو الناظر في تلك
المصلحة من قبل الشرع.
ولو وقف مسجدا فكذلك لا يفتقر إلى القبول، ويلزم بصلاة واحدة فيه،
وكذا يلزم وقف المقبرة بدفن واحد، ولا يلزم بدون ذلك.
4651. الخامس: لو وقف على نفسه لم يصح الوقف، ولو وقف على نفسه
ثم على غيره، فقولان: أحدهما البطلان (1) والثاني الصحة في الغير، (2) ولو وقف
على الغير وشرط قضاء ديونه، أو الاستعانة منه، أو الإنفاق، لم يصح، ولو وقفه
على الغير وشرط عوده إليه مع حاجته، كان حبسا يورث عنه إذا مات، ولو وقفه
على الفقراء أو الفقهاء، ثم صار منهم، جاز أن يتناول منه، وكذا لو وقفه على
المسلمين جاز أن يأخذ منه، ومنع ابن إدريس من ذلك (3).
قال الشيخ: إذا وقف مسكنا جاز أن يسكن مع من وقفه عليه، وليس له أن

1. اختاره المصنف في المختلف: 6 / 280.
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 3 / 293; والخلاف: 3 / 544، المسألة 10 من كتاب الوقف.
3. السرائر: 3 / 155.
293

يسكن غيره معه (1) وليس بجيد، لأن الوقف إن كان عاما للمسلمين، جاز أن
يسكن غيره، وإن كان خاصا بقوم لم يجز له السكنى بنفسه.
4652. السادس: لو شرط إخراج من يريد من الوقف، بطل الوقف، ولو
شرط إدخال من يولد له معهم جاز، سواء كان الوقف على أولاده، أو غيرهم،
ولو شرط نقله عنهم بالكلية إلى من سيوجد، لم يجز.
قال الشيخ: لو كان الوقف على أولاده الأصاغر جاز أن يدخل معهم من
يريد وإن لم يشترط (2) وليس بجيد.
4653. السابع: وقف الجاهلية باطل بنص القرآن قال الله تعالى: (ما جعل
الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) (3).
فالبحيرة: هي الناقة التي تلد خمس بطون، فإذا وجدوا ذلك منها بحروا
أذنها أي شقوها، والبحر الشق.
والسائبة: هي التي تلد عشرة بطون كلها إناث، فيسيبوها (4) إكراما لها، لا
تركب، ولا يؤخذ وبرها، ولا تحلب إلا لضيف.
وأما الوصيلة: فهي الناقة، أو الشاة تلد عشرة بطون في كل بطن ذكر
وأنثى، فإذا كان منها (5) ذلك، قالوا: وصلت أولادها، وقيل: هي الشاة تلد خمس

1. النهاية: 600.
2. النهاية: 596.
3. المائدة: 103.
4. ساب الفرس ونحوه تسيب: ذهب على وجهه، قيل: السائبة كل ناقة تسيب لنذر فترعى حيث
شاءت. لاحظ المصباح المنير.
5. في «ب»: فيها.
294

بطون في كل بطن عناقان، فإذا ولدت بطنا سادسا ذكرا وأنثى قالوا وصلت
أخاها (1) فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور وحراما على الإناث (2).
وأما الحام: فهو الفحل ينتج من ظهره عشر بطون فيسيب، ويقال: حمى
ظهره فلا يركب.
والفقهاء يسمون العبد الذي يعتق بشرط عدم الولاء سائبة، وذلك سائغ
ليس مقصودا من الآية. (3)
الفصل الثالث: في شرائط الواقف
ويشترط فيه أمور أربعة: كونه بالغا، عاقلا، جائز التصرف، مالكا، متقربا
إلى الله تعالى، فلا يصح وقف الصبي، ولو بلغ عشرا ففي نفوذ وقفه إشكال ينشأ
من عدم البلوغ المنوط به الأحكام، ومن دلالة الرواية على الصدقة (4) والوقف
نوع منها، والأقرب عندي المنع.
ولو وقف المجنون، أو الساهي، أو الغافل، أو السكران، أو المحجور عليه
للسفه أو الفلس، لم يصح، ولو وقف المملوك بطل، وكذا الفضولي وإن أجاز

1. كذا في «أ» ولكن في «ب»: ذكرا أو أنثى قالوا: أم وصلت أخاها.
2. لاحظ المبسوط: 3 / 287.
3. في «ب»: ليس مقصورا في الآية.
4. انظر الوسائل: 13 / 429، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 4; الكافي: 7 / 28، باب
وصية الغلام; الفقيه: 4 / 145 برقم 502; التهذيب: 9 / 181 برقم 729.
295

المالك، ولا يصح وقف المكره، وإجازته بعد زوال عذره كإجازة المالك وقف
الفضولي على إشكال.
ولا بد من قصد القربة فلو وقف غير متقرب إلى الله تعالى، بطل الوقف.
أما المريض فإن برأ من مرضه صح وقفه، وإن مات أخرج من ثلث المال،
ولو أجاز الورثة خرج من الأصل، ولو أجاز بعضهم نفذ من الأصل في قدر
نصيب المجيز ومن الثلث في الباقي، وقيل: يمضى من الأصل مطلقا، (1)
والوجه الأول.
ولو ضم الوقف إلى عطايا متبرع بها كالهبة، والعتق، والمحاباة بدئ بالأول
فالأول إن قصر الثلث عن الجميع، ولم يجز الورثة إلى أن يستوفى الثلث ثم
يدخل النقص على الأخير، وكذا البحث في الوصايا المتعددة، ولو جهل
المتقدم، قيل: يقسم على الجميع بالحصص، واستعمال القرعة حسن.
ولو قال: وقفت (2) بعد موتي كذا، كان وصية بالوقف، يخرج من الثلث.
ولو قال: هو وقف بعد موتي، ففي كونه وصية بالوقف صحيحة، أو وقفا
مشروطا بالموت باطلا نظر.
ولو وقف المريض على ولده، أو بعض وراثه شيئا، صح، ويخرج
من الثلث.
ولو وقف داره، وهي تخرج من الثلث، على ابنه وبنته 3 بالسوية، صح
الوقف على ما شرط، وكذا لو وقفه على ابنه وزوجته، وإن كانت الدار جميع

1. يظهر ذلك من كلام الحلي في السرائر: 3 / 176.
2. في «أ»: ولو قال: قفوا.
3. في «ب»: وبنيه.
296

ملكه فإن أجاز الورثة فلا بحث، وإن منعوا، كان الثلث وقفا، والثلثان طلقا، سواء
زاد الورثة عن الموقوف عليه أو لا، فإن لم يكن غير الابن والبنت، واختاروا
الوقف دون التسوية، فالوجه أن النصف يكون وقفا على الابن، والثلث على
البنت، ويكون السدس طلقا للولد، ولو اختاروا التسوية دون الوقف صح الوقف
في الثلث، وكان الباقي ميراثا بينهما بالسوية (1) على سبيل الهبة، ويعتبر
فيه شرائطها.
الفصل الرابع: في شرائط الموقوف عليه
وهي أربعة: وجوده، وتعيينه، وصحة تملكه، وتسويغ الوقف عليه.
فهاهنا اثنان وثلاثون بحثا:
4654. الأول: لا يصح الوقف على المعدوم ابتداء، كما لو وقف على ولده ولا
ولد له، أو على من سيولد له، سواء كان مما يصح وجوده، أو يمتنع، ولا يصح
الوقف على حمل لم ينفصل، ولو وقف على المعدوم تبعا للموجود، صح، مثل
أن يقف على عقبه وعقب عقبه ما تعاقبوا، فإنه يلزم وإن لم يكن باقي البطون
موجودة.
4655. الثاني: لو وقف على المعدوم ثم بعده على الموجود، تردد الشيخ
في الصحة والبطلان وقوى الصحة على الموجود 2 وكذا لو وقف على من لا
يصح الوقف عليه أولا ثم على من يصح عليه، كما لو وقف على المجهول ثم

1. في «أ»: بالتسوية.
2. المبسوط: 3 / 293.
297

المعلوم، أو على عبده ثم على أولاده، ومع الصحة إن كان من لا يصح الوقف
عليه لا يمكن انقراضه كالمجهول والمعدوم، انصرفت منافع الوقف في الحال
إلى من يصح عليه، وإن أمكن انقراضه كالعبد والحمل، ففي توقف الانصراف
على انقراضه عملا بالشرط، وعدمه لانتفاء المالك غيرهم إشكال. وقوى الشيخ
الثاني (1) وعلى الأول قيل: تصرف المنافع إلى الفقراء مدة بقاء العبد وإلى
الموقوف عليهم بعد انقراضه.
4656. الثالث: لو وقف على العبد لم يصح، سواء كان عبد نفسه أو غيره، ولا
يكون الوقف عليه وقفا على مولاه، ولا فرق في ذلك بين القن، والمدبر، وأم
الولد، والمكاتب المشروط، والذي لم يؤد من مكاتبته شيئا، أما المطلق إذا أدى
شيئا من كتابته صح بمقدار ما فيه من الحرية، وبطل في الباقي، ولو وقف على
الدابة بطل أيضا.
4657. الرابع: لو وقف على نفسه ثم على المساكين، لم يصح في حق نفسه،
وفي صحته في حق المساكين قولان تقدما.
ولو شرط أن ينفق على نفسه منه، بطل الوقف أما لو شرط أن يأكل أهله
أو من يليه، فإنه يصح.
ولو شرط أن يهبه متى شاء، أو يبيعه، أو يرتجعه لم يصح.
وقال المرتضى: لو شرط أنه إن احتاج إليه في حياته، كان له بيعه والانتفاع
بثمنه جاز (2) وليس بجيد، وقال الشيخ: لو شرط بيعه والتصرف فيه عند الحاجة،
صح الشرط، ويرجع ميراثا عند الموت 3، ولو شرط الخيار لنفسه فكذلك.

1. المبسوط: 3 / 294.
2. الانتصار: 468، المسألة 264 (من الطبع الحديث).
3. النهاية: 595.
298

4658. الخامس: إذا قال: هذا وقف أو صدقة، ولم يذكر المصرف، لم
يصح، وكذا لو ذكر مصرفا مجهولا، كأن يقول: على أحد هذين، أو على
أحد المشهدين.
4659. السادس: إذا وقفه على من يجوز الوقف عليه، ثم على من لا
يجوز الوقف عليه، فإن قلنا بصحة المنقطع، صح هنا، وصرف بعد انقراض من
يصح الوقف عليه إلى من يصرف إليه نفع المنقطع.
ولو كان صحيح الطرفين منقطع الوسط، كأن يقف على أولاده ثم على
عبيدهم ثم على الفقراء، احتمل الصحة والبطلان، وعلى تقدير الصحة ينظر
فيما لا يجوز الوقف عليه، فإن لم يمكن انقراضه ألغيناه، وإلا ففي إلغائه واعتبار
انقراضه وجهان تقدما.
ولو كان صحيح الوسط خاصة، مثل أن يقف على عبده، ثم على أولاده،
ثم على الكنيسة، احتمل الوجهان، ومع الصحة فمصرفه (1) بعد من يجوز الوقف
عليه مصرف المنقطع.
4660. السابع: لو قال: هذا وقف على ولدي سنة، ثم على المساكين، صح،
وكذا لو قال: على ولدي مدة حياتي.
ولو قال: هذا وقف على المساكين، وبعد انقراضهم على ولدي، صح
على المساكين ولغى على ولده 2 لامتناع انقراضهم.
4661. الثامن: لا يصح الوقف على من لا يملك كالعبد، وإن قلنا إنه
يملك، والميت، والحمل، والملك، والجن، والشياطين، والمرتد عن فطرة،
والحربي، وهل يصح على الذمي؟ قيل: نعم مطلقا، وقيل: إن كان ذا رحم،

1. في «ب»: فصرفه.
2. في «أ»: ولغا ولده.
299

وقيل: إن كان أحد الأبوين (1). وهل يصح على المرتد عن غير فطرة؟ فيه نظر.
ولو وقف على بعض المساجد، أو المشاهد، أو القناطر، أو المدارس، أو
السقايات، أو كتب الفقه والأحاديث والقرآن، صح، لأن الوقف في الحقيقة على
المسلمين، خصص صرفه في بعض مصالحهم.
4662. التاسع: لو وقف المسلم على البيع، والكنائس، وبيوت النيران، وكتابة
التوراة، والإنجيل وغيرهما من كتب الأنبياء السالفة التي غيرت، لم يصح، ولو لم
تغير، صح وإن كانت منسوخة، ولو وقف الذمي ذلك جاز.
وكذا لا يجوز أن يقف على معونة الزناة، وقطاع الطريق، وغيرهما من
الفساق، فلو وقف على من يمر بالبيع والكنائس من المجتازين من أهل الذمة،
فالأقرب الجواز، ولو وقف على خادم الكنيسة، أو على مصالحها من الحصر
والأضواء لم يصح.
4663. العاشر: يجوز الوقف على القبيلة العظيمة والمساكين إجماعا،
وكذا يجوز في غيرهم، سواء أمكن استيعابهم وحصرهم أولا، مثل أن يقف على
قريش، أو بني هاشم أو بني تميم، وكذا يجوز على أهل كل إقليم، أو مدينة
كالعراق وبغداد، أو على أقاربه وعشيرته، ويدخل في الوقف كل من صدق
عليه الاسم.
ولو وقف المسلم على الفقراء، انصرف إلى فقراء المسلمين خاصة، عملا
بقرينة الحال، ولو وقف الكافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته.
4664. الحادي عشر: إذا وقف على المسلمين، انصرف إلى كل من صلى
إلى القبلة.

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 6 / 261.
300

ولو وقف على المؤمنين، انصرف إلى الاثني عشرية، وهل يشترط
مجانبة الكبائر؟ قال الشيخ: نعم (1) ومنعه ابن إدريس (2) وهو حسن.
ولو وقف على الشيعة، اندرج فيه كل من قدم عليا (عليه السلام) من الإمامية،
والجارودية (3) من الزيدية (4) والواقفية (5) وغيرهم من فرق الشيعة دون البترية (6)
من الزيدية.

1. النهاية: 597 - 598.
2. السرائر: 3 / 161.
3. «الجارودية» هم أصحاب «أبي الجارود» وإنما سموا «جارودية» لأنهم قالوا بقول «أبي
الجارود» يزعمون ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نص على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالوصف لا بالتسمية فكان
هو الإمام من بعده وان الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). لاحظ الملل
والنحل: 7 / 453 تأليف العلامة الشيخ جعفر السبحاني.
4. وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين (79 - 121 ه‍) الذي اتفق علماء الإسلام على جلالته
ووثاقته وعلمه وفضله.
5. «الواقفية» هم الذين وقفوا على الإمام الكاظم (عليه السلام) وربما يطلق عليهم «الممطورة» وإنما وقفوا
على الكاظم (عليه السلام) بزعم انه القائم المنتظر.
قال الكشي: وقد كان بدء الواقفة انه اجتمع عند بعض الشيعة ثلاثون ألف دينار، فحملوها إلى
وكيلين لموسى الكاظم (عليه السلام) أحدهما: حيان السراج وآخر كان معه، وكان موسى بن جعفر (عليهما السلام) في
الحبس، فلما مات موسى (عليه السلام) وانتهى الخبر إليهما أنكرا موته، وأذاعا في الشيعة انه لا يموت لأنه
هو القائم، وانتشر قولهما في الناس، ثم استبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصا على المال. اختيار
معرفة الرجال: 2 / 760 مع تلخيص وتغيير قليل.
6. «البترية» هم أصحاب «الحسن بن صالح بن حي» وأصحاب «كثير النواء» وإنما سموا «بترية»
لأن «كثيرا» كان يلقب بالأبتر، يزعمون أن عليا (عليه السلام) أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأولاهم
بالإمامة، وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ، لأن عليا (عليه السلام) ترك ذلك لهما، وينكرون رجعة
الأموات إلى الدنيا، ولا يرون لعلي (عليه السلام) إمامة إلا حين بويع، وحكي أن «الحسن بن صالح بن
حي» كان يتبرأ من عثمان بعد الأحداث التي نقمت عليه. لاحظ الملل والنحل: 7 / 454 تأليف
العلامة الشيخ جعفر السبحاني. وقال الحلي في السرائر: 3 / 162: والبترية فرقة تنسب إلى
«كثير النواء» وكان أبتر اليد.
301

ولو وقف على الإمامية فهو على الاثني عشرية، ولو وقفه على الزيدية
فهو لكل من قال بإمامة زيد وكذا لو علقهم بالنسبة إلى أب كان لكل من انتسب
إليه بالأبوة، فالهاشميين يصرف إلى من انتسب إلى هاشم بالأبوة، وهل يدخل
فيه من انتسب إليه بالأمومة؟ قيل: نعم وقيل: لا (1) وكذا لو وقفه على العلويين كان
لمن انتسب إلى علي (عليه السلام)، ولو وقفه على الحسنيين كان لأولاد الحسن بن
علي (عليهما السلام) ليس للحسينيين فيه شئ، وكذا بالعكس.
ولو وقفه على الفاطميين كان لأولاد فاطمة (عليها السلام).
4665. الثاني عشر: يدخل في الوقف على القبيلة وغيرهم من المتعددين
الذكور والإناث، ويكونون سواء إلا أن يشترط التفضيل، ولو قال: على كتاب الله
تعالى، كان للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذا لو وقف على والديه، تساويا ما
لم يفضل.
4666. الثالث عشر: قال ابن إدريس: لو وقف الإمامي على المسلمين،
كان للإمامية خاصة، لأن التقرب إلى الله تعالى إنما يحصل به، وهو شرط (2)، وقال
الشيخ: يدخل فيه كل من صلى إلى القبلة (3) وكذا لو وقف الإمامي على الزيدي
لم يصح.
قال الشيخ: ولو وقف على الشيعة كان شاملا لجميع فرقهم من الكيسانية (4)

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 6 / 291.
2. السرائر: 3 / 160 - 161.
3. النهاية: 597.
4. الكيسانية هم القائلون بإمامة محمد بن الحنفية، ويزعمون انه اليوم حي، وهو المهدي
الذي يظهر.
302

والناووسية (1) والفطحية (2) والواقفية، وقال ابن إدريس: إن كان الواقف إماميا
اختص بالإمامية، وإن كان من أحد هؤلاء حمل كلامه على شاهد حاله في
اختصاص أهل نحلته بالوقف خاصة. (3)
4667. الرابع عشر: إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده دخل أولاد البنين
وأولاد البنات، وكذا لو قال: على أولادي ولم يقل لصلبي، فإنه يدخل فيه أولاد
بنيه وأولاد بناته ما تعاقبوا وتناسلوا.
ولو قال: على أولادي لصلبي، كان لأولاده خاصة.
ولو قال: على من انتسب إلي، ففي دخول أولاد البنات نظر.
ولو قال الهاشمي: على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين، لم يدخل في
الوقف من أولاد بناته من كان غير هاشمي، ومن كان هاشميا من غير أولاد بنيه،
وهم من أولاد بناته دخلوا.
فلو قال: على عقبي أو نسلي، أو ذريتي، دخل أولاد البنين وأولاد البنات.
ولو قال: على عترتي، فهم أخص قومه وعشيرته، ولو وقف على قومه،
قيل: يكون للذكور من أهل لغته دون الإناث (4) وقال ابن إدريس: يكون للرجال
من قبيلته ممن يطلق عليهم أنهم أهله وعشيرته دون غيرهم (5).
ولو وقف على عشيرته كان لأقاربه.

1. وهم أتباع رجل من أهل البصرة، يعتقدون بإمامة جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وزعموا أنه لم
يمت وهو المهدي. لاحظ فرق الشيعة: 67.
2. الفطحية: هم القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر الصادق (عليه السلام)، قيل: إنه كان أفطح الرجلين.
3. السرائر: 3 / 162.
4. القائل الشيخ المفيد في المقنعة: 655.
5. السرائر: 3 / 164.
303

4668. الخامس عشر: إذا وقف على قومه وأولادهم وأولاد أولادهم
اقتضى ذلك، تشريك البطون الأخيرة مع البطن الأول، ولا يقدم بعضهم على
بعض لقربه، ولو تجدد حمل لم يشارك حتى ينفصل حيا.
ولو رتب فقال: على أولادي ثم أولاد أولادي، أو قال: الأعلى (1) فالأعلى،
أو الأقرب فالأقرب، أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني، أو قال:
على أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولادهم، ترتبوا بحسب الشرط، ولا يستحق
البطن الثاني شيئا حتى ينقرض البطن الأول كله، ولو لم يبق من البطن الأول إلا
واحد، كان الوقف كله له، لا يشاركه البطن الثاني.
ولو قال: على أولادي وأولاد أولادي على أن من مات منهم عن ولد كان
ما كان جاريا عليه جاريا على ولده، كان ذلك دليلا على الترتيب وإلا لم يحصل
التسوية فحينئذ يترتب بين كل والد وولده، فإذا مات عن ولد انتقل إلى ولده
سهمه، سواء بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق.
ولو رتب في البعض دون الباقي، عمل بقوله، كما لو قال: وقفت
على ولدي وولد ولدي ثم على أولادهما، أو على أولادي، ثم على أولاد
أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وعلى أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم
وأولاد أولادهم، فيشترك بين من شرك بينهم بالواو ويترتب بين من رتب
بحرف الترتيب.
4669. السادس عشر: إذا وقف على أولاده اشترك فيه أولاده وأولاد

1. في «ب»: أو قال: على الأعلى.
304

أولاده ما تعاقبوا على احتمال، ولا يمنع الأقرب الأبعد، ولو صرح بما يصرفه
عن الظاهر أو إليه (1) حمل على ما دلت القرينة عليه، فلو قال: على أولادي
لصلبي، أو الذين يلونني، صرف إلى البطن الأول.
ولو قال: على أولادي، ولا ولد له من صلبه، انصرف إلى أولاد أولاده،
وكذا لو قال: على أولادي إلا أولاد البنات، أو على أولادي إلا بني فلان.
4670. السابع عشر: لو قال: على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه
من مات من أولادي عن ولد فنصيبه لولده، أو لإخوته، أو لأولاد إخوته، فهو
على ما شرطه، ولو قال: على أن من مات منهم فنصيبه لولده، ومن لا ولد له،
فنصيبه لأهل الوقف، ومات أحد البنين الثلاثة عن ابنين، كان نصيبه لهما، فإن
مات الثاني عن غير ولد، كان نصيبه لأخيه وابني أخيه بالسوية، ولو مات أحد
ابني الأخ عن غير ولد، كان نصيبه لأخيه وعمه، ولو مات أحد الثلاثة وخلف
أخويه وابني أخ له، فنصيبه لأخويه، ولا شئ لابني الأخ ما دام أبوهما حيا، فإن
مات أبوهما صار نصيبه لهما، وهل يأخذان من عمهما سدس الثلث؟ فيه
احتمال، فلو مات الثالث، كان نصيبه لابني الأخ.
ولو خلف ابنا كان له نصيب أبيه وهو النصف، ولكل واحد من ابني الأخ
الربع، وعلى الاحتمال الذي قلناه يكون لابنه الثلث وثلثا السدس ولابني
الأخ الباقي.
ولو قال: على أن من مات منهم عن غير ولد كان نصيبه لمن هو في

1. أي يصرفه إلى الظاهر تأكيدا له.
305

درجته، وكان مرتبا، كان نصيب الميت عن غير ولد لأهل البطن الذي هو منه،
وإن كان مشتركا، فالأقرب عود نصيبه إلى أهل البطن الذي هو منه، ويستوي في
ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه، فإن لم يكن في درجته أحد بطل الشرط.
4671. الثامن عشر: إذا وقف على أولاده الثلاثة على أن من مات عن ولد
فلولده نصيبه، ومن لا ولد له فنصيبه إلى من هو في درجته، فمات أحدهم عن
ابن، ومات الثاني عن ابنين، ثم مات أحد الابنين وترك أخاه وابن عمه
[المتوفى] وعمه وابن عمه الحي (1)، فالأقرب أن نصيبه بين أخيه وابن عمه (2)
ولو كان في درجته في النسب من لا يصل إليه الوقف بحال، ففي أخذه نظر، مثل
أن يكون له أربعة أولاد فيقف على ثلاثة على هذا الوجه، ثم يموت أحد الثلاثة
عن غير ولد، احتمل أن لا يأخذ الرابع شيئا، لأنه ليس من أهل الوقف.
4672. التاسع عشر: لو وقف على الذكور والإناث، وقال: من مات من الذكور
فنصيبه لأولاده، ومن البنات فلأهل الوقف، لزم ما شرطه، ولو قال: على أولادي
على أن يصرف إلى البنات ألف والباقي للبنين، لم يستحق البنون شيئا حتى
تستوفي البنات الألف.
4673. العشرون: لو قال: وقفت على أولادي فلان وفلان وفلان ثم على
المساكين، لم يكن لأولاد أولاده شئ، ولو كان له ثلاثة فقال: وقفت على ولدي

1. الحي وصف للعم.
2. وحاصله: أن نصيبه لأخيه وابن عمه المتوفى ولا نصيب للعم الحي وابنه، وهذا أحد الوجوه
الذي استقربه المؤلف، ويحتمل أن يكون نصيبه لأخيه وابني عمه، فلا نصيب للعم الحي
وحده لأنه ليس من طبقة المورث في باب الوقف.
306

فلان وفلان وعلى ولد ولدي، لم يكن للثالث شئ، وكان للأولين وأولادهما
وأولاد الثالث بالسوية.
4674. الحادي والعشرون: إذا وقف على قوم بشرط اتصافهم بصفة، استحقوا
ما داموا على تلك الصفة، مثل أن يقول: من اشتغل بالعلم، أو حفظ القرآن فله،
ومن ترك فلا شئ له، وكذا لو قال: من كان على مذهب كذا فله، ومن خرج منه
فلا شئ له، وكذا لو فضل الكبير على الصغير، أو بالعكس، والعالم على الجاهل،
والفقير على الغني، أو بالعكس.
والمستحب له التسوية بين الذكور والإناث، وأن لا يفضل في حال وقفه
قوما على آخرين.
4675. الثاني والعشرون: إذا وقف على أولاده ثم على المساكين انصرف إلى
المساكين بعد انقراض أولاده وأولاد أولاده، وإن نزلوا، ويشترك فيه الفقير
والمسكين، لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا أن يجمعهما فيقفه على الفقراء
والمساكين أثلاثا، فيجب التميز بينهما، ولا يجب تعميمهم بالعطية، وكذا كل
وقف على منتشرين، وهل يجب صرفه إلى الثلاثة فما زاد؟ الأقرب ذلك،
ويصرف إلى أهل البلد، ولا يجب تتبع من غاب، وضابطه أن الوقف على من
يمكن حصره يقتضي (1) التشريك والتسوية، فلا يجوز التخصيص ولا التفضيل.
أما لو وقف على من لا ينضبط، فلا يقتضي ذلك، فيجوز صرفه إلى
الواحد، والتفضيل في الجماعة.

1. في «ب»: ويقتضي.
307

ولو وقفه على مستحقي الزكاة، كان للأصناف الثمانية المذكورة في
القرآن (1) والأقرب أنه لا يجب التشريك ولا التسوية، ويجوز أن يخص بعضا من
صنف ويفضله، ولا يجب أن يعطى مثل ما يعطى في الزكاة، فلا يعطى الغارم
بشرط أن يصرفه في الغرم، ولا المكاتب بشرط أن يصرفه في كتابته.
4676. الثالث والعشرون: إذا وقف على جيرانه، رجع فيه إلى العرف،
وقيل: كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب (2) وهو جيد، وقيل: إلى
أربعين دارا (3) وهو بعيد، وهل يشترط تملك الجار للدار حتى لو كانت مستأجرا
أو مستعيرا لم يتناوله الوقف؟ فيه إشكال، أما الغاصب فالظاهر عدم تناول
الوقف له، ولو قلنا بدخول المستأجر أو المستعير، لو خرجا عن الدار، خرجا
عن الاستحقاق، ولو عادا ففي عدم عوده إليهما إشكال.
ولو باع صاحب الدار داره التي يسكنها، خرج عن الوقف، ودخل
المشتري عوضه، فلو استعادها عاد الوقف إليه دون المشتري، ولو لم تكن الدار
مسكونة، ففي استحقاق مالكها إشكال، أما لو كانت موطنه فاتفق السفر له بنية

1. التوبة: 60.
2. ذهب إليه المفيد في المقنعة: 653; والشيخ في النهاية: 599 وابن إدريس في السرائر: 3 /
163; وسلار في المراسم: 198.
3. كما في الشرائع: 2 / 215، وقال في الجواهر: 28 / 43 بعد نقل كلام الشرائع «وقيل: إلى
أربعين دارا...» ما هذا نصه: وإن لم نعرف قائله كما اعترف به في المسالك. ولاحظ الوسائل:
8 / 491، الباب 90 من أبواب أحكام العشرة، أحاديث الباب.
نعم نقله ابن قدامة في المغني: 6 / 556 - في كتاب الوصية - عن أحمد بن حنبل والشافعي
حيث قال: وإن وصى لجيرانه فهم أهل أربعين دارا من كل جانب، نص عليه أحمد وبه قال
الأوزاعي والشافعي.
308

العود، ثم
وقف الواقف، فالأقرب دخوله، وهل يشارك صاحب الدار من هو ساكن معه
كولده وأهله؟ فيه نظر.
ولا يخرج صاحب الدار عن الوقف بسفره المنقطع ولا بتردده في
السكنى بينها وبين غيرها، وعلى القول بحرمان المستأجر والمستعير، ففي
استحقاق المالك إشكال.
4677. الرابع والعشرون: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى كل ما يتقرب
به إلى الله تعالى، كمعونة الغزاة، والحاج، وبناء القناطر، والمساجد، ولو قال: في
سبيل الله، وسبيل الثواب، وسبيل الخير، فكذلك، ولا تجب قسمة الفائدة أثلاثا
بين الغزاة، وأقرب الناس إليه وآخذ الزكاة لحاجته وهم من عدا العاملين
والغزاة والمؤلفة.
4678. الخامس والعشرون: إذا وقف على مصلحة فبطل رسمها، صرف
في وجوه البر، ولو وقف على البر ولم يعين، صرف في كل ما يتقرب به إلى الله،
كمعونة الفقراء وغيرها.
4679. السادس والعشرون: إذا وقف على أولاده، أو إخوته، أو بني
فلان، اشترك (1) الذكورة والإناث والأقرب والأبعد على التساوي، إلا أن يشترط
التفضيل، أو التخصيص.
ولو وقف على أخواله وأعمامه تساووا. ولو وقف على أقرب الناس إليه،

1. في «أ»: استوت.
309

فهو للأبوين والولد وإن نزلوا، ثم الأجداد والإخوة ثم الأعمام والأخوال
على ترتيب الميراث، وكل من منع في الميراث يمنع هنا، يتساوون ما لم يفضل،
ولو اجتمع الإخوة المتفرقون، أو الأخوال أو الأعمام كذلك، كان المتقرب
بالأبوين أولى من المتقرب بأحدهما.
4680. السابع والعشرون: إذا وقف على أولاده فإذا انقرضوا وانقرض
أولاد أولاده فعلى الفقراء، فالوقف لأولاده، فإذا انقرضوا، قال الشيخ: يأخذ
أولاد أولاده فإذا انقرضوا فالفقراء، لأن اشتراط انقراضهم يدل على أن لهم نصيبا
لكن لا يأخذون إلا بعد انقراض الأولاد (1). وقيل: إنه لا يأخذ أولاد أولاده شيئا،
لأن تخصيصهم بالذكر يعطي إخراجهم من لفظة الأولاد، وحينئذ يكون
انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء. وحينئذ قيل: يرجع الوقف بعد أولاده إلى
أقرب الناس إليه وإذا انقرض أولاد الأولاد، صرف إلى الفقراء.
4681. الثامن والعشرون: إذا وقف على عقب زيد، ثم من بعده على عقب
عمرو، أخذه عقب زيد، فإذا انقطع بعد ذلك، أخذه عقب عمرو، فإن تجدد
عقب زيد بعد ذلك، رجع الوقف إليه، والنماء وقت انقطاع عقب زيد إلى وقت
عوده، لعقب عمرو.
4682. التاسع والعشرون: إذا كان له موال من أعلى، فوقفه على مواليه،
انصرف إليهم، وكذا لو كان له موال من أسفل، فأنه ينصرف إلى مواليه من أسفل،
ولو اجتمعا فإن قرن بما يصرفه إلى أحدهما، حمل عليه، وإن أطلق، قال الشيخ:
يشترك بينهما 2 ولو قيل: بالبطلان للجهالة إذ المشترك لا يراد به كلا معنييه،

1. المبسوط: 3 / 298.
2. المبسوط: 3 / 295.
310

كان وجها.
4683. الثلاثون: إذا وقف على قراباته، انصرف إلى كل من كان مشهورا بقرابته
من قبل الرجال والنساء، ولو تجدد له قرابة بعد الوقف، دخل فيه.
ولو قال: لأهل بيتي، انصرف إلى أقاربه من قبل الرجال والنساء، فلو
وقف على عشيرته صح وإن لم ينحصر كبني تميم. (1)
4684. الحادي والثلاثون: إذا وقف على شخصين ثم على المساكين فمات
أحدهما، احتمل عود نصيبه إلى المساكين، والأقرب عوده إلى الآخر.
4685. الثاني والثلاثون: إذا وقف على أولاده، دخل البنون والبنات والخناثى،
ولو وقف على البنين والبنات، أو على أحدهما، لم يدخل الخناثى، ولا يدخل
في أولاده المنفي باللعان، ولو اعترف بعده، دخل.
الفصل الخامس: في شرائط الموقوف
وفيه اثنا عشر بحثا:
4686. الأول: الموقوف كل عين مملوكة يمكن الانتفاع بها مع
بقائها، وشروطه أربعة: أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها، وتصح

1. في «ب»: وكبني تميم.
311

إقباضها، فلا يصح وقف ما ليس بعين كالدين، حالا كان أو مؤجلا، على ملي
باذل كان أو معسر جاحد، وكذا لو وقف فرسا أو دارا ولم يعين لم يصح، ولا
ينفذ وقف الخنزير والخمر، وكل ما لا يصح تملكه، ولا وقف الطعام وشبهه
مما لا نفع له - كالشراب والشمع - إلا في استهلاكه، ولا وقف الآبق، وما لا
يمكن إقباضه.
4687. الثاني: الذهب والفضة إن كان حليا صح وقفه إجماعا. وإن كان
دنانير أو دراهم قيل: لا يصح لأن الانتفاع بها إنما يصح بإخراجها، ولو قيل
بالجواز لإمكان الانتفاع بها ولو في شئ قليل، كان وجها، ولو سوغناه ففي
جواز عمله حليا للموقوف عليه، نظر.
4688. الثالث: كل ما يسرع إليه الفساد، كالمشمومات من النبات
والرياحين، لا يصح وقفه.
4689. الرابع: لا يصح وقف ما لا يصح بيعه، كأم الولد والرهن، وهل
يصح وقف السباع من البهايم والطيور؟ الأقرب جوازها إن كانت مما يصاد بها،
وإلا فلا، وكذا الوقف لا يصح وقفه ثانيا. (1)
4690. الخامس: لو وقف ملك غيره بغير إذنه، احتمل البطلان، فلا
اعتبار بإجازة المالك، والصحة، فإن أجاز المالك لزم، وإلا بطل، وهو أقربهما.
4691. السادس: لو وقف سرجا، أو لجاما عليه حلية صح الوقف، ولا

1. في «أ»: وكذا لو وقف لا يصح وقفه ثانيا.
312

تباع الحلية ويشترى (1) بثمنها سرج ولجام.
4692. السابع: كل ما يصح الانتفاع به مع بقائه صح وقفه، سواء كان
عقارا، أو حيوانا، أو سلاحا، أو كراعا، أو أثاثا، أو عروضا، أو رقيقا.
4693. الثامن: يصح وقف المشاع كالمقسوم، وقبضه كقبضه في البيع (2)، ولا
يثبت بالوقف شفعة للشريك، ولو أراد الموقوف عليه قسمته مع الطلق جاز إلا
أن يتضمن ردا من الطلق ففيه نظر، لتضمنه بيع جزء من الوقف، ولو كان الجميع
وقفا، وأراد الموقوف عليهم قسمته لم يجز، ولو بيع الطلق فالأقرب أن لأرباب
الوقف الشفعة مع شرائطها ولا يصير وقفا.
4694. التاسع: إذا كان العبد بين اثنين فأوقف أحدهما نصيبه جاز، فإن
أعتقه بعد ذلك الواقف أو الموقوف عليه، لم يصح، وإن أعتق الطلق حصته صح
ولا يقوم عليه الباقي.
4695. العاشر: يجوز وقف الشئ على جهتين مختلفتين، كما لو وقف
داره على ولده والمساكين، فإن عين نصيب كل واحد، عمل به، وإلا كان لولده
النصف وللمساكين النصف. ولو قال: على زيد وعمرو والمساكين،
كانت أثلاثا.
4696. الحادي عشر: لو جعل سفل داره مسجدا دون علوها، أو بالعكس جاز،
ولو وقف موضعا في وسط داره، جاز، وإن لم يذكر الاستطراق، ويكون
للموقوف عليه حق الاستطراق، كما لو آجر بيتا من داره.

1. عطف على المنفي أي ولا يشترى.
2. في «أ»: في المبيع.
313

4697. الثاني عشر: لا يجوز وقف الحر نفسه، ولا الدار المستأجرة، ولا
الموصى بخدمته، والأقرب جواز وقف الكلب المنتفع به والسنور، أما العقور
فلا، وكذا لا يصح وقف ما لا منفعة له محللة كآلات اللهو وشبهها.
الفصل السادس: في الأحكام
وفيه اثنا عشر بحثا:
4698. الأول: يجب اتباع ما شرطه الواقف في العقد، فإذا شرط النظر فيه
لنفسه، صح، وليس لغيره معارضته فيه، وإن شرطه للموقوف عليه أو لبعضهم،
أو لأجنبي جاز، وإن أطلق ولم يبين فإن قلنا: إنه ملك للموقوف عليه، كان له،
وإن قلنا: للواقف، كان النظر له وبعده للحاكم، وإن قلنا لله تعالى كان النظر
للحاكم، وكذا البحث لو شرطه لأحد فمات.
ولو كان الوقف على المصالح، كالمساجد، أو على من لا ينحصر
كالمساكين، كان النظر فيه مع الإطلاق أو مع موت المشروط (1) إلى الحاكم، ولو
جعل النظر للأرشد، عمل بذلك، ولو كان الأرشد فاسقا، فالأقرب عدم ضم عدل
إليه ولو أطلق، وكان الموقوف عليه واحدا رشيدا، فهو أولى بالنظر، رجلا كان أو

1. أي مع موت من جعل النظر إليه، وسماه مشروطا بالنظر إلى الإطلاق أي أطلق ولم
يعين شخصا.
314

امرأة، ولو تعددوا مع الرشد، فلكل منهم النظر في نصيبه، ولو كان [الموقوف
عليه] غير رشيد فالنظر فيه لوليه.
ولو جعل النظر لأجنبي عدل، ثم فسق، ضم إليه الحاكم أمينا، ويحتمل
انعزاله بنفسه.
4699. الثاني: إذا وقف حيوانا وشرط نفقته من ماله أو من كسبه، صح
الشرط، وإن أطلق، قال الشيخ: يكون نفقته في كسبه ولو عجز لكبر أو مرض،
كانت نفقته على الموقوف عليهم (1) ولو قيل بثبوتها على الموقوف عليهم على
التقديرين - إن كان ملكا لهم - كان وجها، وإن قلنا: إنه ملك لله تعالى كانت نفقته
في بيت المال. ولو صار مقعدا عتق، وسقطت عنه الخدمة وعن مولاه النفقة،
وكذا البحث لو كان غير حيوان، واحتاج إلى الإنفاق لعمارة وشبهها، فإن شرط
عمل بالشرط، وإلا أخذ من نمائه أولا ما يصرف في عمارته، والفاضل
للموقوف عليه.
4700. الثالث: إذا كان الوقف على منحصرين، وكان شجرا فأثمر، أو أرضا
فزرعت فحصل لبعضهم من الحب والثمرة نصاب، وجبت فيه الزكاة، وإن كانوا
غير منحصرين كالمساكين، لم يكن عليهم زكاة مما حصل في أيديهم وإن
حصل في يد كل واحد نصاب لأن الواحد لا يتعين لجواز حرمانه والدفع إلى
غيره، وإنما يملك بالقبض.
4701. الرابع: إذا جنى الوقف بما يوجب القصاص اقتص منه، فإن كانت
[الجناية] نفسا، بطل الوقف بقتله، سواء كان المجني عليه الموقوف عليه أو

1. المبسوط: 3 / 288 - 289.
2. كما في الجناية خطأ.
315

غيره، وليس للمجني عليه استرقاقه، وإن كانت دون النفس اقتص منه، وكان
الباقي وقفا، وإن أوجبت المال (1) قيل: تعلقت بمال الموقوف عليه بناء على ملكه،
وقيل: بالواقف لأن ملكه لم يزل وهو الموجب لمنعه عن البيع، وقيل: في بيت
المال لأنه ملك لله فصار كالحر المعسر (2) والأقرب تعلقها بكسبه.
4702. الخامس: إذا قتل الوقف ووجب القصاص، فالأقرب أن للموجودين
من الموقوف عليهم استيفاؤه، وفي العفو إشكال إن قلنا بانتقال الوقف إليهم،
وإن قلنا إلى الله تعالى، فالأمر إلى الإمام، وكذا لو قطع يده، أو جرح عمدا، ولو
أوجبت أرشا فللموجودين من أرباب الوقف، وإن قيل وجبت القيمة (3) فالأقرب
أنه كذلك، ويحتمل أنه يشترى بالقيمة عبد يكون وقفا، وعلى هذا فالأرش أيضا
يشترى به عبد يكون وقفا إن احتمل وإلا تنقص منه.
4703. السادس: لا يجوز بيع الوقف بحال، ولو انهدمت الدار لم تخرج
العرصة عن الوقف، ولم يجز بيعها، ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث
يخشى خرابه، جاز بيعه على ما رواه أصحابنا (4) وقال ابن إدريس: لا يجوز
بحال (5) ثم فصل ما رواه أصحابنا إلى ما وقف على قوم معينين من غير تأبيد،
وإلى مؤبد، وقال في الأول بجواز بيعه للموقوف عليهم عند بعض أصحابنا،
وقال في الثاني: لا يجوز بيعه إجماعا 4 ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 6 / 278; والمبسوط: 3 / 289.
2. لاحظ المبسوط: 3 / 289.
3. لاحظ المبسوط: 3 / 287 و 300; والمهذب: 2 / 92; والمقنعة: 652; والمراسم: 197;
والكافي في الفقه: 325.
4. السرائر: 3 / 153.
5. السرائر: 3 / 153.
316

بالكلية كدار انهدمت وعادت مواتا، ولم يتمكن من عمارتها، ويشترى بثمنه ما
يكون وقفا، كان وجها.
4704. السابع: إذا وقف مسجدا فخرب، وخربت القرية أو المحلة، لم
يعد إلى ملك الواقف، ولم تخرج العرصة عن الوقف، ولم يجز بيعه بحال، أما
آلته فلا بأس باستعمالها في غيره من المساجد.
ولو أخذ السيل ميتا، أو أكله السبع، عاد الكفن إلى الورثة لامتناع وصوله
إليه بعد ذلك، بخلاف المسجد لإمكان عود عمارته. (1)
4705. الثامن: لو أراد الواقف للمسجد رفعه من الأرض وجعل سقاية، أو
بيوت للسكنى تحته، لم يجز.
وهل يجوز غرس شجر في المسجد؟ الأقرب المنع مع الضرر ومع عدمه
إشكال، ولو قلنا بالجواز منعناه من الغرس لنفسه، ولو غرس في أرضه ثم وقفها
بعد الغرس، لم يزل حق الواقف من الشجرة، ولم يلزمه قلعها، وكان نفعها له.
ولو وقف النخلة مع المسجد، فإن عين المصرف لها صح، وإلا بطل فيها
دون المسجد، ولو وقفها على المسجد، صرف ثمنها إليه.
وما يفضل من حصر المسجد وفرشه، جاز أن يصرف إلى مسجد آخر،
ولا يجوز صرفه إلى المساكين.
4706. التاسع: لا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة، فإن أولدها

1. وجه الشبه الخروج عن الاختصاص أو الملكية.
317

كان الولد حرا، ولا قيمة عليه، ولا حد، قيل: وتصير أم ولد تعتق بموته وتؤخذ
القيمة من تركته لمن يليه من البطون (1) وفيه نظر.
4707. العاشر: لو انقلعت نخلة الوقف أو انكسرت، قال الشيخ: جاز بيعها
لأرباب الوقف (2)، والأقرب ذلك مع عدم الانتفاع بها في التسقيف وغيره، أما مع
النفع بالأجرة للتسقيف وغيره، فالوجه المنع.
4708. الحادي عشر: الأقرب جواز تزويج الأمة الموقوفة ويليه الموقوف عليه
إن قلنا إنه يملك، أو الواقف إن قلنا ببقاء ملكه، وإن قلنا بالانتقال إلى الله تعالى
كان أمرها بيدها لأنها ملكت رقبتها (3) فتزوج نفسها، والمهر للموجودين من
أرباب الوقف.
وأما الولد فإن تزوجت بحر فهو حر وإن (4) شرطت رقيته، أو كان عن
مملوك كذلك، أو من زنا قيل اختص به البطن الذين يولد معهم، فإن قتل فلهم
قيمته، وقوى الشيخ كونه وقفا كأمه (5) ولو وطئها الحر بشبهة، كان ولده حرا
وعليه قيمته للموقوف عليه، ولو كان من مملوك ولم يشترط رقيته، كان بينهما،
ويكون البحث في المتعلق بنصيب الأم كما تقدم.
ولو أكرهها أجنبي فوطئها، أو طاوعته، فعليه الحد مع انتفاء الشبهة وعليه
المهر للموجودين من أرباب الوقف، وحكم الولد ما تقدم، ولو وطئها الواقف

1. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 232 - 233.
2. المبسوط: 3 / 300 - 301.
3. في «ب»: ملكت نفسها.
4. إن شرطية جوابها قوله: «قيل».
5. المبسوط: 3 / 290.
318

كان كالأجنبي.
4709. الثاني عشر: إذا آجر البطن الأول الوقف ثم انقرضوا قبل المدة،
فإن قلنا: الموت يبطل الإجارة، فلا بحث، وإن قلنا: إنه غير مبطل، فالأقرب أنها
تبطل هنا إلا ان يجيز البطن الثاني، ولو فسخوا، رجع المستأجر على ورثة البطن
الأول بما قابل المتخلف من المدة.
319

كتاب
السكنى والحبس والصدقات
320

المقصد الثالث: في السكنى والحبس والصدقات
وفيه أربعة عشر بحثا:
4710. الأول: السكنى عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض وكذا الحبس،
وفائدتهما التسلط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على صاحبه، فإن كانت
السكنى مطلقة، أو يقول: أسكنتك عمرك، أو عمري، أو مدة من الزمان، قيل:
سكنى. وإن قيدت بالعمر، بأن يقول: أعمرتك مدة عمرك، أو عمري، قيل:
عمرى، وإن قرنت بالمدة، قيل: رقبي، مثل أن يقول: أرقبتك هذه الدار مدة كذا،
إما من الارتقاب، (1) أو من رقبة الملك (2).

1. أي الانتظار.
2. قال الشيخ في المبسوط: 3 / 316: الرقبى صورتها صورة العمرى إلا ان اللفظ يختلف، فإنه
يقول: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، والرقبى يحتاج أن يقول: أرقبتك هذه
الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، وفي أصحابنا من قال: الرقبى أن يقول: جعلت خدمة هذا
العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي، وهو مأخوذ من رقبة العبد، والأول مأخوذ من
رقبة الملك.
قال ابن حمزة في الوسيلة ص 380 ما هذا نصه: العمرى: أن يجعل الإنسان منفعة دار أو ضيعة
لغيره مدة حياة أحدهما، والرقبى: أن يجعل رقبته لغيره مدة معلومة، والسكنى: أن يجعل مسكنا
لغيره مدة عمر أحدهما.
وقال ابن قدامة في المغني: 6 / 302 في وجه التسمية: سميت عمرى لتقييدها بالعمر، وأما الرقبى
فكأنه يقول: هي لآخرنا موتا، وبذلك سميت رقبى، لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.
322

وصيغة الإيجاب، أسكنتك هذه الدار أو الأرض، أو أعمرتك، أو أرقبتك
عمرك أو عمري أو مدة معلومة.
4711. الثاني: إذا حصل العقد والقبض في الإسكان، قيل: يلزم مطلقا،
وقيل: إن قصد القربة، وقيل: لا يلزم مطلقا، والأول أقوى.
4712. الثالث: إذا قال: لك عمرى هذه الدار، وأطلق، لم يلزمه شئ
معين، وكان له إخراجه متى شاء وإن أقبض، ولو قال: مدة عمرك وعقبك، لزمه،
ولم يملك المعمر بهذا القول، وإن قال: مدة عمرك، أو عمري، رجعت بعد
موت من قرنت العمرى به إلى صاحبها، ولو جعلها مدة الساكن (1) ومات المالك،
لم يكن لورثته إخراج الساكن وأهله إلا بعد موته، ولو قرنها بموته، فمات
الساكن، لم يجز له إخراج أولاده إلى أن يموت، وكذا البحث في الرقبى في
الإطلاق والاقتران بعمر أحدهما.
ولو قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت، أو ما حييت، صح، ولم يجز
إخراجه مع الإقباض، ويرجع إلى المالك بعد موت الساكن.
4713. الرابع: إذا أعمره مدة معينة، وأقبضه، لزم وجاز له بيع رقبة
الملك، لكن لا يؤثر ذلك في استحقاق السكنى للمعمر، فإذا كان المشتري قد
علم أولا فلا خيار له، وإلا كان مخيرا بين الفسخ والقبول.
ولو أعمره مدة عمر أحدهما، فالأقرب عدم جواز البيع، لجهالة
مدة الانتفاع.

1. في «أ»: مدة غير الساكن.
323

4714. الخامس: كل ما صح وقفه صح إعماره من عقار، وأثاث،
وحيوان، وغير ذلك مما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، والرقبى أيضا صحيحة
لازمة كالعمرى.
4715. السادس: إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده،
وليس له إسكان غيرهم معهم، ولا إجارة المسكن، ولو أذن المالك أو شرط في
الموضعين جاز، وجوز ابن إدريس مع الإطلاق جميع ذلك (1).
4716. السابع: يجوز للإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله، وغلامه
أو جاريته في خدمة البيت الحرام، وبعيره في معونة الحاج والزوار، فإذا فعل
ذلك متقربا إلى الله تعالى، لزم ولم يجز له فسخه بحال، ولو عجزت الدابة، أو
الجارية، أو الغلام، سقطت الخدمة، فإن عادوا إلى الصحة وجب عليهم الخدمة.
4717. الثامن: يجوز للإنسان حبس ملكه على من يجوز الوقف عليه
مدة من الزمان، أو مدة عمر أحدهما، ويعود إلى المالك بعد الانقضاء، بخلاف
ما تقدم من حبس الفرس والغلام على بيت الله تعالى، ومعونة الحاج، فإنه لا
يعود أصلا.
4718. التاسع: يجوز أن يجعل الإنسان لغيره خدمة عبده مدة من الزمان،
ثم يصير حرا بعد ذلك، ويجب على العبد الخدمة تلك المدة، فإذا انقضت المدة
صار حرا، وإن أبق العبد تلك المدة، ثم ظفر به المجعول له الخدمة، لم يكن له
عليه سبيل من خدمة ولا عوض، ولو كان المالك قد جعل الخدمة لنفسه مدة

1. السرائر: 3 / 169.
324

من الزمان، ثم هو حر بعد ذلك، فأبق العبد تلك المدة بطل التدبير، فإذا وجده بعد
المدة، كان له ملكا يعمل به ما شاء، ومنع ابن إدريس من صحة التدبير فيهما
وشرط تعليقه بالموت. (1)
4719. العاشر: الصدقة المفروضة محرمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى بني
هاشم كافة، ويجوز لبني هاشم أن يأخذوا المفروضة من أمثالهم مع الضرورة
وقصور الخمس من كفايتهم.
وأما المندوبة فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمتنع من أخذها، قال الشيخ: الأقرب
أنه على الاستحباب (2) ويجوز لأهله إجماعا.
4720. الحادي عشر: الصدقة عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وإقباض،
فلو قبضها بغير إذن المالك، لم ينتقل إليه ويشترط فيها نية التقرب، فلو
خلت عنها لم تفد الملك، لكن لو أتلفها الآخذ بإقباض المالك، لم يضمنها
لإباحته فيها.
4721. الثاني عشر: إذا حصلت الصدقة بشرائطها من العقد والقبض ونية
التقرب، فإن كانت واجبة لم يجز الرجوع فيها، وإن كانت نفلا فكذلك، سواء
كانت على ذي رحم أو على أجنبي.
وقال الشيخ: يجوز الرجوع فيها (3) وليس بمعتمد لأنها كالمعوض عنها
باستحقاق الثواب.

1. السرائر: 3 / 171.
2. المبسوط: 3 / 302.
3. المبسوط: 3 / 308.
325

4722. الثالث عشر: صدقة السر أفضل من الجهر ما لم يتهم بمنع الحقوق
وترك المواساة، فيكون إظهارها أولى وكذا لو قصد بالإظهار تأسي غيره به، كان
أولى من الإسرار بها.
4723. الرابع عشر: تجوز الصدقة على أهل الذمة وإن كانوا أجنبيين.
326

كتاب الوصايا
327

المقصد الرابع: في الوصايا
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في الماهية
وفيه اثنا عشر بحثا:
4724. الأول: الوصية مأخوذة من وصى يصي وهو الوصل، يقال أوصى
يوصي، ووصى يوصي توصية، والاسم الوصية والوصاة، وهي تمليك العين أو
المنفعة بعد الوفاة، وأطلق على هذا التصرف الوصية، لأن الموصي يصل تصرفه
بعد الموت بما قبله، وهي مشروعة بالنص والإجماع، قال الله تعالى (كتب
عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«الوصية حق كل مسلم» (2).

1. البقرة: 180.
2. الوسائل: 13 / 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 6.
329

وقال (عليه السلام):
«ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته
مكتوبة عنده» (1).
وقال (عليه السلام):
«من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية» (2).
وقال (عليه السلام):
«من لم يحسن وصيته عند موته كان نقصا في مروته وعقله» (3).
4725. الثاني: الوصية عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول، فالإيجاب كل لفظ
دل على ذلك القصد، كقوله: أعطوا فلانا بعد موتي أو لفلان كذا بعد وفاتي، أو
أوصيت له بكذا وكذا، أو جعلت له كذا.
ولو قال: هو له، كان إقرارا، إلا أن يقول: من مالي، فيكون وصية.
ولو قال: عنيت له كذا، فهو كناية تنصرف إلى الوصية مع النية.
وتقع بكل لغة يعرف منها قصد ذلك، ولو عجز عن النطق فأشار بيده إلى
ما يفهم منه ذلك، أو كتب بخطه، وقرن به ما يحكم عليه به، جاز أما لو وجد

1. عوالي اللآلي: 3 / 268، عنه في مستدرك الوسائل: 14 / 88، الباب 1 من كتاب الوصايا،
الحديث 6; ولاحظ أيضا ج 2 / 116، الباب 21 من أبواب الاحتضار، الحديث 2، ورواه
الشيخ في المبسوط: 4 / 3.
2. الوسائل: 13 / 352، الباب 1 من كتاب الوصايا، الحديث 8.
3. الوسائل: 13 / 357، الباب 6 من كتاب الوصايا، الحديث 1; ولاحظ مستدرك الوسائل: 14 /
92، الباب 5 من كتاب الوصايا، الحديث 1 و 2 (عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)).
330

مكتوبا بخطه وصية لم يشهد عليها، لم يحكم بها وجوبا، وإن علم أنها خطه.
ولو سلم وصية مختومة، لم يشهد عليه بها (1) إلا أن يسمعها الشهود منه، أو
يقرأ عليه فيقر بما فيها، وكذا لو كتب وصية وقال: اشهدوا علي بما في هذه
الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا علي بها، لم يجز ما لم يعلم الشهود ما فيها.
أما لو سلم المكتوب إلى الشاهد، وقال: اشهد علي بما فيه، وأنا أعلم به،
وترك الشاهد في يده إلى أن مات ثم أخرجه، فالأقرب الشهادة عليه به.
4726. الثالث: المكلف قسمان من عليه حق من دين أو وديعة، أو عليه
واجب، فيجب عليه الوصية إجماعا، ومن لا حق عليه، فيستحب له أن يوصي،
ولا يجب عليه إجماعا، وإنما يستحب إذا كان المتروك يفضل عن غنى الورثة
وهو مفهوم من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«والثلث كثير إنك إن تذر (2) ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة
يتكففون الناس» (3).
وعن علي (عليه السلام):
«أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة» (4).
وكلما قلت الوصية كان أفضل.

1. أي لا يعد التسليم إشهادا من الموصى لما في الورقة.
2. في المصدر: إن تدع.
3. مستدرك الوسائل: 14 / 95، الباب 9 من كتاب الوصايا، الحديث 2، ورواه الشيخ في
المبسوط: 4 / 3.
4. رواه ابن قدامة في المغني: 6 / 416.
331

4727. الرابع: لا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول إن كانت لمعين
يمكن القبول منه، وإن كانت لغير معين، كالفقراء وبني هاشم، أو على مصلحة
كمسجد أو حج، لم يفتقر إلى القبول، ولزمت بمجرد الوفاة، وينتقل بها الملك
إلى الموصى له، ولا ينتقل بالموت منفردا عن القبول، ولو قبل قبل الوفاة، جاز،
وبعد الوفاة آكد.
وإن تأخر القبول عن الوفاة، جاز ما لم يرد، فإن رد قبل موت الموصي، لم
تبطل الوصية، فله القبول بعد ذلك، وإن رد بعد الموت، فإن كان قبل القبول،
بطلت الوصية إجماعا، وكذا لو رد بعد القبض، وإن كان بعد القبول والقبض، فلا
أثر له، ويكون هبة مجددة يفتقر إلى شروط الهبة، وإن كان بعد الموت والقبول،
فقولان: أحدهما بطلان الرد، والثاني بطلان الوصية.
ولو رد البعض وقبل البعض، صحت الوصية فيما قبل خاصة.
4728. الخامس: القبول لا يتعين باللفظ، بل قد يقع بالفعل كالأخذ
والوطء وفعل ما يدل على الرضاء، ويجوز على الفور والتراخي.
ويحصل الرد بقوله: رددت الوصية، وما أدى هذا المعنى، مثل لا
أقبلها وشبهه.
وكل موضع صح الرد فيه، فإن الوصية تبطل بالرد، ويرجع إلى التركة،
فيكون ميراثا.
ولو عين بالرد واحدا، (1) وقصد تخصيصه، بالمردود، لم يكن له ذلك، أما

1. أي من الورثة.
332

ما يمنع الرد فيه لاستقرار ملكه عليه، فله أن يخص به من شاء من
الوارث والأجانب.
4729. السادس: إذا مات الموصى له قبل القبول والرد، قام وارثه في
ذلك مقامه، ولا تبطل الوصية بالموت، ولا تلزم الوصية في حق الوارث، بل له
الرد كما كان لمورثه، فإن ردها الوارث، بطلت، وإن قبلها، صحت، وثبت بها
الملك من حين قبوله، ولو تعدد الورثة، فإن قبل بعضهم ورد بعض، لزمت في
حق القابل، وبطلت في حق الراد، وإن قبلوا أجمع يثبت لهم، وكذا إن ردوا أجمع
بطلت بالكلية.
ولو كان فيهم مولى عليه، قام وليه مقامه في القبول والرد، وإنما يفعل ما
للمولى عليه الحظ فيه، فلو كان الحظ في القبول فرد لم يصح، فكان له القبول
بعد ذلك، ولو كان الحظ في الرد، فقبل، لم يصح.
فلو أوصى لصبي بمن ينعتق عليه، وعليه ضرر في القبول، بأن تلزمه
نفقته لإعساره وإيسار الصبي، لم يجز القبول، ولو كان الصبي فقيرا، أو كان
الموصى به ذا كسب، لزمه القبول، لأن الحظ، في عتق القرابة من غير ضرر.
4730. السابع: لو أوصى بجارية وحملها لزوجها، وهي حامل منه، فمات
قبل القبول، كان القبول للوارث، فإذا قبل ملك الوارث الولد ولا ينعتق على
الموصى له، لانتفاء الملك بعد الموت، ولا يرث أباه لأنه رق إلا أن يكون ممن
ينعتق على الوارث، ويكون الوارث جماعة فيرث بعتقه قبل القسمة، ولو كان
حاجبا أخذ الجميع.
4731. الثامن: قد بينا أن الملك إنما يحصل للموصى له بعد الوفاة
333

والقبول، فلو حدث للموصى به نماء بعد الموت وقبل القبول، فإن كان متصلا
تبع الأصل، وإن كان منفصلا فهو للورثة.
ولو أوصى بأمة لزوجها فأولدها بعد موت الموصي قبل القبول، فالولد
رق للوارث.
ولو أوصى لرجل بأبيه فمات الموصى له قبل القبول، فقبل ابنه صح،
وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئا
وإذا قبل الوارث، ثبت الملك له ابتداء من جهة الموصي لا من جهة
مورثه، ولا يثبت للموصى له شئ، فحينئذ لا تقضى ديونه، ولا تنفذ وصاياه،
ولا يعتق من يعتق عليه.
4732. التاسع: إذا أوصى بجارية وحملها لزوجها الحر، فقبلها، انفسخ النكاح
بالموت والقبول، ويعتق الولد، وإن رد، فالنكاح بحاله، والولد رق
كما كان.
ولو أوصى بجارية خاصة، كان الولد باقيا على الرقية للموصي، وينتقل
إلى ورثته، إن كان موجودا حال الوصية، ويعلم ذلك بوضعه لدون ستة أشهر منذ
الوصية، وإن تجدد بعد الوصية قبل الموت ووضعته قبل موت الموصي، فهو
للموصي أيضا، وكذا إن انفصل بعد الموت وقبل القبول أو بعده.
وإن حملته بعد موت الموصي وقبل القبول، فهو للورثة، سواء وضعته
قبل القبول أو بعده، ولا ينفذ فيه الوصية، لأن الحمل لا حكم له بمعنى أن
الوصية لا تتناوله، ولا يتقسط الثمن في البيع (1) عليه وعلى أمه، بل هو جار
مجرى الثمن، ومتى وضعت فكأنما حدث في تلك الحالة، هذا إذا أخرجت
الجارية من الثلث، وإن لم تخرج من الثلث، ملك بقدر الثلث وانفسخ النكاح.

1. في «ب»: في المبيع.
334

4733. العاشر: لا تصح الوصية في معصية، فلو أوصى بمال للكنائس والبيع
وكتب التوراة والإنجيل ومساعدة الظالم، لا تنفذ، ولا يجوز العمل بها.
4734. الحادي عشر: الوصية عقد جائز من الطرفين فللموصي الرجوع
من وصيته ما دام حيا، سواء كانت بمال أو ولاية، ويجوز الرجوع في بعضه أيضا
وإن كان إعتاقا.
4735. الثاني عشر: يحصل الرجوع بقوله: «رجعت في وصيتي» أو
«أبطلتها» أو «غيرتها» أو «ما أوصيت به لفلان فهو لفلان» أو «لورثتي» أو
«في ميراثي».
ولو قال: ما أوصيت به لفلان فنصفه لفلان (1) كان رجوعا في
النصف خاصة.
ولا ينحصر الرجوع في لفظ معين، بل كل ما أدى معناه فهو رجوع، وقد
يكون بالفعل مثل أن يأكل ما أوصى به، أو يطعمه غيره، أو يتلفه، أو ينقله عن
ملكه بهبة، أو بيع، أو صدقة، أو بحبل الجارية الموصى بها، أو يفصل
الثوب ويلبسه.
ولو عرضه للبيع، أو وهبه من غير إقباض، أو أوصى ببيعه، أو أوجب البيع
أو الهبة، فلم يقبل الآخر، فالأقرب أنه رجوع، وكذا لو أعتق العبد، أو دبره، أو
كاتبه، أو رهنه، وكذا لو تصرف فيه فأخرجه عن مسماه كما لو أوصى بحب
فطحنه، أو بدقيق فخبزه أو عجنه، أو مزج الطعام بغيره، بحيث لا يتميز، أو الزيت
بأجود منه، ولو تميز الممزوج لم يكن رجوعا.
ولو أوصى بكتان، أو قطن، فغزله، كان رجوعا، وكذا لو أوصى بغزل

1. في «أ»: ما أوصيت به لفلان فهو فنصفه لفلان.
335

فنسجه، أو بشاة فذبحها، أو بنقرة فضربها أما لو دق الخبز فتيتا (1) فليس برجوع،
وكذا لو أوصى بقفيز من صبرة ثم مزجها بغيرها بحيث لا يتميز لم يكن رجوعا
أيضا، سواء كان المزج بالأجود أو الأردى أو المساوي، ولو زالت الصفات بغير
فعل الموصي، فالوصية باقية إن بقي له اسم، كالدار إذا انهدم بعضها ولم يخرج
عن الاسم، ولو صارت براحا (2) فزالت عنها الاسمية. أو وقع الحب في الأرض
فنبت زرعا، أو صارت البيضة فرخا، ففي بقاء الوصية نظر، والأنقاض المتجددة
بالهدم مع بقاء الاسم داخلة في الوصية.
ولو جحد الوصية، فالأقرب أنه رجوع، ولو غسل الثوب، أو لبسه، أو
جصص الدار، أو سكنها، أو آجرها، أو زوج الأمة، أو وطئها، أو علمها، لم
يكن رجوعا.
الفصل الثاني: في الموصي
وفيه ثمانية مباحث
4736. الأول: يشترط في الموصي البلوغ، وكمال العقل، والحرية، فلا
تصح وصية الصبي، وروي فيمن بلغ عشرا أنه يجوز وصيته بالمعروف، (3) ولا

1. في مجمع البحرين: فت الرجل الخبز فتا - من باب قتل -: كسره بالأصابع.
2. قال الفيومي: البراح - مثل سلام -: المكان الذي لا سترة فيه من شجر وغيره. المصباح المنير.
3. الكافي: 7 / 28، باب وصية الغلام. الحديث 1 و 3 و 4; وسائل الشيعة: 13 / 428، الباب 44
من كتاب الوصايا، أحاديث الباب.
336

تصح وصية المجنون ولا العبد، سواء كان قنا، أو مدبرا، أو مكاتبا مشروطا، أو لم
يؤد، ولو أدى المطلق شيئا نفذت وصيته في قدر الحرية، فلو أوصى العبد ثم
أعتق وملك، فالوجه، البطلان ما لم تجدد [الوصية] بعد الحرية.
4737. الثاني: الكافر تنفذ وصيته إلا أن يوصي بخمر أو خنزير أو بناء
كنيسة، ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز.
4738. الثالث: الأقرب أن وصية السفيه لا تنفذ، وكذا المبرسم، ومن
يعتوره الجنون إن أوصى حال إفاقته، صحت، وإلا فلا، والضعيف في عقله إن
منع ذلك رشده في ماله فكالسفيه، وإلا فكالعاقل، ولا تصح وصية السكران.
4739. الرابع: الأخرس تصح وصيته إذا علمت إشارته، وإلا فلا، ومن
اعتقل لسانه إذا كتب وصيته فعرضت عليه، فأشار بما يدل على قبولها، فإنها
تقبل وصيته.
4740. الخامس: تصح وصية المسلم لمثله وللذمي، والذمي لمثله وللمسلم،
ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لوارثه أو لأجنبي وقف على الإجازة كالمسلم.
4741. السادس: إذا جرح الموصي نفسه بما فيه هلاكها، ثم أوصى لم
تقبل، لظهور سفهه، أما لو أوصى وهو عاقل، ثم قتل نفسه، فإنها تقبل.
4742. السابع: للأب الوصية بالولاية على الأطفال، وكذا الجد، وليس
لغيرهما ذلك، فلو أوصت الأم بالولاية على أولادها الأصاغر لم تصح، ولو
أوصت لهم بمال، ونصبت وصيا صحت الوصية بالمال من ثلث تركتها، وبطلت
بالولاية على الأولاد.
ولو أوصت بحق عليها، ونصبت وصيا في إخراجه، صحت الوصية فيهما
معا، سواء كان من حقوق الله تعالى أو الآدميين.
337

الفصل الثالث: في الموصى به
وفيه سبعة وثلاثون بحثا:
4743. الأول: تصح الوصية بكل مقصود يقبل النقل، سواء كان عينا أو
منفعة بشرط أن لا يزيد على الثلث، فيفتقر حينئذ إلى الإجازة، ويشترط فيه
الملك، فلا تصح الوصية بالخمر، ولا الخنزير، ولا كلب الهراش (1) ولا ما لا نفع
فيه، ولا بالجرو الصغير إن منعنا من جواز تربيته للصيد أو الماشية، ولا بشئ
من السباع إن منعنا من صحة بيعها، ولا بجلد الميتة، ولا الزبل (2) ولا الوقف،
ولا أم ولد.
4744. الثاني: لا يشترط في الموصى به كونه موجودا أو عينا، فتصح
الوصية بالحمل، وثمرة البستان، والمنفعة، ولا كونه معلوما ومقدورا عليه،
فتصح الوصية بالحمل، والمغصوب، والمجهول، والعبد الآبق، والجمل
الشارد، والطير في الهواء، والسمك في الماء، ولا كونه معينا، فتصح الوصية
بأحد العبدين، وتصح بالكلاب المملوكة، مثل كلب الصيد، والماشية،
والحائط، والزرع.
4745. الثالث: لا تصح الوصية بالمغصوب ولا فعل المحرم، مسلما كان

1. في «أ»: «ولا كلب المواشي» والصحيح ما في المتن.
2. في المصباح المنير: زبل الرجل الأرض زبولا - من باب قعد - وزبلا أيضا: أصلحها بالزبل
ونحوه حتى تجود للزراعة، والمزبلة: موضع الزبل.
338

الموصي، أو ذميا، فلو أوصى ببناء كنيسة، أو بيت نار، أو عمارتها، والإنفاق
عليها، لم تصح، وكذا لا تصح أن يوصي بشراء خمر أو خنزير للصدقة بها على
أهل الذمة، ولا بكتب التوراة والأنجيل، ولا بالحصر والقناديل للكنائس والبيع،
وإن لم يقصد إعظامها.
ولو أوصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمة، صح على أحد
القولين، ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم، انصرف إلى المحلل،
كما إذا أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو وغيره، انصرف إلى العود الذي لغير
اللهو، ولو لم يكن إلا عود اللهو، قيل: تبطل الوصية، وقيل: تصح، وتزال عنه
الصفة المحرمة، ولو لم يكن فيه منفعة إلا المحرمة، بطلت الوصية.
ولو أوصى بطبل حرب، صحت الوصية، ولو كان بطبل لهو، بطلت، إلا أن
يقبل الإصلاح للحرب.
ولو أوصى له بدف، صحت الوصية به، لجواز اتخاذه للعرس، ولو أوصى
له بمزمار أو طنبور، بطلت الوصية، إلا أن يقبل زوال الصفة، فيجوز على خلاف
تقدم، ولو كان له طبول تصح الوصية بها أجمع، فأوصى بأحدها، تخير الورثة.
4746. الرابع: لو أوصى له بقوس، صحت الوصية، سواء كان قوس
نشاب وهو الفارسي أو نبل (1) وهو العربي، أو قوس جرخ (2)، أو ندف، أو بندق،
ثم إن عين أحد هذه، صرف إليه إن كان موجودا، وإلا اشترى له ما عينه، وإن
أطلق وكان له واحد منها، انصرف إليه، وإن كان الجميع له، ووجدت قرينة

1. في «ب»: أو نصل.
2. كذا أيضا في المغني لابن قدامة: 6 / 585 ولم نعثر على معناه.
339

تصرفه إلى أحدها، مثل أن يقول: أعطوه قوسا يندف به، أو يتعيش [به] وشبهه،
انصرف إلى قوس الندف، ولو قال: يغزو به، خرج قوس الندف والبندق، ولو
كانت عادة الموصى له استعمال قوس معين لا غير، ففي كون ذلك قرينة
للتخصيص به، نظر.
ولو انتفت القرائن، تخير الورثة في تخصيص ما شاءوا، مما يقع عليه
عرف ذلك الموضع بالعطية، ويعطى القوس معموله، والأقرب أنه يستحق
وترها، لعدم الانتفاع بدونه.
وكل لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا، فللورثة الخيار في تعيين ما
شاءوا منها.
4747. الخامس: لو أوصى له بجرة فيها خمر، صحت الوصية بالجرة
خاصة، وبطلت في الخمر، ولو أوصى له بخمر في جرة لم تصح الوصية.
4748. السادس: إنما تصح الوصية بالثلث فما دون، سواء كانت الوصية
بعين، أو منفعة، فإن أوصى بأزيد من الثلث، وقف على إجازة الورثة، فإن أجازوا
صحت، وإلا بطلت، ولو أجاز بعضهم نفذت الإجازة في قدر حصته من الزيادة،
وبطلت في قدر حصة من لم يجز.
4749. السابع: الإجازة تنفيذ لفعل ما وضعه الموصي لا ابتداء عطية،
فلا يشترط فيها ما يشترط في الهبة، هذا إذا وقعت ابتداء، ولو وقعت عقيب رد،
فهل هي كذلك أو تكون هبة يشترط فيها شرائط الهبة؟ فيه نظر.
ولو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه، أو وصى بإعتاقه، فأعتقوه
340

بوصيته، نفذ العتق في ثلثه، ووقف عتق باقيه على إجازة الورثة، فإن أجازوا عتق
جميعه، واختص عصبات الميت بولائه كله، ولا يختص الورثة بثلثيه.
ولو وقف على ورثته في مرضه فأجازوا، صح الوقف.
4750. الثامن: الوصية تمضى من الثلث، سواء كانت في حال المرض أو
الصحة، ولا تمضى من الأصل، وإن قد أوقعها من الصحة، وسواء أوصى
بالجميع قبل أن يولد له، أو بعده، فإنها تمضى من الثلث، ولا اعتبار لإجازة
الورثة فيه، بل تصح من الثلث، وإن لم يرضوا، وإنما تعتبر إجازتهم في الزائد
عليه، وفي اشتراط عدم سبق الرد في صحة الإجازة فيما زاد على الثلث نظر.
ولا يشترط في الإجازة الفورية، فلو قبل بعد الموت، ثم أجاز الوارث بعد
مدة، صح ويملك الموصى له الثلث بالقبول بعد الموت، فالنماء له حينئذ، أما
الزائد، فهل يملكه حين القبول بعد الموت، أو حين الإجازة؟ فيه نظر، والنماء
فيه تابع، والأقرب أنه حين الإجازة.
4751. التاسع: إذا أجاز الورثة بعد الموت، صحت بلا خلاف، وإن
أجازوا قبله فقولان: أحدهما الصحة، وليس للورثة الرجوع حينئذ، وهو اختيار
الشيخ (رحمه الله) (1) والثاني المنع، اختاره المفيد (2) وابن إدريس 3 ولو أجازوا في الصحة،
لم يكن لهم الرجوع كما لو أجازوا في المرض.
4752. العاشر: إذا أوصى بنصف التركة، فأجاز الورثة، ثم قالوا: إنما أجزنا

1. الخلاف: 4 / 144، المسألة 14 من كتاب الوصايا.
2. المقنعة: 669.
3. السرائر: 3 / 194.
341

ظنا أن المال قليل فبان كثيرا، فإن كان للموصى له بينة تشهد باعترافهم بمعرفتهم
قدر المال، أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليهم، لم يلتفت إليهم، وإن لم يكن
هناك بينة، وكان المال خفيا، كان القول قولهم في الجهل به مع اليمين.
ولو كانت الوصية بعين، كدار، أو عبد، أو فرس يزيد على الثلث، فأجازوا
الوصية، ثم قالوا: ظننا المال كثيرا، تخرج الوصية من الثلث، فبان قليلا، أو ظهر
عليه دين ولم يعلمه، لم يلتفت إليهم لتضمن الإجازة شيئا معلوما، ولو قيل
بمساواته الفرض الأول، كان وجها، لأن الوارث قد يسمح (1) بذلك ظنا منه أنه
يبقى له من المال ما يكفيه، فإذا بان خلافه، لحقه الضرر في الإجازة.
4753. الحادي عشر: لا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف، ولو أجاز
الصبي والمجنون والمحجور عليه للسفه، لم تصح، وأما المفلس فإن
إجازته صحيحة.
4754. الثاني عشر: لا يجوز تغير الشئ مما أوصى به الميت إذا لم يخالف
المشروع، فإن خالفه لم يجز إمضاؤه.
4755. الثالث عشر: لو لم يكن له وارث من نسب ولا سبب، فأوصى
بجميع ماله، ففي رواية تصح الوصية بأجمعها (2) ولو قيل: تصح في الثلث خاصة،
كان وجها (3) لأن له وارثا، هو الإمام عندنا، وهو الذي يعقل عنه.

1. سمح به سموحا وسماحا وسماحة: جاد. مجمع البحرين.
2. لاحظ الوسائل: 13 / 370، الباب 12 من كتاب الوصايا، الحديث 1. واختاره الصدوق في
المقنع وابن الجنيد على ما نقله المصنف عنهما في المختلف: 6 / 337.
3. ذهب إليه الشيخ الطوسي في الخلاف: 4 / 166، المسألة 52 من كتاب الوصايا، وابن إدريس
في السرائر: 3 / 204.
342

ولو كان له وارث (1) لم يكن له الوصية بأكثر من الثلث، وإن كان الوارث ذا
فرض يأخذ ما يبقى بعده أكثر من الثلث، لأنه يأخذ الباقي بالرد عندنا، أو كان
زوجا أو زوجة.
4756. الرابع عشر: يعتبر ثلث المال حين الوفاة لا حين الوصية، فلو أوصى
الغني بما يخرج من الثلث، ثم افتقر ومات، اعتبر الثلث حال الموت، فان لم
يخرج الموصى به من الثلث، بطل الزائد، ولا اعتبار بيساره، ولو أوصى، وهو
فقير، ثم أيسر حتى خرج الموصى به من الثلث، صحت وصيته، ولا اعتبار
بفقره، سواء علم الموصي ما تجدد له أو لم يعلم.
ولو أوصى ثم قتل أو جرح، خرجت الوصية من ثلث ماله وديته وأرش
جراحه، سواء كان القتل عمدا أو خطأ.
4757. الخامس عشر: لو أوصى إلى إنسان بالمضاربة بتركته، على أن الربح
بين العامل والورثة بالسوية، صحت الوصية، وهل يشترط أن يكون من الثلث؟
فيه نظر.
4758. السادس عشر: إذا أوصى بأشياء تخرج من الثلث، عمل بها، وان
قصر الثلث عنها، فإن كانت بأجمعها واجبة، أخرجت من صلب المال، وإن كان
بعضها واجبا بدئ بالواجب من صلب المال، والباقي من ثلث الباقي، وبدئ
بالأول منه فالأول، ولو كان الكل غير واجب بدئ بالأول فالأول، حتى يستوفى
الثلث، وكان النقص داخلا على الأخير، ولو أجاز الورثة، عمل بالجميع.

1. في «ب»: وراث.
343

4759. السابع عشر: إذا قال: حجوا عني حجة واحدة بقدر معين، وكان
فيه فضل عن أجرة المثل، كان الزائد للنائب، فإن عين أحدا، صرف إليه وإلا
تخير الوارث أو الوصي - إن كان - في الدفع إلى من شاء، ثم إن كان الحج
الموصى به تطوعا، أخرج من الثلث، وإن كان واجبا أخرج أجرة المثل من
الأصل والزائد من الثلث، ولو لم يف المعين بالحج الواجب، أخذ الباقي من
صلب المال.
ولو عين فأبى المعين، بطل التعيين، ويستناب بأقل ما يكون ثقة يحج
عنه، ويصرف الباقي إلى الورثة ان كان الحج واجبا، وإن كان تطوعا، ففي بطلان
الوصية نظر، أحوطه إقامة نائب غير المعين.
ولو قال المعين: ادفعوا الحجة إلى من يحج، واصرفوا الباقي إلي، لم
تجب إجابته، ولو لم يعين القدر، حج عنه نائب ثقة بأقل ما يكون، ولو أوصى
بإقامة نائب يحج عنه، لم يجز للوصي أن يحج بنفسه.
ولو قال: حج عني بمهما شئت، فحج عنه، فالوجه أجرة المثل.
ولو أوصى أن يحج عنه بمائة، ولزيد بتمام الثلث، ولعمرو بثلث آخر، فإن
أجاز الورثة أمضى على ما قال، وإن لم يفضل عن المائة شئ، لم يكن لزيد
شئ، وكان لعمرو الثلث، ولو رد الورثة بدئ بالأول فالأول، كما قلنا.
ولو امتنع النائب، وكان الحج واجبا، أقيم ثقة غيره بأقل ما يمكن، وكان
تمام المائة للورثة، وباقي الثلث لزيد، وإن كان الحج تطوعا، ففي بطلانه برد
النائب نظر.
344

ولو عين قدرا من المال يحج به تطوعا، ولم يعين المرات، صرف جميعه
إلى الحج إذا احتمل الثلث، وليس للوصي أن يصرف إلى النائب أكثر من أجرة
المثل، ولا أن يستأجر غير الثقة، فإن عجز عن الحج استؤجر به من أقرب
المواضع، فإن لم يسع صرف في وجوه البر، وإن فضل عن الحجة، دفع في
حجة ثانية وثالثة، وإن قصر الثلث عن المعين، فإن كان الحج واجبا أخذ أكثر
الأمرين من الثلث وأجرة المثل، فإن كان الثلث أكثر صرف في الفرض قدر
الكفاية وحج بالباقي تطوعا، ولو كان تطوعا أخذ الثلث خاصة.
4760. الثامن عشر: إذا أوصى بثلث ماله لزيد، وبربعه لعمرو، فإن أجاز
الورثة عمل بها، وإن ردوا بطل الأخير، وكذا البحث لو زاد على ذلك، ولو أوصى
بالنصف لزيد، والربع لعمرو، فإن أجازوا أخذا ثلاثة أرباع التركة، وإن امتنعوا كان
لزيد الثلث موفرا، وبطل الزائد عليه، ولا يقسم الثلث على قدر السهام بين
الموصى لهم، وليس للورثة إجازة الأخيرة وإبطال الأولى.
ولو جازت الوصايا المال، فإن رد الورثة، بطلت في الزائد على الثلث،
وأخذ الأول فالأول، وإن أجازوا فالوجه بدأة الأول فالأول، ودخل النقص على
الأخير، كما لو لم تتجاوز الوصية المال.
ولو أوصى بثلثه لزيد وبثلثه لعمرو، كان ذلك رجوعا عن الأول إلى
الثاني، فلو اشتبه الأول، استخرج بالقرعة، هكذا قاله علماؤنا، وفيه نظر، إذ لو
أجاز الورثة صحتا معا، ولو رد الثاني خرج على قول علمائنا انتقال الثلث إلى
الورثة لا إلى الأول، ولو نص على عدم الرجوع، ففي كونه رجوعا إشكال، أقربه
أنه ليس رجوعا، فيعطى الأول إن لم يجز الورثة، وإن أجازوا أخذا ثلثي
المال بينهما.
345

ولو أوصى بشئ واحد لاثنين، فإن كان بقدر الثلث أو أقل، تساويا فيه،
وإن زاد، وأجازت الورثة، فكذلك، وإن ردوا كان لهما ما يحتمله الثلث، وبطل
الزائد في حقهما معا، ولو جعل لكل واحد منهما شيئا بدئ بعطية الأول، ودخل
النقص على الثاني.
4761. التاسع عشر: لو أوصى بعتق مماليكه، تناولت الوصية من يملكه أجمع
ومن يملك بعضه، فيعتق نصيبه خاصة، وهل يقوم عليه حصة الشريك؟ قيل:
نعم، وفيه نظر، هذا إن احتمل الثلث وإلا أعتق (1) منهم من يحتمله الثلث.
ولو أوصى بثلث عبده، فخرج ثلثاه، مستحقا، صحت الوصية، وصرفت
إلى الثلث الباقي له، ولو أوصى له بثلث ثلاثة أعبد، (2) فهلك عبدان أو استحقا،
كان له ثلث الباقي خاصة.
ولو أوصى له بشئ معين، فهلك قبل موت الموصي، أو بعده، من غير
تفريط، بطلت الوصية، ولو تلفت التركة سواه فهو للموصى له، إن كان التلف بعد
الموت والقبول، وإلا كان له ثلثه.
4762. العشرون: إذا أوصى بثلث ماله مشاعا، كان للموصى له من كل شئ
ثلثه، وإن أوصى بعين، وكان بقدر الثلث، ملكه الموصى له بالموت والقبول،
وليس للورثة دفع عوضه إلا برضاه، ولو كان له مال غائب، فإن خرجت العين من
ثلث الحاضر، أخذها الموصى له، وإلا أخذ منها ما يحتمله الثلث من المال
الحاضر، وكلما حصل من الغائب شئ أخذ من تلك العين بقدر ثلثه.

1. في «ب»: عتق.
2. قال الفيومي: استعمل للعبد جموع كثيرة والأشهر منها: أعبد وعبيد وعباد. المصباح المنير.
346

4763. الواحد والعشرون: إذا أوصى بالحمل صح إذا كان مملوكا، بأن
يكون رقيقا، أو حمل دابة مملوكة، فإن انفصل ميتا، بطلت الوصية، وإن انفصل
حيا، وعلمنا وجوده حال الوصية، أو حكمنا بوجوده، صحت الوصية، وإلا فلا.
ولو قال: أوصيت لك بما تحمل جاريتي هذه، أو ناقتي، أو نخلتي، جاز،
وإن لم يكن الحمل موجودا، ويقوم الحمل بعد انفصاله حيا.
ولو أوصى بالحمل الموجود، اعتبر وجوده في حمل الأمة بما يعتبر
وجود الحمل في غير الوصية، وذلك بأن تأتي به لدون ستة أشهر منذ الوصية،
وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر إلى عشرة أشهر منذ مفارقة الزوج لها، أو غيبته
عنها، صحت الوصية أيضا، وإن كان حاضرا عندها ففي نفوذ الوصية به فيما بين
العشرة والستة (1) إشكال، أقربه النفوذ إن علم وجوده وإلا فلا.
4764. الثاني والعشرون: إذا أوصى بثمر شجر، أو بستان، أو أجرة دار،
أو خدمة عبد، أو سكنى الدار، أو غير ذلك من المنافع مدة معينة، صح، سواء
كانت الثمرة والمنفعة موجودة أو لا، ويعتبر ذلك من الثلث كما قلنا في الأعيان،
فإن قصر الثلث أجيز منها بقدر الثلث خاصة، وبطل الزائد، ولا يتخير الورثة بين
تسليم خدمة العبد المدة وبين تسليم ثلث المال، ولا يحكم بخدمته العبد
للموصى له يوما وللورثة يومين حتى يستكمل المدة.
4765. الثالث والعشرون: إذا أوصى بالمنفعة مدة معينة، أخرجت من
الثلث فيقوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة، ثم تقوم المنفعة في

1. في «أ»: والسنة.
347

تلك المدة، فينظركم قيمتها، وإن كانت مطلقة في الزمان كله، بأن أوصى بالمنفعة
على التأبيد، قيل: تقوم الرقبة بمنفعتها جميعا، ويعتبر خروجها من الثلث، لأن
عبدا لا منفعة له وشجرا لا ثمرة لها، لا قيمة له غالبا، وقيل: تقوم الرقبة على
الورثة، والمنفعة على الموصى له، فيقوم العبد بمنفعته، فإذا قيل: قيمته مائة، قيل:
كم قيمته ولا منفعة فيه؟ فإذا قيل: عشرة، علم أن قيمة المنفعة تسعون، وقيل:
تقوم المنفعة على الموصى له، ولا تقوم العين على الورثة، واختاره الشيخ (رحمه الله) (1).
ولو أراد الموصى له إجارة العبد أو الدار في المدة، فله ذلك، ولو أراد
الموصى له إخراج العبد من البلد، كان له ذلك على إشكال.
4766. الرابع والعشرون: إذا أوصى له بثمرة شجرة مدة أو دائما، لم
يملك الموصى له ولا الوراث إجبار الآخر على السقي، ولو أراد أحدهما السقي
على وجه لا يضر الآخر، لا يملك الآخر منعه، ولو يبست الشجرة، كان
الحطب للوارث.
ولو أوصى بحملها سنة معينة، فلم تحمل تلك السنة، فلا شئ
للموصى له.
ولو قال: لك ثمرتها أول عام تثمر، صح، وكان له أول عام ثمرها.
ولو أوصى لرجل بشجرة ولآخر بالحمل صح، وقام صاحب الأصل مقام
الوارث فيما قلناه.
ولو أوصى له بلبن شاته وصوفها، صح كالثمرة، ولو أوصى بأحدهما
فكذلك، ويقومهما الموصى له دون العين.

1. المبسوط: 4 / 14.
348

4767. الخامس والعشرون: إذا أوصى بخدمة العبد أو منفعة الدابة، كانت النفقة
على الورثة، سواء كانت الوصية مقيدة بالزمان أو على التأبيد.
4768. السادس والعشرون: إذا أعتق الورثة العبد الموصى بمنفعته، صح العتق،
والمنفعة باقية للموصى له بها، ولا يرجع على المعتق بشئ، ولو أعتقه صاحب
المنفعة لم تصح، ولو وهب صاحب المنفعة منافع العبد له وأسقطها عنه، كان
للورثة الانتفاع به، وهل تلزم هذه الهبة؟ فيه نظر، ولو أراد الوارث بيع العبد، جاز،
ويباع مسلوب المنفعة.
ولو أوصى لرجل برقبة عبد، ولآخر بمنفعته جاز، وقام الموصى له مقام
الوارث، ولا ينقطع تصرف الورثة في الرقبة الموصى بنفعها ببيع وهبة وعتق
وغير ذلك، ولا يبطل حق الموصى له بذلك.
4769. السابع والعشرون: لو أوصى لرجل بمنفعة أمته فأتت بولد مملوك،
فهو لمالك الرقبة، ولو وطأ بشبهة وجب المهر، وهل يكون لمالك الرقبة أو
المنفعة؟ الأقرب، الأول.
ولو أتت بولد من الشبهة، فهو حر وتجب قيمته يوم وضعه لصاحب
الرقبة، وهل للوارث وطئها؟ فيه إشكال، أما صاحب المنفعة، فليس له ذلك، فإن
وطئها لشبهة، فلا حد عليه، ولا تصير أم ولد، وعليه قيمة ولدها يوم سقوطه حيا
لمالك الرقبة، والمهر أيضا.
ولو وطئها مالك الرقبة، فلا حد، ولا تصير أم ولد، ولا مهر عليه، وليس
لمالك المنفعة تزويجها، وهل لمالك الرقبة ذلك؟ فيه نظر.
349

4770. الثامن والعشرون: إذا قتل العبد الموصى بخدمته، وجبت قيمته، وهل
يكون للمالك الرقبة خاصة، أو يشترى بها عبد يقوم مقامه؟ فيه إشكال.
4771. التاسع والعشرون: إذا أوصى لرجل بحب زرعه، ولآخر بتبنه
صح، والنفقة عليهما، ولو امتنع أحدهما منه، أجبر عليه على إشكال.
4772. الثلاثون: لو أوصى له بخاتم ولآخر بفصه، صح، ولا ينتفع أحدهما
إلا بإذن الآخر، وأيهما طلب قلع الفص أجبر الآخر الممتنع عليه.
ولو أوصى لرجل بدينار من غلة داره، وأجرته ديناران صح، فإن أراد
الورثة بيع النصف وإبقاء النصف الذي أجره دينار، كان له منعهم، ولو كانت الدار
لا تخرج من الثلث فلهم بيع ما زاد عليه، وعليهم ترك الثلث، فإن كانت غلته
دينارا أو أقل، فهو للموصى له، وإن كانت أكثر فله دينار، والباقي للورثة.
4773. الواحد والثلاثون: إذا أوصى بعبد من عبيده ولم يعين، تخير
الورثة في التعيين، ويجوز أن يعطوا صغيرا، أو كبيرا، صحيحا، أو معيبا، ولا
يكون له جزء مشاع من العبيد بنسبة العبد، فلو كان له عبدان فأوصى بعبد، كان
للورثة أن يعطوه واحدا منهما، ولا يكون الموصى له شريكا للورثة بالنصف، ولو
لم يكن له إلا واحد تعين للوصية، وكذا لو ماتوا ولم يبق إلا واحد.
ولو مات العبيد أجمع قبل موت الموصي، بطلت الوصية، وكذا لو قتلوا.
ولو ماتوا بعد موته بتفريط من الورثة، أو قتلهم قاتل، كان للورثة أن يعينوا له من
شاؤوا، ويجب عليهم أو على القاتل دفع قيمة من عينوه.
ولو ماتوا بعد موته بتفريط، بطلت الوصية، ولو قال: أوصيت لك بعبد من
350

عبيدي، ولا عبيد له، بطلت الوصية، ولو اشترى قبل موته عبيدا احتمل البطلان
لوقوعها باطلة، لأنها وصية بلا شئ، والصحة، كما لو أوصى بثلث عبيده وله
عبيد، ثم ملك آخرين، أما لو أوصى له بعبد من غير إضافة، فإنه يصح ويشترى
له عبد أي عبد كان.
ولو أوصى له بعبد، انطلق إلى الذكر، أما لو أوصى له بجارية أو أمة، كان له
أنثى، لا ذكر ولا خنثى.
ولو أوصى بواحد من رقيقه أو برأس، تخير الورثة بين إعطاء الذكر
والأنثى والخنثى.
4774. الثاني والثلاثون: إذا أوصى له بشاة من غنمه، فالحكم كما لو
أوصى بعبد من عبيده، ويقع على الضأن، والمعز، والصغير، والكبير، والأنثى،
والذكر، ولو أوصى بكبش، تناول الذكر الكبير من الضأن خاصة، والتيس على
الذكر الكبير من المعز.
وإن أوصى بعشرة من الغنم، تناول الذكور خاصة، والصغار، والكبار، ولو
أوصى بجمل اختص بذكر الإبل والناقة بالأنثى.
وإن قال: عشرة من الإبل تناول الذكور خاصة، ولو حذف الهاء (1) تناول
الإناث خاصة.
ولو قال: أعطوه بعيرا، اشترك بين الذكر والأنثى، وإن وصى بثور، فهو ذكر
البقر، والبقرة للأنثى.

1. أي من لفظة «العشرة».
351

والدابة واحدة من الخيل والبغال والحمير الذكر والأنثى، ولو قيد بقرينة،
انصرف إلى المقيد كقوله دابة يسهم لها [في الجهاد] انصرف إلى الخيل.
ولو قال: ينتفع بظهرها ونسلها، خرجت البغال والذكور.
وإن وصى بحمار فهو ذكر، والأتان للأنثى، والحصان للذكر من الخيل،
والفرس للذكر والأنثى، ويتخير الورثة في تعيين ما شاؤوا مما يقع عليه اسم
الوصية في ذلك كله، ولا يستحق الدابة سرجا ولا البعير رحلا.
4775. الثالث والثلاثون: إذا أوصى بعتق عبده، لزم الوارث إعتاقه، فإن
امتنع أجبره الحاكم إذا خرج من الثلث وإلا فبقدره، فإذا أعتقه الوارث أو الحاكم،
فهو حر من حين الإعتاق، وولاؤه للموصي، وكذا لو أوصى إلى غير
الوارث بعتقه.
4776. الرابع والثلاثون: إذا أوصى بعتق عبيده، وليس له غيرهم، أعتق
ثلثهم بالقرعة، ولو رتبهم أعتق الأول فالأول حتى يستوفى الثلث، وتبطل الوصية
في الزائد، ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده استخرج العدد بالقرعة،
وقيل يتخير الورثة بقدر ذلك العدد، والقرعة على استحباب، وهو أجود.
4777. الخامس والثلاثون: لو أوصى بعتق رقبة مؤمنة، وجب، فإن لم يجد
قيل، يعتق من لا يعرف بنصب، (1) ولو أعتق من ظن إيمانها ثم بان الخلاف،
أجزأت عن الموصي. (2)
4778. السادس والثلاثون: لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يوجد به،

1. القائل الشيخ الطوسي (قدس سره) في النهاية: 616.
2. وفي النهاية: «عن الوصي».
352

لم يجب الشراء، وتوقع الوجود، ولو وجده بأقل، اشترى وأعتق، ودفع الباقي
إلى الرقبة (1).
4779. السابع والثلاثون: لو أوصى بعتق أمته على أن لا تتزوج، ثم مات،
فقالت: لا أتزوج، عتقت، فإن تزوجت بعد ذلك لم يبطل عتقها، ولو أوصى بأم
ولده بألف على أن لا تتزوج، أو على أن تثبت (2) مع ولده ففعلت وأخذت الألف
ثم تزوجت وتركت ولده، احتمل بطلان الوصية وصحتها.
الفصل الرابع: في الوصايا المبهمة
وفيه ثمانية عشر بحثا:
4780. الأول: إذا أوصى بجزء من ماله، كان له السبع، وقيل: العشر (3)، ولو قال:
بسهم كان ثمنا، ولا يتخير الورثة في إعطاء ما شاؤوا، ولا يحكم له بأقل سهام
الوارث، ولو أوصى له بشئ، كان له سدسا.

1. لرواية سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن رجل أوصى أن تعتق عنه نسمة من ثلثه
بخمسمائة درهم، فاشترى بأقل من خمسمائة درهم وفضلت فضلة فما ترى في الفضلة؟
فقال: تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق، ثم تعتق عن الميت. الوسائل: 13 / 465، الباب
77 من كتاب الوصايا، الحديث 1.
2. في هامش «أ»: أو على أن تبيت.
3. ذهب إليه الشيخ في التهذيب: 9 / 210 في ذيل الحديث 831; والاستبصار: 4 / 133 في ذيل
الحديث 501، والمصنف في المختلف: 6 / 310.
353

4781. الثاني: لو أوصى بلفظ مجمل غير هذه، رجع في تفسيره إلى الوارث،
كما لو قال: أعطوه حظا من مالي، أو قسطا، أو نصيبا، أو قليلا، أو جليلا، أو
جزيلا، أو عظيما، أو خطيرا، بلا خلاف.
ولو قال: أعطوه كثيرا أعطي ثمانين درهما، ولو عين الموصى له شيئا،
وادعى أن الموصي قصده من هذه الألفاظ وادعى علم الوارث، كان عليه البينة،
وعلى الوارث اليمين على نفي العلم.
4782. الثالث: إذا قال: أعطوه مثل نصيب ابني، وله ابن لا غير، كان ذلك وصية
بالنصف، وقال مالك: إنه وصية بالجميع (1) وليس ببعيد من الأصول، لكن الأول
أقرب، فعلى ما قلناه إن أجاز الوارث اقتسما التركة بالسوية، وإن لم يجز كان
للموصى له الثلث، ولو كان له ابنان فأوصى لثالث بمثل نصيب أحدهما، كان
الموصى له بمنزلة ابن آخر، فيضاف إلى أولاده، فيكون له الثلث، وكذا لكل ابن،
ولا يفتقر إلى الإجازة، وعند مالك (2) يكون له النصف مع الإجازة.
ولو كان له ذكور وإناث، وأوصى بمثل نصيب أحدهم على التعيين، أعطي
مثل نصيبه، وإن كان من غير تعيين أعطي مثل نصيب أقلهم ميراثا، فلو كان له ابن
وأربع زوجات، كان له مثل نصيب زوجته، قال الشيخ (رحمه الله): تكون الفريضة من
اثنين وثلاثين، للموصى له سهم، ولكل زوجة سهم، وللابن سبعة وعشرون 3،
والحق أن الفريضة من ثلاثة وثلاثين، فللابن ثمانية وعشرون، ولو قال: مثل
نصيب ابني، كانت الفريضة من ستين، يأخذ الموصى له مثل الابن
ثمانية وعشرين.
ولو كان له بنت فأوصى بمثل نصيبها، كان وصية بالنصف، ولو كان له

1. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 449.
2. نقله عنه ابن قدامة في المغني: 6 / 449.
3. المبسوط: 4 / 6.
354

ابنتان، فأوصى بمثل نصيب إحداهما، فهو بالثلث، ولو كان ثلاث أخوات من أم
وإخوة ثلاثة من أب، فأوصى بمثل نصيب أحدهم من غير تعيين، كان له مثل
أقلهم، فله سهم من عشرة، ولكل أنثى سهم، ولكل ذكر سهمان، ولو كان له
زوجة وبنت، وقال: مثل نصيب بنتي، فأجاز الورثة، فالفريضة من خمسة عشر،
للزوجة سهم والباقي بينه وبين البنت.
4783. الرابع: إذا أوصى بنصيب وارث، احتمل البطلان والصحة، فتكون
وصيته بمثل النصيب.
4784. الخامس: قال أبو عبيد ابن سلام (1): الضعف: المثل، لقوله تعالى:
(يضاعف لها العذاب ضعفين) (2) أي مثلين، وقوله (فآتت أكلها ضعفين) (3) وإذا
كان الضعفان مثلين، فالواحد مثل، فإذا أوصى بضعف نصيب ابنه، كان له مثله
على ذلك، وقيل (4): مثلاه، لقوله تعالى: (ضعف الحياة وضعف الممات) (5) قال أبو
عبيدة بن المثنى (6): ضعف الشئ هو مثله، وضعفاه هو مثلاه (7).
4785. السادس: لو قال: أوصيت لك بضعفي نصيب ابني فله مثلا نصيبه، ولو
قال: ثلاثة أضعافه، فهو ثلاثة أمثاله على قول أبي عبيدة وعلى الآخر يكون له في

1. أبو عبيد قاسم بن سلام - بتشديد اللام - الفقيه البغدادي أخذ عن الكسائي والفراء، ولي
القضاء بطرسوس. مات سنة 224 ه‍. لاحظ طبقات الفقهاء: 102، وفيات الأعيان: 4 / 60.
2. الأحزاب: 30.
3. البقرة: 265.
4. القائل هو الشافعي، لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 450.
5. الإسراء: 75.
6. أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي البصري، أخذ عنه أبو عبيد والمازني وأبو حاتم، مات سنة
211 ه‍. لاحظ وفيات الأعيان: 5 / 235.
7. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 450 - 451.
355

الأول ثلاثة أمثاله، وفي الثاني أربعة أمثاله، قيل (1) في الأول أربعة أمثاله وفي الثاني
ستة أمثاله، وهو قول مرذول في استعمال العرب.
4786. السابع: لو أوصى بمثل نصيب من لا نصيب له، كالقاتل، والعبد،
والكافر، والمحجوب، فلا شئ.
4787. الثامن: لو أوصى لرجل بثلث، ولآخر بربع، ولآخر بخمس، ولآخر
بمثل وصية أحدهم، فله الخمس، ولو أوصى لواحد بعشرة، ولآخر بستة،
ولآخر بأربعة، ولآخر بمثل وصية أحدهم، كان له أربعة، ولو قال: فلان شريكهم،
فله خمس ما لكل واحد.
ولو أوصى لأحدهم بمائة، ولآخر بدار، ولآخر بعبد، ثم قال: فلان
شريكهم، قيل: كان له نصف ما لكل واحد منهم.
4788. التاسع: لو أوصى بمثل نصيب وارث مقدر، كأن يكون له ابنان،
فيوصى بمثل نصيب ثالث لو كان، فله الربع، ولو أوصى بمثل نصيب خامس لو
كان، فله السدس.
4789. العاشر: لو أوصى لثلاثة بمثل سهام بنيه الثلاثة، فالمال بينهم أسداسا
مع الإجازة، وإن لم يجيزوا فللموصى لهم ثلاثة من تسعة، ولو أجازوا لواحد
خاصة، فللمردود عليهما التسعان، وأما المجاز له فله السدس فيأخذ مخرج
السدس والتسع وهو ثمانية عشر ثم تضرب ثلاثة في ثمانية عشر تكون أربعة
وخمسين، للمجاز له تسعة، ولكل واحد من صاحبيه ستة، ولكل ابن أحد عشر،

1. القائل هو أبو ثور، لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 451.
356

وقال بعض الجمهور: يضم المجاز له إلى البنين، فتضرب في تسعة، تصير ستة
وثلاثين، للمجاز له سبعة، وكذا لكل ابن، وللآخرين ثمانية بينهما، فان أجازوا
بعد ذلك للآخرين تمم لكل واحد منهم سدس المال، فيصير المال أسداسا على
الأول، وعلى الوجه الثاني يضمون ما حصل لهم، وهو أحد وعشرون من ستة
وثلاثين إلى ما حصل لهما، وهو ثمانية، ويقسم بينهم على خمسة، فتضرب
خمسة في ستة وثلاثين تكون مائة وثمانين، ولو أجاز أحد البنين لهم دون
الآخرين، كان للمجيز ثلاثة من ثمانية عشر، وللآخرين ثمانية بينهما، تبقى
سبعة، ينكسر بضرب ثلاثة في ثمانية عشر، ولو أجاز واحد لواحد، دفع إليه ثلث
ما في يده من الفاضل، وهو ثلث سهم من ثمانية عشر.
4790. الحادي عشر: لو أوصى بثلث ماله لزيد، وأوصى بمثل نصيب
أحد ورثته، - وهم ثلاثة بنين - لعمرو، فإن أجازوا، أخذ زيد الثلث، وعمرو
السدس، وإن ردوا بطلت وصية عمرو (1)، ويحتمل مع الإجازة أن يكون لعمرو
الربع على بعد.
ولو أوصى لزيد بالنصف ولعمرو بمثل النصيب، احتمل الأمران مع
الإجازة، فيكون لعمرو الثمن على الأول، وهو الأقوى، والربع على الثاني،
ويحتمل ثالث، وهو أن يكون له السدس، لأن حق الورثة الثلثان لا ينقصون عنه (2)
إلا بالإجازة، وهي غير ثابتة في حق عمرو، فلا ينقص عن السدس إلا بإجازته،
وهو حسن.

1. أي وصيته لعمرو لتقدم الأولى وتأخر الثانية.
2. في «ب»: لا ينتقصون عنه.
357

ولو أوصى بالثلثين وأجازوا، فعلى الأول لزيد الثلثان، ولعمرو ربع الثلث،
وعلى الثاني الربع لعمرو، فللورثة حينئذ نصف السدس، وعلى الثالث
لعمرو السدس.
4791. الثاني عشر: لو أوصى لزيد بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة، ولعمرو
نصف الباقي وأجازوا، احتمل أن يعطى صاحب النصيب مثل نصيب الوارث إذا
لم تكن هناك وصية أخرى، فيكون له الربع، وللآخر نصف الباقي، فيصح من
ثمانية، ويحتمل أن يعطى مثل نصيبه من ثلثي المال، فله السدس، وللآخر نصف
الباقي، وتصح من ستة وثلاثين، ويحتمل أن يعطى مثل نصيبه بعد أخذ صاحب
الجزء وصيته، فيدخلها الدور، وطريقه: أن نأخذ مخرج النصف فنسقط منه
سهما، يبقى سهم هو النصيب، ثم نزيد على عدد البنين واحدا تصير أربعة،
نضربها في المخرج تصير ثمانية، ننقصها سهما، فيبقى سبعة، فهي المال،
للموصى له بالنصيب سهم، وللآخر ثلاثة، ولكل ابن سهم، أو نأخذ سهام البنين،
وهي ثلاثة، فنقول: هذه بقية مال ذهب نصفه، فإذا أردت تكميله تزيد مثلها ثم
تزيد مثل سهم ابن فتصح من سبعة.
ولو كانت الوصية الثانية بنصف ما يبقى من الثلث، أخذت مخرج النصف
والثلث، وهو ستة، تنقص منه سهما، تبقى خمسة هي النصيب، ثم تزيد واحدا
على سهام البنين يصير أربعة، تضربها في ستة تصير أربعة وعشرين تنقصها
ثلاثة يبقى أحد وعشرون، وهو المال، لصاحب النصيب خمسة، يبقى من الثلث
اثنان، تدفع منهما سهما، إلى الآخر، يبقى خمسة عشر لكل ابن خمسة، أو تأخذ
سهام البنين، وهي ثلاثة وتزيد عليها مثلها وسهما آخر وهو سهم ابن، تصير
سبعة، ثم تضربها في ثلاثة.
358

ولو أوصى لثالث بربع المال فخذ المخارج وهي اثنان وثلاثة وأربعة،
واضرب بعضها في بعض تبلغ أربعة وعشرين، وزد على عدد البنين واحدا
تصير أربعة، واضربها في أربعة وعشرين، تصير ستة وتسعين، فانقص منها
ضرب نصف سهم في أربعة وعشرين، وذلك اثنا عشر، يبقى أربعة وثمانون
فهي المال، ثم انقص من الأربعة والعشرين سدسها لأجل الوصية الثانية. وربعها
لأجل الوصية الثالثة، تبقى أربعة عشر، فهي النصيب، فادفعها إلى الموصى له
بالنصيب، ثم إلى الثاني نصف ما يبقى من الثلث، وهو سبعة، وإلى الثالث ربع
المال إحدى وعشرين، يبقى اثنان وأربعون لكل ابن أربعة عشر، أو يأخذ سهام
البنين وهي ثلاثة، وتزيد مثلها ومثل سهم ابن، تصير سبعة تضربها في ثلاثة
لأجل وصية الثلث، تبلغ إحدى وعشرين، تضربها في الأربعة لأجل وصية الربع،
تبلغ أربعة وثمانين.
[في الاستثناء]
4792. الثالث عشر: لو أوصى بمثل نصيب أحد بنيه الثلاثة إلا ربع المال،
فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليها سهما تكون خمسة، فهو النصيب وزد على
عدد البنين واحدا، واضربه في مخرج الكسر تصير ستة عشر، تدفع إلى
الموصى له خمسة وتستثني منه أربعة يبقى له سهم، ولكل ابن خمسة، أو
يخصص كل ابن بربع، ويقسم الربع الباقي بينه وبينهم أرباعا.
ولو قال: إلا ربع الباقي بعد النصيب، فزد على سهام البنين سهما وربعا،
واضربه في أربعة تصير سبعة عشر، للموصى له سهمان، ولكل ابن خمسة.
359

ولو قال: إلا ربع الباقي بعد الوصية، جعلت المخرج ثلاثة، وتزيد على
الثلاثة واحدا، هو النصيب، تصير أربعة، وتزيد على عدد البنين نصيبا وثلثا،
وتضربه في ثلاثة تكون ثلاثة عشر هو المال، للموصى له سهم، أو تقول: المال
كله ثلاثة أنصباء، ووصية، [والوصية] هي نصيب إلا ربع الباقي بعدها، وذلك
ثلاثة أرباع نصيب، بقي ربع نصيب، هو الوصية، فيكون المال كله ثلاثة وربعا
تبسطها إلى ثلاثة عشر.
ولو قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث، فخذ مخرج ثلث الثلث، وهو تسعة،
[و] زد عليها سهما تصير عشرة، فهي النصيب، وزد على سهام البنين سهما
وثلثا، واضرب ذلك في تسعة، تصير تسعة وثلاثين، للموصى له تسعة، ولكل
ابن عشرة.
ولو قال: إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية، جعلت المال ستة، وزدت
عليها سهما، فهذا هو النصيب، وزدت عليها أنصباء البنين سهما ونصفا، وضربته
في ستة، تصير سبعة وعشرين، دفعت إلى الموصى له سبعة، وأخذت منه
نصف باقي الثلث، بقى معه ستة، وبقي أحد وعشرون، لكل ابن سبعة، لأن
الثلث بعد الوصية، هو النصف بعد النصيب.
ولو قال: إلا خمس ما بقي من المال بعد النصيب، ولآخر بثلث ما يبقى
من المال بعد وصية الأول، فخذ الجميع خمسة وزد عليها خمسها، تصير ستة،
انقص منها ثلثها من أجل الوصية بالثلث، يبقى أربعة فهي النصيب، ثم خذ سهما
وزد عليه خمسه وانقص من ذلك ثلثه، تبقى أربعة أخماس، زدها أيضا على
[أنصباء] البنين واضربها في خمسة تصير تسعة عشر، فهي المال، ادفع إلى
الأول أربعة واستثن منه خمس الباقي ثلاثة يبقى معه سهم، وادفع إلى الآخر ثلث
الباقي ستة، يبقى اثنا عشر، لكل ابن أربعة.
360

4793. الرابع عشر: لو خلف أربعة بنين، وأوصى لرجل بثلث ماله إلا نصيب
أحدهم، أو أوصى له بتكملة الثلث على نصيب أحدهم، فله التسع، وطريقه أن
يدفع إلى الموصى له وابن ثلث المال، يبقى ثلثاه لثلاثة بنين، لكل واحد تسعان،
يبقى تسع للموصى له.
4794. الخامس عشر: إذا أوصى لواحد بسدس ماله، ولآخر بتمام الثلث، فهو
سدس أيضا، فإن رد الأول وصيته، فللآخر تمام الثلث لا الثلث كملا، ولو أوصى
للأول بالثلث، وللآخر بباقي الثلث، فلا شئ للآخر، سواء رضي الأول أو رد.
4795. السادس عشر: إذا أوصى بوصايا متعددة، فنسي الوصي (1) بابا منها، قال
الشيخ: يصرف في وجوه البر (2) وقال في جواب الحائريات (3): إذا نسي الوصي
جميع أبواب الوصية عاد ميراثا.
4796. السابع عشر: إذا أوصى له بسيف وعليه حلية، وهو في جفن، دخل
الجفن والحلية في الوصية، وكذا لو أوصى بسفينة فيها متاع، دخل المتاع فيها،
وكذا لو أوصى بجراب، أو صندوق، أو وعاء مختوم، دخل ما في الجراب
والصندوق والوعاء في الوصية، وذلك مأخوذ من الرواية (4) وفتوى الأصحاب (5).
4797. الثامن عشر: لو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته، لم يصح،
واحتمل البطلان في الجميع وفي ثلثي المال.

1. في «أ»: ونسي الوصي.
2. النهاية: 613.
3. المسائل الحائريات في ضمن الرسائل العشر: 297. هذا نصه: إذا نسي جميع أبواب الوصية،
ولم يكن هناك ما يرجع إليه فيتذكره، بطلت وصيته.
4. لاحظ الوسائل: 13 / 451 - 452، الباب 57 و 58 و 59 من كتاب الوصايا.
5. في «أ»: وقبول الأصحاب.
361

الفصل الخامس: في الموصى له
وفيه ثلاث وثلاثون بحثا:
4798. الأول: يشترط في الموصى له كونه ممن يتصور له الملك، فلا تصح
الوصية للمعدوم، وإن علقها بوجوده، ولا للميت، ولا لما تحمله المرأة، أو لمن
يوجد من أولاد فلان، ولو أوصى لمن يظن وجوده، فبان ميتا، لم تصح.
4799. الثاني: كما تصح الوصية للأجنبي فكذا تصح للوارث عندنا إجماعا،
سواء أجاز الورثة أو لم يجيزوا، ويخرج من الثلث كغيرها من الوصايا.
ولو أسقط عن وارثه دينا، أو أوصى بقضاء دينه، أو أسقطت المرأة
صداقها عن زوجها، أو عفا عن جناية يوجب المال، فهو كالوصية.
ولو عفا عن القصاص سقط إلى غير بدل، وكذا عن حد القذف.
ولو أوصى لغريم وارثه صحت الوصية، وكذا إن وهب له، أو أوصى لولد
وارثه، وإن قصد نفع الوارث.
ولو أوصى لكل وارث بشئ من ماله معين، كجارية قيمتها ضعف قيمة
العبد، ولا تركة غيرهما، فأوصى لابنه بها، ولابنته بالعبد، وقف على إجازة فيما
زاد على الثلث.
ولو أوصى لوارثه وأجنبي بثلثه، صح، سواء أجاز الورثة أو لا، وكذا لو
362

أوصى بشيئين لهما قيمتهما الثلث، ولو أوصى لهما بما زاد على الثلث، بطلت
في الزائد، فإن رتب، دخل النقص على الأخير، سواء كان أجنبيا أو وارثا، وإن
شرك دخل النقص عليهما بالسوية، ولا يختص به الوارث، ولو أجازوا وصية
أحدهما وأبطلوا وصية الآخر، صح فيما زاد على الثلث، ولو رتب الوصية
بالثلثين فأجازوا الثانية بشرط إبطال الأولى لم تصح الإجازة، وصحت الأولى
خاصة، ولو أوصى بالثلثين على الشريك، فأجازوا وصية الوارث ونصف وصية
الأجنبي، صح وكذا بالعكس، ولو أجازوا وصية أحدهما خاصة، ففي التشريك
بينهما في الثلث نظر.
4800. الثالث: إذا أوصى لوارثه بما يزيد على الثلث، وأجاز بعض
الورثة دون بعض، صحت من الأصل بالنسبة إلى المجيز ومن الثلث بالنسبة إلى
غيره، فلو خلف عبدا لا غير وثلاثة أولاد، فأوصى به لأحدهم، فأجاز واحد، فله
الثلث بالوصية، ونصيب المجيز، وهو ثلث الباقي، ونصيبه بالميراث، ويخلف
اثنان من تسعة لغير المجيز، ولو أجاز له نصف العبد، فله النصف خاصة والباقي
ميراث بينهم.
ولو أوصى به لاثنين، كان للثالث أن يجيز لهما أو يرد عليهما، أو يجيز
لهما بعض وصيتهما إن شاء متساويا ومتفاضلا، أو يرد على أحدهما
ويجيز للآخر.
4801. الرابع: لو قال: أوصيت لفلان بثلثي، فإن مات قبلي، فهو لفلان، صح،
وكذا [لو قال:] أوصيت به لفلان، فإن قدم فلان الغائب، فهو له، صح، فإن قدم
الغائب قبل موت الموصي، بطلت وصية الأول، سواء عاد إلى الغيبة أو لا، وإن
363

مات الموصي قبل قدومه، فهو للحاضر، سواء قدم بعد ذلك أو لا، ويحتمل
ثبوت الوصية لغائب مع قدومه بعد الموت أيضا.
ولو قال: هذا ثلثي لفلان، ويعطى زيد منه كل سنة مائة، صحت الوصية،
ويعطى زيد منه كل سنة مائة، فإن فضل شئ أعطي صاحب الثلث.
4802. الخامس: ينبغي أن يوصي لأقاربه الذين لا يرثون مع فقرهم إجماعا،
ولو أوصى لغيرهم، وتركهم صحت وصيته لمن أوصى له.
4803. السادس: إذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض عتق وورث،
سواء حمله الثلث أو لا، ولا يسعى في باقي الثلث، وكذا لو ملكه بعوض، فلو
وهب له ابنه وقيمته مائة، وخلف ابنا ومائتين، أخذ نصف التركة، ولو ملك من
ورثته من لا يعتق عليه فأعتقه في مرضه، كان وصية إن خرج من الثلث عتق وإلا
فبقدره، والأقرب أنه يرث بقدر الحرية أما لو أوصى بالعتق، فإنه لا يرث.
ولو وهب لإنسان أبوه، أو أوصى له به، استحب له قبوله ولم يجب.
4804. السابع: لو أوصى لوارث ثم صار غير وارث قبل الوفاة، صحت
الوصية إجماعا، وكذا بالعكس عندنا، كما لو أوصى لإخوته ثم صار له ولدا،
وكذا لو أوصى لأجنبية ثم تزوجها.
4805. الثامن: لا تصح الوصية للميت سواء علم أنه ميت أو لا، وليس لورثة
الميت شئ منها، فلو أوصى بثلثه لحي وميت كان للحي السدس، سواء علم
موت الميت أو جهله، وليس للحي كمال الوصية، وكذا لو قال: هو بينهما، وكذا
غير الميت ممن لا يصح تملكه (1) كالحائط وشبهه، ولو أوصى لحيين فرد
أحدهما، كان للآخر النصف إجماعا.

1. في «أ»: ملكه.
364

4806. التاسع: تصح الوصية للحمل إجماعا، فإن انفصل ميتا، بطلت
الوصية، ورجع المال ميراثا لورثة الموصي، سواء مات لعارض من ضرب، أو
شرب دواء، أو لغير عارض، وإن وضعته حيا صحت الوصية له إذا حكم بوجوده
حال الوصية، وذلك بأن يأتي لدون ستة أشهر منذ الوصية، وإن أتت به لعشرة
أشهر من حين الوصية، لم تصح، ولو جاء لما بينهما، وكانت خالية من زوج أو
مولى، صحت الوصية، وإلا فلا، لاحتمال توهم الحمل في حال الوصية
وتجدده بعدها.
ولو أوصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها، صحت الوصية له، ولو كان
منفيا باللعان أو الإنكار لم تصح الوصية له، لعدم نسبه المشروط في الوصية، ولو
كانت فراشا إلا أن الزوج لا يطأها لغيبوبته في بلد لا يمكن وصوله إليها في زمان
الحمل، أو كان أسيرا أو محبوسا، لم تصح الوصية، ولو أوصى لما تحمل هذه
المرأة لم تصح، بخلاف الوصية به.
4807. العاشر: إذا أوصى لحمل امرأة تولدت ذكرا وأنثى، تساويا فيها،
ولو فاضل بينهما جاز، ولو قال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران، وإن كانت فيها
جارية فلها دينار، فولدتهما معا، كان لكل منهما ما وصى له به، ولو قصر الثلث،
فالأقرب دخول النقص على الأخير، ولو ولدت أحدهما خاصة فله وصيته،
ولو كانا ذكرين، احتمل التوزيع وتخير الورثة في التعيين واتفاقه حتى يصطلحا
بعد البلوغ.
ولو قال: إن كان حملها، أو كان ما في بطنها، أو الذي في بطنها، أو جميع ما
في بطنها، ذكرا فله ديناران، وإن كان أنثى فدينار، فولدت أحدهما منفردا، فله
وصيته وإن ولدتهما، فلا شئ لهما.
365

4808. الحادي عشر: تصح الوصية لذمي وإن كان أجنبيا، ومنع بعض علمائنا
من الأجنبي (1) وبعضهم من القريب أيضا (2) أما الحربي فالأقرب أنه لا تصح
الوصية له، وتصح وصية الذمي لمثله وللمسلم، وإنما تصح وصية المسلم للذمي
وبالعكس فيما تصح به وصية المسلم للمسلم.
والمرتد إن كان عن فطرة لم تصح الوصية له، لأنه ليس أهلا للملك، وإن
كان عن غير فطرة فقولان.
ولو أوصى لكافر بمصحف أو عبد مسلم، فالأقرب البطلان، ولو أوصى
له بعبد كافر فأسلم قبل موت الموصي، بطلت الوصية، وكذا بعده قبل القبول،
ولو كان بعد الوفاة والقبول، صحت وبيع عليه من مسلم.
4809. الثاني عشر: لو أوصى المسلم لأهل قريته، أو قرابته بعام يدخل فيه
المسلم والكافر، تناولت الوصية المسلمين (3) خاصة، ولو صرح بهم دخلوا على
أحد القولين، وكذا لو كان أهل القرية كلهم كفارا، ولو كان فيهم مسلم واحد
فالأقرب دخول الكفار إن سوغنا الوصية لهم، ولو كان أكثرهم كفارا يخصص بها
المسلمون، وكذا البحث في ألفاظ العموم كإخوته وأعمامه واليتامى والفقراء.
ولو أوصى الكافر تناولت الوصية أهل دينه، ويدخل في وصيته
المسلمون إن وجدت القرينة، وإلا فإشكال، ولو كان في القرية كافر من غير دين
أهل الموصي، لم يدخل في وصيته على إشكال.

1. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4 / 4.
2. وهو خيرة القاضي ابن البراج في المهذب: 2 / 106.
3. في «ب»: للمسلمين.
366

4810. الثالث عشر: لا تصح الوصية لعبد غيره ولا مكاتبه المشروط أو الذي
لم يؤد من كتابته (1) شيئا ولا مدبره ولا لأم ولده، سواء أجاز مولاه أو لم يجز، ولا
لعبد واراه وإن أجاز الورثة، وسواء كان قليلا أو كثيرا، وتصح الوصية لعبده
ومدبره ومكاتبه وأم ولده، وإن أوصى لأحد هؤلاء بجزء مشاع، كثلث تركته أو
ربعها، صحت الوصية، واعتبر القدر الموصى به بعد خروجه من الثلث، فإن كان
بقدر قيمته أعتق وكان الموصى به للورثة، وإن قصرت قيمته أعتق
وأعطي الفاضل، وإن كانت أكثر، أعتق منه بقدر الوصية ويستسعى للورثة فيما
بقى، قال الشيخ: لو بلغت قيمته ضعف الوصية بطلت. (2) وليس بمعتمد.
ولو أوصى له بمعين من ماله، كثوب، أو دار، أو مائة درهم، صحت
الوصية أيضا، وكان الحكم ما تقدم من اعتباره مع القيمة.
وإذا أوصى له برقبته، احتمل الصحة، ويعتق من الثلث، كالتدبير،
والبطلان لأنه لا يملك رقبته.
4811. الرابع عشر: إذا أوصى بعتق عبده، وعليه دين، قال الشيخ: إن كانت
قيمة العبد ضعف الدين أعتق العبد ويستسعى في خمسة أسداس قيمته: ثلاثة
للديان، وسهمان للورثة، وإن كانت قيمته أقل من الضعف بطلت الوصية (3).

1. في «أ»: من مكاتبة.
2. النهاية: 610.
3. النهاية: 610. قال المفيد في المقنعة: 676: إذا كان على الإنسان دين ولم يخلف إلا عبدا أو
عبيدا، فأعتقهم عند الموت، نظر في قيمة العبد أو العبيد وما عليه من الدين، فإن كان أكثر من
قيمة العبيد بطل العتق وبيع العبيد وتحاص الغرماء بثمنهم... فإن كانت قيمة العبيد ضعف
الدين كان للغرماء النصف منهم، وللورثة الثلث، وعتق منهم السدس، كن لصاحبهم الثلث من
تركته يصنع به ما يشاء، فوصيته نافذة في ثلث ما يملكه وهو السدس، بهذا جاء الأثر عن آل
محمد (عليهم السلام).
367

والوجه تقديم الدين على الوصية، فإن فضل بعده شئ عتق من الثلث، وكان
الباقي للورثة.
ولو أوصى بعتق أمته على أن لا تتزوج، فامتنعت من التزويج بعد الوفاة،
عتقت، وإن تزوجت بعد العتق لم تعد في الرق.
ولو أوصى لأم ولده بألف على أن لا تتزوج، ففعلت وأخذت الألف، ثم
تزوجت، احتمل بطلان الوصية، لفوات الشرط، بخلاف العتق الذي لا يمكن
رفعه، (1) وعدمه، لصحة الوصية أولا، فلا تبطل بالمتجدد كالأولى.
4812. الخامس عشر: إذا أوصى لمكاتب غيره المطلق، وقد أدى من كتابته
شيئا، كان له من الوصية بقدر ما عتق منه، وبطلت بقدر الرقية.
ولو أوصى لأم ولده، صحت الوصية من الثلث، وهل تعتق من الوصية أو
من نصيب الولد؟ قيل: بالأول (2) لترتب الميراث على الوصية، وقيل: بالثاني فتعتق
من النصيب وتأخذ ما أوصى لها به (3) والأقرب الأول.
4813. السادس عشر: تصح الوصية للقاتل، سواء كان عمدا أو خطأ،
وسواء وصى له بعد جرحه أو قبله، وكذا لو دبر عبده بعد جرحه إياه، فإنه يصح
تدبيره، أو دبر عبده ثم قتل سيده.
4814. السابع عشر: لو أوصى للدابة لم تصح، ولا يكون لمالكها شئ
من الوصية، ولا فرق بين دابته وبين دابة غيره، ولا بين أن يطلق أو يقصد

1. في «أ»: دفعه.
2. اختاره الحلي في السرائر: 3 / 200.
3. وهو خيرة الشيخ الطوسي (قدس سره) في النهاية: 611.
368

التمليك، ولو فسر بالتصرف في علفها، صح، ويفتقر في ذلك إلى قبول المالك،
ومع القبول يصرف إلى ما عينه الموصي، وهل للمالك التصرف فيه بغيره؟ فيه
نظر، وكذا لو أوصى للعبد على هذا الوجه، وعندي في ذلك كله نظر.
4815. الثامن عشر: إذا أوصى لكل وارث بقدر حصته، فهو لغو، وإن خصص
كل واحد بعين هي قدر حصته، افتقر إلى الإجازة، ولو أوصى بأن يباع عين ماله
من إنسان، افتقر فيما زاد على الثلث إلى الإجازة، ولو باع في مرض الموت عين
ماله بثمن المثل نفذ.
4816. التاسع عشر: هل يشترط في الموصى له التعيين؟ فيه نظر، ولو أوصى
لأحدهما بشئ، ومات قبل التعيين، وقلنا بالاشتراط، بطل، وإلا احتمل التوزيع
وتخيير الورثة في التعيين، واتفاقه حتى يصطلحا.
4817. العشرون: لو أوصى أن يشترى عبد زيد بخمسمائة فيعتق، فتعذر
شراؤه، إما لامتناع سيده من بيعه بالمعين، أو لموته، أو لعجز الثلث من الثمن،
فالثمن للورثة، ولا يلزمهم شراء غيره، فلو اشتروه بأقل، فالوجه صرف الباقي
إلى العبد لا إلى الورثة، ولا إلى السيد، على إشكال، ولا في العتق، ولو وجد منه
ما يدل على صرف الفاضل إلى السيد صريحا أو تعريضا، صرف إلى السيد قطعا.
ولو أوصى أن يشترى عبد بألف فيعتق عنه، فقصر الثلث عنه، فالأقرب
أنه يشترى عبد بما يخرج من الثلث، ولا تبطل الوصية، ولو احتمله الثلث،
فاشترى وأعتق ثم ظهر دين مستوعب، بطلت الوصية، ورد العبد في الرق إن كان
الشراء بالعين، وإن كان في الذمة صح العتق عن الموصي، ويغرم المشتري
الثمن، ولا يرجع به على البائع، لأن التغرير من الموصي، ولا على الموصي لأنه
369

لا تركة له، ولو قيل: بأنه يشارك الغرماء في التركة، لأن الثمن لزمه بتغرير
الموصي احتمل.
ولو أوصى بشراء عبد وأطلق، أو ببيع عبد وأطلق، بطلت الوصية، ولو
أوصى ببيعه بشرط العتق صح، وبيع كذلك، فإن تعذر مشتر بالشرط، بطلت
الوصية، ولو أوصى ببيعه لشخص معين بثمن معلوم، صحت الوصية، ولو لم
يسم ثمنا بيع بالقيمة، فان امتنع من شرائه أو تعذر، بطلت الوصية.
4818. الواحد والعشرون: إطلاق الوصية يقتضي التسوية، فإذا أوصى لأولاده
وهم ذكور وإناث تساووا، وكذا لإخوته وأخواته وأعمامه
وعماته وغيرهم.
ولو أوصى للعمومة دخل العمات دون العكس، وكذا الخؤولة والخالات،
ولو أوصى لأخواته، فهو للإناث خاصة.
ولو أوصى لإخوته، دخل فيه الذكر والأنثى.
ولو أوصى لبنيه، لم تدخل البنات وبالعكس، ولو أوصى لأعمامه
وأخواله، تساووا أيضا، وقول الشيخ في النهاية يقسم أثلاثا (1)، مطرح.
ولو أوصى لبني فلان فهو للذكور إلا في القبيلة، فتدخل الإناث والخناثى
أيضا عرفا.
ولو قال: لأولاده، دخل فيه الذكور والإناث والخناثى على السواء إلا
ان يفصل.

1. النهاية: 614.
370

ولو أوصى لبنات فلان، فهو للإناث خاصة دون الذكور والخناثى.
4819. الثاني والعشرون: إذا أوصى لأقاربه، أو أقارب فلان استوى الذكور
والإناث، وأعطي كل من صدق عليه اسم القريب عرفا، سواء كان وارثا أو غير
وارث، وهو أحد قولي الشيخ (1) وفي الآخر: يعطى لكل من يتقرب إليه إلى آخر
أب وأم له في الإسلام (2) وهو اختيار المفيد (3) ويسوي (4) بين القريب والبعيد،
والصغير والكبير، والذكر والأنثى، الغني والفقير، ويدخل فيه القرابة من قبل الأم
كالأخوال والإخوة للأم، سواء كان الموصي عربيا أو عجميا، ولا يختص
بالأقرب فالأقرب، ولا بذي الرحم المحرم.
ولو أوصى لأقرب الناس إليه أو أقرب قرابته، أو أقربهم إليه رحما،
اختص بالأقرب، ومنع الأبعد مع وجوده، ونزل على الميراث فيشترك الآباء و
الأولاد، فإن فقدوا فالأجداد والإخوة، فإن فقدوا فالأعمام والأخوال على
مراتب الإرث.
ولو أوصى لجماعة من أقرب الناس إليه، أعطي ثلاثة نفر من الأقرب فما
زاد، ولو لم يوجد من الطبقة الأولى سوى واحد أو اثنين، ففي تشريك الطبقة
الثانية نظر.
4820. الثالث والعشرون: إذا أوصى لأهل بيته، دخل الأولاد والآباء والأجداد،
وحكمه حكم القرابة، ولو أوصى لعترته قال الشيخ: كان ذلك في ذريته الذين
هم أولاده وأولاد أولاده (5).

1. اختاره في الخلاف: 4 / 150، المسألة 24 من كتاب الوصايا; والمبسوط: 4 / 40.
2. ذهب إليه في النهاية: 614.
3. المقنعة: 675.
4. في «أ»: ويستوي.
5. الخلاف: 4 / 157، المسألة 33 من كتاب الوصايا.
371

ولو أوصى لآله، فهو لقرابته أيضا، وكذا العشيرة.
ولوا أوصى لجيرانه كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا، وقيل: (1) إلى
أربعين دارا، ولا يختص بالملاصق (2).
ولو أوصى لأهل دربه (3) أو سكته فهو لأهل محلته.
4821. الرابع والعشرون: إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق، فهو لهم، وإن
كانوا من أسفل فكذلك، ولو اجتمعوا قيل: اشتركوا، والأقرب البطلان، ولا شئ
لابن العم، ولا الناصر، ولا الحليف، ولا الجار، ولا يستحق موالي أبيه شيئا، سواء
كان له مولى أو لم يكن على إشكال في العدم، وهل يدخل في الوصية لمواليه
مدبره وأم ولده؟ الأقرب دخول المدبر دون أم الولد.
4822. الخامس والعشرون: إذا أوصى لمستحقي (4) الزكاة، كان للأصناف
الثمانية المذكورة في القرآن، 5 وينبغي أن يجعل لكل صنف ثمن الوصية،
والأقرب الوجوب في ذلك، ويجوز الاقتصار من كل صنف على واحد، ولا
يجب إعطاء ثلاثة من كل صنف ولا اثنين، والأقرب أنه لا يجب الاقتصار به على
أهل بلده.
ولو أوصى للفقراء دخل المساكين وبالعكس، ويستحب تعميم من أمكن

1. القائل أحمد بن حنبل والشافعي والأوزاعي، لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 556.
2. هذا ناظر إلى رد ما قاله أبو حنيفة حيث خص الجار بالملاصق. لاحظ المغني لابن
قدامة: 6 / 556.
3. في مجمع البحرين: الدرب معروف وأصله المدخل بين جبلين.
4. في «أ»: لمستحق.
5. التوبة: 60.
372

منهم، والدفع إليهم على قدر الحاجة، ولا يملك أحدهم شيئا إلا بالإقباض.
ولو أوصى بعبده للفقراء وكان أب العبد فقيرا لم يعتق عليه منه شئ.
ولو أوصى في سبيل الله صرف في كل ما يتقرب به إلى الله تعالى، كمعونة
المجاهدين، والحاج، والزوار، وبناء المساجد والقناطر، وتكفين الموتى وغير
ذلك من القربات، هذا أجود قولي الشيخ (1) ولا يختص بالحج ولا المجاهدين
خلافا للشيخ (2).
ولو أوصى المسلم للفقراء، انصرف إلى فقراء المسلمين، وكذا الكافر إذا
أوصى للفقراء، انصرف إلى فقراء ملته.
4823. السادس والعشرون: إذا أوصى بثلثه لزيد والفقراء، كان لزيد
النصف، وقيل: الربع، والأقرب، الأول، ولو كان زيد فقيرا لم يدفع إليه من سهم
الفقراء شئ، ولو ضم إلى زيد قوما منحصرين، كإخوته، احتمل أن يكون
كالأول، وأن يكون زيد كأحدهم.
4824. السابع والعشرون: إذا أوصى بشراء رقاب وعتقهم، لم يجز
صرفه إلى المكاتبين، فإن اتسع الثلث لثلاثة، لم يجز الاقتصار على الأقل، ولو
أمكن أن يشترى به أزيد من ثلاثة، كان أولى من شراء ثلاثة غالية، ولو أوصى
بثلث ماله في الرقاب صرف إلى المكاتبين والعبيد يشترون ويعتقون، ولا
يختص بالمكاتبين ولا بالعبيد.

1. اختاره في النهاية: 613.
2. قال في الخلاف: 4 / 148: إذا أوصى بثلث ماله في سبيل الله فسبيل الله هم الغزاة المطوعة
دون المترصدين للقتال. (المسألة 20 من كتاب الوصايا).
373

ولو أوصى أن يشترى بثلث ماله عبيد ويعتقوا اشتري ثلاثة، فإن وجد
اثنان وبعض الثالث خاصة، قال الشيخ: يشترى اثنان ويعتقان ويعطيان الفاضل (1)
ولو قيل: بشراء بعض الثالث، كان وجها.
4825. الثامن والعشرون: إذا قال: اعطوا فلانا كذا، ولم يبين ما يعمل به
فلان، صرف إليه يعمل به ما شاء.
4826. التاسع والعشرون: إذا أوصى بثلثه في البر، صرف في كل ما
يتقرب به إلى الله تعالى، كإصلاح طريق، وفك أسير، وإعتاق رقبة، ولا تجب
قسمته أثلاثا في الغزو وصدقة القرابة والحج.
ولو قال: ضع ثلثي حيث يريد الله، جاز صرفه أيضا في كل قربة، ولا
يختص بالفقراء والمساكين.
ولو أوصى بفرس في سبيل الله وألف درهم ينفق عليه، فمات الفرس،
فالأقرب عود الألف إلى الورثة، وإن أنفق البعض ثم ماتت، عاد الباقي إلى الورثة.
4827. الثلاثون: إذا قال: يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر، صحت الوصية
بالخدمة والحرية، فإن قال الموصى له بالخدمة: لا أقبل، أو قد وهبت الخدمة له،
فالأقرب أنه لا يقع العتق في الحال بل بعد السنة.
4828. الواحد والثلاثون: إذا مات الموصى له قبل الموصي، فإن رجع
الموصي، بطلت الوصية إجماعا، وإن مات ولم يرجع، قيل: بطلت أيضا، وقيل:
يكون الموصى به لورثة الموصى له، فإن لم يخلف أحدا كان لورثة الموصي (2)
وهو الأقوى.

1. الخلاف: 4 / 145، المسألة 16، من كتاب الوصايا.
2. ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: 677، ولاحظ الأقوال حول المسألة في
المختلف: 6 / 364.
374

4829. الثاني والثلاثون: إذا أوصى لواحد بنصف ماله، وللآخر بالثلث، ولآخر
بالربع، ولم يجز الورثة، أعطي الأول الثلث، وسقط الآخران، ولو نسي المبدأ به،
استعمل القرعة، فإن فضل كان لمن يليه بالقرعة.
ولو أوصى لرجل بجميع ماله، ولآخر بالثلث، وأجازت الورثة، أخذ الأول
الجميع، وسقط الآخر، وان بدأ بصاحب الثلث، وأجازوا، أخذ الثلث، والثلثان
لصاحب الكل، ولو اشتبها أقرع، وإن لم يجز الورثة فإن بدأ بصاحب الثلث،
سقط صاحب الكل، وان بدأ بصاحب الكل، أخذ الثلث، وسقط صاحب الثلث،
ولو اشتبه أقرع.
4830. الثالث والثلاثون: إذا أوصى للقراء، كان لمن يحفظ جميع القرآن،
فإن لم يحفظ عن ظهر القلب، فالأقرب الحرمان.
ولو أوصى للعلماء أعطي العالم بعلوم الشرع، فيدخل فيه الفقه، والتفسير،
والحديث، ولا يدخل فيه سامع الحديث فقط إذا لم تكن له معرفة بالطريق.
ولو أوصى لقبيلة عظيمة، كالعلويين، والهاشميين، صح وأعطي الموجود
في بلد الوصية، ولا يجب الاستيعاب، ولا التسوية، ويدخل الذكر والأنثى إن
كان اللفظ يشملهما (1) كالأولاد، والذرية، والعالمين، وإلا اختص بالذكور إن لم
يتناول الإناث، كالبنين، والذكور، والرجال، والغلمان، أو بالإناث إن لم يتناول
الذكور، كالنساء، والبنات، والمسلمات، وإن وضع للذكور أمكن دخول الإناث
مع الاجتماع، كالمسلمين، والعلويين، فالأقرب دخول الإناث على إشكال.
والأرامل النساء اللاتي فارقن أزواجهن بموت أو غيره.

1. في «أ»: يشتملهما.
375

والأيامى جمع أيم، وهي المرأة الخالية من البعل، والعزاب الذين لا
أزواج لهم، وهو مشترك بين الذكور والإناث، وكذا يشترك بينهما الثيب والبكر،
وأقل ما يجب في كل جنس ثلاثة.
أما لو أوصى لثلاثة معينين، فإنه يجب التسوية بينهم.
ولو أوصى لزيد ولجبرئيل (عليه السلام) صح لزيد النصف، وبطل في حق
جبرئيل (عليه السلام)، وكذا لو قال: لزيد وللريح، ولو قال: لزيد ولله تعالى، احتمل أن
يكون النصف لزيد والباقي لغو، وأن يكون الباقي للفقراء.
ولو أوصى بثلث ماله لمفاداة أسارى المشركين من أيدي المسلمين،
صح كما يصح العكس.
ولو أوصى لأعقل الناس، قال الشافعي: يصرف إلى الأزهد (1).
الفصل السادس: في الأوصياء
وفيه ثلاثة وعشرون بحثا:
4831. الأول: يشترط في الوصي العقل، فلا تصح الوصية إلى المجنون ولا
السفيه، ولو طرأ الجنون على الوصي بطلت وصيته، ولو كان الجنون يعتوره
أدوارا، ففي صحة الوصية إليه نظر.

1. لاحظ التهذيب في فقه الشافعي للبغوي: 5 / 80.
376

4832. الثاني: يشترط في الوصي المنفرد البلوغ، فلا تصح الوصية إلى الطفل
المنفرد، سواء كان عاقلا أو لا، ويجوز أن يوصي إليه منضما إلى البالغ العاقل.
4833. الثالث: يشترط في وصي المسلم الإسلام، فلا تصح وصية المسلم إلى
الكافر، سواء كان حربيا أو ذميا، وسواء كان ذا رحم، أو أجنبيا، ولو أوصى إليه
مثله صح، ولا تشترط عدالته في دينه، وتصح وصية الكافر إلى المسلم إلا أن
تكون التركة خمرا أو خنزيرا.
4834. الرابع: اختيار الشيخ (1) أن العدالة شرط فلا تصح الوصية إلى الفاسق
وإن كان مؤمنا، ومنعه ابن إدريس (2) وعندي فيه نظر.
ولو أوصى إلى عدل ففسق بعد موت الموصي، عزله الحاكم
واستناب غيره.
4835. الخامس: تصح الوصية إلى المملوك إن أذن له مولاه، وإلا فلا، وكذا
المدبر، والمكاتب، والمعتق بعضه، وأم الولد، ولو أوصى إلى عبد نفسه، أو
مدبره أو مكاتبه، أو أم ولده، قال الشيخ: لا تصح وإن لم يكن في الورثة رشيد (3)
وجوز المفيد (رحمه الله) الوصية إلى المدبر والمكاتب (4).
4836. السادس: هذه الصفات المعتبرة في الوصي، قيل: يشترط
تحققها حالة الوصية، وقيل: حين الوفاة والوصية، وقيل: في المدة بأجمعها،
وقوى الشيخ (5) وابن إدريس (6) الأوسط، فلو أوصى إلى صبي، أو عبد، أو

1. المبسوط: 4 / 51.
2. السرائر: 3 / 189.
3. المبسوط: 4 / 51.
4. المقنعة: 668.
5. المبسوط: 4 / 52.
6. السرائر: 3 / 189.
377

مجنون، ثم مات بعد زوال الأوصاف، صح عند من يعتبر الشروط حال الوفاة.
ولو أوصى إلى عاقل فجن ثم مات بعد زوال جنونه، صح على القولين
الأولين دون الأخير، ولو جن أو فسق بعد الموت، بطلت وصيته، فإن عاد عقله
أو تاب لم تعد وصيته.
4837. السابع: تصح الوصية إلى المرأة، والأعمى، مع وجود الشرائط،
وإلى العدل العاجز، ويضم الحاكم إليه أمينا يعينه، ويكون الأول هو الوصي دون
المعين، وكذا لو أوصى إلى عدل فتجدد العجز، فإن الحاكم يضم إليه ثقة، وليس
للحاكم نزع يد العدل في الموضعين.
4838. الثامن: يجوز أن يوصي إلى اثنين فما زاد، فإن شرط الاجتماع أو
أطلق، لم يكن لأحدهما الانفراد عن صاحبه بشئ من التصرف، ولو تشاحا لم
ينفذ تصرف أحدهما منفردا، إلا ما يحتاج إليه من الكسوة وشبهها، ويجبرهما
الحاكم على الاجتماع، فإن تعذر استبدل بهما، وليس لهما المقاسمة للمال، ولو
تغيرت حال أحدهما بموت أو فسق، لم يتصرف الآخر بانفراده، ويضم الحاكم
معه أمينا، وهل يجوز للحاكم جعل الولاية له بأجمعها؟ فيه وجهان، ولو عجز،
ضم الحاكم إليه من يعينه على التصرف، ولو تغيرت حالهما معا بفسق، أو
موت، أو جنون، أقام الحاكم عوضهما اثنين، وهل له أن يقيم واحدا؟
فيه وجهان.
ولو سوغ لهما التصرف منفردين، جاز لكل منهما أن يتصرف في جميع
المال، وينفذ تصرفه، وإن لم يداخله الآخر، ولو اقتسما المال، وتصرف كل
منهما في بعضه جاز.
378

ولو تغيرت حال أحدهما بعجز، ضم الحاكم معه أمينا، ولو كان بفسق، أو
موت، كانت الولاية بأجمعها للثاني، ولا يضم إليه الحاكم غيره.
4839. التاسع: يجوز أن يوصي إلى واحد في شئ بعينه، وإلى آخر
في غيره، ولا يشارك أحدهما الآخر، وإذا أوصى إليه في شئ لم يصر وصيا
في غيره.
ولو قال: قد أوصيت إلى زيد، فإن مات، فقد أوصيت إلى عمرو، صح،
ويكون كل منهما وصيا، إلا أن وصية عمرو (1) موقوفة على موت زيد، وكذا لو
قال: أوصيت إلى زيد، فإن كبر ابني، أو تاب من فسقه، أو اشتغل بالعلم، فهو
وصيي، صح.
ولو أوصى إلى زيد، ثم أوصى إلى عمرو، وقبلا معا، كانا شريكين، ولم
ينفرد أحدهما بالتصرف، ولو قبل أحدهما دون الآخر، انفرد بالتصرف، ولو
أوصى إلى زيد، ثم قال: ضممت عمرا إليك، فقبل عمرو دون زيد، لم يكن
لعمرو الانفراد إلا أن يضم الحاكم إليه أمينا.
4840. العاشر: إذا أوصى إلى اثنين أحدهما صغير، تصرف الكبير إلى
حين بلوغه، وليس للصغير التصرف قبل البلوغ، ولا نقض شئ مما فعله الكبير
قبل البلوغ بعده، إذا لم يخالف المشروع، ولا للكبير التصرف منفردا بعد البلوغ،
ولو مات الصبي أو بلغ فاسد العقل، انفرد الكبير بالوصية، ولم يداخله الحاكم.
4841. الحادي عشر: إذا أوصى إلى غيره، لم يجب على الغير القبول، وله

1. في «أ»: وصيته.
379

الرد في حياة الموصي وبعده، وقيل (1): لم يكن له الرد بعد موت الموصي،
ويجوز في حياته بشرط أن يعلم الرد، فإن لم يعلم حتى مات، لم يصح الرد
ووجب على الوصي القيام بها، فإن امتنع أجبره الحاكم على ذلك.
ولا يشترط في القبول وقوعه في حياة الموصي، فلو أوصى إلى غيره، ولم
يقبل حتى مات، صح القبول، ولزمته الوصية.
4842. الثاني عشر: إذا أوصى إلى الثقة، فظهرت (فيه) (2) الخيانة بعد
الموت، عزله الحاكم وأقام غيره، ولو عاد أمينا، لم تعد ولايته ولو ظهر منه عجز
ضم إليه الحاكم من يساعده ولا يجوز له إخراج يده عن الوصية.
ولو أوصى إلى الخائن، فالأقرب، البطلان، وكان بمنزلة من لا وصي له،
ولو قيل بالجواز وضم أمين إليه، إن أمكن الحفظ وإلا فلا، كان وجها.
4843. الثالث عشر: الوصية إن كانت بالمال بأن جعل له التصرف بعد موته
فيما كان له التصرف من قضاء ديونه واستيفائها، ورد الودائع وأخذها، وتفرقة
أمواله، اشترط في الموصي أهلية التصرف في المال، وهو العقل، والبلوغ،
والحرية، وزوال المانع من الفلس والسفه، فليس للمجنون ولا السفيه ولا الصبي
ولا العبد ولا المحجور عليه للفلس، الوصية بالمال إلا في رواية لنا دالة على
جواز وصية من بلغ عشرا في المعروف (3) وتصح وصية من عدا هؤلاء ذكرا أو

1. في «أ»: «ولو قيل» والصحيح ما في المتن. لاحظ المبسوط: 4 / 37; والخلاف: 4 / 148،
المسألة 21 من كتاب الوصايا (ونقل الشيخ الطوسي (قدس سره) أقوال العامة في المسألة).
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
3. لاحظ الوسائل: 13 / 428، الباب 44 من كتاب الوصايا، الحديث 4 و 6.
380

امرأة، وإن كانت بالولاية بأن جعله قيما على أولاده، اشترط في الموصي الولاية
عليهم، فيجوز للأب والجد للأب الوصية على الأصاغر، ولا تصح ممن عداهما
كالأخ والعم وغيرهما.
ولو أوصى أحد هؤلاء بالنظر في المال الذي تركه لهم لم يصح له
التصرف، ولا في الثلث وكانت الولاية للورثة مع بلوغهم وللحاكم مع صغرهم.
ولو أوصى في إخراج حق، أو تفرقة ثلثه جاز، ولو أوصى الأب على
أولاده الأصاغر وله أب، كانت الولاية بعده للجد دون الوصي، أما لو أوصى
بالولاية في تفرقة ثلثه فإنه يصح من غير مداخلة الجد.
4844. الرابع عشر: إذا كان في الورثة صغير وكبير، فاحتاج الصغير إلى
بيع شئ من التركة، كان للوصي بيع نصيب الصغير دون نصيب الكبير إلا بإذنه،
وإن كان بيع الجميع أوفق بهما، وكذا لو أوصى إليه بتفرقة ثلثه، وكان بيع الجميع
أولى، لم يكن له البيع إلا بإذن الوارث.
4845. الخامس عشر: الوصي أمين لا يضمن ما يتلف في يده إلا بالتفريط
أو التعدي، فلو أوصى إليه بقضاء الدين أو تفرقة المال وأخر مع المكنة، ضمن
مع التلف.
4846. السادس عشر: يجوز للوصي أن يستوفي مما في يده ما يستحقه
من دين وغيره من غير إذن الحاكم إذا لم تكن له حجة، وهل له ذلك مع الحجة؟
الأقرب، نعم، وفي جواز شرائه من مال اليتيم لنفسه من نفسه إشكال، الأقرب
جوازه، ولا يشترط شراؤه بأكثر من ثمن المثل.
381

ولو قال له الموصي: جعلت لك أن تضع مالي حيث شئت وفيمن شئت،
أو حيث رأيت، كان الخيار إليه في صرفه إلى من شاء، وهل يجوز له صرفه إلى
نفسه؟ فيه إشكال.
4847. السابع عشر: إذا شهد الوصي على الأطفال بمال أو على الميت، قبلت
شهادته، وإن شهد لهم لم تقبل إلا أن يكون الورثة كبارا، وتكون الوصية تخرج
من الثلث من دون الشهادة.
4848. الثامن عشر: إذا أذن الموصي للوصي أن يوصي، جاز إجماعا، وإن
لم يأذن [أ] و منعه لم يكن له ذلك قطعا، وإن لم يمنعه فقولان، أقربهما أنه ليس
له أن يوصي، وتكون الولاية بعده إلى الحاكم، وإن أذن له في الوصية، فإن عين
صح وكذا إن أطلق بأن يقول: أوص إلى من شئت فهو وصيي.
4849. التاسع عشر: إذا مات ولا وصي له، كانت الولاية للحاكم مع
فقد الجد، ولو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به
على إشكال.
4850. العشرون: يجوز أن يجعل للوصي جعلا، ويجوز لمن يتولى أموال
اليتامى أن يأخذ أجرة المثل عن نظره في ماله، وقيل: يأخذ قدر كفايته، وقيل:
يأخذ بأقل الأمرين، ولا يكره الدخول في الوصية مع التمكن من القيام بها.
وإذا أوصى بتفريق ثلثه فامتنع الورثة من إخراج ثلث ما في أيديهم، جاز
للوصي أن يخرج ثلث ما في يده، وهل له أن يخرج مما في يده بإزاء ما منعوه،
أو يحبسه عليهم حتى يدفعوا إليه؟ فيه إشكال.
4851. الواحد والعشرون: إذا علم الوصي أن على الميت دينا /، ففي جواز
382

قضائه من دون إذن الحاكم نظر، ولو صدق الورثة صاحب الدين جاز له الدفع
مع امتناعهم منه، ويجوز للوصي أن يخرج من مال اليتيم ما يتعلق به، كأرش ما
يتلفه من المال، وكفارة قتله، دون ديته، لأن خطاه على العاقلة، وكذا عمده،
وينفق عليه بالمعروف، ويضمن الوصي لو أنفق أزيد.
ولو ادعى الصبي بعد بلوغه الزيادة على المعروف، فالقول قول الوصي،
وكذا لو ادعى الخيانة عليه، ولو اختلفا في المدة بأن يدعي الصبي موت أبيه منذ
سنتين، والوصي منذ ثلاث، فالقول قول الصبي مع يمينه، وكذا لو أنكر دفع
المال إليه بعد البلوغ.
وليس للوصي أن يزوج الصغيرة ولا الطفل، وإن أوصي إليه في ذلك، وله
أن يزوج عبيدهم وإماءهم مع المصلحة، وأن يزوج من بلغ غير رشيد إذا احتاج
إليه ومع بلوغه يدفع الوصي ماله إليه إن كان رشيدا، وإن بلغ مجنونا فكالصبي،
وإن بلغ سفيها لم ينفك الحجر عنه، وتكون ولاية الوصي على ما كانت ويخرج
الوصي عنه الزكاة مع وجوبها، وإن جنى على مال أخرجه الوصي، وإن كانت
على نفس خطأ أخرج الكفارة من ماله، والدية على العاقلة، وإن كانت عمدا قيد
به، ويزوجه الوصي مع الحاجة.
4852. الثاني والعشرون: الصيغة عن الوصية إليه أن يقول: أوصيت إليك
لتتصرف في مال الأطفال، وما أدى هذا المعنى، فإن لم يذكر التصرف نزل مطلق
الإيصاء على مجرد الحفظ، ولو اعتقل لسانه فقرئ عليه كتاب الوصية فأشار
برأسه أو بغيره إلى ما يدل على الرضا قبل.
4853. الثالث والعشرون: يجوز للموصي الرجوع في الوصية بالولاية،
فلو أوصى إلى رجل جاز له أن يرجع عن ذلك ما دام حيا ويوصي إلى غيره، وأن
يشترك معه غيره.
383

الفصل السابع: فيما تثبت به الوصية
وفيه ستة مباحث:
4854. الأول: لا يشترط في الوصية الشهادة بل لو صدقوا الورثة الوصي حكم
عليهم بها، وكذا لو تمكن الوصي من فعل ما أوصي إليه وجب عليه، وإن لم يكن
معه شاهد، نعم يستحب الإشهاد بها دفعا للتنازع.
4855. الثاني: تثبت الوصية بالمال بشهادة عدلين، أو رجل وامرأتين،
أو رجل ويمين، وتقبل شهادة المرأة الواحدة في ربع الوصية، واثنتين في
النصف، وثلاثة في ثلاثة أرباعها، وأربع (من النساء) (1) في الجميع من غير يمين
في ذلك كله.
أما الوصية بالولاية، فلا تثبت إلا بشهادة رجلين، ولا تقبل فيها شهادة
النساء منفردات ولا منضمات إلى الرجال، ولا الشاهد واليمين على الأقوى.
4856. الثالث: لا يقبل في الشهادة بالوصية إلا عدول المسلمين مع الاختيار،
ويجوز مع الضرورة وعدم عدول المسلمين قبول نفسين من أهل الذمة ممن
ظاهرهما الأمانة عند أهل دينهما، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمة من الكفار.
4857. الرابع: إذا أشهد الرجل عبدين له على حمل جاريته أنه منه، وأنه

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
384

أعتقهما ثم مات، فردت شهادتهما، وحاز الميراث غيره، ثم أعتقا فشهدا قبلت
شهادتهما، ورجع المولود بالتركة على آخذها، ورجعا عبدين كما كانا ويكره له
استرقاقهما لأنهما أحييا حقه.
4858. الخامس: لا تقبل شهادة الوصي للميت فيما يجر به نفعا إليه، ولا
تقبل شهادة الورثة بعزل الوصي، ولا بانضمام غيره إليه، ولا بتخصيص ولايته.
ولو شهد ثقتان من الورثة على الميت بعين أو دين لغيره، قبلت
شهادتهما، وإن خرجت ولاية الوصي عما شهدا به.
4859. السادس: لو أقر الوارث العدل بأن مورثه أوصى لزيد بالثلث، حلف
زيد معه إن كان وارث غيره، فإن أقام آخر شاهدين بالوصية له بالثلث، ولم يجز
الورثة، فالأقرب تشاركهما مع اتحاد المجلس أو الإطلاق، وحكم للأخير، ولو
لم يكن عدلا فالثلث لمن أقام البينة، وهل يأخذ المقر له من حصة المقر شيئا؟
فيه إشكال، أقربه الأخذ به.
الفصل الثامن: في تصرفات المريض
وفيه تسعة وعشرون بحثا:
4860. الأول: تصرفات المريض قسمان: مؤجلة ومنجزة.
فالمؤجلة: ما علق بالموت، كالوصية بالمال، والتدبير، وهي تخرج من
الثلث بالإجماع، وكذا لو علق الصحيح تصرفه بما بعد الوفاة.
385

والمنجزة: كالهبة، والوقف، والعتق، والإبراء، والمحاباة في البيع (1) وغيره
من عقود المعاوضات، إن وقعت من المريض، ويبرأ من مرضه ذلك ثم مات،
أو وقعت من الصحيح، مضت من الأصل بلا خلاف، وإن وقعت في مرض
الموت، فقولان أقربهما خروجها من الثلث، وكذا إذا وهب في الصحة وأقبض
في مرض الموت.
أما الإقرار فإن كان المريض متهما كان من الثلث، وإن كان مأمونا أخرج
من صلب المال، سواء كان لوارث أو لغيره.
4861. الثاني: لو باع المريض بثمن المثل، نفذ البيع، وملك المشتري السلعة،
فإن أبرأه من الثمن مضى الإبراء من الثلث، وكان على المشتري ثلثا الثمن
للورثة، ولو باع بأقل من ثمن المثل مضى البيع فيما قابل ثمن المثل من الأصل
والزائد من السلعة يكون محاباة، إن خرجت من ثلث التركة، كانت للمشتري
أيضا، وإلا كان له ما قابل الثلث.
4862. الثالث: البيع إذا اشتمل على المحاباة لم يقع باطلا في نفسه، فلو
باع عبدا - هو التركة وقيمته ثلاثون - بعشرة فقد حابى بعشرين، فإن أجاز الورثة،
صح البيع في الجميع، وإن لم يجيزوا كان للمشتري الفسخ أيضا، فإن اختار
الإمضاء، أخذ ثلثي المبيع بالثمن أجمع (2).

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: بيع المحاباة هو: أن يبيع شيئا بدون ثمن مثله، فالزائد من
قيمة المبيع عن الثمن عطية (مادة حبو) وقال الفيومي: حاباه محاباة: سامحه مأخوذ من
«حبوته»: إذا أعطيته. المصباح المنير.
2. لأنه يتملك أحد الثلثين بالثمن والثلث الآخر بمحاباة البائع، لأن المفروض ان التركة منحصرة
في العبد.
386

وقال بعض الجمهور: يأخذ نصفه بنصف الثمن، لأن فيه مقابلة بعض
المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر الجميع، كما لو اشترى سلعتين بثمن وفسخ
البيع في إحداهما لعيب أو غيره (1) وهو وجه أيضا.
ولا يتخير المشتري بين الفسخ في الجميع، وأداء عشرة ليأخذ الجميع (2)،
وليس للمشتري أيضا خلع الثلث، وهو أن يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة (3).
ولو اشترى عبدا قيمته عشرة بثلاثين، فعلى ما قلناه يكون للمشتري
عوض العبد عشرين إن لم يجز الورثة، وعلى الوجه الآخر يكون له نصف
الثلثين ويسلم له نصف العبد، ولو باعه وقيمته ثلاثون بخمسة عشر، فعلى ما
قلناه يصح البيع في خمسة أسداسه بجميع الثمن، وعلى الوجه الآخر يصح في
ثلثيه بثلثي الثمن، وطريق ما قلناه أن ينسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته، فيصح
البيع في قدر تلك النسبة، وهو خمسة أسداسه، وعلى الثاني يسقط الثمن من
قيمة المبيع وينسب الثلث إلى الباقي فيصح البيع في قدر تلك النسبة، وهو ثلثاه
بثلثي الثمن، فإن خلف البائع عشرة (4) أخرى، صح البيع في العبد إلا نصف
تسعه بجميع الثمن، وعلى الثاني في ثمانية أتساعه بثمانية أتساع الثمن.
أما لو باع قفيز حنطة يساوي ثلاثين بقفيز منها يساوي عشرة، ولا تركة

1. وهو خيرة ابن قدامة في المغني: 6 / 515 - 516.
2. وهو خيرة أهل العراق قال ابن قدامة في المغني: 6 / 516: وقال أهل العراق: يقال له: إن شئت
أديت عشرة أخرى وأخذت المبيع، وإن شئت فسخت ولا شئ لك.
3. وهو خيرة مالك على ما نقله عنه ابن قدامة في المغني: 6 / 516 حيث قال: «وعند مالك، له أن
يفسخ ويأخذ ثلث المبيع بالمحاباة، ويسميه أصحابه خلع الثلث».
4. في «أ»: بعشرة أخرى.
387

سواه، فإنه يتعين في الحكم الوجه الثاني، لأن المساواة في القدر شرط في
الصحة وإلا حصل الربا، فيمضى البيع في النصف بنصف الثمن، السدس في
مقابلة النصف والثلث بالمحاباة.
ولو باع قفيزا يساوي ستة بآخر يساوي ثلاثة، فالمحاباة بالنصف فيرد
على الورثة ثلث قفيزهم، وعلى المشتري ثلث قفيزه، فيفضل معه درهمان هي
قدر الثلث الذي صحت المحاباة فيه.
4863. الرابع: إذا وهب التركة أجمع، فإن أجاز الورثة صح، وإن لم يجيزوا،
فإن شرط العوض، وكان بقدر ثمن المثل، صحت أيضا مع دفع العوض، وإن لم
يشترط العوض، صحت من الثلث، سواء أقبض أو لا.
ولو وهب وحابى فإن وسعهما الثلث صحا معا، وإلا بدئ بالأول فالأول،
وكان النقص على الأخير.
ولو وهب مريض مريضا تركته أجمع، ثم وهب الموهوب له ما وهبه إياه،
ولا شئ له سواه، دخله الدور، فإذا كانت التركة مائة تضرب ثلاثة في ثلاثة [و]
تسقط منها سهما، تبقى ثمانية، فاقسم المائة عليها، لكل اثنين خمسة وعشرون،
ثم خذ ثلثها ثلاثة أسقط منها سهما، يبقى سهمان، فهو (1) للموهوب الأول، وذلك
هو الربع، أو تقول: صحت الهبة الثانية في ثلثه بقي للموهوب الأول ثلثا شئ،
وللواهب مائة إلا ثلثي شئ يعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشئ سبعة
وثلاثين ونصفا، رجع إلى الواهب ثلثها اثنا عشر ونصف، [و] بقي للموهوب
[له] خمسة وعشرون.

1. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «فهي».
388

ولو وهب جارية ولا مال سواها، وقيمتها ثلاثمائة، فقبضها الموهوب
[له] ووطئها ومهر مثلها مائة، ولم يجز الورثة، فقد صحت الهبة في شئ،
وسقط من مهر مثلها ثلث شئ، وبقى للواهب أربعمائة إلا شيئا وثلثا يقابل
شيئين، وهما مثلا ما صحت فيه الهبة، فتجبر الأربعمائة بشئ وثلث، فيكون
أربعمائة تقابل ثلاثة أشياء وثلثا، فنضربها في ثلاثة يكون عشرة، فالشئ ثلاثة
أعشار أربعمائة، وذلك مائة وعشرون، فقد صحت الهبة في خمسي الجارية،
وسقط خمسا العقر، وحصل للورثة ثلاثة أخماسها وثلاثة أخماس العقر، وذلك
مائتان وأربعون مثلا ما صحت فيه الهبة.
ولو وطئها أجنبي فكذلك، ويكون عليه مهرها ثلاثة أخماسه للواهب
وخمساه للموهوب له إلا أن الهبة إنما تنفذ فيما زاد على الثلث بعد حصول
المهر من الواطئ، فإن لم يحصل منه شئ لم تزد الهبة على ثلثها، وكلما حصل
للموهوب له من الجارية شئ بالهبة وثلث شئ بالعقر وللورثة شيئان مثلا ما
حصل له بالهبة، فتكون الجارية تعدل ثلاثة أشياء وثلثا، فالشئ ثلاثة أعشارها،
فالوصية من الجارية بقدر تسعين، وله من العقر ثلاثون، ويبقى للورثة مائة
وثمانون، وهما مثلا ما حصل بالوصية.
ولو وهب المريض عبدا لا يملكه سواه، فقتل العبد الواهب خطأ، فإن
سلمه الموهوب له إلى الورثة، كان تسليم النصف بالجناية، والنصف لانتقاص
الهبة فيه، لصيرورة العبد بأجمعه للورثة وهو مثلا نصفه، فيتعين أن الهبة جازت
في نصفه، وإن فداه وكانت قيمته دية، قلت: صحت الهبة في شئ وتدفع إليهم
نصف العبد وقيمة نصفه، وذلك يعدل شيئين، فتبين أن الشئ نصف العبد، وإن
كانت قيمته نصف الدية أو أقل، وقلنا: يفديه بأرش الجناية، نفذت الهبة في
389

جميعه، لأن الأرش ضعف القيمة أو أكثر، ولو كانت قيمته ثلاثة أخماس الدية،
وفداه بالأرش، فقد صحت الهبة في شئ، ويفديه بشئ وثلثين، فصار مع
الورثة عبد وثلثا شئ يعدل شيئين، فالشئ ثلاثة أرباع، فتصح الهبة في ثلاثة
أرباع العبد، ويرجع إلى الواهب ربعه مائة وخمسون وثلاثة أرباع الدية سبعمائة
وخمسون، صار الجميع تسعمائة وهو ضعف ما صحت الهبة فيه.
4864. الخامس: إذا أعتق في مرض الموت نفذ العتق من الثلث على
ما اخترناه، سواء كان منجزا أو معلقا بالموت، وإذا أوصى بالعتق، وجب على
الوارث الإعتاق إذا خرج من الثلث، وإلا فبإزائه، فان امتنع أجبره الحاكم،
ويحكم بحريته من حين العتق، وولاؤه للموصي، لأنه السبب، والوارث
نائب عنه.
ولو أوصى إلى غير الوارث بالعتق، كان الإعتاق إليه.
ولو أوصى بوصايا من جملتها العتق، بدئ بالواجب أولا من صلب المال،
وكان الباقي من الثلث، ولو كان الكل تطوعا كان بأجمعه من الثلث، يبدأ بالأول
من وصيته فالأول، ولا أولوية لتقديم العتق، وقد روى الشيخ أنه إذا كانت من
جملة الوصايا الحج بدئ به (1) ونحن نقول بذلك إن كان واجبا وإلا قدم ما ذكره
الموصي أولا.
4865. السادس: إذا أجمع بين عطية منجزة ومعلقة بالموت، بدئ بالمنجزة
أولا، كمن أعتق منجزا، وأوصى بشئ، فإنه يبدأ بالعتق، وكذا لو وهب ثم

1. لاحظ التهذيب: 9 / 221 برقم 869.
390

أوصى بالعتق، فإنه يبدأ بالهبة، ثم إن اتسع الثلث للباقي صح، وإلا صح فيما
يحتمله الثلث، وبطل فيما قصر عنه.
4866. السابع: إذا أعتق عبيده ولا مال سواهم، عتق ثلثهم ويمضى العتق
فيمن ذكره أولا، وكذا لو أوصى بعتقهم، ولو أعتقهم بلفظ واحد من غير ترتيب،
عتق ثلثهم ويستخرج بالقرعة.
ولو أعتق مملوكه ولا شئ سواه، عتق ثلثه واستسعي في باقي
قيمته للورثة.
4867. الثامن: إذا أوصى بعتق جميع مماليكه، وله مماليك مختصة،
ومماليك مشتركة بينه وبين غيره، ووسع الثلث عتق الجميع عتق المختص وقدر
ما يخصه من المشترك، قال الشيخ: ويقوم حصص الشركاء عليه من الثلث،
ويعتقون (1) وفيه نظر.
4868. التاسع: إذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة، وجب ذلك، فإن لم يوجد
قيل: (2) عتق من أفناء الناس من لا يعرف بنصب وعداوة والأقرب التوقع، وإذا
اشترى نسمة على أنها مؤمنة وأعتقها، ثم ظهر أنها ليست كذلك، فقد أجزأت
عن الموصي.
4869. العاشر: إذا أعتق عبيده بلفظ واحد، وتساوت قيمتهم، وكان لهم ثلث
صحيح كستة أعبد قيمتهم متساوية، أقرع بينهم إما على الحرية أو الرقية، وإن

1. النهاية: 616 - 617، ولاحظ التهذيب: 9 / 222 برقم 872.
2. القائل هو الشيخ في النهاية: 616.
391

كان فيهم كسر كعبدين قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمائة، أقرعت بينهما
فأيهما وقعت عليه قرعة الحرية، ضربت قيمته في ثلاثة أسهم، فما بلغ نسبت
إليه قيمة العبدين معا، فمهما خرج بالنسبة، فهو القدر الذي يعتق منه، فإذا وقعت
على الذي قيمته مائتان ضربتهما في ثلاثة صارتا ستمائة ونسبت منها قيمة
العبدين معا، وهي خمسمائة تجدها خمسة أسداسها، فيعتق منها خمسة
أسداسه، وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة اتساعه.
ولو كان له عبدان اسمهما واحد، فقال: فلان حر بعد موتي، وله مائتا
درهم، ولم يعينه، أقرع بينهما في العتق، وأما الدراهم، فيحتمل بطلان الوصية
فيها، لوقوعها لغير معين، والصحة، لأن مستحقها حر في حال استحقاقها.
4870. الحادي عشر: إذا أعتق عبدا من عبيده ولم يعينه، استخرج بالقرعة، ولو
أوصى بعتق أحد عبيده، احتمل تخيير (1) الوارث فيه.
ولو أوصى بعتق عبد من غير إضافة ولا تعيين وصفه، أعتق الوارث من
يجزئ في الكفارة.
4871. الثاني عشر: قد بينا أن العطية تخرج من الثلث، ويعتبر حال الوفاة،
فمهما خرج من الثلث علم أن العطية صحت فيه حال العطية، فإن نما المعطى أو
كسب شيئا، قسم بين الورثة وبين صاحبه على قدر مالهما فيه، وربما أفضى إلى
الدور، فإذا أعتق عبدا لا يملك غيره فكسب مثل قيمته في حال حياة سيده،
فللعبد من كسبه بقدر ما عتق منه، وباقيه لسيده، فيزداد به مال السيد، فتزداد
الحرية بذلك، ويزداد حقه من كسبه، فينقص به حق السيد من الكسب، وينقص

1. في «ب»: تخير.
392

بذلك قدر المعتق منه، فيستخرج ذلك بالجبر، فيقال: عتق من العبد شئ وله من
كسبه شئ، لأن كسبه مثله، وللورثة من العبد وكسبه، شيئان، لأن لهم مثلي ما
عتق منه، وقد عتق منه شئ، ولا يحسب على العبد ما حصل له من الكسب،
لأنه استحقه (1) بجزئه الحر لا من جهة سيده، فصار للعبد شيئان وللورثة شيئان
من العبد وكسبه، فيقسم العبد وكسبه نصفين، يعتق منه نصفه وله نصف كسبه،
وللورثة نصفهما.
ولو كسب مثلي قيمته، فله من كسبه شيئان، فيصير له ثلاثة أشياء، وللورثة
شيئان، فيقسم العبد وكسبه أخماسا، يعتق منه ثلاثة أخماسه، وله ثلاثة أخماس
كسبه، وللورثة خمساه وخمسا كسبه.
ولو كسب ثلاثة أمثال قيمته، فله ثلاثة أشياء من كسبه مع ما عتق منه، ولهم
شيئان، فيعتق منه ثلثاه، وله ثلثا كسبه، ولهم الثلث منهما.
ولو كسب نصف قيمته، عتق منه شئ، وله نصف شئ، ولهم شيئان،
فالجميع ثلاثة أشياء ونصف، إذا بسطتها أنصافا صارت سبعة، له ثلاثة أسباعها،
فيعتق ثلاثة أسباعه، وله ثلاثة أسباع كسبه، فالباقي لهم، فإذا كانت قيمته مائة،
وكسب خمسين، فقد عتق من العبد شئ وتبعه من الكسب نصف شئ، لأن
الكسب مثل نصف قيمته، وللورثة شيئان، فالعبد وكسبه وهما مائة وخمسون،
يعدل ثلاثة أشياء ونصف تضربها في مخرج النصف، وهو اثنان يصير سبعة،
وتضرب الاثنان في مائة وخمسين، يكون ثلاثمائة فالشئ 2 سبع ثلاثمائة، وهو
ثلاثة أسباع مائة، فيعتق من العبد ثلاثة أسباعه، ويتبعه من الكسب ثلاثة أسباعه،

1. في «ب»: يستحقه.
2. في «ب»: والشيء.
393

وقد حصل للورثة أربعة أسباع العبد وأربعة أسباع الكسب، وهما مثلا ثلاثة
أسباع العبد، فيكون للورثة ستة أسباع مائة، وللمعتق ثلاثة أسباع مائة.
ولو كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه، بطلت الوصية، وإن
لم يستوعب صرف من العبد وكسبه ما يقضى به الدين، والباقي يقسم على ما
يعمل في العبد الكامل وكسبه، فلو كان على السيد دين كقيمته، صرف فيه نصف
العبد ونصف كسبه، وقسم النصف الباقي بين الورثة والمعتق نصفين.
ولو كسب العبد مثل قيمته، وللسيد مال مثل قيمته، قسمت العبد ومثلي
القيمة، على الأشياء الأربعة، فلكل شئ ثلاثة أرباع، فيعتق من العبد ثلاثة
أرباعه، وله ثلاثة أرباع كسبه.
ولو أعتق عبدا قيمته عشرون ثم أعتق آخر قيمته عشرة، ولا مال سواهما،
وكسب كل واحد مثل قيمته، لم يكمل الحرية في الأول وإلا لتبعه كسبه (1)
فيحصل له ضعف ما للورثة، بل طريقه أن نقول: عتق منه شئ، وله من كسبه
شئ، وللورثة شيئان، فيقسم العبدان وكسبهما على الأشياء الأربعة، فيكون لكل
شئ خمسة عشر، فيعتق منه بقدر ذلك، وهو ثلاثة أرباعه، وله ثلاثة أرباع كسبه،
والباقي منه ومن كسبه والعبد الآخر وكسبه أجمع للورثة.
ولو بدأ بعتق الأدنى، عتق كله، وأخذ كسبه، ويستحق الورثة من العبد
الآخر وكسبه مثلي الأدنى، وهو نصفه ونصف كسبه، ويبقى نصفه ونصف كسبه
بينهما نصفين، فيعتق ربعه، وله ربع كسبه، ويرق ثلاثة أرباعه، ويتبعه ثلاثة أرباع
كسبه، وذلك مثلا ما انعتق منهما.

1. في «أ»: ليتبعه كسبه.
394

ولو عتق العبدين دفعة، أقرع بينهما، فمن خرجت له قرعة الحرية،
فحكمه كما لو بدأ بعتقه.
ولو كان له ثلاثة أعبد قيمة كل واحد مائة، وعليه دين مائة، وكسب
أحدهم مائة، وأعتقهم، ولم يجز الورثة، أقرع لإخراج الدين، فإن وقعت على
غير المكتسب بيع في الدين، ثم أقرع بين المكتسب والآخر للحرية، فان
خرجت على غير المكتسب، عتق كله، وكان المكتسب وماله للورثة، وإن وقعت
قرعة الحرية على المكتسب، دخل ذلك الدور، فنقول (1): عتق منه شئ، وتبعه
من كسبه شئ، وللورثة شيئان، فالعبدان والكسب ثلاثمائة يعدل أربعة أشياء،
فالشئ خمسة وسبعون، وذلك ثلاثة أرباع العبد، فيعتق ثلاثة أرباعه، ويتبعه من
الكسب خمسة وسبعون، ويبقى للورثة ربعه خمسة وعشرون، ومن كسبه مثلها،
والعبد الآخر قيمته مائة، فيحصل للورثة مائة وخمسون، وذلك ضعف ما عتق
من العبد.
ولو وقعت قرعة الدين على المكتسب أولا بيع نصفه في الدين، وصرف
نصف كسبه فيه، ولو بعنا الجميع أبطلنا عليه العتق، ولم يقض الدين من كسبه
خاصة، لإمكان وقوع العتق عليه، فيكون الكسب له لا من مال الميت، فلا يجوز
أن يقضى بماله دين الميت، وإنما قضي الدين بما يتبع ما رق منه من الكسب،
لبطلان العتق فيه، فإذا ثبت هذا أقرع بين باقيه وبين العبدين الآخرين في الحرية،
فإن وقعت على غيره، عتق بأجمعه، وللورثة الباقي، وإن وقعت عليه، عتق باقيه
وأخذ باقي كسبه، ثم أقرع بين العبدين لإتمام الثلث، فمن وقعت عليه القرعة،

1. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين: «فيقول».
395

عتق ثلثه، وبقي ثلثاه والعبد الآخر للورثة، فيكون المعتق خمسة أسداس عبد،
لأن مال الميت بعد قضاء الدين عبدان ونصف، ولو لم يكن هناك دين أقرع بين
الثلاثة، فإن خرجت قرعة العتق على المكتسب، عتق، وكان كسبه له، ورق
العبدان الباقيان، وهما مثلا ما عتق، وإن خرجت على غير المكتسب، عتق وبقي
من الثلث شئ، لأن قيمة العبيد والكسب أربعمائة، فيقرع بين الباقيين، فإن
خرجت القرعة على الذي لم يكتسب، عتق ثلثه، وقد استوفى الثلث، وإن
خرجت على المكتسب، قلنا: نفذ العتق في شئ وتبعه من الكسب شئ،
وللورثة شيئان مثلا ما عتق، وقد نفذ العتق في عبد قيمته مائة، فيجعل للورثة
مثلا ذلك مائتان، وفي أيديهم عبدان قيمتهما مائتان ومائة الكسب، فيسقط من
ذلك مائتان ويبقى معهم مائة، تعدل أربعة أشياء، فالشئ خمسة وعشرون،
وتبعه من الكسب خمسة وعشرون، ويبقى للورثة عبد قيمته مائة وثلاثة أرباع
المكتسب خمسة وسبعون، وكسب ذلك خمسة وسبعون، فيكون لهم مائتان
وخمسون، وقد عتق عبد وربع عبد بمائة وخمسة وعشرين.
4872. الثالث عشر: إذا أعتق عبدين بلفظ واحد، ولا مال سواهما، وهما
متساويان قيمة، فمات أحدهما، أقرع بين الحي والميت، فإن وقعت على
الميت، فالحي رقيق، وتبين أن الميت نصفه حر، لأن الواصل إلى الورثة مثلا
نصفه، وإن وقعت على الحي، عتق ثلثه، ولا يحسب الميت (1) على الورثة.
4873. الرابع عشر: لو أعتق عبده وقيمته عشرة، ولا مال سواه، فمات قبل
سيده، وترك عشرين، استحقها السيد بالولاء، وتبين أنه مات حرا، ولو خلف

1. في «ب»: ولا يحتسب الميت.
396

عشرة دخله الدور، فنقول: تحرر منه شئ، وله من كسبه شئ، ولسيده شيئان،
وقد حصل في يد سيده عشرة تعدل شيئين، فتبين أن نصفه حر وباقيه رقيق،
والعشرة للسيد، نصفها بالرد، ونصفها بالولاء.
ولو خلف العبد ولدا، فله من رقبته شئ، ومن كسبه شئ، يكون لولده
بالميراث (1) وللسيد شيئان، فتقسم العشرة على ثلاثة، للابن ثلثها، وللسيد ثلثاها،
وتبين أنه عتق من العبد ثلثه.
ولو خلف العبد عشرين وابنا، فله من كسبه شيئان يكونان لابنه، ولسيده
شيئان، فالعشرون بين السيد والولد نصفين، وتبين أنه عتق نصفه، ولو مات
الابن قبل موت السيد، وكان ابن معتقه، ورثه السيد، لأنا تبينا أن أباه مات حرا، إذا
السيد قد ملك عشرين هي مثلا قيمته، فعتق وجر ولاء ابنه إلى سيده، فورثه، وإن
لم يكن ابن معتقه لم ينجر ولاؤه، ولم يرثه سيد أبيه، وكذا البحث لو خلف الولد
عشرين، ولم يخلف الأب شيئا، أو ملك السيد عشرين من أي جهة كانت، ولو
لم يملك عشرين لم ينجر ولاء الابن إليه، لأن أباه لم يعتق، ولو عتق بعضه انجر
من ولاء ابنه بنسبته.
[المحاباة في التزويج]
4874. الخامس عشر: المريض إذا تزوج ومات في مرضه، فإن لم يدخل، بطل
النكاح ولا مهر للمرأة ولا ميراث، وإن دخل صح النكاح، وثبت لها الميراث،
وكان لها المهر، فإن حابى فيه بأن كان مهر مثلها خمسة فأصدقها

1. في المغني لابن قدامة: 6 / 514: «يكون لأبيه بالميراث».
397

عشرة، لا يملك سواها، كان لها مهر المثل وثلث المحاباة، ولو أجاز الورثة، تثبت
المحاباة، ولو ماتت قبله، فورثها ولم تخلف سوى الصداق، دخلها الدور، فتصح
المحاباة في شئ، فيكون لها خمسة بالصداق، وشئ بالمحاباة، ويبقى لورثة
الزوج خمسة إلا شيئا، ثم رجع إليهم بالميراث نصف مالها، وهو اثنان ونصف
ونصف شئ، صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شئ يعدل شيئين أجبر وقابل،
يخرج الشئ ثلاثة وكان لها ثمانية، رجع إلى ورثة الزوج نصفها أربعة، صار لهم
ستة، ولورثتها أربعة.
ولو ترك الزوج خمسة أخرى بقي مع الورثة اثنا عشر ونصف إلا نصف
شئ يعدل شيئين، فالشئ خمسة، فجازت لها المحاباة أجمع، ورجع جميع ما
حاباها به إلى ورثة الزوج، وبقي لورثتها صداق مثلها.
ولو كان للمرأة خمسة ولا شئ للزوج، بقي مع ورثة الزوج عشرة إلا
نصف شئ يعدل شيئين، فالشئ أربعة، فيكون لها بالصداق تسعة مع خمسها
أربعة عشر، رجع إلى ورثة الزوج نصفها مع الدينار الذي بقي لهم، صار لهم
ثمانية، ولورثتها سبعة.
4875. السادس عشر: إذا أعتق أمته في صحته، ثم تزوجها في مرضه، ودخل،
صح، وورثته إجماعا، وإن أعتقها في مرضه، ثم تزوجها، ودخل، وكانت تخرج
من الثلث، عتقت وورثت.
ولو أعتق أمة لا يملك غيرها، ثم تزوجها، صح النكاح، فإن مات ظهر
فساد النكاح، ويسقط مهرها، ويعتق ثلثها، ويرق ثلثاها، وإن كان قد دخل بها،
ومهرها نصف قيمتها، عتق منها ثلاثة أسباعها، واسترق أربعة أسباعها.
398

وطريقه أن تقول: عتق منها شئ، ولها بصداقها نصف شئ، وللورثة
شيئان، فيجتمع ذلك، فيكون ثلاثة أشياء ونصف، تبسطها، فتكون سبعة، لها منها
ثلاثة، ولهم أربعة، ولو أراد الورثة دفع حصتها من مهرها، وهو سبعاه، ويعتق
منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها، فلهم ذلك.
ولو قلنا: يحسب مهرها من قيمتها وتسعى فيما بقي، وهو ثلث قيمتها،
كان وجها.
ولو أعتقها وقيمتها مائة وتزوجها ومهرها كذلك، وخلف مائة، صح
النكاح، وبطل المسمى، وإلا جاء الدور، لتوقفه على ثبوت العقد، المتوقف على
العتق، المتوقف على بطلان المهر، لقصور الثلث (1) عن القيمة مع صحته، ويثبت
مهر المثل، لأنه يجري مجرى أرش الجناية، ويبطل العتق في بعضها، لزيادتها
عن الثلث.
وطريق تحصيل مقدار العتق وحصته من مهر المثل، أن يقال: عتق منها
شئ، وحصل لها من مهر المثل شئ آخر، وحصل للورثة شيئان في مقابلة ما
عتق منها، فيكون التركة التي من جملتها الجارية، في تقدير أربعة أشياء، والتركة
ثلاثمائة، وقيمة الجارية ثلثها (2) فتعتق ثلاثة أرباعها، ويحصل لها ثلاثة أرباع مائة
من مهر المثل، تؤدي منه خمسة وعشرين تمام قيمتها، يبقى لها خمسون،
وللورثة مائة وخمسون.
4876. السابع عشر: لو أعتقت المريضة عبدا قيمته عشرة، وتزوجها بعشرة

1. في «ب»: بقصور الثلث.
2. في «ب»: «وقيمة الجارية ثلاثمائة» والصحيح ما في المتن.
399

في ذمته، ثم ماتت، وخلفت مائة ضمت العشرة إلى المائة، فتكون هي التركة،
فيرث النصف، ويبقى للورثة خمسة وخمسون، ولا يحسب عليه قيمته.
4877. الثامن عشر: خلع المريضة جائز، فإذا خالعت في مرضها، فإن كان
بمهر المثل، صح له الفدية، وإن كان بأكثر كانت الزيادة على مهر المثل محاباة
من الثلث، فإذا خالعت ومهر مثلها اثنا عشر بثلاثين لا مال لها سواها، فللزوج
ثمانية عشر.
ولو تزوج المريض امرأة على مائة، ولا يملك غيرها، ومهر أمثالها عشرة،
ثم مرضت، فاختلعت منه بالمائة، ولا مال لها سواها، فلها مهر مثلها، و [لها]
شئ بالمحاباة، والباقي له، ثم رجع إليه صداق المثل وثلث شئ بالمحاباة،
فصار له مائة إلا ثلثي شئ يعدل شيئين، فالشئ ثلاثة أثمانها، وهو سبعة
وثلاثون ونصف، فصار لها ذلك ومهر المثل، يرجع إليه مهر المثل وثلث الباقي
اثنا عشر ونصف (1) فيصير بيده خمسة وسبعون، وهو مثلا محاباتها.
4878. التاسع عشر: لو وهب المريض أخته مائة لا يملك سواها، فقبضتها، ثم
ماتت وخلفته مع زوجها، فقد صحت الهبة في شئ، والباقي للواهب، ورجع
إليه بالميراث نصف الشئ الذي جازت الهبة فيه، صار معه مائة إلا نصف شئ
يعدل شيئين، فالشئ خمسا ذلك، أربعون، رجع إلى الواهب نصفها عشرون،
صار معه ثمانون، وبقي لورثة الموهوبة عشرون.
وطريقه أن تأخذ عددا لثلثه نصف، وهو ستة، فتأخذ ثلثها اثنين، وتلقى (2)

1. كذا في «أ» ولكن في «ب»: فصار لها ذلك ومهر المثل وثلث الباقي اثنا عشر ونصف.
2. في «ب»: وتبقى.
400

نصفه سهما، يبقى سهم فهو للموهوبة، ويبقى للواهب أربعة، فتقسم المائة بينهم
على خمسته، والسهم الذي أسقطته لا يذكر، لإنه يرجع على جميع السهام
الباقية بالسوية، فيطرح كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الرد، مثل أن
يخلف أما وابنين، فللابنين أربعة، وللأم سهم، ويسقط ذكر السهم الآخر.
4879. العشرون: لو أعتق المريض عبدا لا شئ له سواه، وقيمته مائة، فقطع
إصبع سيده خطأ عتق نصفه، وعليه نصف قيمته، ويصير للسيد نصفه ونصف
قيمته، وذلك مثلا ما عتق منه، وإنما وجب نصف القيمة عليه، لأن عليه من أرش
الجناية بقدر ما عتق منه، وحساب ذلك أن تقول: عتق منه شئ، وعليه للسيد
شئ، فصار مع السيد عبد إلا شيئا (1) وشئ يعدل شيئين، فأسقط شيئا بشئ،
بقى ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه، ولو كانت قيمته مائتين، عتق
خمساه، لأنه عتق منه شئ، وعليه نصف شئ للسيد، فصار للسيد نصف شئ
وبقية العبد تعدل شيئين، فتكون بقية العبد تعدل شيئا ونصفا، وهو ثلاثة أخماسه
والشيء الذي عتق خمساه، ولو كانت قيمته خمسين أو أقل عتق بأجمعه، لأنه
يلزمه مائة، وهي مثلاه، ولو كانت قيمته ستين، قلنا: عتق منه شئ، وعليه شئ
وثلثا شئ للسيد مع بقية العبد تعدل شيئين، فبقية العبد إذا ثلث شئ، فتعتق منه
ثلاثة أرباعه، وعلى هذا القياس إلا أن ما زاد من العتق على الثلث، يقف على أداء
ما يقابله من القيمة.
4880. الواحد والعشرون: لو أعتق عبدين - لا مال سواهما - دفعة واحدة، قيمة
أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون، فجنى الأدنى على الأرفع جناية

1. في «ب»: فصار مع السيد عبده إلا شيئا.
401

نقصته ثلث قيمته، وأرشها كذلك، ثم مات السيد، فإن وقعت قرعة الحرية
على الجاني عتق منه أربعة أخماسه، وعليه أربعة أخماس أرش جنايته، وبقي
لورثة سيده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر، وذلك مائة وستون، هي مثلا ما
عتق منه، وطريقه أن تقول: عتق منه شئ، وعليه نصف شئ، لأن جنايته بقدر
نصف قيمته، بقي للسيد نصف شئ وباقي العبدين يعدل شيئين، فعلمنا أن
باقي العبدين شئ ونصف، فإذا أضفت إلى ذلك الشئ الذي عتق صار جميعا
يعدلان شيئين ونصفا، فالشئ الكامل خمساهما، وذلك أربعة
أخماس أحدهما.
ولو وقعت قرعة الحرية على المجني عليه، عتق ثلثه، وله ثلث أرش
جنايته، يتعلق برقبة الجاني، وذلك تسع الدية، لأن الجناية على من ثلثه حر
تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق، والواجب له من الأرش يستغرق قيمة
الجاني، فيستحقه بها، ولا يبقى لسيده مال سواه، فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه.
4881. الثاني والعشرون: إذا أوصى للمريض بمن ينعتق عليه فقبله،
ومات في ذلك المرض، عتق من الأصل، لأن اعتبار الثلث (1) إنما يكون لما
يخرج من ملكه، ويرث، وقال الشافعي: يكون من الثلث (2) وهو قوي.
ولو اشترى المريض أباه بألف لا يملك سواها، فعلى القول بإخراج
المنجزات من الأصل، يصح البيع وينعتق جميعه، وعلى ما اخترناه يعتق ثلثه،
ويبقى ثلثاه رقا لورثة ابنه، فإن كان ممن ينعتق عليهم عتق وإلا فلا، ويرث بقدر
الحرية فيه.

1. كذا في النسختين ويحتمل أن تكون العبارة «لأن الاعتاق من الثلث».
2. لاحظ المغني لابن قدامة: 6 / 496.
402

4882. الثالث والعشرون: إذا أوصى لرجل بجارية وأتت بولد بعد موت
الموصي، ولا تركة سواهما وقيمتهما متساوية، كان للموصى له ثلثا الجارية،
والثلث الباقي والولد للورثة.
ولو أوصى له بجارية حامل منه، ومات قبل القبول، قام وارثه مقامه فيه،
ويكره له الرد، فإذا قبل الوارث ملك الجارية وحملها بالقبول من الموصي لا
من المورث.
وهل تقضى ديون المورث من الجارية وحملها وينفذ منهما وصاياه؟ فيه
نظر، ينشأ من كون الملك حصل من الموصي، والسبب وهو القبول لم يحصل
من المورث، ومن كون الوارث إنما ملك بما ورث عنه من القبول، فهو مملوك
بسبب (1) من جهته، كالدية، وعلى كل تقدير فالولد لا يرث، لتوقفه على الحرية
المتوقفة على القبول من جميع الورثة، فلو كان، أحدهم دار.
ولو أوصى بأمة لرجل، ومات الموصي والموصى له، وله ابن من الأمة
ولم يجز الورثة، فقبلها الولد، عتق ثلثها وفي تقويم الباقي عليه إشكال.
4883. الرابع والعشرون: إذا أعتق المريض شقصين من عبدين على التعاقب،
فإن خرج الأول بكماله من الثلث عتق، وإن فضل من الثلث شئ عتق من الثاني
بقدر الفاضل، ولو خرج الثاني كله، عتق، ولو لم يفضل عن كمال الأول شئ لم
يعتق من الثاني شئ، ونفذ العتق في الأول بأجمعه، ولو قصر الثلث عن الأول،
عتق منه بقدره.

1. في «أ»: لسبب.
403

ولو أعتق الشقصين منهما دفعة، فإن خرج العبدان من الثلث عتقا، وإن
خرج الشقصان خاصة عتق الشقصان، وإن خرج أزيد منهما، فالأقرب القرعة،
ويحتمل قسمة الفاضل بينهما.
4884. الخامس والعشرون: إذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض، عتق
وورث كالهبة والميراث، ولو كان بعوض صح الشراء من الثلث، وعتق، وفي
إبطال الشراء في الزائد نظر، وعلى تقدير الصحة لا يعتق على المريض، وأما
الوارث فإن كان ممن يعتق عليه، عتق وإلا فلا، ومع عتق جميعه على المريض،
يرث منه، وإن عتق بعضه ورث بقدر الحرية، وإن عتق على الوارث لم يرث
بالنسبة إلى نصيبه.
ولو اشترى أباه بألف لا يملك سواها [ثم مات] وخلف ابنا، فعلى القول
بصحة البيع من الأصل يعتق على المريض، وعلى الآخر يعتق ثلثه، ويعتق باقيه
على الابن.
ولو اشترى ابنه بألف من تركته، وقيمته ثلاثة آلاف، وخلف ابنا آخر، عتق
كله على أحد القولين، وعلى الآخر يملك أخوه تسعيه، ويعتق سبعة اتساعه،
لأنه ملك ثلثيه بالمحاباة، ولو ترك ألفين سواه، عتق كله وورث ألفا، لأن التركة
هي الثمن لا القيمة.
ولو اشترى ابني عمه بألف لا يملك سواها وقيمة كل واحد ألف، فأعتق
أحدهما ثم خلف أبعد منهما في النسب، فعلى ما اخترناه يعتق ثلثاه إلا أن يجيز
الوارث عتقه أجمع، ثم يرث بثلثيه ثلثي بقية التركة، فيعتق منه ثمانية اتساعه،
ويبقى تسعة وثلث أخيه للأبعد (1)، ويحتمل عتقه كله ويرث أخاه، لأنه بالإعتاق

1. الظاهر أن المراد من «الأبعد» هو المولى.
404

يصير وارثا لثلثي التركة، فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه، فتكمل له الحرية، ثم
يكمل له الميراث.
ولو تبرع بثلث تركته ثم اشترى أباه وله ابن، فإن قلنا بإخراج المنجزات
من الأصل، صح العتق للأب، وورث، وإن قلنا إنه من الثلث، قدمنا السابق من
المنجزات، فيصح الشراء ولا يعتق على المريض، لأنه لم يبق من الثلث شئ،
ويرثه الولد، فيعتق عليه ولا يرث، لأن العتق انما حصل له بعد الموت، وكذا
البحث لو اشترى أباه ثم أعتقه.
أما لو وهب له أبوه أو ورثه، فإنه يعتق عليه ويرث.
ولو ملك [المريض] من يرثه ممن لا يعتق عليه، كابن عمه، فأعتقه في
مرضه، كان إعتاقه وصية من الثلث، على ما اخترناه، فإن خرج من الثلث عتق
وورث، وإن لم يخرج من الثلث، عتق منه بقدر الثلث، وورث بقدر ما فيه من
الحرية.
4885. السادس والعشرون: كل ما يلزم المريض في مرضه من الحقوق
الواجبة، فهو من رأس المال، كأرش الجناية، وجناية عبده، وما عاوض عليه (1)
بثمن المثل، وما يتغابن الناس بمثله، والنكاح بمهر المثل، وشراء جارية للتسري
كثيرة الثمن بثمن المثل، وكذا شراء طعام لا يأكله مثله بثمن مثله، بلا خلاف بين
العلماء في ذلك.
ولو قضى [المريض] بعض غرمائه ووفت تركته بسائر الديون، صح

1. في «ب»: وما عارض عليه.
405

قضاؤه، ولا سبيل للغرماء عليه، وإن لم يف فكذلك، لأنه أدى واجبا فصار كما
لو اشترى بثمن المثل.
ولو أعتق [المريض] تبرعا، ثم أقر بدين مستوعب، ففي صحة العتق نظر.
4886. السابع والعشرون: العطايا المنجزة تشترك مع الوصية في
أحكام أربعة:
أحدها: أنها تخرج من الثلث على ما اخترناه، ويقف نفوذها فيما زاد عليه
على الإجازة.
الثاني: أن فضلها أنقص من فضل الصدقة في حال الصحة.
الثالث: أن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده.
الرابع: أنها إذا اجتمعت العطايا قدم الأول منها فالأول، كالوصية.
وتفارقها في أحكام خمسة:
الأول: أنها لازمة في حق المعطي، ليس له الرجوع فيها، وإن كثرت.
الثاني: أن قبولها على الفور في حياة المعطي، وكذا ردها، بخلاف الوصية،
فإنه لا حكم لقبولها ولا ردها إلا بعد الموت.
الثالث: أن العطية تفتقر إلى شروطها المعتبرة في الصحة، من العلم بالقدر
في البيع، وعدم التعليق على شرط في العتق، وغير ذلك من الأحكام،
بخلاف الوصية.
الرابع: أن المرض إن اتصل بالوفاة، خرجت من الثلث، وإن برأ منه، ثم
مات خرجت من الأصل، والوصية تخرج من الثلث مطلقا.
406

الخامس: أنها مقدمة على الوصية فيبدأ بها، ويدخل النقص على الوصايا.
ولو اجتمعت العطايا، فإن ترتبت بدئ بالأول فالأول، وكان النقص داخلا
على الأخير، وإن وقعت دفعة بأن وكل جماعة في إيقاعها، فأوقعوها دفعة، قسم
الثلث بينها على قدر الحقوق.
ولو نذر عتق سعيد عند عتق سعد، ثم أعتق سعدا عتق سعيد إن خرجا من
الثلث، وإن لم يخرج [من الثلث] إلا أحدهما، قدم عتق سعد، وإن بقى من الثلث
ما يعتق به بعض سعيد، عتق تمام الثلث منه.
ولو نذر عتق عبده إن تزوج، فتزوج بأكثر من مهر المثل، فالزيادة معتبرة
من الثلث، فإن قصر الثلث عن المحاباة والعتق، قدمت المحاباة، لأن التزويج
شرط في العتق، فيتقدم عليه، فوجوب المحاباة أسبق، ويحتمل التساوي، لأن
التزويج سبب للمحاباة وشرط في العتق.
4887. الثامن والعشرون: المرض قسمان: مخوف، وغير مخوف.
والثاني كوجع العين والضرس، والصداع اليسير، وحمى ساعة، وهذا
حكمه حكم الصحيح في عطاياه.
والأول إما ممتد كالجذام، وحمى الربع، (1) والفالج عند انتهائه، والسل في
ابتدائه، وحمى الغب، (2) أو غير ممتد ويعلم تعجيل موته كالمذبوح، ومن انتزعت

1. قال الفيومي: حمى الربع - بالكسر -: هي التي تعرض يوما وتقلع يومين ثم تأتي في الرابع.
المصباح المنير.
2. غببت عن القوم: اتيتهم يوما بعد يوم، ومنه حمى الغب. المصباح المنير.
407

حشوته، أو لا يعلم لكنه يخاف منه ذلك، كالبرسام، (1) والحمى الصالب (2)،
والرعاف اللازم، وذات الجنب، ووجع القلب والرئة، والقولنج، فهذه كلها
يتحقق معها الحجر في الوصايا والتبرعات عما زاد على الثلث، سواء كان معها
حمى أو لا.
والإسهال المنخرق الذي لا يمكنه منعه ولا إمساكه، (3) مخوف وإن لم يكن
منخرقا، بل ينقطع ويعود، فليس بمخوف إلا أن يكون معه زحير (4) أو يدوم عليه،
أو يستصحب الدم.
ولو أشكل الحال في المخوف وغيره، رجع إلى الخبرة وهم الأطباء
المسلمون العدول.
ولو هاج به الدم، فهو مخوف وإن لم يتغير عقله، وكذا الصفراء إذا هاجت
به، أو البلغم الهائج، والطاعون.
والجراح النافذ إلى الدماغ أو إلى الجوف مخوف، ولو كان في يد أو ساق
وشبههما ولم يرم الموضع، ولا يأتكل (5)، ولا حصل معه ضربان، فهو
غير مخوف.

1. في مجمع البحرين: البرسام: علة معروفة يهذى فيها، يقال: برسم الرجل فهو مبرسم.
2. في المصباح المنير: صلبت الحمى: دامت فهي صالب.
3. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين: «ولا مسكه».
4. الزحير: استطلاق البطن والتنفس بشدة. مجمع البحرين. قال الشيخ في المبسوط: 4 / 44:
الزحير: ما لا يخرج إلا بعد شدة شديدة. ولاحظ تذكرة الفقهاء: 2 / 523 - الطبعة الحجرية.
5. قال الشيخ في المبسوط: 4 / 45: وأما إذا لم يكن [الجراح] نافذا إلى جوفه ويكون جراحه
بالخشب والمثقل نظرت: فإن لم يأتكل ويرم فغير مخوف، وإن ورم فإنه يكون مخوفا.
408

4888. التاسع والعشرون: لو حصل الخوف من غير مرض، لم يتعلق به
الحجر، مثل حال التحام الحرب حال التحام الطائفتين، وكالأسير إذا وقع مع من
يرى قتله، ركوب البحر وقت اضطرابه، وحضور مستوفي القصاص منه،
والطلق (1) إذا ضرب الحامل، فهذه الأسباب كلها لا يتعلق بها حكم المرض،
وتمضي التبرعات المنجزة معها من الأصل، وكذا لو حصل الطاعون ببلد، هو
ساكن فيه.

1. الطلق: وجع الولادة. مجمع البحرين.
409

كتاب النكاح
وفيه مقدمة ومقاصد
411

أما المقدمة ففيها فصول
الفصل الأول: في ماهيته وفضله
وفيه خمسة مباحث:
4889. الأول: الأقرب أن النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء، لورودهما
معا في الكتاب العزيز، قال تعالى: (وإذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن) (1) وقال تعالى: (حتى تنكح زوجا غيره) (2).
وإنما جعل حقيقة في الأول، لغلبة الاستعمال فيه، وصحة نفيه عن الثاني،
فيقال: هذا سفاح وليس بنكاح، وأولوية المجاز على الاشتراك، يدلان على
مجازيته في الثاني، فيكون النكاح شرعا حقيقة في عقد التزويج مجازا
في الوطء.
4890. الثاني: النكاح مشروع بالنص والإجماع، قال الله تعالى: (فانكحوا ما
طاب لكم من النساء) (3) (وأنكحوا الأيامى منكم) (4).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

1. الأحزاب: 49.
2. البقرة: 230.
3. النساء: 3.
4. النور: 32.
413

«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض
للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء» (1).
وأجمع المسلمون كافة على مشروعيته.
4891. الثالث: النكاح مندوب إليه مرغب فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من تزوج فقد أحرز نصف دينه» (2).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ما بني في الإسلام بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج» (3).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة حتى أن السقط يجيء
محبنطئا (4) على باب الجنة فيقال له: ادخل (الجنة)، فيقول: لا أدخل حتى
يدخل أبواي (الجنة) قبلي» (5).

1. رواه البخاري في صحيحه: 3 / 34، كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة;
وأخرجه مسلم في صحيحه على ما في شرح صحيح مسلم للنووي: 9 / 182; ورواه ابن
قدامة في المغني: 7 / 334; ونقله الشيخ الطوسي (قدس سره) في المبسوط: 4 / 152 ثم قال: فجعله
كالموجوء الذي رضت خصيتاه، فمعناه: أن الصوم يقطع الشهوة. ورواه الترمذي في سننه: 3 /
391 برقم 1081.
2. الوسائل: 14 / 5، الباب 1 من أبواب مقدماته، الحديث 11.
3. الوسائل: 14 / 3، الباب 1 من أبواب مقدماته، الحديث 4.
4. في مجمع البحرين نقلا عن أبي عبيدة: المحبنطئ - بالهمزة -: العظيم البطن المنتفخ، من
قولهم احبنطأ: انتفخ جوفه إذا امتلأ غيظا.
5. الوسائل: 14 / 3، الباب 1 من أبواب مقدماته، الحديث 2. وما بين القوسين يوجد
في المصدر.
414

وعن الباقر (عليه السلام):
«ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب» (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم
نهاره» (2).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
«أراذل موتاكم العزاب» (3).
وقال [(صلى الله عليه وآله وسلم)]:
«أكثر أهل النار العزاب» (4).
وقال (عليه السلام):
«ما استفاد امرؤ (مسلم) فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة
تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في
نفسها وماله» (5).
4892. الرابع: الناس على أقسام ثلاثة:

1. الوسائل: 14 / 6، الباب 2 من أبواب مقدماته، الحديث 1 (رواه عن الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم)).
2. الوسائل: 14 / 7، الباب 2 من أبواب مقدماته، الحديث 2.
3. نفس المصدر، الحديث 3 (وفيه: رذال موتاكم).
4. نفس المصدر: 8، الحديث 7.
5. الوسائل: 14 / 23، الباب 9 من أبواب مقدماته، الحديث 10. ما بين القوسين يوجد في المصدر.
415

خائف على نفسه من الوقوع في محظور إذا ترك النكاح، فهذا يجب عليه
إعفاف نفسه بالنكاح.
ومن له شهوة ويأمن معها الوقوع في محظور، فهذا يستحب له النكاح،
وهو أفضل له من التخلي للعبادة.
ومن لا شهوة له كالعنين، والكبير، والمريض مرضا ملازما، فالأقرب في
هذا عدم استحباب النكاح له، لانتفاء مصالحه، ولمنعه الزوجة من التحصين
بغيره، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.
4893. الخامس: النكاح مستحب للغني والفقير، ولا ينبغي أن يترك مخافة
العيلة، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد، ولا وجد له إلا
إزاره، ولم يكن له رداء. (1) وقال:
«من سره أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة، ومن ترك التزويج
مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله عز وجل» (2).
وقال الصادق (عليه السلام):
«من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله سبحانه، إن الله عز
وجل يقول: (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)» (3).

1. نقله ابن قدامة في المغني: 7 / 337.
2. الوسائل: 14 / 25، الباب 10 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
3. الوسائل: 14 / 24، الباب 10 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
416

الفصل الثاني: في خصائص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
وهي: واجب، ومحرم، ومباح، وكرامة.
فالواجبات: السواك، والوتر، والأضحية، وتخيير النساء، فمن اختارت
نفسها منهن بانت، وإذا لبس لامته - وهي الدرع والسلاح - لا ينزعها حتى يلقى
العدو، وقيام الليل، ثم نسخ بقوله: (فتهجد به نافلة لك) (1).
والمحرمات: الكتابة، وقول الشعر وتعليمه، وأخذ الصدقة الواجبة
والمندوبة، ونكاح الكتابيات، وخائنة الأعين، وهو الغمز بها، بل كان (عليه السلام) يصرح
بشئ من غير تعريض.
والمباحات: الوصال بمعنى أنه كان يطوي الليل بلا أكل وشرب مع صيام
النهار، لا أن يكون صائما، وأن يحمي لنفسه (2) وأبيح له الغنائم والفئ، وأن
يصطفي من الغنيمة، وأن يصلي أين شاء من الأرض، ويتطهر بأي تراب منها
كان، ولم يكن لأحد قبله ذلك، وقيل: أبيح له أخذ الماء من العطشان (3) وأبيح له
أن يتزوج ما شاء بغير حصر، وأن يتزوج بلا مهر.
واختلف في خمس: أن يتزوج بلا ولي، ولا شهود، وهما ثابتان عندنا

1. الإسراء: 79.
2. قال المحقق الثاني في شرح قول العلامة في القواعد «والحمى لنفسه»: وأبيح له أن يحمي
لنفسه الأرض لرعي ماشيته. جامع المقاصد: 12 / 62.
3. لم نتحقق القائل وكذا نقله الشيخ في المبسوط: 4 / 154.
417

لكل أحد، وأن يتزوج محرما على خلاف، قال الشيخ (رحمه الله) الظاهر أنه محرم عليه
أيضا (1) وبلفظ الهبة، وإذا قسم لواحدة من نسائه وبات عندها، هل يجب عليه
القسمة للباقيات، خلاف.
والكرامات: بعث إلى الجميع، (2) واختص كل نبي ببعثه (3) إلى قوم،
وساوى الأنبياء كلهم في معجزاتهم، وخص بالقرآن وبقائه إلى البعث، ونصر
بالرعب، وجعلت زوجاته أمهات المؤمنين، وحرمن على غيره من بعده، وكان
ينام عينه ولا ينام قلبه، ويرى من خلفه كما يرى من قدامه.
الفصل الثالث: في مباحث متفرقة من هذا الباب
وهي أحد عشر بحثا
4894. الأول: كل امرأة مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها لم يحل لأحد ان يتزوجها،
سواء دخل بها أو لا، لكن زوجاته (عليه السلام) كلهن دخل بهن، أما من فارقها من حياته
إما بفسخ كالمرأة التي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها، أو بطلاق كالتي قالت
له: أعوذ بالله منك، فطلقها، فهل للغير نكاحها؟ فالأصح تحريمها أيضا.
4895. الثاني: التحريم في أزواجه غير معلل بكونه (عليه السلام) أبا، ولا بكونهن

1. المبسوط: 4 / 156.
2. في «ب»: إلى الجميع بها.
3. في «أ»: ببعثته.
418

أمهات، بل بوحي من الله سبحانه إكراما له (عليه السلام)، ولهذا لا تحرم بناتهن ولا
أمهاتهن، ولو كن أمهات حقيقة لحرمن.
4896. الثالث: قال بعض الناس: القسمة لا تجب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء ابتدأ
بالقسمة أو لا، والأقرب وجوبه انتهاء كغيره من الأمة، وعدم وجوبه ابتداء كما
في حق غيره من أمته.
4897. الرابع: لا يجوز للأجنبي النظر إلى المرأة إلا لضرورة، كالطبيب
للعلاج، وإن كان إلى العورة، وكذا من يريد الشهادة على العيب الذي يدعيه
الزوج، أو لحاجة كمن يريد أن يشهد على امرأة لا يعرفها إلا بالنظر إلى وجهها،
ومن يريد معاملتها، وكالحاكم المحتاج إلى رؤية وجهها، ليحكم عليها وبحليتها.
ويجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها، وإن لم يستأذنها، وكفيها
وشعرها، وأن يكرر النظر إليها قائمة وماشية، ولا يجوز النظر إلى غير الوجه
والكفين من غير ساتر، وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها وإلى شعرها،
وإلى الذمية وشعرها، لأنها بمنزلة الأمة، ولا يجوز لتلذذ أو ريبة، ويجوز أن ينظر
إلى وجه الأجنبية وكفيها مرة، ولا يجوز معاودة النظر.
4898. الخامس: يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد زوجته، وكل أجزائها باطنا
وظاهرا، ويكره إلى العورة، وليس بمحرم، وكذا المرأة في حق الزوج، وللزوج
النظر إلى المحارم ما عدا العورة، وكذا المرأة.
4899. السادس: إنما يجوز النظر إلى الأجنبية مع الضرورة أو الحاجة،
كما قلناه أولا، ويقتصر الناظر على ما يفتقر إليه في النظر.
419

4900. السابع: يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله عدا العورة، سواء كان شابا
أو شيخا، وسواء كان حسن الصورة أو قبيحها (1) ما لم يكن النظر لتلذذ أو ريبة،
فيحرم عليه النظر إليه حينئذ، وكذا المرأة يجوز لها النظر إلى مثلها، سواء كانت
حسنة أو قبيحة ما لم يكن لريبة أو تلذذ فيحرم.
4901. الثامن: لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي من الرجال إلا للضرورة،
ولا يجوز للخصي النظر إلى المرأة، سواء كانت مالكة له أو لا على إشكال، قال
الشيخ: والذي يقوى في نفسي التحريم، وروى أصحابنا في تفسير قوله تعالى:
(أو ما ملكت ايمانهن) (2) المراد به الإماء. (3)
أما الخصي إذا كبر وهرم وذهبت شهوته، فإنه يجوز النظر له لقوله تعالى:
(أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) (4).
4902. التاسع: لا يجوز للأعمى سماع صوت المرأة الأجنبية، ولا يجوز
للمرأة النظر إليه، لأن ابن أم مكتوم دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعنده عائشة
وحفصة فلم تحتجبا عنه، فلما خرج، أنكر عليهما، فقالتا: إنه أعمى، فقال:
أفعمياوان أنتما (5).
أما الصبي والمجنون فلهما النظر إلى المرأة، بمعنى أن المرأة لا إثم عليها

1. في «ب» أو قبحها.
2. النور: 31.
3. المبسوط: 4 / 161.
4. النور: 31.
5. رواه البيهقي في سننه الكبرى: 7 / 91 - 92، وابن قدامة في المغني: 7 / 465 باختلاف قليل.
ولاحظ الوسائل: 14 / 171، الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1 و 4. ورواه
الشيخ في المبسوط: 4 / 160 كما في المتن.
420

في التبرج إليهما، وكذا الصغيرة من النساء يجوز للرجل النظر إليها إذا لم يكن
في محل الشهوة.
4903. العاشر: العضو المنفصل هل يجري مجرى المتصل في تحريم النظر
إليه؟ فيه إشكال.
4904. الحادي عشر: المس كالنظر في أحكامه من المنع والإذن، ويجوز
لحاجة المعالجة كالنظر، ويجوز النظر إلى الفرج لتحمل شهادة الزنا.
الفصل الرابع: في الآداب
وفيه عشرة مباحث:
4905. الأول: يستحب لمن أراد العقد أن يتخير من النساء من تجمع كريم
الأصل، (1) والبكارة، والولادة، والعفة، ولا يطلب الجمال والمال فإنه يحرمهما، بل
تزوجها لدينها ليرزقه الله تعالى الجمال والمال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ألا أخبركم بخير نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إن من خير
نسائكم الولود الودود، الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع
بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان مع غيره، 2 التي تسمع قوله،
وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها، ولم تبذل له كبذل

1. في «أ»: كرم الأصل.
2. في المصدر: عن غيره.
421

الرجل، وقال (عليه السلام): ألا أخبركم بشر نسائكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله
فأخبرنا، قال: من شر نسائكم الذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها،
العقيم الحقود التي لا تتورع عن قبيح المتبرجة إذا غاب عنها زوجها،
الحصان معه إذا حضر، التي لا تسمع قوله ولا تطيع أمره، فإذا خلا بها
(بعلها) (1) تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها، ولا تقبل له عذرا، ولا تغفر له
ذنبا» (2).
وقام (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبا فقال: «أيها الناس إياكم وخضراء الدمن، قيل يا
رسول الله: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء» (3).
قال بعض الجمهور: الأولى ان لا يتزوج الرجل في عشيرته. فإن من
تزوج فيهم كان الغالب على ولده الحمق (4).
قال «الشيخ (رحمه الله): وقد ورد في الأحاديث الحث على التزويج بالأقارب،
لأنه من صلة الرحم (5) وهو حسن.
4906. الثاني: يستحب لمن أراد عقد النكاح أن يستخير الله تعالى بأن يسأله

1. ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2. التهذيب: 7 / 400 برقم 1597. ولاحظ الوسائل: 14 / 14، الباب 6 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 2 وفيه «كتبذل الرجل» والوسائل: 14 / 18، الباب 7 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 1.
3. التهذيب: 7 / 403 برقم 1608. ولاحظ الوسائل: 14 / 19، الباب 7 من أبواب مقدمات
النكاح، الحديث 7.
4. لاحظ النهاية لابن الأثير: 3 / 106 (مادة ضوأ)، وإحياء العلوم للغزالي: 2 / 42 - كتاب
آداب النكاح -.
5. المبسوط 4 / 299.
422

أن يخير له فيما قد عزم عليه، ويصنع ما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام). قال:
«يصلي ركعتين ويحمد الله عز وجل، ويقول: اللهم إني أريد التزويج
اللهم فقدر لي من النساء أعفهن فرجا، وأحفظهن لي في نفسها ومالي،
وأوسعهن رزقا، وأعظمهن بركة، وقيض لي منها ولدا طيبا تجعله لي
خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي» (1).
4907. الثالث: روى حمران عن الصادق (عليه السلام) قال: «من تزوج والقمر
في العقرب لم ير الحسنى» (2). قال ابن بابويه: وروي أنه يكره التزويج في محاق
الشهر (3).
4908. الرابع: يستحب الإعلان في نكاح الدوام، والإشهاد، وليس شرطا
وإن تآمرا الكتمان، (4) والخطبة أمام العقد، وليست واجبة، وإيقاعه ليلا، وكذا
الزفاف، أما الوليمة فبالنهار.
4909. الخامس: يستحب عند الزفاف الوليمة يوما أو يومين يدعى فيه
المؤمنون، ويكره تخصيص الأغنياء بذلك، ولو كان الكافر لم تستحب إجابته
إليها، ولو حضر لم يجز الأكل مما باشروه.

1. الفقيه: 3 / 249 برقم 1187; والتهذيب: 7 / 407 برقم 1627.
2. الفقيه: 3 / 250 برقم 1188; والتهذيب: 7 / 407 برقم 1628.
3. الفقيه: 3 / 250 برقم 1189.
4. هذا ناظر إلى ما ذهب إليه مالك من اشتراط ترك التواطؤ بالكتمان، قال المصنف في التذكرة
«واعلم ان مالك لم يشترط الشهادة بل الإعلان وترك التواطؤ بالكتمان، حتى لو تواصوا
بالكتمان لم ينعقد النكاح وان حضره الشهود» تذكرة الفقهاء: 2 / 571 - الطبعة الحجرية -
ولاحظ المغني: 7 / 434 - 435. والمجموع للنووي: 17 / 297.
423

ولا بأس بأكل ما نثر في الأعراس، ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه صريحا
أو بشاهد الحال. وهل يملك بالأخذ؟ قال الشيخ: نعم (1) والنثر عنده ليس
بمكروه. لكن يكره أخذه انتهابا إلا أن يعلم كراهية المالك فيحرم (2).
4910. السادس: يستحب له عند الزفاف أن يأمر المرأة بأن تصلي ركعتين
وتكون على طهارة إذا دخلت عليه. ويصلي أيضا مثل ذلك. ويكون متطهرا،
ويدعو الله تعالى عقيب الركعتين، ويسأله أن يرزقه إلفها وودها ورضاها، ويضع
يده على ناصيتها، ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها
وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها نسبا، فاجعله مسلما سويا
ولا تجعله شرك شيطان (3).
4911. السابع: تستحب التسمية عند الجماع. فقد روى عن الصادق (عليه السلام):
«إن من تركها فجاءه ولد كان شرك شيطان ويعرف ذلك بحبنا
وبغضنا» (4).
4912. الثامن: يكره الجماع في المحاق خوفا من إسقاط الولد، وكذا في
أول الشهر ووسطه وآخره، قال الصادق (عليه السلام):
«من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد، فإن تم أوشك أن يكون مجنونا». (5)
واستثني عن ذلك أول شهر رمضان، ويكره أيضا في ليلة خسوف القمر،
ويوم الكسوف، وفيما بين غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق، ومن طلوع

1. المبسوط: 4 / 323.
2. لاحظ المبسوط: 4 / 323.
3. الفقيه: 3 / 254 برقم 1205.
4. الفقيه: 3 / 256 برقم 1214.
5. الفقيه: 3 / 255 برقم 1208.
424

الفجر إلى طلوع الشمس، وفي الريح السوداء والحمراء والصفراء، والزلزلة.
قال الباقر (عليه السلام):
«وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الساعات التي وصفت فيرزق من جماعه
ولدا ويرى ما يحب» (1).
وقال الصادق (عليه السلام):
«تكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع وهي صفراء» (2).
وكذا يكره وقت الزوال وفي السفر إذا لم يكن معه ماء يغتسل به،
والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل ليأمن الجنون على الولد.
ولا بأس ان يجامع مرة عقيب أخرى من غير اغتسال.
ويكره الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من جامع امرأته وهي حائض فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا
يلومن إلا نفسه» (3).
ويكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه، والنظر إلى فرج المرأة، والكلام
عند الجماع إلا بذكر الله تعالى، وأن يطرق أهله ليلا.
4913. التاسع: الوطئ في الدبر شديد الكراهية وليس بمحرم، واختلف

1. الفقيه: 3 / 255 برقم 1207.
2. الفقيه: 3 / 255 برقم 1209.
3. الفقيه: 3 / 256 برقم 1213.
425

في العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن، فقيل: هو محرم، ويجب
معه عشرة دنانير دية ضياع النطفة، وقيل: مكروه وإن وجبت الدية. (1)
4914. العاشر: لا يجوز للرجل أن يترك وطئ امرأته أكثر من أربعة أشهر
إلا لضرورة.

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 7 / 112.
426

المقصد الأول: في العقد وأوليائه
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في العقد
وفيه تسعة عشر بحثا:
4915. الأول: النكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول، هما العقد، ولا بد فيهما من
الصيغة الدالة عليهما مع القدرة، ولو عجزا أو أحدهما عن النطق كفت الإشارة
الدالة على الرضا في حق العاجز.
4916. الثاني: للإيجاب صيغتان: زوجتك وأنكحتك، وفي متعتك
إشكال، ولا ينعقد بلفظ الهبة، ولا الصدقة، ولا البيع، ولا الإجارة، سواء ذكر
المهر في ذلك كله أو لا، والقبول أن يقول: قبلت النكاح أو التزويج، ولو اختلفا
في الصيغة بأن يوجب بلفظ التزويج فيقبل بلفظ النكاح جاز، ولو اقتصر على
ذكر قبلت من غير ذكر أحدهما جاز.
4917. الثالث: يشترط النطق بالصيغة إيجابا وقبولا بالعربية، فلو عجزا أو
427

عجز أحدهما كفت الصيغة بغيرها، ولو عقد بالفارسية مع القدرة على العربية لم
يصح، ولو كان أحدهما يحسن بالعربية والآخر بغيرها أتى كل بما يحسنه بشرط
فهم أن الولي أوجب.
ولا ينعقد النكاح بالكنايات، ولا بالكتابة مجردة عن الإشارة الدالة على
الرضا ولا معها مع القدرة على النطق.
4918. الرابع: لا بد في الصيغة من الإتيان بها على صيغة الماضي، فلو قصد
الإنشاء بلفظ الأمر كقوله زوجنيها، فقال: زوجتك، قال الشيخ: صح وإن لم يأت
بلفظ القبول ثانيا (1) ولو أتى بلفظ الاستفهام كقولك: أتزوجني بنتك؟ فقال
زوجتكها، لم ينعقد حتى يقبل، وكذا لو قال: زوجني (2) بنتك، أو جئتك خاطبا
راغبا في بنتك، فقال: زوجتكها.
ولو قال: أتزوجك، بلفظ المستقبل فيقول: زوجتك قيل: يصح من غير
قبول ثان، ولو قيل له: زوجت بنتك من فلان؟
فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت قال الشيخ: يقوى في نفسي الصحة. (3)
وعندي فيه نظر.
4919. الخامس: لا يشترط تقديم الإيجاب على القبول، فلو قدم القبول
على الإيجاب انعقد، قال الشيخ: وكذا في البيع ينعقد لو تقدم القبول. (4)
4920. السادس: لو كان الزوج غائبا فقالت المرأة: زوجت نفسي من

1. المبسوط: 4 / 193.
2. في «أ»: إن زوجتني.
3. المبسوط: 4 / 193.
4. المبسوط: 4 / 194.
428

فلان، أو قال الولي: زوجت فلانة من فلان، فبلغ الزوج ذلك، فقبل، لم ينعقد.
4921. السابع: إذا أوجب ثم جن أو أغمي عليه، أو مات، بطل حكم
الإيجاب، فلو قبل لم ينعقد، وكذا لو تقدم القبول ثم جن قبل الإيجاب أو أغمي
عليه، وكذا البحث في البيع.
4922. الثامن: لا يدخل النكاح خيار المجلس ولا الشرط، فإن شرط الخيار
فيه بطل العقد، ولو شرط الخيار في الصداق صح العقد والشرط.
4923. التاسع: لا اعتداد بعبارة الصبي في العقد إيجابا ولا قبولا لنفسه ولغيره،
وكذا المجنون والسكران، وإن التزم به بعد الإفاقة، وبالجملة لا بد للقصد من
المكلف.
4924. العاشر: يشترط امتياز المعقود عليها عن غيرها بالإشارة أو الاسم أو
الصفة، فلو قال: زوجتك إحدى بناتي أو بنتي وله أكثر من واحدة، بطل، وكذا
يبطل لو قال: زوجتك حمل هذه الجارية.
ولو قال: زوجتك بنتي هذه فلانة، أو بنتي هذه، أو بنتي، وله واحدة صح،
وكذا يصح لو قال: زوجتك هذه، وهي حاضرة.
ولو قال: زوجتك بنتي فاطمة، واسمها خديجة، ولا بنت له غيرها، صح
اعتبارا بالإضافة اللازمة وإلغاء الاسم المفارق، ولو قال زوجتك فلانة، وأطلق،
لم يصح.
ولو كانت الكبرى فاطمة والصغرى خديجة، فقال: زوجتك الكبرى،
صح، وكذا لو قال: فاطمة وكذا في الصغرى.
429

ولو قال: زوجتك الكبرى خديجة، صح للكبرى اعتبارا باللازم، ولو قال:
زوجتك بنتي، ونوى الكبرى، فقال الزوج قبلت، ونواها صح، ولو قال: زوجتك
ابنتي فاطمة، ونوى الصغرى، فقال: قبلت نكاح فاطمة، ونوى الكبرى، صح
ظاهرا للكبرى لاتفاقهما على الاسم، ويبطل باطنا، لأن الولي أوجب للصغرى،
والزوج قبل لغيرها، ولو صدقه، بطل ظاهرا أيضا.
ولو كانت له عدة بنات فزوج واحدة، ولم يسمها عند العقد، فإن لم ينو
واحدة معينة، بطل، على ما قلناه، وإن نوى معينة، صح، فإن اختلف هو والزوج
في المعقود عليها، فان كان الزوج قد رآهن كلهن، فالقول قول الأب، لأن الظاهر
أنه وكل التعيين إليه، وعلى الأب أن يسوق إليه المنوية، فإن لم يكن الزوج قد
رآهن كلهن، بطل العقد.
4925. الحادي عشر: لو كتب إلى الولي فقال: زوجني مولاتك فقراه الولي
أو غيره بحضور شاهدين، وقال: زوجته، لم ينعقد.
4926. الثاني عشر: لا يشترط في نكاح الرشيدة [اذن] الولي، ويشترط في
غيرها، وأما الشاهدان فلا يشترطان في شئ من الأنكحة، ويجوز لو أوقعه
الزوجان أو الأولياء سرا، سواء تآمرا الكتمان أو لا.
4927. الثالث عشر: لو ادعى زوجية امرأة، فصدقته، أو ادعت هي وصدقها،
قضي بالزوجية بينهما ظاهرا، وتوارثا، ولو ادعاها أحدهما حكم عليه به، وقضي
بمقتضى العقد في حقه خاصة دون صاحبه.
ولو ادعى زوجية امرأة، وادعت أختها زوجيته، وأقام كل منهما بينة، حكم
430

لبينته ما لم يسبق تاريخ الأخرى أو يكون قد دخل بالمدعية، فإن حصل أحد
الأمرين قضي لها.
4928. الرابع عشر: لو أذن المولى لعبده في شراء زوجته فاشتراها لمولاه،
كان العقد باقيا، وكذا ان اشتراها لنفسه على ما اخترناه، من أن العبد لا يملك
شيئا، وعلى القول الآخر يبطل، ولو تحرر بعضه فاشتراها، بطل العقد، سواء
اشتراها بمال نفسه أو بالمشترك بينه وبين المولى.
4929. الخامس عشر: يشترط تجريد الصيغة عن الشرط، فلو قال: إن كان
ولدي أنثى فقد زوجتكها، لم يصح وإن كانت أنثى، ولو قال: زوجتك بنتي على
أن تزوجني بنتك، فالأقرب الصحة، أما لو جعل بضع إحداهما نكاح الأخرى
فإنه يبطل قطعا.
4930. السادس عشر: الخطبة (1) مستحبة، وهي تصريح وتعريض، فالأول هو
أن يخاطبها، بما لا يحتمل غير النكاح، مثل أن يقول: أريد أن أتزوجك أو
أنكحك، والثاني أن يخاطبها بما يحتمل غيره، مثل أن يقول: رب راغب فيك،
أو متطلع إليك أو حريص عليك أو لا تبقين بلا زوج أو أرملة.
ثم المرأة إن كانت خالية من بعل أو عدة، جاز التعريض لها بالخطبة
والتصريح، وإن كانت ذات بعل أو ذات عدة رجعية، لم يجز التصريح لها
بالخطبة ولا التعريض.

1. الخطبة - بالكسر -: استدعاء نكاح المرأة، وبالضم تختص بالموعظة والكلام المخطوب به.
لاحظ مجمع البحرين.
431

وإن كانت مطلقة ثلاثا، جاز التعريض لها بالخطبة من الزوج وغيره، ولا
يجوز التصريح منهما لها.
وإن كان الطلاق تسعا للعدة حرمت الخطبة تعريضا وتصريحا من الزوج،
ويجوز من غيره تعريضا لا تصريحا، ولو خرجت العدة جاز من الغير تصريحا.
وإن كان الطلاق بائنا غير محتاج إلى المحلل كالخلع وشبهه، جاز
التعريض من الزوج وغيره في العدة والتصريح من الزوج خاصة، ويجوز بعد
العدة التصريح من الزوج وغيره.
والمتوفى عنها زوجها يجوز التعريض لها لا التصريح وبعد العدة
يجوز التصريح.
إذا عرفت هذا فإن جواب المرأة مثل الخطبة، فيجوز لها التعريض فيه.
ويكره أن يواعدها سرا، ومعناه أن يخطب بالفحش من القول والهجر من
الكلام، مثل أن يقول: عندي جماع يرضيك، وكذا لو عرض به بأن يقول: رب
جماع يرضيك، ولو صرح بالخطبة فيما منع من التصريح به، أو واعدها سرا، ثم
انتقضت العدة وتزوجها، صح النكاح.
4931. السابع عشر: إذا خطب امرأة فأجابت، قال الشيخ (رحمه الله): حرم على غيره
الخطبة عليها إلا أن يأذن له أو يتركها، فإن خطب وتزوج على خطبة أخيه كان
النكاح صحيحا، أما لو خطب فامتنعت، أو سكتت، أو رضيت به، ولم تصرح
بالإجابة، مثل أن تقول: ما أنت إلا رضا أو ما فيك عيب، لم يحرم على غيره
خطبتها، وإذا أذنت المرأة لوليها في تزويجها ممن يشاء، كان لكل أحد خطبتها.
432

الفصل الثاني: في أولياء العقد
وفيه ثلاثون بحثا:
4932. الأول: المرأة إن كانت صغيرة أو مجنونة، كانت الولاية في نكاحها لكل
واحد من الأب والجد للأب، وإن علا، سواء كانت بكرا، أو ذهبت بكارتها بوطء
أو غيره، فإن فقدا معا، كانت ولاية المجنونة إلى الحاكم، يزوجها مع
اعتبار المصلحة.
قال الشيخ: المراد بالحاكم هنا الإمام أو من يأمره الإمام خاصة، (1) ولا ولاية
له على الصغيرة، ولو فقد الحاكم انتفت الولاية عنها أيضا.
وإن كانت بالغة رشيدة، فإن كانت ثيبا كانت الولاية لها خاصة، تولي أمرها
من شاءت، ولو عقدت بنفسها صح، وإن كانت بكرا فكذلك على أقوى
القولين، ولا خلاف في أن لها أن تزوج 2 نفسها مع عضل وليها.
4933. الثاني: يجوز للمرأة البالغة الرشيدة أن تتولى عقد نفسها وغيرها،
ولا فرق في جواز عقدها لنفسها بين أن تكون رفيعة أو وضيعة، بل يجوز
للوضيعة ذلك، كما يجوز للرفيعة، ولا يشترط إذن الولي في ذلك كله.
4934. الثالث: إذا زوج من له الولاية، كالأب والجد، لم يكن للمولى عليه

1. المبسوط: 4 / 164.
2. في «أ»: أن تتزوج.
433

فسخ النكاح بعد زوال عذره، في الذكر والأنثى إلا الأمة إذا زوجها مولاها ثم
أعتقت، فإن لها خيار الفسخ.
4935. الرابع: اشترط الشيخ (رحمه الله) في ولاية الجد في النكاح خاصة بقاء الأب،
فلو كان ميتا سقطت ولايته في النكاح (1) والأقرب عندي عدم الاشتراط.
4936. الخامس: للمولى أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا أو
ثيبا، عاقلة أو مجنونة، وكذا العبد، وليس لأحدهما أن يزوج نفسه من دون إذن
المولى، وله إجبارهما على النكاح لمن به عيب يوجب الفسخ وبغيره، ولا فرق
في ذلك بين أن يكون المولى ذكرا أو أنثى.
4937. السادس: الأقوى أن الوصي لا ولاية له على الإنكاح، وان كان الأب
أو الجد قد أسند إليه ذلك، سواء كان الموصى عليه ذكرا أو أنثى، وسواء كانت
البنت صغيرة أو كبيرة، وسواء عين الأب زوج الصغيرة أو لا، نعم له أن يزوج من
بلغ فاسد العقل مع الحاجة إلى النكاح.
4938. السابع: المحجور عليه للسفه، ليس له أن يتزوج مع انتفاء الضرورة،
ولو فعل حينئذ، كان العقد باطلا، ولو دخل فالأقرب ثبوت مهر المثل، أما مع
الحاجة فإنه يجوز له أن يتزوج بمهر المثل، وان لم يأذن له الحاكم، وإن زاد عليه
بطل الزائد، ويجوز للحاكم أن يأذن له في النكاح بمهر المثل مع تعيين
المرأة وإطلاقها.
4939. الثامن: ليس للأب وللجد إجبار الثيب الكبيرة على النكاح إجماعا،

1. النهاية: 465 - 466.
434

وكذا لو كانت بكرا رشيدة، ولو كانت صغيرة كان لهما إجبارها على النكاح،
سواء كانت ثيبا أو بكرا، وسواء كانت صحيحة أو معتوهة، وليس لغيرهما من
العصبات كالأخ والعم ذلك.
4940. التاسع: قد بينا اشتراط الإذن في البالغة مطلقا، لكن يكتفى في
البكر بالسكوت الخالي عن قرينة الكراهية، ولا بد في الثيب من النطق.
وهل تزول البكارة بوطء الزنا؟ «قال أبو حنيفة: لا، لقوله (عليه السلام):
«البكر [بالبكر] (1) جلد مائة وتغريب عام».
ولا دلالة فيه لأنهما حين الزنا كانا بكرين.
4941. العاشر: ليس لوكيل البالغة أن يزوجها من نفسه، ولو أذنت له في ذلك،
فالأقرب الجواز، ويجوز للجد تولي طرفي النكاح على حافديه (2)، وللأب تزويج
موكله، ولا يكفي الإيجاب فيهما مجردا عن القبول، وليس للوكيل ولا للولي أن
يزوجها بدون مهر المثل، فان فعلا كان لها فسخ المسمى، وهل لها فسخ النكاح؟
فيه نظر، وكذا لو زوج الصغيرة بأكثر من مهر المثل، ولو زوجها الولي بالمجنون
أو الخصي، صح لكن لها الفسخ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب موجب
للفسخ.
ولو زوجه برتقاء لم يسقط خيار الفسخ مع الجب.
ولو زوجها بمملوك، فلا خيار لها بعد البلوغ، أما الصبي لو زوجه
بمملوكة، ففي ثبوت الخيار له إشكال.

1. هكذا نقله السرخسي في المبسوط عن أبي حنيفة لاحظ 5: 7 - 8.
2. الحافد: ولد الولد.
435

ولو تصادق الزوجان على إنكاح الأب أو الجد فأنكر لم يعتد بإنكاره،
وثبت النكاح، وكذا لو اتفقا على النكاح بحضرة شاهدين، وأنكر الشاهدان، ولو
بلغت بعد تزويج الولي فذكرت أن بينها وبين الزوج رضاعا، أو ما يوجب بطلان
النكاح، ففي قبول قولها نظر، أقربه القبول بالنسبة إليها، أما لو أذنت البالغة في
تزويجها من شخص بعينه، أو زوجها ومكنت الزوج من نفسها، ثم ادعت
التحريم، فإنه لا يقبل منها.
4942. الحادي عشر: قال الشيخ (رحمه الله) عقد النكاح لا يقف على الإجازة فلو
زوجها الأجنبي كان العقد باطلا في نفسه لا يصح بالإجازة، وكذا في طرف
الزوج وقال: لكن قد روى أصحابنا في تزويج العبد خاصة أنه موقوف على
إجازة مولاه، فأما نكاح الأمة فمنصوص عليه أنه زنا إذا كان بغير إذن سيدها (1)
ولو قيل بوقوفه على الإجازة كالبيع، كان وجها.
4943. الثاني عشر: لا يسلب الفسق ولاية النكاح، سواء كانت ولاية إجبار
كالأب والجد، أو اختيار كغيرهما أو هما في حق البالغة، وسواء كان الفسق
متجددا أو لا أما الكافر فلا ولاية له على المسلمة، سواء كان حربيا أو ذميا،
وسواء كان عدلا في دينه أو لا، قال الشيخ (رحمه الله): لو زوج الذمي ابنته الذمية من
مسلم، صح العقد عند من أجاز العقد عليهن من أصحابنا (2) فأثبت له الولاية،
وهو جيد، وتثبت ولاية المسلم على الكافرة، والخرس لا يسلب ولاية النكاح
إذا علمت إشارته، وكذا العمى والصنائع الدنية، كالحارس والكناس
والحجام والحائك.

1. المبسوط: 4 / 163.
2. المبسوط: 4 / 163.
436

4944. الثالث عشر: المجنون لا يزوجه وليه إلا مع الحاجة بأن يراه يتبع
النساء، ولو كان له حال إفاقة انتظرها (1) وكذا صاحب البرسام.
4945. الرابع عشر: إذا كان الأب كافرا، أو مجنونا، أو عبدا، كانت الولاية للجد
مع انتفاء الصفات عنه، ولو زال المانع عن الأب، عادت ولايته، ولو اختار الأب
زوجا والجد آخر، فإن سبق عقد أحدهما، صح نكاحه، ولو اقترنا ثبت عقد
الجد، ولو تشاحا في إيقاع العقد، قدم اختيار الجد.
4946. الخامس عشر: إذا زوج الصغيرين من له الولاية لزمهما العقد، فلو مات
أحدهما ورثه الآخر، ولو عقد عليهما من لا ولاية له، وقف على الإجازة بعد
البلوغ، فإن مات أحدهما قبل بلوغه، بطل العقد، ولا ميراث، سواء كان الآخر قد
أجاز النكاح بعد بلوغه أو لا، وإن بلغ أحدهما وأجاز، ثم مات عزل ميراث الآخر
منه، فإن أجازه بعد بلوغه، حلف أنه لم يجز للطمع في الميراث، وورث، فإن
امتنع فلا ميراث له.
4947. السادس: لا يجوز نكاح الأمة بدون إذن مولاها، سواء كانت لرجل أو
لامرأة، وسواء كان النكاح دائما أو منقطعا، وللشيخ هنا تفصيل ضعيف 2 ولو
كانت لمن عليه ولاية، فنكاحها بيد الولي، فإن زوجها لم يكن للمولى عليه
الفسخ بعد زوال عذره.
4948. السابع عشر: من تحرر بعضه لا ولاية عليه لمولاه، فلا يجوز
له إجباره على النكاح، ولو أذن المولى لعبده في العقد، صح، فإن عين المهر

1. في «ب»: انتظر.
2. لاحظ النهاية: 476 - 478.
437

فزاد، كانت الزيادة في ذمة العبد، يتبع بها بعد العتق، وإن أطلق، انصرف إلى مهر
المثل، والبحث في الزيادة كما تقدم، وهل يثبت مهر المثل مع الإطلاق أو
المسمى مع التعيين في ذمة المولى أو في كسب العبد؟ الأقرب الأول، وكذا
البحث في نفقة الزوجة.
4949. الثامن عشر: لا ولاية للأم ولا لغيرها من القرابات سوى الأب
والجد، ومع بلوغها ورشدها، فلا ولاية عليها مطلقا كما تقرر، لكن يستحب لها
أن تستأذن أباها في العقد وأن توكل أخاها مع فقده.
ولو كان لها أخوان استحب أن تجعل الأمر إلى الأكبر، ولو اختار كل من
الإخوة رجلا استحب لها اختيار خيرة الأكبر.
ولو زوجها الأخوان بالوكالة، فالعقد للسابق، فلو دخلت بالأخير ردت إلى
الأول بعد العدة، وكان لها المهر، ولحق به الولد لو حملت، ولو اقترن العقدان،
فالأقرب، البطلان أما لو لم تأذن، فإن لها أن تخير عقد من شاءت منهما، والأولى
عقد الأكبر، ولو دخلت بأحدهما فهو إجازة له.
ولو زوجت الأم ولدها فإن رضي، لزم، وإلا بطل قيل: ويلزمها المهر (1)
ويحمل على ادعائها الوكالة.
ولو زوجها أجنبي فادعت الإذن، وقال الزوج: زوجك من غير إذن،
فالقول قولها مع اليمين.
4950. التاسع عشر: للمولى إجبار العبد على النكاح، وكذا المدبر أما

1. القائل هو الشيخ في النهاية: 468.
438

المكاتب المطلق أو المشروط ومن انعتق بعضه، فليس له إجبارهما، ولو امتنع
المولى مع طلب العبد لم يجبر على إنكاحه.
ولو كان العبد بين شريكين، كان لهما معا إجباره على النكاح، وليس
لأحدهما ذلك إلا بإذن الآخر، ولو طلب العبد النكاح لم يجبر الممتنع من
الشريكين عليه، لكن يستحب له إجابته، وكذا لو كان لواحد.
ولو زوج أمته من عبده جاز ولم يجب المهر فيه، لكن يستحب ذكره.
4951. العشرون: قد ذكرنا أن الأقرب أن مهر العبد المأذون له في التزويج (1)
ونفقة زوجته على مولاه، وقال الشيخ: يكونان في كسبه إن كان له كسب فيجب
على مولاه إرساله نهارا للتكسب، وليلا للاستمتاع، ولو تكفل مولاه بالنفقة
والمهر كان له استخدامه نهارا، والوجوب يتعلق بما يستأنف من الكسب لا بما
مضى مما هو في يده لمولاه، وكذا لو تزوج بمهر مؤجل ثبت في كسبه بعد
الأجل، قال: ولو لم يكن ذا كسب قيل فيه قولان: أحدهما في ذمته يتبع به بعد
العتق في المهر والنفقة وقيل: على المولى (2) ولم يرجح أحدهما.
4952. الحادي والعشرون: إذا أذن في النكاح مطلقا تناول الصحيح خاصة،
فإن نكح فاسدا فرق بينهما، فإن دخل وجب المهر في ذمته يتبع به بعد العتق لا
في رقبته، وإلا فلا، وكذا لو تزوج بغير إذن مولاه، ومع إطلاق الإذن يجوز أن
ينكح حرة أو أمة، وفي أي بلد شاء، لكن لا يسافر إلى الزوجة إلا بإذن المولى.
ولو عين المالك فخالف، كان موقوفا إن أجازه مولاه (3) وإلا بطل، فلو

1. في «أ»: في التزوج.
2. المبسوط: 4 / 167 - 168.
3. في «أ»: إن كان أجازه مولاه.
439

تزوج أمة بإذن مولاه، ثم أمره بشرائها لم ينفسخ النكاح مطلقا إن قلنا: إن العبد لا
يملك، وإلا كان فيه تفصيل.
ولو تزوج من انعتق بعضه بأمة مع الإذن، صح، فلو اشتراها بما ملكه (1)
بانفراده من نصيب الحرية، بطل النكاح، وكذا لو اشتراها بكسب جميعه.
4953. الثاني والعشرون: للمولى إجبار الأمة على النكاح والمدبرة وأم الولد،
دون المكاتبة ومن انعتق بعضها، ولو طلبت إحداهما التزويج، فالأقرب أن
لمولاهما منعهما عنه.
4954. الثالث والعشرون: لو تزوج عبده فالمهر في ذمة مولاه، وقيل في
كسبه، فلو ضمنه السيد صح، ولها مطالبة السيد خاصة، فإن طلقها قبل الدخول
سقط عن السيد نصفه إن كان قد ضمن، وإن لم يكن قد ضمن، عاد النصف من
الكسب إلى السيد، ولو طلقها بعد العتق عاد النصف من الكسب إليه.
ولو باعه السيد عليها، بطل النكاح، فإن كان بعد الدخول تقاصا بالمهر
والثمن، وإن كان قبله، احتمل سقوط جميع المهر، وقواه الشيخ 2 واحتمل
سقوط نصفه ولو كان البيع بعين المهر، فإن كان قبل الدخول بطل البيع وإلا جاء
الدور، وإن كان بعده، صح وانفسخ النكاح.
4955. الرابع والعشرون: إذا زوجه تعلق المهر والنفقة بالسيد على ما
قلناه، وعلى قول الشيخ بكسبه، فإذا ضمنه كان له أن يسافر به ويمنعه من
الكسب، وإلا فلا، ولو زوج أمته وجب أن يرسلها ليلا للاستمتاع، وله إمساكها

1. في «أ»: بما يملكه.
2. المبسوط: 4 / 172.
440

نهارا للخدمة والسفر بها، فإذا أمسكها نهارا، فالأقوى سقوط النفقة عن الزوج،
وإن لم يمسكها وجبت.
4956. الخامس والعشرون: يجوز للولي أن يوكل غيره في تزويج المولى
عليه، ولا تفتقر الوكالة إلى شهود كالنكاح، ولا فرق في ذلك بين ولاية الإجبار
كالأب والجد، وبين ولاية الاختيار كالوكيل، وكما يجوز للولي أن يوكل مع
تعيين الزوج فكذا يجوز مطلقا.
4957. السادس والعشرون: لو زوجها الولي بغير الكفء كان لها الفسخ، ولو
زوجت هي نفسها كان لازما.
والكفاءة فسرها الشيخ (رحمه الله) بالإيمان والقيام بالنفقة (1) ولو زوجت نفسها
بدون مهر المثل، لم يكن لأحد الاعتراض.
ولو ادعى وكالة الغائب في التزويج، فزوجها له 2، وضمن المهر، ثم حلف
الموكل، رجعت على الوكيل بنصف المهر لا بجميعه، ولو مات الغائب لم ترثه
إلا مع البينة بالوكالة أو تصديق الورثة، ولو زوجه بأكثر من المأمور لم يصح
المهر، وكذا لو زوجه بغير الجنس، ولو زوجه بأقل منه جاز.
ولو قال لها: إن زوجك الغائب طلقك ووكلني في استئناف العقد بألف،
فعقد وضمن، ثم أنكر الغائب، فالنكاح الأول بحاله، وهل يثبت في ذمة
الضامن؟ فيه تردد، ينشأ من براءة ذمة الأصل، فالفرع أولى، ومن اعتراف الفرع
بثبوت الحق في ذمته.

1. المبسوط: 4 / 174.
2. هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين: فتزوجها له.
441

4958. السابع والعشرون: إذا أذنت الجماعة في التزويج، فزوجها كل
واحد منهم برجل، كان العقد للسابق، وإن دخل بها الثاني وترد إلى الأول بعد
العدة، ولها مهر المثل، ولو لم يدخل، فلا مهر ولا عدة.
ولو اقترنا، أو لم يعلم السبق وعدمه، أو لم يعلم عين السابق،
بطل الجميع.
ولو علم سبق أحدهما، ثم أشكل، توقف أبدا حتى يتبين.
ولو ادعى كل منهما علمها بالسبق، فحلفت، أو نكلت، فحلفا أو نكلا،
بطل النكاحان.
ولو اعترفت لهما قال الشيخ: فهو كلا اعتراف، ويبطل العقدان (1) ولو قيل:
ببقاء الدعوى كان وجها، ولو نكلت فحلف أحدهما ونكل الآخر، صح
نكاح الحالف.
ولو اعترفت لأحدهما، ثبت نكاحه، وقوى الشيخ (رحمه الله) إحلافها على عدم
العلم للثاني، لأنها لو اعترفت لزمها مهر المثل، فإذا حلفت بقي التداعي بينهما (2)
وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان، فاعترفت لأحدهما، فإن اعترفت للثاني ففي إلزامها
بمهر المثل وجهان، وإن نكلت أحلف الثاني، ولا يحكم بها له، وقوى الشيخ
عدم لزوم مهر المثل (3) فلا فائدة حينئذ في إحلافه، والأقرب عدم سماع الدعوى
على الولي (4).
ولو ادعى وارث الزوج أن أخاها زوجها بغير إذنها، فالقول قولها،

1. المبسوط: 4 / 182. (قال الشيخ: فإن اعترفت بأن كل واحد منهما هو السابق، فهذا
كلا اعتراف، وقضينا ببطلان النكاحين).
2. المبسوط: 4 / 182. (قال الشيخ: فإن اعترفت بأن كل واحد منهما هو السابق، فهذا
كلا اعتراف، وقضينا ببطلان النكاحين).
3. المبسوط: 4 / 183.
4. في «أ»: «على الثاني».
442

ولو سمع من الرجل ادعاء زوجية المرأة، وكذا المرأة، حكم بالتوارث
بينهما، ولو سمع من أحدهما دون الآخر، ورث الساكت المقر، دون العكس،
ولو تزوج امرأة في عقد وامرأتين في آخر، وثلاثا (1) في آخر، وأشكل، صح
عقد الواحدة خاصة، إن قلنا ببطلان العقد فيما إذا تزوج رابعة وخامسة في
عقد، وإلا فلا.
4959. الثامن والعشرون: العبد المأذون له في التجارة إذا كانت له أمة فهي
لسيده، له أن ينكحها من شاء، سواء كان على العبد دين مستغرق لقيمتها أو لا،
وله أن يطأها، ولا يعتبر في ذلك كله رضا العبد، ولا ظهور الحجر على العبد،
وليس للعبد ولاية النكاح على ابنته، بل أمرها إلى مالكها، إن كانت مملوكة، ولو
وكل حر عبدا في عقد النكاح، جاز، سواء كان إيجابا أو قبولا.
4960. التاسع والعشرون: يقول الولي للوكيل في القبول: زوجت فلانة من
فلان، ولا يقول: منك، ويقول الوكيل: قبلت لفلان، ولو قال: قبلت، وسكت،
فالأقرب، الانعقاد، ولو قبل الوكيل نكاحا ونواه لموكله، لم يقع له بخلاف البيع.
4961. الثلاثون: للأب أن يزوج ابنه الكبير المجنون، ولا يزيد على واحدة،
وإن جاز أن يزوج من الصغير أربعا، وكذا الجد، وهل يزوج الصغير المجنون؟
فيه نظر، أما المجنونة فيزوجها مع المصلحة وإن كانت صغيرة، ولو بلغت عاقلة،
ثم جنت، عادت ولاية الأب، وهل للمعتقة في المرض (2) تزويج نفسها؟ فيه
تردد، ينشأ من إمكان عودها إلى الرق، ومن حصول الحرية حالة العقد.

1. في «ب»: وثلاثة.
2. في «ب»: وهل للمعتقة في الزمن.
443

المقصد الثاني: في المحرمات
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه خمس عشرة امرأة محرمة، (1) منها ما هو
بالنسب، ومنها ما هو بالسبب.
فالنسب: الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنات الأخ وبنات الأخت.
والسبب ضربان: أحدهما يقتضى التأبيد، والآخر على الجمع; فالأول
الرضاع والمصاهرة وأسباب أخر، ونحن نذكر أحكام ذلك كله في فصول.
الفصل الأول: في المحرمات بالنسب
وفيه ثلاثة مباحث:
4962. الأول: المحرمات بالنسب سبعة:
الأم حقيقة ومجازا، فالحقيقة الوالدة، والمجاز أمهاتها وإن علون، وكذا أم
الأب وأمهاتها وأم الجد وأم أبي أم الأب.
والبنت حقيقة ومجازا، فالحقيقة بنت الصلب، والمجاز بنت البنت وبنت
الابن وإن نزلتا.
والأخت سواء كانت لأب أو لأم أو لهما.

1. النساء: 22 - 24.
445

والعمة سواء كانت حقيقة أو مجازا، فالحقيقة أخت الأب لأبيه أو لأمه أو
لهما، والمجاز أخت الجد وإن علا كذلك.
والخالة حقيقة ومجازا، فالحقيقة أخت الأم، والمجاز أخت أم الأم وإن
علت، وأخت أبي الأم، وإن علا، سواء كانت من أب أو أم أو منهما.
وبنات الأخ حقيقة ومجازا، فالحقيقة بنت الأخ، والمجاز بنت ابن الأخ، أو
بنت بنت الأخ، وإن سفلن.
وبنات الأخت حقيقة ومجازا، فالحقيقة بنت الأخت، والمجاز كبنت ابن
الأخت أو بنت بنت الأخت وإن سفلن، وهؤلاء يحرمن على التأبيد، والضابط
فيه أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه وفروع أول أصوله وأول فرع من كل
أصل بعد أصل وإن علا.
4963. الثاني: النسب يثبت بالوطء الصحيح والشبهة، ولا يثبت بالزنا
شرعا، فلو ولد من الزنا لم يلتحق به، ولا يحل له ولا لأولاده وآبائه وأعمامه
وطؤه إن كان أنثى، وإن كان ذكرا لم يحل له بنت الزاني، ولا ينعتق عليه لو ملكه،
أما المنفية باللعان، فإنها لا تحرم عليه إن لم يكن قد دخل بالأم، ولا على
غيره مطلقا.
4964. الثالث: لو وطئت المطلقة بالشبهة فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من
وطء الثاني ولأكثر من عشرة من وطء الأول لم يلتحق بأحدهما، ولو كان بين
العشرة والستة فهو له، وإن كان لستة من الثاني ولأقل من عشرة من الأول احتمل
القرعة ولحوقه بالثاني، وحكم اللبن تابع للنسب، ولو لاعن لنفي الولد بطل
النسب عن صاحب الفراش، وكان اللبن تابعا أيضا، ولو اعترف به بعد ذلك، عاد
نسبه، وليس له ميراث منه، بل الولد يرثه.
446

الفصل الثاني: في الرضاع
ومطالبه أربعة
[المطلب] الأول: في أركانه
وهي ثلاثة: المرضعة واللبن والمحل
فهاهنا أربعة مباحث:
4965. الأول: المرضعة كل امرأة حية والدة بالنكاح الصحيح، دائما كان أو
متعة أو ملك يمين وشبهه كنكاح الشبهة، وسواء كانت الولادة عن تمام أو سقط،
فلا اعتبار بلبن البهيمة، ولا لبن الرجل، ولا الميتة، ولا من در لبنها من غير ولادة،
ولا من لبنها من زنا، ويعتد بلبن المنكوحة بالشبهة على الأقوى.
ويستحب أن تكون عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة، (1) ويكره استرضاع
الكافرة فان اضطر استرضع الذمية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير،
وكره له تسليم الولد لتحمله إلى منزلها.
ويتأكد الكراهية في استرضاع المجوسية، ويكره أيضا استرضاع من
ولدت أو ولدت من زنا وذات البدعة في دينها والسوء في خلقها (2) والحمق.

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: امرأة وضيئة: أي حسنة جميلة.
2. في «أ»: والتشويه في خلقها.
447

4966. الثاني: لا يشترط دوام النكاح وقت الرضاع، فلو طلق الحامل أو
المرضع فأرضعت بعد مفارقته بلبنه نشر الحرمة، سواء أرضعته قبل انقضاء
العدة أو بعدها، انقطع لبنها ثم عاد، أو ثبت ولم ينقطع، وسواء زاد أو نقص، وكذا
لو تزوجت بآخر ودخل بها وحملت، ولو انقطع اللبن ثم عاد في وقت إمكانه
للثاني، كان له دون الأول، ولو اتصل حتى وضعت من الثاني، كان ما قبل الوضع
للأول وما بعده للثاني.
4967. الثالث: يشترط في اللبن وصول عينه صرفا إلى المحل بامتصاص
الطفل من الثدي، فلو حصل منه جبن أو أقط (1) أو مزج بغيره من مائع أو غيره
مؤثر في التغذية أو لا، لم ينشر الحرمة، وكذا لا اعتداد به لو وجر في حلقه، أو
سعط به، أو حقن، أو قطر في إحليله أو جراحة بحيث يصل إلى المعدة، وإنما
الاعتبار بما يرتضعه من الثدي.
ولو جعل في فم الصبي مائع ورضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا،
لم ينشر.
4968. الرابع: المحل هو معدة الصبي الحي، فلا اعتبار بإيصال اللبن
إلى جوف من تجاوز الحولين، ولو رضع العدد إلا رضعة، فتم الحولان ثم أكمله
بعدهما، أو أكمل الحولان ولم يرو من الأخيرة، لم ينشر، بخلاف ما لو تمت
الرضعة مع كمالهما، ولا اعتبار بإيصال اللبن إلى معدة الميت.

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: الأقط - بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن للتخفيف مع
فتح الهمزة وكسرها -: لبن يابس مستحجر يتخذ من مخيض الغنم.
448

المطلب الثاني: في شرائطه
وهي أربعة:
4969. الأول: أن يكون اللبن عن نكاح صحيح، وقد تقدم.
4970. الثاني: العدد وهو ما أنبت اللحم وشد العظم، أو يرتضع يوما
وليلة، أو خمس عشرة رضعة فما زاد، فلو رضع دون العشرة، لم يعتد به، وفي
العشرة قولان.
ويشترط في الرضعات أمور ثلاثة: ان تكون الرضعة كاملة، وتواليها،
وارتضاعها من الثدي، وتقدير الرضعة عرفي، وقيل أن يروي الصبي ويصدر من
قبل نفسه (1) فلو التقم الثدي وترك ثم عاود، فإن كان تركه أولا للإعراض، فهي
رضعة كاملة، وإن كان لا كذلك، كالتنفس، أو الالتفات إلى ملاعب، أو الانتقال
من ثدي إلى آخر، فهما رضعة واحدة، ولو منع قبل إكمال الرضعة، سقطت من
العدد، ونعني بتوالي الرضعات عدم الفصل برضاع أخرى، فلو رضع من واحدة
بعض العدد، ثم رضع أخرى، بطل حكم الأول.
ولو كان للرجل خمس عشرة مرضعة أو أقل فارتضع منهن العدد لم يعتد
ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة متوالية، ولو فصل لا برضاع امرأة
أخرى بل بوجور الصبي اللبن أو بحقنته أو بتسعطه 2 لم يعد فصلا، ولو شككنا
في العدد، فلا تحريم، ولو شككنا في وقوعه بعد الحولين فكذلك، تغليبا
لأصالة عدم التحريم على أصالة بقاء المدة.

1. لاحظ المبسوط: 5 / 294.
2. في «ب»: أو بتسعيطه.
449

4971. الشرط الثالث: وقوعه في الحولين بالنسبة إلى المرتضع، وهل يشترط
في ولد المرضعة ذلك؟ الأقرب عدمه، فلو كمل لولدها حولان، ثم أرضعت من
اللبن من له دونهما نشر الحرمة.
4972. الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد، فلو أرضعت اثنين بلبن فحلين، لم
يحرم أحدهما على الآخر، ولو أرضعت واحدا كمال العدد من لبن فحلين فلا
حرمة ولم تصر أما، ولو أرضعت بلبن فحل واحد جماعة حرم بعضهم على
بعض، ولو أرضعت زوجاته جماعة كل واحدة واحدا حرم التناكح بينهم أيضا.
المطلب الثالث: في أحكامه
وفيه أربعة عشر بحثا:
4973. الأول: إذا حصل الرضاع بشرائطه انتشرت الحرمة من جهة المرتضع
إلى المرضعة والفحل، ومنهما إليه، فأما من جهته إليهما، فإنما يتعلق به خاصة
وبنسله، دون من هو في طبقته، كإخوته وأخواته، أو أعلى منه، كأمهاته وجداته
وأخواله وخالاته، أو آبائه وأجداده وأعمامه وعماته، ويكون الحكم فيمن هو
في طبقته أو أعلى حكم من لم يحصل معه رضاع، فيجوز للفحل نكاح أخت
المرتضع ونكاح أمهاته وجداته، وإن كان للمولود أخ حل له نكاح المرضعة
ونكاح أمهاتها وأخواتها، كذا ذكره في المبسوط ثم قال: وروى أصحابنا أن
جميع أولاد هذه المرضعة وجميع أولاد الفحل يحرمون على هذا المرتضع
450

وعلى أبيه وجميع إخوته وأخواته وأنهم صاروا بمنزلة الإخوة والأخوات
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
وأما الحرمة المنتشرة من جهتهما إليه فإنها تعلقت بكل واحد منهما، ومن
كان من نسلهما وأولادهما، ومن كان في طبقتهما من إخوتهما وأخواتهما، ومن
كان أعلى منهما من آبائهما وأمهاتهما، وجملته: أنك تقدره بولدهما (1) من
النسب، فكل ما حرم على ولدهما من النسب، حرم عليه، فالمرضعة أم رضاعا،
وأختها خالة، وأخوها خال، وأمها جدة كلهن حرام عليه، ولو كان لأمه من
الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع، حرمت عليه إن كانت من النسب، وإن
كانت من الرضاع لم تحرم، وزوج المرضعة أب من الرضاع، وأخوه عم
المرتضع، وأخته عمته، وآباؤه أجداده، وان كان لهذا الفحل ولد من غير هذه
المرضعة فهو أخ لأب يحرم على المرتضع سواء كان من الولادة أو من الرضاع،
ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت جاز للابن نكاح الأخت، وهذه جملة
أصول الرضاع يهتدى منها إلى تفاصيل فروعه (2).
ونازع ابن إدريس في بعضها فقال: لا يجوز للفحل ان يتزوج بأخت
المرتضع ولا بجدته، كما لا يجوز في النسب أن يتزوج بأخت ابنه ولا بأم امرأته
- قال -: وليس التحريم في النسب لأجل المصاهرة، لأنه لا مصاهرة هناك. وهو
خطأ - قال -: وكذلك أم أم ولده من الرضاع تحرم كما حرمت من النسب (3) وفيه
ضعف لأنها حرمت في النسب للمصاهرة أيضا لا باعتبار النسب.

1. كذا في المصدر وفي بعض النسخ «كولدهما».
2. المبسوط: 5 / 292 - 293، نقله المصنف بتلخيص.
3. السرائر: 2 / 555.
451

4974. الثاني: كل من ينتسب إلى الفحل من الأولاد وإن نزلوا يحرمون على
هذا المرتضع، سواء كانوا أولادا نسبا أو رضاعا، وكل من ينتسب إلى المرضعة
ولادة وإن نزلوا يحرمون عليه، ولا يحرم عليه من ينتسب إليها بالبنوة رضاعا.
4975. الثالث: لا يجوز لأب المرتضع أن ينكح في أولاد صاحب اللبن
ولادة ولا رضاعا، ولا في أولاد زوجته المرضعة ولادة، لأنهم في حكم ولده،
وقد تقدم رواية أصحابنا في ذلك، أما أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن،
فهل لهم أن ينكحوا في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ الوجه، الجواز.
ولو أرضعت امرأة ابنا وبنتا لاثنين، جاز لإخوة كل منهما أن ينكح في
إخوة الآخر.
4976. الرابع: الرضاع بشرائطه إذا سبق النكاح منع من صحته، وإذا حصل
عقيبه أبطله، فلو تزوج رضيعة فأرضعتها امرأة محرمة عليه، فإن كانت عمته أو
خالته لم تحرم، وإن أرضعتها أمه أو أخته أو بنته حرمت عليه، وإن أرضعتها
امرأة أبيه، فإن كان بلبن أبيه حرمت عليه، وإلا فلا، وكذا التفصيل لو أرضعتها
امرأة ابنه أو أخيه.
ويثبت للمرضعة نصف المسمى إن تولت المرضعة إرضاعها، ويرجع
الزوج به على المرضعة إن قصدت الفسخ، وإن لم تقصد فلا رجوع على إشكال
في تضمين البضع، وإن انفردت المرتضعة بالارتضاع، مثل أن سعت إليها
فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة، سقط مهرها.
ولو زوج أم ولده بعبده الصغير، فأرضعته من لبن مولاه، حرمت على
العبد والمولى، وكذا لو تزوجت كبيرة بصغير، ثم فسخت إما لعيب، أو لعتق
متجدد، أو لغيرهما، ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني، حرمت عليهما معا.
452

4977. الخامس: لو أرضعت إحدى زوجتيه الأخرى، فإن كان بلبنه حرمتا
مؤبدا، وإن كان من غيره، فالأم كذلك والبنت أيضا إن كان دخل بالأم، وإلا
حرمت جمعا، وللصغيرة نصف المسمى، ويرجع به الزوج على الكبيرة،
وللكبيرة مهرها إن كان دخل بها، وإلا فلا شئ لها، لأن الفرقة جاءت منها
قبل الدخول.
ولو أرضعت الكبيرة زوجتيه، حرمن إن كان دخل بالكبيرة، وإلا فالكبيرة
مؤبدا والصغيرتان جمعا.
ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين ثم الأخرى، حرمن كلهن
وقيل: تحرم المرتضعة وأولى المرضعتين وقواه الشيخ (1) وهو ضعيف، ولو
أرضعت بعد طلاقه زوجته الأخرى حرمتا أيضا.
4978. السادس: لو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا معا، وعليه نصف
مهر الصغيرة، ولا يرجع به على الأمة، ولا يزول ملكه عنها، ولو كانت أمته غير
موطوءة لم تحرم الزوجة، ولم ينفسخ نكاحها، ولو كانت مكاتبته رجع عليها،
لأن السيد يثبت له حق على مكاتبته، ولو كانت موطوءة بالعقد رجع به عليها
بعد العتق.
4979. السابع: لو تزوج كل من الرجلين بامرأة الآخر بعد الطلاق،
ثم أرضعت إحداهما الأخرى، حرمت المرضعة عليهما معا، والمرتضعة
على من دخل بالمرضعة.

1. لاحظ المبسوط: 5 / 300 - 301; والنهاية: 456.
453

ولو طلق زوجتيه، فتزوجهما آخر وأرضعت إحداهما الأخرى، حرمت
الكبيرة عليهما معا مؤبدا والصغيرة على من دخل بالكبيرة.
ولو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة، ثم أرضعت جدتهما أحدهما،
انفسخ النكاح، لأن المرتضع إن كان هو الذكر، فهو عم زوجته أو خالها، وإن كان
الأنثى فهي عمته أو خالته.
4980. الثامن: لو أرضعت زوجته زوجتين من ثلاث صغائر بلبن غيره
دفعة واحدة، بأن تعطي كل واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة، حرمت الكبيرة
عينا، والصغيرتان كذلك، إن كان دخل بالكبيرة، وإلا جمعا، فإن أرضعت الثالثة
حرمت عينا، إن كان دخل بالكبيرة، وإلا لم تحرم عينا ولا جمعا، ولو أرضعت
إحدى الثلاثة ثم الأخيرتين دفعة، حرمت الكبيرة عينا، والأولى كذلك إن كان
دخل، وإلا جمعا، والأخيرتان عينا إن كان دخل، وإلا جمعا أيضا، ولو أرضعتهن
على التعاقب، حرمت عينا والأولى إن كان دخل بها، وإلا جمعا، وأما الثانية، فإن
كان دخل بالأم حرمت عينا، وإلا لم تحرم عينا ولا جمعا، وأما الثالثة فيحتمل
تحريمها خاصة، كمن تزوج بأخت امرأته، فإن التحريم يختص بها، ويحتمل
تحريمها مع الثانية، لأنهما بإرضاع الثالثة صارتا أختين في حالة واحدة،
فانفسخ نكاحهما دفعة واحدة، وهو قوي، هذا إذا لم يدخل بالأم، فإن كان
قد دخل حرمن كلهن مؤبدا.
4981. التاسع: لو أرضعت زوجاته الثلاث الرابعة، حرمت المرضعات
مؤبدا والصغيرة كذلك إن كان قد دخل بإحداهن، وإلا جمعا، ولو أرضعت بنات
زوجته الثلاث ثلاث زوجاته، (1) كل بنت زوجة دفعة بأن يرضعن الرضعة الأخيرة

1. قال المحقق الثاني: لو كان له زوجة كبيرة وثلاث صغائر، وللكبيرة ثلاث بنات مراضع،
فأرضعت كل واحدة منهن صغيرة من الثلاث الرضاع المحرم. جامع المقاصد: 12 / 252.
454

في حالة واحدة، حرمت الكبيرة لأنها جدة زوجاته، فإن كان دخل بها حرمت
الصغائر مؤبدا، وإلا انفسخ نكاحهن، وجاز له تجديد العقد عليهن جمعا، لأنهن
بنات خالات، ولكل من الصغائر نصف المسمى، يرجع به الزوج على
المرضعات، وللكبيرة النصف إن لم يكن دخل، والجميع مع الدخول، يرجع به
الزوج أيضا على البنات، ولو تعاقب الإرضاع حرمت الكبيرة بالأولى، وحرمت
الصغيرة إن كان دخل بالكبيرة عينا، وإلا جمعا، وأما الثانية والثالثة فإن كان دخل
بالكبيرة فإنهما تحرمان مؤبدا، ولهما نصف المسمى، ويرجع على مرضعة كل
واحدة به، وإن لم يكن دخل كان نكاحهما بحاله.
ولو أرضعت أم زوجته الكبيرة الزوجة الأخرى، انفسخ نكاحهما، لأن
الصغيرة أخت، ولو أرضعتها جدتها صارت خالة، ولو أرضعتها أخت الكبيرة،
فالكبيرة خالة، فإن رضيت فلا فسخ، لأنه يجوز الجمع بين المرأة وخالتها، وإن
أرضعتها أم أبي الكبيرة، فالصغيرة عمة للكبيرة، لأنها أخت أبيها، وانفسخ النكاح
هنا، إذ لا يمكن اعتبار رضا العمة لصغرها.
ولو أرضعت امرأة أخ الكبيرة الصغيرة، فالكبيرة عمة إن رضيت لم ينفسخ
النكاح وينفسخ النكاح في كل هذه المواضع للجمع، ولا تحرم للتأبيد سواء
دخل بالكبيرة أو لا.
4982. العاشر: يحرم من المصاهرة في الرضاع ما يحرم منها في النسب،
فمن تزوج امرأة لها أم من الرضاع أو بنت، حرمتا عليه مؤبدا، ولو كان لها أخت
من الرضاع، حرمت جمعا لا عينا، ولو كان لها بنت أخ أو بنت أخت حرمتا جمعا
إن لم ترض العمة والخالة، وإلا فلا تحريم.
455

ولو نكح الأب من الرضاع أو الابن امرأة حرم على الآخر نكاحها، ولو
زنى بامرأة حرم عليه أمها من الرضاع، إن قلنا بالتحريم في النسب.
ولو لاط بغلام حرم عليه أمه وأخته وبنته من الرضاع كالنسب، وبالجملة
حكم الرضاع حكم النسب في التحريم سواء، وللابن أن ينكح أم البنت التي
لم ترضعه.
ولو أرضعت امرأة صبيين صارا أخوين، ولكل منهما أن ينكح أم أخيه من
النسب، بخلاف الأخوين من النسب، لأن أم الأخ من النسب إنما حرمت لأنها
منكوحة الأب بخلاف أم الأخ من الرضاع، وكذا لو كان لأخيه من النسب أم من
الرضاع، جاز له أن يتزوج بها، وكذا لو أرضعت أمه من النسب صبيا صار أخاه،
وكان له أن يتزوج أمه.
4983. الحادي عشر: لو وطأ الأب زوجة الابن للاشتباه، ففي تحريمها على
الولد إشكال، منشأه الآية (1)، وأصالة التحليل، وتردد الشيخ فيه (2)، والأقرب،
التحليل، فعلى التحريم لو لم يعلم الولد فوطئها حرمت عليهما معا، ولها على
الولد، المسمى إن كان دخل قبل الفسخ، وإلا فالنصف ومهر المثل لوطئها
بالشبهة، وعلى الأب مهر المثل أيضا، ولا يرجع الابن على الأب، وإن كان قد
حال بينه وبينها، بخلاف ما لو أرضعتها أمه، لأن الأب لزمه مهر المثل بالوطء،
ولا يجب عليه ثانيا، أما الأم فلم يجب عليها للزوجة مهر بإرضاعها، ويحتمل
الرجوع، لأن المهر ثبت على الأب بوطئه وإتلاف بضعها عليها، ووجب لولده

1. (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء). النساء: 22.
2. لاحظ المبسوط: 5 / 305 - 306.
456

عليه لأجل الحيلولة، فلا يسقط أحدهما بالآخر، وقواه الشيخ تفريعا على
التحريم (1) وهو قوي.
4984. الثاني عشر: قد بينا أن اللبن تابع للنسب، فلو زنى بامرأة
وأرضعت بلبنه مولودا، لم يصر أبا، ولا المرضعة أما، ولا الولد أخا، أما لو وطأ
لشبهة فأتت بولد ورضعت من لبنه، كان المرتضع تابعا، فإن لحق الولد بالأول،
فالمرتضع كذلك، وكذا الثاني، ولو انتفى عنهما، بأن أتت به لأقل من ستة أشهر
من وطء الثاني ولأكثر من عشرة من وطء الأول، فالمرتضع منفي عنهما أيضا،
ولو أمكن إلحاقه بهما ألحق بمن تخرجه القرعة، فمن خرج اسمه فهو له، وتبعه
المرتضع، وليس لولد الشبهة أن يتزوج ببنت أحدهما قبل القرعة، وأما بعدها
فيجوز له نكاح بنت من انتفى عنه بها، ولو نفى الرجل الولد باللعان، فأرضعت
الأم بلبنه كانت أما للمرتضع، ولم يكن الزوج أبا، ولو استلحقه بعد اللعان لحق
به، وورثه الولد، وهو لا يرث الولد، وكان الرضيع تابعا أيضا.
4985. الثالث عشر: لو أرضعت أم ولده زوجة ولده، حرمت زوجة الولد
عليه مؤبدا دون أم الولد على الوالد، وللصغيرة نصف المسمى على الولد، قال
الشيخ: ويرجع به على سيدها كما لو جنى عبده القن فاختار أن يفديه، ويضمن
أقل الأمرين من القيمة أو نصف المسمى. 2
4986. الرابع عشر: لو أرضعت امرأة صغيرة فتزوج بهما رجل قبل إكماله
صح، فإن أكملته انفسخ نكاحهما، وحرمت الكبيرة مؤبدا والصغيرة كذلك إن
كان دخل بالكبيرة، وإلا جدد العقد إن شاء، وللصغيرة نصف المهر، ويرجع

1. المبسوط: 5 / 306.
2. المبسوط: 5 / 310.
457

الزوج به على الكبيرة، إن انفردت بإرضاعها، وللكبيرة المهر إن كان دخل بها،
وإلا فالنصف إن لم تكن سببا في الفسخ وإلا فلا.
المطلب الرابع: في لواحقه
وفيه سبعة مباحث:
4987. الأول: لا يثبت الرضاع إلا بشاهدين عدلين، وقال بعض علمائنا:
يثبت بشهادة رجل وامرأتين وأربع نساء أيضا. (1) وهو متروك، ولو أقر الرجل
قبل العقد أو المرأة، ثبت حكم التحريم، ولو أقر أحدهما بعد العقد، لم يلتفت
إليه إلا بالبينة أو تصديق الآخر له، لكن إن كان المقر الزوج قبل الدخول، انفسخ
النكاح، وكان لها نصف المهر، ولو كان معه بينة أو صدقته فلا شئ عليه، وله
إحلافها مع ادعاء العلم، وإن كان بعد الدخول، ثبت لها المهر المسمى كملا،
سواء أقام بينة أو لا، صدقته أو لا، وإن كان المرأة (2) لم يقبل قولها.
ويستحب له أن يطلقها لتحل لغيره، ولا يندفع النكاح لو لم يطلقها، لكنها
لا تقدر على طلب المهر، ولو كان مقبوضا لم يقدر الزوج على استرداده مع
الإنكار، فإن ادعت علمه بذلك، أحلف على نفي العلم، فإن حلف فهي على
النكاح، وإلا حلفت على القطع وفرق بينهما.
4988. الثاني: لو أقر بالرضاع مع عدم الاحتمال، لم يؤثر تحريما، كمن
أقر لأصغر سنا منه أنها أمه من الرضاع، فإنها لا تحرم عليه، وكذا لو أقر لعبده
وهو أكبر سنا منه، أنه ابنه، لم يعتق عليه.

1. ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة: 222، وسلار في المراسم: 233.
2. عطف على قوله: «إن كان المقر الزوج».
458

4989. الثالث: إذا أقر أحدهما قبل العقد بالرضاع المحرم، ثم رجع،
وقال: وهمت، أو كذبت، لم يقبل رجوعه في ظاهر الحكم، ويدين فيما بينه
وبين الله تعالى، فإن كان صادقا في الأول، حرمت ظاهرا وباطنا، وإن كان كاذبا،
حرمت ظاهرا خاصة.
4990. الرابع: لا تقبل الشهادة في الرضاع إلا مفصلة، فلو شهد بأن هذا
ابن هذا من الرضاع أو أخوه، لم يسمع حتى يقولا: نشهد أنها أرضعته خمسة
عشر رضعة متفرقات، خلص اللبن منهن إلى جوفه في الحولين بمص الثدي،
لم يفصل بينهن برضاع أخرى.
ويبني الشاهدان في وصول اللبن إلى الجوف على الظاهر من تحريك
شفتيه عند التقام الثدي المعلوم وجود اللبن فيه مصا على العادة حتى يصدر من
قبل نفسه للشبع لا للعود، ولا يكفي أن يحكي القرائن فيقول: رأيته قد التقم
الثدي وحلقه يتحرك، ولو أدخلته تحت ثيابها، ولم يشاهداه ملتقما ثديها لم يجز
لهما أن يشهدا.
4991. الخامس: قد بينا أن الرضاع إنما يستتبع أحكامه لو حصل اللبن عن
ولادة، وهو إنما يتحقق في المرأة، فالخنثى إذا ولدت حكم بأنها امرأة إلا على ما
يروى في الشواذ: ان خنثى ولدت وأولدت فينشر لبنها الحرمة إن كانت امرأة،
وإن كانت ذكرا لم ينشر، وإن كان مشكلا، وقف المولود على ما ينكشف منه،
فإن كان رجلا لم ينشر وإلا نشر (1).
4992. السادس: قال الشيخ في الخلاف: إذا حصل الرضاع المحرم، لم يحل

1. لم نعثر على الرواية لكن أفتى به الشيخ في المبسوط: 5 / 314 - كتاب الرضاع -.
459

للفحل نكاح أخت المرتضع بلبنه، ولا لأحد من أولاده من غير المرضعة ومنها،
لأن أخواته وإخوته صاروا بمنزلة أولاده (1) وليس بمعتمد، والوجه جواز النكاح
بين أخت المرتضع وأولاد صاحب اللبن، وقد تقدم.
4993. السابع: روي أنه إذا ربت المرأة جديا بلبنها، فإنه يكره لحمه ولحم
ما كان من نسله عليها، وليس ذلك بمحظور (2).
الفصل الثالث: في المصاهرة
وفيه تسعة مباحث:
4994. الأول: من وطأ امرأة بالعقد الصحيح أو الملك أو الإباحة، حرم
عليه أمها وإن علت، وبناتها وإن نزلن، سواء كن بنات بنت أو بنات ابن، وسواء
تقدمت ولادتهن أو تأخرت، وسواء كن ربائب في حجره أو لم تكن، تحريما
مؤبدا بالعقد الدائم والمنقطع وملك اليمين، ولو عقد ولم يدخل حرمت أم
الزوجة وإن علت، تحريما مؤبدا على أشهر الروايتين، وحرمت بناتها وإن نزلن
تحريم جمع، بمعنى أنه لو طلق الأم قبل الدخول، جاز له العقد على البنات،
لكن يكره له ذلك إذا نظر من الأم إلى ما يحرم على غيره النظر إليها.
وكذا تحرم على الجمع أخت الزوجة، سواء دخل بالزوجة أو لم يدخل،

1. الخلاف: 5 / 93، المسألة 1 من كتاب الرضاع.
2. لاحظ الوسائل: 14 / 308، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1 - 2.
460

فإن طلق الزوجة طلاقا بائنا، جاز له العقد على أختها في الحال، وإن كان رجعيا،
لم يجز حتى تخرج من العدة، فإن عقد على الأختين دفعة واحدة، كان عقدهما
باطلا على ما اختاره في المبسوط (1) وهو مذهب ابن إدريس (2) وفي النهاية يختار
أيهما شاء (3) وبه رواية صحيحة (4) وإن عقد مرتبا كان عقد الثانية باطلا دون
الأولى، ويحرم أيضا على الجمع بين بنت أخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضا
العمة والخالة، فلا يجوز له الجمع بين العمة وبنت الأخ ولا بين الخالة وبنت
الأخت إلا برضا العمة والخالة، سواء تقدم عقدهما أو تأخر، وسواء كانت العمة
والخالة حقيقية كالعمة الدنيا والخالة الدنيا أو مجازا كالعمة العليا والخالة العليا،
فإن عقد على بنت الأخ أو بنت الأخت ومعه العمة أو الخالة كان العقد موقوفا،
إن أجازتاه صح ولم يكن لهما بعد ذلك اختيار، وإن فسختاه بطل.
وقال ابن إدريس: يكون العقد باطلا ولابد من تجديده مع الرضا (5) وهل
للعمة والخالة فسخ نكاحهما واعتزال الزوج؟ قال الشيخ: نعم، (6) واختاره ابن
إدريس وجعل ذلك فسخا لا طلاقا، ولا نفقة لها فيه، وله أن يتزوج بأختها في
الحال. (7) وعندي فيه نظر، فإن طلق واحدة منهما بائنا، جاز له العقد على بنت
الأخ أو بنت الأخت في الحال، وان كان رجعيا لم يجز إلا برضاهما أو بعد العدة،
وهكذا حكم الرضاع في جميع ما تقدم.

1. المبسوط: 4 / 206.
2. السرائر: 2 / 522 و 536.
3. النهاية: 454.
4. لاحظ التهذيب: 7 / 285 برقم 1203، والوسائل: 14 / 367 - 368، الباب 25 من أبواب ما
يحرم بالمصاهرة، الحديث 1 و 2.
5. السرائر: 2 / 545.
6. النهاية: 459.
7. السرائر: 2 / 545.
461

وله أن يدخل العمة والخالة على بنت الأخ أو بنت الأخت، ولا يعتبر رضا
المدخول عليها.
4995. الثاني: تحرم حليلة الابن، وهي منكوحته بالعقد، أو الملك، أو
الإباحة، تحريما مؤبدا، ولو عقد الابن ولم يدخل حرمت أيضا مؤبدا على الأب،
وكذا تحرم منكوحة الأب على الولد، سواء كانت منكوحة بالعقد، أو الملك، أو
الإباحة، تحريما مؤبدا، وسواء كانت المعقود عليها مدخولا بها أو لا.
ولا فرق بين الأب الحقيقي والمجازي، وكذا في طرف الولد، فتحرم على
الولد منكوحة الجد لأبيه أو لأمه وإن علا، وعلى الأب منكوحة ابن ابنه أو ابن
بنته وإن نزل، وسواء كان أب النسب أو الرضاع، وكذا الولد ولا تحرم أم منكوحة
أحدهما على الآخر، وإن علت، ولا بناتها وإن نزلن.
نعم يكره للرجل أن يتزوج ابنه بنت امرأته المدخول بها إذا كان قد رزقت
بعد مفارقتها له، ولو كانت ولادتها متقدمة على نكاح الأم لم يكن مكروها.
4996. الثالث: لا تحرم مملوكة الأب على الابن مؤبدا بمجرد الملك، ولا
مملوكة الابن على الأب بذلك، ولو وطأ أحدهما مملوكته حرمت على الآخر
تحريما مؤبدا، ولا يجوز للولد أن ينكح مملوكة أبيه إلا بالإذن أو الملك، فإن
فعل من غير شبهة كان زانيا، وعليه الحد والمهر مع الإكراه، وفي المطاوعة
إشكال، وقوى الشيخ (رحمه الله) سقوطه، لعموم النهي عن مهر البغي (1) ولو حملت
فالولد مملوك للمولى لا ينعتق عليه، ولو كان بشبهة 2 سقط الحد، فإن حملت
من الشبهة عتق على الأب، ولا قيمة على الابن، وأما المهر فكما تقدم، ولا تصير

1. المبسوط: 4 / 201.
2. في «أ»: لشبهة.
462

أم ولد، لأنها علقت بمملوك ثم عتق بالملك لأجل النسب، وكذا لا يجوز للأب
أن يطأ جارية ابنه من غير إذن أو عقد، فإن فعل فلا حد سواء وطئها الابن قبل
ذلك أو لا، وعليه المهر مع الشبهة، وأما مع العلم فإن كانت مكرهة وجب، وإلا
فالأقرب سقوطه، ولو حملت لم ينعتق، وعلى الأب فكه إلا أن يكون أنثى،
والأقرب أنها لا تصير أم ولد، ولو كان الولد صغيرا، جاز للأب أن يقوم مملوكته
على نفسه، ثم يطأها بالملك.
4997. الرابع: يجوز الجمع بين الأختين في الملك، ولا يجوز الجمع
بينهما في الوطء، فإذا وطأ إحداهما حرمت الأخرى حتى تخرج الموطوءة من
الملك ببيع، أو هبة، أو كتابة، وكذا لا يجمع بينهما وبين عمتها ولا خالتها في
الوطء إلا برضا العمة أو الخالة، ويجوز الجمع بينهما في الملك.
ولا يكفي في تحليل الأخرى رهن الأولى، لأن المنع من الوطء لحق
المرتهن لا للتحريم ولا استبرائها أيضا، فإن باع الموطوءة أو كاتبها، فوطأ
الأخرى ثم ردت عليه الأولى بعيب أو فسخ كتابة لم تحل له المردودة حتى
يحرم التي وطئها، فإن وطأ الثانية بعد وطء الأولى قبل إخراجها عنه، وكان
عالما بتحريم ذلك عليه، قال الشيخ (رحمه الله) حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية،
فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى، لم يجز له الرجوع إليها، وإن
أخرجها من ملكه لا لذلك، جاز له الرجوع إلى الأولى - قال: - وإن لم يعلم
تحريم ذلك عليه، جاز له الرجوع إلى الأولى على كل حال، إذا أخرج الثانية
من ملكه (1).

1. النهاية: 455.
463

والأقرب عندي أن الثانية محرمة دون الأولى، لكن يستحب له التربص
حتى يستبرئ الثانية، ولو أخرج الأولى من ملكه، حلت الثانية، ولا حد عليه على
التقادير، ولو كان له أمتان أختان فوطأ إحداهما، حرمت الأخرى، وإن كاتب
الموطوءة، حلت له الأخرى، فإن فسخ الكتابة للعجز قبل وطء الأخرى، كان
مخيرا بين الأمتين.
4998. الخامس: إذا تزوج امرأة جاز له شراء أختها لا وطئها بملك اليمين،
سواء كان شراؤها متقدما على النكاح، أو متأخرا، ولو كانت له أمة يطؤها بملك
اليمين، جاز له أن يتزوج بأختها، فتحرم عليه الأمة ما دامت الثانية في حبالته،
وتحل له المنكوحة وإن لم يحرم التي وطئها ببيع أو شبهه (1).
ويجوز أن يتزوج بأخت أخيه إذا لم تكن أختا له (2) وروي أن تركه
أفضل (3) وكذا يجوز للسيد أن يتزوج بأختي عبده إذا كانت إحداهما أخته من أبيه
والأخرى من أمه.
ويجوز أن يجمع بين المرأة وزوجة أبيها، (4) أو وليدته إذا لم تكن
امها، وبين امرأة الرجل وبنت امرأته إذا كانت من غيره، ويحل أن يزوج الرجل

1. في «ب»: وشبهه.
2. قال الشيخ في المبسوط: 4 / 207، ما هذا نصه: يجوز للرجل أن يتزوج بأخت أخيه، بيانه:
رجل له ابن تزوج بامرأة لها بنت، فولد له منها ابن، فهذا الابن هو أخو الابن الكبير لأبيه وهو
أخو البنت لأمها، فيجوز للكبير أن يتزوج بتلك الصبية وهي أخت أخيه.
3. انظر النهاية للشيخ الطوسي (قدس سره): 460، ولاحظ الوسائل: 14 / 279، الباب 6 من أبواب ما
يحرم بالنسب.
4. في «ب»: ابنها.
464

ابنه بأم امرأته أو ابنتها، وروي كراهية أن يتزوج الرجل بضرة أمه مع غير أبيه (1).
4999. السادس: من قبل جاريته بشهوة أو لمسها كذلك، لم يتعلق به تحريم
أختها، وكذا لو نظر إلى فرجها، ولا تحريم أمها ولا بنتها، وقال الشيخ: تحرم (2)
وهو ممنوع، وهل تحرم على أبيه وابنه بمجرد النظر أو التقبيل أو اللمس من غير
وطء؟ قال الشيخ: نعم (3) ونحن نمنع ذلك، ونحمل النهي (4) على الكراهية عملا
بالأصل، ولو نظر إلى ما يسوغ لغير مالكها النظر إليه، أو قبل أو لمس بغير شهوة
لم ينشر الحرمة إجماعا.
5000. السابع: الزنا الطارئ لا ينشر الحرمة، فلو زنا بأم امرأته بعد العقد أو
بابنتها، أو لاط بأخيها أو ابنها أو أبيها، لم تحرم امرأته عليه، وكذا لو زنى الأب
بجارية الابن وبالعكس لم تحرم على مالكها، وقال الشيخ: تحرم سواء زنى بها
قبل الوطء أو بعده. (5) وقال الشيخ إذا زنى بجارية أبيه قبل أن يطأها الأب حرم
على الأب المالك وطؤها، وإن كان قد وطئها بعد وطء الأب لم تحرم (6)
وليس بمعتمد.
أما الزنا السابق على العقد، فالمشهور أن من زنى بعمته أو خالته حرمت
عليه ابنتاهما أبدا، ويلوح من كلام ابن إدريس المنع (7) وكذا لو لاط بغلام أو رجل
فأوقب، فإنه تحرم على اللائط أم المفعول به وأخته وبنته تحريما مؤبدا، سواء

1. لاحظ الوسائل: 14 / 389، الباب 42 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.
2. الخلاف: 4 / 308 - 309، المسألة 81 و 82 من كتاب النكاح.
3. النهاية: 451 و 496.
4. لاحظ التهذيب: 7 / 281 - 282 برقم 1192.
5. المبسوط: 4 / 198.
6. النهاية: 452.
7. السرائر: 2 / 529 - 530.
465

كان اللواط بإيقاب الحشفة بكمالها أو بجزئها بعد أن يتحقق الإيقاب، وسواء
كانا صغيرين، أو كبيرين، أو بالتفريق، ولا تحرم على المفعول به أقارب الفاعل،
ولا تحريم مع عدم الإيقاب من الطرفين، وتحرم مع الإيقاب جدة المفعول وإن
علت وبناته وإن نزلن.
ولو كانت له أم أو أخت أو بنت من الرضاع، فالأقرب تحريمهن أيضا،
ولا تحرم بنت أخيه ولا أخت أبيه.
ولو لاط المجنون، فالأقرب، التحريم عليه بعد زوال عذره، ولو لاط
مكرها على إشكال أو تشبه عليه بامرأته فكذلك.
أما الزنا السابق بغير ذلك ففيه روايتان: إحداهما أنه ينشر حرمة المصاهرة
كالوطء الصحيح (1) والأخرى لا ينشر (2) واختلف علماؤنا باعتبار الروايتين على
قولين، فعند الشيخ تحرم أم المزني بها وابنتها، ويحرم على الأب من زنى بها
الابن وبالعكس (3) وخالف المفيد (4) و السيد المرتضى (5) في ذلك.
5001. الثامن: وطء الشبهة وعقدها، هل ينشر حرمة المصاهرة أم لا؟
قال الشيخ: نعم (6)، وفيه إشكال أقربه أنه لا ينشر، وإن سقط الحد معه، ولحق به
الولد، ولا فرق بين شبهة العقد، كمن تزوج فاسدا مثل نكاح الشغار مع
عدم علمه بالتحريم، وبين شبهة الوطأ، كمن وطأ امرأة اشتبهت عليه بزوجته،
وبين شبهة الملك، كمن اشترى جارية شراء فاسدا، أو تشبهت عليه أمة

1. لاحظ التهذيب: 7 / 329 برقم 1352.
2. لاحظ التهذيب: 7 / 329 برقم 1353 و 1354.
3. المبسوط: 4 / 202.
4. المقنعة: 504.
5. الناصريات: 318، المسألة 149.
6. المبسوط: 4 / 203.
466

الغير بأمته، الحكم في ذلك كله سواء، وحكم الرضاع في جميع ما تقدم،
حكم النسب.
5002. التاسع: أقسام الوطء ثلاثة:
مباح طلق، فيتعلق به تحريم المصاهرة، سواء كان بعقد أو ملك يمين، أو
إباحة، فتحرم به أم الموطوءة وإن علت على الواطئ وبناتها وإن نزلن، وتحرم
الموطوءة خاصة على أب الواطئ وإن علا، وعلى ابنه وإن نزل تحريما مؤبدا،
وتصير به هؤلاء المحرمات محرما، فيجوز له النظر إلى أم الموطوءة وابنتها.
وحرام محض، كالزنا، فإنه لا يتعلق به تحريم المصاهرة على الأقوى، ولا
يقتضي حرمة المحرم إجماعا.
ووطء شبهة، ففي اقتضائه تحريم المصاهرة خلاف، تقدم، ولا يقتضي
حرمة المحرم إجماعا، ولو أكره امرأة على الزنا، لم يثبت تحريم المصاهرة على
الأقوى، لأن هذا الوطء زنا في حقه.
الفصل الرابع: في باقي الأسباب الموجبة للتحريم المؤبد
وفيه ستة مباحث:
5003. الأول: لا يجوز للرجل أن يدخل بزوجته إذا لم يبلغ سنها تسع سنين،
فإن دخل، فعل حراما، ثم إن أفضاها فرق بينهما، ولم تحل له أبدا، وعليه ديتها
467

والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما، وإن لم يفضها ففي التحريم الأبدي
إشكال، والشيخان رحمهما الله أطلقا القول بالتحريم على من وطأ امرأته لدون
تسع سنين، ولم يشترطا الإفضاء (1) وكذا أطلق ابن إدريس التحريم الأبدي
بمجرد الوطء، قبل التسع، لكنه قال: إنها لا تبين منه إلا بطلاق أو موت، ولا يلزم
من التفريق بينهما والتحريم أبدا بينونتها منه (2) والظاهر أن مراد الشيخين بالتحريم
ووجوب التفريق أبدا، البينونة، وفي الحديث 3 ما يساعد قول ابن إدريس.
5004. الثاني: من تزوج امرأة في عدتها عالما بالتحريم والعدة معا فرق
بينهما، ولم تحل له أبدا، سواء دخل بها أو لم يدخل، وسواء كانت عدة الطلاق
الرجعي، أو البائن، أو عدة الوفاة.
وإن كان عالما بأحدهما، فإن دخل بها حرمت أبدا، وعليه المهر، وعليها
عدتان: تمام العدة من الزوج الأول وعدة أخرى من الثاني، وإن لم يدخل، كان
العقد فاسدا، وله استئنافه بعد الانقضاء.
والدخول يتحقق بالوطء في القبل، أما الوطء في الدبر فالأقرب أنه
كذلك، ولو وطأ من غير استئناف عقد مع علمه ببطلان الأول، فالأقرب دخوله
تحت الزاني بذات العدة.
وإن كانت المرأة عالمة بذلك، لم يجز لها الرجوع إلى هذا الزوج بعقد
آخر، ولا فرق بين تزويج الدوام والمتعة في ذلك.
ولو دخل مع الجهل، فحملت، لحق به الولد إن جاء لستة أشهر فصاعدا
منذ دخل بها، ولا يسقط مهرها عن الأول، ولو علمت بالتحريم فلا مهر لها على

1. النهاية: 453; والمقنعة: 747 (واشترط الإفضاء فيها).
2. السرائر: 2 / 530 - 531.
3. لاحظ التهذيب: 10 / 249 برقم 984.
468

الثاني، هذا إذا تغاير الزوج، أما لو تزوج بها المطلق ثلاثا في عدتها من غير
محلل، ففي التحريم مؤبدا نظر.
ولو تزوج بذات بعل لشبهة، كمن طلق رجعيا ثم راجع ولم يعلم المرأة
فتزوجت بآخر بعد قضاء العدة ظاهرا، ودخل بها الثاني، فإن النكاح الثاني باطل
إجماعا، وهل تحرم مؤبدا؟ لا نعرف لعلمائنا فيه فتوى، وحمله على ذات العدة
قياس، مع أن الأقرب ذلك، وثبوت الحكم فيه بطريق التنبيه لا القياس، وكذا لو
بلغها موت زوجها أو طلاقه، فتزوجت على ظاهر الحال.
ولو تزوج بذات بعل عالما، حرمت أبدا «وفي رواية صحيحة عن عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«إن من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم، فطلقها الأول أو مات
عنها، ثم علم الأخير، أيراجعها؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها» (1).
وعن زرارة عن الباقر (عليه السلام) في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوجت، ثم
قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة،
وليس للآخر أن يتزوجها أبدا. (2) وفي طريقها ابن بكير، وهي تدل على مساواة
النكاح للعدة؟
5005. الثالث: من زنى بذات بعل سواء دخل بها البعل أولا، أو في عدة
رجعية، حرمت عليه أبدا، سواء علم في حال زناه كونها ذات بعل أو عدة

1. الوسائل: 14 / 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
2. الوسائل: 14 / 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
469

رجعية، أو لم يعلم، ولو زنى بذات عدة بائن، أو عدة وفاة، فالوجه أنه لا تحرم
عليه، عملا بالأصل، وليس لأصحابنا في ذلك نص وعلى ما قلناه من التنبيه
يحتمل التحريم مع العلم، لأنا قد بينا ثبوته مع العقد، فمع التجرد عنه أولى،
وهو الأقرب.
ولو زنى بمتمتع بها في المدة، حرمت أبدا، ولو انقضت المدة قبل انقضاء
العدة، فالإشكال كما قلناه في عدة البائن، والتحريم يحصل مع الزنا في القبل أو
الدبر، لصدق اسم الزنا عليهما.
ولو زنى بذات بعل لشبهة، فالوجه التحريم، أما الأمة الموطوءة، فالوجه
أنها لا تحرم، ولو زنى بامرأة ليست ذات بعل ولا في عدة، فإنها لا تحرم عليه وإن
لم تتب، وشرط الشيخ (قدس سره) في بعض أقواله التوبة (1)، وكذا لو كانت مشهورة بالزنا،
ولو زنت امرأته فكذلك لا تحرم عليه وإن أصرت.
5006. الرابع: المحرم إذا عقد على امرأة، فإن كان عالما بالتحريم، حرمت
عليه أبدا، سواء دخل بها أو لم يدخل، وإن لم يكن عالما بالتحريم، فسد عقده،
ولا تحرم مؤبدا، بل يجوز له العقد عليها بعد الإحلال وإن كان عالما بالإحرام،
ولم يفرق علماؤنا بين الدخول وعدمه، بل أطلقوا القول بجواز المراجعة مع
الجهالة، إلا ابن إدريس، فإنه قال: إنها تحرم أبدا مع الدخول وإن كان جاهلا (2)،
ولا نعرف مستنده في ذلك.
ولا فرق بين أن يكون الإحرام للحج أو العمرة، ولا بين الإحرام الواجب
أو التطوع، والوجه أن الإحرام في الحج الفاسد كذلك، (إذ) (3) يحرم عليه ما يحرم

1. النهاية: 458.
2. السرائر: 2 / 525.
3. ما بين القوسين يوجد في «أ».
470

في الصحيح. ولو زنا بها في إحرامه، فالوجه أنها لا تحرم مؤبدا، ولا فرق بين
التزويج الدائم والمنقطع في ذلك.
والظاهر أن مراد علمائنا بالعقد في المحرم، والعقد في ذات العدة، إنما هو
العقد الصحيح الذي لولا المانع ترتب عليه أثره، أما العقد الفاسد، فإن كان العاقد
يعلم فساده، فلا اعتبار به، وإن لم يعلم فساده، كمن اعتقد تسويغ نكاح الشغار
لشبهة، ففي الاعتداد به إشكال، أقربه أنه كالصحيح.
5007. الخامس: من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا، وكذا لو قذف زوجته
الصماء والخرساء بما يوجب اللعان لو لم تكن صماء أو خرساء، ولو قذفها بما
لا يوجب اللعان لولا المانع لم تحرم عليه، وكذا لو قذف غيرهما من النساء،
سواء كانت ذات عيب أو لا، ولو كانت صماء بغير خرس، فقذفها بما يوجب
اللعان، حرمت أبدا على إشكال.
5008. السادس: من طلق امرأته تسع تطليقات للعدة، ينكحها بينها رجلان،
حرمت على المطلق أبدا، وظاهر هذه الفتوى يتناول الحرة، لأن الأمة تفتقر إلى
نكاح أربعة رجال، فحينئذ يحتمل تحريمها في الست إذ الطلقتان للأمة بمنزلة
الثلاث للحرة، وفيه ضعف، وتحريمها في التاسعة إذا نكحها بينها أربعة رجال
لصدق التطليقات التسع، ونكاح رجلين عليها، وهو ضعيف أيضا، وعدم
التحريم في طرف الأمة مطلقا، وهو أقواها، وإن كان لا يخلو عن نظر.
ولا فرق في التحريم في طرف الحرة بين الزوج الحر وغيره، ولو تخلل
بين الطلقات التسع للحرة طلقات للسنة (1) ونكحها أكثر من رجلين، فالوجه
ثبوت التحريم المؤبد.

1. في «أ»: «طلقات الستة» والصحيح ما في المتن.
471

الفصل الخامس: في باقي المحرمات بقول مطلق
وفيه أربعة عشر بحثا:
5009. الأول: قد بينا أحكام المحرمات على التأبيد، وبقي حكم المحرمات
في حال دون أخرى، وهذا الفصل مقصور على ذلك، فمن عقد على امرأة حرم
على غيره نكاحها، سواء كان العقد دائما أو منقطعا ما دامت في حباله، فإذا فارقها
بموت أو طلاق جاز نكاحها، وكذا لا يجوز الجمع بين الأختين في النكاح
الدائم، والمنقطع، وملك اليمين، وقد تقدم ذلك، فإن عقد على إحدى الأختين
حرمت الأخرى حتى يطلق الأولى، فإن طلقها بائنا جاز له العقد على أختها في
الحال، وكذا لو ماتت، وإن طلقها رجعيا، لم تحل له الثانية حتى تخرج الأولى من
عدتها، فإن عقد على الثانية، والأولى في حبالته، كان العقد باطلا، فإن وطأ الثانية
فرق بينهما، قال الشيخ (رحمه الله): ولا يرجع إلى الأولى حتى تخرج التي وطأها من
عدتها، فإن جاءت بولد وكان جاهلا لحق به (1) والأقرب عندي جواز الرجوع إلى
الأولى من غير انتظار العدة، ولا فرق في ذلك كله بين الدائم والمنقطع، وقد
روي في المتمتعة إذا انقضى أجلها: أنه لا يجوز [له] العقد على أختها حتى
تنقضي عدتها، (2) والوجه عندي الاستحباب في ذلك وجواز العقد على الأخت
بعد انقضاء الأجل في الحال.

1. النهاية: 454.
2. لاحظ الوسائل: 14 / 369، الباب 27 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، وأفتى به الشيخ في
النهاية: 455.
472

5010. الثاني: لا يجوز العقد على الأمة وعنده حرة إلا بإذن الحرة، فإن
عقد من غير استئذان، قال الشيخ: تتخير الحرة في الفسخ والإمضاء والاعتزال، (1)
وقال ابن إدريس: يقع باطلا لا يؤثر الرضا في صحته بل يفتقر إلى تجديده (2)
ولو قيل بوقوعه موقوفا كان حسنا، أما القول بجواز فسخ عقد الحرة
المقدم فضعيف.
ولو عقد عليهما في حالة واحدة كان العقد على الحرة ماضيا، وعقد الأمة
باطل عند الشيخ (3) وابن إدريس (4) ولو قيل بوقوعه موقوفا كان وجها.
ولو عقد على الحرة وعنده زوجة أمة، كان العقد ماضيا ولا خيار للأمة
هنا، ولا فيما تقدم، ثم إن كانت الحرة عالمة، فلا خيار لها أيضا، وإن لم تكن
عالمة بأن له زوجة أمة، كانت بالخيار في عقد نفسها بين الفسخ والإمضاء، ولا
خيار لها في عقد الأمة.
ومتى اختارت الحرة العقد على الأمة المتقدمة أو المتأخرة، لم يكن لها
بعد ذلك اختيار، ولا خيار للحرة لو كانت له أمة ينكحها بالملك، وحكم المتمتع
بها حكم الدوام، فلو تمتع بأمة على حرة، كان للحرة فسخ عقدها، أو يقع باطلا
على الخلاف.
ولو جمعهما في عقد، صح عقد الحرة، وبطل عقد الأمة.
ولو عقد على الحرة، وعنده أمة متمتع بها، تخيرت الحرة في
فسخ نكاحها.

1. النهاية: 459; ولاحظ التبيان: 3 / 169 - 170 (ذيل الآية 25 من سورة النساء).
2. السرائر: 2 / 546.
3. لاحظ النهاية: 459.
4. لاحظ السرائر: 2 / 547.
473

ولو عقد على الحرة دائما، وعنده أمة متمتع بها، فالوجه ثبوت الخيار
للحرة أيضا، وكذا لو عقد على حرة دائما، ثم على أمة متمتع بها، فان الحرة
تتخير (1) وكذا لو جمعهما في عقد، وكذا البحث لو كانت الحرة متمتعا بها،
والأمة دائما.
5011. الثالث: شرط بعض علمائنا (2) في نكاح الأمة دائما أمرين: عدم
الطول وهو العجز (3) عن المهر والنفقة، وخوف العنت، وهو المشقة من الترك،
فمن وجد الطول، أو أمن من العنت، لم يجز له نكاح الأمة، ومن جمع الشرطين
جاز له العقد على أمة واحدة لا غير، والأقرب أنهما شرطان في الندبية لا الجواز،
فيكره لفاقدهما العقد على الأمة وإن كان سائغا.
5012. الرابع: لا يجوز للحر أن يعقد على أكثر من أربع حرائر بالعقد الدائم،
فمن تزوج أربعا من الحرائر بالدوام، حرم عليه ما زاد غبطة إلا أن يفارق إحدى
الأربع بموت، أو طلاق، أو ما أشبهه من اللعان وشبهه، فإن ماتت إحداهن أو
طلقها بائنا جاز له العقد على أخرى في الحال وإن طلقها رجعيا لم يجز له العقد
حتى تخرج المطلقة عن عدتها.
ولو ادعى إقرارها بانقضاء العدة، فأنكرت، فالقول قولها، وعليه النفقة،
وكان له أن يتزوج بالرابعة أو بالأخت.
ولو كان له ثلاث، فتزوج اثنتين في عقد واحد، قيل: يتخير أيتهما شاء (4)

1. في «أ»: تتخير بها.
2. الشيخ في المبسوط: 4 / 214.
3. كذا في «ب» ولكن في «أ»: عدم الطول وهو عدم الثروة والعجز.
4. اختاره الشيخ في النهاية: 454، وابن البراج في المهذب: 2 / 184.
474

وقيل: يقع باطلا (1) وكذا لو تزوج اثنتين عقيب طلاق الرابعة أو موتها، ولو رتب
ثبت عقد الأولى خاصة.
ولو تزوج خمسا في عقد واحد، فالأقرب البطلان مع احتمال التخيير،
ويجوز له أن يعقد بالمتعة على من شاء من غير حصر في أربع، وإن كان الأفضل
أن لا يتجاوزهن، وكذا يجمع بين أي عدد كان في الوطء بملك اليمين.
5013. الخامس: لا يجوز للحر أن يعقد من الإماء دائما على أكثر من
أمتين، ويجوز أن يعقد منقطعا على أكثر من اثنتين.
ويجوز للحر أن يجمع في الدائم بين حرتين وأمتين، وبين ثلاث حرائر
وأمة، ولا يجوز له أن يجمع بين ثلاث حرائر وأمتين، ولا بين أربع حرائر وأمة،
ولا بين ثلاث إماء وإن لم تكن معهن حرة، ولا فرق في الإماء بين القن، وأمهات
الأولاد، والمكاتبات المشروطة، والمطلقات اللواتي لم يؤدين شيئا.
أما المطلقة إذا أدت شيئا، ومن انعتق بعضها، ففي تحريم ما زاد على اثنتين
منهن إشكال، أقربه التحريم، تغليبا لجانب الحرمة، ويجوز أن يعقد على الإماء
أي عدد شاء في المتعة وكذا ينكح بملك اليمين ما شاء، وكذا الإباحة.
5014. السادس: لا يجوز للعبد أن يعقد على أكثر من حرتين غبطة، ويجوز أن
يعقد على أربع إماء كذلك، وعلى حرة وأمتين، ولا يجوز له العقد على حرة
وثلاث إماء، ولا على حرتين وأمة، ولا حصر في المنقطع والتحليل في الحرائر
والإماء كالحر، ولو انعتق بعض الأمة فهي كالحرة بالنسبة إليه، تغليبا للحرمة، وإن
ألحقناها بالأمة في الحر للعلة.

1. وهو خيرة ابن حمزة في الوسيلة: 344، والحلي في السرائر: 2 / 539.
475

أما من انعتق بعضه، فالأقرب أنه بحكم الحر في العدد.
وحكم العبد بحساب ما فيه من الجهتين، ولا يباح له أكثر من حرتين أو
أمتين أو حرة وأمتين.
5015. السابع: لا تحرم الحامل من الزنا على الزاني، ولا على غيره، ولا يفتقر
في إباحة العقد عليها إلى الوضع.
5016. الثامن: من طلق الحرة ثلاث طلقات بينها رجعتان، حرمت عليه
حتى تنكح زوجا غيره، سواء كانت تحت حر أو عبد، فإذا طلقها الثاني أو مات
عنها، جاز للأول العقد عليها إن حصل شرائط المحلل الآتية فيما بعد، وهكذا
دائما في طلاق السنة تحرم بعد كل ثلاث وتحل مع المحلل، أما طلاق العدة فقد
بينا أنها تحرم في تسع.
أما الأمة فإذا طلقها زوجها الحر أو العبد طلقتين، حرمت على الزوج حتى
تنكح غيره، فإذا نكحت غيره وفارقها، جاز للأول العقد عليها، وهكذا تحرم بعد
كل طلقتين، وتحل مع المحلل، والإشكال في الفرق بين طلاق العدة والسنة في
الأمة تقدم، ومن انعتق بعضها ففي عدد طلاقها إشكال.
5017. التاسع: من منع من نكاح الأمة مع وجود الطول وأمن العنت، سوغ
نكاحها مع وجود من يقرضه المهر، ومع رضا الحرة بتأخير صداقها، أو تفويض
بعضها، لأن لها أن تطالبه بعرض (1) صداقها، فيجب في الذمة، فيلحقه الضرر،
وكذا يجوز مع وجود واهب، واقتصر في التسويغ على الواحدة، فإن تزوج
أمتين دفعة، بطل العقد عنده، وإن رتب، ثبت عقد الأولى، ولو عقد دفعة على
أربع حرائر وأمة، فسد عقد الأمة خاصة.

1. في «أ»: بفرض.
476

ولو تزوج الأمة ثم وجد الطول لم يفسد عقده إجماعا.
ولو قال بعد العقد: كنت واجدا للطول حين العقد، وصدقه المولى، حكم
بفساد العقد في حقهما، وإن كذبه ففي حقه خاصة، ولو كان ذا مال فقال: استفدته
بعد العقد، فالقول، قوله.
ولو تزوج بأمة أبيه، ثم ورثها، بطل النكاح، فإن وصى بها أبوه لغيره،
وخرجت من الثلث، فان اختار الموصى له إمضاء العقد، صح، وإلا كان له فسخه،
ولو كان القبول بعد الوفاة، وقلنا الملك به بطل النكاح، وإن قلنا أنه كاشف عن
الملك حين الوفاة فلا بطلان، وهكذا التفصيل لو قلنا بانتقال الموصى به إلى
الوارث، أما إذا قلنا ببقائه على حكم مال الميت، وهو الحق، فلا بطلان
على التقديرين.
5018. العاشر: لا يجوز للعبد أن يتزوج الأمة على الحرة كما قلنا في الحر
الا برضا الحرة، وكذا لا يجمع بينهما في عقد واحد من دون الرضا.
5019. الحادي عشر: لو كانت تحته حرة صغيرة لا يمكنه وطؤها، جاز
له نكاح الأمة على القولين، وكذا لو كانت كبيرة غائبة لا يصل إليها على إشكال،
ولو وجد ما يشتري به أمة جاز له العقد على الأمة إذا لم ترغب إليه حرة.
5020. الثاني عشر: من تزوج امرأة ثم علم أنها كانت قد زنت، لم يكن
له فسخ العقد، ولها الصداق عليه، ولا يرجع به على الولي، وفي رواية
له الرجوع. (1)

1. لاحظ التهذيب: 7 / 425 برقم 1698.
477

5021. الثالث عشر: إذا تزوجت المطلقة ثلاثا، وشرطت على المحلل في
العقد أنه لا نكاح بينهما، بطل العقد، وقيل يلغو الشرط خاصة.
ولو شرطت الطلاق، صح النكاح، وبطل الشرط والمهر، ولها مهر المثل
مع الدخول، ولو لم تصرح بالشرط وكان في نيتهما ذلك، أو نية الزوجة أو الولي،
لم يفسد النكاح.
وكل موضع حكم فيه بصحة العقد، فإنها تحل على الزوج الأول
مع الدخول، والفرقة، وانقضاء العدة، وكل موضع حكم فيه بفساد العقد
فإنها لا تحل.
5022. الرابع عشر: نكاح الشغار باطل، وهو أن يزوج بنته أو وليته برجل على
أن يزوجه الرجل بنته أو وليته، ويجعلا بضع كل واحدة مهرا للأخرى، ولو عقدا
كذلك فلا نكاح بينهما.
ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي
مهرا لبنتك، صح نكاح بنته، وبطل نكاح بنت المخاطب، ولو قال: على أن يكون
نكاح بنتك مهرا لبنتي، بطل نكاح بنته، وصح نكاح بنت المخاطب.
ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن صداق كل واحدة
منهما مائة، صح النكاح وقال الشيخ (رحمه الله) وبطل المهر، لأنه جعل صداق كل واحدة
تزويج الأخرى وشيئا آخر، فيبطل الشرط فيبطل المهر (1) ولا فرق بين اختلافهما
في المهر واتفاقهما، وإنما حكم بصحة النكاح هنا لأنه لم يشترك في البضع اثنان
بخلاف الأولى التي جعل بضع كل واحدة منهما ملكا للرجل بالزوجية
وللبنت بالمهر.

1. المبسوط: 4 / 244.
478

ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن بضع كل واحدة
منهما مع عشرة دراهم مهرا للأخرى، بطل أيضا.
ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، ولم يعين مهرا، صح
النكاحان، ووجب مهر المثل.
ولو قال: زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك وتكون رقبة جاريتي
صداقا لبنتك، صح النكاحان معا.
479

المقصد الثالث: في نكاح المشركات وأنكحة الكفار والإماء والعبيد والمتعة ومباحث أخر
وفيه فصول
الفصل الأول: في نكاح المشركات
وفيه ثلاثة مباحث:
5023. الأول: لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابيات من سائر أصناف الكفار،
سواء كان بعقد دوام، أو متعة، أو ملك يمين، بلا خلاف، أما الكتابيات من اليهود
والنصارى والمجوس، فالمشهور تحريمهن بالعقد الدائم، وفي المتعة وملك
اليمين روايتان (1) أقربهما الجواز على إشكال في المجوسية، هذا في الابتداء،
ويجوز في الكتابيات استدامته، كأن يسلم الذمي وعنده كتابية، فإنه
يستديم نكاحها.
5024. الثاني: اليهود لهم كتاب التوراة، والنصارى لهم الإنجيل، أما

1. لاحظ التهذيب: 7 / 296 - باب من يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب -; والوسائل: 14،
الباب 1 و 4 و 6 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه.
481

المجوس «فقيل: كان لهم كتاب، ثم نسخ ورفع من بين أظهرهم، فلهم شبهة
كتاب، فلحقوا بالكتابيين في أحكامهم.
أما السامرة فهم قوم من اليهود ويخالفونهم في بعض الفروع، فحكمهم
حكم أهل الذمة وقيل: ليسوا منهم، فحكمهم حينئذ حكم الحربيين.
أما الصابئون، فقيل: هم نصارى، وقيل: إنهم يخالفونهم في الأصول،
ويقولون إن الفلك ناطق، ويعبدون الكواكب، فحكمهم حكم الحربيين أيضا.
وأما من له كتاب غير التوراة والإنجيل من الكفار، فحكمهم حكم
الحربي أيضا، وذلك مثل صحف إبراهيم وزبور داود.
وأما من انتقل إلى دين أهل الكتاب، فإن كان بعد النسخ، كانوا بحكم
الحربيين أيضا، وإن كان قبله، فحكمهم حكم أهل الذمة.
5025. الثالث: إذا قلنا بجواز نكاح الذمية، ثبت لها ما ثبت للزوجات
المسلمات من الحقوق، كالسكنى، والنفقة، والكسوة، والقسم، وأحكام الإيلاء
من مطالبته بالفئة عند انتهاء المدة أو الطلاق، ويثبت له عليها حقوق الأزواج،
كالتمكين من الاستمتاع، والسكنى حيث شاء، ويجوز له وطؤها قبل الغسل من
الحيض أو النفاس عند انقطاعهما، ولو قلنا بالمنع في المسلمة فكذا هاهنا،
فيلزمها الغسل، وإن لم يصح منها النية، تحصيلا لحق الآدمي وإن تعذر تحصيل
حق الله تعالى، وكذا لو كانت مسلمة مجنونة، فإنه يجبرها على الغسل، وإن لم
يصح منها النية، وأما الغسل من الجنابة، فالأقرب أنه ليس له إجبارها عليه.
والحاصل أن كل ما يمنع من الاستمتاع، فله إجبارها على إزالته، وكل ما
482

يمنع من كمال الاستمتاع ففي إجبارها عليه نظر، ومالا يمنع منه ولا من كماله
فليس له إجبارها عليه، فطول شعر البدن والأظفار، إن منع لمن الاستمتاع أجبرت
على إزالته، وإلا فلا.
وله منعها من البيعة والكنيسة، والخروج من بيتها، وشرب الكثير من
الخمر، وفيما دون الإسكار احتمال.
فلو كانت مسلمة وأرادت شرب النبيذ على مذهب الحنفي، منعت.
وفي منع الكافرة من أكل لحم الخنزير احتمال، قوى الشيخ (رحمه الله) عدم
المنع (1) وكذا ليس له منع المسلمة عن أكل الثوم، والبصل، وأشباههما، وله منع
المشركة من لبس جلد الميتة ومن النجاسات التي تتعدى إليه.
الفصل الثاني: في إسلام أحد الزوجين
وفيه أربعة عشر بحثا:
5026. الأول: إذا أسلم زوج الكتابية دونها، فهو باق على نكاحها، سواء
أسلم قبل الدخول أو بعده، ويجوز له نكاحها بالعقد السابق مع كفرها، ويكون
حكمها ما تقدم، سواء كانا في دار الإسلام، أو في دار الحرب، أو اختلفت
الداران بهما.

1. المبسوط: 4 / 211.
483

ولو أسلمت الكتابية دون زوجها، فإن كان قبل الدخول، انفسخ العقد ولا
مهر لها، وإن كان بعده انتظر عدة الطلاق، فإن أسلم فيها، كان النكاح باقيا، وإن
انقضت على كفره، بانت منه، ولها المهر، وقال الشيخ: إن كان الزوج بشرائط
الذمة، كان النكاح باقيا غير أنه لا يمكن من الخلوة بها ولا من الدخول عليها
ليلا (1) وليس بمعتمد.
والعدة للحرة ذات الأقراء ثلاثة، وللأمة قرءان، ولغيرها ثلاثة أشهر، ولو
كانت آيسة في سن من تحيض، انتظرت العدة بالأشهر أيضا مع الدخول.
5027. الثاني: إذا أسلمت دونه بعد الدخول، فقد قلنا أنها تنتظر العدة، وعليها
نفقتها، سواء خرجت العدة وهو باق على الشرك، أو أسلم قبل الانقضاء.
5028. الثالث: غير الكتابيين من أي أصناف الكفار كانوا، إذا أسلم أحد
الزوجين منهم، فإن كان قبل الدخول، انفسخ النكاح في الحال، سواء كان
المسلم الرجل أو المرأة، ولو كان بعد الدخول انتظرت العدة، فإن أسلم الآخر
فيها، كان النكاح باقيا، وإلا انفسخ العقد، ولا فرق بين أن يكون المسلم الرجل أو
المرأة، ولا اعتبار بالدار في هذا الحكم، وعلى الزوج نفقة العدة مع الدخول، كما
قلنا هاهنا إن كانت هي المسلمة، ولو كان المسلم هو، فإن انقضت العدة قبل
إسلامها، لم تكن لها نفقة، وإن أسلمت في الأثناء كان لها النفقة عن المستقبل،
وفيما مضى وجهان، أقواهما السقوط.
فلو قال: أسلمت بعد شهرين من إسلامي، فلا نفقة فيهما علي، وقالت: بل

1. النهاية: 457.
484

بعد شهر، فالقول قوله مع اليمين، وكذا لو قالت: قبل انقضاء العدة، فالزوجية
باقية، ولي النفقة، فقال: بل بعد الانقضاء، فلا نفقة، فالقول قوله.
ولو أسلم أحدهما وتخلف الآخر حتى انقضت العدة، وقعت البينونة،
ولو (1) اختلفا فقال الزوج: أنا أسلمت وتخلفت أنت، فلا نفقة لك، وقالت: بل
أسلمت أنا فلي النفقة، احتمل تقديم قوله، عملا بثبوت البينونة، وأصالة براءة
الذمة، وقولها، لوجوب النفقة عليه أولا، والأصل البقاء.
5029. الرابع: إذا أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع حرائر وثنيات بالعقد
الدائم، فأسلمن، أو كن كتابيات وإن لم يسلمن، تخير أربعا، وفارق البواقي،
سواء ترتب عقده عليهن، أو وقع دفعة واحدة، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر
في المرتبات إن كان حرا، ولو كن إماء وحرائر، تخير أمتين وحرتين أو أربع
حرائر، ولو كن أربعا لا أزيد، ثبت عقده عليهن، ولا اختيار.
ولو أسلمت المرأة وقد تزوجت باثنين، فإن كان مترتبا، كان عقد الثاني
باطلا، وإن وقعا دفعة، بطلا معا، ولا اختيار لها فيهما.
ولو أحرم عقيب إسلامه، كان له الاختيار حالة الإحرام، لأنه ليس
ابتداء عقد.
والعبد يستديم حرتين، أو حرة وأمتين، أو أربع إماء.
5030. الخامس: إذا أسلم الكافر عن أم وبنتها زوجتين، فإن كان قد دخل بهما،
حرمتا معا أبدا، وإن كان قد دخل بالبنت خاصة، ثبت عقدها وحرمت الأم

1. في «ب»: فلو.
485

مؤبدا، وإن كان قد دخل بالأم خاصة، حرمت البنت مؤبدا، وهل تحرم الأم
مؤبدا بمجرد العقد على البنت هنا؟ قال الشيخ: نعم (1).
وإن لم يكن دخل بهما، قال الشيخ: يتخير أيتهما شاء 2، إذ عقد الشرك لا
يحكم بصحته إلا بانضمام الاختيار في حال الإسلام، ولهذا لو تزوج عشرا،
فاختار منهن أربعا، لم يجب للبواقي مهر ولا نفقة ولا متعة بمنزلة من لم يقع
عليهن عقد، فإذا اختار الأم كان بمنزلة من لم يعقد على البنت، ويحتمل لزوم
نكاح البنت، إذ عقد الشرك صحيح، كما لو تزوج أختين، فإنه يختار أيتهما شاء،
فيكون صحيحا فيهما، وصحة النكاح في البنت، يقتضي التحريم المؤبد في
الأم، واختيار الشيخ هنا لا يجامع اختياره في الثالث.
ولو كانت الأم والبنت أمتين له، فإن كان وطئهما حرمتا معا أبدا، وإن وطئ
إحداهما حرمت الأخرى كذلك، وإن لم يكن وطئ شيئا منهما تخير.
5031. السادس: لو أسلم عن أختين، تخير أيتهما شاء، وخلى سبيل الأخرى،
سواء دخل بهما أولا، وكذا لو كان عنده امرأة وعمتها أو خالتها إذا لم تجز العمة
والخالة نكاح بنت الأخ أو بنت الأخت، ولو أجازتا صح نكاح الجميع، وكذا لو
أسلم عن حرة وأمة.
5032. السابع: لو أسلم الحر عن أكثر من أمتين زوجات، تخير اثنتين
منهن، ترتب عقدهن أو اتفق، وسواء دخل بهن أو لا، وسواء كان واجدا
للطول أو لا، ولو أسلم عن حرة وثلاث إماء، فان أسلمن معه، ثبت نكاح الحرة،

1. المبسوط: 4 / 221.
2. المبسوط: 4 / 221.
486

وبطل نكاح الإماء إن لم ترض الحرة، وإن رضيت اختار اثنتين منهن، وانفسخ
نكاح الثالثة.
ولو أسلمت الحرة خاصة، ثبت نكاحها ووقف نكاح الإماء على رضاها،
فإن أجازته اختار اثنتين، إن أسلمن في العدة، أو كن كتابيات.
ولو أسلمت الإماء خاصة، فإن أسلمت الحرة في العدة ثبت نكاحها،
وكان حكم الإماء ما تقدم، وإن انقضت على الشرك، بطل نكاحها، واختار اثنتين
من الإماء.
ولو طلق الحرة قبل إسلامها بائنا، فإن انقضت العدة على الشرك تبين أن
الفرقة وقعت حين اختلاف الدين، وإن أسلمت في العدة، ثبت الطلاق، واختار
من الإماء اثنتين، ومن منع من نكاح الإماء مع الطول لا يبطل نكاح الإماء بثبوت
نكاح الحرة قبل الطلاق.
5033. الثامن: لو أسلم وعنده ثماني حرائر، فأسلم معه أربع، كان له اختيارهن
وانتظار الباقيات، فإن خرجت العدة وهن على الشرك، وقع الفسخ في
المشركات، وثبت نكاح الأربع، والاعتداد من حين اختلاف الدين، وإن أسلمن
في العدة، كان له أن يختار أربعا من شاء منهن، فينفسخ نكاح الآخر من حين
الاختيار، ويعتددن من ذلك الوقت أيضا.
ولو أسلم أربع، وكانت البواقي كتابيات، كان له أن يختار الكتابيات، وإن
بقين على الكفر، فينفسخ نكاح المسلمات من حين الاختيار.
5034. التاسع: لو أسلم عن أربع إماء زوجات، فأسلمت واحدة، كان
487

له اختيار المسلمة وانتظار الباقيات، فإن أسلمن قبل انقضاء العدة، كان له أن
يختار اثنتين، وانفسخ نكاح الباقيتين من حين الاختيار، وإن أقمن (1) على الكفر
حتى انقضت العدة، حصلت البينونة باختلاف الدين، وكان نكاح الأولى لازما
بغير اختياره.
ولو اختار فسخ نكاح المسلمة، لم يكن له لأن الباقيات قد لا يسلمن إلى
انقضاء العدة، فيكون نكاحها لازما، فلو فسخ نكاحها لم يصح الفسخ في الحال،
إلا أن تسلم اثنتان، ويختار نكاحهما، فينفسخ نكاح الأولى والزائد على الاثنتين،
ولو اختار نكاح الأولى احتمل عدم صحة الاختيار، لأن فسخه لم يصح،
والصحة لأن الفسخ إنما لا يصح إذا قامت البواقي على الكفر إلى انقضاء العدة،
فأما إذا أسلمن فيها، فإن فسخ نكاح من شاء صحيح.
وكذا لو كان عنده ثماني حرائر فأسلمن أربع، لم يكن له فسخ نكاحهن
إلا أن يسلمن الباقيات، فإن فسخ قبل إسلامهن ثم أسلمن، ففي جواز اختيارهن
ما تقدم من الاحتمال.
5035. العاشر: قد بينا أنه يجوز أن ينكح الإماء مع وجود الطول، ومنع
بعض علمائنا من ذلك 2. فعلى المنع لو أسلم فأسلم بعضهن وهو معسر، ثم
أسلم بعضهن وهو موسر، اختار نكاح من أسلم وهو معسر، لانفساخ نكاح من
أسلم وهو موسر، إذ الاعتبار بحال اجتماع إسلامه وإسلامها، وهو حالة
الاختيار، واليسار لا يمنع من الاختيار للأولى لتجدده.

1. في «ب»: فإن أقمن.
2. الشيخ في المبسوط: 4 / 214.
488

5036. الحادي عشر: لو أسلم عن حرة وأربع زوجات إماء، فأسلم الإماء
معه ثم أعتقن وتأخرت الحرة قال الشيخ: لم يكن له اختيار الإماء قبل العتق،
لتمسكه بالحرة، ولا بعده، لأن وقت الاختيار وقت اجتماع إسلامه واسلامهن
وهن حينئذ إماء (1) فإن لم يختر وأسلمت الحرة في العدة، ثبت نكاحها، وانفسخ
نكاحهن، إلا أن تخير فله أن يختار اثنتين، وإن لم تسلم اختار اثنتين من الإماء لا
أزيد، لأن المراعى وقت ملك الاختيار - وهن حينئذ إماء - لا وقت وجوده.
ولو خالف واختار، فإن أسلمت الحرة في العدة، انفسخ نكاح البواقي
والتي اختارها، إلا أن تخير الحرة، وإن لم تسلم ففي صحة نكاح الاثنتين اللتين
اختارهما احتمال.
أما لو أعتقن قبل إسلام الزوج وإسلامهن، ثم أسلم وأسلمن، أو بعد
إسلامه قبل إسلامهن، ثم أسلمن، كان له أن يختار أربعا، لأن حالة الاختيار حالة
اجتماع إسلامه وإسلامهن، فإن اختارهن، انفسخ نكاح الحرة باختياره إن
أسلمت في العدة، وباختلاف الدين إن لم تسلم، وإن أخر الاختيار حتى تسلم
الخامسة قال الشيخ: كان له ذلك 2 ويحتمل إلزامه باختيار ثلاث منهن وتأخير
اختيار الرابعة، لينظر حال الخامسة، إذ يلزمه نكاح ثلاث منهن، فلا معنى لتأخير
الثلاث الأخر، فإن أسلمت في العدة، تخير بينها وبين الرابعة، وإن انقضت عن
الشرك، ثبت عقد الأربع.
5037. الثاني عشر: لو أسلم العبد عن أمتين وأربع حرائر، فأسلمن، كان
له أن يختار أمتين وحرة، أو حرتين، وليس للأمتين أن تختارا فراقه،

1. المبسوط: 4 / 225.
2. المبسوط: 4 / 226.
489

وهل للحرائر ذلك؟ قال الشيخ: نعم (1) فيبقى عنده أمتان يثبت عقده عليهما.
5038. الثالث عشر: لو كان تحت العبد أربع إماء فأسلمن، ثم أعتقن،
وتأخر إسلامه، كان لهن اختيار الفسخ، فيكملن عدة الحرائر إن أسلم في العدة،
وإن بقي على الشرك حتى انقضت العدة، بن بالاختلاف وظهر بطلان الفسخ،
لمصادفته (2) البينونة وهل يكملن عدة الحرائر؟ فيه وجهان، والمقام، (3) فإن أسلم
في العدة، اختار اثنتين، وإن انقضت على الشرك انفسخ النكاح من حين
الاختلاف، وتثبت العدة منه، وهل يكملن عدة الحرائر؟ قوى الشيخ عدم ذلك
للبراءة (4). ولو اخترن المقام قبل إسلامه، لم يعتد به، ولا يسقط حقهن من الفسخ
عند إسلامه، وإن سكتن عن اختيار الفسخ والمقام، لم يبطل، لأنه على التراخي،
فإن أقام الزوج على الشرك حتى انقضت العدة، وقع الفسخ باختلاف الدين،
وكان ابتداء العدة من حين الفسخ، وقوى الشيخ (رحمه الله) أنهن لا يكملن عدة الحرة (5).
وإن أسلم فيها، فإن اخترن فراقه، انفسخ النكاح واعتددن حينئذ عدة الحرائر،
وإن اخترن المقام تخير اثنتين.
ولو أسلم العبد قبلهن، ثم أعتقن، كان لهن اختيار الفسخ، فإن كن
مشركات، فلا حكم لاختيارهن المقام معه، فإن انقضت العدة على الشرك،
انفسخ نكاحهن، وإن أسلمن، تخير اثنتين.
وخيار المعتقة على الفور، ولو ادعت عدم علمها بالعتق، وكان مما

1. المبسوط: 4 / 226.
2. في «أ»: لمصادقة.
3. عطف على قوله «اختيار الفسخ» أي كان لهن اختيار المقام.
4. المبسوط: 4 / 227.
5. المبسوط: 4 / 227.
490

يخفى عليها، كان القول قولها مع اليمين، وإلا فلا، ولو ادعت جهالة الحكم، قوى
الشيخ القبول منها (1) والقول قولها مع اليمين.
ولو أعتق العبد والأمة معا، قال الشيخ لا خيار لها (2) ولو أعتقت دونه ولم
يعلم حتى أعتق، ففي ثبوت الخيار وجهان، وقال بعض علمائنا بثبوت الخيار
للمعتقة وإن كانت تحت حر فلا يسقط خيارها بعتقه هنا.
5039. الرابع عشر: لو أسلم العبد عن أربع حرائر، وأسلمت معه اثنتان
ثم أعتق ثم أسلمت الباقيتان، كان له أن يختار اثنتين، لأنه حين ثبوت الاختيار
كان عبدا، فإذا اختار اثنتين، وفارق اثنتين، كان له أن يتزوجهما، لأنه حر، ولو
أسلم، ثم أعتق، وأسلمن، لزمه نكاح الأربع، لأنه يجوز له نكاح الأربع وقت
اجتماع الإسلام.
الفصل الثالث: في الاختيار وكيفيته
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5040. الأول: إذا أسلم الحر وتحته أربع كتابيات، ثبت عقده عليهن، ولو كن
وثنيات أو مجوسيات، انتظرت العدة، فإن أسلمن ثبت عقده عليهن ولا خيار له،
وإن انقضت العدة على الشرك، انفسخ النكاح من حين الاختلاف، ولا خيار، أما

1. المبسوط: 4 / 228.
2. المبسوط: 4 / 228.
491

لو كن أكثر من أربع حرائر وثنيات، فأسلمن في العدة مع الدخول، وجب عليه
أن يختار أربعا، ويفارق البواقي من حين الاختيار، ويعتددن من تلك الحال، فإن
امتنع من الاختيار سجنه الحاكم، فإن اختار، وإلا أخرجه وعزره، فإن امتنع أعاده
إلى السجن، فإن اختار، وإلا أخرجه ثانيا وعزره، فإن اختار، وإلا أعاده إلى
السجن، وهكذا إلى أن يختار، وليس للحاكم أن يختار عنه، ولو جن بعد إسلامه
اختار الولي عنه.
5041. الثاني: يجب على الزوج الإنفاق على الجميع إلى أن يختار، فتسقط
النفقة على من اختار فراقها، فإن مات قبل الاختيار وتحته ثماني نسوة، وجبت
عدة الوفاة على الجميع، فإن كن حوامل اعتددن بأبعد الأجلين، وإن كن آيسات
أو صغائر اعتددن بأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كن من ذوات الأقراء اعتددن
بأبعد الأجلين أيضا، وهو أربعة أشهر وعشرة أيام وثلاثة أقراء، ويوقف سهم
الزوجة لهن، فان اصطلحن إما بالتخصيص لبعضهن، أو بالتفضيل له، أو
بالمساواة، دفع الثمن إليهن، وان لم يصطلحن، بقى موقوفا، فإن طلبت الأربع
فما دون منه شيئا، لم يعطين، وإن طلبت خمس منهن أعطين ربع الثمن مع
الولد، وربع الربع مع عدمه، تضعن به ما اصطلحن عليه، وإن طلبت ست أعطين
نصفه، وهكذا، ويوقف الباقي، ولا يسقط حق من أخذ مما تخلف، ولو كان
فيهن موليا عليها لم يكن للولي أن يأخذ أقل من ثمن الموقوف، لأنه أقل
نصيبها مع القسمة.
ولو كن أربع وثنيات وأربع كتابيات، فأسلمت الوثنيات مع إسلامه ثم
مات قبل الاختيار، احتمل أن لا يوقف شئ، لأن الإيقاف (1) إنما يكون مع تيقن

1. في «ب»: الإنفاق.
492

الوارثات، ويحتمل هنا أن يختار الكتابيات، فلا يرثن وقواه الشيخ، (1) فيكون
ميراثا لباقي الورثة، ويحتمل الإيقاف حتى يصطلحن، كما يوقف الميراث مع
الحمل، وإن شككنا في إرثه إلا أن نصيبهن لا يدفع إليهن مع اصطلاحهن حتى
يصطلحن مع بقية الورثة الذين يكون لهم نصيب الزوجات إن لم تكن وارثات،
لتردده بينهم، 2 بخلاف الأولى لتيقن إرث الزوجات هناك.
5042. الثالث: اختلاف الدين فسخ لاطلاق، وكذا الاختيار فلا يعد في الثلث،
فإن أسلم وعنده وثنية أو مجوسية قبل الدخول، انفسخ النكاح، وكان لها نصف
المسمى إن كان مباحا، وإلا فنصف مهر المثل، وإن لم يسم شيئا فهي مفوضة لها
المتعة، وإن كان بعد الدخول، وجب المسمى المباح كملا، ومهر المثل إن لم
يسم أو سمى حراما.
ولو أسلمت هي أولا، فإن كان قبل الدخول، سقط المهر بأجمعه، وإن
كان بعده، ثبت الجميع.
ولو أسلما دفعة أو كانت كتابية، فالنكاح بحاله، وكذا الصداق المباح، ولو
قالا: سبق إسلام أحدنا قطعا، ولا نعلم التعيين، فإن لم تكن المرأة قبضت شيئا
من المهر، فليس لها المطالبة، لإمكان سبقها، وإن كانت قبضته، رجع الزوج
بنصفه خاصة، وليس له المطالبة بالباقي، لإمكان سبقه، فيوقف حتى يتبين.
ولو اختلفا في السابق، فالقول قولها استصحابا للمهر، ولو ادعى
الاستصحاب في الإسلام، وادعت سبق أحدهما فالأقوى تقديم قول الزوج
عملا باستصحاب النكاح.

1. المبسوط: 4 / 233.
2. أي بين الزوجات الوارثات والورثة.
493

5043. الرابع: الاختيار قد يكون قولا، مثل «اخترتك» أو «اخترت نكاحك» أو
اخترت «حبسك» أو «أمسكتك» أو «امسكت نكاحك» أو «ثبتك» أو «ثبت
نكاحك» وما أشبه ذلك.
وقد يكون فعلا بأن يطأ، أو يقبل، أو يلمس بشهوة على إشكال فيهما، ولو
رتب في الاختيار ثبت عقد الأربع الأولى واندفع البواقي ولو قال لما زاد على
الأربع: اخترت فراقكن، اندفع وثبت نكاح البواقي.
ولو قال للأربع: اخترتكن أو أمسكتكن صح نكاحهن، واندفع البواقي.
ولو قال للأربع: طلقتكن، ثبت نكاحهن وطلقن، وانفسخ نكاح البواقي،
وكذا لو طلق واحدة، ثبت نكاحها، وطلقت، وكان له اختيار ثلاث.
وإن قال للأربع: فارقتكن، لم يكن اختيارا واندفع نكاحهن، وثبت
عقد البواقي.
والظهار والإيلاء ليسا اختيارا على إشكال، إذ لو حلف على الأجنبية ألا
يطأها، ثم تزوجها ووطئها وجبت الكفارة، والظهار يواجه به غير الزوجة، فإن
اختار غير من ظاهر، أو آلى منها، سقط حكمهما، وإن اختار إحداهما تعلق بها
حكمهما وكان العود من حين الاختيار إن لم يفارقها، ومدة الإيلاء من
حين الاختيار.
وقال الشيخ (رحمه الله): الذي يقتضيه مذهبنا أن الظهار والإيلاء اختيار، إذ لا يقعان
بغير الزوجة (1) وفيه قوة.

1. المبسوط: 4 / 237.
494

ولو قذف إحداهن، فإن اختارها، سقط الحد بالبينة أو باللعان، وإن اختار
غيرها، ثبت الحد إلا مع البينة، هذا إذا طلق، أو ظاهر، أو آلى، أو قذف بعد
إسلامهن، ولو كان قبله، فإن انقضت العدة، عزر عن القذف، وله دفعه بالبينة
خاصة، وسقط حكم البواقي، فإن أسلمن فيها، فإن اختار غيرها، فلا حكم، وإن
اختارها ثبت حكم الجميع، وفي القذف التعزير أيضا، وله دفعه بالبينة واللعان.
5044. الخامس: لو أسلم وأسلم ما زاد على الأربع معه، وجب أن يختار
أربعا، وليس له اختيار ما دونهن، كما أنه ليس له اختيار الزائد، ولا يجب
اختيارهن دفعة بل يجوز متعاقبا.
5045. السادس: لو قال لأربع: فسخت نكاحهن، وقصد حل النكاح فسخا،
انفسخ عقدهن إن كان الباقي أربعا فما زاد، ولو كان الباقي أقل من أربع لم يجز،
وهل يكون لاغيا حتى يثبت الاختيار للأربع من الجميع أو يثبت نكاح البواقي
ويتخير إتمام الأربع من اللواتي فسخ نكاحهن؟ الأقرب الثاني.
ولو قصد بالفسخ الطلاق، لم يقع الطلاق إلا أن يكون ممن يعتقد ذلك،
فيقع وأما في غيره فلا، وهل يكون اختيارا لمن قصدهن بالطلاق بلفظ الفسخ؟
فيه إشكال، أقربه ذلك.
ولو كن أربعا لا غير، فأسلمن معه، ثبت نكاحهن، ولا خيار له، فإن قال:
فسخت نكاحهن، لم يصح، سواء قصد حل النكاح أو الطلاق، لأن الفسخ إنما
يكون بالعيب.
5046. السابع: الاختيار ليس ابتداء عقد، وإنما هو تبيين لمن كان صحيح
495

النكاح منهن (1) وتصحيح العقد الأول فيهن، فلو أسلم عن ثمان وأسلم معه أربع،
فإن اختارهن انفسخ نكاح البواقي، وان تربص إسلام البواقي، فماتت
المسلمات قبل إسلامهن، ثم أسلمن، لم يبطل الاختيار، فإن اختار الأحياء لم
يرث الموتى، وان اختار الموتى ورثهن.
5047. الثامن: ليس الاختيار كالفسخ، بل بينهما مخالفة في الحكم، فلو
أسلم وتحته خمس فأسلمت واحدة فاختارها صح ولو أسلمت ثانية فاختارها
أيضا صح، وهكذا إلى الأربع فتنقطع (2) عصمة الخامسة، ولو اختار فسخ نكاح
المسلمة أولا، لم يكن له ذلك، لأنه لا يملك فسخ النكاح في واحدة حتى يزيد
عدد المسلمات على الأربع، فلو أسلمت البواقي، فالأقرب جواز اختيار نكاح
من فسخ نكاحها أولا، لوقوع الفسخ لاغيا.
ولو قال حين أسلم: كلما أسلمت واحدة فقد اخترت فسخ نكاحها لم
يصح، سواء قصد الفسخ، أو الطلاق، ولا يثبت اختيارها لو قصد الطلاق، لأنه
تعليق للفسخ بالشرط، ومن شرطه التنجيز وعلق الطلاق به، فكان باطلا أيضا،
ولا اعتداد به في الاختيار، لأنه تعليق للنكاح على شرط، إذ تعليق الطلاق
عليه يستلزمه.
5048. التاسع: لو أسلم وتحته وثنية مدخول بها باقية على الشرك،
فتزوج بأختها، أو أربع سواها في عقد واحد قبل انقضاء عدتها، كان العقد فاسدا،
لا موقوفا، وكذا لو كان تحته أربع وثنيات، فتزوج بالخامسة قبل انقضاء العدة،

1. هكذا في «أ» ولكن في «ب»: تبيين لمن كان صحيح النكاح منهن وتصحيح النكاح منهن.
2. في «أ»: فسقط.
496

ولو أسلمت الوثنية دونه، فتزوج بأختها، فإن انقضت العدة وهو على الشرك،
انفسخ نكاح الأولى حين اختلاف الدين، وصح نكاح الثانية، ولو أسلم هو
والأخرى في العدة، تخير من شاء من الأختين.
5049. العاشر: لو تزوج المشرك متعة ثم أسلما بعد انقضاء المدة، فلا
نكاح بينهما، وإن أسلما قبلها، كان النكاح باقيا إلى حين الانقضاء، ولو أسلم
الزوج أولا بعد الدخول، انتظرت العدة، فإن أسلمت وقد بقى من الأجل شئ،
كان أملك بها تلك المدة، وإلا فلا نكاح، وهل يرجع من المهر بنسبة المدة الفائتة
بعد إسلامه؟ الأقرب ذلك.
ولو أسلم قبل الدخول، فانقضت المدة والعدة وهي مشركة، فالأقرب،
ثبوت نصف المهر لها.
ولو أسلمت دونه قبل الدخول، فالأقرب عدم المهر، وينفسخ النكاح في
الحال، فلو أسلم في المدة لم يملك نكاحها، وإن كان بعد الدخول ثبت لها من
المهر بقدر ما استوفاه من الأيام، والأقرب ثبوت الباقي، لأن الامتناع منه.
5050. الحادي عشر: لو تزوج المشرك بشرط الخيار أبدا، انعقد فاسدا،
فإن أسلما لم يقرا على النكاح إلا بعقد مستأنف، سواء كان الخيار لهما أو
لأحدهما، ولو كان الخيار إلى مدة، فإن أسلما قبل انقضائها أقرا عليه.
5051. الثاني عشر: لو تزوج بها وهي معتدة، فإن أسلما وهي في العدة،
لم يقرا عليه، لأنه لا يجوز ابتداؤه في حال الإسلام، وإن أسلما بعد انقضائها
أقرا عليه.
497

ولو تزوج بحليلة أبيه أو ابنه أو امرأة طلقها ثلاثا، أو لاعنها، ثم أسلما، لم
يقرا عليه، ولو غصبها حال الشرك ثم أسلما، لم يقرا عليه، ولو غصبها حال
الشرك، ثم أسلما لم يقرا عليه، وكذا لو طاوعته على الوطء من غير عقد.
5052. الثالث عشر: إذا أسلم بعد أن طلق كل واحدة من الأختين ثلاثا،
ثم أسلما وأراد التزويج بإحداهما قبل أن ينكح غيره، لم يكن له ذلك اعتبارا
لصحة طلاق المشرك، كما يصح نكاحه.
ولو أسلم وأسلمتا، ثم طلقهما ثلاثا، يقال له: تطلق من كنت تختار منهما،
فإذا عين، جاز له العقد على الأخرى.
ولو أسلم عن ثماني نسوة، وأسلمن معه، فطلقهن ثلاثا، كلف اختيار
أربع، فإذا عينهن وقع بهن الطلاق، وحل له نكاح الباقيات.
الفصل الرابع: في الارتداد
وفيه ستة مباحث:
5053. الأول: إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول، انفسخ
النكاح في الحال، فإن كان المرتد الرجل، ثبت لها نصف المسمى الصحيح،
ونصف مهر المثل إن كان سمى فاسدا، والمتعة إن لم يسم، وان كان المرأة،
سقط المهر، وإن كان بعد الدخول ثبت المهر.
498

ثم إن كان المرتد الرجل عن فطرة، انفسخ النكاح في الحال، ووجب قتله،
وتعتد المرأة عدة الوفاة، ولا تعاد عليه لو تاب، وإن كان عن غير فطرة، وقف
الفسخ على انقضاء عدة الطلاق، فإن انقضت ولم يرجع، فلا نكاح بينهما، وإن
رجع في أثنائها، كان أملك بها.
ولو كان المرتد المرأة، انتظرت عدة الطلاق، فإن رجعت، كان أملك بها،
وإلا فلا نكاح بينهما، ويتبين انفساخ النكاح من حين الارتداد لا من حين انقضاء
العدة.
ولو ارتدا معا فالتفصيل كما قلناه.
5054. الثاني: المرتد يمنع من وطء الزوجة المسلمة المدخول بها، لأن
النكاح موقوف على انقضاء العدة، فإن وطئها ولم يرجع في العدة، كان عليه مهر
المثل، وكذا لو كانت هي المرتدة فوطئها، أو ارتدا معا، وإن رجعا أو رجع المرتد
منهما في العدة، فلا مهر لذلك الوطء عليه.
5055. الثالث: المرتدة لا يصح نكاحها للمسلم لشركها، ولا للكافر لتحرمها
بالإسلام [السابق].
5056. الرابع: إذا أسلم زوج المشركة دونها ثم ارتد، فإن أقامت الزوجة
على الشرك حتى انقضت العدة من حين أسلم، فقد بانت منه من حين الإسلام
باختلاف الدين، وإن أسلمت في الأثناء تبين عدم البينونة باختلاف الدين،
ويضرب لها عدة من حين ارتد، فإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها، فهما على
الزوجية، وإن لم يعد حتى انقضت، فقد بانت من حين الارتداد.
499

5057. الخامس: إذا كان تحت المشرك ثماني مشركات، فأسلم وأسلمن
معه، فارتد قبل أن يختار، وقف النكاح على انقضاء العدة، فإن أراد أن يختار
أربعا حال ارتداده، لم يكن له ذلك، فإن عاد قبل الانقضاء، كان له الاختيار، وإن
انقضت قبل رجوعه، حصلت البينونة منهن حين الارتداد.
5058. السادس: إذا كان تحت المسلم كتابية فانتقلت عن دينها إلى مالا
يقر أهله عليه، كعبادة الأصنام، لم تقر عليه إجماعا، فيحتمل عدم قبول غير
الإسلام منها وقبول الرجوع وقبول أي دين يقر أهله عليه، فإن كان الانتقال قبل
الدخول، انفسخ النكاح، وإن كان بعده، فإن رجعت إلى دين الإسلام، أو دينها،
أو دين يقر عليه على الخلاف في العدة، فهما على النكاح، وإلا بانت
بانقضاء العدة.
وإن انتقلت إلى دين يقر عليه، فإن كان إلى اليهودية أو النصرانية، فإن قلنا
بقبوله، كان النكاح بحاله، وإلا انفسخ العقد إن كان قبل الدخول، ووقف على
انقضاء العدة إن كان بعده.
وإن انتقلت إلى المجوسية، انفسخ العقد قبل الدخول، ووقف على
الانقضاء بعده، فإن رجعت في العدة أو أسلمت، فهما على النكاح إن قلنا بقبول
الرجوع، وإن خرجت العدة، انفسخ النكاح.
ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر، وقع الفسخ في
الحال، ولو عادت إلى دينها فكذلك، بناء على أنه لا يقبل منها إلا الإسلام.
500

الفصل الخامس: في باقي مباحث تتعلق بأنكحة الكفار
وفيه ستة مباحث:
5059. الأول: أنكحة المشركين صحيحة، وطلاقهم واقع، فلو طلق
المشرك زوجته ثلاثا، ثم أسلما، لم يحل له مراجعتها إلا بالمحلل، ولو
كان للمسلم زوجة ذمية فطلقها ثلاثا، فتزوجت بذمي، وطلقها، حلت للأول.
5060. الثاني: إذا أسلم الذمي وتحته أكثر من أربع حرائر ذميات، اختار
أربعا منهن، كالحربي لا فرق بينهما إلا في شئ واحد، وهو أن الحربي إذا قهر
امرأة منهم، وكان يعتقد ذلك نكاحا، وأسلموا، أقر على ذلك، بخلاف الذمي،
فإنه لا يقر على مثل ذلك، لأن أهل الذمة لا يجوز لهم ذلك، وعلى الإمام الذب
عنهم ودفع من قهرهم.
والمستأمن إذا قهر امرأة على نفسها، وكان يعتقد ذلك نكاحا، أقر عليه إذا
أسلما، لأن المستأمنين لا يلزم الإمام (1) نصرتهم، وإنما هم آمنون من المسلمين
وأهل الذمة، ولهذا لو قصدهم أهل الحرب لم يلزم الإمام دفعهم بخلاف
أهل الذمة.
5061. الثالث: إذا تزوج مجوسي أو وثني بذمية أقرهما الحاكم إذا ترافعا
إليه، وكذا لو تزوج ذمي بمجوسية أو وثنية، ولو تزوج مرتد بمرتدة لم يقرا عليه
وإن تابا.

1. في «أ»: لا يلزمهم الإمام.
501

ويجوز للذمي أن يتزوج بحربية من أهل الكتاب وغيرهم، أما المسلم فلا
يحل له ذلك ولا بالذميات من أهل الكتاب.
5062. الرابع: لا يجوز للمسلم أكل ذبيحة الكفار، وإن كانوا أهل كتاب،
ولا نكاح نسائهم، وكذا المتولد من الحربي وأهل الذمة (1) قال الشيخ: وفي
أصحابنا من أجاز نكاح أهل الذمة وأكل ذبائحهم 2.
والولد يتبع المسلم من أبويه في الإسلام، وفي الإقرار بالحرية يتبع الأب
إذا كان بين مشركين مختلفين، قال بعض الجمهور: ويتبع الأم في الحرية والرق.
5063. الخامس: إذا ترافع الكفار إلى الحاكم، تخير بين الحكم بينهم،
وبين دفعهم إلى أهل نحلتهم، سواء كانوا حربيين، أو مستأمنين، أو أهل ذمة، أو
كان أحد الخصمين من جنس من هذه، والآخر من الآخر، ولا يجب على الحاكم
الحكم بينهم، وإن كانوا أهل ذمة، ولا يجب على الحاكم إعداء الخصم إن
استعداه على خصمه.
ولا يجب على الخصم إذا استدعاه الحاكم الترافع إليه، لأنه إذا لم يجب
على الحاكم الحكم، لا يلزم الخصم أن يرتفع إليه.
5064. السادس: إذا حكم الحاكم بين الكفار، وجب أن يحكم بما
يقتضيه شرعنا، فإذا أراد المشرك ابتداء نكاح مشركة عنده، عقده لهما كما يعقده
للمسلمين، وإجبار المنكوحة وعدمه كما في المسلمين، وإن أراد استدامته،
حكم بصحته إن كان يسوغ له ابتداؤه عليها بعد أن يكون الواقع في الشرك
يعتقدونه صحيحا لازما.

1. في «أ»: بين الحربي وأهل الذمة.
2. المبسوط: 4 / 239.
502

والحاصل أن كل نكاح لو أسلما عليه أقرا عليه، فإنه يحكم بينهما بصحته
إذا ترافعا إلينا مشركين، والمهر الصحيح يحكم بصحته، سواء كان مقبوضا أو لا،
وإن كان فاسدا فإن كان مقبوضا لزم واستقر، وإلا سقط وقضى بمهر المثل، وإن
قبض بعضه سقط من مهر المثل بإزائه، فإن كان خمرا عشرة أزقاق وقبضت منه
خمسة، فإن كانت متساوية، وجب نصف مهر المثل، وإن كانت مختلفة،
فالأقرب اعتباره بالقيمة عند مستحليه، ولو كان كلابا أو خنازير، فبالقيمة (1) من
غير التفات إلى العدد، ولو كان للكافر ابن صغير كان له تزويجه كالمسلم.
الفصل السادس: في مباحث تتعلق بأنكحة المماليك
وفيه ستة وعشرون بحثا:
5065. الأول: قد بينا أنه لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يزوجا أنفسهما إلا بإذن
المولى، فإن بادر أحدهما من غير إذن، قيل: يبطل (2) والأقرب أنه موقوف على
إذن المولى، فإن أجازه صح، وإلا بطل، وعلى المولى مهر عبده ونفقة زوجته،
وله مهر أمته، وكذا لو كان كل واحد منهما لمالك أو أكثر، وأذن البعض لم يمض
إلا بإذن الباقي، وكذا لا يحل وطء المكاتبة، مطلقة كانت أو مشروطة، ولا العقد
عليها إلا بإذن المولى، وكذا المكاتب.

1. في «أ»: فالقيمة.
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4 / 163; والنهاية: 476.
503

5066. الثاني: إن كان الأبوان رقا فالولد للمولى، فإن كان مولاهما
واحدا فالولد له، وإلا كان لهما بالسوية، سواء شرطا الملك (1) أو أطلقا، ولو
اشترطه أحدهما أو شرط زيادة فيه لزم.
ولو كان أحدهما حرا، تبعه الولد، سواء الحر الأب أو الأم إلا أن يشترط
المولى رق الولد، فيلزم.
5067. الثالث: لو تزوج الحر أمة من غير إذن المالك، ووطئها قبل الإجازة مع
العلم بالتحريم، كان عليه الحد، فإن كانت عالمة، فلا مهر لها، وإلا ثبت المهر
للمولى، والولد رق له، ولو كان الزوج جاهلا، أو حصلت له شبهة، سقط الحد
دون المهر، وانعقد الولد حرا، وعلى الأب قيمته يوم سقوطه حيا لمولاه، وكذا لو
عقد عليها بمجرد دعواها الحرية، فيلزمه المهر وقيل: عشر قيمتها مع البكارة
ونصفه مع الثيبوبة (2) ولو كان دفع إليها مهرا، استعاد ما وجد منه، وكان الولد رقا،
وعلى الزوج فكهم (3) بالقيمة، ويجب على المولى دفعهم إليه، ولو لم يكن له
مال سعى في قيمتهم، وإن امتنع قيل: وجب على الإمام أن يفديهم من
سهم الرقاب (4).
5068. الرابع: إذا تزوج العبد حرة على أنه حر، ثم بان أنه عبد، وكان مأذونا
له في التزويج، تخيرت المرأة بين الفسخ والإمضاء، فإن فسخته قبل الدخول،

1. في «ب»: شرطا ذلك.
2. اختاره الشيخ في النهاية: 477.
3. يرجع الضمير إلى «الولد» باعتبار إرادة الجنس الشامل للجمع. وفي النهاية: 477: كان أولاده
رقا لمولاها ويجب عليه أن يعطيهم إياه بالقيمة، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم.
4. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 477.
504

فلا مهر، وإن كان بعده، فلها المسمى، وعليها العدة، ولا نفقة لها، ولا سكنى، وإن
كانت حاملا وقلنا النفقة للحمل، ثبت لها، وإلا فلا.
وإن كان غير مأذون، فالنكاح موقوف على الإذن، ولو شرطت نسبا فبان
بخلافه أعلى أو أدون، أو صفة كالبياض، أو السواد، أو الطول، أو القصر، أو
الحسن، أو القبح، فبان الخلاف، صح العقد، وثبت لها الخيار في طرف العبودية،
إذا شرطت حريته، وفي طرف النسب إذا شرطت رفيعا فبان دونه، سواء كان
مساويا لها، أو أدون، أو أرفع منها. وقوى الشيخ (رحمه الله) سقوط خيارها، إذا بان دون
الشرط أو كان مساويا لها أو أعلى (1).
ولو كان الغرور من جهتها، فإن كان في الحرية، بأن تزوج بها على أنها
حرة، فبانت أمة، قال الشيخ: الأظهر في الروايات البطلان (2)، فإن لم يدخل فرق
بينهما، ولا مهر، وإن دخل فلها المهر، ويكون للسيد، لأنه من كسبها، ويرجع
الزوج به على المدلس، فإن كان [المدلس] الوكيل، استعاده منه مع يساره،
وينتظر اليسار مع عسره، وإن كان [المدلس] الزوجة، تبعها به بعد العتق، وإن
أحبلها فالولد حر، وعلى الأب قيمته يوم سقط حيا، ويرجع به على الغار أيضا،
قال: وقيل النكاح صحيح، وحينئذ هل يثبت الخيار للزوج؟ المذهب نعم.
وإن كان الغرور بغير الحرية من النسب، أو الصفات، كالحسن وغيره، ثم
ظهر الخلاف، فالنكاح صحيح، وهل يثبت الخيار فيه؟ احتمال.
ولو تزوجها على أنها مسلمة، فبانت كتابية، بطل العقد، ومن قال هنا
بصحة العقد عليهن أوجب الخيار.

1. المبسوط: 4 / 189.
2. المبسوط: 4 / 189.
505

5069. الخامس: لو تزوج عبده بأمته، كان عقدا صحيحا لا إباحة مجردة،
قيل: ويجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله (1) والأولى الاستحباب، وكان الفراق
هنا بيد المولى، فيأمره باعتزالها ويأمرها باعتزاله، وإن لم يوقع طلاقا، ويكون
ذلك فسخا بينهما.
ولو مات المولى، تخير الوارث في فسخ العقد وإبقائه.
5070. السادس: إذا تزوج العبد بحرة مع علمها بعدم الإذن والتحريم،
لم يكن لها مهر ولا نفقة، وكان أولادها رقا لمولاه، ولو كانت جاهلة، فالأولاد
أحرار ولا قيمة عليها، ولها المهر يتبع به العبد بعد عتقه.
ولو تزوج العبد بأمة غير مولاه، كان الولد لمولاه ومولى الجارية معا، سواء
أذنا في النكاح أو لم يأذنا، ولو أذن أحدهما دون الآخر، كان الولد لمن لم يأذن،
أما لو زنى العبد بأمة غير مولاه، فإن الولد هنا لمولى الأمة خاصة.
5071. السابع: لو تزوج حر بأمة اثنين، ثم اشترى حصة أحدهما، بطل
العقد، وحرم وطؤها، سواء أجاز الشريك العقد بعد الابتياع على خلاف أو لا،
ولو حللها له الشريك، ففي إباحة الوطء قولان.
وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد
الدائم، ولو هاياها قيل: جاز له عقد المتعة عليها في زمانها المختص بها.
5072. الثامن: يجوز للمولى ان يتزوج بأمته ويجعل صداقها عتقها،
فيقول: تزوجتك وأعتقتك وجعلت مهرك عتقك، فيلزمها عقد النكاح، قال

1. القائل الشيخ في النهاية: 478.
506

الشيخ (رضي الله عنه): ولو قدم العتق على التزويج عتقت وكانت بالخيار في النكاح، ومنهم
من منع ذلك وجعل المعتبر تقديم العتق، لأن العقد لا يتناول الأمة. (1) فعلى قول
الشيخ، لو قدم العتق عتقت، فإن اختارت النكاح فلا بحث، وإن امتنعت منه،
فعليها قيمتها يوم العتق، فإن رضيت بأن يتزوجها بالقيمة، وكانت معلومة، صح
وإلا فلا، ولو تزوجها بغير القيمة صح، ولها عليه المسمى، وله عليها قيمتها.
ولو طلق التي جعل عتقها صداقها قبل الدخول، قال الشيخ: رجع نصفها
رقا، واستسعت فيه، فان امتنعت، كان له من خدمتها يوم ولها يوم، ويجوز أن
تشترى من الرقاب [الزكاة] (2). وقال ابن البراج: يرجع بنصف القيمة وهي
حرة. (3) واختاره ابن إدريس، (4) وهو عندي قوي.
ولو قال لها: أعتقتك على أن أتزوج بك، ولم يقل: وعتقك صداقك، نفذ
العتق على تردد، والأقرب عدم وجوب قبول النكاح، فإن امتنعت فالوجه
ثبوت القيمة.
ولو كان للحرة مملوك فقالت له: أعتقتك على أن تتزوج بي، وقع العتق،
ولم يجب التزويج، قال الشيخ: ولا شئ لها، لأن النكاح حق له والحظ له فيه (5).
ولو قال لغيره: أعتق عبدك على أن أزوجك بنتي، فأعتقه، نفذ العتق، ولم
يجب على الباذل التزويج، وهل عليه للسيد قيمة العبد؟ قال الشيخ:
فيه قولان (6) والظاهر أن مراده للجمهور بناء على قول الرجل لسيد العبد:

1. النهاية: 497.
2. النهاية: 497 - 498.
3. المهذب: 2 / 248.
4. السرائر: 2 / 639.
5. المبسوط: 4 / 175 - 176.
6. المبسوط: 4 / 176.
507

أعتق عبدك عن نفسك على أن علي مائة درهم، ففي وجوب البذل قولان،
وقوى الشيخ العدم، لأصالة براءة الذمة. (1)
5073. التاسع: إذا قتلت الأمة نفسها بعد الدخول، لم يسقط مهرها، وكذا
لو قتلها السيد، ولو قتلت نفسها قبل الدخول، أو قتلها سيدها، لم يسقط المهر
أيضا، وقوى الشيخ سقوطه. (2) وكذا البحث في الحرة.
5074. العاشر: يجوز بيع الأمة المزوجة، ويكون ذلك كالطلاق عندنا،
فإن أجاز المشتري النكاح صح، فإن فسخه كان مفسوخا، وخياره على الفور،
فإن علم ولم يفسخ لزم العقد، وكذا العبد إذا بيع وكانت تحته أمة.
ولو كانت تحته حرة فبيع، قال: الشيخ يثبت للمشتري الخيار أيضا (3) على
رواية، (4) ومنع ابن إدريس ذلك وحكم بلزوم النكاح (5)، ولو كانا لمالك فباعهما
لاثنين، كان لكل واحد من المشتريين الخيار، وكذا لو باعهما على واحد.
ولو باع أحدهما دون الآخر، كان للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء،
وكذا للبائع على من عنده.
ولو كان كل منهما لمالك فباع أحدهما أحد الزوجين، تخير المشتري
أيضا والمالك الآخر بين الفسخ والإمضاء، ولو حصل بينهما أولاد كانوا
لموالي الأبوين.

1. المبسوط: 4 / 176.
2. المبسوط: 4 / 197.
3. النهاية: 477.
4. لاحظ الوسائل: 14 / 555 - 556، الباب 48 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.
5. السرائر: 2 / 598.
508

5075. الحادي عشر: إذا باع الجارية فاختار المشتري الإمضاء، ثم سافر
بها، لم تكن لها نفقة، وكذا لو لم يرسلها إلى الزوج ليلا ونهارا، أما لو مكنه منها
دائما، فإنه تجب لها النفقة على الزوج، وعلى المولى إرسالها ليلا للاستمتاع، ولا
يجب إرسالها نهارا، فلا نفقة لها حينئذ.
5076. الثاني عشر: إذا زوج أمته فإن كان سمى مهرا صحيحا، فهو له، فإن
باعها قبل الدخول، سقط المهر، ولو أجاز المشتري كان المهر له، لأن الإجازة
كالعقد المستأنف، ولو باعها بعد الدخول، فالمهر للأول، سواء أجاز الثاني أو
فسخ وقال الشيخ: إن كان الأول قبض المهر فهو له، فإن كان بعد الدخول، فقد
استقر له، وإن كان قبله، رد نصفه، وإن كان لم يقبضه، فلا مهر لها لا للأول ولا
للثاني، فإن اختار المشتري الإمضاء، ولم يكن قد قبض الأول المهر، كان للثاني،
لأنه يحدث في ملكه، فإن دخل بها بعد الشراء، استقر له الكل، وإن طلقها قبل
الدخول، كان عليه نصف المهر للثاني، فإن كان الأول قد قبض المهر، ورضي
الثاني بالعقد، لم يكن له شئ.
وإن باعها قبل الدخول، فرضي المشتري بالعقد، ودخل بها الزوج بعد
البيع، كان نصف المهر للسيد الأول، ونصفه للثاني، وإن كان قد قبض الأول
بعض المهر، ثم باعها، لم يكن له المطالبة بباقي المهر، سواء دخل بها أو لم
يدخل، لأنه حال بينه وبين الاستمتاع بها، وإن كان الثاني رضي بالعقد، كان له
المطالبة بباقي المهر، وإن لم يرض لم يكن له ذلك. (1)
5077. الثالث عشر: للسيد الاستخدام بالجارية المزوجة - وإن كرهه الزوج -

1. المبسوط: 4 / 198. نقله المصنف بتلخيص.
509

نهارا، وله المسافرة بها، وليس للزوج ذلك، وللمولى أيضا إجازتها مدة من
الزمان من غير رضا الزوج.
5078. الرابع عشر: لو زوج عبده ثم باعه، قال الشيخ: للمشتري الفسخ، وعلى
المولى نصف المهر، (1) ومنع بعض علمائنا من الأمرين. (2)
5079. الخامس عشر: لو باع أمة وادعى أن حملها منه، وأنكر المشتري، لم
يقبل قوله في إفساد البيع، وهل يقبل في التحاق النسب؟ قيل: نعم، لأنه إقرار لا
يتضرر به الغير، وفيه نظر، ينشأ من حصول التضرر به، كما لو مات المقر ولا
وارث له سواه.
5080. السادس عشر: يجوز للمولى عتق جاريته المزوجة، سواء كان الزوج
قد دخل بها أو لا، وسواء كان الزوج عبدا للمولى أو لغيره، أو حرا، وعلى كل
تقدير يثبت للجارية خيار فسخ النكاح، وقيل: إنما يثبت لو كانت تحت عبد،
ولو كانت تحت حر فلا، اختاره الشيخ (3) وهو قوي.
والخيار على الفور، ولو عتق العبد، لم يكن له خيار ولا لمولاه ولا
لزوجته حرة كانت أو أمة ولا لمولى الجارية.
ولو زوج عبده أمته، ثم أعتق الأمة أو أعتقهما معا، كان لها الخيار، وكذا لو
كانا لمالكين، ثم أعتقت الجارية أو أعتقا (4) معا فإن الخيار لها خاصة، ولو عتقت
ولم يعلم كان لها الخيار مع العلم، وإن وطئها قبله، ولو جهلت الحكم فالأقرب

1. لاحظ النهاية: 477 و 499.
2. وهو الحلي في السرائر: 2 / 598.
3. لاحظ المبسوط: 4 / 258; والخلاف: 4 / 354، المسألة 134 من كتاب النكاح.
4. في «أ»: أو أعتقتا.
510

ثبوت خيارها على إشكال، ولو طلقها الزوج رجعيا ثم أعتقت، كان لها الفسخ
أيضا، والصبر حتى تنقضي العدة، ولا يدل ذلك على الرضا بالنكاح، لجواز
استناد الصبر إلى رجاء الفرقة، فلو صبرت، فراجعها في العدة، ففسخت النكاح،
انفسخ، وعندي في ذلك إشكال.
5081. السابع عشر: أم الولد لا تنعتق بالولادة، بل هي باقية على الرقية،
لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا، إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها
ولا مال له سواها، قيل: ويجوز بيعها بعد وفاة المولى في الدين
المحيط بالتركة وإن لم يكن ثمنا (1) وليس بجيد.
ولو مات الولد وأبوه حي بيعت مطلقا، وعادت إلى محض الرق.
ولو مات المولى والولد حي، عتقت من نصيب الولد، ولو عجز النصيب
قيل: يلزم الولد السعي في المتخلف من قيمتها (2) وقيل: تستسعي هي فيه، (3)
وهو أقرب.
ولو كان ثمنها دينا، فأعتقها مولاها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، ثم
أولدها وأفلس بثمنها، ومات، نفذ العتق والنكاح، وكان الولد حرا وقال الشيخ:
تباع في الدين ويعود الولد رقا، 4 وليس بمعتمد.
5082. الثامن عشر: إذا تزوج العبد بإذن مولاه بحرة أو أمة لغيره، كان
الطلاق بيد العبد، ولو طلق مولاه لم يقع، وليس للمولى إجباره على الطلاق، ولا
منعه عنه، ولو زوجه بأمته، صح العقد، وكان الطلاق بيد المولى، وله أن يفرق

1. ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة: 408.
2. وهو خيرة الشيخ في المبسوط: 6 / 185، وابن حمزة في الوسيلة: 408.
3. ذهب إليه الحلي في السرائر: 3 / 14.
4. النهاية: 498 و 544 - 545.
511

بينهما بغير لفظ الطلاق، فيأمرها باعتزاله، أو يأمره باعتزالها (1) أو يقول: فسخت
عقدكما، سواء دخل العبد أو لا، وهل يكون ذلك طلاقا؟ قيل: نعم، حتى لو كرره
مرتين، وبينهما رجعة، حرمت إلا بالمحلل، وقيل: يكون فسخا مجردا،
وهو أقرب.
أما لو أتى بلفظ الطلاق، فإنه يكون طلاقا حقيقة، ولو طلقها الزوج ثم باع
مالك الجارية جاريته، أتمت العدة وهل يجب على المشتري استبراؤها زيادة
على العدة؟ قيل: نعم، وليس بجيد.
5083. التاسع عشر: قد بينا أنه إذا عتقت الأمة تحت عبد، كان لها الخيار
إلا في صورة واحدة، وهي أنه إذا زوج أمته - وقيمتها مائة - بمائة، ويملك مائة
فأعتقها في مرضه ثم مات، أو أوصى بعتقها، فإنه لا خيار لها قبل الدخول، لأنه
يسقط مهرها فيزيد قيمتها على الثلث، فيسترق بعضها فيبطل خيارها، فيدور،
ولو دخل بها قبل العتق ثبت الخيار، لاستقرار المهر بالدخول.
ولو كانت تحت حر فأعتقت، ففي ثبوت الخيار خلاف، فإن قلنا بسقوطه
لو كانت تحت عبد فأعتق ثم أعتقت، لم يكن لها خيار، لأنه يعتبر حين حريتها،
وفي تلك الحال هي تحت حر، ولو أعتقت أولا ولم تعلم حتى أعتق، ففي
سقوط خيارها نظر.
5084. العشرون: لو ادعت بعد عتقها جهالة العتق، فإن كانت نائية 2 في بلد
آخر أو محلة، قبل قولها مع اليمين، وإن كانت في موضع لا يخفى عنها، لم يقبل
منها، ولو ادعت جهالة الحكم، فالأقرب تصديقها مع اليمين.
5085. الحادي والعشرون: كل موضع يثبت لها الخيار بعد العتق، إن اختارت

1. في «ب»: ويأمره باعتزالها.
2. في «ب»: ثابتة.
512

فراقه قبل الدخول، سقط المهر، وإن كان بعده، فإن كان الدخول قبل العتق، ثبت
المسمى، لاستناد الفسخ إلى حالة العتق الحاصل بعد الدخول، وإن كان بعده،
وجب مهر المثل، لاستناد الفسخ إلى حالة العتق، فصار الوطء كأنه في نكاح
فاسد، وإن اختارت المقام قال الشيخ: إن كان المهر مسمى فهو للسيد، وإن كانت
مفوضة، فالمهر لها، لأن المهر في المفوضة يجب بالفرض حين الفرض، وهي
حينئذ حرة. (1)
5086. الثاني والعشرون: إذا طلق العبد الأمة رجعيا، ثم أعتقت، كان لها الفسخ،
وسقطت الرجعة، ولا تستأنف عدة أخرى، بل تتم عدة حرة، ولو سكتت، لم
يسقط خيارها، فإن راجعها في العدة، كان لها خيار الفسخ، وتبتدئ بعدة الحرة
من حين اختيار الفسخ هنا، ولو خرجت العدة ولم يراجعها، انقطعت العصمة
بينهما، والعدة هنا عدة حرة، وإن اختارت المقام معه قبل مراجعتها، لم يعتد به،
فإن لم يراجعها حتى انقضت العدة، فقد بانت، فإن راجعها كان لها اختيار
الفسخ، فإن فسخت انقطع النكاح وعليها عدة الحرة من حين الفسخ، ولا يبطل
اختيار المقام المتقدم خيار الفسخ.
5087. الثالث والعشرون: لو أعتقت الصبية تحت عبد، لم يسقط خيارها،
وانتظر بلوغها، فتختار على الفور، وللزوج الاستمتاع بها قبل البلوغ، وليس لوليها
أن يختار عنها، وكذا المجنونة، وكذا لو زوج الكافر ابنه الصغير بعشر ثم أسلم
وأسلمن، تبعه ابنه، وكان النكاح موقوفا حتى يبلغ ويختار، ويمنع الولد هنا من
الاستمتاع بهن، بخلاف العبد.

1. المبسوط: 4 / 259.
513

5088. الرابع والعشرون: لو انعتق بعضها، لم يثبت لها الخيار، وإنما يثبت
لها مع كمال الحرية، وكذا لا خيار للعبد إذا أعتق وتحته أمة.
5089. الخامس والعشرون: خيار الأمة لا يفتقر إلى حاكم ولا الإشهاد عليه،
وتعتد عدة الحرة للطلاق من حين اختيار الفسخ، ويكون بائنا، ليس للزوج
الرجعة فيها إلا بعقد مستأنف.
5090. السادس والعشرون: إذا أعتقت تحت عبد، فطلقها قبل أن تختار،
قال الشيخ: الذي يليق بمذهبنا عدم وقوعه أصلا، (1) لاستلزامه إبطال الاختيار،
ويحتمل وقوعه، إذ العتق لا يزيل النكاح، فقد صادف ملكه، فيقع، ويحتمل
وقوعه مراعى، فإن اختارت الفسخ لم يقع، لاستناد الفسخ بعد العتق إلى حالة
العتق، فصار كأن النكاح انفسخ في تلك الحال، فيكون الطلاق واقعا في نكاح
مفسوخ، وإن اختارت النكاح وقع.
الفصل السابع: في النكاح بملك اليمين
وفيه تسعة عشر بحثا:
5091. الأول: وطء الإماء يستباح بأمور ثلاثة:
العقد عليهن بإذن أهلهن، وقد سلف.
وملكهن.
وإباحة المولى لهن.

1. المبسوط: 4 / 261.
514

وهذا الثالث في الحقيقة داخل في الأولين، لأن الإجماع منعقد عليه فعند
المرتضى (قدس سره) أنه من الأول (1) وعند الشيخ (رحمه الله) أنه من الثاني 2 إذ الإباحة نوع
تمليك للمنافع.
والأول من الأقسام ينحصر في عدد، فالحر لا يستبيح أكثر من أمتين،
والعبد لا يستبيح أكثر من أربع، وأما القسمان الباقيان فلا ينحصران في عدد، بل
يجوز للحر والعبد معا أن يستبيحا بهما مهما شاءا من غير حصر.
5092. الثاني: يحرم على المالك مملوكته إذا زوجها حتى تحصل الفرقة
وتقضي عدتها إن كانت ذات عدة، ولا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير
المالك، وليس للمولى فسخ العقد إلا أن يكون الزوج مملوكه، ولو باعها، تخير
المشتري في الفسخ والإمضاء.
5093. الثالث: إذا اشترى أمة لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها بحيضة إن كانت
ممن تحيض، أو بخمسة وأربعين يوما، ولو كان لها زوج فأجاز نكاحها لم يكن
له بعد ذلك فسخ النكاح، وكذا لو علم ولم يفسخ، ولو فارق الزوج حلت عليه
بعد العدة، ولو لم يجز نكاحه كفاه الاستبراء عن العدة.
5094. الرابع: يجوز شراء ذوات الأزواج من أهل الحرب وبناتهم وما
يسبيه الكفار منهم.
5095. الخامس: كل من ملك أمة بأي وجه كان، لا يجوز له وطؤها قبلا
حتى يستبرئها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما، ولو ملكها حائضا، أو

1. الانتصار: 282، المسألة 157.
2. المبسوط: 4 / 246.
515

كانت لعدل وأخبر باستبرائها، أو كانت لامرأة، خلافا لابن إدريس في
الثلاثة (1) أو آيسة، أو حاملا، سقط استبراؤها، ولو ملك أمة فأعتقها، كان له العقد
عليها والوطء في الحال من غير استبراء، والأفضل استبراؤها، ولو كان
قد وطأها وأعتقها، لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدة ثلاثة أشهر أو
ثلاثة أقراء.
5096. السادس: يجوز للرجل تحليل جاريته لغيره، والصيغة فيه: أحللت لك
وطأها، أو جعلتك في حل من وطئها، ولا تحل بلفظ العارية، وهل يحل بلفظ
الإباحة؟ قولان.
ولو قال: وهبتك وطأها، أو سوغتك أو ملكتك، ففي تسويغها
بذلك إشكال.
ولو قال أجزتك وطأها، لم يجز.
ولو حلل أمته لمملوكه، ففي تسويغها له روايتان، إحداهما الجواز مع
التعيين للموطوءة، لأنه نوع إباحة، والمملوك أهل لها، (2) والثاني المنع، لأنه
تمليك، والعبد ليس بصالح له. (3)
5097. السابع: يجوز تحليل المدبرة وأم الولد، ولو انعتق بعضها فأحلته

1. السرائر: 2 / 634.
2. لاحظ الاستبصار: 3 / 138 برقم 496; والوسائل: 14 / 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد
والإماء، الحديث 1.
3. لاحظ التهذيب: 7 / 243 - 244 برقم 1062; والاستبصار: 3 / 137 برقم 495; والوسائل:
14 / 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
516

لم تحل، ولو هاياها (1) فعقد عليها متعة في يومها فالمروي الجواز (2) ولو كانت
مشتركة فأحل أحد الشريكين لصاحبه حلت.
5098. الثامن: يجب أن يقتصر المستبيح على ما حلله المالك وما يقتضي
العادة تناوله، فلو أحل له التقبيل واللمس لم يحل له الوطء ولا الاستخدام، ولو
أباحه الاستخدام لم يجز له سواه، ولو أباحه الوطأ جاز له التقبيل واللمس،
وحرم عليه الاستخدام، ولو وطأ في موضع المنع كان عاصيا، وعليه عوض
البضع، وكان الولد رقا للمولى.
5099. التاسع: يجوز أن يحلل الرجل جاريته لمملوك غيره بإذن مولاه،
ولا يجوز للمملوك الوطء بدون الإذن.
5100. العاشر: إذا أحل جاريته للحر، فإن شرط رقية الولد لزم الشرط،
وان شرط الحرية كان حرا، وإن أطلق فروايتان إحداهما: أن الولد رق لمولى
الجارية (3) وهي خيرة الشيخ، (4) والثانية: أنه حر، (5) وهو المعتمد.
وعلى قول الشيخ يجب على الأب فك الولد بالقيمة يوم سقوطه حيا،
وعندنا لا شئ عليه.
5101. الحادي عشر: اشترط الشيخ في بعض أقواله في التحليل ضبط المدة (6)
وفيه نظر.

1. يقال: هايأ مهايأة في الأمر: وافقه، والمهاياة اصطلاح عند الفقهاء يطلق على شريكين في شئ
يريد كل منهما أن يستفيد من ذلك الشئ بقدر سهمه في الشركة، يقال: هاياه في دار كذا، أي
سكنها هذا مدة وذاك مدة. لاحظ المنجد مادة (هيئ).
2. لاحظ الوسائل: 14 / 545، الباب 41 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1.
3. لاحظ التهذيب: 7 / 246 برقم 1068.
4. النهاية: 494; والمبسوط: 4 / 246.
5. لاحظ التهذيب: 7 / 247 برقم 1073.
6. المبسوط: 4 / 246.
517

5102. الثاني عشر: إذا اشترى أمة حاملا قال الشيخ في النهاية: لم يجز
له وطؤها حتى تضع أو تمضي عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أراد
وطأها قبل ذلك وطئها فيما دون الفرج (1) وفي الخلاف: أنه مكروه (2) وهو
الأجود عندي.
5103. الثالث عشر: إذا طلقت الأمة بعد الدخول بها، ثم باعها مولاها في
العدة، أتمت العدة، قال في المبسوط: ويجب عليها الاستبراء بعدها، لأنهما
حكمان لا يتداخلان (3) والأقرب جواز وطئها للمشتري بعد العدة.
5104. الرابع عشر: الحرة إذا اشترت زوجها المملوك أو ورثته أو انتقل
إليها بأحد وجوه التمليكات، بطل النكاح، وليس لها أن تبيحه أو تعقد عليه، فإن
أرادت ذلك لم يكن إلا بأن تعتقه وتتزوج به.
5105. الخامس عشر: إذا تزوج العبد بإذن مولاه، فالنفقة على المولى، فإن أبق
المملوك قال الشيخ: سقطت النفقة، وبانت من الزوج، وعليها العدة منه، فإن عاد
قبل خروج العدة، فهو أملك بها، وإن خرجت العدة قبل عوده انقطعت العصمة 4
وليس بجيد، بل النفقة ثابتة، وكذا الزوجية.
5106. السادس عشر: يجوز أن يطأ الجارية وفي البيت غيره، وأن ينام
بين الأمتين، ويكره ذلك في الحرائر، وكذا يكره وطء الفاجرة، ومن ولدت من
الزنا.
5107. السابع عشر: إذا زوج مملوكه بحرة، فإن المهر في ذمة المولى، فإن

1. النهاية: 496.
2. الخلاف: 5 / 85، المسألة 46 من كتاب العدة.
3. المبسوط: 5 / 269 - 270.
4. النهاية: 498.
518

باعه قبل الدخول، قال الشيخ: وجب نصف المهر على المولى (1) وقال ابن
إدريس: يجب الجميع (2).
وفيه نظر.
5108. الثامن عشر: إذا أعتق أمته المزوجة ثم مات الزوج ورثته، فلو علق
عتقها بموت الزوج، قال الشيخ: لم يكن لها ميراث، وكان عليها عدة الحرة (3)
ومنع ابن إدريس من هذا العتق (4) لأن العتق بالشرط باطل والتدبير إنما يصح إذا
علق بموت المولى.
5109. التاسع عشر: إذا أعتق أم ولده، فارتدت بعد ذلك، وتزوجت ذميا،
وأتت منه بولد، قال الشيخ: كان أولادها من الذمي رقا للذي أعتقها، فإن لم يكن
حيا، كانوا رقا لأولاده، ويعرض عليها الإسلام، فإن رجعت، وإلا وجب عليها ما
يجب على المرتدة عن الإسلام (5) ومنع ابن إدريس رقية الأولاد. (6)
الفصل الثامن: في نكاح المتعة
وفيه عشرون بحثا:
5110. الأول: نكاح المتعة هو النكاح المنقطع، وهو أن يتزوجها مدة معينة
كاليوم والشهر والسنة وغير ذلك من الأزمنة المحصورة، وقد اتفقت الإمامية

1. النهاية: 499.
2. السرائر: 2 / 643.
3. النهاية: 499.
4. السرائر: 2 / 644.
5. النهاية: 499 - 500.
6. السرائر: 2 / 644.
519

على تسويغه عملا بنص القرآن (1) وبالمتواتر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أباحها (2) وأجمع
المسلمون على ذلك، وادعاء النسخ لم يثبت، لاستناده إلى عمر (3) وقوله
ليس بحجة.
5111. الثاني: لا بد في هذا العقد من الإيجاب، وهو زوجتك أو أنكحتك أو
متعتك مدة كذا بمهر كذا، والقبول، وهو ما يدل على الرضا، مثل قبلت النكاح أو
المتعة، ولو قال: قبلت أو رضيت، واقتصر جاز، ولو بدأ بالقبول فقال: تزوجت،
فقالت: زوجتك، صح.
ولا ينعقد بلفظ الهبة والتمليك والإجارة والعارية.
ويشترط في الإيجاب والقبول الإتيان بصيغة الماضي، فلو قال: أقبل أو
أرضى، وقصد الإنشاء لم يقع، وقيل: لو قال: أتزوجك مدة كذا بمهر كذا، وقصد
الإنشاء، فقالت: نعم، أو زوجتك صح. (4)
5112. الثالث: لا بد في هذا العقد من ذكر الأجل المعلوم والمهر المعين،
فلو أخل بهما بطل إجماعا، وكذا لو أخل بالمهر، ولو ذكر المهر وأخل بالأجل،
قال الشيخ: ينعقد دائما (5) وقيل: يبطل العقد (6) وهو الأقوى.

1. النساء: 24.
2. صحيح البخاري: 7 / 16، كتاب النكاح; صحيح مسلم: 4 / 130 باب نكاح المتعة; ولاحظ
التفاسير، سورة النساء الآية 24.
3. وظاهر كلام عمر أنه هو المحرم دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على
خير العمل. مفاتيح الغيب: 10 / 53; شرح التجريد للقوشجي: 484 طبع إيران.
4. ذهب إليه المحقق في الشرائع: 2 / 273.
5. النهاية: 489; والخلاف: 4 / 340، المسألة 119 من كتاب النكاح.
6. وهو خيرة الحلي في السرائر: 2 / 550 و 620.
520

5113. الرابع: ليس للأجل تقدير شرعي بل تقديره منوط برضاهما، سواء
طال أو قصر، لكن يجب أن يكون معينا لا يتطرق إليه الزيادة والنقصان.
ولو عقد عليها بعض يوم صح إذا قدره بالغاية المعينة، كالزوال والغروب.
ولو ذكر أجلا مجهولا، بطل العقد على أصح القولين.
ولو قدر المدة بالفعل، كالمرة والمرتين، فإن قيده بزمان معلوم، صح، ولم
يجز له الزيادة على المشترط في تلك المدة، وإن أطلق بطل، وقيل: ينعقد
دائما (1) وفي رواية يصح، ولا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه (2) وهي ضعيفة. (3)
ولا يشترط في الأجل اتصاله بالعقد، بل يجوز أن يعقد عليها شهرا متصلا
بالعقد أو متأخرا عنه على إشكال، فلا يجوز لها نكاح غيره فيما بين العقد
والمدة، ولا نكاحه فيها إلا بعقد آخر، ولا له أن يتزوج بأختها قبل حضور
الشهر وانقضائه.
ولو ذكر شهرا وأطلق، اقتضى الاتصال بالعقد، فلو تركها حتى انقضى
قدر الأجل المسمى، خرجت من عقده، واستقر لها الأجر، وقال ابن إدريس:
يبطل للجهالة. (4)
5114. الخامس: المهر ليس له قدر في نظر الشرع، بل يصح على ما يتفقان
عليه من كثير وقليل بشرط أن يكون معلوما بالكيل، أو الوزن أو المشاهدة أو

1. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 491، وقطب الدين الكيدري في إصباح الشيعة: 419.
2. الوسائل: 14 / 479، الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 4.
3. وضعفها لأجل «سهل بن زياد» في السند.
4. السرائر: 2 / 623.
521

الوصف، مملوكا، فلو عقد على المجهول غير المشاهد، أو على ما لا يصح
تملكه، بطل العقد، ويجوز أن يعقد على صبرة من طعام أو كف منه.
5115. السادس: يشترط في الزوجة أن تكون مسلمة، أو كتابية، وفي
المجوسية إشكال، ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واستعمال
المحرمات، ولا يجوز التمتع بالوثنية ولا الناصبة المعلنة بالعداوة، كالخوارج،
ولا يجوز للمسلمة أن تتمتع إلا بالمسلم، ولا للمؤمنة أن تتمتع بالمخالف.
5116. السابع: المتعة كالدوام في تحريم المصاهرة، فلو تمتع بامرأة حرم
عليه أمها مطلقا وبنتها مع الدخول، وإن علت الأولى وسفلت الثانية، وقد تقدم.
وكذا لا يجوز أن يتمتع بأمة وعنده حرة على الدوام إلا بإذنها، فإن بادر
من دون إذنها، وقف على رضاها، فإن أجازته صح، وإلا بطل، وقيل: يبطل إلا
مع الإذن (1) والأقرب أن الحرة لو كانت متعة كانت كالدائم.
ولو تمتع بهما في عقد واحد صح على الحرة ووقف على الأمة على
الرضا، أو كان باطلا على الخلاف.
ولو أدخل الحرة على الأمة كان للحرة الخيار في فسخ عقدها والرضا به.
وكذا لا يجوز أن يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت أختها إلا مع رضا العمة
والخالة، فإن فعل كان باطلا.
5117. الثامن: يستحب أن تكون المرأة مؤمنة عفيفة، ويكره التمتع بالزانية،
فإن فعل منعها من الفجور، وليس شرطا.

1. لاحظ النهاية: 459 ولاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 7 / 82.
522

ويستحب له أن يسألها عن حالها مع التهمة، فإن كان لها زوج تركها، ولا
يجب عليها السؤال، ويكره التمتع بالبكر من دون إذن أبيها، فإن لم يكن لها أب
كره ذلك، فإن فعل كره له افتضاضها، وليس بمحرم، ولو شرطت عدمه
حرم عليه.
5118. التاسع: لو أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع، ثبت عقده ما
دام الأجل، وكذا لو كن أكثر، ولو أسلمت دونه مع الدخول، فإذا انقضت العدة
أو خرج الأجل ولم يسلم، انفسخ العقد، وان لحق بها في العدة مع بقاء الأجل
فهو أحق بها، ولو لم يدخل بها انفسخ العقد من حين أسلمت.
ولو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول، وقف الفسخ على
انقضاء العدة أو خروج الأجل، أيهما حصل قبل إسلام الآخر انفسخ النكاح،
وإن أسلم الآخر مع بقاء العدة والأجل، كان العقد باقيا، ولو كان قبل الدخول،
انفسخ النكاح في الحال.
ولو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة، وكان عقد الأمة موقوفا على
رضا الحرة.
5119. العاشر: يجب دفع المهر بالعقد، ولو وهبها أيامها قبل الدخول، سقط
نصفه، فإن كان قد وهبته المهر ثم وهبها، رجع عليها بالنصف، ولو دخل استقر
المهر بأجمعه إن وفت له بالمدة، ولو أخلت ببعضها، كان له أن يضع من المهر
بنسبتها، وينسب جميع المهر إلى المدة لا نصفه، ولو منعته عن نفسها جميع
المدة، فلا مهر لها، بخلاف ما لو وهبها.
ولو بان فساد العقد بأن ظهر لها زوج، أو كانت أخت زوجته، وما أشبه
523

ذلك، فإن لم يكن دخل بها، فلا مهر، ولو قبضته كان له استعادته، وإن كان قد
دخل، كان لها ما أخذت، وليس عليه تسليم ما بقي، والوجه ثبوت المهر مع
الجهالة منها واستعادة ما أخذت مع علمها.
ولو حصل لها عذر يمنع الوطء مدة الأجل، كالحيض والمرض، ففي
سقوط المهر إشكال.
5120. الحادي عشر: لا يجب في العقد من الشرائط سوى ذكر المهر والأجل،
وما عداهما فمستحب ذكره، مثل أن يذكر ألا نفقة لها ولا ميراث، وأن عليها
العدة بعد الأجل، ولو أخل بشئ من ذلك، انعقد مع ذكر الشرطين.
وكل شرط يشرطه في العقد إنما يلزم لو قارن العقد لا ما يتقدمه أو يتأخر
عنه، ولا يشترط مع ذكره في العقد إعادته بعده، ويجوز أن يشترط (1) عليها
الإتيان ليلا أو نهارا أو في وقت معين، وان يشترط (2) المرة أو المرات في الزمان
المعين، فلا يجوز التعدية، ولو شرطت ألا يقربها في الفرج، لم يجز له وطؤها
فيه، ولو أذنت له بعد ذلك جاز، على رواية. (3)
5121. الثاني عشر: ولد المتعة لاحق بأبويه، لا يجوز لأحدهما نفيه عنه.
ويجوز العزل عنها، ولا يقف على إذنها، ولو عزل فأتت بولد لحق به،
ولم يجز له نفيه لمكان العزل، ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهرا، ولم يفتقر
إلى لعان.

1. في «أ»: يشرط.
2. في «أ»: يشرط.
3. لاحظ الوسائل: 14 / 491، الباب 36 من أبواب المتعة، الحديث 1.
524

5122. الثالث عشر: المتمتعة لا يقع بها طلاق بل تبين إما بهبة الزوج
أيامها، أو بخروج الأجل، ولا يقع بها إيلاء ولا لعان على الأقوى، وفي الظهار
إشكال أقربه الوقوع.
5123. الرابع عشر: يجوز للبالغة الرشيدة أن تعقد على نفسها عقد المتعة، ولا
يشترط إذن الولي وإن كانت بكرا.
5124. الخامس عشر: لا يقع بهذا العقد توارث بين الزوجين، سواء
شرطا سقوطه أو أطلقا، ولو شرطا أو أحدهما التوارث، قال الشيخ: توارثا عملا
بالشرط (1) والأقرب عندي المنع، ولا نفقة لهذه الزوجة، ولا سكنى، ولا يجب
لها القسمة.
ويجوز له أن يتمتع بأكثر من أربع من غير حصر، سواء كن حرائر أو إماء، والأفضل أن لا يتجاوز الأربع.
5125. السادس عشر: إذا دخل بها وانقضى أجلها أو وهبها أيامها، فإن كانت
من ذوات الحيض، وجب عليها الاعتداد بحيضتين، وإن لم تكن من ذوات
الأقراء، وهي في سنهن اعتدت بخمسة وأربعين يوما، وإن لم يكن دخل بها،
فلا عدة عليها.
ولو مات عنها في الأجل اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء دخل بها
أو لا إن كانت حائلا وقيل: شهران وخمسة أيام (2) والمعتمد الأول، وإن كانت

1. النهاية: 492.
2. ذهب إليه الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: 536.
525

حاملا اعتدت بأبعد الأجلين، ولو كانت أمة اعتدت حائلا بشهرين وخمسة أيام.
5126. السابع عشر: إذا انقضى أجل المتمتعة ولم يدخل بها، لم يجز له
وطؤها إلا بعقد جديد، سواء كان المنع منه أو منها، ولو منعته أيامه لم يكن له
المطالبة بأيام عوضها، بل يرجع عليها بالمهر إن كان سلمه إليها.
5127. الثامن عشر: الإشهاد والإعلان ليسا واجبين هنا ولا مستحبين، وإن كانا
مستحبين في نكاح الغبطة، إلا أن يخاف التهمة بالزنا، فيستحب حينئذ الإشهاد.
5128. التاسع عشر: المرأة إن كانت صغيرة لم يجز العقد عليها إلا بإذن وليها
إما الأب أو الجد له كالدوام.
وإن كانت أمة لم يجز إلا بإذن مالكها، ولو كان المالك امرأة افتقر إلى
إذنها، وفي رواية يجوز من غير إذنها (1) وأنكر المفيد (رحمه الله) ذلك، وتأولها بالوطء من
غير إذنها مع العقد عليها بالاذن (2) وهو حسن.
وإن كانت حرة بالغة رشيدة، كان لها العقد من غير ولي.
5129. العشرون: يجوز أن يعقد على امرأة عقد المتعة مرات كثيرة مرة بعد
أخرى إذا خرجت مدة العقد الأول، وإن لم يخرج بعد من العدة، وكذا يجوز أن
يعقد على أختها بعد الأجل قبل خروج العدة، ولا يجوز لغيره العقد عليها إلا بد
خروج عدتها، وإذا عقد عليها مدة وأراد الزيادة فيها قبل الانقضاء، وهبها إيامها
ثم استأنف عليها مهما (3) أراد من الزمان.

1. لاحظ التهذيب: 7 / 257 برقم 1113; والاستبصار: 3 / 219 برقم 795.
2. نقله عنه المصنف في المختلف: 7 / 232; والحلي في السرائر: 2 / 622.
3. في «ب»: بما.
526

الفصل التاسع: في مباحث متفرقة
وهي ستة مباحث:
5130. الأول: المحلل نكاحه صحيح إذا عقد عقدا صحيحا شرعيا، فان قال:
تزوجتك إلى أن أطأك أو حتى أطأك، كان باطلا، ولو قال: تزوجتك، فإذا
وطأتك طلقتك، صح النكاح، وبطل الشرط، ولها مهر المثل.
ولو نكحها معتقدا أنه يطلقها إذا أباحها، أو تعتقد الزوجة أو هما ذلك، أو
شرطا ذلك قبل العقد، ثم تعاقدا، صح العقد، ووجب المسمى.
وكل موضع حكمنا فيه بصحة العقد، تعلق به أحكام النكاح الصحيح،
وكل موضع حكمنا فيه بالإفساد، فإن الإحصان لا يثبت بالوطء فيه، وهل يبيحها
للزوج الأول؟ يحتمل ذلك، لأنه نكاح يثبت به الإحصان ويدرأ به الحد، ويجب
به المهر، ويحتمل عدمه، لأنه وطء لا يثبت به اللعان، فجرى مجرى ملك
اليمين، وقوى الشيخ الأخير. (1)
5131. الثاني: الكفاءة شرط في النكاح، وهي التساوي في الإيمان من طرف
الزوج خاصة، فلا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بغير المؤمن وإن كان مسلما، ويجوز
للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات، لكن يستحب له أن يتزوج بالمؤمنة
أيضا، وهل يشترط تمكن الزوج من النفقة؟ قيل: نعم، والأقرب أنه ليس شرطا،

1. المبسوط: 4 / 248.
527

ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة، ففي ثبوت خيار الفسخ للمرأة روايتان (1)
أقواهما سقوطه.
والعجم أكفاء العرب، والعرب أكفاء قريش، ويجوز للهاشمية التزوج
بغيره وبالعكس، ولا اعتبار بالصنائع عندنا، فيجوز لصاحب الصنعة الدنية
كالحائك والحجام والحارس والقيم والحمامي أن يتزوج بالمترفعة، وصاحبة
النسب الشريف، والصنعة الجليلة، كالتجارة والنقابة (2).
ولو رضيت المرأة بدون مهر المثل، لم يكن للأولياء الاعتراض عليها،
ويجوز إنكاح الحرة بالعبد وبالعكس.
ولو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته، وإن كان أدون في
النسب، ولو انتسب الرجل إلى قبيلة فبان من غيرها، كان للزوجة الفسخ قاله
الشيخ (3) والأقرب عندي أنه ليس لها ذلك.
ويكره ان يزوج الفاسق، خصوصا إذا كان شارب خمر، ولو تزوج امرأة،
ثم علم أنها كانت زنت، لم يكن له فسخ العقد ولا الرجوع على الولي بالمهر
على الأقوى.
5132. الثالث: وطء الحائض محرم في الفرج، فإذا انقطع الدم حل نكاحها،

1. لاحظ التهذيب: 7 / 454 برقم 1817، وص 462 برقم 1853، وقال المصنف في المختلف:
7 / 327 بعد نقل الأقوال في المسألة: «ونحن في ذلك من المتوقفين».
2. النقابة: منصب موضوع على صيانة ذوي الأنساب الشريفة عن ولاية من لا يكافئهم
في النسب ولا يساويهم في الشرف، لاحظ تفسيرها في الأحكام السلطانية للماوردي،
الباب 8 ص 121.
3. لاحظ النهاية: 489; والمبسوط: 4 / 189.
528

وهل يشترط الغسل؟ الأقرب عدمه، نعم يستحب متأكدا، ولو وطأها حائضا
استغفر الله تعالى، وعزر، وفي وجوب الكفارة قولان تقدما.
5133. الرابع: يكره للمحتلم أن يجامع قبل الغسل، ولو وطأ امرأة لم يكن له
وطؤها ثانيا، ولا وطء غيرها من غير غسل.
5134. الخامس: الوطء في الدبر مكروه وليس بحرام، يتعلق به ما يتعلق
بالوطء في القبل من إفساد الصوم، ووجوب الكفارة والغسل والمهر والعدة إلا
في شيئين: الإحصان، فإنه لا يثبت به، وعدم التحليل للمطلق ثلاثا.
5135. السادس: الاستمناء باليد حرام يجب به التعزير.
529

المقصد الرابع: في العيوب والتدليس
وفيه فصول:
الفصل الأول: في العيوب
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5136. الأول: العيوب أربعة في الرجل، وسبعة في المرأة، فعيوب الرجل:
الجنون، والخصاء، والعنن، والجب، وفي المرأة: الجنون، والجذام، والبرص،
والقرن، والإفضاء، والعمى، والعرج.
5137. الثاني: الجنون هو فساد العقل، ويثبت لكل من الزوجين خيار الفسخ
لو وجد الآخر مجنونا، سواء كان مطبقا أو لا، إلا أن المرأة إذا تزوجت فوجدته
مجنونا، فإن كان الجنون قبل العقد، كان لها الفسخ، وإن كان يعقل أوقات
الصلاة، وإن حدث بعده كان لها الفسخ إلا أن يعقل أوقات الصلاة، فلا خيار لها،
قاله بعض أصحابنا (1) والأقرب عندي ثبوت الخيار، (2) سواء كان دائما أو

1. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 486; والخلاف: 4 / 349، المسألة 127 من كتاب النكاح.
2. في «أ»: ثبوت الاختيار.
531

أدوارا، عقل معها أوقات الصلاة أو لا، وسواء حدث قبل الدخول أو بعده.
ولا يثبت الخيار لأحدهما مع السهو السريع زواله، ولا مع الإغماء
العارض لمرض كالمرة، فإن زال المرض وبقي الإغماء كان للآخر الفسخ.
5138. الثالث: الخصاء: هو سل الأنثيين، وتتسلط المرأة به على الفسخ إن
سبق العقد، وإن حدث بعده فلا خيار لها، وقيل: لها الخيار (1). والوجاء: هو
رض الخصيتين، وهو في معنى الخصاء، فحكمه حكمه.
ولو تزوجت فوجدته خصيا أو موجوءا، واختارت الصبر معه، لم يكن
لها بعد ذلك خيار، وإن أبت فرق بينهما، قال الشيخ: إن كان قد خلا بها، كان لها
الصداق وعلى الإمام أن يعزره لئلا يعود إلى مثل ذلك (2) وليس بمعتمد.
5139. الرابع: الجب إن استوعب العضو أو أكثر بحيث لا يقدر معه على
الجماع، ثبت لها الخيار، وإن قدر معه على الجماع بأن يبقى منه ما يولج بمثله
بقدر ما يغيب منه في الفرج قدر حشفة الذكر، فلا خيار لها.
5140. الخامس: العنن مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز
معه عن الإيلاج، وهو من عن أي أعرض والعنن الإعراض، لأن الذكر يعرض إذا
أراد الإيلاج.
ويثبت به خيار الفسخ للمرأة إن كان قبل العقد، وكذا إن تجدد بعده قبل
الدخول، ولو تجدد بعده، فلا خيار لها، وكذا لا خيار لها لو عجز عن وطئها
وأمكنه وطء غيرها، وكذا لو وطأها دبرا وعن قبلا فلا خيار.

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 7 / 209، المسألة 137.
2. النهاية: 487 - 488.
532

5141. السادس: لو تجدد الجب فلا خيار لها، وفيه قول آخر (1) ولو بان خنثى
وهو الذي له الفرجان، وحكم له بالرجولية، لم يكن لها خيار، وكذا المرأة
الخنثى إذا حكم لها بالأنوثية، فلا خيار للزوج.
5142. السابع: لو كان الرجل عقيما لا يولد، أو كانت المرأة كذلك، فلا
خيار للآخر.
5143. الثامن: الجذام مرض يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم، ولا يكفي
قوة الاحتراق ولا تعجر الوجه ولا استدارة العين، فإن كان في المرأة كان للرجل
خيار الفسخ، فإن كان في الرجل لم يكن للمرأة الخيار، ولو كان بها علامات
الجذام، لم يثبت بها الخيار ما لم يشهد عدلان عارفان بأنه جذام، فإن لم يكن،
فعلى المنكر اليمين.
5144. التاسع: البرص هو البياض الظاهر على صفحة البدن لغلبة البلغم، فإن
كان في المرأة، كان للرجل خيار الفسخ به، وإن كان في الرجل، لم يكن لها
خيار، ولا يحكم بالفسخ مع الاشتباه، فلو ادعت أنه بهق، (2) فإن كان لمدعي

1. نسبه الشيخ في المبسوط إلى أهل السنة حيث قال: وعندنا لا يرد الرجل من عيب يحدث به
إلا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات، وقال المخالف: إذا حدث واحد من الأربعة:
الجنون والجذام والبرص والجب فلها الخيار، وعندنا انه لا خيار في ذلك. المبسوط: 4 / 252
هذا كله إذا كان بعد العقد وأما قبله ففيه الخيار لاحظ المبسوط: 4 / 250. ولاحظ المغني لابن
قدامة: 7 / 583 - 584.
2. قال الطريحي في مجمع البحرين: البهق: بياض يعتري الجسم يخالف لونه ليس ببرص.
قال المحقق الثاني في جامع المقاصد: 13 / 236: البرص علة معروفة نعوذ بالله منها، وهي
بياض يظهر في البدن منشؤه غلبة البلغم، وهو غير البهق، وقد فرق الأطباء بينهما بأن البرص
يكون براقا أملس غائضا في الجلد واللحم، ويكون الشعر النابت فيه أبيض وجلده انزل من
جلد سائر البدن، وإن غرزت فيه الأبرة لم يخرج منه دم بل رطوبة بيضاء، والبهق بخلافه، وفي
الأكثر يكون مستدير الشكل.
533

البرص بينة، وإلا كان القول قولها مع اليمين، وقليل البرص والجذام
مثل كثيرهما.
5145. العاشر: القرن - بفتح القاف وسكون الراء - قيل: عظم في الفرج يمنع
الوطء، وقيل: العظم لا يكون في الفرج لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت
اللحم في فرجها، وهو الذي يسمى العفل. (1)
والرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر، فالألفاظ الثلاثة مترادفة
حينئذ، فإن كان هذا العيب لا يمنع من دخول الذكر، لم يكن له خيار، سواء كان
لصغر آلته، أو لخلو المدخل عن المانع، وإن حصل في بعضه.
وإن منع من دخول الذكر ثبت له الخيار.
وإن أراد الزوج فتق الموضع، لم يكن له ذلك، ولو أرادته هي لم تمنع،
فإن زال سقط خياره.
ولو حيط الشفران (2) كان الحكم فيه كالرتق أيضا، يثبت به الخيار مع المنع
من دخول الذكر وامتناعها من المعالجة، ولو بانت عاقرا، فلا خيار له أيضا.
5146. الحادي عشر: الإفضاء قال ابن إدريس: هو تصيير مخرج البول ومدخل
الذكر واحدا (3) وقال غيره: هو صيرورة مدخل الذكر ومخرج

1. قال الشيخ في المبسوط: القرن عظم في الفرج يمنع الجماع، وقال أهل الخبرة: العظم لا
يكون في الفرج لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في فرجها. وهو الذي يسمى العفل
يكون كالرتق سواء. المبسوط: 4 / 250.
2. في «أ»: «خيط». قال الطريحي في مجمع البحرين: الشفران - بالضم فالسكون -: اللحم
المحيط بالفرج.
3. السرائر: 2 / 612.
534

الغائط واحدا، وعلى كلا التقديرين، يثبت به الخيار، للزوج لعدم الانتفاع بها.
5147. الثاني عشر: العمى هو ذهاب البصر من العينين معا، ويثبت به الخيار
للزوج خاصة، نص الشيخ عليه في النهاية (1) وهي رواية داود بن سرحان
الصحيحة عن الصادق (عليه السلام). (2)
وقال في الخلاف والمبسوط بعد عد عيوب المرأة ستة: وفي أصحابنا من
ألحق به العمى، (3) ولم يجعله معدودا في الستة، وهو يشعر بأنه ليس عيبا.
ولا خيار له لو كانت عوراء، أو على أحد عينيها بياض، أو كان ضوؤهما
قاصرا إجماعا.
5148. الثالث عشر: العرج إن كان بينا في المرأة، ثبت للرجل به الخيار وإلا
فلا، وبه روايتان صحيحتان (4) وهو الذي اختاره في النهاية (5) والتهذيب 6 ولم
يجعله في الخلاف والمبسوط معدودا في العيوب.
الفصل الثاني: في أحكام العيوب
وفيه أربعة عشر بحثا:
5149. الأول: لا يرد الرجل بعيب سوى الأربعة المتقدمة، وقد روي أن من

1. النهاية: 485.
2. لاحظ الوسائل: 14 / 594، الباب 1 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 9.
3. الخلاف: 4 / 346، المسألة 124 من كتاب النكاح; والمبسوط: 4 / 249.
4. لاحظ التهذيب: 7 / 424 - باب التدليس في النكاح - برقم 1694 و 1696.
5. النهاية: 485.
6. التهذيب: 7 / 424.
535

انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ينفسخ نكاحه (1) ولا ترد المرأة من عيب سوى
السبعة المتقدمة، وقيل: المحدودة في الزنا (2) إذا لم يعلم الزوج بذلك يثبت له
خيار فسخ نكاحها.
5150. الثاني: إذا كان بكل واحد منهما عيب، ثبت لكل واحد منهما الخيار،
سواء اتفق العيب أو اختلف.
5151. الثالث: إن كان العيب بالمرأة ففسخ الزوج قبل الدخول، فلا مهر، وإن
كان بعد الدخول، ثبت لها المسمى كملا، ويرجع به الزوج على المدلس، ولو
كان العيب بالرجل ففسخت المرأة قبل الدخول، فلا مهر إلا في العنة، فيثبت لها
نصف المهر، وإن فسخت بعد الدخول، فلها المسمى، وكذا لو كان بالخصاء بعد
الدخول، فلها المهر كملا إن حصل الوطء.
ولو كان العيب بالمرأة ولم يعلم، فطلقها قبل الدخول، وجب لها نصف
المهر، ولا يسقط عنه لو ظهر بعد الطلاق، وإذا فسخ الزوج أو الزوجة بعد
الدخول، وجبت العدة، ولا نفقة لها فيها ولا سكنى إن كانت حائلا، وإن كانت
حاملا فكذلك إن قلنا ان النفقة للمرأة، وإن قلنا للحمل وجبت.
5152. الرابع: إذا رجع الزوج على الغار، فإن كان ممن يجوز له النظر إلى
وليته، كالأب والجد والعم، كان له الرجوع مع علم الولي، لتغريره، ومع عدمه،
لتفريطه بترك الاستعلام.
وإن كان ممن لا ينظر إليها كابن العم والأجنبي، فإن علم بالعيب، رجع

1. لاحظ الوسائل: 14 / 615، الباب 16 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 3.
2. القائل الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة: 519 - باب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد -.
536

عليه، وإن لم يعلم، كان الرجوع على المرأة، فإن ادعى الزوج علمه، فالقول قوله
مع اليمين، لإنكاره، وكذا القول قوله مع اليمين لو ادعت المرأة علمه وأنكر.
وكل موضع يرجع فيه على غير المرأة، فإن الزوج يرجع بجميع المهر
الذي أداه، وإن كان الرجوع على المرأة، فالأقرب أنه يرجع به إلا ما يجوز (1) أن
يكون مهرا.
5153. الخامس: عيوب الرجل أربعة فالمتجدد منها بعد الدخول إن كان
خصاء أو جبا أو عنة، لم تتسلط المرأة به على الفسخ، وكذا إن تجدد بعد العقد
قبل الدخول إلا العنة، وإن كان جنونا ثبت لها الخيار وإن تجدد بعد الوطء،
والأقرب في الجب المتجدد بعد الوطء، ثبوت الخيار لها.
وأما عيوب المرأة، فإن تجددت بعد العقد والوطء لا يفسخ بها (2)، وإن
تجددت بعد العقد وقبل الوطء، فالأقرب أنه كذلك، وإنما يثبت لها الفسخ لو
حصلت قبل العقد. قال الشيخ (رحمه الله): والأظهر في الأخبار ثبوت الخيار في
المتجدد (3) وأطلق ما يحتمل التجدد قبل الوطء وبعده، قال: فإن فسخ أحدهما
قبل الدخول، فلا مهر، وإن كان بعده، فإن كان العيب حدث بعد العقد [و] قبل
الدخول، سقط المسمى ووجب مهر المثل، لأن الفسخ استند إلى حال حدوث
العيب، فصار كأنه كان مفسوخا، وإن كان بعده، ثبت المسمى. (4)
5154. السادس: لو علم بالعيب قبل العقد فلا خيار له، وكذا المرأة، ولو

1. أي يليق جعله مهرا لمثل هذه المرأة فلا يرجع من هذا المقدار إليها.
2. في النسختين: «به».
3. المبسوط: 4 / 252.
4. المبسوط: 4 / 252 - 253.
537

حدث بها عيب آخر قبل العقد، ولم يعلم به، فإن كان مخالفا للأول، لم يسقط
خياره، وإن كان من جنسه في موضع آخر، بأن يكون بها برص في موضع،
وحدث بها في آخر، فكذلك، فإن كان في ذلك الموضع بأن اتسع، فالأقرب
سقوط خياره، لأن الرضا به رضاء بما يتولد منه.
5155. السابع: خيار الفسخ في العيب والتدليس معا على الفور، فلو علم أحد
الزوجين بعيب صاحبه، وأخر الفسخ بمقدار إيقاعه، لزم العقد، ولا يفتقر
الفاسخ إلى الحاكم، وإنما يحتاج إليه مع ثبوت العنة لضرب الأجل، ولها التفرد
بعد انقضائه وتعذر الوطء بالفسخ، خلافا للشيخ، فإنه أوجب الحكم (1).
ولو لم يعلم أحدهما بسقوط خياره مع العلم، لم يكن عذرا، أما لو لم
يعلم ثبوت الخيار له، فالأقرب عدم السقوط.
ولا يريد بالفور هنا أن له الفسخ بنفسه، وإنما يريد به أن المطالبة بالفسخ
على الفور، يأتي إلى الحاكم ويطالب بالفسخ، فإن اتفقا على العيب [فسخ
الحاكم] وإلا كان على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين. (2)
5156. الثامن: الفسخ بالعيب ليس بطلاق، فلا يطرد معه تنصيف المهر، ولا
يعد في الثلث، ولا يفتقر إلى ما يفتقر إليه الطلاق من الشرائط، كالشهود والطهارة
من الحيض.
5157. التاسع: إذا اختلفا في العيب، فالقول قول المنكر مع يمينه وعدم
البينة، ولا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج، أو [قيام] البينة على إقراره (3) أو نكوله مع

1. أي حكم الحاكم بالفسخ.
2. المبسوط: 4 / 253.
3. في النسختين: بإقراره.
538

يمينها، ولو ادعت العنن، فأنكر، فالقول قوله مع يمينه، وقيل: يقام في الماء
البارد، فإن تقلص حكم بقوله، وإن بقي مسترخيا، حكم لها (1) وليس بمعتمد.
ولو ثبت العنن ثم ادعى الوطء، فالقول قوله مع اليمين، وكذا القول قوله
لو ادعى وطأها دبرا، أو وطأ غيرها.
ولو ادعى الإصابة قبلا وكانت بكرا، فإن شهد أربع نسوة بالبكارة، فقال
الزوج: كذبن، لم يسمع، وإن قال: وطئتها وعادت عذرتها، فالأقرب أن القول
قول المرأة مع اليمين إما بعدم وطئه، أو بأن هذه بكارة الأصل.
ولو نكلت، حلف، وسقط خيارها، فلو نكل، فالوجه تقديم قولها، لأن
الظاهر أن هذه بكارة الأصل.
5158. العاشر: إذا ثبت العنة فإن رضيت، فلا خيار لها بعد ذلك، وإن رفعت
أمرها إلى الحاكم أجلها سنة من حين الترافع، لتمر به الفصول الأربعة، فإن كان
ذلك من رطوبة، زال في فصل اليبس، وإن كان من حرارة، زال في البرودة، فإن
واقعها فيها أو بعدها أو واقع غيرها، فلا خيار لها، فإن لم يتمكن، كان لها الفسخ
ونصف المهر.
5159. الحادي عشر: إذا بقي من المجبوب بقية يمكنه الوطء بها، سقط
خيارها، فإن ادعت عدم إمكانه وأنكر، احتمل تقديم قوله، عملا بأصالة سلامة
العقد، وتقديم قولها، عملا بالظاهر، إذ الظاهر عجز المقطوع ذكره، فان ثبت
عجزه باعترافه أو نكوله مع يمينها، ثبت لها الخيار في الحال، ولا يفتقر إلى مدة.

1. ذهب إليه الصدوق (قدس سره) في الفقيه: 3 / 357 برقم 1705 - باب حكم العنين - وابن حمزة في
الوسيلة: 366.
539

ولو اختلفا هل الباقي مما يمكن الوطء به؟ احتمل تقديم قولها، لأن أصل
السلامة زال، والرجوع إلى اعتباره بالصغر والكبر لا إليهما.
5160. الثاني عشر: إذا كان له أربع، فعن عن جميعهن، ضربت المدة لهن،
وإن عن عن بعضهن، لم يكن لها خيار، ولا حكم بانفرادها.
5161. الثالث عشر: صحيح الذكر يخرج من العنة بغيبوبة الحشفة في الفرج
حتى يلتقي الختانان، وأما مقطوعها فهل يخرج منها بغيبوبة الجميع أو بقدر
الحشفة؟ فيه تردد ولو وطأها في الدبر، خرج من العنة، وكذا لو وطأها وهي
حائض أو نفساء.
5162. الرابع عشر: لو علمت بالعنة فصبرت، فطلقها رجعيا، ثم راجعها، لم
يكن لها خيار الفسخ، ولو كان الطلاق بائنا، فتزوجها بعقد جديد، فالأقرب
سقوط خيارها، ولو تزوجها فادعت عننه، فوطأ وسقطت دعواها، ثم طلقها بائنا
وتزوجها بعقد جديد، فادعت عننه، سمعت دعواها.
الفصل الثالث: في التدليس
وفيه تسعة مباحث:
5163. الأول: لو تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة، كان له الفسخ، فإن كان
قبل الدخول، فلا مهر، وإن كان بعده، فلمولاها المهر، وقيل: العشر مع البكارة
540

ونصفه مع الثيبوبة، ويبطل المسمى (1) والأول أقرب، ويرجع بما غرمه على
المدلس، فإن كان هو المولى، لم يكن لها المهر، وإن كان قد تلفظ بما يقتضي
الحرية، كانت حرة.
ولو كانت هي المدلسة، كان المهر للمولى ويرجع به الزوج عليها بعد
العتق بأجمعه، لأن السيد قبض المهر، ولو كان دفع المهر إليها استعاده، وان تلف
بعضه، رجع عليها بالتالف بعد العتق.
ولو كان الزوج عبدا مأذونا له في النكاح، فالأقرب ثبوت الخيار له، فان
اختار الإمساك ثبت لسيدها المهر، وإن اختار الفسخ قبل الدخول، فلا مهر، وإن
كان بعده، فلها المسمى على السيد.
وإن كان غير مأذون له، فإن قلنا ببطلان العقد، وكان قد دخل، تبعته بالمهر
بعد عتقه، وإن لم يكن دخل فلا مهر، وإن قلنا بصحته، وقف على إجازة
المولى، فإن أجاز صح العقد، وكان للعبد الخيار في الفسخ، ويجب المهر على
المولى بعد الدخول على إشكال، فإن فسخه كان باطلا، فإن أوجبنا المهر على
العبد أو المولى، كان له الرجوع على الغار منهما أو من الوكيل، فإن غرته هي
والوكيل، رجع بالنصف على الوكيل معجلا وبالنصف عليها بعد العتق، قال
الشيخ: ولو أتت بولد كان حرا، لأنه دخل في العقد على ذلك، وعليه القيمة يوم
سقوطه حيا لسيد الأمة، وفي محلها أقوال ثلاثة: أحدها في كسبه، والثاني في
رقبته، والثالث في ذمته، ويرجع بها على الغار وهذه الأقوال للجمهور. 2
والحكم في المدبرة وأم الولد حكم الأمة القن.

1. النهاية: 477.
2. نقلها الشيخ في المبسوط: 4 / 256.
541

5164. الثاني: لو تزوج امرأة على أنها حرة فبانت مكاتبة قوى الشيخ البطلان (1)
ويحتمل الصحة وثبوت الخيار، فإن اختار الإمساك ثبت لها المسمى لا للسيد،
وإن اختار الفسخ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، وإن كان بعده، ثبت لها
المسمى، وقال الشيخ: مهر المثل، (2) وكذا لو قلنا ببطلان العقد، وإذا رجعت
بالمهر، رجع هو على المدلس، فإن كان الوكيل رجع بالجميع، وإن كانت هي،
رجع بالزائد عن أقل ما يكون مهرا ولو أتت بولد كان حرا، وعليه قيمته، فإن قلنا
قيمة ولد المكاتبة المقتول للسيد، فالقيمة هنا له، فإن كان الغار الوكيل رجع عليه
بكمالها، وإن كانت هي رجع عليها بما في يدها، لأنه كالدين، وإن قلنا للأم
فكذلك هنا، فإن كان الغار هو الوكيل رجع عليه بالقيمة، وإن كانت هي تقاصا.
ولو ضربها جان فألقته ميتا وجب عليه الكفارة وعليه دية الجنين للأب إن
لم يكن الجاني، ولمن يليه إن كان هو الجاني لا للسيد، لأنه إنما يأخذ مع
خروجه حيا، ولا للأم، لأنها مكاتبة لا ترثه.
5165. الثالث: لو تزوجت الحرة برجل على أنه حر فخرج عبدا، كان لها خيار
الفسخ، فإن فسخت قبل الدخول فلا مهر لها، وان كان بعده، فلها المسمى.
ثم إن كان مأذونا له، كان لازما للسيد، أو في كسبه، على الخلاف، وإن لم
يكن مأذونا، كان ثابتا في ذمته يتبع به بعد العتق.
5166. الرابع: لو تزوج بامرأة على أنها بنت مهيرة، (3) فكانت بنت أمة، فإن

1. المبسوط: 4 / 256.
2. المبسوط: 4 / 256.
3. في القاموس: المهيرة: الحرة الغالية المهر. (مادة مهر). وفي الصحاح: المهيرة: الحرة وقال
المحقق الثاني: وكأن أهل اللغة لحظوا في الاشتقاق أنها لا توطأ إلا بمهر بخلاف الأمة فإنها لا
توطأ إلا بالملك. جامع المقاصد: 13 / 297.
542

شرط كان له الخيار، فإن فسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، وإن كان بعده، كان لها
المهر، ويرجع به على المدلس، أبا كان أو غيره، لكن إن كانت هي المدلسة لم
يرجع بأقل ما يصلح مهرا.
5167. الخامس: لو زوج بنته من المهيرة وأدخل عليه بنته من الأمة، ردها مع
المهر إن كان دخل بها، ويرجع به على السائق (1) ويرد عليه امرأته، ولا يسقط عنه
مهرها، وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته، سواء كانت أرفع أو
أخفض، ويثبت مهر المثل للموطوءة بالشبهة.
5168. السادس: لو تزوج رجلان بامرأتين، فأدخل كل منهما على غير
زوجها، ثبت لكل منهما على واطئها مهر المثل، وعلى زوجها المسمى، وترد
كل واحدة على زوجها، وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من الوطء،
ويرجع كل غارم عن الوطء على السابق، ولو ماتت المرأتان في العدة ورث كل
واحد زوجته، وكذا لو مات الرجلان، ورثت كل زوجة زوجها، وتعتد بعد
الفراغ من العدة الأولى عدة الوفاة، ولو حملتا من الوطء اعتدتا بوضعه للواطئ
ثم عدة الوفاة بعدها للزوج.
5169. السابع: لو تزوج وشرط البكارة، فخرجت ثيبا لم يكن له الفسخ،
وكان له أن ينقص من مهرها شيئا، وهوما بين مهر البكر والثيب، ويرجع فيه
إلى العادة.
5170. الثامن: قد بينا أن الأقوى المنع من نكاح الكتابية دائما، وجوازه متعة،
فلو استمتع امرأة فخرجت كتابية، لم يكن له الفسخ إلا بهبته المدة ولا إسقاط

1. في الشرائع: ويرجع به على من ساقها إليه. شرائع الإسلام: 2 / 322.
543

شئ من مهرها، وكذا لو تزوجها دائما على القول الآخر، ولو اشترط إسلامها،
فخرجت كتابية، كان له الفسخ في الموضعين، ويثبت لها المهر مع الدخول،
ويسقط مع عدمه، ولو تزوجها على أنها كتابية متعة أو دواما، وقلنا بجوازه،
فخرجت مسلمة، فالأقرب سقوط الخيار، ولو قلنا بتحريم الدوام في الكتابية لو
تزوجها دائما على أنها كتابية فبانت مسلمة، قوى الشيخ البطلان لإنشائه عقدا
يعتقد بطلانه. (1)
5171. التاسع: كل موضع حكم فيه ببطلان العقد، فإنه يثبت للمرأة مع
الدخول مهر المثل، وكل موضع حكم فيه بصحته فلها المسمى مع الوطء، وإن
لحقه الفسخ، سواء كان الفسخ بعيب سابق على الوطء أو متجدد، ولو لم يكن
دخول لم يكن لها مهر في البطلان والفسخ ولا نصفه إلا في الطلاق والفسخ
بالعنة على ما سلف.

1. المبسوط: 4 / 254.
544

المقصد الخامس: في الصداق
وفيه فصول:
الفصل الأول: في المسمى
وفيه أربعة عشر بحثا:
5172. الأول: الأصل في الصداق الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى:
(وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) (1) إما تدينا مأخوذ من الانتحال، وهو
التدين (2) أو أنه من النحلة وهي الهبة، لأن الاستمتاع مشترك بينهما، فثبوت

1. النساء: 4.
2. قال النووي في المجموع: فإن قيل: لم سماه نحلة، والنحلة العطية بغير عوض، والمهر ليس
بعطية وإنما هو عوض عن الاستمتاع. ففيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: انه لم يرد بالنحلة العطية، وإنما أراد بالنحلة الانتحال وهو التدين، لأنه يقال: انتحل فلان
مذهب كذا أي دان به، فكأنه تعالى قال: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) أي تدينا.
والثاني: ان المهر يشبه العطية، لأنه يحصل للمرأة من اللذة في الاستمتاع ما يحصل للزوج
وأكثر، لأنها أجلب شهوة، والزوج ينفرد ببذل المهر، فكأنه تأخذه بغير عوض.
والثالث: انه عطية من الله تعالى في شرعنا للنساء، لأن في شرع من قبلنا كان المهر للأولياء،
ولهذا قال تعالى في قصة شعيب (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني
حجج). القصص: 27 [ولم يقل «تأجر بنتي»] المجموع: 18 / 5 - 6. ولاحظ المبسوط للشيخ
الطوسي (قدس سره): 4 / 271 - 272.
545

المهر لها نحلة، أو لأن الصداق في الشرائع القديمة للأولياء، فهو لهن نحلة.
5173. الثاني: ذكر المهر في العقد ليس بواجب، لكنه مستحب، وكل ما
يملك يصح أن يكون مهرا، سواء كان عينا أو منفعة، فلو عقد على منفعة الحر،
كتعليم الصنعة، أو شئ من القرآن، أو غير ذلك من الأعمال المحللة، صح،
وكذا على إجارة الزوج نفسه مدة معينة خلافا للشيخ في بعض أقواله. (1)
5174. الثالث: إذا عقد المسلم على خمر أو خنزير، لم يصح المسمى،
سواء كانت الزوجة مسلمة أو كتابية، وهل يبطل النكاح؟ قيل: نعم (2) وقيل: لا، (3)
وهو الأقرب.
وعلى تقدير الصحة قيل: ثبت قيمة المسمى عند مستحليه، (4) وقيل: مهر
المثل (5) وهو أقرب ولو سماه الذمي صح، فلو أسلما أو أسلم أحدهما بعد
القبض، برئت ذمة الزوج، وإن كان قبله، دفع القيمة، سواء كان عينا أو مضمونا.

1. قال الشيخ في النهاية: ولا يجوز العقد على إجارة، وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن
يعمل لها أو لوليها أياما معلومة أو سنين معينة. النهاية: 469.
2. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 469; وأبو الصلاح في الكافي في الفقه: 293.
3. وهو خيرة ابن زهرة في الغنية قسم الفروع: 348 والحلي في السرائر: 2 / 577; وابن حمزة
في الوسيلة: 296; وذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4 / 272; والخلاف: 4 / 363، المسألة 1
من كتاب الصداق.
4. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4 / 290.
5. وهو خيرة الشيخ في الخلاف: 4 / 363، المسألة 1 من كتاب الصداق; والمبسوط: 4 / 272.
546

5175. الرابع: لا تقدير في المهر في القلة والكثرة، بل ما تراضيا عليه
الزوجان، من القليل والكثير، صح أن يكون مهرا، فلو سمى أقل من نصاب
القطع في السرقة، لزم، بل جاز أن يكون كفا من بر أو مثقالا من سكر ما لم يقصر
عن التقويم، كحبة من حنطة، وكذا في طرف الكثرة ولو سمى أزيد من خمسين
دينارا، مهما كانت الزيادة لزمت ولو بلغ مائة قنطار (1) وقول السيد المرتضى (قدس سره):
لو زاد على الخمسين رد إليها (2) غير معتمد، نعم الأفضل أن لا يتجاوز السنة
المحمدية، وهي خمسمائة درهم، وتخفيف الصداق أفضل من زيادته.
5176. الخامس: تعليم القرآن يجوز أن يكون صداقا، وليس بمكروه، فلا بد
من تعيين المهر من السورة أو الآيات المشترطة، ويجوز أن يقدره بالمدة كاليوم
والشهر، وتتعلم هي ما شاءت، ولو أبهم فسد المهر، ووجب مهر المثل مع
الدخول، والأقرب أنه لا يشترط تعيين الحرف، (3) كقراءة حمزة أو غيره، بل
يكفيها الجائز في السبعة دون الشاذة.
ولو أصدقها تعليم سورة معينة، وهو لا يحسنها، فإن قال: علي أن أحصل
لك تعليم ذلك جاز، لأنها منفعة في الذمة، وإن قال: علي أن أعلمك أنا، احتمل
الصحة، كما لو أصدقها مالا، ولا شئ له، والبطلان لتعينه بفعله، وهو غير قادر،
والأول أقرب.

1. قال في القاموس المحيط: 2 / 112: القنطار - بالكسر -: وزن أربعين أوقية من ذهب، أو ألف
ومائتا دينار، أو ألف ومائتا أوقية، أو سبعون ألف دينار وثمانون ألف درهم، أو مائة رطل من
ذهب أو فضة، أو ألف دينار، أو ملء مسك ثور ذهبا أو فضة.
2. قال في الانتصار: ومما انفردت به الإمامية: أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا قيمتها
خمسون دينارا، فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة. الانتصار: 292، المسألة 164.
3. المراد من الحرف: القراءة.
547

ولو طلبت منه تعليم غير السورة المشترطة، لم يجب عليه، سواء كانت
أسهل أو أصعب.
ولو طلبت منه أن يعلم المشترطة غيرها من الأشخاص، لم يجب عليه،
لاختلاف الناس بالذكاء والبلادة.
ولو تعلمت المشترطة من غيره، أو تعذر تعلمها (1) شيئا منها، فالأقرب
ثبوت أجرة تعليم السورة.
ولو اختلفا فقالت: تعلمتها من غيره، فقال: بل مني، فالقول قولها مع
اليمين، وكذا لو قالت: علمني غير السورة، لأن الأصل عدم الإقباض، وإن لقنها
السورة فنسيتها، برئت ذمته، لحصول القبض، والتفريط بسببها، وإن لقنها
البعض فنسيته، فإن كان بعض آية، لم يكن إقباضا، لأنه مذاكرة، وإن كان آية فما
زاد، كان إقباضا، ولا يجب عليه إعادة التعليم لما نسيته.
5177. السادس: لو تزوج المسلم كتابية على أن يصدقها تعليم شئ من
القرآن، فإن قصدت به التفكر، وطمع الزوج في الاستبصار، صح، وإن قصدت
المباهاة بحفظ كتاب المسلمين، لم يصح، قاله الشيخ ووجب مهر المثل مع
الدخول. 2
ولو أصدق الذمي تعليم التوراة والإنجيل، فترافعوا إلينا، أبطلنا المهر إن
لم يكن علمها، وأوجبنا مهر المثل، لأنه مبدل مغير لا يجوز جعله مهرا، وإن كان
قد علمها فقد استوفت، لأنا لا ننقض ما تقابضوه.

1. في «ب»: تعليمها.
2. المبسوط: 4 / 275.
548

ولو تزوج المسلم بذمية، وأصدقها تعليم التوراة أو الإنجيل، (1) لم يصح،
ووجب لها مهر المثل، سواء علمها أولا.
ولو أصدقها تعليم شعر يجوز تعليمه كالحكم والمواعظ والآداب، جاز،
وإن لم يجز تعليمه كهجاء المؤمنين والسخف، بطل المسمى، ووجب مهر
المثل وقيمة التعليم على إشكال.
5178. السابع: إذا طلقها قبل تعليم السورة المشترطة بعد الدخول، استقر
الصداق، وهل يعلمها من وراء الحجاب؟ قال الشيخ: الأقوى ذلك (2) كما يجوز
سماع المرأة في المعاملات، ويحتمل المنع خوف الافتتان، فيثبت لها الأجرة،
وإن كان قبل الدخول، فإن قلنا بالأجرة، استحقت أجرة النصف، وإن قلنا
بالتعليم، احتمل هنا الأجرة، لاختلاف الآيات في السهولة وضدها وقسمة
الآيات بالحروف.
وإن طلق بعد التعليم، فإن كان بعد الدخول، فلا بحث وإن كان قبله رجع
عليها بنصف الأجرة.
5179. الثامن: إذا تزوجها على أن يعلم غلامها صنعة، أو قرآنا، وجعله
صداقا، جاز، ولو أصدقها رد عبدها الآبق وجملها الشارد، فإن كان الموضع
معلوما صح، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجرة الرد إن فعله، وإلا
رجعت هي بنصف الأجرة، وهل لها إلزامه برده نصف المسافة؟ الأقرب، عدمه.

1. في «أ»: والإنجيل.
2. المبسوط: 4 / 275; والخلاف: 4 / 368، المسألة 5 من كتاب الصداق.
549

أما لو طلقها بعد الدخول قبل الرد، فإنه يلزمه الرد قطعا، ولو لم يجده في
ذلك الموضع، وجب عليه أجرة الرد بعد إسقاط ما قابل فعله، وإن كان مجهولا
بطل المسمى، ووجب لها مهر المثل مع الدخول، لا الأجرة، لعدم العلم
بمقدارها قبل العقد وبعده.
5180. التاسع: منافع الحر يجوز أن تكون مهرا بشرط التعيين، فإذا أصدقها
خياطة ثوب بعينه (1) فتلف قبل الخياطة، كان لها أجر (2) مثل الخياطة، وكذا كل مهر
تلف وجبت قيمته، وإن كان فاسدا فمهر المثل مع الدخول.
وإن تعطل الخياط، وكان المهر خياطته بنفسه، وجب عليه الأجرة، وبطل
المسمى، وإن كان خياطة مطلقة لزمه عمله بغيره.
وإن كانا سليمين فطلقها (3) بعد الدخول، وجب عليه الخياطة إن لم
يكن فعلها، وإن كان قبله، فالأقرب وجوب نصف الأجرة مع احتمال خياطة
نفسه إن انضبطت، ولو اختار خياطة الجميع لم يكن لها المطالبة بغير ذلك
على إشكال. (4)
وإن طلق بعد الخياطة قبل الدخول، رجع عليها بنصف الأجرة.
5181. العاشر: قد ذكرنا أن من شرط المهر التعيين، فإن أبهمه ثبت مهر المثل
مع الدخول، والمتعة مع الطلاق قبله، ويكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا
ولو جهل وزنه أو كيله، كقطعة من ذهب، وقبضة من فضة، وقبة من طعام.

1. في «أ»: معينة.
2. في «ب»: أجرة.
3. في «أ»: «فإن كانا سليمين فطلقا» والصحيح ما في المتن.
4. لاحظ المبسوط: 4 / 276.
550

ولو تزوجها على خادم وأطلق، أودار كذلك، قيل: كان لها خادم وسط
ودار كذلك (1) وعندي فيه نظر.
ولو تزوج امرأتين فما زاد بمهر واحد، صح العقد والمهر، وقسط على
مهور الأمثال.
ولو تزوج امرأتين لإحداهما زوج، بألف لم يكن الألف للأخرى خاصة،
بخلاف ما لو تزوجها والحائط، (2) ويقسم الألف على مهر مثلهما، فما يخصها
فهو مهرها لا مهر المثل.
5182. الحادي عشر: لو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه، ولم يسم مهرا، كان
مهرها خمسمائة درهم، ولو سمى لها مهرا ولأبيها شيئا، لم يلزم ما سماه للأب،
وثبت لها المسمى.
ولو تزوجها بمهر معين، وشرط عليها أن تعطي أباها منه شيئا، قيل: صح
المهر والشرط، وفيه نظر، قال الشيخ: إن كان على سبيل الهبة، لم يلزمها الوفاء
به، وكان بأجمعه لها، وإن كان على سبيل التوكيل في القبض، فكذلك. (3)
5183. الثاني عشر: إذا أصدقها عبدا فبان مستحقا، كان لها قيمته، ولو بان
حرا، قال الشيخ (رحمه الله): الأقوى قيمته لو كان عبدا، (4) ولو قيل بمهر المثل كان وجها.
ولو أصدقها عبدا مجهولا، فإنه يجب مهر المثل قطعا، لعدم إمكان
الرجوع إلى قيمته، ولو تزوجها بخل فبان خمرا، قال الشيخ (رضي الله عنه): كان لها مهر
المثل أيضا (5) وقيل: لها قيمته عند مستحليه، ويحتمل قيمة الخل، أما لو تزوجها

1. القائل الشيخ في الخلاف: 4 / 371، المسألة 9 من كتاب الصداق; والنهاية: 473.
2. في «ب»: أو الحائط.
3. المبسوط: 4 / 303.
4. المبسوط: 4 / 290.
5. المبسوط: 4 / 290.
551

بهذا الحر، أو بهذا الخمر، فالوجه هنا بطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل.
ولو تزوجها على عبدين، فبان أحدهما حرا، فسد فيه ووجبت قيمته لو
كان عبدا، وصح في الآخر، وهل لها المطالبة بقيمتهما ودفع الآخر؟ إشكال.
ولو قال: بهذا الحر وهذا العبد، بطل في الحر، وكان لها قدر حصته من
مهر المثل والآخر، ولا يكون العبد خاصة هو كمال المهر في الموضعين.
5184. الثالث عشر: لو تزوجها بمهر سرا وبأزيد منه علانية، أو بالعكس، كان
الحكم للأول ولا اعتبار بالأخير.
5185. الرابع عشر: لو زوجها الولي بدون مهر المثل، قيل: يبطل المهر، ولها
مهر المثل وقيل: يصح المسمى، (1) وهو الأقرب مع المصلحة، ولو زوجه الولي
بأكثر من مهر المثل، فالأقرب لزوم المسمى مع المصلحة.
الفصل الثاني: في تسمية ما يزيد وينقص من الأعيان
وفيه ستة مباحث:
5186. الأول: المهر تملكه المرأة بالعقد، ولا يتوقف في تملك جميعه
إلى الدخول، ثم إن طلقها الزوج قبل الدخول، رجع بنصفه، وقبل الطلاق
فالجميع ثابت، ويكون من ضمان الزوج حتى تقبضه، وزيادته لها، سواء كان

1. ذهب إليه الشيخ في الخلاف، ونقل عن الشافعي انه قال: يبطل المسمى ويجب مهر المثل.
الخلاف: 4 / 392، المسألة 37 من كتاب الصداق.
552

في يده أو يدها، ولها أن تتصرف فيه قبل قبضه بالبيع والهبة وما شاءت من
أنواع التصرفات.
5187. الثاني: إذا أصدقها عينا، فتلفت قبل القبض، وجب لها مثل تلك العين
إن كانت من ذوات الأمثال، وإلا قيمة يوم التلف إن تلفت في يده من غير
مطالبة، وإن طالبته ثم تلفت وجب أكثر القيمة من وقت المطالبة إلى وقت
التلف، هذا إذا تلف بسببه أو بأمر سماوي، ولو أتلفه أجنبي تخيرت في إلزام
الزوج بما ذكرنا إما بالقيمة يوم الإتلاف أو بأكثر القيمة مع المطالبة، على ما قلنا
من التفصيل، فيرجع الزوج على المتلف بقيمته يوم الإتلاف خاصة وإلزام
المتلف بقيمته يوم إتلافه، وحينئذ هل لها أن ترجع على الزوج بتفاوت
القيمة من يوم المطالبة إلى وقت الإتلاف لو رجعت على الأجنبي بالقيمة؟
الأقرب ذلك.
ولو أتلفته هي، كان ذلك قبضا منها، وليس لها الرجوع مع تلف المهر قبل
القبض بمهر المثل بل بالقيمة.
5188. الثالث: قد بينا أن المهر مضمون في يد الزوج، لو تلف رجعت عليه
بقيمته، وهل يضمنه بقيمته يوم التلف أو بأعلى القيم من حين العقد وان لم
يطالب به إلى حين التلف؟ الأقرب الأول.
5189. الرابع: إذا وجدت بالمهر عيبا، كان لها رده، ولو حدث به العيب بعد
العقد قبل القبض، كان لها الأرش، وهل لها الرد والمطالبة بالقيمة؟ قيل: نعم.
ولو أصدقها نخلا حائلا فأثمر في يدها أو يده بعد العقد، فالثمرة لها، ولو
كانت في يده حتى انتهت فجذها ووضعها في أواني وجعل عليها سيلان
553

الرطب ليحفظ رطوبتها كما يصنعه أهل الحجاز، فإن لم ينقص قيمتها بذلك ولا
بإخراجها، دفعها إليها ولا شئ عليه، وإن نقصت القيمة نقصانا متناهيا ردها مع
الأرش، وإن كان غير متناه بل حكم أهل الخبرة بنقصها كل وقت، فالوجه ردها
مع أرش النقصان الموجود، وكل ما نقصت رجعت عليه، ولو لم ينقص بوضعها
في الأواني لكنها ينقص بإخراجها، فللزوج إخراجها ودفع الأرش، ولو دفع
الزوج الأواني مع الثمرة، ففي وجوب القبول على المرأة إشكال هذا إذا كان
السيلان من ثمرتها، وإن كان من ثمرته، دفع الثمرة دونه، وعليه أرش النقصان،
كما تقدم، وكل موضع حكم فيه بإخراج الثمرة من الآنية، فالأجرة فيه
على الزوج.
5190. الخامس: لو كان المهر أمة حرم عليه وطؤها، فإن فعل عالما بالتحريم
حد، والولد مملوك، ولا تصير أم ولد، فإن طاوعته فلا مهر، وإلا كان المهر
للسيدة، وان كان جاهلا بأن يكون قريب العهد بالإسلام أو نائيا عن بلاده،
كجفاة العرب، أو يكون مالكيا يعتقد انتقال النصف خاصة بالعقد، فلا حد،
والولد حر لاحق به، وعليه قيمته للسيدة بيوم سقوطه حيا والمهر، ولا تصير أم
ولد في الحال، فإذا ملكها بعد ذلك ففي صيرورتها أم ولد إشكال، والضابط أنه
إذا أحبل الأمة بحر في ملكه، فهي أم ولد، وفي غير ملكه إشكال، وبمملوك في
غير ملكه لا تصير أم ولد، وإن ملكها بعد، فإذا أحبلها الزوج نقصت، فعليه
الأرش، ولها الرد والمطالبة بالقيمة لا بمهر المثل.
5191. السادس: يجوز جمع العقود المختلفة في عقد واحد.
كبيع وصرف، مثل أن يبيع دراهم وثوبا بذهب، وكذا إن اتحد الجنس مثل
554

أن باع دراهم وثوبا بدراهم، لكن يجب نقصان ما انضم إليه المتاع عن الآخر.
وكبيع وإجارة، مثل [أن يقول:] بعتك عبدي وآجرتك داري بكذا، أما لو
قال: آجرتك داري وبعتكها بكذا، قال الشيخ: بطلا، لأن مالك الرقبة يملك
المنافع (1) وعندي فيه نظر.
وكبيع وكتابة مثل [أن يقول:] بعتك عبدي هذا وكاتبتك بألف إلى
نجمين، قال الشيخ: يبطل البيع، لأن بيع عبده من عبده باطل، (2) وفيه نظر، أما
الكتابة فصحيحة، ويقسط العوض.
وكبيع ونكاح مثل [أن يقول:] زوجتك بنتي وبعتك عبدها بكذا، فإنهما
يصحان ويقسط الثمن على مهر المثل وقيمة العبد.
ولو قال: زوجتك بنتي وهذه الألف لك بعبدك هذا صحا، وكان بعض
العبد مهرا وبعضه مبيعا فيقسط قيمته عليهما.
ولو قال: زوجتك بنتي وبعتك هذا الألف بألف، بطل البيع والمهر، دون
النكاح، وثبت مهر المثل.
ولو قال: زوجتك هذه الجارية وبعتكها بألف، صح البيع، وبطل النكاح
والمهر، وكان عليه من الثمن بنسبة القيمة ومهر المثل، وهل يتخير البائع؟ الوجه
ذلك ولو اشترت المرأة زوجها، صح البيع وبطل النكاح، وسقط المهر، سواء
كان قبل الدخول أو بعده، وليس لها معاودته إلا بإعتاقه والعقد عليه ثانيا، أو
ببيعها إياه ثم تجديد العقد.

1. المبسوط: 4 / 289.
2. المبسوط: 4 / 289.
555

الفصل الثالث: في الشرط في المهر والعقد
وفيه أحد عشر بحثا:
5192. الأول: إطلاق العقد يقتضي تعجيل المهر، فإن شرطا الحلول أو أطلقا،
وجب دفعه إليها بالعقد مع المطالبة، وإن شرطا التأجيل، وجب أن يكون الأجل
محروسا من الزيادة والنقصان، فإن شرطا أجلا مجهولا، فالوجه بطلان المسمى
وثبوت مهر المثل، ويجب دفع مهر المثل مع الدخول من غير تأجيل.
وإذا سميا أجلا معينا، لم يجب دفعه قبل الأجل، سواء دخل بها أو لا،
وليس لها الامتناع من تسليم نفسها قبل حلوله.
ولو شرطا تأجيل بعضه وحلول الباقي صح.
5193. الثاني: إذا كان الصداق حالا كان لها أن تمنع نفسها حتى تقبضه، وإن
كانت قد سلمت نفسها، فإن لم يدخل بها كان لها الامتناع بعد ذلك، لأن التسليم
هو القبض، والقبض في النكاح هو الوطء، وإن كان قد دخل بها، قال في
الخلاف: ليس لها الامتناع ولها إجباره على الصداق (1) وقوى في المبسوط جواز
امتناعها حتى تستوفيه. (2)
5194. الثالث: إذا كان الزوج معسرا، لم يكن لها الامتناع بعد الدخول، وهل

1. الخلاف: 4 / 393، المسألة 39 من كتاب الصداق.
2. المبسوط: 4 / 313.
556

لها ذلك قبل الدخول؟ قيل: نعم، وهو قوي، ويلوح من كلام ابن إدريس عدمه (1)
وإذا سلم الزوج المهر لم يجز لها بعد ذلك الامتناع، فإن امتنعت كانت ناشزا، إن
كانت كبيرة، ولو طلبت إمهال يومين أو ثلاثة، قوى الشيخ ثبوت ذلك لها
لإصلاح أمرها، والاستعداد لزوجها (2) والأقرب عندي عدم وجوبه.
وإن كانت صغيرة دون البلوغ، لم يجب تسليمها إليه، وإن التزم بحضانتها
وتربيتها، ولو امتنع من نقل (3) هذه [الصغيرة]، لم يجب عليه لو طلب أهلها
نقلها إليه.
5195. الرابع: لو كان المهر مؤجلا فلم يحصل الدخول حتى حل، لم
يكن لها الامتناع من تسليم نفسها حتى يقبض، ولو كان بعضه حلا وبعضه
مؤجلا، وجب تعيين الأجل وتعيين قدر المؤجل، ولها الامتناع حتى تقبض
الحال، فإذا قبضته لم يجز لها أن تمنع قبل حلول الباقي ولا بعده على ما تقدم.
5196. الخامس: إذا كان الزوج كبيرا والمرأة كذلك، وامتنع كل منهما من
تسليم ما عليه، قال الشيخ: الأقوى نصب عدل يأمر الزوج بتسليم الصداق إليه،
فإذا فعل أمرها بتسليم نفسها إليه، فإذا فعلت أعطاها العدل الصداق (4) فإذا امتنعت
من تسليم نفسها قبل دفع الزوج الصداق، كان لها ذلك على ما قلنا، ولا تسقط
نفقتها في مدة امتناعها، لأنها بذلت نفسها إن دفع الواجب لها، فإذا امتنع لم
يسقط نفقتها.

1. السرائر: 2 / 591.
2. المبسوط: 4 / 314.
3. كما في المبسوط: 4 / 315، وفي النسختين «بعض» وهو مصحف.
4. المبسوط: 4 / 316.
557

ولو كانت نضوا خلقة، فسلم مهرها، لم يكن لها الامتناع، ولا يستمتع لها
في الفرج مع تضررها، بل في غيره، وخير بين إمساكها كذلك وتطليقها مع
استرجاع نصف المهر منها، وليس له الفسخ، كالرتقاء، وان لم تتضرر كان له
الاستمتاع في الفرج، فإن كان [نضوها] لعارض كان لها منع نفسها حتى تبرأ،
ولا نفقة لها حتى تبرأ وتسلم نفسها، ولو سلمت نفسها لزمته النفقة، وكذا لو
سلمت نفسها وهي صحيحة فمرضت ونحلت، فعليه النفقة، ولا يمكن من
جماعها مع الضرر.
وإن كانا صغيرين، لم يكن لها نفقة، وقوى الشيخ عدم وجوب تسليم
الصداق (1) وكذا لو كان كبيرا وهي صغيرة.
وإن كان صغيرا، وهي كبيرة، فبذلت نفسها، فالذي قواه الشيخ عدم النفقة
وعدم وجوب تسليم المهر، (2) وفيه نظر.
5197. السادس: الشروط المذكورة في العقد إن نافت مقتضاه، كانت
باطلة، مثل أن يشترط عليها في العقد أنه لا يتزوج عليها ولا يتسرى، وأنه لا نفقة
لها، ولا ميراث، والعقد صحيح وكذا المسمى، ولو شرط عليها أن يتزوج عليها،
أو يتسرى، أو يسافر بها، أو ينفق عليها، فالشرط صحيح، لأنه من مقتضيات
العقد إجماعا.
ولو شرطت عليه أن لا يطأها في الفرج، قال الشيخ (رحمه الله): بطل النكاح، لأنه
إخلال بالمقصود، قال: وروى أصحابنا: أن الشرط صحيح، والعقد صحيح، ولا

1. المبسوط: 4 / 316.
2. المبسوط: 4 / 316.
558

يكون له وطؤها، فإن أذنت له بعد ذلك كان له وطؤها، قال: وعندي أن هذا
يختص عقد المتعة دون الدوام، (1) وفي طريق الرواية (2) ضعف.
ولو شرطت أن يطأها ليلا خاصة، أو شرط هو ذلك، قال: لا يفسد وله
وطؤها متى شاء، وكذا لو شرط عليها أن لا يدخل عليها سنة أو شرطت هي
ذلك، فإنه يبطل الشرط ويصح العقد. (3)
ولو شرطت عليه أن لا يخرجها من بلدها، قال في الخلاف (4)
والمبسوط (5): لا يلزم الشرط ويصح العقد والمهر، وهو اختيار ابن إدريس (6)
وقال في النهاية: يلزم الشرط أيضا، (7) وبه رواية صحيحة عن أبي العباس عن
أبي عبد الله (عليه السلام) (8).
وفي رواية حسنة عن ابن رئاب عن الكاظم (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة
على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فقال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد
الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها، وإن أراد أن
يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون عند
شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها أو ترضى

1. المبسوط: 4 / 303 - 304.
2. رواها الشيخ في التهذيب بسند فيه محمد بن سنان وهو ضعيف وأما ما رواه الكليني فالسند
صحيح، لاحظ الوسائل: 15 / 45، الباب 36 من أبواب المهور، الحديث 1، وج 14 / 491،
الباب 36 من أبواب المتعة، الحديث 1.
3. المبسوط: 4 / 304.
4. الخلاف: 4 / 388، المسألة 32 من كتاب الصداق.
5. المبسوط: 4 / 303.
6. السرائر: 2 / 590.
7. النهاية: 474.
8. لاحظ الوسائل: 15 / 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 1.
559

منه من ذلك بما رضيت وهو جائز له (1) وابن إدريس منع هذه الرواية، وصحح
العقد وأوجب عليها الخروج معه أين شاء ولم يتعرض بما يجب عليه من
المهر (2) والأقوى عندي ما تضمنته الرواية لجودة سندها، واختلاف الأغراض
بذلك، فوجب أن يكون مشروعا.
ولو شرطت أن بيدها الجماع والطلاق، صح العقد والمهر، وبطل الشرط.
ولو شرطت تأجيل المهر صح، فإن شرطت فيه أنه متى لم يأت بالمهر
قبل الأجل، فلا نكاح بينهما، بطل الشرط وصح العقد، وهي رواية حسنة عن
ابن قيس عن الباقر (عليه السلام) (3).
ولو أعتق عبده على أن يزوجه ابنته (4)، فإن تزوج عليها أو تسرى فعليه
مائة دينار، فتزوج أو تسرى عليها، ففي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام)
عليه ما شرطه (5) ولو شرط الرجل لامرأته إن تزوج عليها، أو هجرها، أو اتخذ
عليها سرية [فهي طالق] ففي رواية محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) يبطل الشرط
ويصح العقد (6). وفي رواية حسنة عن أبن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن
الصادق (عليه السلام) فيمن تزوج امرأة وشرط عليها أن يأتيها إن شاء أو ينفق عليها شيئا
مسمى، قال: لا بأس (7). وعن زرارة قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن الجارية يشترط

1. الوسائل: 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 2.
2. السرائر: 2 / 590.
3. الوسائل: 15 / 20 - 21، الباب 10 من أبواب المهور، الحديث 2.
4. كما في الرواية ولكن في النسختين «أمته» وهو مصحف.
5. الوسائل: 15 / 46، الباب 37 من أبواب المهور، الحديث 1.
6. الوسائل: 15 / 46، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 1.
7. الوسائل: 15 / 47، الباب 39 من أبواب المهور، الحديث 1.
560

عليها عند عقد النكاح أن يأتيها متى شاء كل شهر أو جمعة يوما، ومن النفقة كذا
وكذا، [قال:] فليس ذلك الشرط بشئ (1) وعن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) في
رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق، قال: ليس ذلك
بشئ، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من اشترط شرطا سوى كتاب الله تعالى فلا يجوز
ذلك له ولا عليه. (2)
5198. السابع: إذا تزوجها على عين، وشرط لها (3) الخيار مدة من الزمان،
فإن كان في أصل العقد، بطل النكاح، فإن لم يدخل فلا شئ لها، وإن دخل،
كان لها مهر المثل، وإن كان الخيار في المهر، صح العقد والمهر والشرط.
5199. الثامن: إذا تزوجها على عين موصوفة، صح الصداق، ولزمه تسليمه،
ولا يتخير الزوج بين دفع العين ودفع القيمة.
5200. التاسع: لو سمى لها تسمية فاسدة، وجب لها مهر المثل مع الدخول
بالغا ما بلغ ما لم يتجاوز السنة المحمدية، وهي خمسمائة درهم، فإن تجاوز رد
إليها، ولا اعتبار بالأقل من المسمى ومهر المثل.
5201. العاشر: يرد المهر بالعيب وإن كان يسيرا، ولا يشترط العيب الفاحش.
5202. الحادي عشر: لو تزوج ذمي بذمية على أن لا مهر لها، أو سكت عن
ذكره، وجب لها بالدخول مهر المثل، وكان لها بالعقد المطالبة بالفرض، ولو
سمى لها خمرا أو خنزيرا، ثم أسلما قبل التقابض، لزمه قيمة المسمى عند
مستحليه لا العين ولا مهر المثل.

1. الوسائل: 15 / 48، الباب 39 من أبواب المهور، الحديث 3.
2. الوسائل: 15 / 47، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 2.
3. في «ب»: وشرط عليها.
561

الفصل الرابع: في التفويض (1)
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5203. الأول: التفويض تفعيل من فوض أمره إليه أي أسنده، والمرأة
إذا فوضت نفسها، فقد أسندته (2) إلى الزوج، ولم يقدر (3) معه مهرا.
وقيل: التفويض الإهمال، كأنها أهملت أمر المهر فلم تسمه (4).
وهو قسمان: تفويض بضع، وهو الذي ينصرف إليه إطلاق التفويض، بأن
يقول: تزوجتك، ولا يذكر المهر، أو تقول هي: زوجتك على أن لا مهر عليك.
وتفويض مهر، وهو أن يقول: تزوجتك على أن تفرضين ما شئت أو ما
شئنا أو ما شاء زيد، أو تقول هي: زوجتك على أن تفرض ما شئت أو ما شئنا أو
ما شاء زيد.
5204. الثاني: ليس ذكر المهر شرطا في العقد، فلو تزوجها ولم يذكر
مهرا، أو شرط أن لا مهر، صح العقد، ولو قالت: زوجتك على أن لا مهر عليك
في الحال ولا في ثانيه، قال الشيخ: صح العقد، وكانت مفوضة

1. قال المحقق الثاني: التفويض أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه، وتسمى المرأة مفوضة،
لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، ومفوضة، لأن الولي فوض أمرها إلى الزوج. أو
لأن الأمر في المهر مفوض إليها بالنسبة إلى نفيه وعدمه. جامع المقاصد: 13 / 414.
2. أي الأمر.
3. أي الزوج.
4. لاحظ المغني لابن قدامة: 8 / 46.
562

ويلغو الشرط (1) وعندي فيه نظر، وكذا الإشكال عندي في كل شرط فاسد
مقرون بالعقد.
5205. الثالث: إنما يصح التفويض للبضع، في حق البالغة الرشيدة إذا
أذنت فيه، أما الصغيرة والسفيهة فلا يتحقق فيهما التفويض، فلو زوجهما الولي
مفوضتين، كان لهما مهر المثل مع الدخول على إشكال ينشأ من استناد أمرهما
إلى الولي مع المصلحة، وكذا لو زوجهما الولي بدون مهر المثل، هل يثبت
المسمى مع المصلحة أو مهر المثل؟ إشكال.
5206. الرابع: يجوز للسيد أن يزوج جاريته مفوضة، لأن المهر له، سواء
كانت صغيرة أو كبيرة، وكذا المدبرة وأم الولد، أما المكاتبة فلا إلا بإذنها.
وإذا زوج الجارية مفوضة، ثم باعها، كان فرض المهر 2 بين الزوج
والمولى الثاني إن أجاز النكاح، ويكون المهر له دون الأول، ولو أعتقها الأول
قبل الدخول، فرضيت بالعقد، كان لها المهر خاصة.
5207. الخامس: كل موضع حكمنا بأنها مفوضة لم يجب لها بالعقد مهر
ولا المطالبة بالمهر، وإنما لها المطالبة بفرض المهر، ويجب المهر لها بالفرض
منهما إن اتفقا، أو فرض الحاكم إن اختلفا فترافعا إليه.
5208. السادس: مفوضة البضع إذا طلقها قبل الدخول وقبل الفرض، كان
لها عليه المتعة واجبا، حرة كانت أو مملوكة، ولا مهر، وإن طلقها بعد الفرض
قبل الدخول وجب لها نصف المفروض، لا المتعة، وإن دخل بها قبل الفرض،

1. المبسوط: 4 / 294.
2. في «ب»: قبض المهر.
563

وجب لها مهر المثل، ولا متعة، سواء طلقها أو لا، وإن مات أحدهما، فإن كان
بعد الفرض، ثبت ما فرضناه أجمع، وإن كان قبله توارثا ولا مهر لها، ولا متعة،
سواء كان الميت الرجل أو المرأة، لأن مهر المثل عندنا لا يجب بنفس العقد،
وإنما يجب بالدخول مع التفويض، أو فساد المسمى، أو إكراه المرأة على الزنا،
أو وطأها بشبهة، أو فوضها (1) بغير إذنها مع الدخول، أو فوضها (2) الولي لصغرها
أو سفهها مع الدخول أيضا على إشكال.
5209. السابع: المعتبر في مهر المثل، حال المرأة في الشرف، والجمال،
وعادة أقاربها من الأم والأخت والعمة والخالة وبناتهن ونظائرهن ما لم يتجاوز
خمسمائة درهم، فإن تجاوز ذلك، رد إليها.
ويعتبر أيضا النساء اللواتي في بلدها، لاختلاف عادات البلاد في المهر،
ويعتبر بمن هو في سنها وعقلها ويسارها وضده وبكارتها وثيوبتها وصراحة
نسبها في الطرفين، وبالجملة كل صفة يختلف المهر بها معتبرة، ولو لم يكن لها
أقارب، ففي اعتبار أهل بلدها إشكال، وعلى تقديره لو فقدت، ففي اعتبار
أقرب البلد إلى بلدها إشكال أيضا.
ولو كان الزوج من عشيرتها، وعادة نسائها تخفيف المهر إذا
تزوجن بالعشاير، خفف، وكذا لو كانت العادة تخفيفه عن الأشراف، وكان
الزوج منهم.
5210. الثامن: إذا وجب مهر المثل كان حالا ولم يلزمها التأخير، وإذا

1. في «ب»: فرضها.
2. في «ب»: فرضها.
564

اعتبرنا بنسائها من الطرفين، اعتبر الأقرب فالأقرب، ولو وطأ المفوضة بعد
سنين كثيرة وقد تغيرت صفتها، اعتبر مهر المثل بحال العقد، لأنه سبب وجوبه.
5211. التاسع: إذا لم يسم مهرا، وهي مفوضة البضع، إذا طلقها قبل الدخول،
فقد بينا أن لها المتعة، قال الشيخ: المعتبر في حال المتعة إنما هو بالزوج (1).
فالموسر يتمتع بجارية أو ثوب مرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسط بخمسة دنانير
ونحوها، والفقير بدينار ونحوه.
وقال في المبسوط: الاعتبار بهما جميعا عندنا، وقال قوم: الاعتبار بالرجل
خاصة، وهو الأقوى. (2) وهو يدل على تردده في ذلك، والاعتبار في اليسار
والإعسار بالعادة، ولا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم
يدخل بها، فلو حصلت البينونة بفسخ، أو موت، أو لعان، أو غير ذلك، سواء
كان من قبله أو قبلها أو منهما، فلا مهر ولا متعة.
ولو اشترى المملوكة المفوضة زوجها، بطل العقد، ولا مهر ولا متعة، ولو
دخل ثبت مهر المثل لا المتعة.
وتثبت المتعة سواء كان الزوج حرا أو عبدا، وسواء كانت الزوجة
حرة أو أمة.
5212. العاشر: المفوضة إذا طلبت مهرا لم تجب إليه، وإن طلبت فرضه كان
لها ذلك قبل الدخول أو بعده، فإن ترافعا إلى الحاكم، فرض لها مهر المثل من
غير زيادة ولا نقصان بما لم يتجاوز السنة، فيرد 3 إليها، ولا يجوز له فرضه حتى

1. الخلاف: 4 / 375، المسألة 16 من كتاب الصداق.
2. المبسوط: 4 / 295.
3. في «ب»: فرد.
565

يعلم قدر مهر مثلها وإن تراضيا بفرضه، فإن فرضا مهر المثل جاز وإن زاد على
مهر السنة، وإن فرضا أقل أو أكثر مع علمهما بمهر المثل لزم، وإن جهلاه صح
الفرض أيضا.
ولو فرض لها أجنبي ودفعه إليها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول، احتمل
رد الجميع إلى الأجنبي وإلزام الزوج بالمتعة، لعدم ثبوت الولاية والوكالة، وكان
فرضه كالعدم، وصحة الفرض، إما مع رد النصف إلى الزوج، لأنه حق واجب
على الزوج، فصح أداء غيره له، وبالأداء ملكه الزوج، وإما مع رد النصف إلى
الأجنبي، لأنه قضى ما وجب عليه، وبالطلاق سقط النصف، فلم يسقط به حق
عمن قضاه عنه فعاد إليه، وكذا الإشكال لو تبرع أجنبي بأداء المسمى قبل
الطلاق، ثم طلق الزوج، هل يرجع النصف إلى المتبرع أو الزوج؟
ولو فرض الزوج شيئا لم ترضه لم يصح الفرض إذا كان دون مهر المثل،
ولم يلزمه، فإذا طلقها قبل الدخول، كان لها المتعة، ولا اعتبار بما فرضه.
5213. الحادي عشر: يستحب أن لا يدخل بالمفوضة حتى يفرض لها المهر،
وكذا يستحب لمن سمى مهرها أن لا يدخل بها حتى يوفيها، أو شيئا منه أو غيره
ولو هدية، ولو لم يسم مهرا وقدم لها شيئا ودخل بها، قال الشيخ: كان ذلك
مهرها (1) وليس بمعتمد، بل يثبت لها مهر المثل، ويحتسب ما دفعه منه إن لم
يهبها إياه.
5214. الثاني عشر: مفوضة المهر: أن يتزوجها 2 على حكمها أو حكمه

1. النهاية: 470.
2. في «ب»: إن يزوجها.
566

فيصح، فإن كان الحاكم الزوج، لزم ما يحكم به قل أو كثر، وجاز أن يحكم بمهما
شاء مما يصح أن يكون مهرا، وإن كان الزوجة، لزم ما تحكم به، قليلا كان أو
كثيرا، ما لم يتجاوز مهر السنة، وهو خمسمائة درهم، فيرد إليها.
ولو جعلا الحكم إليهما، لزم ما يتفقان عليه، قل أو كثر.
وإن اختلفا، وقف حتى يصطلحا، وعلى التقادير الثلاثة لا يجب مهر
المثل ولا المتعة، بل ما يحكم به الحاكم منهما.
ولو طلق مفوضة المهر قبل الدخول بعد الحكم، لزم نصف ما حكم به،
وإن كان قبل الحكم أيضا ألزم من إليه الحكم أن يحكم، وكان لها النصف، فإن
كانت هي الحاكمة لزمه نصف ما تحكم به ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة.
ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول، فالمروي ثبوت المتعة
لها (1) وابن إدريس قال: لا مهر لها ولا متعة. (2)
5215. الثالث عشر: المدخول بها لا متعة لها، بل إن كان لها مسمى ثبت خاصة
دون المتعة، وإن لم يكن لها مسمى ثبت مهر المثل خاصة دون المتعة، لكن
يستحب لها المتعة في الموضعين، وعليه حملنا الرواية (3) الدالة عليه وقوله
تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف) (4) لقرينة الإحسان. (5)

1. لاحظ الوسائل: 15 / 32، الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 3.
2. السرائر: 2 / 587.
3. الوسائل: 15 / 55، الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 5.
4. البقرة: 241.
5. لكن الإحسان ورد في آية أخرى أعني قوله: (لا جناح عليكم... متاعا بالمعروف حقا على
المحسنين) البقرة: 236.
567

الفصل الخامس: في الثابت للمطلقات
وفيه عشرون بحثا:
5216. الأول: إذا تزوج وطلق قبل الدخول، فإن لم يكن سمى شيئا، ثبت لها
المتعة كما تقدم، وإن كان قد سمى المهر ثبت لها نصفه وسقط عن الزوج نصفه.
وإن كان الطلاق بعد الدخول، فإن كان قد سمى، ثبت ما سماه إن كان
صحيحا، وإلا القيمة، وإن لم يكن سمى، ثبت لها مهر المثل. إذا عرفت
هذا فنقول:
إذا أصدقها عينا وطلقها قبل الدخول بعد تسليم الصداق إليها، فإن كان
بحاله، رجع في نصفه، وإن كان ناقصا نقصان عين، تخير بين الرجوع بنصف
العين أو بالأقل من قيمة العين ما بين يوم العقد والإقباض، وإن كان نقصان قيمة،
لم يكن له الرجوع بالتفاوت، بل حقه في العين خاصة، وإن كان زائدا زيادة
منفصلة، كالولد والثمرة، كانت الزيادة بأجمعها لها، ورجع بنصف العين خاصة.
وإن كانت متصلة، كالسمن وتعلم الصنعة، تخيرت بين إعطائه نصف
العين مع الزيادة، وبين إعطائه القيمة، فإن أعطته نصف العين، وجب عليه
أخذها، لأنه حقه وزيادة، وإن امتنعت، تردد الشيخ في إجبارها وعدمه،
والأقرب عندي عدم إجبارها وأخذ القيمة منها، وليس ها هنا نماء لا يتبع الأصل
ويمنع من الرجوع إلا في هذه المسألة.
568

وإن زاد من وجه ونقص من آخر، مثل أن سمنت ونسيت صنعة، تخير
كل منهما، فإن اتفقا على نصف العين جاز، وإن امتنعت من تسليم نصفها أو
امتنع هو من الرجوع في النصف، كان لهما ذلك، وعلى تقدير الامتناع من
أحدهما يرجع الزوج بنصف القيمة خالية عن النقص والزيادة.
وإن طلقها بعد تلف العين في يدها، فإن كانت مثلية، رجع بنصف المثل،
وإن لم تكن مثلية، رجع بأقل الأمرين من قيمتها حين العقد إلى حين التسليم.
وإن طلقها والعين في يده بحالها، كان لها نصفها، وإن زادت زيادة
منفصلة، فالزيادة بأجمعها لها، ولها نصف العين، وإن كانت متصلة، تخيرت
بين أخذ النصف ودفع الآخر، وبين أخذ الكل وإعطائه قيمة النصف غير زائد،
وإن نقصت، تخيرت بين أخذ نصف العين ناقصة - والأقوى أن لها الأرش -
وبين أخذ نصف القيمة غير ناقص.
وإن زادت من وجه ونقصت من آخر، تخيرت بين أخذ نصفه وإعطائه
الآخر - فيجبر عليه (1) حينئذ، لأن النقص مضمون عليه - وبين فسخه ومطالبته
بنصف القيمة، والأقوى أن لها أيضا الرجوع في نصف العين مع أرش النقصان،
ولا تجبر بالزيادة.
وكل موضع حكمنا فيه للزوج بالقيمة، فإنما ثبت له أقل القيمتين من يوم
العقد ويوم الإقباض.
5217. الثاني: إذا طلقها قبل الدخول، قال الشيخ (رحمه الله): الأقوى أنه يملك

1. في «أ»: فتخير عليه.
569

النصف بغير اختياره، (1) فنماء النصف من حين الطلاق له، ويحتمل أنه يملك أن
يملك (2) فالنماء المتجدد بعد الطلاق بأجمعه لها إلى حين الاختيار، ولا يفتقر في
تملك الزوج للنصف إلى حكم الحاكم، ولا في تضمينها (3) إياه.
ولو تجدد العيب في يدها بعد الطلاق، فإن فرطت بإهمالها بعد مطالبته،
ضمنت النقصان قطعا، وكذا لو لم يطالب على إشكال ضعيف.
5218. الثالث: لو أصدقها نخلا حائلا فأثمر في يدها، ثم طلقها قبل الدخول،
فإن طالبها بنصف النخل ونصف الثمرة، لم يكن له ذلك، ويكون حقه في نصف
قيمة النخل خاصة.
وإن بذلت نصف العين ونصف الثمرة، لزمه القبول، سواء كان النخل
مؤبرا أو غير مؤبر.
وإن طلب قطع الثمرة ليرجع في نصف العين فارغة، لم يلزمها ذلك.
ولو قالت: أنا أقطع الثمرة الآن ليرجع في النصف، أجبر على ذلك، وكذا
لو كانت جارية فسمنت ثم هزلت، فعليه قبض النصف.
ولو طلبت الصبر منه لتدرك الثمرة، ثم يرجع في العين، لم يلزمه.
ولو بذل تأخير الرجوع إلى وقت الجذاذ ليرجع في نصف العين، لم
يلزمها ذلك.

1. المبسوط: 4 / 279.
2. وفي المبسوط: انه بالطلاق قبل الدخول كالشفيع، فإنه بالبيع ملك أن يملك، كذلك الزوج
ملك أن يملك إلا الميراث. المبسوط: 4 / 279.
3. في «ب»: ولا في تضمنها.
570

ولو قال: أنا أرجع في النصف وأقبضه ليزول عنك الضمان، ثم أدفعه
إليك، ويكون حقي أمانة في يدك، والثمرة بأجمعها لك، فالأقوى إجبارها عليه.
ولو طلب الرجوع في نصف النخل دون الثمرة، ويكون النصف في يده،
وتبقى الثمرة إلى الجذاذ، كان له ذلك، وكذا البحث في الشجرة المثمرة.
ولو أصدقها نخلا حاملا إما مؤبرا أو غير مؤبر، ثم طلقها بعد الزيادة، كان
حكمها حكم النماء المتصل، وقد سلف.
5219. الرابع: لو أصدقها أرضا فحرثتها، ثم طلقها قبل الدخول، لم يجب
عليها دفع العين للزيادة بالحرث المتصل، ولو اختارت تسليمها بالزيادة، لزمه
القبول بخلاف النخل المثمر.
ولو زرعت الأرض أو غرستها، كان حكمهما حكم النخلة إذا أثمرت
عندها وقد تقدم إلا في شئ واحد، وهو أنه إذا دفعت نصف الأرض المزروعة،
لم يجب عليه القبول، لاشتغاله بما أودعته.
ولو طلقها بعد الحصاد، لم يجبر على قبول العين إن كان قد أضر الزرع
بها، وإلا أجبر، وكذا لو طلقها أوان الحصاد.
5220. الخامس: إذا كان الصداق جارية حائلا أو بهيمة فحملت في يده
وولدت، ثم طلقها قبل الدخول، كان الولد بأجمعه لها ونصف عين الأم، ولو
زادت الأم، كان لها دفع نصف القيمة، وإن نقصت رجعت بأرش النقصان.
وإن تلف الولد في يده، رجعت بقيمته عليه، سواء منعهما أو لم تطالبه.
ولو تلفت الأم خاصة أخذت الولد، ورجعت بنصف قيمة الأم.
571

ولو كانت حاملا بمملوك ثم طلقها قبل الدخول، تخيرت المرأة بين رد
نصف الأم ونصف الولد، وبين رد قيمة نصفهما (1) ويقوم الولد حين الوضع،
والزيادة في الرحم غير معتبرة.
ولو كانت الأمة حاملا ثم طلقها بعد الحمل قبل الوضع، كان لها إلزامه
بنصف القيمة، لحدوث (2) النقص بالحبل، وأخذ الجميع ودفع نصف القيمة
للزيادة أيضا به، وإذا رجعت بالقيمة، احتمل رجوعها بأكثر القيمة من حين
العقد إلى حين الطلاق وبنصف المهر خاصة.
5221. السادس: إذا قبضت الصداق، ثم ارتدت قبل الدخول، رجع بالمهر
أجمع، فإن زاد زيادة منفصلة، كانت الزيادة لها، وإن كانت متصلة، تخيرت بين
رد العين مع الزيادة، وبين رد القيمة من دون الزيادة.
5222. السابع: يجوز للمرأة أن تتصرف في الصداق قبل القبض، فلو باعته أو
وهبته ثم رجع إليها فطلقها قبل الدخول، رجع في نصف العين.
5223. الثامن: إذا كان المهر جارية فولدت في يده، ثم طلقها قبل الدخول،
رجع في نصف الجارية دون الولد، سواء كان للولد سبع سنين أو أقل، لكن
يكره التفرقة، ويستحب له أخذ قيمة النصف، وليس واجبا، خلافا للشيخ في
بعض أقواله. (3)
5224. التاسع: إذا تزوج الذمي على خمر وقبضتها، فصارت خلا ثم
طلقها قبل الدخول، رجع الزوج بنصف العين، ويحتمل عدم الرجوع بشئ،

1. في «ب»: نصفها.
2. في «ب»: بحدوث.
3. لاحظ المبسوط: 4 / 283 - 284.
572

لأنه زاد فسقط حقه من العين، ولا قيمة للمسمى، ولو استهلكت الخل،
ثم طلقها، لم يرجع بشئ قطعا، لأن حقه مع استهلاك العين في القيمة
حين العقد.
5225. العاشر: لو أصدقها خشبا فشقته أبوابا، فزادت، فطلقها قبل الدخول،
سقط حقه من العين، فإن بذلت نصفها، لم يلزمه القبول.
أما لو أصدقها سبيكة فصاغتها، فبذلت له النصف من العين، لزمه القبول.
ولو أصدقها حليا، فكسرته وصاغته على ما كان عليه، لم يكن له الرجوع
في العين، لأن صياغتها زيادة، ويحتمل رجوعه في نصف العين، لأنه لم تحصل
زيادة على ما ملكته منه، وكذا لو كانت الجارية سمينة فهزلت، ثم سمنت.
أما لو صاغتها على غير تلك الصفة الأولى، فللزوج المطالبة بنصف
القيمة، ولها المنع من الرجوع في نصف العين.
ولو أصدقها صيدا بريا - وهما حلالان - فأحرم، ثم طلقها، عاد الصيد إلى
ملكه، ولزمه إرساله.
5226. الحادي عشر: لو رهنت الصداق فطلقها، لم يكن له فسخ الرهن، وكذا
لو وهبته وأقبضت، وإن لم تقبض ففي إجبارها على الفسخ نظر، وكذا لو باعته
بخيار لها، فطلق في مدة الخيار.
ولو آجرته، لم يكن له فسخ الإجارة، ورجع في نصف القيمة، ولو أمهلها
حتى تخرج المدة، لم يلزمها ذلك، لأنه يكون مضمونا عليها، ولها الامتناع منه
على إشكال، إلا أن يقول: أنا أقبضه وأرده إلى المستأجر أمانة، فله ذلك.
573

5227. الثاني عشر: لو طلقها بعد تدبير المهر، لم يرجع في النصف على
إشكال، أما لو أوصت به، فإن له الرجوع في العين قطعا، ولو طلقها بعد رجوعها
في التدبير، فإنه يرجع في العين قطعا، ولو طلقها قبل الرجوع، ثم رجعت بعد أن
أخذ الزوج القيمة، سقط حقه من العين، وإن كان قبله، احتمل أن يأخذ حقه من
العين، وعدمه، لثبوت حقه في القيمة، وقوى الشيخ الأول (1) ولو طلقها بعد عتقه،
رجع بنصف القيمة خاصة.
5228. الثالث عشر: إذا زوج الرجل ابنه الصغير على مهر معلوم، وكان الولد
موسرا، تعلق المهر بذمة الولد، ولزمه في ماله، وإن كان معسرا تعلق بذمته،
ويكون الأب ضامنا، فإن مات الأب خرج المهر من أصل تركته، سواء بلغ الولد
وأيسر، أو مات قبل ذلك، فلو دفع الأب المهر عن الصبي للضمان أو تطوعا،
وبلغ الصبي فطلق قبل الدخول، أو ارتدت المرأة، رجع المهر كله أو نصفه إلى
الابن، لأن دفع الأب يتضمن هبته للابن، وهذا كما لو قال: أعتق عبدك عني،
ففعل، فإنه يعتق عن الآمر، وولاؤه له دون المأمور، ولا يحتاج الأب إلى استدعاء
الابن، لولايته عليه بالصغر، فإن عاد إلى الابن لم يكن للأب الرجوع فيه، سواء
عادت العين أو القيمة.
ولو قال الأب: إنما دفعته لأرجع به، قبل قوله، لأنه أمين عليه.
ولو أصدق الأب عينا من ماله عن ابنه الصغير، جاز، وملكها الابن، فلو
رجعت إليه كان الحكم ما تقدم.

1. المبسوط: 4 / 290.
574

ولو طلق الولد قبل دفع الصداق، فإن كان موسرا، لزمه نصف المسمى،
وإن كان معسرا، أو ضمن الأب عنه، وجب على الأب دفع النصف.
ولو أدى الأب عن ولده الكبير المهر تبرعا، أو أجنبي كذلك، برئ الولد،
فإن طلق، رجع إليه النصف، ولم يكن للأب انتزاعه ولا للأجنبي، مع احتمال
ثبوته لهما، لأن الكبير لا يملك إلا باختياره، وإنما أسقط عنه الحق، فإذا سقط
نصفه رجع النصف إلى الدافع، وفيه قوة.
5229. الرابع عشر: لو تزوج السفيه أو المحجور عليه بغير إذن الولي، لم يصح
النكاح، ولو أجازه الولي فعلى بعض أقوال الشيخ لا تصح الإجازة، لوقوعه
فاسدا، وكذا المجنون، ولا مهر هنا (1) فإن دخل أحدهم، قال الشيخ: عليه مهر
المثل، لأنه يجري مجرى الإتلاف، ثم قوى عدمه أيضا، لأنها رضيت ببذله فلا
عوض لها. (2)
5230. الخامس عشر: إذا دخل الزوج دخولا يوجب الغسل قبلا أو
دبرا، وجب المهر كملا، وإن طلق قبل الدخول، وجب نصف المهر، ولا خلاف
في التقديرين، أما لو لم يدخل بها ولكنه خلا وأرخى الستر ثم طلقها، فيه
قولان: أحدهما يجب عليه نصف المهر، والثاني يجب كملا، وبهما روايات (3)
والأقرب الأول.
ولو خلا بها وادعت الدخول، فالأقرب أن القول قول الزوج مع اليمين.

1. المبسوط: 4 / 293; والخلاف: 4 / 373، المسألة 14 من كتاب الصداق.
2. المبسوط: 4 / 293; والخلاف: 4 / 373، المسألة 14 من كتاب الصداق.
3. لاحظ الوسائل: 15 / 67، الباب 55 من أبواب المهور، أحاديث الباب.
575

ولو جامعها بين الفخذين ولم يولج، فالأقرب نصف المهر أيضا، فإن سبق
الماء إلى فرجها أو استدخلته، فحملت منه، فإن العدة تجب قطعا، وهل يجب
كمال الصداق؟ فيه إشكال.
وعلى هذا لو أتت بولد يمكن أن يكون منه، ولم ينفه، ولكنه أنكر الوطء
في الفرج، كان في المهر الإشكال.
5231. السادس عشر: لو دبر عبده ثم جعله صداقا، انفسخ تدبيره على ما
اخترناه نحن، وعند الشيخ التدبير باق، فإذا طلقها قبل الدخول، صار بينهما
نصفين، (1) فإذا مات المولى تحرر، والمعتمد ما قلناه.
5232. السابع عشر: لو طلقها بائنا، أو خالعها بعد الدخول ثم تزوجها في
عدته بمهر جديد، صح، فإن طلقها قبل الدخول بها، كان لها نصف المهر.
5233. الثامن عشر: لو تزوجها بعبدين، فمات أحدهما في يدها، وطلقها قبل
الدخول، رجع عليها بنصف الموجود ونصف قيمة الميت، ولو أعطاها عوضا
عن المهر عبدا آبقا وشيئا آخر، ثم طلقها قبل الدخول، رجع
بنصف المسمى دون العوض، وكذا لو أعطاها متاعا أو عقارا، فليس له إلا
نصف ما سماه.
5234. التاسع عشر: إذا مات الزوج قبل الدخول، استحقت المرأة المهر كملا،
ويستحب لها ترك نصفه.
ولو ماتت هي قبل الدخول، قال الشيخ: كان لأوليائها نصف المهر. 2 وقال

1. لاحظ المبسوط: 4 / 290.
2. النهاية: 471.
576

المفيد في أحكام النساء (1): يكون لورثتها المهر كملا، (2) وهو اختيار ابن إدريس، (3)
وهو قوي.
ولو ماتت المرأة بعد الدخول، ولم تكن قبضت المهر، ولا طالبته به، كره
لورثتها المطالبة به، وليس بمحظور.
5235. العشرون: المريض يصح نكاحه، فإن تزوج في مرضه ودخل، لزمه
المهر كملا، وورثته المرأة، وإن لم يدخل ومات في مرض العقد، بطل، ولا
ميراث لها ولا مهر.
الفصل السادس: في عفو المرأة
وفيه ستة مباحث:
5236. الأول: يجوز للمرأة البالغة الرشيدة أن تعفو عن جميع حقها وعن
بعضه، وكذا الذي بيده عقدة النكاح، وهو الأب أو الجد للأب، أو وكيل المرأة
على قول، إلا أن الذي بيده عقدة النكاح ليس له أن يعفو عن جميع المهر ولا عن
جميع النصف مع الطلاق قبل الدخول، بل له أن يعفو عن البعض من النصف
قبل الدخول.

1. قال في الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1 / 302: استظهر شيخنا العلامة النوري من كلامه في
ديباجة الكتاب أنه كتبه للسيدة الجليلة أم الشريفين الرضي والمرتضى فاطمة بنت الحسين.
2. نقله عنه الحلي في السرائر: 2 / 585.
3. السرائر: 2 / 585 - 586.
577

وإنما يصح عفوه بشرائط.
أن تكون المرأة صغيرة، سواء كانت بكرا أو ثيبا.
وكان الولي أبا أو جدا.
ولا يكون الزوج قد وطأها، لأنه بالوطء تلف بدل المهر.
ويكون بعد الطلاق، لأنه قبله معرض لإتلافه.
أما المرأة الرشيدة فإنها مالكة للعفو مطلقا، وكذا الزوج له أن يعفو عن
النصف الذي يستحقه بالطلاق، وليس لوليه ذلك إن حصل الطلاق.
5237. الثاني: إذا عفا الزوج عن نصيبه، أو الزوجة عن نصيبها، فإن كان
المهر موجودا، لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرد العفو، لأنه هبة، فتفتقر
إلى القبض، أما لو كان دينا على الزوج، أو تلف في يد الزوجة، فإن العفو
كاف، لأنه إبراء، ولا يفتقر إلى القبول، ولو عفا الذي عليه المال لم ينتقل عنه
نصيبه إلا بالتسليم.
5238. الثالث: إذا كان الصداق عينا في يده، وكان العافي المرأة، صح بلفظ
العفو والهبة والتمليك، دون الإبراء والإسقاط، (1) ويفتقر إلى القبول لا إلى مضي
زمان يمكن فيه القبض.
وإن كان العافي الزوج، وقلنا يملك بالطلاق، صح بلفظ العفو والهبة
والتمليك دون الإبراء والإسقاط، وافتقر إلى القبول والإقباض، وإن قلنا يملك أن
يملك صح أيضا بلفظ الإسقاط والإبراء.

1. في «أ»: لا بلفظ الإبراء أو الإسقاط.
578

وان كان في يدها وعفت، افتقر إلى لفظ التمليك والقبول والإقباض، وإن
كان هو العافي، افتقر أيضا إلى ذلك عند الإقباض إن قلنا يملك بالطلاق، وإن قلنا
يملك أن يملك، كفاه إسقاط حقه قبل الاختيار.
وإن كان دينا في ذمة الزوج، وعفت المرأة عن حقها ونصفه، صح بلفظ
العفو والإسقاط والإبراء والتمليك وأشباه ذلك، ولا يفتقر إلى القبول.
وإن عفا الزوج لم يصح إن قلنا إنه يملك بالطلاق، وإن قلنا إنه يملك
بالاختيار، وعفا قبل الاختيار، سقط حقه، وثبت المهر بأجمعه، وإن كان في
ذمتها، فإن عفا الزوج صح، وإن عفت هي لم يصح.
5239. الرابع: إذا عفا الزوج عن المهر قبل الطلاق أو عن بعضه لم يصح،
سواء كان دينا أو عينا، فإن طلق بعد ذلك قبل الدخول، كان له المطالبة بحقه، ولو
عفت المرأة عنه أو عن بعضه صح عفوها دينا كان أو عينا، فإذا طلقها قبل
الدخول، فإن كانت قد عفت قبل الطلاق عن جميع المهر، رجع الزوج عليها
بنصفه، سواء كان دينا أو عينا، وإن كانت قد عفت عن النصف لم يردع عليها
بشئ، ولا ترجع هي أيضا عليه بشئ، إن كان دينا غير مقبوض، وإن كان عينا
كانت بينهما.
ولو وهبته صداقها قبل الدخول ثم ارتدت، فالأقرب رجوعه عليها
بجميع الصداق.
ولو خالعها قبل الدخول بجميع مهرها، رجع عليها بالنصف، سواء كان
الصداق عينا أو دينا مقبوضا أو غير مقبوض، وإن خالعها على نصفه، فإن كان (1)

1. في «ب»: وكان.
579

دينا برئت ذمته منه أجمع، ولا يرجع عليها بشئ، وإن كان عينا كانت بينهما.
5240. الخامس: مفوضة البضع إذا أبرأت الزوج من مهر المثل، فإن كان
بعد الدخول صح الإبراء، وإن لم يعلما كميته، وإن كان قبله لم يصح، لعدم ثبوته،
وكذا لو أبرأته من حقها من المطالبة بمهر المثل، ولو أبرأته عن المتعة قبل
الطلاق، لم يصح، ولو أبرأته منها بعده صح.
ولو تزوجها وذكر مهرا صحيحا ثم أبرأته منه، صح الإبراء، ولو أبرأته من
غير جنسه، مثل أن كان دنانير فأبرأته من الدراهم لم يصح، وإن كان مهرا فاسدا،
وثبت مهر المثل، فأبرأته منه صح، وكذا لو أبرأته من بعضه إذا كان البعض
معلوما، كالنصف وشبهه، وإن لم يعلما كمية المهر.
ولو تزوجها على مشاهدة غير معلوم المقدار، صح، فلو تلف في يده
فأبرأته منه، صح قبل الطلاق وبعده، لأن الإبراء لا يستدعي العلم بالمقدار، وكذا
لو أبرأه (1) من مائة وهو لا يعلم بها، كأنه أتلف عليه شيئا لا يعلم به، ففي صحة
الإبراء إشكال ينشأ من مصادقة الإبراء الثبوت في الذمة فيصح، ومن أنه أبرأ مما
يعتقد أنه ليس له عليه فلم يصح، وكذا البحث لو باع مال مورثه وقد انتقل إليه
بموته ولم يعلم.
5241. السادس: يستحب تقديم المهر قبل الدخول، فإن دخل قبله كان دينا
عليه، ولم يسقط بالدخول، سواء طالت المدة أو لا، وسواء طالبت به أو لا.

1. في «أ»: وكذا لو أبرأته.
580

الفصل السابع: في اختلاف الزوجين
وفيه عشرة مباحث:
5242. الأول: إذا اختلفا في أصل المهر، بأن ادعت استحقاق مهر في ذمته،
وأنكر هو، فإن كان قبل الدخول، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن هناك بينة،
عملا بالبراءة الأصلية مع إمكان تجرد العقد عن المهر.
ولو كان بعد الدخول فالمشهور أن القول قوله أيضا، عملا بالبراءة،
وعندي فيه إشكال، والأقرب فيه أن يستفسر هل سمى أم لا؟ فإن ذكر تسميته،
كان القول قوله مع اليمين، وإن ذكر عدمها ألزم مهر المثل، وإن لم يجب بشئ
حبس حتى يبين.
ولا إشكال لو قدره بأقل ما يصلح أن يكون مهرا.
ولو قال: هذا ابني منها، ففي وجوب مهر المثل نظر.
5243. الثاني: لو اختلفا في قدره أو وصفه أو جنسه ولا بينة، فالقول قوله
مع اليمين، سواء كان قبل الدخول أو بعده، وافق أحدهما مهر المثل أو لا.
ولو أقام كل منهما بينة على ما يدعيه، فالأقرب تقديم بينتها مع اليمين.
5244. الثالث: لو ادعى إقباض المهر وأنكرته، فالقول قولها مع اليمين،
سواء كان قبل الدخول، أو بعده. وفي رواية عندنا ان القول قوله بعد الدخول، (1)

1. الوسائل: 15 / 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 7.
581

ولو دفع قدر المهر فقالت: دفعته هبة وقال: بل صداقا، فالقول قوله مع اليمين.
5245. الرابع: إذا مات الزوجان، واختلف ورثتهما، كان الحكم حكمهما
لو اختلفا، وكذا لو مات أحدهما واختلف الآخر وورثة الميت.
5246. الخامس: إذا خلا [بها] فادعت المواقعة، فإن أمكن للزوج إقامة
البينة على الإنكار (1) بأن تدعي المواقعة قبلا، وهي بكر، فيقيم بينة على بقاء
البكارة، فالحكم للبينة، وإلا كان القول قوله مع اليمين، عملا بالأصل،
وهو عدم المواقعة، وقيل: القول قولها، عملا بشاهد الحال في خلوة
الصحيح بحليلته. (2)
5247. السادس: لو تزوجها على تعليم سورة أو صنعة، فقالت: علمني
غير الصداق، فالقول قولها مع اليمين، ولا أجرة له على تعليمها ما ادعته.
5248. السابع: لو أقامت بينة على أنه تزوجها في وقتين بمهرين، فادعى
تكرار العقد الواحد، وادعت المغايرة، فالقول قولها مع اليمين، سواء اتفق
المهران جنسا ووصفا وقدرا، أو اختلفا، وهل يجب المهران كملا أو مهر
ونصف؟ فيه نظر، وكذا لو أقام بينة أنه باعه الثوب بعشرين يوم الخميس،
وبثلاثين يوم الجمعة، لزم المشترى الثمنان لإمكان رجوعه إلى البائع.
5249. الثامن: يجوز لولي الصغيرة والمجنونة قبض مهرهما، وتبرأ ذمة الزوج
بذلك، أما الكبيرة الرشيدة، فليس للأب ولا لغيره قبض مهرها، سواء كانت بكرا
أو ثيبا إلا بإذنها.

1. في «أ»: على الإبكار.
2. لاحظ النهاية: 471; وإصباح الشيعة: 424 - 425، ولاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 7 /
155 - 159، وللمصنف تحقيق حول المسألة فراجع; وجواهر الكلام: 31 / 141.
582

5250. التاسع: إذا وطأها فأفضاها، فإن كان قبل بلوغها، حرمت عليه أبدا، ولو
لم يفضها لم تحرم، ويجب عليه المهر فيهما والدية في الأول والإنفاق حتى
يموت أحدهما.
ولو كان بعد بلوغها، لم تحرم، ووجب عليه المهر، ولها منعه حتى يبرأ برأ
تأمن معه النكاية (1) فإذا اندمل محكما لزمها تمكينه، فإن اختلفا فقال الزوج:
اندمل اندمالا محكما، وأنكرت، فالقول قولها مع اليمين، قال الشيخ: ولا دية،
وعندي فيه نظر، ثم قال: هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة، فإن كان
مكرها لها، فعليه الدية على كل حال ولا مهر، (2) والأقرب وجوبه عليه.
5251. العاشر: لو كان في ملكه أبوها وأمها، فقال: أصدقتك أباك، فقالت: بل
أمي، حلف وعتق الأب.
الفصل الثامن: في الوليمة
وهي مشتقة من الولم وهو القيد، سمي بذلك، لأنه يجمع ويضم، وهي
هاهنا كذلك، لأن فيها اجتماع الزوجين.
وهي تقع على كل طعام يتخذ لحادث سرور، واشتهر استعمالها في طعام

1. في الحديث: المؤمن لا ينكي الطمع قلبه: أي لا يجرحه فيؤثر فيه كتأثير الجرح بالجروح.
مجمع البحرين.
2. الخلاف: 4 / 395، المسألة 41 من كتاب الصداق.
583

العرس; وسمي الطعام عند الولادة، الخرس; وعند الختان، العذيرة; وعند
القدوم، النقيعة; وعند البناء، الوكيرة; وعند حلق رأس المولود يوم السابع،
العقيقة; وعند حذاق الصبي، الحذاق. (1)
وليس شئ من هذه الأطعمة واجبا بالإجماع إلا عند السيد المرتضى
قدس الله روحه في العقيقة، فإنه أوجبها. (2) وليس بمعتمد، بل هذه الأطعمة
كلها مستحبة.
وإجابة الداعي إلى الوليمة وغيرها مستحبة ليست واجبة على الأعيان ولا
على الكفاية، سواء كان الداعي مسلما أو ذميا، ولو دعاه اثنان استحب إجابة
السابق، فإن اتفقا أجاب الأقرب إلى داره.
ولو كان المدعو صائما، فإن كان واجبا، استحب الحضور لا للأكل، وإن
كان تطوعا، كان إفطاره عنده أفضل.
ولا يجب على الحاضر الأكل، سواء كان صائما تطوعا أو مفطرا
بل يستحب.
ولو علم اشتمال الوليمة على المنكر كشرب الخمر وضرب العود
والمزامير، حرم عليه الحضور إلا أن يعلم أنه يزول بإنكاره، فيحضر وينكر،
ولو لم يعلم فحضر وشاهد المنكر، فإن أمكنه إزالته وجب، وإن لم يمكنه،
وجب عليه الخروج، وإن لم يتمكن جلس ولا إثم عليه بالسماع وغيره
ما لم يستمع.

1. يقال لليوم الذي يختم فيه الصبي القرآن: هذا يوم حذاقه. لسان العرب: 3 / 94.
2. الانتصار: 406، المسألة 233 - كتاب الصيد والذبائح -.
584

ولو كان في الدار صور منقوشة غير ذات أرواح، كالشجر وغيره، جاز له
الحضور، ولو كان فيها صور الحيوان، فإن كان مما يوطأ جاز الحضور أيضا، وإن
كان على الستور أو على غير موطوء أو ما يتكأ عليه، قال الشيخ (رحمه الله) لم يجز
الحضور (1).
ولا يكره الدخول إلى دار مسترة الجدران بالستور لغير حاجة. 2

1. المبسوط: 4 / 323.
2. في «أ»: بغير حاجة.
585

المقصد السادس: في القسم والنشوز والشقاق
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في القسم
وفيه واحد وعشرون بحثا:
5252. الأول: لكل من أحد الزوجين حق على الآخر يجب عليه القيام به
لصاحبه،
فحق الرجل على المرأة التمكين من الاستمتاع، وأن لا تخرج من بيته
إلا بإذنه.
وحق المرأة المهر والنفقة والكسوة والسكنى والإخدام والقسمة، فيجب
على كل واحد منهما أن يكف عما يكرهه صاحبه من قول أو فعل، وأن يوفي
الحقوق من غير استعانة بغيره ومرافعته إلى الحاكم، وأن لا يظهر الكراهية في
تأدية الحق، بل يؤديه باستبشار وانطلاق وجه، وأن لا يمطل صاحبه من حقوقه
مع قدرته عليها، فإن مطل حينئذ أثم.
5253. الثاني: قال الشيخ: القسم لا يجب ابتداء، بل له أن يبيت عند أصدقائه
587

أو في المساجد إلا أن يريد أن يبتدئ بواحدة منهن في المبيت، فيجب عليه
القسمة حينئذ (1) وهو حسن. وقيل: القسمة تجب ابتداء (2) إذا عرفت هذا فالقسمة
حق على الزوج، سواء كان حرا أو عبدا، وسواء كان خصيا، أو عنينا، أو سليما،
وسواء كان عاقلا، أو مجنونا، لكن المجنون يقسم عنه الولي، فمن كانت له
زوجة واحدة كان لها ليلة من أربع ليال، وله ثلاث، يبيت فيها أين شاء.
ولو كانت له زوجتان، كان لهما ليلتان، وله ليلتان، إن شاء يبيتهما عند
إحداهما، أو يقسمهما عليهما، أو عند غيرهما.
ولو كان له ثلاث، كانت الرابعة له يضعها أين شاء.
ولو كان له أربع، كان لكل واحدة ليلة، لا يجوز له الإخلال بها، إلا مع
العذر، أو السفر، أو الإذن منهن، أو من صاحبة الليلة.
5254. الثالث: إذا وهبت إحدى الأربع ليلتها له، جاز، ويضعها أين شاء، وله
الامتناع من قبول ذلك، لأن القسمة حق مشترك بين الزوجين.
ولو وهبت لإحدى الأربع غير معينة، أو للباقيات، أو أسقطت حقها من
القسم، صارت الليلة منصرفة إليهن إلا في الأخيرة يبيت عند كل واحدة ليلة، ثم
يرجع إلى الأولى بعد يومين، وقد كان يرجع إليها بعد ثلاثة أيام.
وإن وهبت لواحدة معينة صح، ولا يعتبر رضا الموهوبة لها ولا غيرها، فإن

1. المبسوط: 4 / 325 - 326.
2. قال المصنف في المختلف: 7 / 317: المشهور وجوب القسمة بين الأزواج، لأن كلام
الأصحاب يعطي ذلك. وقال الشهيد في المسالك: المشهور بين الأصحاب وجوب القسمة
ابتداء للتأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). المسالك: 8 / 311 - الطبع الحديث -.
588

كانت ليلة الموهوبة تلي ليلة الواهبة والى لها ليلتين، وان لم تليها لم يكن له ان
يوالي لها ليلتين، ولو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة، كان عليه أن يتوفر
عليها، وليس له أن يبيت عند غيرها.
5255. الرابع: لو رجعت الواهبة فيما مضى لم يصح، ولا يقضى لها،
ولو رجعت في المستقبل جاز، حتى لو رجعت في بعض الليل، كان عليه أن
ينتقل إليها.
ولو رجعت ولم يعلم الزوج حتى بات عند نسائه ليالي، لم يقض لها ما
مضى قبل علمه.
5256. الخامس: لو دفع إليها عوضا عن ليلتها فقبلت، قال الشيخ: لم يصح
وكان عليه أن يعدل لها فيوفيها ما ترك من القسم، لأنها معاوضة على ما ليس
بعين ولا منفعة، وإنما هو مأوى. (1)
5257. السادس: إذا قسم بين نسائه، فالأقرب جواز أن يبتدئ بمن شاء منهن،
حتى يأتي عليهن، ثم تجب التسوية على الترتيب، وقيل: يبدأ بالقرعة، 2 والوجه
حمله على الاستحباب، فيقرع صاحب الزوجتين واحدة، وصاحب الثلاث
اثنتين وصاحب الأربع ثلاثا.
5258. السابع: الواجب في القسمة الكون عندهن والمضاجعة لهن، ويجب
عليه التسوية في ذلك، أما الجماع فليس بواجب، لكن الأولى التسوية بينهن فيه،
وكذا الأولى التسوية في فاضل النفقة عن الواجب.

1. المبسوط: 4 / 325.
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 4 / 326.
589

5259. الثامن: القسم إنما يجب بالليل دون النهار، فليس له أن يدخل في ليلة
إحداهما إلى الأخرى، وله أن يدخل بالنهار إلى من شاء منهن.
ولو كان معاشه بالليل، كالحارس، والبزار (1) ومن أشبههما قسم نهارا وكان
الليل في حقه كالنهار في حق غيره.
5260. التاسع: لو كان له زوجات حرائر وإماء، قسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة،
ولا يسوي بينهما في القسمة، ولو كانت الإماء ملك يمين لم تكن لهن قسمة،
وكذا لو كانت الزوجات متعة، لم تكن لهن قسمة أيضا، فلو بات عند أمته أو
متعته ليلة لم يقضها للزوجات، والذمية كالأمة.
فلو كانت له زوجات مسلمات وكتابيات، قسم للمسلمة ليلتين وللكتابية
ليلة، ولا يساوي بينهن.
ولو كانت له زوجتان ذمية حرة وأمة مسلمة، كانتا سواء في القسمة، ولو
بات عند الحرة ليلتين، فأعتقت الأمة، ورضيت بالعقد، كان لها ليلتان، سواء
عتقت في أول الليل أو في أثنائه، ولو عتقت في آخر ليلتها، لم يبت عندها
أخرى، لأنها استوفت حقها، واستأنف القسمة بينهما بالسوية.
ولو بات عند الأمة ليلة، ثم أعتقت قبل استيفاء الحرة، قيل: يقضي للأمة
ليلة، لأنها ساوت الحرة.
ولو وهبت الأمة ليلتها للزوج أو لبعض الضرائر، جاز، وليس للمولى فيه
مدخل، كما لو وجدت الزوج عنينا، أو خصيا، أو مجبوبا فرضيت به، لم يكن
للمولى الاعتراض.

1. بائع التوابل، وكان التجوال بين الأزقة سائدا في تلك الأزمنة.
590

5261. العاشر: النهار تابع لليلة الماضية، فلصاحبتها نهار تلك الليلة، لكن
له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة، كعبادة أو دفع نفقة، أو زيارتها، أو استعلام
حالها، أو لغير حاجة، وليس له الإطالة، والأقرب جواز الجماع، ولو استوعب
النهار، قضاه لصاحبة الليلة، وكذا لو جار في القسمة، فإنه يقضي.
ولو جامع في الليل غير صاحبة الليلة، لم يقض الجماع، وكذا في النهار،
وليس له الدخول ليلا إلى غير صاحبة الليلة إلا لضرورة، فان استوعب الليلة
قضى، ولو دخل لغير حاجة لم يطل، فإن جامع في الزمان اليسير، لم يقض
الجماع ولا الليلة.
5262. الحادي عشر: الأولى أن يقسم ليلة ليلة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كذا فعله،
ولأنه أقرب لعهدهن به، فإذا أراد أن يقسم ليلتين أو ثلاثا أو أزيد، فالوجه اعتبار
رضاهن، لما فيه من الإضرار والتعزير، إذ قد يحصل لبعضهن القسم ويلحقه ما
يقطعه عن القسم للباقيات.
5263. الثاني عشر: يقسم للرتقاء، والمريضة، والحائض، والنفساء،
والمحرمة، والمولى منها، والمظاهرة، لا الصغيرة، والناشزة، والمجنونة المطبقة،
بمعنى أنه لا يقضي لهن ما سلف، وكذا يجب على العنين والمجبوب القسمة،
فلو بات أحدهما عند إحداهن قضى للباقيات.
5264. الثالث عشر: يجب على الزوج أن ينزل كل واحدة منزلا بانفرادها، غير
مشارك من زوجاته أو أقاربه، وليس له أن يجبر إحدى زوجاته على السكنى مع
الأخرى، ولو أسكنهما في خان أو دار كبيرة، وكان سكنى مثلهما جاز، وإلا فلا.
591

فإن نزل هو منفردا عنهن، جاز، ويتخير بين المضي إليهن، وهو الأولى،
والاستدعاء لهن، وله أن يمضي إلى البعض، ويستدعي البعض.
فإن استدعى واحدة منهن فامتنعت، سقط حقها من القسم والنفقة، حتى
تعود إلى طاعته، وكذا المجنونة يسقط حقها من القسم إن خاف على نفسه منها،
وإلا فلا، وعلى وليها أن يسلمها للقسمة مع الأمن.
ولو سافرت بغير إذنه، فهي ناشز، لا نفقة لها ولا قسم.
ولو سافرت معه بإذنه، أو لحاجة لها، أو في حاجته بإذنه، وإن كانت
منفردة، كان لها النفقة والقسم.
ولو سافرت بإذنه لحاجة لها، فالأقرب أن لها النفقة والقسم.
5265. الرابع عشر: إذا كان للمجنون أربع زوجات، وابتدأ حال عقله، كان
على الولي أن يطوف به على الباقيات ليوفيهن حقوقهن، وإن كان جنونه قبل
القسمة، ورأى الولي ميله إليهن، طاف به عليهن، أو استدعاهن إليه، أو حمله إلى
بعضهن، واستدعى البعض، وإن لم ير ميلا إليهن، لم يطف به عليهن، فإن حمله
إلى بعضهن، فقد جار، وعليه القضاء للآخر، فإن أفاق المجنون، قضى ما جار
فيه الولي.
5266. الخامس عشر: إذا خرج من عند صاحبة الليلة في أثناء الليل لضرورة،
أو أكره على ذلك، قضى لها من الآتية مثل ذلك الزمان قدرا، ويتخير بين أن
يقضي في النصف الأول أو الأخير، لكن المستحب قضاء مثل ما فات زمانا، فإذا
قضى من أول الليل، لم يبت باقي الليل عندها ولا عند غيرها، بل ينفرد عنهن،
592

وكذا، إن قضاه من آخره، لم يبت أوله عند إحداهن إلا مع الضرورة،
فيستمر عندها.
5267. السادس عشر: إذا ظهر إضراره بالمرأة، أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة
ليطلع على أحوالها، فيمنعه الحاكم من ظلمها، وكذا الزوج.
5268. السابع عشر: للزوج منع زوجته من الخروج عن منزله إلا بإذنه، وعن
عيادة أهلها وأقاربها في مرض وغيره، وعن حضور تجهيزهم وإخراجهم
وتعزيتهم، لكن يكره له منعها عن مثل هذه الحقوق.
5269. الثامن عشر: لو قسم للأربع ليلة (ليلة) (1) فنشزت الرابعة بعد استيفاء
الثلاث، سقط حقها، فإذا عادت لم يقض بها، ولو طلقها بعد حضور ليلتها من
غير نشوز، أثم، لأنه أسقط حقها بعد وجوبه، فإذا راجعها، أو تزوجها بعقد
مستأنف، قضى لها تلك الليلة; قاله الشيخ، (2) وفيه نظر.
ولو قسم (3) لكل واحد من الأربع عشرا، فوفى ثلاثا، ثم بات منفردا في
العشر الأخرى، قضى للرابعة عشرا، ولو بات العشر عند الثلاث، قضى لها ثلاثة
عشر ليلة وثلث ليلة.
ولو قسم لكل واحدة منهن خمسة عشر، فنشزت واحدة، وظلم أخرى،
وأقام عند الأخريين ثلاثين يوما، فقدمت الناشزة، قسم للمظلومة ثلاثا، وللقادمة
يوما، خمسة أدوار، فيحصل للمظلومة خمسة عشر يوما وخمسة للقادمة، ثم
يقسم بعد ذلك بين الأربعة قسما مبتدأ.

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. المبسوط: 4 / 332.
3. في «أ»: «أسقط» وهو مصحف.
593

5270. التاسع عشر: لو كانت له زوجتان في بلدين، قسم بينهما، وليس له
إسقاط حق إحداهما بعدها، فإما أن يحضرها أو يمضي إليها فيوفيها قسمتها، ولا
يحتسب غيبته في الطريق من حق إحداهما.
ولو قسم لثلاث زوجات من أربع، فحبس ليلة الرابعة، فإن أمكنه إيفاء
حقها في الحبس، بأن كان مسكن مثلها أو دونه ورضيت، استدعاها ووفاها
قسمتها، وإن لم يمكنه، قضاها بعد خروجه.
ولو حبس قبل القسمة، فاستدعى إحداهن، لزمه استدعاء الباقيات، فإن
امتنعت واحدة سقط حقها.
5271. العشرون: لو تزوج بكرا خصها بسبع ليال ويخص الثيب بثلاث،
ولا يقضي ذلك، ويقدمهما على غيرهما، فيحصل لهما التخصيص والتقديم،
فلو قسم لثلاث كل واحدة خمسة عشر، فوفى اثنتين، وظلم الثالثة، وتزوج بكرا،
خصها بسبع، ثم قسم ثلاثا للمظلومة، وواحدة للجديدة خمسة أدوار.
ولو تزوج امرأتين كره أن تزفا إليه في ليلة واحدة، فان فعل قدم السابقة
في الدخول، وإن تساويا أقرع بينهما.
ولو كانت له امرأتان، قسم لهما ليلة فبات عند إحداهما، ثم زفت الثالثة،
بدأ بها، ثم قضى للعتيقة يوما، ونصفه للجديدة، ثم ابتدأ بالقسمة.
والتخصيص للبكر بالسبع، والثيب بالثلاث، إنما هو بالليل، وأما النهار،
فتابع يأوي إليهما فيه عند قضاء حوائجه الواجبة، والمندوبة، والمباحة، وله
صرف النهار أجمع في مهامه، أما الليل فلا يخرج فيه إلا لضرورة.
594

ولو زفت إليه زوجة أمة، فالأقرب تخصيصها (1) بنصف ما تخصص به
الحرة، مع احتمال المساواة.
5272. الحادي والعشرون: لو أراد السفر دون زوجاته، جاز، وليس لهن منعه،
لأن الحاضر يجوز له التفرد عن الجميع، وإنما عليه التسوية إذا قسم.
ولو أراد إخراجهن معه، لزمهن إجابته، وكن معه كما في الحضر.
ولو أراد السفر ببعضهن، جاز، وله الخيار في التخصيص، لكن الأولى
القرعة، ولا يلزمه المسافرة بمن يخرجها القرعة، لكن لو أراد استصحاب غيرها
قال الشيخ: ليس له ذلك (2) وإذا سافر بها لم يقض للباقيات.
ولو زفت إليه امرأتان في ليلة، وأراد أن يسافر بإحداهما، قال الشيخ: لا بد
من القرعة (3) فمن خرج اسمها سافر بها ويدخل حق العقد، وهو التخصيص
بسبع للبكر، وبثلاث للثيب، لكونها معه، فإذا رجع احتمل عدم قضاء حق العقد
للأخرى، وثبوته، وقواه الشيخ، (4) لوجوب حقها قبل السفر، فصار كما لو قسم
لبعض نسائه وسافر، فإنه يقضي للباقيات.
ولو استصحب إحدى زوجاته بغير قرعة، قال الشيخ: يقضي لمن بقي
بقدر غيبته مع التي خرج بها، ولو كان بقرعة لم يقض، طالت المدة أو قصرت. (5)
ولو أراد النقلة من بلد إلى آخر، فحمل بعض نسائه، لم يقض للباقيات
مدة سفره إلى بلد النقلة، ولو أقام فيه مع الخارجة معه مدة، قضاها لهن.

1. في «أ»: تخصصها.
2. المبسوط: 4 / 334.
3. المبسوط: 4 / 334.
4. المبسوط: 4 / 335.
5. المبسوط: 4 / 335 - 336.
595

ولو أراد سفر غيبة ورجوع لا سفر نقلة، فسافر بإحداهن بقرعة، لم يقض
مدة قطع المسافة، وأي بلد أقام فيه إقامة مسافر لم يقض عنه.
وإن أقام أكثر من عشرة أيام قضى للباقيات، ولو سافر بإحداهن بقرعة إلى
بلد، ثم عزم على السفر بعد وصوله إلى آخر، سافر بها، ولم يقض للباقيات.
ولو تزوج في طريقه، وأراد حملها، خصصها بحق العقد إما بسبع أو
بثلاث، ثم قسم بينها وبين القديمة معه.
ولو أراد حمل إحداهما أقرع، فإن خرجت الجديدة، سافر بها، وسقط
حق العقد باستصحابها، قاله الشيخ، (1) وفيه إشكال من حيث إن السفر لا يدخل
في القسم، وإن خرجت على القديمة، سافر بها وقضى للجديدة حق العقد.
الفصل الثاني: في النشوز
وهو الخروج عن الطاعة، وهو مأخوذ من الارتفاع، وقد يحصل من
الزوج ومن الزوجة، فإن ظهرت أمارته منها، كأن تقطب في وجهه، وتتثاقل،
وتدافع إذا دعاها، وعظها، وخوفها، ولا يهجرها، ولا يضربها، فإن عادت، وإلا
هجرها في المضجع، بأن يحول ظهره إليها في الفراش، أو يعزل فراشه
عنها، ولا يضربها.

1. المبسوط: 4 / 336.
596

فإن صرحت (1) بالنشوز والامتناع عن طاعته فيما يجب له، بأن يدعوها إلى
الفراش فتمتنع، وأصرت عليه، جاز له ضربها إجماعا.
ولو صرحت بالامتناع، ولم يحصل بعد إضرار، كان له هجرها، ويحتمل
جواز ضربها، لعموم الآية (2) وعدمه، لجواز الرجوع بالهجر، ويصير تقدير الآية:
(فعظوهن) إن وجدتم أمارات النشوز، «واهجروهن» إن امتنعن «واضربوهن»
إن أصررن.
والوعظ مثل أن يقول: اتقي الله فإن حقي عليك واجب، وما أشبه ذلك،
والهجر أن يهجرها في المضاجع، لا عن الكلام، فإن فعل فلا يزيد على ثلاثة
أيام، والضرب ما يرجى به عودها إلى طاعته، ولا يكون مبرحا (3) ولا مدميا،
ويتقي الوجه والمواضع المخوفة، ولا يوالي الضرب على موضع واحد، ولو
حصل بالضرب تلف ضمن.
ولو حصل النشوز من الرجل بمنع حقوقها، طالبه الحاكم وألزمه بها.
ويجوز للمرأة ترك بعض حقوقها من قسمة ونفقة استمالة له، ويحل
للزوج قبوله.
ولو منعها بعض حقوقها (4) أو أغارها (5) فبذلت له مالا ليخلعها به صح،
وليس إكراها، قاله الشيخ. (6)

1. إشارة إلى النشوز بالقول، مكان النشوز بالفعل.
2. وهي قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن).
النساء: 34.
3. البرح: الشدة، وضرب مبرح - بكسر الراء -: أي شاق. مجمع البحرين.
4. كالقسمة والنفقة ونحوهما.
5. أي تزوج عليها.
6. المبسوط: 4 / 341.
597

الفصل الثالث: في الشقاق (1)
وهو فعال من الشق، كأن كل واحد منهما في شق أي جانب وناحية
من الآخر.
فإن بان أنه من المرأة فهو النشوز، وقد سبق.
وإن بان أنه من الرجل، فهو نشوز أيضا، فيسكنها الحاكم إلى جنب ثقة
يمنعه من الإضرار بها.
وإن بان أنه منهما، سلمهما إلى أمين ليمنع كل واحد منهما من التعدي.
وإن اشتبه وادعى كل منهما ظلم صاحبه له، ولم يقع بينهما صلح على
مقام، ولا على تفرقة وطلاق، بعث الحاكم حكمين من أهلهما لينظرا في
أمرهما، ويفعلا المصلحة.
ويجوز أن يكون الحكمان من غير أهلهما، أو أحدهما من أهل أحدهما،
والآخر أجنبي، لكن الأولى أن يكونا من أهلهما، وليس واجبا، خلافا
لابن إدريس (2).

1. قال الشهيد في المسالك: لما كان ارتفاع أحدهما على الآخر دون صاحبه مختصا باسم
النشوز ناسب أن يخص التعدي من كل منهما باسم الشقاق، لأنهما تشاركا في التعدي
والتباعد، فكأن كلا منهما صار في شق أي جانب غير جانب الآخر، وحاصله الاختلاف وعدم
الاجتماع على رأي واحد. المسالك: 8 / 364 - الطبع الحديث -.
2. السرائر: 2 / 730.
598

وبعثهما على سبيل التحكيم لا التوكيل، فإن اتفقا على الإصلاح فعلا،
وإن لم يستأذنا، وإن اتفقا على التفريق لم يصح إلا برضا الزوج في الطلاق،
ورضا المرأة في البذل إن كان خلعا.
ولا بد في الحكمين من أن يكونا حرين ذكرين عدلين، ويمضي حكمهما
في الصلح مع حضور الزوجين وغيبتهما وغيبة أحدهما.
وإذا شرطا أمرا، وجب أن يكون سائغا، فلو شرطا ترك بعض النفقة أو
القسمة، أو أن لا يسافر بها، لم يلزم الوفاء به.
* * *
قال المحقق: تم الجزء الثالث من الكتاب - حسب تجزئتنا - ويتلوه الجزء
الرابع أوله المقصد السابع في الولادة والعقيقة.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على
سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
599