الكتاب: الرسالة السعدية
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء:
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: إشراف : السيد محمود المرعشي / إخراج وتعليق وتحقيق: عبد الحسين محمد علي بقال
الطبعة: الأولى المحققة
سنة الطبع: ١٤١٠
المطبعة: بهمن - قم
الناشر: كتابخانه عمومى حضرت آية الله العظمى مرعشي نجفي - قم
ردمك:
ملاحظات:

القسم الأول
الرسالة السعدية
1

الرسالة السعدية
1 - في: أولياتها
2 - في: المعارف الإسلامية
اخراج
وتعليق وتحقيق
عبد الحسين محمد علي بقال
3

الكتاب: الرسالة السعدية
المؤلف: العلامة الحلي
تحقيق: عبد الحسين محمد على بقال
الطبعة: الأولى المحققة - سنة 1410 ه‍. ق
المطبعة: بهمن - قم
الكمية (3000) نسخة
4

القسم الأول
أوليات الكتاب
الإهداء
بين يدي الكتاب
المترجم له في سطور (السعدية) لدى الظهور
5

الإهداء
إلى الذين يشمرون عن سواعد الجد، لخدمة أمتهم وجيلهم، وأجيالهم القادمة.
إلى الذين عقدوا العزم على المساهمة في النضال، من أجل تخفيف أو رفع:
مسببات البؤس الروحي، والشقاء الفكري، والتسيب الخلقي، عن كأهل مسيرة
إنسانياتنا المعذبة، وانتشال واقعها الحياتي من الضياع.
إليهم، في كل زمان ومكان، أقدم هذه الدراسة الموجزة، عن شخصية فذة، كان
لها دور مهم في تأريخ المعرفة يومها، بل، ولا تزال.
ونعيد إحياء هذا النتاج، الكلامي في أكثر مسائله، والفقهي في بعضها الآخر،
ناهيك عن أخلاقياته، نعيد نشرها: لعقل فذ مبدع، لا زالت بحوثه وآراؤه، تحتل
الصدارة في ميادين العلم وسماء العلماء.
سائلا من القدير، أن يوفقنا لأن تسهم الذكرى، لهذه الشخصية ونتاجها، في
توضيح بعض معالم الطريق، كي يكون لنا فيها عظة وعبرة.
وكي نتأكد: بأن عاقبة المخلصين، ليست في حياتهم الأولى فقط، وإنما كما قالوا
قديما:
الذكر للإنسان حياة ثانية
7

بين يدي الكتاب
- 1 -
إن التراث في مهمة بعثه، مهمة حضارية لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال.
حيث هو يمثل الخلاصة، بما وصلت إليه العقول، من إبداعات وتطلعات، على
مر العصور والدهور.
- 2 -
وإن بعث الصلة بين الماضي والحاضر، والمضي به إلى المستقبل، لمهمة حياتية
أخرى، لا يمكن التفريط فيها أو التقليل من أهميتها.
وما ذاك، إلا للاستفادة من خبرات الأمم، بل، لتلافي ما قد وقع فيه
حماتها، من أخطأ ومفارقات، وإكمال ما لم يكمل على أيديهم، من مناهج وبحوث
ونظريات.
وأخيرا لمواصلة الرحلة الثقافية مجددا، من أجل استكشاف طرق مجهولة، لم
تجد من يفتحها بعد.
- 3 -
هذه هي الفكرة، التي انطلقنا منها يوم ذاك، وبمساهمة مادية مشكورة، من قبل
جمعية مدارس النجف الثقافية الأهلية، في بلد العراق، موطن الأئمة والأنبياء
والأوصياء.
9

انطلقنا منها: في أول تحقيق لهذا الكتاب، مشاركة منا في نشر المعرفة
الانسانية، وتعميم الاستفادة منها، خدمة للعلم والعلماء.
- 4 -
وهي الفكرة ذاتها، التي نستهديها يومنا هذا، مع ما أمر به من ظروف
استثنائية، ليست هي بالتي يحسد عليها، نعم، هي الظروف التي أقل ما يقال فيها:
معاناة قلق، لما يستدعيه فراق الأحبة في الأهل والأولاد والأصدقاء والبلاد، من أنين
وحنين، وهموم وشجون.
أجل، هي الفكرة ذاتها الممولة: وراء إعادة إحيائه ثانية، هنا في طهران،
الجمهورية الإسلامية الفتية..
بيد أنها تمتاز عن سابقتها بجملة أمور هي:
1 - تلافي الأخطاء التي وقعت في الطبعة السابقة، جهد الإمكان، سواء تلك
التي حصلت في المتن، أم الهامش.
2 - العثور على عدة نسخ خطية كاملة ثمينة، تفوق تلك الأولى قدما، بل،
المجلسية منها بالخصوص هي قريبة من عصر المؤلف، بحفنة من السنين.
3 - تخريج الكثير من الأحاديث الشريفة، مما لم نقف على تخريجه قبلا.
4 - تجديد النظر في غالبية معلومات التعليقات السابقة، تصحيحا وتعديلا أو
إضافة، بما في ذلك، تلك التي ورد البعض منها، في قسم الترجمة..
5 - أضف إلى ذلك، التوفر على الطباعة الأنيقة، مع مراعاة الإخراج الحديث
في مقدمتها، وبحروف جديدة، ذات سبك جميل..
منه جل جلاله نستمد العون والتوفيق، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
10

المترجم له
في سطور
يحق لمثل هؤلاء الأبطال: الذين نذروا أنفسهم لخدمة أخطر جانب حياتي، هو
ميدانها الثقافي، والتشريعي منه على وجه الخصوص.
يحق لمثل هؤلاء! ومنهم عيلمنا هذا، أن تدون حياتهم وتترجم شخصياتهم،
ترجمة تليق بمكانتهم، متسعة جميع أبعادها، شاملة مختلف مجالاتها.
وبما أن العلامة من الشهرة بمكان، وأنه سبقنا إلى التعريف به غيرنا، وبما أن
الإتيان على شئ من معالم شخصيته، أمر لا بد منه.
نعم، نحن إزاء تلكم الحالة، وانطلاقا من تلك المكانة، نجد لزاما علينا، أن
نسطر خطوطها - ولو باختصار - على الوجه التالي:
أولا: تسميته
هو: (جمال الدين، أبو منصور، الحسن بن سديد الدين يوسف، بن زين الدين
علي، المطهر الحلي..) (1).

(1) مستدرك الوسائل: 3 / 459 - 460.
11

ثانيا: ولادته
قال سديد الدين والد العلامة: (ولد ولدي المبارك، أبو منصور، الحسن بن
يوسف بن المطهر، ليلة الجمعة، في الثلث الأخير من الليل، 27 رمضان من سنة 648
ه‍) (2).
ثالثا: عصره
المناسب!
أن يكنى العصر الذي ولد فيه المترجم له، بعصر ما بعد الزحف المغولي، الذي
أخذت فيه الحياة الاجتماعية، تعود إلى مجاريها الطبيعية، من حياة الأمة من جديد،
بعد الشقاء الذي عانت منه الأمرين.
نعم، عقب انحسار المد التتري، الذي اجتاح العالم الإنساني القائم آنذاك،
والعالم الإسلامي منه على وجه الخصوص.
ذلك المد!
الذي كان لوالده: سديد الدين، ورفاقه في المسؤولية بقيادة الخواجة نصير
الدين الطوسي. السديد المرشح من قبل المحقق الحلي - خال العلامة -، الدور
الكبير في إيقاف زحفه عند حده.
الأمر الذي كان من نتائجه: حفظ القطر العراقي عامة، والعاصمة الإسلامية
بغداد بصورة خاصة، وعلى الأخص مدينة الحلة الفيحاء، من الهتك والسلب، والدماء
والدمار.

(2) رياض العلماء: 1 / 359.
12

وكان من نتائجه: أن أخذ الاسلام يدخل قلوب أولئك الغزاة، الذين لا
يعرفون غير السيف لغة، شيئا فشيئا (3).
رابعا: من كبار مشايخه
وفق الحسن بن المطهر، لأن يحظى بشرف الدراسة، على عهدة ثلة من
الأساتذة المعروفين بتقاهم، المبرزين في علومهم، المرموقين بأدبهم، الذين هم على
سبيل المثال:
1 - والده الشيخ سديد الدين يوسف، الذي كان عليه عماد تربيته، وأساس
دراساته في العلوم العربية والشرعية.
2 - خاله المحقق الحلي، الذي طال اختلافه إليه في تحصيل المعارف والمعالي،
وتردده عليه في تعلم أفانين الشرع والأدب، وكانت تلمذته له في الظاهر، أكثر منه
لغيره من الأساتيذ الكبار الماجدين.
3 - الشيخ الخواجة نصير الملة والدين الطوسي.
4 - الشيخ نجيب الدين يحيى، ابن عم والدته، صاحب الجامع.
5 - السيدان الجليلان، جمال الدين ورضي الدين - ابنا طاووس -
6 - الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني.
7 - الشيخ النبيل المولى نجم الدين، علي بن عمر الكاتبي القزويني،
الشافعي.

(3) لزيادة الاطلاع، يراجع المستدرك: 3 / 439 - 461، وكشف اليقين: ص 18، وعمدة الطالب: ص 190.
وغيرها، من المصادر التي تصدت للحديث عن تلك الفترة، ودونت مختلف أحداثها.
13

8 - الشيخ برهان الدين النسفي، المصنف في الجدل.
9 - الشيخ جمال الدين الحسين بن أبان النحوي، المصنف في الأدب.
10 - الشيخ المفسر عز الدين أحمد بن عبد الله الفاروقي الواسطي.
11 - الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصباغ الحنفي.
12 - الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الكشي، المتكلم الفقيه (4).
خامسا: من أفاضل تلامذته
فاز العلامة مما فاز به، بنخبة من المشتغلين على يديه، كانوا في قابل سنيهم
وعلى مر الزمن، الذخيرة الحية التي خلفها لخدمة أمته وشعبه، والذين منهم على سبيل
المثال:
أو لا: ولده محمد فخر المحققين، الذي لأجله ألف الكثير من الكتب، والتي
منها: القواعد، الذي ختمه بوصية منه إليه، معناة بمحاسن الأخلاق، ومعالي الأمور.
ثانيا: الشيخ تقي الدين، إبراهيم بن محمد البصري، وهو الذي التمس
أستاذه، فكتب له مبادئ الوصول إلى علم الأصول (5).

(4) ذكرت هذه الأسماء، كمشايخ للعلامة، بعضا أو كلا، في مجموعة من المصادر، منها: أمل الآمل: ق 2 ص 81 - 85،
والبحار: 1 / 211، و 25 / 22، وأعيان الشيعة: 24 / 277 - 334، ولؤلؤة البحرين: ص 210، وتنقيح المقال:
3 / 43، وروضات الجنات: 2 / 269 - 286، والأعلام للزركلي: 2 / 244، وغيرها.
(5) طبعنا هذا الكتاب محققا، ومعلقا عليه بجملة من التعليقات المناسبة، منها: مأخوذ من كتاب (غاية البادي في
شرح المبادئ، لتلميذه الجرجاني.
14

ثالثا: الشيخ علي بن الحسن الإمامي، الذي شرح من مصنفات أستاذه،
مبادئ الوصول إلى علم الأصول، وسماه: خلاصة الأصول.
رابعا: الشيخ محمد بن علي بن محمد الجرجاني الغروي، الذي شرح من
مصنفات أستاذه، (مبادئ الوصول إلى علم الأصول)، وسماه: (غاية البادي في شرح
المبادي) (6).
سادسا: مما قالوه في حقه
قال معاصره ابن داوود: (.. شيخ الطائفة، علامة وقته، صاحب التحقيق
والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رياسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول) (7).
وقالوا: وكفاه فخرا على من سبقه ولحقه، مقامه المحمود في اليوم المشهود، الذي
ناظر فيه علماء المخالفين فأفحمهم، وصار سببا لتشيع السلطان محمد، الملقب
خدابنده، بمعنى: (عبد الله) عربيا (8).
وبالمناسبة، فقد قال عالم مصر ومفتيها في عصره، الشيخ السيوطي (رض):
(وفيها [أي: سنة 709 ه‍]، أظهر ملك التتار (خوبنده) الرفض في بلاده، وأمر
الخطباء أن لا يذكروا في الخطبة إلا علي بن أبي طالب، وولديه، وأهل بيته، واستمر
ذلك إلى أن مات سنة ست عشرة.
ولي ابنه أبو سعيد، فأمر بالعدل، وأقام السنة والترضي على الشيخين، ثم
عثمان، ثم علي في الخطبة، وسكن كثيرا من الفتن، ولله الحمد.

(6) ينظر: مقدمة كتاب (الألفين): ص 24.
(7) رجال ابن داوود: عمود 119 - 120.
(8) والمناظرة مذكورة كاملة في: (مستدرك الوسائل): 3 / 440 - 462، و (أعيان الشيعة): 24 / 291 - 297.
وغيرهما من أمهات المراجع الرجالية.
15

وكان هذا، من خير ملوك التتار، وأحسنهم طريقة، واستمر إلى أن مات سنة
ست وثلاثين [أي: وسبعمائة]، ولم يقم لهم من بعده قائمة، بل، تفرقوا شذر مذر (9).
وواضح بعد هذا، كيف أنه لم يأت على الدافع، وراء إظهار الرفض من الملك،
على حد تعبيره.
وكيف أنه تنكر للإمامية، الذين هم حملة الاسلام، كما جاء به الرسول (صلى
الله عليه وآله)، بحجة دعوى الرفض.
وكيف أنه يعرض بهم، من خلال عبارته (وسكن كثيرا من الفتن). في ثنايا
تلكم الصياغة، وتغافل أو ربما غفل أن يعلل، لماذا صار التتر بعد أبي سعيد المحمود
النقيبة، شذر مذر؟!
ومع هذا وغيره، فنحن لا ننكر علمية الرجل وموسوعيته، وحتى موضوعيته في
كثير من البحوث والاستدلالات، التي تناولها في كتبه - وهي كثيرة - (رحمه الله).
وآية ذلك العرفان بقيمته، هو أن الحوزات العلمية الإمامية، خصوصا في إيران
والعراق وباكستان، لا زالت تتداول كتابه (شرح السيوطي على الألفية) حتى الآن.
كما وواضح بعد ذلك، أن اسم الملك هو: (خدا بنده)، أي: عبد الله، وليس كما
ذكر (خوبنده)، وأغلب الظن: أنه اشتباه من محقق الكتاب، الشيخ محمد محي الدين
عبد الحميد رحمه الله.
وقال المولى عبد الله الأفندي: (.. له حقوق عظيمة على زمرة الإمامية،
والطائفة المحقة الاثني عشرية، لسانا وبيانا، تدريسا وتأليفا، وقد كان جامعا لأنواع
العلوم، مصنفا في أقسامها، حكيما متكلما، فقيها محدثا أصوليا، أديبا شاعرا ماهرا،..
أخذ واستفاد من جم غفير من علماء عصره، من العامة والخاصة..

(9) تاريخ الخلفاء: ص 485 - 486
16

كان من أزهد الناس وأتقاهم، ومن زهده: ما حكاه السيد حسين المجتهد، في
رسالة (النفحات القدسية) عنه، أنه قدس سره أوصى: بجميع صلاته وصيامه مدة
عمره، وبالحج عنه مع أنه كان قد حج) (10).
كما روي: (أنه لما حج، اجتمع بابن تيمية في المسجد الحرام، فتذاكرا، فأعجب
ابن تيمية بكلامه، فقال له: من تكون يا هذا؟ قال: الذي تسميه ابن المنجس، ويريد
بذلك: التعريض بابن تيمية، حيث سماه في (منهاج السنة): بابن المنجس، فحصل
بينهما أنس ومباسطة (11).
وقال الصفدي: (كان ريض الأخلاق حليما، قائما بالعلوم، حكيما، طار ذكره في
الأقطار، واقتحم الناس إليه المخاوف والأخطار، وتخرج به أقوام، وتقدم في آخر أيام
خدابنده تقدما زاد حده، وفاض على الفرات مده) (12).
كما قال أبو محمد الحسن الصدر: (لم يتفق في الدنيا مثله، لا في المتقدمين ولا في
المتأخرين، وخرج من عالي مجلس تدريسه خمسماية مجتهد) (13).
سابعا: نهاية المطاف
نعم، كانت نهاية مطاف حياته رحمه الله، أن انتقل إلى جوار ربه ليلة السبت،
حادي عشر المحرم، سنة ست وعشرين وسبعماية هجرية.

(10) رياض العلماء: 1 / 359 - 365 (باختصار).
(11) الدرر الكامنة: 2 / 72.
(12) أعيان العصر: الفيلم 1809.
(13) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: ص 270.
17

ودفن: في الحجرة التي إلى جنب المنارة الشمالية من حرم أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب، على ساكنه من الصلاة أفضلها، ومن التحيات أكملها (14).
ثامنا: كلمة أخيرة
إن من يريد الاستزادة والتعرف أكثر على شخصية العلامة وعصره، نحيله على
مثل:
1 - العلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر 648 - 726 ه‍،
رسالة ماجستير إعداد محمد مفيد آل ياسين، بغداد، جامعة بغداد، كلية الآداب،
1971 م، 430 ص، رونيو، 28 سم.
تتكون الرسالة من ثلاثة أبواب: يتناول الباب الأول - بفصليه - العصر الذي
عاش فيه العلامة الحلي، ويعالج الباب الثاني - بفصليه -: سيرة وحياة العلامة الحلي
العامة، وعلاقته بتشيع الدولة الإيلخانية، في عهد السلطان خدابنده، أما الباب
الثالث: فيعالج حياة العلامة الحلي العلمية، ويقع بستة فصول (15).

(14) نقد الرجال: ص 99 - 100 والمستدرك: 3 / 46، وهناك رأي قوي: في أنه فارق الدنيا في الحادي والعشرين،
من محرم الحرام.
وقال السيوطي: ص 487 - 488 من كتابه (تاريخ الخلفاء): (وممن مات في أيام المستكفي من الأعلام الجمال
بن مطهر، شيخ الشيعة).
علما، بأنه يقصد: من اسمه الكامل: الحسن بن يوسف: وجمال الدين لقبه، والمطهر اسم والد أبيه. نعم، قد
يقال: الحسن بن المطهر، على وجه الاختصار وكذلك: جمال الدين بن المطهر.
(15) المورد: م 7 ج 4 سنة 1399 - 1978، بحث: الأطروحات التاريخية المودعة بالمكتبة الوطنية، إعداد إبراهيم
قادر محمد، المكتبة الوطنية - وزارة الثقافة والفنون، ص 306.
18

2 - الحياة الفكرية في العراق في القرن السابع الهجري، رسالة دكتوراه، إعداد
محمد مفيد آل ياسين، بغداد جامعة بغداد، كلية الآداب، 1975 م، 321 ص، رونيو،
27 سم.
تتألف الرسالة من ستة فصول: يتناول الفصل الأول: الحياة الفكرية قبل
القرن السابع الهجري، ويتناول الفصل الثاني: الحياة الفكرية في النصف الأول من
القرن السابع الهجري، ويعالج الفصل الثالث: ما تركه الغزو المغولي للعراق، من أثر
في معالم الحياة الفكرية فيه، أما الفصل الرابع: فيتناول دراسة الاتجاهات الفكرية في
النصف الثاني من القرن السابع في الفترة الإيلخانية، ويعالج الفصل الخامس: دراسة
مراكز الحياة الفكرية في العراق في هذا القرن، ويتناول الفصل الأخير: التعرف على
أهم فروع المعرفة السائدة في العراق في الفترة المذكورة (16).

(16) المصدر نفسه: ص 305
19

الكتاب
لدى الظهور
والحديث هنا يتحدد بالبيانات التالية:
أولا: تعريف بالرسالة
موجز التعريف
هو: كتاب مختصر (في أصول الدين وفروعه، للعلامة الحلي، الشيخ:
جمال الدين الحسن بن المطهر، المتوفى سنة 726 ه‍، كتبها لسعد الدين محمد
الساوجي، الشهيد 711 ه‍، وزير خدابنده) (17)، الذي سنأتي فيما بعد، على
خلاصة بطائفة من المراجع، التي تعرضت لترجمته.
نعم، ذا وما يأتي من إشارة له في استهلال العلامة، هو السر وراء وجه
التسمية، ومن سميت الرسالة باسمه.

(17) الذريعة إلى تصانيف الشيعة: ج 12 ص 183.
20

وبالمناسبة، فهناك مجهود آخر يحمل اسم (الرسالة السعدية) أيضا،
وهو من تأليف الشيخ الأديب، نصر بن هبة الله بن نصر الزنجاني (18).
مرجعية المآخذ
وعلى هذا، فالكتاب لا يعدو كونه رسالة، تتصف بما تلتزم به الرسائل
من اختصار في المواضيع المبحوثة، وتساهل في ذكر المصادر وحذف الأسانيد
بيد أنها - وذلك واقع لا شك فيه - كونها جميعها ذات مرجع - إن لم تكن
مراجع - أخذت منه، وهذا ما يمكن التأكد منه، من خلال مدارك التعاليق
التي ذيلنا بها الكتاب.
بل، التساهل حاصل أيضا حتى في منهجية هيكله العام، كما في قوله
(قدس): (وهو يشتمل على فصول)، العبارة التي ذكرها في نهاية مقدمته
الخامسة (19)، في حين أنه مؤلف من فصل واحد، وسنذكر هناك ما نرى له من
توجيه.
* (مشرب السعدية) *
وإلا، فإن العلامة الموسوعي، له كتب مفصلة وعميقة، في غالبية
ميادين المعرفة الإسلامية، وخاصة ما كان منها في علم الكلام، وبجهد أخص
ما هو حاصل في نتاجاته الفقهية.

(18) ينظر: فهرست منتجب الدين: ص 192.
(19) المقدمة، في مقدمة الكتاب، ومقدمة العلم، تكتب: مفتوحة الدال المشددة، حيث هي مأخوذة من مقدمة الجيش،
ينظر: شرح الدسوقي على المختصر: ص 68
21

والحق، أن كتابه (نهج الحق)، الذي رد عليه العلامة الأشعري،
الفضل بن روزبهان، بكتاب اسمه: (إبطال الباطل)، الفضل الذي حاججه
فيما بعد، الحجة المظفر، بكتاب اسمه: (دلائل الصدق).
أجل، الحق أن كتاب (نهج الحق)، هو خير شاهد على ما نقوله، في
توسعه وتعمقه، سواء في الميادين الكلامية أم الفلسفية، هذا بالإضافة إلى
تسلمه بعد وفاة خاله المحقق، مقاليد مرجعية المدارس الفقهية، والتقليد
لاتباع الطائفة الإمامية الاثني عشرية.
بل، وما (الرسالة السعدية) هذه في واقعها، إلا سطور مختزلة من
صفحات ذلك (النهج) الكبير، حيث الاتحاد - في المفردات والجمل
والموضوعات - كثير بين الاثنين، وهذا أمر يمكن التثبت منه، عند مقابلة تلك
السطور، بالكثير من متون أوراق (دلائل الصدق)، السالف الذكر.
خلاصة الامتيازات
على أن المهم ذكره هنا، هو أن هذه الرسالة تمتاز، من بين أمور كثيرة،
وبصورة مجملة:
أ. بالاستدلال المنطقي المبسط، هذا من جهة.
ب. كما تلتزم غالبا، بعنصر المقارنة، بين مختلف المدارس في جميع
بحوثها، كلامية كانت أو فقهية، من جهة أخرى.
ج. ناهيك عن منهجية سليمة في قواعدها، وأسلوب مشرق مبين في
عروضه، من جهة ثالثة.
22

فهرسة التقسيم
حيث الرسالة بعد ذلك، يمكن تقسيمها بتقسيم آخر، يكون
كالهيكل النظير لما اعتمده العلامة في عنونة موضوعاته، وهو:
أ - إلى تمهيد، يضم مجموعة المقدمات، التي هي في معظم ما جاء فيها،
من المسائل الأصولية، والتي يصار إليها عند الاستدلال الفقهي.
ب - وإلى قسم العقائد، وهو مركز الثقل فيها، حيث: يبدأ بالمسألة
الأولى، وينتهي بانتهاء التاسعة.
ج - ثم قسم العبادات، يبدأ بالعاشرة، وينتهي بانتهاء الثانية عشرة.
د - وأخيرا قسم الأخلاقيات، يبدأ بذكر أفعال حميدة، وينتهي
بانتهاء اصطناع المعروف.
ه‍ - وهذا، ما التزمنا بإظهاره، في الفهرست، الخاص بمواضيع
الكتاب.
ونحن هنا، لا نريد بذكر مثل هذا الهيكل البديل، التقليل من شأن
منهج الحلي، وإنما نروم بذلك: أن كتابه هذا، هو أشبه ما يكون بالعملة
الواحدة، ذات وجهين متقابلين.
تناقض الآراء
وبالمناسبة
فقد أخذ على العلامة التناقض في النتائج التي يتوصل إليها، من
خلال مقابلة مؤلفاته بعضها مع البعض الآخر، وفي الفن الواحد، وربما في
المسألة الواحدة، في مناسبة واحدة..
23

وأقول: الجنوح في مثل هكذا مفارقات شئ متوقع، ولكن، ليس على
إطلاقه، هذا إذا نحن سلمنا بها.
والحلي العلامة، لا شك بأنه انسان وغير معصوم، وهو في ذلك شأنه شأن
كل العظماء، في أن تنوشه الأخطاء، ولذا قيل من قديم: الجواد يكبو..
أما إذا نحن التمسنا التبرير لما وقع له - وإن كان قد أخطأ فسبحان من لا
يخطأ -، فما لنا إلا أن نعزو ذلك، إلى ما كان يتمتع به رحمه الله:
من ذهنية وقادة معطاءة، وذكاء مفرط يخترق حجب الأفكار، وسعيه الحثيث
لملء الفراغ.
بل، وافق سياسي ممتاز، له منه في: مواقف أبيه خير موروث أسري، واختيار
خاله المحقق إياه نعم الاختيار، ليقوم بمهمة (دبلوماسية) مصيرية مذهبية، وفيما بعد
مرافقة وثقة ملك، وكثير من رجال دولته المغولية، والبداية في المهمة كانت، طريقة
معالجة قضية نفس الملك الطلاقية.
كل ذلك وغيره، خلق منه كاتبا مكثرا، وباحثا موسوعيا، حتى أنه كان يؤلف
الكتاب تلو الكتاب، وربما كتبا عديدة في وقت واحد، وبشكل يثير الإعجاب.
تعدد الرؤى
وعطفا على ما سبق، من تمتعه بجملة إمكانات، نادرا ما تتوفر لغيره.
فإنه في غالبية كتاباته، ومنها (الرسالة السعدية)، كان يقتعد في ذهنه قاعدة -
وربما قواعد - عقلية أو نقلية، ليقيم كيان ذلك المكتوب على ركيزتها.
ويحدث - فيما نعتقد -، أن تتسابق وتتلاحق الرؤى عنده حيالها، لاعتبارات
ومقتضيات شرعية معينة.
كأن يكون المقتضي فهما جديدا لمدرك قد غم قبلا عليه.
24

كاستثناء من قاعدة يفرض وجوده، أو تعارض في الأخبار أقيم ليناهض
توحيدها، أو ترجيح يطيح بسدود ما قد يتعارض منها، وغير ذلك، من أسباب الخلاف
والوفاق، هذا، بالإضافة إلى ما قد يتوفر في البين، من معلومات أكثر فأكثر.
لذا وذاك، فحين لم يراع المصير إلى النتيجة الأحدث فالأحدث، في المسألة
الواحدة.
حينها، يبدو وكان الآراء، وفي الآن الواحد، قد تعددت، أو أن الفتاوى قد
تضاربت، أو أن المواقف قد تباينت، ومن لدن مؤلف واحد، في الآن الواحد، إن صح
ما قيل.
ولتكون العاقبة، في كثير من القضايا المتنازع فيها، ذلكم التناقض المدعى،
في حين أنه يمكن تبريره باحتساب آن وآن، وتوجيهه بقصد لحاظ ولحاظ، وقبوله
بالانتقال من زاوية لأخرى.
الرجال مصداق
وكمثال مصداقي على ذلكم التناقض، هو موقفه من تقييم الرواة، في
كتابيه (خلاصة الأقوال) (وإيضاح الاشتباه) وبقية ما يرد من ذكرهم في باقي مؤلفاته،
ككتاب (تذكرة الفقهاء).
فجوابنا هنا لا يختلف عما سبق إن قلناه.
ونقوله ثانية: بأنه مجتهد، وهو قد يقدح براو، بناء على ما هو متوفر لديه من
مدارك، ثم يطلع على أدلة أخرى، أو إستفادات أخر، فحينئذ يجتهد ويفتي بمدحه أو
توثيقه أو قبول روايته..
25

وهنا، وفي مثل هذه الحالة، وكما أشرنا قبلا، ضروري أن يعرف أزمان تواريخ
التآليف، لتمييز الجهد اللاحق عن السابق، والأخذ بالأحدث منه فالأحدث، ليصار
في الآخرة، في تثبيت رأي المؤلف وموقفه من المسألة الواحدة، إلى ما جاء منه - في
حال التعدد - أخيرا.
نعم، فذلكم التعدد المدعى، على فرض صحة وقوعه، ليس عند العلامة بالأمر
الشاذ منه، بل، هي سنة تأليفية، حاصلة لكل من مارس الإفتاء، من علماء المذهب
الواحد، بل، هي حاصلة أيضا بالنسبة، لعظماء سائر المذاهب، ناهيك عن كونها دلالة
على صحوة فكرية، طبيعي، إن كانت مقيدة بقيود الشرعية.
والشهيد الثاني مثال
وعليه، فما جاء من نقود، وما يمكن مستقبلا أن تجئ.
أجل كتلك التي أوردها الشهيد الثاني (قدس) مثلا، على رجال العلامة،
فالبحث وإياه إثباتا ونفيا، ينبغي أن يكون على أساس من ذلكم الشرط، وأعني به:
مراعاة الرجوع إلى الأحدث فالأحدث من النتائج.
أجل، بمعنى المصير إلى آخر الأقوال، التي صار إليها العلامة، إن تعددت،
بالنسبة للراوي الواحد، مع ملاحظة كونها جاءت بقيد، أو بدون قيد، سواء في كتابه
(خلاصة الأقوال)، أم تلك الموزعة في كتبه، لأكثر من مجال ومجال.
بلى، كتلك التي أوردها ابن داوود في رجاله، والتي يذكرها في كل ترجمة ترجمة،
إن كان له نقد عليه فيها، معبرا عنه بقوله مثلا: (ومن أصحابنا من توهمه)، في ترجمة:
عيسى بن أبي منصور شلقان (20)..

(20) ينظر: رجال ابن داوود - طبعة الأرموي -: عمود 9، 14، 49، 52، 88، 96، 126، 131، 135.. الخ.
26

كذلك، قد أورد الشيخ الجليل زين الدين، نقدا مجملا على رجال العلامة، في
بدايته (21)، ومفصلا على نسخة خطية منه، كتلك المحفوظة في مكتبة آية الله السيد
المرعشي العامة، تحت رقم 221.
كما قد أورد له مجموعة من الملاحظات الأخر، على هاتيك الرجال، الشيخ
الكاظمي (قدس) في تكملة الرجال.
وهي تباعا في: 1 / 88، بشأن إبراهيم بن عبد الحميد، و 1 / 118، بشأن أحمد
ابن إسماعيل بن عبد الله، و 1 / 286، بشأن الحسن بن حمزة بن علي، و 1 / 293، بشأن
الحسن بن صدقة المدائني، و 1 / 306، بشأن الحسن بن علي بن فضال، و 2 / 451،
بشأن محمد بن عيسى بن عبد الله، و 2 / 535، بشأن حجر بن زائدة، و 2 / 536،
بشأن عبد السلام بن صالح الهروي.
وكالتي أوردها الشيخ عبد الله الأفندي، في رياضه، نقلا عنه (22).
وللعظماء جواب
وهو كذلك،..
فذلكم، العلامة، وابن داوود، والشهيد، ويوجد آخرون من غيرهم، ك: علم
الهدى الكاشاني في نضد الإيضاح ورحم الله فخر المحققين، ولد العلامة ونعم الولد،
خير خلف، لخير سلف، الفخر الذي تبنى الذود عن الحقيقة، عما يقال عن منهجية
وأقوال والده، في وصفها بالتناقض، كما في مقدمة كتابه (إيضاح القواعد).

(21) ينظر: شرح البداية في علم الدراية: الباب الثاني، ص 180.
(22) ينظر: رياض العلماء: ج 4 ص 359، بشأن الفضل بين دكين.
27

ثم أقول: وها هو الشيخ الطوسي شيخ الطائفة، قد تعرض لمثل ما تعرض له
العلامة بعده، ووقع كما وقع غيره من الأكابر بضريبة المفارقات قبله.
وبالمناسبة، فمن الجميل هنا أن نذكر ما ذكره الشيخ البحراني، وهو في صدد
تبيان علل تلك المفارقات، التي هي إلى حد كبير تتفق وما نعتقده، مع ملاحظة أن
العظماء دائما هم في سباق مع الزمن، حين يسعون جاهدين إلى ملئ الفراغ بمآثرهم
ونتاجاتهم، مع ما هم عليه من ظروف سلبية عائلية واجتماعية ضاغطة في أعلب
الأحيان..، كل ذلك وأعني منهم المسلمين بالخصوص، إنما يفعلون ما يفعلون، بدافع
الخدمة إلى الشريعة المقدسة، وتحقيقا لنيل رضا الرب جل وعلا.
قال البحراني: (وبالجملة، فإن الشيخ المذكور وإن كان فضله أعظم من أن
تحويه السطور، إلا أنه لمزيد الاستعجال في التصنيف - والحرص على كثرة التأليف،
وسعة الدائرة والاشتغال بالتدريس، والفتوى والعلم والعمل ونحو ذلك - قد وقع في
هذه الأحوال الظاهرة لكل من أعطى النظر حقه في هذا المجال، جزاه الله تعالى عنا
وعن الاسلام أفضل الجزاء، وألحقه بنبيه وآله صلوات الله عليهم في الدرجة العليا
والمرتبة القصوى) (23).
والمتبني تحفظ لا تنزيه
أريد أن أقول: ونحن في نشوة الانتصار والدفاع، عما ينسب للعلامة من
اشتباهات وأخطاء، أو تسرع كما يستسيغ البعض أن يسميه، وذلك أنها على الراجح
وقعت، نتيجة ضغوط مواكبة الزمن، في ملء الفراغ العلمي دينيا وحياتيا، وكون أيام
العمر محدودة.

(23) ينظر: لؤلؤة البحرين: ص 218 - 219، وروضات الجنات: 6 / 298 - 299
28

فذلك لا يعني، بأي حال من الأحوال: إننا ندعي له العصمة كما أشرنا من
قبل، وأنه في معزل عن النقود والمؤاخذات، وإنما العصمة فقط، لأنبياء الله ورسله
والأئمة المنصوص عليهم من آل بيته (عليهم السلام).
وكيف تتوفر له العصمة، وهو بالتأكد ممن تنوشه الأخطاء، وأحيانا إن لم يكن
غالبا، ما تكون أخطأ الكبار كبارا.
عندها، وكوظيفة شرعية، لا بد من تسليط الضوء الكافي، على مثل تلك
النتائج المدعى اضطرابها، وفتح ملفات التحقيق معها وبشكل متواصل.
بل، تجب المعاودة لدراستها بين الحين والآخر، كلما قام الدليل على تبدل في
الرأي، لأي حكم اجتهادي، ليس فقط في المجال الرجالي: وإنما سواء أكان فقهيا
أم أصوليا أم غيرهما.
ذلك، لأن النسيان والغفلة والقصور وتفاوت المعرفة وكثرة المشاغل وغيرها..
فإنها غالبا ما تودي بصاحبها - والعاصم هو الله - إلى الجنوح، فالوقوع.
أليس جل جلاله في كتابه العزيز يقول: * (وفوق كل ذي علم عليم) * (24).
أليس رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) يقول: يا علي، آفة الحديث الكذب،
وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الفترة، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة العمل الحسد) (25).
نعم، نحن نتحفظ في نسبة التناقض إليه، باعتبار أنه عالم فقيه، فالتجديد في
الآراء شئ طبيعي منه، كما أنه تقي، وأن سلامة دينه تتنافى وارتكابه الخطأ، حبا به
وعمدا له.

(24) سورة يوسف، آية 76.
(25) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 270.
29

وإلا، فلا العلامة - وصدق من بالغ في علميته ولقبه كذلك (26) - ولا غير العلامة
مهما بلغ من علو الرتبة وعظيم المنزلة، ممن لم يكن معصوما، بمنزه عن الخطأ، وأن
يكون مصونا غير مسؤول.
وإنما الكلمة الفصل والحكم الفيصل، أو لا وأخيرا دوما وأبدا، لما تقره الرسالة
ودعا إليه الرسول (صلى الله عليه وآله).
الاختلاف اللاخلاف
ومن الظواهر الملفتة للنظر، أن العلامة (رحمه الله)، كثيرا ما يستخدم عبارة
(اختلف المسلمون) في كتابه هذا، اعتبارا من بداية الفصل الأول فيه.
وأقول: يمكن تفسير (الاختلاف)، الذي جاء على لسان العلامة، هناك وما
بعده، بأنه: هو من نوع الاختلاف الإيجابي لا السلبي، بمعنى: هو من نوع (اختلاف
أمتي رحمة)، وليس بنقمة.
بل، إنه يذهب إلى كون حملة المذاهب، المختلفين المتعددين، بما فيهم أتباعهم،
إلا ما شذ وندر، هم مسلمون بناء على ما سبق، ومع توفر حسن النية منهم.
ورحم الله شوقي (حيث يقول حكاية عن المجنون:
ما الذي أضحك مني الظبيات العامرية
ألأني أنا شيعي وليلى أموية؟
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)
وحيا الله أسبر حيث يقول:

(26) ينظر: مجمع البحرين للطريحي: ج 6 ص 123 - مادة (علم).
30

المذاهب: نعمة.. ونقمة
لقد كان، وما يزال من المستطاع، أن يجعل المسلمون من المذاهب نعمة إذا
أخذوا من اجتهاد كل إمام ما يوافق الكتاب والسنة، ويوائم المجتمع الذي فيه
يعيشون.
وأن المذاهب ستبقى نقمة، إذا أصر كل فريق على التعصب لمذهبه..، وذلك
لأن التعصب باعث للأضغان، والأحقاد، وعامل فذ من عوامل التفرقة، والتفرقة
تعطي أعداء الاسلام قوة إلى قوتهم، وتساعدهم على ابتزاز منابع الحياة عند المسلمين،
وسجنهم في مناطق نفوذهم..، ويؤكد في الوقت عينه: أنهم بعيدون عن نهج الاسلام،
الذي قام على أساس قوله سبحانه: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) *،
وقوله: إنما المؤمنون أخوة) * (27).
وهنا يجدر بي أن انقل كلاما مؤثرا للحجة الفقيه السيد الخوئي، منه:
(لا يشك أحد من المسلمين، أن كلام الله الذي أنزله على نبيه الأعظم، برهانا
على نبوته، ودليلا لأمته.
ولا يشك أحد منهم، أن التكلم إحدى صفات الله الثبوتية، المعبر عنها:
بالصفات الجمالية.
وقد وصف الله سبحانه نفسه بهذه الصفة في كتابه، فقال تعالى: (وكلم الله
موسى تكليما) (28).

(27) نهج الاسلام (مجلة سورية)، السنة الأولى، العدد الرابع، غرة جمادى الآخرة، 1401 ه‍ - نيسان 1981 م،
ص 54، وسورة آل عمران، آية 103، وسورة الحجرات، آية 10.
(28) سورة النساء، آية 164.
31

وقد كان المسلمون بأسرهم على ذلك، ولم يكن لهم أي اختلاف فيه، حتى
دخلت الفلسفة اليونانية، أوساط المسلمين، وحتى شعبتهم بدخولها فرقا، تكفر كل
طائفة أختها، وحتى استحال النزاع والجدال، إلى المشاجرة والقتال.
فكم هتكت في الاسلام من إعراض محترمة؟
وكم اختلست من نفوس بريئة؟ مع أن القاتل والمقتول [كليهما] يعترفان
بالتوحيد، ويقران بالرسالة والمعاد.
أليس من الغريب أن يتعرض المسلم، إلى هتك عرض أخيه المسلم، وإلى
قتله؟ وكلاهما يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله،
جاء بالحق من عنده، وأن الله يبعث من في القبور.
أو لم تكن سيرة نبي الاسلام، وسيرة من ولي الأمر من بعده، أن يرتبوا آثار
الاسلام على من يشهد بذلك؟
فهل روى أحد أن الرسول، أو غيره ممن قام مقامه، سأل أحدا عن حدوث
القرآن وقدمه، أو عما سواه من المسائل الخلافية، ولم يحكم بإسلامه إلا بعد أن يقر
بأحد طرفي الخلاف؟!
ولست أدري - وليتني كنت أدري -، بماذا يعتذر من ألقى الخلاف بين
المسلمين؟ وبم يجيب ربه يوم يلاقيه، فيسأله عما ارتكب؟ فإنا لله وإنا إليه
راجعون (29).
وجاء في الحديث، (.. عن علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق، عن أبي
الحسين محمد بن جعفر الأسدي، عن صالح بن أبي حماد، عن أحمد بن هلال، عن
ابن أبي عمير، عن عبد المؤمن الأنصاري قال:

(29) البيان في تفسير القرآن: ص 431 - ط ه -
32

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوما يروون أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: اختلاف أمتي رحمة؟
فقال: صدقوا.
فقلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟
قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: * (فلو لا نفر من
كل فرقة منهم طائفة، ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم
يحذرون) *، فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيتعلموا ثم يرجعوا
إلى قومهم فيعلموهم.
إنما أراد اختلافهم من البلدان، لا اختلافا في دين الله.
إنما الدين واحد، إنما الدين واحد (30).
الاجماع العصمتي.
كذلك، من ملفتات النظر في هذه الرسالة، هو أن صاحبها كثيرا ما يستخدم
لفظ الاجماع، في إقامة براهينه واستدلالاته، على صحة ما يريد أن يقوله ويذهب
إليه (31).
طبيعي، بعد أن أعطى في مقدماته - أعني: الرابعة منها - فكرة موجزة عنه، ثم
ذكر دليله على مراده منه، وكيف أن تحقيقه في الخارج، إنما هو موقوف - حسب وجهة
نظره - على دخول الإمامية فيه، وبنص من الشريعة ذاتها عليهم.

(30) الوسائل: ج 18 / 101 - 102، كتاب القضاء، الباب الحادي عشر من أبواب صفات القاضي، حديث 10،
ومعاني الأخبار: ص 157، وعلل الشرائع: ج 1 ص 80 ح 4، مجمع البحرين: 6 / 70 - 71 (مادة رحم)، وسورة
التوبة آية 122.
(31) وقديما، فإن الشيخ الطوسي (أوضح طريقة الاجماع، واحتج بها في أكثر المسائل)، رجال بحر العلوم: م 3 ص
140.
33

كذلك، فهو حين يبرهن على أن الإمامية، بحسب واقع الأدلة الشرعية هم
قاعدة الاجماع، كما أن إرادة الاستغراق موحى بها من حاق اللفظ، فهو ضمنا، إنما
يريد أن يجر المكلفين، إلى الالتفاف حول المعصوم مركز تلك القاعدة، فالأخذ عنه.
ساعتها، يلتئم ويلتم الشمل، والكل يتشوف إلى سنة المعصوم، الإماميون
مباشرة، وغيرهم بصورة غير مباشرة، إن هم أخذوا بالإجماع على حقيقته، وملء
لفظه، ومضوا به إلى حدود مهمته، هذا، إذا لم يكن هناك معارض للتسليم أساسا،
بصحة تحققه وفق مدلوله، وشرعية مدركيته منقولا كان أم محصلا (32).
وإلا فإن المدركين الأساسيين، لفهم الشريعة والاحتكام إليها، إنما هما: القرآن
أو لا، والسنة ثانيا، وسيبقيان كذلك خالدين دائما وأبدا.
ومع الإيمان القاطع، بأنهما كليهما بورك فيهما، نعمتان خالدتان مجهولتان من إلاه
واحد، بواسطة رسول واحد، يتلازمان ويتكاملان، والكمال كله فيهما، في سعادة وبلوغ
إنسانية الواقع الواحد.
وإلا، فالمتبقيان من تلكما الأدلة الأربعة، على تنوع وجهات النظر فيهما،
والقبول بسلامة المسالك: عندهما كما أشرت، إنما هما يمثلان الامتداد الطبيعي لذينك
المدركين الأساسيين.
نعم، وفيهما الكفاية وإبراء الذمة، والخلاص والسعادة، دنيا وآخرة.

(32) قال (عليه السلام): (خذوا بالمجمع عليه، فإن المجمع عليه لا ريب فيه)، الكافي: 1 / 9.
34

ثانيا: طبعات الكتاب
أ. صدرت له طبعة حجرية واحدة، في طهران، عام 1315 ه‍، منضما إلى كتب
أخر، في بداية المجلد الثاني من مجلدين، بعنوان: (كلمات المحققين)، تبدأ صفحاته من
2، وتنتهي في 43، على أنها خالية من ذكر المصادر، وفقيرة من جهة الإخراج، بحسب
ما هو عليه اليوم.
ب. كما صدر له طبعة حروفية، من مطبعة الغري الحديثة، في النجف الأشرف
عام 1395 ه‍ - 1975 م، وبصورة مستقلة، أعني بذلك: (الطبعة المحققة الأولى)
منه.
ثالثا: نسخه الخطية
توجد لهذا الكتاب نسخ خطية عديدة، لعل أقدمها وأكثرها أهمية، هي ما يلي:
أولا: نسخة ضمن مجموعة في (مكتبة المجلس النيابي - طهران -) تحت رقم
4953، مكتوبة بخط مقروء، منتهى منها في عام 764 ه‍، وهي مقروءة على فخر
المحققين.
ثانيا: أربع نسخ مذكورة في (فهرست كتابخانه آستانة قدس رضوي) 4 / 129
- 130، الأولى: مكتوبة بتأريخ 1042 ه‍، والثانية: بتاريخ 1085 ه‍، بينما الثالثة
والرابعة: بدون تأريخ.
ثالثا: نسخة ضمن مجموعة في (فهرست كتابخانه مركزي دانشگاه تهران،
12 / 2798)، تحت رقم 3819، مكتوبة بخط نستعليق، منتهى منها في 8 ذي القعدة
عام 1100 ه‍، تبدأ بصفحة رقم 1 وتنتهي برقم 73.
35

رابعا: نسخة في مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف، ضمن
المجموعة المهداة من قبل المرحوم الشيخ محمد الرشتي، تحمل رقم 29، منقولة
ومصححة على نسخة مقابلة ومصححة على نسخة الأصل.
إلا أنها رغم أهميتها، في كونها مقابلة ومصححة، لكنها ناقصة في عدة أماكن،
وقد أكملت بخط الشيخ الرشتي نفسه، حيث رأيت ذلك منه في حياته، في غرفة
المخطوطات في مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف.
كذلك! فهي على شئ غير قليل من عدم الضبط، من جهة التذكير
والتأنيث بالنسبة للأفعال، الأمر الذي نستدل معه، بأن الناسخ لها كان فارسي اللغة،
حديث عهد بالعربية غير متمرس فيها.
وهذه هي التي اعتمدتها، في تحقيق الطبعة الأولى، نظرا لتعذر الثلاثة الأول في
حينه.
خامسا: مجموعة نسخ، في مكتبة آية الله المرعشي العامة، في (قم) المقدسة،
منها: إحدى النسختين المعتمدتين - الآتيتين - لدينا في تحقيق هذه الطبعة.
رابعا: النسختان المعتمدتان
أو لا: النسخة الطهرانية المجلسية
وهي النسخة المحفوظة - ضمن مجموعة -، في (مكتبة المجلس النيابي)،
بطهران، تحت رقم 4953، مكتوبة بخط مقروء، منتهى منها في عام 764 ه‍، هذا،
وقد جاء في آخر المجموعة: إنها قرأت على فخر المحققين، ولد العلامة.
تفضل مشكورا بتقديمها صورة لي، سماحة العلامة المفهرس السيد أحمد
الحسيني، أمين المخطوطات في مكتبة آية الله المرعشي العامة، بقم المقدسة.
36

هذه النسخة تقع في 19 ورقة، 38 لوحة، كل لوحة بمعدل 21 سطرا غالبا،
وبمقاس 5 و 16 سم طولا، و 10 سم عرضا.
جاء في آخرها: (تم تحريره أواخر ربيع الثاني، لسنة أربع وسبعين وستمائة، في
حال الاحتلال بقلعة أربيل، صانها الله عن الزوال، بمحمد وآله خير الآل).
وهذه النسخة، بالرغم من كونها في بعض المواطن ناقصة المتن، بالمقارنة إلى
رفيقتها المرعشية، وحتى كون المرعشية نفسها هي الأصح في بعض الموارد.
لكن، بلحاظ مزية القدم من جهة، وكونها - كما هو المدعى -: مقروءة على فخر
المحققين، من جهة ثانية، فقد جعلتها هي الأصل.
ولولا هاتين المزيتين، لكانت المرعشية - رغم ما يؤخذ عليها هي الأخرى، مما
هو مذكور في الهوامش الآتية - هي الأصل.
على أن هناك ملحوظة، لا بد لي من ذكرها هنا، وهي أن هناك بعض
الاشتباهات في كلتا النسختين، التي مردها إلى عجمة كاتبيها، من قبيل التذكير
والتأنيث، التعريف والتنكير، سوغت لنفسي تصحيحها، دون الإشارة إليها في
الهوامش، لأنها لم تكن أساسا هكذا في نسخة العلامة، الحلي العربي نسبا وموطنا ولغة.
ثانيا: النسخة القمية المرعشية
وهي المحفوظة - ضمن مجموعة - في (مكتبة آية الله المرعشي العامة)، في
قم المقدسة، تحت رقم 514، مكتوبة بخط مقروء، من كاتب فارسي، حيث يستعمل
الواو العاطفة في نهاية بعض الأسطر، كما قد يقطع الكلمة الواحدة في سطرين.
علما، بأنها قد انتهي من نسخها سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، وأنها ثرية
بالتعليقات، عربية وفارسية، غير أنها بالإضافة إلى ذلك تمتاز بكونها: مصححة، وفيها
بلاغات يسيرة، وأكمل نصا من المجلسية.
37

تفضل مشكورا بتقديم مصورتها لي، سماحة المدير العام للمكتبة، الحاج السيد
محمود المرعشي.
هذه النسخة تقع في 49، 98 لوحة، تبدأ من ورقة 18، وتنتهي في 66، كل
لوحة بمعدل 13 سطرا، وبمقاس 10 سم طولا، و 5 و 7 سم عرضا.
جاء في آخرها: (وقع الفراغ من تحرير هذه الرسالة الشريفة، يوم الأربعاء،
في أواسط جمادى الأولى، في تاريخ سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
حرره الفقير الحقير علي بن مجد الدين بن سديد الدين الاستربادي اللهم،
اغفر لكاتبه وقاريه ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات).
خامسا: الخطة في العمل.
وأقول: بعد جعل النسخة المجلسية، هي الأصل في التحقيق، نظرا لمزاياها
المذكورة مجملة عند تعريفنا لها،
ولأن في النفس شيئا مما جاء في إنهاء الثانية
فإن القاعدة التي التزمت بها، في جهدي المبذول على هذا الكتاب بالذات،
بعد الفراغ من كتابة ترجمة موجزة عن مؤلفه.
إن هذه القاعدة، تتفق في خطوطها العريضة، ومعظم تطبيقاتها، مع نفس
الخطوات التي سبق أن عرضتها وأتبعتها عند تحقيقي لكتاب العلامة، أعين به:
(مبادئ الوصول إلى علم الأصول).
وبالمناسبة، فهناك بعض التصرف، أجريته في أمالي الكتاب، يقتضيني التنبيه
عليه، رعاية للأمانة في النقل، أعني في كتابة: (ذلك)، و (إلاه)، و (داوود)، وسواء
أكان النص المتصرف فيه: من إنشائي، أم من النسخة المحققة.
وما ذاك، إلا لتبني فكرة: ضرورة مطابقة الملفوظ، لما هو فيه مكتوب من جهة،
38

وتوحيد الرسم وبنفس الحروف العربية - ما أمكن، من جهة ثانية، الأمر الذي يساهم
ويساعد، في تلافي التعقيد والازدواجية الأمالية، ويقرب العرب من غير العرب في لغة
منطقية ميسرة، بدءا بمراحلها التعليمية الأولية.
نعم، مثل هذا التصرف الذي عملت به، وجدت له أرضية من الاستعمال، في
نسخ قديمة عديدة، الأمر الذي نستكشف منه: أن الموجود المتداول اليوم، لم يكن
هو نفسه المعمول به فيما مضى، بحيث لم تطله يد التغيير، بل، هو نفسه كم خضع إلى
تغيير وتغيير!
ثم، هذا القرآن الكريم، أليس من المؤسف - إن لم يكن من المحزن -، أن
تكون له في مجموعة من كلماته، ليست بالقليلة، أن تكون له رسوم متعددة؟! وهو هو
أمثولة وقدوة سماء أرضية الوحدة والتوحيد.
خذه بيديك، وتأمله، وقارنه في طبعاته الكثيرة، ومخطوطاته الأكثر، إن أنت
مضيت في مقارناتك لها، على طول البلاد العربية والإسلامية وغيرهما، ثم على طول
تاريخنا الإسلامي، من هذه الساعة وحتى عصر التشريع؟! هذا إذا قلنا بأن أمالينا
العربية توقيفية؟
ترى، هل نقوى على تحمل التغيير نحو الأحسن، إن كان منطقيا، دونما لف
ودوران، ولو بمقدار؟!
ترى، هل نقوى على تسويغ تبنيه، فالدعوة له من خلال تشجيع صحيح
وجهات الأنظار؟!
لكن، ليكن معلوما أيضا - ومنذ البداية -: إننا لا نريد أن يكون التغيير، الذي
نتبنى نماذج له، أن يكون التصرف فيه عشوائيا، غير مدروس.
كيف، والنية الحسنة هي التي يجب أن تقف حياله؟ ورضى الخالق في شرعته،
هو الذي مفروغ منه أنه يقف له بالمرصاد؟!
39

الصفحة الأولى
من: المخطوطة الطهرانية المجلسية
41

الصفحة الأخيرة
من: المخطوطة الطهرانية المجلسية
42

الصفحة الأولى من المخطوطة المرعشية
43

الصفحة الأخيرة من المخطوطة القيمة المرعشية
44

القسم الثاني
الرسالة السعدية
العلامة الحلي
أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف
648 ه - 726 ه
اخراج وتحقيق
عبد الحسين محمد علي بقال
45

بسم الله الرحمن الرحيم
1

وبه نستعين.
الحمد لله، المتفضل بجعل الأنبياء واسطة بينه وبين عباده، المنعم بإرداف
الأوصياء لتهذيب طرق هدايته وإرشاده، المحسن بنصب العلماء، الوارثين للأنبياء
لإيضاح مراده (1)، مرشد الانسان إلى طريقي شقوته وإسعاده (2)، فالسعيد (3) من أكثر
من زاده وادخر ليوم معاده، والشقي من أهمل أمر آخرته ولم يستوثق ليوم ميعاده (4).
والصلاة على أكرم أنبيائه، وأشرف رسله وأمنائه، محمد المصطفى، الشافع لمن
شهد برسالته، يوم لقاء ربه مخالفا لمراده.
وعلى آله المعصومين عن الزلل، البالغين في تقويم المكلف وسداده.

(1) في المخطوطة المجلسية المعتمدة، كثيرا ما ترد الأسماء الممدودة، مقصورة خالية مما يسمى بالهمزة المتطرفة، من
قبيل: العلماء، فترد: علما، وهي صحيحة، وإن لم تكن اليوم - كتابة - مألوفة.
(2) يبدو، فيه إشارة إلى الآية الكريمة: (وهدينا النجدين..)، في سورة البلد آية 9.
هذا، والإشارة نفسها وردت في كل من: (المجلسية: ورقة 18، لوحة أ، بين سطري 5 - 6)، و (المرعشية: ورقة
18، لوحة أ، بين سطري 5 - 6 كذلك).
(3) يبدو أن لفظ السعيد هنا، هو أيضا تضمين وإشارة من العلامة، إلى من كتبت الرسالة من أجله، وسميت على
اسمه.
(4) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 18، لوحة أ، سطر 7: (معاده)، بدون ياء بعد الميم.
2

أما بعد،
فإن الله تعالى لم يخلق العالم عبثا، بل، لغاية مقصودة، وحكمة متحققة
موجودة، كما قال تعالى (5): * (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا؟ (6)) *، وقال تعالى:
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) * (7).
ثم إنه تعالى نص على الغاية بالتعيين، فقال: * (وما خلقت الجن والإنس، إلا
ليعبدون) * (8).
فيجب على كل مكلف من انسان (9)، السعي في تحصيل المطلوب منه بقدر
الإمكان (10)، ولما كان ذلك محالا، إلا بعد معرفته تعالى، والنظر في ذاته ووصفه (11)، بما
يستحق من جلال صفاته، واتباع أوامره وامتثال مراضيه، واجتناب ما يكرهه،
والامتناع عن معاصيه، وقد حرم الله تعالى على جميع العبيد سلوك طريق التقليد، بل،
أوجب البحث في أصول العقايد اليقينية، وتحصيلها باستعمال البراهين القطعية.

(5) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 18، لوحة أ، سطر 12: (كما قال الله تعالى)، بزيادة لفظ الجلالة (الله).
(6) سورة المؤمنون، الآية 115.
(7) سورة الأنبياء، الآية 16.
(8) سورة الذاريات، الآية 56.
وفي النسخة المجلسية المعتمدة، ورقة 1، لوحة أ، سطر 9: (وما خلقنا..)، يبدو: أنه اشتباه من الناسخ.
(9) في المخطوطة المرعشية: ورقة 18، لوحة ب، سطر 3: (من الانسان)
ثم بين سطر 3 - 4، توجد أسفل عبارة: (من الانسان)، جملة: (وكذا الجن خ)، أي: في نسخة بدل.
(10) المطلوب: ما طلبه الله سبحانه من العبد، وما نهى من المعاصي، (هامش المرعشية: ورقة 18، لوحة ب، مقابل
الأسطر 4 - 6، الجانب الأيسر).
(11) في المخطوطة المرعشية: ورقة 18، لوحة ب، سطر 5: (وصفته).
ثم جاء في الهامش الأيسر من نفس اللوحة: (النظر: ترتيب أمور ذهنية، ليتوصل بها إلى أمور أخر)
3

فقد أوضحت في هذه (الرسالة السعدية)، ما يجب على كل حال، اعتماده
في الأصول والفروع على الاجمال، ولا يحل لأحد تركه ولا مخالفته في كل حال، في
مسايل معدودة ومطالب محدودة، من غير تطويل ممل، ولا إيجاز مخل.
برسم المولى: المخدوم الأعظم، الصاحب الكبير المعظم، صاحب ديوان
الممالك شرقا وغربا، بعدا وقربا، مالك السيف والقلم، ملجأ العرب والعجم، ملاذ
جميع طوايف الأمم، محيي رفات المكارم والرمم (12)، مميت البدع ودافع النقم. المؤيد
بالألطاف الربانية، المظفر بالعنايات الإلهية.
خواجة سعد الملة والدين (13)، أعز الله بدوام دولته الاسلام والمسلمين، وشيد
قواعد الدين ببقاء أيامه الزاهرة إلى يوم الدين، وقرن أعقابه بالنصر والظفر
والتمكين وختم أعماله بالصالحات، وأسبغ عليه جلابيب المسرات وكساه حلل
السعادات وأفاض عليه من عظيم البركات، ووفقه لجميع الخيرات، بمحمد وآله
الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وقبل الخوض في المقصود، لا بد فيه من تقديم..!

(12) الرفات: صيغة فعال، من مادة (رفت)، وتعني: الحطام، وتعني: كل ما تكسر وبلي، ينظر: المنجد في اللغة: ص
270.
والرمم: جمع رمة، كما في المنجد في اللغة ص 278. والرمة هنا فيما يبدو: كناية عن آثار الشريعة الدوارس،
بفعل الظلم والتحريف.
(13) اسمه: محمد بن علي الساوجي.
وللتوسع في معرفة بعض أخباره، يراجع من مثل: الدرر الكامنة: 4 / 101، ومقدمة جامع التواريخ للهمذاني: م
2 ص 15 - 29، وناسم الأسحار: ص 114، وآثار الوزراء: ص 283.
4

مقدمات
5

المقدمة الأولى
في: الغرض من وضع هذه الرسالة (1)
لما كان الغرض من وضع هذا الكتاب معرفة طريق الحق، وسلوك نهج
الصدق.
وقد أوجب الله تعالى على العلماء، إظهار نواهيه وأوامره، وإيضاح مكنون
سرايره.
حيث قال عز من قائل: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى،
من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * (2).
وقال تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا
قليلا، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار..) * (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من علم علما وكتمه ألجمه الله (4) يوم
القيامة بلجام من النار) (5).

(1) جريا على عادة المؤلفين، حيث يذكرون الغرض من مؤلفهم أو لا وقبل كل شئ، ليكون السير معه، والتشوق
إليه، أكثر وقعا وأنجع فائدة.
(2) سورة البقرة، الآية 159.
(3) سورة البقرة، الآية 175.
(4) في المخطوطة المرعشية: ورقة 19، لوحة ب، سطر 7: (ألجمه الله تعالى..).
(5) ينظر: لآلئ الأخبار: 2 / 285.
وأخرجه أحمد في مسنده: 2 / 499، بلفظ: (من كتم علما يعلمه جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار)، (الطبعة
الأولى).
6

وجب على كل عاقل (6)، إرشاد الناس إلى طريق الصواب، لئلا يدخلوا (7)
تحت اللعن، الذي توعد الله تعالى به كاتم علم، وبالخصوص، قد قال صلى الله عليه
وآله (8): إن الله لم يأخذ على المتعلمين أن يتعلموا، حتى أخذ على العلماء أن يعلموا (9).
فوجب علينا وضع هذه الرسالة، الدالة على تصحيح أكثر العقايد اليقينية،
وتحقيق طرق صالح (10) من المطالب القطعية، في المسايل الأصولية، المشتملة على
كيفية اتباع المسايل (11)، المجمع عليها من العبادة (12)، التي هي الصلاة والصوم، عند
كل المسلمين، لتحصل براءة الذمة للمكلف بالقطع واليقين، ويخلص من الظن
والتخمين.

(6) في المخطوطة المرعشية: ورقة 19، لوحة ب، سطر 8: (وجب على كل عالم).
(7) في المخطوطة نفسها: ورقة 19، لوحة ب، سطر 8: (لئلا يدخل).
(8) في المخطوطة نفسها: ورقة 19، لوحة ب، سطر 9 - 10: (.. كاتم العلم بالخصوص)، وقد قال (عليه السلام):
(إن الله تعالى..)، وهذا هو الصحيح.
(9) ينظر: نهج البلاغة: 4 / 110 شرح محمد عبدة، وبحار الأنوار: 2 / 78، وفيهما: لفظ الجهال، بدلا من المتعلمين،
كما أن النقل فيهما: عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، في حين أن الذي تعورف عليه، من عبارة صلى الله عليه
وآله، أن ما بعدها هو مما ينقل عن الرسول محمد، والأمر هنا جد بسيط، ذلك، إن قول الإمام - المعصوم - ما هو
إلا قول الرسول، وليس في ذلك شك.
والذي في النسخة الحكيمية - ص 24 -: (يوعد الله به كاتم العلم بالخصوص، وقد قال عليه السلام..)،
ويبدو أن الأصح: بخصوص كاتم العلم.
(10) المأنوس أكثر في هذا اليوم أن يقال: طرق صالحة.
(11) في المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، سطر 1: (.. أتباع المجمع عليها..)، ويبدو كلمة (المسايل) ساقطة.
(12) في نفس المخطوطة: ورقة 20، لوحة أ، سطر 1: (.. العبادات..).
7

فوضعت للمخدوم الأعظم، خواجة سعد الدين (13)، هذه الرسالة، حسبة لله
تعالى وطاعته (14)، لما افترضه الله حيث قال عز من قائل: * (. فلولا نفر من كل فرقة
منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (15).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (.. العلماء ورثة الأنبياء.. (16)).
ولما كان من شأن الأنبياء عليهم السلام: الإنذار، كذا، يجب على وارثهم
بحسب الإمكان والاقتدار.
وجعلت ثوابها واصلا إليه، أسبغ الله تعالى نعمته إليه (17).

(13) في اللغة الفارسية: كثيرا ما تكتب الواو، بين الخاء والألف، وفي كثير من الأسماء، تكتب لتدل على أن حركة
الحرف قبلها، هي بين الضم والفتح، أو مزيج منهما، كما في خواجة، وخواهر، وغيرهما.
وعليه فلا يقال: خواجة، وخواهر، بفتح الواو، وإنما الواو ساكنة داخلة في حركة الفتحة قبلها، مذابة فيها
إن صح مثل هذا التعبير.
وقال الدكتور محمد التونجي: حيثما وجدت واوا وقعت بين خاء وألف، أو بين خاء وياء، فإن الواو لا تلفظ
مطلقا. وتسمى هذه الواو: الواو المعدولة، مثال: خواب، خوار، فإنها تلفظ: خاب وخار. كما في المعجم الذهبي -
فارسي عربي -: ص 13.
هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، سطر 4: (.. سعد الملة والحق والدين).
(14) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، سطر 5: (وطاعة لما افترضه الله تعالى،..).
(15) سورة التوبة، الآية 123.
(16) الكافي: 1 / 329. كتاب العلم باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، ج 2.
(17) في المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، سطر 11: (.. أسبغ الله تعالى نعمه عليه)، ويبدو: أنه هو الأصح.
8

المقدمة الثانية
في: تحريم التقليد (18)
طلب الله تعالى من المكلف: اعتقادا جازما يقينيا مأخوذا من الحجج والأدلة،
وذلك في المسائل الأصولية (19)، واعتقادا مستفادا إما من الحجة أو من التقليد، في
المسائل الفروعية (20).

(18) ينظر: كتاب النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر: ص 8 - 10.
وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، الهامش الأسفل: (التقليد: قبول قول الغير من غير حجة،
ويسمى تقليدا، لأن المقلد يجعل ما يعتقد، من حق أو باطل، قلادة في عنق من قلد).
(19) قال ابن أبي الحديد: إنما قال عليه السلام: (أول الدين معرفته)، لأن التقليد باطل، وأول الواجبات الدينية..
: المعرفة، كما في شرح نهج البلاغة: 1 / 73.
هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة أ، سطر 13: (من المسائل الأصولية).
(20) وهنا ينبغي ملاحظة ما يلي:
أ
هكذا ورد في المخطوطتين المعتمدتين.
والصحيح - فيما يبدو - أن يقال: المسائل الفرعية، لأنه لا تجوز النسبة إلى الجمع، إلا إذا نزل منزلة العلم
فيتساهل فيه، كما يقال في دول: دولي، والفروعية هنا لم تنزل بعد. وربما كانت في وقتها كذلك، ولعل هناك تفسيرا
وتوجيه آخر.
ب
قال الغزالي: إن الاجماع منعقد على أن العامي مكلف بالأحكام، وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال، لأنه
يودي إلى أن ينقطع الحرث والنسل، وتتعطل الحرف والصنائع، ويؤدي إلى خراب الدنيا، لو اشتغل الناس
بجملتهم بطلب العلم، وذلك يرد العلماء إلى طلب المعايش، ويؤدي إلى اندراس العلم، بل، إلى إهلاك العلماء
وخراب العالم، وإذا استحال هذا لم يبق إلا سؤال العلماء.
وعلق السيد الحكيم على ذلك بقوله: وهذا الدليل - على خطابيته - سليم في إثبات أصل جواز التقليد،
ثم أورد على نفسه، ودفعه بقوله: (فإن قيل: فقد أبطلتم التقليد، وهذا عين التقليد؟!
قلنا: التقليد قبول قول بلا حجة، وهؤلاء وجب عليهم ما أفتى به المفتي، بدليل الاجماع.
وختم التعقيب بعد ذلك بقوله: (وبهذا ندرك أن الاختلاف بين الغزالي وغيره، في مفهوم التقليد، لا يتجاوز
الشكلية، وهو متحد المبنى مع القائلين بجواز التقليد، أقصاه أنه لم يسمه تقليدا، وإنما عبر بقوله: العامي يجب
عليه الاستفتاء واتباع العلماء.
والأخذ برأي الغير من دون حجة، موضع حظر الجميع، باستثناء ما مر من الحشوية، إن صح نسبة مثل ذلك
الرأي إليهم).
ينظر: المستصفى: 2 / 123، 124، والأصول العامة للفقه المقارن: ص 646.
9

(ا)
ويدل على الأول: العقل، والنقل (21)
أما النقل.
(1) - فقوله تعالى: * (قل انظروا.. (22)) *.

(21) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 20، لوحة ب، سطر 2: (النقل والعقل).
(22) سورة يونس، الآية 101.
10

(2) - * (أو لم يتفكروا.. (23)) *.
(3) - * (.. إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (24)) *.
(4) - * (.. إن يتبعون إلا الظن.. (25)) *.
(5) - * (.. وأن الظن لا يغني من الحق شيئا (26)) *.
(6) - * (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا
ما وجدنا عليه آباءنا.. (27)) *.
(7) - * (وقالوا.. ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت
أقدامنا ليكونا من الأسفلين (28)) *.
(8) - * (.. ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ
جاءني.. (29)) *.
(9) - * (.. وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا
تلوموني ولوموا أنفسكم.. (30)) *.

(23) سورة الأعراف، الآية 184.
(24) سورة الزخرف، الآية 23.
(25) سورة الأنعام، الآية 116.
(26) سورة النجم، الآية 28
(27) سورة المائدة، الآية 104.
(28) سورة فصلت، الآية 29.
(29) سورة الفرقان، الآية 28 - 29.
وفي المجلسية: ورقة 1، لوحة ب، سطر 21: (يا ليتني..)، والصحيح: (يا ويلتا، ليتني لم أتخذ..).
(30) سورة إبراهيم: الآية 22.
11

(10) - * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم
الأسباب (31)) *.
(11) - وغير ذلك من الآيات والآثار.
وأما العقل
فإن الضرورة قاضية: بقبح تقليد من كان من الناس، لأن الخطأ واقع منهم،
فلا يأمن المقلد من ارتكاب الخطأ، بل، لا بد وأن يقلد من يعتقد صدقه، واعتقاد
الصدق ليس ضروريا بل كسبيا من النظر.
فيجب النظر على كل مكلف في المسائل الأصولية.
وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أخذ علمه من أفواه (32)،
إزالته الرجال، ومن أخذ علمه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل (33)).

(31) سورة البقرة، الآية 166.
(32) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة 2، لوحة أ، سطر 5.
والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 21، لوحة أ، سطر 5 - 6: (أفواه الرجال..).
(33) وروى الكليني - مرسلا - في خطبة كتابه ما يلي: (قال عليه السلام: من أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه
صلوات الله عليه وآله، زالت الجبال قبل أن يزول، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال، ردته الرجال)، ينظر: الكافي:
1 / 7.
وروى الفتال النيسابوري مرسلا قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: من أخذ دينه من أفواه الرجال،
إزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل.
وقال أيضا: وهذا الخبر مروي عن الصادق، عن أمير المؤمنين عليهما السلام، ينظر: روضة الواعظين: 1 / 22
والوسائل للحر العاملي: 18 / 95.
وروى الشيخ الجليل محمد بن إبراهيم النعماني - في كتاب الغيبة - قال: روي عن أبي عبد الله (عليه
السلام): من دخل في هذا الدين بالرجال، أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة،
زالت الجبال قبل أن يزول، ورواه الكليني مرسلا، (إثبات الهداة للحر العاملي: ج 1 ص 71).
12

فلينظر العاقل من نفسه، هل يجوز لأحد أن يجعل بينه وبين الله تعالى واسطة
في اعتقاده؟ لم يعلم الحق باليقين (34) ولا يجزم به؟
فإن أكثر المسلمين لما ذهبوا إلى: أن الله تعالى هو المتصرف المالك لخلقه
يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، وأن الطاعة والمعصية، لا أثر لهما في استحقاق الثواب
والعقاب، امتنع منهم الجزم بالخلاص.
ومن قلد من لا يجزم خلاص نفسه (35)، كيف يحصل له الجزم بسلامته؟
وهل يقبل الله تعالى عذر المكلف غدا لو اعتذر؟ وقال: إني قلدت فلانا من
غير أن أعلم صدقه، ولا يعلم فلان صدق نفسه أيضا؟ ويكون جوابه: ما قال تعالى:
* (.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير؟.. (36)) *.
وهل يعذر المكلف بعد سماع هذه الآية على رؤوس الأشهاد (37)، باتباع من
لا يعلم بالقطع واليقين صدقه من الأنبياء والمعصومين؟ ثم كيف يجوز التقليد والنفاق لم
يزل ولا ارتفع؟ فينطق الانسان اعتقادا في نفسه (38) ويظهر غيره؟
حتى أن الله تعالى حكم ذلك (39)، عن جماعة كانوا في زمن النبي (صلى الله
عليه وآله)، وهم من جملة أتباعه.

(34) في المخطوطة المرعشية: ورقة 21، لوحة أ، سطر 8 - 9: (ممن لا يعلم الحق باليقين).
(35) في المخطوطة المرعشية: ورقة 21، لوحة أ، سطر 13: (ومن قلد ممن لا يجزم بخلاص نفسه).
(36) سورة فاطر، الآية 37.
(37) في هامش المخطوطة المرعشية ورقة 21، لوحة ب، مقابل الأسطر 6 - 12: (الأشهاد: هو النبي (عليه السلام)،
والملائكة، وبعض المؤمنين).
(38) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة 2، لوحة أ، سطر 12.
والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 21، لوحة ب، سطر 7: (فيبطن الانسان اعتقادا في نفسه)، وهو
الصحيح.
(39) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة 2، لوحة أ، سطر 13.
والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 21، لوحة ب، سطر 8: (حكى)، وهو الصحيح.
13

فقال تعالى: * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن
القول..) * (40).
وقال تعالى: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات..) * (41).
إلى غير ذلك من الآيات.
روى الحميدي (42) في الجمع بين الصحيحين عن سهل بن سعد (43) قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أنا فرطكم على الحوض من
ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ (44) أبدا، وليردن علي الحوض أقوام أعرفهم ويعرفونني،
ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك،
فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي (45)).

(40) سورة محمد، الآية 30.
وفي المخطوطة المجلسية ورقة 2 لوحة أ سطر 14: لعرفتهم، بدون فاء قبلها، ويبدو أنه: اشتباه من الناسخ.
(41) سورة التوبة: الآية 58
(42) محمد بن فتوح بن عبد الله الأزدي الميورقي الحميدي: مؤرخ محدث، أندلسي، من أهل جزيرة ميورقة، أصله
من قرطبة، كان ظاهري المذهب، وهو صاحب ابن حزم وتلميذه. رحل إلى مصر ودمشق ومكة، وأقام ببغداد
فتوفي عام 488 ه‍، من كتبه: الجمع بين الصحيحين - خ، الأعلام: 7 / 218 - 219 باختصار.
(43) سهل بن سعد الخزرجي الأنصاري، من بني ساعدة: صحابي، من مشاهيرهم. من أهل المدينة، عاش نحو
مائة سنة. توفي عام 91 ه‍. له في الصحيحين 188 حديثا، الأعلام: 3 / 210.
(44) هكذا في المجلسية: ورقة 2 لوحة أ، سطر 16. والصحيح: يظمأ، بهمزة على الألف، لا متطرفة بعدها.
وبالمناسبة، فمن خلال تتبعي لكتابات الأخوة الإيرانيين العربية، وجدت عند الغالبية من كتابهم
المعاصرين، فضلا عن القدماء منهم، وجدتهم يكتبون الكلمات المهموزة الآخر، بألف بعدها همزة متطرفة، وهي
في الشيوع والكثرة، مما يلفت النظر.
(45) ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 1793.
و.. عن أبي حازم قال: سمعت سهلا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا فرطكم على
الحوض، من ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟
قال: فقلت: نعم.
قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري: لسمعته يزيد فيقول: إنهم مني فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك،
فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي.
ينظر: الجمع بين الصحيحين: مصورة مكتبة الإمام الحكيم العامة، رقم 123، ج 1، ورقة 204، وصحيح
مسلم: ج 4 ص 1793، كتاب الفضائل حديث 26، وصحيح البخاري: 8 / 120.
وفي طبعة أخرى: 2 / 974، 1045.
والذي في المخطوطتين مختصر، حيث الجمل المعترضة مختزلة.
14

وفي الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله بن عباس (46) قال: إن النبي
(صلى الله عليه وآله) قال: (إلا أنه سيجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال.
فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
فأقول: كما قال العبد الصالح (47): * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما
توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شئ شهيد، إن تعذبهم فإنهم عبادك،
وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (48)) * فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على
أعقابهم منذ فارقتهم (49).

(46) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي: حبر الأمة، الصحابي الجليل. ولد بمكة. ونشأ في بدء
عصر النبوة، فلازم رسول الله [صلى الله عليه وآله]، وروى عنه الأحاديث الصحيحة. وشهد مع علي الجمل
وصفين، وكف بصره في آخر عمره. فسكن الطائف، وتوفي بها عام 68 ه‍. له في الصحيحين 1660 حديثا.
وينسب إليه كتاب في تفسير القرآن - ط، جمعه بعض أهل العلم، من مرويات المفسرين، عنه.
الأعلام: 4 / 228 - 229 باختصار.
(47) يريد بالعبد الصالح: عيسى عليه السلام، كما في: مجمع البيان في تفسير القرآن: م 2 ص 269.
(48) سورة المائدة، آية 117 - 118.
(49) ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 2194 - 2195، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 58، وصحيح
البخاري - طبعة الهند -: 2 / 693، وعوالي اللئالي: 1 / 59.
15

وفي الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك (50) قال: قال النبي (صلى
الله عليه وآله): ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إلي
رؤوسهم، اختلجوا، فأقول: أي رب! أصحابي أصحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري
ما أحدثوا بعدك (51)).
وإذا كان حال الصحابة، مع أنهم صدر الأول في الاسلام ولهم السابقة فيه
فكيف حال غيرهم؟!
(ب)
وأما المسائل الفروعية (52): فقد خفف الله تعالى عن عباده فيها بقبول
التقليد للحق، فقال عز من قائل: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في
الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (53)) *.

(50) أنس بن مالك بن النضر النجاري الخزرجي الأنصاري: صاحب رسول الله [صلى الله عليه وآله] وخادمه.
روى عنه البخاري ومسلم 2286 حديثا. مولده بالمدينة، ثم رحل إلى دمشق، ومنها إلى البصرة. فمات فيها عام
93 ه‍.
الأعلام: 1 / 365 - 366.
(51) ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 1800، كتاب الفضائل، حديث 40، وصحيح البخاري - طبعة الهند -:
2 / 976.
(52) الأمر هنا كالذي قلناه في ص 9.
(53) سورة التوبة، الآية 122.
16

المقدمة الثالثة
في: وجوب اتباعه المعلوم وترك المظنون عند التعارض
العقل والنقل متطابقان (54): على أنه إذا تعارض حكمان، أحدهما مجمع عليه
يحصل به (55) يقين براءة الذمة، والآخر مظنون لا يحصل معه يقين البراءة (56)، بل، ظنها،
فإنه يجب المصير إلى الأول دون الثاني.
وقد نص الله تعالى على ذلك (57)، في كتابه العزيز، فقال تعالى: * (.. فبشر
عباد (58)، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم
أولو الألباب (59)) *.

(54) وفي النسخة المرعشية: ورقة 22، لوحة ب، سطر 8، وكذا في النسخة المجلسية المعتمدة ورقة 2 لوحة ب سطر
6: مطابقان، والظاهر، أنه اشتباه من الناسخين، حيث النص لا يستقيم إلا بمتطابقان.
(55) وفي النسخة المرعشية: ورقة 22، لوحة ب، سطر 9: (يحصل معه).
(56) وفي النسخة المرعشية: ورقة 22، لوحة ب، سطر 10: (يقين البراءة الذمة).
(57) أي: أخذ المعلوم، وترك المظنون، (المخطوطة المرعشية: ورقة 22، لوحة ب، سطر 12 - 13، الهامش الأيسر)
(58) في النسختين: عبادي، غير أن ما في القرآن، في الطبعة الشعبية:، عباد بحذف الياء، ويبدو أن الحذف مرده إلى
اعتبارات قرائتية تجويدية.
(59) سورة الزمر، الآية 17 - 18.
17

دلت هذه الآية بمفهومها (60): على أن من لم يتبع أحسن القولين، وأجود
الاعتقادين، فإنه لا يندرج تحت الذين هداهم الله تعالى.
وقد أجمع العقلاء كافة على: هذا الحكم (61)، وأنه إذا تعارض حكمان أو دليلان
أو قولان، وكان أحدهما معلوما والآخر مظنونا، وجب ترك المظنون والعمل بالمعلوم.

(60) أي: معانيها، (النسخة الخطية المرعشية: ورقة 23، لوحة أ، سطر 1).
(61) هذه الآية الكريمة، قد تناولها البعض دليلا، على اعتبار الاستحسان أصلا، في مقابل الكتاب والسنة..
وللتوسع، ينظر: قول السيد الحكيم: (وقد سبق أن قلنا: إن ترجيح دليل لفظي على دليل..، الأصول العامة
للفقه المقارن: 374).
وقوله أيضا: والخلاصة، إن كان المراد بالاستحسان..)، (الأصول العامة للفقه المقارن: ص 377).
18

المقدمة الرابعة
في: أن الاجماع إنما يتحقق مع موافقة الإمامية (62)
والأدلة الدالة على وجوب اتباع الاجماع (63)، من الكتاب والسنة (64)، إنما
تدل: لو اجتمع على قول واحد (65)، جميع أمة محمد (عليه السلام).

(62) الإمامية نسبة إلى الإمام أو الإمامة: تقوم عقيدتهم - في أهم ما تقوم عليه - على أن الإمامة أصل من أصول
الدين، فهي: منصب إلا هي كالنبوة، يختار الله الإمام، ويأمر نبيه أن ينص عليه، ثم ينص كل إمام على الذي
يليه، أولهم علي وآخرهم محمد المهدي بن الحسن العسكري.
والإمام، في الوقت الذي يتفق فيه مع الرسول، في اشتراط العصمة في كل منهما، غير أنهما يفترقان بعد ذلك،
في تلقي الوحي، حيث النبي صلى الله عليه وآله، وحده المخول بالتلقي فقط، ينظر من مثل المعجم الكبير:
1 / 488، والملل والنحل: 1 / 144 - 154.
(63) الذي في النسخة المجلسية ورقة 2 لوحة ب سطر 12 - 13: المقدمة الرابعة: في أن الاجماع من الكتاب والسنة
إنما تدل.. فقط. بدلا مما أثبتناه أعلاه للضرورة المنهجية والإخراجية. هذا، وما في المرعشية: ورقة 23، لوحة
أ، سطر 6 - 7، كذلك.
(64) قال الشيخ الطوسي: (ذهب المتكلمون بأجمعهم، والفقهاء بأسرهم، على اختلاف مذاهبهم، إلى أن الاجماع
حجة. وحكي عن النظام، وجعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، أنهم قالوا: الاجماع ليس بحجة.
واختلف من قال إنه حجة: فمنهم من قال إنه حجة من جهة العقل، وهم الشذاذ، وذهب الجمهور الأعظم
والسواد الأكثر، إلى أن طريق كونه حجة، السمع دون العقل)، عدة الأصول: ص 232.
وللتوسع يراجع: سلم الوصول: ص 272، أصول الفقه للخضري: ص 279، مصادر التشريع الإسلامي:
ص 106، كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع: ص 6: رسالة الطوفي: ص 105، الدراسات للسيد الخوئي:
ص 88، الأصول العامة للفقه المقارن: 255 - 275، وغيرها..
(65) وفي النسخة المرعشية: ورقة 23، لوحة أ، سطر 8: (لو اجتمع عن القول الواحد).
19

والإمامية من أكبر أمة محمد عليه السلام.
لأنهم أخذوا مذهبهم عمن وصفهم الله تعالى، بصفات الشرف والكمال (66)
والزهد.
وأنهم أبرار، فقال تعالى في حقهم: * (إن الأبرار يشربون من كأس كان
مزاجها كافورا) * (67)، إلى آخر آيات (68) * (هل أتى (69)) *.
وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون (70)) *.
وقال تعالى: * (.. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا (71)) *.
وقال تعالى: * (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية.. (72)) *.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام تصدق: بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم
سرا، وبدرهم علانية (73)).

(66) وفي النسخة المرعشية: ورقة 23، لوحة أ، سطر 10: (.. والكمال والصلاح).
(67) سورة الانسان - الدهر -، الآية 5.
(68) وفي النسخة المرعشية: ورقة 23، لوحة أ، سطر 12: (آية)، وهو اشتباه.
(69) سورة الانسان، من القرآن الكريم.
(70) سورة المائدة، الآية 55.
(71) سورة الأحزاب، الآية 33.
(72) سورة البقرة، الآية 274.
(73) ينظر: شواهد التنزيل في قواعد التفضيل، للحاكم الحسكاني الحنفي، ورقة 26، من حديث 151 - 159، في
سورة البقرة، من مخطوطة جامعة - دانشگاه تهران - طهران، كلية الآداب، برقم 75347.
20

وأمر الله تعالى نبيه بالاستعانة بدعائهم على نصارى نجران (74)، فقال تعالى:
* (.. فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل) *،
الآية (75)، والمراد بالأبناء: الحسن والحسين، وبالنساء: فاطمة، وبالنفس: علي بن أبي
طالب عليهم السلام (76)، ولو كان غيرهم أقرب عند الله تعالى وأصلح، لكان الأمر
بالاستعانة بهم في الدعاء أولى (77).

(74) قال ابن الأعرابي:.. ونجران في عدة مواضع، منها: نجران في مخاليف اليمن من ناحية مكة.، ووفد على النبي
صلى الله عليه وسلم وفد نجران، وفيهم: السيد واسمه وهب، والعاقب واسمه عبد المسيح، والأسقف وهو أبو
حارثة، وأراد رسول الله [صلى الله عليه وآله]، مباهلتهم، فامتنعوا وصالحوا النبي [صلى الله عليه وآله]، فكتب
لهم كتابا، فلما ولي أبو بكر [رضي الله عنه] أنفذ ذلك لهم، فلما ولي عمر [رضي الله عنه] أجلاهم واشترى
منهم أموالهم..، معجم البلدان: م 266 5 - 271 باختصار.
(75) سورة آل عمران، الآية 61.
وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 23، لوحة ب، سطر 7 - 8: (.. ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
(76) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 23، لوحة ب، سطر 9: (عليهما السلام).
(77) ينظر: شواهد التنزيل: ورقة 28 - 30، من حديث 164 - 171، في سورة آل عمران.
والكامل في التاريخ: 2 / 112، وتاريخ اليعقوبي: 2 / 66، وفتوح البلدان: ص 75، وإعلام الورى: ص 79،
والسيرة الحلبية: 3 / 240، وسيرة زيني دحلان - هامش الحلبية -: 3 / 6، والسيرة لابن هشام: 2 / 204، وأسد
الغابة: 4 / 26، وشرح الشفا لملا علي القاري: 2 / 83، والكشاف: 1 / 307، والجمهرة: 1 / 76، وثمار القلوب
- المنسوب للثعالبي -: ص 483، وتفسير الفخر الرازي: 2 / 699، والدر المنثور: 2 / 38، والسنن الكبرى:
7 / 63، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 169، ونور الأبصار للشبلنجي: ص 111، والفصول المهمة: ص
6 - 7، وينابيع المودة: ص 7، وجواهر العقدين ودرر السمطين: ص 202، 234، والبداية والنهاية: 5 / 54،
وكفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص 12، 155، وبحار الأنوار: 6 / 9، وغيرها.
غير أن السيرة الحلبية: 3 / 240، أدخلت من ليس بداخل، وأخرجت من ليس بخارج، حيث أوردت عن
عمر (رضي الله عنه) أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله): لو لأعنتهم؟ بيد من كنت تأخذ؟!
قال: آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.
ترى، هل هذه الزيادة، من عائشة إلى حفصة؟ هي مما يدل عليه قوله تعالى: (ونساءنا ونساءكم)؟! الأمر
الذي جعل الحلبي هنا، أن يختار هذه الرواية، وبالتالي، يرجحها على الرواية المتواترة الثابتة.
ثم، ليجيئ بعده ابن كثير، فيذكر القصة في بدايته ونهايته، ومن ثم ليخرج منها عليا (عليه السلام).
بل، وجاء بعدهما: السيوطي، ليذكر في دره المنثور، في تفسير الآية، عن ابن عساكر عن الصادق (عليه
السلام): أن رسول الله بعد نزول الآية، دعا عمرا وولده.. إلى آخره، وهذا من أعجب العجب.
ولكن، أما كان الأجدر بالحلبي أن يسائل نفسه: لم ترك المتواتر الثابت، وعمل بخبر الواحد.
ثم، لو سلمنا، وقلنا: بأن الآية دلت على صحة ما نقله، من دخول السيدتين عائشة وحفصة.
ترى، لم استثنى؟! ولم يدخل معهما سائر أمهات المؤمنين (رضي الله عنهن)؟!
21

وجعل مودتهم أجر الرسالة، فقال تعالى: * (.. قال لا أسألكم عليه (78) أجرا
إلا المودة في القربى.. (79)) *.
قال الزمخشري (80) في الكشاف: (اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم
لبعض: أترون محمدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا؟ فنزلت الآية.
فقيل: يا رسول الله! من قرابتك هؤلاء الذين وجب علينا مودتهم؟ قال: علي
وفاطمة، وابناهما، حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي.
ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل
محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات
على حب آل محمد مات مؤمنا مستكملا للإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد
بشره ملك الموت بالجنة. ثم منكر ونكير.

(78) أي: أداء رسالة، (النسخة المرعشية: ورقة 23، لوحة ب، مقابل سطر 12 - 13 من الجهة اليمنى)، والصحيح
أن يقال: أداء الرسالة.
(79) سورة الشورى، الآية 23.
(80) محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب، ولد في زمخشر من قرى
خوارزم، وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا، فلقب بجار الله. وتنقل في البلدان، ثم عاد إلى الجرجانية من قرى
خوارزم فتوفي فيها. أشهر كتبه الكشاف - ط في تفسير القرآن..، ينظر: الأعلام: 8 / 55 باختصار.
22

ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت
زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له بابان في قبره إلى الجنة (81) ألا ومن
مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب
آل محمد مات على السنة والجماعة.
ألا ومن مات على بغض آل محمد [جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من
رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا، ألا ومن مات على بغض آل
محمد (82)] لم يشم رائحة الجنة (83).
وجعل الصلاة عليهم شرطا في صحة الصلاة عند أكثر المسلمين، ومستحبة
عند الباقين، والصلاة على غيرهم مبطلة لها (84).
وأقسم بخيله في قوله تعالى: * (والعاديات ضبحا (85)) *.
وقال رسوله الله صلى الله عليه وآله: (لو اجتمع الناس على حب علي لما خلق
الله النار (86)).

(81) وفي النسخة المرعشية: ورقة 24، لوحة أ، سطر 10: (فتح له في قبره بابان: باب إلى الجنة، وباب إلى الحساب).
(82) ما بين القوسين، ورد في المخطوطة المرعشية: ورقة 24، لوحة ب، سطر 1 - 3.
(83) تفسير الكشاف: 2 / 339، كذلك ينظر: أرجح المطالب: ص 320، وفرائد السمطين: 2 / 49، ومقام أمير
المؤمنين: ص 44 - 45.
(84) ينظر: الصواعق المحرقة: ص 139، وشرح المواهب: 7 / 7، ومسند ابن حنبل: 6 / 323، وتفسير الرازي:
7 / 391، وذخائر العقبى: ص 19، وشرح الشفا: 3 / 500 - 506، وشفاء السقام: ص 81 - 187، ومجمع
الزوايد: 10 / 160 - 163، والغدير: 2 / 302 - 304.
(85) سورة العاديات، الآية 1.
(86) ينظر: ينابيع المودة: ص 251، وتأريخ مقتل الحسين: 1 / 38، والكوكب الدري: ص 122 طبع باكستان، ومقام
أمير المؤمنين: ص 39.
23

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (سباق الأمة ثلاثة - لم يكفروا بالله
طرفة عين فهم الصديقون -: حبيب النجار مؤمن آل يسين، وحزقيل (87) مؤمن آل
فرعون، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم (88)).
وتواتر: خبر الغدير (89)، والمنزلة (90)، والطاير (91)، والمؤاخاة (92)، وسد الأبواب
غير بابه (93) وكثرة بلائه في الجهاد حتى نزل جبريل يقول: (لا سيف إلا ذو الفقار ولا
فتى إلا علي (94)).

(87) وفي النسخة المرعشية: ورقة 24، لوحة ب، سطر 9: (حزبيل).
(88) ينظر: الرياض النضرة: 2 / 154، والكفاية: ص 47، وجمع الجوامع: 6 / 152، والصواعق المحرقة: ص 74 -
75، والغدير 2 / 312 - 313، وينابيع المودة: ص 124 - عن مسند أحمد وغيره -.
(89) ينظر: الرياض النضرة: 2 / 244، والبداية والنهاية: 8 / 349، وغاية المرام: ص 79، 80 وللتوسع! يراجع
الغدير، للشيخ الحجة عبد الحسين الأميني (قدس الله سره)
(90) ينظر: الرياض النضرة: 2 / 163، وذخائر العقبى: ص 58، ومناقب الخطيب الحنفي: ص 32، ووفيات
الأعيان: 2 / 104، وكنز العمال: 6 / 395، ومقام أمير المؤمنين: ص 13 - 14، وخصائص أمير المؤمنين: ص 48،
50، 76، 78، والغدير: 3 / 199.
(91) ينظر: كفاية الطالب: 56 - 62 طبعة الحيدرية، وتذكرة خواص الأمة: ص 38، والبداية والنهاية: 7 / 353،
وخصائص أمير المؤمنين: ص 5، 52، وسنن الترمذي: 13 / 170، وأسد الغابة: 4 / 30، ومستدرك الحاكم:
3 / 130 - 131، ومجمع الزوائد: 9 / 125 - 126، وتأريخ بغداد: 3 / 171، 9 / 369، والرياض النضرة:
2 / 161، وكنز العمال: 6 / 406، وشرح نهج البلاغة: 1 / 47، 3 / 170، وغاية المرام: ص 471.
(92) ينظر: الكوكب الدري: ص 134، وينابيع المودة: ص 251 ومقام أمير المؤمنين: ص 22، والغدير: 3 / 112 -
125.
(93) ينظر: الرياض النضرة: 2 / 24، وكنز العمال: 6 / 391. وصحيح الترمذي: 2 / 461، ومسند ابن حنبل:
1 / 175، وذخائر العقبى: ص 76، وينابيع المودة: ص 87، والدر المنثور: 6 / 123، طبع مصر سنة 1314 ه‍،
ومقام أمير المؤمنين: ص 37، وخصائص أمير المؤمنين: ص 64، والغدير: 3 / 202.
(94) ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 17، والروض الأنف: 2 / 143، وشرح نهج البلاغة: 1 / 9، 2 / 236، 3 / 281،
ومناقب الخوارزمي: ص 101 - 104، وتذكرة الخواص: 6، وكفاية الكنجي: ص 144، والرياض النضرة:
ص 190، وذخائر العقبى: ص 74، وصفين: 257، والغدير: 2 / 59 - 61.
24

ورجع إليه جميع الصحابة (95) في الأحكام (96)، وقال عمر في عدة مواطن:
(لولا علي لهلك عمر) (97)، وقال: (قضية ولا أبا حسن لها (98)).

(95) في المخطوطة المرعشية: ورقة 59، لوحة ب، سطر 12: (جمع).
(96) وللتوسع! يراجع كتاب الغدير للشيخ عبد الحسين الأميني، وكتاب علي والخلفاء، تأليف نجم الدين
العسكري، في طبعته الأولى، بمطبعة الآداب، في النجف الأشرف. وكتاب فضائل الخمسة، الجزء الثاني، للفيروز
آبادي.
(97) ينظر: الاستيعاب: 3 / 39، والرياض النضرة: 2 / 194، ومناقب الخوارزمي: ص 48، وشرح الجامع الصغير
للشيخ محمد الحنفي: ص 417 هامش السراج المنير، وتذكرة الخواص: ص 87، ومطالب السؤول في مناقب
آل الرسول: ص 13، وفيض القدير: 4 / 357، والغدير: 3 / 97، وشرح نهج البلاغة: 1 / 141.
(98) وفي النسخة المرعشية: ورقة 25، لوحة أ، سطر 1: (.. ولا أبا حسن فيها).
وفي حدود اطلاعي، لم اهتد إلى مثل هذا النص بمثل هذه الألفاظ مجتمعة، ولمثل الخليفة عمر (رضي الله
عنه). غير أني وجدت نصا ونصا آخر، بألفاظ أخر، ولمعنى يقارب معنى ذلك النص إن لم يكن يطابقه، وهما:
(أ) روى ابن سعد في طبقاته: ج 2 ق 2 ص 102: بسنده عن سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ
بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن، وذكره ابن الأثير في أسد الغابة: 4 / 22، وابن عبد البر في استيعابه:
2 / 461، 484، والمتقي في كنز العمال: 3 / 53، 5 / 241، وذخائر العقبى: ص 82. وابن قزاغلي في تذكرة
خواص الأئمة: ص 87، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 171.
(ب) ومنه حديث معاوية - وقد جاءته مسألة مشكلة - فقال: معضلة ولا أبا حسن.
أبو حسن، معرفة وضعت موضع النكرة، كأنه قال: ولا رجل لها كأبي حسن، لأن لا النافية: إنما تدخل على
النكرات، دون المعارف.
ينظر: النهاية لابن الأثير: ج 3 ص 105، شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 6، أسد الغابة: م 4 ص 220.
كما ينظر: أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب - طبعة 1983 م -: ص 106، وفيه: (حديث القضاة خلفا
عن سلفهم، عن أقضى الأمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام..). والوسائل: 18 / 381، باب
16 - حديث 7.
25

ورجع إليه جميع العلماء في علومهم (99).

(99) ينظر: نهج البلاغة: 1 / 17 - 30.
كذلك قال محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي الشافعي:
(.. فانتهت إلى أمير المؤمنين علي - رضوان الله تعالى عليه -: جميع الفضائل من أنواع العلوم، وجميع
المحاسن وكرم الشمائل، من: القرآن، والحديث، والفقه، والقضاء، والتصوف، والشجاعة، والولاية، والكرم،
والزهد، والورع، وحسن الخلق، والعقل، والتقوى، وإصابة الرأي.
فلذلك، أجمعت القلوب السليمة على محبته، والفطر المستقيمة على سلوك طريقته.
فكان حبه علامة السعادة والإيمان، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان، كما تقدم في الأحاديث
الصحيحة، وظهر بالأدلة الصريحة.
ولكن، علامة صدق المحبة: طاعة المحبوب، وحب من يحبه الحبيب
إن المحب لمن يحب مطيع)، أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: ص 173 - 174.
أ. وبشأن علم القراءة، فقد قال الجزري في سلسلة اتصال قراءته وانتهائها إلى الإمام أمير المؤمنين علي
ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه:
(وأما ما يتعلق بتلاوة القرآن العظيم، فوقع بيننا وبينه ثلاثة عشر رجلا، من غير طريق الإمام جعفر الصادق
عليه السلام.
وأما من طريقه، فبيننا وبينه عشرة رجال.
وذلك: أني قرأت القرآن من أو له إلى آخره، مجودا مرتلا، على جماعة من الشيوخ، بمصر والشام وغيرهما،
منهم: الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن علي الحنفي، بالديار المصرية،
في سنة تسع وتين وسبعمائة رحمه الله، وقرأ هو..
وأما من طريق الإمام جعفر [الصادق عليه السلام]، فقرأت القرآن العظيم كله، من أوله إلى آخره،
بالتجويد والتحقيق والترتيل، على الشيخ الإمام شيخ الأقراء، أمين الدين، عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم
بن السلار، بدمشق المحروسة، سنة سبع وستين وسبعمائة، وقرأ هو القرآن كذلك..، وقرأ حمزة كذلك على
الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق، وقرأ الصادق كذلك على أبيه الإمام أبي جعفر محمد الباقر، وقرأ الباقر
كذلك على أبيه الإمام زين العابدين علي، وقرأ زين العابدين كذلك على أبيه الإمام السيد الشهيد سيد شباب
أهل الجنة أبي عبد الله الحسين، وقرأ الحسين كذلك على أبيه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه، وقرأ علي كذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبرئيل، عن رب العالمين تبارك وتعالى)،
أسمى المناقب في تهذيب أسنى المطالب: ص 171 - 172
ب. وبشأن علم النحو: الشعر والشعراء للدينوري: ص 280، وطبقات القراء لابن الجزري: ص 345،
وشذرات الذهب في أخبار من ذهب: 1 / 76، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 181
ح. وبشأن الخط: الخطاط البغدادي علي بن هلال: ص 78
علما، بأن الأستاذ عزيز سامي، قد شكك في منحى الدكتور سهيل أنور، حين رسم لمسيرة الخط شجرة:
(ابتدأها بعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فالحسن البصري، فإسحاق بن حماد، فإبراهيم السجزي..،
فابن مقلة، فالحسن بن بهزاد المرزباني، فابن البواب المتوفى سنة 413 ه‍..).
نعم، الأستاذ عزيز، أقام شكه، على أن: الحسن البصري، لم يصح له سماع من علي بن أبي طالب، وأنه
لم يلقه
وهذا التشكيك، يبدو أنه قديم، وليس وليد اليوم بالذات.
حيث أن جلال الدين السيوطي - وهو من أعلام الحديث -: عقد فصلا، أثبت فيه سماع البصري من علي.
بل، أتى على الروايات المعارضة، ففندها، ينظر: الحاوي للفتاوي: 2 / 191 - 195
كذلك، فإن الأستاذ محمد بهجة الأثري، هو الآخر أكد ذلك الانتساب، بقوله: (تنتهي الشجرة التي في
حيازتنا إلى علي بن أبي طالب، ومنه أخذ الحسن البصري الخط..)، كما في كتابه: تحقيقات وتعليقات على كتاب
الخطاط البغدادي علي بن هلال: ص 20.
26

وخرقة الصوفية مستندة إليه (100).
والفتوة راجعة إليه (101).
وظهرت عنه معجزات وكرامات (102)، نقلها المخالف والموالف (103).

(100) المصدر نفسه: 1 / 19.
وفي هامش الصفحة: فصل السهروردي في الباب الثاني عشر من كتابه (عوارف المعارف): 4 / 191
وما بعدها، على هامش الإحياء، إلى الكلام في شرح خرقة المشايخ الصوفية ولبسها.
وللتوسع: يراجع كذلك كتاب: (علي بن أبي طالب إمام العارفين، أو البرهان الجلي في تحقيق انتساب
الصوفية إلى الإمام علي) تأليف المحدث الحجة أحمد بن الصديق العماري الحسني.
(101) شرح نهج البلاغة: 1 / 29.
وقال ابن المعمار البغدادي الحنبلي: فأما مبدأ الفتوة ومنشؤها، فإبراهيم الخليل، خليل الله الرحمان، وهو
أبو الفتيان..، ولم تزل الفتوة عنه تتصل بالأنبيا [ء] والصديقين، حتى وصلت إلى نبينا - عليه السلام -، وهو
أفتى الفتيان، ومنه - عليه السلام - فتوة علي - رضي الله عنه - ومن فضيلة فتوته [التي] هتف بها الهاتف،
وجاد بنفسه على فراش النبي - صلى الله عليه وسلم -..، كتاب الفتوة: ص 140 - 142 باختصار.
(102) وفي النسخة المرعشية: ورقة 25، لوحة أ، سطر 2: (وظهر عنه).
(103) ينظر: الخصائص للنسائي، وينابيع المودة للقندوزي، وكشف الغمة للأربلي، والمسترشد لأبي جعفر الطبري،
ومدينة المعاجز للبحراني، والمناقب لابن طاووس.
27

وغير ذلك من الآيات القرآنية (104)، والروايات المسطورة في صحاح أخبار
السنة، وهي أكثر من أن تحصى.
فكيف يتحقق الاجماع مع مخالفتهم؟!
والإمامية أعرف بمذاهب أهل البيت (105)، كما أن مذهب الشافعي (106)،
أعرف عند الشافعية (107)، والحنفية (108) أعرف الناس بمذهب أبي حنيفة (109)، فإن كل
من التزم بمذهب شخص كان أعرف من غيره بمذهب ذلك الشخص.

(104) في المخطوطة المرعشية: رقة 25، لوحة أ، سطر 3: (في غير ذلك من الآيات القرآنية).
(105) المراد: الإمامية أعرف بالأحكام والسنن، المروية والمفسرة، من طرق أهل البيت، نقلا عن الرسول الكريم
(صلى الله عليه وآله)، عن الله عز وجل.
عليه فإن استعمال المذاهب هنا، لا يتعدى هذا المعنى.
وإلا، فإن الاسلام ليس فيه مذاهب متعددة - ولا بأس أن يقال: مدارس -، وإنما هو دين واحد سماوي لا
شخصي، له عالمه قبال بقية الأديان.
وهو شرعة إلاهية متكاملة، قبال كل القوانين البشرية الأرضية.
(106) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة
عند أهل السنة، وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة بفلسطين سنة 150 ه‍، وتوفي في القاهرة، سنة
204 ه‍. له تصانيف كثيرة، أشهرها: كتاب الأم - ط في الفقه، والرسالة - ط في أصول الفقه، أعلام الزركلي
6 / 249 - 250 بتصرف واختصار.
(107) نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين، تعتمد الحديث في استنباط الأحكام. مؤسسها محمد بن
إدريس، المعروف بالشافعي، في أواخر القرن الثاني الهجري، وبداية القرن الثالث منه، المنجد في اللغة: ص
283، وغيره من المصادر.
(108) نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية، في فروع الدين، تعتمد الرأي في استنباط الأحكام. مؤسسها أبو حنيفة في
مطالع النصف الثاني من القرن الثاني الهجري.
ينظر: روضات الجنات: ص 732، المنجد في اللغة: ص 168، وغيرهما من المصادر.
(10) النعمان بن ثابت، التيمي بالولاء، إمام الحنفية. أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، قيل: أصله من أبناء
فارس. ولد سنة 80 ه‍، الأعلام للزركلي: 9 / 4 - 5 بتصرف واختصار.
28

إذا تقرر هذا فنقول: إذا حصل فعل أو اعتقاد يتفق عليه الإمامية والسنة
بأجمعهم، وجب المصير إليه، وتعين التعويل عليه، ولا يجوز مخالفته إجماعا، لأن يقين
البراءة يحصل به.
ولا يجوز العدول (110) عنه، إلى ما يخالف مذهب الإمامية، لأنه يكون
قطعيا (111)، لانتفاء الاجماع حينئذ، فيكون دليلا ظنيا، والظن لا يجوز العمل به عند
القدرة على اليقين والقطع، بلا خلاف بين الأمة في ذلك.

(110) في النسخة المرعشية: ورقة 25، لوحة ا، سطر 11: (ولا يجوز عدول عنه).
(111) هكذا في النسخة المجلسية ورقة 3 لوحة أ سطر 21، بدون لا، والصحيح: (لأنه لا يكون قطعيا)، كما في
النسخة المرعشية: ورقة 25، لوحة أ، سطر 12.
29

المقدمة الخامسة
في: أن الأمة إذا اختلفت على قولين متنافيين
وقال أحدهما بقول، والآخر بقول آخر، وكان أحد القولين
أحسن وأليق أو أرجح من الآخر، تعين العمل بالراجح منهما (112).
وبيان ذلك: أنه لا يمكن العمل بالقولين معا، لتنافيهما.
ولا ترك العمل بالقولين معا، لاستلزامه الخلو عن النقيضين، وهو محال، ولأنه
خلاف الاجماع فيكون باطلا.
ولا العمل بالمرجوح (113)، لمنافاة العقل ذلك (114)، ولأنه خلاف الاجماع.
فتعين العمل بالراجح، وهو المطلوب.
وإذ قد تمهدت هذه القواعد، فلنشرع في المطلوب، وهو يشتمل على
فصول (115):

(112) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 25، لوحة ب، سطر 4: (بالراجح فيهما).
(113) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 25، لوحة ب، سطر 6: (والعمل بالمرجوح).
(114) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 25، لوحة ب، سطر 7: (المنافات)، وهو اشتباه، حيث الصحيح: بالتاء المدورة،
لأن الكلمة هنا: مصدر من نافى، وليست جمع مؤنث سالم.
(115) الظاهر أن الاشتمال على الفصول، إنما هو بلحاظ مجموع ما في الكتاب، وإلا فما بين المقدمات والخاتمة،
لا يوجد منها سوى فصل واحد فقط.
30

الفصل الأول
فيما: يتعلق
بذات الله تعالى
وصفاته
اختلف المسلمون هنا في مسائل نحن نذكرها
ونوضح ما يجب اتباعه منها بعون الله تعالى:
31

المسألة الأولى
في: حقيقته تعالى (1)
ذهب المحققون من المسلمين: إلى أن الله تعالى مجرد، ليس بجسم، ولا
عرض، ولا متحيز، ولا حاصل في مكان (2).
وذهبت طائفة المشبهة من الحنابلة (3)، وغيرهم: إلى أن الله تعالى جسم، له
طول وعرض وعمق،

(1) ينظر: قواعد المرام: ص 75، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 34.
(2) ينظر: مختصر الصواعق المرسلة: 1 / 77 - 78، المقالات: 1 / 157 و 211، الملل والنح 7 ل: 1 / 83، أصول الدين:
77، تأويل مختلف الحديث: ص 80، الإبانة: ص 43، الفصل في الملل: 2 / 97.
وبالمناسبة، فقد روى أبو هريرة:
1 = (لا تمتلئ جهنم، حتى يضع الله رجله فيها)، كما في صحيح البخاري: ج 3 ص 128، وتفسير سورة
(ق)، وصحيح مسلم: ج 8 ص 151، باب النار يدخلها الجبارون.
2 = (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا..)، كما في صحيح البخاري: ج 4 ص 69، باب
الدعاء نصف الليل، وصحيح مسلم: ج 2 ص 175، باب الترغيب في الدعاء.
3 = فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا
حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت
ربنا..)، كما في صحيح البخاري: ج 4 ص 93، باب الصراط جسر جهنم، وصحيح مسلم: ج 1 ص 113، باب
إثبات رؤية المؤمنين ربهم.
(3) الحنابلة: جمع حنبلي. من يقلد مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ينظر: المعجم الوسيط: 1 / 200.
33

وأنه جالس على العرش (4).
ولم يعلموا أنه يلزم من هذا الكفر، لأنه قد ثبت البراهين القطعية: أن كل
جسم محدث وممكن ومحتاج إلى المؤثر، فيخرج الواجب تعالى عن كونه واجب
الوجوب، وذلك محض الكفر.
فجب العدول عن هذا القول إلى الأول، ويتعين المصير إليه.

(4) ينظر: مقالات الإسلاميين: 1 / 102 - 104، الملل والنحل: 1 / 123 - 12 7، الأسماء والصفات: ص 405.
34

المسألة الثانية
في: أنه تعالى لا يحل في غيره ولا يتحد بغيره (5)
هذا مذهب طوايف المسلمين.
إلا ما نقل خواجة نصير الدين (قدس الله روحه (6)) عن الصوفية (7): إنهم
يذهبون إلى أن الله تعالى يحل أبدان العارفين ويتحد بهم (8).

(5) ينظر: قواعد المرام: ص 73 - 74، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 37.
(6) محمد بن محمد بن الحسن: فيلسوف. كان رأسا في العلوم العقلية. علامة بالأرصاد والمجسطي والرياضيات.
علت منزلته عند هولاكو. ولد بطوس وابتنى بمراغة قبة ورصدا عظيما. واتخذ خزانة ملأها من الكتب التي نهبت
من بغداد والشام والجزيرة. كتبه أشهر من أن تذكر، توفي عام 672 ه‍. الأعلام: 7 / 257 - 258 بتصرف
واختصار.
هذا وقد جاء في المخطوطة المرعشية: ورقة 26، لوحة أ، سطر 8: (خواجة نصير الملة والحق والدين).
(7) طريقة سلوكية قوامها: التقشف والتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل، لتزكو النفس وتسمو الروح وأعلى
مراتبه مرتبة الفناء، على رأي الداعين إليها.
للتوسع يراجع: دراسات في التصوف الإسلامي، تأليف محمد عبد المنعم الخفاجي، والمعجم الوسيط: الجزء
الأول، مادة صاف، وتاريخ التصوف في الاسلام: ص 35، 628، 630 - 632، وكشف المحجوب للهجويري -
تقديم وتحقيق الدكتورة إسعاد عبد الهادي قنديل -: ص 36 - 37، والكشكول للشيخ البهائي - تقديم وتحقيق
الحجة الخرسان -: 1 / 85، 2 / 357، وتاريخ الأدب في إيران - تأليف: بروان -: 2 / 334.
(8) ينظر: مقالات الإسلاميين: 1 / 80، ووفيات الأعيان: ص 181، وأنباء وأبناء الزمان: 1 / 405.
35

وهذا مذهب ردي: لأن الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد، فإنه لا يعقل
صيرورة الشيئين شيئا واحدا، بغير ممازجة ولا انفعال (9) ولا زيادة في مقدار أو كم.
والحلول غير معقول في حق واجب الوجود، فإن المجرد لذاته لا يمكن أن
يحل الماديات ولا غيرها، ولأن الحال مفتقر في قيامه إلى المحل، وكل مفتقر ممكن،
وواجب الوجود ليس بممكن فلا يكون حالا.
وإذا بطل هذا المذهب تعين المذهب الأول.

(9) هذه الكلمة (انفعال)، جاءت في المخطوطة المرعشية: ورقة 26 لوحة أ، سطر 12، جاءت مضروبا عليها بعلامة
خطأ (x).
36

المسألة الثالثة
في: أن الله تعالى يستحيل رؤيته (10)
اختلف المسلمون في هذه المسألة على قولين:
فذهب الأكثر منهم: إلى أنه تمتنع رؤيته، وهو مذهب الأوايل (11).
وقالت الأشاعرة: (12) إن الله تعالى يصح عليه الرؤية (13).

(10) ينظر: قواعد المرام: ص 74، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 39.
(11) ينظر: الملل والنحل: 1 / 90 - 91.
(12) وفي النسخة المرعشية: ورقة 26، لوحة ب، سطر 5: (قالت الأشاعرة)، بدون واو العطف.
الأشاعرة والأشعرية: نسبة تمثل رواد مذهب كلامي في أصول الدين.
مؤسسة: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المنتسب إلى أبي موسى الأشعري، في أواخر القرن الرابع
الهجري.
من جملة مبادئه: أن الباري عالم بعلم، قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع بسمع،
بصير ببصر.
من أبرز أقطابه: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني.
وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني
وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفراييني.
وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.
ينظر: الملل والنحل: 1 / 85 - 94، الإبانة عن أصول الديانة: 1 / 1 - 17، مقالات الإسلاميين: 1 / 1 -
688.
13) وقال الآمدي - وهو منهم -: اجتمعت الأئمة من أصحابنا على: أن رؤيته في الدنيا والآخرة جائزة عقلا.
واختلفوا في جوازهما سمعا.
فأثبته بعضهم، ونفاه آخرون، ينظر: المواقف: ص 115.
وللتوسع ينظر: الفصل في الملل: 3 / 2، أصول الدين: ص 99، نهاية الإقدام: ص 367، الأباة عن أصول
الديانة: ص 16، بستان العارفين: ص 59 - 60، وعوالي اللئالي: 1 / 48، 1 / 52 - 53، وهامش رقم (7) من
المسألة الأولى.
37

قال فخر الدين الرازي (14) - وهو منهم -: إن أصحابنا خالفوا جميع العقلاء
في ذلك.
وأما المعتزلة (15) والفلاسفة: فظاهر، لأنهم ينكرون ذلك إنكارا ظاهرا (16).
وأما الباقون من المسلمين، وهم المشبهة والمجسمة، فإنهم وإن أثبتوا الرؤية،
لكن لا على الوجه الذي قلناه (17). لأنهم اعتقدوا أن الله تعالى جسم، فلهذا أثبتوا
رؤيته، ولو قالوا: بأنه مجرد لا في جهة، امتنع عندهم رؤيته.

(14) محمد بن عمر الرازي: الإمام المفسر، وهو قرشي النسب. أصله من طبرستان، ومولده في الري وإليها نسبته،
توفي في هراة عام 606 ه‍. أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها، وكان يحسن الفارسية. من تصانيفه:
مفاتيح الغيب - ط، ثمانية مجلدات في تفسير القرآن الكريم، الأعلام: 7 / 203 - باختصار.
وينظر: التفسير الكبير، آية 144، من سورة الأعراف، وهنا منه (رحمة الله: تعريض بهم.
(15) الاعتزال: مذهب كلامي في أصول الدين. مؤسسة واصل بن عطاء، في مطلع القرن الثاني الهجري، ويسمى
رواده: بأصحاب العدل والتوحيد.
من جملة مبادئه: أن الله تعالى قديم، وأن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير، وأن العبد قادر خالق لأفعاله.
هذا، وهو ذو مدارس متعددة، منها: الهذيلية: أصحاب أبي الهذيل محمد بن الهذيل، والجبائية: جماعة أبي علي
محمد بن عبد الوهاب، وابنه أبي هاشم عبد السلام، ينظر: الملل والنحل: 1 / 57 - 112، المعتزلة: 1 / 1 -
267، أمالي المرتضى: 1 / 163 - 169.
هذا، وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 26، لوحة ب، سطر 7: (أما المعتزلة والفلاسفة)، بدون واو العطف.
(16) ينظر: أمالي المرتضى: ج 1 ص 28.
(17) المعتزلة أجمعوا على إنكار رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، واختلفوا في الرؤية بالقلوب، فقال أكثرهم:
نرى الله بقلوبنا، بمعنى: إنا نعلمه بقلوبنا، ينظر: مقالات الإسلاميين: 1 / 157 و 216 بتصرف.
38

والدليل على المذهب الأول: العقل، والنقل.
أما العقل:
فإن الضرورة قاضية: بأن كل مرئي (18)، فإنه لا بد وأن يكون (19) مقابلا
للرائي أو في حكم المقابل، كالمرئي في المرايا.
وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، والله تعالى ليس في جهة، فلا يكون
مرئيا (20) ولأنه لو كان مرئيا، لرأيناه الآن، لوجود العلة المقتضية للرؤية، وهي حصول
الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.
وأما النقل
فقوله تعالى: * (لن تراني) * (21)، ولو كانت صحيحة، ويراه بعض المؤمنين، لكان
موسى عليه السلام أولى بالرؤية.
وقوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) * (22)، تمدح بنفي
الرؤية، فيكون ثبوتها نقصا، والنقص على الله تعالى محال.
ولأن الخصم يسلم (23): أن معرفة الله تعالى، ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره
دون حقيقته، فكيف تصح: رؤيته والإحاطة بكنه حقيقته؟! تعالى الله عن ذلك.

(18) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 26، لوحة ب، سطر 13: (لأن كل مرئي).
(19) وفي نفس السطر: (وأن يكن مقابلا للرائي)، بدلا من (يكون).
(20) ينظر: نهاية الإقدام: ص 356، والفصل في الملل: 3 / 2، والفرق بين الفرق: 152.
(21) سورة الأعراف، الآية 144.
(22) سورة الأنعام، الآية 104.
(23) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 26، لوحة أ، سطر 7: ولأن الخصم سلم).
39

وإذا تحقق هذا، كان القول بنفي الرؤية أليق وأنسب بالكمال، وثبوتها انسب
بالنقص، فتعين الأول (24)، لوجوب تنزيه الله تعالى عن كل النقائص.

(24) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة أ، سطر 11: (فيتعين الأول).
40

تنبيه
ذهبت (25) الأشاعرة باعتبار مقالتهم هذه: إلى أن علة الرؤية هي الوجود.
وكل موجود على الإطلاق عندهم يصح أن يرى (26).
ولم يشترطوا المقابلة ولا حكمها (27)، ولا الشرايط التي اعتبرها غيرهم، من:
سلامة الحاسة، وعدم البعد المفرط، وقرب المفرط (28)، ووقوع الضوء على المرئي، وعدم
الحجاب، وعدم الشفافية.
ولم يوجبوا الرؤية عند حصول هذه الشرايط، ولا غيرها من الإدراكات عند
حصول شرايطها، فلزمهم محالات (29) لا معدل لهم عنها (30) فالتزموها وارتكبوا بسببها
مذهب السوفسطائية (31):

(25) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة أ، سطر 12: (ذهب الأشاعرة).
(26) الإبانة عن أصول الديانة: ص 16
(27) كالمرئي في المرآة: (هامش المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة ب، سطر 1 - أعلاه -).
(28) هكذا في النسخة الخطية المجلسية المعتمدة: ورقة 4 لوحة أ سطر 11
وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة ب، سطر 2: (والقرب المفرط). وهو الصحيح.
(29) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة ب، سطر 4: (من المحالات).
(30) أي: لا يكون لهم مع العدول، (المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة ب، سطر 5 - الهامش الأيمن -).
(31) السفسطة: قياس مركب من الوهميات، والغرض منه إفحام الخصم وإسكاته (من اليونانية).
السوفسطائية: فرقة ينكرون الحسيات والبديهيات، وغيرها، الواحد: سوفسطائي. (المعجم الوسيط:
1 / 433)
و (هم القائلون: بأن لا يحصل العلم بشئ من الأشياء البتة)، المخطوطة المرعشية: ورقة 27، لوحة ب،
سطر 13 - الهامش الأيسر).
41

منها، أنهم جوزوا رؤية كل موجود، سواء كان جسمانيا أو مجردا، فجوزوا:
رؤية الشهوة، والنفرة، والإرداة، والقدرة، والحياة، والإدراك، والبقاء، وغير ذلك من
الأعراض التي لا يمكننا أن نراها، لوجود علة الرؤية وهي الوجود عندهم.
ومنها، أنهم جوزوا أن يرى الأعمى، الذي لم يخلق الله تعالى له بصرا في أول
وقته وهو في المشرق، نملة صغيرة وهي بالمغرب. وهذا عين السفسطة.
ومنها، أنهم جوزوا أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة، من الأرض إلى عنان
السماء، مشرقة بالألوان النيرة، مضيئة بوقوع شعاع الشمس عليها وقت الظهيرة ولا
حاجب بيننا وبينها، ولا نشاهدها، وهذا مكابرة للحس.
ومنها، أنهم جوزوا حصول أصوات هايلة تزعج العالم، ولا يسمعها القريب
منها الصحيح السمع، ويسمع الأطروش (32) الذي لم يخلق له سمع من مبدأ خلقه وهو
بالمشرق، أخفى صوت بالمغرب.
ومنها، أنهم جوزوا أن يحصل في بلدة عظيمة كبغداد عساكر مختلفة متحاربة
بأنواع آلات الحرب، والناس بينهم يختلفون في التردد بينهم، والذهاب والعود
إليهم (33)، ويماس بعضهم بعضا، ولا يسمعون أصواتهم، ولا يرون صورهم (34).

(32) بمعنى: الأطرش، والمأنوس: استعماله اليوم هو كلمة: (الأطرش).
(33) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 38، لوحة أ، سطر 6 - 7: (في الذهاب والعود..).
(34) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 28، لوحة أ، سطر 8: (ولا يرون صورهم، ولا يحسون مساسهم).
42

ومنها. أنهم جوزوا أن يرمى الانسان في تنور قد سبك فيه الرصاص المذاب
والحديد، تنفصل أعضاؤه ولا يحس بحرارته (35): بل، ربما أدرك غاية البرد. وإذا رمي
في الثلج من فوقه إلى قدمه في أبرد وقت، لا يحس برودته (36)، بل ربما أدرك غاية الحر
والتسخن (37).
وأي إنكار السوفسطائية (38) للمحسوسات أبلغ من هذا القول؟! فهل يجوز
لعاقل أو لمن له أدنى فطانة المصير إلى هذه المقالة؟ وبأي شئ يستدل على صحة
المقالات وفسادها مع هذه الاعتقادات الممتنعة، فإنه لا مقدمة ولا قضية أجلى ولا
أوضح من المحسوسات، وهي مبادئ الضروريات، فإذا وقع الشك فيها، كيف يبقى والكذب نوع منه -، جاز أن يكون الخبر الذي أخبرنا به كاذبا.
ومع هذا
الأمان بغيرها من القضايا.

(35) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 28، لوحة أ، سطر 9: (وينفصل أعضاؤه)، بزيادة واو العطف.
(36) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 28، لوحة أ، سطر 11: (لا يحس ببرودته).
(37) إن معظم مضامين هذا التنبيه، بمفرداته وجمله، وردت في كتاب نهج الحق، ينظر: دلائل الصدق: ج 1 ص 92.
(38) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 28، لوحة أ، سطر 12: (وأي إنكار سوفسطائية).
43

المسألة الرابعة
في: كلامه تعالى
وفي هذه المسألة بحثان وقع فيهما الخلاف بين المسلمين.
البحث الأول
في: حقيقة الكلام (39)
[1]
إذا قال القائل منا لغيره: قم، فها هنا أمور:
أ /: هذا اللفظ المسموع المركب من القاف والميم..
ب /: معنى هذا اللفظ المسمى بالمصدر (40)..
ج /: إرادة المتكلم بهذا الكلام، القيام من المأمور..
د /: إرادة المتكلم لإيقاع هذا الكلام.

(39) ينظر: قواعد المرام: ص 92، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 29.
هذا، وفي النسخة المرعشية: ورقة 28، لوحة ب، سطر 5: (في الحقيقة الكلام).
(40) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 28، لوحة ب، سطر 7: المسمى بالأمر.
44

[2]
فالكلام عند المعتزلة: عبارة عن المعنى الأول.
والأشاعرة أثبتوا للكلام معنى آخر مغايرا لهذه الأمور الأربعة، قائما
بالنفس، غير معقول عندهم ولا عند المعتزلة، فلزمهم من ذلك إثبات ما لا يعقلونه.
* (البحث الثاني) *
في: قدمه وحدوثه (41)
اتفق المسلمون كافة غير الحنابلة: أن الكلام بمعنى: الحروف
والأصوات (42). وأن القرآن المسموع: ليس بازلي، بل، هو أمر متجدد، يوجده الله
تعالى في بعض الأجسام، كما أوجده لموسى عليه السلام في الشجرة المباركة وسمع
الخطاب (43).

(41) ينظر: قواعد المرام: ص 92، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 31.
وقال الفقيه الخوئي - كما في البيان: ط 8 ص 406 -: وقد حدثت هذه المسألة - حدوث القرآن وقدمه -،
بعد انشعاب المسلمين شعبتين: أشعري، وغير أشعري.
فقالت الأشاعرة: بقدم القرآن، وبأن الكلام على قسمين لفظي، ونفسي وأن كلام الله النفسي قائم بذاته،
وقديم بقدمه، وهو أحد صفاته الذاتية،
وذهبت المعتزلة والعدلية: إلى حدوث القرآن، وإلى انحصار الكلام في اللفظي، وإلى أن التكلم من الصفات
الفعلية. (42) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 29، لوحة أ، سطر 1: أن الكلام بمعنى الحروف والأصوات حادث.
(43) ينظر: الإبانة عن أصول الديانة: ص 21.
45

ثم اختلفوا، فقالت المعتزلة: لا معنى للكلام إلا الحروف والأصوات حادثة، فلا كلام قديم لله تعالى عندهم.
وقالت الأشاعرة، إن لله تعالى كلاما نفسانيا قائما بذاته، حالا فيها ليس
بمسموع، قديما ليس بحادث وأنه واحد ليس بأمر ولا نهي ولا إخبار ولا استخبار (44)،
فلزمهم المحال من وجوه.
ا / (45): إثبات ما لا يعقل لهم ولغيرهم، ووصف الله تعالى به، ومثل ذلك لا
يجوز في حقه تعالى، لأن أسماء الله تعالى توقيفية، ويمتنع أن يوصف بما لا يعلم كماليته،
وغير المعلوم لا يعلم كماليته ولا نقصه، فيمتنع وصفه تعالى به.
ب /: إن الأمر والنهي والخبر والاستخبار وغيرها من أساليب الكلام،
ماهيات مختلفة، فيمتنع الحكم بوحدتها لامتناع الحكم بوحدة الأمور المختلفة.
ج /: إنه يلزم الكذب في قوله تعالى: * (إنا أرسلنا نوحا) * (46)، * (إنا نحن
نزلنا الذكر) * (47)، لأنه إخبار عن الماضي، ولم يقع الإرسال وغيره في الأزل، والكذب
على الله تعالى (48).

(44) ينظر: المصدر نفسه: ص 19.
(45) في النسخة المرعشية: ورقة 29 - 30: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، بدلا من: ا، ب، ج،
د، ه‍، و.
(46) سورة نوح، الآية 2.
(47) سورة الحجر، الآية 10.
(48) في النسخة المرعشية: ورقة 29، لوحة ب سطر 1 - 2: (والكذب على الله تعالى محال)، بزيادة كلمة (محال).
46

د /: يلزم نسبة السفه والحمق إليه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن خطاب
المعدوم سفه وجهل، ولهذا، لو جلس الواحد منا في منزله منفردا، وينادي: يا غانم قم،
ويا سالم كل، ويا إقبال اكتب، فإذا سيل لمن تخاطب؟ (49) فقال: لعبيد أريد شراءهم
بعد سنين متعددة، عده العقلاء سفيها.
ولا شك في أن العالم معدوم في الأزل، فلو قال الله تعالى فيه: * (.. اتقوا ربكم) *
(50) * (يا أيها النبي اتق الله) * (51)، * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك) * (52)، لكان سفيها
تعالى الله عنه.

(49) في النسخة المرعشية: ورقة 29، لوحة ب، سطر 5: (سأل)، وهو اشتباه.
هذا، وبالمناسبة فقد قال الفقيه المفسر الخوئي (دام ظله): اتفقت الأشاعرة على وجود نوع آخر من
الكلام، غير النوع اللفظي المعروف، وقد سموه ب‍: الكلام النفسي.
ثم اختلفوا، فذهب فريق منهم إلى أنه: مدلول الكلام اللفظي ومعناه.
وذهب آخرون إلى أنه: مغاير لمدلول اللفظ، وأن دلالة اللفظ عليه، دلالة غير وضعية، فهي من قبيل: دلالة
الأفعال الاختيارية، على إرادة الفاعل وعلمه وحياته.
والمعروف بينهم: اختصاص القدم بالكلام، إلا أن الفاضل القوشجي، نسب إلى بعضهم القول: بقدم جلد
القرآن وغلافه أيضا، (شرح التجريد - المقصد الثالث -: ص 354).
وقد عرفت أن غير الأشاعرة متفقون: على حدوث القرآن، وعلى أن كلام الله اللفظي ككلماته التكوينية،
مخلوق له، وآية من آياته.
ولا يترتب على الكلام في هذه المسألة، وتحقيق القول فيها، غرض مهم، لأنها خارجة عن أصول الدين
وفروعه، وليست لها أية صلة بالمسائل الدينية، والمعارف الإلاهية...
وتوضيح ذلك:..، ينظر: البيان في تفسير القرآن: ص 406 - 417، ط 8، 1401 ه‍ - 1981 م، باختصار
من عناوين: التكلم من صفات الله الثبوتية، مسألة حدوث القرآن وقدمه أمر حادث لا صلة له بعقائد الاسلام،
صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية، الكلام النفسي، أدلة الأشاعرة على الكلام النفسي، تصور الكلام قبل
وجوده أجنبي عن الكلام النفسي، الكلام النفسي أمر خيالي بحت.
(50) سورة النساء، الآية 2.
(51) سورة الأحزاب، الآية 2.
(52) سورة المائدة، الآية 68.
47

ه‍ /: يلزم منه مخالفة نص الكتاب العزيز. قال الله تعالى: * (ما يأتيهم من
ذكر من ربهم محدث) * (53)، (إنه لقرآن كريم) * (54)، * (.. في لوح محفوظ) * (55)
واللوح محدث.
و /: إن القرآن الذي يثبتون قدمه. إما أن يكون عبارة عن: المعقول كل
أحد (56)، أو غيره، فإن كان الأول: كان محدثا، لأنه مركب، وكل مركب محدث. وإن
كان الثاني: كان راجعا إلى إثبات وصف لله تعالى غير معلوم، وهو محال.

(53) سورة الأنبياء الآية 3.
(54) سورة الواقعة، الآية 56، وفي النسخة المجلسية ورقة 5 لوحة أ سطر 5: إنه قرآن، بحذف اللام، ويبدو: إنه
اشتباه من الناسخ.
(55) سورة البروج، الآية 23.
(56) في النسخة المرعشية: ورقة 29، لوحة ب، سطر 12 - 13: (إما أن يكون عبارة عن: المعنى المعقول عند كل
واحد)، بدلا من: (إما أن يكون عبارة عن: المعقول كل أحد). بإضافة كلمة (المعنى)، و (عند). وجعل كلمة
(واحد)، بدلا من (أحد).
48

المسألة الخامسة
في: أنه تعالى يستحق الصفات لذاته (57)
اختلف المسلمون في هذه المسألة.
[1]
فقالت المعتزلة: إن الله تعالى قادر، عالم، حي، موجود (58)، وغير ذلك من

(57) ينظر: قواعد المرام: ص 96، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 18
نعم، وبعد القول: بأن صفات الله تعالى تقسم إلى قسمين: ذاتية، وفعلية، فقد ذكر الفيلسوف الأصولي
الخوئي في بيانه: ص 406:
والفارق بين صفات الله الذاتية، وصفاته الفعلية.
[أ.] إن صفات الله الذاتية، هي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبدا، إذا، فهي التي لا يصح
سلبها عنه في حال.
ومثال ذلك: العلم، والقدرة، والحياة.
فالله تبارك وتقدس، لم يزل ولا يزال عالما قادرا حيا، ويستحيل أن لا يكون كذلك، في حال من الأحوال.
[ب.] وأن صفاته الفعلية، هي: التي يمكن أن يتصف بها في حال، وبنقيضها في حال آخر.
ومثال ذلك: الخلق، والرزق.
فيقال: إن الله خلق كذا، ولم يخلق كذا، ورزق فلانا ولدا، ولم يرزقه مالا.
وبهذا يظهر: أن التكلم إنما هو: من الصفات الفعلية، فإنه يقال: كلم الله موسى، ولم يكلم فرعون، ويقال:
كلم الله موسى في جبل طور، ولم يكلمه في بحر النيل.
(58) في المخطوطة المرعشية: ورقة 30، لوحة أ، سطر 4: (.. وعالم، وحي، وموجود)، بزيادة واو العطف.
49

صفاته تعالى، لذاته، لا لمعان قائمة به (59).
[2]
وقالت الأشاعرة: إنه تعالى يستحقها، لمعان قديم قائم بذاته (60)، فلزمهم
المحال من وجوه:
ا /: (61) يلزم افتقار الله تعالى إلى غيره، في كونه: قادرا، عالما حيا، وغير ذلك
من الصفات (62)،
لأن المعاني أمور مغايرة لذاته (63)، وكل مفتقر ممكن، والله تعالى ليس
بممكن فلا يكون مفتقرا، ولا تكون صفاته تعالى معللة بغيره.

(59) قال ابن العماد الحنبلي: إن أصحاب واصل بن عطاء قالوا بنفي القدرة عن الله سبحانه وإسنادها إلى العباد،
كما في: شذرات الذهب: ص 183.
وينظر للتوسع: الملل والنحل: 1 / 53، نهاية الإقدام: ص 90 - 91، المنقذ من الضلال: ص 34، مقالات
الإسلاميين: 1 / 166 - 167، الإنتصار: ص 111 - 112.
(60) ينظر: الإبانة عن أصول الديانة: ص 39، نهاية الإقدام: ص 200، شرح العقائد النسفية: ص 75، الاقتصاد
في الاعتقاد: ص 54، شرح الفقه الأكبر: ص 19، التبصرة [مخطوطة] الورقة 77، الهداية [مخطوطة] الورقة
38، التمهيد: ص 153، شرح الدواني على العضدية: ص 305 بواسطة كتاب: محمد عبدة، بين الفلاسفة
والمتكلمين.
هذا، والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 30، لوحة أ، سطر 5 - 6: إن الله تعالى يستحقها لمعان قديمة
قائمة بذاته.
أي: إذا كانت الصفات قائمة بذاته، حينئذ لا بد أن يكون جل وعلا موجودا آخر، وهو محال.
وبالتالي، فصفاته تقدست أسماؤه، لا تكون قائمة بذاته: وإنما هي عين ذاته، ينظر: المخطوطة المرعشية:
ورقة 30، لوحة أ، بين سطري 5 - 6، وفي الهامش الأيمن.
(61) في المخطوطة المرعشية: ورقة 30، لوحة أ - ب: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، بدلا من: أ، ب، ج، د.
(62) وفي لوحة أ، سطر 7: (.. في كونه: قادرا، وعالما، وحيا، وغير ذلك من الصفات..
(63) أي: الصفات، (هامش المخطوطة المرعشية: ورقة 30، لوحة أ، بين سطري 8 - 9.)
50

ب /: يلزم أن يكون مع الله تعالى في الأزل قدماء كثيرة، بقدر صفاته، وهو
محال لاختصاصه سبحانه وتعالى بالقدم،
قال فخر الدين الرازي: إن النصارى كفروا، لأنهم أثبتوا قدماء ثلاثة (64)،
وأصحابنا أثبتوا تسعة قدماء: الذات، وثماني صفات (65).
ج /: لو كان باقيا ببقاء قائم بذاته، كان ممكنا (66)، لأن البقاء هو الوجود
المستمر، فلو كان استمرار وجوده مستندا إلى الغير، كان ممكنا.
د /: لو كان باقيا ببقاء لكان ذلك البقاء:
أما أن يكون باقيا لذاته، فيكون بالذاتية أولى، لاستغنائه عن غيره، والذات
أولى بأن يكون صفة لافتقارها،
وإن كان باقيا ببقاء الذات، دار (67)،
وإن كان باقيا ببقاء آخر، تسلسل،
والكل محال (68).

(64) فتقول النصارى: الباري تعالى مركب من ثلاثة أصول، وهي: أقنوم الأب، أقنوم الابن، وأقنوم روح القدس.
ويقولون: أقنوم الأب عبارة عن ذات الله تعالى، وأقنوم الابن عبارة عن علم الله تعالى، وأقنوم روح القدس
عبارة عن حياة الله تعالى، ينظر: المخطوطة المرعشية: ورقة 30، لوحة أ، الهامش الأسفل. (65) هي: الحياة، العلم، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، التكوين، القدرة.
ينظر: الهداية في أصول الدين: الورقة 315، التوحيد: الورقة 24 ب وما بعدها، تبصرة الأدلة: الورقة 58.
(66) لأن بقاء الله تعالى حينئذ يكون محتاجا إلى بقاء الذي هو قائم بذاته، ينظر: النسخة المرعشية: ورقة 30، لوحة
ب. الهامش الأعلى.
(67) لأنه يلزم من ذلك، أن الاثنين يكونان محتاجين: الذات إلى البقاء والبقاء إلى الذات، بنظر: النسخة المرعشية:
ورقة 30، لوحة ب، الهامش الأعلى.
(68) أي: كل صور البقاء التي تقال.
51

[3]
وقد أشار مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى نفي هذه المعاني (69)، في
قوله: (.. فمن وصف الله.. فقد حده، ومن حده فقد عده (70)).

(69) أي: التي قال بها من مثل الأشاعرة.
(70) ينظر: النهج لابن أبي الحديد: ج 1 ص 73.
52

المسألة السادسة
في: أفعاله تعالى.
وفيه: مباحث
الأول
في: الحسن والقبح (71)
الفعل: إما أن يكون للعالم به المتمكن منه أن يفعله، أو لا.
والثاني: هو القبيح، وهو: ما يستحق فاعله الذم.
والأول: هو الحسن. ما لا ذم على فعله.
وينقسم: إلى المباح والمكروه، وهو ما لا صفة له زايدة على جنسه.
وإلى المندوب، وهو ما يستحق فاعله المدح، ولا يذم على تركه.
وإلى الواجب: وهو ما يستحق فاعله المدح، ولا يستحق تاركه الذم.
وقد اختلف المسلمون في هذه المسألة اختلافا عظيما،
فذهب جماعة منهم إلى: أن الحسن والقبح عقليان (72).
وقال آخرون: إنهما سمعيان لا عقليان، وهم الأشاعرة (73).

(71) ينظر: قواعد المرام: ص 104، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 45.
(72) ينظر: المستصفى: 1 / 127.
(73) ينظر: الأصول العامة للفقه المقارن: ص 284، مباحث الحكم عند الأصوليين: 1 / 168.
53

والأول أحق لوجوه:
منها: إنكار الحكم الضروري (74)، فإن كل عاقل يحكم بحسن الصدق
النافع، وقبح الكذب الضار، وحسن رد الوديعة، والانصاف، وانقاذ الغرقى، وقبح
الظلم والتعدي وإيذاء الحيوان بغير فائدة (75)، ومن كابر في ذلك، فقد كابر مقتضى
عقله، ولو لم يكونا عقليين، لم تكن هذه الأحكام مركوزة في عقول العقلاء.
وثانيها: إنا نعلم بالضرورة. من خير شخصا (76)، بين أن يصدق ويعطى دينارا،
أو يكذب ويعطى دينارا، ولا ضرر عليه فهما، فإنه يختار الصدق على الكذب
بالضرورة، ولولا جهة القبح العقلي لما اختار ذلك.
وثالثها: أن منكر الشرايع والأديان كالبراهمة، يحكمون بحسن بعض
الأشياء وقبح البعض، ولو كانا شرعيين لما كان كذلك.
ورابعها: إنا نعلم بالضرورة، وجوب شكر المنعم، وقبح كفران النعمة (77).
وخامسها: إن معرفة الله تعالى واجبة، وليس مدرك الوجوب السمع لأن
معرفة الإيمان، يتوقف على معرفة الموجب، فيستحيل معرفة الإيجاب قبل معرفة
الموجب، فلو أسندت معرفة الموجب به (78)، دار.

(74) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 31، لوحة أ، سطر 3: (ومنها إنكارا حكم الضروري).
(75) ينظر: المستصفى: 1 / 36.
(76) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 31، لوحة أ، سطر 8 - 9: (إن من خير بين أن يصدق..).
(77) ينظر: المستصفى: 1 / 36.
(78) وفي النسخة المرعشية: ورقة 31، لوحة ب سطر 4: (إليه)، نسخة بدل.
54

وسادسها: إن النظر واجب، وليس مدرك الوجوب السمع بل العقل،
وإلا لزم إفحام الأنبياء، لأن النبي صلى الله عليه وآله، إذا أمر المكلف
باتباعه، فقال له المكلف: لا أتبعك حتى أعرف [صدقك، وصدقك لا أعرفه بالضرورة
بل بالنظر، والنظر لا أفعله حتى أعرف] (80) ووجوبه لا أعرف إلا من قولك،
وقولك لم يثبت عندي أنه حجة، انقطع النبي عليه السلام، ولم يكن له جواب عن ذلك،
فبقي أن يكون وجوبه معلوما بالعقل لا بالسمع، فيثبت المطلوب.

(79) هذه الزيادة موجودة في النسخة المرعشية: ورقة 31، لوحة ب، سطر 7 - 8.
(80) وفي النسخة المرعشية: ورقة 31، لوحة ب، سطر 8: (.. وجوبه علي).
55

البحث الثاني
في: أنه تعالى عدل لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب (81)
[في هذه المسألة خلاف بين المسلمين
فذهبت المعتزلة: إلى أن الله تعالى عدل حكيم، لا يفعل القبيح، ولا يخل
بالواجب (82)] ومنعت الأشعرية من ذلك، وأسندوا القبايح كلها إلى الله تعالى، فلزمهم
من ذلك محالات:
منها:
امتناع الجزم بصدق أحد من الأنبياء، لأن دليل النبوة مبني على أن الله
تعالى، لما صدق النبي في دعواه الرسالة عنه بخلق المعجز على يده، وجب أن يكون
النبي صادقا.
ومع إسناد القبايح إلى الله تعالى (83)، يمتنع هذا الحكم، لجواز أن يصدق الله
تعالى الكذاب، لقصده الإضلال، أو يخلق المعجز كلما تحدى به النبي لا لغرض
تصديقه، فكيف يمكن الجزم حينئذ بصدق مدعي النبوة.

(81) ينظر: قواعد المرام: ص 111، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 49.
(82) ينظر: الفصل في الملل: 3 / 56، مقالات الإسلاميين: 2 / 55، الإبانة عن أصول الديانة: ص 60، الفرق بين
الفرق: ص 116، الملل والنحل: 1 / 61، الإنتصار للخياط: ص 49 - 60
والغريب أن هذه الجملة الطويلة: في هذه المسألة خلاف... ولا يخل بالواجب، وردت في المخطوطة
المرعشية: ورقة 31، لوحة ب، سطر 11 - 13، وهي غير موجودة في النسخة المجلسية المعتمدة: ورقة 5 لوحة
ب سطر 13. وإنما أثبتناها أعلاه، لاتفاقها وما دأب عليه العلامة، في صياغة حديثه عن سلسلة المذاهب
الكلامية في عرضه.
(83) وفي النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة أ، سطر 3: (ومع صحة إسناد القبايح إلى الله تعالى).
56

ومنها:
أنه لا يمكن الجزم حينئذ بصدقه تعالى، لأنا إذا جوزنا منه فعل القبيح -
والكذب نوع منه -، جاز أن يكون الخبر الذي أخبرنا به كاذبا.
ومع هذا التجويز، يمتنع الحكم بوجوب صدقه تعالى.
وإنما يتم العلم بصدقه لو حكمنا بامتناع الكذب عليه، وإنما صح الحكم (84)،
بامتناع الكذب عليه، لو ثبت الحكم بامتناع صدور القبيح منه تعالى، فعلم إنه
لا يمكن الحكم، بصدق الله تعالى في إخباراته، على قواعد الأشعرية، بل، على قواعد.
المعتزلة (85).
ومنها:
أنه يلزم انتفاء فائدة التكليف، فتنتفي فائدة البعثة للرسل، واللزام (86) باطل
قطعا فالملزوم مثله. (87).
بيان الملازمة: أن فائدة التكليف، هي: إيصال الثواب إلى المطيع، والتعويض
له، ودفع العقاب عنه، وإيقاعه بالعاصي (88).
وهذه الفائدة (89) إنما تتم، لو علمنا أن الله تعالى لا يفعل القبيح، لأنه لو
جاز منه صدور القبيح، أمكن أن لا يوصل الثواب إلى مستحقه، وأن يمنع المطيع عن
حقه، وأن يثيب العاصي بأبلغ أنواع الثواب.

(84) وفي النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة أ، الهامش الأيمن: (يصح)، بدلا من: (صح).
(85) وفي النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة أ، سطر 10: (بل، لا يمكن إلا على قواعد المعتزلة).
(86) أي: انتفاء فايدة التكليف، وانتفاء فائدة البعثة، ينظر: الهامش الأسفل للمخطوطة المرعشية: ورقة 32، لوحة
ب.
(87) أي: صدور فعل القبيح، ينظر: المصدر السابق نفسه.
(88) وفي النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، سطر 1: (وإيقاعه بالمعاصي)، وهو الصحيح.
(89) أي: فائدة التكليف وإيصال الثواب، (النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، الهامش الأعلى).
57

ولو جوزنا ذلك (90): لم يحصل الجزم، بل ولا الظن، للمطيع بالانتفاع
بطاعته، ولا للعاصي التضرر بمعصيته، فيمتنع المطيع من الطاعة (91)، ويقدم العاصي
على المعصية، ولا شك في فساد ذلك.
ومنها:
أنه يلزم تجويز وصف الله تعالى بالظلم والجور والعدوان، واللازم باطل (92)
تعالى الله عنه، فالملزوم مثله (93).
بيان الملازمة: أنه لو جاز صدور القبيح عنه، أمكن أن يمنع المستحق عن
حقه، وأن يقع منه الظلم والجور والعدوان، لأنها من جملة القبايح، ولا شك في امتناع
ذلك.
وقد نص الله تعالى في قوله (94): * (وما ربك بظلام للعبيد (95)) * * (وما الله يريد
ظلما للعباد (96)) *، * (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين (97)) * * (ولا يظلم ربك
أحدا (98)) *، * (لا ظلم اليوم (99)) *، إلى غير ذلك من الآيات.

(90) أي: صدور القبيح عن الله، (النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، بين سطري 4 - 5).
(91) والمأنوس في الاستعمال أكثر أن يقال: فيمتنع المطيع عن الطاعة، تعديا بالحرف (عن).
(92) أي: تجويز وصف الله بالظلم، (النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، بين سطري 7 - 8).
(93) أي: صدور القبيح من الله، مثله في البطلان: ينظر: المخطوطة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، بين سطري 7 - 8،
و 8 - 9.
(94) وفي النسخة المرعشية: ورقة 32، لوحة ب، سطر: (وقد نص الله تعالى عن ذلك في قوله:..).
والمراد بعبارة: (عن ذلك)، أي: امتناع المذكورات عن الله تعالى، (هامش النسخة المرعشية: ورقة 32،
لوحة ب، الهامش الأيسر).
(95) سورة فصلت: الآية 47.
(96) سورة غافر، الآية 32.
(97) سورة الزخرف، الآية 77.
(98) سورة الكهف، الآية 50.
(99) سورة غافر، الآية 18.
58

فلينظر العاقل في نفسه!! هل يجوز تقليد من يلتزم هذه المقالات الشنيعة
المحالة؟ وهل يكون معذورا عند الله تعالى بتقليد أمثال هؤلاء، وأن يجعلهم العاقل
واسطة بينهم وبينه تعالى؟ وهل أحد من الرسل والأنبياء صار إلى ذلك أو أشار الله
تعالى في بعض كتبه بذلك (100).
البحث الثالث
في: أن الله تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي (101)
هذه مسألة قد اختلف المسلمون فيها.
فذهبت المعتزلة: إلى أن الله تعالى، يريد الطاعات من العبد، بأن يوقعها
العبد اختيارا منه غير مجبر له عليها، ويكره منه إيقاع المعاصي (102).
وقالت الأشاعرة: إن الله تعالى مريد لجميع الكائنات، سواء كانت طاعة
أو معصية، حسنا كان الواقع أو قبيحا، وكاره لجميع ما لم يوجد، سواء كان طاعة أو
معصية، حسنا كان غير الموجود أو قبيحا.

(100) أي: إلى مثل ذلك القول من الأشعرية.
(101) ينظر: قواعد المرام: ص 112، وكتاب النافع في يوم الحشر: ص 47.
(102) ينظر: نهاية الإقدام: ص 79 و 254، الإبانة عن أصول الديانة: ص 60 و 64، أصول الدين: ص 147،
المنية والأمل للمرتضى: 43.
59

والثاني باطل لوجوه:
أحدها: أنه لو كان مريدا لجميع الكائنات، ومن جملتها القبايح، لكان
مريدا للقبايح، وإرادة القبيحة قبيحة (103)، والله تعالى لا يصدر عنه القبيح، فلا يكون
مريدا للقبايح (104)، ولو كان كارها لجميع ما لم يوجد، ومن جملته الطاعات، لكان كارها
للطاعة، وكراهة الطاعة قبيحة، والله تعالى لا يصدر عنه القبيح.
وثانيها: أنه لو كان مريدا لجميع الكائنات، وكارها لجميع المعدومات، لكان
آمرا بما لا يريد من الطاعة المعدومة (105)، وناهيا عما يريده من القبايح الموجودة. وأمر
الانسان بما يكرهه (106)، ونهيه عما يريده، قبيح عند العقلاء، والله تعالى لا يصدر عنه
القبيح على ما تقدم.
وثالثها: قوله تعالى: * (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها (107)) *، فقد
أثبت كراهة هذه القبايح، وهو يخالف مذهبهم.
ورابعها: أنه لو كان مريدا الكفر من الكافر، والمعصية من العاصي، لكانا
مطيعين لله تعالى، حيث فعلا مراد الله تعالى، ولو كره الإيمان والطاعة منهما، لكانا
مطيعين له، حيث تركا ما يكرهه الله تعالى، وهو محال.
وخامسها: كيف يريد الله تعالى الكفر من الكافر ثم يعاقبه عليه؟ وكيف
يكرهه الإيمان، ثم يعاقبه على تركه (108)؟

(103) في المخطوطة المرعشية: ورقة 33، لوحة أ، سطر 12: (وإرادة القبيح)، بدون تاء التأنيث.
(104) في المصدر نفسه: سطر 13: (مريدا للقبيح)، بصيغة المفرد وليس الجمع.
(105) وفي النسخة المرعشية: ورقة 33، لوحة ب، سطر 3: (من الطاعات المعدومة).
(106) والذي في المصدر نفسه: سطر 4: (وأمر الانسان غيره بما يكره).
(107) سورة الإسراء، الآية 39.
(108) في النسخة المرعشية: ورقة 33، لوحة ب، سطر 12: (وكيف يكره منه الإيمان، ثم يعاقب على تركه؟).
60

البحث الرابع
في: أن الله تعالى يفعل لغرض وغاية (109)
[اختلف المسلمون في ذلك
فذهب المعتزلة: إلى أن الله تعالى إنما يفعل لغرض وغاية (110)]، وحكمة
مقصودة، إما معقولة لنا، أو خفية عنا، لكن، لا يفعل إلا لحكمة وغرض (111).
وقالت الأشاعرة: إن الله تعالى، يستحيل أن يفعل شيئا، لغرض وغاية
البتة، فلم يخلق العين للأبصار، ولا الأذن للسمع، ولا الحواس للإدراك بها، ولا
الأغذية للانتفاع بها، ولا الأدوية لإزالة الضرر بها، ولم يخلق النار للإحراق، ولا
الشمس للإشراق، ولا الغذاء للتغذي به، ولا الملاذ للالتذاذ بها، وبالجملة لم يخلق شيئا
لغاية البتة.
وهذا القول باطل لوجوه:
الأول:
أنه يلزم منه العبث في فعله تعالى، لأنه لا معنى للعبث إلا الفعل الخالي من
الغاية والغرض، وهو محال على الله تعالى.

(109) ينظر: قواعد المرام: ص 110، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 51.
(110) هذه الجملة غير موجودة في النسخة المجلسية المعتمدة: ورقة 6 لوحة ب سطر 4، وإنما هي موجودة في النسخة
المرعشية: ورقة 33، لوحة ب، سطر 13 - ورقة 34، لوحة ب، سطر 1.
(111) ينظر: مقالات الإسلاميين: 1 / 251، 253.
61

الثاني:
أنه يلزم منه الظلم. لأنه إذا كلف العبد لا لغرض الإفادة، وألزمه مشاق
التكليف لا لمنفعة في الدنيا، ولا في الآخرة. كان ذلك محض الظلم، وهو تعالى منزه عن
ذلك.
الثالث:
أنه يلزم منه إبطال النبوة (112)، وذلك موجب الكفر.
بيان ذلك: أن دليل النبوة مبني على مقدمة، وهي أن الله تعالى، خلق المعجز
على يد مدعي الرسالة، لغرض التصديق، لأنه لو فعله لا لذلك، لم يكن دليلا على
التصديق.
وتمثل المسلمون في ذلك: بمدعي رسالة ملك، وقال له أيها الملك: إن كنت
صادقا في مقالتي فقم، ليعرف الناس صدق مقالتي، فقام ذلك الملك طلبا
لتصديقه (113)، وفعل ذلك عدة مرار، فإن الناس يجزمون بصدقه. ولو قام الملك في كل
مرة، لغرض غير التصديق، كالملال من ذلك المكان، وإرادة قضاء الحاجة (114)،
وغير ذلك، لم يدل على صدقه.
وصار بمنزلة ما لو ادعى شخص رسالة رب العالمين. وقال: يا الله، إن كنت
صادقا، فاطلع الشمس غدا من المشرق. فطلعت على عادتها فيه (115)، لم يكن دليلا
على صدقه، حيث لم يفعله تعالى لغرض تصديقه، فإذا انتفى الغرض عندهم،
استحال العلم بصدق مدعي النبوة.

(112) في المخطوطة المرعشية: ورقة 34، لوحة أ، سطر 13: (إبطال دليل النبوة)، بزيادة كلمة (دليل).
(113) وفي النسخة المرعشية: ورقة 34، لوحة ب، سطر 5: (طلبا لتصديق).
(114) كناية عن الذهاب إلى الخلاء، أو ما يسمى: المرحاض، أو المرافق، أو الأدب، أو (التواليت).
(115) في النسخة المرعشية: ورقة 34، لوحة أ، سطر 9: (على عادتها منه).
62

واعلم. أن الأشاعرة التزموا بحكمين، أبطلوا بهما مقدمتي دليل النبوة
معا (116).
الحكم الأول:
إنهم جوزوا: وقوع القبيح من الله تعالى. فلم يمتنع حينئذ منه، إضلال
الخلق، فلا يلزم صدق من صدقه الله تعالى، لجواز أن يصدق الكاذب.
الثاني:
أنهم قالوا: إن الله لا يفعل لغرض (117).
ودليل النبوة هكذا:
إن الله تعالى فعل المعجز لأجل التصديق.
وكل من صدقة الله تعالى فهو صادق.
والمقدمة الثانية (118): تبطل بالحكم الأول. (119)
والمقدمة الثانية (120): تبطل بالحكم الثاني (121).

(116) أي: خلق المعجز على يد مدعي الرسالة، لغرض التصديق، والثاني: كل من صدقه الله، فهو صادق،
(المخطوطة المرعشية: ورقة 34، لوحة ب، الهامش الأيمن).
(117) وفي النسخة المرعشية: ورقة 35، لوحة أ، سطر 1 - 2: الحكم الثاني: إنهم قالوا: إن الله تعالى لا يفعل لغرض.
(118) أي: كل من صدقه الله فهو صادق، (المخطوطة المرعشية: ورقة 35، لوحة أ، بين سطري 3 - 4).
(119) أي: جوزوا فعل القبيح على الله، نفس المصدر السابق).
(120) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 35، لوحة أ، سطر 4: والمقدمة الأولى، ويبدو: أن هذا هو الصحيح.
وبين سطري 4 - 5 من نفس المصدر: (أي: خلق المعجز لأجل التصديق).
(121) أي: إن الله تعالى لا يفعل لغرض، (المخطوطة المرعشية: ورقة 35، لوحة أ، الهامش الأيسر).
63

الرابع:
أنه تعالى قد نص في كتابه العزيز، على ثبوت الغرض في أفعاله، فقال عز
من قائل: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (122)) *، * (وما خلقنا السماء والأرض
وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا (123)) *، * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما
لاعبين (124)) *، * (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا (125)) *: * (اليوم تجزى كل نفس بما
كسبت (126)) *، * (لتجزى كل نفس بما تسعى (127)) *، * (فبظلم من الذين هادوا
حرمنا عليهم طيبات (128)) *، إلى غير ذلك.
البحث الخامس
في: أن العبد فاعل (129)
اختلف الناس في ذلك.
فذهبت جماعة: إلى أن العبد فاعل بالاختيار.

(122) سورة الذاريات، الآية 57.
(123) سورة ص، الآية 28.
(124) سورة الأنبياء، الآية 17.
(125) سورة المؤمنون، الآية 116.
(126) سورة غافر، الآية 17.
(127) سورة طه، الآية 16.
(128) سورة النساء، الآية 161.
(129) ينظر: قواعد المرام: ص 107، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 47.
64

وقال آخرون: إن الأفعال والموجودات والكائنات، كلها واقعة من الله
تعالى (130).
والحق الأول لوجوه:
أ / (131)
إن الضرورة قاضية بالفرق بين أفعالنا الاختيارية والاضطرارية، فإنا نفرق
بالضرورة بين حركتنا يمنة ويسرة، وبين الطيران إلى السماء والوقوع من شاهق، ولو
كانت الأفعال كلها صادرة من الله تعالى، انتفى الفرق بينهما، وهو معلوم البطلان
بالضرورة.
ب /
إن أفعالنا تقع بحسب قصودنا ودواعينا، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا،
فإنا إذا أردنا الحركة يمنة، أوجدناها كذلك لا يسرة، وإذا أردنا الصعود، وقع لا
النزول، وإذا أردنا الأكل، وقع لا الشرب، وهذا الحكم كله ضروري (132)، ولو كانت
الأفعال صادرة من الله تعالى، لم يكن كذلك، بل، جاز أن يقع وإن كرهناها، وأن
لا يقع وأن أردناها.

(130) ينظر: الفرق بين الفرق: ص 128، والملل والنحل: 1 / 108، والتبصير في الدين: ص 96، والفصل في الملل
والنحل: 3 / 22، ومقالات الإسلاميين: ص 294، والتنبيه والرد: ص 12.
(131) وفي النسخة المرعشية: ورقة 35، لوحة ب، ورقة 36، لوحة ب: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس،
السادس، السابع، بدلا من: أ، ب، ج، د، ه‍، و، ز.
(132) وفي النسخة المرعشية: ورقة 35، لوحة ب، سطر 8: (وهذه الحكم كل ضروري).
65

ح /
إن الله تعالى قد كلفنا بإيقاع أفعال، والامتناع عن أفعال.
فإما أن يكون ما كلفنا به - إيجادا أو إعداما -، مقدورا لنا أو لا يكون.
والثاني: يلزم منه تكليف ما لا يطاق: وهو قبيح عقلا وممتنع سمعا، قال تعالى:
* (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (133).
والأول: يلزم منه المطلوب، لأن القادر هو الذي يصح منه وقوع الفعل.
د /
هاهنا أفعال واقعة بعضها طاعات وبعضها معاص.
فإما أن تكون صادرة من العبد خاصة، فثبت المطلوب.
وإما أن تكون صادرة من الله تعالى خاصة، فيقبح تعذيب العبد وإثابته، لأن
نسبته إليها كنسبة غيره (134)، حيث لا فعل له فيها.
وإما أن تكون صادرة منهما، فيقبح اختصاص العبد بالثواب والعقاب أيضا،
فإنه ينافي مطلوبهم، حيث قالوا: لا مؤثر إلا الله تعالى، وأيضا إذا جاز أن يكون للعبد
تأثير ما، جاز إسناد أفعاله إليه.
وإن لم يكن من العبد ولا من الله تعالى، قبح تكليف العبد بها، وإثابته عليها،
ومؤاخذته على فعلها.

(133) سورة البقرة، الآية 287.
(134) كما كان غير الله فاعل الفعل، الذي هو طاعة أو معصية، وغيره لا يصدر منه شئ، فرجوع الثواب والعقاب
إليه قبيح، (المخطوطة المرعشية: ورقة 36، لوحة أ، الهامش الأيمن).
66

ه‍ /
إن القرآن مملو بإسناد الأفعال إلى العباد، والتوعد عليها والمؤاخذة، وإنما
يصح ذلك لو أسندت أفعالنا إلينا.
و /
إنا نفرق بين من أحسن إلينا ومن أساء (135)، ونمدح الأول ونذم الثاني، وهذا
مركوز في عقول الناس حتى الأطفال والمجانين، بل، والبهائم أيضا، وما أحسن قول
أبي الهذيل العلاف (136): حمار بشر أعقل من بشر، لأن حمار بشر لو أتيت به إلى
جدول صغير (137)، وكلفته عبوره فإنه يعبره، ولو أتيت به إلى جدول كبير وضربته
وكلفته العبور لم يعبره، لأنه فرق بين ما يقدر عليه فأجاب إليه وأطاع، وبين
ما لا يقدر عليه فامتنع من الانقياد إليه.
ز /
إنه يلزم أن يكون الله تعالى، أضر على العبد من الشيطان، لأن الله لو خلق
الكفر في العبد، ثم عذبه عليه، كان أضر من الشيطان، الذي لا قدرة له على العبد،
سوى التخييل والتزيين والوسوسة، وكان يجب أن يستعاذ بالشيطان من الله تعالى لا
أن يستعاذ بالله تعالى من الشيطان.

(135) وفي النسخة المرعشية: ورقة 36، لوحة أ، سطر 12: (وبين من أساء)، بزيادة بين ثانية.
(136) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي مولى عبد القيس، من أئمة المعتزلة، ولد في البصرة سنة
135، واشتهر بعلم الكلام. كان حسن الجدل قوي الحجة، سريع الخاطر. كف بصره في آخر عمره، وتوفي
بسامراء عام 235 ه‍، له كتب كثيرة منها: ميلاس كتاب سماه على اسم يهودي أسلم على يده.
الأعلام: 7 / 355 بتصرف واختصار.
(137) وفي النسخة المرعشية: ورقة 36، لوحة ب، سطر 2: (.. إذ أتيت به..).
67

البحث السادس
في: وجوب الرضا بقضاء الله تعالى
هذا البحث فرع على صدور الفعل من العبد، فمن أثبت للعبد فعلا، قال:
بأن الرضا بقضاء الله تعالى واجب، ومن جعل الأفعال كلها مستندة إلى الله تعالى،
لزمه خلاف الاجماع، لدلالة الاجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى.
وإذا كان قد خلق الكفر في العبد (138)، لم يجز الرضا به، لأن الرضا بالكفر
حرام بالإجماع، فلا يكون واجبا، وإلا، (139) لزم أن يكون واجبا حراما، وهو محال.
فإذن القول بوجوب الرضا بقضاء الله وقدره، إنما يصح لو استندت أفعال
العباد إليهم، لا إلى الله تعالى.
البحث السابع
في: أن الله لا يعذب الغير على فعل لا يصدر منه
اختلف المسلمون هنا.
فذهب طائفة: إلى أن الله تعالى لا يعذب أحدا من خلقه، إلا على فعل
يصدر عنه ويستحق بسببه العقاب.

(138) وفي النسخة المرعشية: ورقة 36، لوحة ب، سطر 13: (فإذا كان..)، بإبدال الواو فاء.
(139) أي: إن لم يكن الرضا بالكفر حرام، (الهامش الأعلى للمخطوطة المرعشية: ورقة 37، لوحة أ).
68

وذهب آخرون: إلى أن الله تعالى، إنما يعذب العبد على فعل لا يصدر عن
العبد، بل، يكون صادرا من الله تعالى.
والأول أصح
وإلا لزم الظلم والجور والعدوان من الله تعالى: فإن كل عاقل [يحكم
بظلم كل من يفعل فعلا، فيعاقب غيره عليه، فيجب على كل عاقل: (140)] أن ينزه
نفسه عن هذه المقالة
وإلا، فإن من له أدنى بصيرة، يحكم حكما ضروريا بأن الله تعالى، يقبح منه
تعذيب الأطفال، على ألوانهم وخلقهم وصورهم، بأعظم مراتب العذاب، وأنه لو فعل
ذلك، لكان من أعظم الجائرين، تعالى الله عن ذلك، ولا فرق بين فعل العبد ولونه،
فإنهما جميعا صادران منه تعالى عندهم

(140) هذه العبارة ساقطة من النسخة المجلسية: ورقة 7، لوحة ب، سطر 14، ومكانها فقط: (فإن لكل عاقل أن
ينزه نفسه..)، بينما هي موجودة في المخطوطة المرعشية: ورقة 37، لوحة أ، سطر 9 - 10، والصحيح يبدو:
بجانب المرعشية.
69

البحث الثامن
في: أن إرادة النبي (صلى الله عليه وآله) موافقة لإرادة الله تعالى
وكراهته موافقة لكراهته تعالى (141)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما يريد ما يريد الله تعالى
من العبد، ويكره ما يكرهه الله تعالى.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن النبي صلى الله عليه وآله، وسلم يريد من العبد
ما يكرهه الله تعالى، ويكره منه ما يريده الله تعالى. حيث ذهبوا إلى أن الله تعالى يريد
جميع الكائنات، ويكره جميع المعدومات، وكفر الكافر مراد لله تعالى وكره الله منه
الإيمان، [وكذا، أراد من العاصي العصيان، وكره منه الطاعة، والنبي (صلى الله عليه
وآله) قد أراد من الكافر الإيمان (142)] ومن العاصي الطاعة، فلم يجب على مقتضى
مذهبهم، موافقة الإرادتين، ولا الكراهتين (143)، ولا شك في بطلان هذا المذهب.

(141) ينظر: قواعد المرام: ص 122.
(142) هذه العبارة ساقطة من النسخة المجلسية: ورقة 8، لوحة أ، سطر 1، ومكانها فقط: (وكره الله منه الإيمان ومن
العاصي الطاعة)، بينما هي موجودة في المخطوطة المرعشية: ورقة 37، لوحة أ، سطر 8 - 9، والصحيح يبدو:
بجانب المرعشية.
(143) وفي النسخة المرعشية: ورقة 37، لوحة ب، سطر 10: (والكراهتين)، بدون (لا) النافية.
70

المسألة السابعة
في: النبوة
وفيه: مباحث
البحث الأول
في: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يجب أن يكون معصوما (144)
[اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة منهم: إلى أن النبي يجب أن يكون معصوما (145)]، من الخطأ
والمعصية، صغيرة كانت أو كبيرة.
وذهب آخرون إلى: أنه لا يجب ذلك فيهم، فجوزوا على النبي عليه السلام:
سرقة درهم، وحبة، والكذب، والتطفيف في الكيل، وغير ذلك من الفواحش (146).
والأول أصح!! وإلا، لجاز منه الإخلال ببعض الشرايع، والزيادة في بعضها،
والتحريف والتبديل، والكذب على الله تعالى. فينتفي الوثوق بأخباره (147)، ويسقط

(144) ينظر: قواعد المرام: ص 125، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 65، كما أن هناك بحثا ممتعا بهذا الصدد، في
كتاب الأصول العامة للفقه المقارن، لأستاذنا الجليل الحجة السيد محمد تقي الحكيم.
(145) هذه الزيادة موجودة في النسخة المرعشية: ورقة 37، لوحة ب، سطر 12 - 13، ولم ترد في النسخة المجلسية
المعتمدة: ورقة 9 لوحة أ سطر 2 - 3.
(146) قال العلامة: مذهبنا: إن الأنبياء معصومون، عن الكفر والبدعة خلافا للفضيلية، وعن الكبائر خلافا
للحشوية، وعن الصغائر عمدا خلافا لجماعة من المعتزلة، وخطأ في التأويل خلافا للجبائيين، وسهوا خلافا
للباقين، (مبادئ الوصول إلى علم الأصول - طبعة 1404 ه‍ -: ص 171.)
(147) المخطوطة المرعشية: ورقة 38، لوحة أ، سطر 5: بإخباراته.
71

محله من القلوب، ولا يحصل الجزم بصدقه، بل، ولا الظن. فلا تحصل فائدة البعثة.
ولأنه إذا فعل معصية. وجب الانكار عليه، وإيذاؤه وزجره عنها، وذلك
ينافي: وجوب طاعته، والقبول منه وتحريم إيذائه.
وأي عاقل يرتضي لنفسه الانقياد، إلى تقليد من يعتقد هذه المقالة، ويجعله
واسطة بينه وبين الله تعالى.
وأي عذر يكون له عند النبي صلى الله عليه وآله، إذا جمع المحشر بينهما،
واضطر إلى شفاعته، وقد اعتقد فيه هذه النقايص.
البحث الثاني
في: أنه لا يجوز عليه السهو (148)
اختلف المسلمون هنا.
فذهبت طائفة: إلى أن النبي صلى الله عليه وآله، لا يجوز عليه الخطأ، ولا
السهو (149).
وذهبت طائفة أخرى: إلى جواز ذلك، حتى قالوا: إن النبي (صلى الله عليه
وآله)، كان يصلي الصبح يوما، فقرأ مع (الحمد)، (والنجم إذا هوى)، إلى أن وصل إلى
قوله تعالى: * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * (150)، قرأ: (تلك
الغرانيق الأولى (151)، منها الشفاعة ترتجى):

(148) ينظر: قواعد المرام: ص 125.
(149) وفي النسخة المرعشية: ورقة 38، لوحة أ، سطر 11 - 13: (لا يجوز عليه السهو والخطأ).
(150) سورة النجم، الآية 20.
(151) والوارد في أسطورة الغرانيق: (العلى)، بدلا من (الأولى).
72

(ثم استدرك (152))،
وهذا في الحقيقة كفر.

(152) وأقول: ممن أتى على أسطورة الغرانيق من المحدثين: البحاثة الحجة السيد مرتضى العسكري، فوفق إلى
بيان بطلانها واختلاقها: متنا، وسندا.
كما نقل عن محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311) قوله عن روايات الغرانيق: إنها من وضع الزنادقة،
وقد صنف فيها كتابا.
نقل ذلك - أي: قول محمد بن إسحاق بن خزيمة - بنصه: الرازي (ت 606 ه‍) في تفسيره، الطبعة
المصرية، ج 23 ص 50.
ويراجع كذلك: حاشية الصاوي (ت 1241 ه‍)، على تفسير الجلالين، طبعة بيروت سنة 1358 ه‍، ج 3
ص 106.
وفتح القدير للشوكاني (ت 1250 ه‍)، طبعة القاهرة سنة 1385 ه‍، ج 3 ص 462.
هذا، وقد توهم كل من الآلوسي (ت 1270 ه‍)، وتاج الدين (ت 749 ه‍)، وأبو حيان (ت 745) في
تفاسيرهم، حيث ظنوا أن ابن إسحاق هذا: إنما هو صاحب السيرة، أعني: محمد بن إسحاق بن يسار المدني،
المتوفى سنة 151 ه‍، في حين أنه هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي، لا غير.
وللزيادة في التوسع ينظر:
الإرشاد، مجلة إسلامية جامعة - كانت تصدر في مشهد - إيران، العدد الأول، السنة الأولى، 1400 هجرية،
ص 7 - 9.
والعدد الثاني، السنة الأولى، 1400 ه‍، ص 16 - 26.
والعدد الأول، السنة الثانية، 1401 ه‍، محرم وصفر، ص 7 - 14.
والعدد الثاني، السنة الثانية، 1401 ه‍، ربيع الأول وربيع الثاني، ص 9 - 13.
وتفسير علي بن إبراهيم: ص 441، والدر المنثور للسيوطي: 4 / 366 - 368، وتفسير البرهان: 3 / 99،
وتفسير الطبري: 17 / 131 - 134، وطبقات ابن سعد: 1 / 154، 1 / 130، 1 / 156 - بخصوص موقف النبي
من الأصنام ومحاربته لها طوال حياته -، وتفسير غرائب القرآن - طبعة البابي الحلبي بمصر -، ومعجم ألفاظ القرآن
الكريم - الطبعة الثانية -:، والموضوعات لابن الجوزي - طبعة المدينة المنورة سنة 1386 ه‍: 1 / 37 - 38،
والأصنام للكلبي - تحقيق أحمد زكي، طبعة القاهرة سنة 1384 ه‍: ص 19، ومحمد الرسول والسياسي - الترجمة
الفارسية لإسماعيل والي زاده -: ص 33، وكذلك: ص 76 - 78، وغيرها.
هذا، وهناك مخطوط بدار الكتب المصرية، يحمل رقم: 1 / 64، باسم: (منهل التحقيق في مسألة الغرانيق)، للشيخ
أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف بن عمر الملوي المجيري، ينظر: الأعلام - ط 4 -: 1 / 152
73

وأنه صلى يوما العصر ركعتين وسلم، ثم قام إلى منزله، فتنازعت الصحابة في
ذلك، وتجاذبوا في الحديث، إلى أن طلع النبي صلى الله عليه وآله، فقال: فيم حديثكم؟
فقالوا: يا رسول الله: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم يقصر ولم أنس (153)، فما
شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله! صليت العصر ركعتين. فلم يقبل النبي حتى شهد بذلك
جماعة، فقام وأتم صلاته (154)، وهذا المذهب في غاية الرداءة.

(153) وفي النسخة المرعشية: ورقة 38، لوحة ب، سطر 6: (لم اقصر ولم أنس).
(154) روى مسلم فقال: حدثني عمرو الناقد، وزهير بن حرب، جميعا عن ابن عيينة، قال عمرو: حدثنا سفيان بن
عيينة، حدثنا أيوب، قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي (أ): إما الظهر، وإما العصر، فسلم في ركعتين، ثم أتى جذعا (ب)، في
قبلة المسجد فاستند إليها مغضبا، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سرعان الناس (ج)،
قصرت الصلاة (د).
فقام ذو اليدين (ه‍) فقال: يا رسول الله!! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم
يمينا وشمالا، فقال: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر ثم سجد،
ثم كبر فرفع ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع.
قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم.
أ - (العشي)، قال الأزهري: العشي عند العرب: ما بين زوال الشمس وغروبها.
ب - (أتى جذعا) هكذا هو في الأصول: فاستند إليها. والجذع مذكر ولكنه أنثه على إرادة الخشبة،
وكذا جاء في رواية البخاري وغيره: خشبة.
ج - (وخرج سرعان الناس قصرت الصلاة)، يعني يقولون: قصرت الصلاة، والسرعان، بفتح السين
والراء، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة، وكذا ضبطه المتقنون، والسرعان:
المسرعون إلى الخروج، وضبطه الأصيلي في البخاري بضم السين وإسكان الراء. ويكون جمع سريع: كقفيز
وقفزان. وكثيب وكثبان.
د - (قصرت الصلاة) بضم القاف وكسر الصاد، وروي بفتح القاف وضم الصاد، وكلاهما صحيح،
ولكن الأول أشهر وأصح.
ه‍ - (ذو اليدين) لطول كان في يديه. وهو معنى قوله: بسيط اليدين.
صحيح مسلم: م 1 ص 403.
وللتوسع، ينظر أيضا: صحيح البخاري: ج 1 ص 148 - باب من يكبر في سجدتي السهو -، والمصدر
نفسه: ج 1 ص 145 - باب ما يجوز من العمل في الصلاة -، وصحيح مسلم: ج 2 ص 87 - باب السهو في
الصلاة -، والمصدر نفسه: 2 / 138 - باب قضاء الصلاة الفائتة -، ومن لا يحضره الفقيه - ط 2 سنة 1392 ه‍
- ج: 1 ص 358 - 360 رقم 1031، وتنقيح المقال: 1 / 397، والإصابة: 1 / 477، والكنى والألقاب:
2 / 238، والدر المنثور للعاملي: 1 / 107 - 120 (وفيه أثبت اضطراب متن حديث سهو النبي وسنده).
74

والحق: الأول، لوجوه:
فإنه لو جاز عليه السهو والخطأ، لجاز ذلك في جميع أفعاله، ولم يبق وثوق
بإخباراته عن الله تعالى، ولا بالشرايع والأديان، جواز أن يزيد فيها وينقص
سهوا (155)، فتنتفي فائدة البعثة.
وفي المعلوم بالضرورة (156): أن وصف النبي صلى الله عليه وآله بالعصمة،
أكمل وأحسن من وصفه بضدها، فيجب المصير إليه، لما فيه من الاحتراز عن الضرر
المظنون، بل، المعلوم (157).

(155) وفي النسخة المرعشية: ورقة 38، لوحة ب، سطر 10: لجواز، بدلا من جواز.
(156) المصدر نفسه: سطر 11: (ومن المعلوم)، بجعل (من).
(157) قال الحجة السيد حسن الخرسان: الكلام في مسألة سهو النبي (صلى الله عليه وآله)، مبسوط في كتب
المقالات والكلام، ومذهب الشيعة في ذلك: نفيه عنه (صلى الله عليه وآله)، وإجماعهم على ذلك، إلا من شذ،
كالصدوق وشيخه، وقد كتب في ردهما - وتفنيد ما استند إليه من أخبار آحاد، لا توجب علما ولا عملا - كثير
من العلماء الأعلام،
وفي مقدمتهم: الشيخ المفيد محمد بن النعمان قدس سره، والسيد المرتضى، وقد كتب أحدهما رسالة مفردة،
في الرد على الصدوق في هذه المسألة، وقد أدرجها بتمامها الحجة المجلسي قدس سره، في البحار: 6 / 297،
كما أنه قد فصل الكلام في المسألة، وأطنب في بيان شذوذ تلك الأخبار التي استند إليها القائلون بالسهو.
وكذلك رده الحجة السيد عبد الله شبر (قدس سره)، في كتابه حق اليقين: 1 / 93، ومصابيح الأنوار:
2 / 133،
ولم يقتصر رد الصدوق في هذه المسألة على الكتب الكلامية فحسب، بل، تجد رده في كثير من الكتب
الفقهية أيضا، راجع: التذكرة، والمنتهى، للعلامة الحلي وغيرهما، ينظر: من لا يحضره الفقيه: 1 / 234 الهامش
وطبعة 1392 ه‍: 1 / 358 - 360 رقم 1031.
75

البحث الثالث
في: أنه يجب أن يكون منزها عن جميع
ما يوجب النقص في المروة والشرف والدين (158)
اختلف المسلمون هنا.
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله)، عن جميع
النقايص والدناآت والرذايل، وما يوجب نقصا في الدين، والمروة والشرف والحسب (159).
وذهبت طائفة: إلى أنه لا يجب ذلك، وجوزوا وصفه بضد ذلك.

(158) ينظر: قواعد المرام: ص 127، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 67.
ثم أقول: المروة والمرؤة، كلاهما واحد.
(159) ينظر: تنزيه الأنبياء: ص 3.
76

كما رووا عنه: أنه جاء يوما إلى سباطة قوم، فبال قائما (160)، ولو وصف واحد
منا غيره بأنه يبول قائما، لحصل له الكدر بذلك والانفعال عنه.

(160) قال أبو عبيد: قال الأصمعي: السباطة: نحو من الكناسة، كما في تهذيب اللغة للأزهري: ج 12 ص 344.
وقال الزمخشري: السباطة: الكناسة، وروى المغيرة بن شعبة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) - أتى
سباطة قوم، فبال قائما وتوضأ، ومسح على ناصيته وخفيه، كما في الفائق في اللغة: ج 2 ص 146.
وأقول: يفترض في الحديث - أي حديث -، أن يعرض قبل كل شئ على القرآن، ثم بعدها يتأكد من
سلامة رواته - رجال سنده -.
علما، بأن المغيرة رجل متهم مجروح، ينظر: تاريخ الطبري: 6 / 108، والإصابة: 3 / 432، والاستيعاب -
بهامش الإصابة -: 3 / 368، وأسد الغابة: 4 / 406.
ثم لنعد إلى الموضوع ثانية فنقول: قال كاتب الواقدي - محمد بن سعد -: أخبرنا عبيد الله بن موسى،
أنا إسرائيل.
وأخبرنا الفضل بن دكين، نا سفيان.
جميعا عن: المقداد بن شريح، عن أبيه، قال: سمعت عائشة تقسم بالله: ما رأى رسول الله (صلعم) أحد
من الناس، يبول قائما، منذ نزل عليه القرآن، ينظر: كتاب الطبقات الكبير: ج 1 ق 2 ص 102 - 103،
طبعة ليدن 1333 ه‍ وأقول: ترى، بل، هل ثبت أيضا: أنه فعل ذلك قبل نزول القرآن؟ حاشاه، ثم حاشاه،
وهو الرسول المرتقب..
كذلك، لنعد إلى أصل الموضوع ثالثة: (قال ابن أبي جمهور: وروي عن حذيفة عنه (صلى الله عليه وآله):
أنه كره البول قائما، وقال: إنه (صلى الله عليه وآله): ما بال قائما قط)، ينظر: عوالي اللئالي العزيزية: ج 1 ص
31، وينظر: هامش رقم 2، من نفس الصفحة.
77

ورووا عنه: أنه لما قدم المدينة غنت له نساؤها فرقص. وأي نقص أعظم
من ذلك، مع أنه ذم على هذا الفعل في كتابه العزيز فقال: * (وما كان صلاتهم عند
البيت إلا مكاء وتصدية) * (161).

(161) سورة الأنفال: الآية 36.
قال ابن سعد: أخبرنا معن بن عيسى، فا عبد الله بن المؤمل، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة قالت:
ما اجتمع في بطن النبي - صلعم - طعامان في يوم قط، إن أكل لحما لم يزد عليه، وإن أكل تمرا لم يزد عليه، وإن أكل
خبزا لم يزد عليه، وكان رجلا مسقاما، وكانت العرب تنعت له فيتداوى بما تنعت له العرب، وكانت العجم تنعت له
فيتداوى، (كتاب الطبقات الكبير: ج 1 ق 2 ص 116).
ترى هل صحيح أن النبي كان مسقاما، وهو الذي على ذلك المستوى من المسؤولية في تبليغ الرسالة..، وإذا
كان النبي (صلى الله عليه وآله) مسقاما، فمن هو السليم المعافى؟ ترى، كيف يتفق هذا وما نقل عن صفته، في التوراة
والإنجيل: (.. ليس بواهن ولا كسل..)، كما في طبقات ابن سعد نفسه: ح 1 ق 2 ص 88.
ثم ألا يوحي النص بأن امتناعه من الشبع هو سبب السقامة؟ في حين أن النبي كان في فعله هذا مواسيا
وقدوة؟ هل هذا مدح أم ذم على صورة مدح؟!
ثم كيف يتفق هذا وما نقل عن صفاته الجسمية العديمة النضير، وقوته الخارقة، حتى قيل أنه أعطي صلعم
(بضع أربعين رجلا، وأعطي كل رجل من أهل الجنة بضع ثمانين)، كناية عن القوة على الجماع، كما في طبقات ابن
سعد نفسه: ح 1 ق 2 ص 69 - 79.
أجل، كيف يتفق هذا وما نقل عن علي (عليه السلام) أنه: (إذا مشى كأنما ينحدر في صبب، وإذا مشى كأنما
ينقلع من صخر..)، كما في الطبقات نفسه: ح 1 ق 2 ص 120.
أجل، كيف يتفق هذا وما نقل عن أبي هريرة: (.. ما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول الله صلعم كأنما
الأرض تطوى له إنا نجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث..)، كما في الطبقات نفسه: ح 1 ق 2 ص 124.
طبعا يسرع حسب تعبيره وإلا فالمعروف أنه يمشي بسكينة ووقار وعن ابن عباس: أن النبي صلعم كان
لا يلتفت إلا جميعا، وإذا مشى مشى مجتمعا، ليس فيه كل، كما في الطبقات نفسه: ج 1 ق 2 ص 126.
وعن ابن عمر قال: ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله صلعم، كما في الطبقات
نفسه: ح 1 ق 2 ص 126، وينظر: ح 1 ق 2 ص 129.
وعن جابر عن محمد بن علي قال: كان رسول الله صلعم شديد البطش، كما في الطبقات: ح 1 ق 2 ص
127.
وأخيرا، ترى هو من؟ من يقول عنه أشجع العرب والعجم؟ ابن أبي طالب (عليه السلام)؟!
وكان إذا اشتد البأس، لذنا برسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!
78

ورووا عن عمر أنه قال: [قال النبي (صلى الله عليه وآله) في مرض
موته: إيتوني بدواة وقرطاس لأوصي، فقال عمر: (162)] إن الرجل ليهجر. واختلف
الصحابة الحاضرون هناك، فبعضهم صوب النبي (صلى الله عليه وآله)، وبعضهم
صوب رأي عمر (163)، وهذه منقصة عظيمة.

(162) هذه الزيادة موجودة في النسخة المرعشية: ورقة 39، لوحة أ، سطر 9 - 10، وهي مما يقتضيه السياق.
(163) ينظر: صحيح مسلم: ج 3 ص 1257 - 1259، وعوالي اللئالي العزيزية: 1 / 41.
79

ورووا عنه: أنه كان يصلي وعايشة تفرك المني من ثوبه (164)، مع أن الله تعالى
أمره (165)،
فقال: * (وثيابك فطهر (166)) *،
فكيف استقذرت عايشة ذلك، وهو عليه السلام لم ينفر نفسه منه؟!
فالواجب على المحتاط في دينه: تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله) عن هذه
النقايص فإنه أسلم عاقبة في الآخرة، وأبلغ في تعظيم حال النبي عليه السلام، الذي
ذكره عبادة وتعظيمه عبادة.

(164) صحيح مسلم: ج 1 ص 238 - 240.
وفي النسخة المرعشية: ورقة: 39، لوحة أ، سطر 13: (تفرك له المني) بزيادة (له).
(165) وفي النسخة المرعشية: ورقة 39، لوحة أ، سطر 13: (أمره بتطهير ثيابه)، بدلا من (أمره).
(166) سورة المدثر، الآية 5.
80

المسألة الثامنة
في: الإمامة (167)
اختلف المسلمون في: أن الإمام هل يجب أن يكون معصوما أم لا؟
فذهب بعضهم: إلى وجوب ذلك (168).
ومنع منه آخرون: وجوزوا إمامة الفاسق (169).

(167) ينظر: قواعد المرام: ص 177، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 17.
(168) تقول الدكتورة سميرة مختار الليثي في كتابها: جهاد الشيعة، الطبعة المصرية، ص 200، تقول:
ترى الغالبية العظمى من الفرق الإسلامية: (وجوب الإمامة)، عدا فرقة الخوارج النجدية، وأتباع هشام
الغوطي من المعتزلة، ينظر: نهاية الإقدام في علم الكلام للشهرستاني: ص 482.
وترى الشيعة الاثنا عشرية والإسماعيلية وجوب الإمامة عقلا على الله، ينظر: محصل أفكار المتقدمين
والمتأخرين للرازي: ص 176.
وللتوسع ينظر كذلك: شرح نهج البلاغة: 7 / 11 - 12، عقايد الشيعة الإمامية: ص 8، كشف المراد:
ص 217، بحار الأنوار: 11 / 72.
(169) يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: أما موقف أهل السنة، فكان أقرب إلى التسليم بالأمر الواقع staus que
دون تأييد له أو خروج عليه، يتجلى ذلك في موقف إمام، كالحسن البصري، إذا انتقد تصرفات معاوية وعدها
موبقات، ومع ذلك عارض قتال الحجاج، ذلك الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وترك الصلاة، قائلا: أرى
ألا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله، فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء فاصبروا حتى
يحكم الله وهو خير الحاكمين، ينظر: الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1 ص 119، نظرية الإمامة لدى الشيعة
الاثني عشرية: ص 23.
81

والحق: الأول!!
لأن الحاجة إلى الإمام إنما هي ردع الظالم عن ظلمه، والفاسق عن معصيته،
فلو جاز عليه ذلك، لافتقر إلى إمام آخر وتسلسل وهو محال.
وأيضا! لو لم يكن معصوما، لجاز أن يخطئ ويسهو، فجاز أن يفتي بغير الحق
جهلا أو عمدا، وأن يعصي، فإن وجب اتباعه، لزم وجوب فعل القبيح، وهو باطل
بالإجماع، وإن لم يجب، انتفت فايدة الإمامة.
وأيضا! لو وقع منه المعصية، فإن وجب زجره والإنكار عليه، سقط محله من
القلوب، ولم يجب اتباعه، وانتفت فائدة الإمامة، وإن لم يجب، لزم الإخلال بالنهي عن
المنكر، وهو حرام بالإجماع.
وأيضا! فلأنه حافظ للشرع، لعدم إحاطة القياس والسنة به (170)، لتجدد
الحوادث، فلو لم يكن معصوما، لاختل أمر الشرع.

(170) وفي النسخة المرعشية: ورقة 40، لوحة أ، سطر 2: لعدم إحاطة الكتاب والسنة، بدلا من (لعدم إحاطة
القياس والسنة).
82

وأيضا! لما سأل إبراهيم عليه السلام (171) أن يجعل من ذريته أئمة؟ أجابه
الله فقال * (لا ينال عهدي الظالمين (172)) *، والفاسق ظالم، فلا يصلح للإمامة.
ويجب أن يكون الإمام أفضل من الرعية، لأن تقديم المفضول على
الفاضل (173)، قبيح، عقلا ونقلا، قال الله تعالى: * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع
أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون (174)) *.
وإذا ثبت هذا، وجب على كل عاقل اعتقاد ذلك، لما فيه من الاحتياط،
فإن السلامة معه متيقنة، بخلاف ما إذا لم يعتقد ذلك.

(171) يعرف عليه السلام: بخليل الله، وبابي الأنبياء، لأنه ظهر من ذريته أنبياء كثيرون.
وقد آتاه الله سبحانه وتعالى الكتاب، الذي سمي في سورتي النجم والأعلى: صحف إبراهيم.
ولد عليه السلام: بأرض بابل منذ آلاف السنين، وهو من سلالة سام بن نوح، وكان أهل بابل يعبدون
الكواكب والأصنام، ويؤلهون ملكهم النمرود بن كنعان.
قيل: اسم أبيه: آزر، بناء على قوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر)، كما في: سورة الأنعام، آية 6، وبما
روي: (أن آزر أبا إبراهيم كان منجما لنمرود)، كما في: تفسير علي بن إبراهيم: ص 194.
وليس بشئ، لانعقاد الاجماع، من الفرقة المحقة، على أن أجداد نبينا صلى الله عليه وآله، كانوا مسلمين
موحدين، إلى آدم عليه السلام، وقد تواتر عنهم: نحن من أصلاب المطهرين، وأرحام المطهرات، لم تدنسهم
الجاهلية بأدناسها.
وقيل: إنه كان جد إبراهيم لأمه.
وقد نقل بعض الأفاضل عن بعض كتب الشافعية - كالقاموس وشرح الهمزية لابن حجر المكي -: بأن
آزر كان عم إبراهيم عليه السلام، وكان أبوه تارخ، ومثله نقل بعض الأفاضل: أنه لا خلاف بين النسابين:
أن اسم أبي إبراهيم تارخ، وهذا غير مستبعد، لاشتهار تسمية العم بالأب في الزمن السابق، كما في: مجمع
البحرين: 3 / 204، وقاموس الألفاظ والأعلام القرآنية: ص 12 - 13.
(172) سورة البقرة، الآية 41.
(173) لأن هناك من يقول: بجواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل، ينظر: الملل والنحل: 1 / 155.
وينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 3.
(174) سورة يونس، الآية 36.
83

المسألة التاسعة
في: المعاد (175)
اختلف المسلمون: في وجوب إثابة المطيع، إذا مات على إيمانه، فاعلا
للطاعات.
فذهبت طايفة: إلى ذلك (176)
وذهب آخرون: إلى أنه لا يجب ذلك، بل، يجوز أن يعاقبه الله على فعل
الطاعة.
والأول: أصح!
وإلا لزم الظلم من الله تعالى، وانتفت فائدة التكليف، ولزم نسبة المبالغ في
الطاعات والمجاهد في سبيل الله، بنفسه وماله، الباذل المال في: الصدقات، والمبار،
وعمارة المساجد، والمدارس، والربط، وعمل السابلة، والطرق، والقناطر، وغير ذلك من
مصالح المسلمين إلى السفه والحمق لأنه تعجل إتلاف ماله، لغاية لا يعلم حصولها له
ولا يظن، بل، يجوز حصول ضدها (77)
وإذا لم يبق فرق بين فعل الطاعة وفعل المعصية، كان الحريص، على فعل
الطاعات - والتزام المشاق، والصلاة والدعاء والصيام - في غاية السفه.
ولما كان ذلك معلوم البطلان لكل أحد، كان إيصال الثواب من الله تعالى
لكل عاقل معلوما، لا يشك فيه عاقل.

(175) ينظر: قواعد المرام: ص 157، وكتاب النافع يوم الحشر: ص 91.
(176) ينظر: الاقتصاد في الاعتقاد: ص 76.
(177) وفي النسخة المرعشية: ورقة 40، لوحة ب، سطر 5: (حصول ضد هاله).
84

المسألة العاشرة
فيما: يتعلق بالوضوء
والغسل
والتيمم
وفيه: مباحث
الأول
في: النية
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طايفة: إلى وجوب النية، في الوضوء والغسل والتيمم (178).
وقالت طايفة أخرى: لا تجب النية في الوضوء والغسل، بل، في التيمم (179)
والأول: أصح!!
لقوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (180)) *، والوضوء
عبادة.

(178) منهم: الإمامية، وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والليث وابن سعد: بوجوب النية: أيضا، كما جاء ذلك
في: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 5 / 183.
(179) منهم: أبو حنيفة، فإنه لم يشترط النية في الوضوء والغسل، واشترطها في التيمم، كما جاء ذلك في: الإمام
الصادق والمذاهب الأربعة: 5 / 183، وينظر: كتاب كذبوا على الشيعة: ص 346، ففيه واقعة لطيفة منقولة
من كتاب (مغيث الخلق - طبعة مصر -: عام 1353 ه‍: ص 53)، حكاها أبو المعالي الجويني إمام الحرمين..،
وينظر كذلك هامش الاحتجاج: 2 / 111 - 112.
(180) سورة البينة، الآية 6.
85

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ
ما نوى (181)).
والاحتياط يقتضي ذلك، فإنه إذا نوى صح وضوؤه، وبرئت ذمته إجماعا،
وإذا لم ينو لم يصح وضوؤه، ولم تبرأ ذمته عند جماعة كثيرة، فيكون العمل بالأول
متعينا.
لأن المكلف إذا تعارض عنده حكمان، أحدهما مجمع عليه، والآخر مختلف
فيه، ولم يمكن العمل بهما، تعين المجمع عليه بلا خلاف.
البحث الثاني
في: أنه لا يجوز الوضوء بالنبيذ
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طايفة: إلى أنه لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر ولا غيره (182).
وقالت طايفة أخرى: يجوز الوضوء بنبيذ التمر (183).

(181) صحيح البخاري: ك 1 ب 1 ص 4، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة: ص 512.
(182) ينظر: إرشاد الساري: 2 / 44.
وفي الحديث: (أنه عليه السلام: توضأ بالنبيذ)، وليس هو المسكر، كما توهمه ظاهر العبارة، وإنما هو ماء
مالح، قد نبذ به تمرات ليطيب طعمه، وقد كان ماء صافيا..، (مجمع البحرين: مادة نبذ).
(183) ينظر: تفسير الرازي الكبير: 3 / 375، وإرشاد الساري: 2 / 43، ووفيات الأعيان: 2 / 6.
86

والأول: أصح!!
لقوله تعالى (184): * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) * (185)، وامتن على
عباده بجعل الماء طهورا (186)، وإنما ينصرف الإطلاق إلى المطلق، فلو شاركه غيره في
ذلك، لم يحسن الاختصاص.
ولأن الاحتياط يقتضي ذلك، فإن الوضوء بالماء المطلق صحيح، يخرج به
المكلف عن عهدة التكليف إجماعا، بخلاف الوضوء بالنبيذ، فإن ذمته لا تبرأ عند
أكثر المسلمين. وإذا تعارض حكمان وأحدهما مجمع عليه، تعين العمل به، بلا خلاف.
البحث الثالث
في: مسح الرجلين
اختلف المسلمون في ذلك.
فذهبت طايفة: إلى أن الواجب في الوضوء مسح الرجلين (187).

(184) وفي النسخة المرعشية: ورقة 41، لوحة أ، سطر 8: وأنزلنا من السماء..، وكذا في النسخة المجلسية المعتمدة
ورقة 10 لوحة أ سطر 16، والظاهر أنه اشتباه من الناسخ، أو نسيان في الحفظ.
تسرب إلى الخلط بين: آية (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به). وآية 48 من سورة الفرقان، التي
هي: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا).
ومن يدري لعل آية ماء طهورا هي المقصودة، ذلك أنه قدس سره اتبع الآية بقوله: وامتن على عباده
بجعل الماء طهورا، أعني: في النسخة المجلسية.
(185) سورة الأنفال: الآية 12.
(186) وفي النسخة المرعشية: ورقة 41، لوحة أ، سطر 9: (مطهرا).
(187) ينظر: بداية المجتهد: ج 1 ص 15، وتفسير الخازن: ج 2 ص 16، والوسائل: ج 1 ص 377، والكافي: ج
3 ص 24 - 27.
87

وذهبت طايفة: إلى أن الواجب غسلهما (188).
والأول: أصح!!
لقوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم إلى الكعبين (189)) *.
وتقرير الاستدلال أن نقول: عطف الله تعالى الأرجل على الرؤوس (190)،
لوجوه:
الأول:
أنها مجرورة، ولم يتقدم اسم مجرور عليه، بحيث يعطف عليه سوى الرؤوس
فتعين العطف عليها.

(188) ينظر: تفسير القرطبي: 6 / 292، وصحيح مسلم شرح النووي -: ج 4 ص 121 - 123، وأحكام القرآن
لابن العربي: ج 2 ص 574.
(189) سورة المائدة، الآية 7، وفيها: قرئ بنصب أرجلكم وبجرها.
(190) ينظر: غنية المتملي: حلبي كبير: ص 16، وتفسير الرازي: 3 / 73.
هذا، وفي النسخة المرعشية: ورقة 41، لوحة ب، الهامش الأعلى والأيسر، جاء ما يلي: قوله: (وأيديكم إلى
المرافق).
قيل: (إلى)، بمعنى (مع)، كما في: (من أنصاري إلى الله)، فيدخل المرفق ضرورة.
وقيل: على حقيقتها، وهو انتهاء الغاية، فقيل بدخول المرفق أيضا، لأنه لما لم يتميز الغاية عن ذي. الغاية
بمحسوس، وجب دخولها.
والحق، أنها للغاية، ولا يقتضي دخولهما ولا خروجهما، لورود المعنيين، لقولك: حفظت القرآن من أوله إلى
آخره، وصمت إلى الليل، فلا يكون دخول المرفقين متعينا.
وكذا، لا دلالة على الابتداء بالمرفق، ولا بالأصابع، لأن الغاية قد تكون للغسل، وقد تكون للمغسول،
وهو المراد هنا.
بل، كل من الابتداء والدخول، مستفاد من بيان النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه توضأ وبدأ بأعلى الوجه،
وبالمرفقين.
88

لا يقال: يكون مجرورا بالمجاورة، لأنا نقول: أنكر المحققون الجر بالمجاورة،
وقال الكسائي: لم يرد في القرآن الجر بالمجاورة، وكلامه حجة.
وأيضا! فإن النحويين جعلوه من الشواذ، وفصيح القرآن لا يحمل على
الشاذ.
وأيضا! فإن ألفاظ الجر بالمجاورة، لم ترد بواو العطف (191)، لقولهم: جحر
ضب خرب، وقوله (192): (كبير أناس في بجاد مزمل)، فيجب الاقتصار على مورد
اللغة (193).
وأيضا!! الجر بالمجاورة، إنما يصح مع العلم بالمعنى، كما في المثالين اللذين
ذكرناهما، ولو كان الجر هنا (194) بالمجاورة، لم يكن معلوما، ولزم التلبيس (195).

(191) ينظر: هامش غنية المستملي: ص 8.
(192) وفي النسخة المرعشية: ورقة 41، لوحة ب، سطر 11: (وقولهم).
(193) قال الطبرسي - كما في مجمع البيان م 2 ج 3 ص 165 -: وقال بعضهم: هو خفض على الجوار، كما قالوا:
جحر ضب خرب، وخرب من صفات الجحر لا الضب، وكما قال امرؤ القيس.
كان بثيرا في عرانين وبله.
كبير أناس في بجاد مزمل.
(194) أي: برؤوسكم وأرجلكم، (الهامش الأسفل من المخطوطة المرعشية: ورقة 41، لوحة ب).
(195) ينظر: البيان للشيخ الطوسي: ج 3 ص 152 - 157، ومجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي: ج 6 ص
37 طبعة دار الفكر.
قال الطبرسي - كما في مجمع البيان: م 2 ج 3 ص 166 -: فقد ذكرنا عن الزجاج: أنه لم يجوز ذلك في
القرآن، ومن أجاز ذلك في الكلام، فإنما يجوز مع فقد حرف العطف، وكل من استشهد به على الإعراب
بالمجاورة، فلا حرف فيه حائل بين هذا وذاك.
وأيضا، فإن المجاورة إنما وردت في كلامهم، عند ارتفاع اللبس، والأمن من الاشتباه فإن أحدا لا يشتبه
عليه، أن خربا لا يكون من صفة الضب، ولفظة مزمل لا تكون من صفة البجاد.
وليس كذلك الأرجل، فإنها يجوز أن تكون ممسوحة كالرؤوس.
89

لا يقال: قد قرئ بالنصب فيكون معطوفا على الوجوه، لأنا نقول: لا يتعين
العطف على وجوه مع النصب، لأن المجرور يجوز العطف على لفظه ومعناه بالسوية،
حينئذ يكون العطف، على موضع الرؤوس (196).
الثاني:
أن الرؤوس أقرب، فتعين العطف، عليه، لأن القرب معتبر عند أهل اللغة.
ولهذا قالوا: إنه لو قال ضرب زيد عمرا، وضربته، فإن الضمير يعود إلى
عمرو (197).
لا إلى زيد، لقربه، وغير ذلك من النظاير.
الثالث:
أنه يقبح في لغة العرب، الانتقال من جملة إلى أخرى، قبل استيفاء الغرض
من الأولى، فلا يحسن الانتقال إلى جملة المسح، إلا بعد استيفاء المقصود (198) من جملة
الغسل.
الرابع:
قال ابن عباس: عضوان مغسولان وعضوان ممسوحان (199).

(196) وفي النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة أ، سطر 3 - 4: (فالنصب حينئذ يكون للعطف على موضع الرؤوس).
(197) وفي النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة أ: سطر 6: العمر، والظاهر: أنه اشتباه من الناسخ.
(198) وفي النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة أ، سطر 9 (الاستيفاء المقصود).
(199) ينظر: كنز العمال: 5 / 103، تفسير ابن كثير: 2 / 25، وتفسير الخازن: 1 / 441، وتفسير الدر المنثور:
1 / 262، وميزان الشعراني: 1 / 19، وتفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 6 / 68.
90

الخامس:
أن جماعة من كبار الصحابة ذهبوا إلى المسح، منهم: أمير المؤمنين علي عليه
السلام، وأولاده عليهم السلام (200)
وهم أعرف من غيرهم -، وابن عباس، وغيرهم صاروا إلى المسح أيضا (201)
إذا ثبت هذا فنقول: قد يتمكن المتكلف (202)، من الحكم المجمع عليه هنا
بين المسلمين كافة.
وذلك، بأن يغسل وجهه ثم يديه، ثم يمسح برأسه، ثم رجليه، ثم يغسلهما
بعد ذلك (203).
فيحصل يقين براءة ذمته: بشرط أن يقدم المسح على الغسل.
وإذا حصل الاجماع على براءة الذمة بهذا الاعتبار، لم يجز العدول عنه، إلى
الاقتصار على الغسل، لأن الحكمين إذا اجتمعا، تعين العمل بالمقطوع (204) منهما بلا
خلاف.

(200) ينظر: مسند أحمد: 1 / 108، وكنز العمال: 6 / 108، وتأويل مختلف الحديث: 1 / 67، وأحكام القرآن: 1 / 347.
(201) وفي النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة أ، سطر 12: (وغيره صاروا إلى المسح أيضا).
(202) هكذا في المخطوطة المجلسية: ورقة 9، لوحة ب، سطر 15، بينما الذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 42،
لوحة أ، سطر 13: (المكلف)، وهو: الصحيح.
(203) ينظر: تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 6 / 98.
ينظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1 / 14، والخلاف للطوسي: ج 1 ص 22، والكافي: ج 3 ص 32،
والمعتبر للمحقق: ص 41، ونيل الأوطار: ج 1 ص 177، وتفسير الرازي: ج 3 ص 371، وبدائع الصنائع
للكاشاني: ج 1 ص 7.
(204) أي: الدليل القطعي، ينظر: هامش النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة ب.
91

البحث الرابع
في: وجوب المسح ببقية نداوة الوضوء
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طايفة: إلى أنه يجب المسح ببقية نداوة الوضوء، من غير استيناف
ماء جديد، في الرأس والرجلين.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه يجوز المسح على الرأس بماء جديد.
ويمكن تحصيل الاجماع على يقين براءة الذمة هنا: بأن يمسح المصلي أو لا
رأسه، بعد غسل يده اليسرى بباقي نداوة الوضوء. ثم يمسح رجليه بالبقية أيضا. ثم
يستأنف ماء جديدا، فيمسح به رأسه (205)، ثم يغسل رجليه، فيحصل له يقين براءة
الذمة، للإجماع على الخروج عن العهدة (206).
بخلاف ما لو مسح رأسه بماء جديد لا غير، فإنه لا يصح وضوؤه عند بعضهم،
ويصح عند آخرين.
واتباع المجمع عليه أولى من المختلف فيه بلا خلاف.

(205) وفي النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة ب، سطر 12: (فيمسح برأسه).
(206) أي: التكليف، ينظر: هامش النسخة المرعشية: ورقة 42، لوحة ب.
92

البحث الخامس
في: المنع من المسح على الخفين
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين (207).
وقال آخرون: بالجواز (208).
والقرآن نطق بالمنع: لأنه تعالى قال: * (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم (209)) *،
والباء تقتضي الإلصاق، فيجب الصاق المسح ببشرة الرأس والرجلين.
ومع ذلك، فإن الاحتياط يقتضي تركه (210)، لأنه ليس بواجب، ولا شرط في
الوضوء إجماعا، وفعله مبطل عند بعضهم، فيكون تركه أولى، ليحصل يقين براءة الذمة
معه إجماعا.

(207) وفي صحيفة الرضا (عليه السلام) - طبعة المدرسة المهدية - ص 5: (.. قال رسول الله - صلى الله عليه
وآله -: إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وأمرنا بإسباغ الوضوء، ولا ننزي حمارا على عتيقة، ولا نمسح على
خف).
(208) ينظر: بدايع الصنائع: ج 1 ص 7، وأحكام القرآن: ج 2 ص 576، والشوكاني: ج 1 ص 176، وتيسير
الوصول للشيباني: ج 3 ص 76، وتهذيب اللغة: 10 / 160.
وفي النسخة المرعشية: ورقة 43، لوحة أ، سطر 4: (وقال الآخرون: بالجواز).
(209) سورة المائدة، الآية 7.
(210) مرجع الضمير: المسح على الخفين.
93

البحث السادس
في: الترتيب
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى وجوب الترتيب في الوضوء، بأن يبدأ المكلف بغسل
وجهه، ثم يغسل يده اليمنى، ثم يده اليسرى، ثم يمسح رأسه، ثم يمسح رجليه (211).
وقالت طائفة أخرى: إن الترتيب ليس بواجب (212).
والأول: أصح!
لأن الله تعالى قال: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم (213)) *، عقب بغسل اليد،
ثم جعل نهاية الغسل المرافق.
وأيضا، فقد قال جماعة كثيرة: بأن الواو تقتضي الترتيب.
وأيضا، فإن الاحتياط يقتضيه، لأن مع الترتيب يصح الوضوء إجماعا، وبدون
الترتيب لا يحصل يقين البراءة، لوقوع الخلاف في صحته.
وقد ثبت: أن اتباع الحكم المجمع عليه، هو الواجب عند معارضة المختلف
فيه.

(211) ينظر: الوسائل: ج 1 ص 377، والكافي: ج 3 ص 24 - 27، ونهاية المحتاج للرملي: ج 1 ص 160، وعمده
الفقه لابن قدامة: ص 4، ص 8 وزوائد الكافي والمحرر على المقنع: ص 7.
(212) ينظر: ذيل طبقات الحنابلة: ج 1 ص 271.
(213) سورة المائدة، الآية 7.
94

البحث السابع
في: كيفية الغسل والمسح
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب في غسل الوجه البداءة بأعلاه، من قصاص
شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن، والبداءة في غسل اليدين بالمرافق إلى رؤوس
الأصابع، واختصاص مسح الرأس بمقدمه (214)، بما يصدق عليه اسم المسح.
وقالت طائفة أخرى: يجوز النكس في الغسل.
والأول: أصح!!
لأن الصادق (عليه السلام) وصف وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
الذي وقع بيانا للوضوء، وغسل كما قلنا (215) ولأن الفعل الذي وقع بيانا: إن كان على
وجه الذي قلناه (216)، تعين العمل به، وإن كان منكوسا، كان النكس واجبا، لقوله عليه
السلام: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)، وليس النكس واجبا بالإجماع.
وأيضا، فإن الاحتياط يقتضيه، لأنه إذا غسل على ما قلناه أو لا (217)، صح
وضوؤه إجماعا، وحصل يقين براءة الذمة، وإذا غسل منكوسا، صح وضوؤه عند
بعضهم، ولم يصح عند آخرين، فيجب الأول ليقين براءة الذمة (218).

(214) ينظر: نيل الأوطار: ج 1 ص 155، والكافي: ص 3 ص 29.
(215) ينظر: الوسائل: ج 1 ص 285، الباب 19، من أبواب الوضوء، حديث 1.
(216) وفي النسخة المرعشية: ورقة 43، لوحة ب، سطر 11: الوجه، بدلا من وجه، الوجه فيما يبدو: هو الأصح.
(217) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة أ، سطر 1: (لأنه إذا غسل ما قلناه)، بإسقاط: (على).
(218) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة ب، سطر 3: (فيجب الأول تحصيلا ليقين براءة الذمة)، بزيادة:
(تحصيلا).
95

فكذا، إذا مسح مقدم الرأس أجزاه إجماعا، فيتعين دون غيره، لحصول
الاختلاف فيه، [فيجب الاعتماد على الأول (219).]
البحث الثامن
في: الترتيب في غسل الجنابة
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب الترتيب في غسل الجنابة، بأن يبدأ بغسل رأسه،
ثم بجانبه الأيمن، ثم بجانبه الأيسر، إلا المرتمس، فإنه يجزيه ارتماسة من غير ترتيب.
وقالت طائفة أخرى: لا يجب الترتيب مطلقا.
والاحتياط يقتضي الأول، لأنه إذا رتب برئت ذمته بالإجماع، وإذا لم يرتب
لم يحصل يقين براءة الذمة، فيجب الاعتماد على الأول.

(219) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة أ، سطر 5: (.. فيه، فيجب الاعتماد على الأول)، وهي زائدة فيما
يبدو لا ضرورة لها، مع وجود جملة (فيتعين)، أي الأول، دون غيره.
96

البحث التاسع
في: النجاسات
[أ]
اختلف المسلمون في نجاسة المني.
فذهبت طائفة: إلى أنه نجس لا يجوز الصلاة فيه (220).
وقالت طائفة أخرى: إنه طاهر (221).
والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول، لأنه إذا تطهر منه وأزاله عن ثوبه وبدنه وصلى،
صحت صلاته إجماعا، وبرئت ذمته عن عهدة التكليف (222)، بلا خلاف، وإذا صلى
وهو على بدنه أو ثوبه، لم تصح صلاته عند الأكثر، وصحت صلاته عند آخرين.
فيجب الأول تحصيلا للحكم المجمع عليه، لحصول يقين براءة الذمة معه،
بخلاف الثاني.

(220) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: ج 5 ص 255.
(221) ينظر: المحلى: ج 1 ص 125.
(222) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة ب سطر 2: (وبريت ذمته من عهدة التكليف).
97

[ب]
واختلف المسلمون أيضا في جلد الميتة إذا دبغ (223).
فقالت طائفة: إلى أنه لا يطهر (224)، بل، هو باق على نجاسته الأصيلة (225).
لقوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة (226)) *، وبالدباغ لا يخرج عن هذه
الحقيقة، فلا يخرج عن حكم التحريم.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه يطهر بالدباغ (227).
والاحتياط يقتضي الأول، لأنه إذا تنزه في الصلاة فيه أو عليه (228)، صحت
صلاته بلا خلاف، وإذا صلى فيه أو عليه، حصل الخلاف. ويقين براءة الذمة، إنما يحصل
على تقدير الأول (229)، فيكون واجبا بلا خلاف.

(223) قال السيوطي: للعلماء في جلد الميتة سبعة مذاهب:
أحدها: لا يطهر بالدباغ شئ منها، روي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه، وعائشة، وهو أشهر الروايتين
عن أحمد، ورواية عن مالك.
والثاني:..،
وهذا جزء من بحث مفصل، بعنوان: تحفة الأنجاب بمسألة السنجاب، ينظر: الحاوي للفتاوي: 1 / 13 -
34.
(224) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة ب، سطر 6: فقالت طائفة: إنه لا يطهر، بدون إلى، ويبدو: أنه الأصح.
(225) للرواية عن الصادق عليه السلام: (جلد الميتة لا يطهر ولو دبغ سبعين مرة)
هذا، وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة ب، سطر 7: باق على نجاسته الأصلية).
(226) سورة المائدة، الآية 4.
(227) للرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: أيما إهاب دبغ فقد طهر، كما في غنية المتملي: ص 74، والحاوي للفتاوي:
1 / 17، وعوالي اللئالي العزيزية: 1 / 42.
(228) وفي النسخة المرعشية: ورقة 44، لوحة ب، سطر 9: لأنه إذا تنزه من الصلاة فيه وعليه، بإحلال (من) بدل
(في).
(229) وفي النسخة المجلسية: ورقة 44، لوحة ب، سطر 11: (على التقدير الأول)، بتقدير معرفة.
98

[ج]
واختلف المسلمون أيضا في: الكلب
وهل يقع عليه الذكاة أم لا؟
وهل تصح الصلاة في جلده بعد التذكية أم لا؟
فذهبت طائفة: إلى أنه لا يقع عليه الذكاة؟ ولا تصح الصلاة في جلده ولو
ذكي، بل، هو باق على نجاسته، ويكون ميتة، ولا تثمر ذباحته حكما في الطهارة
والنجاسة.
وقالت طائفة أخرى: إنه يقع عليه الذكاة، وتصح الصلاة في جلده (230).
والاحتياط يقتضي الأول. لأنه إذا صلى في غيره، صحت صلاته إجماعا،
وإذا صلى فيه، لم يحصل يقين براءة، فتعين الأول بالإجماع (231).

(230) ينظر: وفيات الأعيان: 2 / 86، إن من مذهب أبي حنيفة: تجويز الصلاة، بجلد كلب مدبوغ.
وينظر: الحاوي للفتاوي: 1 / 15، حيث نقل السيوطي: (والسادس: يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير،
ظاهرا وباطنا، قاله: داوود، وأهل الظاهر، وحكاه الماوردي عن أبي يوسف، وحكاه غير عن سحنون من
المالكية.
(231) وفي النسخة المرعشية: ورقة 45، لوحة أ، سطر 4: لم يحصل يقين البراءة، فتعين الأول، بتعريف البراءة.
99

المسألة الحادية عشرة
في: الصلاة.
وفيه: مباحث
البحث الأول
في: التكبير والتكفير.
[أ]
اختلف المسلمون في: صيغة التكبير.
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب أن يأتي بصيغة (الله أكبر)، ولا يجزئ الترجمة، ولا
المعنى، ولا الزيادة فيها، ولا النقصان، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: (صلوا كما
رأيتموني أصلي (232))، والمنقول عنه هذه الصيغة لا غير.
وقالت طائفة أخرى: (إنه يجزي الترجمة، والعجمية، والإتيان بالمعنى (233)).

(232) ينظر: شرح الموطأ: ج 1 ص 142، والمغني: ج 1 ص 460، وكنز العمال: 7 / 201، وصحيح البخاري:
2 / 52، وفتح الباري: الباب 18 أبواب الأذان، و 13 / 45 الباب 27، أبواب الآداب، وسنن الدارمي:
/ 230. ومسند أحمد: 5 / 53، وفيه (تروني) بدلا من (رأيتموني).
(233) ينظر: غنية المتملي: ص 128.
100

والاحتياط يقتضي الأول. لأنه إذا فعل ما فعله النبي (صلى الله عليه وآله)،
فقد برئت ذمته بالإجماع، وإذا لم يفعل ما فعله النبي (صلى الله عليه وآله (234))، برئت
ذمته عند البعض، ولم تبرأ عند الباقين. فتعين الأخذ بالمجمع عليه، وترك المختلف
فيه، ليحصل يقين الخروج عن عهدة التكليف.
[ب]
وأما التكفير: فقد اختلف المسلمون في استحبابه وتحريمه وكراهيته.
فقالت طائفة: إنه مستحب.
وقالت أخرى: إنه مكروه.
وقالت طائفة ثالثة: إنه محرم.
ولم يختلفوا في جواز تركه، فتعين تركه لأنه لا عقاب فيه إجماعا، وفي فعله
عقاب عند بعضهم، ففعله مخوف وتركه أمن، وإذا تعارض الخوف والأمن، تعين الأمن.
البحث الثاني
في: القراءة
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب في الركعتين الأوليين، قراءة الحمد وسورة
كاملة (235) في كل ركعة.

(234) وفي النسخة المرعشية: ورقة 45، لوحة أ، سطر 12: (ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله).
(235) وفي النسخة المرعشية: ورقة 45، لوحة ب، سطر 7: (والسورة كاملة)، بسورة معرفة.
101

وذهبت طائفة (236): إلى أنه يجزئ في كل ركعة بعض آية (237)، ولا يجب
عندهم قراءة الحمد ولا سورة أخرى بعدها.
والأول: أصح!!
لقوله صلى الله عليه وآله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (238)) وصلى بالحمد
وسورة كاملة، وقال: (صلوا كما رأيتموني أصلي (239))، وكان (عليه السلام) يصلي بالحمد
وسورة كاملة في كل ركعة.
والاحتياط يقتضي ذلك أيضا، فإنه إذا قرأ في كل ركعة الحمد وسورة كاملة،
صحت صلاته إجماعا، وإذا قرأ بعض ذلك، صحت صلاته عند البعض، ولا تصح
عند الآخرين، فتعين العمل بالأول، ليحصل يقين براءة الذمة.

(236) وفي النسخة المرعشية: ورقة 45، لوحة ب، سطر 7: (وذهبت طائفة)، بمعية تاء التأنيث.
(237) المأنوس أن يقال: بعض سورة، إلا أن يكون المقصود: إطلاق الجزء وإرادة الكل.
(238) وقد أورد مسلم في الحديث 394: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، ولا صلاة لمن لم يقترئ بأم القرآن،
ولا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن.
وفي حديث 396: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب فهي خداج.، ينظر: صحيح مسلم: م 1 ص 295، 297، و م 2 ص 9، وسنن البيهقي: 2 / 37، 40،
43، 61، وكنز العمال: 4 / 95 - 96، وترتيب مسند الإمام الشافعي: 1 / 78 - 80، وينظر الوسائل 2 / 732:
كتاب الصلاة، حديث لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب.
(239) شرح الموطأ للباجي: ج 1 ص 142.
102

البحث الثالث
في: البسملة (240)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب قراءة * (بسم الله الرحمن الرحيم) *، في أول
الحمد وأول كل سورة (241).
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يجب (242)
والأول: أصح!
لأن يقين البراءة يحصل به، فإن من قرأها صحت صلاته إجماعا، ومن تركها
في أحد الموضعين، صحت صلاته عند بعضهم، وبطلت عند الباقين، فتعين قراءتها في
الموضعين، ليحصل الخروج عن هذه التكليف (243)، بالإجماع.

(240) وأول من أسقط البسملة عن السورة، بعد الفاتحة، هو معاوية بن أبي سفيان، فلما تمت الصلاة، ناداه المسلمون
من كل مكان: يا معاوية، أسرقت الصلاة؟ أم نسيت؟
ينظر: ترتيب مسند الإمام الشافعي: 1 / 80، وسنن البيهقي: 2 / 42 - 44، ومسائل فقهية: ص 16 -
29، وبحار الأنوار: 19 / 59، ومستدرك الحاكم: 231، 232، وكنز العمال: 4 / 30، وتفسير الزمخشري: تفسير
سورة الحمد.
(241) ينظر: الأم: ج 1 ص 107، ومختصر المزني: ص 14، والعدة للصنعاني: 2 / 410، والاتقان في علوم القرآن -
طبعة بيروت -: 1 / 78 - 79، والبيان للسيد الخوئي - ط 3 -: ص 467 - 468، 552.
(242) ينظر المنتقى: ج 1 / 151، وسبل السلام في شرح بلوغ المرام للكحلاني: ج 1 ص 172، والعدة للصنعاني:
ج 2 ص 410.
(243) وفي النسخة المرعشية: ورقة 46، لوحة أ، سطر 5: ليحصل الخروج عن عهدة التكليف. بإبدال كلمة
(عهدة)، مكان (هذه)، ويبدو: أن الصحة بجانب المرعشية.
103

البحث الرابع
في: وجوب القراءة بالعربية
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب القراءة في الصلاة بالعربية (244).
وقال بعضهم: أنه يجوز أن يقرأ بالفارسية وغيرها من اللغات (245).
والأول: أصح!
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي (246))
ولم تنقل عنه صلاة بالفارسية البتة.
ولأن الاحتياط يقتضيه، لأنه إذا صلى بالعربية صحت صلاته إجماعا (247)،
وإذا صلى بغيرها بطلت صلاته عند بعضهم، وصحت عند آخرين، فتعين العمل
بالمجمع عليه، وترك المختلف فيه.

(244) ينظر: المذهب: ج 1 ص 73، والمغني لابن قدامة: ج 1 ص 487، والصاحبي في فقه اللغة ص 62.
(245) ينظر: المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 234، علم أصول الفقه لخلاف: ص 24، بواسطة الأصول العامة للفقه
المقارن: 99، ووفيات الأعيان: 2 / 86.
(246) شرح الموطأ للباجي: ج 1 ص 142.
(247) وفي النسخة. المرعشية: ورقة 46، لوحة أ، سطر 11: (صحت صلاته بالإجماع).
104

البحث الخامس
في: تحريم قول آمين (248)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أن قول آمين مبطل للصلاة.
وقال آخرون: إنها لا تبطل بذلك.
ويجب الاعتماد على: الأول (249).

(248) وقال البندنيجي - كما في التقفية في اللغة: ص 658 - 659 -:.. آمين: اسم من أسماء الله، وقال قوم من
المفسرين في قول المصلي بعد فراغه من قراءة أم الكتاب: آمين، من ذلك، كأنه قال: يا الله، وأضمر: استجب
لي..، وأصلها: يا أمين، ثم تحذف همزة أمين استخفافا، لكثرة ما تجري هذه الكلمة على السنة الناس،
ويخرجونها مخرج من يقول: أزيد، يريد: يا زيد.
وقال الجوهري - كما في الصحاح: 5 / 2072 -:.. وتشديد الميم خطأ..، وهو مبني على الفتح، مثل: أين،
وكيف، لاجتماع الساكنين.
وقال ابن منظور - كما في: لسان العرب: 13 / 58 -:.. يقول الرجل بسلا: إذا أراد آمين في الاستجابة،
والبسل بمعنى: الإيجاب. وفي الحديث: كان عمر يقول في آخر دعائه: آمين وبسلا، أي: إيجابا يا رب.
وقال الكرملي: قال فيكتور: في معجم التوراة ما معناه: آمين، كلمة عبرية، وحفظت مرارا بلفظها في ترجمة
العهد القديم، إلى اليونانية واللاتينية، واستعملها أيضا: كتاب العهد الجديد، فقد وردت آمين، صفة في العهد
القديم، بمعنى: الثابت، والمكين، والصادق، والثبت، ومن ذلك ورودها بمعنى: الحق، والصدق، والوفاء بالوعد،
ووردت ظرفا في النص العبري: ولم ترد في بدء الجملة إلا نادرا، كما في سفر الملوك - (3: 1: 36): فأجاب
بنايا بن يويا داع الملك، وقال: آمين، هكذا فليقل الرب إله سيدي الملك.
وللتوسع! ينظر: إصلاح المنطق: ص 179، والمحكم لابن سيدة: 4 / 51، والمخصص لابن سيدة:
14 / 97، وكتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية: 2 / 127 - 128، ومجمع البحرين: 6 / 207، والمنجد
في اللغة: ص 18، والمساعد: 2 / 47 - 48، والمعجم الوسيط: 1 / 1، وغيرها من بقية المصادر.
(249) وفي النسخة المرعشية: ورقة 46، لوحة ب، سطر 1: وإنما يجب الاعتماد، بزيادة (إنما).
105

لقول النبي (صلى الله عليه وآله): (إن هذه الصلاة، لا يصح فيها شئ من
كلام الآدميين (250))، بلا خلاف، أنها من كلام الآدميين.
والاحتياط يقتضي تركها، لأن قولها ليس بواجب إجماعا، فيجوز تركه عند
جميع المسلمين.
وقولها مبطل عند جماعة، فتصح الصلاة مع تركها بلا خلاف، وتبطل مع
فعلها عند بعضهم.
فتعين الترك، لأنه أخذ بالحكم المجمع عليه، وقولها أخذ بالقول المختلف
فيه، ولا يجوز ترك الاجماع، لحكم مختلف فيه (251)، بلا خلاف.
البحث السادس
في: وجوب قراءة الحمد أو التسبيح في الأخرتين (252)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب في الركعتين الأخريين من الرباعية، وفي الثالثة
من الثلاثية قراءة الفاتحة خاصة (253)، أو التسبيح وصورته: سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يجب فيهما قراءة ولا تسبيح، بل، يجزي السكوت.

(250) ينظر: صحيح مسلم: ج 1 ص 381 - 382.
(251) وفي النسخة المرعشية: ورقة 46، لوحة ب، سطر 7: (بالحكم مختلف فيه).
(252) وفي النسخة المرعشية: ورقة 46، لوحة ب، سطر 8: (في وجوب القراءة أو التسبيح في الركعتين الأخريين).
(253) وفي النسخة المرعشية: ورقة 46، لوحة ب، سطر 10: (.. قراءة فاتحة الكتاب خاصة).
106

والأول: أصح!
لأن النبي صلى الله عليه وآله قرأ في الأخرتين: الحمد وحدها، وقال: (صلوا
كما رأيتموني أصلي) (254).
والاحتياط يقتضيه أيضا، لأنه إذا قرا فيهما صحت صلاته إجماعا، وإذا لم
يقرأ أو لم يسبح، بطلت صلاته عند بعضهم، وصحت عند آخرين، فتعين المصير: إلى
المتفق عليه، دون المختلف فيه.
البحث السابع
في: الطمأنينة (255)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب الانحناء في الركوع، بحيث يصل يديه إلى
ركبتيه (256). والطمأنينة في الركوع والسجود بقدر الذكر الواجب (257).
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يجب الانحناء إلى هذه الغاية، بل، يجزي
أقل ما يطلق عليه اسم الانحناء، ولا يجب الطمأنينة (258).

(254) شرح الموطأ للباجي: ج 1 ص 142.
(255) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 4: (وفي الانحناء في الركوع).
(256) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 4 - 5: (بحيث تصل يداه إلى ركبتيه)، وهو الصحيح، لأن
يصل فعل لازم.
(257) ينظر: رحمة الأمة في اختلاف الأئمة للشيخ محمد بن عبد الرحمان الدمشقي: ج 1 / 45، وبدائع الصنائع:
ج 1 ص 162.
(258) ينظر: الغنية: ص 139.
107

والأول: أصح!
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كذا فعل في صلاته، وأنكر على المسيئ في
صلاته (259)، حيث فعل الاستعجال، ولم يطمئن، وقال: (نقر كنقر الغراب (260)، إن من
مات وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني.)
والاحتياط يقتضي ذلك: لأنه إذا صلى وركع منحنيا (261)، إلى حد يصل كفاه
بركبتيه، واطمأن في ركوعه (262)، صحت صلاته إجماعا.
وإذا أخل بذلك، بطلت صلاته عند بعضهم، وصحت آخرين (263). وجب
اتباع المجمع عليه (264)، إذا عارض المختلف فيه إجماعا.
البحث الثامن
في: الطمأنينة في الرفع من الركوع والسجود (265)
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى وجوب الرفع في الركوع (266)، والطمأنينة
والانتصاب (267)،

(259) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 9: (وأنكر على الماشي في صلاته).
(260) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 10: (وقال: نقر كما ينقر الغراب).
(261) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 11: (لأنه إذا صلى منحنيا في الركوع).
(262) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 12: (واطمأن في ركوعه وسجوده).
(263) المصدر نفسه: سطر 13: (وصحت عند آخرين).
(264) المصدر نفسه: نفس السطر: (فيجب)، بدلا من (ويجب).
(265) ينظر: عوالي اللئالي: ج 1 ص 117.
(266) النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة أ، سطر 3: (وجوب الرفع من الركوع).
(267) المصدر نفسه: سطر 4: (والطمأنينة في الانتصاب).
108

ووجوب الرفع في السجود الأول (268)، والجلوس مطمئنا (269).
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن ذلك غير واجب، بل، يجوز أن يهوي إلى
السجود، من غير أن يرفع رأسه (270)، وكذا يرفع رأسه من السجود الأول (271) مثل
حد السيف، ثم يسجد الثاني، بل، لا يجب الرفع أيضا، بل، لو حفر حفيرة، وأنزل
جبهته عقيب السجود الأول في تلك الحفيرة، أجزاه عن الرفع، وحسب له سجدتان.
والأول: أصح!
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) فعله، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي.
والاحتياط يقتضيه، لأنه إذا فعل الرفع من الركوع والسجود، واطمأن فيه،
صحت صلاته [بلا خلاف، وإذا أخل بذلك، صحت صلاته] (272) عند بعضهم دون
بعض، فيجب المصير إلى الأول.
البحث التاسع
في: الذكر
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب في الركوع والسجود: الذكر (273).

(268) المصدر نفسه: سطر 4 كذلك: (ووجوب الرفع من السجود الأول) بإبدال (من) بدل (في).
(269) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 6 / 312.
(270) ينظر: بدائع الصنائع: 1 / 75.
(271) وفي النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة ب، سطر 6 - 7: (من السجدة الأول)، بدلا من (من السجود الأول)،
والصحيح: إما أن يقال: السجود الأول - كما في أعلاه -، وإما أن يقال: السجدة الأولى.
(272) هذه الزيادة وردت في النسخة المرعشية: ورقة 47، لوحة ب، سطر 11.
(273) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 6 / 313.
109

وقالت طائفة أخرى: لا يجب (274).
والأول: أصح!
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (275): لما نزل * (فباسم ربك
العظيم) *، ضعوها في ركوعكم، ولما نزل * (سبح اسم ربك الأعلى) *، قال: ضعوها في
سجودكم (276).
ولأن الاحتياط يقتضيه، لأنه إذا ذكر في الركوع والسجود، صحت صلاته
إجماعا، وإذا أهمل الذكر فيهما، بطلت صلاته عند قوم وصحت عند آخرين، فالعمل
بالمجمع عليه أولى وأحق.
البحث العاشر
في: وجوب وضع الجبهة على الأرض
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب وضع الجبهة على موضع السجود (277).
وقالت طائفة أخرى: يجزي وضع طرف الأنف دون الجبهة (278).

(274) ينظر: المهذب: ج 1 ص 75.
(275) وفي النسخة المرعشية: ورقة 48، لوحة أ، سطر 1: (.. فعله وقال).
(276) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 6 / 313 - 314، ونيل الأوطار: ج 2 ص 245، والمغني لابن قدامة:
ج 1 ص 501.
(277) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 6 / 314.
(278) ينظر: المجموع للنووي: ج 3 ص 424.
110

والأول: أصح!!
لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر به وفعله.
والاحتياط يقتضيه: لأنه إذا وضع الجبهة، صحت صلاته بالإجماع، وإذا لم
يضع الجبهة بطلت صلاته عند بعضهم، فتعين المصير إلى الأول.
111

البحث الحادي عشر
في: ما يسجد عليه (279)
اختلف المسلمون هنا

(279) أن السجود على الأرض، وما أنبتت من غير المأكول والملبوس، هو مما أجمع المسلمون على صحته - إماميون
وغير إماميين -
ذلك، لأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا).
وأما الكلام والبحث هنا، فإنما هو في مدى جواز السجود على المأكول والملبوس، فغير الإمامية: تجوزه،
وأما الإمامية: فلا تجوزه، وذلك لسببين:
أو لا: فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وصحبه
إن النبي (صلى الله عليه وآله)، كان لا يسجد على المأكول والملبوس، كما هو المستفاد من أحاديث كثيرة:
الأول: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) سجد على الطين، في يوم مطير، حتى رأى الأصحاب الطين في
جبهته الشريفة، كما في: صحيح البخاري: ج 1 ص 60، كتاب التيمم، وكذلك: ج 2 ص 102.
ويروي القرطبي حديثا، آخره:.. (فانصرف النبي (صلى الله عليه وآله) من صلاته، وعلى جبهته وأرنبته:
أثر الماء والطين)، كما في: سنن البيهقي: ج 2 ص 285.
فإذا كان يجوز السجود على غير التراب، ترى لم لوث النبي جبهته الشريفة بالطين؟ في حين كان بإمكانه
السجود على: الثوب، أو المنديل، أو السجاد، أو غيرها، نعم، يستفاد من هذه البادرة: أنه كان يريد أن
يعلمنا، بلزوم السجود على الأرض.
الثاني: أنه (صلى الله عليه وآله) كان يصلي على الحصير، فهذا ابن عمر يقول: مطرنا ذات ليلة، فأصبحت
الأرض مبتلة، فجعل الرجل يأتي بالحصاء في ثوبه، فيبسطه تحته فيصلي عليه..، فلما رأى رسول الله ذلك
قال: (ما أحسن هذا البساط)، كما في السنن الكبرى لأبي داوود: ج 1 ص 75.
وروي عن جابر بن عبد الله: (كنت أصلي مع رسول الله الظهر، فأخذ قبضة من الحصى في يده لتبرد،
حتى نسجد عليه من شدة الحر)، كما في صحيح البخاري: ج 1 ص 163، ص 198، ثم ج 2 ص 253.
كما أن البيهقي في سننه: ج 2 ص 105، أنه يروي عن الخباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) شدة الحر، في جباهنا واكفنا، فلم يشكنا.
فإذا كان الرسول، يجوز السجود على المأكول والملبوس، عندئذ لاستمع لشكوى خباب، ولأذن لهم
بالسجود على شئ يمنع عن وجوههم رمضاء الهجير.
الثالث: إن النبي (صلى الله عليه وآله) وأغلب المسلمين كان بساطهم من جريد النخل، فهذا أبو داوود
يقول في سننه الكبرى: ص 434: كان بساط النبي (صلى الله عليه وآله) من جريد النخل، وكان يصلي على
الخمرة، كما أخرجه كذلك: الترمذي في صحيحه: ج 2 ص 126.
هذا، ومعلوم يكون: إن الخمرة: هي قطعة حصير متلاحمة.
ثانيا: سيرة الصالحين
حيث كان أغلب الأولياء الصالحين، يسجدون على الأرض.
فهذا الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، كان يسجد على تراب قبر أبيه الشهيد.
كذلك فعل الشئ ذاته الإمام الباقر (عليه السلام)، وبقية أهل البيت (عليهم السلام)، وفعله أيضا جمع
من الأصحاب مقتدين بهم، صلوات الله عليهم أجمعين.
هذا، وقد نقل في بعض مؤلفات أبي بكر بن شيبة: أن مسروق بن الأجدع، كان إذا سافر أخذ معه لبنة،
ليصلي عليها.
ليس هذا فقط، وإنما الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، المطبوع عام 1082 ه‍: 26، قال ما نصه:
وأما السجود فلا يجوز، إلا على الأرض، أو ما انبتته الأرض، مما لا يؤكل ولا يلبس في غالب العادة، ومن
شرطه: أن يكون مباح التصرف فيه، خاليا من النجاسة.
وذكر أيضا في صفحة 677 منه ما نصه: وروى معاوية بن عمار قال: كان لأبي عبد الله (عليه السلام):
خريطة ديباج صفراء، فيها تربة أبي عبد الله (ع)، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه.
ثم قال (عليه السلام): إن السجود على تربة أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع.
112

فذهبت طائفة: إلى أنه لا يجوز السجود إلا على الأرض (280)، أو ما انبتته
الأرض (281)، مما لا يؤكل ولا يلبس، ولم يخرج بالاستحالة عن اسم الأرض.
فلا يجوز السجود: على المأكول والملبوس، ولا على المعادن، ولا الرماد
والأشنان، وغيرهما، مما يخرج عن اسم الأرض بالاستحالة.
وذهبت طائفة أخرى: إلى جواز السجود على جميع ذلك.

(280) ينظر: المجموع: ج 3 ص 426، وشرح صحيح مسلم: ج 5 ص 37، وطبقات ابن سعد: ج 6 ص 79 ط 2.
(281) وفي النسخة المرعشية: ورقة 48، لوحة أ، سطر 13: (انبتته..). بفعل مزيد بالألف في أو له، وليس مجردا.
113

والاحتياط يقتضي الأول، لأنه إذا سجد على ما ذكرناه (282)، صحت صلاته
بلا خلاف، وإذا سجد على مأكول أو ملبوس أو ثوب أو صوف، بطلت صلاته عند
بعضهم، فتعين الأول.
البحث الثاني عشر
في: وجوب السجود على الأعضاء السبعة
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى وجوب السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة، اليدين،
والركبتين، وإبهامي الرجلين (283).
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن ذلك غير واجب (284).

(282) وفي النسخة المرعشية: ورقة 48، لوحة ب، سطر 4: (لأنه إذا سجد ما ذكرناه)، حيث (على) ساقطة.
وخلاصة القول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان يسجد في حال الاختيار على الحصير.
وإن أول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها، هو نبينا في السنة الثالثة للهجرة، لما وقعت الحرب
الهائلة بين المسلمين من جهة، والكفار من جهة ثانية، في أحد، وحين انهدم فيها أعظم ركن للإسلام، وأقوى
حامية من حماته، أعني به: حمزة بن عبد المطلب، سيد الشهداء وعم الرسول (صلى إله عليه وآله).
عندها، أقبل الأصحاب يأخذون من تراب قبره، يتبركون به، ويسجدون عليه لله تعالى.
ثم سار الإماميون شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، على نهج النبي (صلى الله عليه وآله) وصحبه، فاتخذوا
قطعا صغيرة من الأرض، بغية السجود عليها، ورجحوا أن يكون ذلك من قبر أبي عبد الله الحسين (عليه
السلام)، سيد الشهداء بكربلاء، ليكون لهم نبراسا يسيرون على خطاه، فلا يسجدون إلا لله، على أرض
الله..
(283) ينظر: الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 6 / 315.
(284) ينظر: الغنية: ص 140، والمغني: ج 1 ص 517.
114

والأول: أصح!!
لقول النبي صلى الله عليه وآله: إذا سجد العبد سجد معه سبعة: وجهه،
وكفاه، وركبتاه، وقدماه (285).
والاحتياط يقتضي ذلك (286)، لأنه إذا سجد على الأعضاء السبعة، صحت
صلاته إجماعا، وإذا سجد على بعضها، بطلت صلاته عند قوم، وصحت عند آخرين،
فتعين الأول باليقين.
البحث الثالث عشر
في: وجوب التشهد الأول والثاني (287)
[أ]
اختلف المسلمون هنا
فذهب بعضهم: إلى وجوب التشهد الأول في الصلاة، والصلاة على النبي
وآله عليهم السلام.
وذهبت طايفة أخرى: إلى أن ذلك مستحب غير واجب.
والأول: أصح!!
لأن النبي صلى الله عليه وآله فعل ذلك، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي.

(285) ينظر: صحيح مسلم: ج 1 ص 355.
(286) وفي النسخة المرعشية: ورقة 48، لوحة ب، سطر 12: والاحتياط يقتضي فعله.
(287) وفي النسخة المرعشية: ورقة 49، لوحة أ، سطر 1: كلمة (والثاني) مضروب عليها، بينما الصحيح إبقاؤها،
حيث عبر عنه العلامة فيما بعد بعبارة: (التشهد الأخير).
115

والاحتياط يقتضيه، لأنه إذا صلى وتشهد التشهد الأول، وصلى على النبي
وآله عليهم السلام فيه، صحت صلاته بلا خلاف، فإذا أهمل التشهد والصلاة (288)،
بطلت صلاته عند قوم، وصحت عند آخرين، فيجب المصير إلى المجمع عليه.
[ب]
واختلف المسلمون في التشهد الأخير.
فأوجبه طائفة، وأوجبوا الصلاة على النبي وآله عليهم السلام فيه.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن ذلك غير واجب، بل، يكفي الجلوس ساكنا.
والأول: أصح!
لأن النبي صلى الله عليه وآله فعله، وقال لابن مسعود - لما علمه التشهد
-: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك.
والاحتياط يقتضيه أيضا، فإنه إذا تشهد، وصلى على النبي وآله عليهم
السلام، صحت صلاته بالإجماع (289)، وإذا ترك ذلك، بطلت صلاته عند بعضهم
وصحت عند آخرين، فتعين: الأول.
[ج]
واختلف المسلمون أيضا في تقديم التسليم.
فمنعه قوم: وقالوا إن الصلاة تبطل لو سلم قبل التشهد.
وقال آخرون: يجوز أن يقول في التحيات: (السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين) ثم يتشهد.

(288) وفي المخطوطة المرعشية: ورقة 48، لوحة ب، سطر 7: (وإذا أهمل التشهد في الصلاة).
(289) وفي النسخة المرعشية: ورقة 49، لوحة أ، سطر 13: (إجماعا).
116

والأول: أصح!!
لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فلو
سلم قبل التشهد، خرج من الصلاة ولم يتشهد، وذلك مبطل للصلاة لما تقدم (290)
والاحتياط يقتضيه، لأنه إذا تشهد قبل التسليم، صحت صلاته بالإجماع، وإذا ابتدأ
بالتسليم قبل التشهد بطلت صلاته عند بعضهم، وصحت عند آخرين، فتعين: الأول.
البحث الرابع عشر
في المكان، والماء، والثياب المغصوبة
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أنه لا تصح الصلاة في المكان المغصوب، ولا الوضوء بالماء
المغصوب، ولا الصلاة في ثوب المغصوب (291).
وقالت طائفة أخرى: تصح الصلاة في جميع ذلك.
والاحتياط يقتضي الأول، لأن الصلاة في المكان المباح، والثوب المباح،
والوضوء بالماء المباح، صحيحة بلا خلاف، وفعل ذلك في المغصوب، مبطل عند طائفة
[وغير مبطل عند طايفة (292)] فتعين الأول لأنه مجمع عليه، ولدلالة العقل عليه، من
قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، والقبيح لا يكون مأمورا به، فيبقى في عهدة
التكليف.

(290) وفي النسخة المرعشية: ورقة 49، لوحة أ، سطر 7 (لما قدم).
(291) وفي النسخة المرعشية: ورقة 49، لوحة ب، سطر 12: (في الثوب المغصوب)، وهو الصحيح.
(292) هذه الزيادة وردت في النسخة المرعشية: ورقة 50، لوحة أ، سطر 2.
117

البحث الخامس عشر
في: صلاة الضحى.
اختلف المسلمون في صلاة الضحى (293)
فقالت طائفة: إنها غير مشروعة
وقالت طائفة أخرى: إنها مستحبة.
واحتج الأولون بما رواه الحميدي في الجمع بين صحيح مسلم والبخاري: عن
مروان العجلي (294) قال: قلت لابن عمر: تصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال:
لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي صلى الله عليه وآله؟ قال: لا.
وفي الجمع بين الصحيحين: في مسند عايشة قالت: النبي (295) (صلى الله عليه
وآله) ما صلى صلاة الضحى.
وفي الجمع بين الصحيحين: عن عبد الله بن عمر أنه قال عن صلاة الضحى
إنها بدعة (296).

(293) هناك بحث مفصل عند السيوطي، بعنوان: جزء في صلاة الضحى، ينظر: الحاوي للفتاوي: 1 / 59 - 73.
(294) وفي النسخة المرعشية: ورقة 50، لوحة أ، سطر 6 - 7: (بما رواه محمد الحميدي في الجمع بين صحيحي مسلم
والبخاري عن مسروق العجلي).
(295) وفي النسخة المرعشية: ورقة 50، لوحة أ، سطر 10: (إن النبي)، بزيادة (إن).
(296) ينظر: الحاوي للفتاوي: 1 / 73.
118

وعن أحمد بن حنبل في مسنده: إن أبا بشير الأنصاري وأبا سعيد بن نافع،
رأيا رجلا يصلي صلاة الضحى، فعيبا ذلك عليه ونهياه عنها.
وإذا كانت قد وردت بإخبار صحيحة تدل على إنها بدعة، تعين تركها، لأن
تركها غير حرام، وفعلها على هذه الرواية حرام، فيكون تركها أحوط وأبرأ للذمة.
البحث السادس عشر
في: الصلاة خلف الفاسق
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أن شرط إمام الصلاة العدالة (297)، فلا تصح الصلاة
خلف الفاسق.
وقالت طائفة أخرى: يجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر (298).
والأول: أصح!
لقوله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا (299)) *، وقال تعالى: * (إن جاءكم
فاسق بنبأ فتبينوا (300).) *

(297) وفي النسخة المرعشية: ورقة 50، لوحة ب، سطر 4: (إلى أن الشرط للإمام في الصلاة العدالة).
(298) ينظر: عوالي اللئالي: 1 / 37.
(299) سورة هود، الآية 114.
(300) سورة الحجرات، الآية 7.
119

والاحتياط يقتضيه، لأنه إذا صلى خلف العدل، صحت صلاته بلا خلاف،
وإذا صلى خلف الفاسق، بطلت صلاته عند قوم، وصحت عند آخرين. فتعين المجمع
عليه، ولأن الثقة إنما يحصل بقول العدل.
البحث السابع عشر
في: القصر (301).
[أ]
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى وجوب قصر الصلاة في سفر الطاعة.
وقالت طائفة أخرى: هو مخير بين القصر والتمام (302).
فتعين الأول، لأنه أحوط، فإنه إذا قصر صحت صلاته بلا خلاف، وإذا
تمم (303)، بطلت عند جماعة وصحت عند آخرين، فيجب الأخذ بالحكم المجمع عليه
وترك المختلف فيه.

(301) الزهري عن عروة عن عائشة: إن الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت الصلاة في السفر، وأتمت صلاة الحضر.
قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان، ينظر: صحيح
مسلم: باب صلاة المسافرين وقصرها، ح 3، والبخاري: باب تقصير الصلاة: 1 / 134، وقد حذف (في السفر)
من لفظ الحديث، حفظا لكرامة أم المؤمنين طبعا، والمقصود بعروة هنا هو: عروة بن الزبير.
(302) وفي النسخة المرعشية: ورقة 50، لوحة ب، سطر 12: (وقالت طائفة أخرى إلى الجواز، بل، هو مخير بين
القصر والإتمام).
(303) وفي النسخة المرعشية: ورقة 51، لوحة أ، سطر 1: (وإذا تمم صلاته).
120

[ب]
واختلف المسلمون أيضا في تحريم القصر في سفر المعصية.
فذهب قوم: إلى تحريمه.
وقال آخرون: إنه جايز وليس واجبا بالإجماع.
والحق: الأول!!
لأن التقصير رخصة، والمعاصي لا يناط بها الرخص (304).
والاحتياط يقتضيه لأنه إذا تمم صلاته صحت بالإجماع، وإذا قصر بطلت عند
بعضهم وصحت عند آخرين. فتعين الأخذ بالمتفق عليه.
[ج]
واختلف المسلمون (305): في الظهرين إذا جمع بينهما.
فذهبت طائفة: إلى أنه يجب تقدم الظهر على العصر.
وقال بعضهم: يجوز تقديم العصر على الظهر (306)، وهو مخالف لفعل النبي
(صلى الله عليه وآله (307))، فإنه قدم الظهر دائما.
والاحتياط يقتضي: الأول
لأنه إذا قدم الظهر على العصر، صحت صلاته بالإجماع، وإذا لم يقدم الظهر
بطلت صلاته عند قوم وصحت عند آخرين، فتعين الأول المجمع عليه.

(304) وفي النسخة المرعشية: ورقة 51، لوحة أ، سطر 5: (لا يناط بها الترخص).
(305) وفي النسخة المرعشية: ورقة 51، لوحة أ، سطر 7: (واختلف المسلمون أيضا).
وينظر: عوالي اللئالي: 1 / 66.
121

البحث الثامن عشر
في: ابتداء صلاة المغرب
اختلف المسلمون هنا
فذهبت طائفة: إلى أن أول وقت المغرب غيبوبة الحمرة المشرقية.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن أول الوقت غروب الشمس.
والأول أحوط، لأنه إذا صلى بعد غيبوبة الحمرة، صحت صلاته بالإجماع.
وإذا صلى قبل ذلك، بطلت صلاته عند بعضهم، وصحت عند آخرين، فيجب المصير
إلى المجمع عليه (308).

(306) وفي النسخة المرعشية: ورقة 51، لوحة أ، سطر 9: إنه يجوز تقديم العصر على الظهر.
(307) وفي النسخة المرعشية: ورقة 51، لوحة أ، سطر 9: (وهو يخالف النبي (صلى الله عليه وآله)، فإنه تقدم الظهر
دائما).
(308) ينظر الكافي: 3 / 280، كتاب الصلاة، ب 6 ح 9.
122

المسألة الثانية عشرة
في: الصوم
[أ]
اختلف المسلمون في وقت الإفطار.
فذهبت طائفة: إلى تحريم الإفطار قبل ذهاب الحمرة المشرقية.
وجوزه: آخرون:
والاحتياط يقتضي: الأول.
لأنه إذا أفطر قبل ذلك، بطل صومه عند بعضهم ووجب عليه القضاء
والكفارة، وصح عند آخرين، وإذا أفطر بعد غيبوبة الحمرة المشرقية، صح صومه
إجماعا، فتعين الثاني عملا بالمجمع عليه، فإنه أولى من المختلف فيه.
[ب]
واختلفوا في النية. (309)
فذهب قوم: إلى أنها شرط لا يصح الصوم بدونها.
وقال آخرون: يصح الصوم بدونها.
والاحتياط يقتضي: الأول.

(309) كثرت البحوث في النية، بدء بتحديد ماهيتها.
ترى، أهي العزم؟ أم الإرادة؟ أم انبعاث النفس أو فعل في القلب؟ حيث قد تعددت آراء الفقهاء واللغويين
في الوصول إلى حقيقتها، ثم في ضرورتها، ينظر: الخلاف: 1 / 103، والشرائع: 1 / 21، وقواعد الأحكام: 1 / 9،
وأصول الكافي: 2 / 61، والذريعة: 18 / 350، 24 / 439 - 441، وغيرها.
123

لأنه إذا صام ناويا، صح صومه، بلا خلاف، وإذا لم ينو صح عند بعضهم
خاصة، فتعين: الأول، مع أن الله تعالى، أمر بالإخلاص في العبادة، وإنما يصح بالنية.
* * * * * *
وإذا تحققت هذه المطالب (310)، فلنختم هذه الرسالة بذكر الفصلين (311).

(310) وفي النسخة المرعشية: ورقة 52، لوحة أ، سطر 2: (وإذا قد تحقق هذه المطالب).
(311) وفي المصدر نفسه: سطر 3: (.. بذكر فصلين).
124

الفصل الأول
في: ذكر أفعال
ورد الترغيب
أو الترهيب عنها
125

المقصد الأول
في: المرغب فيها
وفيه: حقول
(الحق الأول)
(في: إكثار التسبيح) (1)
منها:
ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: (أكثروا من: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة، لهن مقدمات، ومؤخرات ومعقبات،
وهن الباقيات الصالحات) (2).
وقال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه ذات يوم: أرأيتم لو جمعتم ما عندكم من
الثياب والأبنية، ثم وضعتم بعضه على بعض، أكنتم ترونه يبلغ السماء؟ قالوا: لا،
يا رسول الله (3).

(1) هذا العنوان، إنما وضعناه للضرورة المنهجية، وليس هو من المخطوطتين المعتمدتين.
محله فقط: (فمن المرغب فيها).
(2) ثواب الأعمال: ص 9، 11.
(3) في النسخة المرعشية: ورقة 132، لوحة أ، سطر 9: (قالوا: لا)، بدون عبارة: (يا رسول الله).
127

قال (صلى الله عليه وآله): أفلا أدلكم على شئ أصله في الأرض، وفرعه في
السماء؟ فقالوا: بلى يا رسول الله.
قال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاة الفريضة: سبحان الله، والحمد لله، ولا
إله إلا الله، والله أكبر، ثلاثين مرة، فإن أصلهن في الأرض، وفرعهن في السماء، وهن
يدفعن: الهدم، والحرق، والغرق، والتردي في البئر، وأكل السبع، وميتة السوء، والبلية
التي تنزل من السماء على العبد في ذلك اليوم، وهن الباقيات الصالحات (4).
وقال عليه السلام: ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من عدوكم ويدر رزقكم؟
قالوا: بلى.
قال: تدعون بالليل والنهار، وإن سلاح المؤمن الدعاء (5).
وعن الصادق عليه السلام قال: جاء الفقراء إلى رسول الله (صلى الله عليه
وآله)، فقالوا: يا رسول الله، إن للأغنياء ما يعتقون وليس لنا، ولهم ما يحجون وليس لنا،
ولهم ما يتصدقون وليس لنا، ولهم ما يجاهدون وليس لنا..؟.
فقال (صلى الله عليه وآله): من كبر الله مائة مرة كان أفضل من عتق رقبة،
ومن سبح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة، ومن حمد الله مائة مرة كان
أفضل من حملان ألف فرس (6) في سبيل الله بسرجها ولجمها وركبها، ومن قال لا إله
إلا الله مائة مرة (7)، كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلا من زاد. فبلغ ذلك
الأغنياء فصنعوا به.

(4) ثواب الأعمال: ص 12، وينظر: جامع الأخبار: ص 63.
(5) الكافي: 2 / 468، كتاب الدعاء ح 3 ب 2، وفي ألفاظ الحديث اختلاف يسير. وينظر: ثواب الأعمال: ص 26.
والذي في النسخة المرعشية: ورقة 52، لوحة ب سطر 4: (فإن سلاح المؤمن الدعاء).
(6) وفي النسخة المرعشية: ورقة 52، لوحة ب، سطر 10: (من حملان مائة فرس).
والحملان: ما يحمل عليه من الدواب، في الهبة خاصة، كما في المنجد في اللغة: ص 156.
(7) وفي النسخة المرعشية: ورقة 52، لوحة ب، سطر 11: (ومن قال ماية لا إلاه إلا الله، كان أفضل..).
128

فعادوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله): فقالوا: يا رسول الله قد بلغ الأغنياء
ما قلت وصنعوه، قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (8).
(الحقل الثاني)
في: إتيان المساجد (9)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) حكاية عن الله تعالى: ألا أن بيوتي في
الأرض المساجد، تضئ لأهل السماء، كما تضئ النجوم لأهل الأرض.
ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لمن توضأ في بيته ثم زارني في
بيتي، ألا إن للمزور كرامة الزاير (10)، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور
الساطع يوم القيامة (11).
ومن أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا، لم تزل الملائكة وحملة العرش
يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من السراج (12).

(8) ثواب الأعمال: ص 11.
والكافي: 2 / 505، كتاب الدعاء ح 1، ب 29، وفي ألفاظ الحديث اختلاف يسير.
(9) هذا العنوان، ليس هو من المخطوطتين المعتمدتين، وإنما وضعناه للضرورة المنهجية. نعم، محله فقط: (ومنها: إتيان
المساجد).
(10) وفي النسخة المرعشية: ورقة 53، لوحة أ، سطر 4: (على المزور).
(11) ثواب الأعمال: ص 28.
وينظر: الوسائل: 1 / 268، كتاب الطهارة، ب 10 من أبواب الوضوء، ح 5.
(12) ثواب الأعمال: ص 29.
والوسائل: 3 / 513، كتاب الصلاة، ب 24 من أبواب أحكام المسجد، ح 1.
129

(الحقل الثالث)
في: المحافظة على الفرائض (13)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذه الصلوات الخمس المفروضات:
من أقامهن وحافظ على مواقيتهن، لقي الله يوم القيامة، وله عنده عهد يدخل به
الجنة. ومن لم يصلهن لمواقيتهن، فذلك إليه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه (14).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما من صلاة يحضر وقتها، إلا نادى
ملك بين يدي الناس، أيها الناس قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم،
فاطفئوها بصلاتكم (15).
(الحقل الرابع)
في: الأذان والإقامة (16)
قال أمير المؤمنين عليه السلام: من صلى بأذان وإقامة، صلى خلفه صف من
الملائكة لا يرى طرفاه، ومن صلى بإقامة صلى خلفه ملك واحد (17).

(13) هذا العنوان، ليس هو من المخطوطتين المعتمدتين، وإنما وضعناه للضرورة المنهجية. نعم، محله فقط: (ومنها:
المحافظة على الفرائض).
(14) ينظر: ثواب الأعمال: ص 28.
والكافي: 3 / 265 - 266، كتاب الإيمان والكفر، ب 2، ح 2.
(15) ثواب الأعمال: ص 34.
(16) هذا العنوان، أزيد للضرورة، وكان محله في المخطوطتين: (ومنها: الأذان والإقامة).
(17) ثواب الأعمال: ص 32.
والذي في المخطوطة المرعشية: ورقة 53، لوحة ب، سطر 3: كلمة (واحد) غير موجودة.
130

(الحقل الخامس)
في: طول السجود (18)
قال الصادق عليه السلام: إن العبد إذا أطال السجود، حيث لا يراه أحد،
قال الشيطان: واويلاه، أطاعوا وعصيت، وسجدوا وأبيت (19).
وأقرب ما يكون العبد إلى الله إذ هو ساجد (20).
وأيما مؤمن سجد لله وشكر نعمة من غير صلاة (21)، كتب الله له بها عشر
حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات (22).
(الحقل السادس)
في: صلاة الجماعة (23)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد
بخمس وعشرين صلاة (24).

(18) هذا العنوان: أزيد للضرورة، وكان محله في المخطوطتين: (ومنها: طول السجود).
(19) ثواب الأعمال: ص 33.
(20) المصدر نفسه: ص 34.
(21) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 53، لوحة ب، سطر 7: (في غير صلاة).
(22) ثواب الأعمال: ص 34.
والذي في النسخة المرعشية: ورقة 53، لوحة ب، سطر 8: (ورفع له عشر درجات في الجنان).
(23) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها صلاة الجماعة).
(24) ينظر: الكافي: 3 / 371، ب 49، ح 1، 3 / 372 - 373، ب 49 ح 2، وصحيح مسلم: ج 1 ص 450، وثواب
الأعمال: ص 36، وعوالي اللئالي: 1 / 109.
131

(الحقل السابع)
في: صلاة الليل (25)
قال الصادق عليه السلام: شرف المؤمن صلاة الليل، وعز المؤمن كفه عن
الناس (26)
وصلاة الليل تبيض الوجوه (27)، وتطيب الريح، وتجلب الرزق (28).
(الحقل الثامن)
في: التعقيب (29)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل: يا ابن آدم، اذكرني بعد
الغداة ساعة، وبعد العصر ساعة، أكفك ما أهمك (30).

(25) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها صلاة الليل).
(26) ثواب الأعمال: ص 40.
(27) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 53، لوحة ب، سطر 12: (الوجه)، بدلا من الوجوه.
(28) ثواب الأعمال: ص 40.
(29) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: التعقيب).
(30) ثواب الأعمال: ص 44.
132

(الحقل التاسع)
في: الصدقة (31)
قال أمير المؤمنين عليه السلام: في وصيته: الله الله في الزكاة، فإنها تطفي
غضب ربكم (32).
وقال الصادق عليه السلام: حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم
بالصدقة، وما تلف مال في بر ولا بحر، إلا بمنع الزكاة منه (33).
وقال عليه السلام: أيما مؤمن أطعم مؤمنا، في ليلة من شهر (34)، كتب الله له
بذلك مثل أجر من أعتق ثلاثين نسمة مؤمنة، وكان له بذلك عند الله دعوة
مستجابة (35).

(31) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: الصدقة).
(32) ثواب الأعمال: ص 45.
(33) ثواب الأعمال: ص 45.
وينظر الكافي: 4 / 1، كتاب الزكاة، باب النوادر، ح 5.
والكافي: 4 / 3، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة، ح 5.
(34) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة أ، سطر 5: (ليلة في شهر رمضان)، بدلا من: (في ليلة من شهر).
(35) ثواب الأعمال: ص 131.
133

وعن الباقر عليه السلام: عبد الله عابد ثمانين سنة، ثم أشرف على امرأة
فوقعت في نفسه، فنزل إليها، فراودها عن نفسها، فتابعته، فلما قضى منها حاجة (36) طرقه
ملك الموت فاعتقل لسانه، فمر به سائل، فأشار إليه: أن خذ رغيفا (37)، كان في كسائه،
فأحبط الله عمل ثمانين سنة بتلك الزنية، وغفر له بذلك الرغيف (38).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدقة تمنع ميتة السوء (39).
وقال صلى الله عليه وآله: الصدقة على خمسة أجزاء:
جزء الصدقة فيه بعشرة وهي الصدقة على العامة، قال الله تعالى: * (من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها (40)) *
وجزء الصدقة فيه بسبعين، وهي الصدقة على ذوي العاهات.
وجزء الصدقة فيه بسبعمائة، وهي الصدقة على ذوي الأرحام.
وجزء الصدقة فيه سبعة آلاف، وهي الصدقة على العلماء.
وجزء الصدقة فيه بسبعين ألفا، وهي الصدقة على الموتى (41).

(36) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة أ، سطر 9: (حاجته)، بدلا من (حاجة).
(37) وفي النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة ب، سطر 10: (يأخذ)، بدلا من (خذ).
(38) ثواب الأعمال: ص 134.
(39) ينظر: الكافي: 4 / 2، كتاب الزكاة ب 48، ح 1، وثواب الأعمال: ص 135.
(40) سورة الأنعام: آية 160.
(41) وقد نقل هذا الحديث: العلامة النوري في مستدركه: 1 / 536، باب 18، ح 11، والحر في وسائله: 4 / 256،
كتاب الزكاة، باب 1 من أبواب الصدقة، ح 7، وابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي: 1 / 354.
134

وقال صلى الله عليه وآله: أرض القيامة نار، ما خلا ظل المؤمن، فإن صدقته
تظله (42).
وقال الرضا عليه السلام: ظهر في بني إسرائيل قحط شديد سنين متواترة،
وكانت عند امرأة لقمة من خبز، فوضعتها لتأكلها (43)، فنادى السائل: يا أمة الله
الجوع، فقالت المرأة أتصدق في مثل هذا الزمان، فأخرجتها من فمها، فدفعتها إلى
السائل، وكان لها ولد صغير يحتطب في الصحراء، فجاء الذئب فحمله، فوقعت
الصيحة فعدت الأم في أثر الذئب، فبعث الله جبرئيل عليه السلام، فأخرج الغلام
من فم الذئب فدفعه إلى أمه، فقال لها (44): يا أمة الله! أرضيت لقمة بلقمة (45)؟!.
(الحقل العاشر)
في: مساعدة المؤمن (46)
قال زين العابدين عليه السلام: من قضى لأخيه حاجة، فبحاجة الله بدأ،
قضى الله له بها مائة حاجة إحداهن الجنة (47).

(42) ينظر: الكافي: 4 / 3، كتاب الزكاة، ب 48 ح 6، وثواب الأعمال: ص 135، وفقيه من لا يحضره الفقيه: 2 / 37،
باب فضل الصدقة، ح 1.
(43) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة ب، سطر 7: (فوضعتها في فمها لتأكلها)، بدلا من: (فوضعتها
لتأكلها).
(44) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة ب، سطر 11: (فقال لها جبرئيل)، بدلا من: (فقال لها).
(45) ثواب الأعمال: ص 134 - 135، وينظر: الوسائل: 4 / 264، كتاب الزكاة، باب 7 من أبواب الصدقة، حديث
4.
(46) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: مساعدة المؤمن).
(47) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 54، لوحة ب، سطر 13:.. فبحاجة الله أبدأ، وقضى له مائة حاجة،
إحداهن الجنة، بزيادة واو العطف قبل (قضى).
135

ومن نفس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرب القيامة، بالغا ما بلغت.
ومن اعانه على ظالم له، اعانه الله على إجازة الصراط، عند دحض الأقدام،
ومن سعى له في حاجته، حتى قضاها له، فسر بقضائها، فكان كإدخال ذلك
السرور (48) على رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من رحيق المختوم (49)، ومن أطعمه من جوع،
أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري، كساه الله من إستبرق وحرير، ومن
كساه من غير عري، لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسو من الثوب سلك، ومن
أخدمه أخاه المؤمن ما هنا بمهنة (50)، ويشد به عضده (51)، أخدمه الله من الولدان
المخلدين وأسكنه مع أوليائه الطاهرين، ومن حمله من رحله، بعثه الله يوم القيامة،
على ناقة من نوق الجنة، يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته، فكأنما كساه من يوم
ولدته أمه إلى يوم يموت. ومن زوجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها، آنسه الله في قبره
بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده عند مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف،
وتقول طبت وطابت لك الجنة، والله لقضاء حاجة أحب إلى الله من صيام شهرين
متتابعين في اعتكافهما (52).

(48) وفي النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة أ، سطر 4: (كإدخال ذلك على رسول الله (عليه السلام)).
(49) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة أ، سطر 5: (الرحيق المختوم)، وهو: الصحيح.
(50) قال الطريحي (قدس سره) ومهن مهنا - من بابي: قتل، ونفع -: خدم غيره، والفاعل: ما هن، والأنثى: ماهنة،
والجمع: مهان، مثل: كافر وكفار، وامتهنه: استخدمه، مجمع البحرين: مادة (مهن).
ومنه عن سيد الساجدين (عليه السلام) في دعاء الهلال: (.. إمتهنك بالزيادة والنقصان)، أي: استعملك.
وروى ابن سعد:.. عن إبراهيم بن الأسود قال: قلت لعائشة: ما كان رسول الله (صلعم) يصنع في بيته؟
قالت: كان في مهنة أهله..، طبقات ابن سعد: ج 1 ق 2 ص 91 - طبعة 1322 ه‍.
(51) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة أ، سطر 8: ومن أخدم أخاه المؤمن، ما هنا يمهنه ويشدد به عضده).
(52) ثواب الأعمال: ص 131 - 132، 140 - 141، وينظر: الوسائل: 6 / 564 - 565، كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، باب 22 من أبواب فعل المعروف، ح 5، نقلا عن ثواب الأعمال.
136

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أغاث أخاه المسلم حتى يخرجه
من هم وكربة وورطة، كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات (53)، ورفع له
عشر درجات، وأعطاه الله ثواب عتق عشر نسمات، ودفع عنه عشر نقمات، وأعد له
يوم القيامة عشر شفاعات (54).
ومن أكرم أخاه المؤمن المسلم، بكلمة أو بلقمة فرج بها كربته، لم يزل في ظل
الله الممدود. والرحمة، ما كان في ذلك (55).
ومن لقي أخاه بما يسره، سره الله يوم القيامة. ومن ألقى أخاه بما أساءه (56)،
ساءه الله يوم يلقاه (57).
ومن تعظيمه تعالى إجلال ذي الشيبة المؤمن (58).
ومن عرف فضل شيخ كبير، فوقره لسنه، آمنه الله من فزع يوم
القيامة (59).

(53) هذه الجملة: (ومحا عنه عشر سيئات)، غير موجودة في النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة ب، سطر 4.
(54) ثواب الأعمال: ص 143.
(55) الصدر نفسه.
وينظر: الكافي: 2 / 206، كتاب الإيمان والكفر، باب في إلطاف المؤمن وإكرامه، ح 5.
(56) وفي النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة ب، سطر 8: (ومن لقي أخاه بما يسوؤه)، بدلا من (ومن ألقى أخاه بما
أساءه)، يبدو: أن ما في المرعشية هو الصحيح.
غير أن مجمعيي اللغة العربية قالوا: أساء فلانا - وله، وإليه، وعليه.
وبه -: ساءه، كما في المعجم الوسيط: 1 / 460.
(57) ثواب الأعمال: ص 146.
(58) المصدر نفسه: ص 182 - 183.
(59) ثواب الأعمال: ص 182.
137

وقال الصادق عليه السلام: إذا قبض الله روح المؤمن، صعد ملكاه إلى
السماء، فقالا ربنا عبدك فلان ونعم العبد، كان لك سريعا في طاعتك، وبطيئا في
معصيتك (60)، وقد قبضته إليك، فماذا تأمرنا من بعده؟
وقال: فيقول الله تعالى لهما (61): إهبطا إلى الدنيا فكونا عند قبر عبدي
فمجداني وسبحاني وهللاني وكبراني، واكتبا ذلك لعبدي حتى أبعثه من قبره (62).
وإذا بعث الله المؤمن من قبره، خرج معه مثال يقدمه أمامه (63)، وكلما رأى
المؤمن هولا من أهوال يوم القيامة، قال له المثال (64): لا تحزن ولا تفزع وأبشر بالسرور
والكرامة من الله (65)، ولا يزال يبشره بالسرور والكرامة من الله عز وجل (66)، حتى
يقف بين يدي الله عز وجل، فيحاسبه حسابا يسيرا، ويأمره إلى الجنة، والمثال أمامه،
فيقول: رحمك الله نعم الخارج، خرجت معي من قبري، وما زلت تبشرني بالسرور
والكرامة من الله تعالى، حتى رأيت ذلك، فمن أنت؟ فيقول له المثال: أنا السرور
الذي كنت تدخله على أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله منه لا بشرك (67).

(60) وفي النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة ب، سطر 12: (وبطيئا عن معصيتك)، بدلا من: (وبطيئا في معصيتك).
(61) وفي النسخة المرعشية: ورقة 55، لوحة ب، سطر 13: (قال الصادق (عليه السلام): فيقول عز وجل لهما:).
(62) ثواب الأعمال: ص 181 - 182، 193، وفي الألفاظ اختلاف يسير.
(63) وفي النسخة المرعشية: ورقة 56، لوحة أ، سطر 3: (يقدم أمامه) بدلا من (يقدمه أمامه).
(64) في النسخة المرعشية: ورقة 56، لوحة أ، سطر 4: (وقال له المثال)، ويبدو الصحيح: بدون واو العطف.
(65) وفي النسخة المرعشية: ورقة 56، لوحة أ، سطر 5: من الله عز وجل.
(66) عبارة: (عز وجل)، غير موجودة في النسخة المرعشية: ورقة 56، لوحة أ، الهامش الأيمن.
(67) الكافي: 2 / 190، كتاب الإيمان والكفر، ب 82، ح 8، وفي الحديث هنا زيادة هي: فلا يزال يبشر، بالسرور
من الله تعالى.
وينظر: ثواب الأعمال: 144 - 145، وفي ألفاظ الحديث اختلاف يسير.
138

(الحقل الحادي عشر)
في: تعظيم العلماء (68)
قال الله تعالى: * (قل: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (69).) *
* (إنما يخشى الله من عباده العلماء (70).) *
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الناس لكم تبع، وأن رجالا يأتونكم
من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم استوصوا بهم خيرا (71).

(68) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: تعظيم العلماء).
(69) سورة الزمر، الآية 10.
(70) سورة فاطر، الآية 29.
(71) ينظر: عوالي اللئالي: ج 1 ص 357.
والذي في النسخة المرعشية: ورقة 56، لوحة أ، سطر 13: (فاستوصوا)، بدلا من (استوصوا).
139

وقال عليه السلام: من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من
طرق الجنة، وأن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وأن العالم ليستغفر له من
في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وأن فضل العالم على
العامل (72)، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبياء،
وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر،
إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوت
ليصلون على معلم الناس الخير، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد (73).
وقال عليه السلام: من أكرم فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض
ومن أهان فقيها مسلما، لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان.

(72) ويبدو الصحيح: (على العابد)، كما هو الحال في الكافي: 1 / 34.
(73) ينظر: الكافي: 1 / 34، كتاب فضل العلم، ب 4، ح 1.
وثواب الأعمال: ص 214، وعوالي اللئالي: 1 / 359.
140

المقصد الثاني
في: الترهيب عنها
وفيه: حقول
(الحقل الأول)
في: الكبر (74)
قال الباقر عليه السلام: العز رداء الله، والكبرياء أزاره، فمن حاول شيئا منهما
أكبه الله في جهنم (75).
وقال الباقر والصادق عليهما السلام: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال
ذرة من الكبر (76).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أكثر أهل النار المتكبرون (77).

(74) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (وأما الترهيب عنها فأمور، ومنها: الكبر).
(75) عقاب الأعمال: ص 214.
(76) المصدر نفسه: ص 214 - 215، وينظر: عوالي اللئالي: 1 / 34، وفيه تفسير للحديث وتوجيه.
وينظر الحديث في النهاية: 1 / 12.
وصحيح مسلم: 1 / 93. كتاب الإيمان، باب يحرم الكبرياء وبيانه، ح 149.
(77) عقاب الأعمال: ص 215.
141

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة،
ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان وملك جبار ومقل مختال (78).
(الحقل الثاني)
في: فعل الخير لغير الله تعالى (79)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يؤمر برجال إلى النار، فيقول الله عز وجل
لملك: قل للنار لا تحرق لهم أقداما، فقد كانوا يمشون إلى المساجد، ولا تحرق لهم فرجا
فقد كانوا يعفون، ولا تحرق لهم وجها فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيديا
فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم السنة، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن.
قال: فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء! ما كان حالكم؟ قالوا: كنا نعمل لغير
الله عز وجل، لتأخذوا ثوابكم ممن عملتم له (80).

(78) المصدر نفسه: ص 216.
والمقل: الفقير، النسخة المرعشية: ورقة 57، لوحة أ، بين سطري 2 - 3.
(79) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: فعل الخير لغير الله تعالى).
(80) عقاب الأعمال: ص 217.
وفي النسخة المرعشية: ورقة 57، لوحة أ، سطر 8: (فقيل: لتأخذوا..).
142

(الحقل الثالث)
في: أذى المؤمن (81)
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من آذى مؤمنا بغير حق، فكأنما هدم مكة
وبيت الله المعمور عشر مرات، وكأنما قتل ألف ملك من المقربين.
وقال عليه السلام: لا يرحم الله من لا يرحم الناس.
وقال عليه السلام: الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم
من في السماء (82).

(81) وفي النسخة المرعشية: ورقة 57، لوحة أ، سطر 9: (ومنها: أذى المؤمن)، فقط.
(82) قالوا: والمسلسل بالأولية، أي المنسوب للأول، من حيث أن كل راو، إنما يرويه إلى من لم يسمع منه شيئا من
الأحاديث.
ومثاله: (حديث: الراحمون يرحمهم الرحمان..).
فيقول الراوي: سمعت حديث الرحمة - المسلسل بالأولية -: من شيخي فلان، وهو أول حديث سمعته منه.
ويقول شيخ شيخه: سمعت من شيخي، وهو أول حديث سمعته منه وهكذا إلى تمام السلسلة، من جهة
الصعود.
فأول حديث تأخذه عن الشيخ يقال له: حديث الأولية، ينظر: لقط الدرر: ص 136، والاقتراح في بيان
الاصطلاح: ص 202 - 203، وبغية الوعاة: 2 / 396.
هذا، والحديث في سنن أبي داوود: ج 5 ص 231، رقم 4941، وفيه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومسدد
المعني، قالا: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي قابوس مولى لعبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، يبلغ
به النبي (صلى الله عليه وسلم): (الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم من في السماء)..
وفي سنن الترمذي: ج 6 ص 172، رقم 1925، وفيه: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن عمرو بن
دينار، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (الراحمون يرحمهم
الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحمة شجنة - بضم الشين وكسرها: عروق الشجر
المشتبكة - من الرحمان، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح.
143

وقال الصادق عليه السلام: قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من آذى
عبدي المؤمن، وليأمن من غضبي من أكرم عبدي المؤمن (83).
وقال الصادق عليه السلام: ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا
خذله الله في الدنيا والآخرة (84).
وأيما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب، ضرب الله بينه وبين الجنة سبعين
ألف سور، مسيرة ألف عام ما بين السور إلى السور (85).
وأيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه أو من عند غيره،
أقامه الله عز وجل يوم القيامة مسودا وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه،
فيقال: هذا الخاين الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار (86).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر،
وأكل لحمه معصية لله (87).

(83) عقاب الأعمال: ص 230.
(84) المصدر نفسه: ص 230، ثواب الأعمال: ص 142.
(85) ينظر: عقاب الأعمال: ص 232.
(86) عقاب الأعمال: ص 232.
(87) عقاب الأعمال: ص 232، وينظر الكافي - ط 3 -: 1 / 359 - 360، ح 2، والزهد - تحقيق عرفانيان -: ص
11، ح 23، وفقيه من لا يحضره الفقيه - ط 2 -: ج 4 ص 41 8، ح 5913، وثواب الأعمال: ص 287، ح 2،
والمواعظ للصدوق: ص 51، والمحاسن للبرقي: ص 102، ح 27، ومكارم الأخلاق: ص 470، ومشكاة الأنوار:
ص 100، وأعلام الدين: ص 60، وعوالي اللآلي: ج 1 ص 362، ح 44، وبحار الأنوار: ج 75، ص 150،
ح 16، ينظر: تراثنا: ع 3 سنة 1406 ه‍ ص 182.
144

(الحقل الرابع)
في: قطيعة الرحم (88)
قال الصادق عليه السلام: طلب المنصور العلوية من المدينة (89)، فلما وصلنا
إليه، خرج إلينا الربيع الحاجب، قال (90): ليدخل على أمير المؤمنين منكم: اثنان،
فدخلت أنا وعبد الله بن الحسن (91).
فلما جلسنا عنده قال (92): أنت الذي يعلم الغيب؟ قلت: لا يعلم الغيب إلا
الله.
قال (93): أنت الذي يجبى إليك الخراج؟
فقلت: الخراج يجبى إليك (94).
فقال: أتدري لم دعوتكم؟
فقلت: لا
قال: إنما دعوتكم: لأخرب رباعكم، وأوغر قلبكم، وأنزلكم بالشراة (95)، ولا
ادع أحدا من أهل الشام والحجاز يأتون إليكم، فإنهم لكم مفسدة.

(88) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: قطيعة الرحم).
(89) وفي النسخة المرعشية: ورقة 57، لوحة ب سطر 11: (طلبني المنصور العلوي)، وهو اشتباه.
(90) وفي النسخة المرعشية: ورقة 57، لوحة ب، سطر 12: (فقال)، بدلا من (قال).
(91) وفي مقاتل الطالبيين: ص 350: (.. قال: فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد..).
(92) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة أ، سطر 1: (وقال لي)، بدلا من (قال)، والصحيح فيما يبدو: (قال لي)،
بدون واو العطف.
(93) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة أ، سطر 2: (فقال).
(94) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة أ، سطر 2: بل الخراج يجبى إليك.
(95) والذي في النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة أ، سطر 4: (السراة)، وكذا في مقاتل الطالبيين، وعوالي اللئالي،
هذا، والسراة: اسم موضع، ينظر مثل: المنجد في الأعلام: ص 352.
145

فقلت: إن أيوب عليه السلام ابتلي فصبر، وأن يوسف عليه السلام ظلم
فغفر، وأن سليمان عليه السلام أعطي فشكر، وأنت من نسل أولئك القوم. فسري
عنه ذلك.
ثم قال: حدثني الحديث الذي حدثتني به منذ أوقات عن رسول الله صلى
الله عليه وآله.
فقلت: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال:
إن الرحم حبل ممتد من الأرض إلى السماء، يقول قطع الله من قطعني، ووصل من
وصلني.
فقال: لست أعني ذلك.
فقلت: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: قال
الله تعالى: أنا الرحمان خلقت الرحم، وشققت له اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته،
ومن قطعها بتتته.
فقال: لست أعني ذلك.
فقلت: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
إن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاث سنين فوصل رحمه،
فجعلها الله ثلاثين سنة، وأن ملكا من ملوك بني إسرائيل كان قد بقي من عمره ثلاثون
سنة، قطع رحمه (96) فجعلها الله ثلاث سنين.

(96) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 4: (فقد قطع رحمه)، وهو اشتباه.
146

فقال: هذا الذي قصدت، والله لأصلن اليوم رحمي، ثم سرحنا إلى أهلنا
سراحا جميلا (97).
(الحقل الخامس)
في: شرب الخمر (98)
قال الصادق عليه السلام: مدمن الخمر يلقى الله كعابد وثن (99)، ومن شرب
منه شربة لم يقبل الله عز وجل (100) صلاته أربعين يوما (101).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربع لا تدخل بيتا (102)، إلا خرب ولم
تعمره البركة: الخيانة، والسرقة، وشرب الخمر، والزنا (103).

(97) ينظر: الموفقيات للزبير بن بكار، وروضة الواعظين: 1 / 208 - 209، والمستدرك: كتاب النكاح، باب 10 من
أبواب النفقات، حديث 29، وعوالي اللئالي: 1 / 362 - 363، ومقاتل الطالبيين: ص 350 - 352، وفيه: الخبر
مسند، ومن هذا نفهم أن أخبار العلامة في هذه الرسالة، هي أساسا مسندة، وليست مرسلة، وإنما جعلها هكذا،
روما للاختصار، ومتطلبات كون المؤلف على مستوى رسالة.
وكذلك بحار الأنوار: م 11 ج 11 ص 160 طبع حجري - إيران - 1305 ه‍.
(98) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها شرب الخمر).
(99) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 7: (الوثن).
(100) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 8: (لم يقبل الله تعالى).
(101) عقاب الأعمال: ص 234.
(102) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 9: (أربع لا تدخل بيتا واحدة منهن).
(103) عقاب الأعمال: ص 134.
147

وقال الصادق عليه السلام (104): يجئ مدمن الخمر يوم القيامة مزرقة عيناه
مسودا وجهه، مائلا شدقه (105)، يسيل لعابه، مشدودا ناصيته إلى إبهام قدميه (106)،
خارجة يده من صلبه، فيفزع منه أهل الجمع إذا رأوه مقبلا إلى الحساب (107).
ومن أدخل عرقا من عروقه شيئا مما يسكر كثيرة، عذب الله ذلك العرق
بستين وثلاثمائة نوع من العذاب (108).
(الحقل السادس)
في: الظلم (109)
قال الله تعالى: * (وما للظالمين من أنصار (110)) *
وقال تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار.. (111)) *
* (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة.. (112)) *
* (الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (113)) *

(104) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 10: (وقال عليه السلام).
(105) وفي النسخة المرعشية: ورقة 58، لوحة ب، سطر 11: (مايلا شفتيه).
(106) ويبدو الصحيح: (مشدودة ناصيته إلى إبهامي قدميه).
(107) عقاب الأعمال: ص 235.
(108) المصدر نفسه: ص 236.
(109) هذا العنوان، محله في المخطوطتين فقط: (ومنها: الظلم).
(110) سورة البقرة، الآية 271.
(111) سورة هود، الآية 114.
(112) سورة البقرة، الآية 193.
(113) سورة الشورى، الآية 39.
148

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله يسأل المرء عن جاهه، كما يسأل
عن ماله، يقول: جعلت لك جاها، فهل نصرت به مظلوما؟ أو قمعت به ظالما أو أعنت
به مكروبا؟!.
وقال عليه السلام: كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته (114).
وقال صلى الله عليه وآله (115): الظلم ظلمات يوم القيامة (116).
وقال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: * (إن ربك لبالمرصاد (117)) *
قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة (118).
وقال عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لا أجيب دعوة
مظلوم في مظلمة ظلمها ولأحد عنده مثل تلك المظلمة (119).
وقال عليه السلام: إن الله، أوحى إلى نبي من الأنبياء في جبار من الجبابرة
أن ائت هذا الجبار فقل له: إني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال، إنما
استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين، وأني لن أدع ظلامتهم، وإن كانوا
كفارا (120).

(114) ينظر: صحيح مسلم: ج 3 ص 1459.
(115) وفي النسخ المرعشية: 59، لوحة أ، سطر 8 - 9: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله.
(116) ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 1996.
(117) سورة الفجر، الآية 14.
(118) عقاب الأعمال: ص 261.
(119) عقاب الأعمال: ص 261.
(120) عقاب الأعمال: ص 261 - 262.
149

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من اقتطع مال مؤمن غصبا بغير
حقه، لم يزل الله تعالى معرضا عنه ماقتا لأعماله التي يعملها، من البر والخير، لا يثبتها
في حسابه، حتى يتوب ويرد المال الذي أخذه إلى صاحبه (121).
وقال الصادق عليه السلام: من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، جاء يوم
القيامة بين عينيه مكتوب: آيس من رحمة الله عز وجل (122).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر خطبة خطبها: من تولى خصومة
ظالم أو اعانه عليها، نزل به ملك الموت بالبشرى: بلعنة الله، ونار جهنم خالدا فيها
وبئس المصير، ومن خف لسلطان جاير في حاجيته (123)، كان قرينه في النار ومن دل
سلطانا على الجور كان مع هامان، وكان هو والسلطان من أشد أهل النار عذابا..
ومن أظلم أجيرا أجره أحبط الله عمله وحرم عليه ريح الجنة، وريحها يوجد من مسير
خمسمائة عام (124)..، ومن أهان مسلما فقيرا من أجل فقره واستخف به، فقد استخف
بحق الله، ولم يزل في مقت الله عز وجل وسخطه حتى يرضيه. ومن أكرم فقيرا مسلما
لقي الله يوم القيامة وهو يضحك إليه، ومن عرضت له: دنيا وآخرة، فاختار الدنيا وترك
الآخرة، لقي الله عز وجل وليست له حسنة يتقي بها النار، ومن أخذ الآخرة وترك
الدنيا، لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض... ومن اكتسب مالا حراما لم يقبل الله

(121) عقاب الأعمال: ص 262.
(122) المصدر نفسه: ص 266.
(123) وفي النسخة المرعشية: ورقة 59، لوحة ب، سطر 11: (حاجته)
(124) وفي النسخة المرعشية: ورقة 60، لوحة أ، سطر 1: من مسيرة خمسمائة عام.
150

تعالى منه صدقة ولا عتقا ولا حجا ولا اعتمارا، وكتب الله عز وجل بعدد أجزاء ذلك
أوزارا، وما بقي منه بعد موته، كان زاده إلى النار..، ومن فرج عن أخيه كربة من كرب
الدنيا نظر الله إليه برحمته ينال بها الجنة وفرج الله عنه كربة في الدنيا والآخرة...
ومن بنى على ظهر طريق، ما يأوي عابر سبيل، بعثه الله يوم القيامة على نجيب من
در، وجهه يضئ لأهل الجمع نورا حتى يزاحم إبراهيم خليل الرحمان عليه السلام في
قبته، فيقول أهل الجمع هذا ملك من الملائكة لم نر مثله قط، ودخل في شفاعته الجنة
أربعون ألف ألف رجل (125).

(125) عقاب الأعمال: ص 269 - 280، والنقط في أثناء الحديث هنا، تعني: إن في الحديث حذفا واختصارا.
151

الفصل الثاني
فيما: يتعلق بالعدل
واصطناع المعروف
وفيه: حقول
153

(الحقل الأول)
(في: العدل والمعروف) (1)
قال الله عز وجل: * (إن الله يأمر بالعدل) * (2)
وقال تعالى: * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) * (3)
وقال تعالى: * (وأقسطوا إن الله يحب المقسطين) * (4)
وقال تعالى: * (وإذا قلتم فاعدلوا) * (5)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ولي عشرة ولم يعدل فيهم جاء يوم
القيامة ويداه ورجلاه ورأسه في ثقب فاس (6).
وقال الصادق عليه السلام: من ولي شيئا من أمور الناس فضيعهم ضيعه الله
عز وجل (7).
وقال عليه السلام: عدل ساعة يعدل عبادة سبعين سنة.

(1) هذا العنوان بكامله، بدء من (وفيه حقول)، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
(2) سورة النحل، الآية 91.
(3) سورة النساء، الآية 59.
(4) سورة المائدة، الآية 43.
(5) سورة الأنعام، الآية 153، غير أن الذي في النسخة المعتمدة: (وليتم)، بدلا من (قلتم)، وهو اشتباه بالتأكيد.
(6) عقاب الأعمال: ص 251، هنا الاستعمال كناية عن القيد، كما يقال: (سم الخياط مع الأحباب ميدان)، كناية
عن الرضا والترحيب.
(7) المصدر نفسه.
154

(الحقل الثاني)
(في: الصدقة) (8)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان
ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم اعط ممسكا تلفا.
وقال عليه السلام: لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله
بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو قلوصه حتى تكون مثل الجبل أو أعظم (9).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنه ذكر النار فتعوذ منها (10)، وأشاح
بوجهه ثلاث مرات.
ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة (11)،
أشاح: أي جد وانكمش على الوصية باتقاء النار، وقيل: قبض وجهه، وقيل:
أعرض ونحى وجهه.
وقال عليه السلام: ما يسرني أن لي أحدا ذهبا، تأتي عليه ثلاثة (12)، وعندي
منه دينار إلا دينار أرصده لدين علي (13).

(8) هذا العنوان بكامله، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
(9) ينظر: صحيح مسلم: ج 2 ص 702، والقول: (بيمينه)، كما يقال: (يد الله مع الجماعة).
(10) وفي النسخة المرعشية: ورقة 61، لوحة أ، سطر 1: (فتعوذ بالله منها).
(11) ينظر: صحيح مسلم: ج 2 ص 704، النهاية: 2 / 491، 517، غريب الحديث: 1 / 134، والفائق 1 / 670،
والجامع الصغير: 9.
(12) وفي النسخة المرعشية: ورقة 61، لوحة أ، سطر 4: (ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبا، تأتي عليه ثالثة). والصحيح:
(ثلاثة).
(13) صحيح مسلم: ج 2 ص 687.
155

وقال عليه السلام: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل،
وشاب نشأ بعبادة الله عز وجل، ورجل قلبه متعلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله،
اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله
عز وجل، ورجل تصدق بصدقة وأخفاها لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر الله
خاليا ففاضت عيناه (14).
وقيل: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم؟! فقال: إن تصدق وأنت صحيح
شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل (15)، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان
كذا، ولفلان كذا، إلا وقد كان لفلان (16).
وقال (عليه السلام): يا بن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه
شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى (17).
وقال (عليه السلام): صنايع المعروف تقي صنايع السوء (18).
وقال (عليه السلام): إن البيوت التي يمتار فيها المعروف تضئ لأهل
السماء، كما تضئ الكواكب لأهل الأرض.

(14) صحيح مسلم: ج 2 ص 715.
وينظر: الخصال: 2 / 343.
(15) وفي النسخة المرعشية: ورقة 61، لوحة أ، سطر 11: (ولا تهمل).
(16) صحيح مسلم: ج 2 ص 716.
(17) صحيح مسلم: ج 2 ص 718.
(18) ينظر: الكافي: 4 / 28 - 29، كتاب الزكاة، ب 70 ح 1.
وفقيه من لا يحضره الفقيه: 2 / 30.
156

وقال عليه السلام: على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟
قال: فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة (19).
وقال (عليه السلام): من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله
هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد
دعي من باب الصيام (20)، وعنى قوله عليه السلام: زوجين، يعني: اثنين من كل شئ
كدرهمين أو دينارين أو ثوبين. وقيل: يريد بشيئين درهما ودينارا، أو دينارا وثوبا (21).
الحقل الثالث
(في: فضل الزكاة) (22)
وقال الصادق عليه السلام: إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء ومعونة
للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم، ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، ولاستغنى بما
فرض الله له. وأن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب

(19) ينظر: صحيح مسلم: ج 2 ص 699.
والذي في النسخة المرعشية: ورقة 61، لوحة ب، سطر 4 - 7: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال.. يعمل بيده،
فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذوي الحاجة الملهوف.
قالوا: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنهما له صدقة.
وأقول: (يعين ذوي الحاجة الملهوف)، صحيحه: (يعين ذا الحاجة الملهوف).
(20) وفي النسخة المرعشية: ورقة 61، لوحة ب، سطر 11: (دعي من باب الصيام الريان).
(21) ينظر: صحيح مسلم: ج 2 ص 712، جمعا بين المتن والهامش.
(22) هذا العنوان بكامله، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
157

الأغنياء، وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله، وأقسم:
بالذي خلق الخلق وبسط الرزق، ما ضاع مال في بر ولا بحر، إلا بترك الزكاة، وما صيد
صيد في بر ولا بحر، إلا بترك التسبيح في ذلك اليوم.
وأن أحب الناس إلى الله تعالى أسخاهم كفا، وأسخى الناس من أدى زكاة
ماله ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله، وأيما مؤمن أوصل إلى أخيه
معروفا فقد أوصل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ورأيت المعروف لا يصلح
إلا بثلاث خصال، بتصغيره وستره وتعجيله، فإنك إذا صغرته عظمته عند من تصنعه
إليه، وإذا سترته تممته، وإذا عجلته هنأته، وإن كان غير ذلك محقته وبكدته (23)، وإذا
أردت أن تعلم أشقي الرجل أم سعيد، فانظر معروفه إلى من يصنعه؟ فإن كان يصنعه
إلى من هو أهله، فاعلم أنه إلى خير، وإن كان يصنعه إلى غير أهله، فاعلم أنه ليس
له عند الله عز وجل خير.
وقال (عليه السلام): خير خياركم سمحاؤكم وشراركم بخلاؤكم، ومن
خالص الإيمان البر بالإخوان، والسعي في حوائجهم، وإن البار بالإخوان ليحبه
الرحمان، وفي ذلك مرغمة للشيطان وتزحزح عن النيران ودخول في الجنان (24).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الرفق رأس الحكمة (25).
اللهم من ولي شيئا من أمور أمتي فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم
فاشفق عليه.

(23) وفي النسخة المرعشية: ورقة 62، لوحة أ، سطر 13: (نكدته)، وهو: الصحيح.
(24) ينظر: الكافي: كتاب الزكاة، ب 81 ج 15، والخصال: ص 96، حديث 42، وأمالي المفيد: ص 291، حديث
9، وأمالي الطوسي: ج 1 ص 65، وعوالي اللآلي: ج 1 ص 371، حديث 78، ومشكاة الأنوار للمجلسي: ص
82، والغايات للقمي: ص 89، وبحار الأنوار: ج 74 ص 312، الكل بواسطة مجلة تراثنا: ع 3 سنة 1406
ص 185، حديث 19 من كتاب قضاء حقوق المؤمنين لأبي علي الصوري، تحقيق الأخ الأستاذ حامد الخفاف.
(25) كنز العمال: 3 / 51، الحديث 5444.
158

وقال عليه السلام: كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم.
وقال عليه السلام: الدنيا حلوة خضرة، وأن الله مستعملكم فيها فناظر كيف
تعملون.
الحقل الرابع
(في: الإمام العادل) (26)
وقال عليه السلام: إن لله عبادا اختصهم بالنعم، يقرها فيهم ما بذلوها للناس
فإذا منعوها حولها منهم إلى غيرهم.
وكان كسرى قد فتح بابه، وسهل جنابه، ورفع حجابه، وبسط أذانه لكل
واصل إليه
فقال له رسول ملك الروم: لقد أقدرت عليك عدوك، بفتحك الباب ورفعك
الحجاب،
فقال: أتحصن من عدوي بعدلي (27)، وإنما انتصبت هذا المنصب، وجلست
هذا المجلس، لقضاء الحاجات، ورفع الظلمات (28)، فإذا لم تصل الرعية إلي، فمتى
أقضي حاجتها واكشف ظلامتها (29).

(26) هذا العنوان بكامله، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
(27) وفي النسخة المرعشية: ورقة 63، لوحة أ، سطر 1: (إنما أتحصن)، بزيادة (إنما).
(28) وفي النسخة المرعشية: ورقة 63، لوحة أ، سطر 3: (الظلامات)، وهو: الصحيح.
(29) وفي النسخة المرعشية: ورقة 63، لوحة أ، سطر 403: (.. فإذا لم يصل الرعية إلي فمتى أقضي حاجته واكشف
ظلامته)، واستعمال ضمير الوصل في كلمتي: (حاجته، و (ضلامته)، غير صحيح.
159

وكان ملك الهند قد ذهب سمعه، فاشتد حزنه وجزعه، فدخل عليه أهل مملكته
ليعزوه في سمعه، فقال: ما جزعي وحزني على ذهاب هذه الجارحة مني، ولكن لصوت
المظلوم كيف لا أسمعه إذا استغاث بي، ولكن إذا ذهب سمعي فما ذهب بصري،
فأمرت لكل ذي ظلامة بلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته وقربته وأنصفته وانتصفت
له.
وروي: أن أقرب الناس إلى الله تعالى وأحبهم إليه وأدناهم منه مجلسا يوم
القيامة إمام عادل.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى ليسأل العبد في
جاهه كما يسأل في ماله، فيقول يا عبدي رزقتك جاها، فهل أعنت به مظلوما أو أعنت
به ملهوفا (30)؟
الحقل الخامس
(في: قضاء الحاجات) (31)
وقال عليه السلام: الخلق كلهم عيال الله فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله (32).
وقال عليه السلام: إن لله تعالى عبادا خلقهم لحوائج الناس، آلى على نفسه
إلا يعذبهم بالنار، فإذا كان يوم القيامة وضعت لهم منابر من نور، يحدثون الله تعالى
والناس في الحساب

(30) وفي النسخة المجلسية المعتمدة: ورقة 17 ب ب سطر 18 - 19، وفيه: (فهل أعنت به مظلوما أو أعنت به مظلوما،
فهل أعنت به مظلوما، أو لقيت به ملهوفا..).
ويبدو الصحيح أعلاه، كما هو الحال في المرعشية: ورقة 63، لوحة أ، سطر 12 - 13.
(31) هذا العنوان بكامله، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
160

ومر عليه السلام بيهودي يحتطب (33)، فقال لأصحابه: إن هذا اليهودي
ليلدغه اليوم أفعى ويموت، فلما كان آخر النهار رجع اليهودي بالحطب على رأسه على
جاري عادته.
فقال الجماعة (34): يا رسول الله ما عهدناك تخبر بما لم يكن.
فقال: وما ذلك؟
قالوا: أخبرت اليوم (35): بأن هذا اليهودي يلدغه أفعى ويموت (36) وقد رجع.
فقال: علي به، فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله.
فقال (37): يا يهودي! ضع الحطب وحله، فحله فرأى فيه أفعى.
فقال: يا يهودي، ما صنعت اليوم من المعروف، فقال: إني لم أصنع شيئا منه غير
أني خرجت ومعي كعكتان، فأكلت إحداهما، ثم سألني سائل فدفعت إليه الأخرى.
فقال له عليه السلام: تلك الكعكة خلصتك من هذا الأفعى (38)، فأسلم على
يديه.

(32) في جمع الجوامع - أو الجامع الكبير - للسيوطي: نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 59 حديث.
الخلق كلهم عيال الله، فأحب الناس إلى الله تعالى، من أحسن إلى عياله (الخطيب عن ابن مسعود)، ج
1 ص 409. وهناك في نفس المضمون أحاديث أخر.
(33) وفي النسخة المرعشية: ورقة 63، لوحة ب، سطر 5: (.. يحتطب في الصحراء).
(34) وفي النسخة المرعشية: ورقة 63، لوحة ب، سطر 7: (فقال الجماعة بزيادة كلمة: (له).
(35) وفي المصدر نفسه: سطر 9: (إنك أخبرت اليوم).
(36) وفي نفس المصدر: سطر 9 أيضا: (.. فيموت).
(37) وفي نفس المصدر: سطر 10: (فقال له: يا يهودي)، بزيادة: (له).
(38) وفي ذات المصدر: ورقة 64، لوحة أ، سطر 1: (خلصتك من هذه الأفعى).
161

وقال عليه السلام: إن لله عز وجل خلقا خلقهم لحوائج الناس، يفزع إليهم
الناس في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله.
وقال عليه السلام: من قضى لأخيه حاجة، كنت واقفا عند ميزانه، فإن رجح
وإلا شفعت (39)؟
وقال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن أبيه عن جده عن علي
عليهم السلام: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من مشى في عون أخيه
فله ثواب المجاهدين في سبيل الله (40).
وقال عليه السلام: من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في منفعة بر
أو تيسير عسر، أعين على إجازة الصراط يوم دحض الأقدام (41).
وقال عليه السلام: من قضى لأخيه المسلم حاجة، كان كمن خدم الله تعالى
عمره.
وقال عليه السلام: من فرج على مؤمن كربة، فرج الله عنه كربته، ومن ستر
على مؤمن عورة ستر الله عورته، ولا يزال الله تعالى في عونه ما دام هو في عون أخيه.
وقال عليه السلام: من فرج على مؤمن كربة جعل الله له شعلتين من نور،
على الصراط يستضئ بضوئها، عالم (42)، لا يحصيه إلا رب العزة.
وقال عليه السلام: من مضى مع أخيه في حاجة فناصحه فيها، جعل الله تعالى
بينه وبين النار يوم القيامة سبعة خنادق، والخندق ما بين السماء والأرض (43).

(39) وفي النسخة المرعشية: ورقة 64، لوحة أ، سطر 4: (.. شفعت له).
(40) عقاب الأعمال: ص 276 - 277.
(41) المشهور أن يقال: جواز الصراط. غير أنه يقال: أجاز الموضع، جازه، كما في المعجم الوسيط: 1 / 146.
(42) وفي النسخة المرعشية: ورقة 64، لوحة ب، سطر 2: على صراط يستضئ بضوئها عالم.
(43) وفي النسخة المرعشية: ورقة 64، لوحة ب، سطر 4: (ما بين الخندق والخندق، ما بين السماء والأرض).
162

وقال عليه السلام: من ستر مسلما ستره الله عز وجل في الدنيا (44)، ومن فك
عن مكروب فك الله عز وجل عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة
أخيه كان الله في حاجته.
وقال عليه السلام: إن لله تعالى عبادا خصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرها
فيهم ما بذلوا (45)، فإذا منعوها حولها منهم وجعلها في غيرهم.
وقال عليه السلام: من أضاف مؤمنا أو خف له في شئ من حوائجه، كان
حقا على الله أن يخدمه وصيفا في الجنة.
وقال عليه السلام: من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه
بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله
تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما،
سلك الله به طريقا إلى الجنة، وما جلس قوم في مسجد، يتلون كتاب الله، ويتدارسون
بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، ومن أبطأ به عمله، لم يسرع به
نسبه (46).
وقال عليه السلام: أيما وال أغلق بابه، دون ذوي الحاجات والخلة
والمسكنة (47)، أغلق الله بابه عن حاجته وخلته ومسكنته.

(44) وفي النسخة المرعشية: ورقة 64، لوحة ب، سطر 6: (في الدنيا والآخرة).
(45) وفي النسخة المرعشية: ورقة 64، لوحة ب، سطر 9: (ويقرهم فيها ما بذلوها).
(46) ينظر: صحيح مسلم: ج 4 ص 2074، وبحار الأنوار: ج 74 ص 312، حديث 69 - وفيه:.. (نفس الله
عنه بها كربة يوم القيامة).
(47) وفي النسخة المرعشية: ورقة 65، لوحة أ، سطر 5: (دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة.)
163

الحقل السادس
(في: إغاثة الملهوف) (48)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أغاث ملهوفا، كتب الله له ثلاثا
وسبعين حسنة، واحدة منها يصلح آخرته ودنياه، والباقي في الدرجات (49).
وقال عليه السلام: إن الله عز وجل يحب إغاثة اللهفان (50).
وقال عليه السلام: إن من موجبات المغفرة: إدخالك السرور على أخيك
المسلم، وإشباع جوعته، وتنفيس كربته.
وسئل عليه السلام: يا رسول الله (51) أي العمل أفضل؟!
قال: إن تدخل على أخيك المسلم سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا.
وقال عليه السلام: أفضل الصدقة صدقة اللسان.
قيل: يا رسول الله، وما صدقة اللسان؟
قال: الشفاعة تفك بها الأسير، وتحقن بها الدم، وتجر بها المعروف إلى أخيك،
وتدفع عنه الكريهة.

(48) هذا العنوان بكامله، نحن وضعناه للضرورة المنهجية.
(49) ينظر: الكافي: 4 / 27، كتاب الزكاة، ب 68، ح 4.
(50) وفي النسخة المرعشية: ورقة 65، لوحة أ، سطر 9 - 10: وقال (عليه السلام): (كل معروف صدقة، والدال
على الخير كفاعله، وأن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان).
وهو مطابق لما في: فقيه من لا يحضره الفقيه: 2 / 55، ب 11، ح 1682.
(51) وفي النسخة المرعشية: ورقة 65، لوحة أ، سطر 12: وسئل عنه (عليه السلام): يا رسول الله.
164

وقال عليه السلام: إذا عاد المسلم أخاه أو زاره في الله، يقول الله عز وجل:
طبت وطاب ممشاك إذ تبوأت في الجنة منزلا.
وقال عليه السلام: أتدرون ما يقول الأسد في زئيره؟! قالوا: الله ورسوله
أعلم.
قال عليه السلام: يقول: اللهم لا تسلطني على أحد من أهل المعروف.
وقال عليه السلام: والذي نفسي بيده، لا يضع الله الرحمة إلا على رحيم،
قلنا: يا رسول الله! كلنا رحيم.
قال: ليس الذي يرحم نفسه وأهله خاصة، ذلك الذي يرحم المسلمين.
وقال عليه السلام: مثل المؤمنين فيما بينهم، كمثل البنيان يمسك بعضه بعضا،
ويشد بعضه بعضا.
وقال عليه السلام: قال الله تعالى: إذ كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي (52).
وقال عليه السلام: وقد سئل: أي الناس أحب إليك.
قال: أنفع الناس للناس.
قيل: فأي الأعمال أفضل؟ قال: إدخالك السرور على المؤمن.
قيل: وما سرور المؤمن؟
قال: إشباع جوعته، وتنفيس كربته، وقضاء دينه، ومن مشى مع أخيه في
حاجة كان كصيام شهر أو اعتكافه، ومن مشى مع مظلوم يعينه، ثبت الله قدميه يوم
تزل الأقدام، ومن كف غضبه، ستر الله عورته، وأن الخلق السئ يفسد العمل، كما
يفسد الخل العسل.

(52) قال وهب: مكتوب في الكتب القديمة: إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا عبادي، الإمتاع والمؤانسة: 2 / 130
165

وقال عليه السلام: أول من يدخل الجنة المعروف وأهله، وأول من يرد الحوض (53)
وقال عليه السلام: أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، معناه:
يقول لهم: هبوا حسناتكم لمن شئتم وادخلوا الجنة (54).
وقال عليه السلام: ما محق الاسلام الشح شئ... إن لهذا الشح دبيبا كدبيب
النمل، وشعبا كشعب الشرك (55).
وقال عليه السلام: أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن، فإن صدقته تظله (56).
وقال عليه السلام: الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وصلة الإخوان
بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين (57).
وليكن هذا آخر الرسالة، فإن الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، والحمد
لله رب العالمين، وصلاته على نبينا محمد وآله الطاهرين وعترته الطيبين، وصحبه
الخيرين الفاضلين، سلام الله عليهم أجمعين.
تم تحريره أواخر ربيع الثاني، لسنة أربع وسبعين وسبعمائة، في حال الإحلال
بقلعة أربيل صانها الله عن الزوال، بمحمد وآله خير الآل.

(53) ينظر: الكافي: 4 / 28، كتاب الزكاة، ب 68، ح 11. وفقيه من لا يحضره الفقيه: 2 / 54 - 55، ب 11، ح 1680.
(54) ينظر: الكافي: 4 / 54، كتاب الزكاة، ب 83، ح 5. وفقيه من لا يحضره الفقيه: 2 / 55، ب 11، 1681.
(55) ينظر: الكافي: 4 / 45، كتاب الزكاة. ب 83، ح 5. ومن لا يحضره الفقيه: 2 / 63، ح 1716.
وفي النسخة المرعشية: ورقة 66، لوحة أ، سطر 9 - 10: (ما محق الاسلام محق الشح شئ إن لهذا الشيخ
دبيبا..)، ويبدو في البين: تصحيف، حيث الممحوق: هو الشح لا الشيخ، ويبدو كذلك أن الحديث هو هكذا:
(ما محق الاسلام مثل الشح شئ..).
(56) ينظر: الكافي: 4 / 3، كتاب الزكاة، ب 84، ح 6.
(57) ينظر: الكافي: 4 / 10، كتاب الزكاة، ب 53، ح 3. ومن لا يحضره الفقيه: 2 / 67، ب 19، ح 1738.
166