الكتاب: تحرير الأحكام
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ٢
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري / إشراف : جعفر السبحاني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة: اعتماد - قم
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (ع)
ردمك: ٩٦٤-٦٢٤٣-٦٦-٥
ملاحظات: توزيع : مكتبة التوحيد - قم - إيران

تحرير الأحكام الشرعية
على مذهب الإمامية
1

هوية الكتاب
اسم الكتاب:... تحرير الأحكام الشرعية / الجزء الثاني
المؤلف:... العلامة الحلي
إشراف:... آية الله جعفر السبحاني
المحقق:... الشيخ إبراهيم البهادري
الطبعة:... الأولى - 1420 ه‍
المطبعة:... اعتماد - قم
الكمية:... 1500 نسخة
الناشر:... مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)
حقوق الطبع محفوظة للمحقق
5 - 66 - 6243 - 964: شابك
ISBN: 964 - 6243 - 66 - 5
توزيع
مكتبة التوحيد
إيران - قم; ساحة الشهداء
هاتف: 7743151 - 2925152
E - MAIL: emamsadegh _ int @ aalulbayt. org
2

إشراف
العلامة المحقق جعفر السبحاني
تحرير الأحكام الشرعية
على مذهب الإمامية
موسوعة فقهية كاملة مشحونة بالتخريج والتفريع
للإمام جمال الدين أبي منصور الحسن بن
يوسف بن المطهر
المعروف بالعلامة الحلي
(648 - 726 ه‍)
الجزء الثاني
تحقيق
الشيخ إبراهيم البهادري
3

بسم الله الرحمن الرحيم
(وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون)
التوبة: 122
4

المقصد العاشر: في بقية أفعال الحج
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في زيارة البيت
وفيه ثمانية مباحث:
2215. الأول: إذا قضى الحاج مناسكه بمنى، من الرمي والذبح والحلق
أو التقصير، رجع إلى مكة وطاف طواف الزيارة إما يوم النحر أو في غده
للمتمتع، ولا يجوز له التأخير عن ذلك. ويجوز للقارن والمفرد.
2216. الثاني: هذا الطواف ركن في الحج يبطل بالإخلال به عمدا، وله وقتان:
وقت فضيلة، وهو يوم النحر بعد أداء مناسك منى، ووقت إجزاء، وآخره اليوم
الثاني من أيام النحر للمتمتع، فلا يجوز التأخير عنه، فلو أخره عنه أثم ولا كفارة
عليه، وطوافه صحيح.
ويجوز للقارن والمفرد تأخيره مع السعي إلى آخر ذي الحجة لكن
الأفضل المبادرة كالمتمتع.
5

2217. الثالث: يستحب لمن أراد زيارة البيت أن يفعل كما فعل يوم قدومه،
من الغسل وتقليم الأظفار وأخذ الشارب والدعاء وغير ذلك من الوظائف، ولا
بأس أن يغتسل من منى، ويطوف بذلك الغسل، وكذا يغتسل نهارا ويطوف ليلا،
ما لم ينقضه بحدث أو نوم، فإن نقضه أعاده استحبابا، ويستحب للمرأة الغسل
كما يستحب للرجل.
ويدعو عند باب المسجد، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبله، فإن لم
يستطع استلمه بيده وقبل يده، فإن لم يتمكن استقبله وكبر. وقال (1) ما ذكرناه
أولا، ثم يطوف واجبا سبعة أشواط، ويبدأ بالحجر، ويختم به، ثم يصلي ركعتين
في المقام واجبا، ثم يرجع إلى الحجر، فاستلمه إن استطاع، وإلا استقبله وكبر
مستحبا، ثم يخرج إلى الصفا واجبا للسعي، فيصنع كما صنع يوم دخل مكة، ثم
يسعى سبعة أشواط، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، فإذا فعل ذلك، فقد أحل
من كل شئ، إلا النساء، ثم يرجع إلى البيت، فيطوف طواف النساء أسبوعا،
يبدأ بالحجر ويختم به واجبا، ثم يصلي ركعتيه في المقام واجبا، وقد حل له
كل شئ.
2218. الرابع: يجب في طواف الزيارة النية.
2219. الخامس: سعي الحج واجب فيه وركن.
2220. السادس: قد بينا ان التحلل الثاني يقع عند طواف الزيارة، وهل يشترط
فيه السعي؟ الأقرب العدم.
2221. السابع: طواف النساء واجب على الرجال والنساء والخناثى

1. قال الحاج الدعاء المأثور الذي تقدم.
6

والخصيان من البالغين وغيرهم، العبد والحر، سواء في الحج والعمرة المفردة،
فلو ترك طواف النساء ناسيا حرمن عليه، ووجب عليه العود والطواف مع
المكنة، فإن لم يتمكن من الرجوع، أمر من يطوف عنه طواف النساء، وقد حللن
له، ولو مات ولم يكن قد طاف، قضاه وليه عنه.
2222. الثامن: قد وردت رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي على
الخروج إلى منى وعرفات.
الفصل الثاني: في الرجوع إلى منى
وفيه خمسة مباحث:
2223. الأول: إذا قضى الحاج مناسكه بمكة، من طواف الحج وسعيه وطواف
النساء وركعات الطوافين، وجب عليه العود يوم النحر إلى منى والمبيت بها ليالي
التشريق - وهي: ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر - ويسقط ليلة
الثالث عشر بالنفر يوم الثاني عشر قبل الغروب.
ولو ترك المبيت بمنى وجب عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يخرج من منى
بعد نصف الليل.
قيل: يشترط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر، أو يبيت بمكة
مشتغلا بالعبادة (1).

1. الخلاف: 2 / 358، المسألة 190 من كتاب الحج; المبسوط: 1 / 378.
7

2224. الثاني: يجوز النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق، فلا يجب المبيت
ليلة الثالث عشر، ولا كفارة لو أخل بها، ولو أخل بالمبيت في الليالي الثلاث،
للشيخ قولان: أحدهما وجوب ثلاثة شياه والثاني، شاتان.
ولو بات بغير مكة وجبت الكفارة وإن كان مشتغلا بالعبادة، وكذا لو بات
بمكة غير مشتغل بالعبادة.
2225. الثالث: الواجب الكون بمنى، ولا يجب عليه في الليل ما يزيد على
سائر الأوقات.
2226. الرابع: يجوز له أن يأتي مكة أيام منى لزيارة البيت تطوعا، وإن كان
الأفضل المقام بها إلى انقضاء أيام التشريق، وإذا جاء إلى مكة وجب الرجوع إلى
منى للمبيت بها.
2227. الخامس: رخص للرعاة المبيت في منازلهم، وترك المبيت بمنى ما لم
تغرب الشمس عليهم بمنى، فإنه يلزمهم المبيت بها، وكذا يجوز لأهل سقاية
العباس، ترك المبيت بمنى، وإن غربت الشمس، وكذا لغيرهم ممن شاركهم في
الضرورة، كمن له عنده (1) مريض يحتاج إلى المبيت عنده، أو من له مال يخاف
ضياعه بمكة.

1. كذا في النسختين والظاهر زيادة لفظة «عنده».
8

الفصل الثالث: في الرمي
وفيه أحد عشر بحثا:
2228. الأول: يجب عليه أن يرمي في كل يوم من أيام التشريق، الجمار
الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات. وأول الرمي يوم النحر، وهو مختص برمي
جمرة العقبة بسبع حصيات، وفي الحادي عشر وهو أول أيام التشريق يجب
رمي الجمار الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات وكذا في الثاني عشر والثالث عشر
إن لم ينفر في الأول.
يبدأ بالرمي من الجمرة الأولى، وهي أبعد الجمرات من مكة، وليرمها (1)
عن يسارها من بطن الميل بسبع حصيات يرمهن خذفا (2) يكبر مع كل حصاة،
ويدعو، ثم يقوم عن يسار الطريق، ويستقبل القبلة، ويحمد الله، ويثني عليه،
ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله، ثم ليتقدم قليلا، ويدعو ويسأله القبول، ثم
يتقدم ويرمي الجمرة الثانية، ويصنع عندها كما صنع أولا، ويقف ويدعو بعد
الحصاة السابعة، ثم يمضي إلى الثالثة، وهي جمرة العقبة، فيختم به الرمي، ولا
يقف عندها.
2229. الثاني: وقت الرمي في الأيام كلها من طلوع الشمس إلى غروبها، وفي

1. في «ب»: لزمها.
2. قال في مجمع البحرين: قد جاء خذف الحصى في الحديث، والمشهور في تفسيره أن تضع
الحصاة على بطن إبهام يدك اليمنى وتدفعها بظفر السبابة.
9

الخلاف لا يجوز إلا بعد الزوال (1). وليس بمعتمد، نعم الأفضل فعله عند الزوال.
وقد رخص للعليل والخائف والرعاة والعبيد الرمي ليلا للضرورة.
ولو نسي رمي بعض الجمرات أو جميعها حتى غربت الشمس، قضاه من
الغد وجوبا، ويستحب أن يرمي الذي لأمسه بكرة، والذي ليومه عند الزوال،
ويجب الترتيب بين الفائت والحاضر، فيرمي ما فاته أولا والذي ليومه بعده، فلو
رمى ما ليومه أولا لم يصح.
ولو رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصيات (2). سبعا ليومه وسبعا لأمسه
بطلت الأولى وكانت الثانية لأمسه، ولو فاته رمي يومين قضاه يوم الثالث مرتبا
على ما قلناه، ولا شئ عليه، ولو فاته حصاة أو حصاتان أو ثلاث قضاها، ولو
خرجت أيام التشريق لم يكن عليه شئ وإن قضاها في القابل كان أحوط.
2230. الثالث: الترتيب في الجمرات واجب، فلو بدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى
ثم الأولى، أعاد على الوسطى ثم جمرة العقبة، وكذا لو بدأ بالوسطى، ولو بدأ
بجمرة العقبة ثم الأولى ثم الوسطى، أعاد على جمرة العقبة خاصة.
2231. الرابع: يجب أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات، فلو أخل بواحدة لم
يجز. ولو أخل ناسيا أتم الناقص، ويحصل الترتيب إذا أخل بثلاث حصيات فما
دون، ولو أخل بأربع فما زاد، لم يحصل الترتيب (3) فإنه يجب الإكمال والإعادة
على ما بعدها.

1. الخلاف: 2 / 351، المسألة 176 من كتاب الحج.
2. كذا في النسختين والصحيح «حصاة».
3. في «ب»: بالترتيب.
10

ولو رمى ست حصيات وضاعت واحدة، فليعدها وإن كان من الغد، ولا
يسقط وجوبها ولو علم أنه أخل بحصاة ولم يعلم من أي الجمار هي، رمى
الثلاث بثلاث حصيات.
ويجب رمي كل جمرة بسبع مرات، فلو رمى السبع دفعة أو أقل من سبع
مرات لم يجز.
2232. الخامس: يجوز الرمي راكبا، وماشيا أفضل، ويستحب ان يضع
الحصى (1) في كفه ويأخذ منها، ويرمي ويكبر عند كل حصاة ويرميها، والمقام
بمنى أيام التشريق، وأن يرمي الجمرة الأولى عن يمينه ويقف ويدعو، وكذا
الثانية، ويستدبر القبلة في الثالثة ويستقبلها ولا يقف عندها.
2233. السادس: يجوز أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصبي
ومن ماثلهم من المعذورين.
2234. السابع: لو نسي رمي الجمار كلها في الأيام بأجمعها حتى جاء إلى
مكة وجب عليه الرجوع إلى منى وإعادة الرمي إن لم تخرج أيام التشريق، وإلا
قضاه من قابل، أو يأمر من يقضي عنه، ولا دم عليه، ولو أخر رمي جمرة العقبة
يوم النحر، أعادها يوم الثاني من أيام النحر (2).
2235. الثامن: لو نسي النائب في الرمي كان حكمه حكم المنوب، ولا يشترط
في المريض كونه مأيوسا منه.
ويستحب للنائب عن المريض والصبي وغيرهما أن يستأذنه، وأن يضع

1. في «ب»: الحصاة.
2. في «ب»: يوم الثاني من أيام التشريق.
11

المنوب الحصى في كف النائب، وله أن يرمي عن المغمى عليه وإن لم يأذن له،
فلو زال عذر هؤلاء والوقت باق لم يجب عليهم الإعادة.
2236. التاسع: وقت قضاء الرمي بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني.
2237. العاشر: يستحب التكبير بمنى أيام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة
وفي سائر الأمصار عقيب عشر، أول الصلوات الظهر يوم النحر. وأوجبه
المرتضى (1)، ولا يستحب عقيب النوافل.
وصورته: الله أكبر الله أكبر (الله أكبر) (2) لا إله إلا الله والله أكبر على ما هدانا الله
أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.
2238. الحادي عشر: يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيام
النحر، وهو الثاني من أيام التشريق، وهو النفر الأول، فيودع الحاج ويعلمهم
تسويغ التعجيل لمن اتقى.
الفصل الرابع: في النفر من منى
وفيه ثمانية مباحث:
2239. الأول: إذا رمى الحاج الجمار الثلاث في اليوم الأول من أيام التشريق،
وفي الثاني منها، جاز أن ينفر من منى ويسقط عنه رمي اليوم الثالث إن كان قد
اتقى النساء والصيد في إحرامه، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا فيه، لم يجز له

1. جمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى: 3 / 45.
2. ما بين القوسين موجود في «أ».
12

النفر في الأول، ووجب عليه المقام بمنى والنفر في الثاني.
2240. الثاني: لا فرق في جواز النفر في الأول بين أهل مكة وغيرهم ممن
يريد المقام بمكة أو لا يريد، فيجوز للمكي النفر في الأول وإن لم يكن له عذر،
ويجوز لمن أراد المقام بمكة أن يتعجل.
2241. الثالث: النفر في الأول إنما يكون بعد الزوال، فلا ينفر قبله إلا لضرورة
أو حاجة تدعوه، ويجوز أن ينفر في الأخير قبل الزوال.
2242. الرابع: لو غربت الشمس في ثاني أيام التشريق بمنى وجب المبيت بها
وإن اتقى، أما لو دخل عليه وقت العصر فإنه يجوز أن ينفر في الأول،
ولو رحل من منى فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله، ففي وجوب
المقام إشكال.
أما لو كان مشغولا بالتأهب فغربت الشمس فالوجه لزوم المقام.
ولو رحل قبل الغروب ثم عاد لزيارة إنسان أو أخذ متاع، لم يلزمه المقام،
فلو أقام هذا وبات، فالأقرب وجوب الرمي عليه (1)، وإذا نفر في الأول بعد الزوال،
جاز أن ينفذ رحله قبله.
2243. الخامس: يجوز لمن نفر في الأول إتيان مكة والمقام بها، ويستحب
للإمام إذا نفر في الأخير أن ينفر قبل الزوال، وأن يصلي الظهر بمكة، ليعلم الناس
كيفية الوداع.
ويجوز للإنسان المقام بمنى بعد النفر أو يذهب حيث شاء، لكن

1. في «ب»: وجوب رمي الثالث عليه.
13

المستحب العود إلى مكة للوداع.
2244. السادس: إذا نفر في الأول دفن حصى اليوم الثالث بمنى استحبابا.
2245. السابع: يستحب للحاج أن يصلي في مسجد الخيف بمنى مدة مقامه
بها، وكان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند المنارة التي في وسط المسجد، وفوقها إلى
القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها ويسارها مثل ذلك، فمن استطاع أن
يكون مصلاه فيه فليفعل.
ويستحب أن يصلي ست ركعات به.
2246. الثامن: يستحب لمن نفر في الثاني خاصة أن يأتي المحصب ويصلي
في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستريح فيه قليلا، ويستلقي على قفاه، وليس
للمسجد أثر اليوم، وإنما المستحب النزول بالمحصب والاستراحة فيه، وحد
المحصب من الأبطح ما بين الجبلين إلى المقبرة، وسمي محصبا لاجتماع
الحصى فيه، وهي الحصى التي يحملها السيل من الجمار إليه.
الفصل الخامس: في طواف الوداع
وفيه ثمانية أبحاث:
2247. الأول: إذا قضى الحاج مناسكه بمنى استحب له العود إلى مكة لطواف
الوداع، ويستحب له دخول الكعبة، ويتأكد للصرورة، ويغتسل لدخولها،
ويتحفى، ويدعو، ويصلي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين، يقرأ
14

في الأولى منهما حم السجدة، وفي الثانية عدد آيها، ثم ليصلي (1) في زوايا الكعبة
كلها، ثم يقوم فيستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه عليه
ويلتصق به، ويدعو، ثم يتحول إلى الركن اليماني. فيفعل به مثل ذلك، ثم يفعل
ذلك بباقي الأركان، ثم ليخرج.
2248. الثاني: تكره الفريضة جوف الكعبة، ولا بأس بالنافلة.
2249. الثالث: يستحب الدعاء عند الخروج بالمنقول.
2250. الرابع: يستحب لمن أراد الخروج من مكة بعد قضاء المناسك طواف
الوداع سبعة أشواط وصلاة ركعتين، ولو نوى الإقامة فالأقرب انه لا وداع عليه.
2251. الخامس: طواف الوداع مستحب، لا يجب بتركه دم، ووقته بعد الفراغ
من جميع حوائجه، ليكون البيت آخر عهده.
2252. السادس: لو كان منزله في الحرم استحب له الوداع، ولو أخر طواف
الزيارة حتى يخرج، لم يسقط استحباب طواف الوداع، ولو خرج ولم يودع لم
يكن عليه شئ، فإن رجع للتوديع جاز، فإن كان قد تجاوز الميقات، وجب عليه
الإحرام إذا وصل إلى الميقات وطواف العمرة لإحرامه وسعيها، ولا يجب طواف
الوداع، وإن كان قد خرج من الحرم ولم يصل إلى الميقات، أحرم من موضعه،
وإن لم يخرج من الحرم، لم يجب عليه العمرة.
2253. السابع: الحائض والنفساء لا وداع عليهما، ولا فدية عنه، بل يستحب
لها أن تودع من أدنى باب من أبواب المسجد، ولا تدخله إجماعا، ويستحب

1. في «ب»: ليقبل.
15

للمستحاضة، ولو عدمت الماء تيممت وطافت كما تفعل في الصلاة.
2254. الثامن: يستحب له أن يشرب من زمزم، وأن يشتري بدرهم تمرا،
ويتصدق به كفارة لما دخل عليه (1) في حال الإحرام من فعل محرم أو مكروه.

1. في «أ»: «لمن دخل عليه» والصحيح ما في المتن.
16

المقصد الحادي عشر: في تروك الإحرام
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في ما يجب اجتنابه
يجب على المحرم اجتناب عشرين شيئا:
صيد البر، والنساء، والطيب، ولبس المخيط للرجال، والاكتحال بالسواد
وبما فيه طيب، والنظر في المرآة، ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم، والفسوق
وهو الكذب، والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، وقتل هوام الجسد، ولبس
الخاتم للزينة، ولبس المرأة الحلي للزينة وما لم يعتد لبسه منه، واستعمال دهن
فيه طيب، وإزالة الشعر، وتغطية الرأس، والتظليل سائرا، وإخراج الدم، وقص
الأظفار، وقطع الشجر والحشيش، وتغسيل المحرم الميت بالكافور، ولبس
السلاح.
17

الأول: الصيد
وفيه أربعة وعشرون بحثا:
2255. الأول: الصيد حرام على المحرم (1) في حج كان أو في عمرة، واجبين
كانا أو نفلين، صحيحين كانا أو فاسدين.
2256. الثاني: صيد الحرم حرام على المحل والمحرم، وصيد الحل حرام على
المحرم خاصة.
2257. الثالث: المراد بالصيد الحيوان الممتنع، وقيل: بشرط أن يكون حلالا (2).
2258. الرابع: يضمن المحرم الصيد، سواء كان في الحل أو الحرم، وكذا
المحل يضمنه في الحرم، وكل ما يحرم ويضمن في الإحرام يحرم ويضمن في
الحرم للمحل إلا القمل والبراغيث، فإن قتلهما حال الإحرام حرام ولا يحرم على
المحل في الحرم.
2259. الخامس: لا يحرم شئ من الحيوان الأهلي في الحرم، لا للمحل ولا
للمحرم، ولا الدجاج وإن كان حبشيا.
2260. السادس: لا كفارة في قتل السباع، طائرة كانت كالبازي والصقر، أو
ماشية كالفهد والنمر، إلا الأسد، فإن أصحابنا رووا ان في قتله كبشا إذا لم يرده
ولو أراده فلا شئ (3).

1. في «ب»: على كل محرم.
2. أي مأكولا كما في المغني لابن قدامة: 3 / 284.
3. لاحظ التهذيب: 5 / 366، رقم الحديث: 1275.
18

ولا كفارة في الضبع ولا المتولد منه ومن الذئب، ويراعى في المتولد بين
الوحشي والإنسي الاسم. ويرمي الغراب رميا، وكذا الحدأة (1) والزنبور. لا كفارة
في قتله خطأ، وفي العمد يتصدق بشئ من الطعام، ويجوز إخراج ما أدخله
إلى الحرم أسيرا من السباع.
2261. السابع: الجراد من صيد البر يحرم قتله على المحرم مطلقا والمحل في
الحرم.
2262. الثامن: إنما يحرم صيد البر خاصة، أما صيد البحر فإنه حلال ولا فدية
في أكله بالإجماع، والمراد بصيد البحر، ما يعيش في الماء، ويبيض فيه، ويفرخ،
كالسمك مما يحل، والسلحفاة والسرطان ونحوهما مما يحرم.
ولو كان مما يعيش في البر والبحر، اعتبر بالبيض والفرخ، فإن كان يبيض
ويفرخ في الماء، فهو بحري، وإلا فبري. وأما طير الماء كالبط وشبهه، فإنه بري،
لأنه يبيض ويفرخ فيه، ولو كان لجنس من الحيوان نوعان بري وبحري، فلكل
نوع حكم نفسه.
2263. التاسع: صيد البر حرام اصطياده وذبحه والأكل منه والإشارة إليه
والدلالة والإغلاق عليه، وكذا فرخه وبيضه، ولا يحل الإعانة على الصيد، ولو
تشارك محرمان وجب على كل منهما جزاء كامل.
ولو دل المحرم عليه فقتل ضمنه أجمع وإن كان القاتل محلا، ولا فرق بين
كون المدلول عليه ظاهرا أو خفيا، أما لو رأى المدلول الصيد قبل الدلالة أو

1. في مجمع البحرين: الحدأة - كعنبة -: طائر خبيث.
19

الإشارة، فالأقرب عدم تعلق الضمان به، وكذا لو فعل فعلا عند رؤية الصيد، كما
لو ضحك أو أشرف (1) على الصيد، فرآه غيره وفطن للصيد فصاده.
2264. العاشر: لو كان الدال محرما والمدلول محلا في الحل، فالجزاء كله
على المحرم، ولو كان في الحرم فعلى كل منهما جزاء كامل، ولو كان الدال محلا
والمدلول محرما أو محلا في الحرم، ضمنه المدلول كملا، وهل يضمن الدال؟
فيه نظر.
ولو كان الدال محلا والمدلول محرما في الحل، ضمنه المحرم، وفي
ضمان الدال إشكال.
2265. الحادي عشر: لو أعار قاتل الصيد سلاحا، فقتله به، قال الشيخ (رحمه الله): لا
نص لأصحابنا فيه (2).
والأقرب عندي عدم الضمان إن أعاره ما هو مستغن عنه، كأن يعيره رمحا
ومعه رمح، والضمان إن أعاره ما لا يتم القتل إلا به.
ولو أعاره آلة ليستعملها في غير الصيد فصاد بها، فلا ضمان على
المعير قطعا.
2266. الثاني عشر: صيد الحرم يضمن بالدلالة والإشارة كصيد الإحرام، سواء
كان في الحل أو في الحرم.
2267. الثالث عشر: لو صاد المحرم صيدا، لم يملكه إجماعا، ولو كان

1. في «ب»: أو يشرف.
2. الخلاف: 2 / 406، المسألة 275 من كتاب الحج.
20

الصيد في منزله لم يزل ملكه عنه.
2268. الرابع عشر: لو ذبحه المحرم كان ميتة حراما على المحرم والمحل،
وكذا لو ذبحه المحل في الحرم، وهل يكون حكم الجلد حكم الميتة أو
المذكى؟ إشكال أقربه الأول.
ولا يحرم لو ذبحه المحل في الحل وأدخله الحرم على المحل، سواء كان
من المحرم فيه إعانة أو إشارة أو دلالة أو لا; ويحرم على المحرم.
ولو صاده المحرم من أجل المحل لم يحل إجماعا، وكذا لو صاده المحل
لأجل المحرم لم يبح للمحرم وحل للمحل.
ولو صاد المحرم صيدا في الحل فذبحه المحل فيه، حل للمحل خاصة.
2269. الخامس عشر: إذا ذبح المحرم الصيد، كان حراما، واستحب دفنه.
2270. السادس عشر: إذا اضطر المحرم، جاز أن يتناول من الصيد بقدر ما
يمسك به الرمق ويحفظ به الحياة، ويحرم عليه التجاوز عنه، ولو وجد الميتة،
أكل الصيد وفداه، ولو لم يتمكن من الفداء، أكل الميتة.
2271. السابع عشر: لا يجوز له إمساك الصيد وهو محرم، ويجب عليه
إرساله، فإن لم يفعل ضمنه وإن بقي سليما حتى يحل.
2272. الثامن عشر: إذا ذبح المحرم الصيد وأكله، ضمن للذبح فداء كاملا،
وللأكل فداء آخر.
2273. التاسع عشر: لو ملك صيدا في الحل، ثم أدخله الحرم، زال ملكه عنه،
21

ووجب إرساله، ولو تلف في يده أو أتلفه ضمنه، ولو كان مقصوص الجناح
أمسكه حتى ينبت ريشه، ويخلي سبيله، أو يودعه من ثقة حتى ينبت ريشه.
2274. العشرون: حمام الحرم لا يحل صيده وإن كان في الحل، ولو أخرجه،
وجب عليه إعادته، فإن تلف كان عليه قيمته، وكذا غيره من صيود الحرم.
2275. الواحد والعشرون: يضمن حمام الحرم المسلم والكافر والصغير
والكبير والحر والعبد والرجل والمرأة.
2276. الثاني والعشرون: المحل إذا رمى من الحل صيدا في الحرم، فقتله، أو
أرسل كلبه عليه فقتله، أو قتل صيدا على فرع شجرة في الحرم، أصلها في الحل،
ضمنه في جميع هذه الصور.
ولو قتل صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم، ضمنه.
ولو كان الصيد في الحل، ورماه الصائد في الحل بسهم، أو أرسل عليه
كلبه، فدخل السهم أو الكلب الحرم ثم رجع فقتل الصيد، لم يضمنه.
ولو رمى من الحل صيدا في الحل فقتل صيدا في الحرم ضمنه، ولو أرسل
كلبه على صيد في الحل، فدخل الكلب الحرم، وقتل صيدا غيره فيه، لم يضمنه.
ولو أرسل كلبه على صيد، فدخل الصيد الحرم، فتبعه الكلب فقتله في
الحرم، فالوجه الضمان.
ولا يجوز له أكل الصيد في هذه المواطن أجمع، سواء ضمنه أو لا، ولو
وقف صيد بعض قوائمه في الحل وبعضها في الحرم، وقتله قاتل، ضمنه،
22

سواء أصاب ما هو في الحل أو في الحرم، ولو نفر صيدا (1) من الحرم، فأصابه شئ حال
نفوره، ضمنه، ولو سكن من نفوره فأصابه شئ، فالوجه عدم الضمان.
2277. الثالث والعشرون: لو رمى صيدا فجرحه، فمضى لوجهه، ولم يعلم
حياته ولا موته، كان عليه الفداء كملا، ولو رآه بعد كسر يده أو رجله سليما، كان
عليه ربع قيمته.
2278. الرابع والعشرون: يكره للمحل قتل الصيد في الحل إذا كان يؤم (2)
الحرم، وحرمه الشيخ (3) وليس بمعتمد. ولو أصابه فدخل الحرم ومات فيه، ضمنه
على إشكال.
وكذا يكره الصيد فيما بين البريد والحرم، وحرمه الشيخ (4) وليس بجيد.
الثاني: الاستمتاع بالنساء
وفيه اثنا عشر بحثا:
2279. الأول: الوطء حرام على المحرم بالإجماع، وكذا يحرم عليه أن يعقد
على نفسه نكاحا، أو يزوج غيره، أو يكون وليا في النكاح، أو وكيلا، سواء كان
رجلا أو امرأة، ولو أفسد إحرامه. لم يجز له أن يتزوج فيه، ولو تزوج محرما
بطل النكاح، وكان مأثوما، ويفرق بينهما، سواء كانا محرمين أو أحدهما،

1. في «أ»: لو نفر الصيد.
2. أي يؤم الصيد، كما في نهاية الشيخ: 228.
3. المبسوط: 1 / 343.
4. النهاية: 228; التهذيب: 5 / 361 في ذيل الحديث 1254.
23

ولو عقد لغيره كان باطلا وإن كان الغير محلا.
2280. الثاني: يكره للمحرم الخطبة، سواء كان رجلا أو امرأة وإن
يخطب للمحلين.
2281. الثالث: لا يجوز للمحرم أن يشهد بالعقد بين المحلين، ولو شهد انعقد
النكاح، ولا يجوز للإمام أن يعقد في إحرامه لأحد.
2282. الرابع: لو عقد المحرم حال إحرامه على امرأة، وكان عالما بتحريم
ذلك عليه، فرق بينهما ولم تحل له أبدا، وإن لم يكن عالما، فرق بينهما ويجدد
العقد مع الإحلال، ولو وكل محل مثله فعقد الوكيل بعد إحرام الموكل بطل
النكاح سواء حضره الموكل أم لا، علم الوكيل أو لا. ولو وكل محرم حلالا فعقد
الوكيل بعد إحلال موكله صح العقد وإلا بطل.
2283. الخامس: إذا اتفق الزوجان على وقوع العقد في حال الإحرام، بطل
العقد، ولا مهر قبل الدخول. ويثبت بعده مع جهل المرأة بالتحريم.
ولو ادعى أحدهما وقوعه حال الإحرام وأنكر الآخر، حكم لذي البينة،
ولو فقدت وكان المنكر الرجل، فالقول قوله مع يمينه وصح العقد، ولو كان
المرأة، فالقول قولها مع اليمين، ويحكم بفساد العقد في حق الزوج، ويثبت عليه
أحكام النكاح الصحيح، فإن كان قد دخل بها، وجب المهر كملا، وإن لم يكن
دخل، قال الشيخ: يجب عليه نصف المهر (1).
ولو أشكل الأمر فلم يعلم هل وقع في الإحلال أو الإحرام صح

1. المبسوط: 1 / 318.
24

العقد. وقال الشيخ (رحمه الله): والأحوط تجديده (1).
2284. السادس: لو شهد وهو محرم، فعل حراما، وصح العقد، ولو أقامها بعد
الإحلال، فالوجه الحكم بها.
2285. السابع: كما يحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه، يحرم عليه إقامتها
في تلك الحال ولو تحملها محلا.
2286. الثامن: إذا وطئ العاقد في الإحرام، لزمه المسمى مع التسمية، وإلا مهر
المثل، ويلحق به الولد، ويفسد حجه إن كان قبل الوقوف بالموقفين، ويجب
إتمامه والقضاء من قابل وبدنة، ويلزمها العدة، وإن لم يكن دخل، لم يلزمه شئ
من ذلك.
2287. التاسع: يجوز له مراجعة امرأته وهو محرم، وشراء الإماء، لكن لا
يقربهن، سواء قصد به التسري أو لم يقصد.
2288. العاشر: يجوز له مفارقة النساء حال الإحرام بكل حال، من طلاق أو
خلع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة.
2289. الحادي عشر: كما يحرم الوطء قبلا، كذا يحرم دبرا، ويتعلق به الإفساد،
كما يتعلق بالقبل، وكذا يحرم عليه التقبيل للنساء، وملاعبتهن بشهوة، والنظر
إليهن بشهوة، والملامسة وإن لم يكن جماعا.
ويجوز أن يقبل أمه وأخته وباقي المحرمات المؤبدة.

1. المبسوط: 1 / 317.
25

2290. الثاني عشر: كل موضع حكم فيه ببطلان العقد، فإنه يفرق بين الرجل
والمرأة من غير طلاق.
الثالث: الطيب
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
2291. الأول: الطيب حرام على المحرم بالإجماع أكلا وشما وإطلاء وبخورا
وملامسة. ولو مات لم يجز ان يحنط بالكافور ولا يغسل به ولا بشئ من طيب.
واختلف علماؤنا، فالشيخ اقتصر في النهاية (1) على تحريم المسك والعنبر
والزعفران والكافور والعود والورس (2) - وهو نبت أحمر يشبه الزعفران
المسحوق، يوجد على قشور شجرة ينحت منها - وفي غيرها (3) عمم تحريم كل
الطيب وهو الأقوى.
2292. الثاني: النبات الطيب، منه ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه كالشيح
والقيصوم (4) والخزامي (5) والإذخر (6) والفواكه كلها كالأترج والتفاح والسفرجل
وأشباهه، وما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر (7) فهذا كله يباح

1. النهاية: 219.
2. قال في مجمع البحرين: الورس: صبغ يتخذ منه الحمرة للوجه، وهو نبات كالسمسم ليس إلا
باليمن.
3. أي في غير النهاية.
4. قال في مجمع البحرين: الشيح والقيصوم نبتان في البادية معروفان.
5. في مجمع البحرين: الخزامي هي بألف التأنيث كحباري: نبت من نبات البادية أطيب الأزهار نفحة.
6. والإذخر: بكسر الهمزة: حشيشة طيبة الرائحة تسقف بها البيوت فوق الخشب. النهاية.
7. في «ب»: معصفر. والعصفر - بضم العين -: نبت معروف يصبغ به. مجمع البحرين.
26

شمه، ومنه ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب، كالياسمين والورد والنيلوفر،
والوجه تحريم شمه ووجوب الفدية به، ومنه ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ
منه طيب، كالريحان والنرجس والمرزجوش، والأقرب تحريمه أيضا.
2293. الثالث: الحناء ليس بطيب، ولا يجب باستعماله فدية، ويكره
استعماله للزينة.
2294. الرابع: العصفر ليس بطيب، ويجوز للمحرم لبس المعصفر، ولا يجب
به الفدية، ويكره إذا كان مشبعا.
ولا بأس بخلوق الكعبة وشم رائحته، سواء كان عالما أو جاهلا أو عامدا
أو ناسيا.
2295. الخامس: الريحان الفارسي لا تجب به الفدية.
2296. السادس: يحرم عليه لبس ثوب مسه طيب محرم وافتراشه والنوم عليه
والجلوس، سواء أصبغه (1) به أو غمسه فيه، ولو غسله حتى ذهب الطيب، جاز
لبسه إجماعا.
ولو انقلعت رائحة الثوب لطول الزمن عليه، أو لكونه صبغ بغيره بحيث
أخفى رائحته إذا رش بالماء، جاز.
ولو فرش فوق الثوب المطيب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة والمباشرة، فلا
فدية عليه بالجلوس والنوم، ولو كان الحائل ثياب بدنه، فالوجه المنع.
2297. السابع: لو أصاب ثوبه طيب، ومعه ماء لا يكفيه لإزالته والطهارة،

1. في «ب»: صبغه.
27

صرفه في الإزالة، وتيمم، ولو أمكنه قطع رائحة ثوب الطيب بشئ من غير
الماء (1) فعله، وتوضأ.
2298. الثامن: لا بأس بالممشق وهو المصبوغ بالمغرة (2) وكذا المصبوغ
بالريحان وسائر الأصباغ عدا السواد والطيب.
2299. التاسع: لو جعل الطيب في خرقة وشمها، كان عليه الفداء.
2300. العاشر: قال الشيخ (رحمه الله): يكره له الجلوس عند العطارين، الذين
يباشرون العطر (3) ويمسك على أنفه لو جاز في زقاق فيه طيب، ولا يقبض على
أنفه من الروائح الكريهة.
قال الشيخ: ولو كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق ببدنه منه شئ،
وجب الفدية، وإن لم يعلق فلا فدية عليه، وإن كان يابسا وجبت الفدية إن علق
ببدنه رائحته (4).
ولو مس الطيب المبلول بأي موضع من بدنه كان، وجب الفداء، (5) وكذا لو
ابتلعه أو ربط جراحته به أو احتقن ولو داس بنعله طيبا فعلق بها، فان تعمد
وجب الفداء وإلا فلا، ولو اضطر المحرم إلى سعوط فيه مسك، قال ابن بابويه: لا
بأس أن يتسعط (6).

1. في «أ»: بشئ غير الماء.
2. المغرة: الطين الأحمر الذي يصبغ به. مجمع البحرين.
3. الخلاف: 2 / 307، المسألة 96 من كتاب الحج.
4. الخلاف: 2 / 306، المسألة 94 من كتاب الحج.
5. في «ب»: بأي موضع كان من بدنه أوجب الفداء وإلا فلا.
6. الفقيه: 2 / 224 في ذيل الحديث 1053.
28

2301. الحادي عشر: يحرم على المحرم أكل ما فيه طيب، ويجب به الفدية،
سواء مسه النار أو لا، بقيت أوصافه أو عدمت.
2302. الثاني عشر: لو طيب بعض العضو، وجب الفداء.
2303. الثالث عشر: لو اضطر إلى أكل طعام فيه طيب، أو مسه، أكله أو مسه،
وقبض على أنفه.
2304. «الرابع عشر: يجوز له شراء الطيب وبيعه لا استعماله» (1).
الرابع: لبس المخيط
وفيه عشرة مباحث:
2305. الأول: يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب إن كان رجلا
بلا خلاف.
2306. الثاني: يحرم عليه لبس الخفين وما يستر ظهر القدم اختيارا، ويجوز
اضطرارا.
2307. الثالث: لا يجوز له لبس القبا، فإن لم يجد ثوبا غيره لبسه مقلوبا، ولا
فدية عليه، ولا يدخل يديه في كميه، ويجوز له لبس السراويل إذا لم يجد إزارا،
ولا فدية عليه.
2308. الرابع: لو اضطر إلى لبس الخفين لبسهما، قال الشيخ: ويشقهما (2)،

1. هذه الزيادة وردت في نسخة «ب»: مع اتفاق جميع النسخ على أن «فيه ثلاثة عشر بحثا».
2. المبسوط: 1 / 320; الخلاف: 2 / 295، المسألة 75 من كتاب الحج.
29

ومنعه ابن إدريس (1)، ولا يجوز له لبس المقطوع من الخفين مع وجود النعلين،
فلو لبسه وجبت الفدية.
2309. الخامس: يحرم لبس ما يستر ظهر القدم كالجورب (2) إلا مع الضرورة.
2310. السادس: يجوز لبس النعال مطلقا، ولا يجب قطع القيد في النعل
على العقب.
2311. السابع: لو وجد نعلا لا يتمكن من لبسه، فله لبس الخف، ولا فدية.
2312. الثامن: ليس للمحرم أن يعقد عليه الرداء ولا غيره إلا الإزار والهميان.
2313. التاسع: يجوز للمرأة لبس المخيط والغلالة (3) إذا كانت حائضا
والسراويل مطلقا.
والوجه أن الخنثى المشكل لا تجب عليه اجتناب المخيط.
2314. العاشر: يحرم على المرأة لبس القفازين (4) والحلي الذي لم تجر عادتها
بلبسه قبل الإحرام، وروي جواز لبس الخلخالين والمسك (5) وهو السوار من
ذبل (6) أو عاج.

1. السرائر: 1 / 543.
2. في «أ»: «كالجوربين» والجورب معرب، والجمع الجواربة، والهاء للعجمة. الصحاح: 1 / 99
«جرب».
3. الغلالة: ثوب رقيق يلبس على الجسد تحت الثياب، تتقي به الحائض عن التلويث. مجمع
البحرين.
4. قال المصنف في التذكرة: 7 / 320: والمراد بالقفازين شئ تتخذه المرأة لليدين يحشى
بقطن، ويكون له أزرار تزر على الساعدين، من البرد تلبسه المرأة.
5. لاحظ التهذيب: 5 / 74، الحديث 246.
6. الذبل: شئ كالعاج، وهو ظهر السلحفاة البحرية، يتخذ منه السوار. الصحاح: 4 / 1701 «ذبل».
30

الخامس: في باقي المحظورات
وفيه ثلاثون بحثا:
2315. الأول: لا يجوز للمحرم أن يكتحل بما فيه طيب اختيارا، سواء كان
رجلا أو امرأة، وتجب به الفدية.
2316. الثاني: لا يجوز أن يكتحل بالسواد اختيارا، ويجوز بغيره.
2317. الثالث: لا تجب الفدية بالاكتحال.
2318. الرابع: لا يجوز للمحرم النظر في المرآة، رجلا أو امرأة.
2319. الخامس: لا يجوز للمرأة أن تلبس الحلي للزينة، وما لم يعتد لبسه في
حال الإحرام، ويجوز لها ما عدا ذلك، ولا يجوز لها أن تظهره لزوجها.
2320. السادس: لا يجوز للمحرم أن يلبس الخاتم للزينة، ويجوز للسنة.
2321. السابع: يحرم على الرجل في حال الإحرام تغطية الرأس، والوجه أن
الأذنين منه، ويحرم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية جميعه، والمعتاد وغيره
سواء في التحريم، ويجوز تعصب الرأس بعصابة عند الحاجة.
2322. الثامن: يحرم عليه الارتماس في الماء بحيث يعلو الماء رأسه، ويجوز
أن يغسله بالماء، ويفيضه عليه، ويلبد شعره.
2323. التاسع: لو حمل على رأسه مكتلا (1) أو طبقا أو نحوه، وجبت

1. المكتل: - كمنبر -: الزنبيل الكبير. مجمع البحرين.
31

الفدية، وكذا لو خضب رأسه وإن كان رقيقا، أو وضع عليه مرهما يستر رأسه،
أو طلى بعسل أو لبن ثخين.
2324. العاشر: لو غطى رأسه ناسيا، ألقى القناع واجبا، وجدد التلبية استحبابا،
ولا شئ عليه، ولو ستر رأسه بيده أو ببعض أعضائه، ففي الجواز إشكال.
2325. الحادي عشر: لا يجب على الرجل كشف وجهه بل يجوز
ستره وكشفه.
وقال الشيخ (رحمه الله): يجوز تغطية الوجه مع نية الكفارة لا مع عدمها (1).
2326. الثاني عشر: إحرام المرأة في وجهها، ولا يجوز لها تغطيته، ويجوز لها
أن تسدل ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها.
قال الشيخ: ويكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة،
فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شئ عليه وإلا وجب الدم (2). وفيه نظر.
2327. الثالث عشر: الخنثى المشكل لا يجوز (3) له تغطية رأسه وان (4) يغطي
وجهه. ولو جمع بينهما لزمته الفدية. وكذا لو غطى رأسه ولبس المخيط (5).
2328. الرابع عشر: يحرم على الرجل التظليل سائرا ويجوز حال نزوله،
ولو اضطر السائل إلى التظليل، بأن لا يتمكن من ملاقاة الشمس، أو

1. التهذيب: 5 / 308 في ذيل الحديث 1052.
2. المبسوط: 1 / 320.
3. كذا في نسخة «ب»: وهو الصحيح.
4. أي مع تغطية رأسه والحاصل ليس له الجمع بين تغطية الرأس والوجه.
5. للعلم التفصيلي بالمخالفة.
32

يكون مريضا، أو يخاف المطر المضر به، جاز ويفدي.
ويجوز للمرأة التظليل، وكذا الصبيان، أما المريض فيجوز مع الفدية.
ولو زامل الصحيح امرأة أو مريضا، اختصا بجواز التظليل دونه.
2329. الخامس عشر: يحرم على المحرم إزالة شئ من شعره قليلا وكثيرا،
سواء كان شعر الرأس أو اللحية أو البدن، ولو احتاج جاز مع الفدية إن كان الأذى
من غير الشعر كالقمل والقروح والصداع، وإن كان منه كالنابت في عينه فلا فدية.
ولا فرق في وجوب الفدية بين حلق الجميع أو البعض، ولو نبت الشعر
في عينه أو نزل شعر حاجبه فغطى عينه، جاز له قلع النابت في عينه وقص
المسترسل، والأقرب عدم الفدية.
ولو قطع يده وعليها شعر لم يضمن الشعر، ولو نتف إبطه وجب الفداء.
2330. السادس عشر: يجوز للمحرم أن يحلق شعر المحل، ولا فدية، ولا
يجوز أن يحلق للمحرم ولا للمحل ذلك، ولو فعلا ذلك أثما، ولا كفارة، سواء
كان بإذنه أو بغير إذنه، لكن المحلوق المحرم إن أذن، لزمه الفداء، وإلا فلا.
2331. السابع عشر: قص الأظفار حرام على المحرم اختيارا، وإن احتاج جاز
ووجب الفداء، وكذا بعض الظفر، ولو انكسر ظفره كان له إزالته، والأقرب
وجوب الفدية.
2332. الثامن عشر: اختلف علماؤنا في الحجامة فجوزها ابن بابويه (1)

1. الفقيه: 2 / 224، برقم 1033; المقنع: 233.
33

ومنعها المفيد (1) وللشيخ قولان (2)، ويجوز مع الضرورة، فلو احتاج حينئذ
إلى قطع شعر جاز، وتجب الفدية.
ولو قلم ظفره فأدمى إصبعه وجب الفداء، ولو أفتاه غيره وجب على
المفتي دم مع الإدماء، ويجوز له أن يبط جراحته (3) ويشق الدمل مع الحاجة، ولا
فدية، وأن يقلع ضرسه كذلك، ولو لم يحتج إلى قلعه وجب الدم بالقلع.
2333. التاسع عشر: لا يدلك جسده بقوة، لئلا يدميه، أو يقلع بعض شعره،
ولا يستقصي في سواكه، ولا يدلك وجهه في وضوء وغيره لئلا يسقط شئ من
شعر لحيته، ويجوز غسل رأسه بالسدر والخطمي، وبدنه برفق، لئلا يسقط
شئ من شعر رأسه أو لحيته، ودخول الحمام ولا يدلك جسده فيه بعنف،
والأفضل تركه.
2334. العشرون: لا يجوز قتل القمل والصئبان (4) والبراغيث للمحرم، وكذا
إلقاؤه عن بدنه إلى الأرض، أو قتله بالزئبق، ويجوز تحويلها من مكان من
جسده إلى مكان آخر، وأن ينحي عن نفسه القراد والحلم (5) ويلقي القراد عنه
وعن بعيره، ولا يجوز قتله.

1. المقنعة: 432.
2. قال بعدم الجواز في المبسوط: 1 / 321، والنهاية: 220; وبالجواز في الخلاف: 2 / 315،
المسألة 110 من كتاب الحج.
3. في «أ»: «جراحاته» والبط: شق الدمل والجراح، يقال: بط الرجل الجرح - من باب قتل: أي
شقه. مجمع البحرين.
4. الصؤابة: بيضة القملة، والجمع: الصؤاب والصئبان. الصحاح: 1 / 160 «صأب».
5. القراد - كغراب -: هو ما يتعلق بالبعير ونحوه، وهو كالقمل للإنسان. والحلم - بالتحريك:
القراد الضخم، الواحدة حلمة، كقصب وقصبة. مجمع البحرين.
34

قال الشيخ (رحمه الله): ليس له أن يلقي الحلم عن بعيره بل القراد (1).
2335. الواحد والعشرون: يحرم على المحرم الفسوق، وهو الكذب، وإن كان
يحرم على غير المحرم أيضا، لكنه في حق المحرم آكد.
2336. الثاني والعشرون: يحرم عليه الجدال، وهو قوله لغيره: لا والله وبلى
والله، ويستحب له قلة الكلام إلا فيما ينفع به.
2337. الثالث والعشرون: الإجماع على تحريم استعمال الدهن الطيب، كدهن
الورد والبنفسج والبان (2) للمحرم، وتجب به الفدية.
ونص الشيخ على تحريم الأدهان بما ليس بطيب، كالشيرج والسمن لا
على أكله، قال: ولا فدية في الإدهان به (3)، ولا يجوز الإدهان قبل الإحرام بالطيب
إذا كانت رائحته تبقى إلى بعد الإحرام، ولو اضطر المحرم إلى استعماله، جاز
مع الفدية.
ويجوز استعمال ما ليس بطيب حال الإحرام مع الضرورة ولا فدية.
2338. الرابع والعشرون: يحرم على المحرم قطع شجر الحرم وكذا قطع
الشوك والعوسج وأخذ ورق الشجر وقطع أغصانها وقطع حشيش الحرم إلا
الإذخر وما أنبته الآدميون.
ويجوز قلع شجر الفواكه والنخل وعودي المحالة (4) وما ينبت في منزله

1. التهذيب: 5 / 338، في ذيل الحديث 1166.
2. البان: ضرب من الشجر، طيب الزهر، واحدتها: بانة، ومنه دهن البان. الصحاح: 5 / 2081 «بون».
3. الخلاف: 2 / 303، المسألة 90 من كتاب الحج.
4. المحالة هي البكرة العظيمة التي يستقى بها. مجمع البحرين.
35

بعد بنائه لا قبله، ويجوز قطع يابس الشجر والحشيش وما انكسر ولم يبن،
وأخذ الكمأة (1) والفقع (2)، ولو انكسر غصن شجرة، أو سقط ورقها بغير فعل
الآدمي، جاز استعماله، والوجه أن ما يحصل من ذلك بفعل الآدمي كذلك.
ويجوز أن يترك إبله ليرعى في حشيش الحرم، ولا يجوز له قلعه وإعلافه
الإبل.
2339. الخامس والعشرون: الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحل
حرم قطعها (3) وقطع غصنها، وكذا بالعكس، ولو كان الأصل في الحل والغصن في
الحرم، فقطع الغصن، فالوجه جواز قلع الأصل بعد ذلك.
ولو قلع شجرة من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فيبست ضمنها، ولو
نبتت فلا ضمان، ولو غرسها في الحل وجب ردها، ولو تعذر أو يبست ضمنها.
ولو غرسها في الحل، فقلعها غيره منه، فالوجه أن الضمان على الأول.
2340. السادس والعشرون: أوجب الشيخ الضمان في قطع شجر الحرم (4)
ومنعه ابن إدريس مع التحريم (5)، ولو قطع غصنا، أو قلع حشيشا فنبت عوضه،
لم يزل الضمان.
2341. السابع والعشرون: صيد وج وشجره مباح، وهو واد بالطائف، أما
المدينة فلها حرم كحرم مكة، لا يجوز قطع شجره ولا قتل صيده إلا أنه لا جزاء

1. الكمأة واحدها كمء، وهو نبات ينقض الأرض فيخرج. لسان العرب.
2. الفقع - بالفتح والكسر -: الأبيض الرخو من الكمأة، وهو أردها. لسان العرب.
3. في «أ»: قلعها.
4. الخلاف: 2 / 407، المسألة 280 من كتاب الحج; ولاحظ التهذيب: 5 / 381.
5. السرائر: 1 / 554.
36

فيه، ويباح من شجره ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للعلف (1) ولا يجب
دخوله بإحرام، ولا يجب إرسال الصيد إذا دخل مع صاحبه إليها.
وحد حرم المدينة بريد في بريد، وهو من ظل عائر إلى وعير. ولا يعضد (2)
شجرها، ولا بأس بصيده إلا ما صيد بين الحرتين، وعبارة الشيخ في
النهاية ردية (3).
2342. الثامن والعشرون: الأقرب عندي كراهة لبس السلاح مع عدم
الضرورة، وعدمها معها، وكذا يكره النوم على الفرش المصبوغة، والإحرام في
الثياب المصبوغة بالسواد، أو المعصفر وشبهه، ويتأكد في السواد، والنوم عليه،
وفي الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة، ولبس الثياب المعلمة، واستعمال الحناء
للزينة، والنقاب للمرأة على إشكال، ودخول الحمام، وتدليك الجسد فيه،
واستعمال الرياحين، وأن يلبي من دعاه، بل يقول: يا سعد، ويجوز أن يؤدب
عبده مع الحاجة.
2343. التاسع والعشرون: إذا قتل المحرم حيوانا وشك في أنه صيد، لم يكن
عليه شئ، ولو علمه صيدا، وشك في أي صنف هو، لزمه دم شاة.
2344. الثلاثون: يجوز إخراج الفهد من الحرم، ويستحب إخراج ماء
زمزم للتبرك.

1. في التذكرة: 7 / 380: للمعلف.
2. العضد -: باسكان الضاد -: القطع. مجمع البحرين.
3. لاحظ النهاية: 287.
37

الفصل الثاني:
في ما يجب على المحرم من الكفارة في ما يفعله عمدا أو خطأ
وفيه مطالب
[المطلب] الأول: [في] الصيد - والنظر فيه يتعلق بأمور -
[النظر] الأول: في الجزاء
وفيه سبعة مباحث:
2345. الأول: الصيد قسمان: منه ما لكفارته بدل معين، ومنه ما ليس كذلك،
والأول خمسة: النعامة، وبقرة الوحش، وحمار الوحش، والظبي، وبيض النعامة،
وبيض القطا والقبج، والثاني خمسة أقسام يأتي.
2346. الثاني: يجب الجزاء على قتل الصيد للمحرم بالإجماع والنص، سواء
قتله عمدا أو سهوا أو خطأ، ولو تكرر منه القتل فإن كان ناسيا، تكررت الكفارة
إجماعا، وكذا إن كان عامدا على الأقوى.
2347. الثالث: يجب الجزاء بقتله للضرورة وإن كان قتله باعتبارها مباحا.
38

2348. الرابع: لو صال عليه صيد فخاف منه القتل أو الجرح أو إتلاف المال
ولم يندفع إلا بالقتل، جاز قتله إجماعا، والوجه عدم الضمان.
2349. الخامس: لو خلص صيدا من سبع أو شبكة، أو أخذه ليخلص خيطا من
رجله أو نحوه فتلف، كان عليه الضمان.
2350. السادس: يجب الجزاء بقتل الصيد المملوك لله تعالى
والقيمة للمالك (1).
2351. السابع: الجزاء واجب على المحرم، في عمرة كان أو حج، متمتعا كان
أو قارنا أو مفردا، واجبين أو نفلين، صحيحتين أو فاسدتين، ولو كان الصيد في
الحرم، وتجرد عن الإحرام ضمن، ولو كان محرما يضاعف الجزاء.
النظر الثاني: في ما لكفارته بدل
وفيه عشرة مباحث:
2352. الأول: دابة الصيد يضمن بمثلها من النعم لا بالقيمة.
2353. الثاني: ما يثبت فيه نص مقدر اتبع إما من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أحد
الأئمة (عليهم السلام)، ولا يجب استئناف الحكم.
2354. الثالث: يجب في قتل النعامة جزور، ولو عجز، قوم البدنة لا الصيد،
وفض ثمنها على البر، وأطعم كل مسكين نصف صاع، ولو زاد على ستين
مسكينا، كان الزائد له، ولو نقص لم يجب عليه الإكمال، ولو عجز عن الإطعام،

1. في «ب»: لمالكه.
39

قوم الجزور بدراهم، والدراهم بطعام، وصام عن كل نصف صاع يوما، ولا يجب
عليه أن يصوم أكثر من شهرين وإن زادت القيمة، ولا يجب عليه إكمال ستين
يوما مع نقص القيمة.
2355. الرابع: اختلف علماؤنا في كفارة جزاء الصيد، فقال المفيد: إنها على
الترتيب (1)، وآخرون على التخيير (2)، وللشيخ قولان (3).
2356. الخامس: لو عجز عن الأصناف الثلاثة، صام ثمانية عشر يوما.
2357. السادس: في فراخ النعامة قولان: أحدهما من صغار الإبل، قاله
المفيد (4); والثاني مثل ما في النعامة سواء، قاله الشيخ (5). وفي الأول قوة.
2358. السابع: يجب في حمار الوحش وبقرته بقرة، ولو لم يجد البقرة،
قومها وفض ثمنها على الحنطة، وأطعم كل مسكين نصف صاع، ولا يجب عليه
إطعام ما زاد على ثلاثين مسكينا، ولا إتمام ما نقص عنه، ولو لم يتمكن من
الإطعام، صام عن كل نصف صاع يوما، ولا يجب عليه صيام ما زاد على ثلاثين
وإن زادت القيمة، ولا إكمال العدد، ولو عجز صام تسعة أيام.
2359. الثامن: يجب في الظبي شاة وكذا في الثعلب والأرنب، ولو عجز عن
الشاة في الظبي قوم ثمنها، وفضه على البر، وأطعم عشرة مساكين، لكل مسكين

1. المقنعة: 435 و 571.
2. كابن إدريس في السرائر: 1 / 557.
3. قول بالتخيير ذهب إليه في الخلاف: 2 / 397، المسألة 260 من كتاب الحج; وقول بالترتيب
ذهب إليه في النهاية: 222 - 223 باب ما يجب على المحرم من الكفارة.
4. المقنعة: 436.
5. المبسوط: 1 / 342; النهاية: 225.
40

نصف صاع، ولو زاد الطعام عن العشرة، كانت الزيادة له، ولو نقصت لم يجب
عليه الإكمال.
ولو عجز عن الإطعام صام عن كل نصف صاع يوما، ولو زاد التقويم عن
خمسة أصوع لم يجب عليه الصوم عن الزائد، ولو نقص لم يجب عليه إلا بقدر
التقويم، ولو نقص التقويم ربع صاع مثلا، فالوجه وجوب يوم كامل، ولو عجز
عن ذلك كله صام ثلاثة أيام.
أما الثعلب والأرنب فقيل فيهما الابدال كالظبي (1)، ونحن فيه من
المتوقفين.
2360. التاسع: إذا كسر بيض النعامة فإن كان قد حرك فيه الفرخ، كان عليه عن
كل بيضة بكارة من الإبل، وإن لم يكن تحرك كان عليه أن يرسل فحولة الإبل في
إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله تعالى، والاعتبار في العدد بالإناث،
ولا فرق بين أن يكسره بنفسه أو بدابته.
ولو لم يتمكن من الإبل كان عليه عن كل بيضة شاة، فإن عجز، كان عليه
عن كل بيضة إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، فإن عجز كان عليه صيام
ثلاثة أيام.
ولو كسر بيضة فيها فرخ ميت أو كانت فاسدة لم يكن عليه شئ.
ولو باض الطير على فراش محرم فنقله إلى موضعه، فنفر الطير فلم
يحضنه، قال الشيخ: يلزمه الجزاء (2).

1. القائل الشيخ المفيد في المقنعة: 435، والشيخ الطوسي في النهاية: 222، والمبسوط: 1 / 340.
2. الخلاف: 2 / 416، المسألة 298 من كتاب الحج.
41

2361. العاشر: إذا كسر المحرم بيضة من القطا أو القبج، فإن كان قد تحرك فيه
الفرخ، كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم، وإن لم يكن قد تحرك، كان
عليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت
الله تعالى.
ولو عجز عن الإرسال، قال الشيخ: كان حكمه حكم بيض النعام (1)، قال
ابن إدريس: يريد وجوب الشاة عن كل بيضة مع العجز عن الإرسال (2)، ولا
استبعاد فيه، والأقرب أن مقصوده وجوب الصدقة على عشرة مساكين، أو
الصيام ثلاثة أيام.
النظر الثالث: في ما لا بدل فيه
وفيه تسعة مباحث:
2362. الأول: الحمام كل طائر يهدر، بأن يواتر صوته، ويعب الماء بأن يضع
منقاره فيه، فيكرع كما تكرع الشاة، وقال الكسائي: كل مطوق حمام (3).
إذا عرفت هذا، ففي كل حمامة شاة إن كان القاتل محرما في الحل، وإن
كان محلا في الحرم كان عليه درهم، وإن كان محرما في الحرم اجتمع
عليه الأمران.
2363. الثاني: لو قتل المحرم فرخ الحمام، كان عليه حمل قد فطم ورعى من

1. النهاية: 227; المبسوط: 1 / 345.
2. السرائر: 1 / 565.
3. نقله عنه ابن قدامة في المغني: 3 / 352.
42

الشجر، ولو كان القاتل محلا في الحرم، كان عليه نصف درهم، ولو كان محرما
في الحرم، اجتمع عليه الأمران.
2364. الثالث: لو كسر المحرم بيض الحمام في الحل، ولم يكن قد تحرك فيه
الفرخ، وجب عليه عن كل بيضة درهم، وإن كان قد تحرك فيه الفرخ، كان عليه
عن كل بيضة حمل، ولو كسره المحل في الحرم، كان عليه عن كل بيضة ربع
درهم، ولو كان محرما في الحرم لزمه درهم وربع.
2365. الرابع: لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قتل في الحرم،
إلا أن حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه، والأهلي يتصدق بثمنه على
المساكين.
2366. الخامس: في كل واحد من القطا والحجل والدراج حمل قد فطم
ورعى من الشجر، وحده ما مضى عليه أربعة أشهر.
2367. السادس: في كل من العصفور والصعوة (1) والقبرة وما أشبهها مد من
الطعام، وقال ابن بابويه: " في الطائر جميعه دم شاة ما عدا النعامة، فإن فيها
جزورا " (2). وهو ضعيف.
2368. السابع: في قتل الزنبور عمدا كف من طعام، ولا شئ في الخطاء. قال
المفيد: فإن قتل زنابير كثيرة تصدق بمد من طعام أو تمر (3)، وهو حسن.
ولا شئ في قتل الهوام من الحيات والعقارب وغيرها، ولا بأس بقتل

1. الصعوة: صغار العصافير.
2. المقنع: 248 و 250. ولاحظ المختلف: 4 / 103.
3. المقنعة: 438.
43

القمل والبق وأشباهها للمحل في الحرم. ولو كان محرما لزمته الكفارة كف
من طعام.
2369. الثامن: من قتل جرادة وهو محرم، كان عليه كف من طعام أو تمر، وإن
قتل جرادا كثيرا كان عليه دم شاة، ولو كان في طريقه ولم يتمكن من التحرز عن
قتله، لم يكن عليه شئ.
2370. التاسع: في كل واحد من الضب والقنفذ واليربوع جدي.
النظر الرابع: في ما لا نص فيه
وفيه ستة مباحث:
2371. الأول: كل صيد لا مثل له ولا تقدير للشرع فيه، يرجع فيه إلى قول
عدلين يقومانه، وتجب القيمة التي يقدرانها فيه.
ويشترط في الحكمين العدالة والمعرفة، وأن يكونا اثنين فما زاد، ويجوز
أن يكون القاتل أحدهما إذا كان عدلا.
2372. الثاني: قال الشيخ: في البط والإوز والكركي شاة، قال: وإن قلنا: فيه
القيمة، لعدم النص، كان جائزا (1). وهو الظاهر من قول ابن بابويه (2).
2373. الثالث: قال الشيخ (رحمه الله): من قتل عظاية (3) كان عليه كف من طعام (4)،
وهو حسن.

1. المبسوط: 1 / 346.
2. المقنع: 250.
3. في مجمع البحرين: العظاء - ممدود -: دويبة أكبر من الوزغة، الواحدة عظاءة وعظاية.
4. التهذيب: 5 / 344، في ذيل الحديث 1193.
44

2374. الرابع: القيمة واجبة في كل ما لا تقدير فيه شرعا، وكذلك البيوض التي
لم ينص فيها على مقدر.
2375. الخامس: الكبير من ذوات الأمثال يضمن بكبير، والصغير بمثله، وإن
ضمنه بكبير كان أولى، والذكر بمثله والأنثى بمثلها، والصحيح بالصحيح
والمعيب بالمعيب، وإن ضمنه بصحيح كان أولى.
ولو اختلف العيب، فضمن الأعور بأعوج لم يجز، أما لو فدى الأعور من
إحدى العينين بأعور من الأخرى، فالوجه الجواز، وكذا أعرج إحدى الرجلين
يضمن بأعرج الأخرى، ولو فدى الذكر بالأنثى جاز. وجوز الشيخ: العكس (1).
ولو قتل ماخضا، ضمنها بماخض مثلها لا بالقيمة، قاله الشيخ (2). ولو
ضمنها بغير ماخض، ففي الإجزاء نظر.
2376. السادس: لو أصاب صيدا حاملا فألقت جنينا، فإن خرج حيا وماتا، لزمه
فداؤهما، فيفدي الأم بمثلها والصغير بمثله أو كبير، وإن عاشا ولا عيب فلا شئ،
وإن حصل عيب ضمن الأرش، ولو مات أحدهما دون الآخر، ضمن الميت
خاصة، ولو خرج ميتا لزمه الأرش، وهو ما بين قيمتها حاملا ومجهضا.
النظر الخامس: في أسباب الضمان
وهو أمران: المباشرة والتسبيب
وهنا ثلاثة وعشرون بحثا:
2377. الأول: من قتل صيدا وجب عليه فداؤه، ولو أكله، لزمه فداء

1. الخلاف: 2 / 400، المسألة 264 من كتاب الحج.
2. المبسوط: 1 / 345.
45

آخر، والرواية دلت على وجوب الجزاء الثاني (1).
وقال بعض أصحابنا: إنما يجب جزاء ما قتل وقيمة ما أكل (2). وهو حسن
سواء أدى جزاء القتل أو لا، ولا يتداخلان.
2378. الثاني: حكم البيوض حكم الصيد في تحريم الأكل، سواء كسره هو أو
محرم آخر أو حلال. ولو كسره المحرم فالوجه أنه لا يحرم على المحل أكله.
قال الشيخ: يحرم (3) وليس بمعتمد.
2379. الثالث: لو اشترى محل لمحرم بيض نعامة، فأكله المحرم، كان على
المحرم عن كل بيضة شاة، وعلى المحل عن كل بيضة درهم.
2380. الرابع: إنما يضمن بيض الصيد الحرام، أما بيض ما يباح أكله كبيض
الدجاج الحبشي فإنه حلال لا يجب بكسره شئ.
2381. الخامس: لو أتلف جزءا من الصيد، ضمنه، فلو كسر قرني الغزال، قال
الشيخ: عليه نصف قيمته، وفي كل واحد ربع قيمته، وفي عينيه كمال قيمته، وفي
كسر إحدى رجليه نصف قيمته، وكذا في كسر إحدى يديه، ولو كسر يديه معا،
فكمال القيمة، وكذا في رجليه، ولو قتله، كان عليه فداء واحد (4).
2382. السادس: لو نتف ريشة من حمام الحرم، وجب أن يتصدق بصدقة،
وأن يسلمها باليد التي نتف بها، ولو نتف ريشا متعددا، فإن كان بالتفريق، فالوجه

1. الوسائل: 9 / 209، الباب 18 من أبواب كفارات الصيد; التهذيب: 5 / 351 برقم 1221.
2. الشيخ الطوسي في الخلاف: 2 / 405، المسألة 274 من كتاب الحج.
3. المبسوط: 1 / 348.
4. النهاية: 227; المبسوط: 1 / 342.
46

تكرار الفدية (1)، وإن كان دفعة فالوجه الأرش، ولو حفظه حتى ينبت ريشه لم
تسقط الفدية.
2383. السابع: لو جرح الصيد، ضمن الجرح على قدره، ثم إن رآه سويا بعد
ذلك، وجب الأرش، ولو أصابه ولم يؤثر فيه، لم يكن عليه شئ.
قال الشيخ: لو كسر يده أو رجله، ثم رآه وقد صلح ورعى وجب ربع
الفداء (2). ولو جرح الصيد فاندمل وصار غير ممتنع، فالوجه الأرش; وقال الشيخ:
يضمن الجميع (3).
ولو جرحه فغاب عن عينه ولم يعلم حاله، ضمنه أجمع، ولو رآه ميتا ولم
يعلم هل مات من الجناية أو غيرها ضمنه.
ولو رماه ولم يعلم هل أثر فيه أم لا، لزمه الفداء.
ولو صيرته الجناية غير ممتنع، فلم يعلم أصار ممتنعا أو لا، ضمنه
بأعلى الأرشين.
2384. الثامن: لو اشترك جماعة في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم فداء
كامل، ولو كان شريك المحرم حلالا في الحل، لم يكن عليه شئ، وعلى
المحرم جزاء كامل.
ولو أصابه الحلال أولا ثم الحرام، فالأقرب أن على المحرم
جزاؤه مجروحا.

1. في «ب»: يكرر الفدية.
2. التهذيب: 5 / 359، في ذيل الحديث 1246.
3. المبسوط: 1 / 349.
47

ولو كان السابق محرما فعليه جزاؤه سليما.
ولو اتفقا في حالة واحدة، فعلى المحرم جزاء كامل، ولا شئ
على المحل.
ولو اشتركا في قتل صيد حرمي، وجب على المحل القيمة كملا، وعلى
المحرم الجزاء والقيمة معا.
وقال في التهذيب: على المحرم فداء كامل وعلى المحل نصف الفداء (1).
2385. التاسع: لو رمى اثنان صيدا فقتله أحدهما وأخطأ الآخر (2)، فعلى كل
منهما فداء كامل.
ولو قتله واحد وأكله جماعة، كان على كل واحد منهم فداء كامل.
2386. العاشر: لو ضرب بطير على الأرض فقتله، كان عليه دم وقيمتان، قيمته
للحرم والأخرى لاستصغاره إياه، وعليه التعزير.
2387. الحادي عشر: لو شرب المحرم لبن ظبية، كان عليه الجزاء
وقيمة اللبن.
2388. الثاني عشر: لو جرح صيدا وقتله آخر، قال الشيخ: يلزم كل واحد
منهما الفداء (3).
2389. الثالث عشر: لو رمى الصيد وهو حلال في الحل، فأصابه السهم وهو

1. التهذيب: 5 / 352، في ذيل الحديث 1223.
2. في «أ»: فقتله أحدهما أو أصابه وأخطأ الآخر.
3. الخلاف: 2 / 419، المسألة 303 من كتاب الحج.
48

محرم فقتله، لم يكن عليه ضمان، وكذا لا شئ عليه لو جعل في رأسه ما يقتل
القمل، ثم أحرم فقتله.
2390. الرابع عشر: لو كان معه صيد فأحرم، زال ملكه عنه إذا كان حاضرا معه،
ووجب عليه إرساله، ويضمنه لو أمسكه، ويزول ملكه، ولو لم يمكنه الإرسال،
وتلف قبل إمكانه، فالوجه عدم الضمان.
ولو أرسله إنسان من يده، لم يكن عليه ضمان، ولو أمسكه حتى يحل، لم
يملكه، ولم يعد ملكه الأول إليه إلا بسبب مبيح.
ولو كان الصيد في منزله، لم يزل ملكه عنه، وكذا لو كان في يد وكيله في
غير الحرم، ولا يضمنه لو مات بالإمساك، وله بيعه وهبته.
ولا ينتقل الصيد إلى المحرم بابتياع ولا هبة ولا غيرهما من أسباب
التمليكات، ولو أخذه بأحد الأسباب، ضمنه، ولو انتقل إليه، بالبيع، لزمه مع
الجزاء القيمة لمالكه، وكذا لو أخذه رهنا، ولو لم يتلف، لم يجز له رده على
مالكه، لدخوله الحرم.
ولو باع الحلال الصيد بخيار، لم يجز استرجاعه بعد الإحرام، ولو رده
المشتري بعيب أو خيار فله ذلك، ولا يدخل في ملك المشتري ويجب عليه
إرساله، هذا إذا كان الصيد في الحرم، ولو كان في الحل، جاز ذلك كله، ولو ورث
صيدا، لم يملكه في الحرم، ووجب عليه إرساله.
ولو باع المحل صيد المحل، ثم أفلس المشتري بعد إحرامه، لم يكن
للبائع أن يختار عين ماله من الصيد، لأنه لا يملكه.
49

2391. الخامس عشر: لو أمسك المحرم صيدا فذبحه آخر محرم، فعلى كل
منهما فداء كامل، ولو كانا في الحرم يضاعف الفداء ما لم يبلغ البدنة، ولو كانا
محلين في الحرم، وجب على كل منهما فداء كامل من غير تضاعف.
ولو كان أحدهما محلا والآخر محرما، تضاعف في حق المحرم خاصة.
ولو أمسكه المحرم في الحل، فذبحه المحل، ضمنه المحرم خاصة. ولو نقل
بيض صيد ففسد، ضمنه.
ولو أحضنه فخرج الفرخ سليما، لم يضمنه.
2392. السادس عشر: لو أغلق بابا على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض،
فإن هلكت وكان الإغلاق قبل الإحرام، ضمن الحمامة بدرهم، والفرخ بنصف،
والبيضة بربع; وإن كان بعد الإحرام، ضمن الحمامة بشاة، والفرخ بحمل،
والبيضة بدرهم.
ولو كان الإغلاق من المحرم في الحرم، وجب الجزاء والقيمة.
ولو أرسلها بعد الإغلاق سليمة، فالوجه عدم الضمان.
ولو أغلق على غير الحمام من أنواع الصيود، ضمن إذا تلفت بالإغلاق.
2393. السابع عشر: لو نفر حمام الحرم، فإن رجع، فعليه دم شاة، وإن لم
يرجع فعن كل طائر شاة.
2394. الثامن عشر: إذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها طائر، فإن كان قصدهم
ذلك وجب على كل واحد منهم فداء كامل، وإلا كان على الجميع فداء واحد.
50

2395. التاسع عشر: لو رمى صيدا، فتحرك الصيد فقتل آخر أو فرخا،
ضمنهما معا.
2396. العشرون: لو وطئ ببعيره أو دابته صيدا فقتله، ضمنه، ولو كان راكبا
عليها سائرا، كان عليه ضمان ما تجنيه بيديها وفمها، ولا ضمان في ما
تجنيه برجلها.
ولو كان واقفا أو سائقا غير راكب، ضمن جميع جناياتها، ولو انقلبت
فأتلفت صيدا، لم يضمنه.
ولو نصب شبكة، أو حفر بئرا فوقع فيها صيد، ضمنه.
أما لو حفر البئر بحق، كما في ملكه أو موضع متسع ينتفع بها المسلمون،
فالوجه سقوط الضمان، ولو نصب شبكة قبل إحرامه، فوقع فيها صيد بعد
إحرامه، لم يضمنه.
2397. الواحد والعشرون: لو جرح صيدا فتحامل فوقع في شئ تلف به،
ضمنه، وكذا لو نفره فتلف في حال نفوره، ولو سكن في مكان وأمن من نفوره،
ثم تلف، ففي الضمان إشكال.
ولو نتف المحرم ريش طير أو جرحه، وبقي ممتنعا، ثم أهلك نفسه
بوقوعه في بئر أو صدم حائط، ضمن الجرح، ولو امتنع وغاب عنه، ضمنه كملا;
قاله الشيخ (1).
ولو أمسك صيدا له طفل، فتلف بإمساكه، ضمن، وكذا لو أمسك المحل

1. الخلاف: 2 / 418، المسألة 302 من كتاب الحج، وفيه «صدم حائطا».
51

صيدا له طفل هلك في الحرم، ولا ضمان عليه في الأم لو تلفت إلا أن يمسكها
في الحرم، ولو تلفت فراخها في الحل، قال الشيخ: ضمنها (1). وفيه نظر.
2398. الثاني والعشرون: لو أغرى المحرم كلبه على صيد فقتله، ضمنه، سواء
كان في الحل أو الحرم. ولو أرسله ولا صيد، فعرض له صيد فقتله، ففي الضمان
إشكال.
ولو نفر صيدا فهلك بمصادمة شئ أو أخذه جارح، ضمنه. وكذا لو
ضرب صيدا بسهم، فمرق السهم، فقتل آخر، أو رمى غرضا فأصاب صيدا،
ضمنه. وكذا لو وقع الصيد في شبكة أو حبالة فأراد تخليصه، فتلف أو
عاب، ضمنه.
2399. الثالث والعشرون: لو أمر المحرم عبده المحل بقتل صيد، فقتله، فعلى
السيد الفداء. ولو كان الغلام محرما بإذن السيد وقتل صيدا بغير إذن، وجب على
السيد الفداء.
النظر السادس: في اللواحق
وفيه ثمانية عشر بحثا:
2400. الأول: لو قتل المثلي ضمنه بالمثل، أو قوم المثل واشترى به
طعاما، وتصدق به، أو صام كما قلناه، وغير المثلي يقوم الصيد ويشتري
بالثمن طعاما أو يصوم عن كل مدين يوما. ولا يجوز إخراج القيمة بحال،

1. المبسوط: 1 / 347.
52

وهل هي مخيرة أو مرتبة؟ قولان.
ولو جرح الصيد، ضمن أرش الجراح، بأن يقوم صحيحا ومعيبا، فإن كان
ما بينهما مثلا عشر لزمه عشر مثله.
2401. الثاني: إذا أخرج المثل (1)، ذبحه وتصدق به على مساكين الحرم، ولا
يجزئه أن يتصدق به حيا، وله ذبحه متى شاء، فإن كان الإحرام للحج، وجب
نحره أو ذبحه بمنى، وإن كان للعمرة، فبمكة، ويستحب أن يكون بفناء
الكعبة بالحزورة.
ولو اختار الإطعام قوم المثل وأخرج بقيمته طعاما إما بمكة أو بمنى على
التفصيل. ولا يجزئ إخراج القيمة، ويجزئ كل ما يسمى طعاما، ويتصدق على
كل مسكين بنصف صاع، ويقوم المثل يوم يريد التقويم، ولا يلزمه تقويمه
وقت الإتلاف.
وما لا مثل له فإن قدره الشارع، أخرجه، وإلا قوم الصيد وقت الإتلاف.
ولو اختار الصيام، صام عن كل نصف صاع يوما. فإن بقي ما لا يعدل يوما،
صام يوما كاملا.
ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن البعض، ولا يتعين
صومه بمكان دون غيره.
2402. الثالث: ما لا مثل له من الصيد تخير قاتله بين أن يشتري بقيمته
طعاما، فيطعمه المساكين، وبين الصوم، ولا يجوز له إخراج القيمة، ويقوم في

1. في «ب»: المثلي.
53

محل الإتلاف، أما المثلي فيعتبر في قيمته النعم في مكة (1).
2403. الرابع: قد مضى انه يحرم على المحل في الحرم من الصيد ما يحرم
على المحرم في الحل، فلو قتل المحل صيدا في الحرم، وجب عليه الفداء. ولو
كان محرما في الحرم كان عليه جزاءان (2).
وقال السيد: «إذا صاد متعمدا وهو محرم في الحل كان عليه جزاءان، ولو
كان في الحرم، وهو محرم عامدا إليه، تضاعف ما كان يجب عليه في الحل» (3).
والأقوى قول الشيخ (4).
2404. الخامس: قال الشيخ: «إنما يتضاعف من الجزاء ما كان دون البدنة، ولا
يتضاعف ما فيه بدنة (5) وأوجب ابن إدريس التضاعف مطلقا (6).
2405. السادس: لو كان الصيد لا دم فيه، وقتله محل في الحرم أو محرم في
الحل، كان عليه القيمة، ولو كان محرما في الحرم، كان عليه قيمتان.
2406. السابع: يجوز إخراج جزاء الصيد بعد جرحه قبل موته على إشكال.
2407. الثامن: كل من وجب عليه بدنة في كفارة الصيد ولم يجد، أطعم ستين
مسكينا، فإن لم يقدر صام شهرين، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، ولو كان

1. في «ب»: فيعتبر في قيمة النعم مكة.
2. في «ب»: ولو كان في الحرم وهو محرم عامدا كان عليه جزاءان.
3. جمل العلم والعمل في ضمن رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة: 72، وفيه: «عليه
الفداء والقيمة مضاعفة».
4. لاحظ التهذيب: 5 / 370 في ذيل الحديث 1287.
5. المبسوط: 1 / 342; التهذيب: 5 / 371 في ذيل الحديث 1293.
6. السرائر: 1 / 563.
54

عليه بقرة ولم يجد، أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر صام شهرا، فإن عجز صام
تسعة أيام.
وإن كان عليه شاة ولم يجد، أطعم عشرة مساكين فإن لم يجد صام
ثلاثة أيام.
2408. التاسع: منع الشيخ من صيد حمام الحرم حيث كان للمحل والمحرم (1).
وجوزه ابن إدريس للمحل في الحل (2). والأقرب الأول.
2409. العاشر: لو قتل المحرم حيوانا، وشك في أنه صيد، لم يضمنه، ولو أكل
لحم صيد ولم يعلم ما هو، وجب عليه دم شاة.
2410. الحادي عشر: لو اقتتل نفسان في الحرم فعلى كل واحد منهما دم.
2411. الثاني عشر: يجوز أن يكون مع المحرم لحم الصيد إذا لم يأكله،
ويتركه إلى وقت إحلاله إذا كان قد صاده محل.
2412. الثالث عشر: لو اشترك محلون في قتل صيد في الحرم، قال الشيخ: لزم
كل واحد منهم القيمة، وإن قلنا: يلزمهم جزاء واحد كان قويا (3).
ولو اشترك محلون ومحرمون في قتل صيد في الحل، لزم المحرمين
الجزاء دون المحلين، وإن اشتركوا في الحرم، فعلى المحرمين الجزاء والقيمة،
وعلى المحلين جزاء واحد.

1. المبسوط: 1 / 341; التهذيب: 5 / 348 في ذيل الحديث 1208.
2. السرائر: 1 / 559.
3. المبسوط: 1 / 346.
55

2413. الرابع عشر: الخيار في الكفارة بين الإطعام والصيام إلى القاتل لا إلى
الحكمين، والمعتبر في المثل هو ما نص الشارع على مقابله حيوانا من النعم،
كالبدنة في النعامة، والبقرة في بقرة الوحش، والشاة في الظبي، ولا اعتبار
بالصورة ولا بالقيمة في المنصوص، و [في] غيره المعتبر القيمة.
2414. الخامس عشر: يجوز في إطعام الفدية التمليك والإباحة.
2415. السادس عشر: لو قتل المحرم صيدا فأخذه محرم آخر فعلى كل منهما
جزاء، ولا يرجع كل منهما على الآخر بما ضمن من الجزاء.
2416. السابع عشر: لو أصاب محرم صيودا كثيرة على وجه الإحلال، ورفض
الإحرام متأولا، لم يعتبر تأويله، ويلزمه بكل محظور كفارة على حدة.
2417. الثامن عشر: لو قتل حمامة مسرولة (1) وجب عليه الضمان.
المطلب الثاني: في ما يجب بالاستمتاع
وفيه ثمانية وعشرون بحثا:
2418. الأول: إذا وطئ المحرم امرأته عالما بالتحريم عامدا، قبل الوقوف
بالموقفين، فسد حجه، وعليه بدنة وإتمام الفاسد، والقضاء في السنة المستقبلة
على الفور، ويجب على المرأة مثل ذلك من المضي (2) في الفاسد والبدنة والحج
من قابل مع المطاوعة، ولا شئ عليها مع الإكراه.

1. حمامة مسرولة أي في رجليها ريش. مجمع البحرين.
2. في «ب»: في المضي.
56

ويجب على المكره بدنتان، ولا يجزئ بدنة الرجل عن بدنتها
مع المطاوعة.
ولو كانت محلة، لم يتعلق بها شئ، ولا يجب عليها كفارة، ولا عليه
بسببها، ونفقتها للحج مع المطاوعة، عليها، وكذا ثمن ماء غسلها.
ويجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن
يقضيا المناسك، لا من حيث يحرمان، والروايات (1) تدل على التفريق في الحجة
الأولى من ذلك المكان أيضا، وهو حسن.
ومعنى الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما بل متى اجتمعا كان معهما ثالث.
قال ابن بابويه: لو حجا على غير ذلك الطريق لم يفرق بينهما (2)،
وهو قريب.
2419. الثاني: قال الشيخ: الحجة الأولى هي حجة الإسلام والثانية عقوبة (3).
وابن إدريس عكس الحال 4، وهو الأقوى عندي.
2420. الثالث: لو جامع بعد الموقفين، صح حجه وعليه بدنة لا غير.
2421. الرابع: لو وطئ بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمزدلفة، فسد
حجه، ووجبت البدنة والإتمام.
2422. الخامس: لو وطئ ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يفسد حجه،

1. لاحظ التهذيب: 5 / 317، برقم 1092.
2. الفقيه: 2 / 213 (نقله عن أبيه).
3. النهاية: 230.
4. السرائر: 1 / 550.
57

ولا شئ عليه، وكذا لو أكره على الجماع.
2423. السادس: لا فرق بين الوطء في القبل والدبر في الأحكام التي تقدمت
على التفصيل الذي ذكرناه، وكذا دبر الغلام على إشكال.
أما إتيان البهيمة، فالأقرب عدم الإفساد به.
ولو استمنى بيده، قال الشيخ: حكمه حكم المجامع سواء، فإن كان قد
فعله قبل الوقوف بالموقفين، فسد حجه، ووجب عليه بدنة (1)، وابن إدريس منع
من الإفساد خاصة (2)، ونحن من المتوقفين.
ولو وطئ في ما دون الفرجين، وجب عليه بدنة مع الإنزال ولا يفسد
حجه وإن كان قبل الموقفين عالما، ولو لم ينزل ففي البدنة تردد.
2424. السابع: لو وطئ قبل التلبية أو الإشعار والتقليد، لم يكن عليه شئ وإن
تلبس بالإحرام، إذا لم يعقده، بأحد الثلاثة.
2425. الثامن: لو كرر الوطء وهو محرم، فعن كل وطء بدنة، سواء كفر عن
الأول أو لم يكفر. وتردد الشيخ في الخلاف في وجوب الثانية مع عدم التكفير (3)،
وجزم الشيخ في المبسوط بالتكرار (4).
2426. التاسع: لو جامع قبل طواف الزيارة، لم يفسد حجه، ووجب
عليه جزور إن كان غنيا، وإن لم يتمكن فبقرة، فإن عجز فشاة، ولو

1. النهاية: 231; التهذيب: 5 / 324 في ذيل الحديث 1112.
2. السرائر: 1 / 552.
3. الخلاف: 2 / 367، المسألة 204 من كتاب الحج.
4. المبسوط: 1 / 337.
58

جامع في أثنائه وجبت البدنة أيضا.
2427. العاشر: لو جامع قبل طواف النساء في إحرام الحج، وجب عليه بدنة،
والحج صحيح، سواء كان قد فرغ من سعي الحج أو لم يفرغ.
ولو جامع في أثناء طواف النساء، فإن كان قد طاف خمسة أشواط أتمه
ولا شئ عليه، وإن طاف أقل من أربعة، وجب عليه بدنة وإعادة الطواف من
أوله، ولو طاف أربعة، قال الشيخ: لا كفارة (1)، وليس بمعتمد، وابن إدريس (2)
أخطأ هنا.
2428. الحادي عشر: لا فرق بين أن يطأ في إحرام حج واجب أو مندوب فلو
وطئ في المندوب قبل الموقفين فسد حجه، ووجب إتمامه والحج من قابل
وبدنة. ولو كان بعد الموقفين، فبدنة لا غير.
وكذا لا فرق بين أن يطأ امرأته الحرة، أو جاريته المحرمة أو المحلة.
ولو كانت محرمة بغير إذنه أو محلة، فإنه لا تتعلق بها كفارة ولا به عنها.
ولو كانت محرمة بإذنه، وطاوعته، ففي تعلق الكفارة بها إشكال، أقربه
الثبوت، فحينئذ يبقى حكمها حكم العبد المأذون له في الحج إذا أفسد
حجه، وسيأتي.
ولو أكرهها، فالوجه أنه مبني على حكم المطاوعة، إن قلنا بوجوب
الكفارة عنها، تحملها السيد، وإلا فلا.

1. النهاية: 231; المبسوط: 1 / 337.
2. لاحظ السرائر: 1 / 552.
59

2429. الثاني عشر: لو وطئ أمته وهو محل وهي محرمة بغير إذنه، فلا كفارة،
وإن كان بإذنه وجبت عليه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن لم يجد كان عليه شاة أو صيام
ثلاثة أيام، ولو كان محلا، وهي محرمة، بإذنه، وجبت عليه بدنة، سواء كان قبل
الموقفين أو بعدهما، وسواء طاوعته أو أكرهها، لكن مع المطاوعة يفسد حجها
ويجب عليه أن يأذن لها في القضاء.
2430. الثالث عشر: لو جامع المحل زوجته وهي محرمة تطوعا بغير إذنه، فلا
كفارة، وإن كانت محرمة بإذنه، كان حكمه حكم الواجب.
2431. الرابع عشر: لو زنى بامرأة، فيه تردد، ينشأ من كونه أبلغ في هتك
الإحرام، فناسب العقوبة بالأحكام المذكورة في وطء الزوجة، ومن عدم
التنصيص، فنحن فيه من المتوقفين.
2432. الخامس عشر: قال الشيخ: «من وجب عليه بدنة في إفساد الحج، فلم
يجد كان عليه بقرة، فإن لم يجد، فسبع شياه على الترتيب، فإن لم يجد فقيمة
البدنة دراهم أو ثمنها طعاما يتصدق به، فإن لم يجد فصام عن كل مد يوما (1)، قال:
وفي أصحابنا من قال: هو مخير (2).
وقال ابن بابويه: «من وجبت عليه بدنة في كفارة فلم يجدها، فعليه سبع
شياه، فإن لم يقدر، صام ثمانية عشر يوما بمكة أو بمنزله» (3).

1. وفي المصدر بعد لفظ «يوما» كذا: «ونص الشافعي على ما قلناه، وفي أصحابه من قال: هو
مخير» وعلى هذا فما في المتن «وفي أصحابنا...» غير منطبق بالمصدر.
2. الخلاف: 2 / 372، المسألة 213 من كتاب الحج.
3. المقنع: 248.
60

2433. السادس عشر: لو وطئ في العمرة قبل السعي، فإن كان بعد الطواف،
فسدت عمرته ووجبت عليه بدنة وقضاؤها.
2434. السابع عشر: القارن إذا أفسد حجه، وجبت عليه بدنة والقضاء، وليس
عليه دم القران.
2435. الثامن عشر: إذا قضى الحاج أو المعتمر، فعليه في قضاء الحج الإحرام
من الميقات، وفي قضاء العمرة من أدنى الحل.
2436. التاسع عشر: لو أفسد القضاء الواجب بسبب الإفساد، وجبت عليه بدنة
أخرى، وإتمام القضاء الفاسد، والحج من قابل، ولا يتكرر عليه بل يكفيه حجة
واحدة صحيحة، وكذا لو تكرر إفساد القضاء.
2437. العشرون: لو عقد المحرم لمثله على امرأة، ودخل المحرم، وجبت
على العاقد كفارة، كما تجب على الواطئ. وكذا لو كان العاقد محلا على إشكال.
2438. الواحد والعشرون: لو نظر إلى غير أهله فأمنى، لم يفسد حجه، ووجبت
عليه بدنة، وإن لم يكرر النظر. فإن عجز فبقرة، فإن عجز فشاة.
ولو كرر النظر حتى أمذى، لم يجب عليه شئ، ولو كرره ولم يقترن به
مني ولا مذي، لم يكن عليه شئ، وإن جردها (1) ولو فكر فأنزل، لم يكن
عليه شئ.
2439. الثاني والعشرون: لو نظر إلى أهله من غير شهوة، لم يكن عليه

1. الضمير يرجع إلى الأهل المذكور قبله، والعبارة ناظرة إلى ما نقل عن أحمد: انه من جرد امرأته
ولم يكن منه غير التجريد ان عليه شاة. لاحظ التذكرة: 8 / 53.
61

شئ وإن أمنى، ولو كان بشهوة فأمنى، كانت عليه بدنة.
2440. الثالث والعشرون: لو مس امرأته بشهوة، كان عليه دم شاة، سواء أمنى
أو لا، وإن كان بغير شهوة، لم يكن عليه شئ وإن أمنى، والحج صحيح على كل
التقادير، سواء كان قبل الموقفين أو بعدهما.
2441. الرابع والعشرون: لو قبل امرأته بشهوة، كان عليه جزور، وإن كان بغير
شهوة، كان عليه شاة، ولا يفسد حجه على كل تقدير، سواء كان قبل الموقفين أو
بعده، أنزل أو لم ينزل.
ولم يشترط الشيخ في البدنة الإنزال (1)، وشرطه ابن إدريس (2). ولو لم ينزل
كان عليه دم شاة، كما لو قبلها بغير شهوة. وعندي في ذلك تردد.
وقال المفيد: من قبل امرأته وهو محرم، فعليه بدنة أنزل أو لم ينزل، فإن
هويت المرأة ذلك، كان عليها مثل ما عليه (3). ويكره للمحرم أن يأكل من يد
امرأته أو جاريته شيئا تلقمه إياه.
2442. الخامس والعشرون: من لاعب امرأته فأمنى، كان عليه بدنة، وهل تجب
عليه الكفارة؟ نص في المبسوط والتهذيب عليه (4) وهو رواية عبد الرحمان بن
الحجاج الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) (5).
2443. السادس والعشرون: لو سمع كلام امرأة أو استمع على من يجامع

1. المبسوط: 1 / 338; التهذيب: 5 / 327.
2. السرائر: 1 / 552.
3. المقنعة: 434.
4. المبسوط: 1 / 338; التهذيب: 5 / 327 في ذيل الحديث 1123.
5. لاحظ التهذيب: 5 / 327 برقم 1124.
62

من غير رؤية لهما فتشاهى فأمنى، لم يكن عليه شئ، ولو كان برؤية، وجبت عليه
الكفارة.
2444. السابع والعشرون: قد بينا أنه إذا أفسد حجه، وجب عليه إتمام الفاسد.
ولا يجعل الحجة (1) عمرة، ولا يحل من الفاسد، بل يجب عليه أن يفعل بعد
الإفساد كما يفعله لو كان صحيحا، ولا يسقط عنه توابع الوقوف من المبيت
بمزدلفة والرمي وغيرهما، ويحرم عليه بعد الإفساد كل ما كان محرما عليه قبله
من الوطء ثانيا وقتل الصيد والطيب وغير ذلك من المحرمات.
ولو جنى في الإحرام الفاسد، وجب عليه ما يجب في الإحرام الصحيح.
ويجب القضاء من قابل، سواء كانت الفاسدة واجبة بأصل الشرع أو بالنذر
وشبهه، أو تطوعا، ويجب على الفور.
ولو أفسد القضاء لم يجب قضاؤه، بل يقضي عن الحج الأول.
ولو جامع قبل عرفة، ثم بعده قبل مزدلفة، وجب قضاء واحد وبدنتان.
2445. الثامن والعشرون: لو أحصر في حج فاسد، فله التحلل، فلو حل ثم زال
الحصر وفي الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام. ولا يتصور القضاء في
العام الذي فسد فيه الحج في غير هذه الصورة.
ولو حج تطوعا فأفسده ثم أحصر، كان عليه بدنة للإفساد ودم للإحصار،
وكفاه قضاء واحد في القابل.

1. في «أ»: ولا يجعل الحج.
63

المطلب الثالث: في ما يجب بالطيب والادهان
وفيه خمسة مباحث:
2446. الأول: من تطيب عامدا، وجب عليه دم، سواء استعمله إطلاء أو صبغا
أو بخورا أو في الطعام، وسواء استعمله في عضو كامل أو بعضه، وسواء مست
الطعام النار أو لا.
ولا بأس بخلوق الكعبة وزعفرانها والفواكه، كالأترج والتفاح والرياحين،
على ما بيناه، ولو كان ناسيا أو جاهلا بالتحريم، لم يكن عليه شئ.
2447. الثاني: لا فرق بين الابتداء والاستدامة، فلو تطيب ناسيا ثم ذكر، وجبت
الإزالة، ولو لم يزله، وجب الدم.
وتجب الكفارة بنفس الفعل، فلو أزاله بسرعة، وجبت الكفارة مع فعله
عمدا وإن لم يستدم الطيب.
2448. الثالث: من تطيب عامدا، وجب عليه إزالته بسرعة، ويستحب أن
يستعين في غسله بحلال لئلا يباشره. ولو غسله بيده جاز.
ولو فقد الماء، مسحه بالتراب أو بالحشيش، أو ورق الشجر (1).
2449. الرابع: يجوز له شراء الطيب وبيعه لا استعماله ولا شمه، وكذا يشتري
المخيط والجواري.

1. في «ب»: أو بالورق الشجر.
64

2450. الخامس: من استعمل الدهن الطيب حال الإحرام، وجب عليه دم شاة
مع العمد، ولا شئ مع النسيان. وتجب الكفارة للمضطر عند الشيخ (1).
المطلب الرابع: في ما يجب باللبس والتظليل
وفيه تسعة مباحث:
2451. الأول: إذا لبس المحرم ثوبا لا يحل له لبسه عمدا، وجب عليه دم شاة،
ولا فرق بين قليل اللبس وكثيره، فلا يشترط لباس يوم وليلة.
2452. الثاني: الاستدامة في اللبس كالابتداء، فلو لبس ناسيا ثم ذكر، وجب
خلعه فإن لم يفعل، وجب الفداء، وينزعه من أسفله لا من رأسه.
2453. الثالث: لو لبس مع الذكر، وجبت الفدية بمجرد الفعل وإن لم يستدمه،
ولو نزعه من رأسه، فعل حراما، وتجب الفدية إن قلنا انه تغطية وإلا فلا.
2454. الرابع: لو لبس ثيابا كثيرة دفعة، وجب عليه فداء واحد، ولو كان في
مرات متعددة، وجب لكل ثوب دم من غير تداخل مع تعدد المجلس.
2455. الخامس: لو احتاج إلى اللبس، لبس ووجب عليه الفداء، ولو اضطر إلى
لبس الخفين والجوربين لبسهما. قال الشيخ: ولا شئ عليه (2).
2456. السادس: لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل، وجب عليه لكل
واحد فدية.

1. التهذيب: 5 / 304 في ذيل المسألة 1037.
2. التهذيب: 5 / 384 في ذيل الحديث 1340.
65

2457. السابع: إذا لبس ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر، ثم لبس بعد ساعة
أخرى، وجب عليه عن كل لبسة فدية، سواء كفر عن الأولى أو لا.
2458. الثامن: لو لبس ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم فنزع، لم يكن عليه
شئ (1)، والمكره لا فدية عليه أيضا.
2459. التاسع: من غطى رأسه، وجب عليه دم شاة، وكذا لو ظلل على نفسه
حال سيره. ولو فعلهما للحاجة أو الضرورة، وجبت الفدية، ولا شئ على
الناسي والجاهل والمكره إذا أزاله بعد زوال الأعذار.
المطلب الخامس: في حلق الرأس وقص الأظفار
وفيه اثنا عشر بحثا:
2460. الأول: إذا حلق المحرم رأسه متعمدا، وجب عليه الفداء، سواء كان
لأذى أو لغيره، ولو فعله ناسيا، لم يكن عليه شئ; وكذا النائم لو قلع شعره أو
قربه إلى النار فأحرقه، أما الجاهل، فأوجب الشيخ عليه الفدية (2). وعندي فيه نظر.
2461. الثاني: الكفارة إما صيام ثلاثة أيام، أو دم شاة، أو الصدقة على ستة
مساكين لكل مسكين نصف صاع. وقيل: عشرة، لكل مسكين مد (3). ويتخير
المكفر بين الثلاثة، سواء كان لعذر أو غيره.

1. في «ب»: لم يكن عليه فدية.
2. الخلاف: 2 / 311، المسألة 102 من كتاب الحج.
3. قاله المحقق في الشرائع: 1 / 296.
66

2462. الثالث: يجزئ البر والشعير والزبيب في الفدية، وتجب الفدية بما
يطلق عليه اسم حلق الرأس.
2463. الرابع: لا فرق بين شعر الرأس وبين شعر سائر البدن في وجوب
الفدية، وان اختلفت مقاديرهما، فلو نتف إبطيه جميعا، وجب عليه دم شاة، ولو
نتف إبطا واحدا، وجب عليه إطعام ثلاثة مساكين، ولا يجب به الدم.
ولو مس رأسه أو لحيته فسقط منهما شئ من الشعر، أطعم كفا من طعام،
ولو فعله في وضوء الصلاة، لم يكن عليه شئ.
2464. الخامس: اختلف قول الشيخ في المحرم هل له أن يحلق رأس المحل؟
فجوزه في الخلاف (1) ولا ضمان، ومنعه في التهذيب (2).
2465. السادس: لو قلع جلدة عليها شعر، لم يكن عليه ضمان، ولو خلل
شعره فسقطت شعرة، فإن كانت ميتة فلا ضمان، وكذا لو شك، ولو كانت ثابتة،
وجبت الفدية.
2466. السابع: يباح حلق الرأس لأذى، وعليه الفدية، ويتخير في التكفير (3) قبل
الحلق وبعده.
2467. الثامن: لو ذبح الشاة في كفارة الحلق لم يبح له أكل شئ منها، ويدفعها
إلى المساكين.

1. الخلاف: 2 / 311 - 312، المسألة 103 من كتاب الحج.
2. التهذيب: 5 / 340 - 341 في ذيل الحديث 1178 والحديث 1179.
3. في «أ»: ويتخير بين التكفير.
67

2468. التاسع: يحرم على المحرم قص أظفاره، وتجب به الفدية مع العمد،
ففي الظفر الواحد مد من طعام، وفي الظفرين مدين، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد،
وكذا فيما زاد إلى العشرة فيجب بها دم، ولا شئ على الناسي والجاهل.
2469. العاشر: لو قص بعض الظفر، وجب عليه ما يجب في جميعه، طال أو
قصر.
2470. الحادي عشر: لو قص أظفار يديه ورجليه معا، فإن اتحد المجلس،
وجب دم واحد، وإن كان في مجلسين، وجب دمان.
2471. الثاني عشر: من أفتى غيره بتقليم ظفره، فقلمه فأدماه، وجب على
المفتي دم شاة.
المطلب السادس: في كفارة باقي المحظورات
وفيه ستة مباحث:
2472. الأول: إذا رمى المحرم القملة من جسده أو قتلها، وجب عليه كف من
طعام، سواء كان عمدا أو سهوا أو خطأ.
2473. الثاني: يجب في قطع الشجرة الكبيرة من الحرم بقرة، وفي الصغيرة
شاة، وفي أبعاضها قيمة، وعندي نظر.
2474. الثالث: من جادل مرة أو مرتين صادقا حال إحرامه، لم يكن
عليه شئ، ويجب عليه التوبة، فإن جادل ثلاثا، وجب عليه دم شاة، ولو
جادل مرة كاذبا، وجب عليه دم شاة، فإن جادل مرتين، وجب عليه بقرة،
68

فإن جادل ثلاثة فجزور، ولا شئ حال النسيان في الصدق والكذب.
2475. الرابع: قد بينا ان الجدال هو قول الرجل: لا والله وبلى والله، ويتحقق
الجدال بواحدة منهما لا بمجموع اللفظين.
2476. الخامس: لا كفارة في الكذب سوى الاستغفار، ولا في لبس السلاح مع
الخوف.
2477. السادس: قال الشيخ: إذا اقتتل اثنان في الحرم، لزم كل واحد منهما دم (1).
المطلب السابع: في اللواحق
وفيه سبعة مباحث:
2478. الأول: إذا اجتمعت أسباب مختلفة كاللبس وتقليم الأظفار والطيب،
تعددت الكفارة، اتحد الوقت أو تكرر، كفر عن الأول أو لا، ولو اتحد الفعل
فأقسامه ثلاثة:
1 - إتلاف على وجه التعديل، كقتل الصيد، فإنه يعدل به، ويجب فيه مثله،
ويختلف بالصغر والكبر (2) فتتكرر الكفارة بتكرره.
2 - إتلاف مضمون لا على وجه التعديل، كحلق الشعر وقلم الأظفار، فإن
فعل أحدهما دفعة واحدة في وقت واحد، وجبت فدية واحدة، وإن فعل ذلك

1. التهذيب: 5 / 463 برقم 1618.
2. في «ب»: بالصغير والكبير.
69

في أوقات كأن يحلق بعض رأسه غدوة وبعضه عشية، وجبت فديتان.
3 - الاستمتاع باللباس والطيب والقبلة، فإن فعله دفعة فكفارة واحدة، وإلا
تعددت، كفر عن الأول أو لا.
2479. الثاني: لو جن بعد إحرامه، فجامع قبل الموقفين لم يفسد حجه، ولو
صاد لزمه الضمان بخلاف غيره.
2480. الثالث: الصبي إذا قتل صيدا ضمنه، وإن تطيب أو لبس ناسيا، لم
يكن عليه شئ، وإن كان عامدا فإن قلنا: عمده وخطؤه واحد فكذلك، وإلا
وجبت الكفارة، وقد تردد الشيخ (1). ومع وجوبها هل يجب في ماله أو على
الولي؟ إشكال.
ولو جامع بشهوة فإن قلنا: ان عمده عمد فسد حجه إن كان قبل الوقوف،
وإلا فبدنة (2) على الولي أو في ماله على التردد. وإن قلنا: انه خطأ لم يكن
عليه شئ.
ومع القول بإفساد الحج ففي وجوب القضاء وجهان، أقربهما السقوط،
ومع القول بوجوبه ففي إجزائه حال صغره تردد.
وإذا أوجبنا عليه القضاء لو قضى حال البلوغ فهل يجزئه عن حجة
الإسلام؟ الوجه التفصيل، وهو أن يقال: إن كانت الحجة التي أفسدها لو صحت
أجزأته - بأن يكون قد بلغ قبل مضي وقت الوقوف - أجزأه القضاء، وإلا فلا.

1. المبسوط: 1 / 329.
2. في «ب»: ففدية.
70

2481. الرابع: لو خرجت قافلة الحج فأغمي على واحد منهم، لم يصر
محرما بإحرام غيره عنه.
2482. الخامس: لو قبل امرأته بعد طواف النساء، فإن كانت قد طافت هي
فليس عليهما شئ، وإن كانت لم تطف، فقد روى معاوية بن عمار في الحسن
عن الصادق (عليه السلام): ان على الرجل دما يهرقه عنها (1).
2483. السادس: لو أحصر فبعث بهديه، ثم احتاج إلى الحلق لأذى، قبل أن
يبلغ الهدي محله، جاز له الحلق، ويكفر بالنسك أو الصيام أو الصدقة.
2484. السابع: لو قلع ضرسه مع الحاجة، لم يكن عليه شئ، وإن كان لا
معها، وجب عليه دم شاة; قاله الشيخ (2) لرواية مرسلة (3).

1. التهذيب: 5 / 323 برقم 1109.
2. النهاية: 235; المبسوط: 1 / 350; التهذيب: 5 / 385 في ذيل الحديث 1343.
3. التهذيب: 5 / 385 برقم 1344.
71

المقصد الثاني عشر: في الحصر والصد والفوات
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في الصد
وفيه أربعة وعشرون بحثا:
2485. الأول: الحصر هو المنع عن تتمة أفعال الحج بالمرض خاصة، والصد
بالعدو.
2486. الثاني: إذا تلبس الحاج بالإحرام وصار محرما، ثم صد عن الوصول إلى
مكة، ولا طريق سواه، أو كان لكن قصرت نفقته عنها، تحلل سواء كان الإحرام
للحج أو العمرة.
2487. الثالث: لو كان له طريق سوى موضع الصد، ومعه نفقة تكفيه، وجب
عليه سلوكها، ولم يجز له التحلل، سواء بعدت أو قربت، خاف الفوات أو لا، لأنه
إنما يجوز التحلل بالصد لا بخوف الفوات، وهو غير مصدود عن الأبعد،
فيسلكه ويمضي في إحرامه، فإن كان محرما بعمرة لم يفت، وإن كان بحج،
73

صبر حتى يتحقق الفوات، ثم يتحلل بعمرة، فليس له التحلل والإتيان بالعمرة بمجرد
خوف الفوات.
فإذا مضى على تلك الطريق وأدرك الحج أتمه، وإن فاته تحلل بعمرة، ولو
قصرت نفقته، جاز له التحلل، وكذا لو لم يكن طريق سوى موضع الصد، فإنه
يحل ويرجع إلى بلده.
2488. الرابع: إنما يتحلل المصدود بالهدي ونية التحلل معا، ولو نوى التحلل
قبل الهدي لم يتحلل، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي، ولا فدية عليه في نية
التحلل، فإن فعل شيئا من المحظورات قبل الهدي، فعليه الفداء.
2489. الخامس: لا بدل لهدي التحلل، فلو عجز عنه وعن ثمنه، لم ينتقل إلى
غيره، وبقي على إحرامه، ولو تحلل لم يحل.
2490. السادس: هل يجب عليه الحلق أو التقصير مع ذبح الهدي؟ فيه تردد
مع قرب الوجوب.
2491. السابع: خص بعض أصحابنا وجوب الهدي بالمحصور لا بالمصدود،
وقواه ابن إدريس (1) والأقرب الأول.
2492. الثامن: لو ساق المصدود في إحرامه هديا قبل الصد ثم صد، هل يكفيه
هدي السياق عن هدي التحلل؟ قولان: أحدهما الإجزاء، وهو الأقرب.
2493. التاسع: لا يتعين مكان لنحر هدي التحلل في المصدود، بل يجوز

1. السرائر: 1 / 641.
74

نحره موضع الصد، سواء كان حلا أو حرما، ولو قدر على الحرم، ففي وجوب
البعث إليه تردد.
2494. العاشر: وكما لا يتعين بمكان، فكذا لا يختص بزمان، بل متى صد جاز
الذبح في الحال والإحلال.
2495. الحادي عشر: إذا منع عن الوصول إلى مكة قبل الموقفين، فهو مصدود،
وكذا لو صد عن الوقوف بالموقفين. قال الشيخ: وكذا لو منع من إحدى
الموقفين (1). أما لو منع عن رمي الحجار والمبيت بمنى، لم يكن مصدودا، وتم (2)
حجه فيتحلل ويستنيب من يرمي عنه.
ولو منع بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي، كان له أن يتحلل وأن
يبقى على إحرامه، فإن بقي ولحق أيام منى، رمى وحلق وذبح، وإلا أمر من
ينوب عنه، فإذا تمكن، رجع إلى مكة فطاف طواف الحج وسعيه، وقد تم حجه
ولا قضاء، وإن تحلل كان عليه الحج من قابل.
ولو تمكن من البيت (3) وصد عن الموقفين أو أحدهما، جاز له التحلل
والبقاء، فإن أقام على إحرامه حتى فاته الوقوف، فاته الحج، وتحلل بعمرة، ولا
دم عليه لفوات الحج، وهل يجوز له أن يفسخ نية الحج ويجعل عمرة قبل
الفوات؟ فيه إشكال.
ولو طاف وسعى للقدوم، ثم صد حتى فاته الحج، طاف وسعى ثانيا لعمرة

1. المبسوط: 1 / 333.
2. في «أ»: وأتم.
3. في «ب»: «من المبيت» والصحيح ما في المتن.
75

أخرى، ولا يجتزئ بالطواف الأول وسعيه، لأنه لم يقصد به طواف العمرة ولا
سعيها، ويجتزئ بالإحرام الأول.
2496. الثاني عشر: إذا تحلل وفاته الحج، وجب عليه القضاء في العام القابل
إن كان الفائت واجبا، وإلا فلا، وكذا العمرة.
2497. الثالث عشر: لا فرق بين الصد العام والخاص (1)، ولو حبس بدين، وهو
قادر على أدائه، لم يكن مصدودا، ولم يجز له التحلل، ولو كان عاجزا عنه،
تحلل وكان مصدودا. وكذا يتحلل لو حبس ظلما.
ولو كان عليه دين يحل قبل قدوم الحاج، فقدم الحاج فمنعه صاحب
الدين من الحج، كان له التحلل.
2498. الرابع عشر: لو أحرم العبد بغير إذن سيده، أو الزوجة تطوعا بغير إذن
زوجها، كان للمولى أو الزوج منعهما من إتمام الحج، ولا دم عليهما.
2499. الخامس عشر: يستحب له تأخير الإحلال لجواز زوال العذر فإذا أخر
وزال العذر قبل تحلله، وجب عليه المضي في إتمام نسكه، ولو خشي الفوات
لم يتحلل وصبر، حتى يتحقق ثم يتحلل بعمرة، ولو صابر ففات الحج، لم يكن
له أن يتحلل بالهدي، ووجب عليه أن يتحلل بعمرة، وعليه القضاء إن كان واجبا
وإلا فلا.
ولو فات الحج ثم زال الصد بعده، فعليه أن يتحلل بعمرة ولا دم

1. قال في التذكرة: لا فرق بين الصد العام - وهو الذي يصده المشركون وأصحابه - وبين الصد
الخاص كالمحبوس بغير حق ومأخوذ اللصوص وحده التذكرة: 8 / 394.
76

عليه لفوات الحج.
2500. السادس عشر: لو غلب على ظنه انكشاف العدو قبل الفوات، جاز له
التحلل (ويجب عليه دم التحلل) (1) ويستحب البقاء على الإحرام، فإن انكشف
العدو أتم، ولو اتفق الفوات أحل بعمرة.
2501. السابع عشر: لو صد فأفسد حجه، جاز له التحلل، ووجب عليه دم
التحلل وبدنة للإفساد والقضاء.
2502. الثامن عشر: يستحب للمحرم أن يشترط على ربه حال الإحرام كما
بيناه، فإذا شرط أن يحل متى مرض أو ضاعت نفقته أو نفدت أو منعه ظالم أو
غير ذلك من الموانع، فإنه يحل متى وجد ذلك إجماعا.
وهل يسقط الهدي؟ قال الشيخ: لا (2)، وقال المرتضى: «يسقط» (3). ولا تأثير
للشرط في سقوط الحج من قابل مع وجوبه.
2503. التاسع عشر: ينبغي أن يشترط ماله فائدة، مثل أن يقول: إن مرضت أو
فنى مالي، أو ضاق علي الوقت، أو منعني العدو، ولو قال: أن تحلني حيث شئت،
فليس له ذلك.
ولو قال: أنا أرفض إحرامي وأحل، فلبس الثياب وذبح الصيد، وعمل
ما يعمل الحلال من غير صد أو حصر أو إتمام، لم يحل، ووجبت عليه عن

1. ما بين القوسين موجود في «ب».
2. الخلاف: 2 / 431، المسألة 324 من كتاب الحج.
3. الانتصار: 104.
77

كل فعل كفارة، وليس عليه لرفضه للإحرام شئ.
2504. العشرون: الصاد لأهل الحج إن كانوا مسلمين، فالأولى الانصراف
عنهم، إلا ان يدعو الإمام أو من نصبه إلى قتالهم، ويجوز من غير دعاء، وإن كانوا
مشركين، لم يجب قتالهم.
قال الشيخ: ولا يجوز أيضا، سواء كانوا قليلين أو كثيرين، أو المسلمون
أقل أو أكثر (1)، مع أنه قال: في جانب المسلمين: الأولى ترك قتالهم (2)، وهو
مشعر بجوازه.
والأولى استحبابه مع الظن بالظفر.
2505. الواحد والعشرون: لو احتاج الحاج إلى لبس السلاح وما يجب فيه
الفدية لأجل الحرب، جاز وعليه الفدية. ولو قتلوا أنفسا أو أتلفوا أموالا،
فلا ضمان.
فإن كان هناك صيد فقتله الحاج، فإن كان لأهل الحرب، ففيه الجزاء دون
القيمة، وإن كان لمسلم أو لا لمالك، كان فيه الجزاء والقيمة.
2506. الثاني والعشرون: لو بذل العدو الطريق وهم معروفون بالعذر، جاز
الانصراف، وإلا وجب السلوك، ولو طلب العدو مالا على بذل الطريق وهم غير
مأمونين، لم يجب قطعا.
وإن كانوا ممن يوثق بقولهم، فإن كان المال كثيرا، كره بذله، وإن كان

1. المبسوط: 1 / 334.
2. المبسوط: 1 / 334.
78

قليلا، قال الشيخ: لا يجب بذله وجاز التحلل (1).
2507. الثالث والعشرون: إذا تحلل المصدود قضى ما وجب عليه خاصة، فإن
كان حجا، لم يجب عليه عمرة بل الحج، وكذا بالعكس.
2508. الرابع والعشرون: الصد قد يتحقق في العمرة.
الفصل الثاني: في المحصور
وفيه ثمانية مباحث:
2509. الأول: الحصر هو المنع بالمرض عن مكة أو عن الموقفين، فمتى منع
الحاج، بعث هديه مع أصحابه ليذبحوه عنه في موضع الذبح، فإن كان قد ساق
هديا، بعث ما ساقه، وإلا بعث هديا أو ثمنه.
ولا يحل حتى يبلغ الهدي محله، وهو منى إن كان حاجا، ومكة إن كان
معتمرا، فإذا بلغ الهدي محله، قصر من شعر رأسه، وأحل من كل شئ إلا من
النساء إلى أن يطوف للنساء في القابل إن كان واجبا، أو يأمر من يطوف عنه إن
كان الحج ندبا، فتحل له النساء حينئذ.
2510. الثاني: لو وجد المحصور من نفسه خفة بعد أن يبعث هديه، وأمكنه
المسير إلى مكة، فليلحق (2) بأصحابه، فإن أدرك أحد الموقفين في وقته، فقد

1. المبسوط: 1 / 334.
2. في «أ»: فليلتحق.
79

أدرك الحج، وليس عليه الحج من قابل، وإن لم يدركهما، فاته الحج، وقضاه.
2511. الثالث: إذا لم يبعث الهدي بعث الثمن، وواعد أصحابه ليشتروه
ويذبحوه يوم المواعدة، ويبقى على إحرامه إلى ذلك اليوم، فيقصر ويحل من
كل شئ إلا النساء، فلو ردوا عليه الثمن، ولم يكونوا وجدوا الهدي، أو وجدوه
ولم يشتروه، ولا ذبحوه عنه، لم يبطل تحلله، ووجب عليه أن يبعث به في العام
المقبل، ليذبح عنه في موضع الذبح، قال الشيخ: ويجب عليه أن يمسك عما
يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه (1). ومنع ابن إدريس ذلك كل المنع (2).
قال الشيخ: ومن بعث بهدي تطوعا من أفق من الآفاق، فليواعد أصحابه
يوما بعينه بإشعاره وتقليده وذبحه، ثم ليجتنب ما يجتنبه المحرم من النساء
والثياب والطيب وغيرها يوم المواعدة، إلا أنه لا يلبي (3)، فإن فعل شيئا مما يحرم
عليه، كانت عليه الكفارة، كما يجب على المحرم سواء، فإذا كان يوم المواعدة
بالذبح، أحل (4) ومنع ابن إدريس ذلك (5).
2512. الرابع: المحصور إذا احتاج إلى حلق رأسه لأذى، ساغ له، وفداه.
2513. الخامس: لا فرق في حكم الإحصار بين الحاج والمعتمر، ويقضيان
الحج والعمرة مع وجوبهما، وإلا نفلا.
ولو كان المحصور قد أحرم بالحج قارنا، لم يكن له أن يحج في القابل إلا

1. النهاية: 282.
2. السرائر: 1 / 639.
3. في «أ»: يوم المواعدة بالإشعار إلا أنه لا يلبي.
4. النهاية: 283; التهذيب: 5 / 423 في ذيل الحديث 1470.
5. السرائر: 1 / 642.
80

كذلك. وجوزه ابن إدريس (1). والأقرب الإتيان بما هو واجب عليه، وإن كان نفلا
أحرم بأيهما شاء، (2) وإن كان الأفضل الإتيان بمثل ما خرج عنه.
2514. السادس: إذا ساق المحصور هديا كفاه بعثه، وأوجب ابنا بابويه (3) وابن
إدريس (4) هديا آخر للإحصار.
2515. السابع: لو اشترط على ربه، جاز له أن يحل وقت بلوغ الهدي محله،
وهو يوم العيد، إلا من النساء من دون إنفاذ هدي ولا ثمنه، إلا أن يكون ساقه
وأشعره أو قلده.
2516. الثامن: قال ابن إدريس: المحصور يفتقر إلى نية التحلل كما دخل في
الإحرام بنيته (5).
الفصل الثالث: في حكم الفوات
وفيه عشرة أبحاث:
2517. الأول: قد بينا فوات الحج لمن فاته الموقفان معا، فإذا فات الحج،
تحلل بطواف وسعي وحلق، وهو عمرة مفردة، ويسقط عنه بقية أفعال الحج من
الرمي والمبيت، ولا يمضي في حج فائت، ولا بد من نية الاعتمار.

1. السرائر: 1 / 641.
2. في «أ»: أحرم بمهما شاء.
3. الفقيه: 2 / 305 في ذيل الحديث 1512، وحكاه ابن إدريس عن علي بن بابويه في السرائر: 1 / 639.
4. السرائر: 1 / 639.
5. السرائر: 1 / 644.
81

2518. الثاني: يستحب له مع فوات الحج المقام بمنى إلى القضاء، أيام
التشريق، وليس بفرض.
2519. الثالث: لا يجب على فائت الحج الهدي، ونقل الشيخ عن بعض
أصحابنا الوجوب (1).
ولو كان قد ساق هديا، نحره بمكة لتعينه للإهداء، ومع القول بالوجوب لو
لم يسق لا يجوز تأخيره إلى القابل، فلو أخره عصى، فإذا قضى وجب عليه
ذبحه، ولا يجزئه عن هدي القضاء.
2520. الرابع: إذا كان دم الفائت واجبا، وجب القضاء ولا تجزئه عمرة التحلل،
وإن لم يكن واجبا، لم يجب القضاء، ولو كان حجة الإسلام، وجب القضاء على
الفور.
2521. الخامس: من فاته الحج الواجب، وجب قضاؤه كما فاته، تمتعا أو قرانا
أو إفرادا.
2522. السادس: لا يحتاج من فاته الحج إلى تجديد إحرام لعمرة التحلل.
2523. السابع: عمرة التحلل لا تسقط عمرة الإسلام إن كانت الفائتة
حجة الإسلام.
2524. الثامن: لو أراد فائت الحج البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به، لم
يجز له ووجب عليه التحلل بالعمرة.

1. الخلاف: 2 / 372، المسألة 219 من كتاب الحج.
82

2525. التاسع: المكي وغيره سواء في وجوب الهدي بالفوات وعدم وجوبه،
بخلاف دم التمتع.
2526. العاشر: العمرة المفردة لا تفوت، بخلاف المتمتع بها (1).

1. قال المصنف في التذكرة: ولا فرق بين المكي وغيره في وجوب الهدي بالفوات، وأما العمرة
المفردة، فلا يفوت وقتها، لأن وقتها جميع السنة أما المتمتع بها فيفوت بفوات الحج، لتعين
وقتها. تذكرة الفقهاء: 8 / 414.
83

المقصد الثالث عشر: في أحكام النساء والعبيد والصبيان والنائب في الحج
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في أحكام النساء
وفيه ستة عشر بحثا:
2527. الأول: الحج واجب على النساء كوجوبه على الرجال، وليس للزوج
منعها عن الواجب، كحجة الإسلام، والنذر وشبهه، وما وجب بالإفساد، وله
منعها عن التطوع إجماعا.
ولو أذن لها فيه، جاز له الرجوع، ما لم تتلبس بالإحرام، فلو تلبست بعد
رجوعه، جاز له أن يحللها، وهل يلزمها الهدي كالمحصور، الوجه عدمه، ولو
تلبست بإذنه، لم يكن له الرجوع في الإذن: ولو تلبست من غير إذنه في التطوع،
جاز له أن يحللها.
85

2528. الثاني: لو كانت حجة الإسلام ولم تستكمل الشرائط، جاز له منعها من
الخروج إليها والتلبس بها، فلو أحرمت بغير إذنه والحال هذه، ففي جواز تحليلها
تردد.
2529. الثالث: لو نذرت الحج بغير إذن الزوج، لم ينعقد نذرها، ولو كان بإذنه
لزم، وكان كحجة الإسلام.
2530. الرابع: حكم المطلقة رجعيا حكم الزوجة ما دامت في العدة، فلو
خرجت منها أو كانت الطلقة بائنة، كان أمرها بيدها.
2531. الخامس: إذا خرجت في حجة الإسلام بإذنه، فقدر نفقة الحضر عليه،
والزائد لأجل السفر عليها، وكذا لو حجت بغير إذن الزوج في الواجب، أو بإذنه
في التطوع.
ولو أفسدت حجها بأن مكنت زوجها من وطئها مختارة قبل الوقوف
بالمشعر، لزمها القضاء والكفارة في مالها، وكذا ما زاد على نفقة الحضر، ولو
خرجت في التطوع بغير إذنه، كانت النفقة أجمع عليها.
2532. السادس: جميع ما يجب على الرجل من أفعال الحج وتروكه، فهو
واجب على المرأة إلا في لبس المخيط، ولا يجوز لها تأخير الإحرام عن وقته
لمكان الحيض، بل تحرم وإن كانت حائضا، وتحتشي وتتوضأ ولا تصلي.
والمستحاضة تفعل ما يلزمها من الأغسال إن وجبت عليها ثم تحرم عند
الميقات، والنفساء كالحائض.
2533. السابع: لو تركت الإحرام نسيانا، أو ظنت عدم جوازه، رجعت
86

مع المكنة وأحرمت منه، ولو عجزت أو ضاق الوقت، خرجت إلى أدنى الحل
وأحرمت، وإن عجزت، أحرمت من موضعها.
2534. الثامن: إذا دخلت المرأة مكة، طافت وسعت وقصرت كما يفعل
الرجل، ثم أحرمت بالحج.
ولو حاضت قبل الطواف، انتظرت الموقفين، فإن طهرت وتمكنت من
الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام للحج وإدراك عرفة، صح لها التمتع،
وإلا بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة، ولا يجب عليها تجديد الإحرام
ولا الدم.
وكل متمتع خشي فوات الحج باشتغاله بالعمرة رفض العمرة، وصارت
حجته مفردة.
2535. التاسع: لو حاضت في أثناء طواف العمرة، فإن كانت قد طافت أربعة
أشواط، قطعته، وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج، وصحت متعتها، فإذا فرغت
من المناسك وطهرت، تممت الطواف، ومنع ابن إدريس من ذلك (1).
ولو طافت أقل من أربعة، كان حكمها حكم من لم يطف عند الشيخ (2).
وقال ابن بابويه: لو حاضت بعد الثلاثة أو أقل جاز البناء، وصحت متعته (3)، وبه
رواية صحيحة (4).

1. السرائر: 1 / 623.
2. النهاية: 275; المبسوط: 1 / 331.
3. الفقيه: 2 / 241.
4. لاحظ الفقيه: 2 / 241 برقم 1153 و 1154.
87

ولو حاضت بعد الطواف قبل الصلاة، سعت وقضتها بعد المناسك، وليس
عليها إعادة الطواف.
2536. العاشر: لو حاضت في إحرام الحج قبل طواف الزيارة، أقامت بمكة
حتى تطهر وجوبا، وتطوف، وكذا لو كان قبل طواف النساء، ولو كانت قد طافت
من طواف النساء أربعة أشواط، جاز لها الخروج من مكة.
2537. الحادي عشر: الحائض تودع البيت من باب المسجد، ولا يجوز
لها دخوله.
2538. الثاني عشر: يجوز لها إذا خافت الحيض بعد أفعال العمرة تقديم
طواف الزيارة والنساء، ومنعه ابن إدريس (1).
2539. الثالث عشر: العليلة يجوز أن يطاف بها، ولو عجزت طاف عنها وليها،
ويحرم عنها وليها إذا لم تعقل عند الإحرام، ولو كان على الحجر زحام، جاز لها
ترك الاستلام.
2540. الرابع عشر: المستحاضة تطوف بالبيت كالطاهرة إذا فعلت ما تفعله
المستحاضة، ويكره لها دخول الكعبة.
2541. الخامس عشر: لو طلقت بعد إحرام الحج، وجب عليها العدة،
فإن ضاق الوقت، خرجت لقضاء الحج ثم عادت فأتمت العدة إن بقي
عليها شئ، وإن كان الوقت متسعا، أو كانت محرمة بعمرة، فإنها تقيم
وتقضي عدتها، ثم تحج وتعتمر; قاله الشيخ (2). والوجه التفصيل، فإن كانت

1. السرائر: 1 / 624.
2. المبسوط: 5 / 259 - كتاب العدد -.
88

حجة الإسلام مضت فيها في أيام العدة (1).
2542. السادس عشر: المتوفى عنها زوجها يجوز لها أن تخرج في الحج وإن
كان تطوعا.
الفصل الثاني: في أحكام العبيد والصبيان والكفار في الحج
وفيه خمسة مباحث:
2543. الأول: لا يجوز للعبد الحج بغير إذن مولاه، وكذا المكاتب والمدبر وأم
الولد ومن انعتق بعضه، ومع الإذن لا يجزئه عن حجة الإسلام لو انعتق ما لم
يدركه العتق قبل أحد الموقفين.
والزوجة المملوكة ليس لها أن تخرج للحج إلا بإذن مولاها وزوجها معا،
فلو كره أحدهما وجب الامتناع، ولو انعتق بعضه وهاياه مولاه، قال الشيخ:
يمكن القول بانعقاد إحرامه فيها وصحة حجه بغير إذن سيده (2).
2544. الثاني: إحرام العبد بإذن مولاه صحيح، وكذا الصبي، فلو بلغ أو أعتق
العبد فإن كان بعد فوات الموقفين، أتما حجهما ولم يجزئهما عن حجة الإسلام،
وإن كملا قبل الموقفين أجزأهما عن حجة الإسلام، ولا يحتاج الصبي إلى
تجديد إحرام.

1. في «ب»: في أيام الحجة.
2. المبسوط: 1 / 327.
89

وان كان البلوغ والعتق بعد الوقوف وقبل فوات وقته بأن كملا قبل فجر
النحر، رجعا إلى عرفات والمشعر إن أمكنهما، وإلا أجزأهما المشعر.
ثم كل موضع يجزئهما عن حجة الإسلام، فإنه يلزمهما الدم إذا كانا
متمتعين، وإلا فلا.
2545. الثالث: الكافر يجب عليه الحج ولا يصح منه إلا بشرط تقدم الإسلام،
فلو مر الكافر على الميقات مريدا للنسك وأحرم منه، لم يصح إحرامه، ولو مات
على كفره فلا حكم له.
ولو أسلم بعد مضي زمان الوقوف، سقط في تلك السنة، وإلا وجب مع
المكنة.
2546. الرابع: المخالف للإمامية من أهل القبلة إذا حج ثم استبصر، فإن كان
قد أتى بأركان الحج وأفعاله، أجزأ عنه، ويستحب له إعادته حينئذ، وإن كان قد
أخل بشئ من أركانه، وجب عليه الإعادة.
والمراد بالركن هنا ما يعتقد أهل الحق ان الإخلال به مبطل للحج، وكذا
باقي العبادات إذا أوقعها على وجهها، لا يجب عليه قضاؤها سوى الزكاة، إلا أن
يدفعها إلى أهل الحق.
2547. الخامس: من شهد المناسك وهو سكران لم يحصل شيئا، لم يصح
حجه، ووجب عليه الإعادة، وإن كان محصلا إتيانها على وجهها،
فالوجه الإجزاء.
والشيخ أطلق عدم الإجزاء (1). والظاهر ان مراده التفصيل.

1. النهاية: 274.
90

الفصل الثالث: في حج النائب
وفيه أربعة وثلاثون بحثا:
2548. الأول: لا يجوز للمستطيع مع التمكن أن يستنيب غيره في الإتيان
بالحج الواجب كالإسلام والنذر، أما التطوع فإن كان المستأجر صرورة جاز أن
يستنيب، وكذا إن كان غير صرورة مع العجز عن التطوع والقدرة عليه.
2549. الثاني: لو عجز عن أداء الحج (1) الواجب بنفسه، وأمكنه إقامة غيره
ليحج عنه، ففي وجوب الاستنابة قولان تقدما، ولو لم يجد مالا يقيم به غيره،
سقط إجماعا، وكذا لو وجد مالا (يقيم به غيره) (2) ولم يجد النائب.
2550. الثالث: يصح الاستيجار للحج وتبرأ ذمة المستأجر إذا كان ميتا أو
ممنوعا، ويقع حج النائب عن المستأجر لا الأجير.
2551. الرابع: يشترط في النائب العقل والبلوغ والإسلام وأن لا يكون عليه
حج واجب، والأقرب اشتراط العدالة.
ويجوز أن يحج الرجل عن مثله وعن المرأة، والمرأة عن مثلها وعن
الرجل، سواء كانت المرأة أجنبية أو من أقارب الرجل، وسواء أخذت أجرة أو
لا، وسواء كانت صرورة أو لم تكن.

1. في «ب»: عن إدراك الحج.
2. ما بين القوسين موجود في «ب».
91

ومنع الشيخ في كتابي الأخبار من نيابة المرأة الصرورة (1) وليس بمعتمد.
وفاقد الاستطاعة يجوز أن يحج عن غيره وإن لم يحج حجة
الإسلام، سواء تمكن من الحج من غير استطاعة أو لم يتمكن ويستحق
(الأجير) (2) الأجرة.
2552. الخامس: من فقد الاستطاعة وهو صرورة، وتمكن من الحج تطوعا،
جاز له ذلك، ويقع عن التطوع (3) ولو نوى حجا منذورا عليه صح عن النذر (4) ولا
يقع عن حجة الإسلام.
ولو أحرم بحجة التطوع، وعليه منذورة، فإن تعلق النذر بزمان معين لم
يجز إيقاع التطوع فيه، فإن أوقعه بنية التطوع بطل ولم يجزئ عن المنذورة، وإن
لم يتعلق بزمان معين لم يقع عن المنذورة، وهل يقع تطوعا فيه إشكال.
2553. السادس: العبد المأذون له في النيابة يصح نيابته عن الحر في
التطوع والواجب.
2554. السابع: لا يجوز النيابة عن المخالف في الاعتقاد إلا أن يكون أبا
للنائب; قاله الشيخان (5) ومنع ابن إدريس الاستثناء (6).

1. النهاية: 279 و 280; التهذيب: 5 / 413 في ذيل الحديث 1435; الاستبصار: 2 / 322 في ذيل
الحديث 1142.
2. ما بين القوسين موجود في «ب».
3. في «ب»: يقع عن المتطوع.
4. في «ب»: صح عن المنذور.
5. المبسوط: 1 / 326; النهاية: 280.
6. السرائر: 1 / 632.
92

2555. الثامن: يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب عنه بالنية أو الذكر،
ويستحب له أن يذكره لفظا في الأفعال كلها، وكذا من طاف عن غيره يستحب
أن يذكره عند الطواف.
2556. التاسع: لا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، سواء كان الحج
فرضا أو نفلا، ويجوز عن الميت مطلقا.
2557. العاشر: من استأجر غيره، ليحج عنه حجة الإسلام، فمات النائب، فإن
كان بعد الإحرام ودخول الحرم، أجزأ عن المنوب عنه، وإن كان قبل ذلك لم
يجزئ، واجتزأ في الخلاف بالإحرام خاصة (1). وهو اختيار ابن إدريس (2). والأول
أقوى. ولا يجب على الورثة رد شئ من الأجرة.
ولو مات قبل دخول الحرم فللشيخ قولان: أحدهما: انه تستعاد منه الأجرة
بكمالها. والثاني: يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، ويستعاد الباقي (3). واختاره ابن
إدريس ثم رجع عنه إلى الأول (4).
2558. الحادي عشر: لو صد الأجير عن بعض الطريق، قال الشيخان: عليه مما
أخذ بقدر نصيب ما بقي من الطريق التي يؤدي فيها الحج. إلا أن يضمن العود
لأداء ما وجب (5). والأقوى عندي الرجوع بالمتخلف إن وقعت الإجارة على تلك
السنة، ولا يجب على المستأجر الإجابة في قضاء الحج ثانيا، وإن

1. الخلاف: 2 / 390، المسألة 244 من كتاب الحج.
2. السرائر: 1 / 628.
3. لاحظ الخلاف: 2 / 389، المسألة 243 من كتاب الحج.
4. السرائر: 1 / 628 و 629.
5. المقنعة: 443; النهاية: 278.
93

وقعت مطلقة، وجب عليه الإتيان بالمتخلف بها مرة ثانية، وليس للمستأجر فسخ
الإجارة، وكانت الأجرة بكمالها للأجير.
قال الشيخ: إذا أحصر الأجير تحلل بالهدي ولا قضاء عليه، أما المستأجر
فإن تطوع فكذلك، وإلا وجب أن يستأجر مرة ثانية. ويلزم الأجير رد باقي
الأجرة أو يضمن الحج ثانيا (1).
2559. الثاني عشر: إذا أحصر الأجير، جاز له التحلل بالهدي، ويقع ما فعله من
المستأجر، ويظهر من كلام الشيخ وقوعه من المحصر (2). والدم على الأجير، ولو
أقام محرما حتى فات الحج تحلل بعمرة، ولا يستحق الأجرة على ما فعله من
وقت الوقوف إلى التحلل.
2560. الثالث عشر: لو أفسد الأجير حج النيابة، قال الشيخ: وجب قضاؤها عن
نفسه، وكانت الحجة باقية عليه، ثم إن كانت الحجة معينة، انفسخت الإجارة (3)
ولزم المستأجر الاستيجار ثانيا، وإن كانت مطلقة، لم ينفسخ، وعلى الأجير أن
يأتي بحجة أخرى في المستقبل عن المستأجر بعد أن يقضي الحجة التي
أفسدها عن نفسه، وليس للمستأجر فسخ الإجارة عليه، والحجة التي أفسدها
انقلبت عن المستأجر إليه وصار محرما بحجة عن نفسه فاسدة، فعليه قضاؤها
عن نفسه في العام الثاني، ثم يحج عن المستأجر في الثالث (4).
ونحن نقول: إن كانت الفاسدة حجة الإسلام، والثانية عقوبة، برئت ذمة

1. المبسوط: 1 / 323.
2. لاحظ المبسوط: 1 / 325 و 326.
3. في «أ»: انفسخت له لإجارة.
4. المبسوط: 1 / 322.
94

المستأجر بإكمالها، والقضاء في القابل عقوبة على الأجير، ولا تنفسخ الإجارة،
وإن قلنا،: الأولى فاسدة، والثانية قضاء، لزم النائب الجميع، ولا يجزئ عن
المستأجر، ويستعيد الأجرة إن تعلقت بزمان معين، وإلا وجب على الأجير الحج
عن المستأجر بعد حجة القضاء، ولو قيل بأن حجة القضاء مجزئة كان وجها.
2561. الرابع عشر: إذا فعل الأجير شيئا من المحظورات، كانت الكفارة عليه
في ماله.
2562. الخامس عشر: عقد الإجارة عن الحج صحيح، ويستحق به الأجرة، لا
ردها. ويقع الحج عن المستأجر، ويسقط به الفرض، سواء كان حيا، أو ميتا
استأجر عنه وليه.
2563. السادس عشر: لا تفتقر الإجارة إلى تعيين محل الإحرام، سواء كان
للبلد ميقات واحد أو ميقاتان، ولو شرط عليه أن يحرم من قبل الميقات، لم
يلزمه ذلك، ولو عين له دون الميقات لم يصح.
ولو كان المستأجر وجب عليه بنذر الإحرام قبل الميقات، ثم عجز
واستأجر، فالوجه وجوب الاستنابة على هذه الهيئة، فلو أخره الأجير مع الشرط
رجع وأحرم إن تمكن، وإلا من حيث المكنة.
2564. السابع عشر: لو استأجره ليحج على طريق، فحج على
غيرها، استحق الأجرة، وهي رواية صحيحة عن حريز عن الصادق (عليه السلام) (1)
ولو تعلق بالمسافة المعينة غرض مقصود، وشرطه المستأجر، فعدل عنها،

1. التهذيب: 5 / 415، الحديث 1445.
95

صح الحج، وبرئت ذمتها منه، ورجع المستأجر بنسبة التفاوت من الطريق.
وقال الشيخ: لا يرجع (1)، وفيه نظر.
2565. الثامن عشر: يجب على الأجير الإتيان بالنوع الذي شرط عليه من تمتع
أو قران أو إفراد، اختاره علي بن رئاب (2) وقال الشيخ: إذا استأجره للقران، فتمتع،
أجزأه، وإن أفرد لم يجزئه، وإن استأجره للتمتع فقرن أو أفرد لم يجزئه، وإن
استأجره للإفراد فتمتع أو قرن أجزأه (3).
والمختار انه إن كان الحج واجبا، فلا بد من تعيينه عليه، فيجب على
الأجير متابعته، وإن كان تطوعا، وعلم من قصد المستأجر الإتيان بالأفضل، جاز
العدول إلى الأفضل وإن لم يصرح به في العقد، فعلى قول الشيخ لو استأجره
لغير التمتع فتمتع استحق الأجرة، وعلى المختار، إن علم منه التخيير، استحق
الأجرة بأي الأنواع أتى، وإن لم يعلم، وقع الحج عن المستأجر، وفي استحقاق
الأجرة إشكال.
2566. التاسع عشر: دم التمتع على الأجير، ولو شرطه على المستأجر صح.
ولو استأجره للقران فقرن كان هدي السياق على الأجير، ولو شرطه على
المستأجر جاز.
2567. العشرون: لو استأجره للحج من العراق، فوصل إلى الميقات، فأحرم

1. المبسوط: 1 / 325.
2. أحد كبار العلماء، أخذ العلم عن الصادقين والكاظم (عليهم السلام)، كان حيا قبل 183. اقرأ ترجمته في
طبقات الفقهاء: 2 / 390 برقم 558.
3. المبسوط: 1 / 324.
96

بعمرة عن نفسه، ثم فعل مناسكها، وأحل ثم حج عن المستأجر، فإن كان قد
خرج إلى ميقات العراق وأحرم وفعل باقي المناسك، صح حجه، وإن أحرم من
مكة، فإن كان لعدم تمكنه من الرجوع إلى الميقات، صح حجه، ولا دم عليه، وإن
تمكن لم يجزئه; قاله الشيخ (1).
والوجه عندي إجزاء الحج مطلقا، ورد التفاوت إن عين له الميقات،
وإلا فلا.
وفي رد التفاوت إشكال بين أن يقال: حجة من العراق، أحرم بها من
الميقات وحجة من العراق، أحرم بها من مكة، ويؤخذ بنسبة التفاوت، أو يقال:
حجة من العراق، وحجة من مكة، والأول أقوى.
2568. الواحد والعشرون: الإجارة إن كانت معينة، كأن يستأجره ليحج عنه
بكذا، تعين على الأجير إيقاعها مباشرة، وإن كانت مطلقة، كأن يستأجره ليحصل
له حجة، ويقصد النيابة مطلقا، فيجوز للأجير الاستنابة، ولو أمره بالاستيجار لم
يكن له أن يحج عنه بنفسه.
2569. الثاني والعشرون: إذا استأجره ليحج عنه، فإن عين السنة صح إن أمكن
التلبس بالإحرام في وقته، وإلا بطلت، سواء وقع العقد في أشهر الحج أو في غير
أشهره، إما مع الحاجة إلى التقدم بالشروع أو بدونها، فإن فعل الأجير في السنة
المعينة برئت ذمته، وإلا بطلت الإجارة.
ولو لم يعين بأن يقول: استأجرتك لتحج عني من غير تعيين الوقت، فإنه

1. المبسوط: 1 / 323 - 324.
97

يصح، ويقتضي التعجيل، ولو أخرها الأجير لم تنفسخ الإجارة، وليس للمستأجر
الفسخ، سواء قبض مال الإجارة أو لا، وسواء كان المستأجر حيا معضوبا، (1) أو
وصي ميت، ويجب عليه الإتيان بالحج في أول أوقات الإمكان، ولو عين له سنة
بعد سنة الإجارة، بأن يستأجره ليحج عنه في العام الثاني أو الثالث صح.
2570. الثالث والعشرون: إذا أخذ الأجير حجة عن غيره لسنة معينة، لم يكن
له أن يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها، وإن أطلق الأول، فإن استأجره الثاني
للسنة الأولى، فالأقرب عدم الصحة، وإن استأجره للثانية أو مطلقا جاز، وإن
استأجره الأول للثانية، جاز للثاني استيجاره للأولى، ومطلقا.
والشيخ (رحمه الله) قال: إذا أخذ الأجير حجة عن غيره لم يكن له أن يأخذ أخرى
حتى يقضي التي أخذها (2). فإن أراد ما ذكرناه من التفصيل فهو جيد، وإلا
فهو ممنوع.
2571. الرابع والعشرون: لا يجوز لحاضر مكة مع تمكنه من الطواف الاستنابة
فيه، ويجوز للغائب وللحاضر غير المتمكن كالمبطون والمغمى عليه.
2572. الخامس والعشرون: يستحب للأجير إعادة فاضل الأجرة، وليس بلازم،
وكذا يستحب للمستأجر أن يتممه للأجير لو أعوزته الأجرة (3).
2573. السادس والعشرون: لا بد من العلم بالعوض وتعيين مقداره، فلو

1. في مجمع البحرين: الأعضب من الرجال: الزمن الذي لا حراك فيه، كأن الزمان عضبه ومنعه
الحركة.
2. المبسوط: 1 / 326.
3. في «أ»: لو اعوز به الأجرة.
98

قال: حج عني بنفقتك، بطلت الإجارة، وكذا: حج عني بما شئت، ويجب أجرة المثل
إن حج، وصحت الحجة عن المستأجر، ولو قال: أول من يحج عني، فله مائة،
كانت جعالة صحيحة.
ولو قال: حج عني أو اعتمر بمائة، قال الشيخ: كان صحيحا، فمتى حج أو
اعتمر استحق المائة (1) ونحن نقول: إن كان جعالة صح، وإن كان إجارة بطل، ولو
قال: من حج عني فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم، صح جعالة لا أجرة.
2574. السابع والعشرون: إذا استأجر اثنان شخصا ليحج عنهما حجة واحدة،
فأحرم عنهما، لم يصح إحرامه عنهما، ولا عن واحد منهما، ولا عن نفسه، ولو
قيل: إن كان الحج ندبا صح عنهما، كان وجها.
2575. الثامن والعشرون: إذا أحرم الأجير عن نفسه وعن من استأجره، قال
الشيخ: لا ينعقد إحرامه عنهما ولا عن واحد منهما (2).
2576. التاسع والعشرون: إذا استأجره ليحج في سنة معينة، فحصلت
الاستطاعة في تلك السنة بعد عقد الإجارة وكان صرورة، انصرف الزمان إلى
حج النيابة دون حجة الإسلام، فلو أحرم عن نفسه لم يقع عنها، والوجه عدم
وقوعه عن المستأجر، ولو استأجره، مطلقا فإنه يجوز الحج عن نفسه
على إشكال.
2577. الثلاثون: لو أحرم النائب عن المستأجر، ثم نقل الحج إلى نفسه، لم
يصح، فإذا أتم الحج استحق الأجرة.

1. المبسوط: 1 / 325.
2. المبسوط: 1 / 323.
99

2578. الواحد والثلاثون: إذا استأجره للحج فاعتمر، أو للعمرة فحج، قال
الشيخ: لا يقع عن المستأجر، سواء كان حيا أو ميتا، ولا يستحق أجرة (1)، والوجه
عندي وقوع ما فعله عن المستأجر، ولا يستحق أجرة.
2579. الثاني والثلاثون: لو أحصر الأجير تحلل بالهدي، ولا قضاء عليه،
ويبقى المستأجر على ما كان عليه، إن كان الحج واجبا، وجبت الاستنابة، وإلا
فلا، ولو فاته الموقفان بتفريط، لزمه التحلل بعمرة لنفسه، ويعيد الأجرة إن كان
الزمان معينا، وإن كان بغير تفريط، قال الشيخ: يستحق أجرة المثل إلى
حين الفوات (2).
ولو قيل: له من الأجرة بنسبة ما فعله من أفعال الحج ويستعاد الباقي،
كان وجها.
ولو أفسد الحج، وجب القضاء، ولو أفسد القضاء، وجب آخر.
2580. الثالث والثلاثون: إذا حصلت الاستطاعة للنائب بعد الحج، وجب عليه
حجة الإسلام عن نفسه إذا كان صرورة، ولم يجزئه ما فعله عن غيره.
2581. الرابع والثلاثون: من وجب عليه أحد النسكين خاصة، جاز له أن
ينوب عن غيره في الآخر، ويفعل هو ما وجب عليه عن نفسه، ولا يجب عليه
رد شئ من الأجرة، وكذا لو لم يجب عليه أحدهما، جاز أن يؤجر نفسه عن
شخصين لأدائهما في عام واحد.

1. المبسوط: 1 / 325.
2. المبسوط: 1 / 325 - 326.
100

المقصد الرابع عشر: في الحج عن الميت والوصية بالحج وحج الندب
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
2582. الأول: من مات بعد تمكنه من الحج وإهماله، وجب أن يخرج عنه من
يحج عنه من صلب ماله، ولا يسقط بالموت، وكذا البحث في العمرة.
وهل يجب أن يحج عنه من بلده أو من الميقات، سواء كثرت التركة أو
قلت؟ الوجه عندي الثاني، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (1) والمبسوط (2)،
وفي النهاية الأول (3)، ولو قصرت التركة حج عنه عن الميقات; وهو اختيار
ابن إدريس (4).
ولو كان عليه دين، فإن نهضت التركة بهما، صرف فيهما ما يقوم
بهما، والفاضل يكون ميراثا، وإن قصرت التركة، قسمت على أجرة المثل
للحج من الميقات، وعلى الدين بالحصص، ولو قصرت عن ذلك، صرفت

1. الخلاف: 2 / 255، المسألة 18 من كتاب الحج.
2. المبسوط: 1 / 301.
3. النهاية: 203.
4. السرائر: 1 / 516.
101

في الدين وإن لم يقصر المجموع.
2583. الثاني: لو كان عليه حجة الإسلام وأخرى منذورة، أخرجتا معا من
صلب المال، وللشيخ قول غير معتمد (1).
2584. الثالث: لو نذر الحج مطلقا، فالوجه وجوب القضاء عنه من الميقات،
ولو عين الموضع الذي ينشئ منه السفر للحج تعين، وقضى عنه منه، ومع
ضيق التركة، من أقرب الأماكن.
2585. الرابع: لو لم يخلف ما يفي بحجة الإسلام والنذر، ووفت التركة
بأحدهما، فالأقرب صرفها إلى حجة الإسلام، وإذا صرفت إلى حجة الإسلام،
فالأقرب عدم وجوب قضاء النذر على الولي، لكن يستحب.
2586. الخامس: من وجب عليه الحج فخرج في الطريق لأدائه فمات; قال
الشيخ: إن كان قبل بلوغ الحرم، وجب على وليه القضاء عنه من تركته، وإن كان
بعد دخول الحرم أجزأه (2).
والأقرب توجه الوجوب على من استقر الحج في ذمته وفرط في أدائه،
فإنه يقضى عنه من التركة إذا لم يدخل الحرم، أما من لم يجب عليه إلا في عامه
الذي مات فيه، فإنه لا يقضى عنه.
2587. السادس: يستحب للإنسان أن يحج عن أبويه ميتين كانا، أو حيين
عاجزين. ولو تبرع الابن أو غيره بالحج عن الميت، برئت ذمة الميت من حجة

1. قال الشيخ في المبسوط: 1 / 306: ومن نذر أن يحج ثم مات قبل أن يحج، ولم يكن أيضا حج
حجة الإسلام. أخرجت حجة الإسلام من صلب المال، وما نذر فيه من ثلثه.
2. المبسوط: 1 / 306.
102

الإسلام، وإذا حج عن غيره، وصل ثواب الحج إلى ذلك الغير من غير أن ينقص
من ثواب الحاج شئ.
2588. السابع: من وجب عليه الحج، وفرط فيه، ثم عجز عنه بنفسه ونيابته (1)،
وجب أن يوصي به، ولو لم يكن حج واجب ووصى أن يحج تطوعا، صحت
الوصية، وأخرجت من ثلث المال.
ولو أوصى بحجة الإسلام ولم يعين قدر الأجرة، انصرف إلى أجرة المثل
من صلب المال، ولو عينه أخرج أجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث. ولو
قصر المعين عن أجرة المثل، وجب على الورثة الإتمام من التركة.
ولو مات ولا شئ له سوى ما يحج به عنه، صرف في الحج ولا ميراث.
2589. الثامن: من أوصى بحج وغيره، فإن كان الجميع واجبا، أخرج من
صلب المال، وإن لم يف قسم بالحصص ويبدأ بالحج، وإن كان الجميع غير
واجب أخرج من الثلث، فإن وفى الثلث عمل بوصيته وإلا بدأ بالأول فالأول،
ولو كان البعض واجبا، أخرج من أصل المال والباقي من الثلث.
2590. التاسع: لو أوصى أن يحج عنه، ولم يعين المرات، فإن لم يعلم منه
إرادة التكرار، حج عنه مرة واحدة، وإن علم منه قصد التكرار، حج عنه مرات
بقدر الثلث، والشيخ أطلق الحج عنه بقدر الثلث (2) والوجه ما قلناه.
2591. العاشر: إذا حصل عند إنسان لميت مال وديعة، ويعلم استقرار الحج

1. في «أ»: ونيابة.
2. المبسوط: 1 / 306.
103

في ذمته وعدم أداء الوارث، جاز أن يقطع أجرة الحج، ويدفع إلى الورثة ما بقي.
2592. الحادي عشر: لو أوصى أن يحج عنه كل سنة بشئ معلوم فقصر، جمع
نصيب سنتين فما زاد لسنة واحدة.
2593. الثاني عشر: إذا أوصى بحج واجب، فإن لم يعين الأجير ولا الأجرة،
حج عنه بأقل ما يوجد من يحج عنه من الميقات، وإن عينهما معا، أعطي المعين
أجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث، فإن رضى المعين، وإلا استؤجر غيره
بالمعين إن ساوى أجرة المثل أو كان أقل، وإن كان أكثر، فالوجه ان الزيادة
للوارث ولا شئ للمعين وارثا كان أو غيره، وإن عين الأجير، صرف إليه أقل ما
يوجد من يحج عنه به، ولا يجوز العدول عنه مع الرضا، وإن لم يرض فهل
يجب على الوارث دفع ما يرضى به حتى يبلغ الثلث، أو حتى يبلغ أجرة المثل
أو يحج عنه غيره بأقل ما يوجد من يحج عنه؟ الأقرب الثاني.
وإن عين الأجرة صرفه الوارث إلى من يختاره إن ساوى أجرة المثل أو
كان أقل، وإن كان أزيد أخرج مساوي أجرة المثل من صلب المال والباقي من
الثلث، وكذا البحث في التطوع إلا أنه يخرج من الثلث.
2594. الثالث عشر: لو أوصى أن يحج عنه مرارا أخرج الواجب من الأصل
والباقي من الثلث، ولو أوصى أن يحج الواجب من الثلث وقصر، حج من
الأصل، وإن أوصى بحج تطوع أخرجت من الثلث فإن وسع ما عينه من موضعه
حج عنه وإلا فمن بعض الطريق، ولو لم يتسع الثلث للحج أصلا، صرف في
وجوه البر، وقيل: يصير ميراثا وليس بجيد.
ولو خلف ما لا يقوم بالحج الواجب من أقرب المواضع، فالوجه انه
104

يكون ميراثا، ولو كان هناك دين صرف فيه.
2595. الرابع عشر: لو أوصى بالحج فاستوجر شخص أو استأجره ليحج عنه،
فإن فعل الأجير ما شرط عليه، استحق الأجرة، وإن خالف، قال الشيخ: يستحق
أجرة المثل. وهو مشكل.
2596. الخامس عشر: من نذر أو عهد أو حلف أن يحج، وجب عليه، ويشترط
في صحة النذر وشبهه كمال العقل والحرية، فلا ينعقد نذر الصبي ولا المجنون
ولا من غلب على عقله بمرة أو مسكر (1) أو ما شابه ذلك ولا العبد والمكاتب
المطلق وإن تحرر بعضه، ولا أم الولد ولا المدبر، فلو نذر العبد كان لمولاه فسخ
النذر، ولو أذن له مولاه في النذر، انعقد ووجب على المولى تمكينه من فعله
وإعانته بالحمولة مع الحاجة.
2597. السادس عشر: المرأة إن كانت ذات بعل أو في عدة رجعية لم ينعقد
نذرها إلا بإذن الزوج، ولو أذن لها الزوج في النذر صح ولزم ووجب على الزوج
تمكينها من الحج ولا يجب عليه الإعانة بالمال، وينعقد نذر المطلقة بائنا
والمتوفى عنها زوجها.
والأمة المزوجة لا ينعقد نذرها إلا بإذن مولاها وزوجها.
2598. السابع عشر: إذا انعقد النذر وجب الإتيان بما نذره، فإن كان مطلقا
استحب فعله في أول أوقات الإمكان، وإن كان معينا، وجب وقت تعيينه، فإن
أهمل وجب القضاء وكفارة خلف النذر، وإن فاته لعذر كمرض أو عدو (2)

1. في «ب»: أو سكر.
2. في «أ»: أو عذر.
105

وشبه ذلك، لم يلزمه في ما بعد.
2599. الثامن عشر: إذا نذر الحج وعليه حجة الإسلام، فإن قصد بالنذر غير
حجة الإسلام، لم يتداخلا إجماعا، وإن قصد حجة الإسلام تداخلا، وإن أطلق
قال الشيخ: إن حج بنية النذر أجزأ عن حجة الإسلام، وإن نوى حجة الإسلام،
وجب عليه الإتيان بالمنذورة (1)، وله قول آخر هو عدم الاكتفاء بواحدة منهما عن
الأخرى (2)، وهو الوجه عندي.
2600. التاسع عشر: لو نذر الحج ماشيا وجب عليه، وإذا احتاج إلى عبور
بحر (3)، قام في السفينة استحبابا، ولو ركب طريقه اختيارا أعاد، ولو ركب بعضه،
قال الشيخ: يقضي، فيمشي ما ركب ويركب ما يمشي (4). وقال ابن إدريس:
يقضي ماشيا (5) وهو جيد.
ولو عجز ركب إجماعا، قال المفيد: ولا يسوق شيئا (6). والشيخ
أوجب سياق بدنة كفارة عن ركوبه. (7) وقيل: إن نذر معينا، وركب مختارا،
قضاه، وكفر لخلف النذر، وإن ركب للعجز لم يجبره بشئ، وإن نذر
مطلقا، وجب القضاء ماشيا مع المكنة ولا كفارة (8)، وهو حسن، وعندي في

1. النهاية: 205.
2. الخلاف: 2 / 256، المسألة 20 من كتاب الحج.
3. في «ب»: عبور نهر.
4. المبسوط: 1 / 303.
5. لاحظ السرائر: 3 / 61 - 62، كتاب الأيمان، أحكام النذور والعهود.
6. المقنعة: 565، باب النذور والعهود.
7. النهاية: 205; المبسوط: 1 / 303.
8. لاحظ السرائر: 3 / 61 - 62.
106

إبطال الحج بالركوب مختارا إشكال.
2601. العشرون: يسقط المشي عن ناذره بعد طواف النساء.
2602. الحادي والعشرون: لو نذر الحج، وجب دون العمرة وبالعكس، وكذا
يجب ما تعلق به النذر من المرة الواحدة أو التكرار، ولو نذر الحج وعليه حجة
الإسلام، قضاهما معا، وبدأ بحجة الإسلام، ولو مات استؤجر عنه من
صلب المال.
ويجوز استيجار اثنين لأدائهما في عام واحد، ولو قصرت التركة استؤجر
لحجة الإسلام، واستحب لوليه قضاء النذر، ولو نذر الحج أو أفسده وهو
معضوب، قيل وجب ان يستنيب (1)، وفيه نظر.
2603. الثاني والعشرون: لو نذر الحج راكبا فمشى حنث، ولو نذر أن يمشي
إلى بيت الله الحرام انصرف إلى مكة، ولو قال: إلى بيت الله واقتصر، قيل: ينصرف
إلى مكة، وقيل: يبطل (2)، ولو قال: إلى بيت الله لا حاجا ولا معتمرا، فالأقرب
بطلان النذر، ولو نذر إن رزق ولدا حج به أو حج عنه، ثم مات، حج بالولد أو
عنه من صلب ماله.
ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال فحج عن غيره، قيل: أجزأ عنهما (3)،
وفيه نظر.

1. القائل هو الشيخ في المبسوط: 1 / 299.
2. لاحظ الأقوال في المختلف: 8 / 221 (مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي).
3. القائل هو الشيخ في التهذيب: 5 / 406 في ذيل الحديث 1414.
107

المقصد الخامس عشر: في العمرة والزيارات والمزار
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في العمرة
وفيه اثنا عشر بحثا:
2604. الأول: العمرة واجبة مثل الحج بشرائطه في العمر مرة واحدة على
الفور على أهل مكة وغيرهم.
2605. الثاني: العمرة ضربان: مفردة ومتمتع بها، فالأولى واجبة على القارن
والمفرد، والثانية على المتمتع، ويجزئ الثانية عن الأولى.
2606. الثالث: إذا دخل بعمرة مفردة، فإن كان اعتماره في أشهر الحج، جاز
نقلها إلى التمتع، وإن كان في غيرها لم يجز.
ولو اعتمر في أشهر الحج للتمتع، لم يجز له أن يخرج من مكة حتى
يقضي مناسك الحج.
2607. الرابع: لا تكره العمرة المفردة في السنة مرتين، ويستحب في
109

كل عشرة أيام مع القدرة، وقيل: لا يكره في كل يوم (1).
2608. الخامس: جميع أوقات السنة صالح للمبتولة، وأفضل ما يكون في
رجب، وهي تلي الحج في الفضل، ولو أدرك إحرام العمرة في آخر أيام رجب،
فقد أدرك العمرة في رجب، ولا يكره إيقاعها في يوم عرفة ولا يوم النحر ولا
أيام التشريق.
2609. السادس: قد بينا انه لا يجوز إدخال الحج على العمرة ولا العكس، فإن
أحرم بعمرة التمتع فضاق الوقت أو حاضت المرأة، جعله حجة مفردة ومضى
فيه، وإن أحرم بالحج مفردا ثم أراد التمتع جاز له أن يتحلل (بأن يطوف ويسعى
ويقصر للعمرة) (2) ثم ينشئ الإحرام بعد ذلك للحج، فيصير متمتعا، فأما ان يحرم
بالحج قبل أن يفرغ من مناسك العمرة، أو بها قبل أن يفرغ من مناسكه، فإنه لا
يجوز على حال.
ولو قرن في إحرامه بين الحج والعمرة، قال الشيخ: انعقد بالحج خاصة،
فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل
ويجعلها متعة، جاز ويلزمه الدم (3).
2610. السابع: وقت عمرة التمتع أشهر الحج، فلو أحرم بها في غيرها وفعل
باقي أفعالها في أشهر الحج لم يكن متمتعا، ولا يلزمه دم.
2611. الثامن: ميقات العمرة ميقات الحج لمن كان خارجا من المواقيت إذا

1. القائل هو ابن إدريس في السرائر: 1 / 540; ولاحظ الناصريات: 307، المسألة 139.
2. ما بين القوسين تفسير للتحلل موجود في نسخة «ب».
3. الخلاف: 1 / 379، المسألة 30 من كتاب الحج.
110

قصد مكة، أما أهل مكة أو من فرغ من الحج وأراد الاعتمار، فإنه يخرج إلى أدنى
الحل، وينبغي أن يكون أحد المواقيت التي وقتها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للعمرة المبتولة.
2612. التاسع: شرائط وجوب العمرة شرائط وجوب الحج، ويجب مرة
بأصل الشرع، وقد يجب بالنذر واليمين والعهد والاستيجار والإفساد والفوات،
فإن من فاته الحج بعد شروعه فيه، يجب عليه أن يتحلل بعمرة، ويجب أيضا
بالدخول إلى مكة، إذ لا يجوز دخولها بغير إحرام إما بالعمرة أو بالحج (1) مع انتفاء
العذر وعدم تكرار الدخول، ويتكرر وجوبها بتكرر السبب.
2613. العاشر: صورة العمرة أن يحرم من الميقات الذي يسوغ له الإحرام
منه، ثم يدخل مكة فيطوف ويصلي ركعتيه، ثم يسعى بين الصفا والمروة
ويقصر، ثم إن كانت عمرة التمتع فقد أحل من كل شئ أحرم منه، ويجب عليه
بعد ذلك الإتيان بالحج، وإن كانت مبتولة، طاف بعد التقصير أو الحلق طواف
النساء ليحللن له، ويصلي ركعتيه.
والتمتع بها يجب على من ليس من أهل مكة وحاضريها، والمفردة على
أهل مكة وحاضريها، ولا تصح الأولى إلا في أشهر الحج، وتسقط المفردة معها،
وتصح الثانية في جميع أيام السنة.
ولو دخل مكة متمتعا، لم يجز له الخروج حتى يأتي بالحج، ولو خرج
بحيث لا يحتاج إلى استئناف إحرام جاز، ولو خرج فاستأنف عمرة،
تمتع بالأخيرة.

1. في «أ»: إما بالحج.
111

ويتحلل من المفردة بالتقصير، والحلق أفضل، ويحتاج في تحليل النساء
إلى طواف النساء.
وطواف النساء واجب في المفردة بعد السعي على كل معتمر من رجل أو
امرأة [أ] وخصي [أ] وخنثى [أ] وصبي (1).
والمتمتع إذا فاتته عمرة المتعة، وجب أن يعتمر بعد الحج عمرة مفردة،
وينبغي له أن يعتمر إذا أمكن الموسى [من] رأسه، وإن أخره إلى استقبال
الشهر جاز.
2614. الحادي عشر: التقصير معين (2) في عمرة التمتع، والحلق في المفردة
أفضل، ولا يجب في العمرة هدي، فلو ساق هديا، نحره قبل أن يحلق بفناء
الكعبة بالموضع المعروف بالحزورة، ولو جامع قبل السعي، فسدت عمرته،
ووجب عليه قضاؤها والتكفير ببدنة.
2615. الثاني عشر: من وجبت عليه العمرة، لا يجوز له أن يعتمر عن غيره،
وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه انه يحرم بالعمرة المفردة، وإذا دخل
الحرم، قطع التلبية.

1. ما بين المعقوفتين كله منا.
2. في «ب»: يتعين.
112

الفصل الثاني: في الزيادات
وفيه أربعة وثلاثون بحثا:
2616. الأول: من أحدث جرما في غير الحرم فالتجأ إلى الحرم، ضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد.
ولو أحدث في الحرم قوبل فيه بجنايته.
2617. الثاني: لا ينبغي لأهل مكة أن يمنعوا الحاج شيئا من دورها ومنازلها،
والأقرب ان المنع غير محظور.
2618. الثالث: يكره أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة.
2619. الرابع: لقطة الحرم لا يجوز أخذها، ومع الأخذ يعرف سنة، فإن جاء
صاحبها، وإلا تخير الآخذ بين احتفاظها لصاحبها أمانة، وبين الصدقة بها عن
صاحبها، وفي الضمان مع الصدقة قولان.
2620. الخامس: يكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات.
2621. السادس: يستحب لمن حج على طريق العراق أن يبدأ أولا بزيارة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة ثم يمضي إلى مكة.
2622. السابع: إذا ترك الناس الحج، وجب على الإمام إجبارهم على
113

ذلك، ولو تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الشيخ: يجبرهم الإمام عليها (1) ومنعه
ابن إدريس (2).
2623. الثامن: يكره الصلاة في طريق مكة بأربعة مواطن: البيداء (3) وذات
الصلاصل (4) وضجنان (5) ووادي الشقرة (6).
2624. التاسع: يستحب الإتمام في الحرمين مكة والمدينة ما دام مقيما وإن
لم ينو المقام عشرة أيام، ولو قصر لم يكن عليه شئ، وكذا في جامع الكوفة
والحائر، على ساكنه السلام.
2625. العاشر: يجوز للإمام أن ينفق من بيت مال المسلمين على الحاج
والزائرين إذا لم يكن لهم مال.
2626. الحادي عشر: من جعل جاريته أو عبده هديا لبيت الله تعالى بيع
وصرف في معونة الحاج والزائرين.
2627. الثاني عشر: يجوز أن يستدين الإنسان للحج إذا كان له مال يفي به لو
مات، ولو لم يكن له مال كره له الاستدانة.
2628. الثالث عشر: يستحب لمن انصرف من الحج العزم على العود وسؤال
الله تعالى ذلك، ويكره ترك العزم.

1. النهاية: 285; المبسوط: 1 / 385.
2. السرائر: 1 / 647.
3. البيداء: هي التي يأتي إليها جيش السفياني قاصدا مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخسف الله به تلك الأرض.
4. ذات الصلاصل اسم الموضع الذي أهلك الله فيه النمرود.
5. ضجنان: واد أهلك الله فيه قوم لوط.
6. وادي الشقرة: موضع معروف في طريق مكة. لاحظ جواهر الكلام: 8 / 349 - 350.
114

2629. الرابع عشر: يستحب الدعاء للقادم من الحج بالمنقول.
2630. الخامس عشر: ينبغي للحاج الانتظار للحائض حتى تقضي مناسكها.
2631. السادس عشر: الطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة ما لم يجاور
ثلاث سنين، فأن جاورها (1) أو كان من أهل مكة كانت الصلاة له أفضل.
2632. السابع عشر: ينبغي لأهل مكة أن يتشبهوا بالمحرمين في ترك
لبس المخيط.
2633. الثامن عشر: الأيام المعدودات: عشر ذي الحجة، والمعلومات: أيام
التشريق.
2634. التاسع عشر: صرف المال في الحج المفروض أفضل من الصدقة به
على أولاد (2) فاطمة (عليها السلام)، بل لو افتقر في الحج إلى ذلك المال، لم يجز صرفه
في غيره.
2635. العشرون: دخول الكعبة مستحب للنساء وليس بواجب، ولا يتأكد في
حقهن كالرجال.
2636. الواحد والعشرون: يكره المجاورة بمكة، ويستحب لمن أدى مناسكه
الخروج منها.
2637. الثاني والعشرون: من أخرج شيئا من حصى المسجد كان عليه
رده، أما ثياب الكعبة، فقد روى الشيخ: انه ينبغي لمن تصل إليه أن

1. في «أ»: ما لم يتجاوز ثلاث سنين فإن جاوزها.
2. في «ب»: على ولد فاطمة.
115

يتخذها للمصاحف أو الصبيان أو المخدة للبركة (1).
2638. الثالث والعشرون: لا ينبغي للموسر المتمكن ترك الحج المندوب أكثر
من خمس سنين.
2639. الرابع والعشرون: يستحب الطواف عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن الأئمة: وعن الوالدين والأهل والمؤمنين.
2640. الخامس والعشرون: يكره الخروج من الحرمين بعد ارتفاع النهار قبل
صلاة الظهرين بهما.
2641. السادس والعشرون: المسلم إذا حج ثم ارتد، لم تجب عليه إعادته.
2642. السابع والعشرون: من بلغ غير مختتن وجب عليه الختان، ولو وجب
عليه الحج قدم الختان عليه.
2643. الثامن والعشرون: يستحب الشرب من ماء زمزم وإهداؤه.
2644. التاسع والعشرون: المشي أفضل من الركوب مع القدرة إذا لم يضعفه
عن أداء الواجبات، ولو أضعفه كان الركوب أفضل.
2645. الثلاثون: الحرم أفضل من عرفة، ويوم عرفة شريف يستحب فيه
الغسل وصلاة مائة ركعة، والتعريف في الأمصار، ويستحب ان لا يقف فيه
الإنسان إلا بوضوء.
2646. الواحد والثلاثون: لا بأس بالنظر إلى فرج المرأة والجارية بعد الحلق.

1. التهذيب: 5 / 449 برقم 1567.
116

2647. الثاني والثلاثون: المملوك إذا تمتع بإذن مولاه، وجب عليه الصوم، وإن
ذبح عنه مولاه أجزأه، رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) (1).
2648. الثالث والثلاثون: روى السكوني عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن
علي (عليه السلام): في الرجل يقول: علي بدنة. قال: «تجزئ عنه بقرة إلا أن يكون عنى
بدنة من الإبل» (2). وهي ضعيفة السند، ويكره أن يطعم المشرك لحوم الأضاحي.
2649. الرابع والثلاثون: روى زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال: من أقام بمكة سنتين
فهو من أهل مكة لا متعة له (3).
الفصل الثالث: في المزار
وفيه اثنا عشر بحثا:
2650. الأول: يستحب زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استحبابا مؤكدا. قال (عليه السلام):
«من زار قبري بعد موتي كمن هاجر إلي في حياتي، فإن لم تستطيعوا
فابعثوا إلي بالسلام فإنه يبلغني» (4).

1. لاحظ وسائل الشيعة: 10 / 88، الباب 2 من أبواب الذبح ترى بهذا المضمون لكن ليس من
معاوية بن عمار.
2. وسائل الشيعة: 10 / 172، الباب 59 من أبواب الذبح برقم 2.
3. وسائل الشيعة: 8 / 191، الباب 9 من أبواب أقسام الحج برقم 1.
4. التهذيب: 6 / 3 برقم 1.
117

والأخبار في ذلك كثيرة. (1)
ويستحب أن يغتسل ويزوره بالمنقول، فإذا فرغ من زيارته أتى المنبر
ومسحه ومسح رمانتيه، وصلى بين القبر والمنبر ركعتين، ثم يأتي مقام
جبرئيل (عليه السلام) ويدعو بالمنقول، وإذا خرج من المدينة ودعه.
ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف، كنيته أبو القاسم، ولد بمكة يوم الجمعة سابع عشر ربيع الأول في عام
الفيل، وبعث يوم السابع والعشرين من رجب وله أربعون سنة، وقبض بالمدينة
مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشرة من الهجرة، وله ثلاث
وستون سنة. أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب، قبره (عليه السلام) بالمدينة في الحجرة التي توفي فيها.
ومكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والكوفة حرم أمير
المؤمنين (عليه السلام)، ويستحب المجاورة بالمدينة، والإكثار من الصلاة في مسجد
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ان الصلاة في مسجده مثل ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام» (2).
ويكره النوم في المساجد ويتأكد فيه.
ويستحب لمن أقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيام للحاجة: الأربعاء

1. لاحظ التهذيب: 6 / 3، الباب 2، أحاديث الباب.
2. التهذيب: 6 / 15 برقم 32.
118

والخميس والجمعة، ويكون معتكفا في المسجد، ويصلي ليلة الأربعاء عند
أسطوانة أبي لبابة (1)، وهي أسطوانة التوبة ويقيم عندها يوم الأربعاء، ويأتي ليلة
الخميس الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومصلاه، يصلي عندها.
ويصلي ليلة الجمعة عند مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويستحب لمن جاء المدينة النزول بالمعرس (2) والاستراحة والصلاة فيه.
ويستحب إتيان المساجد كلها بالمدينة، مثل مسجد قبا، ومشربة أم
إبراهيم (عليه السلام)، ومسجد الأحزاب - وهو مسجد الفتح -، ومسجد الفضيخ (3)، وقبور
الشهداء كلهم، خصوصا قبر حمزة بأحد، فلا يتركه مع الاختيار، ومسجد غدير
خم، موضع شريف نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا إماما للأنام، فيستحب الصلاة فيه
والإكثار من الدعاء.
2651. الثاني: يستحب زيارة فاطمة (عليها السلام) بالمنقول استحبابا مؤكدا، روت (عليها السلام)
قالت:
«أخبرني أبي وهو ذا، هو أنه من سلم عليه وعلي ثلاثة أيام، أوجب
الله له الجنة».

1. أبو لبابة: بشير بن عبد المنذر وقيل رفاعة بن عبد المنذر من الأنصار شهد بدرا والعقبة الأخيرة
وهو الذي جرى منه في بني قريظة ما جرى فندم فربط نفسه بالأسطوانة فلم يزل كذلك حتى نزلت
توبته من السماء. لاحظ ترجمته في الكنى والألقاب: 1 / 145، وتهذيب التهذيب: 12 / 214.
2. المعرس: موضع التعريس، وبه سمي معرس ذي الحليفة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرس فيه وصلى
الصبح فيه ثم رحل. مجمع البحرين.
3. قال في مجمع البحرين: هو مسجد من مساجد المدينة، روي أن فيه ردت الشمس لأمير
المؤمنين (عليه السلام)، قال الراوي: قلت لم سمي الفضيخ؟ قال: النخل يسمى فضيخا، فلذلك سمي
الفضيخ.
119

قال الراوي: قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: «نعم وبعد موتنا» (1).
واختلف في قبرها، فقيل: إنه في الروضة بين القبر والمنبر (2)، وروي في
بيتها الذي في المسجد الآن (3)، وروي في البقيع. قال الشيخ: والروايتان الأولتان
متقاربتان، والأفضل زيارتها في الموضعين، ومن قال: إنها دفنت في البقيع فبعيد
من الصواب (4). قال ابن بابويه: والصحيح عندي أنها دفنت في بيتها (5).
2652. الثالث: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
أمير المؤمنين (عليه السلام)، كنيته أبو الحسن، ولد بمكة في نفس الكعبة يوم الجمعة لثلاثة
عشر ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة (6)، وقبض (عليه السلام) قتيلا بالكوفة
ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، وله يومئذ
ثلاث وستون سنة.
وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وهو أول هاشمي ولد في
الإسلام من هاشميين، وقبره بالغري من نجف الكوفة، وفي زيارته فضل كثير،
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسين (عليه السلام) وهو في حجره وقد سأله يا أبة ما لمن زارك
بعد موتك؟ فقال:
«من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، ومن أتي أباك زائرا بعد
موته فله الجنة، ومن أتي أخاك زائرا بعد موته فله الجنة، ومن

1. التهذيب: 6 / 9 برقم 18.
2. اختاره الشيخ المفيد في المقنعة: 459.
3. ذهب إليه الصدوق في الفقيه: 2 / 341.
4. التهذيب: 6 / 9; المبسوط: 1 / 386.
5. الفقيه: 2 / 341 في ذيل الحديث 1575.
6. في «أ»: «بثلاثين سنة من الهجرة» والصحيح ما في المتن.
120

أتاك زائرا بعد موتك فله الجنة» (1).
وقال الصادق (عليه السلام): «من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) ماشيا، كتب الله
له بكل خطوة حجة، فإن رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة
حجتين وعمرتين» (2).
والأحاديث في ذلك كثيرة (3).
2653. الرابع: الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الزكي، كنيته أبو محمد
أحد سيدي شباب أهل الجنة، ولد بالمدينة في شهر رمضان، سنة اثنين من
الهجرة، وقبض في المدينة مسموما في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة، وله
سبع وأربعون سنة.
أمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، دفن بالبقيع.
وفي زيارته فضل كثير، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسين (عليه السلام):
«من زارني حيا أو ميتا، أو زار أباك حيا أو ميتا، أو زار أخاك
حيا أو ميتا، أو زارك حيا أو ميتا، كان حقا علي ان استنقذه
يوم القيامة» (4).
2654. الخامس: الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الشهيد أحد سيدي
شباب أهل الجنة، كنيته أبو عبد الله، ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث
من الهجرة، وقبض (عليه السلام) بكربلا من أرض العراق قتيلا يوم الاثنين وقيل: الجمعة،

1. التهذيب: 6 / 40 برقم 84.
2. التهذيب: 6 / 20 برقم 46.
3. لاحظ التهذيب: 6 / 20، الباب 7 فضل زيارته (عليه السلام).
4. التهذيب: 6 / 40 برقم 83، وفيه «الحسن» بدل «الحسين» (عليه السلام).
121

وقيل: السبت (1) عاشر المحرم قبل الزوال سنة إحدى وستين من الهجرة، وله
ثمان وخمسون سنة.
أمه فاطمة سيدة نساء العالمين بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبره بالطف بكربلا
ونينوى والغاضرية في قرى النهروان.
وفي زيارته فضل كثير، روى محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام)، قال:
«مروا شيعتنا بزيارة الحسين (عليه السلام)، فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في
العمر، ويدفع مواقع السوء. وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر
بالإمامة من الله» (2).
وعن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: «من أتى قبر الحسين (عليه السلام) في السنة
ثلاث مرات أمن من الفقر» (3).
ويستحب زيارته في يوم عرفة والعيدين وأول رجب ونصفه ونصف
شعبان وليلة القدر ويوم عاشوراء والعشرين من صفر وفي كل شهر.
ويستحب زيارة الشهداء عنده وزيارة ولده علي (عليه السلام) المقتول معه وزيارة
العباس.
2655. السادس: يستحب زيارة الأئمة في البقيع وهم: الحسن بن علي (عليه السلام)،
وقد تقدم، وعلي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، كنيته أبو محمد، ولد بالمدينة
سنة ثلاث وثلاثين (4) من الهجرة، وقبض (عليه السلام) بالمدينة سنة خمس وتسعين، وله

1. لاحظ التهذيب: 6 / 42، الباب 15 (نسب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)).
2. التهذيب: 6 / 42 برقم 86.
3. التهذيب: 6 / 48 برقم 106.
4. كذا في النسخ، والصحيح ثمان وثلاثين بشهادة قوله بعده: وله سبع وخمسون سنة.
122

سبع وخمسون سنة، أمه شاه زنان بنت يزدجرد بن كسرى، وقبره مع عمه
الحسن (عليه السلام) بالبقيع.
ومحمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)، باقر علم الأولين والآخرين، كنيته أبو
جعفر، ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقبض بالمدينة سنة أربع
عشر ومائة، وسنه سبع وخمسون سنة، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي (عليه السلام)،
وهو هاشمي من هاشميين، علوي من علويين. وقبره بالبقيع مع أبيه وعم
أبيه (عليهما السلام).
وجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، كنيته أبو عبد الله، ولد بالمدينة سنة ثلاث
وثمانين من الهجرة وقبض بالمدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة، وله
خمس وستون سنة، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد النجيب بن أبي بكر،
وقبره مع أبيه وجده وعمه الحسن بن علي (عليهم السلام).
وفي زيارتهم فضل كثير، قال الصادق (عليه السلام):
«من زار الأئمة بالبقيع غفر له ذنوبه ولم يمت فقيرا» (1).
وقال العسكري (عليه السلام): «من زار جعفرا وأباه لم يشتك عينه ولم يصبه
سقم ولم يمت قتيلا» (2).
2656. السابع: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، الكاظم العبد
الصالح (عليه السلام)، كنيته أبو محمد، ويكنى أبا إبراهيم وأبا علي وأبا الحسن (عليه السلام)، ولد

1. التهذيب: 6 / 78 برقم 153، لكن فيه: من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا.
2. الوسائل: 10 / 426، الباب 79 من أبواب المزار برقم 2.
123

بالأبواء (1) سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة، وقبض مسموما ببغداد في
حبس السندي بن شاهك، لست بقين من رجب ثلاث وثمانين ومائة، وله
خمس وخمسون سنة.
أمه أم ولد، يقال لها: حميدة البربرية، قبره ببغداد من مدينة السلام في
المقبرة المعروفة بمقابر قريش.
في زيارته فضل كثير: قال الرضا (عليه السلام):
«من زار قبر أبي ببغداد كمن زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبر أمير
المؤمنين (عليه السلام)، إلا أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأمير المؤمنين (عليه السلام) فضلهما» (2).
2657. الثامن: علي بن موسى بن جعفر الرضا (عليه السلام)، ولي المؤمنين، كنيته أبو
القاسم، ويكنى أبا الحسن، ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة،
وقبض بطوس في سناباد من أراضي خراسان في سنة ثلاث ومائتين، وله
خمس وخمسون سنة. أمه أم ولد، يقال لها أم أنس.
وفي زيارته فضل كثير: قال الرضا (عليه السلام):
«من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن
حتى أخلصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند
الصراط، والميزان» (3).

1. الأبواء: قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون
ميلا، قال ياقوت الحموي: وفيها قبر آمنة أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). معجم البلدان: 1 / 79.
2. الوسائل: 10 / 427، الباب 80 من أبواب المزار برقم 2.
3. الوسائل: 10 / 433، الباب 82 من أبواب المزار برقم 2.
124

2658. التاسع: محمد بن علي بن موسى بن جعفر الجواد (عليه السلام)، كنيته أبو جعفر،
ولد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة، وقبض
ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وله خمس وعشرون سنة.
أمه أم ولد يقال لها: خيزران، دفن ببغداد في مقابر قريش عند جده
الكاظم (عليه السلام).
وفي زيارته فضل كثير، روى إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إلى أبي الحسن
الثالث (عليه السلام)، أسأله عن زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) وزيارة أبي الحسن وأبي جعفر (عليهما السلام)،
فكتب إلي: أبو عبد الله المقدم وهذا أجمع وأعظم أجرا (1).
2659. العاشر: علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، الإمام المنتجب
الهادي (عليه السلام)، كنيته أبو الحسن، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة سنة اثنتي عشرة
ومائتين للهجرة، وقبض بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين،
وله إحدى وأربعون سنة وتسعة أشهر.
أمه أم ولد يقال لها: سمانة، قبره بداره في سر من رأى.
وفي زيارته فضل كثير، روى زيد الشحام، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما
لمن زار أحدا منكم؟ قال: كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
2660. الحادي عشر: الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن

1. الوسائل: 10 / 447، الباب 89 من أبواب المزار برقم 1.
2. الوسائل: 10 / 256، الباب 2 من أبواب المزار برقم 15.
125

جعفر (عليه السلام)، الإمام العسكري، كنيته أبو محمد، ولد بالمدينة في ربيع الآخر سنة
اثنين وثلاثين ومائتين، وقبض بسر من رأى لثمان خلون من ربيع الأول سنة
ستين ومائتين، وله ثمان وعشرون سنة.
أمه أم ولد يقال لها: حديثة، قبره إلى جانب قبر أبيه في الدار التي لأبيه
بسر من رأى.
وفي زيارته فضل كثير، قال (عليه السلام): «قبري بسر من رأى أمان لأهل
الجانبين» (1).
قال المفيد: إذا أردت زيارة الإمامين بسر من رأى فقف بظاهر الشباك (2).
قال الشيخ: هذا المنع من دخول الدار أحوط، ولو دخلها لم يكن مأثوما (3).
ويستحب زيارة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف في كل وقت في
كل مكان.
2661. الثاني عشر: يستحب زيارة سلمان بالمنقول، وكذا زيارة المؤمنين،
قال الرضا (عليه السلام):
«من أتي قبر أخيه المؤمن من أي ناحية يضع يده ويقرأ إنا أنزلناه
سبع مرات أمن من فزع الأكبر (4)».

1. الوسائل: 10 / 448، الباب 90 من أبواب المزار برقم 2.
2. المقنعة: 486.
3. التهذيب: 6 / 94، الباب 44.
4. الوسائل: 2 / 862، الباب 57 من أبواب الدفن برقم 1 و 2.
126

كتاب الجهاد
وتوابعه
127

وفيه فصول
[الفصل] الأول: من يجب عليه
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
2662. الأول: الجهاد من أعظم أركان الإسلام، وفيه ثواب عظيم، قال الله
تعالى: (لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وانفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله
الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما). (1)
وقال رسول الله: «والذي نفسي بيده، لغدوة في سبيل الله، أو روحة
خير من الدنيا وما فيها» (2).
وقال (عليه السلام): «فوق كل ذي بر بر حتى يقتل في سبيل الله، فإذا قتل في
سبيل الله، فليس فوقه بر، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد
والديه فليس فوقه عقوق» (3).

1. النساء: آية 95.
2. الوسائل: 11 / 10، الباب 1 من أبواب جهاد العدو، برقم 21.
3. التهذيب: 6 / 122 برقم 209.
129

والأخبار في ذلك كثيرة.
وهو واجب بالنص والإجماع، ووجوبه على الكفاية، إذا قام به من في
قيامه كفاية وغنا، سقط عن الباقين، وهو سائغ في كل وقت، إلا في الأشهر
الحرم: - هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم - فإنه لا يسوغ القتال فيها
لمن يرى لها (1) حرمة، ومن لا يرى لها حرمة، جاز قتاله فيها، ويجوز في كل
مكان، وقد كان محرما في الحرم فنسخ.
2663. الثاني: المهاجرة واجبة، والناس فيها على أقسام ثلاثة:
أحدها: من يجب عليه، وهو من أسلم في بلاد الشرك، وكان مستضعفا
فيهم، لا يمكنه إظهار دينه، ولا عذر له من مرض، وغيره.
الثاني: من يستحب له، وهو من أسلم بين المشركين، وله عشيرة تحميه
عنهم، ويمكنه إظهار دينه، ولا ضرر عليه في المقام عندهم، كالعباس.
الثالث: من يسقط عنه وجوبا واستحبابا، وهو الممنوع بمرض (2) أو
ضعف أو عدم نفقة.
والهجرة باقية ما دام الشرك باقيا.
2664. الثالث: الذكورة شرط في وجوب الجهاد، فلا يجب على المرأة، ولا
الخنثى المشكل، ومن التحق بالرجال وجب عليه الجهاد.
2665. الرابع: البلوغ شرط، فلا يجب الجهاد على الصبي حتى يبلغ.

1. في «أ»: لمن يرى فيها.
2. في «أ»: لمرض.
130

2666. الخامس: العقل شرط في الوجوب، فلا يجب على المجنون.
2667. السادس: الحرية شرط في الوجوب، فلا يجب على العبد ولا المدبر
ولا المكاتب المشروط، ولا المطلق، وإن انعتق أكثره.
2668. السابع: الإسلام ليس شرطا في الوجوب بل يجب على الكفار.
2669. الثامن: لو اخرج الإمام العبيد بإذن ساداتهم، والنساء والصبيان، جاز
الانتفاع بهم، ولا يخرج المجنون لعدم الانتفاع به.
2670. التاسع: يسقط فرض الجهاد عن الشيخ الكبير لعجزه وضعف قوته
عن الحرب، وعن الأعمى، والأعرج (1)، إذا لم يقدر على المشي أو الركوب،
وعن المريض إذا كان يضر به.
2671. العاشر: لو احتاج إلى نفقة، وعجز عنها، سقط عنه فرض الجهاد، فإذا
كانت المسافة قصيرة، لم يجب عليه حتى يكون له زاد ونفقة عياله في غيبته،
وسلاح يقاتل به، وإن كانت طويلة، افتقر مع ذلك إلى وجود الراحلة. والضابط،
الحاجة إليها، سواء قصرت المسافة أو طالت. والشيخ اعتبر مسافة التقصير (2)
وليس بمعتمد.
2672. الحادي عشر: إذا قام بالجهاد من فيه كفاية، سقط عن الباقين، ولا يجب
على غيرهم إلا أن يعينه الإمام، لاقتضاء المصلحة، أو قصور القائمين (3) عن
الدفع، أو تعينه على نفسه بالنذر أو بالاستيجار أو إذا التقى الزحفان
وتقابل الصفان. (4)

1. في «ب»: وعن الأعرج.
2. المبسوط: 2 / 5.
3. في «أ»: «الغانمين».
4. في «ب»: ويقاتل الصفان.
131

2673. الثاني عشر: من تعين عليه الجهاد، وجب أن يخرج بنفسه، أو يستأجر
غيره عنه إلا أن يعينه الإمام.
2674. الثالث عشر: الجهاد قد يكون للدعاء إلى الإسلام، وقد يكون للدفع،
بأن يدهم المسلمين عدو، ويشترط في الأول إذن الإمام العادل أو من يأمره
الإمام، والثاني: يجب مطلقا، وكذا لو كان المسلم في أرض العدو من الكفار
ساكنا بينهم بأمان، فدهمهم قوم من المشركين وخشي على نفسه ان يتخلف (1)،
جاز له مساعدة الكفار، ويقصد بالجهاد الدفع عن نفسه لا معاونة المشركين،
وكذا من خشي على نفسه مطلقا، أو ماله إذا غلبت السلامة، جاز أن
يجاهد للدفع.
2675. الرابع عشر: من وجب عليه فاستأجر غيره للجهاد عنه، صحت
الإجارة، ولزم الأجير الجهاد، ولا يلزمه رد الأجرة.
ولو عينه الإمام للخروج، لم يجز له الاستنابة، ولا يجوز لمن وجب عليه
الجهاد، أن يجاهد عن غيره بجعل، فإن فعل وقع عنه ووجب عليه رد الجعل
إلى صاحبه.
قال الشيخ: «للنائب ثواب الجهاد وللمستأجر ثواب النفقة. وأما ما يأخذه
أهل الديوان من الأرزاق، فليس بأجرة، بل هم يجاهدون لأنفسهم، ويأخذون
حقا جعله الله لهم، فإن كانوا أرصدوا أنفسهم للقتال، وأقاموا في الثغور، فهم
أهل الفيء، لهم سهم من الفيء يدفع إليهم، وإن كانوا مقيمين في

1. في «ب»: أن يخلف.
132

بلادهم، يغيرون إذا حفوا (1)، فهم أهل الصدقات، يدفع إليهم سهم منها» (2).
ويستحب إعانة المجاهدين ومساعدتهم، فيها فضل كثير، من السلطان
والعامة وكل أحد.
2676. الخامس عشر: الفقير إذا بذل له ما يحتاج إليه، وجب عليه الجهاد
حينئذ، ولو كان على سبيل الأجرة لم يجب، ولو عجز عن الجهاد بنفسه، وكان
موسرا، ففي وجوب إقامة غيره قولان.
2677. السادس عشر: من عليه دين حال متمكن من أدائه، لم يجز له الخروج
إلى الجهاد إلا بإذن صاحبه، أو بترك وفاء، أو يقيم كفيلا يرضى به (3)، أو يوثقه
برهن، وإن لم يكن متمكنا منه، فالأقرب جواز خروجه بغير إذن صاحب الدين،
وإن كان مؤجلا فالوجه انه ليس لصاحبه المنع.
ولو تعين عليه الجهاد، وجب عليه الخروج وإن كان حالا، أذن غريمه
أو لا.
ويستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل: بأن يبارز، أو يقف في
أول المقاتلة.
2678. السابع عشر: من له أبوان مسلمان لم يجاهد تطوعا إلا بإذنهما، ولهما
منعه، ولو كانا كافرين، جاز له مخالفتهما والخروج مع كراهتهما.
ولو تعين عليه بأحد الأسباب السائغة خرج مع منع أبويه المسلمين،

1. في «أ»: «خفوا» وفي المصدر: «خيفوا» والظاهر ما أثبتناه والمراد أحاط بهم العدو.
2. المبسوط: 2 / 7 باختلاف يسير في العبارة.
3. في «ب»: يرتضى به.
133

ولا يجوز لهما منعه، وكذا جميع الواجبات، وحكم أحدهما حكمهما معا.
ولو كان أبواه رقيقين، ففي اعتبار إذنهما إشكال، ولو كانا مجنونين لم
يعتبر إذنهما، ولو سافر لطلب العلم أو التجارة استحب له أن يستأذنهما (1)، ولو
منعاه لم يحرم عليه مخالفتهما، بخلاف الجهاد.
ولو خرج في جهاد تطوعا بإذنهما، فمنعاه منه بعد مسيره وقبل وجوبه،
كان عليه أن يرجع إلا أن يخاف، أو يمرض، أو يذهب نفقته، أو نحو ذلك، فيقيم
في الطريق إن أمكنه، وإلا مضى مع الجيش، فإذا حضر الصف، تعين بحضوره،
ولم يبق لهما إذن، ولو رجعا في الإذن بعد وجوبه عليه وتعينه، لم
يؤثر رجوعهما.
ولو كانا كافرين، فأسلما ومنعاه، فإن كان بعد تعينه لم يعتد بمنعهما، وإن
كان قبله وجب عليه الرجوع مع المكنة، وكذا البحث إذا أذن المدين له ثم رجع.
ولو أذن في الغزو والداه وشرطا عدم القتال فحضر، تعين عليه القتال، ولو
خرج بغير إذنهما فحضر القتال، لم يجز له الرجوع، وحكم المولى إذا رجع في
الإذن للعبد حكم الأبوين.
2679. الثامن عشر: لو تجدد العذر قبل أن يلتقي الزحفان، تخير في الرجوع
والمقام إن كان العذر في نفسه كالمرض، وإن كان في غيره كرجوع المدين،
والأبوين أو المولى في الإذن، وجب الرجوع، وإن كان بعد التقاء الزحفين، جاز
الرجوع في الأول دون الثاني.

1. في «ب»: استحب له استئذانهما.
134

2680. التاسع عشر: يستحب أن يتجنب قتل أبيه المشرك (1)، ويجوز قتله.
2681. العشرون: الرباط فيه فضل كثير، وهو الإقامة عند الثغر لحفظ
المسلمين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات، جرى
عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» (2).
وأقله ثلاثة أيام وأكثره أربعون يوما، فإن زاد كان جهادا وثوابه
ثواب المجاهدين.
ويتأكد استحباب المرابطة حال ظهور الإمام، وأفضل الرباط المقام بأشد
الثغور خوفا لشدة الحاجة هناك.
2682. الواحد والعشرون: إذا رابط حال ظهور الإمام، فإن سوغ له القتال جاز
له، وإن كان مستترا أو لم يسوغه له، لم يجز ابتداء، بل يحفظ الكفار من الدخول
إلى بلاد الإسلام، ويعلم المسلمين بأحوالهم، ويقاتلهم إن قاتلوه ويقصد
الدفاع (3) عن نفسه وعن الإسلام لا الجهاد.
ويكره له نقل الأهل والذرية إلى الثغور المخوفة، ولو عجز عن المرابطة

1. في «ب»: قتل ابنه المشرك.
2. صحيح مسلم: 7 / 51، كتاب الجهاد، باب فضل الرباط في سبيل الله; والمغني لابن قدامة:
10 / 375.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: 13 / 61 في شرح الحديث: إن الفتان في رواية الأكثرين
بضم الفاء جمع فاتن، وفي رواية الطبري بالفتح، وفي رواية أبي داود في سننه من فتاني القبر.
3. في «أ»: ويقصد الدفع.
135

بنفسه، فرابط فرسه (1)، أو غلامه أو جاريته أو أعان المرابطين، كان له في ذلك
ثواب عظيم.
2683. الثاني والعشرون: لو نذر المرابطة، وجب عليه الوفاء به، سواء كان
الإمام ظاهرا أو مستترا، إلا أنه لا يبدأ العدو بالقتال، ولا يجاهدهم إلا على
وجه الدفع.
ولو نذر أن يصرف من ماله شيئا إلى المرابطين في حال ظهور الإمام،
وجب عليه الوفاء به، وإن كان في حال استتاره قال الشيخ: لا يجب الوفاء به بل
يصرفه في وجوه البر (2)، والوجه وجوب الوفاء به. قال الشيخ: ولو خاف الشنعة
من تركه، وجب عليه حينئذ صرفه إلى المرابطة (3). والوجه وجوب
الصرف مطلقا.
ولو آجر نفسه لينوب عن غيره في المرابطة، فإن كان الإمام ظاهرا وجب
عليه الوفاء به، وإن كان غائبا، قال الشيخ: «لا يلزمه الوفاء به. ويرد عليه ما أخذه.
فإن لم يجده فعلى ورثته، فإن لم يكن له ورثة لزمه الوفاء به» (4)، والوجه لزوم
الإجارة مطلقا، وإذا قتل المرابط كان شهيدا، وثوابه ثواب الشهيد (5).

1. في «أ»: فربط فرسه.
2. المبسوط: 2 / 9; والنهاية: 291.
3. المبسوط: 2 / 9; والنهاية: 291.
4. المبسوط: 2 / 9; والنهاية: 291.
5. في «ب»: ثواب الشهداء.
136

الفصل الثاني: في كيفية الجهاد ومن يجب قتاله
وفيه خمسة وعشرون بحثا:
2684. الأول: من يجب قتاله أصناف ثلاثة: البغاة، وأهل الذمة إذا أخلوا
بالشرائط، وغيرهم من أصناف الكفار، وكل من يجب جهاده يجب على
المسلمين النفور إليهم، إما لكفهم (1)، أو لنقلهم إلى الإسلام، فإن بدأوا بالقتال،
وجب جهادهم، وإلا فحسب المكنة، وأقله في كل عام مرة، ولو اقتضت
المصلحة التأخير عن ذلك، جاز بهدنة وغيرها، ويجوز فعله في السنة مرتين
وأكثر، ويجب مع المصلحة.
2685. الثاني: إنما يجوز قتال المشركين بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام
وإلزامهم بشرائعه (2). والداعي هو الإمام أو من نصبه، وصورة الدعاء: أن يطلب
منهم الانقياد إلى الالتزام بالشريعة والعمل بها والإسلام وما تعبدنا الله به.
وإنما يشترط الدعاء في من لم تبلغه الدعوة، ولا عرف بالبعثة، أما
العارفون بها وبالتكليف بتصديقه، فإنه يجوز قتالهم ابتداء من غير أن يدعوهم
الإمام سواء كان الكافر حربيا أو ذميا، والدعاء أفضل.
ولو بدر إنسان فقتل كافرا قبل بلوغ الدعوة إليه أساء ولا قود عليه ولا دية،
قاله الشيخ (رحمه الله). (3)

1. في «ب»: إما لكفرهم.
2. في «أ»: والتزامهم لشرائعه.
3. المبسوط: 2 / 13.
137

2686. الثالث: الكفار ثلاثة أصناف: من له كتاب، وهم اليهود والنصارى، لهم
التوراة والإنجيل. فهؤلاء يطلب منهم أحد الأمرين: إما الإسلام أو الجزية، ومن
لهم شبهة كتاب، وهم المجوس، وحكمهم، حكم أهل الكتاب.
ومن لا كتاب له، ولا شبهة كتاب، كعباد الأوثان، ومن لا دين له يتدين به،
وبالجملة كل من عدا الأصناف الثلاثة، فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام، فإن أجابوا،
وإلا قتلوا، ولا يقبل منهم الجزية، وإن كانوا عجما (1)، أو كانوا من كفار قريش.
2687. الرابع: الجهاد للدفع يجب على المقل والمكثر، ولا يجوز لأحد
التخلف إلا مع الحاجة، إما لحفظ المكان والأهل والمال (2)، أو لمنع الإمام من
الخروج، فإن أمكن استخراج إذن الإمام في الخروج إليهم، وجب إذنه وإلا فلا.
ولو نودي بالنفير والصلاة، فان أمكن الجمع بأن يكون العدو بعيدا، صلوا
ثم خرجوا، وإلا كان النفير أولى وصلوا على ظهور دوابهم، ولو كانوا في الصلاة
أو خطبة الجمعة أتموها.
ولا ينبغي أن تنفر الخيل إلا عن حقيقة الأمر، ولا أن يخرجوا مع قائد
معروف بالهرب، بل يخرجوا مع شفيق على المسلمين شجاع، وإن كان
معروفا بالمعصية.
ولا ينبغي للإمام ان يخرج معه من يخذل الناس، ويزهدهم في الجهاد،
كمن يقول: الحر شديد، أو لا يؤمن هزيمة هذا الجيش، ولا الموجف، وهو
الذي يقول: قد هلكت سرية المسلمين، ولا مدد لهم، ولا طاقة لكم بالكفار

1. في «أ»: «إعجاما» والعجم بفتحتين هم الفرس. مجمع البحرين.
2. في «أ»: إما لحفظ المكان أو الأهل والمال.
138

لكثرتهم وقوتهم، ولهم مدد وصبر، ولا من يعين على المسلمين بالتجسس
للكفار، ومكاتبتهم بأخبار المسلمين، واطلاعهم على عوراتهم وإيواء
جاسوسهم، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين، ويسعى بينهم بالفساد.
ولو خرج أحدهم لم يكن له سهم ولا رضخ (1).
ولو كان الأمير أحد هؤلاء قعد الناس عنه.
2688. الخامس: يجوز إخراج النساء للانتفاع بهن، ويستحب إخراج العجائز
منهن، ويكره الشواب (2).
2689. السادس: يجوز للإمام الاستعانة بأهل الذمة في حرب الكفار بشرطين:
أن يكون في المسلمين قلة يحتاج معها إليهم، وأن يكونوا ممن يوثق بهم،
ويرضخ لهم، ولا يبلغ به سهم المجاهدين من المسلمين (3).
2690. السابع: ينبغي للأمير الرفق بأصحابه في السير، ولا يميل مع
موافقه في المذهب والنسب على مخالفه (4) فيهما، وأن يستشير أهل
الرأي، ويتخير لأصحابه المنازل الجيدة، كموارد المياه، ومواضع
العشب. ويحمل من نفقت دابته (5) مع وجود الفضل وتجوز العقبة (6)، ولو خاف

1. الرضخ: العطاء اليسير. مجمع البحرين.
2. في «ب»: «الشباب» والصحيح ما في المتن. والشواب جمع شابة، كدابة ودواب، مجمع البحرين.
3. في «ب»: سهم المجاهد من المسلمين.
4. في «أ»: مع موافقيه في المذهب والنسب على مخالفيه.
5. في «ب»: من تعقب دابته.
6. قال في التذكرة: وتجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين لما فيه من الارفاق. تذكرة
الفقهاء: 1 / 416 - الطبعة الحجرية -.
139

رجل تلف آخر لموت دابته، قيل: يجب بذل فاضل مركوبه، ليجي به صاحبه.
2691. الثامن: الجهاد موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، ويلزم الرعية طاعته
فيما يراه سائغا، وينبغي له أن يرتب قوما على أطراف البلاد رجالا يكفون من
بإزائهم من المشركين، ويأمر بعمل حصون (1) لهم وخنادق، ويجعل في كل
ناحية أميرا يقلده أمر الحرب وتدبير الجهاد (2) شجاعا ناصحا عارفا، ولو احتاجوا
إلى المدد، استحب للإمام ترغيب الناس في الترداد إليهم كل وقت،
والمقام عندهم.
2692. التاسع: ينبغي للإمام أن يبدأ بقتال من يليه، ولو كان الأبعد أشد خطرا
وأعظم ضررا، كان الابتداء بقتاله أولى، وكذا لو كان قريبا، وأمكنه الفرصة من
الأبعد، أو كان الأقرب مهادنا، أو منع من قتاله مانع، ويستحب له أن يتربص
بالمسلمين مع القلة ويؤخر الجهاد حتى يشتد أمر المسلمين.
2693. العاشر: إذا التقا الصفان حرم الفرار بشرطين: أن لا يزيد الكفار على
الضعف من المسلمين، وأن يقصد بفراره الهرب من الحرب، ولا يحرم لو قصد
التحرف لقتال، كأن يطلب الأمكن للقتال، كاستدبار الشمس أو الريح، أو يرتفع
عن هابط، أو يمضي إلى موارد المياه، أو ليستند إلى جبل، وكذا لا يحرم لو قصد
التحيز إلى فئة، سواء بعدت المسافة أو قصرت (3)، وقلت الفئة أو كثرت.
ولو غلب على ظنه الهلاك لم يجز الفرار، وقيل: يجوز، ولو غلب

1. في «ب»: بعمل حصور.
2. في «ب»: ويدبر الجهاد.
3. في «ب»: أو قربت.
140

الأسر فالأولى أن يقاتل حتى يقتل، ولا يسلم نفسه للأسر.
2694. الحادي عشر: لو زاد المشركون على الضعف من المسلمين، لم يجب
الثبات إجماعا، ولو غلب على ظن المسلمين الظفر، استحب الثبات ولا يجب.
ولو غلب على ظنه العطب (1) قيل: يجب الانصراف إذا أمنوا معه، وقيل: لا
يجب. (2) وهو حسن.
وكذا القول فيمن قصده رجل، فغلب في ظنه أنه إن ثبت له قتله، فعليه
الهرب، ولو غلب الهلاك في الانصراف والثبات، فالأولى لهم الثبات، وفي
وجوبه إشكال.
2695. الثاني عشر: لو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات، وقيل:
يجب.
2696. الثالث عشر: لو قدم العدو إلى بلد، جاز لأهله التحصين منهم وإن كانوا
أزيد من النصف ليلحقهم (3) المدد والنجدة، ولو لقوهم خارج الحصن، جاز
التحيز إلى الحصن، وذهاب الدابة ليس عذرا في جواز الفرار.
ولو تحيزوا إلى جبل ليقاتلوا فيه، وهم رجالة جاز، ولو تلف سلاحهم
فالتجأوا (4) إلى مكان يمكنهم القتال فيه بالحجارة والتستر بالشجر ونحوه، جاز،
ولو ولوا حينئذ لا بنية القتال بالحجارة والخشب، (5) فالأقرب عدم الإثم.
ولو ألقى الكفار نارا في سفينة فيها مسلمون، فاشتعلت، فان غلب ظن

1. في «ب»: ولو غلب ظن العطب.
2. لاحظ المبسوط: 2 / 10.
3. في «أ»: ليلتحقهم.
4. في «ب»: والتجؤا.
5. بل لصيانة أنفسهم.
141

سلامتهم بالمقام أقاموا، وإن غلب بالإلقاء في الماء ألقوا أنفسهم، وإن استوى
الأمران، فالوجه التخيير.
2697. الرابع عشر: ينبغي للإمام أن يوصي الأمير بتقوى الله، والرفق
بالمسلمين، وأن لا يحملهم على مهلكة، ولا يكلفهم نقب حصن يخاف من
سقوطه عليهم ولا دخول مطمورة (1) يخشى من قتلهم تحتها، فإن فعل شيئا من
ذلك أساء واستغفر الله، ولا كفارة عليه ولا دية.
2698. الخامس عشر: إذا نزل الإمام على بلد، جاز له محاصرته بمنع السابلة
دخولا وخروجا، وأن ينصب عليهم المنجنيق، ويرميهم بالحجارة، ويهدم
الحيطان والحصون والقلاع وإن كان فيهم نساء أو صبيان للضرورة، ولو لم
يحتج إلى ذلك فالأولى تركه، ولو فعله جاز.
ولو كان فيهم أسارى مسلمون، وخاف الإمام إن رموهم على الأسارى
جاز رميهم، ويجوز إلقاء النار إليهم وقذفهم بها، ورميهم بالنفط مع الحاجة،
ويكره لامعها.
ويجوز قتالهم بجميع أسباب القتل، من رمي الحيات القواتل والعقارب،
وكل ما فيه ضرر عظيم، وتغريقهم بالماء وفتح الأنهار عليهم، ويكره مع
القدرة بغيره.
وهل يجوز إلقاء السم في بلادهم؟ الأولى الكراهية.
2699. السادس عشر: يكره قطع الشجر والنخل، ولو احتيج جاز،

1. المطمورة: حفيرة تحت الأرض أو مكان تحت الأرض قد هيئ خفيا. لسان العرب (طمر).
142

وتبييت العدو ليلا، وانما يقاتلون بالنهار، ولو احتيج جاز.
ويستحب القتال بعد الزوال، ولو اقتضت المصلحة تقديمه جاز، ولا
ينبغي قتل دوابهم في غير حال الحرب لمغايظتهم والإفساد عليهم سواء خفنا
أخذهم لها أو لم يخف، ويجوز في حال الحرب قتل دوابهم، وكذا يجوز عقرها
للأكل مع الحاجة، سواء كان مما لا يتخذ إلا للأكل كالدجاج، أو يحتاج إليه للقتال
كالخيل، أو لا يحتاج إليه في القتال كالبقر والغنم.
2700. السابع عشر: لو تترس الكفار بنسائهم وصبيانهم، فإن كانت الحرب
ملتحمة، جاز قتالهم، ولا يقصد قتل الصبي ولا المرأة، وإن لم تكن ملتحمة بل
كان الكفار متحصنين في حصن أو من وراء خندق كافين عن القتال، قال الشيخ:
يجوز رميهم. والأولى تجنبهم (1).
ولو تترسوا بمسلم فإن لم تكن الحرب قائمة لم يجز الرمي، وكذا لو
أمكنت القدرة عليهم بدون الرمي، أو أمن شرهم، فإن خالفوا ورموهم، وجب
القود بقتل المسلم مع العمد والكفارة، وإلا فالدية على العاقلة مع الخطأ والكفارة
عليه، وإن كانت الحرب قائمة جاز رميهم، ويقصد بالرمي المشركين، هذا إذا
خيف منهم لو تركوا، ولو لم يخف لكن لا يقدر عليهم إلا بالرمي فالوجه الجواز.
2701. الثامن عشر: لو رمى فأصاب مسلما، ولم يعلم انه مسلم، والحرب
قائمة، فلا دية، ولو علمه مسلما ورمى قاصدا للمشركين ولم يمكنه التوقي
فقتله فلا قود ولا دية، وهل تجب الكفارة فيهما؟ نص الشيخ على وجوبها (2).

1. المبسوط: 2 / 12.
2. المبسوط: 2 / 12.
143

2702. التاسع عشر: لا يجوز قتل صبيان المشركين ولا نسائهم ولا المجانين،
وإن قاتلت المرأة أو أسرت إلا مع الضرورة، ولو وقعت امرأة في صف الكفار أو
على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها.
2703. العشرون: الشيخ من أهل الحرب إن كان له رأي وقتال، أو قتال خاصة
أو رأي خاصة قتل، ولو لم يكن له قتال ولا رأي لم يجز قتله، وكذا الرهبان
وأصحاب الصوامع، والأولى إلحاق الزمن والأعمى بالشيخ الفاني، أما العبيد فإن
قاتلوا مع ساداتهم قتلوا، وإلا فلا، ولو قاتل من ذكرناه جاز قتلهم إلا النساء إلا مع
الضرورة، والمريض إن آيس من برئه، فكالزمن وإلا قتل، والفلاح الذي لا
يقاتل يقتل.
2704. الواحد والعشرون: إذا حاصر الإمام حصنا، لم يكن له الانصراف إلا
بإسلامهم، أو يبذلوا مالا على الترك مع المصلحة، أو كانوا أهل ذمة يقبل منهم
الجزية، أو بفتحه وملكه، أو اقتضاء المصلحة الانصراف، بأن يتضرر المسلمون
بالإقامة أو بأن يحصل اليأس منه أو ينزلوا على حكم حاكم.
2705. الثاني والعشرون: لا يجوز التمثيل بالكفار ولا الغدر بهم ولا
الغلول منهم.
2706. الثالث والعشرون: المبارزة مشروعة غير مكروهة، وينبغي أن لا يطلبها
المسلم إلا بإذن الإمام، وتجوز بغير إذنه، ولو منع منها حرمت، ولو خرج كافر
يطلب البراز استحب لمن فيه قوة من المسلمين مبارزته بإذن الإمام، ويستحب
للإمام أن يأذن له في ذلك.
فانقسمت المبارزة إلى واجبة إذا ألزم الإمام بها، ومستحبة كما إذا
144

طلب المشرك المبارزة، ومكروهة بأن يخرج الضعيف من المسلمين للمبارزة،
ومباحة بأن يخرج ابتداء فبارزه، وحرام إذا منع الإمام منها.
وإذا خرج المشرك يطلب البراز جاز لكل أحد رميه إلا أن تكون العادة
جرت بينهم ان من خرج بطلب المبارزة لا يعرض له، فيجري مجرى الشرط،
فإن خرج إليه أحد يبارزه بشرط أن لا يعينه عليه سواه، وجب الوفاء له بالشرط.
ولو انهزم المسلم تاركا للقتال أو مثخنا بالجراح جاز قتال المشرك إلا أن
يشترط أن لا يقاتل حتى يرجع إلى صفه، فيجب الوفاء له إلا أن يترك المسلم أو
يثخنه بالجراح فيرجع فيتبعه ليقتل، أو يخشى عليه منه، فيمنع ويدفع عن
المسلم، فإن امتنع قوتل.
ولو أعان المشركون صاحبهم كان على المسلمين معونة صاحبهم،
ويقاتلون من أعان عليه ولا يقاتلونه، فإن كان قد شرط أن لا يقاتله غير مبارزه (1)
وجب الوفاء له، فإن استنجد أصحابه، فأعانوه فقد نقض أمانه يقتل معهم، ولو
منعهم فلم يمتنعوا، فأمانه باق، ويقاتل أصحابه، ولو سكت عن نهيهم عن
المعاونة نقض أمانه. ولو استنجدهم جاز قتاله مطلقا.
ولو طلب المبارزة ولم يشترط جاز معونة قرنه، ولو شرط ان لا يقاتله
غيره، وجب الوفاء له، فإن فر المسلم، فطلبه الحربي جاز دفعه على ما قلناه،
سواء فر المسلم مختارا، أو لإثخانه بالجراح، ويجوز لهم معاونة المسلم مع
إثخانه، ولو لم يطلبه المشرك لم تجز محاربته، وقيل يجوز ما لم يشترط الأمان
حتى يعود إلى فئته 2.

1. في «ب»: غيره مبارزة.
2. في «أ»: إلى فئة.
145

2707. الرابع والعشرون: تجوز المخادعة في الحرب، وللمبارز أن يخدع
قرنه ليتوصل به إلى قتله.
2708. الخامس والعشرون: يكره القتال قبل الزوال وتعرقب (1) الدابة، ولو
وقعت عليه ذبحها ولا يعرقبها.
الفصل الثالث: في عقد الأمان
وفيه عشرون بحثا:
2709. الأول: عقد الأمان هو ترك القتال إجابة لسؤال الكفار بالإمهال، وهو
جائز مع اعتبار المصلحة، ولو اقتضت المصلحة عدم إجابتهم لم يفعل، سواء
كان العقد لمشرك واحد أو أكثر، ولو طلب الأمان ليسمع كلام الله (2) ويعرف
شرائع الإسلام وجب إجابته.
2710. الثاني: يجوز للإمام عقد الصلح لواحد ولأكثر ولأهل حصن، أو قرية،
أو بلد، أو إقليم، أو لجميع الكفار بحسب ما يراه من المصلحة، وكذا يجوز لنائبه
عقد الأمان لمن كان تحت ولايته، وأما في غيرها فكغيره من الرعايا.

1. في مجمع البحرين: نهى عن تعرقب الدابة أي التعرض لقطع عرقوبها، والعرقوب - بالضم -
العصب الغليظ الموتر فوق العقب من الإنسان ومن ذوات الأربع عبارة عن الوتر خلف الكعبين
بين مفصل الساق والقدم.
2. في «أ»: ليستمع كلام الله.
146

ويصح لآحاد الرعية أمان الواحد من المشركين والعدد اليسير منهم
كالعشرة والقافلة القليلة، والحصن الصغير، ولا يمضي للعدد الكثير، ولا لأهل
بلد، ولا لإقليم.
2711. الثالث: يصح عقد الأمان لآحاد المشركين من الحر والعبد المأذون له
في الجهاد وغير المأذون، والمرأة، ولا ينعقد أمان المجنون، ولا الصبي وإن كان
مميزا، ولا المكره، ولا زائل العقل بنوم، أو سكر، أو إغماء، ولا أمان الكافر، وإن
كان ذميا. ويصح أمان الأسير إذا لم يكن مكرها وأمان التاجر والأجير في
دار الحرب.
2712. الرابع: إذا انعقد الأمان وجب الوفاء به بحسب ما شرط فيه من وقت
وغيره ما لم يتضمن ما يخالف المشروع، ولو انعقد فاسدا لم يجب الوفاء به،
لكن يجب رد الحربي إلى مأمنه (1) وكذا كل حربي دخل دار الإسلام بشبهة الأمان،
كمن يسمع لفظا فيعتقده أمانا، أو يصحب رفقة فيتوهمها أمانا، وكذا لو طلبوا
الأمان، فقال لهم المسلمون: لا نذمكم، فاعتقدوا أنهم أذموهم، فإنهم في جميع
ذلك يردون إلى مأمنهم، ولا يجوز قتلهم.
2713. الخامس: للأمان عبارتان وردتا: أحدها أجرتك، والثانية أمنتك، قال الله
تعالى: (فأجره) (2). وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من أغلق عليه بابه فهو آمن» (3).

1. وعلله المصنف في التذكرة بأن الحربي اعتقد صحة الأمان، وهو معذور لعدم علمه بأحكام
الإسلام. تذكرة الفقهاء: 1 / 421 - الطبعة الحجرية -.
2. التوبة: آية 6.
3. السيرة النبوية لابن هشام: 4 / 46.
147

فبأي العبارتين أتى انعقد الأمان.
وكذا كل لفظ يدل على هذا المعنى صريحا، مثل: أذممتك أو أنت في ذمة
الإسلام، وكذا كل كتابة علم بها ذلك من قصد العاقد سواء كان بلغة العرب أو
بغيرها، فلو قال بالفارسية «مترس» فهو آمن، وكذا لو أشار بما يدل على الأمان
قطعا أو اصطلاحا مع البيان (1).
أما قوله: لا بأس عليك، أو لا تخف، أو لا تذهل، أو لا تحزن، أو ما شابه
ذلك، فإن علم من قصده الأمان كان أمانا.
وان لم يقصد فلا، غير أنهم يردون إلى مأمنهم إذا اعتقدوه أمانا، ثم
يصيرون حربا.
ولو قال له: قف، أو قم، أو ألق سلاحك، لم يكن أمانا، ويرجع فيه إلى
المتكلم، فإن قال: أردت به الأمان، فهو أمان، وإن قال: لم أرده، سئل الكافر فإن
توهمه أمانا أعيد إلى مأمنه، وإلا فلا.
ولو أشار المسلم إليهم بما يرونه أمانا، وقال: أردت به الأمان، فهو أمان،
وإن قال: لم أرد منه الأمان، فالقول قوله، ويردون إلى مأمنهم.
ولو مات المسلم أو غاب ولم يبين، كانوا آمنين ويردون إلى مأمنهم ثم
يصيرون حربا إلا 2 ان يجدد لهم الوالي أمانا.
2714. السادس: وقت الأمان قبل الأسر، ولا يجوز بعده، وللإمام أن يؤمن
الأسير بعد الاستيلاء عليه والأسر، ولو أقر المسلم انه أمن المشرك، فإن كان في

1. في «أ»: أو صلاحا مع البيان.
2. في «أ»: إلى.
148

وقت يصح فيه منه انشاء الأمان، قبل إقراره، وإن كان في وقت لا يصح، كما بعد
الأسر، لم يقبل إلا بالبينة.
ولو شهد جماعة من المسلمين أنهم أمنوه، فالوجه عدم القبول، ولو ادعى
المسلم أنه أسره فادعى المشرك أنه أمنه، فالقول قول المسلم.
2715. السابع: لو أشرف جيش الإسلام على الظهور، فاستذم الخصم، جاز
مع نظر المصلحة (1)، ولو استذموا بعد حصولهم في الأسر، فأذم لهم، لم يصح.
ولو ادعى الحربي الأمان، فأنكر المسلم، فالقول قول المسلم، فلو حيل
بينه وبين الجواب بموت أو إغماء لم يسمع دعوى الحربي، وفي الحالتين يرد
إلى مأمنه ثم هو حرب.
2716. الثامن: من عقد أمانا لكافر وجب عليه الوفاء به، ولا يجوز له الغدر،
فإن نقضه أثم ووجب على الإمام منعه من النقض إن عرف بالأمان، فلو عقد
الحربي الأمان ليسكن في دار الإسلام، وجب الوفاء له، ودخل ماله تبعا في
الأمان وإن لم يذكره، ولو دخل دار الإسلام بغير أمان ومعه متاع، فهو حرب ولا
أمان له في نفسه ولا ماله.
ولو اعتقد أن دخوله بمتاعه على سبيل التجارة أمانا، لم يكن أمانا، ورد
إلى مأمنه ويعامل بالبيع والشراء، ولا يسأل عن شئ، ولو لم تكن معه تجارة
وقال: جئت مستأمنا لم يقبل منه. وتخير الإمام فيه، ولو كان ممن ضل الطريق أو
حملته الريح في المركب إلينا ففي كونه فيئا أو يكون لمن أخذه؟ تردد.

1. في «أ»: جاز مع المصلحة.
149

2717. التاسع: لو عقد الأمان ليسكن في دار الإسلام صح، فلو عاد إلى دار
الحرب فإن كان لتجارة، أو رسالة، أو تنزه، وفي نيته العود، فالأمان باق، وإن كان
للاستيطان بدار الحرب، بطل الأمان في نفسه دون ماله، ولو نقله معه إلى دار
الحرب، انتقض فيه أيضا، ولو لم ينقله وتصرف فيه ببيع أو هبة، أو غيرهما، صح
تصرفه، ولو طلبه بعث به إليه.
ولو مات في دار الحرب انتقل إلى وارثه، فإن كان مسلما ملكه، وإن كان
حربيا انتقل إليه، وانتقض الأمان فيه، ويكون للإمام خاصة.
ولو دخل دار الإسلام فعقد أمانا لنفسه، ثم مات عندنا انتقل ماله إلى وارثه
المسلم، وإن لم يكن إلا كافرا في دار الحرب، انتقل إليه وصار فيئا للإمام، وكذا
لو لم يكن له وارث.
ولو كان له أمان، فترك ماله ونقض الأمان ولحق بدار الحرب، لم يبطل
أمان ماله، فإن رجع ليأخذ ماله، جاز سبيه.
ولو أسر الحربي الذي لماله أمان، لم يزل الأمان عن ماله، فإن قتل، انتقل
إلى وارثه المسلم إن كان، وإلا إلى الحربي وصار فيئا، وإن فأداه، أو من عليه، رد
ماله إليه، وإن استرقه زال ملكه عنه، وإن أعتق لم يعد إليه، وإن مات لم يرد على
ورثته وإن كانوا مسلمين.
2718. العاشر: لو دخل المسلم أرض العدو بأمان، فسرق منهم شيئا، وجب
عليه رده إلى أربابه، ولو أسره المشركون وأطلقوه بأمان على أن يقيم في دارهم
ويترك خيانتهم، حرمت عليه أموالهم بالشرط، ولا يجوز له المقام مع القدرة
على المهاجرة.
150

ولو لم يأمنوه بل أسروه واستخدموه، كان له الهرب، وأخذ ما أمكنه من
مالهم، ولو أطلقوه على مال لم يجب الوفاء به.
ولو دخل المسلم دار الحرب بأمان فاقترض من حربي مالا وعاد إلينا
ودخل صاحب المال بأمان، كان عليه رده إليه. ولو اقترض حربي من حربي
مالا (1) ثم دخل المقترض إلينا بأمان، كان عليه رده إليه.
2719. الحادي عشر: لو تزوج الحربي بحربية وأمهرها مهرا وجب عليه رده
إليها (2)، وكذا لو أسلما معا وترافعا إلينا فإنا نلزم الزوج المهر إن صح للمسلم
تملكه، وإلا القيمة.
ولو تزوج الحربي بحربية، ثم أسلم الحربي خاصة، والمهر في ذمته، لم
تكن للزوجة مطالبته به، وكذا لو ماتت ولها ورثة كفار، لم يكن لهم أيضا المطالبة
به، ولو كانوا مسلمين كان لهم المطالبة.
ولو ماتت الحربية ثم أسلم الزوج بعد موتها كان لوارثها المسلم مطالبة
الزوج بالمهر، وليس للحربي مطالبته به، وكذا لو أسلمت قبله ثم ماتت، طالبه
وارثها المسلم دون الحربي.
ولو خرج الحربي المستأمن بمال من أموال دار الحرب ليشتري به شيئا
لم يتعرض له، ولو دفع الحربي إلى الذمي شيئا وديعة في دار الإسلام كان آمنا.
2720. الثاني عشر: إذا خلى المشركون أسيرا مسلما من أيديهم، واستحلفوه

1. في «ب»: ولو اقرض حربي من حربي مالا.
2. في «ب»: رده عليها.
151

على أن يبعث فداء عنه، أو يعود إليهم، فإن كان ذلك كرها له لم يلزمه الوفاء لهم
برجوع ولا فدية، وإن كان مختارا لم يجب الوفاء بالمال ولا يعود (1) إليهم مع
المكنة على المال والعجز، سواء في ذلك المرأة والرجل.
2721. الثالث عشر: إذا طلب المشركون الأمان جاز للإمام أمنهم مع المصلحة،
فإن طلبوا أمانا لأنفسهم ففعل الإمام، كانوا آمنين على أنفسهم، وإن طلبوه
لأهلهم خاصة، فهم فيء وأهلهم آمنون.
ولو أمنوهم على ذريتهم فهم آمنون وأولادهم وأولاد أولادهم وإن نزلوا،
والوجه دخول أولاد البنات، ولو أمنوهم على إخوتهم، دخل الذكور والإناث،
وكذا الأبناء يدخل فيهم الذكور والإناث، أما البنات والأخوات فتختص بالإناث.
ولو أمنوا آبائهم دخل الآباء والأمهات، والأقرب دخول الأجداد، ولو أمنوا
أبناءهم دخل أبناء الأبناء.
2722. الرابع عشر: ينبغي للأمير إذا أراد انفاذ رسول أن يختار العدل العارف
بمواقع الأشياء، فلو دخل الرسول بكتاب أمان، وشهد جماعة من المسلمين
بصحته، ثم فتح المشركون الباب ودخل المسلمون، لم يجز لهم السبي إذا كان
الكتاب باطلا (2).

1. في «أ»: ولا بعود.
2. قال في التذكرة: إذا أرسل الأمير رسولا مسلما، فذهب الرسول إلى أمير المشركين فبلغه
الرسالة، ثم قال له: إني أرسل على لساني إليك الأمان ولأهل ملتك فافتح الباب، ثم ناوله كتابا
صنعه على لسان الأمير وقرأه بمحضر من المسلمين، فلما فتحوا ودخل المسلمون وشرعوا في
السبي، فقال لهم أمير المشركين: إن رسولكم أخبرنا أن أميركم أمننا، وشهد أولئك المسلمون
على مقالته، كانوا آمنين ولم يجز سبيهم لعسر التمييز بين الحق والاحتيال في حق المبعوث إليه،
إذا الاعتماد على خبره فيجعل كأنه صدق بعدما تثبت رسالته لئلا يؤدي إلى الغرور في حقهم
وهو حرام. تذكرة الفقهاء: 1 / 421 - الطبعة الحجرية -.
152

2723. الخامس عشر: إذا أمن المسلمون مشركا على أن يفتح لهم الحصن لم
يكن لهم نقض أمانه، ولو ادعى كل واحد من أهل الحصن انه الآمن حرم
استرقاقهم مع الاشتباه.
ولو قال: اعقدوا الأمان على أهل حصني أفتحه لكم، فأمنوه على ذلك
فهو آمن وأهل الحصن وأموالهم.
ولو قال: آمنوني على ألف درهم من مالي على أن أفتح لكم الحصن فهو
آمن على ما طلب، ويكون الباقي فيئا، ولو لم يف ماله بالألف لم يكن له زيادة
على ماله، ولو لم يكن له دراهم وكان له عروض أعطى من ذلك ما يساوي ألفا،
أما لو قال: ألف درهم من دراهمي ولا دراهم له كان لغوا.
2724. السادس عشر: يجوز التحكيم، فإذا حصر الإمام بلدا جاز له أن يعقد
عليهم أن ينزلوا على حكمه، فيحكم فيهم بما يرى هو أو بعض أصحابه، وليس
له أن ينزلهم على حكم الله، ويجوز أن ينزلوا على حكم الإمام أو حكم
بعض أصحابه.
ويشترط في الحاكم سبعة أمور: الحرية، والإسلام، والبلوغ، والعقل،
والذكورية، والفقه، والعدالة، ولا يشترط علمه بالفقه أجمع، بل بما يتعلق بهذا
الحكم وما يجوز فيه ويعتبر له.
ويجوز أن يكون الحاكم أعمى ومحدودا في القذف، وعلى حكم أسير
معهم مسلم إلا أن يكون حسن الرأي فيهم فيكره، وإن لم يكن أسيرا.
ولو نزلوا على حكم رجل غير معين على أنهم يعينون ما يختارونه
153

لأنفسهم جاز، فإن اختاروا من يجوز حكمه قبل منهم وإلا فلا، ولو جعلوا اختيار
التعيين إلى الإمام جاز إجماعا.
ويجوز أن يكون الحاكم اثنين وأكثر، فإن اتفقا جاز، ولو مات أحدهما لم
يحكم الآخر إلا بعد الاتفاق عليه أو يعينوا غيره، ولو اختلفا لم يمض الحكم
حتى يتفقا.
ولو نزلوا على حكم اثنين أحدهما مسلم والآخر كافر لم يجز، ولو مات
من اتفقوا على تعيينه لم يحكم فيهم غيره إلا مع الاتفاق، ويردون إلى مأمنهم.
ولو حكموا من لا يجتمع فيه شرائط الحكم ونزلوا إلينا ثم ظهر انه لا
يصلح، لم يحكم، وردوا إلى مأمنهم (1).
2725. السابع عشر: يتبع ما يحكم به الحاكم ما لم يخالف المشروع، وإنما
يمضى الحكم إذا كان الحظ للمسلمين، فإن حكم بقتل الرجال وسبي النساء
والذرية وغنيمة المال نفذ، وإن حكم باسترقاق الرجال وسبي النساء والولدان
وأخذ الأموال جاز، وإن حكم بالمن وترك السبي بكل حال جاز مع الحظ. وإن
حكم بعقد الذمة وأداء الجزية جاز، ولزمهم النزول على حكمه، وإن حكم
بالفداء جاز، وإن حكم بالمن على الذرية جاز، وكذا إن حكم بالاسترقاق.
ولو حكم على من أسلم بالاسترقاق، وعلى من أقام على الكفر بالقتل
جاز، فلو أراد استرقاق من أقام على الكفر بعد ذلك، لم يكن له، وإن أراد أن يمن

1. قال في التذكرة: ولو رضوا بتحكيم فاقد أحد الشرائط، ورضي به الجيش ونزلوا على ذلك إلينا
ثم ظهر عدم صلاحيته لم يحكم وردوا إلى مأمنهم ويكونون على الحصار كما كانوا. تذكرة
الفقهاء: 1 / 424 - الطبعة الحجرية -.
154

عليه جاز، ولو حكم بالقتل وأخذ الأموال وسبي الذرية ورأى الإمام المن على
الرجال أو على بعضهم جاز.
2726. الثامن عشر: إذا نزلوا على ما يحكم به الحاكم فأسلموا قبل حكمه،
عصموا أموالهم ودماءهم وذراريهم من الاستغنام والقتل والسبي.
ولو أسلموا بعد الحكم عليهم، فإن كان قد حكم بقتل الرجال وسبي
الذراري ونهب الأموال، مضى الحكم عليهم إلا القتل، ولو أراد الإمام استرقاقهم
بعد الإسلام لم يجز، ويستغنم المال ويسترق الذرية.
ولو حكم بقتل الرجال وسبي النساء والذرية وأخذ المال، كان المال
غنيمة ويجب فيه الخمس.
ولو نزلوا على أن يحكم فيهم بكتاب الله تعالى أو القرآن كره، لأنه ليس
بمنصوص، فيحصل الاختلاف.
2727. التاسع عشر: إذا دخل حربي إلينا بأمان، فقال له الإمام: إن رجعت إلى
دار الحرب، وإلا حكمت عليك حكم أهل الذمة، فأقام سنة، جاز أن يأخذ
منه الجزية.
ولو قال له: اخرج إلى دار الحرب، فإن أقمت عندنا صيرت نفسك ذميا،
فأقام سنة ثم قال: أقمت لحاجة، قبل قوله، ولم يجز أخذ الجزية منه، بل يرد إلى
مأمنه. قال الشيخ: ولو قلنا: انه يصير ذميا لأنه خالف الإمام كان قويا (1).
2728. العشرون: إذا حكم الحاكم بالرد لم يجز، وإذا اتفقوا على حاكم لم

1. المبسوط: 2 / 16.
155

يجب عليه الحكم، بل جاز، سواء كان قبل التحكيم أو لم يقبله، بل يجوز أن
يخرج نفسه من الحكومة.
وإذا حكم الحاكم بما لا يجوز، لم ينفذ، ولو حكم بعد ذلك بالسائغ
فالوجه النفوذ.
الفصل الرابع: في الغنيمة
وهي الفائدة المكتسبة، سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات
والزراعات وغيرهما، أو اكتسبت بالقتال.
والبحث إنما هو عن الثاني، وأقسامه ثلاثة: ما ينقل ويحول كالأقمشة
والحيوان، وما لا ينقل كالعقارات، وما هو سبي كالأطفال والنساء.
والقسم الأول: فيما ينقل ويحول
وفيه عشرة مباحث:
2729. الأول: ما يحويه العسكر مما ينقل ويحول، إن لم يصح تملكه للمسلم
كالخمر والخنزير لم يكن غنيمة. وإن كان مما يصح تملكه من الأشياء المملوكة
فهو للغانمين خاصة، بعد إخراج الخمس والجعائل.
والأشياء المباحة في الأصل كالصيود والأحجار والأشجار، فإن لم
156

يكن عليه أثر تملك، فهو للواجد، وليس غنيمة وإلا فغنيمة.
ولو وجد ما يحتمل أن يكون لهم وللمسلمين كالسلاح، فالأقرب ان
حكمه حكم اللقطة، وقيل (1): يعرف سنة ثم يلحق بالغنيمة، ولو ادعاه مسلم
فالأقرب ان عليه البينة.
ولو اخذ من بيوتهم أو من خارجها ما لا قيمة له في أرضهم كالمسن (2)
والأدوية فهو أحق به، ولو صارت له قيمة بنقله أو معالجته فكذلك.
2730. الثاني: لو ترك صاحب المقسم شيئا من الغنيمة عجزا عن حمله،
فقال: من حمله فهو له، كان جائزا ويصير لآخذه، ولو وجد في أرضهم ركازا،
فإن كان في موضع يقدر عليه، فهو كما لو وجده في دار الإسلام يخرج منه
الخمس، والباقي له، وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين، فالأقرب
انه غنيمة.
2731. الثالث: لا يجوز التصرف في شئ من الغنيمة قبل القسمة إلا ما لا بد
منه، كالطعام وعلف الدواب مع الحاجة لا بدونهما، ويجوز ذبح الحيوان
المأكول مع الحاجة، ولا تجب عليه القيمة، ويرد جلودها إلى المغنم، ولو
استعمله في سقاء أو نعل أو شراك رده إلى المغنم، وعليه أجرة المدة وأرش ما
نقص، (3) ولو زادت القيمة بالصنعة لم يكن له شئ.

1. القائل هو الشيخ في المبسوط: 2 / 30.
2. ما يحد به السكين من مرمر وغيره.
3. قال في التذكرة: رده إلى المغنم مع أجرة المثل لمدة استعماله وأرش نقص أجزائه
بالاستعمال. تذكرة الفقهاء: 1 / 426 - الطبعة الحجرية -.
157

ولا يجوز تناول ما عدا الطعام والعلف واللحم ولا استعماله ولا الانفراد
به، ويجوز استعمال الدهن المأكول في الطعام عند الحاجة، ولو لم يكن مأكولا،
فاحتاج إلى أن يدهن به، أو يدهن به دابته لم يكن له ذلك إلا بالقيمة
على إشكال.
ويجوز أن يأكل ما يتداوى به أو يشربه كالجلاب والسكنجبين وغيرهما
عند الحاجة، وليس له أن يغسل ثوبه بالصابون، ولا ينتفع بالجلود ولا اتخاذ
النعال منها ولا الجورب ولا الخف ولا الحبال من الشعر.
والكتب التي لهم إن انتفع بها كالطب والأدب، فهي غنيمة، وإن لم ينتفع
بها كالتوراة والإنجيل، فإن أمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد الغسل، كانت
غنيمة، وإلا فلا.
وجوارح الصيد والبزاة غنيمة، وكذا كلاب الصيد، ولو لم يرغب فيها أحد
من الغانمين جاز إرسالها واعطاؤها غير الغانم، ولو رغب فيها بعض الغانمين
دفعت إليه، ولا تحتسب عليه من نصيبه، ولو رغب الجميع قسمت، ولو تعذرت
القسمة أو تنازعوا في الجيد، أقرع بينهم، أما الخنازير فليست غنيمة،
ولا تعطى أحدا.
ولا يجوز لبس الثياب ولا ركوب دابة من المغنم، ولو كان للغازي دواب
أو رقيق جاز أن يطعمهم مما يجوز له الأكل منه، سواء كانت للغنيمة أو للتجارة.
ولو كان معه بزاة أو صقورة لم يكن له أن يطعمها من المغنم
بخلاف الخيل.
158

2732. الرابع: إذا ثبت يد المسلمين على الغنيمة لم يجز التصرف فيها، ولا
في بعضها حتى الطعام إلا مع الضرورة، سواء أحازوها في دار الإسلام أو في دار
الحرب على إشكال، ولو كان معه من الطعام فضلة، فأدخله في دار الإسلام رده
إلى المغنم، سواء كان قليلا أو كثيرا.
ولا يجوز وطء جارية المغنم، وإذا حاز المسلمون الغنائم وجمعوها، ثبت
حقهم فيها وملكوها، سواء جمعوها في دار الحرب أو دار الاسلام، وثبت لكل
واحد من الغانمين حق الملك في جزء مشاع غير معين. وإنما يتعين
باختيار الإمام.
2733. الخامس: من غل من الغنيمة شيئا رده إلى المغنم، ولا يحرق رحله،
سواء كان آلة السلاح أو لا، وسواء كان الرحل ثياب بدنه أو لا، وسواء كان كتب
الأحاديث والعلم أو لا، وسواء كان آلة الدابة أو لا، وسواء اتخذت متاعا آخر أو
لا، وسواء رجع إلى بلده أو لا. وسواء مات أو لا. وسواء باع متاعه، أو وهبه، أو
نقله عنه أو لا، وسواء كان الغال صبيا أو لا، حرا كان أو عبدا ذكرا كان أو لا،
مسلما كان أو لا، أنكر الغلول أو اعترف به.
ولا يحرم سهمه من الغنيمة، سواء كان صبيا أو بالغا.
2734. السادس: إذا تاب (1) الغال قبل القسمة، وجب رد ما غله في المغنم (2)
وكذا بعد القسمة، فإن تمكن الإمام من قسمته بين العسكر فعل، وإلا فالأقرب
عندي الصدقة به.

1. في «أ»: إذا مات.
2. في «ب»: وجب رد ما عليه في المغنم.
159

2735. السابع: إذا سرق من الغنيمة ذو السهم ولم يزد على سهمه بقدر
النصاب لم يقطع، وإن بلغ النصاب قطع.
ولو كان السارق عبدا أو امرأة وسرق أكثر من قدر ما يرضخ له بقدر
النصاب قطع، وإلا فلا.
ولو ادعى الشبهة المحتملة سقط القطع.
ولو سرق عبد الغنيمة منها لم يقطع.
ولو كان أحد الغانمين ابن السارق غير الغانم لم يقطع، إلا إذا زاد ما سرقه
عن نصيب ولده بقدر النصاب.
ولو كان السارق سيد عبد في الغنيمة، كان حكمه حكم من له نصيب.
2736. الثامن: الغال هو الذي يكتم ما أخذه من الغنيمة، ولا يطلع الإمام عليه،
ولا يضعه مع الغنيمة، فإن غل على وجه السرقة قطع، وإلا فلا، ولا يحرق رحل
السارق كما قلناه في الغال.
2737. التاسع: إذا باع أحد الغانمين غيره شيئا، فإن كان المشتري من
الغانمين، لم يصح البيع، ويقر في يد المشتري، وليس له رده إلى البائع ولا للبائع
قهره عليه، وإن لم يكن من الغانمين لم يقر يده عليه.
ولو كان المبيع طعاما لم يصح البيع أيضا، والمشتري أحق به، فلو باع
أحدهما صاعين من بر بصاع منه من الغنيمة، لم يثبت الربا.
ولو أقرض غانم غانما طعاما أو علفا في بلاد العدو صح، وليس بقرض
160

بقرض حقيقة، ويكون الثاني أحق باليد، وليس على المقترض رده على المقرض، فإن
فعل كان المردود عليه أحق به.
ولو خرج المقرض إلى بلاد الإسلام لم يكن للمقترض رده عليه، بل يرد
إلى المغنم، ولو خرج المقترض من دار الحرب والطعام في يده، رده إلى المغنم
ولا يرد على المقرض الأول.
ولو أقرضه الغانم لمن لا سهم له في الغنيمة لم يصح قرضه، واستعيد من
القابض (1)، وكذا لو باعه منه، وكذا لو جاء رجل من غير الغانمين وأخذ (2) من طعام
الغنيمة، ولو باعه من غير الغانمين بطل البيع واستعيد.
ولو باعه من غانم كان الغانم أولى به، ولا يكون بيعا صحيحا.
2738. العاشر: يجوز للإمام ان يبيع من الغنيمة شيئا قبل القسمة لمصلحة،
فلو عاد الكفار وأخذوا المبيع من المشتري في دار الحرب، فإن كان لتفريط من
المشتري، مثل أن خرج به من العسكر وحده، فضمانه عليه، وإن حصل بغير
تفريط فالتلف منه أيضا، ولا ينفسخ البيع.
وإذا قسمت الغنائم في دار الحرب جاز لكل من أخذ سهمه التصرف فيه
كيف شاء بالبيع وغيره، فلو باع بعضهم شيئا فغلب المشتري عليه لم
يضمنه البائع.
ويجوز لأمير الجيش أن يشتري من مال الغنيمة شيئا قبل القسمة وبعده.

1. في «ب»: «واستعيد من القارض».
2. في «ب»: فأخذ.
161

القسم الثاني: في أحكام الأسارى
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
2739. الأول: الأسارى ضربان: ذكور وإناث، والذكور: بالغون وأطفال وهم
من لم يبلغ خمس عشرة سنة، فالنساء والأطفال يملكون بالسبي، ولا يحل
قتلهم، ولو أشكل أمر الصبي في البلوغ وعدمه اعتبر بالإنبات، فإن كان قد أنبت
الشعر الخشن على عانته حكم ببلوغه، وإلا فلا.
وأما البالغون من الذكور فإن أسروا قبل تقضي الحرب وانقضاء القتال،
تخير الإمام بين قتلهم وقطع أيديهم وأرجهلم من خلاف وتركهم حتى ينزفوا
ويموتوا، ولا يجوز إبقاؤهم بفداء ولا بغيره.
وإن أسروا بعد أن وضعت الحرب أوزارها وانقضاء القتال لم يجز قتلهم،
وكان الإمام مخيرا بين المن والفداء والاسترقاق، وهذا التخيير ثابت في كل كافر
سواء كان ممن يقر على دينه بالجزية أو لا.
وقال الشيخ: إن كان من عبدة الأوثان تخير الإمام بين المن والفداء
خاصة (1)، وليس بمعتمد.
ولا فرق بين العرب والعجم في ذلك، وهذا التخيير تخيير مصلحة
واجتهاد لا تشهيا إلا أن يستوي الثلاثة في المصلحة فيختار تشهيا، ولا يكون
القتل أولى.
2740. الثاني: إذا أسلم الأسير بعد الأسر يسقط عنه القتل، سواء أخذ قبل

1. المبسوط: 2 / 20.
162

تقضي الحرب أو بعدها، قال الشيخ: ويتخير الإمام بين المن والفداء
والاسترقاق، (1) ولا يجب الاسترقاق عينا، فإن اختار الإمام أن يفادي به مالا أو
رجالا جاز بشرط أن يكون له عشيرة تحميه من المشركين، وإن لم يكن له
عشيرة لم يجز رده إليهم، ومال الفداء غنيمة للغانمين.
ولو أسلم الأسير قبل أن يقع في الأسر، لم يجز قتله ولا استرقاقه ولا
المفاداة به، سواء أسلم في حصن محصورا أو مصبورا أو رمى نفسه في بئر،
ويكون دمه محقونا، وكذا ماله وذريته الأطفال، وأما البالغون فحكمهم حكم
الكفار، وأما الدور والأرضون التي له، فهي فيء، فلا يكون له.
2741. الثالث: إذا أسر المشرك البالغ وله زوجة لم يأسرها المسلمون،
فالزوجية باقية، فإن من عليه الإمام، أو فأداه، لم ينفسخ النكاح، وإن
استرقه انفسخ.
ولو أسر الزوجان معا انفسخ النكاح، وكذا ينفسخ لو كان الزوج صغيرا، أو
أسرت الزوجة، سواء سبي الزوج أو لا، وكذا لو سبي بعدها بيوم أو بأزيد أو
بأنقص، وسواء سباهما رجل واحد أو اثنان، والوجه انه إذا سباهما واحد
وملكهما معا، كان النكاح باقيا ما لم يفسخه.
ولو كان الزوجان مملوكين، قيل: لا ينفسخ النكاح 2 والوجه تخير الغانم.
2742. الرابع: إذا أسلم الحربي في دار الحرب حقن ماله ودمه وأولاده
الصغار من السبي، والمال المعصوم هنا إنما هو ما ينقل ويحول، أما ما لا ينقل
فإنه فيء للمسلمين.

1. المبسوط: 2 / 20.
2. المبسوط: 2 / 21.
163

ولو دخل دار الإسلام فأسلم فيها وله أولاد صغار في دار الحرب صاروا
مسلمين، ولم يجز سبيهم، ولو أسلم وله حمل تبعه في الإسلام.
ولو سبيت المرأة، وهي حامل وقد أسلم أبوه، أو كانت الحربية حاملا من
مسلم بوطء مباح، كانت رقا دون الحمل.
ولو أسلم في دار الحرب، وله فيها عقار، ثم غنمها المسلمون، سلمت
عليه أمواله المنقولة، دون الأرضين والعقارات، فإنها تكون غنيمة.
ولو استأجر مسلم من حربي أرضه في دار الحرب، صحت الإجارة، فلو
غنمها المسلمون كانت غنيمة، وكانت المنافع للمستأجر، ولا تبطل الإجارة.
2743. الخامس: لو أعتق المسلم عبده الذمي، فلحق بدار الحرب، ثم أسر،
ففي جواز استرقاقه وجهان نشأ (1) من مطلق الإذن في الاسترقاق، ومن ثبوت حق
الولاء للمعتق المسلم، فصار كالآبق المملوك.
ولو أعتق الذمي عبده الذي صح عتقه، فإن لحق بدار الحرب فأسر
جاز استرقاقه.
2744. السادس: إذا أسلم عبد الحربي أو أمته في دار الحرب، ثم أسلم مولاه،
فإن خرج إلينا قبل مولاه تحرر، وإلا فهو على الرقية، قال الشيخ: ولو قلنا انه
يصير حرا على كل حال كان قويا (2).
ولو كان المولى صبيا أو امرأة لم يسلم حتى غنمت وقد حارب العبد
المسلم معنا، جاز أن يملك مولاه.

1. في «ب»: ينشأ.
2. المبسوط: 2 / 27.
164

2745. السابع: لو أسلمت أم ولد الحربي وخرجت إلينا قبل مولاها، عتقت
واستبرأت نفسها.
2746. الثامن: لو أسلم العبد دون مولاه حتى غنم العبد، انتقل إلى المسلمين،
ولو عقد المولى لنفسه أمانا لم يقر المسلم على ملكه، وكذا حكم المدبر
والمكاتب المشروط والمطلق وأم الولد.
2747. التاسع: إذا سبيت المرأة وولدها الصغير، كره التفرقة بينهما، بل ينبغي
للإمام أن يدفعهما إلى واحد، ولو قصر سهمه دفعهما إليه واستعاد الفاضل، أو
يجعلهما في الخمس، فإن لم يفعل باعهما ورد ثمنهما في المغنم، وحرم بعض
أصحابنا التفرقة (1) والأقوى ما قلناه.
ولا تزول الكراهية برضى الإمام بالتفرقة، وحكم البيع هذا الحكم، فيكره
للمالك التفرقة بين الأم وولدها.
وإذا بلغ الصبي سبع سنين جازت التفرقة، ولو باع الأم بانفرادها أو الولد
بانفراده، كان مكروها عندنا، وصح البيع، وعند الشيخ يحرم ويصح البيع (2).
2748. العاشر: قال الشيخ (3): يجوز التفرقة بين الولد والوالد، وبينه وبين
الجدة أم الأم (4) وبين الأخوين والأختين، وبين من خرج من عمود الأبوين من
فوق وأسفل. مثل الإخوة وأولادهم، والأعمام وأولادهم، وسائر الأقارب.
ولا خلاف في جواز التفرقة بينه وبين الرحم غير المحرم، وبينه وبين الأم

1. لاحظ المبسوط: 2 / 21.
2. لاحظ المبسوط: 2 / 21.
3. لاحظ المبسوط: 2 / 21.
4. وفي المبسوط: وكذلك لا يفرق بينه وبين الجدة أم الأم، لأنها بمنزلة الأم في الحضانة.
165

من الرضاعة أو الأخت منها، وفي جواز التفرقة بينهما في العتق.
2749. الحادي عشر: لو اشترى من المغنم اثنين أو أكثر، وحسبوا عليه بنصيبه،
بناء على أنهما أقارب يحرم التفريق بينهم، فظهر أنه (1) لا نسب بينهم، وجب عليه
رد الفضل الذي فيهم على المغنم.
2750. الثاني عشر: لو جنت جارية ذات ولد صغير ولم يفدها مولاها، قال
الشيخ: لم يجز بيعها منفردة عن ولدها، بل يباعان معا ويعطى المجني عليه ما
يقابل قيمة جارية ذات ولد منفردة عنه، والباقي للسيد، ولو كانت حاملا ولم
يفدها السيد، لم يجز بيعها إن كانت حاملا بحر، ويصبر حتى تضع، ويكون
الحكم كما لو كان منفصلا، ولو كانت حاملا بمملوك جاز بيعهما معا إذا
كان منفصلا (2).
2751. الثالث عشر: قال (رحمه الله): لو باع جارية حاملا إلى أجل، ففلس المشتري،
وقد وضعت ولدا مملوكا، ففي جواز رجوعه فيها دون ولدها، وجهان، ولو ابتاع
جارية فأتت بولد مملوك في يد المشتري، وعلم بعيبها، لم يكن له ردها بالعيب،
ولو كانت حاملا تخير بين الأرش والرد (3).
2752. الرابع عشر: إذا سبي من لم يبلغ صار رقيقا في الحال، فإن سبي مع
أبويه الكافرين فهو على دينهما، وإن سبي منفردا عنهما، قال الشيخ: يتبع السابي
في الإسلام، فلو بيع من كافر بطل البيع (4).

1. الضمير للشأن، وفي «أ»: فظهر أنهم.
2. المبسوط: 2 / 22.
3. المبسوط: 2 / 22.
4. المبسوط: 2 / 23.
166

ولو سبي مع أحدهما، قال الشيخ: يتبع أحد أبويه في الكفر، ولو مات أبو
الطفل المسبي معهما لم يحكم بإسلامه، وكره بيعه على الكافر (1).
2753. الخامس عشر: الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك، فإن جلب قوم،
وتعارف اثنان [منهم] 2 بما يوجب الإرث قبل ذلك، سواء كان قبل العتق أو
بعده، ويورثون على ذلك سواء كان النسب نسب الوالدين والولد أو من
يتقرب بهما.
فلو اخذ الطفل من بلاد الشرك كان رقيقا، فإذا أعتقه السابي نفذ عتقه
وثبت عليه الولاء، فإن أقر المعتق بنسب كأب أو جد أو ابن عم فالوجه انه لا
يقبل إلا بالبينة أو تصديق المقر به، ولو أقر بولد فالأقرب انه كذلك.
2754. السادس عشر: لو أسر المشرك ولم يكن معه ما يركبه، وعجز عن
المشي لم يجب قتله، ولو بدر مسلم فقتله كان هدرا.
ويجب أن يطعم الأسير ويسقى وإن أريد قتله بعد لحظة.
2755. السابع عشر: يكره قتل من يجب قتله صبرا، وهو الحبس للقتل.
2756. الثامن عشر: لو وطئ جارية من المغنم قبل القسمة، عالما بالتحريم،
درئ عنه من الحد بمقدار نصيبه منها، ويقام عليه الحد بمقدار نصيب باقي
الغانمين، سواء قلوا أو كثروا.
ولو وطئها جاهلا بالتحريم سقط عنه الحد، قال الشيخ: ولا يجب على
واطئ جارية المغنم المهر، ولو أحبلها قال: حكم ولدها حكمها له منه بقدر

1. المبسوط: 2 / 22.
2. بين المعقوفتين منا لأجل استقامة المتن.
167

نصيبه من الغنيمة، ويقوم بقية سهم الغانمين عليه. فان كانت القيمة قدر حقه فقد
استوفي. وان كان أقل أعطي تمام حقه، وإن كان أكثر رد الفضل (1)، ويلحق به الولد
لحوقا صحيحا، والجارية أم ولده في الحال.
وتقوم الجارية عليه، ويلزم سهم الغانمين، فإن كانت القيمة بقدر النصيب
احتسب عليه، وإن كانت أقل أعطي تمام حقه، وإن كانت أكثر رد الفاضل، وإنما
يقوم الولد إذا قومت الجارية بعد وضعه فيقومان معا، ويأخذ الغانمون الفاضل
من القيمتين عن النصيب، ولو قومت قبل وضعه لم يقوم الولد عليه.
2757. التاسع عشر: لو وطئ بعد القسمة وحصولها في نصيبه بتعيين الإمام
ولم نشترط الرضا 2 كان الوطء مصادقا للملك، وإن عينت لغيره وجب عليه ما
يجب على واطئ أمة غيره من الحد والمهر ورقية الولد مع العلم.
ولو توهم أن تعيين الإمام غير كاف في التمليك فوطئ، كان شبهة في
سقوط الحد.
2758. العشرون: لو وطئها وهو معسر، قومت عليه مع ولدها واستسعى في
نصيب الباقين، فإن امتنع كان له من الجارية بقدر نصيبه، ويتحرر من الولد بقدر
النصيب، والباقي للغانمين، والجارية أم ولد.
2759. الواحد والعشرون: لو كان في الغنيمة من ينعتق على بعض الغانمين،
قال الشيخ: الذي يقتضيه المذهب انه ينعتق منه نصيبه، ويكون الباقي للغانمين،
ولا يلزمه قيمة الباقين، ولو جعله الإمام في نصيبه أو نصيب جماعة هو أحدهم،

1. المبسوط: 2 / 32.
2. في «ب»: ولم يشرط الرضا.
168

فإنه ينعتق نصيبه (1) والأقرب انه لا يجب عليه شراء حصص الباقين. ولو رضى
بالقسمة (2) فالأقرب التقويم عليه مع اليسار.
ولو أسر أباه منفردا، فالأقرب عدم عتقه عليه، ولو أسر أمه أو ابنه الصغير
صار رقيقا وعتق عليه.
2760. الثاني والعشرون: لو أعتق بعض الغانمين عبدا من الغنيمة قبل
القسمة، فإن كان ممن (3) لا يثبت فيه الملك كالرجل، لم يصح عتقه، وإن كان ممن
يملك كالمرأة والصبي، فالأقرب صحة عتق نصيبه وتقويم الباقي عليه، فيطرح
في الغنيمة إن كان موسرا، وإن كان معسرا صح عتق نصيبه، فإن كان بقدر نصيبه
من الغنيمة لم يسهم له من الغنيمة شئ، وإن كان أقل، يعطى التمام، وإن كان
أكثر رد الفاضل.
القسم الثالث: في الأرضين
وفيه ثمانية مباحث:
2761. الأول: الأرضون على أربعة أقسام:
أحدها: ما تملك بالاستغنام، ويؤخذ قهرا بالسيف، فإنها للمسلمين قاطبة،
ولا يختص بها المقاتلة، ولا يفضلون على غيرهم، ولا يتخير الإمام بين قسمتها
ووقفها وتقرير أهلها عليها بالخراج.
ويقبلها الإمام لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النصف أو الثلث، وعلى

1. المبسوط: 2 / 32 و 33.
2. في «ب»: بالقسمة به.
3. في «أ»: مما.
169

المتقبل إخراج مال القبالة وحق الرقبة، وفيما يفضل في يده إذا كان نصابا العشر
أو نصف العشر.
ولا يصح التصرف في هذه الأرض بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك.
وللإمام أن ينقله من متقبل إلى غيره إذا انقضت مدة القبالة، وله التصرف
فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين، وارتفاع هذه الأرض يصرف إلى
المسلمين بأجمعهم وإلى مصالحهم، وليس للمقاتلة فيها إلا مثل ما لغيرهم من
النصيب في الارتفاع.
2762. الثاني: أرض من أسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير
قتال، فيترك في أيديهم ملكا لهم، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف
وسائر أنواع التصرف إذا عمروها وقاموا بعمارتها، ويؤخذ منهم العشر أو نصف
العشر زكاة إذا بلغ النصاب.
فان تركوا عمارتها وتركوها خرابا كانت للمسلمين قاطبة، وجاز للإمام أن
يقبلها ممن يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، وكان على المتقبل بعد
إخراج حق القبالة ومؤنة الأرض إذا بقي معه النصاب، العشر أو نصف العشر،
وعلى الإمام أن يعطي أربابها حق الرقبة.
2763. الثالث: أرض الصلح، وهي كل أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض
الجزية يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع أو غير ذلك،
وليس عليهم غير ذلك.
وإذا أسلم أربابها كان حكم أراضيهم (1) حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء،

1. في «أ»: حكم أرضهم.
170

ويسقط عنهم الصلح، لأنه جزية، ويصح لأربابها التصرف فيها بالبيع والشراء
والهبة وغير ذلك.
وللإمام أن يزيد وينقص ما يصالحهم عليه بعد انقضاء مدة الصلح
بحسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
ولو باعها المالك من مسلم صح وانتقل ما عليها إلى رقبة البائع، هذا إذا
صولحوا على أن الأرض لهم، أما لو صولحوا على أن الأرض للمسلمين، وعلى
أعناقهم الجزية، كان حكمها حكم الأرض المفتوحة عنوة، عامرها للمسلمين
ومواتها للإمام.
2764. الرابع: أرض الأنفال، وهي كل أرض انجلى أهلها عنها وتركوها، أو
كانت مواتا لغير مالك فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها مما لا يزرع فاستحدثت
مزارع، فإنها كلها للإمام خاصة، لا نصيب لأحد معه فيها، وله التصرف فيها
بالقبض والهبة والبيع والشراء بحسب ما يراه، وكان له أن يقبلها بما يراه من
نصف أو ثلث أو ربع.
ويجوز نزعها من يد متقبلها إذا انقضت مدة الضمان إلا ما أحييت بعد
موتها، فإن من أحياها أولى بالتصرف فيها إذا تقبلها بما يتقبلها غيره، فإن أبى كان
للإمام نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه، وعلى المتقبل بعد إخراج مال القبالة فيما
يحصل في حصته العشر أو نصف العشر.
2765. الثاني: قال الشيخ: كل موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من
أقسام الأرضين إذا اخرج الإنسان مؤنته ومؤنة عياله لسنة وجب عليه فيما بقي
بعد ذلك الخمس لأهله (1).

1. المبسوط: 1 / 236، كتاب الزكاة.
171

2766. الثالث: الأرض المأخوذة عنوة للمسلمين قاطبة إن كانت محياة وقت
الفتح، يصرف الإمام حاصلها في المصالح مثل سد الثغور، ومعونة الغزاة، وبناء
القناطير، وأرزاق القضاة والولاة وصاحب الديوان (1) وغير ذلك من
مصالح المسلمين.
وأما الموات وقت الفتح، فهي للإمام خاصة، ولا يجوز لأحد إحياؤه إلا
بإذنه مع ظهوره، ولو تصرف كان عليه طسقها له، ولو كان غائبا ملكها المحيي
من غير إذن.
ومع ظهوره يجوز له نقلها من يد من أحياها إذا لم يقبلها بما يقبلها غيره،
ولا يجوز بيع هذه الأرض على ما تقدم، بل البيع يتناول التصرف من البناء
والغرس، وحق الاختصاص بالتصرف لا الرقبة.
2767. الرابع: كلما يخص 2 الإمام من الأرضين الموات ورؤوس الجبال
وبطون الأودية والآجام، ليس لأحد التصرف فيها مع ظهور الإمام (عليه السلام) إلا بإذنه.
وسوغوا لشيعتهم حال الغيبة التصرف فيها بمجرد الإذن منهم.
2768. الخامس: الظاهر من المذهب ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح مكة بالسيف ثم أمنهم
بعد ذلك لا صلحا.
2769. السادس: أرض السواد، هي الأرض المغنومة من الفرس التي فتحها
عمر، وهي سواد العراق، وحده في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف
القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل طولا إلى
ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة.

1. في «أ»: وصاحب الديون.
2. في «أ»: يختص.
172

فأما الغربي الذي تليه البصرة، فإنما هو إسلامي مثل شط عثمان بن أبي
العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها عثمان بن أبي العاص.
وسميت هذه الأرض سوادا، لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا
التفاف شجرها، فسموها سوادا.
وبعث عمر إليها بعد فتحها ثلاثة أنفس: عمار بن ياسر على صلواتهم
أميرا، وابن مسعود قاضيا [و] (1) واليا على بيت المال، وعثمان بن حنيف على
مساحة الأرض.
قال أبو عبيدة مبلغ مساحتها ستة وثلاثون ألف ألف جريب: وضرب على
كل جريب نخل عشرة دراهم، وعلى الكرم ثمانية دراهم، وعلى جريب الشجر
والرطبة ستة دراهم، وعلى الحنطة أربعة دراهم، وعلى الشعير درهمين. ثم كتب
إلى عمر بذلك فأمضاه، وكان ارتفاعها مائة وستين ألف ألف درهم، ولما انتهى
الأمر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أمضى ذلك، ورجع ارتفاعها في زمن الحجاج إلى
ثمانية عشر ألف ألف درهم.
قال الشيخ: والذي يقتضيه المذهب، ان هذه الأراضي وغيرها من البلاد
التي فتحت عنوة يخرج خمسها لأربابه وأربعة الأخماس الباقية للمسلمين
قاطبة، لا يصح التصرف فيه ببيع ولا هبة ولا إجارة ولا إرث، ولا يصح أن يبنى
دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع
الملك، ومتى فعل شئ من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل. 2

1. ما بين المعقوفتين منا.
2. المبسوط: 2 / 34.
173

قال: وعلى الرواية التي رواها أصحابنا ان كل عسكر أو فرقة غزت بغير
أمر الإمام تكون الغنيمة للإمام خاصة تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت
بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) إن صح شئ من ذلك،
يكون للإمام خاصة ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره.
2770. السابع: إذا نزل الإمام على بلد فحاصره، وأرادوا الصلح على أن يكون
البلد لهم، وكانوا من أهل الكتاب، جاز له أن يصالحهم بشروط ثلاثة: أن يبذلوا
الجزية، وأن يجري عليهم أحكام المسلمين، وأن لا يجتمعوا مع مشرك على
قتال المسلمين، فإذا بذلوا ذلك عقد معهم الصلح، ولزم ما داموا على الشرط،
وتكون أرضهم ملكا لهم يصح لهم التصرف فيها كيف شاءوا.
ويجوز للمسلم استيجارها منهم، وتكون الأجرة له والخراج عليه، ولو
باعها من مسلم صح البيع وانتقل ما عليها من الخراج إلى رقبة الذمي، ولا يبقى
متعلقا بالأرض.
2771. الثامن: كل أرض ترك أهلها عمارتها، كان للإمام تقبيلها ممن يقوم بها،
وعليه طسقها لأربابها، وكل أرض موات سبق إليها سابق فعمرها وأحياها كان
أحق بها إذا لم يكن لها مالك معروف، فإن كان لها مالك معروف، وجب عليه
طسقها لمالكها.
174

الفصل الخامس: في كيفية قسمة الغنيمة
وفيه مطالب:
[المطلب] الأول: الجعائل
وفيه سبعة عشر بحثا:
2772. الأول: يجوز للإمام أن يجعل جعلا لمن يدله على مصلحة من مصالح
المسلمين، كطريق سهل، أو ماء في مفازة، أو قلعة يفتحها، أو مال يأخذه، أو
عدو يغير عليه، أو ثغر يدخل به.
ويستحق المجعول له الجعل بنفس الفعل الذي جعل له الجعل، سواء كان
مسلما أو كافرا.
ثم الجعالة يجب أن تكون معلومة إن كانت في يد الجاعل إما بالمشاهدة
أو الوصف، وإن كانت في يد المشركين (1) جاز أن تكون مجهولة كجارية وثوب.
2773. الثاني: إنما تثبت الجعالة بحسب الحاجة، ثم إن كانت في يده بأن قال:
من دلنا على ثغر القلعة فله كذا، فإنه يجب عليه دفع الجعل بنفس الدلالة، ولا
يتوقف على فتح البلد، وإن كانت من مال الغنيمة، بأن قال: من دلنا على ثغر
القلعة فله الجارية المعينة منها، أو جارية مطلقة منها، فإنه إنما يستحق بالدلالة
والفتح معا.

1. في «أ»: في بلد المشركين.
175

2774. الثالث: لو شرط جارية معينة من القلعة، وفتحت عنوة، سلمت الجارية
إليه إن بقيت على الكفر، وإن كانت قد أسلمت قبل الأسر لم يجز استرقاقها،
ودفع إلى الدال القيمة، ولو أسلمت بعد الأسر سلمت إليه إن كان مسلما، وإن كان
كافرا دفع إليه القيمة.
وإن فتحت صلحا (1) ولم تكن الجارية داخلة في الهدنة، فكذلك، وإن
دخلت، صح الصلح، فإن اختار الدال قيمتها مضى الصلح، وسلم إليه القيمة، وإن
أبى واختار صاحب القلعة دفعها إلى الدال وأخذ القيمة فعل ذلك، وإن أبى كل
واحد منهما، قال الشيخ: يفسخ الصلح 2 ولو قيل بمضي الصلح ويدفع إلى
المجعول له القيمة كما لو أسلمت قبل الصلح، كان حسنا.
ولو ماتت الجارية المجعولة قبل الظفر أو بعده، قال الشيخ: لا يدفع القيمة
إليه (3) وهو جيد.
ولو كان الدليل جماعة كانت الجارية بينهم.
2775. الرابع: لو كتب بعض المسلمين إلى المشركين بخبر الإمام وما عزم
عليه من قصدهم وبذكر أحواله، لم يقتل بذلك، بل يعزر ولا يسهم له إلا أن
يتوب قبل تحصيل الغنيمة.
2776. الخامس: يجوز النفل، فلو بعث الإمام أو نايبه وقت دخوله دار الحرب
للغزو سرية يغير على العدو ويجعل لهم الربع بعد الخمس جاز، فما قدمت به
السرية يخرج خمسه، والباقي يعطي السرية منه الربع، وهو خمس آخر، ثم
يقسم الباقي بين الجيش والسرية.

1. في «أ»: فإن فتحت صلحا.
2. المبسوط: 2 / 28.
3. المبسوط: 2 / 28.
176

وكذلك إذا نفل من دار الحرب مع الجيش وأنفذ سرية، وجعل لهم الثلث
بعد الخمس جاز، فإذا قدمت السرية بشئ أخرج خمسه الإمام ثم أعطى السرية
ثلث ما بقى، ثم قسم الباقي بين الجيش والسرية معه، ولا يشترط في النفل أن
يكون من الخمس ولا من خمس الخمس.
2777. السادس: إنما يستحق النفل بالشرط السابق، ولو لم يشترط الإمام (1) نفلا
لم يكن لأحد فضله عن سهمه.
2778. السابع: إنما يسوغ للإمام التنفيل مع الحاجة إليه بأن يقل المسلمون
ويكثر المشركون، ولو كانوا مستظهرين فلا حاجة به، ومع الحاجة إن رأى أن
ينفلهم دون الثلث أو الربع فله ذلك، والأقرب انه يجوز أن ينفل أكثر من الثلث
أو الربع.
والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفل في البداءة الثلث وفي الرجعة الربع، فالبداءة السرية عند
دخول الجيش دار الحرب، والرجعة عند الخروج، وقيل البداءة السرية الأولى،
والرجعة الثانية.
وكما يجوز التنفيل للسرية كذا يجوز لبعض الجيش.
2779. الثامن: إذا نفذ الإمام سرية فأتى بعضهم بشئ دون الآخرين، كان
للوالي تخصيص من جاء بشئ دون الآخرين مع الشرط لا بدونه.
2780. التاسع: لو قال الأمير من طلع هذا الحصن، أو هدم هذا السور، أو

1. في «ب»: لم يشرط الإمام.
177

نقب (1) هذا البيت، أو فعل كذا، فله كذا، ومن جاء بأسير فله كذا، جاز، ولم
يكن مكروها.
2781. العاشر: لو لم تكن في التنفيل مصلحة للمسلمين لم يجز، ولا يختص
النفل بنوع من المال، ولو قال: من رجع إلى الساقة فله دينار جاز، وكذا لو قال:
من يعمل في سياقه المغنم.
ولو نفل السرية استوى فيه الفارس والراجل، إلا أن يشترط التفضيل، وكذا
لو بعث سرية من أهل الذمة جاز له أن ينفلهم مع المصلحة.
2782. الحادي عشر: لو بعث سرية عليهم أمير ونفلهم بالثلث بعد الخمس، ثم
ان أمير السرية نفل قوما منهم لفتح الحصن أو للمبارزة بغير إذن الإمام، نظر فإن
نفلهم من سهم السرية أو من سهامهم بعد النفل جاز، ولو نفلهم من سهم
العسكر لم يجز.
ولو بعث أمير السرية سرية من سريته، ونفل لهم أقل من النفل الأول أو
أكثر فهو جائز من حصة أصحاب السرية لا من حصة العسكر إلا أن يكون أمير
العسكر اذن له في التنفيل، فيجوز تنفيله للسرية الثانية في حق جميع العسكر.
2783. الثاني عشر: لو فقد رجل من السرية، فذهب بعضهم بطلبه، وذهب
آخرون لإصابة الغنائم، ثم رجع الجميع مع المفقود، اشتركوا بأجمعهم في
النفل (2) وكذا لو أصاب المفقود الغنائم (3) والطالب له وباقي السرية اشتركوا
بالسوية كما لو لم يفترقوا.

1. في «أ»: أو ثقب.
2. في «ب»: اشتركوا بالسوية جمعهم في النفل.
3. في «أ»: غنائم.
178

ولو تفرقت السرية قسمين وبعد أحدهما عن الآخر بحيث لا يقدر على
معونته، ثم أصاب كل قسم غنيمة، أو أصاب أحدهما دون صاحبه، فالنفل من
جميع ذلك بينهم بالسوية، ولو لم يلتقوا إلا عند العسكر، فلكل فريق النفل مما
أصابوا خاصة.
ولو قال الإمام: من أخذ شيئا فهو له، فالوجه عندي الجواز.
2784. الثالث عشر: لو بعث سريتين إحداهما يمنة والأخرى يسرة، ونفل
إحداهما الثلث والأخرى الربع فيما أصابوا، كان جائزا، فلو ذهب رجل ممن بعثه
الإمام في سرية الربع مع الأخرى، احتمل وجهين: أحدهما حرمانه، والثاني أن
يجعل له مع سرية الثلث مقدار ما سمى له وهو الربع، أما لو ضل ووقع في
الأخرى، فالوجه مشاركتهم.
2785. الرابع عشر: لو بعث سرية ونفلهم الربع، ثم أرسل أخرى وقال: ألحقوا
بأصحابكم فما أصبتم فأنتم شركاؤهم، فلحقهم الثانية بعد الاستغنام، ثم غنموا
معهم أخرى، فنفل الثانية لهم جميعا، والأولى للسرية الأولى.
قال ابن الجنيد: لو غنمت السرية المنفلة، فأحاط بها العدو، فأنجدهم
المسلمون، شركوهم في النفل ما لم يحرزوه في العسكر (1).
2786. الخامس عشر: قد بينا جواز التنفيل المجهول، فلو قال: من جاء بشئ
فله منه طائفة، فجاء رجل بمتاع، نفله الإمام بما يراه، ولو قال: فله منه قليل، أو
يسير، أو شئ منه، فله أقل من النصف، ولو قال: فله جزء منه، نفله النصف
فما دونه.

1. نقله عنه المصنف في التذكرة أيضا، لاحظ تذكرة الفقهاء: 1 / 436 - الطبعة الحجرية -.
179

ولو قال: من جاء بشئ فله سهم رجل (1) أعطاه سهم راجل لا فارس.
ولو قال: من جاء بألف درهم فله ألفا درهم، فجاء بالألف لا غير، لم يكن
له أكثر من ألف.
ولو قال: من جاء بالأسير فله الأسير وألف، لزمه دفعهما.
ولو قال: من جاء بأسير فله مائة درهم، كان ذلك من الغنيمة، أو في رقبة
الأسير أو بيت مال المسلمين.
2787. السادس عشر: لو قال: من أصاب ذهبا أو فضة فهو له، فأصاب سيفا
محلى بأحدهما، كان الذهب والفضة له دون السيف والجفن، ولو أصاب خاتما
نزع فصه للغنيمة.
ولو ظهر مشرك على السور يقاتل المسلمين، فقال الإمام: من صعد السور
فأخذه فهو له وخمس مائة، فصعد رجل وأخذه كان له مع خمس مائة.
ولو سقط الرجل من السور، فبادر إليه رجل فقتله خارج الحصن لم يكن
له شئ.
ولو رماه فطرحه من السور فالأقرب انه لا يستحق النفل أيضا.
ولو التقى الصفان فقال: من جاء برأس فله كذا، انصرف إلى
رؤوس الرجال دون الصبيان، ولو انهزم الكفار فقال: من جاء برأس فله

1. والرجل كناية عن المجاهد وبما أنه ينقسم إلى راجل وفارس يعطى سهم الراجل، لأنه القدر
المتيقن، ومنه يظهر أن الصحيح هو «رجل» لا «راجل» كما في نسخة «ب».
180

كذا، فجاء رجل بسبي أو برأس، فله النفل.
ولو جاء برأس فقيل: انه كان ميتا، فقال: أنا قتلته، ففي القبول مع اليمين
نظر، ولو لم يعلم رأس مسلم أو كافر، لم يستحق النفل.
ولو جاء آخر وادعى انه القاتل، فالقول قول الآتي [به] (1) مع اليمين، فلو
نكل لم يعط النفل، وهل يستحقه المدعي؟ فيه إشكال.
2788. السابع عشر: لو قال: من دخل من باب هذه المدينة أو الحصن فله
ألف درهم، فاقتحم قوم من المسلمين فدخلوها، استحق كل واحد منهم ألفا،
سواء ترتبوا أو اجتمعوا.
ولو قال: من دخل فله الربع، فدخل عشرة، استحقوا بأجمعهم الربع.
ولو قال: من دخل فله جارية، فدخلها جماعة، وليس هناك سوى جارية
واحدة، فلكل واحد قيمة جارية وسط، ولو قال: جارية من جوارهم، كان لهم ما
وجد لا غير.
ولو قال: من دخل أولا فله ثلاثة، ومن دخل ثانيا فله اثنان، ومن دخل ثالثا
فله واحد، فدخلوا على التعاقب، كان لهم ما سماه، ولو دخلوا دفعة بطل نفل
الأول والثاني، وكان لهم جميعا نفل الثالث.
ولو قال: من دخل منكم خامسا فله درهم، فدخل خمسة معا، استحق كل
واحد النفل، ولو دخلوا على التعاقب استحق الأخير خاصة.

1. ما بين المعقوفتين منا لتتميم العبارة.
181

المطلب الثاني: في السلب
وفيه ستة عشر بحثا:
2789. الأول: يجوز للإمام أن يجعل للقاتل سلب المقتول، فيختص به مع
الشرط، ولو لم يشترط الإمام لم يستحقه على الخصوص، واختار ابن الجنيد
تخصيص القاتل به وان لم يشترط الإمام (1).
2790. الثاني: إذا اشترط الإمام السلب للقاتل، جاز له أخذه وإن لم يأذن
الإمام، ويستحب له استيذانه.
2791. الثالث: يشترط في استحقاق السلب كون المقتول من المقاتلة الذين
يجوز قتلهم، فلو قتل امرأة أو صبيا أو شيخا فانيا ونحوهم ممن لا يقاتل، لم
يستحق سلبه، ولو قتل أحد هؤلاء وهو مقاتل، استحق.
2792. الرابع: يشترط أيضا كون المقتول ممتنعا، فلو قتل أسيرا له أو لغيره أو
من أثخن له بالجراح وعجز عن المقاومة لم يستحق سلبه.
ولو قطع يدي رجل ورجليه، وقتله آخر، فالسلب للقاطع، ولو قطع يديه
أو رجليه، ثم قتله آخر، قال الشيخ: السلب للقاتل لا للقاطع (2).
ولو عانق رجل رجلا، فقتله آخر، فالسلب للقاتل، ولو كان الكافر مقبلا
على رجل يقاتله، فجاء آخر من ورائه فقتله، فالسلب للقاتل.

1. نقله عنه المصنف في المختلف: 4 / 417.
2. المبسوط: 2 / 67.
182

2793. الخامس: يشترط في استحقاق السلب أيضا القتل أو الإثخان بالجراح (1)
بحيث يجعله معطلا في حكم المقتول، ولو أسر رجلا لم يستحق سلبه وإن قتله
الإمام.
2794. السادس: يشترط أن يغرر القاتل بنفسه في قتله بأن يبارز إلى صف
المشركين أو إلى مبارزة من يبارزهم، فلو لم يغرر بنفسه، بل رمى سهما في
صف المشركين من صف المسلمين فقتل، لم يستحق سلبه.
ولو حمل جماعة من المسلمين على مشرك فقتلوه، فالسلب في الغنيمة،
ولو اشترك في قتله اثنان، مثل أن جرحاه فمات، أو ضرباه فقتلاه، كان السلب
لهما وإن كان أحدهما أبلغ في ضربه، على إشكال.
2795. السابع: يشترط أيضا أن يقتله والحرب قائمة، سواء قتله مقبلا أو
مدبرا، ولو انهزم المشركون فقتله، لم يستحق السلب.
2796. الثامن: يشترط كون القاتل ذا نصيب من الغنيمة إما سهم أو رضخ، ولو
لم يكن له نصيب لارتياب به بأن يكون مخذلا (2)، أو معينا على المسلمين، أو
مرجفا لم يستحق السلب، وإن كان لنقص فيه كالمرأة والمجنون، فالوجه
استحقاق السلب. والصبي يستحق السلب، وكذا العبد والمرأة والكافر.
أما العاصي بالقتال، كمن يدخل بغير إذن الإمام، أو يمنعه أبواه مع
عدم تعينه عليه، فإنه لا يستحق السلب، والعبد إذا قتل قتيلا استحق سلبه

1. في مجمع البحرين: أثخنته الجراحة: أي أثقلته.
2. وفي المبسوط: فإن كان لا سهم له، إما بأن يكون كافرا أو لارتياب فيه كالمخذل مثل عبد الله
ابن أبي... المبسوط: 2 / 66.
183

مولاه، ولو خرج من غير إذنه، فالأقرب استحقاق مولاه أيضا.
2797. التاسع: اختلف علماؤنا في السلب، فقيل: يجب فيه الخمس، وقيل: لا
يجب (1)، وهو جيد (2).
2798. العاشر: السلب يستحقه القاتل من أصل الغنيمة لا من
خمس الخمس.
2799. الحادي عشر: إذا نفل أحد أو استحق التنفيل بفعل ما قوطع عليه خمس
عليه.
2800. الثاني عشر: النفل يستحقه المجعول له زائدا عن السهم الراتب له، ولا
يتقدر بقدر، بل هو موكول إلى الإمام، قل أو كثر، والنفل يكون إما بأن يبذل
الإمام (3) من سهم نفسه من الأنفال، أو يجعله من جملة الغنيمة، فلو جعل الإمام
نفلا لمن ينتدب إلى فعل مصلحة، فتبرع قوم بتلك المصلحة، لم يكن للإمام أن
ينفل، وكذا لو وجد من يفعل ذلك بنفل أقل.
2801. الثالث عشر: المنفصل عن المشرك كالرحل والعبد (4) والدواب التي
عليها أحمال المشرك والسلاح الذي ليس معه، غنيمة لا سلب.

1. القائل هو الشيخ في المبسوط: 2 / 66.
2. قال المصنف في التذكرة: اختلف علماؤنا في السلب هل يخمس أم لا على قولين: أحدهما
يجب فيه الخمس، وبه قال ابن عباس والأوزاعي ومكحول، والثاني لا يجب، وهو قوي. تذكرة
الفقهاء: 1 / 438 - الطبعة الحجرية -.
3. في «أ»: بأن ينفل الإمام.
4. في «ب»: العبيد.
184

والمتصل به إن احتاج إليه في القتال، كالثياب، والعمامة، والدرع،
والسلاح، كالسيف، فهو سلب، وإن لم يحتج إليه كالخاتم، والمنطقة (1)، والهميان
الذي للنفقة، والتاج، والسوار، فقد تردد الشيخ فيه، وقوى كونه سلبا (2).
والدابة التي يركبها من السلب، سواء كان راكبا لها أو نازلا عنها إذا كانت
بيده، وجميع ما على الدابة من سرج ولجام وجميع آلاتها، والحلية التي على
الآلات سلب.
وإنما تكون الدابة سلبا لو كان راكبا عليها أو في يده، ولو كانت في منزله
أو مع غيره أو منفصلة لم تكن سلبا. ولو كان ماسكا بعنانها فهي سلب.
والجنيب الذي يساق خلفه ليس من السلب، ولو كان بيده قال ابن الجنيد:
يكون سلبا (3).
2802. الرابع عشر: يجوز سلب القتلى وتركهم عراة، ويكره تجريدهم: ولم
يأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) سلبا عند مباشرته الحرب.
2803. الخامس عشر: يفتقر مدعي السلب إلى بينة بالقتل، والأقرب الاكتفاء
بشاهد واحد.
2804. السادس عشر: لو قال الإمام: من أخذ شيئا (4) فهو له، جاز.

1. في مجمع البحرين: المنطق - كمنبر: ما يشد به الوسط.
2. المبسوط: 2 / 67.
3. نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة: 1 / 438 - الطبعة الحجرية -.
4. في «أ»: من أخذ شيئا سلبا.
185

المطلب الثالث: في الرضخ
وفيه تسعة أبحاث:
2805. الأول: لا يسهم للنساء من الغنيمة، بل يرضخ لهن وإن احتيج إليهن
للطبخ والمداراة، ومعناه أن تعطى شيئا من الغنيمة يقصر عن السهم بحسب ما
يراه الإمام.
2806. الثاني: العبيد لا يسهم لهم بل يرضخ لهم الإمام بحسب ما يراه وإن
جاهدوا، ولا فرق بين العبد المأذون وغيره في عدم الإسهام.
وقال ابن جنيد: يسهم للمأذون (1)، وإن كره مولاه الغزو لم يرضخ له أيضا،
ولو عرف منه الإباحة استحق الرضخ كالمأذون، والمدبر والمكاتب كالقن. ولو
أعتق (2) العبد قبل تقضي الحرب أسهم للسيد.
ولو قتل سيد المدبر قبل تقضي الحرب، وهو يخرج من الثلث، عتق
وأسهم له إذا كان حاضرا، ومن انعتق نصفه قيل يرضخ له بقدر الرقية، ويسهم له
بقدر الحرية. وقيل: يرضخ له.
2807. الثالث: الخنثى المشكل يرضخ له، وقيل: له نصف سهم ونصف
الرضخ، ولو انكشف حاله، وعلمت رجوليته أتم 3 له سهم الرجل سواء انكشف
قبل تقضي الحرب أو بعده، وقبل القسمة أو بعدها، على إشكال.

1. نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة: 1 / 439 - الطبعة الحجرية -.
2. في «أ»: ولو عتق.
3. في «ب»: «أسهم» بدل «أتم».
186

2808. الرابع: الصبي يسهم له إذا حضر الحرب، سواء كان من أهل القتال أو
لم يكن حتى انه لو ولد بعد الحيازة قبل القسمة أسهم كالرجل المقاتل، ولو ولد
بعد القسمة لم يسهم له.
2809. الخامس: الكافر لا سهم له بل يرضخ له الإمام ما يراه، وإنما يستحق
سهم المؤلفة أو الرضخ إذا خرج إلى القتال بإذن الإمام.
ويجوز الاستعانة في الجهاد بالمشركين بشرط أن يكون حسن الرأي في
المسلمين مأمون الضرر.
وليس للرضخ قدر معين بل هو موكول إلى نظر الإمام لكن لا يبلغ
للفارس سهم الفارس ولا للراجل سهم الراجل، وينبغي تفضيل بعضهم على
بعض بحسب مراتبهم وكثرة النفع بهم.
2810. السادس: الرضخ يكون من أصل الغنيمة لا من أربعة الأخماس، ولا
من سهم المصالح، ولو أعطاهم الإمام ذلك من ماله من الأنفال وحصة من
الخمس، جاز ذلك.
2811. السابع: يجوز للإمام أن يستأجر أهل الذمة للقتال، ولا يبين المدة، فان
لم يكن قتال لم يستحقوا شيئا، وإن كان وقاتلوا استحقوا الأجرة، وإن لم يقاتلوا
فالأقرب عدم الاستحقاق.
ولو زادت الأجرة على سهم الراجل والفارس، احتمل أن يعطى ما يكون
رضخا من الغنيمة وما زاد من سهم المصالح، واحتمل دفع ذلك كله من الغنيمة،
وهو الأقوى عندي.
187

2812. الثامن: لو غزا المرجف أو المخذل لم يسهم له وإن كان ذا فرس،
ولا لفرسه.
ولو غزا رجل بغير إذن الإمام، أخطأ وسهمه من الغنيمة للإمام، ولو غزا
بغير إذن أبويه أو بغير إذن من له الدين استحق السهم.
2813. التاسع: قال الشيخ: ليس للأعراب من الغنيمة شئ وإن قاتلوا مع
المهاجرين، بل يرضخ لهم الإمام ما يراه (1) ونعني بالأعراب من أظهر الإسلام
ولم يصفه وصولح على أعقابه عن المهاجرة وترك النصيب. قال: ويجوز أن
يعطهم من سهم ابن السبيل من صدقة (2) وأوجب ابن إدريس لهم النصيب (3)
وفيه قوة.
المطلب الرابع: في كيفية القسمة
وفيه ثلاثة وعشرون بحثا:
2814. الأول: أول ما يبدأ الإمام يدفع (4) السلب إلى من جعله له، ثم يخرج من
الغنيمة أجرة الحمال والحافظ والناقل والراعي وكل ما تحتاج إليه الغنيمة من
النفقة مدة بقائها، ثم يخرج الرضخ، ثم يقسم، فيفرد (5) الخمس لأهله، ويقسم
أربعة الأخماس الباقية بين الغانمين، ويقدم قسمة الغنيمة على قسمة الخمس
لحضورهم وغيبة أولئك.
2815. الثاني: للإمام أن يصطفي من الغنيمة ما يختاره من فرس جواد أو

1. المبسوط: 2 / 74; والنهاية: 299.
2. المبسوط: 2 / 74; والنهاية: 299.
3. السرائر: 2 / 21.
4. كذا في النسختين والأصح «بدفع».
5. كذا في النسختين ولعل الأولى «فيفرز».
188

ثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف قاطع وغير ذلك ما لم يضر بالعسكر.
ولم يبطل الاصطفاء بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو ثابت للإمام بعده، وهل هو
قبل الخمس أو بعده؟ قولان.
2816. الثالث: إذا أخرج الإمام ما ذكرناه، قسم الباقي بين الغانمين مما ينقل
ويحول، لا يشرك غيرهم فيه، وأما الأرضون والعقارات فهي للمسلمين قاطبة. (1)
ويقسم ما ينقل ويحول بين الغانمين، للراجل سهم واحد وللفارس
سهمان. وقال ابن الجنيد: له ثلاثة أسهم. وهو رواية (2) لنا.
ولو كان معه أفراس جماعة، كان له سهم ولأفراسه سهمان وإن تعددت.
ولو غزا العبد بإذن مولاه على فرسه رضخ للعبد وأسهم للفرس، وكان
الجميع للمولى، ولو كان معه فرسان رضخ له وأسهم لفرسين، سواء حضر السيد
القتال أو لا.
ولو غزا الصبي على فرس أسهم له ولفرسه، ولو غزت المرأة أو الكافر،
فالأقرب أنهما يرضخان أزيد من رضخ الراجل من صنفهما وأقل من
سهم الفارس.
ولو غزا المرجف أو المخذل على فرس لم يسهم له ولا لفرسه.
2817. الرابع: إذا استعار فرسا ليغزوا عليه، ففعل، أسهم له وللفرس، ويكون

1. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 4 / 418; والتذكرة: 1 / 439 - الطبعة الحجرية -.
2. رواها إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): ان عليا (عليه السلام) كان يجعل للفارس ثلاثة أسهم
وللراجل سهما. التهذيب: 6 / 147 برقم 257.
189

سهم الفرس للمستعير، ولو استعاره لغير الغزو فغزا عليه، استحق السهم له، وأما
سهم الفرس فكالمغصوب.
ولو استأجره ليغزو عليه، فسهم الفرس للمستأجر، ولو استأجره لغير
الغزو فغزا عليه فكالمغصوب.
ولو غصب فرسا، فقاتل عليه، لم يسهم للغاصب إلا عن نفسه، وصاحب
الفرس إن كان حاضرا كان سهم الفرس له، وإلا فلا شئ للفرس (1)، وعلى
الغاصب أجرة المثل، سواء كان صاحبه حاضرا أو غائبا.
ولو كان الغاصب لا يسهم لهم كالمرجف، كان سهم الفرس لصاحبه مع
الحضور، وإلا فلا شئ له، وكذا لو غزا العبد بغير إذن مولاه على فرس مولاه.
2818. الخامس: لو غزا جماعة بالتناوب على فرس واحد، قال ابن الجنيد:
يعطى كل واحد سهم راجل، ثم يفرق بينهم سهم فرس واحدة (2) وهو جيد.
2819. السادس: يستحق السهم الثاني بالفرس، سواء كان عتيقا (3) أو برذونا أو
مقرفا أو هجينا، سواء أدركت ادراك العراب أو لا. قال الشيخ: ويسهم للحطم
والقحم والضرع (والعجم) (4) والأعجف والرازح (5).

1. في «ب»: فلا شئ عليه للفرس.
2. نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة: 1 / 440 - الطبعة الحجرية -.
3. العتيق هو الذي أبواه عتيقان عربيان كريمان والبرذون هو الذي أبواه أعجميان، والمقرف هو
الذي أبوه برذون وأمه عتيقة، والهجين هو عكس المقرف، لاحظ تذكرة الفقهاء: 1 / 440 - الطبعة
الحجرية -. وفيها «عكس البرذون» وما أثبتناه هو الصحيح.
4. ما بين القوسين ليس في المصدر، وهو موجود في نسخة «أ».
5. المبسوط: 2 / 71، وفيه: الحطم هو الذي يكسر، والقحم هو الكبير الذي لا يمكن القتال عليه
لكبر سنه وهرمه، والضرع هو الذي لا يمكن القتال عليه لصغره، والأعجف هو المهزول،
والرازح هو الذي لا حراك به.
190

ومنع ابن الجنيد من إسهام ذلك كله. وهو حسن.
2820. السابع: المريض يسهم له، ان لم يخرج بمرضه عن كونه من أهل
الجهاد كالمحموم وصاحب الصراع، ولو خرج به عن كونه من أهل الجهاد، قال
الشيخ: يسهم له عندنا (1) كالزمن والأشل، ولو نكس الفرس بصاحبه في حملته أو
مبارزته أو سربه (2) أسهم له، ولم يمنع بذلك من الإسهام.
ولو استأجر [أجيرا] للحرب ثم دخلا معا دار الحرب أسهم للأجير
والمستأجر، سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة، ويستحق الأجير مع ذلك
الأجرة، ولو لم يحضر المستأجر استحق المؤجر السهم والأجرة.
2821. الثامن: الاعتبار بكونه فارسا وقت الحيازة للغنائم لا بدخوله المعركة،
فلو ذهب فرسه قبل تقضي الحرب لم يسهم لفرسه، ولو دخل راجلا فأحرزت
الغنيمة وهو فارس، فله سهم فارس.
2822. التاسع: من مات من الغزاة أو قتل، فإن كان قبل إحراز الغنيمة وتقضي
القتال، فلا سهم له، وإن كان بعده، فسهمه لورثته.
2823. العاشر: لا يجوز تفضيل بعض الغانمين في القسمة على بعض، بل
تقسم الغنيمة للفارس سهمان، وللراجل سهم، ولذي الأفراس ثلاثة، (3)
سواء حاربوا أو لا، إذا حضروا للحرب، لا للإرجاف والتخذيل. ولا يفضل
أحد لشرفه ولا لشدة بلائه وكثرة حربه، ولا يعطى من لم يحضر الوقعة

1. الخلاف: 4 / 205، المسألة 30 من كتاب الغنائم; والمبسوط: 2 / 71.
2. السرب: الطريق. مجمع البحرين.
3. فلا يزيد السهم بزيادة الفرس على اثنين.
191

ولا القسمة، وليس للإمام أن يقول: من أخذ شيئا فهو له.
2824. الحادي عشر: الغنيمة تستحق بالحضور قبل القسمة، فلو غنم
المسلمون ثم لحق بهم مدد، فإن كان قبل تقضي الحرب أسهم لهم إجماعا، وإن
كان بعد القسمة لم يسهم لهم إجماعا، وإن كان بعد تقضي الحرب واحراز
الغنيمة قبل القسمة، أسهم لهم عندنا.
ولو لحق الأسير المسلمين بعد تقضي الحرب وقسمة الغنيمة، لم يسهم
له، وإن لحق قبل انقضاء الحرب فحارب مع المسلمين استحق السهم، وإن لم
يقاتل أسهم له، وكذا لو لحقهم بعد الانقضاء قبل القسمة.
ولو دخل تاجر مع المجاهدين دار الحرب كالبزاز والخياط والبيطار
والخباز والشواء وغيرهم من أتباع العسكر فإن قصدوا الجهاد مع التجارة أسهم
لهم، وكذا إن جاهدوا ولم يقصدوا، ولو لم يقصدوا ولم يجاهدوا لم يسهم لهم،
ولو لم يعلم لأي شئ حضروا، فالظاهر انه يسهم لهم.
2825. الثاني عشر: إذا خرج الجيش من بلد غازيا، فبعث الإمام منه سرية
فغنمت شاركها الجيش، وكذا لو غنم الجيش شاركهم السرية، ولو بعث منه
سريتين إلى جهة واحدة فغنمتا اشترك الجيش والسريتان جميعا، ولو بعثهما إلى
جهتين فكذلك.
ولو بعث سرية وهو مقيم ببلاد الإسلام فغنمت اختصت بالغنيمة، ولم
يشاركهم أهل البلد ولا الإمام ولا جيشه، وكذا لو بعث جيشا وهو مقيم ببلده.
ولو بعث سريتين أو جيشين وهو مقيم، فكل واحد منهما مختص
بما غنمه.
192

ولو اجتمعت السريتان أو الجيشان في موضع فغنما كانا جيشا واحدا.
ولو بعث الأمير رسولا لمصلحة الجيش أو دليلا أو جاسوسا، لينظر
عددهم وينقل أخبارهم، فغنم الجيش قبل رجوعه إليهم، أسهم له.
2826. الثالث عشر: قال ابن الجنيد (1) إذا وقع النفير (2)، فخرج أهل البلد
متقاطرين، فانهزم العدو، وغنم أوائل المسلمين، كان كل من خرج أو تهيأ
للخروج أو أقام في المدينة من المقاتلة لحراستها من العدو شركاء في الغنيمة،
وكذا لو حاصرهم العدو فباشر حربه بعض أهل المدينة إلى أن ظفروا وغنموه (3)
إذا كانوا مشتركين في المعونة والحفظ للمدينة.
ولو كان الذين هزموا العدو على ثمانية فراسخ من المدينة، فقاتلوه
وغنموه اختصوا بالغنيمة.
2827. الرابع عشر: قال الشيخ: يستحب قسمة الغنيمة في أرض العدو،
ويكره تأخيرها إلا لعذر من خوف المشركين أو قلة علف أو انقطاع ميرة (4). (5)
وقال ابن الجنيد: الأولى أن لا يقسم إلا بعد الخروج من دار الحرب،
ويجوز فيها.
2828. الخامس عشر: لا ينبغي للإمام إقامة الحد في أرض العدو بل يؤخره إلى
دار الإسلام، ولا يسقط الحد، سواء كان هناك إمام أو نائبه أو لا. ولو رأى من

1. نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة: 1 / 442 - الطبعة الحجرية -.
2. في «ب»: النفر.
3. كذا في النسختين ولكن في التذكرة: ظفروه وغنموه.
4. الميرة - بالكسر فالسكون -: طعام يجلبه الإنسان من بلد إلى بلد. مجمع البحرين.
5. المبسوط: 2 / 35.
193

المصلحة تقديمه في دار جاز، سواء كان مستحق الحد أسيرا، أو أسلم فيهم ولم
يخرج إلينا، أو خرج من عندنا لتجارة وغيرها.
ولو قتل مسلما اقتص منه في دار الحرب إن قتل عمدا، ولا يسقط
القصاص وإن لم يكن الإمام أو نائبه حاضرا.
2829. السادس عشر: المشركون لا يملكون أموال المسلمين بالاستغنام، فإذا
أغار المشركون على المسلمين، فأخذوا ذراريهم وعبيدهم وأموالهم، ثم ظفر
بهم المسلمون، فاستعادوا ما اخذ منهم، فإن أولادهم ترد إليهم بالبينة
ولا يسترقون.
وأما العبيد والأموال فإن أقاموا البينة قبل القسمة ردت عليهم، ولا يغرم
الإمام للمقاتلة شيئا. وإن أقاموها بعد القسمة، فللشيخ قولان: أحدهما انه يرد
على أربابه، ويرد الإمام قيمة ذلك للمقاتلة من بيت المال (1) والثاني انه يكون
للمقاتلة ويعطى الإمام أربابهما أثمانها 2 والأول أحق، ولو أخذ المال أحد الرعية
بعوض أو غيره، فصاحبه أحق به بغير شئ.
2830. السابع عشر: لو أبق عبد المسلم فلحق بدار الحرب لم يملكوه، ولو
أسلم المشرك الذي في يده مال المسلم أخذ منه بغير قيمة، ولو دخل مسلم دار
الحرب فسرقه أو اشتراه ثم أخرجه إلى دار الإسلام فصاحبه أحق به ولا قيمة
عليه، ولو أعتقه من هو في يده أو باعه أو تصرف فيه بطل.
ولو غنم المسلمون من المشركين شيئا عليه علامة المسلمين، ولم يعلم
صاحبه، فهو غنيمة، ولا يوقف حتى يجيئ صاحبه.

1. المبسوط: 2 / 26.
2. النهاية: 295.
194

ولو قال العبد في بلاد الشرك: أنا لفلان من بلاد الإسلام، ففي قبول قوله
نظر، وكذا لو اعترف المشرك بما في يده لمسلم بعد الاستغنام، ويقبل قبله. (1)
ولو كان المال الموجود في يد الكافر اخذ من مسلم وكان في يد المسلم
مستأجرا أو مستعارا من مسلم ثم وجده المستأجر أو المستعير كان له المطالبة به
قبل القسمة وبعدها.
ولو دخل حربي دار الإسلام بأمان، فابتاع عبدا مسلما، ثم لحق بدار
الحرب فغنمه المسلمون، كان باقيا على ملك البائع، ويرد المسلم الثمن الذي
أخذه، ولو تلف العبد كان للسيد القيمة، وعليه رد ثمنه، ويرادان الفضل.
ولو أسلم الحربي في دار الحرب وله مال أو عقار، أو دخل مسلم دار
الحرب واشترى منها عقارا ومالا، ثم غزاهم المسلمون، فظهروا على ماله
وعقاره لم يملكوه، وكان باقيا عليه إن كان مما ينقل ويحول، وأما العقار
فإنه غنيمة.
ولو أحرز المشركون جارية مسلم، فوطئها المحرز، ثم ظهر المسلمون
عليها، فهي وأولادها لمالكها، ولو أسلم عليها المشرك لم يزل ملك صاحب
الجارية عن أولادها (2) إلا أن يسلم ثم يطأها بعد الإسلام ظنا انه ملكها، ثم
يحمل (3) بعد الإسلام، فإن الولد يقوم على الأب ويلزمه العقر (4).

1. أي يقبل قوله قبل الاستغنام.
2. في «أ»: عن أولاده. والجار متعلق ب‍ «لم يزل» أي لا يزول ملك صاحب الجارية عن أولادها
فهم ملك له.
3. أي يجعلها حاملا بعد ما أسلم.
4. في مجمع البحرين: العقر - بالضم -: هو دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها، ثم كثر ذلك
حتى استعمل في المهر، والعقر ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة.
195

2831. الثامن عشر: لو أسر الإمام قوما من أهل الكتاب ونسائهم وذراريهم
فسألوه أن يعتقهم ونساءهم وذراريهم بإعطاء الجزية، لم يكن له ذلك في
النساء والذراري.
2832. التاسع عشر: من فرو المسلمون على النصف قبل القسمة، لم يستحق
الغنيمة ما لم يعد قبل القسمة، ولو فروا بعد القسمة لم يزل ملكهم، ولو فروا قبل
القسمة وقالوا: كنا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة، فالوجه ان لهم سهامهم
فيما غنم قبل الفرار لا بعده ما لم يلحقوا القسمة.
2833. العشرون: إذا استأجر أجيرا لعمل في الذمة (1) كخياطة ثوب أو غيره،
فحضر الأجير الوقعة، أسهم له، وإن استأجره مدة معلومة، فحضر فيها بغير إذنه،
فالوجه انه لا يستحق سهما إلا أن يتعين عليه فيملك السهم، ولو استؤجر (2)
للخدمة في الغزو أو آجر دوابه له، وخرج معها وشهد الوقعة، استحق السهم،
ولو آجر نفسه لحفظ الغنيمة أو سوق الدواب التي من المغنم أو رعيها جاز
وحلت له الأجرة.
2834. الواحد والعشرون: لو دفع إلى المؤجر فرسا ليغزو عليها لم يملكها
المؤجر بذلك.
2835. الثاني والعشرون: لو اشترى المسلم أسيرا من يد العدو بإذنه، لزمه دفع
ما أداه المشتري إلى البائع من الثمن، وإن كان بغير إذنه لم يجب، ولو اتفقا على
الإذن واختلفا في قدر الثمن فالقول قول الأسير.

1. في «ب»: إذا استأجر أجيرا يعمل في الذمة.
2. في «أ»: ولو استأجر.
196

2836. الثالث والعشرون: أهل الحرب إذا استولوا على أهل الذمة فسبوهم
وأخذوا أموالهم ثم قدر عليهم المسلمون، وجب ردهم إلى ذمتهم ولم يجز
استرقاقهم، وأموالهم بحكم أموال المسلمين، إذا علم صاحبها قبل القسمة ردت
إليه (1)، وإن كان بعد القسمة فعلى ما تقدم من الخلاف، وهل يجب فداؤهم؟
فيه نظر.
ويجب فداء الأسارى من المسلمين مع المكنة.
المطلب الخامس: في أقسام الغزاة
وفيه ثمانية مباحث:
2837. الأول: الغزاة ضربان:
المطوعة، وهم الذين إذا نشطوا غزوا، وإذا لم ينشطوا اشتغلوا بمعائشهم،
فهؤلاء لهم سهم في الصدقات، وإذا غنموا في دار الحرب شاركوا الغانمين
وأسهم لهم.
الثاني: الذين أرصدوا أنفسهم للجهاد، فلهم من الغنيمة أربعة الأخماس،
ويجوز أن يعطوا من الصدقة من سهم ابن السبيل.
2838. الثاني: ينبغي للإمام أن يتخذ الديوان، وهو الدفتر الذي فيه أسماء
القبائل قبيلة قبيلة، ويكتب عطاياهم، ويجعل لكل قبيلة عريفا، ويجعل لهم
علامة بينهم، ويعقد لهم ألوية.
2839. الثالث: إذا أراد الإمام القسمة عليهم، قدم الأقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

1. في «أ»: ردت عليه.
197

فالأقرب، فإن استووا قدم أقدمهم هجرة، فإن استووا قدم الأسن، فإذا فرغ من
عطاياهم بدأ بالأنصار، فإذا فرغ منهم بدأ بالعرب، فإذا فرغ قسم على العجم، هذا
كله مستحب لا واجب.
2840. الرابع: قال الشيخ: ذرية المجاهدين إذا كانوا أحياء يعطون على ما
تقدم، فإذا مات المجاهد أو قتل وله ذرية وامرأة، أعطوا من بيت المال كفايتهم لا
من الغنيمة، فإذا بلغوا فإن أرصدوا أنفسهم للجهاد كانوا بحكمهم (1).
2841. الخامس: يحصي الإمام المقاتلة وهم البالغون، ويحصي الفرسان
والرجالة (2) والذرية والنساء ليعلم قدر الكفاية، ويقسم في السنة مرة، ويعطي
المولود، ويحتسب مؤنته من كفاية أبيه إلا انه يفرد بالعطاء وكلما زادت سنه زاد
في عطاء أبيه، ويعطي كل قوم قدر كفايتهم بالنسبة إلى بلدهم.
ويجوز تفضيل بعضهم من سبيل الله وابن السبيل لا من الغنيمة.
2842. السادس: إذا مرض واحد من أهل الجهاد مرضا يرجى زواله لم يسقط
عطاؤه، وإلا كان حكمه حكم الذرية بعد موت المجاهد، ولو مات المجاهد بعد
الحول طالب ورثته بالسهم (3).
2843. السابع: ما يحتاج الكراع وآلات الحرب إليه يؤخذ من بيت المال من
أموال المصالح، وكذلك رزق الحكام والولاة، والمصالح يخرج من ارتفاع
الأراضي المفتوحة عنوة ومن سهم سبيل الله، ومن جملة ذلك ما يلزمه فيما

1. المبسوط: 2 / 73.
2. جمع الراجل.
3. في «ب»: طالب ذريته بالسهم.
198

يخصه من الأنفال والفئ وهو جنايات من لا عقل له ودية من لا يعرف قاتله
وغير ذلك مما نقول انه يلزم من بيت المال.
2844. الثامن: إذا أهدى المشرك إلى الإمام أو إلى رجل من المسلمين هدية
والحرب قائمة، فالأقرب اختصاص المهدى بها، ولا يكون غنيمة.
الفصل السادس: في أحكام أهل الذمة
وفيه مطالب:
[المطلب] الأول: في وجوب الجزية ومن يؤخذ منه
وفيه سبعة عشر بحثا:
2845. الأول: الجزية واجبة بالنص (1) والإجماع، وتعقد لكل كتابي عاقل بالغ
ذكر، ونعني بالكتابي من له كتاب حقيقة، وهم اليهود والنصارى، ومن له شبهة
كتاب وهم المجوس، فتؤخذ الجزية من هؤلاء الثلاثة، سواء كانوا من المبدلين
أو غير المبدلين (2) وسواء كانوا عربا أو عجما.
وتؤخذ ممن دخل في دينهم من الكفار إن كانوا دخلوا قبل النسخ

1. قال الله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر... حتى يعطوا الجزية عن يد وهم
صاغرون) التوبة: آية 29.
2. في المبسوط: 2 / 36 «المبذلين» باعجام الدال وهو تصحيف.
199

والتبديل ومن نسله (1) وذراريه، ويقرون بالجزية ولو ولدوا بعد النسخ وإن دخلوا
في دينهم بعد النسخ، لم يقبل منهم إلا الإسلام، ولا فرق بين أن يكون المنتقل
ابن كتابيين أو وثنيين أو ابن كتابي ووثني في التفصيل الذي ذكرناه.
ولو ولد بين أبوين أحدهما تقبل منه الجزية والآخر لا تقبل ففي قبول
الجزية منه تردد.
2846. الثاني: المجوس تؤخذ منه الجزية مثل اليهود والنصارى.
2847. الثالث: لا تؤخذ من غير أصناف الثلاثة جزية، ولا يقبل منهم إلا
الإسلام من ساير أصناف الكفار، ولو بذلوها لم تقبل وإن لم يكونوا عربا ولم
يكونوا من عباد الأوثان من العرب أو لم يكونوا من مشركي قريش، سواء كان
لهم كتاب كمصحف إبراهيم وصحف آدم وإدريس أو لم يكن.
2848. الرابع: قال ابن الجنيد: ان الصابئين تؤخذ منهم الجزية لأنهم من أهل
الكتاب وإنما يخالفونهم في فروع المسائل لا في الأصول، وقيل: إنهم من اليهود
وكذا السامرة (2).
2849. الخامس: تؤخذ الجزية من جميع النصارى من اليعقوبية (3)

1. في «ب»: أو من نسله.
2. أي يؤخذ عنهم الجزية «لاحظ التذكرة: 1 / 445 - الطبعة الحجرية - وليعلم ان الكلام في
الصابئين ذو شجون فليطلب من محله.
3. هم فرقة من النصارى، ينسبون إلى يعقوب البرذعاني، كان راهبا بالقسطنطينية، ويعتقدون
بالأقانيم الثلاثة، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر
بجسده، بل هو هو. لاحظ الملل والنحل: 2 / 253.
200

والنسطورية (1) والملكية والفرنج والروم والأرمن وغيرهم ممن يتدين بالإنجيل
ويعمل بشريعة عيسى (عليه السلام).
2850. السادس: بنو تغلب ابن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في
الجاهلية إلى النصرانية، وانتقل أيضا من العرب قبيلتان أخريان وهم تنوخ،
وبهراء فصارت القبائل الثلاث من أهل الكتاب تؤخذ منهم الجزية كما تؤخذ
من غيرهم ولا تؤخذ منهم الزكاة مضاعفة.
2851. السابع: لا يحل ذبائح أهل الكتاب ولا مناكحتهم وإن كانوا من
بني تغلب.
2852. الثامن: لو غزا الإمام قوما فادعوا أنهم أهل كتاب (2) دخلوا فيه قبل نزول
القرآن، أخذ منهم الجزية، ولم يكلفهم البينة، ويشترط عليهم نبذ العهد والمقاتلة
إن بان كذبهم، فإن ظهر كذبهم وجب قتالهم، وإنما يظهر باعترافهم بأجمعهم
أنهم عباد وثن.
ولو اعترف بعضهم انتقض عهد المعترف، ولو شهدوا على الآخرين لم
تقبل، ولو أسلم منهم اثنان وعدلوا ثم شهدوا (3) أنهم ليسوا من أهل الذمة انتقض
العهد وقوتلوا.

1. هم أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل برأيه وقال:
إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة. ويظهر من كلام ابن خلدون ان
النسطورية ينسبون إلى نسطوريوس البطرك، بالقسطنطينية ويقول باقنومين وجوهرين، وان
مريم لم تلد إلها وإنما ولدت إنسانا وإنما اتحد به في المشيئة لا في الذات، وليس هو إلها حقيقة
بل بالموهبة والكرامة. لاحظ تاريخ ابن خلدون: 2 / 178.
2. في «ب»: أهل الكتاب.
3. كذا في النسختين والأصح «عدلا ثم شهدا».
201

ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن، وله ولد صغير
وكبير، فأقاما على عبادة الأوثان، ثم جاء الإسلام، فإن الصغير يقر على دين الذمة
إن بذل الجزية دون الكبير (1).
2853. التاسع: في سقوط الجزية عن الفقير من أهل الكتاب قولان، أشهرهما
انه لا يسقط، بل ينتظر بها إلى وقت يساره، ويؤخذ منه ما قرر عليه في كل عام
حال فقره; اختاره الشيخ (2) وأسقط الجزية المفيد (3).
2854. العاشر: يسقط الجزية عن الصبي، فإذا بلغ طولب بالإسلام أو بذل
الجزية، فإن امتنع منهما صار حربا، فإن اختار الجزية عقدها الإمام بحسب ما
يراه، ولا اعتبار بجزية أبيه.
ولو كان الصبي ابن عابد وثن وبلغ، طولب بالإسلام خاصة، فإن امتنع
صار حربا، ولو بلغ الصبي مبذرا لم يزل الحجر عنه، ويكون ماله في يد وليه.
ولو أراد عقد الأمان بالجزية، أو المصير إلى دار الحرب، كان له ذلك،
وليس لوليه منعه عنه، ولو أراد أن يعقد أمانا ببذل جزية كثيرة، فالوجه عندي ان
لوليه منعه عن ذلك.

1. قال المصنف في التذكرة: ولو دخل عابد وثن في دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن وله ابنان
صغير وكبير فأقاما على عبادة الأوثان، ثم جاء الإسلام ونسخ كتابهم، فإن الصغير إذا بلغ وقال:
إنني على دين أبي، وبذل الجزية أقر عليه وأخذ منه الجزية لأنه تبع أبيه في الدين لصغره، وأما
الكبير فإن أراد أن يقيم على دين أبيه وتبذل الجزية لم يقبل، لأن له حكم نفسه ولا يصح له
الدخول في الدين بعد نسخه. تذكرة الفقهاء: 1 / 445 - 446 - الطبعة الحجرية -.
2. المبسوط: 2 / 38.
3. نقله عنه المصنف أيضا في التذكرة: 1 / 446 - الطبعة الحجرية - ولكن استظهر في مختلف
من كلام الشيخ المفيد، الوجوب. لاحظ المختلف: 4 / 450.
202

2855. الحادي عشر: لو صالح الإمام قوما على أن يؤدوا الجزية عن أبنائهم
غير ما يدفعون عن أنفسهم، فان كانوا يؤدون الزائد من أموالهم جاز، ويكون
زيادة في جزيتهم، وإن كان من أموال أولادهم لم يجز.
2856. الثاني عشر: لو بلغ سفيها لم تسقط الجزية عنه، فإن اتفق هو ووليه
على بذل الجزية وعقداها جاز، وإن اختلفا قدم قول وليه وإن لم يعقد أمانا
صار حربا.
2857. الثالث عشر: الإمام إذا عقد الذمة لرجل دخل هو وأولاده الأصاغر
وأمواله في الأمان، فإذا بلغ أولاده لم يدخلوا في ذمة أبيهم وجزيته إلا
بعقد مستأنف.
ولو كان أحد أبويه وثنيا، فإن كان الأب، لحق به ولم تقبل منه الجزية بعد
البلوغ بل يقهر على الإسلام، فإن امتنع ردا إلى مأمنه وصار حربا (1)، وإن كانت
الأم، لحق بالأب وأقر في دار الإسلام ببذل الجزية.
2858. الرابع عشر: تسقط الجزية عن المجنون المطبق، ولو لم يكن مطبقا،
فإن لم ينضبط، اعتبر حاله بالأغلب، وإن انضبط احتمل اعتبار الأغلب والتلفيق.
2859. الخامس عشر: لا تؤخذ الجزية من النساء، ولو بذلتها عرفها الإمام أن لا
جزية عليها، فإن ذكرت أنها تعلمه، وطلبت دفعها، جاز أخذها هبة، ولو شرطته
على نفسها لم يلزمها وجاز لها الرجوع في ما يجوز الرجوع في الهبة.
ولو بعثت من دار الحرب تطلب عقد الذمة وتصير إلى دار الإسلام، عقد

1. في «ب»: وصار حربيا.
203

لها الذمة ومكنت بشرط التزام أحكام الإسلام، ولا يؤخذ منها شئ.
ولو كان في حصن رجال وصبيان ونساء، فامتنع الرجال من أداء الجزية،
وطلبوا الصلح على أن الجزية على النساء والصبيان [دون الرجال] لم يجز،
وبطل الصلح إن فعل. (1)
ولو طلب النساء ذلك، ودعوا (2) أن تؤخذ منهن الجزية، ويكون الرجال في
أمان، لم يصح، ولو قتل الرجال أو لم يكن في الحصن سوى النساء فطلبن عقد
الذمة بالجزية لم يجز ذلك، ويتوصل إلى فتح الحصن ويسبين.
وقال الشيخ: يلزمه عقد الذمة لهن، على أن يجري عليهن أحكام الإسلام
ولا يأخذ منهن شيئا، فإن أخذه رده (3) ولو دخلت الحربية دار الإسلام للتجارة
بأمان، لم يكن عليها أن تؤدي شيئا.
2860. السادس عشر: تؤخذ الجزية من الشيخ الفاني والزمن. والأقرب
مساواة الأعمى لهما، وتؤخذ من أهل الصوامع والرهبان.
2861. السابع عشر: الأقرب عدم سقوط الجزية عن العبد، واختار الشيخ
سقوطها (4) ولا فرق بين أن يكون لذمي أو لمسلم، ويؤديها مولاه عنه، ولو كان
نصفه حرا ونصفه رقا، اخذ منه نصيب الحرية ومن مولاه نصيب الرقية، ولو
أعتق فإن كان حربيا لم يقر بالجزية بل يقهر على الإسلام. قال ابن الجنيد: ولا
يمكن من اللحوق بدار الحرب بل يسلم أو يحبس (5) وإن كان ذميا لم يقر في دار
الإسلام إلا ببذل الجزية أو يسلم.

1. أي وإن عقد الصلح.
2. هكذا في النسخ والتذكير باعتبار لفظ الجمع.
3. المبسوط: 2 / 40.
4. المبسوط: 2 / 40.
5. نقله عنه المصنف في التذكرة أيضا: 1 / 447 - الطبعة الحجرية -.
204

المطلب الثاني: في قدرها ووقتها
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
2862. الأول: اختلف علماؤنا فقال بعضهم: إن لها قدرا مؤقتا، وهو ما قدره
علي (عليه السلام) على الفقير اثنا عشر درهما، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى
الغني ثمانية وأربعون درهما في كل سنة (1) وقال آخرون: إنها مقدرة في طرف
القلة دون الكثرة، فلا يؤخذ من كل كتابي أقل من دينار واحد، ولا يقدر في
طرف الزيادة; قاله ابن الجنيد (2).
الثالث ما ذهب إليه الشيخان أنها غير مقدرة لا في طرف القلة ولا في
طرف الكثرة بل هي منوطة بنظر الإمام (3) وهو الأقوى عندي.
2863. الثاني: تجب الجزية بآخر الحول، ويجوز أخذها سلفا، ولا
تجب بأوله.
2864. الثالث: تؤخذ الجزية مما تيسر من أموالهم من الأثمان والعروض على
قدر تمكنهم، ولا يلزمهم الإمام بعين من ذهب أو فضة. ومع بذل الجزية يحرم
قتالهم إجماعا.

1. نسب المصنف هذا القول في التذكرة إلى أبي حنيفة وأحمد بن حنبل. تذكرة الفقهاء: 1 / 447
- الطبعة الحجرية -.
2. لاحظ المختلف: 4 / 449.
3. المقنعة: 272; المبسوط: 2 / 38; النهاية: 193; الخلاف: 5 / 545، المسألة 9 من كتاب
الجزية.
205

2865. الرابع: لا تتداخل الجزية، بل إذا اجتمعت عليه جزية سنتين أو أكثر،
استوفيت منه أجمع.
2866. الخامس: يتخير الإمام في وضع الجزية إن شاء على رؤوسهم، وإن شاء
على أرضيهم، وهل يجوز له أن يجمع بينهما: عن رؤوسهم شيئا وعن أرضيهم
شيئا؟ منع الشيخان من ذلك (1) وقال أبو الصلاح: يجوز (2) وهو
الأقوى عندي.
2867. السادس: يجوز أن يشترط عليهم في عقد الذمة ضيافة من يمر بهم من
المسلمين، ولو لم يشترطها لم تكن واجبة عليهم. ويجب أن تكون الضيافة
المشترطة زائدة عن أقل ما يجب عليهم من الجزية، وأن تكون معلومة، بأن
يشترط عددا معلوما للضيافة في كل سنة.
والأقرب جواز ان يشترط ضيافة ما زاد على ثلاثة أيام لكل واحد، وتعيين
القوت قدرا وجنسا، وتعيين جنس الادم من لحم وسمن أو زيت وشيرج
وقدره، وتعيين علف الدواب من الشعير والتبن والقت (3) لكل دابة شئ معلوم.
ولا يكلفوا الذبيحة ولا ضيافتهم بأرفع من طعامهم إلا مع الشرط، وينبغي
أن تكون الضيافة على قدر الجزية، فيكثرها على الغني، ويقللها على الفقير،
ويوسطها على المتوسط، ولو تساووا ساوى بينهم.
وينبغي أن يكون نزول المسلمين في فواضل منازلهم وفي بيعهم
وكنائسهم، ويؤمرون بأن يوسعوا أبواب البيع والكنائس، وأن يعلوها لمن يجتاز

1. المقنعة: 273; والنهاية: 193.
2. الكافي في الفقه: 249 و 260.
3. في مجمع البحرين: القت - بفتح تاء مشددة -: الرطب من علف الدواب ويابسه.
206

بهم من المسلمين، فيدخلونها (1) ركبانا، فإن لم تسعهم بيوت الأغنياء نزلوا بيوت
الفقراء ولا ضيافة عليهم، وإن لم تسعهم لم يكن لهم إخراج أرباب المنازل منها،
ولو كثروا فمن سبق إلى منزل كان أحق به، ولو جاءوا دفعة استعملوا القرعة.
2868. السابع: إذا شرطت عليهم الضيافة فإن وفوا بها فلا بحث، وإن امتنع
بعضهم أجبر عليه، ولو امتنعوا أجمع قهروا عليه، ولو احتاجوا إلى المقاتلة
قوتلوا، فإذا قاتلوا نقضوا العهد وخرقوا الذمة، فإن طلبوا منه بعد ذلك، العقد
على أقل ما يراه الإمام أن يكون جزية لهم، لزمه إجابتهم ولا يتقدر بقدر.
2869. الثامن: إذا أدوا الجزية لم يؤخذ منهم غيرها، سواء اتجروا في بلاد
الإسلام أو لم يتجروا إلا في أرض الحجاز.
2870. التاسع: اختلف في الصغار. فقال ابن الجنيد: عندي أن يكون مشروطا
عليهم وقت العقد أن تكون أحكام المسلمين جارية عليهم إذا كانت
الخصومات بين المسلمين وبينهم، أو تحاكموا إلينا في خصوماتهم، وأن تؤخذ
منهم وهم قيام على الأرض (2) وقال الشيخ: هو التزام أحكامنا وجريانها عليهم (3).
2871. العاشر: ينبغي أن لا يشق عليهم في أخذها ولا يعذبون إذا أعسروا عن
أدائها.
2872. الحادي عشر: إذا مات الذمي بعد الحول لم تسقط عنه الجزية، وأخذت
من تركته، ولو مات في أثنائه ففي مطالبته بالقسط نظر، أقربه المطالبة.

1. في «أ»: فيدخلوها.
2. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 4 / 447.
3. المبسوط: 2 / 38.
207

وتقدم الجزية على الوصايا، والوجه مساواتها للدين، ولو لم يخلف شيئا
لم يطالب الورثة بشئ، ولو أفلس كان الإمام غريما يضرب مع الغرماء بقدر
الجزية، ولو سلفها الإمام، رد على ورثته بقدر ما بقي من السنة.
2873. الثاني عشر: لو أسلم الذمي قبل أدائها، فإن كان قبل الحول سقطت، ولا
يؤخذ منه القسط، وإن كان بعده فقولان: أحدهما السقوط، والثاني عدمه،
والأول أقوى.
ولا فرق بين أن يسلم ليسقط عنه الجزية أو يسلم لا لذلك.
2874. الثالث عشر: لو أسلم في أثناء الحول وقد استسلف الإمام الجزية، رد
عليه قسط باقي الحول، والأولى عدم رد ما مضى.
المطلب الثالث: فيما يشترط على أهل الذمة
وفيه ستة أبحاث:
2875. الأول: لا يجوز عقد الذمة المؤبدة إلا بشرطين: أن يلتزموا عطاء الجزية
في كل حول، وأن يلتزموا أحكام الإسلام، ولا يصح عقد الهدنة إلا للإمام أو
نائبه، فلو شرط عليهم في الهدنة شرطا فاسدا مثل أن يشترط عدم الجزية، أو
إظهار المناكير، أو إسكانهم الحجاز، أو إدخالهم المساجد أو الحرم، فسد الشرط.
وفي فساد العقد إشكال.
2876. الثاني: ينبغي للإمام أن يشترط عليهم كلما فيه نفع للمسلمين ورفعة
لهم، وجملة ما يشترط عليهم ستة أقسام:
208

[أحدها:] يجب شرطه ولا يجوز تركه، وهو شرط الجزية عليهم والتزام
أحكام الإسلام، فلو أخل بهما أو بأحدهما عمدا أو نسيانا لم ينعقد الهدنة.
[الثاني:] وما لا يجب شرطه والإطلاق يقتضيه، وهو أن لا يفعلوا ما
ينافي الأمان، من العزم على حرب المسلمين، أو إمداد المشركين بالمعونة،
وهذان القسمان ينتقض العهد بمخالفتهما، سواء شرط ذلك في العقد أو
لم يشترط.
[الثالث:] وما ينبغي اشتراطه مما يجب عليهم الكف عنه، من ترك الزنا
بالمسلمة وعدم إصابتها باسم النكاح، ولا يفتنوا مسلما عن دينه، ولا يقطع عليه
الطريق، ولا يؤوي للمشركين عينا، ولا يعين على المسلمين بدلالة أو بكتبة
كتاب إلى أهل الحرب فيخبرهم بأحوال المسلمين، ولا يقتلوا مسلما ولا
مسلمة، فمتى فعلوا شيئا من ذلك، كان تركه شرطا في العقد، نقضوا العهد، وإلا
فلا، بل يحدهم الإمام إن أوجبت الجناية حدا، وإلا يعزرهم.
[الرابع:] وما فيه غضاضة على المسلمين مثل ذكر ربهم أو كتابهم أو
نبيهم أو دينهم بسوء، فإن نالوا بالسب لله تعالى أو لرسوله وجب قتلهم، وكان
نقضا للعهد، وإن ذكروهما بدون السب أو نالوا كتاب الله أو دين الإسلام بما لا
ينبغي، نقضوا العهد إن شرط عليهم الكف، وإلا فلا.
[الخامس:] وما يتضمن المنكر ولا ضرر على المسلمين فيه، وهو أن لا
يحدثوا كنيسة ولا بيعة في دار الإسلام، ولا يرفعوا أصواتهم بكتبهم، ولا يضربوا
ناقوسا، ولا يطيلوا أبنيتهم على بناء المسلمين، ولا يظهروا الخمر والخنزير في
بلاد الإسلام، فهذا كله يجب عليهم الكف وإن لم يشترط، فإن خالفوا وكان تركه
209

مشترطا نقضوا العهد، وإلا فلا، وقوبلوا بما تقتضيه الجناية. وقال الشيخ: لا يكون
نقضا للعهد وان شرط عليهم (1).
[السادس:] أن يتميزوا عن المسلمين، وينبغي للإمام أن يشترط عليهم
في عقد الهدنة التميز في لباسهم وشعورهم وركوبهم وكناهم، فيلبسوا ما
يخالف لونه سائر ألوان الثياب، ويأخذهم بشد الزنار (2) في وسطهم إن كانوا
نصارى، وإلا فبعلامة كخرقة يجعلها فوق عمامة.
وينبغي أن يختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد أو يضع فيه
جلجلا (3) أو جرسا ليمتاز به (4)، وكذا يأمر نساءهم بلبس شئ يفرق بينهن وبين
المسلمات، بأن يشددن الزنار وتغير أحد الخفين بأن يكون أحدهما أحمر
والآخر أبيض.
ولا يمنعوا من فاخر الثياب. ولا يفرقون شعورهم، ولا يركبون الخيل بل
ما عداها بغير سروج، ويركبون عرضا رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر،
ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتخاذه، ولا يكنوا بكنى المسلمين
كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد، ولا يمنعون من الكنى بالكلية.
2877. الثالث: المستأمن - وهو المعاهد - هو الذي يكون له أمان بغير
ذمة، فيجوز للإمام أن يؤمنه دون الحول بعوض وغيره، ولو أراد أن يقيم
حولا وجب عليه العوض، فإذا عقد له الأمان، فإن خاف الإمام الخيانة، نبذ

1. المبسوط: 2 / 44.
2. الزنار - كتفاح - شئ يكون على وسط النصارى واليهود، والجمع زنانير. مجمع البحرين.
3. الجلجل: الجرس الصغير يعلق في أعناق الدواب وغيرها. مجمع البحرين.
4. في «ب»: ليمتازوا به.
210

إليه الأمان ورده إلى دار الحرب.
2878. الرابع: ينبغي للإمام إذا عقد الذمة أن يكتب أسماءهم وأسماء آبائهم
وعددهم وحليتهم (1) ويعرف على كل عشرة عريفا (2) وإذا عقدوا الذمة عصموا
أنفسهم وأولادهم الأصاغر من القتل، والسبي والنهب ما داموا على الذمة، ولا
يتعرضوا لكنائسهم وبيعهم وخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها.
ولو ترافعوا إلينا تخير الحاكم بين الحكم عليهم بحكم المسلمين، وبين
ردهم إلى حاكمهم.
ومن أراق لهم من المسلمين خمرا أو قتل خنزيرا، فإن كان مع التظاهر فلا
شئ عليه، وإن كان مع استتارهم به وجب عليه القيمة عند مستحليه.
2879. الخامس: لا يجوز أخذ الجزية من المحرمات على المسلمين، كالخمر
والخنزير، ويجوز أخذها من ثمن ذلك.
2880. السادس: إذا مات الإمام وقد ضرب لما قرره من الجزية أمدا معينا، أو
اشترط الدوام، وجب على القائم بعده إمضاء ذلك.
المطلب الرابع: في أحكام الأبنية والمساكن والمساجد
وفيه اثنا عشر بحثا:
2881. الأول: لا يجوز لأهل الحرب أن يدخلوا دار الإسلام إلا بإذن الإمام،

1. حلية الإنسان ما يرى من لونه وظاهره.
2. العريف: القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم، ويتعرف الأمير منه أحوالهم.
لسان العرب.
211

ويجوز له الإذن للمصلحة بعوض وغير عوض مع الحاجة، كنقل الميرة
وأداء الرسالة.
ولو كان تاجرا لا يحتاج المسلمون إلى تجارته كالعطر وشبهه، لم يأذن له
إلا بعوض يراه مصلحة، سواء كان عشر أموالهم أو لم يكن، ولو أذن بغير عوض
لمصلحة جاز.
ولو أطلق الإذن ولم يشترط العوض ولا عدمه ففي العوض إشكال.
وقوى الشيخ عدمه (1) فإن شرط الإمام شرطا دائما بأن يأخذ منهم العشر كل سنة
أو أقل أو أكثر أخذ منهم، وإلا أخذ ما يراه مصلحة.
ولو دخل الحربي بغير أمان وقال: أتيت برسالة، قبل قوله، ولو قال: أمنني
مسلم، لم يقبل إلا بالبينة، ولو لم يدع شيئا كان للإمام قتله واسترقاقه وأخذ ماله.
2882. الثاني: لا يجوز لمشرك ذمي أو حربي سكنى الحجاز، ونعني
بالحجاز مكة والمدينة واليمامة وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها يسمى حجازا
لحجزه بين نجد وتهامة، قال الأصمعي (2) وأبو عبيدة (3): جزيرة العرب ما بين
عدن إلى ريف العراق طولا، ومن جدة والسواحل إلى أطراف الشام عرضا، وقد
تطلق جزيرة العرب على الحجاز.
ويجوز لهم دخول الحجاز بإذن الإمام للتجارة، ويجوز للإمام أن يأذن لهم

1. المبسوط: 2 / 49.
2. عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع البصري اللغوي النحوي صاحب
النوادر، مات حدود سنة 216 ه‍ «لاحظ الكنى والألقاب: 2 / 32».
3. أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي البصري، مولى بني تميم، أخذ عنه أبو حاتم والمازني
وغيرهم، مات سنة (211 ه‍). لاحظ وفيات الأعيان: 5 / 235.
212

في مقام ثلاثة أيام، فإذا أقام في بلد ثلاثة أيام انتقل عنه إلى بلد آخر، وإنما يأذن
الإمام مع المصلحة كحمل الميرة.
2883. الثالث: لو دخل الحجاز مشرك بغير إذن الإمام عزر ولا يقتل ولا
يسترق، وإن كان جاهلا لم يعزر وينهى عن المعاودة، ولو دخل بإذن وأقام ثلاثة
أيام، جاز أن ينتقل إلى غيره من بعض مواضع الحجاز ثلاثة أيام، وهكذا لو
مرض بالحجاز جازت له الإقامة، ولو مات دفن في مكانه.
2884. الرابع: يجوز له الاجتياز في أرض الحجاز بإذن وغيره، قاله الشيخ (1)
فإن اجتاز لم يمكن من المقام أكثر من ثلاثة أيام، ولو كان له دين على رجل
فأراد الإقامة لاقتضائه لم يكن له ذلك، ووكل فيه.
قال الشيخ: لا يمنعون من ركوب بحر الحجاز، ولو كان فيه جزائر وجبال
منعوا من سكناها، وكذا سواحل بحر الحجاز (2).
2885. الخامس: لا يجوز لهم دخول الحرم لا اجتيازا ولا استيطانا ولا دخول
الكعبة، فإن قدم بميرة لأهل الحرم منع من الدخول إليه، وإن أراد أهل الحرم
الشراء منه خرجوا إلى الحل (3) وابتاعوا منه.
ولو جاء رسولا إلى الإمام بعث إليه ثقة يسمع رسالته، ولو امتنع من أدائها
إلا مشافهة خرج الإمام إليه من الحرم، ولو دخل الحرم عالما بالتحريم عزر، ولو
كان جاهلا لم يعزر إلا أن يعاود بعد النهي.
فإن مرض في الحرم نقله منه، ولو مات لم يدفن فيه.

1. المبسوط: 2 / 48.
2. المبسوط: 2 / 48.
3. في «ب»: «إلى الجبل» وهو تصحيف.
213

فان دفن فيه، قال الشيخ: ترك على حاله (1) والوجه نبشه وإخراجه إلا
ان يتقطع.
ولو صالحهم الإمام على دخول الحرم بعوض، قال الشيخ: جاز ذلك،
ووجب دفع العوض، وإن كان خليفته وكان العوض فاسدا، بطل [المسمى] وله
أجرة المثل (2).
ولو صالح الرجل أو امرأة على الدخول إلى الحجاز بعوض جاز، ولو
صالح المرأة على سكنى دار الإسلام غير الحجاز بعوض، لم يلزمها.
2886. السادس: لا يجوز لذمي ولا لغيره من أصناف الكفار دخول المسجد
الحرام بالإجماع بإذن وغيره، وكذا غيره من المساجد عندنا، ولا يجوز للمسلم
أن يأذن له في ذلك.
2887. السابع: إذا وفد قوم من المشركين إلى الإمام أنزلهم في فضول منازل
المسلمين، فإن لم يكن لهم فضول منازل جاز أن ينزلهم في دار ضيافة إن كانت،
وإلا أسكنهم في أفنية الدور والطرقات، ولا يمكنهم من دخول المساجد.
2888. الثامن: البلاد التي ينفذ فيها أحكام المسلمين ثلاثة:
أحدها: ما أنشأه المسلمون وأحدثوه واختطوه كالبصرة وبغداد والكوفة،
فلا يجوز إحداث كنيسة فيها ولا بيعة ولا بيت لصلاتهم ولا صومعة راهب
إجماعا، ويجوز إبقاء ما وجد من البيع والكنائس.
الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة فهو للمسلمين، ولا يجوز إحداث بيعة

1. المبسوط: 2 / 48.
2. المبسوط: 2 / 48.
214

ولا كنيسة ولا صومعة لراهب فيه، وما كان قبل الفتح فإن هدمه المسلمون وقت
الفتح، لم يجز استجداده أيضا، وإن لم يهدموه قال الشيخ: لا يجوز إقراره (1).
الثالث: ما فتح صلحا على أن الأرض لهم، فلهم تجديد ما شاءوا فيها
واظهار الخمور والخنازير وضرب الناقوس، وإن صولحوا على أن الأرض
للمسلمين ويؤدون الجزية، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه
الصلح، إن شرط إقرارهم عليها أو على إحداث ذلك وإنشائه جاز، وإن شرط
عليهم أن لا يحدثوا شيئا أو يخربوها جاز أيضا، ولو لم يشترطوا شيئا لم يجز
تجديد شئ، وإذا شرطوا التجديد ينبغي أن يعين مواضع البيع والكنائس.
2889. التاسع: كل موضع لا يجوز لهم إحداث شئ فيه إذا أحدثوا فيه جاز
نقضه وتخريبه، وكل موضع لهم إقراره لا يجوز هدمه، فلو انهدم تردد الشيخ في
جواز إعادته (2) ويجوز رم (3) ما تشعث منها وإصلاحه.
2890. العاشر: دور أهل الذمة إن كانت محدثة مثل أن يشتري الذمي عرصة
يستأنف فيها بناء، فليس له أن يعلوا على بناء المسلمين ولا أن يساويه، بل يجب
أن يقصر عنه، وإن كانت مبتاعة تركت على حالها وإن كانت أعلى من
المسلمين، وكذا لو كان للذمي دار عالية فاشترى المسلم دارا إلى جانبها أقصر
منها، فإنه لا يجب على الذمي هدم علوه.
ولو انهدمت دار الذمي العالية فأراد تجديدها، لم يجز له العلو على
المسلم ولا المساواة، وكذا لو انهدم ما ارتفع لم يكن له إعادته، ولو تشعث منه

1. المبسوط: 2 / 46.
2. المبسوط: 2 / 46.
3. رممت الشئ رما ومرمة إذا أصلحته. مجمع البحرين.
215

شئ ولم ينهدم جاز رمه وإصلاحه، ولا يجب أن يكون أقصر من بناء
المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد، وانما يلزمه أن يقصره عن بناء محلته.
2891. الحادي عشر: لا ينبغي تصدير أهل الذمة في المجالس ولا بدأتهم
بالسلام، وإذا سلموا على المسلم اقتصر في الرد على قوله: وعليكم.
2892. الثاني عشر: مصرف (1) الجزية مصرف الغنيمة سواء للمجاهدين
وكذلك ما يؤخذ منهم على وجه المعاوضة لدخول بلاد الاسلام.
الفصل السابع: في المهادنة وتبديل أهل الذمة دينهم ونقض
العهد
وفيه مطالب:
[المطلب] الأول: في المهادنة
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
2893. الأول: الهدنة والموادعة والمعاهدة: وضع القتال وترك الحرب إلى مدة
بعوض وغيره، وهي مشروعة بالنص والإجماع، وانما يجوز مع المصلحة
للمسلمين إما لضعفهم عن المقاومة أو لرجاء الإسلام أو لبذل الجزية

1. في «ب»: يصرف.
216

والتزام أحكام الإسلام، ولو لم تكن المصلحة للمسلمين لم تجز مهادنتهم.
2894. الثاني: إذا اقتضت المصلحة الهدنة وجب ذكر المدة، ولا يجوز مطلقا
إلا أن يشترط الإمام الخيار لنفسه متى شاء، وكذا لا يجوز إلى مدة مجهولة، وإذا
اشترط مدة معلومة لم يجز أن يشترط نقضها من شاء منهما، ويجوز أن يشترط
الإمام لنفسه، وأن يشترط لهم أن يقرهم ما شاء، ولا يجوز ما أقرهم الله (به) (1).
2895. الثالث: إذا اقتضت المصلحة المهادنة، وكان في المسلمين قوة لم يجز
للإمام أن يهادنهم أكثر من سنة، ويجوز أن يهادنهم أربعة أشهر فما دون، وهل
يجوز أقل من سنة وأكثر من أربعة؟ قال الشيخ: الأظهر انه لا يجوز (2)، ولو قيل
بالجواز مع المصلحة كان قويا، ولو لم يكن في المسلمين قوة، واقتضت
المصلحة مهادنتهم أكثر من سنة لمكيدة يثبت بها إعداد قوة، أو ليتفرغ لعدو وهو
أشد نكاية من الذي يهادنه، أو لغيره جاز.
قال الشيخ: وابن الجنيد: تتقدر الزيادة بعشر سنين، فلا يجوز الزيادة
عليها. فلو عقده أزيد من عشر سنين بطل الزايد خاصة (3).
2896. الرابع: لو أراد حربي دخول دار الإسلام رسولا أو مستأمنا، فإن كان
لقضاء حاجة من نقل ميرة أو تجارة أو أداء رسالة يحتاج إليها المسلمون، جاز
للإمام الإذن بعوض وغيره يومين وثلاثة، وإن أراد الإقامة قال الشيخ: يجوز إلى
أربعة أشهر لا أزيد (4)، والوجه عندي الجواز مع المصلحة.
2897. الخامس: الهدنة ليست واجبة على كل تقدير سواء كان بالمسلمين

1. ما بين القوسين موجود في «أ».
2. المبسوط: 2 / 51.
3. المبسوط: 2 / 51.
4. المبسوط: 2 / 51.
217

قوة أو ضعف، ويجوز على غير مال، ولو صالحهم الإمام على مال يدفعه إليهم جاز
مع الضرورة لا بدونها، وهل دفع المال مع الضرورة واجب؟ الأقرب عدمه، وإذا
بذل المال لم يملكه الآخذ.
ويجوز أن يهادنهم عند الحاجة على وضع شئ من حقوق المسلمين
في أموال المهادنين، وأن يضع بعض ما يجوز تملكه من أموال المشركين
بالقدرة عليهم حفظا لأصحابهم وتحرزا من دوائر الحروب.
2898. السادس: لا يجوز عقد الهدنة ولا الذمة بالجزية إلا من الإمام أو نائبه،
أما عقد الأمان، فيجوز لآحاد الرعايا أن يؤمنوا آحاد المشركين.
2899. السابع: إذا عقد الهدنة وجب عليه حمايتهم من المسلمين وأهل
الذمة، ولا يجب من أهل الحرب ولا حماية بعضهم من بعض، ولو أتلف مسلم
أو ذمي عليهم شيئا ضمنه، ولو أغار عليهم قوم من أهل الحرب فسبوهم لم
يجب عليه استنقاذهم. والوجه انه يجوز للمسلمين شراؤهم.
2900. الثامن: الشرط الصحيح في عقد الهدنة لازم مثل، أن يشترط عليهم مالا
أو معونة للمسلمين، والفاسد يبطل العقد مثل أن يشترط رد النساء والسلاح.
ولو شرط رد من جاء مسلما من الرجال فجاء مسلم فأرادوا أخذه، فإن
كان ذا عشيرة يحفظونه من الافتتان، جاز رده بمعنى انه لا يمنعهم من أخذه إذا
طلبوه، ولا يجبره على المضي معهم، ولا يمنعه من الرجوع إليهم إن اختار ذلك
وله أن يأمره سرا بالهرب أو المقاتلة، وإن كان مستضعفا لم يجز رده.
ولو شرط في الصلح رد الرجال مطلقا لم يجز، ويبطل الصلح، ومع
218

بطلانه لا يرد من جاء منهم رجلا كان أو امرأة، ولا يرد البدل عنها بحال.
ولو جاء صبي ووصف الإسلام لم يرد، ولا يرد المجنون ولو بلغ أو أفاق،
فإن وصفا الإسلام كانا مع المسلمين، وان وصفا الكفر، فإن كان ممن لا يقر أهله
عليه، الزما بالإسلام أو ردا إلى مأمنهما، وإن كان ممن يقر أهله عليه، الزما بذلك
أو الجزية.
ولو جاء عبد (مسلم) (1) حكمنا بحريته، ولو جاء سيده لم يرد عليه هو
ولا ثمنه.
2901. التاسع: رد النساء المهاجرات إلينا عليهم حرام على الإطلاق، فلو
صالحهم الإمام على رد من جاء من النساء مسلمة لم يجز الصلح، ولو طلبت
امرأة أو صبية الخروج من عند الكفار جاز لكل مسلم إخراجها، وتعين عليه
ذلك مع المكنة.
2902. العاشر: إذا عقد الهدنة مطلقا فجاءنا منهم إنسان مسلما أو بأمان لم
يجب رده إليهم، ولا يجوز ذلك، سواء كان حرا أو عبدا أو رجلا أو امرأة.
ولو أطلق الهدنة ثم جاءت امرأة مسلمة أو جاءت كافرة وأسلمت لم يجز
ردها، فإن جاء أبوها أو أخوها أو أحد أنسابها لم تدفع إليه، ولو طلب أحدهم
مهرها 2 لم يدفع إليه.
ولو جاء زوجها أو وكيله بطلبها لم تسلم إليه، وإن طلب مهرها ولم يكن
قد سلمه إليها فلا شئ له وكذا لو لم يسم شيئا، وإن كان قد سلمه رد عليه ما

1. ما بين القوسين موجود في «أ».
2. في «ب»: ما أمهرها.
219

دفعه، ولو سمى مهرا فاسدا وأقبضها كالخمر لم يكن له المطالبة به ولا بقيمته.
وكل موضع يجب فيه رد المهر فإنه يكون من بيت مال المسلمين المعد
للمصالح، وإنما يرده لو قدمت إلى بلد الإمام أو بلد خليفته ومنع من ردها إليه
ولو قدمت إلى بلد غيرهما وجب على المسلمين منعه من أخذها، ولا يلزم
الإمام أن يعطيهم شيئا، سواء كان المانع من ردها العامة أو رجال الإمام، ولا يرد
عليه ما أنفقه في العرس ولا ما يهديه إليها أو يكرمها به.
2903. الحادي عشر: لو قدمت وأسلمت ثم جنت لم ترد ورد مهرها، ولو
اشتبه وقوع الإسلام في السلامة أو الجنون لم ترد ولا يرد مهرها، فإن أفاقت
فأقرت بالإسلام رد مهرها عليه، وإن أقرت بالكفر ردت عليه.
ولو جاءت مجنونة ولم يعلم حالها لم يرد عليه، ولا يرد مهرها، فإن
أفاقت وذكرت أنها أسلمت رد عليه مهرها، ومنع منها. وإن ذكرت أنها لم تسلم
ردت عليه.
2904. الثاني عشر: لو قدمت صغيرة ووضعت الإسلام لم ترد إليهم. قال
الشيخ: ولا يجب رد المهر إلا أن تبلغ وتقيم على الإسلام، وإن لم تقم ردت (1).
2905. الثالث عشر: لو قدمت مسلمة ثم ارتدت وجب عليها أن تتوب، فإن
امتنعت حبست دائما، وضربت أوقات الصلوات، ولا تقتل، فإن جاء زوجها
وطلبها لم ترد عليه، ويرد عليه مهرها.
2906. الرابع عشر: لو جاءت مسلمة، فجاء زوجها يطلبها، فمات أحدهما

1. المبسوط: 2 / 54.
220

بعد المطالبة، وجب رد المهر عليه إن كان الميت هي، وعلى ورثته إن كان الميت
هو، ولو مات أحدهما قبل المطالبة لم يكن له شئ.
2907. الخامس عشر: لو قدمت مسلمة، فطلقها زوجها بائنا أو خالعها قبل
المطالبة، لم يجب رد المهر إليه، وإن كان بعد المطالبة وجب، وإن كان رجعيا لم
يكن له المطالبة، ولو راجعها رد عليه المهر مع المطالبة.
2908. السادس عشر: لو جاءت مسلمة، ثم جاء زوجها وأسلم، فإن أسلم قبل
انقضاء عدتها، كان على النكاح، فإن كان قد أخذ مهرها قبل إسلامه، ثم أسلم في
العدة، ردت إليه (1) ووجب عليه رد مهرها إليها (2).
ولو أسلم بعد انقضاء عدتها بانت منه، فإن كان قد طالب بالمهر قبل
انقضاء عدتها، كان له المطالبة، وإلا فلا.
ولو كانت غير مدخول بها فأسلمت ثم أسلم، لم يكن له المطالبة بمهرها.
2909. السابع عشر: لو قدمت أمة مسلمة إلى الإمام صارت حرة، فإن جاء
سيدها بطلبها لم تدفع إليه ولا قيمتها، ولو جاء زوجها لم ترد عليه، ولو طلب
مهرها وكان حرا رد عليه وإن كان عبدا (3) لم يدفع إليه المهر حتى يحضر مولاه
فيطالب به.
ولو حضر المولى دون العبد لم يدفع إليه شئ، وعندي في وجوب رد
مهر الأمة نظر.

1. في «أ»: ردت عليه.
2. واستدل المصنف في التذكرة بأن استحقاقه للمهر إنما كان بسبب الحيلولة، وقد زالت.
3. في «أ»: ولو كان عبدا.
221

2910. الثامن عشر: إذا قدمت مسلمة إلى الإمام، فجاء رجل ادعى زوجيتها،
فإن اعترفت ثبت، وإلا أقام مسلمين عدلين. ولا يقبل الواحد مع امرأتين ولا
مع يمين.
وإذا ثبت بالبينة أو الاعتراف، وادعى تسليم المهر إليها ثبت إن صدقته، وإلا
فعليه البينة، ويقبل شاهد وامرأتان أو مع يمين، ولا يقبل قول الكفار وإن كثروا،
ولو عدم البينة فالقول قولها مع اليمين.
2911. التاسع عشر: لا اعتبار بالمسمى بل بأقل الأمرين من المقبوض وما
وقع عليه العقد، ولو اختلفا في المقبوض كان القول قولها مع اليمين وعدم البينة.
2912. العشرون: إذا عقد الإمام الهدنة ثم مات، وجب على من بعده من
الأئمة العمل بموجب ما شرطه الأول إلى أن يخرج مدة الهدنة.
2913. الواحد والعشرون: إذا نزل الإمام على بلد، وعقد معهم صلحا على أن
البلد لهم، ويضرب خراجا على أرضهم بقدر الجزية (1) ويلتزمون أحكامنا جاز،
ويكون ذلك في الحقيقة جزية، فلو أسلم منهم واحد، سقط وصارت
الأرض عشرية.
فإن شرط أن يأخذ العشر من زرعهم جاز إذا غلبت على ظنه أنه لا يقصر
عن أقل ما تقتضي المصلحة أن يكون جزية، ولو ظن القصور لم يجز، فإن لم
يظن القصور وعدمه، قال الشيخ: الظاهر من المذهب انه يجوز لأن فعل
الإمام حجة (2).

1. في «ب»: «الجزتين» وهو تصحيف. لاحظ المبسوط: 2 / 56; والتذكرة 1 / 455 - الطبعة
الحجرية -.
2. المبسوط: 2 / 56.
222

2914. الثاني والعشرون: قال ابن الجنيد: لو كانت بالمسلمين ضرورة أباحت
لهم شرطا في الهدنة، فحدث للمسلمين ما لم يكن يجوز ذلك الشرط معه
مبتدأ، لم يجز عندي فسخ ذلك الشرط ولا الهدنة لأجل الحادث.
المطلب الثاني: في تبديل أهل الذمة
وفيه ثلاثة مباحث:
2915. الأول: إذا انتقل ذمي تقبل منه الجزية إلى دين يقر أهله عليه بالجزية
كاليهودي يصير نصرانيا أو بالعكس أو مجوسيا أو النصراني مجوسيا وبالعكس،
قال ابن الجنيد: يجوز ذلك، ويقر عليه بالجزية، وقال الشيخ: الذي يقتضيه
المذهب [أنه يجوز ان يقر عليه] (1) ان الكفر كالملة الواحدة، ولو قيل: انه لا يقر
عليه كان قويا (2) وذلك يدل على تردده. قال: فإذا قلنا يقرو انتقل أقر على جميع
أحكامه، وإن انتقل إلى المجوسية فكذلك (3).
2916. الثاني: إذا انتقل إلى دين يقر أهله عليه فلا بحث مع القول بالإقرار،
وإن قلنا لا يقر فبأي شئ يطالب؟ منهم من يقول يطالب بالإسلام خاصة،
ومنهم من يقول يطالب بالإسلام أو بدينه الأول، وتردد الشيخ هنا (4).
2917. الثالث: إذا انتقل إلى دين لا يقر أهله عليه كاليهودي يصير وثنيا،
لا يقر عليه إجماعا، وقوى الشيخ أنه لا يقبل منه إلا الإسلام (5) وقيل:
يطالب بالإسلام أو بالرجوع إلى دينه الأول، وقيل: أو دين يقر أهله عليه،

1. ما بين المعقوفتين موجود في المصدر، وتقتضيه استقامة العبارة.
2. المبسوط: 2 / 57.
3. المبسوط: 2 / 57.
4. المبسوط: 2 / 57.
5. المبسوط: 2 / 57.
223

واستضعفه الشيخ (1) وابن الجنيد، فإن أقام على الامتناع قتل.
وأما أولاده الكبار فلهم حكم نفوسهم، وأما الصغار، فإن كانت أمهم على
دين يقر أهله عليه ببذل الجزية، أقروا في بلاد الإسلام، سواء ماتت الأم (2) أولا.
وإن كانت على دين لا يقر أهله عليه، فإنهم يقرون أيضا لما سبق لهم من الذمة.
المطلب الثالث: في نقض العهد
وفيه ستة مباحث:
2918. الأول: إذا عقد الإمام الهدنة وجب عليه الوفاء بما عقده ما لم ينقضه
المشركون، فإن شرعوا في نقضه، فإن كان الجميع وجب قتالهم، وإن كان
البعض، فإن أنكر الباقون ما فعله الناقضون بقول أو فعل ظاهر، (3) أو اعتزلوهم، أو
راسلوا الإمام يعرفونه إنكارهم وإقامتهم على العهد، كان العهد باقيا في حقهم،
وإن سكتوا كانوا ناقضين أيضا.
2919. الثاني: إذا نقض جميع المشركين العهد غزاهم الإمام وبيتهم وأغار
عليهم وصاروا حربا، وإن نقض البعض غزاهم الإمام خاصة دون المقيمين على
العهد، فلو اختلطوا أمرهم (4) الإمام بالتمييز، ولو لم يتميزوا فمن اعترف بالنقض
قتل، ومن أنكر قبل قوله وترك.

1. المبسوط: 2 / 57.
2. وفي النسختين «مات الإمام» وهو تصحيف والصحيح ما أثبتناه، كما في المبسوط: 2 / 58;
والتذكرة: 1 / 456 - الطبعة الحجرية -.
3. في «أ»: ظاهرا.
4. في «أ»: «اقرهم» وهو تصحيف.
224

ولو نقضوا العهد ثم تابوا، قال ابن الجنيد: أرى القبول منهم.
2920. الثالث: إذا خاف الإمام من خيانة المهادنين وغدرهم بسبب أو أمارة
دلته على ذلك، جاز له نقض العهد، ولا يكفي وقوع ذلك في قلبه حتى تدله
أمارة على ما خافه، ولا تنتقض الهدنة بنفس الخوف، بل للإمام نقضها، بخلاف
الذمي إذا خيف منه الخيانة، فإن عقده لا ينقضه الإمام بذلك.
2921. الرابع: إذا نقض الإمام الهدنة لخوفه ونبذ إليهم عهدهم، فإنه يردهم
إلى مأمنهم ويصيرون حربا، فإن لم يتضمن النقض حقا مثل أن يأوي عين
المشركين، أو يطلعهم على عوراتهم، رده إلى مأمنه ولا شئ عليه، وإن تضمن
حقا كقتل مسلم، أو إتلاف مال، استوفي ذلك منه، وكذا إن كان لله محضا كالزنا،
أو مشتركا كالسرقة.
2922. الخامس: إذا عقد الهدنة وجب حفظهم من المسلمين وأهل الذمة دون
أهل الحرب، فإن عقد الذمة كان عليه أن يذب عنهم أهل الحرب وغيرهم، فإن
شرط في عقد الذمة أن لا يدفع عنهم أهل الحرب، فإن كانوا في بلاد الإسلام
بطل الشرط، وإن كانوا في دار الحرب أو بين الدارين صح الصلح.
ومتى لم يدفع عنهم أهل الحرب حتى مضى حول، لم تكن عليهم جزية،
وإن سباهم أهل الحرب فعليه أن يسترد ما سبي منهم من الأموال إلا
الخمر والخنزير.
2923. السادس: لو أغار أهل الحرب على أهل الهدنة، وأخذوا أموالهم، وظفر
بهم الإمام، واستنقذ أموال أهل الهدنة، احتمل وجوب الرد عليهم وعدمه.
225

المطلب الرابع: في الحكم بين المعاهدين والمهادنين
وفيه تسعة مباحث:
2924. الأول: إذا تحاكم إلينا ذمي ومسلم، أو مستأمن ومسلم، وجب على
الحاكم أن يحكم بينهما على ما يقتضيه حكم الإسلام، وإن تحاكم أهل الذمة
بعضهم مع بعض، تخير الإمام بين الحكم بينهم والإعراض عنهم (1) ولا يجب
الحكم بينهم، وكذا لو كانوا مستأمنين.
2925. الثاني: إذا استعدى أحد الخصمين على الآخر أعداه الإمام في كل
موضع يلزم الحاكم الحكم بينهم، فإذا استدعى خصمه وجب عليه الحضور إلى
مجلس الحاكم.
ولو جاءت امرأة ذمية تستعدي على زوجها الذمي في طلاق أو ظهار أو
ايلاء، تخير الإمام في الحكم بينهم حكم المسلمين والرد على أهل نحلتهم
ليحكموا بينهم بمذهبهم.
فإن حكم بينهم منعه في الظهار من الوطء قبل الكفارة، ولا يكفر بالصوم
ولا بالعتق بل بالإطعام.
2926. الثالث: لا يكره للمسلم أن يأخذ من نصراني مالا مضاربة، ويكره له أن
يدفع إلى النصراني مالا للمضاربة، وينبغي أن يشترط عليه ألا يتصرف إلا بما
يسوغ في شرع الإسلام.

1. في «ب»: أو الإعراض عنهم.
226

فإذا شرط واشترى خمرا بطل الشراء، سواء كان بعين المال أو في الذمة،
فإن قبض الثمن ضمنه، وإن لم يشترط واشترى الخمر، بطل البيع أيضا.
وإذا نض المال فإن علم المالك انه تصرف في محظور أو خالط محظورا،
لم يجز له قبضه، وإن علم انه مباح، قبضه، وإن شك كره.
2927. الرابع: إذا آجر نفسه للذمي صح، سواء كانت في الذمة أو معينة،
وتكون أوقات العبادة مستثناة.
2928. الخامس: إذا فعل الذمي ما لا يسوغ في شرعنا وشرعه، كالزنا واللواط
والسرقة، كان الحكم في ذلك كالحكم بين المسلمين في إقامة الحدود، وإن كان
مما يجوز في شرعهم، كشرب الخمر ونكاح المحارم، لم يتعرض لهم مع
الاستتار، وإن أعلنوه أدبهم الإمام على إظهاره.
قال الشيخ: وروي أنه يقيم عليهم الحد، وهو الصحيح (1).
2929. السادس: لو باع نصراني من مسلم خمرا، أو اشتراه منه، أبطلنا البيع
وإن تقابضا، ورددنا الثمن إلى المشتري، سواء كان مسلما أو مشركا،
وأرقنا الخمر.
2930. السابع: إذا أوصى مسلم لذمي بعبد مسلم لم تصح الوصية، ولو كان
العبد مشركا فأسلم قبل موت الموصي ثم مات فقبله الموصى له لم يملكه.
2931. الثامن: يمنع المشرك من تملك العبد المسلم وشراء المصاحف، فإن
اشترى لم يصح البيع، قال الشيخ: وحكم أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآثار السلف

1. المبسوط: 2 / 61.
227

وأقاويلهم حكم المصحف (1)، والأقوى عندي الكراهية، أما كتب النحو واللغة
والآداب، فإن شراءها جائز لهم.
2932. التاسع: إذا أوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيعة أو موضع لصلواتهم أو
مجتمع لعباداتهم بطلت الوصية، وكذا لو أوصى أن يستأجر خادما للبيعة
والكنيسة أو يعمل صلبانا.
ولو أوصى ببناء كنيسة ينزلها المارة من أهل الذمة أو من غيرهم، أو وقفها
على قوم يسكنونها، أو جعل أجرتها للنصارى جازت الوصية، وكذا لو أوصى
للرهبان والشمامسة (2) بشئ.
ولو أوصى ببناء كنيسة لنزول المارة والصلاة، قيل بطلت في الصلاة،
فتبنى كنيسة بنصف الثلث لنزول المارة، فإن لم يمكن بطلت، وقيل تبنى بالثلث
لنزول المارة، ويمنعون من الاجتماع للصلاة، وكلاهما قوي.
ولو أوصى بشئ يكتب به التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو غير ذلك من
الكتب القديمة بطلت الوصية.
ولو أوصى أن يكتب طب أو حساب أو غيره، ويوقف عليهم أو على
غيرهم جاز.
ويكره للمسلم أجرة رم ما يستهدم من الكنائس والبيع من بناء ونجارة
وغير ذلك، وليس بمحرم.

1. المبسوط: 2 / 62.
2. الشمامسة جمع شماس، وهو من رؤوس النصارى الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة. لسان
العرب مادة (شمس).
228

الفصل الثامن: في قتال أهل البغي
وفيه أربعة وثلاثون بحثا:
2933. الأول: قتال أهل البغي واجب بالنص والإجماع، ويثبت حكم البغي
بشرائط ثلاثة:
[الأول] أن يكونوا في منعة وكثرة لا يمكن كفهم وتفريق جمعهم إلا
باتفاق وتجهيز جيوش وقتال، ولو كانوا نفرا يسيرا كالواحد والعشرة لم يكونوا
أهل بغي وكانوا قطاع طريق; اختاره الشيخ (1) وابن إدريس (2)، وعندي فيه نظر.
الثاني: أن يخرجوا عن قبضة الإمام منفردين عنه في بلد أو بادية، ولو
كانوا معه أو في قبضته لم يكونوا أهل بغي.
الثالث: أن يكونوا على المباينة بتأويل سائغ عندهم لحصول شبهة
اقتضت خروجهم على الإمام، ولو لم يكن لهم تأويل سائغ وباينوا بغير شبهة،
فهم قطاع الطريق، حكمهم حكم المحاربين.
2934. الثاني: لا يشترط في كونهم أهل بغي أن ينصبوا لأنفسهم إماما، بل كل
من خرج على إمام عادل ونكث بيعته وخالفه في أحكامه فهو باغ، وحكمه
حكم البغاة، سواء نصبوا لأنفسهم إماما أو لا.

1. المبسوط: 7 / 264 و 265 - كتاب قتال أهل البغي -.
2. السرائر: 2 / 15، كتاب الجهاد، باب قتال أهل البغي.
229

2935. الثالث: الإمامة عندنا تثبت بالنص لا بالإجماع ولا الاختيار، وكل من
خرج على إمام منصوص على إمامته، وجب قتاله بعد البعث إليه والسؤال عن
سبب خروجه وإيضاح الصواب له، إلا أن يخاف كلبهم (1) فان رجعوا وإلا قاتلهم.
ويجب تعريفهم (2) مع المكنة قبل القتال.
2936. الرابع: الخوارج هم الذين يكفرون بالذنب، وينالون من علي (عليه السلام) ومن
عثمان، فهؤلاء بغاة.
2937. الخامس: يجب قتال أهل البغي على كل من ندبه الإمام لقتالهم عموما
أو خصوصا، أو من نصبه الإمام على الكفاية (3)، ما لم يستنهضه الإمام على
التعيين، فيجب، ولا يكفيه قيام غيره.
والتأخير عنه كبيرة، والفرار في حربهم كالفرار في حرب الكفار.
ويجب مصابرتهم إلى أن يفيئوا إلى طاعة الإمام أو يقتلوا.
2938. السادس: إذا ظهر قوم اعتقدوا مذهب الخوارج، وطعنوا في
الأئمة، ولم يصلوا معهم، وامتنعوا من الجماعات، وقالوا: لا نصلي خلف إمام،
إلا أنهم في قبضة الإمام، ولم يخرجوا عن طاعته، لم يجز 4 قتلهم بمجرد
ذلك، ولا يكونوا بغاة ما داموا في قبضة الإمام، فإن بعث الإمام إليهم واليا

1. في مجمع البحرين: تكالب: تجاهر بالعداوة.
2. قال الشيخ في المبسوط: كل موضع حكم بأنهم بغاة لم يحل قتالهم حتى يبعث الإمام من
يناظرهم ويذكر لهم ما ينقمون منه، فإن كان حقا بذله لهم وإن كان لهم شبهة حلها، فإذا عرفهم
ذلك، فان رجعوا فذاك وإن لم يرجعوا قاتلهم. المبسوط: 7 / 265.
3. قيد لقوله: «يجب قتال».
4. جواب لقوله: «إذا ظهر قوم».
230

فقتلوه أو قتلوا غير الوالي من أصحاب الإمام أقيد منهم حتما.
2939. السابع: إذا استعان أهل البغي بنسائهم وصبيانهم وعبيدهم في القتال،
وقاتلوا أهل العدل، قوتلوا مع الرجال إذا لم يكن التحرز عنهم وإن أتى القتل
عليهم، وإذا أرادت امرأة أو صبية (1) قتل إنسان كان له دفعهما وإن أتى
على أنفسهما.
2940. الثامن: إذا استعان أهل البغي بالمشركين الحربيين، وعقدوا لهم ذمة
وأمانا على قتل أهل العدل لم يصح ما عقدوه، ويقتلهم الإمام مقبلين ومدبرين،
وإذا وقعوا في الأسر تخير الإمام بين المن والفداء والاسترقاق والقتل، وليس
لأهل البغي أن يتعرضوا لهم، لبذلهم الأمان، وان كان فاسدا.
وإن استعانوا بأهل الذمة فعاونوهم، راسلهم الإمام، فإن ادعوا الشبهة
المحتملة من اعتقادهم تسويغ القتل مع الطائفة من المسلمين أو الإكراه، قبل
قولهم بغير بينة، وكان عهدهم باقيا، وإن لم يدعوه انتقض عهدهم، وجاز قتالهم
مقبلين ومدبرين.
ولو أتلفوا أموالا وأنفسا ضمنوها، وكذا يضمن أهل البغي ما يتلفونه من
مال أهل العدل وأنفسهم حال الحرب في قبلها وبعدها، وإن استعانوا
بالمستأمنين انتقض أمانهم، ولو ادعوا الإكراه، افتقروا إلى البينة.
2941. التاسع: يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمة على حرب أهل البغي،
ومنع الشيخ في المبسوط ذلك (2) وليس بجيد.

1. في التذكرة: «أو صبي» بدل «أو صبية».
2. المبسوط: 7 / 274.
231

ولو استعان من المسلمين بمن يرى قتلهم مقبلين ومدبرين في موضع لا
يجوز، لم يجز إلا مع الضرورة، أو يتمكن الإمام من دفعهم عنهم حالة الإدبار.
وكذا يجوز أن يستعين على أهل الحرب بأهل الذمة ممن هو حسن
الرأي في المسلمين مع أمن الإمام من صيرورتهم مع أهل الحرب.
2942. العاشر: إذا افترق أهل البغي فرقتين فاقتتلوا، فإن قدر الإمام على
قهرهما فعل، ولا يعاون إحداهما على الأخرى، بل يقاتلهما حتى يعودوا
إلى الطاعة.
وإن لم يتمكن تركهما، ويدعوا القاهرة إلى الطاعة، فإن أبت قاتلها.
وان خاف اجتماعهما عليه ضم إحداهما إليه، وقاتل الأخرى قاصدا
كسرها لا معونة الأخرى.
وينبغي أن يقاتل مع التي هي أقرب إلى الحق، فإن تساويا، فمع التي،
المصلحة أكثر بالقتال معها، فإن انهزمت التي قاتلها أو رجعت إلى طاعته، كف
عنها، ولم يجز قتال التي ضمها إليه إلا بعد دعائها إلى طاعته.
2943. الحادي عشر: لا يقاتل أهل البغي بما يعم اتلافه، كالنار والمنجنيق
والتغريق إلا مع الضرورة.
2944. الثاني عشر: إذا لم يمكن دفع أهل البغي إلا بالقتل وجب، ولا شئ
على القاتل، ولا ضمان على أهل العدل فيما يتلفونه من مال أهل البغي حال
الحرب، ولو قتل العادل كان شهيدا ولا يغسل ولا يكفن، ويصلى عليه ويدفن.
ولو أتلف أهل العدل مال أهل البغي أو أنفسهم قبل الشروع في الحرب
أو بعد انقضائه، ضمنوه.
232

قال الشيخ: ولا خلاف ان الحربي إذا أتلف شيئا من أموال المسلمين
ونفوسهم، ثم أسلم فإنه لا يضمن ولا يقاد به. وأما المرتدون فإنهم يضمنون ما
يتلفونه من الأموال والأنفس قبل الحرب وبعدها وفيها (1) ولا فرق بين الواحد
والجمع من أهل البغي في التضمين.
2945. الثالث عشر: أهل البغي قسمان:
أحدهما: أن لا يكون لهم فئة يرجعون إليها، ولا رئيس يجتمعون عنده.
الثاني: أن يكون لهم رئيس يجمعهم وفئة يرجعون إليها، فالأول لا يجتاز
على جريحهم، ولا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم; والثاني يجتاز على
جريحهم، ويتبع مدبرهم، ويقتل أسيرهم، سواء كانت الفئة حاضرة أو غائبة،
قريبة أو بعيدة.
2946. الرابع عشر: لو قتل واحد من أهل العدل من منع من قتله ضمنه.
والوجه سقوط القصاص.
2947. الخامس عشر: لو وقع أسير من أهل البغي في أيدي أهل العدل وكان
شابا قويا، حبس حتى يبايع أو ينهزم أصحابه إلى غير فئة ويرموا سلاحهم ولو
ولوا مدبرين إلى فئة، لم يطلق وجاز قتله، ولو كان الأسير من غير أهل القتال
كالصبي والمرأة أطلق على إشكال.
2948. السادس عشر: لو أسر كل واحد من الفريقين أسارى من الآخر، جاز
فداء أسارى أهل العدل بأسارى أهل البغي، ولو أبى أهل البغي، حبس أهل

1. المبسوط: 7 / 267.
233

العدل من معهم، ولو قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل
أساراهم إذا لم تكن لهم فئة.
2949. السابع عشر: أموال أهل البغي ضربان:
أحدهما: ما لم يحوه العسكر، والإجماع على بقائه على ملكهم.
الثاني: ما حواه العسكر من سلاح وكراع (1) وخيل وأثاث وغير ذلك،
فللشيخ قولان: أحدهما انها تقسم بين أهل العدل للراجل سهم وللفارس
سهمان ولذي الأفراس ثلاثة (2) وبه قال ابن الجنيد: (3) والثاني أنها باقية على ملك
أهل البغي لا يجوز استغنامها ولا قسمتها (4) وهو اختيار المرتضى (5) وابن إدريس (6)
وهو قوي.
2950. الثامن عشر: لا يجوز لأهل العدل الانتفاع بكراع أهل البغي ولا
بسلاحهم إلا في حال الضرورة، قاله السيد المرتضى، (7) وجوزه الشيخ (8)
والأول أقوى.

1. الكراع اسم لجماعة الخيل خاصة. مجمع البيان.
2. الخلاف: 5 / 346، المسألة 17، من كتاب الباغي; والنهاية: 297; والمبسوط: 7 / 280.
3. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 4 / 464.
4. المبسوط: 7 / 266.
5. الناصريات: 443، المسألة 206.
6. السرائر: 2 / 19.
7. عنونه السيد في الناصريات دون الانتصار. وفي الأولى ما يظهر منه الجواز لا المنع قال
«واختلف الفقهاء في الانتفاع بدواب أهل البغي وبسلاحهم في حال قيام الحرب... وليس
يمتنع عندي أن يجوز قتالهم بسلاحهم على وجه لا يقع التملك له».
الناصريات: 444، المسألة 206.
8. المبسوط: 7 / 280، كتاب قتال أهل البغي.
234

2951. التاسع عشر: الإجماع على أنه لا يجوز سبي ذراري أهل البغي، سواء
كان لهم فئة أو لا ولا تملك نساؤهم.
2952. العشرون: إذا سأل أهل البغي أن ينظرهم ويكف عنهم، فإن سألوا
[به] (1) الإنظار أبدا لم يصح، وإن كان مدة معلومة، ليجتمعوا ويتقووا، لم يجبهم
إلى ذلك، وإن كان للتفكر والعود إلى الطاعة قبل، ولو بذلوا مالا لينظرهم فيما لا
يسوغ لهم إنظاره لم يجز.
ولو كان في أيديهم أسارى أهل العدل وسألوا الإنظار والكف ليطلقوا
أسارى أهل العدل وأخذ منهم الرهائن، جاز، فإن أطلقوا أسارى أهل العدل،
أطلق الإمام رهائنهم، وإن قتلوا من عندهم لم يقتل رهائنهم، فإذا انقضت
الحرب أطلقت الرهائن مع الأمن.
ولو خاف الإمام على أهل العدل الضعف عنهم، فالوجه تأخيرهم إلى
وقت المكنة.
2953. الواحد والعشرون: لو تعوذ أهل البغي عند النكاية (2) فيهم برفع
المصاحف أو الدعوة إلى حكم الكتاب بعد أن دعوا إلى ذلك فأبوا، لم يرفع
عنهم الحرب إلا بما يكون رجوعا إلى الحق مصرحا من غير تأويل.
2954. الثاني والعشرون: لو كان مع أهل البغي من لا يقاتل، ففي جواز
قتله إشكال.
2955. الثالث والعشرون: إذا غلب أهل البغي على بلد فجبوا الصدقات،

1. ما بين المعقوفتين موجود في «أ».
2. في مجمع البحرين: نكيت في العدو نكاية - من باب رمى -: إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل.
235

وأخذوا الجزية، واستأدوا الخراج، لم يقع موقعه، وللإمام أن يجيزه.
وإذا أقاموا الحدود، قال الشيخ: لا يعاد مرة أخرى للمشقة (1) ولو طالبهم
الإمام بالصدقات، فذكروا أن أهل البغي استوفاها منهم، فإن لم يجز الإمام
طالبهم ثانية، ولو أجازه فالأقرب القبول من غير بينة ولا يمين.
قال الشيخ: لو ادعوا أداء الخراج لم يقبل قولهم (2) ولو ادعى أهل الذمة أداء
الجزية إلى أهل البغي، لم يقبل منهم.
2956. الرابع والعشرون: لا يجوز لأحد الحكم والقضاء إلا بإذن الإمام أو من
نصبه، فلو نصب أهل البغي قاضيا لم ينفذ قضاؤه مطلقا في حق أو باطل، سواء
كان القاضي من أهل البغي أو من أهل العدل، ولو كتب بحكمه إلى قاض آخر لم
ينفذه (3).
2957. الخامس والعشرون: أهل البغي فساق، وبعضهم كفار، فلا تقبل
شهادتهم وإن كان عدلا في مذهبه، سواء شهد لهم أو عليهم، وسواء كان على
طريق التدين أو لا على وجه التدين.
2958. السادس والعشرون: المقتول من أهل العدل لا يغسل ولا يكفن
ويصلى عليه، والمقتول من أهل البغي لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا
فرق بين الخوارج وغيرهم.
2959. السابع والعشرون: إذا ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب
الحد ثم قدر عليهم، أقيم فيهم الحد وإن امتنعوا بدار الحرب.

1. المبسوط: 7 / 276.
2. المبسوط: 7 / 277.
3. لاحظ المبسوط: 7 / 277; والتذكرة: 1 / 463 - الطبعة الحجرية -.
236

2960. الثامن والعشرون: قال الشيخ: يكره للعادل القصد إلى قتل أبيه الباغي
أو ذي رحمه، فإن قتله كان جائزا (1) وورثه إن كان وارثا، ولو قتل الباغي العادل،
منع من الميراث.
2961. التاسع والعشرون: يجوز للعادل قصد الباغي بالقتل، قال ابن الجنيد:
لا يستحب للوالي أن يبدأ بقتالهم لجواز الهدنة (2). ولا بيات أحد من أهل البغي
ولا قتله غيلة، قال: ويستحب للوالي إذا أراد إنفاذ سرية إلى عدو أن يأمر فيطاف
باللواء في المساجد الجامعة وأسواق المسلمين، ويأمر الناس بالدعاء له بالنصر
على أعداء المسلمين.
2962. الثلاثون: من سب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) وجب قتله، ولو
عرض بالسب عزر، وكذا لو عرض بالشتم.
2963. الواحد والثلاثون: الردة، هي الخروج عن الملة بالكفر، ومانع الزكاة
ليس بمرتد، ويجب قتاله حتى يدفعها، فإن دفعها، وإلا قتل إن كان محرما
للترك (3)، ولا تركها مع التحليل للترك كان مرتدا.
وإذا أتلف المرتد مالا أو نفسا حال ردته، ضمنه سواء تحيز وصار في
منعة أو لا.
2964. الثاني والثلاثون: إذا قصد رجل رجلا يريد نفسه أو ماله أو حريمه،

1. المبسوط: 7 / 278.
2. وفي التذكرة: «لجواز حدوث إرادة التوبة» ولعل ما في التذكرة أولى مما في المتن لعدم الهدنة
في الباغي. لاحظ تذكرة الفقهاء: 1 / 463 - الطبعة الحجرية -.
3. أي غير منكر وجوبها، وتقابله الفقرة التالية: فينكر وجوبها فيكون مرتدا.
237

كان له أن يقاتله دفعا عن نفسه أو حريمه بأقل ما يمكن دفعه به، ولو لم يندفع
إلا بالقتل جاز، ولا دية له، ولا قود، ولا كفارة.
وهل يجب على الإنسان أن يدافع عن نفسه؟ قال الشيخ: الأقوى
الوجوب، ولا يجوز الاستسلام (1) أما المال فلا يجب أن يدافع عنه، ولا أعلم
فيه خلافا.
والمرأة يجب عليها أن تدافع من أراد فرجها، ولو قتل لم تكن له دية.
2965. الثالث والثلاثون: إذا تمكن المقصود من الهرب وجب وإلا دافع، ولو
تمكن من الصياح وجب إذا حصل المساعد 2.
2966. الرابع والثلاثون: المضطر إلى أكل طعام نجس أو شراب نجس يجب
عليه تناوله لحفظ الرمق.
الفصل التاسع: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
2967. الأول: الأمر طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، والنهي نقيضه.
والمعروف: كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه، إذا عرف
فاعله ذلك أو دل عليه.

1. المبسوط: 7 / 279.
2. في «أ»: المساعدة.
238

والمنكر: كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه أو دل عليه.
والحسن: ما للقادر عليه المتمكن من العلم بحاله أن يفعله.
والقبيح: هو الذي ليس للمتمكن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله.
والحسن شامل للواجب والندب والمباح والمكروه.
والقبيح: هو الحرام خاصة.
2968. الثاني: المعروف ينقسم إلى الواجب والندب، فالأمر بالواجب
واجب، وبالندب ندب، والمنكر كله قبيح، والنهي عنه واجب.
2969. الثالث: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثواب عظيم، قال الله
تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (1).
وقال: (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل - إلى قوله - كانوا لا يتناهون عن
منكر فعلوه) (2).
وروي عن الصادق (عليه السلام): قال: «جاء رجل من خثعم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فقال: يا رسول الله: أخبرني ما أفضل الإسلام؟ فقال: الإيمان بالله، قال: ثم
ماذا؟ قال: صلة الرحم، قال: ثم ماذا؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فقال الرجل: فأي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الشرك بالله، قال: ثم ماذا؟ قال:
قطيعة الرحم، قال: ثم ماذا؟ قال: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» (3).
وقال الكاظم (عليه السلام): «لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو

1. آل عمران: 110.
2. المائدة: 78.
3. التهذيب: 6 / 176 برقم 355 - باختلاف يسير - ولاحظ الوسائل: 11 / 396 الباب 1 من
أبواب الأمر والنهي: الحديث 11.
239

ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» (1).
وعن الباقر (عليه السلام): قال: «ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهي
عن المنكر» (2).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن
المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط
بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء (3). والأخبار
في ذلك كثيرة (4).
2970. الرابع: اتفق العقلاء على وجوب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن
المنكر، واختلفوا في وجوبهما في مقامين.
أحدهما: هل هو عقلي أو سمعي؟ والثاني أقوى.
الثاني: هل هما واجبان على الكفاية أو على الأعيان؟ السيد على الأول (5)
وهو الأقوى. والشيخ على الثاني (6).
2971. الخامس: شرائط وجوبهما أربعة:
أن يعلم المعروف معروفا والمنكر منكرا، ليأمن الغلط في الإنكار والأمر.

1. التهذيب: 6 / 176 برقم 352.
2. التهذيب: 6 / 176 برقم 2، الوسائل: 11 / 393، الباب 1 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 1.
3. التهذيب: 6 / 180 برقم 373.
4. لاحظ الوسائل: 11 / 393; والتهذيب: 6 / 176.
5. نقله عنه الحلي في السرائر: 2 / 22; والمصنف في المختلف: 4 / 472.
6. الاقتصاد: 174.
240

وأن يجوز تأثير إنكاره، فلو غلب على ظنه أو علم عدم التأثير لم يجب،
وقد جعله أصحابنا شرطا على الإطلاق، والأولى أن يكون شرطا لما يكون باليد
واللسان دون القلب.
وأن لا يكون المأمور أو المنهي مصرا على الاستمرار، فلو ظهر منه أمارة
الامتناع سقط الوجوب.
وأن لا يكون على الآمر والناهي ولا على أحد من المؤمنين بسببه مفسدة،
فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى أحد من المؤمنين بسببه، سقط الوجوب.
2972. السادس: مراتب الإنكار ثلاثة: بالقلب واللسان واليد، فالأول يجب
مطلقا وهو أول المراتب، فإذا علم أن فاعل المنكر ينزجر بإظهار الكراهية
وجب، وكذا لو عرف احتياجه إلى الهجر وجب، ولم يجب الزائد.
ولو لم يؤثر انتقل إلى الإنكار باللسان بالوعظ والزجر، ويستعمل الأيسر
أولا، فإن أفاد، وإلا انتقل إلى ما فوقه، ولو لم ينزجر وافتقر إلى اليد كالضرب
وشبهه جاز.
ولو افتقر إلى الجراح، قال السيد: يجوز ذلك بغير إذن الإمام (1) وقال الشيخ:
ظاهر مذهب شيوخنا الإمامية أن هذا الجنس من الانكار لا يكون إلا للأئمة أو
لمن يأذن له الإمام. قال وكان المرتضى يخالف في ذلك ويقول: يجوز فعل
ذلك بغير إذنه (2) وأفتى به الشيخ في التبيان (3) وهو الأقوى عندي.

1. نقله عنه الشيخ الطوسي في الاقتصاد: 150، والمصنف في المختلف: 4 / 475; والتذكرة:
1 / 464 - الطبعة الحجرية -.
2. الاقتصاد: 150.
3. التبيان: 2 / 549 و 566 في ذيل الآية 104 و 114 من سورة آل عمران.
241

2973. السابع: لا يجوز لأحد إقامة الحدود غير الإمام أو من نصبه الإمام
لإقامتها، وقد رخص في حال غيبة الإمام أن يقيم الإنسان الحد على مملوكه إذا
لم يخف ضررا على نفسه ولا ماله ولا على أحد من المؤمنين، وقال الشيخ: وقد
رخص أيضا في حال الغيبة إقامة الحد على الولد والزوجة مع الأمن (1) ومنعه
ابن إدريس ذ (2).
وهل يجوز للفقهاء إقامة الحدود حال الغيبة؟ جزم به الشيخان (3)، وهو
قوي عندي، ويجب على الناس مساعدتهم على ذلك.
2974. الثامن: لا يجوز الحكم والقضاء بين الناس إلا للإمام أو من أذن له
الإمام، وقد فوض الأئمة (عليهم السلام) ذلك إلى فقهاء شيعتهم المأمونين، المحصلين
لمدارك الأحكام، الباحثين عن مآخذ الشريعة، القيمين بنصب الأدلة والأمارات
في حال الغيبة.
فينبغي لمن عرف الاحكام، واستجمع شرائع الحكم الآتية في باب
القضاء من الشيعة الحكم والإفتاء، وله بذلك أجر جزيل وثواب عظيم مع الأمن
على نفسه وماله والمؤمنين، فإن خاف على أحدهم لم يجز له التعرض له
على حال.
2975. التاسع: إذا طلب أحد الخصمين المرافعة إلى قضاة الجور، كان متعديا
للحق، مرتكبا للمآثم مخالفا للإمام ويجب على كل متمكن منعه عن ذلك
ومساعدة غريمه على الترافع إلى قضاة الحق.

1. النهاية: 301.
2. السرائر: 2 / 24.
3. الشيخ المفيد: المقنعة: 810، والشيخ الطوسي: النهاية 301.
242

2976. العاشر: إذا ترافع خصمان إلى فقيه عارف بالأحكام جامع لشرائط
الحكم، وجب عليه الحكم بينهما على مذهب أهل الحق، ولا يجوز أن يحكم
بينهما بمذاهب أهل الخلاف، فإن اضطر إلى الحكم بينهما على مذاهب أهل
الخلاف، جاز له ذلك ما لم يبلغ الدماء، فإنه لا تقية فيها على حال.
ويجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الحق، ما أمكن.
2977. الحادي عشر: كما يجب على الفقيه العارف بالأحكام القضاء كذلك
يجب عليه الفتيا حال الغيبة بالحق إذا أمن الضرر، ولم يخف على نفسه ولا على
أحد من المؤمنين.
ويجب عليه أن يفتي عن معرفة لا عن تقليد. روى الشيخ في الصحيح
عن الباقر (عليه السلام): من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة
وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (1).
ولو خاف على نفسه من الإفتاء بالحق، جاز له مع الضرر وخوفه الإفتاء
بمذاهب أهل الخلاف لهم أو السكوت للضرورة مع المكنة.
2978. الثاني عشر: يجوز لفقهاء أهل الحق أن يجمعوا بالناس الصلوات كلها
من الفرائض الخمس والعيدين استحبابا مؤكدا مع عدم الخوف، أما الجمعة
فاختلف علماؤنا، فأجازها بعضهم، ومنع سلار (2) وابن إدريس (3) من ذلك،
وهو قوي.

1. التهذيب: 6 / 223 برقم 531.
2. المراسم: 261.
3. السرائر: 2 / 26 - باب ذكر الأمر بالمعروف...
243

2979. الثالث عشر: لا يجوز لأحد أن يعرض نفسه للتولي من قبل الظالمين
إلا أن يعلم أنه لا يتعدى الواجب ولا يرتكب القبيح، ويتمكن من وضع الأشياء
مواضعها، فإن غلب على ظنه خلاف ذلك لم يجب التعرض له، فإن أكره على
الدخول جاز حينئذ، ويجتهد على إنفاذ الأحكام بالحق.
تمت القاعدة الأولى وهي العبادات من كتاب التحرير وهو آخر جزء
الأول منه، ويتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى القاعدة الثانية في المعاملات.
[وفرغ من تسويده مصنفه حسن بن يوسف بن المطهر في ليلة الثلاثاء
عاشر ربيع الأول من سنة تسعين وست مائة] (1).
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين

1. ما بين المعقوفتين موجود في نسخة ب.
244

القاعدة الثانية في العقود
وفيه كتب:
كتاب المتاجر
245

وفيه مقدمة ومقاصد
أما المقدمة
ففيها مباحث:
2980. الأول: يجوز طلب الرزق بالمعاش في الحلال بالإجماع، قال الله
تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من المروة استصلاح المال» (2)، وفيه فضل كثير
وثواب عظيم.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله» (3).
وقال (عليه السلام): «نعم العون على تقوى الله الغنى» (4).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الله يحب المحترف الأمين» (5).
وقال (عليه السلام): «اتجروا بارك الله لكم فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن

1. الملك: آية 15.
2. الوسائل: 12 / 40، الباب 21 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 4 و 5.
3. الوسائل: 12 / 42، الباب 23 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 1 (عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
4. الوسائل: 12 / 16، الباب 6 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 1.
5. الوسائل: 12 / 4، الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 6.
247

الرزق عشرة أجزاء تسعة في التجارة وواحد في غيرها» (1).
وقال (عليه السلام): «تعرضوا للتجارة، فإن لكم فيها غنى عما في أيدي الناس» (2).
وقال الصادق (عليه السلام): «إن الله تبارك وتعالى ليحب الاغتراب في
طلب الرزق» (3).
وعنه (عليه السلام) قال: أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام): «إنك نعم العبد لولا
إنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا، فبكى داود (عليه السلام) فأوحى
الله عز وجل إلى الحديد: أن لن لعبدي داود. فألان الله تعالى له
الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا ويبيعها بألف درهم، فعمل (عليه السلام) ثلاث
مائة وستين درعا، فباعها بثلاث مائة وستين ألفا، واستغنى عن
بيت المال» (4).
وقال (عليه السلام): «غنى يحجزك عن الظلم خير من فقر يحملك على الإثم» (5).
وقال (عليه السلام): «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، فيكف به وجهه،
ويقضي به دينه ويصل به رحمه» (6).
وقال (عليه السلام): ما فعل عمر بن مسلم؟ قيل: أقبل على العبادة وترك التجارة. قال:

1. الوسائل: 12 / 5، الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 12.
2. الوسائل: 12 / 4، الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 6.
3. الوسائل: 12 / 50، الباب 29 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 1.
4. التهذيب: 6 / 326 برقم 896، وسائل الشيعة: 12 / 22، الباب 9 من أبواب مقدمات التجارة،
الحديث 3.
5. الوسائل: 12 / 17، الباب 6 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 7.
6. الوسائل: 12 / 19، الباب 7 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 1.
248

ويحه أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له، ان قوما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
لما نزل (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (1) أغلقوا
الأبواب، وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأرسل
إليهم [فقال:] (2) ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله تكفل الله عز
وجل بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: انه من فعل ذلك لم يستجيب الله له، عليكم
بالطلب، إني لأبغض الرجل فاغرا فاه (3) إلى ربه يقول: ارزقني، ويترك الطلب (4).
وقال الصادق (عليه السلام): «كفى بالمرء إثما ان يضيع من يعول» (5).
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ملعون ملعون من يضيع من يعول» (6).
وروي عن الكاظم (عليه السلام) انه قال:
«اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» (7).
والأخبار في ذلك كثيرة (8).
2981. الثاني: ينبغي لمن أراد التجارة أن يتفقه فيها، ليعرف كيفية الاكتساب،
ويميز صحيح العقد وفاسده، ويسلم من الربا. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يغتدي كل

1. الطلاق: 3.
2. ما بين المعقوفتين موجود في المصدر.
3. الفغر: الفتح (أي فاتحا فاه) لاحظ مجمع البحرين.
4. الفقيه: 3 / 119 برقم 509; ولاحظ الوسائل: 12 / 15، الباب 5 من أبواب مقدمات التجارة،
الحديث 7 و 8.
5. الوسائل: 12 / 44، الباب 23 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 8.
6. الوسائل: 12 / 43، الباب 23 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 7.
7. الوسائل: 12 / 49، الباب 28 من أبواب مقدمات التجارة، الحديث 2.
8. لاحظ الوسائل: 12 / 3 - 52; الفقيه: 3 / 119; والتهذيب: 6 / 321.
249

يوم بكرة من القصر يطوف في الأسواق، ومعه الدرة على عاتقه، فيقف على
أهل كل سوق فينادي: «يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل» فإذا سمعوا صوته (عليه السلام)
ألقوا ما في أيديهم، وارعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا (1) بآذانهم، فيقول:
«قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقربوا (2) من المبتاعين، وتزينوا
بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم،
وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الزنا (3) وأوفوا الكيل والميزان، ولا
تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين».
فيطوف (عليه السلام) في جميع الأسواق بالكوفة ثم يرجع فيقعد للناس (4).
2982. الثالث: ينبغي للتاجر أن يسوي بين الناس في البيع والشراء، فيكون
الصبي بمنزلة الكبير، والساكت بمنزلة المماكس، والمستحيي بمنزلة
البصير المداق.
2983. الرابع: إذا قال التاجر لغيره: هلم أحسن إليك، باعه من غير ربح،
وكذلك إذا عامله مؤمن، فليجتهد ألا يربح عليه، فإن اضطر قنع باليسير منه.
2984. الخامس: إذا قال إنسان للتاجر: اشتر لي متاعا، لم يجز أن يعطيه من
عنده وإن كان أجود، إلا بعد البيان.
2985. السادس: يستحب الإقالة للمستقيل وإعطاء الراجح وأخذ الناقص، ولا
يجوز العكس، ويكره لمن لا يعرف الكيل والوزن أن يتولاهما.

1. في النهاية: وتسمعوا.
2. في المصدر والنهاية: واقتربوا.
3. كذا في النسختين وفي المصدر والنهاية: «الربا».
4. الكافي: 5 / 151، باب آداب التجارة، الحديث 3; والنهاية: 371.
250

2986. السابع: يستحب التسامح في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء.
2987. الثامن: يكره له أن يدخل السوق أولا، ومن سبق إلى مكان من السوق
غير مملوك كان أحق به إلى الليل.
2988. التاسع: يستحب له الدعاء عند دخول السوق بالمنقول، وأن يكبر الله
تعالى ثلاثا إذا اشترى، وأن يتشهد الشهادتين ويسأل الله أن يبارك له فيما يشتريه
ويخير له فيما يبيعه.
وإذا تعسر عليه نوع من التجارة انتقل إلى غيره، ولو ربح في نوع منها،
داوم عليه، وإذا حصل المشتري بادر إلى البيع، ولا يترك الشراء للغلاء، ولا
يطلب الغاية في ما يبيع ويشتري من الربح، بل يقنع باليسير.
2989. العاشر: ينبغي أن يتجنب في تجارته خمسة أشياء: مدح البائع، وذم
المشتري، وكتمان العيوب، واليمين على البيع، والربا.
2990. الحادي عشر: يكره السوم والمقاولة في البيع والشراء ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، ومعاملة سفلة الناس والأدنين منهم، وذوي العاهات
والمحارفين والأكراد ومخالطتهم ومناكحتهم ومعاملة أهل الذمة وتزيين المتاع
بإظهار جيده وإخفاء رديه، بل يمزجه، ولو كان الردي مما لا يظهر للحس حرم.
2991. الثاني عشر: ينبغي معاملة من نشأ في خير، ويكره الاستحطاط من
الثمن بعد العقد قبل التفرق وبعده.
2992. الثالث عشر: من باع شيئا لغيره، لم يجز أن يشتريه لنفسه، وإن زاد في
قيمته على ما يطلب في الحال إلا بإذن مالكه.
251

2993. الرابع عشر: الغش حرام، وهو إظهار الجيد وإخفاء الردي فيما لا
يمكن معرفته، كشوب اللبن بالماء، ولهذا يكره البيع في المواضع المظلمة التي
يخفى فيها العيوب.
2994. الخامس عشر: يكره أن يدخل الرجل على سوم أخيه، وحرمه في
المبسوط (1)، وأن يزيد وقت النداء، بل يزيد وقت سكوت المنادي، ولو دخل
على سوم أخيه وتعاقد البيع، صح وإن فعل حراما أو مكروها.
2995. السادس عشر: روي ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
«لا يبع بعضكم على بيع بعض» (2).
ومعناه النهي عن قول الرجل للمشتري في مدة الخيار: أنا أبيعك مثل هذه
السلعة بأقل أو خيرا منها بالثمن أو أقل، وكذا يتناول النهي من (3) جاء إلى البائع
في مدة الخيار فدفع إليه أكثر من الثمن، ولو خالف، انعقد البيع مع فسخ أحد
المتعاقدين وإن فعل حراما.
2996. السابع عشر: النجش حرام وهو الزيادة لا للشراء بل ليغر (4) المشتري
فيزيد، ولو اشترى مع النجش صح الشراء، فإن ظهر الغبن تخير المغبون (5) على
ما يأتي.
ولا فرق بين أن يكون النجش بمواطاة البائع أو لا، ولو قال البائع: أعطيت

1. المبسوط: 2 / 160.
2. رواه البيهقي في سننه: 5 / 344; وفي المبسوط: 2 / 160 «لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه».
3. في «أ» ممن.
4. في «ب»: لتغير.
5. كذا في «ب» ولكن في «أ»: فإن ظهر عنهما الغبن تخير المغبون.
252

كذا، فاشتراها به، ثم بان كذبه، كان للمشتري الخيار مع الغبن.
2997. الثامن عشر: بيع التلجئة (1) باطل. وهو المواطاة على الاعتراف بالبيع من
غير بيع خوفا من ظالم.
2998. التاسع عشر: نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان يبيع حاضر لباد (2)، وهو من يدخل
البلدة من غير أهلها، سواء كان بدويا أو من بلدة أخرى، ومعناه النهي عن أن
يكون سمسارا له يعرفه السعر، بل ينبغي أن يتولى البدوي البيع لنفسه، ليشتريها
الناس برخص، ويتسع عليهم السعر.
وهل هو تحريم قال في المبسوط: نعم (3) وهو قول ابن إدريس (4). وقال
في النهاية بالكراهية (5).
وانما يحرم بأن يقصد الحاضر تولي البيع للبادي، وأن يكون البادي
جاهلا بالسعر، وأن يجلب السلعة للبيع، ولو خالف انعقد البيع، ولو أشاد (6)
الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع، فالوجه الكراهة; ولا بأس
بالشراء للبادي.
2999. العشرون: في تلقي الركبان للشيخ قولان: أحدهما التحريم (7) والثاني

1. قال المصنف في نهاية الأحكام: 2 / 456، بيع التلجئة باطل، وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم
ملكه، فيواطي رجلا على أن يظهر أنه اشتراه منه ليحفظه من الظالم، ولا يريد بيعا حقيقيا، لأنهما
لم يقصدا البيع فكانا كالهازلين.
2. لاحظ الوسائل: 12 / 327، الباب 37 من أبواب آداب التجارة، أحاديث الباب.
3. المبسوط: 2 / 160.
4. السرائر: 2 / 236.
5. النهاية: 375.
6. يقال: أشاد الضالة أي عرفها والمراد التعريف بالقيمة.
7. المبسوط: 2 / 160; والخلاف: 3 / 172، المسألة 282 من كتاب البيوع.
253

الكراهية (1). وهو أن يخرج إلى الراكب القاصد للبلد، فيشتري منهم قبل معرفتهم
بالسعر في البلد، ولو خالف واشترى، انعقد البيع، ومع الغبن يتخير المغبون،
ولا خيار مع عدمه، والخيار إنما هو للبائع خاصة.
والأقرب ان الخيار فيه وفي النجش ليس على الفور.
ولو تلقاهم وباعهم، فهو بمنزلة الشراء، يثبت لهم الخيار مع الغبن
الفاحش، ولو خرج غير قاصد للشراء، فلقي الركب اتفاقا، لم يكره الشراء ولا
البيع، ولو تلقى الجلب في أول السوق بعد دخوله، لم يكن به بأس.
وحد التلقي أربعة فراسخ، فإن زاد كان تجارة وجلبا ولم يكن تلقيا.
3000. الواحد والعشرون: نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاحتكار (2) وفي تحريمه للشيخ
قولان: أحدهما التحريم (3) وهو قول أبي الصلاح (4) وابن إدريس (5) وابن
بابويه (6) والثاني الكراهية (7) هو قول المفيد (8) وسلار (9). والأول أقوى.
ومعنى الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن -
وفي الملح قولان - مع احتياج الناس وعدم الباذل سوى المحتكر، ولا احتكار
في ما عداها.

1. لاحظ النهاية: 375.
2. لاحظ الوسائل: 12 / 312، الباب 27 من أبواب آداب التجارة.
3. النهاية: 374.
4. الكافي في الفقه: 360.
5. السرائر: 2 / 218.
6. المقنع: 372; والفقيه: 3 / 168 برقم 744 - 753.
7. المبسوط: 2 / 195.
8. المقنعة: 616.
9. المراسم: 169.
254

وقال ابن بابويه: يثبت في الزيت، وبه رواية حسنة (1).
3001. الثاني والعشرون: إنما يثبت الاحتكار في هذه إذا استبقاها للزيادة في
الثمن، ولو استبقاها للقوت أو الزرع لم يكن محتكرا.
3002. الثالث والعشرون: يجب على الإمام إجبار المحتكر على البيع مع
تحقق الاحتكار، وقال الشيخ: حده في الرخص أربعون يوما، وفي الغلاء ثلاثة
أيام (2). والحق ما قلناه، وهل له اجبارهم على التسعير؟ قال المفيد (3) وسلار (4): نعم.
وقال أكثر علمائنا: ليس له ذلك، وهو الوجه عندي.
3003. الرابع والعشرون: نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيعين في بيعة (5). فقيل: البيع
بثمن حالا وبأزيد مؤجلا، وقيل: أن يبيعه شيئا بشرط أن يشتري منه آخر (6)
ومنعه ابن إدريس (7) ولا بأس به عندي.
3004. الخامس والعشرون: نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع حبل الحبلة (8) وهو أن يبيع
بثمن مؤجل إلى نتاج الناقة، وعن المجر (9) وهو بيع ما في الأرحام، وعن بيع

1. المقنع: 372، الفقيه: 3 / 168 برقم 744.
2. النهاية: 374 و 375.
3. المقنعة: 616.
4. المراسم: 182.
5. سنن البيهقي: 5 / 343.
6. لاحظ المبسوط: 2 / 159; وسنن البيهقي: 5 / 343.
7. السرائر: 2 / 240.
8. في سنن البيهقي: 5 / 340: نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يبتاعه أهل
الجاهلية، كان يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة وتنتج التي في بطنها.
9. سنن البيهقي: 5 / 341.
قال الحلي في السرائر: 2 / 240: ونهى عن بيع المجر - بالميم المفتوحة والجيم المسكنة والراء
- وهو بيع ما في الأرحام، ذكره أبو عبيدة، وقال ابن الأعرابي: المجر الذي في بطن الناقة، وقال:
المجر الربا، والمجر القمار، والمجر المحاقلة والمزابنة.
255

عسيب الفحل وهو نطفته، وعن الملاقيح وهو ما في بطون الأمهات،
والمضامين وهي ما في أصلاب الفحول، وعن الملامسة وهو أن يبيعه غير
مشاهد، على أنه متى لمسه وقع البيع، وعن المنابذة وهو أن يقول: أن نبذته إلي
فقد اشتريته بكذا، وعن بيع الحصاة وهو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي
ثوب وقعت فهو لك بكذا.
256

المقصد الأول: فيما يحرم التكسب به ويكره
وفيه فصلان
[الفصل] الأول: فيما يحرم التكسب به
وفيه تسعة وعشرون بحثا:
3005. الأول: النجس ضربان: ذاتي النجاسة كالميتة والدم والخمر والفقاع
والخنزير وشبهه. وما يعرض له، وهو ضربان: أحدهما ما لا يمكن تطهيره.
كالمائعات التي عرضت النجاسة، والثاني يمكن تطهيره، كالثياب. فالأول وأول
الثاني لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا التكسب به، إلا الأدهان النجسة لفائدة
الاستصباح تحت السماء.
وثاني الأخير يجوز التكسب به.
3006. الثاني: السرجين النجس يحرم بيعه، وغير النجس يجوز
بيعه، وأبوال ما لا يؤكل لحمه نجسة يحرم التكسب بها، وفي بول ما يؤكل
257

لحمه قولان: أحدهما الجواز; قاله السيد (1) والشيخ منع إلا بول الإبل
خاصة للاستشفاء به (2).
3007. الثالث: يجوز بيع كلب الصيد وشراؤه، وفي كلب الزرع والماشية
والحائط قولان: أقربهما الجواز، وغير ذلك من الكلاب يحرم التكسب به
إجماعا منا. وكذا يجوز إجارة الكلاب المنتفع بها، والوصية بها، وهبتها.
ويحرم إتلاف المعلم، وعلى المتلف الغرم، وإن كان أسود بهيما (3). ويباح
قتل العقور.
ويحرم اقتناء ما عدا الكلاب الأربعة، ويجوز تربية الجرو الصغير لأحد
الأمور المذكورة، واقتناء أحد الأربعة، ولو هلكت ماشية فأراد شراء غيرها أو
حصد زرعه، أبيح له اقتناؤه إلى أن يشتري أو يستجد زرعا آخر. ويجوز لمن لا
يصيد أن يقتني كلب الصيد.
3008. الرابع: يحرم اقتناء الأعيان النجسة إذا خلت من المنفعة كالخنزير
وشبهه، ولو كان فيه منفعة جاز اقتناؤه كالكلب والسرجين لتربية الزرع، والخمر
للرد إلى الخل، وكذا يحرم اقتناء المؤذيات كالحيات والعقارب والسباع.
3009. الخامس: الأقرب عندي جواز بيع الماء النجس لإمكان تطهيره.
3010. السادس: يحرم التكسب بكل ما يكون المقصود منه حراما، كآلات
اللهو مثل العود والزمر، وهياكل العبادة، كالصليب والصنم، وآلات القمار،

1. الانتصار: 424، المسألة 242.
2. النهاية: 364.
3. في مجمع البحرين: في الحديث يكره الحرير المبهم للرجال، أي الخالص الذي لا يمازجه
شئ، ومنه الأسود المبهم.
258

كالشطرنج والنرد والأربعة عشر، وبيع العنب ليعمل خمرا، وكذا العصير، ولو
باعه كذلك بطل العقد، وكذا بيع الخشب ليعمل صنما، ويجوز بيع ذلك كله على
من يعمله إذا لم يبعه لذلك على كراهية.
ويحرم التوكيل في بيع الخمر، وإن كان الوكيل ذميا وكذا الشراء، وكذا
يحرم إجارة السفن والمساكن للمحرمات واتخاذها للمناكير.
ولو آجرها لمن يعمل ذلك لا بشرطه جاز، ولو آجر سفينته أو دابته لحمل
الخمر جاز، ما لم يحملها للشرب فيحرم، ولو كان البيت في السواد حرم إجارته
لذلك، كما لو كان في المدينة.
ولو استأجر ذمي دار مسلم وأراد بيع الخمر فيها سرا، لم يكن للمالك
منعه، ولو آجره لذلك، فالأقرب التحريم للعموم.
3011. السابع: يحرم بيع السلاح لأعداء الدين وعمله لهم عند قيام الحرب
وعدم الهدنة، ويجوز بيع ما يكن (1) من السلاح كالدروع والخفاف، ولا فرق في
التحريم بين جميع آلات الحرب ولا بين إسلام العدو وكفره.
3012. الثامن: الغناء حرام، وتعليمه وأجر المغنية كذلك، وقد وردت رخصة
بإباحة أجر المغنية في العرائس إذا لم تتكلم بالباطل، ولا تلعب بالملاهي
كالعيدان والقصب، بل تكون ممن تزف العروس، وتتكلم عندها بإنشاد الشعر
والقول البعيد من الفحش والباطل، وما عدا ذلك حرام في العرس وغيره.
3013. التاسع: النائحة بالباطل أجرها حرام، ولا بأس بأجر النائحة إذا لم

1. ما يكن: ما ستر من الحر والبرد، والكن: السترة. مجمع البحرين.
259

تعتمد قول الباطل، وإن كان مكروها خصوصا مع الشرط.
3014. العاشر: القمار حرام، وكذا ما يؤخذ بسببه، حتى لعب الصبيان بالجوز
والخاتم والشطرنج.
3015. الحادي عشر: الغش بما يخفى حرام، كشوب اللبن بالماء، وكذا تدليس
الماشطة وتزيين الرجل بالحرام.
3016. الثاني عشر: عمل الصور المجسمة حرام، وكذا أخذ الأجرة عليه.
3017. الثالث عشر: تحرم معونة الظالمين بالمحرم.
3018. الرابع عشر: الغيبة حرام، وكذا استماعها، وهجاء المؤمنين، والكذب
عليهم، والنميمة، وسب المؤمنين، والسعي في القبيح، ومدح من يستحق الذم
وبالعكس، والأمر بشئ من ذلك، وأخذ الأجرة عليه، والتشبيب
بنساء المؤمنين.
3019. الخامس عشر: يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو
الحجة، ونسخ التوراة والإنجيل وتعليمهما وأخذ الأجرة عليه.
3020. السادس عشر: تعلم السحر وتعليمه والشعبذة والكهانة والقيافة حرام،
وأخذ الأجرة عليه، والسحر كلام يتكلم به أو يكتبه، [أ] و رقية، أو يعمل شيئا
يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة. قال الشيخ: لا حقيقة له
وإنما هو تخييل (1) وقيل: له حقيقة. وعلى الوجهين، إن استحله، فالوجه انه
يكفر، وإلا فلا.

1. الخلاف: 5 / 328، المسألة 14 من كتاب كفارة القتل.
260

ومن يحل (1) السحر، فإن كان بشئ من القرآن أو الذكر والأقسام والكلام
المباح فلا باس به، وإن كان بشئ من السحر فهو حرام.
والكاهن (قيل:) (2) هو الذي له رإي من الجن (3) يأتيه بالأخبار، فإنه يقتل ما
لم يتب.
والتنجيم حرام، وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد أنها مؤثرة، أولها مدخل في
التأثير، وأخذ الأجرة عليه، ولو تعلم ليعرف قدر سير الكواكب وبعدها وأحوالها
من التربيع والكسف وغيرها فلا بأس به.
والشعبذة، هي الحركات السريعة جدا بحيث يخفى على الحس التميز
بين الشئ وشبهه لسرعة انتقاله منه إلى شبيهه، وهي حرام وكذا الأجرة عليها،
وكذا القيافة وكل ما يشاكلها.
3021. السابع عشر: بيع الحر حرام، وكذا أكل ثمنه، وثمن ما ليس بمملوك
للإنسان. ولا يصح تملكه له.
3022. الثامن عشر: يحرم بيع المصحف، ويجوز بيع الجلد والورق لا بيع
كلام الله تعالى ولو اشترى المصحف وعقد البيع على الجلد والورق جاز، وإلا
حرم كالبيع، ولو اشترى الكافر مصحفا لم ينعقد البيع. وقال بعض أصحابنا:
يجوز ويجبر على بيعه.
ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن.

1. من الحل بمعنى الفتح.
2. ما بين القوسين موجود في «ب».
3. في مجمع البحرين: «فلان رإي من الجن» بتشديد الياء على فعيل أو فعول، لأنه يتراءى
لمتبوعه، أو هو من الرأي يقال: «فلان رإي قومه» إذا كان صاحب رأيهم التي ينظر فيها.
261

3023. التاسع عشر: تحرم السرقة والخيانة وبيعها وأخذ ثمنها، ولا تحريم
مع الجهل بكونها سرقة، ولو اشتبهت السرقة بغيرها جاز الشراء ما لم يعلم العين
المسروقة، ومن وجد عنده سرقة كان ضامنا لها، إلا أن يقيم البينة بشرائها،
فيضمن ويرجع به على البائع مع جهله بالغصبية.
ولو اشترى بالمال المسروقة ضيعة أو جارية، فإن كان بالعين، بطل البيع،
وإن كان في الذمة، حل له وطء الجارية والتصرف في الضيعة، وعليه رد المال
خاصة (1)، ولو حج به برأت ذمته مع وجوبه عليه.
3024. العشرون: الرشاء في الحكم حرام، سواء كان حكم لباذله أو
عليه بحق أو باطل.
3025. الواحد والعشرون: لا يجوز بيع تراب الصياغة، فإن بيع تصدق بثمنه،
ولم يملكه البائع.
3026. الثاني والعشرون: التطفيف حرام في الكيل والوزن.
3027. الثالث والعشرون: كل ما لا ينتفع به كالحشرات، مثل الفأرة، والحيات،
والعقارب، والخنافس، والجعلات، وبنات وردان (2)، وسباع البهائم التي لا
يصلح للاصطياد، كالأسد والذئب، وما لا يؤكل، وما لا يصاد به من الطير،
كالرخم (3) والحدأة (4) والغراب الأبقع والأسود، وبيضها، لا يجوز (5) بيعه ولا شراؤه،

1. في «ب»: وزر المال خاصة.
2. في مجمع البحرين: «بنات وردان» بفتح الواو دويبة تتولد في الأماكن الندية قاله في حياة
الحيوان، وفي غيره «بنات وردان»: دود العذرة.
3. في مجمع البحرين: الرخمة - كقصبة -: طائر يأكل العذرة، وهو من الخبائث وليس من الصيد،
والجمع رخم كقصب، وفي الصحاح: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة.
4. في مجمع البحرين: الحدأة: طائر خبيث، ويجمع بحذف الهاء.
5. قوله «لا يجوز» خبر لقوله «كل ما».
262

ولا يحل ثمنه، وكذا المسوخ كلها، بحرية كالجري، والمارماهي، والتمساح،
والسلاحف، والرقاق (1) أو برية كالدب والقرد، وإن قصد بالبيع حفظ
المتاع والدكان.
وجوز ابن إدريس (2) بيع السباع كلها، سواء كان مما يصاد عليها أو لا
يصاد، وهو جيد.
3028. الرابع والعشرون: في بيع الفيل قولان: أحدهما الإباحة، وهو الأقوى.
ويجوز بيع الهر وما يتخذ للصيد، كالفهد والصقر ونحوهما، وإن لم يكن معلما
ولا يقبل التعليم، وهل يجوز بيع ما يصاد عليه كالبوهة (3) توضع ليجتمع الطير
عليها فيصيده الصائد؟ فيه إشكال، وكذا العلق.
3029. الخامس والعشرون: يجوز بيع كل ما ينتفع به من الأعيان المملوكة
انتفاعا مباحا إلا ما استثنيناه من الكلب والوقف والمكاتب وأم الولد وغيرها مما
يأتي في موضعه، وكذا يجوز بيع جميع السباع التي يصاد بها وينتفع بها في
الصيد، كالفهد والصقر والشاهين والعقاب، ومنع الشيخ منه في النهاية (4) وهو
ضعيف، لرواية عيسى بن القاسم الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) (5).
وبيض مالا يؤكل لحمه من الطير، إن كان مما لا ينتفع به، كالغراب

1. كذا في النسختين ولعل الصحيح الرقوق وهي جمع الرق بفتح القاف وهو ذكر السلاحف.
لاحظ مجمع البحرين.
2. السرائر: 2 / 221.
3. في لسان العرب: البوهة: الصقر إذا سقط ريشه.
4. النهاية: 364.
5. لاحظ الوسائل: 12 / 123، الباب 37 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
263

والحدأة والرخم وأشباهها، لم يجز بيعه، وإن كان طاهرا، وإن كان مما ينتفع به
بأن يصير فرخا جاز.
وفي العلق التي ينتفع بها، كالتي تعلق على وجه صاحب الكلف (1) فيمص
الدم، والديدان الموضوعة في آلة الصيد، تردد، وأقربه المنع، من حيث عموم
النهي عن بيع الحشرات.
3030. السادس والعشرون: يجوز بيع دود القز وبذره وإن لم يكن معه قز،
ووبره وإن لم يكن معه قز، وكذا بيع النحل مع المشاهدة، وإمكان التسليم، بأن
تكون محبوسة وإن كانت منفردة، ولو تعذرت مشاهدته، بأن يكون مستورا في
أقراصه (2) لم يجز.
ويجوز بيع الماء والتراب والحجارة وإن كثر وجودها، وماله منفعة ساقطة
في نظر الشرع كآلات الملاهي وشبهها لا يجوز بيعه.
3031. السابع والعشرون: لا يجوز بيع الترياق، لاشتماله على لحوم الأفاعي
والخمر، ولا يجوز التداوي به ولا بسم الأفاعي، أما السم من الحشائش والنبات
فيجوز بيعه إن كان مما ينتفع به، وإلا فلا.
وفي جواز بيع لبن الآدميات تردد.
3032. الثامن والعشرون: لو باعه دارا لا طريق إليها، أو بيتا لا مجاز له، جاز
البيع، ولا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة.

1. الكلف - بالتحريك -: شئ يعلو الوجه كالسمسم. مجمع البحرين.
2. هي بيوت النحل من الشمع بحيث تكون النحل مستورة فيه. وفي التذكرة: «لا يجوز بيعها في
كوراتها» لاحظ تذكرة الفقهاء: 1 / 477 - الطبعة الحجرية -.
264

3033. التاسع والعشرون: يحرم أخذ الأجرة على تغسيل الأموات وتكفينهم
ودفنهم والصلاة عليهم، وعلى كل ما يجب عليه فعله، وأخذ الأجرة على
الأذان، ويجوز أخذ الرزق فيه (1) من بيت المال، وكذا يحرم أخذ الأجرة على
القضاء، ويجوز أخذ الرزق فيه من بيت المال، وكذا الصلاة بالناس، ويجوز
أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الأملاك.
الفصل الثاني: فيما يكره التكسب به
وفيه ثلاثة وثلاثون بحثا:
3034. الأول: يكره الصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق، واتخاذ الذبح
والنحر صنعة، والحياكة والنساجة، لقول الصادق (عليه السلام) لأبي إسماعيل الصيقل:
حائك أنت؟ قلت: نعم، قال: لا تكن حائكا. قلت: فما أكون؟ قال: كن صيقلا (2).
3035. الثاني: كسب الحجام مكروه مع الشرط وطلق مع عدمه، وليس
بمحرم في البابين، ورواية سماعة (3) ضعيفة.
3036. الثالث: يكره أخذ الأجرة على ضراب الفحل للنتاج، وليس بمحرم،
ولو أعطى صاحب الفحل هدية أو كرامة لم يكن حراما، وينبغي أن يوقع العقد

1. في بعض النسخ: «عليه» بدل «فيه».
2. الوسائل: 12 / 100، الباب 23 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.
3. لاحظ الوسائل: 12 / 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
265

على العمل وتقديره بالمرة والمرتين من غير ذكر مدة، ولو اكترى فحلا لإطراق
ماشية كثيرة، قرنه بالمدة.
ولو غصب فحلا، فأنزاه إبله، كان الولد لصاحب الإبل، وعليه
أجرة المثل.
ويكره انزاء الحمار على العتيق، وليس بمحرم.
3037. الرابع: يكره كسب الصبيان ومن لا يجتنب الحرام.
3038. الخامس: يكره أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وتأول الشيخ الروايات
بما يدل على التحريم مع الشرط (1). ونحن لا نقول به، نعم لو تعين التعليم وجب
عليه لوجوب حفظه لئلا تنقطع المعجزة، ولا بأس بأخذ الأجرة على تعليم
الحكم والآداب، أما ما يجب تعلمه على الكفاية، كالفقه، فإنه يحرم أخذ الأجرة
على تعليمه مع تعينه عليه.
ويجوز استيجار ناسخ لينسخ له كتب الفقه والأحاديث والأشعار المباحة
والسجلات وغيرها مما يباح كتابته كالحكم والآداب. وكذا يستأجر من يكتب
له مصحفا. ويكره تعشير (2) المصاحف (3) بالذهب، فيكره الأجرة عليه. ولا يجوز
أخذ الأجرة على نسخ كتب الضلال لغير الحجة والنقض.
3039. السادس: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الخط، وينبغي للمعلم التسوية

1. لاحظ التهذيب: 6 / 365 في ذيل الحديث 1046.
2. لاحظ الوسائل: 12 / 132، الباب 32 من أبواب ما يكتب به.
3. قال في لسان العرب: عواشر القرآن: الآي التي يتم بها العشر، والعاشرة: حلقة التعشير من
عواشر المصحف وهي لفظ مولدة. مادة (عشر)
والمراد تزئين آخر الآية العاشرة بالذهب.
266

التسوية بين الصبيان في التعليم والأخذ عليهم، إذا استؤجر لتعليم (1) الجميع على
الإطلاق، تفاوتت أجرتهم أو اتفقت. ولو آجر نفسه لبعضهم لتعليم مخصوص
والآخرين لتعليم مخصوص، جاز التفضيل بحسب ما وقع العقد عليه.
3040. السابع: يجوز الاستيجار للختان وخفض الجواري والمداواة وقطع
السلع (2) والكحل، سواء كان من العليل أو الطبيب، وأخذ الأجرة عليه، فإذا
استأجر للكحل مدة استحق الأجرة بالفعل وإن لم يؤثر.
3041. الثامن: يكره أن يوجر نفسه لكل صنعة دنية، وأخذ الأجرة عليه، ولو
فعل حلت الأجرة.
ويجوز أن يوجر نفسه لكل عمل مباح منتفع به، ولا بأس بأجر القابلة
والماشطة مع عدم الغش، ولو فعلته حرم، كوصل الشعر بالشعر، ووشم الخدود
وتحميرها، ونقش الأيدي والأرجل.
ويكره الصياغة والقصابة.
3042. التاسع: من دفع إلى غيره مالا ليصرف في المحاويج والفقراء، فإن
عين أشخاصا، لم يجز له المخالفة، فإن خالف أثم وضمن، وإن لم يعين تخير
في إعطاء من شاء من المحاويج كيف شاء.
ويجوز له أن يأخذ هو مع حاجته بقدر ما يعطي غيره، ولا يفضل نفسه
بشئ، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) المنع (3).

1. في «ب»: ليعلم.
2. في مجمع البحرين: السلعة - بكسر السين - زيادة في الجسد كالغدة، وتتحرك، إذا حركت.
3. التهذيب: 6 / 352 برقم 1000، ولاحظ الوسائل: 12 / 206، الباب 84 من أبواب ما
يكتسب به، الحديث 3.
267

وحمله الشيخ على التقدير الأول (1). وفي رواية صحيحة: جواز أن يعطي عياله
مع حاجتهم (2).
3043. العاشر: إذا امتزج الحلال بالحرام، فإن تميز، وجب دفع الحرام إلى
أربابه مع وجودهم، والصدقة به مع عدمهم وعدم وارثهم، وإن لم يتميز أخرج
خمسه وحل له الباقي.
3044. الحادي عشر: يجوز أكل ما ينثر في الأعراس، مع علم الإباحة لفظا أو
بشاهد الحال، ويكره أخذه انتهابا، ولو لم يعلم قصد الإباحة حرم أخذه.
3045. الثاني عشر: يجوز بيع جلود السباع كلها مع التذكية، وكذا بيع عظام
الفيل. وقال ابن براج: إنه مكروه، (3) ولا أعلم سنده.
3046. الثالث عشر: يكره ركوب البحر للتجارة، ويحرم مع أمارة الخوف،
وكذا يحرم كل سفر يظهر فيه أمارة الخوف.
3047. الرابع عشر: يجوز أخذ الأجرة على السمسرة في المباح.
3048. الخامس عشر: الأجير الخاص لا يجوز له أن يعمل لغير المستأجر
ويجوز لغيره 4، ولا بأس للمرأة ان تأخذ أجرا على الغزل.

1. الاستبصار: 3 / 55 في ذيل الحديث 176 حيث قال بعد نقل صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج: ويحتمل أيضا أن يكون محمولا على أنه إذا عين له أقواما يفرق فيهم فلا يجوز له أن
يأخذ لنفسه على حال.
2. التهذيب: 6 / 352 برقم 1001، ولاحظ الوسائل: 12 / 206، الباب 84 من أبواب ما
يكتسب به، الحديث 2.
3. المهذب: 1 / 346.
4. الضمير يرجع إلى الخاص.
268

3049. السادس عشر: قال الشيخ: إذا مر إنسان على ثمرة النخل جاز له أن يأكل
منها قدر كفايته، ولا يحمل منها شيئا على حال (1)، وشرط ابن إدريس: عدم قصد
المضي للأكل (2)، وفي الزرع والفواكه إشكال.
3050. السابع عشر: لا بأس بالزراعة وليست مكروهة، وكذا يجوز أخذ
الأجرة على البدرقة (3).
3051. الثامن عشر: لا بأس بعمل اليهودي والنصراني في ما لا يحتاج فيه إلى
الإسلام، كالحياكة والنساجة، أما ما يحتاج فيه إليه كالذباحة فلا.
وتجوز التجارة في الجارية والنصرانية والمغنية بالبيع والشراء.
3052. التاسع عشر: يكره بيع الملك لغير حاجة ويستحب شراؤه.
3053. العشرون: إذا استأجر مملوك غيره، فأفسد المملوك، لم يضمن
المولى، بل يستسعي العبد في ذلك، أو يرجع عليه بعد العتق قاله الشيخ (4). ومنع
ابن إدريس من الاستسعاء (5) وبقول الشيخ رواية صحيحة (6).
3054. الواحد والعشرون: لا بأس بشراء الذهب بترابه قبل سبكه من المعدن
بغير الذهب، وكذا معدن الفضة بغيرها.
3055. الثاني والعشرون: نقل ابن إدريس عن بعض علمائنا تحريم

1. النهاية: 370.
2. السرائر: 2 / 226.
3. أي حراسة القافلة ومنعها من العدو (مجمع البحرين). قال الشيخ في النهاية ص 370: ولا
بأس أن يبذرق الإنسان القوافل، ويأخذ على ذلك الأجر.
4. النهاية: 370.
5. السرائر: 2 / 227.
6. التهذيب: 6 / 385 برقم 1144.
269

خصاء الحيوان ورجح كراهيته (1).
3056. الثالث والعشرون: ثمن الماء الذي يغسل به الميت، وثمن الكفن
سائغ، وإن وجب التغسيل والتكفين.
قال الشيخ: إذا وجد الماء لغسل الميت بالثمن، وجب شراؤه من تركته،
فإن لم يخلف شيئا لم يجب على أحد ذلك (2).
ويحرم أخذ الأجرة على حمل الموتى إلى المواضع التي يجب حملها
إليها، كظواهر البلدان والجبانة المعروفة (3)، وأما ما بعد عن ذلك من المشاهد،
فيجوز أخذ الأجرة عليه.
3057. الرابع والعشرون: سلطان الحق، يستحب خدمته والعمل من قبله،
ويجب مع الإلزام، ويجوز أخذ جوائزه.
أما الجائر فلا تجوز الولاية منه اختيارا إلا مع العلم بالمكنة من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع انتفاء العلم والظن بذلك تحرم الولاية من
قبله، ومع العلم بالتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضع الأشياء
من الصدقات والمواريث وغيرها مواضعها، تجوز الولاية من قبل الجائر،
معتقدا انه يفعل ذلك من قبل سلطان الحق على سبيل النيابة.
ولو قهره على الولاية مع عدم العلم جازت الولاية، ولا يعمل بغير الحق ما
أمكن، فإن اضطر إلى ظلم جاز للضرورة ما لم يبلغ الدماء، فلا يجوز التقية فيها

1. السرائر: 2 / 215.
2. المبسوط: 1 / 31، كتاب الطهارة فصل في ذكر التيمم وأحكامه.
3. في مجمع البحرين: الجبانة: الصحراء، وتسمى بها المقابر، لأنها تكون في الصحراء.
270

على حال، ولو أمكنه دفع الجائر في عدم الولاية وجب، ويستحب مع تحمل
الضرر اليسير.
ولو خاف على نفسه أو ماله أجمع، أو على بعض المؤمنين،
جازت الولاية.
وجوائز الجائر إن علمت حراما وجب دفعها إلى أربابها مع المكنة، ومع
عدمه يتصدق بها عنه، ولو لم يعلم تحريمها جاز تناولها، وينبغي إخراج
الخمس منها، ويصل إخوانه من الباقي.
3058. الخامس والعشرون: يكره معاملة الظالمين، والأولى تركه مع المكنة،
ولو دفع الظالم شيئا له يعلمه حراما، لم يحل أخذه وإن كان بعوض، فإن قبضه
أعاده على المالك مع العلم، ولو جهله أو تعذر الوصول إليه، تصدق به. قال ابن
إدريس: روى أصحابنا ذلك (1). ويكون ضامنا مع عدم رضا صاحبه، قال: وروي
انه بمنزلة اللقطة وهو بعيد عن الصواب (2). وليس هو عندي بعيدا من الصواب.
واختار ابن إدريس إبقاءه أمانة حتى يجد المالك (3). ولا يجوز إعادته على الظالم
مع الإمكان.
وكذا يكره كل مال محتمل للحظر والإباحة، كمال المرابي وغيره، فإن
علمه حراما حرم، ولا يقبل قول المشتري في ذلك.
3059. السادس والعشرون: أقسام المشتبه ثلاثة:
ما أصله التحريم، كالذبيحة في بلد الكفار، لا يجوز شراؤه ما لم يوجد في
يد مسلم، ولو كانت في بلد الإسلام حلت.

1. السرائر: 2 / 204.
2. السرائر: 2 / 204.
3. السرائر: 2 / 204.
271

وما أصله الإباحة، كالماء المتغير، طاهر وإن جاز إسناد تغيره إلى النجاسة.
وما لا يعرف له أصل، كرجل في يده حرام وحلال ولا يعلم أحدهما،
فالأولى اجتنابه.
3060. السابع والعشرون: ما يأخذه الظالم بشبهة الزكاة من الإبل والبقر
والغنم، وما يأخذه عن حق الأرض بشبهة الخراج، وما يأخذه من الغلات باسم
المقاسمة، حلال، وإن لم يستحق أخذ ذلك، ولا يجب إعادته على أربابه وإن
عرفهم، إلا أن يعلم في شئ منه بعينه انه غصب، فلا يجوز تناوله ولا شراؤه.
3061. الثامن والعشرون: إذا غصب الظالم شيئا ثم تمكن المظلوم من أخذه أو
أخذ عوضه، كان تركه أفضل، ولو كان الظالم قد أودعه، ففي جواز الأخذ من
الوديعة بقدر ماله قولان، أقربهما الكراهية، ولو استخلفه لم تجز المقاصة في
الوديعة وغيرها.
ولو أودعه الظالم شيئا، فإن عرف أنه له، أو لم يعرف انه لغيره، فإنه يجب
عليه رده مع المطالبة إليه، ولو عرف أنها لغيره، لم يجز ردها إلى الظالم، ويجب
ردها إلى صاحبها مع الأمن، فإن ردها إلى الظالم مختارا ضمن.
ولو لم يعرف صاحبها، تركها إلى أن يعرفه، ولو حلفه الظالم جاز الحلف،
ولو مزجها الظالم بماله ولم يتميز، دفع الجميع إليه.
3062. التاسع والعشرون: يحرم على الرجل أن يأخذ من مال والده شيئا وإن
قل بغير إذنه إلا مع الضرورة يخاف منها على نفسه التلف، فيأخذ ما يمسك به
رمقه، إن كان الوالد ينفق على الولد، أو كان الولد غنيا، ولو لم ينفق مع وجوب
النفقة، أجبره الحاكم، فإن فقد الحاكم، جاز أخذ الواجب، وإن كره الأب.
272

3063. الثلاثون: يحرم على الأب أن يأخذ مال ولده البالغ مع غناه عنه، أو
انفاق الولد عليه قدر الواجب، ولو كان الولد صغيرا، جاز للأب أخذ ماله قرضا
عليه، مع يساره وإعساره، ومنع ابن إدريس من الاقتراض (1). (2)
ولو كان للولد مال والأب معسر، قال الشيخ: يجوز أن يأخذ منه ما يحج به
حجة الإسلام دون التطوع إلا مع الإذن (3)، ومنع ابن إدريس في الواجب أيضا
بغير إذن (4).
ويجوز أن يشتري من مال ولده الصغير بالقيمة العدل، ويبيع عليه كذلك،
ولو كانت للولد جارية لم يكن له وطؤها ولا مسها بشهوة.
قال الشيخ: يجوز للأب تقويمها عليه ووطؤها (5)، وقيده في الاستبصار
بالصغير (6). وهو جيد.
ويجوز للأب المعسر أن يتناول قدر الكفاية من مال ولده الصغير والبالغ
مع الامتناع من الإنفاق عليه، ولو كان موسرا حرم ذلك إلا من جهة القرض من
الصغير على ما قلناه، وان كان ابن إدريس قد خالف فيه (7).
3064. الواحد والثلاثون: يحرم على الأم أخذ شئ من مال ولدها، صغيرا كان
أو كبيرا، وكذا الولد لا يجوز له أن يأخذ من مال والدته شيئا، ولو كانت معسرة
وهو موسرا أجبر على نفقتها على ما يأتي.

1. في «ب»: من الاقراض.
2. السرائر: 2 / 208.
3. النهاية: 360 - باب ما يجوز للرجل أن يأخذ من مال ولده -.
4. السرائر: 2 / 208.
5. النهاية: 360.
6. الاستبصار: 3 / 50 و 51 في ذيل الحديث 165.
7. السرائر: 2 / 280.
273

وهل لها أن تقترض من مال الولد؟ جوزه الشيخ (1) ومنعه ابن إدريس (2).
وعندي فيه توقف، وبقول الشيخ رواية حسنة (3).
3065. الثاني والثلاثون: لا يجوز للمرأة أن تأخذ شيئا من مال زوجها وإن قل
إلا بإذنه، ويجوز لها أخذ المأدوم إذا كان يسيرا أو تتصدق به مع عدم الإضرار
بالزوج، ولو منعها لفظا حرم.
ولا يترخص (4) في ذلك من يقوم مقام المرأة في المنزل، كالجارية
والبنت، والأخت والأم والغلام.
والمرأة الممنوعة من التصرف في طعام، لا تجوز لها الصدقة بشئ منه.
3066. الثالث والثلاثون: لا يجوز للرجل أن يأخذ من مال زوجته شيئا مع
عدم الإذن، ويقتصر على المأذون.
ولو دفعت إليه مالا، وشرطت له الانتفاع به، جاز التصرف فيه، ويكره أن
يشتري به جارية يطأها، ولو أذنت فلا كراهية.
ولو شرطت له شيئا من الربح، كان قراضا، ولو شرطت جميعه، كان
قرضا، ولو شرطت الربح لها بأجمعه، كان بضاعة.

1. النهاية: 360.
2. السرائر: 2 / 209.
3. والروايات على جواز قرضها من ماله متوفرة لاحظ الوسائل: 12 / 194، الباب 78 من أبواب
ما يكتسب به.
4. في «ب»: ولا يرخص.
274

المقصد الثاني: في عقد البيع وشروطه
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
3067. الأول: البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض معلوم
على وجه التراضي، ومشروعيته مستفادة بالنص والإجماع.
ولا بد فيه من عقد يشتمل على إيجاب وقبول.
فالإيجاب: اللفظ الدال على النقل، مثل بعتك، أو ملكتك، أو ما يقوم
مقامهما. والقبول: اللفظ الدال على الرضا، مثل قبلت، أو اشتريت ونحوهما.
والأقوى عندي ان المعاطاة غير لازم، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما
دامت العين باقية، فإن تلفت إحدى العينين لزمت، ولا يحرم على كل واحد
منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد.
3068. الثاني: لا بد في العقد من اللفظ، ولا تكفي الإشارة ولا الكتابة مع
القدرة، وإن كان غائبا، وتجزئ الأخرس وشبهه الإشارة.
3069. الثالث: لا بد في اللفظ أن يكون بصيغة الماضي في الإيجاب والقبول،
دون المستقبل والأمر، والأقرب عدم اشتراط تقديم الإيجاب.
3070. الرابع: يشترط في المتعاقدين البلوغ، فلا يصح بيع الصبي ولا شراؤه،
275

شراؤه، وإن أذن له الولي، وسواء كان مميزا أو غير مميز. وفي رواية لنا، صحة بيعه إذا
بلغ عشر سنين رشيدا (1) ولا فرق بين اليسير والكثير.
3071. الخامس: يشترط في المتعاقدين العقل، فلا يصح بيع المجنون ولا
شراؤه، وإن أذن له الولي، سواء كان مطبقا أو أدوارا، إلا أن يعقد صحيحا، وكذا لا
ينعقد بيع المغمى عليه ولا شراؤه ولا السكران غير المميز.
ولو رضي كل واحد من هؤلاء أو الصبي بعد زوال العذر بما فعله، لم
يعتد به.
3072. السادس: الاختيار شرط، فلا يصح عقد المكره، ولو أجاز ما فعله بعد
زوال عذره، صح العقد.
3073. السابع: لو باع العبد ما في يده بإذن سيده صح، وبغير إذنه يقف على
الإجازة، وكذا لو اشترى بما في يده.
ولو اشترى في الذمة، قال الشيخ: الأولى انه لا يصح شراؤه (2) ولو أمره آمر
أن يبتاع له نفسه من مولاه، فالأقرب الجواز.
3074. الثامن: الملك أو حكمه شرط في لزوم البيع، ونعني بحكم الملك
أن يكون البائع وليا عن المالك، بأن يكون وليا أو وكيلا أو مأذونا له فيه، أو

1. لم نعثر على رواية تختص بالبيع وانما ورد نفوذ وصيته أو شهادته إذا بلغ عشرا لاحظ
الوسائل: ج 13، الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا. وج 18، الباب 22 من أبواب الشهادات
كما أنه لم يشر في التذكرة إلى الرواية واقتصر بقوله: «وفي وجه آخر لنا جواز بيعه إذا بلغ عشرا»
وكأنه انتزع قاعدة كلية من الحديثين لاحظ التذكرة: 1 / 468 - الطبعة الحجرية -.
نعم قال الشيخ في المبسوط: 2 / 163: وروي انه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيدا كان جائزا.
2. المبسوط: 2 / 162.
276

وصيا، أو حاكما، أو أمينا لحاكم، أو أبا، أو جدا مع صغر المالك.
فلو باع غير المالك من غير ولاية، وقف على الإجازة، فإن أجازه المالك،
صح ولزم، وإلا بطل، وقيل: يبطل من رأس (1)، وليس بمعتمد.
وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع ما ليس عندك (2) وهو أن يبيع سلعة معينة
وليس بمالك لها، ثم يمضي إلى المالك ليشتريها منه ويدفعها.
ولو باع ما ليس معينا صح وان لم يكن عنده.
3075. التاسع: لو باع الفضولي، وصاحب السلعة ساكت، لم يلزمه البيع، وإن
كان حاضرا.
3076. العاشر: لو وكل رجلين في بيع السلعة على الجمع والتفريق، فباعا
معا، فالعقد للسابق في العقد لا القبض، ولو اتفقا دفعة، فالوجه البطلان، ويجوز
للمالك أن يبيع بنفسه مع انتفاء الموانع، وكذا الوكيل المأذون والوصي والحاكم
وأمينه والأب والجد مع المصلحة للمولى عليه.
ولو باع ما لا يملكه، وفسخ المالك، انتزع من المشتري، ورجع المشتري
على البائع بما دفعه إليه وبما اغترمه، من نفقة، أو عوض عن أجرة، أو نما على
قول، إذا لم يعلم، أو ادعى البائع إذن المالك، وإلا فلا رجوع مع العلم بالقضية.
ولو باع ما يملك وما لا يملك صفقة، صح في ما يملك، ووقف الآخر،

1. قال الشيخ: من باع ما لا يملك كان البيع باطلا. المبسوط: 2 / 158، ولاحظ الخلاف:
3 / 168، المسألة 275 من كتاب البيوع.
2. لاحظ سنن الترمذي: 2 / 350 برقم 1250، سنن ابن ماجة: 2 / 737 برقم 2187، مسند
أحمد: 3 / 402 و 434.
277

فإن أجاز المالك، صح العقد، وإلا بطل، فتخير المشتري في المملوك بين أخذه
بقدر نصيبه من الثمن وبين الفسخ.
ولو باع ما يملك وما لا يصح تملكه، كالخمر والخنزير، صح في ما يملك
خاصة، بقدر حصته من الثمن، ولا خيار مع عدم الغش.
3077. الحادي عشر: للأب والجد للأب الولاية على الولد ما دام غير رشيد
وإن بلغ، أو غير بالغ، أما لو بلغ رشيدا، زالت الولاية عنه، ولكل منهما أن يتولى
طرفي العقد.
وللوكيل التصرف في ما جعل له ما دام الموكل جائز التصرف، وفي جواز
توليته طرفي العقد إشكال، المروي الجواز مع الإعلام (1).
والوصي يمضي تصرفه بعد موت الموصي على الصبي والمجنون،
ويجوز توليته طرفي العقد على خلاف (2) وفي جواز اقتراضه قولان، منع ابن
إدريس منه (3). وجوزه الشيخ (4)، وجوز أيضا ان يقوم على نفسه (5) والحاكم وأمينه
يليان على المحجور عليه للسفه والفلس مطلقا، وللصغير مع عدم الأب والجد
له والوصي، ويحكمان على الغائب.
3078. الثاني عشر: يشترط في مشتري المسلم الإسلام، فلو اشترى الكافر
مسلما، لم ينعقد وقيل: يجوز ويجبر على بيعه (6) ولو وكل الكافر مسلما في

1. لاحظ المختلف: 5 / 89، المسألة 49.
2. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 6 / 356.
3. السرائر: 2 / 212.
4. النهاية: 361.
5. الخلاف: 3 / 346 و 347، المسألة 9 من كتاب الوكالة ولاحظ المبسوط: 2 / 381.
6. قال الشيخ: إذا اشترى كافر عبدا مسلما، لا ينعقد الشراء ولا يملكه الكافر، وبه قال الشافعي
في الاملاء، وقال في الأم: يصح الشراء ويملكه ويجبر على بيعه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
الخلاف: 3 / 188، المسألة 315 من كتاب البيوع.
278

شراء مسلم لم يصح، ولو وكل مسلم كافرا في شراء مسلم، فالوجه الصحة.
ولو قال كافر لمسلم: أعتق عبدك عني عن كفارتي، فأعتقه، فالوجه عدم
الصحة. ولو اشترى الكافر مسلما في شراء ينعتق عليه، كالأب، ففي
البطلان إشكال.
ولو استأجر الكافر مسلما لعمل في الذمة، صح، ولو استأجر مدة كشهر،
ففي الجواز نظر.
3079. الثالث عشر: لا يصح بيع الحر ولا شراؤه، وكذا ما لا منفعة فيه،
كفضلات الإنسان، من شعره، وظفره، وقد سلف، والأقرب جواز بيع
لبن الآدميات.
وكذا لا يجوز بيع ما يشترك فيه المسلمون قبل الحيازة، كالماء
والكلاء، والسمك.
ولو استولى على شئ منها جاز بيعه.
ولا يصح بيع الأرض المفتوحة عنوة، بل يجوز بيع آثاره فيها، كالبناء،
والغراس، وماء البئر لمن استنبطه، وماء النهر لمن حفره، يجوز بيعه على كراهية.
وما يظهر من المعادن في الأرض المملوكة، لمالكها يجوز بيعها
والتصرف فيها.
3080. الرابع عشر: لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، ولو أدى بقاؤه إلى خرابه،
جاز بيعه، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه، على خلاف.
3081. الخامس عشر: لا يجوز بيع أمهات الأولاد مع حياة الولد، إلا في
279

ثمن رقبتهن إذا كان دينا على مولاها ولا شئ سواها، وفي اشتراط موت المالك
إشكال، ولو مات ولدها جاز بيعها مطلقا.
3082. السادس عشر: لا يجوز بيع الرهن إلا بإذن الراهن، أو يكون المرتهن
وكيلا، وكذا ليس للراهن بيعه إلا بإذن المرتهن، ولو باع كل منهما من دون إذن
صاحبه، جاز للآخر الفسخ، إلا أن يبيح المرتهن الوكيل.
3083. السابع عشر: العبد الجاني يجوز بيعه، سواء كانت الجناية عمدا أو
خطأ، ومنع الشيخ في العمد (1) والوجه ما قلناه. ثم المجني عليه أو وليه إن عفا أو
صالح على مال، التزمه المالك، لزم البيع، وإن قتله قصاصا رجع المشتري بالثمن
الذي دفعه على البائع، إن لم يكن عالما باستحقاقه القتل.
ولو كانت الجناية خطأ، فإن أخذه المجني عليه، بطل البيع، وإلا كان له
مطالبة المولى بأرش الجناية أو قيمة العبد.
3084. الثامن عشر: لو كانت الجناية توجب القصاص، فاقتص استوفى، وإن
عفي على مال، أو كانت الجناية خطأ، تعلق المال برقبة العبد، ويتخير المولى
بين تسليمه للبيع، وبين أن يفديه من ماله، فإن اختار المولى بيعه فزادت القيمة
على الأرش، كان الزائد للمولى، ولا رجوع عليه في النقصان.
ولو اختار الفداء جاز; قال الشيخ بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية،
وروي جميع الأرش أو تسليم العبد 2.
وبيع الجاني خطأ دلالة على اختيار أداء الأرش أو القيمة عنه، ويزول

1. المبسوط: 2 / 135.
2. المبسوط: 2 / 136.
280

الحق عن رقبة العبد، قال الشيخ: ينبغي أن نقول في ما يوجب الأرش: إن بيعه
إياه بعد ذلك دلالة على التزام المال في ذمته (1). ويلزمه أقل الأمرين من الأرش
وقيمة العبد. فإن كان السيد موسرا الزم بما قلناه، ولا خيار للمشتري هنا. ولو كان
معسرا لم يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد، وللمشتري الفسخ مع عدم
علمه، فإن فسخ رجع بالثمن، وإن لم يفسخ واستوعبت الجناية قيمته وانتزعت،
رجع المشتري بالثمن أيضا، وإن لم تستوعب رجع بقدر الأرش.
ولو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد، لم يرجع بشئ، ولو اختار
المشتري أن يفديه جاز، ويرجع به على البائع مع الإذن، وإلا فلا.
ولو كانت الجناية عمدا، فاختار ولي الدم المال، فإن رضي المالك أو
المشتري بذلك، فالحكم كما تقدم، وإن قتله قبل القبض، بطل البيع، وكذا لو
كان بعده.
3085. التاسع عشر: العبد الجاني إذا كان مرهونا، بيع في الجناية، تقدم الرهن
أو تأخر.
ولو قطع العبد يد غيره عمدا، فبيع، وقطعت يده عند المشتري، كان له
الرد أو الأرش. ولو كان المشتري عالما قبل العقد، فلا شئ له، ولم يسقط الرد،
لوجوب القطع في ملك البائع.
3086. العشرون: يصح بيع العبد المرتد عن غير فطرة، ويتخير المشتري مع
عدم العلم، ولو كان عن فطرة فالوجه عدم صحة بيعه، على إشكال، وكذا كل من

1. المبسوط: 2 / 136.
281

وجب قتله، كالعبد في المحاربة، إذا لم يتب قبل القدرة عليه، ولو تاب قبلها،
صح بيعه.
3087. الواحد والعشرون: القدرة على تسليم المبيع شرط في صحته، فلو باع
الآبق منفردا، لم يصح، سواء علم مكانه أو لا، ولو كان المشتري بحيث يقدر
عليه، قال السيد المرتضى (رحمه الله): يجوز بيعه منفردا (1) وكذا لو حصل في يد إنسان،
فإنه يجوز بيعه عليه، وقال ابن الجنيد: يجوز بيعه على التقدير الأول أو يضمنه
البائع (2). وكذا الجمل الشارد، والطائر قبل صيده، والسمك في الأجمة، ولو ضم
إلى هذه غيرها صح بيعه، ولو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال لا فيه، فالوجه
جوازه، ويتخير المشتري.
3088. الثاني والعشرون: يشترط في صحة البيع علم المتعاقدين بالعوضين،
ومع جهل أحدهما يبطل، وقال ابن الجنيد: لو كان الثمن مجهولا لأحدهما
جاز، كأن يقول: بعني كر طعام بسعر ما بعت، ولو جهلا معا لم يجز، والوجه ما
قلناه.
وكذا يبطل لو باعه بحكم أحدهما أو بحكم ثالث من غير تعيين الثمن.

1. الانتصار: 435، المسألة 247.
2. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 5 / 240.
282

المقصد الثالث: في الخيار
وفصوله اثنان
[الفصل] الأول: في أقسامه
وهي ستة
[القسم] الأول: خيار المجلس
وفيه تسعة مباحث:
3089. الأول: إذا تبايعا ثبت لكل منهما خيار الفسخ ما داما في المجلس، وهو
يثبت في كل مبيع، ويبطل لو تفرقا بالأبدان ولو كان بأدنى انتقال، سواء كان في
الصحراء أو في المنازل، وكذا يبطل بالتصرف وبالتخاير قبل العقد، بأن يقول:
بعتك ولا خيار بيننا ويقبل الآخر، أو بعده، بأن يقول كل منهما بعد العقد:
اخترت إمضاء العقد وما أشبه ذلك.
3090. الثاني: لو قال أحدهما لصاحبه: اختر، ولم يقل الآخر شيئا، لم يبطل
خيار الساكت ولا القائل.
283

3091. الثالث: لو كان المشتري هو البائع بأن يبيع عن ولده لنفسه أو بالعكس،
قيل: لا خيار، عملا بالأصل السالم عن معارضة النص، لوروده بصيغة التثنية
مقرونة بالافتراق (1) وشرطهما الكثرة، وقيل: لا يسقط. ويعتبر مفارقة مجلس
العقد، وعندي في ذلك نظر.
3092. الرابع: لو تفرقا بعد العقد سقط خيارهما، سواء قصدا ذلك أو لا،
علماه أو جهلاه، وكذا لو هرب أحدهما من صاحبه.
ولا يقف لزوم العقد على رضاهما في التفرق، ويجوز لكل واحد منهما
بعد العقد مفارقة مجلسه، ليبطل الخيارين، وليس بمحرم.
3093. الخامس: لو أقاما في المجلس، وضرب بينهما ساتر، أو بني حائط، أو
ناما، لم يسقط خيارهما، ولو قاما معا مصطحبين، ولم يتفرقا، فالوجه بقاء
الخيار، وإن طالت المدة.
3094. السادس: لو أكرها على التفرق، فإن منعا من التخاير، لم يسقط
خيارهما، ويثبت لهما الخيار في مجلس زوال الإكراه، ما لم يتفرقا عنه. ولو لم
يمنعا من التخاير سقط.
ولو أكره أحدهما لم يسقط خياره، وخيار الآخر باق ما دام في المجلس،
فإن فارقه، بطل الخياران، وكذا لو زال الإكراه عن الآخر، وفارق مجلس زوال
الإكراه، ولم يختر، أو أكره على التفرق دون التخاير.

1. وهو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) البيعان بالخيار ما لم يفترقا. لاحظ الاستبصار: 3 / 72 برقم 240;
سنن البيهقي: 5 / 269; سنن الترمذي: 2 / 358 برقم 1263; سنن ابن ماجة: 2 / 736 برقم
2182 و 2183.
284

3095. السابع: لو أوجبه أحدهما ورضي الآخر، سقط خيارهما، ولو التزم به
أحدهما خاصة، سقط خياره، وبقي خيار صاحبه.
ولو خرس أحدهما، قامت إشارته مقام لفظه، ولو لم يفهم، أو جن، أو
أغمي عليه، قام وليه مقامه، فلو زال عذره لم يعترض على الولي فيما فعله.
3096. الثامن: لو مات أحدهما، ينتقل الخيار إلى ورثته، فإن فارق الحي
مكانه، بطل الخياران معا، وكذا إن أخذ الميت.
ولو تصرف المشتري ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك، كان إبطالا لخياره.
وكذا البائع لو تصرف، كان دلالة على الفسخ، ولو تصرف أحدهما ورضي
الآخر، بطل خيارهما معا.
3097. التاسع: البيع يلزم بعد التفرق ما لم يوجد ما يقتضي جواز الفسخ، بأن
يكون حيوانا، أو يشترطا مدة، أو يجد به عيبا، أو تدليسا أو يجده بخلاف
الصفة، أو يظهر الخيانة في المرابحة.
ولو ألحقا في العقد خيارا بعد لزومه، لم يلحقه.
[القسم] الثاني: خيار الحيوان
وفيه بحثان:
3098. الأول: أجمع العلماء على أن للمشتري الخيار في الحيوان إلى ثلاثة
أيام، فإن خرجت ولم يختر، وجب البيع، وله الفسخ في الثلاثة سواء شرطاه
في العقد أو لا، ولو شرطا سقوطه، أو أسقطه المشتري بعد العقد، أو تصرف
285

فيه إما تصرفا لازما، كالبيع والعتق، أو غير لازم، كالهبة والوصية، سقط.
3099. الثاني: الخيار هنا للمشتري خاصة، وقال المرتضى: يثبت للبائع أيضا
إلى ثلاثة أيام كالمشتري (1) والمعتمد الأول.
[القسم] الثالث: خيار الشرط
وفيه عشرة مباحث:
3100. الأول: يجوز اشتراط الخيار في العقد لكل واحد من المتعاقدين إلى
أي مدة كانت، إذا كانت مضبوطة، سواء زادت على ثلاثة أيام أو لا، وسواء كان
بقدر الحاجة أو لا.
3101. الثاني: يجب أن تكون المدة المذكورة مضبوطة كالسنة والشهر
واليوم، ولا يجوز اشتراط ما يحتمل الزيادة والنقصان، كقدوم الحاج، وإدراك
الغلات، وهبوب الرياح، ونزول المطر، والحصاد، والجذاذ، فإن شرطا ذلك،
بطل العقد، سواء أسقط الشرط قبل مضي الثلاث، أو حذفا الزائد عليها.
ولو شرطا الخيار أبدا، أو ما بقيا، أو ما شاءا، بطل العقد.
3102. الثالث: لو باعه بشرط أن الخيار لهما أو لأحدهما، وأطلقاه ولم
يعيناه، ولا قرناه بمدة معلومة ولا مجهولة، بطل العقد; قاله الشيخ (رحمه الله) 2.
وهو جيد. وقال المرتضى (رحمه الله): يثبت الخيار ما بينه وبين ثلاثة أيام، ثم لا
خيار بعد ذلك. واحتج بأن خيار المعهود متقدر بالثلاثة، ومع الإطلاق

1. الانتصار: 433، المسألة 245.
2. المبسوط: 2 / 83.
286

ينصرف إلى المعهود (1). وهو جيد إن أراد الشرط في الحيوان، وإلا فلا.
3103. الرابع: لو شرطاه إلى العطاء وأرادا وقته، فإن كان معلوما صح، ويبطل
لو كان مجهولا، أو أراد [ا] الفعل. (2)
3104. الخامس: لو شرطا الخيار شهرا، يثبت يوما ولا يثبت يوما، احتمل
الصحة في اليوم الأول والبطلان في ما عداه، وبطلان العقد وصحته مع الشرط
بحسبه، وهو أقرب الاحتمالات.
3105. السادس: إذا بطل الشرط بطل العقد المقترن به.
3106. السابع: يجوز جعل الخيار لهما، ولثالث ولهما، أو لأحدهما معه، سواء
تعدد الثالث أو اتحد، وأن يشترط لأحدهما مدة وللآخر دونها.
ولو اشترى شيئين، وجعل الخيار في أحدهما معينا، صح البيع، فإن فسخ
في ما شرط، صح، ورجع بقسطه من الثمن، وإن أبهم، بطل العقد فيهما.
3107. الثامن: إذا جعل الخيار لنفسه وللأجنبي معا، تخير كل منهما في الفسخ
والإمضاء، ولو جعل الخيار للأجنبي دونه، صح أيضا، ويكون بمنزلة الوكيل ولا
خيار هنا لمن جعل الخيار للأجنبي.
ولو كان المبيع عبدا، فجعل الخيار له، فالوجه الصحة، ولو كان البائع
وكيلا، فشرط الخيار لنفسه أو للمالك أولهما صح، ولو شرطه لأجنبي، وكان
وكيلا في التوكيل، أو عاما صح، وإلا فلا.

1. الانتصار: 438، المسألة 250.
2. وفي المغني لابن قدامة: 4 / 67 «وإن شرطه إلى العطاء وأراد وقت العطاء وكان معلوما صح،
وإن أراد نفس العطاء فهو مجهول».
287

3108. التاسع: لو شرط المؤامرة، صح إن قرناها بمدة معينة، وله الفسخ قبل
الاستيمار.
3109. العاشر: يجوز اشتراط مدة معلومة يرد البائع فيها الثمن ويرتجع
المبيع، والنماء في مدة الخيار للمشتري، ولو جاء ببعض الثمن في المدة، لم
يجب القبول، ولم ينفسخ البيع، إلا أن يشترط الإتيان بذلك البعض.
ثم إن كانت المدة ظرفا للأداء والاسترجاع، كان له الفسخ متى جاء بالثمن
في أثنائها، ويجب على المشتري قبضه، ولو جعلها غاية لم يجب قبضه إلا
بعد مضيها.
ولو جعل البائع الخيار لنفسه مدة معلومة، كان له الفسخ في جميع المدة،
وإن لم يحضر الثمن ولا بعضه، بخلاف الصورة الأولى.
[القسم] الرابع: خيار الغبن
ويثبت للمغبون خيار الفسخ، سواء كان بائعا أو مشتريا، وإنما يثبت مع
الغبن الفاحش وقت البيع، وجهالة المغبون، وإن استندت جهالته إلى عجلته،
فلو كان عالما بالقيمة، لم يثبت له خيار وإن قل العوض.
ولا حد للغبن بل يرجع إلى العادة. فما يقع التغابن له حال المعاملة لا
يثبت به خيار، وما لا يتغابن به يوجب الخيار، وليس الثلث شرطا.
ولا يسقط الخيار بالتصرف مع إمكان الرد، ولو نقله ببيع وشبهه، بطل
خياره وكذا لو استولد الأمة.
288

ولا يثبت بهذا الغبن أرش بل يتخير بين الرد والإمساك بجميع الثمن، ومع
امتناع الرد، يلزمه الثمن أجمع.
[القسم] الخامس: خيار التأخير
وفيه ثلاثة مباحث:
3110. الأول: من باع شيئا معينا بثمن معلوم، ولم يشترطا تأخير الثمن، ولم
يقبض البائع الثمن ولا المشتري السلعة، لزم البيع ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري
بالثمن في الثلاثة، كان أحق بالمبيع، وإن خرجت المدة، تخير البائع بين
الفسخ والإمضاء.
ولو كان الثمن مؤجلا، سقط خياره، وإن خرج الأجل ولم يقبض الثمن،
وكذا لا خيار للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما.
ولو قبض المشتري المتاع، وأودعه البائع، فلا خيار، (1) وكذا لو مكنه من
المتاع، أو قبض الثمن، وأودعه المشتري، ولو قبض بعض المتاع، أو قبض
البائع بعض الثمن، فالخيار باق.
3111. الثاني: لو هلك المبيع قبل القبض، فهو من مال البائع، سواء هلك في
الثلاثة أو بعدها.
وقال المفيد والمرتضى رحمهما الله: التلف في الثلاثة من المشتري (2).

1. قال المصنف في التذكرة: لو قبض المشتري المبيع ثم دفعه وديعة عند بائعه أو رهنا حتى
يأتي بالثمن فلا خيار للبائع، لأنه بإقباضه رضي بلزوم البيع، ويده الآن يد نيابة عن المشتري.
تذكرة الفقهاء: 1 / 498 - الطبعة الحجرية.
2. المقنعة: 592; والانتصار: 437، المسألة 249.
289

ولو هلك بعد القبض والايداع، فهو من مال المشتري قبل الثلاثة
وبعدها إجماعا.
3112. الثالث: لو كان المتاع مما يسرع إليه الفساد، كالخضر وغيرها من البقول
وشبهها، كان الخيار يوما إلى الليل، إن جاء المشتري بالثمن فيه لزم البيع، وإلا
تخير البائع على ما قلنا من الشروط.
[القسم] السادس: خيار الرؤية
وفيه اثنا عشر بحثا:
3113. الأول: إذا باع شيئا معينا غير مشاهد، وجب وصفه بما يرفع الجهالة،
ويسمى بيع خيار الرؤية، وهو بيع صحيح، ثم إن وجده على الصفة، لزم البيع،
ولا خيار، وإن لم يجده على الصفة، تخير بين الفسخ والإمضاء، ولو اختلفا في
اختلاف الصفة، فالقول قول المشتري.
3114. الثاني: لو دفع العين فوجدت فوق الصفة، فلا خيار، ولو وجدها دونه،
تخير، وليس له المطالبة بالعوض، ولو اختار الإمساك، لم يكن له
المطالبة بالأرش.
3115. الثالث: لو ادعى المشتري زيادة وصف على ما ذكره البائع، فالقول
قول البائع، بخلاف ما لو ادعى بأن الوصف ضد الموجود.
3116. الرابع: لو وجد البعض بخلاف الوصف، تخير في المبيع كله.
3117. الخامس: لو أخل بذكر الوصف الرافع للجهالة، مع عدم
290

المشاهدة، بطل البيع، وإن كان المبيع معينا، بخلاف النكاح.
3118. السادس: يشترط في بيع خيار الرؤية أمران: ذكر الجنس والوصف، فلو
أخل بأحدهما بطل، ولو باع المشاهد، وجب رؤية كل ما هو مقصود بالبيع، ولو
شاهد بعضها ووصف له الباقي، صح، وتخير مع عدم المطابقة، ولو نسج بعض
الثوب وباعه على أن ينسج الباقي ويدفعه، بطل العقد.
3119. السابع: الأقرب ان خيار الرؤية على الفور، ويثبت بعد الرؤية إن كان
على غير الوصف لا مطلقا، ولو اختار إمضاء العقد قبل العقد، ففي عدم اللزوم
إشكال، وكذا لو تبايعا على أنه لا يثبت الخيار للمشتري.
3120. الثامن: يثبت الخيار لمن لم يشاهده، سواء كان البائع أو المشتري.
ولو لم يكونا رأياه، ثبت لهما معا الخيار، ويثبت مع الزيادة في الوصف للبائع
ومع النقصان للمشتري.
ولو شرط البائع خيار الرؤية لنفسه، فلو لم يكن قد رآه، صح الشرط، وإن
كان قد رآه، فلا وجه للشرط.
3121. التاسع: إذا شاهد المبيع، ثم عقدا بعد مدة، فإن لم يتطرق التغير إليه،
صح البيع، وإن كان غائبا، فإن وجداه كما كان، لزم البيع، وإن تغير إلى الزيادة
تخير البائع، وإلى النقصان تخير المشتري، ولو اختلفا في التغير، فالقول
قول المشتري.
وإن باعه بعد مدة يعلم تلفه فيها، بطل إجماعا، ولو تساوى الأمران، صح
البيع، فإن وجد على الوصف، لزم، وإلا ثبت الخيار.
3122. العاشر: يصح بيع الموصوف مع التعيين، مثل بعتك عبدي
291

التركي، ويصفه (1) ويثبت للمشتري الخيار مع خلاف الوصف، وليس له المطالبة
بالعوض على ما قلنا، وكذا لو تلف قبل قبضه، بل يبطل البيع، ومع عدمه 2 مثل
بعتك عبدا تركيا، ويصفه من غير إشارة إلى عين معهودة، ولو وجده على
الوصف، وجب قبضه، وإلا طالبه بالبدل.
ويجوز التفرق قبل القبض، ولا يجوز العقد في هذا على ما يتعذر
وجوده، ولو قرنه بالمدة كان سلما.
3123. الحادي عشر: لا يجوز بيع عين بصفة مضمونة، كأن يقول: بعتك هذا
الثوب، على أن طوله كذا، وعرضه كذا، وغيره من الصفات، على أنه إن لم يكن
كذا فعلي بدله على هذا الصفات.
3124. الثاني عشر: يجوز أن يبيع شيئا ويشترط أن يسلمه إليه بعد شهر أو
أكثر، ويجوز بيع العين الحاضرة بالحاضرة وبالدين بلا خلاف.
الفصل الثاني: في محله وأحكامه
وفيه تسعة وثلاثون بحثا:
3125. الأول: بيع العين المشاهدة يدخله خيار المجلس والشرط.
وإن كان حيوانا، دخله خيار الحيوان أيضا.

1. في «أ»: ووصفه.
2. الضمير يرجع إلى التعيين.
292

وإن كان غائبا دخله خيار الرؤية والشرط.
وإن كان صرفا، دخله خيار المجلس، قال الشيخ: ولا يدخله خيار الشرط
إجماعا (1) وعندي فيه نظر.
وإن كان سلما دخله خيار المجلس والشرط.
3126. الثاني: الرهن لا يدخله خيار الشرط للمرتهن، وفي الراهن إشكال.
3127. الثالث: الصلح إن كان إبراء - كأن يقول: لي الف، أبرأتك عن النصف
وادفع الباقي - فلا خيار فيه، وإن كان معاوضة، لم يدخله خيار المجلس، والوجه
عندي دخول خيار الشرط فيه.
3128. الرابع: الهبة لا يدخلها الخيار.
3129. الخامس: الحوالة لا يدخلها خيار المجلس، والأقرب دخول خيار
الشرط، وكذا الضمان.
3130. السادس: الشفعة لا يدخلها الخيار.
3131. السابع: المساقاة لا يدخلها خيار الشرط.
3132. الثامن: الإجارة يدخلها خيار الشرط دون خيار المجلس، سواء كانت
معينة أو مطلقة.
3133. التاسع: الوقف لا يدخله الخياران معا وكذا النكاح.
والصداق يدخله خيار الشرط دون المجلس.

1. المبسوط: 2 / 79.
293

3134. العاشر: الطلاق لا يدخله الخياران، وكذا العتق والخلع.
3135. الحادي عشر: السبق والرماية لا يدخله خيار المجلس، ويدخله
خيار الشرط.
3136. الثاني عشر: الكتابة المشروطة ليس للمولى فيها خيار المجلس، وله
خيار الشرط، وللعبد الخياران، والمطلقة (1) لا خيار فيها لهما.
3137. الثالث عشر: العقود الجائزة كالشركة والمضاربة لا يدخلها الخياران
معا، فظهر أن خيار المجلس لا يدخل في شئ من العقود سوى البيع، وخيار
الشرط يثبت في كل عقد سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق والعتق.
3138. الرابع عشر: خيار المجلس يبطل بالتفرق والتخاير والتصرف، وخيار
الشرط بالتصرف، ولو مات صاحب الخيار انتقل إلى الوارث من أي أنواع
الخيار كان، سواء طالب بالفسخ قبل موته أو لا، ولو جن، قام وليه مقامه، وليس
له الاعتراض بعد زوال العذر في ما فعل الولي.
ولو كان صاحب الخيار مملوكا فمات، فالخيار للمولى، سواء كان الشراء
للعبد أو لأجنبي وشرط له الخيار على إشكال.
ولو جعل الخيار لأجنبي فمات، فالوجه عدم سقوط الخيار، بل ينقل إلى
الوارث لا إلى المتعاقدين.
3139. الخامس عشر: إذا تلف المبيع قبل القبض، فهو من مال البائع،
وإن كان في مدة الخيار، ولو أتلفه المشتري فهو من ضمانه، ويبطل

1. تقابل المشروطة.
294

خياره، والأقرب عدم بطلان خيار البائع.
ولو تلف بعد القبض والقضاء الخيار فمن المشتري. وإن كان في مدة
الخيار، وفسخا البيع أو أحدهما سقط الثمن ووجبت القيمة على المشتري، وإن
اختار الإمضاء، أو سكتا حتى مضت مدة الخيار وجب الثمن.
3140. السادس عشر: لو تصرف المشتري في مدة الخيار تصرفا يختص
الملك، كالعتق، والوطء، والوقف، والركوب، والسكنى، بطل خياره، وكذا لو
عرضه للبيع، أو باعه بيعا فاسدا، أو عرضه للرهن، أو وهبه فلم يقبل الموهوب،
أو استخدمه.
ولو ركب الدابة لينظر سيرها، أو طحنها ليعرف قدره، أو حلب الشاة ليعلم
مقداره فقد قيل: لا يبطل خياره، ولو قبلت الجارية المشتري، قال الشافعي: لا
يبطل خياره (1) والوجه بطلانه مع الرضا.
3141. السابع عشر: لا يبطل خيار البائع ببطلان خيار المشتري، ولو تصرف
بما يفتقر إلى الملك، كان فسخا.
3142. الثامن عشر: لو أعتقه المشتري بطل خياره، والوجه عدم بطلان
خيار البائع.
3143. التاسع عشر: هل للمشتري وطء الجارية في مدة الخيار المشترك أو
خيار البايع؟ الأقرب جوازه، فلا مهر عليه ولا حد، وينعقد الولد حرا بغير قيمة.
قال الشيخ: ولو فسخ البائع، لزمه قيمة الولد، ولو لم يكن ولد، لزمه عشر

1. المغني لابن قدامة: 4 / 74.
295

قيمتها إن كانت بكرا، أو نصف عشر ان كانت ثيبا، ولا يبطل خيار البائع بوطء
المشتري مع علمه وبدونه الا مع رضاه (1).
والوجه عندي ان البائع إذا فسخ رجع بالقيمة ولا يرجع بقيمة الولد ولا
عقر عليه، أما وطء البائع فالتحريم فيه قوي إلا بعد الفسخ، ومعه ينفسخ العقد
ولا حد عليه وإن علم بالتحريم، ويحصل الفسخ بأول جزء من الوطء فيقع
تمامه في الملك، فلا حد ولا مهر، وينعقد الولد حرا، ولا قيمة له، والأمة أم ولد.
3144. العشرون: المبيع ينتقل بالعقد: وللشيخ قول بانتقاله به وبالقضاء
الخيار، سواء كان لهما أو لأحدهما أيهما كان (2).
3145. الواحد والعشرون: النماء المتصل المتجدد تابع للمبيع، إن فسخ تبعه،
والمنفصل للمشتري، سواء أمضيا العقد أو فسخاه.
3146. الثاني والعشرون: إذا تلف المبيع في زمن الخيار قبل القبض، انفسخ
البيع، وكان من ضمان البائع، وإن كان بعد القبض، والخيار للبائع، فالتلف من
المشتري، وإن كان للمشتري فالتلف من البائع، ولو كان مشتركا فالتلف
من المشتري.
ولو كان بتفريط، فالضمان على المفرط، ويجب على المشتري فطرته في
الخيار مع الشرائط.
3147. الثالث والعشرون: لو اشترى أمة حاملا فولدت عنده في مدة الخيار،
ثم ردها، لزمه رد الولد أيضا.

1. المبسوط: 2 / 83.
2. الخلاف: 3 / 22، المسألة 29 من كتاب البيوع; والمبسوط: 2 / 83 - 84.
296

3148. الرابع والعشرون: تصرف أحد المتبايعين في مدة الخيار - إما بنقل
العين كالبيع، أو بإشغالها كالإجارة والرهن والتزويج - مبطل للخيار، والوجه
صحة تصرفه، سواء كان البائع أو المشتري على إشكال.
ولو تصرف المشتري بإذن البائع أو البائع بوكالة المشتري صح التصرف
وانقطع خيارهما، ولو أعتقه المشتري نفذ العتق، وكذا لو أعتقه البائع في خياره
على إشكال، وينفسخ البيع قطعا، ولو أعتقه ثانيا زال الإشكال.
ولو اشترى جارية بعبد، ثم اعتقهما معا، نفذ عتق الجارية خاصة، ولو قدم
عتق الأمة، صح وبطل خياره، ويبطل عتق العبد، ولو قدم عتق العبد انفسخ البيع
وصح العتق على إشكال، وبطل عتق الأمة.
3149. الخامس والعشرون: لا يكره نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار.
3150. السادس والعشرون: ابتداء مدة خيار الشرط من حين العقد، وقال
الشيخ: من حين التفرق (1). ولو شرطاه من حين التفرق بطل.
3151. السابع والعشرون: إذا شرطا الخيار إلى مدة لم يدخل تلك الغاية
بكمالها، فلو باعه بخيار إلى الليل لم يدخل الليل، ولو شرطا إلى طلوع الشمس
أو غروبها، صح، ولو شرطا إلى طلوعها من تحت السحاب أو غروبها
عنه، بطل.
ولو شرط المؤامرة، بأن يبيعه بشرط أن يستأمر فلانا أو يستشيره لذلك،
لم يكن له الرد حتى يستأمره. قال الشيخ: ليس للاستيمار حد إلا أن يشترط مدة
معينة 2. ويقوي عندي وجوب التعيين.

1. المبسوط: 2 / 85.
2. المبسوط: 2 / 86.
297

3152. الثامن والعشرون: لصاحب الخيار الفسخ وإن كان غريمه غائبا، وكذا
فسخ المعيب، ولو انقضت المدة ولم يفسخ أحدهما، لزم العقد، وبطل الخيار.
3153. التاسع والعشرون: إذا قال أحد المتبايعين: لا خلابة (1) جاز، وله الخيار
إن غبنه صاحبه، وإلا فلا، سواء خدعه أو لا، ولو شرط الخيار في العقد حيلة على
الانتفاع بالقرض، ليأخذ غلته في مدة انتفاع المقترض بالثمن، ثم يرد بالخيار
عند رد الثمن، جاز وحل لأخذ الثمن الانتفاع به في مدة الخيار.
3154. الثلاثون: إذا قال: بعتك على أن تنقد لي الثمن بعد شهر، وإلا فلا بيع
بيننا، صح البيع، ولو باعه على أن يسلمه المبيع بعد شهر، صح أيضا.
3155. الواحد والثلاثون: البيع منضما إلى شرط سائغ جائز ما لم يوجب
تجهيل أحد العوضين، فلو باعه جارية بشرط أن يطأها المشتري، صح البيع.
3156. الثاني والثلاثون: لو باعه عبدين وشرط مدة الخيار في أحدهما معينا،
صح، وإن أبهم بطل، ولكل منهما قسط من الثمن، سواء عينه، بأن يقول: ثمن
هذا ألف والآخر الباقي أو لا.
3157. الثالث والثلاثون: إذا هلك المبيع في مدة الخيار بعد القبض، لم ينقطع
الخيار.
3158. الرابع والثلاثون: إذا اشترى اثنان بشرط أن الخيار لهما، ثم أجاز
أحدهما، فالوجه جواز فسخ الآخر، بخلاف ما لو ظهر معيبا واختلفا.
3159. الخامس والثلاثون: القول قول منكر الخيار ومنكر الزيادة

1. في مجمع البحرين: خلبه: خدعه، والاسم «الخلابة» بالكسر.
298

ومدعي التعيين إلا عند من جوز تجهيله.
3160. السادس والثلاثون: لا تقوم رؤية الوكيل في خيار الرؤية مقام رؤيته،
ولا يبطل خياره إذا لم يوكله في التزام البيع. (1)
3161. السابع والثلاثون: إذا جنى البائع في خيار المشتري لم يبطل خياره،
وإن كان مقبوضا.
3162. الثامن والثلاثون: إذا شرط ولي الصبي خيارا، فبلغ في أثناء مدته، كان
الخيار في الباقي للصبي.
3163. التاسع والثلاثون: إذا شرط الوكيل الخيار لموكله صح، وإن شرط
لأجنبي لم يصح، والإطلاق ليس بجيد بل إن كان وكيلا مطلقا صح، وإلا فلا.
ولو شرط أحد المتعاقدين خيارا أزيد صح، فإذا انقضت مدة الأقصر لزم
من جهته دون الآخر.

1. في «ب»: في التزام المبيع.
299

المقصد الرابع: في الربا
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في ماهيته وتحريمه
وفيه ثلاثة مباحث:
3164. الأول: الربا الزيادة لغة، وفي الشرع بيع أحد المتساويين جنسا بالآخر
مع التفاضل قدرا مع شرائط تأتي:
وهو حرام بالنص والإجماع، قال تعالى: (واحل الله البيع وحرم الربا) (1).
(اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (2) (لا تأكلوا الربا أضعافا
مضاعفة) (3).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله! ما هي؟
قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا،

1. البقرة: 275.
2. البقرة: 277.
3. آل عمران: 130.
301

وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات (1).
ولعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الربا وآكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه (2).
وقال الصادق (عليه السلام): درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم (3).
3165. الثاني: الربا ضربان: ربا الفضل، كبيع درهم بدرهمين نقدا، وربا
النسيئة، كبيع قفيز حنطة بقفيزين منها نسيئة، وهو حرام بنوعيه إجماعا.
3166. الثالث: يثبت الربا بشرطين: الكيل والوزن، - وفي العدد خلاف -
واتفاق الثمن والمثمن في الجنس، ولا يجري ربا الفضل إلا في الجنس الواحد.
وإنما يثبت الربا بالنص، ولم ينص الشارع على العلة فيه عندنا (4).

1. الوسائل: 11 / 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 34.
2. التهذيب: 7 / 15 برقم 64.
3. الوسائل: 12 / 422، الباب 1 من أبواب الربا، الحديث 1.
4. إشارة إلى الخلاف بيننا وبين فقهاء السنة حيث يختص الربا المعاوضي عندنا - بالأمور الستة -
كما ذكره المصنف في التذكرة. خلافا لغيرنا حيث عمموه.
قال المصنف في التذكرة: والربا عندنا ثابت في الصور بالنص، فإنا إنما نثبته في المقدر بأحد
المقادير المذكورة، وهي الكيل والوزن - والعدد على خلاف فيه - إذ القياس عندنا باطل، أما
القائلون بالقياس فقد اتفقوا على انه لعلة ثم اختلفوا، فقال النخعي والزهري والثوري وإسحاق
وأصحاب الرأي وأحمد في رواية ان علة الذهب والفضة كونه موزون جنس، وعلة الأعيان
الأربعة الباقية [الحنطة والشعير والتمر والملح] مكيل جنس فيجري الربا في كل مكيل أو
موزون بجنسه، مطعوما كان أو غيره...
وقال الشافعي في الجديد: العلة في الأربعة انها مطعومة في جنس واحد، فالعلة ذات وصفين،
وفي النقدين جوهر الثمنية غالبا... تذكرة الفقهاء: 1 / 482 - الطبعة الحجرية - ولاحظ الخلاف:
3 / 44، المسألة 64 من كتاب البيوع.
302

الفصل الثاني: في الجنس
وفيه عشرون بحثا:
3167. الأول: كل شيئين تناولهما لفظ واحد، فهما متحدان، كالحنطة بمثلها،
والأرز بمثله، فإن كان مكيلا أو موزونا جاز بيع المتجانس وزنا بوزن نقدا، ولا
يجوز مع زيادة، ولا إسلاف أحدهما في الآخر، ولا يشترط التقابض إلا
في الصرف.
ولو اختلفا، جاز التفاضل نقدا إجماعا، وفي النسيئة خلاف.
3168. الثاني: قال الشيخ: الحنطة والشعير جنس واحد (1) وقال ابن أبي عقيل (2)
وباقي علمائنا: إنهما جنسان والأول أقرب.
3169. الثالث: التمور كلها جنس واحد وإن اختلفت أصنافه، كالبرني (3)
والمعقلي وغيرها من الأرقال (4) والأنواع إجماعا. وكذا الرطب كله جنس واحد،
وهو مع التمر جنس واحد، فلا يجوز بيع التمر البرني بالمعقلي وغيره من
الأصناف متفاضلا.

1. النهاية: 277; الخلاف: 3 / 47، المسألة 66، من كتاب البيوع.
2. حكى المصنف في المختلف ان القائل بالتعدد ينحصر في القديمين وابن إدريس وأما غيرهم
فمجمعون على كونهما من جنس واحد لاحظ المختلف: 5 / 119، المسألة 79 من كتاب المتاجر.
3. في مجمع البحرين: في الحديث: خير تموركم البرني، هو نوع من أجود التمر.
4. نخلة رقلة: إذا كانت طويلة، والجمع «رقال» و «رقل» التلخيص لأبي هلال العسكري: 308
ولم يذكر جمعه على «أرقال» ومثله اللسان مادة «رقل».
303

3170. الرابع: العنب كله جنس واحد، وإن اختلفت أصنافه، وكذا الزبيب.
3171. الخامس: اللحمان أجناس مختلفة، فلحم الإبل جنس واحد عرابها (1)
وبخاتيها (2)، ولحم البقر العراب والجواميس جنس بانفراده، ولحم المعز والضأن
جنس واحد، فيجوز بيع لحم الإبل بلحم الغنم متفاضلا.
والوحوش أصناف، فلحم البقر الوحشي جنس بانفراده، وكذا الظباء
والكباش جنسان، يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، والوحشي من كل جنس
مخالف لأهليه، فبقر الوحش مخالف للبقر الانسي.
3172. السادس: الطيور أصناف، وكل ما انفرد منها باسم وصفة، فهو صنف،
فلحم «الكراكي»، ولحم «الحباري»، ولحم «الحجل»، ولحم «الفواخت»، ولحم
«القماري»، ولحم «الدجاج»، ولحم «القطا»، ولحم «العصافير»، أجناس مختلفة،
يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا، وبجنسه متماثلا.
3173. السابع: الحيتان كل ما اختص باسم وصفة فهو صنف مخالف للصنف
الآخر، وقوى الشيخ (رحمه الله) كون الحيتان جنسا واحدا ولا يدخل
في اللحمان (3).
3174. الثامن: الشحم واللحم جنسان، يجوز التفاضل فيهما نقدا.
3175. التاسع: الألبان تتبع اختلاف ما تتخذ منه، فلبن الغنم ضأنها وماعزها

1. الإبل العراب خلاف البخاتي. مجمع البحرين.
2. في مجمع البحرين: البخت نوع من الإبل، الواحد بختي - مثل روم ورومي - والأنثى بختية،
والجمع بخاتي.
3. الخلاف: 3 / 74، المسألة 123 من كتاب البيوع.
304

جنس بانفراده، ولبن البقر العراب والجواميس جنس، ولبن الإبل عرابها وبخاتيها
جنس، وبالجملة فاللبن تابع.
3176. العاشر: الخلول تابعة لأصولها، فخل العنب جنس بانفراده، وخل التمر
جنس بانفراده، يباع أحدهما بالآخر متفاضلا.
3177. الحادي عشر: الأدهان أجناس مختلفة، فدهن الشيرج جنس بانفراده،
ودهن الجوز جنس، ودهن اللوز جنس بانفراده.
وأقسامه أربعة: ما يتخذ للأكل، كالزيت، والشيرج. وللدواء، كدهن
الخروع، واللوز المر. وللطيب كدهن البنفسج والورد. ولا للطيب ولا للدواء
كالبزر (1) ودهن السمك، ويجري الربا في جميع ذلك.
ويجوز بيع الشيرج بمثله متماثلا نقدا، وبيع زيت الزيتون بزيت
الفجل متفاضلا.
3178. الثاني عشر: كل شئ يتبع أصله، فلو كان شيئان من أصلين فهما
جنسان، كدبس التمر ودبس العنب، وكل شيئين أصلهما واحد فهما جنس
واحد، والذهب والفضة جنسان.
3179. الثالث عشر: الربا يجري في لحم الطير.
3180. الرابع عشر: كل شئ مع أصله جنس واحد، كدقيق الحنطة معها،

1. وفي الخلاف: 3 / 56: البذر. وقال المصنف في التذكرة: وأصله حب الكتان.
وفي مجمع البحرين: «البذر: ما يبذر ويزرع من الحبوب كلها، وقال بعضهم: البذر في الحبوب
كالحنطة، والبزر بالزاء المعجمة للرياحين والبقول، وفي المصباح: وهذا هو المشهور في
الاستعمال، وعن الخليل: كل حبة بذر».
305

والسمن واللبن، لا يجوز التفاضل فيهما نقدا ولا نسيئة، فيجوز بيع الحنطة
بالدقيق متماثلا نقدا لا نسيئة، وكذا يجوز بيع الحنطة بالخبز متماثلا نقدا لا
نسيئة، والتفاضل فيهما لا يجوز نقدا ولا نسيئة، وكذا ما يتخذ من الحنطة
كالهريسة وشبهها.
ويجوز بيع بعض فروع الحنطة ببعضها متماثلا نقدا، لا نسيئة، ولا يجوز
التفاضل نقدا، ولا نسيئة، ولا يشترط تساويهما في النعومة (1).
ويجوز بيع الدقيق بالسويق متماثلا نقدا، ولا يجوز نسيئة، ولا متفاضلا
مطلقا، ويجوز بيع الخبز بمثله مع تساويهما في الأصل، ولو اختلفا جاز
التفاضل، كخبز الحنطة بخبز الذرة، سواء كان أحدهما رطبا أو يابسا، ويعتبر
التساوي وزنا فيه، ولا يجوز عددا ولا التفاضل فيه.
3181. الخامس عشر: الجيد والردي من كل جنس متساويان، لا يجوز
التفاضل بينهما نقدا، ولا نسيئة، فيباع الفضة المصوغة بالمكسرة مع
تساويهما وزنا.
3182. السادس عشر: اختلف علماؤنا في بيع اللحم بالحيوان من جنسه مع
العلم بقدر اللحم، فالأقرب جوازه، ومنع الشيخ (رحمه الله) (2) تعويلا على رواية ضعيفة
السند قاصرة (3) عن إفادة المطلوب، ونص على جواز بيعه بغير جنسه (4).
3183. السابع عشر: لو باعه بحيوان غير مأكول اللحم، جاز إجماعا،

1. في مجمع البحرين: نعم الشئ بالضم نعومة أي صار ناعما لينا.
2. الخلاف: 3 / 75، المسألة 126 من كتاب البيوع; والمبسوط: 2 / 100.
3. لاحظ الوسائل: 12 / 441، الباب 11 من أبواب الربا، الحديث 1.
4. المبسوط: 2 / 100; والخلاف: 3 / 75، المسألة 126 من كتاب البيوع.
306

ويجوز بيع المطبوخ بمثله، وكذا المشوي بالمطبوخ (1) وبالعكس، ولا يشترط في
بيع اللحم بمثله نزع العظام.
3184. الثامن عشر: العسل، الشهد، وهو الذي فيه الشمع يجوز بيعه بمثله
متساويا، والمصفى بمثله متساويا، سواء صفي بالشمس أو بالنار.
3185. التاسع عشر: يجوز بيع الحيوان بالحيوان، تساويا عددا أو اختلفا،
سواء كانا صحيحين أو كسيرين أو أحدهما.
3186. العشرون: الطين الذي يأكله الناس، يحرم بيعه وأكله، والماء لا ربا فيه،
والعقاقير كالاهليلج، يثبت فيه الربا، وكذا طين التداوي كالأرمني وشبهه.
الفصل الثالث: في الكيل والوزن
وفيه اثنا عشر بحثا:
3187. الأول: يثبت الربا في كل مكيل أو موزون مع اتفاق الجنس، وفي
المعدود قولان، والشيخ لم يثبت فيه الربا مع التفاضل عددا (2) وأثبته المفيد (3)،
والأول أقوى.
3188. الثاني: كل ما كان جنسه مكيلا أو موزونا، حرم فيه التفاضل،

1. في «أ»: وكذا المشوي وبالمطبوخ.
2. الخلاف: 3 / 50، المسألة 72 من كتاب البيوع.
3. المقنعة: 605.
307

وإن تعذر فيه ذلك إما لقلته كالحبة من الحنطة، وما دون الأرزة من الذهب، أو
لكثرته كالزبرة العظيمة، ولا فرق في ذلك بين المكيل والموزون.
3189. الثالث: المصنوع من الموزون إن خرج بالصنعة عن اعتبار الوزن، جاز
التفاضل فيه، كالثوب بالثوبين، وإلا فلا.
3190. الرابع: إنما يحرم التفاضل في المكيل والموزون مع اتحاد الجنس،
فلو اختلفا، جاز متفاضلا نقدا، وفي النسيئة للشيخ قولان (1).
والأقرب عندي المنع، ولو كان أحد العوضين ثمنا جاز إجماعا.
3191. الخامس: ما لا يدخله الكيل ولا الوزن يجوز التفاضل فيه نقدا مع اتحاد
الجنس، وفي النسيئة للشيخ قولان (2)، أقربهما عندي الكراهية، والأفضل أن يذكر
كل واحد منهما بثمنه.
3192. السادس: اختلف علماؤنا في بيع الرطب بالتمر متساويا نقدا، مع
اتفاقهم على المنع منه نسيئة ومتفاضلا مطلقا، فجوزه بعض، ومنعه آخرون (3)،
وهو الأقوى.
وهل تطرد العلة في كل رطب مع يابسه؟، حتى لا يجوز بيع العنب
بالزبيب وان تساويا، وكذا الحنطة المبلولة باليابسة، والتين الرطب باليابس،
واللبن بالجبن؟ الأقرب عندي ذلك لقول الصادق (عليه السلام) في الرواية الصحيحة: لا

1. ذهب في المبسوط: 2 / 91، إلى عدم الجواز وفي النهاية: 377 إلى خلافه.
2. ذهب في النهاية: 377 إلى عدم الجواز وفي المبسوط: 2 / 89 إلى خلافه.
3. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 5 / 123.
308

يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن اليابس يابس والرطب رطب، فإذا
يبس نقص (1).
أما الرطب بالرطب، والعنب بالعنب، فيجوز متماثلا قطعا، وكذا
الحديث بالعتيق.
3193. السابع: يجوز بيع العصير بالبختج (2) متساويا نقدا ولا يجوز نسية مطلقا
والعصير ماء العنب الذي لم تمسه النار، والبختج ما مسته النار.
3194. الثامن: لا يجوز بيع ما يكال أو يوزن جزافا، تساويا في الجنس أو
اختلفا، ولا المكيل بالكيل وزنا مع تساويهما جنسا، ولا الموزون كيلا، ولو كان
المعدود يتعذر عده، أو الموزون يتعذر وزنه لكثرته، جاز أن يكال (3) فيه مكيال
ثم يعد أو يوزن، ويؤخذ الباقي بحسابه.
3195. التاسع: يجوز قسمة الكيل وزنا وبالعكس وجزافا فيهما، وقسمة
الثمار خرصا، وقسمة (4) ما لا يجوز بيع بعضه ببعض.
3196. العاشر: الاعتبار في الكيل والوزن بعادة الشرع، فما ثبت (5) انه مكيل أو
موزون في عصره عليه السلام في الحجاز، عمل عليه، ولا التفات حينئذ إلى
البلدان، ولو جهل حاله بالحجاز، فلكل بلد حكم نفسه إذا عرف حاله في زمنه

1. التهذيب: 7 / 94 برقم 398.
2. قال ابن الأثير: البختج: العصير المطبوخ، وأصله بالفارسية «مي پخته».
3. في «ب»: أن يكتال منه بمكيال.
4. في «أ» القيمة مكان القسمة في الموارد الثلاثة والصحيح ما في المتن. لاحظ المبسوط: 2 / 93.
5. في «أ»: فما يثبت.
309

عليه السلام، وما لم يعرف حاله أصلا رجع فيه إلى عادة البلد.
ولو اختلفت البلدان، فلكل بلد حكم نفسه، وقيل: يغلب فيه التقدير،
والمكيل يباع بغير جنسه وزنا، ولو بيع بجنسه، فالأقرب جوازه إن
علمت المساواة أو غلب على الظن، وإلا فلا، والموزون لا يباع بالكيل إلا مع
العجز عن وزنه.
ولو كانا في حكم الجنس الواحد واحدهما مكيل كالحنطة،
والآخر موزون كالدقيق، جاز بيع أحدهما بالآخر وزنا، وفي الكيل إشكال،
والأحوط الوزن.
3197. الحادي عشر: إنما يحرم التفاضل مع اتحاد الجنس، فلو ضم مع
الناقص من غير الجنس، وباعهما بالفاضل، جاز، كما لو باع مد عجوة ودرهما،
بمد ودرهمين، أو بدرهمين، أو بمدين، أو بدرهم ومدين، أو
بمدين ودرهمين.
وكذا، يخلص من الربا بأن يبيع الناقصة بجنس آخر، ثم يشتري الزيادة (1)
بذلك الجنس، أو يهب الناقصة ويستوهب الزيادة، أو يستوهب الزيادة، ويتبايعا
في المثلين.
ولو باع نوعين مختلفي القيمة من جنس، بنوع واحد من ذلك الجنس،
كدينار صحيح وآخر مكسر بصحيحين أو مكسرين، جاز مع التساوي وزنا، ولا
يشترط تساوي القيمة.

1. في «ب»: ثم يشتري الزائدة.
310

ولو باع ما لا ربا فيه، مع ما فيه الربا غير مقصود بذلك الجنس، جاز، كالدار
المموهة بالذهب به، ولو اشترى عبدا له مال واشترطه بجنسه وهو ربوي، بطل
إن ساواه الثمن أو قصر.
ولو اشترى شاة ذات لبن، بلبن، أو عليها صوف بصوف، أو خالية من
لبن، بذات لبن، جاز سواء كانت الشاة مذكاة أو حية.
3198. الثاني عشر: إذا باع الربوي بجنسه، ومع كل واحد منهما من غير
الجنس، مما ليس بمقصود، فإن كان يسيرا كحبات الشعير في الحنطة، لم يمنع
تحريم التفاضل، وإن كان كثيرا لمصلحة المقصود، كالماء في الخل، فهذا لا
يمنع من بيعه بمثله وبالخالي، وإن كان لغير مصلحته، كالماء المشوب باللبن
والأثمان المغشوشة، ففي جواز بيع بعضها ببعض إشكال، والأقرب تحريم
التفاضل مع بقاء الاسم، وإلا فلا.
ولو باعه بجنس غير المقصود، كما لو باع الدينار المغشوش بالفضة،
بالدراهم، فإنه يجوز إن كان الثمن أكثر، ولو باع الدينار المغشوش بمثله،
والغش فيهما متفاوت أو غير معلوم المقدار، جاز. ويجوز بيع مكوك (1) من
الحنطة بمكوك وفي إحداهما عقد التبن أو «شيلم» (2).

1. في مجمع البحرين: المكوك - كرسول -: المد، وقيل الصاع، والأول أشبه لما جاء مفسرا بالمد.
2. في لسان العرب: الشيلم هو الزؤان الذي يكون في البر، سوادية، وعن بعضهم: حب صغار
مستطيل أحمر قاتم كأنه في خلقه سوس. لسان العرب: مادة «شلم».
311

الفصل الرابع: في الأحكام
وفيه ستة مباحث:
3199. الأول: إذا باع الربوي بجنسه متماثلا، أو بغيره متفاضلا، لم يجب
القبض قبل التفرق، إلا في الصرف، فلو تفرقا قبل التقابض في غيره، لم
يبطل البيع.
3200. الثاني: الربا يحرم بين المسلمين في دار الإسلام ودار الحرب.
3201. الثالث: يثبت الربا بين المسلم والذمي، قاله الشيخ (رحمه الله) (1) وقال المفيد (2)
والمرتضى (3) وابن بابويه 4 (رحمهم الله) لا يثبت، وأجمعنا على انتفائه بين المسلم
وأهل الحرب.
3202. الرابع: لا ربا بين الولد ووالده، لأن مال الولد في حكم مال الوالد، ولا
بين السيد وعبده المختص، ولا بين الرجل وزوجته، ولو كان العبد مشتركا يثبت
الربا بينه وبين كل واحد من مواليه.
3203. الخامس: كل من قلنا بانتفاء الربا بينه وبين غيره، فإن لكل منهما ان
يأخذ الفضل ويعطيه، إلا أهل الحرب فإنا نأخذ الفضل ولا نعطيهم إياه.

1. النهاية: 372.
2. حكاه عنه ابن إدريس في السرائر: 2 / 252، والمصنف أيضا في المختلف: 5 / 112.
3. الانتصار: 442، المسألة 253.
4. المقنع: 374.
312

3204. السادس: من فعل الربا متعمدا، أثم، ووجب عليه رده إلى صاحبه، ولو
لم يعرفه تصدق به عنه، ولو عرفه دون المقدار صالحه، ولو جهلهما معا، أخرج
خمسه على مستحقيه، وحل الباقي.
ولو فعله جاهلا لم يأثم، ويجب الاستغفار مع العلم، ويجب عليه رد الربا
إلى مالكه، قاله ابن إدريس (1) ومنعه الشيخ (رحمه الله) (2) لأحاديث صحيحة (3)، لكن قول
ابن إدريس لا يخلو عن قوة.
الفصل الخامس: في الصرف
وفيه خمسة وعشرون بحثا:
3205. الأول: الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض، وهو جائز بالنص والإجماع،
ويشترط فيه التقابض في المجالس بلا خلاف، فلو تفرقا قبله، بطل، ولو
تقابض البعض صح فيه خاصة.
ولو فارقا المجلس مصطحبين، وتقابضا قبل التفرق، صح، ولا يشترط
التقابض في الحال، فلو طال مقامهما في المجلس، أو اصطحبا (4) بهما ثم
تقابضا صح.

1. السرائر: 2 / 251.
2. النهاية: 376.
3. لاحظ الوسائل: 12 / 430، الباب 5 من أبواب الربا.
4. في «أ»: واصطحبا.
313

ولو وكل أحدهما في القبض، فقبض الوكيل قبل تفرقهما صح، سواء
فارق الوكيل المجلس قبل القبض أو لا. ولو افترقا قبل قبض الوكيل بطل.
3206. الثاني: لو تخايرا في المجلس، فقال أحدهما لصاحبه: اختر إمضاء
البيع أو فسخه، لم يبطل البيع.
3207. الثالث: لو اشترى دينارا بعشرة، فدفع خمسة صح في نصف الدينار،
ولو استعار الخمسة قرضا، ودفعها عن باقي الثمن قبل التفرق صح، ولو أعطاه
أكثر من عشرة ليزن له حقه بعد وقت صح وإن تأخر الوزن، ويكون الزائد أمانة
يضمنه مع التفريط خاصة.
ولو أخذ منه دراهم، وأعطاه دنانير وأكثر من قيمة الدراهم أو مثلها، أو
أخذ منه دنانير وأعطاه الدراهم مثل ماله أو أكثر من ذلك، وساعره، كان جائزا،
وإن لم يوازنه ويناقده في الحال، لأن ذلك في حكم الوزن والنقد.
ولو أعطاه أقل، صح فيه خاصة، والأحوط أن يوازنه ويناقده في الحال،
أو يجدد العقد في حال الوزن والنقد.
3208. الرابع: لو كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير، فيقول له: حول
الدنانير إلى الدراهم، أو الدراهم إلى الدنانير، وساعره جاز وإن لم يوازنه في
الحال ولا يناقده، لأن النقدين من عنده. قاله الشيخ (رحمه الله) (1) وقال ابن إدريس: إن
تفرقا قبل التقابض بطل 2.
ولو كان لإنسان على غيره دراهم، جاز أن يأخذ بها دنانير، وكذا العكس،

1. النهاية: 380.
2. السرائر: 2 / 265.
314

ولو تغيرت الأسعار، كان له سعر (1) يوم قبض الدراهم دون يوم المحاسبة إذا لم
يكن قد ساعره، ولو كان له عنده دينار وديعة، فصارفه وهو معلوم البقاء أو
مظنونه، صح الصرف، ولو ظن العدم بطل، ولو شك فيه، فالأقرب الصحة، إلا
أن يعلم أنه كان تالفا.
ولو اشترى منه دراهم ثم ابتاع بها دنانير قبل قبض الدراهم، لم يصح
الثاني، ولو افترقا بطل العقدان.
3209. الخامس: يحرم التفاضل في الجنس الواحد، وإن انضم إلى أحدهما
زيادة صنعة، فلو اشترى خلخالا وزنه مائة وقيمة صنعته عشرة، بأزيد من
مائة بطل.
ويستوي في وجوب المساواة المصوغ والمكسور والجيد والردي
والتبر (2) والمضروب.
ولو كان في الفضة غش لم تبع بالفضة، وكذا الذهب المغشوش لا يباع
بالذهب، ولو كان الغش معلوما، جاز بيعه بجنسه مع زيادة تقابل الغش، ولو باع
المغشوش بوزنه خالصا، لم أستبعده.
3210. السادس: تراب معدن الذهب لا يباع بالذهب، وتراب معدن الفضة لا
يباع بها، وجوهر الذهب والفضة يباع بهما أو بما يغايرهما، ويجوز بيع
الرصاص بالفضة، والصفر بالذهب، وإن كان فيهما فضة أو ذهب.

1. هذا ما أثبتناه، وفي النسختين «يسعر» والصحيح ما في المتن لاحظ النهاية: 380.
2. التبر - بكسر التاء فالسكون - هو ما كان من الذهب غير مضروب، فإذا ضرب دنانير فهو عين،
ولا يقال تبر إلا للذهب، وبعضهم يقول للفضة أيضا. مجمع البحرين.
315

3211. السابع: لا يجوز بيع تراب الصاغة، فإن بيع، رد إلى أرباب التراب،
فإن لم يعلموا تصدق به عنهم.
3212. الثامن: الدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف جاز إخراجها،
ولو كانت مجهولة الصرف وجب الإعلام.
3213. التاسع: الأواني المصوغة من الجوهرين إن علم مقدار كل واحد، جاز
بيعه بجنسه مماثلا (1) وبغيره مطلقا، وإن لم يعلم وأمكن التخليص، لم تبع
بأحدهما، وبيعت بهما أو بغيرهما، وإن تعذرت، بيعت بالأقل، ولو تساويا
تغليبا، بيعت بهما.
3214. العاشر: السيوف المحلاة والمراكب المحلاة، إن علم مقدار الحلية،
بيعت بها (2) مع زيادة الثمن، أو بغير الجنس مطلقا، وإن لم يعلم، وتعذر نزعها،
بيعت بغير الجنس، أو به مع غيره.
3215. الحادي عشر: لو باعه درهما بدرهم، وشرط عليه صياغة خاتم، جاز،
ولا يتعدى (الحكم) (3).
ولو قال: صغ لي خاتما وزنه درهم، وأعطيك درهمين، من غير
بيع، جاز.
3216. الثاني عشر: الذهب والفضة يتعينان أثمانا، فلو اشترى ذهبا بذهب، أو
فضة بفضة، وكانا معينين، ثم وجد أحدهما فيما قبضه عيبا، بطل الصرف

1. في «ب»: متماثلا.
2. في «أ»: بهما.
3. ما بين القوسين موجود في «أ». أي لا يتعدى عن مورده لأنه منصوص. لاحظ التذكرة: 1 / 490
- الطبعة الحجرية -.
316

وإن كان من غير الجنس، وإلا تخير المشتري بين الإمساك وفسخ العقد، وليس
له الإبدال.
ولو كان العيب في البعض، وكان من غير الجنس، بطل فيه خاصة، وله رد
الجميع وأخذ الجيد بحصته دون الإبدال، ولو كان منه له رد الجميع وإمساكه،
وليس له رد المعيب وحده ولا إبداله.
ولو أراد أخذ أرش المعيب، فإن اتحد العوضان لم يجز، ولو اختلفا فله
الأرش في المجلس، فلو فارقاه لم يجز أن يأخذ من الأثمان، ويجوز من
غيرها، ويجوز الرد، وإن نقصت قيمة ما أخذه من النقد عن قيمته يوم الصرف،
أو زادت.
ولو تلف العوض بعد القبض، ثم علم العيب، وكان التالف المبيع، لم يكن
له الفسخ، وإن كان الباقي (1) وفسخ البيع، رده وأخذ قيمة التالف، وعلى التقديرين
لا أرش إن اتحدا أو فارقا المجلس.
3217. الثالث عشر: لو عرفا وزن العوضين، جاز البيع بغير وزن، وكذا لو عرفه
أحدهما وأخبر به الآخر، فلو وجد ما أخذه ناقصا بعد التفرق، بطل، ولو كان
زائدا وقال: بعتك هذا الدينار بطل، وإن قال: بعتك دينارا بدينار، صح وكان
الزائد أمانة، فإن أراد دفع عوضه مع رضا صاحبه، جاز بجنسه وبغيره، ولو أراد
أحدهما الفسخ، كان له ذلك.
3218. الرابع عشر: لو تصارفا، وكانا غير معينين، ثم تقابضا في المجلس،
صح الصرف، وإن كانت العينان غائبتين، يشترط قبضهما في المجلس، فلو

1. أي كان المبيع باقيا.
317

وجد القابض عيبا، فله المطالبة بالبدل قبل التفرق، سواء كان العيب من جنسه أو
من غيره، ولو كان العيب من جنسه ورضيه، جاز، ولو طلب الأرش لم يجز مع
اتحاد العوضين ويجوز مع عدمه.
ولو افترقا بعد القبض، ثم وجد العيب من جنسه، قال الشيخ: له الإبدال (1)
ولو كان من غير الجنس، بطل الصرف، ولو كان البعض، صح في السليم خاصة،
ولو طلب واجد العيب الفسخ، فعلى قول الشيخ، ينبغي انه ليس له مع
ذلك الإبدال.
3219. الخامس عشر: من شرط المصارفة في الذمة العلم بالعوضين، إما بصفة
يتميزان بها، أو بأن يكون للبلد نقد غالب أو معلوم، فيصرف إليه الإطلاق.
ولو قال: بعتك دينارا مصريا بعشرين من نقد عشرة بدينار، لم يصح إلا
أن لا يكون في البلد نقد عشرة بدينار سوى واحد.
3220. السادس عشر: لو كان لرجل في ذمة آخر ذهب، وللآخر دراهم،
فاصطرفا بما في الذمم، لم يصح، (2) ولو كان لرجل عليه دنانير فقضاه دراهم
على التفريق، فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار، صح، وإلا فإن
صارفه بها وقت المحاسبة، لم يصح، ولو تباريا صح، ولو قبض أحدهما ماله، ثم
صارفه بما في ذمته صح، ولو أعطاه لا على جهة القضاء فأحضرها (3) وقوماها،
احتسب بقيمتها يوم القضاء لا يوم الدفع، فلو بلغت أو نقصت حينئذ، فهي من
ضمان المالك ولو قبضها القابض بنية الاستيفاء، فالوجه انه يضمنها.

1. المبسوط: 2 / 95.
2. لعدم التقابض في المجلس.
3. أحضره: أخذه تدريجا.
318

3221. السابع عشر: يجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر، ويكون صرفا
بعين وذمة، فلو كان المقضي الذي في ذمته مؤجلا جاز، وكذا لو كان حالا.
ولو كان لرجل عشرة دراهم، فدفع إليه دينارا وقال: استوف حقك منه،
فاستوفاه بعد يومين جاز، ولو كان عليه دراهم، فوكل غريمه في بيع داره،
واستيفاء حقه منها، فباعها بذهب لم يكن له أن يأخذ منها قدر حقه، ولو باع
جارية بدنانير فأخذ بها دراهم ثم ردت الجارية بعيب أو إقالة، لم يكن للمشتري
إلا الدنانير.
3222. الثامن عشر: لو قال لغيره: اشتر دراهم بدنانير بشركتي وانقد عني
الثمن، فاشتراها ونقد عنه الثمن، وجب عليه قضاء ما نقده عنه، ويجوز أن
يشتري أحدهما نصيب الآخر بزيادة أو نقصان.
3223. التاسع عشر: لو كان له على غيره دراهم، جاز أن يبيعه إياها بدنانير
معينة، وبالعكس، ويقبضها قبل التفرق، وكذا لو كانت غير معينة، وقول ابن
إدريس بالمنع ضعيف (1).
3224. العشرون: السيوف المحلاة أو المراكب المحلاة يجوز بيعها بجنس
الحلية مع معرفة المقدار وزيادة الثمن على ما في الحلية نقدا، ولا يجوز نسيئة
فإن باعه نسيئة وجب أن ينقد بقدر ما في الحلية.
3225. الواحد والعشرون: قال الشيخ: لا يجوز أن يبيعه متاعا بدينار غير درهم،
لأن التقدير استثناء قيمة الدرهم من الدينار، فيحصل الجهالة. 2

1. السرائر: 2 / 268.
2. المبسوط: 2 / 98; والنهاية: 384.
319

والوجه الصحة على تقدير معرفة قيمة الدرهم من الدينار، أما لو كان
الثمن مؤجلا، فالوجه ما قاله الشيخ (رحمه الله) مطلقا.
وابن الجنيد فصل ذلك، فجوزه في الحاضر ومنعه في النسيئة (1) وبه دل
الحديث. (2) وهكذا كل ما اختلف فيه المستثنى من المستثنى منه.
3226. الثاني والعشرون: إذا اقترض دراهم ثم سقطت، لم يكن عليه إلا تلك
الدراهم بعينها أو سعرها يوم اقترضها، لا المتعامل بها وقت سقوط الأولى.
ورواية يونس عن الكاظم (عليه السلام) ضعيفة السند (3).
3227. الثالث والعشرون: يجوز أن يعطي عشرة دراهم أو دنانير ويشترط
عليه أن ينقدها إياه بأرض أخرى مثلها في العدد أو الوزن من غير تفاضل قرضا
لا بيعا، ولو اقترض عددا، وأعطاه وزنا أو بالعكس، أو أعطاه أكثر في الوصف
والقدر من غير شرط جاز، ويحرم لو شرط.
ويجوز اسقاط بعض المؤجل لتعجيل الباقي، ولا يجوز لتأخير الحال
بزيادة فيه.
ولو اشترى من غيره عشرين درهما بدينار، فقال له رجل: ولني نصفها

1. حكاه عنه المصنف أيضا في المختلف: 5 / 143.
2. لاحظ التهذيب: 7 / 116 برقم 502 و 503.
3. لاحظ الوسائل: 12 / 488، الباب 20 من أبواب الصرف، الحديث 2 والحديث عن أبي
الحسن الرضا (عليه السلام). ولعل وجه الضعف هو وقوع محمد بن عيسى [عبيد] في السند ولكنه ثقة
على الأظهر وقد وثقه النجاشي وأستاذه أبو العباس بن نوح في ترجمة محمد بن أحمد بن
عمران الأشعري مؤلف نوادر الحكمة برقم 940.
320

بنصف الثمن صح، ولو قال له: اشتر عشرين درهما (نقرة) (1) بدينار لنفسك ثم
ولني نصفها بنصف الثمن لم يجز.
قال الشيخ: ولو قال رجل لصائغ: صغ لي خاتما من فضة لأعطيك وزنه
فضة وأجرتك للصياغة، فعمل الصائغ ذلك لم يصح، فإذا صاغه وأراد أن
يشتريه مستأنفا بغير جنسه كيف شاء، أو بجنسه مثل وزنه، جاز (2).
3228. الرابع والعشرون: الحيل إذا توصل بها إلى المباح مباحة، كمن يقترض
خمسة عشر مكسرة، ويقرض عشرة صحاحا ويتباريان، أو يشتري المثل
ويستوهب الزيادة، أو يضم إلى الناقص ما يقل قيمته من غير الجنس، ولو توصل
بها إلى المحرم، كان حراما، وتتم الحيلة، كمن تحمل ولدها على الزنا بامرأة
ليحرمها على أبيه.
3229. الخامس والعشرون: لو باعه بنصف دينار، كان له شق دينار، ولا يلزمه
صحيح، إلا أن يريد نصف المثقال. ولو اشترى شيئا (3) آخر منه بنصف دينار،
لزمه شق، ولا يلزمه صحيح عنهما.
ولو شرط في الثاني أن يعطيه صحيحا، قال الشيخ: إن كان الأول قد لزم،
صح وبطل الثاني، وإن كان الخيار باقيا، بطلا معا (4).
والوجه عندي الصحة فيهما على التقديرين.

1. ما بين القوسين موجود في «أ».
2. المبسوط: 2 / 98.
3. في «أ»: «ولو اشترى شقا» والصحيح ما في المتن.
4. المبسوط: 2 / 98.
321

المقصد الخامس: في أحكام العقود
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في النقد والنسيئة
وفيه تسعة مباحث:
3230. الأول: إطلاق العقد أو اشتراط التعجيل يقتضي تعجيل الثمن، ولو
شرط التأخير كان نسيئة، ويجب كون المدة مضبوطة من احتمال الزيادة
والنقصان، ولو لم يعين أجلا أو ذكره وكان محتملا لهما، كقدوم الحاج وإدراك
الغلات، بطل البيع.
3231. الثاني: لو باعه بنقدين بأحدهما حالا وبأزيد مؤجلا، قال الشيخ: كان
له أقل الثمنين في أبعد الأجلين (1). والوجه عندي البطلان.
ولو باعه بثمنين إلى أجلين، بأن يقول: بعتك بدينار إلى شهر وبدينارين
إلى شهرين، بطل قولا واحدا، ولو قال: إن خطته اليوم فلك درهم وإن خطته
غدا فنصف، احتمل الصحة بخلاف البيع.

1. النهاية: 388.
323

3232. الثالث: لو باعه بثمن مؤجل إلى سنة، ومنعه البائع حتى خرجت، كان
له أخذ الثمن، ولا أجل له بعد سنة.
3233. الرابع: من باع نسيئة، جاز أن يشتريه منه نقدا بأقل مما باعه إذا لم
يشترط ذلك في العقد، ويجوز بيعه بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، وأكثر،
حالا ومؤجلا إذا لم يشترط، ولم يكن قد حل، ولو حل، فابتاعه بالجنس من
غير زيادة جاز، وكذلك بغيره مطلقا، وفي جوازه بالجنس مع زيادة أو نقيصة،
قولان أقربهما الجواز.
ولو تغيرت السلعة عن حالة البيع، كالهزال، أو نسيان الصنعة، أو تمزيق
الثوب، جاز شراؤه بما شاء إجماعا. ولو اشتراها بعرض (1) أو كان بيعه الأول
بعرض فاشتراها بنقد جاز أيضا.
3234. الخامس: يجوز البيع نقدا ونسيئة معا، وأن يكون ما يبيعه بالنسيئة أكثر
ثمنا مما لو باعه نقدا، إذا عرف المتبايعان القيمة، من غير كراهة.
3235. السادس: العينة جائزة: فقال صاحب الصحاح: هي السلف (2)، وقال
بعض الفقهاء: هو أن يشتري السلعة، ثم إذا جاء الأجل، باعها على بائعها بمثل
الثمن أو أزيد. (3)

1. في مجمع البحرين: العرض - بالفتح والسكون -: المتاع، وكل شئ فهو عرض سوى
الدراهم والدنانير، فإنهما عين.
2. قال الجوهري: العينة بالكسر: السلف. الصحاح: 6 / 2172 مادة (عين).
3. فسره ابن الأثير في النهاية بهذا النحو، ثم قال: وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأن
العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة.
النهاية: 3 / 333 و 334. ولاحظ الحدائق الناضرة: 20 / 93.
324

3236. السابع: لو باعه سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة، لم يكن به بأس،
سواء تغيرت السلعة أو لا.
3237. الثامن: لا يجب على من اشترى نسيئة دفع الثمن قبل الأجل، ولو
تبرع قبله لم يجب على البائع قبوله، ولو حل فمكنه منه، وجب على البائع
قبضه، ولو امتنع ثم هلك من غير تفريط ولا تصرف من المشتري كان من
مال البائع.
وكذا الحكم في طرف البائع لو (1) باع سلما، وكذا كل من عليه حق حال أو
مؤجل فحل، ثم دفعه وامتنع صاحبه من أخذه، فإن تلفه من صاحبه.
قاله الشيخ (رحمه الله) (2).
وقال ابن إدريس: يرفع من عليه الحق أمره إلى الحاكم ليطالبه بالقبض أو
الابراء، فإن لم يفعل تسلمه الحاكم وجعله في بيت المال. وليس للحاكم إجباره
على القبض أو الإبراء، بل يأخذه ويحفظه مع الامتناع من أحد الأمرين 3.
3238. التاسع: كل شئ يمكن تحصيله وقت العقد صح بيعه نقدا وإن لم
يكن عند البائع، وإن لم يكن ممكن الحصول، لم يجز بيعه حالا.

1. وفي النسخة المطبوعة: «ولو» والظاهر ان الواو زائدة.
2. النهاية: 388.
3. السرائر: 2 / 288.
325

الفصل الثاني: في ما يدخل في المبيع
وفيه تسعة عشر بحثا:
3239. الأول: من باع شيئا دخل فيه ما يتضمنه اسمه لغة أو عرفا. فتدخل في
البستان، الأرض والشجر والبنيان، ولو باعه شجرا أو نخلا. لم تدخل الأرض وإن
افتقرت (1) إليها، إلا بالشرط.
3240. الثاني: إذا باعه أرضا فيها بناء وغرس، فإن قال: بحقوقها; قال الشيخ:
يدخلان (2). وعندي فيه نظر. ولو قال: وما أغلق عليه بابها، دخلا قطعا، ولو لم
يقل: بحقوقها، لم يدخلا.
ولو كان فيها زرع لم يدخل إلا أن يقول: وما أغلق عليه بابه، أو يشترط
لفظا، فإن كان مما يحصل مرة، كالحنطة، والشعير من البارزة، والفجل، والبصل،
من المستترة، دخل في المبيع بالشرط، سواء كان قصيلا أو حصيدا، أو قائما
معلوما أو مجهولا.
ولو لم يشترطه، كان للبائع، وله التبقية بغير أجرة إلى حين الحصاد، ولو
حصده قبل وقته ليزرعها غيره، لم يملك الانتفاع بها.
ولو بقيت العروق، لم تجب على البائع إزالتها. إذا لم تضر بالأرض

1. تأنيث الفعل لأجل كون المرجع أكثر من واحد.
2. المبسوط: 2 / 105; والخلاف: 3 / 82، المسألة 132 من كتاب البيوع.
326

كالحنطة، ولو كانت مضرة بها كالقطن والذرة وجبت إزالتها، وعليه تسوية
الأرض إذا نقل العروق.
وإن كان مما يحصد مرة بعد أخرى كالقت والنعناع، فإن كان مجزوزا، قال
الشيخ: يدخل الأصول (1). والأقرب عندي عدمه، ولو لم يكن مجزوزا، فالجزة
الأولى للبائع، والباقي للمشتري عند الشيخ (2) ولو اشترطه دخل قطعا، ولو كان
مما تتكرر ثمرته، كالقثاء والخيار، لم يدخل.
3241. الثالث: لو باعه أرضا وفيها بذور، وكان الأصل يبقى لحمل بعد حمل،
كالقت والكراث مما يجز دفعة بعد أخرى. قال الشيخ: يكون للمشتري، وكذا لو
غرس، وباع الأرض قبل أن ترسخ عروقه (3). والأقرب عندي عدم دخوله.
وإن كان مما يحصد واحدة، كالحنطة لم يدخل، ويتخير المشتري مع
عدم علمه بالبذر، بين الرد، والأخذ بالجميع، (4) ولو نقله البائع في مدة يسيرة،
فلا خيار.
ولو اشتراه مع الأرض، فالوجه الصحة وهو اختيار الشيخ (5)، لأن جهالة
التبع لا تؤثر في الصحة، كاللبن في الضرع مع الشاة، وأساسات الحيطان.
3242. الرابع: لو اشترى نخلة فيها طلع، فإن كانت مؤبرة، فهي للبائع. ويتخير
المشتري إن لم يعلم بالتأبير، ولا خيار لو تركها البائع، ولا يبطل الخيار بقطعها

1. المبسوط: 2 / 108 و 109.
2. المبسوط: 2 / 109.
3. المبسوط: 2 / 109.
4. قال الشيخ في المبسوط: وإن كان جاهلا به كان له الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه،
فإن أجازه أخذه بجميع الثمن، لأن النقص الذي في الأرض بترك الزرع إلى الحصاد، لا يتقسط
عليه الثمن، بل هو عيب محض، له الخيار بين الرد والإمساك. المبسوط: 2 / 109.
5. المبسوط: 2 / 109.
327

بقطعها في الحال، وإن لم تكن مؤبرة فهي للمشتري، ولو اشترى أرضا فيها بذر للبائع،
أو شجرا فيه ثمر للبائع، وظن المشتري أن الزرع أو الثمرة له، فليس
له الخيار.
ولو باعه نخلا يستحق ثمرته غير البائع سنة فما زاد، كان للمشتري الرد إن
جهله، لا الأرش، كما لو باعه دارا، يستحق سكناها غير البائع.
3243. الخامس: لو باعه قرية، دخلت البيوت دون المزارع، إلا بالتنصيص أو
بالقرينة، كما لو ساومه عليها مع المزارع، واتفقا على ثمن، ثم اشتراها به.
3244. السادس: لو باعه دارا بحقوقها، تناول البيع الأرض والبناء، ولو كان
فيها نخل أو شجر، وقال: بحقوقها; قال الشيخ: يدخل (1) وعندي فيه إشكال.
ويدخل في البنيان (2) الحيطان والسقوف والدرجة المعقودة والأعلى
والأسفل، إلا ان تستقل الأعلى أو الأسفل بالسكنى عادة، فلا يدخل إلا بالشرط.
ويدخل في الدار ما هو متصل بها من مصالحها، كالأبواب المنصوبة،
والخوابي المدفونة، والرفوف المسمرة، والأوتاد المثبتة، والأغلاق في الأبواب
المنصوبة، والسلم المثبت، وبئر الماء، والآجر، والماء فيها.
قال الشيخ: ويدخل فيها الرحى المنصوبة. (3) وعندي فيه نظر.
ولا يدخل ما هو متصل بها مما ليس من مصالحها، كالأحجار المدفونة،
والكنوز المودعة، وهل يدخل المفتاح؟ الأقرب نعم.

1. المبسوط: 2 / 105.
2. في «أ»: ويدخل من البنيان.
3. المبسوط: 2 / 106.
328

ولو استثنى البائع نخلة، كان له الممر إليها، والخروج منها، ومدى جرائدها
من الأرض.
3245. السابع: لو باعه أرضا فيها حجارة، فإن كانت مخلوقة فيها دخلت، ولا
يتخير المشتري إن لم يضر بالغرس ولا بالزرع، أو علم بها، ولو جهل مع ضرر
أحدهما تخير بين الرد والإمساك. قال الشيخ: ولا أرش له (1). وعندي
فيه نظر.
وإن كانت مبنية (2) كالاساسات والدكة المبنية (3) دخلت. وإن كانت مودعة
للنقل والتحويل، لم تدخل، وللبائع نقلها، وللمشتري مطالبته به في الحال،
وعليه تسوية الأرض، وليس للمشتري أجرة عن زمان النقل وإن كان طويلا
مع علمه.
ولو جهل الحجارة أو ضررها، فهو عيب يثبت له الخيار، إلا أن ينقلها
البائع في زمان يسير من غير ضرر، وكذا لو غصب المبيع من يد البائع
فاستخلصه في الزمان اليسير.
ولو طال زمان النقل، تخير المشتري بين الرد والأخذ بالثمن أجمع، ولا
أجرة له; قاله الشيخ. (4)
ولو لم تضر، كان للبائع نقلها أيضا، ويتخير المشتري إن طال الزمان، ولو
تركها لم يتخير المشتري، ولا ينتقل ملكها إليه.
ولو كانت الأرض ذات شجر، وكان ترك الحجارة وقلعها لا يضران، فهي

1. المبسوط: 2 / 112.
2. في «ب» مثبتة.
3. في «ب»: المثبتة.
4. المبسوط: 2 / 111.
329

كالأرض البيضاء، إذا كان فيها حجارة لا يضر بقاؤها الزرع، وإن كان تركها يضر
وقلعها لا يضر، فكالبيضاء، وإن كانا يضران فلا خيار للمشتري مع علمه، وللبائع
نقل الحجارة، وللمشتري مطالبته به، ولا أرش له، ولا أجرة.
وإن كان جاهلا بالحجارة أو الضرر، تخير بين الرد - ولا بحث - وبين
الإمساك، فللبائع نقلها وعليه التسوية، وأما أرش النقص بقطع العروق، قال
الشيخ: لا يجب قبل القبض ولا بعده (1).
وإن كان تركها لا يضر وقلعها يضر، وأراد البائع قلعها، تخير المشتري،
ولو علم المشتري بالحجارة بعد الغرس، فلا خيار له لتصرفه، ولو كان الترك
والقلع يضران. فللبائع القلع، وللمشتري المطالبة به، وعلى البائع أرش النقص.
وإن كان قلعها يضر وتركها لا يضر، ورضي بتركها، فلا خيار للمشتري،
وإن أراد قلعها، كان ذلك له، وله تسوية الأرض وأرش نقص الشجر.
3246. الثامن: إذا باع أرضا فيها معدن، دخل في المبيع، ولو لم يعلم به البائع
تخير إن ملكها بالإحياء، وإن ملكها بالبيع، احتمل عدم الخيار، لأن الحق لغيره،
واحتمل ثبوته، كما لو اشترى معيبا ثم باعه ولم يعلم بعيبه، فإنه يستحق الأرش.
3247. التاسع: لو اشترى أرضا فيها بئر أو عين مستنبطة، دخلت في البيع،
وكذا يدخل الماء المحقون فيهما، وكذا العيون الجارية في الأملاك تدخل
في بيعها.
والمياه الجارية إذا كانت نابعة في غير ملك، لم تملك إلا بالإحازة في

1. المبسوط: 2 / 112.
330

الإناء وشبهه، ولو دخلت أرض رجل لم يملكها إلا أن يجعل لها مستقرا في
أرضه، كالحوض، أو يحفر ساقية يأخذ فيها من ماء النهر.
والمصانع المتخذة لمياه الأمطار تجتمع فيها، الوجه انه يملك ماءها
ويصح بيعه.
3248. العاشر: إذا باع نخلا مثمرا، فإن اشترط المشتري الثمرة، دخلت، وإلا
فإن كان قد أبر لم تدخل، وإن لم يكن قد أبر دخلت.
والتأبير: التلقيح، وهو يحصل ولو تشققت من نفسها، فأبرتها اللواقح، ولو
اشترط أحد المتبايعين الثمرة فهي له، سواء كان البائع قبل التأبير أو المشتري
بعده، وكذا لو اشترط جزءا مشاعا، كالثلث وشبهه.
3249. الحادي عشر: للبائع ترك الثمرة المؤبرة إلى أوان الجذاذ، ولا يجب
تفريغ النخل منها، ويرجع فيه إلى ما جرت العادة به، فيقطع ما يؤخذ بسرا وقت
استحكام الحلاوة في بسره، وإن كان إبقاؤه أجود. وان كان مما يخترف (1) تمرا
يترك إلى وقت اخترافه، وإن كان عنبا أو فاكهة، ترك حتى يتناهى إدراكه ويقطع
مثله، وكذا لو اشترى الثمرة خاصة، وجب على البائع وضعها على نخله إلى
وقت إدراكها.
3250. الثاني عشر: لو أبر بعض البستان، فالمؤبر للبائع، وغيره للمشتري.
ولو أبر بعض ثمرة النخلة الواحدة دون بعض، ففي تبعية ما لم يؤبر للمؤبر نظر،
ولو اشتمل على نوعين أبر أحدهما دون الآخر فالمؤبر للبائع وغيره للمشتري.

1. في مجمع البحرين: الخريف: الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء
والعرب كانوا يؤرخون أعوامهم بالخريف، لأنه كان أوان جذاذهم وقطافهم وادراك غلاتهم...
331

ولو أبر بعض البستان فبيع غير المؤبرة خاصة، فالثمرة للمشتري، ولو بيع
المؤبر خاصة، فالثمرة للبائع. ولو باع أحدهما لشخص، والآخر لآخر، فثمرة
غير المؤبر لمشتريه، والمؤبر للبائع.
3251. الثالث عشر: الإبار يعتبر في إناث النخل دون فحولها، فلو باع الفحل
وقد أطلع، فثمرته للبائع وكذا لا يعتبر التأبير في غير النخل، بل الثمرة للبائع إن
ظهرت، وإلا فللمشتري.
3252. الرابع عشر: إنما يأخذ المشتري الثمرة غير المؤبرة لو انتقلت النخلة
إليه بالبيع، ولو كان بغيره من العقود لم تدخل بل كانت باقية على ملك الناقل،
فلو أصدق امرأة نخلا مثمرا، فالثمرة للزوج سواء كانت مؤبرة أو لا، وسواء كان
العقد عقد معاوضة، كالنكاح والصلح، أو غير معاوضة كالهبة. قال الشيخ: يثبت
في عقود المعاوضات حكم البيع.
3253. الخامس عشر: لو باعه شجرة مثمرة، فالثمرة للبائع مع وجودها، سواء
قصد نوره كالورد والياسمين، وان لم ينفتح جنبذه (1) فللشيخ قول بالدخول (2)، أو
كان مما تظهر ثمرته بارزة كالعنب مع ظهورها، أو كانت مستترة في قشر يبقى
فيه كالرمان، أو في قشرين كالجوز، أو يظهر نوره ثم يتناثر فتظهر الثمرة كالتفاح
بعد تفتحه وظهور ثمرته، أو لم يظهر على إشكال.
3254. السادس عشر: تدخل في الشجر الأغصان والأوراق وسائر الأجزاء.

1. الجنبذ هو القبة وهو في المقام كناية عن البرعم وهو عبارة عن زهر الشجرة ونور النبت قبل
ان ينفتح.
2. المبسوط: 2 / 100.
332

3255. السابع عشر: لو كانت الثمرة للبائع واحتاجت إلى السقي لم يكن
للمشتري منعه، ولو لم تحتج كان له. ولو تضرر الشجر مع حاجة الثمرة، أو
احتياج الشجر إلى السقي مع تضرر الثمرة، قيل: أيهما طلب السقي لحاجته أجبر
الآخر عليه. وقيل: ترجح مصلحة المشتري لكن لا يزيد عن قدر الحاجة، ولو
اختلفا فيه رجع إلى أهل الخبرة.
وكل من التمس السقي كانت المؤنة عليه، ولو خيف على الشجرة تبقية
الثمرة عليها لعطش أو غيره، فإن كان يسيرا لم يقطع، وإن كان كثيرا فخيف على
الأصول اليبس أو نقص حملها، قيل: لا يجبر لذلك، وقيل: يجبر على القطع.
3256. الثامن عشر: لو كانت الثمرة للبائع، فحدثت أخرى، فإن تميزتا فلكل
ثمرته، وإلا اشتركا، ومع الجهل يصطلحان، ولا يبطل العقد.
3257. التاسع عشر: بيع العبد لا يتناول ما في يده، وهل يدخل ما يستر عورته
من الثياب التي عليه؟ فيه نظر.
الفصل الثالث: في التسليم
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
3258. الأول: اطلاق العقد، يقتضي وجوب تسليم المبيع والثمن، فإن امتنع
أحدهما، أجبر، وإن امتنعا أجبرا معا من غير أولوية في تقديم الإجبار، سواء
333

كان دينا أو عينا. وقال الشيخ (رحمه الله): يجبر البائع أولا ثم المشتري ثانيا (1) فإن كان
موسرا أجبر على التسليم، وإن كان غائبا قريبا في بيته أو بلده، قال الشيخ: حجر
عليه في أمواله حتى يسلم الثمن (2). وإن كان غايبا عن البلد احتفظ عن السلعة
حسب. فإن تأخر فللبايع فسخ البيع والصبر. وان كان معسرا، فللبايع الفسخ.
3259. الثاني: كل موضع حكمنا فيه بالفسخ، فله ذلك بغير حكم حاكم، وكل
موضع قلنا بحجر عليه، فذلك إلى الحاكم.
3260. الثالث: لو هرب المشتري قبل الوزن، وكان معسرا، فللبائع الفسخ في
الحال، وإن كان موسرا، قضاه الحاكم من ماله.
ولو اشترطا تأخير أحد العوضين، وجب دفع الحال على الآخر. ولو بذل
بعض العوضين، أجبر على بذل الباقي.
3261. الرابع: لو كان المبيع جارية، لم يكن للبائع بعد قبض الثمن الامتناع
عن تسليمها، لأجل الاستبراء، سواء كانت حسنة أو قبيحة، وليس للمشتري
مطالبة البائع بعد العقد بكفيل لئلا يظهر حاملا.
3262. الخامس: لو شرط البائع تأخير التسليم إلى مدة معينة، جاز، وكذا لو
شرط سكنى الدار أو ركوب الدابة مدة معلومة، صح.
3263. السادس: الأقرب عندي ان القبض، الكيل أو الوزن في المكيل
والموزون، والقبض باليد فيما ينقل ويحول، والنقل في الحيوان، والتخلية

1. المبسوط: 2 / 148; الخلاف: 3 / 151، المسألة 239 من كتاب البيوع.
2. المبسوط: 2 / 148.
334

فيما لا ينقل ولا يحول، ولو باع ثمرة على رؤوس النخل، فالقبض فيها
التخلية لا النقل.
3264. السابع: إذا هلك المبيع قبل القبض، بطل البيع، ووجب على البائع رد
ما قبضه من الثمن، سواء كان التلف من قبل الله تعالى أو من البائع، فإن كان من
قبل المشتري، استقر الثمن في ذمته إن لم يكن البائع قبضه، وإن كان قبضه، لم
يرجع به المشتري.
وان كان من أجنبي، قال في المبسوط: يتخير المشتري بين فسخ البيع
والرجوع على البائع بالثمن، وبين إمضائه وإلزام الأجنبي بالقيمة (1)، وهو حسن،
والقول بجواز تضمين البائع القيمة مع مباشرة الإتلاف، لا يخلو من قوة.
3265. الثامن: لو حدث عيب في السلعة قبل القبض أو التمكين منه، تخير
المشتري بين الرد والإمساك بجميع الثمن، وهل له الإمساك مع الأرش؟ فللشيخ
قولان: أحدهما ليس له ذلك (2). واختاره ابن إدريس (3)، فلو تراضيا على
الأرش، جاز.
ولو قطع المشتري يده قبل القبض، استقر البيع، فإن تلف بعد ذلك في يد
البائع قبل القبض، انفسخ البيع، ورجع البائع بأرش النقص، فيقوم سليما
ومقطوعا. ويرجع بالنقصان بالنسبة إلى الثمن لا القيمة.
3266. التاسع: لو باع شاة بشعير معين، فأكلته قبل القبض، فكل من كانت

1. المبسوط: 2 / 117.
2. اختاره في المبسوط: 2 / 127، وجوزه في النهاية: ص 393.
3. السرائر: 2 / 298.
335

في يده من المتبايعين أو الأجنبي، فالتلف بسببه، وان لم تكن في يد أحد،
بطل البيع.
ولو اشتري شاة أو شقصا بطعام، فقبض الشاة وباعها، أو أخذ الشقص
بالشفعة، ثم تلف الطعام قبل القبض، بطل البيع الأول دون الثاني ودون الأخذ
بالشفعة، ويرجع مشتري الطعام على مشتري الشاة، أو الشقص بقيمة ذلك لتعذر
رده، وعلى الشفيع مثل الطعام، لأنه عوض الشقص.
والمبيع بصفة أو برؤية متقدمة، من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري،
ولو طلبه فمنعه البائع، ضمن قيمته حين العطب، ولو حبسه ببقية الثمن، فهو
غاصب، ولا يكون رهنا إلا أن يشترطه في نفس البيع.
3267. العاشر: النماء المتجدد قبل القبض للمشتري، فلو تلف الأصل قبل
القبض، بطل البيع، وسقط الثمن عن المشتري، ولو تلف النماء ضمنه البائع مع
التفريط لا بدونه.
ولو اختلط المبيع بغيره اختلاطا لا يمكن تمييزه، فإن دفع البائع الجميع،
جاز، وإلا تخير المشتري بين الفسخ والشركة، وقيل ينفسخ مطلقا.
3268. الحادي عشر: لو تلف بعض المبيع قبل القبض وله قسط من
الثمن، كعبد من عبدين، تخير المشتري بين الفسخ وأخذ الموجود بحصته
من الثمن، فما (1) يتقسط على القيمة كالعبدين، قسط عليهما، وما يتقسط
على الأجزاء، كالحبوب أمسكه بحصته، قال الشيخ: والأولى انه لا خيار

1. في «ب»: «فيما» بدل «فما» والصحيح ما في المتن.
336

للبائع (1). وإن قلنا له الاختيار، كان قويا.
ولو اختار إمساكه بكل الثمن، فلا خيار للبائع قطعا، وإن لم يكن للتالف
قسط من الثمن كيد العبد إذا قطعت بعد البيع وقبل القبض، يتخير المشتري بين
الرد والإمساك، وهل له الأرش؟ قولان تقدما.
3269. الثاني عشر: لو اشترى اثنان عبدا فأدى الحاضر نصيبه وجب على
البائع تسليم حصته إليه، ولو دفع الجميع لم يكن له قبض حصة الغائب، فإن كان
شريكه أذن في القضاء، رجع إليه. وإلا فلا.
3270. الثالث عشر: يجب على البائع تسليم المبيع مفرغا، فيجب نقل ما فيه
من المتاع والزرع إذا حصد، والعروق المضرة، والأحجار المدفونة، وتسوية
الأرض، ولو احتيج إلى تغيير شئ، فعل وأخرج وأصلح الفاسد، ولو كان المبيع
مغصوبا، وعلم المشتري قبل العقد، فلا خيار، وكذا لو قصر زمان استعادته، ولو
طال تخير في الفسخ والإمساك بغير أجرة على البائع، ولو منعه البائع
تثبت الأجرة.
3271. الرابع عشر: لو وطئ ما باعه قبل القبض، وجب العقر، ولو نقصت
بالوطء، كذهاب البكارة مثلا، وجب أرش النقصان، ويدخل في الأول، لأنه
يثبت عندنا للبضع عشر قيمة الجارية مع البكارة، ونصفه مع عدمها، ولو اكتسب
المبيع ثم تلف قبل القبض، بطل البيع، والكسب للمشتري.
3272. الخامس عشر: لو اشترى ذمي من ذمي خمرا ثم أسلم قبل القبض،

1. المبسوط: 2 / 145
337

فالوجه بطلان البيع، ويرجع بالثمن، فلو تخللت الخمر، فالوجه عدم العود
إلى القيمة.
ولو اشترى عبدا ولم يتقابضا ثم مات المشتري مفلسا، تخير البائع بين
الفسخ بعد ثلاثة وبين الإمساك، ويكون من جملة الغرماء، ولا يكون أحق بالعين
إذا لم يكن وفاء.
3273. السادس عشر: يكره بيع ما اشتراه مما يكال أو يوزن قبل قبضه، ويحرم
إذا كان طعاما إلا تولية، ويجوز بيع ما لا يكال ولا يوزن قبل قبضه إجماعا منا وإن
كان مما ينقل أو يحول، ويصح إجارة ما لا يصح بيعه قبل القبض قبله، خلافا
للشيخ (1). ويصح رهنه مطلقا والشركة فيه والتولية والحوالة به وتزويج الأمة قبل
القبض والكتابة، وللمرأة بيع المهر قبل قبضه، وما يملك بغير البيع كالإرث
والوصية والغنيمة، يجوز بيعه قبل القبض.
3274. السابع عشر: لو باع المغصوب على الغاصب صح، وكذا على غيره،
ويتخير المشتري إن لم يعلم. أو لم يتمكن من الانتزاع سريعا.
3275. الثامن عشر: لو كان له طعام من سلم وعليه مثله، فقال لغريمه: اقبض
من غريمي لنفسك. قال الشيخ لم يجز، ويرده من أخذه على صاحبه، ويكتاله
إما عن الآمر بقبضه أو يكتاله الآمر، فيصح ثم يقبضه منه (2).
ولو دفع إلى غريمه مالا، وقال: اشتر لك من مثل الطعام الذي لك علي،
ففعل. قال الشيخ لم يصح، فإن اشترى بالعين بطل البيع، وان اشترى في الذمة
ملك الطعام وضمن الدراهم (3).

1. المبسوط: 2 / 120.
2. المبسوط: 2 / 121.
3. المبسوط: 2 / 121.
338

ولو قال: اشتر لي طعاما ثم اقبضه لنفسك، صح الشراء، ومنع الشيخ من
صحة القبض. لأنه بيع الطعام قبل قبضه (1).
ولو قال: اقبضه لنفسك من نفسك منع الشيخ منه. لأنه لا يجوز أن يتولى
طرفي القبض (2)، وعندي فيه نظر، ولو كان الطعامان أو المحال به قرضا، جاز
قولا واحدا.
ولو قبضا طعاما اشترياه فباع أحدهما نصيبه قبل القسمة، صح، ولو باعه
بعد القسمة بذلك الكيل الذي كاله، جاز.
3276. التاسع عشر: تجوز الشركة والتولية فيما يجوز بيعه، فإذا قال
للمشتري: أشركني في نصفه، فشركه صح، وكذا لو قال: ولني ما اشتريته بالثمن،
فقال: وليتك، مع علمهما بالثمن، ويبطل مع جهل أحدهما به.
ولو اشتريا عبدا، فقال ثالث أشركاني صح، وكان له الثلث، ولو اشترى قفيز
طعام، فقبض نصفه، ثم باع نصف القفيز، ففي توجه البيع إلى المقبوض كله نظر.
3277. العشرون: لو كان له طعام دينا، فباعه على من هو عليه، جاز، وكذلك
على غيره بحاضر أو حال قبل قبضه ومنع منه بعض علمائنا.
ولو كان له طعام دينا، فباع طعاما على الغريم ليقضيه الدين من المبيع، قال
الشيخ: لم يجز الشرط ولا البيع، قال: ولو قلنا بفساد الشرط خاصة كان قويا (3)،
والوجه عندي صحتهما، قال: ولو باع منه طعاما بعشرة على أن يقضيه الطعام
الذي عليه أجود منه، لم يصح، ولو قضاه أجود ليبيعه طعاما بعشرة لم يجز، ولو

1. المبسوط: 2 / 121.
2. المبسوط: 2 / 121.
3. المبسوط: 2 / 123.
339

باع طعاما بعشرة مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ بها طعاما مثل ما أعطاه، جاز، وإن
كان أكثر لم يجز، وقد روي الجواز مطلقا (1) وهو الأقوى.
3278. الواحد والعشرون: لو باع سلعة، وقبض المشتري دون البائع، جاز
للبائع شراؤها منه بأي ثمن كان، نقدا ونسيئة، قال الشيخ: وفي أصحابنا من روى
أن ذلك لا يجوز (2).
3279. الثاني والعشرون: الإقالة فسخ (3) لا بيع في حق المتعاقدين وغيرهما،
فلا تثبت أحكام البيع في حقهما، بل يجوز في السلم، وفي المبيع قبل قبضه،
وكذا في غيرهما، فلا يثبت حكم البيع في حق الشفيع بمعنى أنه لا يأخذ
الشقص بالإقالة، وتجوز قبل القبض وبعده من غير حاجة إلى كيل ثان، ولا تصح
إلا بمثل الثمن فتبطل لو أقاله بأزيد أو أنقص.
الفصل الرابع: في أحكام الصبرة
وفيه اثنا عشر بحثا:
3280. الأول: قد بينا المنع من بيع المكيل أو الموزون جزافا، سواء كانت
أثمانا أو غيرها، فلو باع الصبرة، وعرفا مقدارها أو أحدهما وأخبر به الآخر، صح

1. المبسوط: 2 / 123.
2. الخلاف: 3 / 140، المسألة 230 من كتاب البيوع (ولاحظ الكافي: 5 / 195، باب بيع المتاع
وشرائه، الحديث الأول).
3. سيأتي البحث عن الإقالة على وجه التفصيل في آخر كتاب البيع.
340

وإن لم يشاهد باطنها، وكذا يصح بيع الجزء المشاع منها إذا كان معلوم النسبة
والعلم بمقدارها، وإلا فلا.
3281. الثاني: لا يجوز للبائع أن يغش الصبرة بأن يجعلها على دكة، أو نشر أو
يجعل الردي في باطنها، فإن فعل وباعها وأخبر بمقدارها ثم وجد العيب، يتخير
بين الفسخ وأخذ الأرش، ولو كانت تحتها حفرة، أو كان باطنها أجود، تخير
البائع إن لم يعلم.
3282. الثالث: لو قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، وعلما المقدار صح،
وإلا بطل، وكذا يبطل في القفيز الواحد على إشكال، ولو قال: بعتك منها عشرة
أقفزة، صح مع العلم بتحقق العشرة فيها.
3283. الرابع: لو قال: بعتك هذه الصبرة بكذا على أن أزيدك قفيزا، وكانا
عالمين بالمقدار، وعينا القفيز بالمشاهدة أو الوصف، صح البيع، وإلا فلا، وكذا لو
قال: على أن أنقصك قفيزا منها، مع العلم بمقدارها، وكذا كل متساوي الأجزاء.
3284. الخامس: لو باع ما لا تتساوى أجزاؤه، كالأرض، والثوب، والقطيع،
صح مع المشاهدة وإن لم يعرف الذرع ولا عدد الغنم، وكذا بيع أبعاضها
بالجزء المشاع.
ولو قال: بعتك كل ذراع منها بدرهم، وعلما الذراع، صح، وإلا فلا.
ولو قال: بعتك منها عشرة أذرع، وكانت أزيد، فإن عينها، صح، وإن أبهم،
وكانت الدار معلومة الذراع، قال الشيخ (رحمه الله): صح البيع (1) وله بنسبة العددين (2) لأن

1. المبسوط: 2 / 153; والخلاف: 3 / 164، المسألة 264 من كتاب البيوع.
2. أي يصير المبيع مشاعا فإذا باع عشرة أذرع وكانت الأرض ثلاثين ذراعا فللمشتري ثلثها وهذا
المراد من قول المصنف «بنسبة العددين».
341

الذراع مكيال كالقفيز، وقيل: يبطل، لأن الذراع عبارة عن بقعة بعينها، وموضعه
مجهول، وعندي فيه تردد.
ولو قال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا، صح إجماعا، ولو قال: عشرة من
هاهنا إلى حيث ينتهي، قال الشيخ: يصح لتعينه بالذرع والمشاهدة (1). وقيل: لا
يصح، لاختلاف أجزاء الأرض وعدم العلم بالمنتهى (2).
3285. السادس: لو قال: بعتك نصيبي من هذه الدار، وعلما مقداره، صح، وإلا
بطل، وكذا يبطل لو قال: نصيبا أو سهما وأبهم، وكذا لو قال: بعتك شاة من هذا
القطيع، ولم يعينها.
والثوب حكمه حكم الأرض في جميع ما تقدم.
3286. السابع: لو باعه أرضا على أنها جربان (3) معلومة، فنقصت، تخير
المشتري بين الرد والإمساك، ولا يبطل البيع من رأس، فإن رد استرجع الثمن،
وإن أمسك للشيخ قولان: أحدهما الإمساك بجميع الثمن (4) والثاني بقسطه (5)،
فقيل: يتخير البائع حينئذ، وفيه قوة، ولو أمسكه المشتري بالجميع، سقط خيار
البائع. ولو كان للبائع أرض ملاصقة، قال الشيخ: وجب عليه أن يوفيه تمام

1. المبسوط: 2 / 154; والخلاف: 3 / 164، المسألة 265 من كتاب البيوع.
2. نسبة الشيخ في الخلاف إلى الشافعي. لاحظ الخلاف: 3 / 164، المسألة 265.
3. جربان وأجربة جمع الجريب، وقدر الجريب من الأرض بستين ذراعا في ستين. لاحظ
مجمع البحرين.
4. ذهب إليه في المبسوط: 2 / 154.
5. اختاره في النهاية: 420.
342

المبيع منها (1) تعويلا على رواية عمر بن حنظلة عن الصادق (عليه السلام) (2) ومنعه ابن
إدريس (3)، وهو جيد.
ولو زادت الأرض، فالذي قواه الشيخ صحة البيع (4)، وهو حسن، فحينئذ
قيل: لا تكون الزيادة هنا للبائع، بل يتخير بين تسليم الجميع بالثمن والفسخ.
وقيل: تكون له، ويتخير بين تسليمه زائدا وتسليم المقدر، ويسترجع الزيادة،
ومع تسليم الجميع، لا خيار للمشتري، ويتخير مع استرجاع الزيادة، فإن اختار
مع الاسترجاع الإمساك، احتمل أن يثبت للبائع الخيار، لتضرره بالشركة، وعدمه
لرضاه بالثمن عوض الجميع، فعوض البعض أولى.
ولو طلب المشتري الزيادة بعوض، أو طلب البائع عوضها لم يتخير
الآخر، ولو اتفقا جاز.
وحكم الثوب وما لا تتساوى أجزاؤه كذلك، وكذا لو باعه قطيعا على أنه
مائة، فزاد أو نقص.
3287. الثامن: لو باع ما تتساوى أجزاؤه فزاد أو نقص، أخذ البائع الزيادة،
ورجع المشتري بثمن النقصان، ولا خيار للمشتري لو أخذ البائع الزيادة،
والوجه ثبوته له مع النقصان.
3288. التاسع: لو أخبره بالمقدار وباعه، صح وإن لم يكله، فإن باعه المشتري
فكاله الثاني رد الزائد، واسترجع ثمن الناقص، ولو اختلفا بعد التلف، فالقول
قول المشتري مع يمينه وعدم البينة قل أو كثر.

1. النهاية: 420.
2. لاحظ التهذيب: 7 / 153 برقم 675.
3. السرائر: 2 / 375 - 376.
4. المبسوط: 2 / 154.
343

ولو أعلمه بالكيل وباعه بثمن سواء زاد أو نقص لم يجز، ولو نظر أجنبي
إلى الكيل جاز أن يشتريه بغير كيل.
ولو كاله البائع للمشتري، ثم اشتراه منه لم يحتج إلى كيل ثان، وكذا لو
اشترى الشريكان طعاما، ثم باع أحدهما حصته شريكه قبل تفرقهما بعد
أن اكتالاه.
3289. العاشر: لو قبض المشتري المبيع ثم ادعى النقصان، فالقول قوله مع
يمينه وعدم البينة إن لم يكن حضر كيله ولا وزنه، وإن حضر فالقول قول البائع
إن ادعى نقصا كثيرا، والوجه قبول قوله في قليل يمكن وقوعه في الكيل.
3290. الحادي عشر: لو أسلفه في طعام بالعراق ثم طالبه بالمدينة، لم يجب
عليه دفعه، ولو طلب القيمة; قال الشيخ: لم يجز لأنه بيع الطعام قبل قبضه (1).
وعندنا انه مكروه، فيجوز مع التراضي، وكذا لو كان قرضا، ولو طالبه بقيمته
بسعر العراق، وجب دفعها.
ولو تبرع المقترض بدفع المثل في المدينة لم يجبر المقرض على
القبض، ولو غصبه بالعراق، وأتلفه، فطالبه به في المدينة، قال الشيخ: لا يجب
دفع المثل 2، ولو طلب القيمة وجب دفعها بسعر العراق، ولا يجبر على سعر
المدينة، والوجه عندي مطالبته بالمثل، فإن تعذر، فالقيمة بسعر المدينة.
3291. الثاني عشر: لو باع ما اشتراه بعد قبضه، ولم يقبض البائع، فتلف غير
المقبوض، بطل البيع الأول لا الثاني.

1. المبسوط: 2 / 123 - 124.
2. المبسوط: 2 / 123.
344

الفصل الخامس: في الغرر
وفيه واحد وأربعون بحثا:
3292. الأول: لا يجوز بيع ما ليس عنده إذا كان الثمن معينا في يد مالكه قبل
شرائه، ولو كان مطلقا موصوفا جاز وإن لم يكن في ملكه.
3293. الثاني: لا يجوز بيع الحمل في بطن أمه منفردا، ولو باعه مع أمه صح،
ولو باع الأم وشرط وضعها بعد مدة معينة بطل، ولا يجوز بيع حبل الحبلة، فقيل:
نتاج النتاج، وقيل: جعل حمل النتاج أجلا (1)، وهو باطل بمعنييه، ولو شرط الأول
في عقد، ففي صحته إشكال.
3294. الثالث: لا يجوز بيع اللبن في الضرع، سواء كانت أياما معلومة أو لا،
ولو باعه مع ما احتلب منه. قال الشيخ: يجوز، لرواية سماعة (2)، والوجه
عندي البطلان.
3295. الرابع: اختار المفيد (رحمه الله) (3) وابن إدريس (4) جواز بيع أصواف الغنم
وشعورها على جلودها منفردة مع المشاهدة، ومنعه الشيخ (5)، والأول أقوى.
وكذا يصح لو باع الغنم، واستثنى الأصواف، ولو باع الصوف على ظهر

1. لاحظ المبسوط: 2 / 158.
2. النهاية: 400; ولاحظ التهذيب: 7 / 123 برقم 538.
3. المقنعة: 609.
4. السرائر: 2 / 322.
5. النهاية: 400; والخلاف: 3 / 169، المسألة 276 من كتاب البيوع.
345

الحيوان مع ما في بطنه، قال الشيخ يجوز (1). والوجه المنع.
3296. الخامس: لا يجوز بيع السمك في الآجام إجماعا، ولو ضم إليه قصب
الأجمة. قال الشيخ جاز، (2) وليس بمعتمد، وكذا لا يصح لو اصطاد شيئا منه، وباعه
مع ما في الأجمة، وإنما يصح بيعه في الماء مع مشاهدته أجمع وملكه
وإمكان اصطياده.
3297. السادس: قال الشيخ: يجوز أن يشتري الإنسان، أو يتقبل بشئ معلوم،
جزية رؤوس أهل الذمة، وخراج الأرضين، وثمرة الأشجار، وما في الآجام من
السموك، إذا كان قد أدرك شئ من هذه الأجناس، وكان البيع في عقد واحد،
وإن لم يدرك شئ من هذه الأجناس لم يجز، (3) ومنعه ابن إدريس مطلقا (4)، وهو
الأقوى.
3298. السابع: لو أعد بركة أو مصفاة لصيد السمك فحصل فيها، ملكه،
ويجوز أن يستأجر برك الحيتان ليحبسها فيها، وشبكة الصيد ليصطاد بها، ولو
استأجر أرضا للزراعة فيدخل فيها سمك، ونصب الماء، فالمستأجر أحق به من
غير تملك.
ولو وثبت سمكة إلى سفينة فأخذها بعض الركاب، كانت ملكا له، أما
السفن المعدة لذلك، كالتي يجعل فيها الضوء ويضرب فيها صواني (5) الصفر

1. النهاية: 400.
2. النهاية: 401.
3. النهاية: 400.
4. السرائر: 323.
5. الصواني مفردها «صينية»: الآنية المنسوبة إلى بلاد الصين، والمراد الطبق المتخذ من النحاس
لوثوب السمك إليه لتلألأ الضوء عليه.
346

ليثب السمك [فيها]، فإن صاحبها يملك ما يحصل فيها كالشبكة.
ولو عشش طائر في داره، وفرخ، أو توحل ظبي لم يملكه، وكان أحق،
وكذا لو دخل الماء داره، ولو نصب شبكة فوقع فيها صيد ملكه، وكذا لو اغترف
الماء بآنية، ولو اتخذ لمياه الأمطار والسيول مصانع، ليحصل فيها الماء، ملكه
بالحصول، ولو أعد أرضا للملح، فجعلها ملاحة، ليحصل فيها الماء فيصيد ملحا،
ملكه، ولو لم يعدها لذلك لم يملكه.
وكذا لا يملك لو وقع الصيد في شبكة غير منصوبة ولا مقصودة للصيد،
ويكون أحق، ولو حصل صيد في (فم) (1) كلب إنسان أو فهده أو صقره، وكان قد
استرسل بإرسال صاحبه، ملكه، ولو استرسل من نفسه كان أحق من غير ملك،
وكذا ما يحصل في فم البهيمة من الحشيش.
3299. الثامن: لا يجوز بيع الطير في الهواء، سواء كان مملوكا، أو غيره، وسواء
كان مما يألف الرجوع أو لا، ولو كان في البرج والباب مفتوح، لم يجز، وإن كان
مغلقا، جاز وإن افتقر تسليمه إلى مشقة.
3300. التاسع: لو باع ما لا يملك وقف على إجازة المالك، ولا يكفي حضور
المالك ولا سكوته، ولا يقع باطلا في نفسه، خلافا للشيخ في بعض أقواله (2)، فلو
اشترى الوكيل أو باع غير المأذون في بيعه أو شرائه، ضمن ما فوت على المالك
أو تلف، فإن اشترى غير المعين بثمن في الذمة، صح، فإن أجاز الموكل، وإلا
لزمه الثمن.

1. ما بين القوسين موجود في «ب».
2. المبسوط: 2 / 158; والخلاف: 3 / 168، المسألة 275 من كتاب البيوع.
347

3301. العاشر: لو باع الأم لم يدخل الحمل الموجود إلا مع الشرط، ولو
اشتراها على أنها حامل، صح، وكذا على أنها لبون، ولو شرط حلب قدر معين
لم يجز.
3302. الحادي عشر: لا يجوز بيع البيض متصلا بالحيوان منفردا، ولو اشترط
في بيع الدجاجة، جاز، ولو انفصل من الحيوان بعد موته حل بيعه إن كان قد
اكتسى الجلد الأبيض الفوقاني، وإلا فلا.
ويصح بيع بيض ما لا يؤكل لحمه إن أمكن أن يصير فرخا، وإلا فلا.
3303. الثاني عشر: لو شرط البائع في البيع الحمل لنفسه، جاز. ومنعه الشيخ (1)،
وابن البراج في الجواهر (2)، وهو ضعيف. ولو لم يشترطه كان له أيضا ما لم
يشترطه المشتري.
3304. الثالث عشر: يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق ويشاهد،
وفتقه أحوط. (3)
3305. الرابع عشر: لو أعطاه راجحا بما تجري العادة، لم يجب رده وإلا
وجب، ويجوز أن يندر للظروف ما يحتمل زيادته ونقصانه مما تجري العادة
بمثله، ولا يجوز إندار ما يزيد دائما أو ينقص، ولو باعه السلعة مع الظرف، جاز
من غير اندار.

1. المبسوط: 2 / 156.
2. جواهر الفقه: 60، المسألة 221 من كتاب البيع.
3. قال الشيخ في المبسوط: المسك طاهر يجوز بيعه في فأرة قبل أن يفتح ويرى المسك،
والأحوط أن يباع بعد فتحه.
348

ولو قال: بعتك هذا السمن (1) بظرفه كل رطل بدرهم، صح إذا عرف وزنهما
جملة، وإن لم يعرف التفصيل على إشكال.
ولو باعه بصاع مجهول، لم يجز، ولو قبض من غيره دراهم ففرقها
بالوزن، فزادت يسيرا يتفاوت الموازين في مثله، لم يجب رد الزيادة، ولا يجوز
لمن عليه الحق إعطاء الناقص وإن قل.
3306. الخامس عشر: لو لم يعين الثمن، أو باعه بحكم المشتري، بطل البيع،
فإن هلك في يده، كانت عليه قيمته يوم ابتاعه، قاله الشيخ (2)، وقال ابن إدريس
يضمن بالمثل، فإن أعوز فثمن المثل يوم الإعواز، وإن لم يكن مثليا فقيمته أكثر
ما كانت إلى يوم الهلاك (3).
ولو كان قائما بعينه، انتزعه من يد المبتاع ورجع بأرش نقصه في
يده بحدثه. (4)
ولو زادت القيمة بالحدث، قال الشيخ رد قيمة الزيادة (5). وهو قوي. وقال
ابن إدريس بذلك ان كانت الزيادة عينا وإلا فلا (6).
ولو باعه بحكم البائع قال الشيخ: إن حكم بأقل من القيمة مضى، ولم يكن
له أكثر، وإن حكم بأكثر كانت له القيمة وقت البيع إلا ان يتبرع المشتري (7).

1. في «ب»: هذا التمر.
2. لاحظ النهاية ونكتها: 2 / 145 - 146 وقد سقطت في المطبوع من النهاية فلاحظ 376 - 387.
3. السرائر: 2 / 285.
4. أي بفعله.
5. النهاية ونكتها: 2 / 146.
6. السرائر: 2 / 286.
7. النهاية: 387.
349

والوجه عندي بطلان البيع أيضا، فإن كان باقيا انتزعه، وإن كان تالفا، فله
المثل، وإلا فالقيمة. قال ابن إدريس: أكثر القيم إلى يوم الهلاك لا قيمة حال لبيع (1).
3307. السادس عشر: لا بد من اختبار ذي الطعم أو الرائحة بالذوق أو الشم،
ويجوز على الوصف، فإن وجد كما وصف، وإلا تخير المشتري، ولو بيع بشرط
السلامة من غير اختبار ولا وصف، فالأقرب جوازه، فإن خرج معيبا تخير بين
الأرش والرد، ولو تصرف سقط الرد.
ولو كان المبيع يؤدي اختباره إلى فساده، كالجوز والبطيخ، جاز مطلقا
وبشرط الصحة، فإن وجد صحيحا فيهما وإلا كان له الأرش والرد إن لم يتصرف،
ولو تصرف سقط الرد.
ولو لم تكن لمكسوره قيمة كالبيض، بطل البيع واسترجع الثمن، ولو
غاب بعد مشاهدته ثم اشتراه، صح، فإن لم يتغير، لزم وإلا كان له الرد، ولو اختلفا
في التغير، فالقول قول المشتري على إشكال.
3308. السابع عشر: يجوز بيع الأعمى وشراؤه، ولا فرق بين أن يولد أعمى
أو يتجدد له، ولا بين بيع الحاضر السلف.
3309. الثامن عشر: لو باع ثوبا بمائة ذهبا وفضة لم يصح، ولا يلزم التنصيف.
3310. التاسع عشر: لو باع ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فأقسامه ثلاثة: أن يبيع
معلوما ومجهولا، فيبطل، ومعلومين يتقسط 2 الثمن عليهما بالأجزاء، كعبد
مشترك يبيعه أجمع فيصح في نصيبه بقسطه، ويقف الباقي على الإجازة، فإن

1. السرائر: 2 / 286.
2. في «أ»: ولا يتقسط.
350

أجاز المالك صح، وأخذ نصيبه من الثمن، وإلا فلا، ولا يبطل نصيب الشريك
من رأس، ومعلومين لا يتقسط بالأجزاء، كعبد وحر، وخل وخمر، وعبد نفسه
وعبد غيره فيصح فيما يصح بيعه بقسطه، ويبطل في الآخر إلا في ملك غيره،
فيقف على رضاه، ثم إن ضم مملوك غيره فيقسط الثمن بالنسبة إلى القيمة، وإن
لم يكن مملوكا قسط بالنسبة إلى مستحله. وكذا حكم رهن ما يملك وما لا
يملك وهبته، وسائر العقود.
3311. الثلاثون: لو اشترى جملة، فتلف البعض قبل القبض، لم ينفسخ في
الباقي، ويأخذ بحصته من الثمن، وله الفسخ، ولو كان لكل رجل عبد، فباعاهما
صفقة بثمن واحد، صح، وقسط الثمن على قدر القيمتين.
3312. الواحد والثلاثون: كل موضع يعلم المشتري تفريق الصفقة قبل البيع، لا
خيار له فيه، ولو جهله فله الخيار دون البائع.
3313. الثاني والثلاثون: يجوز بيع الرقم، وهو بيع الثوب برقمه المكتوب
عليه إذ كان معلوما حال العقد، من غير كراهيته.
3314. الثالث والثلاثون: لو باعه عبدا من عبدين أو ثلاثة، لم يصح وإن شرط
له الخيار.
3315. الرابع والثلاثون: يجوز إعطاء البقر والغنم بالضربية مدة من الزمان
بشئ من الدراهم أو الدنانير والسمن، والذهب والفضة أحوط، قاله الشيخ (1)،
وقال ابن إدريس: يمكن العمل بهذه الرواية بأن يحلب بعض اللبن ويبيعه مع ما

1. النهاية: 400.
351

في الضرع، مدة من الزمان (1). والوجه عندي البطلان إن كان بيعا، وإلا كان هذا
بمنزلة الإباحة.
3316. الخامس والثلاثون: قال الشيخ: يجوز أن يشتري الإنسان تبن البيدر
لكل كر من الطعام تبنة بشئ معلوم وإن لم يكل بعد الطعام (2) لرواية زرارة
الصحيحة عن الباقر (عليه السلام) (3). وابن إدريس منع من ذلك (4).
3317. السادس والثلاثون: قال الشيخ إذا اشترى من غيره أطنانا معروفة من
القصب، ولم يتسلمها غير أنه شاهدها، فهلك القصب قبل القبض، كان من مال
البائع، لأن الذي اشتري منه في ذمته (5)، وفي التعليل نقد.
3318. السابع والثلاثون: من وجد عنده سرقة، كان غارما لها ان هلكت،
ويرجع على بائعها مع قيام البينة بالبيع بما دفعه إلى البائع وبما غرمه وأنفقه مما
لم يحصل في مقابلته نفع، إلا أن يعلم أنها سرقة، فلا رجوع.
ولا يجوز أن يشتري من الظالم ما يعلمه ظلما بعينه إذا لم يكن مأخوذا
على وجه الخراج والزكاة، ويجوز فيهما وفيما لا يعلم أنه ظلم وإن علم إجمالا
أن في ماله غصبا، وتركه أفضل.
3319. الثامن والثلاثون: يجوز بيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها، وكذا بيع
جلود السباع وكل حيوان سوى الآدمي ونجس العين إذا علم أنه مذكى أو شراه
من المسلمين.

1. السرائر: 2 / 321 - 322.
2. النهاية: 400.
3. لاحظ التهذيب: 7 / 125 برقم 547.
4. السرائر: 2 / 323.
5. النهاية: 401.
352

3320. التاسع والثلاثون: يجوز بيع ولد الزنا وشراؤه إذا كان مملوكا، للرواية
الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) (1)، ورواية النفي متأولة (2) ويجوز أخذ ثمن ما باعه
الذمي من الخمور في الدين، ولو أسلم الذمي بعد بيعه، جاز له قبض ثمنه، ولو
أسلم قبل بيعه، حرم بيعه بنفسه أو بوكيله المسلم أو الذمي.
3321. الأربعون: من غصب مالا واشترى به جارية، حل له الفرج، وكان عليه
وزر المال إذا كان الشراء في الذمة، وإن نقد الغصب، ولو كان بالعين بطل الشراء،
وكان الفرج حراما، ولو حج به من غير سبق وجوب لم يجزئ عن الوجوب
المتجدد، ولو سبق وجوب حجة الإسلام، أجزأه إلا الهدي، وعليه وزر المال.
3322. الواحد والأربعون: بيع المكره باطل، ولو أجاز بعد زوال الإكراه، جاز.
الفصل السادس: في الشروط المذكورة في العقد
وفيه ستة عشر بحثا:
3323. الأول: إذا ضم في البيع شرطا سائغا، صح البيع، ولزم الشرط، اتحد
الشرط أو تعدد، ولو شرط ما ليس بسائغ، بطل الشرط إجماعا، والبيع إن اقتضى
الشرط جهالة المبيع، وإلا فالأقرب انه كذلك، خلافا للشيخ (3). ومع القول

1. التهذيب: 7 / 134 برقم 589.
2. لاحظ التهذيب: 7 / 133 برقم 587; والكافي: 5 / 225، كتاب المعيشة، الحديث 6. وقد أوله
الشيخ فلاحظ التهذيب: 7 / 133.
3. لاحظ المبسوط: 2 / 149.
353

بالصحة ليس للبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، ولا للمشتري الرجوع
بزيادة الثمن إن كان هو المشترط، ومع البطلان لا يحصل به ملك سواء اتصل به
القبض أو لا، ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع وغيره.
3324. الثاني: الشرط ان اقتضاه العقد، كالتسليم وخيار المجلس، لم يفد
حكما زائدا في وجوده وعدمه.
وإن تعلقت به مصلحة المتعاقدين، كالأجل، والخيار، والشهادة،
والضمين، والرهن، واشتراط صفة مقصودة كالكتابة، جاز، ولزم الوفاء.
وإن لم يكن من مقتضاه، ولا من مصلحة، ولا منافيا لمقتضاه، جاز أيضا،
سواء اقتضى منفعة البائع في المبيع، أو يشترط عقدا في عقد، مثل أن يبيعه
بشرط أن يشتري آخر أو يزوجه.
وإن اقتضى ما ينافيه، صح إن بني (1) على التغليب والسراية، مثل أن يشترط
البائع عتق العبد، وإن اشترط غير العتق مثل أن لا يبيع أو لا يهب أو لا يطأ، بطل
الشرط، دون البيع، عند الشيخ (2).
3325. الثالث: لو قال: بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة. فباعه على
هذا الشرط. قال الشيخ صح البيع، لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم 3،
وهذا شرط سائغ.
ولو قال: بع عبدك منه بألف على أن على فلان خمسمائة، فإن سبق

1. في المطبوع: «وإن بني» والصحيح ما في المتن. لاحظ المبسوط: 2 / 149.
2. المبسوط: 2 / 149.
3. المبسوط: 2 / 148.
354

الشرط العقد، وعقد البيع مطلقا، لزم البيع، ولم يكن على الضامن من شئ، وإن
قرنه بأن يقول: بعتك بألف على أن يضمن فلان خمسمائة، صح البيع بشرط
الضمان، فإن ضمن فلان لزم، وإلا تخير البائع.
3326. الرابع: بيع العربون (1) باطل، وهو أن يدفع بعض الثمن، على أنه إن أخذ
السلعة احتسبه من الثمن وإلا كان للبائع.
3327. الخامس: إذا شرط البائع عتق العبد، صح البيع والشرط، فإن أعتقه
المشتري، وإلا ففي إجباره وجهان: أقربهما عدم الإجبار. فيتخير البائع حينئذ.
ولو مات العبد قبل عتقه، احتمل استقرار الثمن عليه، ولا شئ عليه،
واحتمل أن يكون للبائع الرجوع بما يقتضيه الشرط من النقصان. واحتمل تخير
البائع بين إجازة البيع بجميع الثمن وبين فسخه، فيرجع بالقيمة.
ولو شرط الولاء، بطل الشرط خاصة، وفي بطلان البيع وجه قوي، ولو
باعه بشرط العتق بعد شهر أو سنة، فالوجه عندي الجواز.
3328. السادس: لو اشتراه بشرط العتق، ثم باعه بشرط العتق، فالوجه
بطلان الثاني.
ولو اشتراها بشرط العتق فأحبلها، فإنه كعتقها (2).
3329. السابع: لو باعه دارا بشرط أن يقفها جاز، وكذا لو باعه شيئا بشرط أن
يتصدق به.

1. قال ابن الأثير في النهاية: 3 / 202: العربون: هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئا
على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة ولم يرتجعه
المشتري.
2. في «أ»: «فإنه يعتقها».
355

3330. الثامن: إذا جمع بين عقدين مختلفي الحكم بعوض واحد، كالصرف،
وبيع القماش، والنكاح، والبيع والإجارة، صح، ولو جمع بين البيع والكتابة مثل:
كاتبتك وبعتك كذا بدينار قيل: لم يجز، لأنه قبل تمام الكتابة عبد قن، ومع بطلان
البيع، ففي فساد الكتابة وصحتها بقسطها، وجهان.
3331. التاسع: إذا باعه زرعا أو ثمرة، كان على المشتري حصاده أو الجذاذ.
وكذا ما يجز ويخرط، ولو شرطه على البائع، صح.
3332. العاشر: لو شرط منفعة البائع، صح إذا كانت معلومة، إما بتقدير العمل،
كخياطة الثوب، ونساجة الغزل، أو بتقدير المدة، كالعمل شهرا، ولو تعذر العمل
إما بتلف المبيع قبله، أو بموت البائع، ففي الإبطال نظر، وكذا يجوز أن يشترط
البائع نفع المبيع مدة معلومة، ولو باع أمة واستثنى وطأها مدة، لم يصح.
3333. الحادي عشر: لو باع ما اشتراه بشرط المنفعة، صح، وتكون المنفعة
مستثناة في يد المشتري الثاني، فيتخير مع عدم العلم لا معه، ولو أتلفه، ضمن
أجرة المثل، ولو تلف بغير تفريط، فلا ضمان.
3334. الثاني عشر: لو أراد المشتري تفويض البائع عن المنفعة المشترطة
عوضا أو ما يقوم مقام المبيع في المنفعة، لم يجب على البائع القبول، وكان له
التصرف في عين المبيع باستيفائه المنفعة، ولو تراضيا جاز.
ولو أراد البائع إعارة العين أو إجارتها لمن يقوم مقامه، فالأقرب جوازه،
ولو اشترط المشتري منفعة البائع في المبيع، فأقام البائع مقامه من يعمل،
فالأقرب جوازه، إلا أن يشترط المباشرة، ولو دفع العوض لم يجب القبول، سواء
البائع والمشتري.
356

ولو قال: بعتك هذه الدار، وأجرتكها شهرا بكذا، فالوجه الصحة.
3335. الثالث عشر: لو شرط في العقد إن هو باعه، فالبائع أحق به بالثمن، ففي
الجواز إشكال.
3336. الرابع عشر: لو اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه إذا باعها، أو
شرط ألا يعتقها أو لا يطأها، قال الشيخ: صح العقد دون الشرط (1).
3337. الخامس عشر: لو باعه بشرط الرهن أو الضمين، صح العقد والشرط إن
كان الرهن معلوما بالمشاهدة أو الوصف، والضمين بالإشارة أو بذكر النسب (2)
ولو كانا مجهولين لم يصح، ومع الصحة لو دفع الرهن أو ضمن، لزم، وإلا تخير
البائع، ولا يجب على الضمين الضمان وإن وعد به.
ولو دفع غير الرهن أو غير الضمين، لم يلزم البائع قبوله، وإن كان
المدفوع أجود.
ولو شرط رهنا فاسدا، كالمحرم والمجهول، بطل الشرط، وفي بطلان
البيع حينئذ نظر.
3338. السادس عشر: لو شرط رهنا معينا، فعاب قبل القبض، تخير البائع بين
قبضه معيبا وبين فسخ البيع، ولو علم بالعيب بعد قبضه، لم يبطل خياره، ولا
أرش له ولا المطالبة بالبدل، ولو غاب بعد القبض أو تلف، فلا خيار.
ولو اختلفا في زمن حدوث العيب، حكم لمن لا يحتمل إلا قوله من غير

1. المبسوط: 2 / 148 - 149.
2. في «أ»: «أو بذكر السبب» وهو تصحيف.
357

يمين، ولو جاز الأمران احتمل تقديم قول الراهن، عملا بصحة العقد، والمرتهن
لعدم ثبوت قبض المرتهن للجزء الفائت.
ولو قال الراهن: تلف بعد القبض والمرتهن قبله، فالقول قول
منكر القبض.
ولو اختلفا في زمن انقلاب العصير الرهن خمرا. قيل: القول قول الراهن،
لاتفاقهما على العقد والقبض الصحيحين، واختلافهما في المفسد، فالقول قول
النافي، وقيل: قول المرتهن، لأصالة عدم القبض (1).
ولو وجد بالرهن عيبا بعد أن حدث عنده عيب آخر، فله الرد وفسخ البيع،
ولا ضمان على المرتهن في الحادث عنده بغير تفريط.
ولو هلك في يد المرتهن، ثم علم أنه كان معيبا. قيل: لا يملك فسخ البيع،
لتعذر الرد. (2)
ولو شرط استرهان المبيع على ثمنه، قال الشيخ: لا يصح (3). والوجه
عندي صحتها.
ولو شرط لا بيع بينهما (4) إن لم ينقده في مدة معلومة، صحا معا وإن زاد عن
عشرين ليلة.

1. لاحظ الأقوال في المغني لابن قدامة: 4 / 426، كتاب الرهن.
2. قال ابن قدامة في المغني: 4 / 427: وإن هلك الرهن في يد المرتهن ثم علم أنه كان معيبا لم
يملك فسخ البيع، لأنه تعذر عليه رده.
3. المبسوط: 2 / 235، كتاب الرهن.
4. كذا في «ب»: ولكن في «أ»: «ولو شرط أن لا يبيع بينهما». والصحيح «أن لا بيع».
358

ولو قال: بعنيه على أن أقضيك دينك منه، ففعل صحا معا، ولو قال:
أقضني حقي على أن أبيعك كذا، صح القضاء والشرط، وكذا أقضني أجود من
مالي على أن أبيعك كذا.
ولو باعه بشرط تأجيل الحال، صح، سواء باعه بثمن المثل أو أزيد أو
أنقص مع علمه بالقيمة.
الفصل السابع: في أحكام البيع الفاسد
وفيه سبعة مباحث:
3339. الأول: البيع الفاسد من أصله، لا يحصل به ملك، سواء اتصل به قبض
أو لا، ويجب على القابض بالبيع الفاسد رد المبيع مع نمائه المتصل والمنفصل
وأجرة مثله مدة بقائه في يده إن كان ذا أجرة، ورد أرش النقصان إن نقصت
العين، والقيمة إن تلفت، فقيل: يوم التلف، وقيل: الأكثر من يوم القبض إلى
التلف، واختار الشيخ، الأول (1).
3340. الثاني: لو كان المبيع أمة فوطئها المشتري، فلا حد ولا إثم، وكذا في
غيرها، ويجب عليه عشر القيمة مع البكارة، ونصفه مع الثيوبة، ولا يجب المهر
مع ذلك. وينعتق الولد حرا لا ولاء عليه، ويلحق به، ويجب على الواطئ قيمته

1. ولكن في المبسوط: وإن تلفت في يده كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت القبض إلى وقت
التلف. المبسوط: 2 / 149. ولم نعثر على فتوى الشيخ في المسألة بما يوافق المنقول في المتن.
359

يوم سقط حيا، لا يوم المحاكمة، وأرش النقصان بالولادة، ولا يجبر قيمة الولد
النقصان، وإن ساواه في القيمة، ولو سقط ميتا لم يضمنه.
أما لو ضرب أجنبي بطنها، فألقته ميتا تاما، وجب على الضارب مائة دينار،
وللسيد منها أقل الأمرين من دية الجنين أو قيمته حين سقوطه، وباقي الدية
لورثته، وأما حكم الأمة فيجب ردها مع أرش النقص بالولادة، كما قلناه.
ولو ماتت بالولادة، ضمن قيمتها. ولو كان الضارب الواطئ فألقته ميتا
فعليه دية الجنين يأخذ السيد منها أقل الأمرين، والباقي لورثته غير الواطئ.
ولو ملك الواطئ هذه الجارية فيما بعد، قال الشيخ (رحمه الله): تصير أم ولد (1).
3341. الثالث: لو أعتقه المشتري بالبيع الفاسد لم ينفذ، وكذا سائر تصرفاته،
ولو باعه وجب على المشتري الثاني رده إلى البائع الأول، ولو تلف في يده،
تخير المالك في مطالبة من شاء بقيمته، ويرجع المشتري الثاني بثمنه على
الأول، والأول على المالك بما دفعه إليه، وفي القيمة وجهان: قال الشيخ: يعتبر
أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف، وقيل: يوم التلف (2). ثم ينظر، فإن
تساوت في يدهما، رجع على من شاء، فإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني
على الأول، وإن رجع على الأول، رجع الأول على الثاني.
وان اختلف وكانت الزيادة في يد الأول ورجع عليه بالجميع، رجع الأول
على الثاني بالناقص، وإن رجع على الثاني رجع بالناقص، ويرجع بالزيادة على
الأول، ولا يرجع بها الأول على الثاني، وإن كانت في يد الثاني فحكمها حكم ما
لم يزد.

1. المبسوط: 2 / 150.
2. المبسوط: 2 / 150.
360

3342. الرابع: إذا تقابضا بالفاسد، وأتلف البائع الثمن، رد مثله إن كان مثليا،
وإلا فالقيمة، فإن أفلس رد المشتري السلعة وكان من جملة الغرماء، وليس له
إمساك المبيع، ولا يتخصص باستيفاء ثمنه منه.
3343. الخامس: حكم الثمن المعين كالمثمن، إذا تلف قبل القبض، بطل البيع،
سواء كان من الأثمان أو لا.
3344. السادس: إذا اشترى عبدا بمائة فقضاها عنه غيره، صح بإذنه وبغيره،
فإن بان العبد مستحقا، رد المائة إلى الدافع، ولو رده المشتري بعيب أو إقالة،
فالوجه الرد على المشتري، ولو أذن في الدفع، كان الرد عليه قطعا، وكذا البحث
لو تزوج، فدفع الصداق غيره، ثم طلق قبل الدخول.
3345. السابع: إذا قال العبد لغيره: ابتعني من سيدي، فاشتراه ثم بان العبد
معتقا، كان الضمان على السيد، سواء حضر قول العبد أو لا، وكذا لو كان مغصوبا
أو معيبا.
الفصل الثامن: في اختلاف المتبايعين
وفيه سبعة مباحث:
3346. الأول: إذا باعه بثمن وشرط نقدا لزم، ولو أطلقا، انصرف إلى نقد البلد،
ولو كان فيه نقدان، انصرف إلى الغالب، ولو تساويا ولم يحصل ترجيح المعاملة
بأحدهما، بطل البيع، وكذا الوزن، ولو اختلفا في النقد، رجع إلى نقد البلد،
361

وعلى مدعيه اليمين، ولو تساوى النقدان، فالوجه تحالفهما.
3347. الثاني: لو اختلفا في قدر الثمن، قال الشيخ: ان كانت السلعة قائمة
فالقول قول البائع مع يمينه، وإن كانت تالفة، فالقول قول المشتري مع يمينه (1)
وقال ابن الجنيد (2) وأبو الصلاح: القول قول من كانت السلعة في يده مع يمينه،
فإن كانت في يد البائع، فالقول قوله، وإن كانت في يد المشتري، فالقول قوله (3)
واختاره ابن إدريس (4)، وعندي في ذلك تردد.
ولو مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن، فالقول قول ورثة
المشتري بكل حال، سواء كانت تالفة أو باقية.
3348. الثالث: إذا حلف البائع، قضي له، وإن نكل، حلف المشتري، ولو
تقايلا، أو رده بالعيب بعد قبض الثمن ثم اختلفا، فالقول قول البائع.
3349. الرابع: لو اختلفا، فقال: بعتك هذا العبد بألف، فقال المشتري: بل هو
والعبد الآخر بألف، قال الشيخ: القول قول البائع مع يمينه (5).
3350. الخامس: لو اختلفا في عين المبيع. فقال بعتك هذا العبد بألف، فقال:
بل هذه الجارية بألف، تحالفا، وتنتزع الجارية من يد المشتري إن كانت في يده،
وإلا أقرت في يد البائع، ويقر العبد في يد البائع، وليس للمشتري طلبه وللبائع
إحلافه، وإن كان في يد المشتري رده على البائع.

1. المبسوط: 2 / 146; والخلاف: 3 / 147، المسألة 236 من كتاب البيوع.
2. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 5 / 315.
3. الكافي في الفقه: 355.
4. السرائر: 383.
5. المبسوط: 2 / 146.
362

وليس للبائع طلبه إذا أخذ ثمنه، ولو طلب المشتري الثمن، أو لم يسلمه،
كان للبائع فسخ البيع واسترجاعه، ولو أقام كل منهما بينة، ثبت العقدان، ولو أقام
أحدهما بينة بدعواه، حكم على الآخر، وكان عليه اليمين.
3351. السادس: لو اختلفا في تأخير الثمن وتعجيله، أو في قدر الأجل، أو في
اشتراط رهن من البائع على الدرك، أو ضمين عنه، فالقول قول البائع مع يمينه
وعدم البينة، ولو اختلفا في شرط خيار البائع، أو ضمين عن المشتري بعهدة
الثمن، أو في قدر الرهن المشترط، فالقول قول المشتري، وكذا لو اختلفا في غير
ذلك، فالقول قول المنكر ولا يتحالفان، وكذا لو اختلف ورثتهما، فالقول قول
ورثة البائع في المبيع، وورثة المشتري في الثمن.
3352. السابع: لو اختلفا فيما يفسد به العقد أو في شرط فاسد، فالقول قول
من يدعي الصحة مع يمينه، ولو ادعى الإكراه، فالقول قول المشتري، وكذا لو
ادعى الصغر على إشكال.
ولو ادعى الجنون ولم تعلم له حالة به، فالقول قول المشتري، ولو ثبتت له
حالة جنون فكذلك على إشكال، ولو قال العبد: بعتك وأنا غير مأذون في
التجارة، فالوجه ان القول قول المالك، ولو قال: تفرقنا عن فسخ، فقال: بل عن
تراض، فالقول قول مدعي اللزوم.
363

المقصد السادس: في العيوب
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في معرفتها
وفيه عشرون بحثا:
3353. الأول: كل نقص في العين يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار، أو
زيادة فيها تقتضي ذلك، عيب كالجنون، والجذام، والبرص، والعور، وما يوجب
نقص الصفات، كخروج المزاج عن المجرى الطبيعي، مستمرا كالممراض، أو
عارضا (1) كحمى يوم، والإصبع الزائدة وغيرها، وبالجملة كل ما زاد أو نقص عن
أصل الخلقة.
3354. الثاني: الحبل عيب في الآدميات، أما تزويج الأمة، فالوجه انه
ليس بعيب.
3355. الثالث: البخر (2) قال الشيخ: إنه ليس بعيب في العبد والأمة

1. في «ب»: أو عارضيا.
2. في مجمع البحرين: بخر الفم بخرا - من باب تعب -: أنتنت رائحته.
365

سواء (1). والأقرب عندي أنه عيب فيهما.
3356. الرابع: لو وجد العبد أو الأمة زانيين، قال الشيخ: لا يثبت الخيار فيهما،
سواء كانا صغيرين أو كبيرين (2). وعندي فيه نظر.
3357. الخامس: البول في الفراش. قال الشيخ: إنه ليس بعيب في الأمة والعبد. (3)
والوجه انه عيب من الكبيرين.
3358. السادس: السرقة عيب في العبد والأمة، والأقرب اعتبار التمييز.
3359. السابع: الإباق عيب، ولا نعلم فيه خلافا في الأمة والعبد في الصغير
والكبير.
3360. الثامن: لو كان العبد يشرب الخمر أو النبيذ، فالأقرب انه عيب،
وكذا الحمق الشديد والاستطالة على الناس على إشكال.
3361. التاسع: عدم الختان ليس بعيب في الذكر والأنثى، صغيرين
أو كبيرين.
3362. العاشر: الثيوبة ليست عيبا، ولا نعلم فيه خلافا.
3363. الحادي عشر: كون الجارية محرمة على المشتري بنسب أو رضاع،
الأقرب انه ليس بعيب على إشكال، أما الإحرام والصيام فليسا عيبا قطعا، وكذا
عدة البائن والرجعية.
3364. الثاني عشر: معرفة الغناء والحجامة ليست عيبا، والعسر (4) ليس بعيب،

1. المبسوط: 2 / 130.
2. المبسوط: 2 / 130.
3. الخلاف: 3 / 113، المسألة 188 من كتاب البيوع.
4. المراد الفقر.
366

وكذا الكفر وكونه ولد زنا من الأمة والعبد، وكذا كون الجارية لا تحسن الطبخ ولا
الخبز ولا غيرهما من الصنائع.
3365. الثالث عشر: كون الجارية لا تحيض في مدة ستة أشهر، ومثلها
تحيض، عيب إن لم يكن لكبر.
3366. الرابع عشر: عدم الشعر على العانة في الرجل والمرأة عيب، وكذا
استحقاق القتل بالجناية أو الردة، أو استحقاق ذهاب بعض أعضائه بسرقة، أو
جناية، أو استحقاق الحد إما بزنا أو شبهة.
3367. الخامس عشر: النجاسة عيب إن لم يقبل المحل التطهير، أو قبله في
زمان طويل، أو في يسير وعليه مؤنة أو بنقص المحل أو قيمته، وإلا فلا.
3368. السادس عشر: الدردي في الزيت والبزر عيب، يوجب الرد أو الأرش
مع عدم علم المشتري.
3369. السابع عشر: لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره، تخير بين الرد وأخذ ما
وجده من السمن بنسبة الثمن، ولا يلزم البائع أن يعطيه سمنا بإزاء الناقص وإن
كان سمانا.
3370. الثامن عشر: التصرية تدليس، وهي: جمع اللبن في الضرع، يثبت به
خيار الفسخ للمشتري.
3371. التاسع عشر: الشركة عيب، فلو اشترى من غيره شيئا فظهر أن للبائع
شريكا ولم يجز، بطل في نصيبه، وتخير المشتري بين الرد وأخذ الحصة بالقسط
من الثمن، ولو أجاز، فالوجه ذلك أيضا على إشكال.
367

3372. العشرون: الجنون والجذام والبرص عيوب إجماعا، ولها أحكام تأتي،
وكذا القرن، وكذا العور والحدب، سواء كان في الصدر أو الظهر،
وكذا السلع.
الفصل الثاني: في الأحكام
وفيه واحد وثلاثون بحثا:
3373. الأول: إطلاق العقد يقتضي السلامة من العيوب، فلو باع وأطلق، أو
شرط السلامة، ثم ظهر عيب سبق وجوده عقد البيع، تخير المشتري بين الفسخ
وأخذ الأرش، مع عدم التصرف، ولا خيار للبائع، بل للمشتري خاصة، سواء كان
البائع عالما بعيب أو لا، فإن اختار الرد استرجع الثمن، وان اختار الإمساك وأخذ
الأرش، كان له ذلك، سواء تعذر رد المبيع أو لا.
3374. الثاني: معنى الأرش أن يقوم المبيع صحيحا، ثم يقوم معيبا، فيؤخذ
قسط ما بينهما من الثمن بتلك النسبة، وليتولى التقديم أهل المعرفة بذلك
المتاع، فإن اختلفوا عمل على الأوسط، قال الشيخ: ويعتبر التقويم في أقل
الحالين قيمة من وقت العقد ووقت القبض (1).
3375. الثالث: إذا باع المعيب، وجب الإشعار أو التبري من العيوب، لئلا

1. المبسوط: 2 / 132.
368

يكون غاشا، فإن لم يفعل أحدهما، صح البيع، وكان الحكم على ما تقدم.
3376. الرابع: إذا اختار المشتري رد المبيع بالعيب، جاز. ولا يعتبر رضا البائع،
ولا حضوره، ولا حكم الحاكم قبل القبض وبعده.
3377. الخامس: خيار الرد بالعيب على التراخي، لا يسقط إلا بالإسقاط وإن
أخر المطالبة مختارا.
3378. السادس: إذا اشترى المعيب ولم يعلم، كان له الرد أو الأرش ما لم
يتصرف فيه، فإن تصرف سقط الرد، سواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده، وسواء
تصرف بنفسه أو بوكيله، وسواء كان التصرف لازما، كالبيع، والعتق، أو غير لازم،
كالهبة والوصية، والتدبير. وقال الشيخ (رحمه الله): إن وجده بعد التدبير، أو الهبة، تخير
بين الأرش والرد، لأن له الرجوع فيهما، وإن كان بعد العتق فلا (1). وليس بمعتمد.
ولا يسقط الأرش بالتصرف، سواء علم بالعيب قبل التصرف أو بعده،
وسواء كان التصرف لازما أو غير لازم.
ولو باع 2 ما اشتراه معيبا، سقط رده، فإن عاد إليه لم يعد جواز الرد، سواء
علم بالعيب أو لا، وسواء فسخه المشتري بحكم الحاكم أو بغير حكمه.
3379. السابع: إذا علم بالعيب قبل البيع، سقط الرد والأرش، وكذا لو علم به
بعد العقد وأسقط حقه منه، وكذا يسقطان لو تبرأ البائع من العيوب وقت العقد،
وتصح هذه البراءة، سواء علم المشتري بالعيب أو لا، وسواء علم البائع
بالعيب أو لا.

1. النهاية: 394.
2. في «ب»: فلو باع.
369

ونقل ابن إدريس عن بعض علمائنا وجوب تفصيل العيوب، ولا يكفي
في إسقاط الرد التبري من العيوب إجمالا والأول أصح. (1)
3380. الثامن: لو باع المعيب غير الحيوان من غير براءة، ولم يعلم المشتري،
ثم حدث عند المشتري عيب آخر، سقط الرد، ووجب الأرش عن القديم،
وليس له الرد مع الأرش الحادث، ولو زال العيب الحادث عند المشتري ولم
يكن بسببه، كان له الرد والأرش، ولو كان العيب الحادث قبل القبض، لم يمنع
الرد أيضا.
فقد ظهر أن الرد يسقط بالتبري من العيوب، وبعلم المشتري بالعيب قبل
العقد، وبإسقاطه بعده، وبإحداثه فيه حدثا، إلا في الشاة المصراة، والأمة الحامل،
على ما يأتي، وبحدوث عيب فيه عند المشتري في غير الحيوان، وأما الأرش
فإنه يسقط بالثلاثة الأول خاصة.
3381. التاسع: لو باع المعيب ثم أراد أخذ أرشه، جاز له ذلك، سواء باعه
عالما بعيبه أو غير عالم، ولو باع بعض المعيب ثم ظهر على المعيب، فله الأرش
لما بقى في يده ولما باعه، وليس له رد ما بقي بحصته من الثمن.
3382. العاشر: لو اشترى شيئين صفقة، فوجد بأحدهما عيبا، لم يكن له رد
المعيب وإمساك الآخر، بل يتخير في ردهما معا أو أخذ الأرش، سواء كانا مما
ينقصهما التفريق، كمصراعي الباب أو لا، وسواء حصل القبض أو لا، ولو
اشتراهما صفقتين، كان له ذلك.
3383. الحادي عشر: لو اشترى اثنان شيئا صفقة، فوجداه معيبا، لم يكن لهما

1. السرائر: 2 / 296 - 297.
370

الاختلاف: فيأخذ أحدهما الأرش ويرد الآخر، بل يتفقان على أحد الأمرين.
ولو اشترياه صفقتين، كان لهما ذلك، ولو ورث اثنان عن أبيهما خيار
عيب، فرضي أحدهما، سقط حق الآخر من الرد لا من الأرش.
3384. الثاني عشر: لو اشترى من اثنين شيئا، فوجده معيبا، فله رده عليهما،
ولو كان أحدهما غائبا، رد على الحاضر حصته بقسطها من الثمن، ويبقى نصيب
الغائب في يده، وكذا لو باع أحدهما جميع العين بوكالة الآخر، سواء كان
الحاضر الوكيل أو الموكل، ولو أراد رد نصيب أحدهما وإمساك نصيب الآخر،
كان له ذلك.
ولو اشترى عبدين صفقة، وشرط الخيار في أحدهما أكثر من ثلاث، كان
له الفسخ في الذي شرط فيه الخيار دون الآخر.
3385. الثالث عشر: لو اشترى حليا من ذهب أو فضة بجنسه، وجب التساوي
وزنا، فلو ظهر فيه عيب، لم يكن له أرش، وجاز الرد ما لم يتصرف، ولو حدث
عنده عيب آخر، سقط الرد أيضا، والوجه انه لا يسقط حكم العيب السابق،
فحينئذ يحتمل أن يتخير المشتري بين الإمساك بغير شئ، وأن يفسخ الحاكم
البيع ويرد البائع الثمن، ويطالب بقيمة الحلي من غير الجنس، ويكون بمنزلة
التالف.
ويحتمل أن يفسخ البيع، ويرد الحلي على البائع مع أرش النقصان
المتجدد، ويكون بمنزلة المأخوذ على جهة السوم إذا حدث فيه العيب، ولو
تلف الحلي، فسخ البيع، ورد قيمته من غير الجنس، واسترجع الثمن، والأخير
عندي قوي.
371

وكذا لو باع قفيزا مما فيه الربا بمثله، فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ينقص
القيمة دون الكيل، لم يملك أخذ الأرش، بل الحكم ما تقدم.
3386. الرابع عشر: لو ظهر على عيب بعد زوال ملكه ببيع، أو وقف، أو موت،
أو قتل، أو تعذر الرد لاستيلاد ونحوه، كان له الأرش، سواء كان قبل العلم بالعيب
أو بعده. ولو أكل الطعام أو لبس الثوب، فأتلفه، ثم علم بالعيب، رجع بأرشه
أيضا.
وكذا لو استعمل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف بما يدل على الرضا قبل
علمه بالعيب وبعده، فإن الرد يسقط، ويثبت الأرش، ولو اشترى من يعتق عليه
ثم ظهر على عيب سابق، فالوجه أن له الأرش خاصة.
3387. الخامس عشر: لو اشترى عبدا فأبق، ثم ظهر على عيب، فإن كان الإباق
غير متجدد، أخذ الأرش أو صبر حتى يحصل العبد ويرده، ولو كان متجددا كان
له الأرش خاصة.
3388. السادس عشر: لو تعيب عند المشتري لم يكن له رده بالعيب السابق،
فلو اختاره البائع جاز، ولو أراد المشتري الأرش حينئذ. قال الشيخ: ليس له
ذلك (1). والوجه عندي أن له الأرش إن اختاره.
ولو امتنع البائع من قبوله معيبا، كان للمشتري حق الأرش قولا واحدا،
ولو رده برضا البائع لم تكن له المطالبة بعد الرد بأرش العيب أيضا.
ولا فرق بين أن يكون العيب الحادث عند المشتري المانع من الرد نقصا

1. المبسوط: 2 / 132.
372

في العين، أو الصفة، كنسيان الصنعة، ولا فرق أيضا بين أن يكون البائع دلس
على المشتري، وكتم العيب القديم، وبين عدمه، وسواء كان العيب الحادث عند
المشتري من فعله، أو فعل أجنبي، أو فعل الله تعالى في المنع من الرد.
3389. السابع عشر: لو رجع بأرش العيب بعد العتق، ملكه ولم يجعل في
الرقاب، سواء كان متبرعا في عتقه أو أعتقه في كفارة وغيرها من الواجبات. (1)
3390. الثامن عشر: إذا كسر ما ليس له قيمة بعد الكسر، فوجده معيبا، كالبيض
الفاسد، والرمان الأسود، رجع بكل الثمن، وليس عليه رد المعيب على البائع،
وإن كانت له قيمة، سقط الرد، ووجب الأرش.
ولو كان الثوب ينقص بالنشر، فنشره، فوجده معيبا، ثبت له الأرش خاصة،
وإلا كان له الرد أيضا.
ولو صبغ الثوب، ثم ظهر العيب، سقط الرد، ووجب الأرش، ولو اختار
البائع أخذه ورد قيمة الصبغ لم يجبر المشتري، ويثبت الأرش.
3391. التاسع عشر: لو اشترى أمة فحملت عنده، ثم ظهر العيب، سقط الرد،
ووجب الأرش، ولو كانت دابة جاز الرد، لأنه زيادة.
ولو علم بالعيب بعد الوضع، ولم تنقصه الولادة، كان له إمساك الولد ورد
الأم مع عدم التصرف، ولا فرق بين حملها قبل القبض وبعده.
ولو اشتراها حاملا، ثم ظهر العيب، ردها ورد الولد، ولو تلف الولد، فهو
كعيب عند المشتري، وكذا لو نقصت بالولادة.

1. في «ب»: وغيرهما من الواجبات.
373

3392. العشرون: إذا اشترى أمة فوطئها، ثم وجدها حبلى، كان له ردها على
البائع، ويرد معها نصف عشر قيمتها، ولو ظهر عيب غير الحبل، لم يكن له ردها
بعد الوطء، بل كان له الأرش خاصة، ولو تصرف فيها بغير الوطء، ثم ظهر عيب
الحبل، فالأقرب عدم الرد، وثبوت الأرش.
ولو اشترى أمة ذات زوج، وظهر بها عيب الحبل بعد أن وطئها الزوج،
وكان المشتري قد أجاز النكاح، فالوجه سقوط الرد أيضا.
ولا يقوم نكاح الزوج مقام نكاح المشتري على إشكال، ولو زنت في يد
المشتري من غير شعور (1)، ثم ظهر الحبل عند البائع فعلى قول الشيخ: من أن
الزنا ليس بعيب (2) يثبت له الرد، ويأتي على قولنا سقوطه.
ولو وطئها بكرا، ثم ظهر الحبل السابق، كان له الرد، وفي قدر المردود
إشكال، إذ الظاهر أن المراد بنصف العشر في النص إنما هو للثيب مع احتمال
عمومه، فعلى هذا هل يرد العشر أو أرش البكارة؟ قال ابن إدريس بالأول،
وادعى عليه الإجماع (3): ولو كان العيب غير حبل، فله الأرش.
3393. الواحد والعشرون: لو أراد رد المعيب، وقد زاد زيادة متصلة عنده، رده
مع الزيادة، وإن كانت منفصلة، فإن كانت كسبا من جهته، كتجارة، أو إجارة عمل،
أو يوهب له شئ، أو يصطاد، أو يحتطب، أو يحتش، رد المعيب خاصة، وكذا
إن كان نتاجا وثمرة، فإنه يرد المعيب دون النماء، ولا يمنع النماء رده، هذا

1. في «ب»: من شعور.
2. المبسوط: 2 / 130; والخلاف: 3 / 112، المسألة 186 من كتاب البيوع.
3. السرائر: 2 / 298.
374

إذا حملت عند المشتري، ولو اشتراها حاملا، ثم ولدت عند المشتري، رد
الولد أيضا.
ولو حصل النماء قبل القبض وأراد الرد، قال الشيخ (رحمه الله): يكون النماء
للبائع (1). وعندي فيه نظر.
3394. الثاني والعشرون: ترد الشاة المصراة (2) وهي التي جمع بائعها اللبن في
ضرعها ليدلسها على المشتري فيظن أنه قدر حلبها في كل يوم، ويرد معها قيمة
اللبن، وإن شاء أمسكها بغير أرش، ولو كان المشتري عالما بالتصرية لم يكن له
خيار.
ولو صار لبنها عادة واستمر على كثرته، لم يكن له الرد، وقال بعض
الجمهور: لا يسقط الرد (3) وقواه الشيخ. لظاهر الخبر الذي أورده (4)، فإنا لم نقف
في المصراة على حديث من طرقنا.
وإذا رد الشاة، قال الشيخ: يرد معها عوض اللبن، وهو صاع من تمر أو بر (5)
وقال آخرون: يرد معها ثلاثة أمداد من طعام (6) والوجه ان اللبن يرد إن كان باقيا،
وإلا مثله.
ولو تعذر فالقيمة بعد إسقاط ما أنفق عليها. وهو اختياره (رحمه الله) في النهاية. (7)

1. المبسوط: 2 / 126.
2. لاحظ في وجه التسمية المبسوط: 2 / 125; والمغني لابن قدامة: 4 / 233.
3. الشافعي في أحد قوليه، المغني لابن قدامة: 4 / 234.
4. الخلاف: 3 / 102 و 106 - 107، المسألة 167 و 173 من كتاب البيوع.
5. المبسوط: 2 / 125; والخلاف: 3 / 104، المسألة 169 من كتاب البيوع.
6. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 234.
7. النهاية: 394.
375

ولو أوجبنا صاع التمر، وجب أن يدفعه غير معيب، ولا يجب الأجود، بل
الواجب صاع من أدنى اسم الجيد.
ولا فرق بين أن تكون قيمة التمر مثل قيمة الشاة أو أقل أو أكثر، وكذا
عندنا في دفع قيمة اللبن مع تعذر المثل.
ولو عدم التمر في موضعه، كان عليه قيمته في موضع العقد، ولا اعتبار
بفضل الأقوات، بل الواجب صاع من تمر أو بر في جميع البلدان.
ولو كان عين اللبن موجودا لم يتغير، فرده مع الشاة لم يجبر البائع على
قبوله قال: ولو قلنا يجبر كان قويا (1) ولو تغير احتمل عدم القبول ووجوبه، وكل
ذلك لا يتأتى على ما اخترناه.
ولو علم بالتصرية قبل حلبها، إما بالإقرار أو البينة، ردها من غير شئ، ولو
رضي بالتصرية فظهر [عيب] آخر غيرها، فالوجه سقوط الرد للتصرف
والمطالبة بأرش العيب، وقال الشيخ (رحمه الله): له الرد ويرد صاعا من تمر أو بر بدل
لبن التصرية. (2)
ولو لم تكن مصراة وظهر بها عيب بعد الحلب، لم يكن له الرد بل الأرش.
3395. الثالث والعشرون: مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من
الحيوانات، ويثبت على الفور، ولا يسقط بالتصرف، ولا يثبت قبل انقضاء الثلاثة
على إشكال (3).

1. المبسوط: 2 / 125.
2. المبسوط: 2 / 125.
3. قال ابن قدامة: اختلف أصحابنا في مدة الخيار في المصراة، فقال القاضي: هو مقدر بثلاثة أيام،
ليس له الرد قبل مضيها ولا إمساكها بعدها... لأن أبا هريرة روى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من اشترى
مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر.
المغني: 4 / 236.
376

3396. الرابع والعشرون: لا فرق في التصرية بين الشاة والبقرة والناقة: ولا
تثبت في الأمة ولا الأتان (1) ولا الفرس، وقال ابن الجنيد: يثبت في كل حيوان
آدمي وغيره (2).
3397. الخامس والعشرون: لو اشترى مصراتين أو أكثر في عقد واحد فردهن،
دفع مع كل مصراة صاعا، وعندنا قيمة اللبن أو مثله.
3398. السادس والعشرون: لو اختلف المتبائعان في العيب هل هو قبل العقد
أو بعده عند المشتري؟ ولا بينة، عمل بما يدل عليه شاهد الحال، ولو انتفى،
فالقول قول البائع مع يمينه.
3399. السابع والعشرون: لو اشترى من الوكيل، كان الرد بالعيب على الموكل،
والقول قول الموكل في تجدد العيب عند المشتري، والأقرب انه لا يقبل إقرار
الوكيل في ذلك، فلو رده على الوكيل، لم يكن للوكيل رده
على الموكل.
ولو أنكر الوكيل، ونكل عن اليمين، فرده عليه لنكوله، وفي رده على
الموكل وجهان: أحدهما الرد، لرجوعه إليه بغير اختياره، والثاني عدمه، لأن
نكوله كالإقرار، والأول أقوى.
ولو اشترى جارية على أنها بكر، فقال المشتري: إنها ثيب، أمر النساء
بالنظر إليها، ويقبل قول امرأة ثقة في ذلك، ولو وطئها، وقال: لم أجدها بكرا، كان
القول قول البائع مع اليمين.

1. الأتان: الحمارة الأنثى خاصة.
2. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 5 / 205.
377

3400. الثامن والعشرون: لو أنكر البائع كون المردودة للعيب سلعته، فالقول
قوله مع يمينه، ولو أنكر كون المردودة بالخيار سلعته، قيل: القول قول المشتري.
3401. التاسع والعشرون: إذا رد الدابة للعيب السابق، قال الشيخ: جاز له
ركوبها في طريق الرد، وعلفها، وحلبها، وأخذ لبنها، وإن نتجت، كان له نتاجها،
لأن الرد إنما يسقط بالرضاء بالعيب أو ترك الرد مع العلم، أو بأن يحدث عنده
عيب، وهي منفية هنا (1) ونحن نتابعه إلا في الركوب أو الحلب، فإنه إن وقع قبل
الفسخ، بطل الرد، لتصرفه، وان وقع بعده، لم يمنع الرد، إذ لا يفتقر الرد إلى
حضور الخصم.
3402. الثلاثون: إذا باع الجاني عمدا بغير إذن المجني عليه. قال الشيخ: لم
يصح. (2) والأقرب الصحة، وعلى قوله، يرد المشتري، ويسترجع الثمن، وتبقى
الحكومة بين المجني عليه وسيد الجاني، فإن اقتص، استوفى حقه، وإن عفا
على مال أو كانت الجناية توجب المال، تعلق برقبة العبد، وتخير المولى بين
تسليمه للبيع وافتدائه.
فإن بيع بأقل، لم تلزم السيد القيمة، وإن فضل فللمولى، وإن فداه، فبأقل
الأمرين من أرش الجناية والقيمة، وروي لزوم جميع الأرش أو تسليم العبد (3).
ولو قتل العبد قصاصا قبل التسليم إلى المشتري، انفسخ البيع، وإن كان
بعده، رجع المشتري بجميع الثمن. قال الشيخ: والأولى فيما يوجب الأرش ان
بيعه بعده، دلالة على التزام المال في ذمته، ويلزمه أقل الأمرين، (4) فلا خيار

1. المبسوط: 2 / 139.
2. المبسوط: 2 / 135.
3. المبسوط: 2 / 136.
4. المبسوط: 2 / 136.
378

للمشتري، ولو قيل: لا يلزم السيد فداؤه، وإن التزم كان قويا.
ولو كان السيد معسرا، لم يسقط حق المجني عليه من رقبة العبد، فيتخير
المشتري مع عدم علمه، فإن فسخ، رجع بالثمن. وكذا إن كانت الجناية
مستوعبة، وإن لم تستوعب، رجع بالأرش.
ولو علم قبل البيع فلا رد له ولا أرش، ولو اختار المشتري أن يفديه
كان له.
ولو كانت الجناية على بعض الأطراف، فإن كان المشتري عالما قبل العقد،
فلا رد ولا أرش، وإن لم يكن عالما تخير بين الرد والأرش.
ولو قطعت يده عند المشتري قصاصا، لم يسقط الرد. قاله الشيخ (رحمه الله) (1).
وحكم المرتد حكم القاتل في صحة بيعه، فإن علم المشتري، سقط
خياره، وإلا تخير بين الرد والأرش.
فإن قتل في يد المشتري، رجع بجميع الثمن، وكذا القاتل في المحاربة.
إذا تاب قبل القدرة عليه، فإن لم يتب حتى قدر عليه، ففي جواز بيعه إشكال.
3403. الواحد والثلاثون: حدوث عيب عند المشتري في الحيوان، لا يمنع الرد
بالعيب السابق إن كان حدوثه في الثلاثة من غير فعل المشتري، ولو كان بعدها،
سقط الرد ووجب الأرش كغيره، وكذا لو باع الحيوان سليما، ثم حدث عيب عند
المشتري في الثلاثة من غير فعله، كان له الرد، ولو كان بعد الثلاثة لم يكن له رد
إلا في الجنون والجذام والبرص، فإنها إذا تجددت من حين العقد إلى

1. المبسوط: 2 / 137.
379

تمام السنة عند المشتري، كان له الرد بها ما لم يتصرف، وفي رواية إلحاق القرن بها (1) وأفتى
بها ابن الجنيد.
ولا فرق بين ظهور هذه العيوب في السنة في يد البائع أو المشتري، ولو
ظهرت بعد السنة، فلا رد إلا أن يظهر قبل القبض، ولو تصرف المشتري وظهرت
في السنة، فالوجه عدم الرد، بل يثبت الأرش على إشكال.
الفصل الثالث: في التدليس
وفيه اثنا عشر بحثا:
3404. الأول: إذا شرط المشتري صفة مقصودة، صح وإن لم يكن فقدها عيبا،
ويتخير بين الرد والإمساك بغير شئ لو لم يجدها كذلك، مثل اشتراط الجعودة
في الشعر، والزجج (2) في الحواجب، والصنعة، والصيد في الفهد، وما أشبه ذلك،
ولو اشترط ما ليس بمقصود، فبان بخلافه، كما لو اشترط كون الشعر سبطا، فبان
جعدا، أو كونها جاهلة فبانت عالمة، فلا خيار.
3405. الثاني: قال الشيخ (رحمه الله): إذا اشترى جارية، لم يصح حتى ينظر إلى
شعرها، هل هو جعد أو سبط، وأسود أو أبيض، فلو رآه جعدا ثم ظهر التدليس،

1. لاحظ التهذيب: 7 / 63 برقم 274 و 275.
2. الزج: هو تقويس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد، قال الجوهري: الزجج دقة في
الحاجبين وطول. مجمع البحرين.
380

وأنه سبط، ثبت الخيار. لأنه عيب، وكذا لو بيض وجهها بالطلاء ثم اسمر، أو
حمر خديها ثم اصفر، كان له الخيار، ولو قلنا بانتفاعه، كان قويا (1) والذي قواه هو
الأقوى عندي إلا أن يشترط هذه الصفات فيخرج الخلاف.
3406. الثالث: لو أسلم في جارية جعدة، فسلم إليه سبطة، فله الرد، ولو كان
بالعكس، قال الشيخ: له الرد أيضا. (2) والأقوى أنه لا رد.
3407. الرابع: لو اشترى جارية مطلقا، فخرجت ثيبا أو بكرا، فلا خيار، ولو
شرط البكارة ولم يحصل، قال الشيخ: روى أصحابنا: انه ليس له الخيار وله
الأرش بين كونها بكرا وثيبا (3). اختاره في الاستبصار (4). وابن إدريس (5) وقال في
النهاية: لا رد له ولا أرش (6). والوجه عندي انه إن ثبت أنها ثيب عند البائع، كان له
الرد أو الأرش، وإلا فلا، ولو شرط العكس، فلا خيار.
3408. الخامس: لو اشترى عبدا مطلقا، فخرج مسلما أو كافرا، فلا خيار، وإن
شرط الإسلام، فبان الكفر، فله الرد، وبالعكس قال الشيخ: لا خيار (7)، ولو قيل به،
كان قويا.
3409. السادس: لو اشترى عبدا مطلقا، فخرج فحلا، فلا خيار، وإن كان
خصيا، ثبت الخيار، ولو شرط فبان فحلا، فله الخيار.
3410. السابع: لو اشترط كون الشاة لبونا، صح، ولو شرط أنها تحلب كل يوم

1. المبسوط: 2 / 129.
2. المبسوط: 2 / 129.
3. المبسوط: 2 / 129.
4. الاستبصار: 3 / 82 برقم 278، باب من اشترى جارية على انها بكر.
5. السرائر: 2 / 304.
6. النهاية: 394 - 395.
7. المبسوط: 2 / 130، واستدل عليه بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».
381

قدرا معلوما، لم يصح، وكذا لو شرطها غزيرة اللبن، أو شرط البيض
في الدجاجة.
3411. الثامن: لو اشترط كون الجارية حاملا أو الدابة، فالوجه الصحة، ولو
شرط أنها تضع الولد في وقت معين، لم يصح، ولو شرط أنها لا تحمل، ففي
الصحة نظر، ولو اشترط أنها حائل، فبانت حاملا (1)، ثبت الخيار، إن كانت أمة،
فالوجه أن الدابة كذلك.
3412. التاسع: لو اشترط كون الهزار والقمري مصوتا، فالوجه عدم الصحة،
وكذا لو اشترط في الديك انه يوقظه للصلاة أو انه يصيح في الأوقات المعلومة،
أو شرط في الحمام مجيئه من مسافة بعيدة أو معينة، أو كون الجارية مغنية، أو
الكبش نطاحا أو الديك مقاتلا.
3413. العاشر: لو ادعى المشتري تقدم العيب، فقال البائع: لا يستحق الرد
على هذا العيب، كان جوابا صحيحا، ووجب على الحاكم إحلافه عليه، وإن قال:
بعته بريئا من هذا العيب، جاز إحلافه على عدم استحقاق الرد وعلى جوابه. ولو
امتنع على الأخير قيل: له ذلك وإن لم يحلف على عدم الاستحقاق.
3414. الحادي عشر: إذا حدث العيب قبل البيع، ثبت الرد أو الأرش، ومع
التصرف الأرش، ومع العلم ينتفيان، وإن حدث بعده وبعد القبض، سقط الرد إلا
في الحيوان في الثلاثة ما لم يتصرف، أو العيوب الثلاثة إلى سنة. ولا يثبت
الأرش فيما يحدث بعد القبض مطلقا الا في الحيوان. وان حدث قبل القبض،

1. كذا في المطبوع وفي «ب»: الحامل مكان الحائل وبالعكس ولعل الذيل «فالوجه ان الدابة
كذلك» يؤيد صحة تلك النسخة، لأن الحمل مطلوب من الدابة فظهورها حاملا لا يعد نقصا.
382

قال الشيخ: لا أرش. (1) واختاره ابن إدريس. (2) والأقوى عندي ثبوته.
ولو قبض بعضه، ثم حدث في الباقي عيب، كان الحكم كذلك فيما لا
يقبض، ولو وهب البائع المشتري الثمن بعد قبضه، ثم وجد المشتري بالمبيع
عيبا، كان له الرد واسترجاع مثل الثمن أو قيمته، لأن الثمن عاد إليه بغير الوجه
الذي يعود إليه بالرد، وله الأرش إن اختاره.
3415. الثاني عشر: لو قال لاثنين: بعتكما هذا العبد بألف، فقال أحدهما:
قبلت نصفه بخمسمائة، لم ينعقد، لعدم مطابقة الجواب، وكذا لو قال: قبلت
نصف كل واحد منهما بنصف الثمن، أو قبلت نصف أحد العبدين بحصته
من الثمن.
ولو قال: بعتكما هذين بألف هذا العبد منك، وهذا الآخر منك فقبله
أحدهما بخمسمائة، لم يصح، أما لو قال: هذا منك بخمسمائة، وهذا من الآخر
بخمسمائة، فقبل أحدهما بخمسمائة، فإنه يصح.

1. المبسوط: 2 / 127; والخلاف: 3 / 109، المسألة 178 من كتاب البيوع.
2. السرائر: 2 / 305.
383

المقصد السابع: في بيع المرابحة والمواضعة والتولية (1)
وفيه أحد وعشرون بحثا:
3416. الأول: بيع المرابحة جائز غير مكروه، ويشترط العلم برأس المال وقدر
الربح، فلو جهدا، أو أحدهما رأس المال أو قدر الربح، بطل، ويجب ذكر الصرف
والوزن مع اختلافهما، دون ذكر البائع وإن كان ولده أو غلامه، والاخبار عن
الغبن.
3417. الثاني: يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال، بأن يقول: رأس
مالي مائة، بعتك به، وربح كل عشرة واحد، بل يقول: بعتكه بمائة وربح عشرة.
3418. الثالث: إذا أراد الإخبار بثمن السلعة، فإن لم يتغير أخبر بثمنها، فيقول:
اشتريته بكذا، أو رأس مالي فيه كذا، أو يقوم علي، أو هو علي، وإن تغيرت بأن
تزيد أثمانها، كالسمن، وتعلم الصنعة، والثمرة، والنتاج، أخبر بالثمن من غير
زيادة وإن كان قد استخدم، أو أخذ النماء، وإن زادت بعمله، كقصارة الثوب، قال:
رأس مالي فيه كذا، وعملت فيه بكذا.

1. قال صاحب الحدائق: البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن وعدمه، لا يخلو عن أقسام أربعة، لأنه
إما أن يخبر بالثمن، أو لا، الثاني المساومة، والأول إما أن يبيع معه برأس ماله، أو بزيادة عليه، أو
نقيصة عنه، والأول التولية، والثاني المرابحة، والثالث المواضعة، وزاد بعضهم قسما خامسا،
وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله... الحدائق الناضرة: 19 / 198.
385

3419. الرابع: إن عمل بأجرة، صح ضمها إلى الثمن بشرط أن يقول: يقوم
علي: أو هو علي، ولا يجوز أن يقول: اشتريته بكذا، ويريد المجموع، وإن
نقصت بمرض، أو جناية، أو غير ذلك، أو تلف بعضه، أخبر بالحال.
3420. الخامس: لو ظهر المعيب فأخذ أرشه، أسقط من رأس المال، وأخبر
بالباقي، فيقول: رأس مالي كذا، أو يقوم علي بكذا، ولا يقول: اشتريته بكذا، ولو
أخبر بالحال فيقول: اشتريته بكذا، واستعدت أرشه كذا، جاز.
ولو جني على العبد، فأخذ أرش الجناية، لم يجب وضعها، ولو قيل:
بوجوبه، كان وجها، ولو جنى العبد، ففداه المشتري، لم يلحق الفداء بالثمن.
وكذا لا يخبر بما يعمل في السلعة بنفسه أو بغيره بغير أجرة. ولا ما
يخسره من الأدوية، والمؤنة، والكسوة، ولو أخبر بصورة الحال جاز.
ولو قال: بعتك بما قام علي، استحق مع الثمن ما بذله للدلال، والكيال،
وأجرة البيت إن لم يكن ملكه.
ولو حط البائع بعض الثمن عن المشتري، أو استزاده، فإن كان بعد لزوم
العقد، لم يخبر به، ولو كان في مدة الخيار أخبر بالأصل أيضا، لأنه هبة من
أحدهما للآخر، ولا يكون عوضا، وقال الشيخ: يلحق بالعقد (1) فيخبر بالناقص مع
إسقاط البعض، وبالزائد مع الضميمة، وليس بجيد، ولو تغير سعرها دونها، بأن
رخصت أو غلت، أخبر بالثمن لا غير.
3421. السادس: لو كان رأس ماله مائة، وباعه بربح عشرة، فبان تسعين ببينة

1. المبسوط: 2 / 144.
386

أو إقرار، كان البيع صحيحا، ويتخير المشتري بين الرد والأخذ بجميع الثمن، وهو
مائة وعشرة.
وقيل (1) يكون للمشتري الرجوع على البائع بما زاد في رأس المال، وهو
عشرة وحصتها من الربح، وهو درهم، فيصير الثمن تسعة وتسعين. وقواه
الشيخ (رحمه الله) (2)، فحينئذ يحتمل الخيار للمشتري، لجواز الخيانة في الإخبار الثاني،
ويتعلق غرضه بالشراء بالثمن كملا (3) لكونه حالفا، أو وكيلا، أو غير ذلك،
وعدمه (4) لأنه رضيه بالأزيد، ولا خيار للبائع عندنا، وكذا يتأتى على ما قواه
الشيخ، لأنه باعه برأس ماله وحصته من الربح، وإذا اختار المشتري الرد، كان له
مع بقاء السلعة، ولو هلكت أو تصرف لم يكن له الرد. قال الشيخ: وله الرجوع
بالنقصان (5) وهو بناء على ما قواه أولا.
3422. السابع: لو قال بعد البيع: اشتريته بمائة وعشرة، لم يقبل منه وإن ادعى
الغلط، ولو (6) عرف باعتقاد الصدق. وان أقام بينة لم تسمع، وليس له إحلاف
المشتري إلا أن يدعي عليه العلم، ولو قال: كان وكيلي قد اشتراه بمائة وعشرة،
وأقام البينة، قبل، قال الشيخ: ولو قلنا: لا يقبل كان قويا (7).
3423. الثامن: لو باعه سلعة ثم اشتراها منه، جاز إذا لم يشرط وإن كان من
قصدهما، ويكون مكروها، فلو باع غلامه الحر سلعة، ثم اشتراها من غير شرط

1. القائل هو الشافعي في أحد قوليه وابن أبي ليلى وأبو يوسف. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 260.
2. الخلاف: 3 / 138، المسألة 227 من كتاب البيوع; والمبسوط: 2 / 142 - 143.
3. في «ب»: كلا.
4. عطف على قوله «ويحتمل الخيار».
5. المبسوط: 2 / 143.
6. كذا في النسختين والظاهر زيادة «لو».
7. المبسوط: 2 / 143.
387

بثمن زائد جاز، أن يخبر بالزائد ان لم يكن شرط الإعادة، وإلا فلا، وكذا لو باعه
على أبيه، أو ابنه، أو من لا تقبل شهادته له، ثم اشتراه منهم وإن لم يخبر بالحال،
وكذا لو اشترى من مكاتبه.
3424. التاسع: لو اشترى ثوبا بعشرة، ثم باعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة،
جاز أن يخبر بالحال على وجهه، وأن يخبر أنه اشتراه بعشرة من غير بيان.
3425. العاشر: لو اشترى سلعة بمائة إلى سنة، ثم باعها مرابحة حالا من غير
بيان، للشيخ قولان: أحدهما انه يكون للمشتري من الأجل مثل ماله (1) والثاني
يتخير بين الفسخ والأخذ بما وقع عليه العقد حالا (2) وهو الأقوى عندي، وكذا لو
اشتراه إلى سنة فأخبر انه اشتراه إلى نصفها، وكذا يتخير المشتري لو ابتاعه
بدينار، فأخبر أنه اشتراه بدراهم، أو بالعكس، أو كان قد اشتراه بعرض، فأخبر أنه
اشتراه بنقد أو بالعكس، وما أشبه ذلك في الرد والأخذ بما وقع العقد عليه.
وكلما قلنا: إنه يجب الإخبار به في المرابحة، لو لم يفعل تخير المشتري
بين الرد والأخذ بما اشتراه هو، ولا يقع البيع فاسدا.
ولو اشتريا ثوبا بعشرين، فبذل لهما زيادة درهمين، فاشترى أحدهما
نصيب صاحبه بأحد عشر، أخبر بأحد وعشرين.
3426. الحادي عشر: بيع المساومة أجود من المرابحة والتولية، ويجب الإخبار
في التولية كما يخبر في المرابحة، ويجوز بلفظ البيع والتولية، وكذا يجب
الإخبار في المواضعة بما يجب في المرابحة.

1. ذهب إليه في النهاية: 389.
2. وهو خيرته في المبسوط: 2 / 142; والخلاف: 3 / 135، المسألة 224 من كتاب البيوع.
388

3427. الثاني عشر: لو صدقه المشتري في الغلط بالإخبار، حكم عليه، ولو
أقام بينة بالزائد عن إخباره لم تسمع على ما قلناه وإن ادعى الغلط، أما لو أقامها
على المشتري بإقراره بالعلم بالغلط، فإنها تسمع، ولو طلب المشتري من البائع
الحلف على عدم العلم بالزائد وقت البيع، كان له ذلك فإن نكل قضي عليه، وإن
حلف تخير المشتري بين الأخذ بالزيادة على إشكال والفسخ، ولو قيل: ان
الزيادة لا تلحق العقد، فيتخير البائع، كان وجها.
وهل يلزمه مع القبول نصيب الزيادة من الربح؟ الوجه ذلك، لأن نسب
الربح إلى الثمن، مثل أن يقول: بربح كل عشرة درهما، ولو قال: بربح عشرة لا
غير، لم يثبت، ولو أخذها بالزائد ونصيبه من الربح، لم يكن للبائع خيار، وكذا لو
أسقط الزيادة عن المشتري.
3428. الثالث عشر: لو اشترى شيئين صفقة، لم يبع أحدهما مرابحة. تماثلا أو
اختلفا، سواء قومهما، أو بسط الثمن عليهما بالسوية، وباع خيارهما، إلا أن يخبر
بالحال.
وكذا لو اشترى اثنان شيئا صفقة، واقتسماه، لم يكن لأحدهما بيع نصيبه
مرابحة إلا بعد إعلام المشتري بالحال تماثلت أجزاء أو اختلفت.
3429. الرابع عشر: لو قوم التاجر متاعا على الواسطة بشئ معلوم وقال
له: «بعه فما زدت على رأس المال فهو لك، والقيمة لي» قال الشيخ (رحمه الله):
جاز وإن لم يواجبه البيع، فإن باع الواسطة بزيادة، كان له، وإن باعه برأس
المال لم يكن له على التاجر شئ، وإن باعه بأقل، ضمن تمام ما قوم عليه،
ولو رد المتاع ولم يبعه، لم يكن للتاجر الامتناع من قبوله، وليس للواسطة
389

أن يبيعه مرابحة، ولا يذكر الفضل على القيمة في الشراء. (1)
والوجه أن الزيادة لصاحب المتاع وله الأجرة، وكذا إن باع برأس المال،
وإن باع بأقل بطل البيع.
قال الشيخ: ولو قال الواسطة للتاجر: خبرني بثمن هذا المتاع واربح علي
فيه كذا، ففعل التاجر ذلك، غير أنه لم يواجبه البيع ولا ضمن هو الثمن، ثم باع
الواسطة بزيادة على رأس المال والثمن، كان ذلك للتاجر، وله أجرة المثل لا أكثر
من ذلك، ولو كان قد ضمن الثمن، كان له ما زاد على ذلك من الربح، ولم يكن
للتاجر أكثر من رأس المال الذي قرره. (2)
3430. الخامس عشر: يجب ذكر الصرف والوزن في المرابحة مع الاختلاف.
3431. السادس عشر: بيع المواضعة جائز، بأن يخبر برأس ماله ويبيعه برأس
المال وضيعة كذا، ولو قال: بوضيعة درهم من كل عشرة، وكان مكروها. ويصح،
ويطرح من كل عشرة درهما.
ولو قال: الثمن مائة، وبعتك بوضيعة درهم من كل عشرة، لزمه تسعون،
ويكون الحط عشرة، وقيل: تسعة وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم، فيكون
الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا من درهم، وقواه الشيخ، (3) لأن
عقد الباب هنا في معرفة الثمن أن يضيف الوضيعة إلى رأس المال، ثم ينظر
قدرها، فما اجتمع فأسقطه من رأس المال، وهو الثمن، فإذا قال: رأس المال
عشرون، بعتك به مواضعة العشرة درهمان ونصف، فيضيف إلى العشرين

1. النهاية: 389 - 390.
2. النهاية: 390.
3. الخلاف: 3 / 135 - 137، المسألة 225 من كتاب البيوع.
390

خمسة فيصير خمسة وعشرين. وقدر الوضيعة الخمس، فأسقطه من عشرين،
فيبقى ستة عشر.
ثم جعل الشيخ الذي اخترناه أقوى (1) لأنه إذا قال: مواضعة كل عشرة
واحدا، أضاف المواضعة إلى رأس المال، فيحذف منه عشرة، فيبقى تسعون. (2)
ولو قال: بوضيعة درهم لكل عشرة، كانت الوضيعة من كل أحد عشر
درهما درهما.
3432. السابع عشر: لو اشترى نصف سلعة بعشرة، وآخر نصفها بعشرين، ثم
باعهما مساومة بثمن واحد، فهو بينهما نصفان، وكذا مرابحة أو مواضعة أو
تولية، ولا يقسم على رأس المال.
3433. الثامن عشر: لو جهلا رأس المال في المرابحة، أو المواضعة، أو التولية،
أو أحدهما، أو جهلا، أو أحدهما قدر الربح، أو الوضيعة، بطل البيع.
3434. التاسع عشر: لو قال: اشتر هذا المتاع، وأزيدك شيئا، فاشتراه، لم يلزم
الآمر أخذه، ولو أخذ من تاجر مالا، واشترى به متاعا يصلح له، ثم جاء به إلى
التاجر، فاشتراه منه، لم يكن به بأس، إذا كان قد ناب في الشراء، ولا يخبر التاجر
على بيعه إياه، ولو كان اشتراه لنفسه، ثم نقد مال التاجر، كان المتاع له، لا سبيل
للتاجر عليه، وللتاجر مثل ماله.
3435. العشرون: لا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة، إلا

1. الخلاف: 3 / 135 - 137، المسألة 225 من كتاب البيوع.
2. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 265 - بيع المواضعة -.
391

أن يكون له بارنامج يوقفه منه على صفة المتاع في ألوانه وأقداره، فيجوز بيعه
حينئذ، فإذا وجده كما وصف لزم، وإلا كان له الفسخ.
3436. الواحد والعشرون: لو أمر غيره بشراء متاع له، وينقد من عنده الثمن
عنه، فاشتراه المأمور، ونقد عنه، ثم سرق المتاع أو هلك، كان من مال الأمر
دون المبتاع.
392

المقصد الثامن: في بيع الثمار
وفيه: خمسة وثلاثون بحثا:
3437. الأول: يجوز بيع الثمر بعد ظهورها وبدو الصلاح عاما وأكثر، بشرط
القطع والتبقية، منفردة ومنضمة إلى غيرها.
ولو لم يبد صلاحها، قيل: يجب ضمها إلى غيرها، أو تباع أكثر من عام
واحد، أو بشرط القطع، فيبطل لو خلا عن هذه، وقيل: يجوز، وهو الأقوى (1).
ولو باعها قبل الظهور عاما منفردة، بطل قولا واحدا، ولو باعها كذلك
عامين، أو منضمة، فالوجه البطلان، ولا فرق عندنا بين بيعها على مالك
الأصل والأجنبي.
3438. الثاني: لو باعها قبل بدو الصلاح بشرط القطع، فتركها حتى بدا
صلاحها، لم يبطل البيع، وهل يشتركان في الزيادة؟ منع أصحابنا منه، وأوجبوا
الثمرة للمشتري، وعليه أجرة التبقية، وعند الجمهور يحتمل ذلك (2) لحصولها في
ملكهما، لأن المشتري ملك الثمرة، والبائع مالك الأصل، وهو سبب الزيادة،
والزيادة ما بين قيمتها حين الشراء وقيمتها يوم أخذها ويحتمل ما بين قيمتها

1. لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف: 5 / 223 - 224.
2. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 204.
393

قبل بدو الصلاح وقيمتها بعده، لأن الثمرة قبل بدو الصلاح للمشتري بتمامها،
لاحق للبائع فيها (1)، ولا يبطل البيع لو قصد تأخيره وقت الشراء.
3439. الثالث: إذا باعها بعد بدو الصلاح صح بشرط القطع والتبقية مطلقا.
3440. الرابع: الشجر والنخل في الحكم سواء.
3441. الخامس: بدو الصلاح في النخل تغير لونه من الخضرة إلى الحمرة أو
الصفرة، وفيما له ورد تساقط ورده عنه، وفي الكرم انعقاد الحصرم، وإن كان غير
ذلك فحين يخلق ويشاهد، ولا اعتبار في ذلك بطلوع الثريا، ولا يشترط
تناهي عظمه.
3442. السادس: إذا بدا صلاح بعض الثمر، جاز بيع الجميع، سواء كان من نوع
ذلك الجنس، أو من غير نوعه، ولو أدرك ثمرة بستان دون آخر، جاز بيعها
تجاورا، أو تباعدا، واختار الشيخ (رحمه الله) عدم الجواز (2) وليس بجيد.
3443. السابع: لا يجوز بيع الخضر كالقثاء والخيار وشبههما، قبل ظهورها، (3)
ويجوز بعده إذا انعقد لقطة واحدة ولقطات منفردة عن أصولها ومنضمة، ويجوز
بيع أصول هذه البقول المتكررة من غير شرط القطع، ولا فرق بين هذه الأصول،
وهي صغار أو كبار، ولا بين كونها مثمرة أو لا، ولو باع ما فيه ثمرة ظاهرة فهي
للبائع، ويجب على المشتري تركها إلى وقت بلوغها، ولو اشترطها المبتاع جاز.
ولو تجددت بعد العقد ثمرة، فالمتجدد للمشتري، فإن لم يتميز، اشتركا.
3444. الثامن: يجوز بيع ما يجز مرة بعد أخرى بعد ظهوره، جزة وجزات،

1. في «أ»: لا حق للبائع بها.
2. المبسوط: 2 / 114.
3. في «أ»: قبل ظهورهما.
394

بشرط القطع وغيره، سواء كان قصيلا أو غيره من البقول، ولو اشترى الرطبة وما
أشبهها جزة واحدة بشرط القطع، وجب في الحال، فلو أخر فكالثمرة إذا بيعت (1)
وقد سلف.
ولو اشترى قصيلا من شعير جزة على أن يقطعه، ففعل ثم عاد فنبت، فهو
لصاحب الأرض، ولو اشترى جزتين، كان لصاحب الأرض ما ينبت في الثالثة.
ولو اشتراه بأصوله فقطعه، ثم نبت، كان لصاحب الزرع خاصة لا لصاحب
الأرض، ولو سقط من الزرع حب فنبت في العام المقبل، فهو لصاحب الحب لا
لصاحب الأرض.
3445. التاسع: يجوز بيع ما يخرط مرة وأكثر بعد ظهوره، كالتوت، والحناء،
منفردة، ومع الأصول.
3446. العاشر: يجوز بيع الثمرة مع أصولها ومنفردة، سواء كانت بارزة،
كالتفاح والمشمش، أو في قشر يحتاج إليه لادخاره، كالجوز في القشر الأسفل،
أو لا يحتاج كالقشر الأعلى.
3447. الحادي عشر: يجوز بيع الزرع سنبلا قائما وحصيدا، سواء كان
بارزا كالشعير، أو مستترا كالحنطة، منفردة، ومنضمة مع أصوله، سواء شرط
القطع أو لا.
ويجوز بيعه قبل أن يسنبل بشرط القطع والتبقية، ولو أطلق، فالوجه
وجوب التبقية إلى وقت الحصاد ما لم يقصد القصل 2 فيجب على المشتري

1. في «ب»: إذا بقيت.
2. في «أ»: ما لم يقصد القصيل.
395

حينئذ قطعه، ولو شرط القطع ولم يقطعه، تخير البائع بين قطعه وإبقائه، وعلى
المشتري أجرة مثل الأرض، والزكاة إن بلغ النصاب، هذا إذا كانت
الأرض عشرية.
وإن كانت خراجية، فعلى المشتري الخراج، قاله الشيخ (1) وابن إدريس 2
وفيه نظر، ولو أطلق أو شرط التبقية، على البائع إبقاؤه إلى وقت الحصاد
ولا أجرة.
3448. الثاني عشر: يجوز بيع الحب وإن لم يبيض بعد، ومنعه ابن الجنيد، ولا
فرق بين أن يبيعه قبل بدو الصلاح بشرط القطع أو بشرط التبقية في الجواز، ولو
باعه قبل بدو الصلاح مع الأرض، جاز إجماعا، وكذا يجوز منفردا لمالك الأرض
وغيره على الأقوى.
3449. الثالث عشر: لو باع صاحب الأرض نصف أرضه على صاحب الزرع
بنصف زرعه، جاز. فلو شرطا في البيع قطع جميع الزرع، فالأقرب الصحة، ولا
يلزم الوفاء بالشرط.
3450. الرابع عشر: لو باع البذر قبل خروجه، لم يصح، وإن علما مقداره، وكذا
لو خرج وباعه البذر، ولو باعه مع الأرض صح، وإن لم يخرج بعد، ولو باع ما
المقصود منه مستور، كالجوز، لم يصح حتى يقلع ويشاهد، ولو كان الظاهر
مقصودا كالبصل، فالوجه جوازه منفردا ومع أصوله، وكذا لو كان معظم المقصود
مستورا على إشكال.
3451. الخامس عشر: يجوز بيع الجوز واللوز والباقلا الأخضر في قشريه،

1. النهاية: 415.
2. السرائر: 2 / 366.
396

سواء كان مقطوعا أو في شجرة، وكذا يجوز بيع الحب المشتد (1) في سنبله.
3452. السادس عشر: لو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة، لم تدخل في البيع إلا
أن يشرطها المشتري، ويجب على المشتري التبقية إلى أوان أخذه بمجرى
العادة، ولو باع الثمرة، جاز أن يستثنى أرطالا معلومة، ولا فرق بين البستان،
والنخلة الواحدة، أو الشجرة.
ويجوز أن يستثني ثمرة شجرة بعينها، أو شجرات بأعيانها، أو نخلة، أو
نخلات معينة، ولو استثنى نخلة أو نخلات مجهولة، أو أرطالا كذلك، بطل البيع،
وكذا لو استثنى أرطالا معلومة، ولم يعين الجنس، إذا كان أكثر من واحد.
ويجوز أن يستثني جزءا مشاعا معلوم النسبة كالثلث، ولو كان مجهولا
لم يصح.
3453. السابع عشر: لو باع قفيزا معلوما، واستثنى منه أرطالا معلومة، أو جزءا
معلوما، صح، ولو قال: بعتك من هذه الصبرة قفيزا إلا مكوكا (2) صح أيضا.
ولو قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة دراهم إلا بقدر درهم، صح لأنه بمنزلة
بعتك ثلاثة أرباعها بأربعة، ولو قال: إلا ما يساوي درهما، لم يصح.
ولو استثني من الحيوان جزءا معلوما مشاعا، جاز، ولو باع قطيعا، واستثنى
شاة معينة، صح البيع، وكذا لو استثنى جزءا مشاعا معلوم النسبة، ولو كانت
مجهولة، لم يصح.

1. في «ب»: المشيد.
2. في مجمع البحرين: المكوك - كرسول -: المد، وقيل الصاع، والأول أشبه لما جاء مفسرا بالمد.
397

ولو كان مأكولا، فاستثنى الرأس أو الجلد، فللشيخ قولان (1) ولو استثني
الحمل، جاز.
3454. الثامن عشر: لو استثنى المشتري للزرع أو النخل بقاءه إلى أوان أخذه
لفظا، قيل: يبطل، للجهالة، وإن وجب له ذلك حكما.
ولو باعه دارا إلا ذراعا معينا، فان عين موضعه، صح، وإلا فلا، علما
بذرعان (2) الدار أو جهلها أحدهما أوهما.
ولو استثنى الكسب من السمسم، أو الحب من القطن، لم يصح، وكذا لو
استثنى الشيرج، وكذا لو باعه بدينار إلا درهما، أو قفيزا، لأن قصده رفع قيمة
المستثنى من المستثنى منه وهي مجهولة.
3455. التاسع عشر: لو استثنى من الثمرة شيئا يصح استثناؤه، ثم تلف بعض
الثمرة، سقط من المستثنى بحسابه.
3456. العشرون: لو تلفت الثمرة بجائحة (3) قبل القبض، فهي من مال البائع،
وإن كان بعده، فمن المشتري، سواء كان التالف الثلث أو أقل أو أكثر.
ولو كان التلف بفعل البائع فمن ضمانه، وإن كان من المشتري ضمنه، وإن
كان من غيرهما، فإن كان بعد القبض، فله الرجوع على المتلف بالقيمة، وإن كان
قبله، تخير بين الفسخ والرجوع على المتلف، ولو تلف البعض، فالحكم فيه

1. قول بعدم الجواز ذهب إليه في المبسوط: 2 / 116، وقال في النهاية: 413: وإذا باع الإنسان
بعيرا أو بقرا أو غنما، واستثنى الرأس والجلد، كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد.
2. الذرعان والأذرع: جمع الذراع.
3. الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار وتستأصلها. مجمع البحرين.
398

ذلك، لكنه إن اختار الإمساك، فالأقرب تخير البائع، هذا إذا تلف قبل القبض.
ولو كان بعده، فالتلف من المشتري، قال الشيخ: ولو قلنا إنه ينفسخ في
مقدار التالف كان قويا (1). والوجه ما قلناه: تخير.
قال الشيخ (رحمه الله): وإذا عجز البائع عن سقي الثمرة أو تسليم الماء، ثبت
للمشتري الخيار، لعجز البائع عن تسليم بعض ما تناوله العقد (2).
3457. الواحد والعشرون: يجوز لمشتري الثمرة بيعها في شجرها، وليس
بمكروه، بزيادة عما اشتراه، أو نقصان، قبل القبض وبعده.
3458. الثاني والعشرون: لو باع الثمرة واحتاجت (3) إلى السقي، قيل: يجب
على البائع ذلك، لوجوب تسليم الثمرة عليه كاملة، بخلاف ما لو باع الأصل
واستثنى الثمرة، فإن المشتري لا يجب عليه السقي، فلو أهمل البائع حتى تلفت،
ضمن، والأقرب عدم انفساخ البيع، كالعبد المقبوض إذا كان مريضا قبل
القبض ومات.
3459. الثالث والعشرون: قال الشيخ: إذا اشترى نخلا على أن يقطعه أجذاعا، (4)
فتركه حتى أثمر، كانت الثمرة له، دون صاحب الأرض فإن كان صاحب الأرض
ممن قام بسقيه ومراعاته، كان له أجرة المثل (5). وينبغي التقييد بإذن صاحب
النخل، والوجه وجوب رجوع البائع على المشتري بأجرة الأرض.

1. المبسوط: 2 / 116.
2. المبسوط: 2 / 116 - 117.
3. في «ب»: فاحتاجت.
4. الأجذاع جمع الجذع - بالكسر والسكون - ساق النخلة. مجمع البحرين.
5. النهاية: 415 - 416.
399

3460. الرابع والعشرون: لو باع أصل الحناء والآس (1) وفيه ورق كان الورق
للبائع. ولو باع أصل «التوت» كان الورق للمشتري.
3461. الخامس والعشرون: بيع المحاقلة حرام، وهي بيع الزرع بحنطة، أو
شعير، لا كيلا، ولا جزافا، ولا نقدا، ولا نسيئة، وهل يشترط كون الحنطة من تلك
الغلة؟ قال الشيخ: نعم، حتى لو باعه الزرع بحنطة من غيرها جاز (2) وقوى في
المبسوط المنع (3) وهو الأقوى عندي.
3462. السادس والعشرون: بيع المزابنة حرام. وهي بيع الثمرة بثمرة لا نقدا
ولا نسيئة، لا كيلا، ولا جزافا، قال الشيخ: ويشترط في التحريم كون التمر من
تلك الثمرة. فلو باعه ثمرة النخل من غيرها جاز (4). والأقوى عندي المنع.
واستثنيت من هذه العرية، (5) وهي النخلة تكون في بستان غيره أو داره،
فيشتري ثمرتها صاحب الدار أو البستان دفعا لمشقة التهجم، بخرصها تمرا،
سواء كانت خمسة أوسق، أو أزيد، أو أقل، ولا يجوز أن يبيع جميع تمر حائطه
عرايا من رجل واحد أو من رجال في عقود متكررة.
نعم لو كانت له عدة نخلات في عدة مواضع، جاز بيعها عرايا من رجل
واحد أو رجال في عقود متكررة.
3463. السابع والعشرون: لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها،
ونمنع اشتقاقها من الإعراء، وهو أن يجعل الرجل لغيره ثمرة نخلة عامها

1. في لسان العرب: الآس: شجرة ورقها عطر. مادة (أوس).
2. النهاية: 416.
3. المبسوط: 2 / 117.
4. النهاية: 416.
5. العرية بفتح العين وكسر الراء، وتشديد الياء.
400

ذلك (1) بل سميت عرية لتعريها من غيرها وإفرادها بالبيع.
3464. الثامن والعشرون: إنما يجوز بيع العرية بخرصها تمرا لا أزيد ولا
أنقص، ويجب كون التمر الذي يشتري به معلوما بالكيل، ولا يجوز جزافا، وهل
يجوز بخرصها رطبا؟ فيه نظر، ويشترط مساواة الثمرة وقت صيرورتها تمرا
للتمر المدفوع ثمنا.
3465. التاسع والعشرون: يشترط في بيع العرايا البيع بالنقد لا النسيئة، وهل
يشترط التقابض في المجلس؟ قال الشيخ: نعم (2) ومنعه ابن إدريس. (3) والقبض
في التمر، النقل، وفي الثمرة، التخلية.
ولا يشترط حضور التمر (4) عند التخلية، فلو تبايعا وعرفا الثمرة والتمر، (5)
ثم مضيا إلى النخلة، فسلمها إلى المشتري ثم مضيا إلى التمر، فسلمه إلى
صاحبه جاز.
3466. الثلاثون: يجوز بيع العرية للمحتاج إلى أكلها رطبا ولغيره، سواء (6) كان
معه ثمن غير التمر أو لم يكن، وسواء باعها لواهبها تحرزا من دخول صاحب
العرية حائطه أو لغيره، ولو تركها المشتري حتى صارت تمرا لم يبطل البيع،
سواء تركه مع الحاجة أو عدمها، وسواء كان الترك لعذر أو لغيره.
3467. الواحد والثلاثون: لا يجوز بيع العرية في غير النخل، مثل العنب وسائر
الفواكه.

1. نقله ابن قدامة عن أبي عبيد. المغني: 4 / 155.
2. المبسوط: 2 / 119.
3. السرائر: 2 / 369.
4. في «ب»: حضور الثمن.
5. في «ب»: وعرفا الثمرة والثمن.
6. في «ب»: وسواء.
401

3468. الثاني والثلاثون: لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه
الصبرة من جنسها سواء بسواء، لم يصح إلا أن يعلم المقدار وقت العقد، سواء
تساويا عند الاعتبار أو لا، وكذا لو كانت الأخرى من غير الجنس.
3469. الثالث والثلاثون: يجوز لأحد الشريكين أن يتقبل حصة شريكه من
الثمرة بشئ معلوم منها، والظاهر أن ذلك ليس على وجه البيع، للنهي عنه، بل
يحمل على الصلح.
3470. الرابع والثلاثون: إذا كانت لاثنين نخلتان عليهما ثمرة، فخرصاهما
تمرا، وباعا ثمرة إحداهما بثمرة الأخرى، فإن كانتا عريتين صح بيعهما، وإن لم
يكونا عريتين لم يجز.
3471. الخامس والثلاثون: لو قال: أنا أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا،
فما زاد فلي، وما نقص فعلي إتمامها، لم يجز إجماعا، وكذا لو قال: عد قثاءك أو
بطيخك، فإن زاد على مائة فلي، وما نقص فعلي، أو اطحن حنطتك، فما زاد
على كذا فلي، وما نقص فعلي.
402

المقصد التاسع: في بيع الحيوان
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: فيمن يصح بيعه
وفيه سبعة مباحث:
3472. الأول: كل حيوان مملوك، يجوز بيعه وشراؤه جميعه وأبعاضه المشاعة
المعلومة النسبة، ولو استثني الرأس أو الجلد، فإن لم يكن الحيوان مأكولا، لم
يصح البيع، وإن كان مأكولا، قال ابن إدريس: يجوز ذلك، ويكون له الرأس
والجلد (1) ونقله عن السيد المرتضى (2)، وقال الشيخ: يكون شريكا للمبتاع
بمقدار الرأس والجلد (3)، وكذا لو اشترك اثنان فما زاد في شراء حيوان، أو شرط
أحدهم لنفسه الرأس والجلد، ولو استثني شحم الحيوان، ففي الصحة إشكال.
ولا بأس باستثناء الحمل الموجود لا المعدوم، واستثناء خدمة العبد مدة

1. السرائر: 2 / 355.
2. الانتصار: 440، المسألة 252.
3. النهاية: 413; والخلاف: 3 / 92، المسألة 149 من كتاب البيوع; والمبسوط: 2 / 116.
403

من الزمان، وركوب الدابة مسافة معلومة أو أياما معلومة.
3473. الثاني: الكفر الأصلي سبب لاسترقاق المحارب وذراريه، ويسري
الرق في عقبه، وإن زال الكفر، ولقيط دار الحرب مملوك بخلاف دار الإسلام.
ولو بلغ الملتقط في دار الإسلام، فأقر بالعبودية، حكم عليه. وقال ابن
إدريس: لا يحكم عليه بالرق (1) وليس بمعتمد.
3474. الثالث: كل أحد يصح الرجل أن يملكه عدا أحد عشر: الآباء،
والأمهات، والأجداد، والجدات، وإن علوا، والأولاد، وأولادهم، ذكورا وإناثا، وإن
نزلوا، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
وبالجملة النسب ضربان: ذكور وإناث، فالذكور يملكون عدا العمودين
وهما الأبوان وإن علوا، والأولاد، وإن نزلوا، كالابن، وابن الابن، وابن البنت،
وهكذا، ويملك من عدا هؤلاء من العم، والخال، والأخ، وغيرهم. والإناث يصح
إن يملكن عدا المحرمات عليه في النكاح تحريما مؤبدا بالنسب، ومن عداهن
يجوز تملكها، كبنت العم، وبنت الخال، ومعنى عدم تملك هؤلاء، انتفاء
استقراره لا انتفاء ابتدائه، فلو ملك إحدى هؤلاء (2) عتق عليه في الحال. وكذا
المرأة يصح أن تملك كل أحد عدا الآباء، وإن علوا، والأولاد، وإن نزلوا.
3475. الرابع: لو ملك (3) الرجل أو المرأة أحد أقاربه من الرضاع، الذين
لو كانوا نسبا عتقوا، قال الشيخ: ينعتق كالنسب (4) ومنعه ابن إدريس (5) ونقله

1. السرائر: 2 / 354.
2. في «ب»: بإحدى هؤلاء.
3. في «ب»: لو تملك.
4. النهاية: 409; والخلاف: 6 / 367، المسألة 5 من كتاب العتق.
5. السرائر: 2 / 343.
404

عن المفيد (1) والوجه ما قاله الشيخ (رحمه الله).
3476. الخامس: لو ملك كل من الزوجين صاحبه صح لكن يبطل النكاح.
3477. السادس: الكافر لا يصح أن يملك المسلم ابتداء، ولو كان له مملوك
كافر، فأسلم المملوك، أجبر على بيعه من المسلم وأخذ ثمنه مولاه.
3478. السابع: كل من أقر على نفسه بالعبودية، حكم عليه بها، مع شرائط
الإقرار، وعدم شهرته بالحرية ولا يقبل رجوعه، سواء كان إقراره لكافر أو مسلم،
ولو أقر المشهور بالحرية، لم يحكم عليه بالرق، ولو اشترى عبدا فادعى الحرية،
لم يقبل إلا بالبينة.
الفصل الثاني: في أحكام الابتياع
وفيه خمسة عشر بحثا:
3479. الأول: إذا اشترى حيوانا، آدميا كان أو غيره، ولم يسقط الخيار، ثبت له
الخيار خاصة ثلاثة أيام، فإن حدث فيه عيب بعد العقد وقبل القبض، تخير
المشتري بين الرد والأرش، ولو تلف كان من البائع، ولو قبضه، ثم تلف أو
حدث فيه عيب في الثلاثة، كان من مال البائع أيضا، ما لم يحدث فيه المشتري
حدثا، ولو حدث فيه عيب عند المشتري من غير جهته، لم يسقط حقه من الرد

1. المقنعة: 544 - 545 و 599.
405

بأصل الخيار، وفي الأرش مع الإمساك نظر، ولو حدث العيب بعد انقضاء الثلاثة
بطل الرد بالخيار وبالعيب السابق.
3480. الثاني: يصح بيع الحامل منفردة عن الحمل ومنضمة إليه، فإن أطلق، لم
يدخل الحمل، ولو اشترطه المشتري، صح، فلو سقط قبل القبض، رجع
المشتري بحصة الولد من الثمن، بأن تقوم الأم حاملا ومجهضا ويرجع بنسبة
التفاوت من الثمن.
3481. الثالث: لو قال لغيره: اشتر حيوانا بشركتي، صح البيع لهما، والثمن
عليهما، فإن أذن له في أداء نصيبه عنه جاز ويرجع عليه، ولو تبرع، لم يرجع، ولو
تلف المبيع كان بينهما، وللمأمور الرجوع على الآمر بما نقد عنه.
3482. الرابع: إذا اشترى عبدا ذا مال، كان ماله لبائعه، إلا أن يشترطه
المشتري، سواء علم به أو لا، وللشيخ تفصيل ضعيف (1) ولو اشتراه مع ماله وكان
ربويا اشترط المخالفة في الجنس أو زيادة الثمن أو انضمام غير جنسه إليه
وان قل.
3483. الخامس: لو قال: اشتر حيوانا بشركتي، وشرط أن الربح له ولا خسران
عليه. قال الشيخ (رحمه الله) يجوز ذلك، (2) ومنعه ابن إدريس 3، وهو قوي.
3484. السادس: لو أراد أحد الشريكين الرد بالعيب، والآخر الأرش، للشيخ

1. قال الشيخ في المبسوط: «وروى أنه إن علم أن له مالا كان للمشتري، وإن لم يعلم كان للسيد.
المبسوط: 2 / 137 كتاب البيوع، وله في الخلاف: 3 / 124 تفصيل آخر فلاحظ.
2. النهاية: 411.
3. السرائر: 2 / 339.
406

قولان ففي الخلاف تسويغه (1) واختاره ابن إدريس (2) ومنع في غيره (3).
3485. السابع: يجوز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها إذا أراد شراءها، ولو
لم يرد [شراءها] لم يجز.
3486. الثامن: يستحب لمن اشترى مملوكا أن يغير اسمه، وأن يطعمه شيئا
من الحلاوة، وأن يتصدق عنه بشئ، ويكره أن يريه ثمنه في الميزان، فإنه لا
يصلح، وأن يطأ من ولدت من الزنا بالعقد والملك.
3487. التاسع: العبد لا يملك شيئا، سواء ملكه مولاه، أو لا، وقيل: يملك
فاضل الضريبة وأرش الجناية وما يملكه مولاه، وليس بمعتمد، فلو باعه وماله
كان الحكم ما تقدم، فلو رد العبد للعيب رد المال أيضا، فلو تلف ماله ثم أراد
رده، كان بمنزلة العيب المتجدد عند المشتري.
3488. العاشر: من اشترى جارية حرم عليه وطؤها قبلا وغيره وتقبيلها
ولمسها بشهوة، حتى يستبرئها بحيضة أو خمسة وأربعين يوما، إن كان مثلها
تحيض ولم تحض.
ويجب على البائع استبراؤها قبل بيعها بما قلناه، إن كان قد وطئها، ومع
استبراء البائع يسقط وجوب استبراء المشتري، وكذا يسقط لو أخبر الثقة
باستبرائها، خلافا لابن إدريس (4) أو كانت لامرأة، أو كانت صغيرة ليست في سن
من تحيض، أو كانت يائسة أو حاملا أو حائضا.

1. الخلاف: 3 / 333، المسألة 10 من كتاب الشركة; والمبسوط: 2 / 351 - كتاب الشركة -.
2. السرائر: 2 / 345.
3. النهاية: 409.
4. السرائر: 2 / 346.
407

3489. الحادي عشر: قال الشيخ: لو ملك الجارية بهبة، أو إرث، أو استغنام، لم
يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء (1) ومنع ابن إدريس ذلك، واقتصر بوجوب
الاستبراء على عقد البيع (2).
3490. الثاني عشر: لا يجوز وطء الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة
أيام، ويكره بعده حتى تضع، ولو وطئها استحب أن يعزل عنها، فإن لم يفعل كره
له بيع ولدها، وليس بمحرم، ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا.
3491. الثالث عشر: لو قال: بع عبدك من فلان على أن علي خمسمائة، لم
يصح بيعه بهذا الشرط، لأن الثمن يجب على المشتري أجمع، فإذا شرط بعضه
على غيره، ملك الثمن والمثمن، وقال في المبسوط: يصح، لقوله (عليه السلام): المؤمنون
عند شروطهم. (3) وفيه قوة، بخلاف ما لو قال: طلق زوجتك وعلي خمسمائة، أو
أعتق عبدك وعلي خمسمائة، لأنه عوض في مقابلته (4) فك، ولو قاله على جهة
الضمان، جاز في الجميع.
3492. الرابع عشر: توضع الجارية زمان الاستبراء عند المشتري، سواء كانت
حسنة أو قبيحة، ولا يلزمه وضعها عند غيره، فإن جعل ذلك عند من يثق به، كان
جائزا، ولو باعها بشرط المواضعة صح، وكذا لو أطلق ثم اتفقا على المواضعة.
ولو هلكت أو غابت، فمن ضمان المشتري، إن كان قبضها، وإلا فمن

1. الخلاف: 5 / 82، المسألة 41 من كتاب العدة.
2. السرائر: 2 / 346.
3. المبسوط: 2 / 148. والحديث نقله الشيخ في التهذيب: 7 / 371 برقم 1503، ولاحظ
الوسائل: 15 / 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
4. في «ب»: في مقابلة فك.
408

البائع، والنفقة في مدة الاستبراء على البائع مع المواضعة.
3493. الخامس عشر: يكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا عنهن
ببلوغ سبع سنين، وقيل: بلوغ مدة الرضاع، وقيل: تحرم التفرقة (1) والأقرب
الأول، والوجه عدم كراهية التفريق بين الولد والأب، أو بين غيره من ذوي
الأرحام وبينه، سواء قرب أو بعد، ذكرا كان أو أنثى، ولو فرق بين الأم والولد قبل
السبع، صح البيع.
الفصل الثالث: في مباحث من هذا الباب
وهي اثنا عشر بحثا:
3494. الأول: إذا أولد جارية، ثم ظهر أنها لغير البائع، انتزعها المالك، وعلى
الواطئ عشر قيمتها، إن كانت بكرا، ونصف العشر إن كانت ثيبا. وقال ابن
إدريس: مهر أمثالها 2 وينعتق الولد حرا، وعلى الأب قيمته يوم ولد وأجرة مثلها
مدة بقائها في يده، ويرجع على البائع بما اغترمه على أنه له بعوض، وهو ثمن
الرقبة، أو على أنه له بغير عوض، ولم يحصل في مقابلته نفع، وهو قيمة الولد.
وهل يرجع بما دخل على أنه بغير عوض، وحصل له في مقابلته نفع،
وهو مهر المثل في مقابلة الاستمتاع، أو العشر أو نصفه عند آخرين؟ قيل: نعم،
لأن البائع أباحه بغير عوض، وقيل: لا، لمحصول عوض في مقابلته، وفيه قوة.

1. لاحظ الأقوال في المختلف: 5 / 247 - 248.
2. السرائر: 2 / 347.
409

3495. الثاني: لا يجوز بيع أمهات الأولاد مع وجود أولادهن، إلا في ثمن
رقبتهن مع عدم غيرهن، ولو مات السيد، وخلف أم ولد، وولدها وأولادا،
جعلت في نصيب ولدها، وتعتق في الحال، وإن لم يخلف سواها، انعتقت
بنصيب ولدها، واستسعت في نصيب باقي الورثة.
3496. الثالث: يجوز شراء ما يسبيه الظالمون مع استحقاقهم للسبي، ووطئه،
وإن كانت للإمام، وكذا كل ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملكه
في حال الغيبة.
3497. الرابع: يجوز شراء أمة الطفل من وليه، ويباح وطؤها من غير كراهية،
وكذا يجوز شراء المماليك من الكفار إذا أقروا لهم بالعبودية، أو قامت لهم البينة
بذلك، أو كانت أيديهم عليهم.
3498. الخامس: إذا اشترى من غيره عبدا، فدفع البائع اثنين، ليختار منهما،
فأبق أحدهما من المشتري. قال الشيخ: يرد الباقي، ويسترجع نصف الثمن
المدفوع، ويطلب الآبق، فإن وجده، اختار (حينئذ أيهما شاء) (1) ورد النصف، وإن
لم يجده كان العبد بينهما (2) وهي رواية السكوني عن الصادق (3) والطريق
ضعيف (4)، والوجه أن البيع إن وقع على عبد من عبدين بطل، وضمن المشتري
الآبق بقيمته، وإن وقع على موصوف في الذمة، صح البيع، وضمن التالف بالقيمة
وله المطالبة بالعبد الثابت في الذمة.

1. ما بين القوسين موجود في المصدر.
2. النهاية: 411.
3. لاحظ التهذيب: 7 / 82 برقم 354، باب ابتياع الحيوان.
4. رواه إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني.
410

3499. السادس: الجارية المشتركة إذا وطئها أحدهم درئ عنه الحد مع
الاشتباه، وإلا فبقدر نصيبه، وتقوم الأمة ويلزمها إن كانت أكثر من ثمنها الذي
اشتريت به، وإلا فبالثمن، قاله الشيخ (1) والوجه إلزامه بأرش البكارة بعد إسقاط
نصيبه منه خاصة، إلا أن يحبلها، فيغرم ثمنها يوم الجناية، وثمن ولدها يوم
سقوطه حيا بعد إسقاط نصيبه منها.
3500. السابع: المملوكان إذا كانا مأذونين في التجارة، فاشترى كل منهما
صاحبه، كان العقد للسابق، فإن اتفقا معا، قال في النهاية: يقرع بينهما فمن خرج
اسمه، كان البيع له، ويكون الآخر مملوكه وقد روي أنه إذا اتفق أن يكون العقدان
في حالة واحدة كانا باطلين. والأحوط ما قدمناه (2) وابن إدريس أفتى بهذه
الرواية (3) وهي رواية أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام): (4).
والوجه عندي صحة البيعين معا إن كانا وكيلين، إذ كل منهما مملوك
لمولى الآخر، أما لو قلنا: إن الموليين ملكاهما شيئا، فاشترى كل منهما صاحبه به
لنفسه، وقلنا: إن العبد يملك، فالوجه البطلان.
وفتوى الشيخ في النهاية، يعطي الحمل على ذلك بقوله «وكان الآخر
مملوكه» (5) وكذا إن اشتريا بالإذن.
3501. الثامن: إذا قال مملوك إنسان لغيره: اشترني ولك علي كذا، قال الشيخ:
إن كان للمملوك مال حال القول، لزمه دفع ما شرطه وإلا فلا (6) وهو بناء على

1. النهاية: 411 - 412.
2. النهاية: 412.
3. السرائر: 2 / 352.
4. التهذيب: 7 / 72 برقم 310; والاستبصار: 3 / 82 برقم 279.
5. النهاية: 412.
6. النهاية: 412.
411

قاعدته من أن العبد قد يملك فاضل الضريبة، وأرش الجناية، وما يملكه مولاه.
3502. التاسع: لو ولدت جاريته من زنا، جاز بيع الولد، وتملكه، والحج
بثمنه، والصدقة به، وإنفاقه، ولو كانت أنثى، جاز له وطؤها على كراهية، وينبغي
له العزل، ومنع ابن إدريس من وطئها بناء على كفرها (1) وليس بشئ.
3503. العاشر: إذا دفع إلى النخاس (2) ثلاث جوار للبيع، وشرط له نصف
الربح، فباع اثنتين، وأحبل المالك الثالثة، قال الشيخ: لزمه دفع ما شرط فيما باع
خاصة، (3) والأقرب دفع أجرة المثل.
3504. الحادي عشر: لو اشترى جارية سرقت من أرض الصلح، ردها على
البائع أو ورثته، واسترجع الثمن، ولو لم يخلف وارثا استسعيت في ثمنها. قاله
الشيخ (4). والوجه دفعها إلى الحاكم، ليجتهد على ردها على من سرقت منه.
3505. الثاني عشر: لو أعطى مملوك غيره المأذون في التجارة مالا ليعتق عنه
نسمة ويحج عن صاحبه، ثم اختلف مولى المملوك وورثة الآمر ومولى الأب
فادعى كل منهم شراء الأب بماله، قال الشيخ (رحمه الله) يرد المعتق على مولاه الذي كان
عنده، يكون رقا كما كان، ثم أي الفريقين أقام البينة أنه اشترى بماله سلم إليه،
وإن كان المعتق قد حج لم يكن إلى رد الحجة سبيل قاله الشيخ (رحمه الله) (5) والوجه أن
القول قول سيد المأذون، والعبد المبتاع لسيد المأذون، وعتقه باطل.

1. السرائر: 2 / 353.
2. النخاس بالتشديد: هو دلال الدواب والرقيق. مجمع البحرين.
3. النهاية: 413 - 414.
4. النهاية: 414.
5. النهاية: 414.
412

المقصد العاشر: في السلم (1)
وفيه مقدمة وفصول:
أما المقدمة
ففي ماهيته وشروطه
السلم والسلف شئ واحد، يقال: «أسلم» و «أسلف» و «سلف»، ولا
يستعمل الفقهاء «سلم» وان كان جائزا.
وهو بيع عوض موصوف في الذمة إلى أجل معلوم بثمن حاضر، وهي
نوع من البيع، ينعقد بما ينعقد به البيع، وبلفظ السلم والسلف، ويتحقق فيه
شروط البيع، وفي جواز انعقاد البيع بلفظ السلم إشكال، وإن جاز العكس قطعا
وهو جائز بلا خلاف.

1. السلم والسلف: هو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال عكس النسيئة، ويقال للمشتري «المسلم»
بكسر اللام، وللثمن «المسلم» بفتحها، وللبائع «المسلم إليه» وللمبيع «المسلم فيه» ومن
خواصه ان كل واحد من البائع والمشتري صالح لأن يصدر منه الإيجاب والقبول من الآخر.
لاحظ وسيلة النجاة: 1 / 422، تأليف الفقيه السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره).
أقول: وسمي سلما لتسليم رأس المال فيه، ويسمى سلفا لتقديم رأس المال فيه. لاحظ
التاج الجامع للأصول: 2 / 215.
413

وشروط السلف ستة: ذكر الجنس، والوصف، والأجل وقبض الثمن قبل
التفرق، وتقدير المسلم فيه بالكيل أو الوزن، ووجوده غالبا وقت حلوله.
الفصل الأول: الوصف والجنس
وفيه اثنان وعشرون بحثا:
3506. الأول: يجوز إسلاف الأعراض (1) فيها إذا اختلفا، وفي الأثمان
وبالعكس، ولا يجوز إسلاف الأثمان في مثلها وإن اختلفا.
3507. الثاني: لو أخل بذكر الجنس، بطل السلم، ونعني بالجنس اللفظ الدال
على الحقيقة، كالحنطة مثلا أو الأرز أو العبد، ولو ذكر الجنس، وأخل بالوصف،
أعني اللقط المميز، بطل.
3508. الثالث: يجب كون المسلم فيه مما ينضبط بالصفات التي يختلف
الثمن باختلافها، بحيث لا يتغابن الناس بمثله في السلم، فيصح السلم في
الحبوب، والحيوان، والثمار، والرقيق، والخضرة، والرمان، وباقي الفواكه، وما
تنبته الأرض، والبيض، والكاغذ، والجوز، واللوز، والألبان، والسمون، والشحوم،
والأطياب، والثياب، والأشربة، والأدوية البسيطة والمركبة، إذا عرف مقدار

1. العرض: المتاع، وكل شئ سوى الدراهم والدنانير - يقال: اخذت في هذه السلعة عرضا:
أعطيت في مقابلها سلعة أخرى. وجمعه: عرض وعراض وأعراض. المعجم الوسيط:
2 / 594.
414

بسائطها، والحديد، والرصاص، والصفر، والنحاس، والطعام، وجميع الحيوان.
ولا يصح فيما لا يضبط وصفه، كالآلي، والجواهر التي يتحلى بها،
كالياقوت، والزبرجد، والعقيق، والفيروزج، واللحم طريه ومشويه، والخبز،
والجلود، والنبل المعمول، والعقار، والأرض، والقسي المعمولة.
وقال الشيخ: لا يجوز السلف في القز، ويجوز في قز قد خرج منه الدود (1).
3509. الرابع: المركبات [وهي على أقسام أربعة] (2):
1 - إن تميزت أجزاؤها، وهي مقصودة، كالثياب المنسوجة من قطن
وكتان، يصح السلم فيها.
2 - ما يركب من مقصود وغيره لمصلحة المقصود، كالإنفحة في الجبن،
والملح في الخبز، والماء في الخل، يصح فيه أيضا.
3 - أجزاؤه مقصودة غير متميزة، كالغالية والمعاجين، يصح السلم فيها، إن
علمت مقاديرها، وإلا فلا.
4 - بغير مقصود ولا مصلحة فيه، كالماء المشوب في اللبن، لا يصح فيه
لعدم ضبطه.
3510. الخامس: يصح السلم فيما مسته النار إذا أمكن ضبطه بالوصف، وفي

1. المبسوط: 2 / 182، كتاب السلم.
2. أضيف ما بين المعقوفتين لأجل إيضاح المطلب، كما عليه التذكرة قال: المختلطات على أقسام
أربعة. تذكرة الفقهاء: 1 / 524 - الطبعة الحجرية - وقد وضعنا الأرقام الرياضية مكان الأول
والثاني و... لأجل عدم الاختلاط بسائر الأرقام.
415

الخبز إشكال، أقربه العدم، لتعذر ضبطه بالوصف، وجواز إقراضه للعادة دفعا
للضرورة، لا يستلزم جواز السلف.
3511. السادس: النبل المعمول والنشاب، لا يجوز السلم فيهما، ويجوز في
عيدانهما (1) قبل نحتها.
3512. السابع: لا يجوز السلف في الرؤوس والأطراف، وكذا لا يجوز في
الجلود، لتفاوتها، فالورك ثخين قوي، والصدر ثخين رخو، والبطن رقيق
ضعيف، فلا يمكن ضبطه، قال الشيخ: يجوز إذا عين الغنم وشوهد الجلود (2) وهو
ليس بسلم في الحقيقة.
3513. الثامن: قد بينا أن شرط صحته، ذكر الوصف، والإجماع واقع على ذكر
الجودة والرداءة، ويجب ذكر ما عداه بعد ذكر الجنس والنوع، مما يختلف
الثمن باختلافه.
ويجب في الوصف المميز أن يؤتى فيه بلفظ يعرفه غير المتعاقدين، ولا
يكفي الجنس والنوع والجودة، ولا يجوز أن يستقصى في الأوصاف بحيث يندر
وجود المسلم فيه، وكذا لا يصح اشتراط الأجود بخلاف الجودة، ولو شرط
الأردى، فالأقرب جوازه، لعدم العجز عن تسليم ما يجب قبوله، ويترك كل
وصف مذكور على أقل الدرجات.
ولو أسلف في ثوب على صفة خرقة أحضراها، لم يجز لإمكان تلفها،
فيحصل جهالة الوصف.

1. في مجمع البحرين: العود من الخشب واحد العيدان والأعواد.
2. النهاية: 397.
416

3514. التاسع: لو أسلم في جارية وولدها جاز، وكذا جارية وأختها أو عمتها
أو خالتها، وفي جارية حبلى أو شاة كذلك، وعندي في ذلك كله إشكال، أما لو
أسلف في جارية معها ولد أو شاة كذلك، جاز قطعا.
3515. العاشر: لا يجوز السلم في الحطب حزما (1) ولا في الماء قربا وروايا،
ويجوز إذا عين صنف الماء وقدره بالوزن.
3516. الحادي عشر: يجب في كل سلم ذكر أمرين: الجنس، والجودة أو
الرداءة، ويختص كل جنس بعد ذلك بصفات تميزه، (2) فيذكر في التمر بعدهما
النوع من برني أو معقلي، والبلد من بصري أو كوفي، والقدر من كبار وصغار،
والزمان من الحديث والعتيق، واللون من الأسود والأحمر، ولو كان النوع واحد
اللون، اكتفى بالنوع عنه.
وإذا أطلق العتيق، أجزأ (3) ما يصدق عليه اسم العتيق، ما لم يكن مسوسا،
ولا حشفا، ولا متغيرا، ولو قال: عتيق عام أو عامين صح.
ويذكر في الرطب هذه الأوصاف إلا بالحديث والعتيق، ولا يأخذ من
الرطب إلا ما أرطب كله لا النصف (4)، ولا قديما قارب أن يتمر ولا المشدخ، وهو
ما لا يترطب فيشدخوه (5) وكذا البحث في العنب والفواكه.
3517. الثاني عشر: تشترط في البر مع الجنس والنوع، أوصاف أربعة: البلد،

1. في مجمع البحرين: حزمت الراية - من باب ضرب - شددتها بالحزام.
2. في «أ»: بصفات مميزة.
3. في «ب»: أجزأه.
4. في «أ»: لا المنصف.
5. الشدخ: الكسر في الشئ الأجوف. مجمع البحرين.
417

كالشامي والعراقي، وقدر الحب من الصغار والكبار، والحديث أو العتيق،
واللون، كالحمرة والصفرة والبياض، والأحوط أن يقال: حصاد عام أو عامين،
وليس شرطا، وإنما يأخذ المشتري مع شرط الجودة ما كان سليما من العيوب
مثل تسويس (1) أو ماء أصابها، أو عفونة، وإنما يأخذه مصفى قد أزيل عنه قشره،
وكذلك الحكم في الشعير وجميع القطنيات (2) من العدس والحمص وشبههما.
3518. الثالث عشر: يشترط في العسل البلد كالجبلي والبلدي، واللون،
كالبياض والصفرة، والزمان كالربيع والخريفي، وله المطالبة بعسل مصفى من
الشمع، ولو صفي بالنار لم يجبر على أخذه، لأنها تغير طعمه.
3519. الرابع عشر: يشترط في الحيوان كله ذكر النوع، والسن، والذكورة،
والأنوثة، واللون، ويرجع في السن إلى قول السيد إن كان صغيرا، ولو كان كبيرا
رجع إلى قول الغلام على إشكال، ومع الاشتباه يرجع إلى أهل الخبرة،
فيؤخذ بالتقريب.
ولا بد في الرقيق من النوع إن اختلف، كالزنجي منه، والنوبي وغيره.
ولا بد من ذكر القد كالسداسي والخماسي يعني ستة أشبار أو خمسة، ولا
يشترط وصف آحاد الأعضاء، لأنه يقضي اجتماعها إلى عزة الوجود (3) فيؤدي
إلى عسرة التسليم 4.

1. في مجمع البحرين: السوس: دود يقع في الصوف والطعام، ومنه قولهم «حنطة مسوسة».
2. قال ابن إدريس: القطنية بكسر القاف، وسكون الطاء غير المعجمة، وكسر النون، وسميت
قطنية، لأنها تقطن في البيوت، وهي العدس والحمص وأمثال ذلك. السرائر: 2 / 313 - 314.
3. في «أ»: إلى عسرة الوجود.
4. في «ب»: إلى عسر التسليم.
418

ولا يحتاج في الجارية إلى ذكر السبوطة والجعودة، ولو شرطه لزم، وفي
اشتراط ذكر البكارة والثيوبة إشكال، نعم لو ذكرهما لزم، ولا يجب ذكر جميع
الشكل، مثل مقرون الحواجب، أدعج العينين، فإن ذكر لزم.
قال الشيخ: لا يجوز أن يسلف في خنثى، لأنه ربما لا يتفق، ولا في جارية
معها ولدها، ولو اشترط في العبد أن يكون خبازا أو في الجارية أن تكون
ماشطة، صح ما يقع عليه الاسم، وكذا منع من جارية حبلى (1).
3520. الخامس عشر: إذا أسلم في الإبل، وجب ذكر السن مثل بنت لبون، أو
حقة، والذكورة والأنوثة، والجيد، والردئ، واللون الأحمر والأسود، والنتاج،
وهو كونها من نتاج بني فلان، والنوع مثل بختية أو عربية. ويستحب ذكر بريء
من العيوب، وكذا أوصاف الخيل كأوصاف الإبل.
وأما البغال والحمير، فلا نتاج لهما، فيجعل بدل ذلك نسبتهما إلى بلدهما،
والبقر والغنم، كالإبل إن كان لهما نتاج، وإلا فكالبغال.
ويذكر في الخيل، والبقر، والغنم، النوع، فيقول: عربية أو هجين أو برذونة،
وضأن أو ماعز، ولا يجب التعرض في الحيوان كله للشيات (2) كالأغر والمحجل.
3521. السادس عشر: يذكر في السمك النوع كالشبوط، (3)، والبياح، والكبير،

1. المبسوط: 2 / 176.
2. الشيات جمع الشية. وفي لسان العرب: الشية: سواد في بياض أو بياض في سواد، وعن
الجوهري: الشية كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، وأصله من الوشي، والهاء عوض
من الواو الذاهبة من أوله، كالزنة والوزن. لسان العرب مادة (وشي).
3. الشبوط - كتنور -: ضرب من السمك دقيق الذنب، عريض الوسط، لين المس، صغير الرأس.
مجمع البحرين.
419

والصغير، والسمن، والهزل، والطري والمالح.
3522. السابع عشر: لا بد في السمن من النوع. بأن يقول: من ضأن، أو ماعز،
أو بقر، واللون، من الصفرة والبياض، وإطلاقه يقتضي الحديث، فلا يحتاج إلى
شرط، ويصف الزبد بذلك، ويذكر زبد يومه أو أمسه، ولا يلزمه أخذ الرقيق
منهما إلا للحر (1).
ويذكر في اللبن المرعى والنوع، ولا يجب ذكر اليوم، لأن إطلاقه يقتضي
لبن يومه، والوجه أنه يصح في اللبن المخيض مع ضبطه.
ويذكر في الجبن النوع، والمرعى، والرطوبة، واليبوسة، وكونه حديثا، أو
عتيقا، ويصف اللباء بصفات اللبن، ويزيد اللون، والطبخ، أو عدمه.
3523. الثامن عشر: يحتاج في الثوب إلى أوصاف ستة: النوع من قطن، أو
كتان، والبلد، والطول والعرض، والصفاقة (2) والرقاقة، والغلظة والدقة، والنعومة
والخشونة (3)، ولو ذكر الوزن لم يجز، ولا يحتاج إلى الخام والمقصور، بل
ينصرف الإطلاق إلى الأول، وان ذكر المقصور لزم، ولو ذكر مغسولا أو ملبوسا
لم يجز، ولو قال مصبوغا جاز، إن كان مما يصبغ غزله، وإن كان مما يصبغ بعد
نسجه، قيل: لم يجز، لعدم الوقوف على النعومة والخشونة (4) ولو اختلف
الغزول، كالقطن والإبريسم صح إن علم قدر كل واحد، بأن يقول: السدى (5)

1. أي إلا إذا كانت رقته لحرارة الهواء.
2. في معجم الوسيط 1 / 517: صفق الثوب صفاقة: كثف نسجه.
3. في «ب»: والغلظ أو الدقة والنعومة أو الخشونة.
4. لاحظ المبسوط: 2 / 177 - 178.
5. في مجمع البحرين: السدى من الثوب - كحصى -: خلاف اللحمة، وهو مما يمد طويلا في النسج.
420

الإبريسم، واللحمة القطن، أو بالعكس، وإلا فلا، ولا يشترط غزل امرأة بعينها.
ولا نساجة رجل معين.
3524. التاسع عشر: يحتاج في غزل القطن والكتان إلى ذكر البلد، واللون،
والغلظ والدقة، والنعومة والخشونة، ولو أسلف في القطن لم يحتج إلى
الغلظ والدقة.
وفي الصوف البلد، واللون، والطول والقصر، والزمان، من الخريفي
والربيعي، والأقرب عدم اشتراط الذكورة والأنوثة، فإن شرط الأنوثة لزم، ويجب
تسليمه نقيا من البعر (1) وغيره، ويذكر فيه الجنس (2). والشعر والوبر كالصوف.
ويضبط الكاغذ بالطول والعرض، والغلظ، واستواء الصنعة، وما يختلف
الثمن معه، والرصاص، والنحاس، والحديد، بالنوع، والنعومة والخشونة،
واللون، إن كان يختلف، ويزيد في الحديد الذكر والأنثى، فإن الذكر
أحد وأمضى.
ويضبط أقداح الخشب بالنوع، والقدر، والثخن أو الرقة، والسيف بنوع
حديده، وطوله وعرضه، ورقته وغلظه، وبلده، وقدمه أو حدوثه، ويصف
القبضة والجفن.
3525. العشرون: يذكر في الخشب للبناء النوع واليبس أو الرطوبة، والطول،
والثخن، فيدفع ما هو بذلك العرض المشترط، والثخن 3 من طرفه إلى طرفه، أو

1. البعر - بالفتح والسكون - وهو من البعير والغنم بمنزلة العذرة من الإنسان. مجمع البحرين.
2. في «أ»: ويذكر منه الجنس.
3. في «ب»: والشجر.
421

يكون أحد طرفيه أغلظ من المشترط، وله [سمح] (1) خال من العقد وللوقود،
الغلظ، واليبس، والرطوبة والوزن.
ويذكر في الحجارة للبناء، النوع واللون والقدر والوزن، وللأرحية الدور،
والثخن، والبلد، والنوع، وللآنية النوع واللون والقدر، ويصف الآجر واللبن
بموضع التربة، واللون، والقدر، والثخانة.
وفي الجص، والنورة، اللون والوزن، ولا يقبل ما أصابه الماء فجف، ولا ما
يقادم عهده، والتراب يضبط بمثل ذلك، ويقبل الطين الذي قد جف إن لم يذهب
بعض منافعه به.
وفي العنبر، اللون والبلد، وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز، وإن لم يشترط
فله أن يعطيه صغارا أو كبارا، ويضبط الهندي منه ببلده، وبالجملة يضبط كل
جنس مما يجوز السلف فيه بما يختلف به.
3526. الواحد والعشرون: لو أسلم في شاة لبون صح، وإن كان شرطا في النوع
لا سلما في اللبن، ولا يلزمه تسليم اللبن في الضرع، بل له حلبها وتسليم الشاة
من غير لبن.
3527. الثاني والعشرون: يذكر في الأواني الجنس إما من حديد أو صفر،
والنوع، كالإبريق، والقمقمة، والسطل، وغيرها، والقدر، والطول، والسمك،
والسعة، وكونه مضروبا أو مفرغا، والأحوط ذكر الوزن، قال الشيخ: لو لم
يذكر جاز (2).

1. ما بين المعقوفتين موجود في المغني لابن قدامة: 4 / 323، يقال: - كما في المعجم الوسيط:
1 / 447: سمح العود: استوى وتجرد من العقد وفي لسان العرب: عود سمح بين السماحة
والسموحة: لا عقدة فيه.
2. المبسوط: 2 / 178 - كتاب السلم -.
422

الفصل الثاني: في الكيل والوزن
وفيه ستة مباحث:
3528. الأول: كل مكيل أو موزون أو معدود لا يجوز بيعه جزافا سلما وحالا،
ويجب أن يقدره بمكيال أو أرطال معلومة عند الناس، فإن قدره بإناء معين
وصنجة (1) معينة غير معلومة المقدار لم يصح، وإن كانت معلومة المقدار صح،
ولا يشترط الوزن ولا الكيل بتلك المعينة.
3529. الثاني: لو أسلم فيما يكال وزنا أو يوزن كيلا، فالأقرب الجواز،
والحبوب كلها مكيلة، وكذا التمر، والزبيب، والفستق، والبندق، والملح، ولا
يسلم في اللباء إلا وزنا، ويجوز الوزن والكيل في السمن، والزبد، واللبن، ولا
يجوز السلم في الجوز، والبيض، والرمان، والبطيخ، والبقول كلها إلا وزنا.
3530. الثالث: يجب تقدير المذروع بالذرع بلا خلاف، ولو كان المسلم فيه
يتعذر وزنه لثقله، وزن بالسفينة، فيوضع فيها، ثم يوضع رمل أو شبهه إلى أن
يساوي الأول في الغوص ويوزن الرمل، فيكون قدر ذلك.
3531. الرابع: كل ما ليس بمكيل ولا موزون ولا مذروع، إن كان معدودا لا
يتباين كثيرا، كالجوز، يجوز السلم فيه عددا، والمتباين كالرمان، لا يجوز بيعه
عددا بل وزنا، وكذا ما ليس بمعدود من البطيخ والبقول.

1. في مجمع البحرين: الصنجة: صنجة الميزان معرب.
423

3532. الخامس: لا يجوز السلم في القصب أطنانا، ولا في الحطب حزما، ولا
في المجزور جزرا (1).
3533. السادس: يجب كون الثمن مشاهدا أو موصوفا وصفا يرفع الجهالة،
ويكون معلوم المقدار، ولا تكفي مشاهدته مع جهالة مقداره.
الفصل الثالث: في قبض الثمن
وفيه: خمسة مباحث:
3534. الأول: قبض الثمن قبل التفرق شرط في صحة السلم، فلو تفرقا قبل
قبضه، بطل. سواء كان التأخير شرطا أو لم يكن.
3535. الثاني: لو قبض بعض الثمن ثم افترقا قبل قبض الباقي، صح السلم في
القدر المقابل للمقبوض خاصة، وبطل ما قابل غير المقبوض.
3536. الثالث: لو اشترط في السلم إقباض البعض وتأخير الباقي، بطل في
الجميع، ولو شرط تعجيل البعض وإندار (2) الباقي من دين للمشتري على البائع
لم أستبعد جوازه، وأبطل الشيخ ما قابل الدين (3)، وتابعه ابن إدريس في ذلك (4)،

1. جزر الشئ: قطعه.
2. أندر الشئ: أسقطه. يقال: أندر التاجر من حسابي كذا وكذا. المعجم الوسيط: 2 / 910.
3. المبسوط: 2 / 189; والخلاف: 3 / 210، المسألة 22 من كتاب السلم.
4. السرائر: 2 / 318.
424

وكذا لو شرط أن يكون الثمن بأجمعه من دين له عليه، فالوجه الكراهية، وقيل
بالمنع، لأنه بيع دين بمثله.
3537. الرابع: لو قبض الثمن فوجده رديا فرده، وكان الثمن معينا، بطل العقد،
ولو كان في الذمة، فله إبداله في المجلس. ولو تفرقا ثم علم بالعيب، فالأقرب
الإبطال مع الرد. ولو وجد بعضه رديا، فالحكم ما تقدم، لكن مع البطلان في
الردي لا يبطل في غيره.
ولو كان المعيب من غير جنس الثمن، بطل العقد، ولو كان من جنسه، جاز
له أخذ الأرش أو الرد.
3538. الخامس: لو خرج الثمن مستحقا، وهو معين، بطل العقد، ولو كان
مطلقا فله المطالبة ببدله في المجلس، ولو تفرقا قبله، بطل العقد، ولو خرج
بعضه مستحقا، بطل في المستحق خاصة.
الفصل الرابع: في تعيين الأجل
وفيه: عشرة مباحث:
3539. الأول: يشترط كون المسلم فيه دينا، فلا ينعقد في العين، لأن لفظ
السلم للدين، والوجه انعقاده فيه بيعا، بخلاف ما لو قال: بعت بلا ثمن، فإنه لا
ينعقد هبة. ولو أسلم بلفظ الشراء انعقد، والوجه انعقاده سلما، فيجب تسليم
رأس المال في المجلس.
425

ولا يشترط في المسلم فيه كونه مؤجلا، ويصح السلم الحال لكن يصرح
بالحلول، فإن أطلق، فالوجه البطلان، سواء ذكر الأجل قبل التفرق أو لا.
3540. الثاني: يجب كون الأجل معلوما مضبوطا لا تتطرق إليه الزيادة
والنقصان، كالسنة، والشهر، واليوم، ولا يجوز أن يكون مما يقبل التفاوت،
كالحصاد والجذاذ (1).
ولو شرط العطاء وأراد الفعل بطل (2) وإن أراد وقته، وهو معلوم، صح.
3541. الثالث: لا يجب كون مدة الأجل لها وقع في الثمن، كالشهر وما قاربه،
بل يجوز تقديره، ولو بنصف يوم. ولا يتقدر في الكثرة بحد، بل يجوز اشتراط
سنين كثيرة، وقال ابن الجنيد: لا أختار أن يبلغ بالمدة ثلاث سنين، لنهي
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع السنين (3) وما قلناه أولى.
3542. الرابع: إذا جعل الأجل إلى شهر كذا، تعلق بأوله، وهو آخر نهار الشهر
الذي قبله، ولو قال: إلى يوم كذا، حل بأول فجره، ولو كان يتناول شيئين
كجمادى وربيع ونفر الحجيج، تعلق بأولهما، ولو قال: إلى ثلاثة أشهر، كان إلى
انقضائها، ولو قال: إلى شهر، كان إلى آخره.
وينصرف إطلاق الأشهر إلى الهلالية، والشهر إما عدة بين هلالين أو

1. كذا في النسختين، وفي بعض الكتب «الجزاز» قال في مجمع البحرين: الجزاز كالجذاذ إلا ان
الجذاذ خاص في النخل، والجزاز فيه وفي الزرع والصوف والشعر.
2. قال في المبسوط: 2 / 172: ولا يجوز أيضا إلى عطاء السلطان إذ أراد به فعل السلطان للعطاء،
لأنه مجهول: وإن أراد وقت العطاء، فإن كان معلوما جاز وإن لم يكن له وقت معلوم لم يجز.
3. سنن أبي داود: 3 / 670 برقم 3374، سنن ابن ماجة: 2 / 747 برقم 2218.
426

ثلاثون يوما، ولو قال في أثناء الشهر: إلى ثلاثة، كملنا شهرين بالهلال وشهرا
بالعدد ثلاثين.
3543. الخامس: لو قال: محله شهر كذا، أو يوم كذا، حل بأوله.
3544. السادس: يصح السلم قطعا إذا كان الأجل معلوما بالأهلة، وهو أن يسلم
إلى وقت يعلم بالهلال، نحو أول الشهر، أو وسطه، أو آخره، أو يوم معلوم منه،
وكذا يجوز إلى الفطر، أو النحر، أو عاشوراء، أو الغدير، أو عرفة (1).
وكذا يجوز إذا كان الأجل بغير الأهلة بشرط معرفته، مثل كانون (2) وشباط (3)
ولو قال: إلى يوم النيروز، وكانا يعرفانه جاز، بخلاف عيد الشعانين (4) وعيد
الفطير (5) لأنه يتقدم ويتأخر، والمسلمون لا يعلمونه، ولا يجوز تقليد أهل
الذمة فيه.
3545. السابع: لو قال: إلى الجمعة، أو رمضان، حل بأول جزء منه، ولو قال:
محله في الجمعة وفي رمضان، قال الشيخ صح (6) وربما احتمل البطلان لأنه

1. في «أ»: والنحر وعاشوراء والغدير وعرفة.
2. في المعجم الوسيط: 2 / 801: كانون الأول [ديسمبر] وكانون الثاني [يناير] شهران في
قلب الشتاء.
3. شباط: الشهر الثاني من شهور السنة الميلادية بين كانون الثاني وآذار. راجع مجمع
البحرين والمنجد.
4. الشعانين: عيد مسيحي يقع يوم الأحد، السابق لعيد الفصح، يحتفل فيه بذكرى دخول السيد
المسيح بيت المقدس. المعجم الوسيط: 1 / 485.
5. عيد الفطير: عيد لليهود يكون في خامس عشر نيسان وليس المراد نيسان الرومي بل شهر
من شهورهم يقع في أذار الرومي وحسابه صعب فان السنين عندهم شمسية والشهور
قمرية وتقريب القول فيه أنه يقع بعد نزول الشمس الحمل بأيام تزيد وتنقص. المصباح
المنير: ج 2، 152.
6. المبسوط: 2 / 172.
427

جعله ظرفا وكان مجهولا (1). ولو قال إلى أول الشهر أو إلى آخره صح، ولا يكون
مشتركا بين المتعارف وبين النصف الأول أو الأخير.
3546. الثامن: يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول بلا خلاف، فلا
يجوز السلم في الفواكه إذا جعل الأجل وقت تعذرها، وكذا لا يجوز لو جعله إلى
محل لا يعم وجودها فيه، كوقت أول العنب فيه، أو آخر وقته.
3547. التاسع: لا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة، لإمكان
انقطاعه، وكذا لا يجوز أن يكون الغزل من امرأة بعينها، أو الغلة من
زرع بعينه.
3548. العاشر: لا يشترط كون المسلم فيه موجودا وقت السلم، لجواز السلم
أوان الشتاء في الرطب.
الفصل الخامس: في الأحكام
وفيه واحد وعشرون بحثا:
3549. الأول: إذا تعذر تسليم المسلم فيه عند المحل، إما لعجزه، (2) أو لغيبة

1. في المغني لابن قدامة: 4 / 330: وان قال: محله شهر كذا أو يوم كذا صح وتعلق بأوله، وقيل: لا
يصح لأنه جعل ذلك ظرفا فيحتمل أوله وآخره.
2. الضمير يرجع إلى المسلم إليه المعلوم من سياق الكلام والأولى أن يقول: «لعجز المسلم إليه
أو لغيبته.
428

المسلم إليه حتى تعدم العين، أو لم تحمل الثمار تلك السنة، تخير المسلم بين
الصبر إلى أن توجد الثمار في العام المقبل، أو يفسخ العقد، ويرجع بالثمن، إن
كان موجودا، أو مثله أو قيمته، إن لم يكن مثليا.
ولو قبض البعض، وتعذر الباقي، تخير بين الفسخ في الكل وفي البعض،
والرجوع بما قابل المفسوخ من الثمن، وبين الصبر إلى القابل، فإن فسخ، فالوجه
أن البائع يتخير أيضا، ولو اختار المشتري أخذ البعض بجميع الثمن، سقط خيار
البائع، وابن إدريس منع من ثبوت الخيار للمشتري في الكل وفي البعض (1)
وهو خطأ.
3550. الثاني: لو أسلم الذمي في خمر أو خنزير، ثم أسلم أحدهما قبل
القبض، بطل البيع، سواء كان المسلم المشتري أو البائع.
3551. الثالث: إذا كان الثمن مشاهدا معلوم المقدار، لم يجب كونه مما يضبط
وصفه، فيجوز كون الثمن جوهرة أو لؤلؤا (2) وما يشاكله مع المشاهدة.
3552. الرابع: إذا قال أحدهما: السلف في كذا، وقال الآخر في غيره، تحالفا،
وفسخ العقد.
3553. الخامس: يجوز إسلاف ما يكال فيما يكال أو يوزن، وما يوزن فيهما،
فيجوز أن يكون رأس المال ثمنا وعرضا (3) مخالفا للثمن إن كان ربويا، وإلا فلا،
ولو أسلم عرضا في عرض موصوف بصفات الثمن، فأتاه عند الحلول بذلك
العرض، فالوجه لزوم قبوله، لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفاته، ويحتمل عدم

1. السرائر: 2 / 317.
2. في «ب»: أو لؤلؤة.
3. في «أ»: وعوضا.
429

الوجوب، لإفضائه إلى كون الثمن هو المثمن، والأقرب الأول.
وكذا لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، فعند حلول الأجل صارت بصفة
المثمن وأحضرها، فالوجه وجوب القبول، ولا يجب عليه العقر (1) أو وطؤها، ولو
فعل ذلك حيلة صح أيضا.
3554. السادس: لا يشترط تعيين مكان الإقباض، سواء كان في حمله مؤنة
أولا، وسواء كانا في برية أو لا، وللشيخ (رحمه الله) قول في الخلاف باشتراطه، إذا كان
في حمله مؤنة (2) وهو عندي جيد، وأنكره ابن إدريس (3). ولو شرطه، جاز ولزم.
ومع الإطلاق ينصرف إلى بلد العقد، ولو عينا موضعا، ودفع في غيره، جاز مع
التراضي، ولو لم يرض الآخر لم يجز.
3555. السابع: إذا أسلم في شيئين بثمن واحد جاز، وإن لم يعين ثمن كل
جنس، ويجوز أيضا أن يكون الثمن جنسين، كخمسة دنانير وعشرين درهما،
في كر طعام (4) وإن لم يعين حصة كل واحد منهما.
3556. الثامن: إذا اسلف (5) في شئ، لم يجز بيعه قبل حلوله، ويجوز بعده،
وإن لم يقبضه على بائعه، وعلى غيره على كراهية، وكذا يجوز بيع بعضه وتوليته
وتولية بعضه، (6) ولو قبضه ثم باعه، فلا كراهية.

1. في مجمع البحرين: العقر: ما تعطاه المرأة على وطء الشبهة.
2. الخلاف: 3 / 202 - 203، المسألة 9 من كتاب السلم.
3. السرائر: 2 / 317.
4. في مجمع البحرين: الكر - بالضم - أحد أكرار الطعام، وهو ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيل،
والمكول صاع ونصف، فانتهى ضبطه إلى اثني عشر وسيقا، والوسق ستون صاعا.
5. في «أ»: لو أسلف.
6. كذا في «ب»: ولكن في المطبوع: وكذا يجوز بيع بعضه وتوليته بعضه.
430

ويجوز أيضا الشركة فيه بعد الحلول قبل القبض، والحوالة به، طعاما كان
أو غيره، وكذا الإقالة في الجميع وفي البعض، وكذا الصلح عليه وعلى بعضه،
ومع الإقالة يرد الثمن إن كان موجودا وإلا مثله، ولو لم يكن مثليا فالقيمة.
ولو أراد أن يعطيه عوضا (1) عنه، جاز مع التراضي، ولا يجوز جعله عوضا
عن سلم آخر إلا بعد قبضه.
3557. التاسع: لو أسلم في شئ واحد على أن يقبضه في أوقات
متفرقة أجزاء معلومة جاز، وكذا لو أسلم في شيئين، ولو كان الأجزاء غير معلومة
لم يصح.
3558. العاشر: إذا أحضر المسلم فيه وقت حلوله على الصفة، وجب قبوله،
سواء كان عليه في قبضه ضرر أو لا، فإن امتنع ألزم بالقبض أو الإبراء، فإن امتنع،
قبضه الحاكم، وبرئت ذمة البائع، وليس للحاكم أن يبرئ.
ولو أتاه قبل محله، لم يجب قبوله، سواء كان عليه ضرر أو خوف أو مؤنة،
أو لم يكن.
3559. الحادي عشر: إذا أحضر المسلم فيه على الصفة، وجب قبوله، وإن أتى
به دون الصفة، لم يجب إلا مع التراضي، سواء كان من الجنس أو من غيره، ولو
اتفقا على أن يعطيه دون الصفة، ويزيده شيئا في الثمن، جاز، ولو دفع الدون
بشرط 2 التعجيل، أو بغير شرطه جاز، وإن أتى به أجود من الموصوف، وجب
قبوله، إن كان من نوعه، وإن كان من غير نوعه لم يلزم، ولو تراضيا عليه جاز،
سواء كان الجنس واحدا أو مختلفا.

1. في «ب»: عرضا.
2. في «أ»: يشترط.
431

ولو جاء بالأجود فقال: خذه وزدني درهما، لم يلزمه، ولو اتفقا جاز، ولو
جاء بأزيد في القدر، لم يلزم قبول الزيادة، ولو قال: زدني بالأزيد درهما
واتفقا جاز.
3560. الثاني عشر: ليس له إلا أقل ما تقع عليه الصفة، ويسلم الحنطة خالية
من الشعير والتبن، ولو كان التراب قليلا جاز، بخلاف الكثير، ولا يلزمه أخذ
الثمرة (1) إلا جافا، ولا يلزم أن يتناهى جفافه، ولا يلزمه قبول المعيب.
3561. الثالث عشر: إذا قبض المشتري برأ المسلم إليه، فإن وجد به عيبا فرده،
زال ملكه عنه، وعاد الحق إلى ذمة البائع سليما، ولو وجد البائع بالثمن عيبا، فإن
كان من غير جنس الثمن (2) بطل العقد، وإن كان من جنسه، تخير بين الأرش
والرد.
3562. الرابع عشر: لا يقبض المكيل إلا بالكيل، والموزون إلا بالوزن، ولا
يقبضه جزافا، ولا بغير ما قدره به، فإن قبضه كذلك، رد الفاضل وطلب الناقص،
ولو اختلفا في قدره، فالقول قول القابض.
وإذا كال دفع ما يسعه المكيال ويحتمله، (3) لا ممسوحا ولا مدقوقا
لتتداخل أجزاؤه.
3563. الخامس عشر: لو اختلفا في قبض الثمن هل وقع قبل التفرق أو بعده،
فالقول قول مدعي الصحة، ولو أقاما بينة، فكذلك، ولو اختلفا في قبضه، فالقول

1. والظاهر: التمر بقرينه قوله: «إلا جافا».
2. في «أ»: من غير جنس المسمى.
3. أي ما يحمله.
432

قول البائع، وكذا القول قول البائع، لو قال قبضته ثم رددت إليك، وذلك كله مع
اليمين مراعاة للصحة.
3564. السادس عشر: لو أسلف في شئ، وشرط مع السلف شيئا معلوما،
صح، ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة، ففي الصحة قولان:
أقربهما الجواز.
3565. السابع عشر: يجوز للمشتري أن يأخذ رهنا أو كفيلا من المسلم إليه،
وليس بمكروه، فلو تقايلا السلم أو فسخ لتعذر المسلم فيه، بطل الرهن وبرأ
الضامن، وعلى المسلم إليه رد مال المسلم في الحال.
ولا يشترط قبضه في المجلس، ولو أقرضه ألفا وأخذ بها رهنا، ثم صالحه
منها على طعام في الذمة، صح، وزال الرهن، أما لو اشترى بها طعاما سلما لم
يصح، وبقى الرهن على حاله.
3566. الثامن عشر: إذا ضمن رجل مال المسلم فيه، كان للمشتري مطالبة
الضامن، فإن سلم البائع المال إلى الضامن. ليدفعه إلى المشتري جاز، ولو قال:
خذه عن الذي ضمنت عني لم يجز، لأنه لا يستحق الأخذ إلا بعد الإيفاء،
ويكون قبضا فاسدا مضمونا، فإن دفعه إلى المشتري برأ، ولو صالح المشتري
الضامن عن المتاع بثمنه جاز، وكذا لو صالحه البائع، وكذا لو كان بغير
الثمن فيهما.
3567. التاسع عشر: لو اختلفا في الحلول، فالقول قول البائع لإنكاره، ولو
اختلفا في أداء المسلم فيه، فالقول قول المشتري.
433

3568. العشرون: لو شرطا أجلا، ثم اتفقا على إسقاطه، فالوجه الجواز.
3569. الواحد والعشرون: لو أسلم في اللبن، قبضه بالكيل بعد سكونه وركوده
بعد الحلب، ويجوز قبضه بالوزن بعد ركوده، إن كان مما يختلف به الوزن، وإلا
جاز قبله.
434

المقصد الحادي عشر: في التوابع
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في إجارة المنادي والكيال والوزان
وفيه أحد عشر بحثا:
3570. الأول: أجرة الكيال ووزان المتاع على البائع، لأن عليه توفية المتاع
وتسليمه إلى المشتري، وأجرة الناقد للثمن ووزانه على المبتاع.
3571. الثاني: من نصب نفسه لبيع الأمتعة، كان له الأجر على البائع، ومن
انتصب للشراء، كان له الأجر على المبتاع، ولو كان ممن يبيع ويشتري، كان له
أجر ما يبيع على البائع، إن كان وكيلا له، وأجر ما يشتري على المبتاع إن كان
وكيلا، وليس له أن يأخذ عن سلعة واحدة أجرتين من البائع والمشتري، بل
يأخذ ممن يكون عاقدا له ووكيلا.
3572. الثالث: إذا دفع إلى الدلال متاعا، ولم يأمره ببيعه، فباعه، انعقد
435

صحيحا، وكان للمالك الخيار في الفسخ والإمضاء. وابن إدريس لم يصب هنا (1).
ولو أمره ببيعه ولم يعين الثمن، انصرف إلى ثمن المثل، فلو باعه بالأقل،
وقف على الإجازة، ولو لم يعين نقدا ولا نسيئة، انصرف إلى النقد، فإن باعها
نسيئة أو أمره ببيعها نقدا، فباع نسيئة تخير المالك أيضا. (2)
3573. الرابع: لو قال له: بعها نقدا بدراهم، فباعها نسيئة بتلك الدراهم أو
بأزيد، ثبت الخيار للمالك، وكذا لو قال: بعها نسيئة بدراهم، فباعها نقدا بمثل
تلك الدراهم أو أزيد.
3574. الخامس: لو اختلف الواسطة وصاحب المتاع، فادعى الواسطة الأمر
ببيعها بكذا، وأنكر المالك، فالقول قول المالك مع اليمين وعدم البينة، فإن وجد
المتاع استعاده.
وإن أحدث فيه المشتري ما ينقصه، أو هلكت عينه، تخير صاحبه في
الرجوع على من يشاء من المشتري والواسطة بقيمته أكثر ما كانت إلى
يوم التلف.
فإن رجع على الواسطة لم يكن للواسطة الرجوع على المشتري، وإن
رجع على المشتري، فللمشتري الرجوع إلى الواسطة بما خسره مما لم يحصل
له في مقابلته نفع، ولا يرجع بالثمن، ولو اختلفا في القيمة، فعلى المالك البينة.

1. قال ابن إدريس: إذا دفع الإنسان إلى السمسار متاعا ولم يأمره ببيعه، فباعه، كان البيع باطلا:
السرائر: 2 / 338.
2. كذا في «ب»: ولكن في «أ»: فإن باعها نسيئة تخير المالك، ولو أمره ببيعها نقدا فباعها نسيئة
تخير المالك أيضا.
436

3575. السادس: لو اختلفا في النقد (1) فالقول قول المالك مع اليمين.
3576. السابع: الواسطة أمين لا يضمن ما يتلف إلا بتعد أو تفريط، فلو ادعاه
المالك فعليه البينة، وعلى الواسطة اليمين، ولو ثبت، ضمن القيمة يوم التفريط،
ولو اختلفا فالقول قول الغارم مع اليمين.
3577. الثامن: لو قال له: بعه ولم يسم الثمن، فباعه بثمن المثل أو أزيد، لزم،
ولا خيار للمالك، ولو باعه بأقل، تخير المالك في الفسخ والإمضاء. وقال الشيخ:
يضمن الواسطة تمام القيمة (2). وقال ابن إدريس: يبطل البيع (3) وهما رديان.
3578. التاسع: لا ضمان على الواسطة فيما يغلبه عليه ظالم.
3579. العاشر: الدرك في جودة المال على المشتري، وفي جودة المتاع على
البائع، دون الواسطة فيهما، وكذا الدرك على البائع لو كان المبيع مستحقا. وقال
الشيخ: كل وكيل باع شيئا، فاستحق وضاع الثمن في يد الوكيل، فإنه يرجع
المشتري على الوكيل، والوكيل على الموكل (4). وليس بمعتمد.
3580. الحادي عشر: لو تبرع الواسطة بالبيع أو الشراء، لم يستحق أجرة، وإن
أجاز المالك.

1. في «ب»: «لو اختلفا في الرد» الظاهر انه تصحيف.
2. النهاية: 408.
3. السرائر: 2 / 340.
4. الخلاف: 3 / 346، المسألة 48 من كتاب الرهن.
437

الفصل الثاني: في بيع المياه والمراعي
وفيه سبعة أبحاث:
3581. الأول: إذا كان للإنسان شرب في قناة، فاستغنى عنه، جاز له بيعه
بذهب، أو فضة، أو غلة، أو عرض (1) غيرها، وكذا إن أخذ الماء من نهر عظيم في
ساقية يعملها، ويلزم عليها مؤنة، ثم استغنى عنه، جاز له بيعه، والمراد بذلك
إجارة النهر لهذه المنفعة أياما معلومة، ويسمى بيعا مجازا، لكن ذلك مكروه، بل
الأفضل أن يعطيه للمحتاج من غير عوض. وهذا البيع هو النطاف والأربعاء التي
نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهما (2) فالنطاف جمع نطفة، وهي الماء قل أو كثر، والأربعاء
جمع ربيع، وهو النهر.
3582. الثاني: قضى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سيل وادي مهزور (3) وهو وادي بني قريظة
أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى الكعب، وللزرع إلى
الشراك، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه، ثم كذلك يعمل من دونه مع من هو
أدون منه. (4)
3583. الثالث: يجوز أن يحمي الإنسان الحمى من المرعى، والكلاء إذا كان

1. في «ب»: أو عوض.
2. التهذيب: 7 / 140 برقم 618 «باب بيع الماء والمنع منه والكلاء والمراعي...»; والاستبصار: 3 /
107 برقم 378.
3. ولابن إدريس تحقيق حول هذا اللفظ. لاحظ السرائر: 2 / 372 - 373.
4. لاحظ التهذيب: 7 / 140 برقم 619 - 621.
438

في أرضه وسقاه بمائه فيبيعه حينئذ، ولا يجوز بيعه في غير ذلك.
قال الشيخ: من اشترى مراعي، جاز أن يبيع شيئا منها بأكثر ماله، ويرعى
هو بالباقي ما يبقى منها، وليس له أن يبيع بمثل ما اشترى أو أكثر، ويرعى معهم
إلا أن يحدث فيه حدثا، ويكون ذلك أيضا برضا صاحب الأرض، فإن لم يرض
لم يجز، وإنما له أن يرعاه بنفسه (1) والمعتمد جواز البيع بمهما أراد وإن لم يحدث
حدثا وسواء رضي المالك أو لا، أما لو شرط المالك المرعى بنفسه، فإنه يفتقر
إلى رضاه.
3584. الرابع: من باع نخيلا واستثنى منها نخلة معينة في وسطها، كان له الممر
إليها والمخرج منها، وله مدى (2) جرائدها من الأرض.
3585. الخامس: روي عن الصادق (عليه السلام) انه سئل عن النزول على أهل الخراج،
فقال: ثلاثة أيام (3) وعن السخرة في القرى، وما يؤخذ من العلوج والأكراد إذا
نزلوا القرى، قال اشترط عليهم ذلك فما اشترطت عليهم من الدراهم والسخرة
وما سوى ذلك، فيجوز لك (4)، وليس لك أن تأخذ منهم شيئا حتى تشارطهم، وان
كان كالمستيقن أن من نزل تلك الأرض أو القرية أخذ منه ذلك (5).
3586. السادس: لا يجوز أن يأخذ الإنسان من طريق المسلمين شيئا ولو قدر
شبر، ولا يجوز أيضا بيعه ولا شراء شئ يعلم أن فيه من الطريق، فان اشترى

1. النهاية: 443، باب المزارعة والمساقاة. ولاحظ التهذيب: 7 / 204 برقم 901.
2. في مجمع البحرين: المدى - بفتحتين -: الغاية والنهاية، ومنه مدى جرائد النخل.
3. الوسائل: 13 / 217، الباب 21 من كتاب المزارعة والمساقاة، الحديث 1 - 4.
4. كذا في المصدر، ولكن في النسختين: «فيجوز ذلك».
5. الوسائل: 13 / 216، الباب 20 من كتاب المزارعة والمساقاة، الحديث 3; والنهاية: 422.
439

وعلم بعد ذلك أن البائع قد أخذ شيئا من الطريق، وجب عليه رده إليها مع تميزه،
ويتخير بين الفسخ والرجوع على البائع بالدرك، وإن لم يتميز لم يكن
عليه شئ.
3587. السابع: البئر إن حفرت في ملك مباح للتمليك، ملك ماءها، وجاز له
بيعه كيلا أو وزنا، ولا يجوز بيع جميع الماء، ولو حفرت في الموات لا للتمليك،
لم يملكها واشترك الناس فيها، وأما المباح من المياه كالأنهار الكبار، فإنه غير
مملوك ما لم يتحيز به في إناء أو بركة أو مصنع، فيجوز بيعه بعد التحيز لا قبله،
وكل ماء نبع في ملكه فهو له يجوز بيعه.
الفصل الثالث: في الإقالة
وفيه سبعة مباحث:
3588. الأول: الإقالة فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما، سواء كان قبل القبض
أو بعده، وليست بيعا لا في حقهما ولا في حق غيرهما، فلا تجب
بها الشفعة.
3589. الثاني: من شرط صحة الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان بل
بالثمن. فلو أقاله بأزيد أو بأنقص، بطلت الإقالة، وكان الملك باقيا للمشتري، ولا
يجب رد الثمن.
440

3590. الثالث: تصح الإقالة في جميع ما تناوله العقد وفي بعضه، سواء كان
سلما أو غيره.
3591. الرابع: إذا أقاله رد الثمن إن كان باقيا، ومثله إن كان تالفا، وقيمته إن لم
يكن مثليا، ولو دفع عرضا (1) عنه لم أستبعد جوازه مع التراضي، سواء كان باقيا أو
تالفا، بخلاف ما لو أقاله بغير الجنس.
3592. الخامس: قال الشيخ: إذا أخذ الدنانير بدل الدراهم، أو بالعكس، وجب
القبض قبل التفرق، لأنه صرف، وإن أخذ عرضا آخر، جاز أن يفارقه
قبل القبض (2).
3593. السادس: لا تسقط أجرة الدلال بالبيع الأول، ولا الكيال، ولا الوزان
ولا الناقد.
3594. السابع: لو تقايلا بالثمن رجع كل عرض (3) مالكه، فلو كان العوض
تالفا، فالوجه صحتها، وكان الحكم كما قلناه في الثمن، ولو اختلفا في قدر الثمن
بعد الإقالة، فالوجه قبول قول المشتري مع اليمين. وعدم البينة، ولم أظفر فيهما
بكلام لأحد سبق.

1. في «ب»: عوضا.
2. المبسوط: 2 / 187.
3. في «أ»: عوض.
441

كتاب الديون
وتوابعها
وفيه مقاصد
443

المقصد الأول: في الديون
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في كراهية الدين
وفيه عشرة مباحث:
3595. الأول: يكره للإنسان الدين مع الاختيار، قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار، ومهمة بالليل، وقضاء في الدنيا،
وقضاء في الآخرة» (1).
وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام): قال:
«نعوذ بالله من غلبة الدين، وغلبة الرجال، وبوار الأيم» (2). وقال
الباقر (عليه السلام): «كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله عز وجل إلا الدين

1. الوسائل: 13 / 77، الباب 1 من أبواب الدين والقرض، الحديث 4.
2. التهذيب: 6 / 183 برقم 377; والوسائل: 13 / 76، الباب 1 من أبواب الدين والقرض
الحديث 1، وفيه «تعوذوا». والأيم: المرأة التي لا زوج لها.
445

لا كفارة له إلا أداؤه، أو يقضي صاحبه (1)، أو يعفو الذي له الحق» (2).
وفي الصحيح عن معاوية بن وهب قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه ذكر لنا
أن رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران، فلم يصل عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال:
صلوا على صاحبكم حتى ضمنهما عنه بعض قرابته، فقال أبو عبد الله:
ذلك الحق، ثم قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما فعل ذلك ليتعظوا وليرد
بعضهم على بعض، ولئلا يستخفوا بالدين» (3).
3596. الثاني: لو اضطر إلى الدين جاز، وزالت الكراهية، فقد روي في
الصحيح عن الصادق (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات وعليه دين، وكذلك الحسن
والحسين (عليهما السلام) (4) وعن الكاظم (عليه السلام) قال:
«من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على عياله ونفسه كان من
المجاهدين (5) في سبيل الله عز وجل، فإن غلب عليه فليستدن على الله عز
وجل وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقضه، كان
على الإمام قضاؤه فإن لم يقضه كان عليه وزره، ان الله عز وجل يقول:
(إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم

1. ولعل المراد من قضاء صاحبه، هو الوصي والولي، فيصح عندئذ العطف، كما في هامش المصدر.
2. الوسائل: 13 / 83، الباب 4 من أبواب الدين والقرض، الحديث 1.
3. التهذيب 6 / 183، باب الديون وأحكامها، الحديث 378; والوسائل: 13 / 79، الباب 2 من
أبواب الدين والقرض، الحديث 1.
4. الوسائل: 13 / 79، الباب 2 من أبواب الدين والقرض، الحديث 1; والتهذيب: 6 / 183
برقم 378.
5. وفي المصدر: «كان كالمجاهد».
446

وفي الرقاب والغارمين) (1) فهو فقير مسكين مغرم» (2).
3597. الثالث: لو كان له مال جاز أن يستدين، لتمكنه من القضاء، وإن كان
الأولى تركه، وكذا لو استدان مع الحاجة وكان له ولي يقضيه عنه، جاز أن
يستدين أيضا، روى الشيخ عن سلمة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل منا
يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتي الله عز وجل
بيسره (3) فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة
المكاسب؟ أو يقبل الصدقة؟ قال:
«يقضي بما عنده دينه، ولا يأكل أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم
حقوقهم، إن الله تعالى يقول (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن
تكون تجارة عن تراض منكم) (4) ولا يستقرض على ظهره إلا وعنده
وفاء، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين والتمرة
والتمرتين إلا أن يكون له ولي يقضي من بعده، وليس منا من ميت يموت
إلا جعل الله عز وجل له وليا يقوم في عدته ودينه فيقضي
عدته ودينه» (5).
3598. الرابع: يجب على من استدان أن ينوي القضاء مع القدرة، روى الشيخ

1. التوبة: 61.
2. التهذيب: 6 / 186 برقم 381، والوسائل: 13 / 80، الباب 2 من أبواب الدين والقرض،
الحديث 2.
3. كذا في التهذيب; وفي الوسائل «بميسرة» وفي النسخ التي بأيدينا «أمره».
4. النساء: 29.
5. التهذيب: 6 / 185 برقم 383; والوسائل: 13 / 80 - 81، الباب 2 من أبواب الدين والقرض
أشار إليه في ذيل الحديث 5.
447

في الصحيح عن ابن رباط قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
«من كان عليه دين فنوى (1) قضاءه كان معه من الله عز وجل حافظان
يعينانه على الأداء عن أمانته، فإن قصرت نيته عن الأداء، قصر عنه
من المعونة بقدر ما نقص من نيته» (2).
وعن أبي حمزة الثمالي عن الباقر (عليه السلام) قال:
«من حبس حق امرئ مسلم وهو يريد (3) أن يعطيه إياه مخافة إن خرج
ذلك الحق من يديه أن يفتقر كان الله أقدر على أن يفقره منه، أن يغني
نفسه بحبس ذلك الحق (4).
3599. الخامس: من وجب عليه الحج، ثم فقد الاستطاعة، جاز له أن يستدين
ويقضي الحج، فإن لم يجب عليه أولا، لم يستحب له الاستدانة للحج، ولو
استدان ثم حج به من غير تقدم وجوب، لم يجزئه على ما تقدم.
3600. السادس: يكره لصاحب الدين النزول على المستدين، فإن فعل فلا
يقيم عنده أكثر من ثلاثة أيام.
3601. السابع: من لا يجد (5) شيئا، كان قبول الصدقة له أفضل من الاستدانة.

1. في المصدر: «ينوي».
2. التهذيب: 6 / 185 برقم 384; ولاحظ الوسائل: 13 / 86، الباب 5 من أبواب الدين والقرض،
الحديث 3.
3. في المصدر: «يقدر».
4. التهذيب: 6 / 189 برقم 399، ولاحظ الوسائل: 13 / 88، الباب 7 من أبواب الدين والقرض،
الحديث 1.
5. في «أ»: لم يجد.
448

3602. الثامن: إذا أهدى المدين شيئا للمدين (1) لم تكن تجري عادته به،
استحب له احتسابه من الدين، وليس بواجب.
3603. التاسع: إذا استدان والتجأ إلى الحرم، لم تجز لصاحب الدين ملازمته
فيه، ولو وجده في الحرم، وهو موسر ملي، فالوجه جواز مطالبته فيه.
3604. العاشر: يجب على المدين ترك الإسراف في النفقة، وليقتصد فيها، ولا
يجب عليه التقتير، ومع مطالبة المدين يجب عليه دفع جميع ما يملكه إليه، عدا
دار سكناه، وثياب بدنه وخادمه، وقوت يومه وليلته له ولعياله.
الفصل الثاني: في القرض
وفيه أربع وعشرون بحثا:
3605. الأول: القرض فيه فضل كثير وثواب جزيل، وروي أنه أفضل من
الصدقة بمثله في الثواب (2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين، إلا كان كصدقة مرة» (3).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا، الصدقة

1. المدين - بفتح الميم - هو الغريم ويقال له المديون أيضا، وأما المدين - بضم الميم وكسر
الدال - فهو الذي له الدين، يقال: أدان زيد عمرا، فزيد مدين وعمرو مدان.
2. مستدرك الوسائل: 13 / 395، الباب 6 من أبواب الدين والقرض، الحديث 1.
3. المغني لابن قدامة: 4 / 352، باب القرض.
449

بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر» (1).
وقال الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر
بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) (2) قال: يعني بالمعروف القرض. (3)
وقال الباقر (عليه السلام):
«من أقرض قرضا إلى ميسرة كان ماله في زكاة و (كان) (4) هو في صلاة
من الملائكة عليه حتى يقضيه (5).
وهو مستحب بالنسبة إلى المقرض، جائز بالنسبة إلى المقترض، وقد
يكره مع الغنى، وليس الإقراض بواجب، ويستحب للمتقرض إعلام
المقرض بحاله.
3606. الثاني: القرض عقد يشتمل على إيجاب، مثل أقرضتك أو تصرف فيه،

1. مستدرك الوسائل: 13 / 395، الباب 6 من أبواب الدين والقرض، الحديث 3.
أقول: إن في المقام لصاحب الحدائق كلاما حول وجه أفضلية القرض على الصدقة نأتي
بنصه:
إن ظاهر الخبر ان درهم الصدقة بعشرة، ودرهم القرض بعشرين. وعند التأمل في ذلك لا
إشكال، لأن المفاضلة والمضاعفة إنما هي في الثواب، ولا ريب انه إذا تصدق بدرهم فإنه إنما
يصير عشرة باعتبار ضم الدرهم المتصدق به حيث انه لا يرجع، والحاصل من الثواب الذي
اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم إنما هو تسعة، وعلى هذا فثواب
القرض وهو ثمانية عشر ضعف التسعة، لأن المفاضلة والمضاعفة إنما هي في الثواب المكتسب.
ولك أن تقول: ان درهم الصدقة لما لم يكن بعشرة إلا من حيث عدم رجوع الدرهم، فدرهم
القرض لما كان يرجع بعينه ويرجع ما قابله من الثواب المخصوص بتلك العين، يكون الباقي
ثمانية عشر، وعلى كل من التقديرين فالمضاعفة حاصلة. الحدائق الناضرة: 20 / 107 - 108.
2. النساء: 113.
3. الفقيه: 3 / 116، برقم 492 باب الدين والقروض.
4. ما بين القوسين موجود في المصدر.
5. الفقيه: 3 / 116 برقم 494.
450

أو انتفع به وعليك رد عوضه، أو ما أشبه ذلك، وعلى قبول كقوله: قبلت، أو ما
دل على الرضا بالإيجاب من غير حصر في عبارة.
ولا يصح إلا من جائز التصرف، ولو قال: ملكتك على أن ترد عوضه، فهو
قرض، ولو قال: ملكتك، وأطلق، ففي كونه هبة نظر، ولو اختلفا فالوجه أن القول
قول الواهب.
3607. الثالث: إذا أقرضه وجبت إعادة المثل، فإن شرط في القرض الزيادة
حرم، ولم يفد الملك، سواء شرط زيادة عين أو منفعة، ولو رد عليه أزيد في
العين أو الصفة من غير شرط، لم يكن به بأس، سواء كان العرف يقتضي ذلك أو
لا، ولا تقوم العادة في التحريم مقام الشرط، ولا فرق في التحريم مع الشرط بين
الربوي وغيره.
3608. الرابع: يجوز أن يقرضه شيئا، ويشترط عليه إعادته في أرض أخرى،
ويكتب به سفتجة، ولو شرط في القرض، أن يوجره داره، أو يبيعه شيئا، أو
يقرضه المقترض مرة أخرى، جاز أيضا، أما لو شرط أن يوجره داره بأقل من
أجرتها، أو يستأجر منه بأكثر، أو على أن يهدي له هدية، أو يعمل له عملا،
فالوجه التحريم ولو فعل ذلك من غير شرط كان جائزا.
ولو شرط رهنا على القرض، أو كفيلا به جاز، بخلاف ما لو شرط رهنا
على قرض آخر أو كفيلا، ولو شرط أن يقرضه شيئا آخر صح، ولم يلزم الوعد.
3609. الخامس: قال الشيخ (1) إذا أعطاه الغلة وأخذ منه الصحاح، شرط ذلك

1. في «أ»: ولو شرط رهنا وكفيلا على القرض أو كفيلا به.
451

أو لم يشرط، لم يكن به بأس (1) وفيه إشكال مع الشرط.
3610. السادس: لا يكره إقراض المعروف بحسن القضاء، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
معروفا بحسن القضاء، ولم يكره إقراضه.
3611. السابع: لو شرط في القرض أن يوفيه أنقص مما أقرضه، ففي التحريم
إشكال، سواء كان مما يجري فيه الربا، أو لا، ولو شرط المكسر عوض
الصحيح (2)، أو تأجيل الحال، لغى الشرط وصح القرض.
3612. الثامن: لو اقترض من رجل نصف دينار فدفع إليه دينارا صحيحا،
وقال: نصفه قضاء ونصفه وديعة، أو سلما في شئ صح، وللمقرض الامتناع
من قبوله.
ولو اشترى بالنصف الباقي من الدينار سلعة جاز، إلا أن يشرط فيقول:
أقرضتك صحيحا بشرط أن آخذ منك بنصفه الباقي سلعة، فالوجه عدم الجواز.
ولو لم يشرط (3) جاز، ولو ترك النصف الآخر وديعة، جاز واشتركا فيه.
فلو أرادا كسره جاز، ولو اختلفا لم يجبر الممتنع على كسره.
3613. التاسع: القرض لا يثبت فيه خيار للمقترض ولا للمقرض. بل
للمقرض المطالبة في الحال، وللمقترض الدفع عاجلا، وليس لأحدهما الامتناع
من حق صاحبه.
3614. العاشر: يثبت الملك في القرض بالعقد والقبض، وهو عقد لازم من

1. النهاية: 312.
2. في «أ»: عن الصحيح.
3. في «أ»: ولو لم يشترط.
452

جهة المقرض، جائز من جهة المقترض على معنى أن للمقترض رد العين أو
المثل، ولو طلب المقرض العين لم يجبر المقترض على دفعها، وقول الشيخ في
الخلاف (1) ضعيف.
فإن رد المقترض العين سليمة، وجب على المقرض القبول وإن تغير
سعرها، وإن ردها ناقصة لم يجب، سواء كان النقص في عين، أو صفة، وفي
وجوب قبول العين على المقرض في غير المثل إشكال.
3615. الحادي عشر: للمقرض المطالبة بالقرض في الحال جملة ولو أقرضه
تفاريق، ولو أجل القرض لم يتأجل، وكذا كل دين حال لم يتأجل، سواء كان
بزيادة فيه أو لا، وكذا لو كان مؤجلا فحل، لم يصح تأجيله إلى آخر، وسواء في
ذلك القرض وبدل المتلف (2) وثمن المبيع، والأجرة والصداق وعوض الخلع،
نعم يستحب له الوفاء، ويجوز تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه وبدونه
مع التراضي.
3616. الثاني عشر: يجوز قرض المكيل والموزون إجماعا، وكذلك يجوز
قرض غيرهما مما يثبت في الذمة، سلما، وكذا يجوز إقراض غير المثلي
كالجواهر والحيوان وأشباههما، وللشيخ (رحمه الله) قول بالمنع في إقراض ما ليس
بمثلي 3 ويجوز إقراض الرقيق، سواء كان عبدا أو أمة، وسواء أقرض الأمة
لمحرم لها، كالأب والأخ، أو لغيره.
3617. الثالث عشر: لا يجوز إقراض المكيل والموزون جزافا، وكذا لو قدره

1. الخلاف: 3 / 177، المسألة 292 من كتاب البيوع.
2. في «ب»: «وبدل السلف».
3. لاحظ المبسوط: 2 / 161.
453

بمكيل معينة، أو بصنجة (1) معينة غير معروفين عند العامة. ولو كانت الدراهم مما
يتعامل بها عددا، اشترط تعيين العدد ويرد عددا، وإن استقرض (2) وزنا رد وزنا،
وكذا كل معدود، ويجب معرفة عدده وقت الإقراض.
3618. الرابع عشر: كل مثل يجب رد مثله، سواء كان مما يكال أو يوزن، أو لا،
وسواء رخص أو غلا، أو لا، ولو تعذر المثل رد القيمة يوم تعذر المثل، ولو لم
يكن مثليا، وجب رد القيمة يوم الإقراض، ولو اختلفا في القيمة، فالقول
قول الغارم.
3619. الخامس عشر: يجوز إقراض الخبز عددا ووزنا، فإن استقرض عددا،
رده عددا، وإن استقرض وزنا، رده وزنا، (3) ولو شرط أن يعطيه أكثر، أو
أجود، حرم.
ولو كان لجماعة ماء فاحتاج بعضهم أن يسقي في غير نوبته، فاستقرض
من نوبة غيره ليرد عليه بدله في يوم نوبته، لم يكن به بأس.
3620. السادس عشر: لو استقرض من ينعتق عليه، عتق بالقبض، ولو
استقرض جارية، جاز له وطؤها بعد الاستبراء إن وجب. (4)
3621. السابع عشر: لو أفلس غريمه فأقرضه ألفا ليوفيه كل شهر شيئا معلوما،
جاز، ولو كانت له عليه حنطة، فأقرضه ما يشتري به حنطة، ويوفيه إياها،

1. الصنجة (والسنجة): صنجة الميزان: ما يوزن به كالرطل والأوقية. المعجم الوسيط.
2. في «أ»: وإن أقرض.
3. في «ب»: رده كذلك.
4. قال ابن قدامة في المغني: 4 / 356: ومتى احتاج إلى وطئها استقرضها فوطئها ثم ردها، كما
يستعير المتاع فينتفع به ثم يرده.
454

جاز أيضا. ولو أراد أن يبعث نفقة لعياله، فأقرضها رجلا على أن يدفعها إلى
عياله جاز.
ولو أقرض أكاره (1) ما يشتري به عاملة يعمل في أرضه، أو بذرا يبذره فيها
من غير شرط جاز.
3622. الثامن عشر: لو اقترض من غيره دراهم فاشترى بها منه سلعة، فطلعت
زيوفا (2) لزم البيع، ولا يرجع عليه بشئ، إن وقع الشراء بالعين وكان البائع عالما
بالعيب، ولو باعه بدراهم في الذمة، ثم قبض هذه عوضها (3) ولم يعلم بالعيب،
وجب له دراهم خالية من العيب، ويرد هذه على المشتري، ويردها المشتري
عليه وفاء عن القرض، ويبقى الثمن في الذمة سليما، ولو حسبها على البائع وفاء
عن القرض، ودفع الثمن جيدا، جاز.
3623. التاسع عشر: لو أقرضه وقال: إذا مت فأنت في حل، كان وصية، ولو
قال: إن مت فأنت في حل، لم يصح. (4)
3624. العشرون: لو أقرضه تسعين [دينارا] بمائة عددا، والوزن واحد، جاز،
إذا كانت لا تنفق في مكان إلا بالوزن، وكذا لو كانت تنفق برؤوسها.
ولو قال: اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة، فلا بأس، لأنه جعالة
على مباح.

1. الأكار: الزراع، جمعه «أكرة» الصحاح: 2 / 580.
2. في مجمع البحرين: درهم زيف: أي ردئ.
3. في «أ»: عوضا.
4. لأن الثاني معلق على الشرط، والابراء لا يصح تعليقه، ولكن الفرق بين التعبيرين ضئيل خارج
عن متفاهم العرف فكلاهما على وزان واحد.
455

ولو قال: اكفل عني ولك ألف قيل: لم يجز (1)، لأن الكفيل يلزمه الدين،
ويجب على المكفول عنه قضاؤه مع الأداء كالقرض، ومع العوض يكون
جارا للمنفعة.
3625. الواحد والعشرون: لو استقرض دراهم وجب عليه رد مثلها في الوزن
والصفة، ولا يردها بسكة مخالفة لسكة القرض (2)، ولو سقطت تلك الدراهم
وجاءت غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم التي اقترضها، أو سعرها بقيمة الوقت
الذي اقترضها فيه، كذا; قاله الشيخ (3)، وبه رواية صحيحة. (4)
ولا يجب على المقترض رد النقد الحادث. وفي رواية ضعيفة السند عن
الرضا (عليه السلام) ان عليه دراهم تجوز بين الناس كما اخذ ما ينفق بين الناس (5). وجمع
الشيخ بينهما بأنه يأخذ منه ما ينفق بين الناس يعني بقيمة الدراهم الأولى مما
ينفق بين الناس، لأنه يجوز أن تسقط الدراهم الأولة (6) حتى لا يكاد تؤخذ أصلا،
فلا يلزمه أخذها وهو لا ينتفع بها، وإنما له قيمة دراهمه الأولة، وليس له المطالبة
بالدراهم التي تكون في الحال (7).
3626. الثاني والعشرون: إذا أقرضه في بلد ثم طالبه به في بلد آخر، لم يجب
عليه حمله إلى بلد المطالبة. ولو طالبه بالقيمة لزم، ولو تبرع المستقرض (8)

1. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 365.
2. في «ب»: بسكة القرض.
3. النهاية: 384.
4. التهذيب: 7 / 117 برقم 507; والاستبصار: 3 / 99 برقم 343.
5. الاستبصار: 3 / 100 برقم 345.
6. في المصدر «الأولى».
7. الاستبصار: 3 / 100 في ذيل الحديث 345.
8. في «ب»: المقترض.
456

بدفع المثل وامتنع المقرض، كان له ذلك وإن لم تكن في حمله مؤنة.
3627. الثالث والعشرون: لو أقرض ذمي ذميا خمرا ثم أسلما أو أحدهما بطل
القرض، ولم يجب على المقترض شئ، سواء كان هو المسلم أو الآخر.
3628. الرابع والعشرون: مال القرض إن بقى بحاله وجبت الزكاة على
المقترض، إن كان مما تجب فيه، ولو شرط الزكاة على القارض، قال الشيخ: صح
ولزمت الزكاة القارض (1) والوجه خلافه.
الفصل الثالث: في بيع الدين
وفيه ثمانية مباحث:
3629. الأول: الدين المؤجل لا يجوز بيعه مطلقا إلا بعد حلول الأجل، والحال
يجوز بيعه على من هو عليه وعلى غيره بحال وإن لم يكن معينا، ولا يجوز بيعه
بدين آخر.
3630. الثاني: الدين إن كان ربويا وجب فيه المساواة قدرا مع اتفاق الجنسية
لا مع اختلافها، وإن لم يكن ربويا جاز بيعه بمثله، أو أزيد أو أنقص بجنسه أو
بغيره، وقال الشيخ: لو باع الدين بأقل مما له على المدين، لم يلزم المدين أكثر
مما وزن المشتري من المال 2 وليس بمعتمد.

1. النهاية: 312.
2. النهاية: 311 - باب بيع الديون والأرزاق -.
457

3631. الثالث: لا يجوز بيع الرزق الذي على السلطان قبل قبضه، وكذا
لا يجوز بيع أهل الزكوات والأخماس قبل قبضها.
3632. الرابع: إذا دفع إلى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء، ولم يساعره،
احتسب بقيمتها يوم القبض، ولا يلزمه رد المثل، أما لو أعطاه قرضا عليه، فإنه
يرد مثله.
3633. الخامس: الدين لا يتعين ملكا لصاحبه إلا بقبضه، فلو جعله مضاربة
قبل قبضه، لم يصح.
3634. السادس: والقسمة لا تصح في الدين، فلو كان لاثنين مال في ذمم
جماعة، ثم تقاسما به، كان ما يحصل لهما، وما يتوى (1) منهما.
3635. السابع: الذمي إذا باع مالا يصح للمسلم تملكه، كالخمر والخنازير جاز
دفع الثمن إلى المسلم عن حق له، ولو كان البائع مسلما لم يجز.
3636. الثامن: لو باع الدين كان ضامنا له، فإن وفى الذي عليه الدين المشتري،
وإلا رجع على البائع بالدرك; قاله الشيخ (رحمه الله) (2).

1. أي ما يهلك. وفي التذكرة: 2 / 4: كان الحاصل لهما والتالف منهما.
2. النهاية: 311.
458

الفصل الرابع: في دين المملوك
وفيه أحد عشر بحثا:
3637. الأول: المملوك لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه، ولا يجوز له أن يتصرف
في نفسه بإجارة، ولا استدانة، ولا غير ذلك من وجوه التصرفات، ولا فيما في
يده ببيع، ولا هبة، ولا إقراض، ولا غير ذلك، إلا بإذن مولاه.
ثم هو قسمان: مأذون له، وغير مأذون، فغير المأذون لا يتصرف إلا بإذن
مولاه، على ما تقدم، إلا في الطلاق والخلع، وليس له أن يقبل الهبة، ولا الوصية،
ولا يصح ضمانه ولا شراؤه.
وأما المأذون له في التجارة، فيجوز له كل ما يندرج تحت اسم التجارة، أو
كان من لوازمه، فليس له أن ينكح ولا يؤاجر نفسه، ولا يتعدى النوع الذي رسم
له الاتجار فيه، ولا يأذن لعبده في التجارة إلا بالأذن.
3638. الثاني: العبد غير المأذون إذا استدان بغير إذن مولاه، كان لازما لذمته،
يتبع به إذا أعتق وأيسر. وإلا فلا، ولا يتعلق برقبته. ولو استدان المأذون له في
الدين، تعلق بذمة المولى إن استبقاه أو أراد بيعه، وإن أعتقه فللشيخ قولان:
أحدهما أنه يتبع به العبد (1) والآخر يلزم المولى (2) وعندي في ذلك تردد.
ولو استدان المأذون له في التجارة لأجلها، لزم المولى أداؤه، وإن كان لا

1. ذهب إليه في النهاية: 311.
2. واختاره في الاستبصار: 4 / 20 في ذيل الحديث 64.
459

لأجلها كان كغير المأذون، وقيل: يستسعى العبد (1) وليس بمعتمد.
3639. الثالث: إذا مات مولى المأذون، أخذ دين العبد من تركته، فإن ضاقت
التركة، شارك غريم العبد غرماء المولى بالحصص.
3640. الرابع: لو أذن له في التجارة في نوع، فاتجر في غيره، كان ما يستدينه
عليه في ذمته.
3641. الخامس: إذ اشترى غير المأذون أو اقترض، لم يصح، ويرجع البائع
والمقرض في العين، سواء كانت في يد العبد أو المولى، ولو تلفت في يد العبد،
كان له المثل في ذمته، يتبعه به بعد العتق، وإلا فالقيمة، وان تلفت في يد المولى،
كان له المثل أو القيمة على السيد في الحال، وإن شاء طالب به العبد مع
عتقه ويساره.
وعند القائلين بالتمليك، ينبغي صحة البيع والقرض، وللبائع والمقرض
الرجوع فيه، إذا كان في يد العبد. وإن تلف تبعه بالمثل أو القيمة بعد العتق، وإن
كان في يد سيده، لم يكن للبائع ولا للمقرض أخذه، ويرجع البائع والمقرض
على العبد مع عتقه ويساره.
3642. السادس: إذا أذن له في الشراء، انصرف إلى النقد، ولو أذن له في النسيئة
جاز، وكان الثمن في ذمة المولى، ولو تلف الثمن، وجب على
المولى عوضه.
3643. السابع: إذا أذن له في الضمان، احتمل تعلقه بكسبه أو بذمته.
3644. الثامن: إذا ثبتت جناية العبد بالبينة، كان لولي الجناية استيفاء القصاص

1. لاحظ المبسوط: 2 / 164.
460

إن أوجبت، وإن عفا على مال تعلق برقبته، أو يفديه مولاه، وكذا إن أوجبت مالا
كالخطأ، وقيم المتلفات في ذمته.
وإن لم تقم بينة، لم يقبل إقراره في حق المولى، فلا يقتص منه، ولا يؤخذ
منه شئ ما دام عبدا، فإذا أعتق استوفى منه، وكذا لا يقبل إقراره فيما دون
النفس، سواء كان إقراره بما يوجب القصاص أو المال.
3645. التاسع: لو أقر بسرقة لم يجز قطعه ما دام رقا، ولا غرامة عليه، سواء
اعترف بما في يده أو غيره، ويتبع بها إذا أعتق.
3646. العاشر: إذا أذن له في التجارة، فأقر فيما أذن له، قبل، وإلا فلا، ثم إن كان
ما في يده بقدر الإقرار، قضي منه، وإلا كان الفاضل في ذمته، يتبع به
بعد العتق.
3647. الحادي عشر: الإذن لا يستفاد من السكوت، فلو اتجر ولم ينهه مولاه،
لم يكن مأذونا، والأقرب أنه لا ينعزل بالإباق، وينعزل بالبيع.
461

المقصد الثاني: في الرهن
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في الرهن
وفيه أربعة عشر بحثا:
3648. الأول: الرهن لغة الثبوت والدوام، وقيل: هو الحبس (1) قال الله تعالى:
(كل امرئ بما كسب رهين) (2) وفي الشرع عبارة عن المال الذي يجعل وثيقة
بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه. يقال: رهنت الشئ،
فهو مرهون، وقيل: ان «أرهنت» لغة أيضا. (3)
3649. الثاني: الرهن جائز بالنص والإجماع، قال الله تعالى (فرهان
مقبوضة) (4) ورهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) درعه عند يهودي اشترى منه طعاما (5).

1. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 366.
2. الطور: 21.
3. لاحظ المبسوط: 2 / 196; والسرائر: 2 / 416.
4. البقرة: 283.
5. لاحظ مستدرك الوسائل: 13 / 418، الباب 1 من أبواب كتاب الرهن، الحديث 4 و 5، ونقله
ابن قدامة في المغني: 4 / 366 عن عائشة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
463

3650. الثالث: الرهن جائز في السفر والحضر معا، وذكر السفر في الآية (1)
خرج مخرج الغالب، إذ الغالب عدم الكاتب في السفر، ولا يشترط أيضا عدم
الكاتب إجماعا.
3651. الرابع: الرهن غير واجب، والمقصود في الآية الإرشاد لا الأمر.
3652. الخامس: الرهن عقد يفتقر إلى الإيجاب، وهو كل لفظ دال على
الارتهان، كقوله: رهنتك، أو هذا وثيقة عندك، أو ما استفيد منه ذلك، ويفتقر إلى
القبول، وهو اللفظ الدال على الرضا، كقوله: قبلت، وما أشبهه، ولو عجز عن
النطق، كفت الإشارة الدالة عليهما، وإن كانت كتابة.
3653. السادس: وعقد الرهن لازم من جهة الراهن، وجائز من جهة المرتهن.
3654. السابع: يكفي في لزوم الرهن الإيجاب والقبول، ولا يفتقر إلى القبض،
وهو أحد قولي الشيخ (2) وفي الآخر يفتقر إليه (3) وهو اختيار ابن الجنيد، وكذا
يلزم بالإيجاب والقبول وإن لم يكن مكيلا أو موزونا، ويجبر الراهن على
تسليمه بمجرد العقد.
والتفريع على قول الشيخ (4) انه لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد، وكذا
لو أذن في قبضه ثم رجع قبله، وكذا لو جن، أو أغمي عليه أو مات قبل القبض.

1. الآية: 283 من سورة البقرة.
2. اختاره في الخلاف: 3 / 223، المسألة 5 من كتاب الرهن.
3. ذهب إليه في النهاية: 431; والمبسوط: 2 / 196.
4. أي حكم الفرع على القول الثاني للشيخ هو انه الخ.
464

وليس استدامة القبض شرطا، فلو عاد إلى الراهن أو تصرف فيه، لم يخرج
عن الرهانة، ولو رهن ما هو في يد المرتهن، لزم، ولو كان غصبا، ولو رهن غائبا
لم يصر رهنا حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه، ويقبض الرهن.
ولو أقر الراهن بالإقباض، حكم به عليه مع انتفاء علم الكذب، ولو رجع
لم يقبل رجوعه، ولو ادعى المواطاة على الإشهاد بالإقباض توجهت له اليمين
إلا أن تشهد البينة بالإقباض لا بالإقرار به، نعم لو شهدت بالإقرار فقال: لم أقر، لم
يلتفت إليه.
3655. الثامن: إذا كان عليه ديون على غير الرهن، وحجز الحاكم عليه لأجل
الغرماء، وجب تسليم الرهن إلى من رهنه عنده قبل الحجر، وعلى قول الشيخ
ليس له ذلك إذا لم يسبق القبض الحجر.
3656. التاسع: رهن المشاع جائز كالمقسوم، ويقبضه المرتهن كما يقبض
المشاع، ولو كان دار بين شريكين فرهن أحدهما نصيبه من بيت بعينه جاز.
والقبض في الرهن كالقبض في البيع، فلو رهن مالا ينقل، كان قبضه
بالتخلية، ولو كان له فيه شريك، افتقر إلى إذنه، وكذا يفتقر إلى إذن الشريك في
قبض ما ينقل ويحول، فإن اتفقا على إقباض المرتهن أو الشريك، جاز، ويكون
الشريك نائبا له في القبض، وإن اتفقا على عدل فكذلك.
ولو تعاسرا، نصب الحاكم عدلا من جهته يقبضه لهما، ولو كانت له منفعة،
آجره لأربابه بمدة تقصر عن محل الحق لتمكن بيعه. ولو رهن دارا وهما فيها،
فخلى بينه وبينها، ثم خرج الراهن، صح القبض، ولا يفتقر إلى التخلية
بعد الخروج.
465

3657. العاشر: إذا جعل (1) القبض شرطا، وجب أن يكون القابض المرتهن أو
وكيله، ولا يجوز أن يقبضه الراهن من نفسه للمرتهن، ولو وكله المرتهن،
فالوجه الجواز، ولو رهنه دارا فيها قماش للراهن، فخلى بينه وبين الدار، فالوجه
صحة التسليم في الدار، وكذا لو رهنه دابة عليها حمل له، ثم سلمه الجميع، وكذا
لو رهنه الحمل دون الدابة أو معها وسلمها إليه، صح القبض.
3658. الحادي عشر: إذا مات المرتهن قبل القبض، لم ينفسخ الرهن، وسلم
إلى الوارث وثيقة، أو إلى الحاكم، وكذا لو مات الراهن قبل القبض، عندنا، ولو
جن المرتهن، تخير الراهن في تسليمه إلى وليه، ولو خرس قبل الإقباض صح
عندنا وعند الشيخ في بعض أقواله إن كان له إشارة مفهومة أو كتابة، فأذن في
القبض، جاز وإلا فلا (2)، وكذا لو أذن في القبض ثم خرس، ولو أفلس الراهن، أو
زال عقله، ولم يكن أقبض الرهن، ولا سلط على قبضه، كان للمرتهن القبض.
3659. الثاني عشر: لو تصرف الراهن قبل القبض، لم ينفذ إلا بإذن المرتهن
عندنا، وعند المشترطين للقبض يصح التصرف، ويبطل الرهن، سواء كان
التصرف لازما كالبيع، أو غير لازم كالهبة غير المقبوضة، ولو زوج الأمة لم يبطل
الرهن عند الفريقين.
3660. الثالث عشر: لو رهن ما هو في يد المرتهن وديعة أو غصبا لزم، وإن لم
تمض مدة يمكنه القبض فيها، ولا يفتقر إلى إذن الراهن في القبض، سواء كان
مما يزول بنفسه كالعبد والدابة، أو لا يزول، كالثوب والدار.

1. في «أ»: إذا جعلنا.
2. المبسوط: 2 / 199 - 200 نقله بالمعنى.
466

3661. الرابع عشر: إذا اختلفا بعد اتفاقهما على الأذن في القبض، فقال
المرتهن: قبضته، وقال الراهن: لم يقبضه، احتمل تقديم قول المرتهن مع يمينه
عملا بالصحة، واحتمل تقديم قول الراهن، إذ الأصل عدم القبض، واحتمل
تقديم قول صاحب اليد، فإن كان في يد المرتهن (فالقول قوله في قبضه بالإذن
لا بعد الرجوع، وإن كان في يد الراهن فالقول قوله في عدم عوده إليه بعد قبض
المرتهن) (1) وهذا كله ساقط عندنا، لأن القبض ليس شرطا.
الفصل الثاني: في شرائطه
وفيه تسعة عشر بحثا:
3662. الأول: شرط الرهن أن يكون عينا مملوكا يمكنه قبضه، ويصح بيعه،
سواء في ذلك المشاع والمنفرد، فلا يصح رهن الدين ولا المنفعة، كسكنى الدار
وخدمة العبد، وقول الشيخ (رحمه الله) في أن (2) رهن المدبر منصرف إلى الخدمة، (3) ليس
بمعتمد، بل رهن المدبر إبطال للتدبير.
ولو رهن ما لا يملك: وقف على إجازة المالك، ولو رهن ما يملك وما لا
يملك، مضى في ملكه، ووقف في حصة الشريك على الإجازة.

1. ما بين القوسين موجود في «أ».
2. في «ب»: وقول الشيخ في ما يملك وما لا يملك ان...
3. لاحظ المبسوط: 2 / 213.
467

ولو رهن أرض الخراج لم يصح، ولو كان فيها بناء وغرس، جاز رهنه
دون رقبة الأرض، ولو رهن الجميع صح في الآلات خاصة، والخراج على
صاحب الأرض دون المرتهن والمستأجر، فلو أداه أحدهما بدون إذن المالك،
لم يكن له الرجوع، ولو قضاه بأمره وشرط الرجوع وجب، وكذا لو لم يشترط.
3663. الثاني: لا يصح رهن الخمر من المسلم عند ذمي أو مسلم، وكذا لا
يصح رهنها عند المسلم لذمي ولا لمسلم، ولو رهنها الذمي عند المسلم،
ووضعها على يد ذمي، لم يصح أيضا.
ويجوز رهن العصير، فإن استحال حلوا، أو حامضا، فالرهن بحاله، وإن
استحال خمرا، خرج عن كونه رهنا، ويزول ملك الراهن عنه، ولو تلف بعد
صيرورته خمرا، لم يكن للمرتهن خيار، ولو استحال خلا عاد إلى ملك الراهن
وعاد الرهن.
3664. الثالث: لو كان في يده عصير، فصار خمرا فأراقه، ثم جمعه جامع
فصار في يده خلا، ففي بقاء ملك الأول إشكال، من حيث إنه أزال يده وأسقط
حقه بإراقته، وكذا في تمليك الثاني، لأن الأول فعل المأمور به شرعا، والجامع
ممنوع محرم عليه، ولا تثبت يده عليه، فلا يصح تملك الخل به، والأول أقوى
إلا مع نية التخليل بالجمع، وكذا لو كان عنده خمر فرهنها عند إنسان، فانقلبت
خلا عند المرتهن، ملكها المرتهن.
3665. الرابع: لو رهن شاة فماتت، بطل ملكها، وخرجت من الرهن، فلو دبغ
الراهن جلدها لم يعد ملكه عندنا، (1) وعند ابن الجنيد ينبغي عوده، وفي إعادة

1. لأن الميتة لا تهلك.
468

الرهن حينئذ إشكال ينشأ من كون الراهن ملكها بالدباغ، بخلاف الخمر المتخلل
من نفسه.
3666. الخامس: لو رهنه عصيرا فصار خمرا قبل القبض، بطل الرهن، ولا
خيار للمرتهن في البيع الذي شرط فيه ارتهانه عندنا، ومن اشترط القبض أثبت
الخيار، ولو صار بعده بطل الرهن ولا خيار.
ولو اختلفا فقال المرتهن: قبضته وهو خمر، وقال الراهن: كان عصيرا، قال
الشيخ: القول قول المرتهن، لأنه ينكر قبض الرهن، وقيل: قول الراهن، لاتفاقهما
على العقد والتسليم، وادعاء المرتهن فساد القبض (1) وهذا عندي أقوى، وكذا لو
رهنه عبدا حيا فوجده ميتا في يد المرتهن، ثم اختلفا، فقال الراهن: مات بعد
القبض، وقال المرتهن: قبله.
ولو قال: رهنتك عصيرا وقبضته عصيرا، وقال المرتهن: رهنتنيه خمرا،
وقبضته خمرا، قيل: القول قول المرتهن لأنكاره العقد. وقيل: الراهن، 2 ولو رهن
عصيرا، فانقلب خمرا قبل قبضه، بطل الرهن، فإن عاد خلا عاد الرهن عندنا،
ومن يشترط القبض لم يعد عنده.
ولو اشترى عصيرا، فصار خمرا في يد البائع، فسد العقد، فإن عاد خلا، لم
يعد ملك المشتري.
3667. السادس: الخمر إذا انقلبت خلا حلت، سواء انقلبت من نفسها، أو
بالتخليل، وليس التخليل حراما.

1. المبسوط: 2 / 214.
2. لاحظ المبسوط: 2 / 214.
469

3668. السابع: يجوز رهن الجارية، وإن كان لها ولد صغير، إجماعا، فإن حل
الحق، جاز بيعها دون ولدها، وإن كان له أقل من سبع سنين على كراهية، والشيخ
منع ذلك (1) بل يباعان معا، فما قابل الجارية يكون المرتهن أحق به من باقي
الغرماء فتقوم وهي ذات ولد بدون ولدها، ويقوم الولد، ويؤخذ من الثمن
بالنسبة، ولو لم يعلم المرتهن بالولد حال الارتهان، لم يكن له خيار عندنا، وأثبت
الشيخ له الخيار (2) في البيع المشروط فيه إذا فسخ الرهن، بناء على تحريم
التفريق، لأن ذلك نقص في القيمة.
3669. الثامن: لو رهنها حائلا فحملت في يد المرتهن من زوج أو زنا، جاز
بيعها بانفرادها عندنا، وعند الشيخ يباعان معا (3) ويكون المرتهن أحق بما يقابلها
من الثمن، فتقوم خالية من الولد، ثم يقوم الولد، ويأخذ بالنسبة، بخلاف الأولى
التي رضي بكونها أم ولد.
3670. التاسع: لو باع عبدا بالخيار له أو لهما، فرهنه المشتري في مدة الخيار،
جاز، وعند الشيخ لا يجوز (4) بناء على قوله بعدم الانتقال إلا بعد الخيار، ولو رهنه
المشتري في مدة خياره لزمه البيع، ولو باع شيئا وأفلس المشتري بالثمن، كان
للبائع أخذ العين، فلو رهنه قبله، ففي كونه فسخا للبيع، نظر، وكذا لو رهن
الموهوب فيما يصح رجوعه فيه، هل يكون رجوعا إشكال.
3671. العاشر: يجوز رهن المرتد إن كان عن غير فطرة، ولا خيار للمشتري
في البيع مع علمه، فإن تاب زال العيب إن قبلت توبته، وإن كان عن فطرة، أو لم

1. المبسوط: 2 / 215.
2. المبسوط: 2 / 215.
3. المبسوط: 2 / 215 و 217.
4. المبسوط: 2 / 211.
470

يتب فقتل، فالوجه سقوط الخيار. ولو لم يكن عالما ثم علم، كان له رده والخيار
في البيع المشروط به، ولو أمسكه حتى قتل، فلا خيار.
ولو تجدد العلم بعد القتل، احتمل أن يكون كالمستحق، فيثبت للمرتهن
الخيار في البيع، وأن يكون كالمعيب فلا خيار.
أما لو باع المرتد عن فطرة أو لم يتب، ولم يعلم المشتري حتى قتل، ففيه
الوجهان، لكن على الثاني يثبت له الأرش.
3672. الحادي عشر: لو رهن عبدا سارقا، أو زانيا، صح الرهن، وكان كالمعيب
(1) إذا لم يجب قتله، ولو رهن قاطع الطريق فتاب قبل قدرة الإمام عليه، صح
الرهن، لقبول التوبة منه، ولو كان بعدها لم يصح.
3673. الثاني عشر: العبد الجاني يصح رهنه، سواء كانت الجناية عمدا أو
خطأ، فإن افتكه (2) مولاه بقى رهنا، وإلا بطلت الرهانة فيما قابل الجناية. وأبطل
الشيخ في الخلاف الرهن في العمد والخطاء معا (3).
3674. الثالث عشر: لو رهن عبدا وأقبضه، ثم أقر أنه جنى قبل الرهن، فإن
صدقه المرتهن، كان الحكم ما تقدم في رهن الجاني، وإن كذبه، نفذ إقراره في
حق نفسه لا حق المرتهن، وعلى المرتهن اليمين على نفي العلم، وكذا لو أقر أنه
كان غصبه أو أعتقه، وكذا لو باعه أو كاتبه مطلقا، ثم أقر بأحد هذه الأشياء إلا
العتق، فينفذ في الكتابة، وكذا لو آجره ثم اعترف بالجناية، فإذا حلف المرتهن
بقي الرهن بحاله، وفي رجوع المجني عليه على الراهن إشكال، من حيث منع

1. في «أ»: كالعيب.
2. بدفع دية الجناية.
3. الخلاف: 3 / 235، المسألة 28 من كتاب الرهن.
471

تصرفه من الاستيفاء، وإمكان عدم علمه بالجناية قبله، ومع القول بعدم الضمان
لو عاد إليه ببيع أو افتكاك أو غيرهما نفذ الإقرار فيه، ومع التضمين يحتمل
الرجوع بالأرش وبالأقل منه ومن القيمة، ولو نكل المرتهن حلف المجني عليه
لا الراهن، فإن نكل لم يحلف الراهن أيضا.
3675. الرابع عشر: لو جنى العبد بعد الرهن، قدم حق المجني عليه، وبيع في
الجناية ان استغرقت، وإلا بقدرها، والباقي رهن، ولو تعذر، بيع الجميع، وكان
باقي الثمن رهنا، ولو فداه السيد بقي رهنا كما كان.
ولو فداه المرتهن على أن يكون رهنا بهما بإذن الراهن، جاز، ورجع
بالفداء، ولا يضمن المرتهن جناية الرهن، ولا يسقط دين المرتهن لو بيع في
الجناية، أو فداه السيد، سواء كان بقدر الفداء، أو أقل أو أكثر.
ولو كانت الجناية عمدا، كان الخيار في القصاص والاسترقاق إلى المجني
عليه أو ورثته، ولو جنى على مولاه عمدا اقتص منه، ولا يخرج عن الرهانة
وليس له العفو على مال، ولو كانت نفسا جاز قتله، ولو كانت خطأ، لم يكن
لمولاه عليه شئ، وبقى رهنا، ولو جنى على من يرثه المالك ثبت للمالك ما
ثبت لمورثه من القصاص، أو الانتزاع في الخطأ إن استوعبت الجناية قيمته، وإلا
أطلق ما قابل الجناية.
ولو جنى على مكاتب السيد المشروط، ثبت للمكاتب القصاص أو العفو
على مال، فإن عجز نفسه، ثبت للسيد القصاص أو العفو على مال، وكذا إن
قتل المكاتب.
3676. الخامس عشر: لو دبره، ثم رهنه، فالوجه بطلان التدبير، قال الشيخ:
472

ولو قلنا بصحتهما معا كان قويا (1). فإن قضى المالك من غير الرهن جاز، وإن باعه
فله، وإن امتنع قضى الحاكم الدين من ماله، ولو لم يكن [له] مال، باع (2) الحاكم
العبد، وبطل التدبير والرهن معا.
3677. السادس عشر: لو رهن عند الذمي عبدا مسلما أو مصحفا، قيل: يصح،
ويرفع يده عنه، ويوضع عند أمين إلى وقت الأجل (3) وقيل: لا يصح (4) والأقرب
كراهية رهن أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتب الفقه.
3678. السابع عشر: لو رهن ما لا يصح إقباضه، كالطير في الهواء، والسمك
في الماء، أمكن الجواز، وكذا البحث في الآبق منفردا.
3679. الثامن عشر: لو رهن وقفا، لم يصح، وفي جواز رهن أم الولد إشكال،
أقربه الجواز في ثمن رقبتها، ولو سوغناه مطلقا لم يجز بيعها ما دام ولدها حيا.
3680. التاسع عشر: لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، جاز أن يشرط
بيعه، ولو لم يشرط قيل: يبطل (5) وقيل: يصح ويجبر على بيعه (6).

1. المبسوط: 2 / 213.
2. في «ب»: يبيع.
3. اختاره الشيخ في المبسوط: 2 / 232.
4. واختاره المصنف في المختلف، ونقله عن بعض علمائنا وابن الجنيد. لاحظ المختلف:
5 / 440.
5. اختاره الشيخ في الخلاف: 3 / 241، المسألة 38 من كتاب الرهن، والمبسوط: 2 / 216.
6. ذهب إليه المحقق في الشرائع: 2 / 77، وذكر المصنف وجهه في المختلف: 5 / 433 وقال:
«والوجه ما قاله بعض علمائنا: إنه يصح ويجبر على بيعه ويكون ثمنه رهنا».
473

الفصل الثالث: في المتعاقدين
وفيه ثمانية أبحاث:
3681. الأول: يجب فيهما كمال العقل وجواز التصرف، ويجوز لولي الطفل أن
يرهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة مع المصلحة، مثل ان يستهدم عقاره فيحتاج
في إصلاحه إلى الاستدانة، أو يكون له ما يحتاج إلى الإنفاق عليه، أو تكون به
حاجة إلى نفقة وكسوة، أو يخاف من تلف بعض ماله، فيستدين الولي لحفظه
ويرهن ما يراه مصلحة، وله أن يقبض الرهن مع المصلحة أيضا.
ولو رهن الطفل أو المجنون لم يصح ولو أجاز الولي، أما لو عقد العاقل
الكامل الرهن، ثم جن قبل الإقباض، فإنه يصح عندنا، خلافا لمن
اشترط الإقباض.
ولو أوجب ثم جن قبل القبول، بطل، وكذا الحكم في المغمى
عليه والميت.
3682. الثاني: لا فرق في اشتراط كمال العقل وجواز التصرف بين الراهن
والمرتهن في ذلك (1)، فلو ارتهن الصبي أو المجنون لم ينعقد، وإن قبضا، لكن
يتولى عنهما وليهما الارتهان والقبض.
وليس للولي أن يسلف مالهما إلا مع الغبطة، بأن يزيد مالهما لأجل الأجل.

1. في «ب»: سواء في ذلك.
474

ولا يجوز له إقراض مالهما إلا مع خوف التلف من غرق أو نهب أو حرق،
وما أشبه ذلك، ويأخذ عليه الرهن، فإن تعذر أقرضه من الثقة الملي.
3683. الثالث: المكره لا ينعقد رهنه إيجابا ولا قبولا ولا شئ من عقوده، ولو
زال الإكراه فأجاز ما فعله، صح.
3684. الرابع: المحجور عليه لفلس أو سفه لا ينعقد رهنه، ولو تجدد الحجر
بعد العقد، لزم الرهن، وإن لم يحصل القبض عندنا، وله إقباضه، ومن اشترط
القبض منع من الإقباض بعد الحجر، وإن كان الرهن متقدما.
3685. الخامس: لا يصح من الصبي والمجنون والمحجور عليه والمكره
إقباض الرهن، كما لا يصح عقدهم، نعم للمرتهن قبضه بمجرد العقد.
3686. السادس: ولي الطفل والمجنون خمسة: الأب، والجد، وينفذ تصرفهما
مع اعتبار المصلحة، ولكل منهما أن يشتري لنفسه من مال الطفل، ويبيع عليه،
فيكون موجبا قابلا وقابضا مقبضا، والوصي، والحاكم، وأمينه، لهم الولاية مع
المصلحة، وليس لهم تولي طرفي العقد.
فلو باع أحد الخمسة ما يساوي مائة نقدا بمائة نسيئة، وأخذ الرهن، جاز
مع المصلحة من خوف النهب وغيره من أسباب التلف لا بدونه، ولو باعه بمائة
وعشرين، وأخذ الرهن صح، سواء كانت المائة نقدا والرهن على العشرين، أو
كان الجميع نسيئة.
3687. السابع: المكاتب يجوز أن يبيع بالدين، ويأخذ الرهن مع المصلحة،
كالمولى عليه، لا بدونها، وكذا العبد المأذون له في التجارة.
475

3688. الثامن: يجوز أن يكون كل واحد من المتعاقدين واحدا أو أكثر، فلو
رهن اثنان شيئا بدين عليهما عند رجل صح، وكان بمنزلة عقدين، فإذا قضى
أحدهما نصيبه من الدين، أو برئ، صارت حصته طلقا إلا أن يكون كل واحد
رهن حصته على جملة الدين، فلا يخلص من الرهن إلا بإيفاء الجميع، وإذا
صارت حصة أحدهما طلقا، وأراد قسمتها مع المرتهن، لم يجز إلا بإذن
الشريك، سواء كان مما تتساوى أجزاؤه كالطعام، أو لا كالحيوان.
ولو كان الرهن حجرتين فطالب بالقسمة على أن يفرد نصيبه في إحدى
الحجرتين كان للمرتهن الامتناع من ذلك، ولو أذن المرتهن كان للشريك
الامتناع أيضا.
ولو كان الرهن واحدا عند اثنين، كان بمنزلة عقدين أيضا، ويكون نصفه
رهنا عند أحدهما بحصته، والآخر رهنا عند الآخر بحصته من الدين، فإذا قضى
أحدهما أو أبرأه، خرج نصفه من الرهن، وكان له مطالبة المرتهن الآخر بالقسمة.
الفصل الرابع: فيما يصح الرهن عليه
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
3689. الأول: يجوز أخذ الرهن على كل حق ثابت في الذمة يصح استيفاؤه
من الرهن، مثل ثمن المبيع، وأجرة العقار، والمهر، وعوض الخلع، والقرض،
وأرش الجناية، وقيمة المتلف.
476

3690. الثاني: لا يجوز أخذ الرهن على ما ليس بثابت في الذمة، سواء حصل
سبب الوجوب، كالجعالة قبل الفعل، أو لا، والدية على العاقلة لا يجوز أخذ
الرهن عليها قبل الحول، ويجوز بعده على الثلث وفي الثاني على الثلثين وفي
الثالث على الجميع.
3691. الثالث: مال الجعالة يجوز أخذ الرهن عليه بعد الرد، لا قبله.
3692. الرابع: مال الكتابة يجوز أخذ الرهن عليه، سواء كان مشروطا أو
مطلقا، وإذا فسخ المشروطة للعجز، بطل الرهن، ومنع الشيخ من أخذ الرهن
على مال الكتابة (1) وليس بمعتمد.
3693. الخامس: عقد المسابقة إن كان جعالة لم يجز أخذ الرهن على العوض
فيه قبل الفعل، وإن جعلناه إجارة صح.
3694. السادس: يجوز أخذ الرهن بالثمن في مدة الخيار، وكذا يجوز أخذه
على الإجارة.
3695. السابع: يجوز أخذ الرهن 2 بعد الحق ومعه، ولا يجوز قبل الحق،
كالرهن على ما يستدينه وعلى ثمن ما يشتريه.
3696. الثامن: لا يجوز الرهن على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن، كالإجارة
المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته، ويصح فيما يمكن، كالعمل المطلق، فإذا
هرب جاز بيع الرهن واستيجار غيره بذلك لتحصيل ذلك العمل.
3697. التاسع: يجوز أخذ الرهن على الدرك، مثل الرهن على عهدة الثمن

1. المبسوط: 2 / 197.
2. في «ب»: يجوز عقد الرهن.
477

والإجارة إن خرجا مستحقين، أخذ المشتري من الرهن الثمن، وكذا المغصوب
يجوز أخذ الرهن به، وكل ما أشبهه من الحقوق التي تثبت في العين
على إشكال.
3698. العاشر: لو رهن على حق ثم استدان آخر من المرتهن، ثم جعل الرهن
على الثاني أيضا صح، وكان رهنا عليهما معا، وجاز للشاهد أن يشهد بالرهن
على المجموع، وإن لم يفصل ذلك، سواء فسخ الرهن الأول وعقد لهما أو لا،
وكذا له أن يجعله على دين ثالث ورابع إلى ما شاء.
ولو رهن شيئا على حق ثم رهن آخر على ذلك الحق أيضا، جاز، وكانا
جميعا رهنين، سواء فسخا الرهن الأول وعقداه عليهما ثانيا، أو لا.
ولو مات وعليه دين مستوعب، فالأقرب عدم جواز رهن الوارث لتركته.
3699. الحادي عشر: لو رهن شيئا عند زيد، ثم رهنه عند آخر، فإن كان باتفاق
المرتهنين من غير إبطال الأول، كان رهنا على الحقين، ولو لم يعلما تخير الأول
في الفسخ والإمضاء، وكذا لو لم يعلم الأول، ولو أذن الأول على أن يكون رهنا
عند الثاني، ففي إبطال رهنه نظر.
3700. الثاني عشر: يجوز أخذ الرهن على الحق الحال والمؤجل،
بلا خلاف.
3701. الثالث عشر: لو كان له عليه ألف بغير رهن، فقال المقترض: أقرضني
ألفا أخرى على أن أرهنك شيئا على الألفين، جاز، وكذا لو قال: بعني عبدك على
أن أرهنك شيئا على الثمن والقرض.
478

الفصل الخامس: في الشروط
وفيه سبعة وعشرون بحثا:
3702. الأول: الرهن عقد قابل للشروط الصحيحة دون الفاسدة، والشرط
قسمان: صحيح لا ينافي مقتضى الرهن، وفاسد.
فالأول مثل أن يشترط كون الرهن في يد المرتهن أو عدل، أو بيعه عند
محل الدين، وهذا القسم لازم.
والثاني مثل أن يشترط كونه مبيعا عند حلول الأجل بالدين، وهل يفسد
الرهن بفساد الشرط؟ فيه نظر، والذي قواه الشيخ عدم الفساد (1) وهو جيد، وإذا لم
يفسد، لم يبطل البيع الذي اشترط فيه الرهن، ولا يثبت فيه خيار.
3703. الثاني: لو شرط المرتهن منافع الرهن لنفسه، فإن كان الرهن على
الدين لم يجز، سواء كان الدين مستقرا في الذمة، أو قرضا مستأنفا، لكن في
الدين المستقر يبطل الشرط خاصة دون الرهن، وفي القرض المستأنف يبطل
القرض والشرط معا دون الرهن، ولا فرق بين أن تكون المنافع أعيانا، كالنماء
المنفصل، أو منافع كالمتصل.
وإن كان في بيع، بأن يرهن على الثمن، ويشترط المرتهن المنافع لنفسه،

1. المبسوط: 2 / 244 - 245; ولاحظ الخلاف: 3 / 253، المسألة 61 من كتاب الرهن.
479

فإن كانت معلومة، كسكنى الدار سنة، صح البيع والرهن والشرط، وإن كانت
مجهولة بطل الجميع.
3704. الثالث: لو شرط أن يكون نماء الرهن رهنا، صح، ولو لم يشترط، لم
يدخل في الرهن على أقوى القولين.
3705. الرابع: لو شرط الراهن ألا يباع عند المحل إلا بما يرضى الراهن، أو
حتى يبلغ كذا، أو بعد محل الحق بشهر، لم يفسد الرهن، والوجه صحة الشروط،
سواء كان ذلك في قرض أو غيره من الحقوق.
3706. الخامس: لو رهن صندوقا بما فيه، ولم يعلم المرتهن المظروف، بطل
الرهن فيه خاصة، وصح في الصندوق، وكذا لو قال: رهنتك الصندوق دون ما
فيه، ولو قال: رهنتك الصندوق، وأطلق، صح فيه خاصة، ولم يدخل ما فيه.
أما لو قال: رهنتك الخريطة (1) بما فيها، صح في الخريطة خاصة، إن كانت
مقصودة بالارتهان، وكذا لو أطلق، ولو لم تكن مقصودة لم يصح فيهما.
3707. السادس: الرهن غير مضمون، فلو شرط الراهن ضمانه على المرتهن،
بطل الشرط وصح الرهن.
3708. السابع: إذا رهنه (2) إلى مدة معينة على أنه إن لم يقضه فيه، كان مبيعا
بالدين، بطل الرهن والبيع، ولا يكون مضمونا في المدة، ويكون مضمونا بعدها،
لأن فاسد كل من الرهن والبيع كصحيحه، فإن غرس المرتهن في مدة الرهن، أمر

1. الخريطة: وعاء من أدم وغيره يشد على ما فيه. مجمع البحرين.
2. وفي المبسوط: 2 / 244: وإن رهن أرضا إلى مدة...
480

بقلعه، وإن كان في مدة البيع، كان له قلعه، فإن لم يفعل قال الشيخ: تخير الراهن
بين إبقائه في أرضه وبين إعطائه ثمن الغرس، وبين مطالبته بالقلع على أنه
يضمن ما نقص الغراس بالقلع، وكذا البحث في البناء (1).
3709. الثامن: لو ارتهن نخلا مؤبرا، لم تدخل الثمرة إلا بالشرط، وكذا لو
كانت غير مؤبرة، أو لم تكن موجودة، وكذا لو رهنه غنما عليها صوف، وأرضا
فيها بناء أو غرس، لم يدخل ما فيهما إلا بالشرط، ولو رهن شجرا أو بناء صح،
ولا يدخل قرار البناء ولا معارش الشجر فيه.
ولو رهن الشجر أو البناء، لم يدخل البياض الذي بينه، وكذا لو كانت
بيضاء ثم صار فيها نخل وشجر، سواء أنبته الراهن، أو حمله السيل، ولا يجبر
الراهن على قلعه على إشكال، فإن قام ثمن الأرض خاصة بالدين، بيعت دون
النابت بها مع امتناعه من القضاء، ولو شرط دخول النخل ثم اختلفا في تجدد
بعضه بعد الرهن، حكم لمن يشهد له الظاهر، ولو احتمل الأمران، قدم
قول الراهن.
3710. التاسع: لو دفع رهنا، وشرط المرتهن في العقد أن يكون وكيلا في
بيعه عند المحل، جاز، وصح البيع، سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا، وكذا لو
شرط الوكالة لغيره، وليس للراهن فسخ الوكالة، ولو مات، بطلت دون الرهانة،
ولو مات المرتهن، لم تنتقل الوكالة إلى الوارث إلا مع الشرط.
3711. العاشر: لو شرط المرتهن وضع الرهن تحت يده، جاز، وكذا لو

1. المبسوط: 2 / 244.
481

شرط (1) وضعه على يد عدل ويكون قبض العدل قبضا للرهن، وكذا لو شرط أن
يبيعه العدل عند محله، ولا يكون شرطا في الوكالة، وهل للراهن عزل العدل عن
الوكالة؟ الذي قواه الشيخ نفي ذلك، (2) وكذا البحث في المرتهن لو عزل العدل
عن البيع، لكن النفي هنا أقوى، ومع الحلول يفتقر العدل في بيعه إلى تجديد إذن
المرتهن، أما الراهن فلا يفتقر إلى تجديد إذنه.
3712. الحادي عشر: لو مات العدل، فإن اتفقا على وضعه عند أحدهما أو
آخر، جاز، وإلا وضعه الحاكم عند من يرتضيه، ولو كان في يد المرتهن فمات،
لم يجبر الراهن على تركه في يد الورثة، ويضعه الحاكم مع التشاجر عند
من يختاره.
3713. الثاني عشر: إذا عينا للعدل جنسا وقدرا، لم يجز العدول، وإن
أطلقا، باع بثمن المثل حالا من نقد البلد، فإن خالف، كان لكل منهما فسخه،
وتستعاد العين.
ولو كانت تالفة، تخير الراهن في الرجوع على العدل بكمال القيمة،
فيرجع بها على المشتري، وعلى المشتري بالكمال، فلا يرجع على العدل، ولو
كان النقص مما يتغابن الناس بمثله، صح البيع، ولا ضمان.
ولو زيد فيما باعه بثمن المثل أو بما يتغابن الناس به، بعد اللزوم، لم
ينفسخ (3) البيع، وإن كان في مدة الخيار، فالوجه عدم الفسخ.

1. في «أ»: وكذا لو شرطا.
2. المبسوط: 2 / 217.
3. في «ب»: لم يفسخ.
482

3714. الثالث عشر: إذا باع العدل الرهن وقبض الثمن، كان في ضمان الراهن
إلى أن يقبضه المرتهن.
3715. الرابع عشر: إذا مات الراهن انفسخت وكالة العدل، ويلزم الوارث
بالقضاء أو بيع الرهن، ولو امتنع منهما، نصب الحاكم بائعا يقضي من ثمنه الدين،
فلو تلف الثمن في يده، واستحق الرهن، نزعه الحاكم إلى المستحق من يد
المشتري بعد إحلافه، ولا ضمان على العدل.
فإن كان الرهن شرطا في بيع. تخير المرتهن في فسخه، ويضرب
المشتري في تركة الراهن كغيره من الغرماء، ولا يرجع على العدل، وكذا يرجع
المشتري على الراهن لو كان حيا، وباع الوكيل، وقبض الثمن، واستحق الرهن
في يد المشتري.
وكذا كل وكيل باع وقبض الثمن واستحق المتاع، مع علم المشتري
بالوكالة، وليس للمشتري الرجوع على الوكيل، ثم يرجع الوكيل على الموكل.
ولو استحق بعد دفع الثمن إلى المرتهن، رجع المشتري على المرتهن،
ولو رده المشتري بعيب، رجع على الراهن، ولو لم يعلم المشتري بوكالة العدل،
رجع عليه، ورجع هو على الراهن إن أقر، ولو أنكر، فإن لم تكن مع العدل بينة،
حلف الراهن.
3716. الخامس عشر: العدل أمين لا يضمن ما يتلف في يده، إلا مع التفريط أو
التعدي، فلو ضاع الثمن منه كان القول قوله مع اليمين في عدم التفريط، ويتلف
من ضمان الراهن لا المرتهن، ولو ادعى تسليم الثمن إلى المرتهن، كان القول
قول المرتهن مع يمينه إذا لم تكن للعدل بينة، فإذا حلف المرتهن،
483

تخير في الرجوع على العدل بأقل الأمرين من القيمة والدين، ولا رجوع للعدل
على الراهن، وفي الرجوع على الراهن، فيرجع الراهن على العدل إلا أن يكون
الدفع بحضرته أو يكون قد أشهد اثنين فغابا أو ماتا.
ولو باع بدين ضمن إلا أن يأذنا له (1).
3717. السادس عشر: لو اختلفا فيما يباع به، بيع بنقد البلد، سواء كان من
جنس الدين أو لا، وسواء وافق قول أحدهما أو لا، ولو كانا من نقد البلد، بيع
بأغلبهما (2) فإن تساويا، بيع بأوفرهما حظا، فإن تساويا بيع بجنس الحق، ولو
خالفهما، بيع بالأسهل صرفا إلى جنس الحق، فإن تساويا عين الحاكم.
3718. السابع عشر: لو تغيرت حال العدل بفسق، أو ضعف عن حفظ الرهن،
أجيب طالب إخراجه من يده، وكذا لو ظهرت عداوته لأحدهما، ثم إن اتفقا على
رجل وضع عنده، وإلا وضعه الحاكم، ولو اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم،
فإن ثبت نقله، وإلا أقره في يده، وكذا لو كان في يد المرتهن فادعى الراهن تغير
حاله، ولو مات العدل، لم يكن لورثته إمساكه إلا بالتراضي.
3719. الثامن عشر: للعدل رده عليهما، ويجب قبوله، فإن امتنعا أجبرهما
الحاكم، فان امتنعا، نصب الحاكم أمينا، وليس له رده إلى الحاكم قبل رده عليهما،
ويضمن بذلك، وكذا يضمن الحاكم، وكذا لو تركه العدل عند أمين مع
وجودهما، يضمن هو والأمين، ولو امتنعا ولا حاكم، جاز له وضعه عند أمين،
ولو امتنع أحدهما، فدفعه إلى الآخر، ضمن هو وإياه.

1. قال الشيخ في المبسوط: ولو باع العدل الرهن بدين كان ضامنا له لأنه مفرط. المبسوط: 2 / 220.
2. أي لو كان في البلد نقدان بيع بأغلبهما.
484

ولو كانا غائبين، وللعدل عذر من مرض، وسفر وغيرهما، قبضه الحاكم
أو من ينصبه، ولو تعذر الحاكم، جاز إيداعه من ثقة، ولو أودعه الثقة مع وجود
الحاكم ضمن، ولو لم يكن له عذر، لم يجز له التسليم إلى الحاكم، ولو كان
أحدهما غائبا، لم يسلم إلى الحاضر.
3720. التاسع عشر: يجوز لهما نقله من العدل متفقين، ولو اختلفا، لم ينقل
بقول أحدهما، ويجوز جعل الرهن في يد عدلين، ولهما إمساكه، فإن رضي
أحدهما بإمساك الآخر وحده لم يجز، وكذا لا يجوز أن يقتسما الرهن، سواء كان
ممكن القسمة من غير ضرر أو معه.
3721. العشرون: لو جنى على الرهن في يد العدل، وجبت القيمة على
الجاني، وكانت رهنا، ويحفظها العدل، وليس له بيعها مع الحلول.
3722. الواحد والعشرون: لو غصبه المرتهن وجب عليه رده، ويبرأ بالتسليم
إلى العدل، ولو كان في يد المرتهن، فتعدى فيه، ثم زال (1) التعدي، أو سافر به ثم
رده، لم يسقط الضمان.
3723. الثاني والعشرون: إذا استقرض ذمي من مسلم، ورهن عنده خمرا، لم
يصح، وإن وضعها على يد ذمي، فإن باعها الذمي من ذمي، وجاءه بالثمن، أجبر
على قبضه أو الإبراء، ولو جعلت على يد مسلم، فباعها على ذمي، أو باعها
الذمي من مسلم، لم يجبر على قبض الثمن.
3724. الثالث والعشرون: لو اتفقا على وضعه على يد عبد، لم يصح إلا بإذن

1. في «أ»: أزال.
485

مولاه، سواء كان بجعل أو لا. ولو اتفقا على الوضع عند المكاتب صح، إن كان
بجعل، وإلا فلا.
3725. الرابع والعشرون: لو باع وشرط الارتهان على الثمن، جاز إذا كان
معلوما بالمشاهدة أو الصفة، كالسلم، فإن وفى المشتري، وإلا تخير البائع بين
الفسخ والإمضاء بغير رهن، وكذا يصح لو شرط الحميل (1) مع العلم بالإشارة أو
الاسم، وفي الصفة بأن يقول: رجل غني ثقة، إشكال.
ولو امتنع الحميل من الضمان، تخير البائع في الفسخ والإمضاء، ولو جاء
المشتري بغير الرهن أو الحميل المشترطين، لم يجبر البائع على القبول، وإن كان
أكثر من قيمة المشروط.
ولو شرط شهادة اثنين، فأتاه بمثلهما (2) فالأقرب عدم اللزوم، ولو جهلا
الحميل أو الرهن، بطل الرهن، وتخير البائع في الفسخ والإمضاء.
ولو شرط رهن أحد الشيئين من غير تعيين، لم يصح.
3726. الخامس والعشرون: لو لم يشترطا (3) رهنا، وتبرع المشتري به، لزمه.
3727. السادس والعشرون: لو شرط كون المبيع رهنا على الثمن، صح الرهن
والبيع، وقال الشيخ: يبطل الرهن (4) وليس بجيد، وكذا لو شرط أن يسلم إليه
المبيع، ثم يرده إليه رهنا، فإنه يصح البيع والرهن معا، وقال الشيخ: يبطلان معا (5)،
وهو جيد (6).

1. الحميل: الضامن.
2. في «أ»: بمثلها.
3. في «ب»: لو لم يشترط.
4. المبسوط: 2 / 235.
5. المبسوط: 2 / 235.
6. في «ب»: وهو حسن.
486

3728. السابع والعشرون: لو رهن المديون بشرط أن يزيده في الأجل، فسد
الرهن، والأجل غير لازم، قاله الشيخ، (1) وعندي فيه تردد.
الفصل السادس: في الأحكام
وفيه أربعة وأربعون بحثا:
3729. الأول: إذا فسخ المرتهن عقد الرهن، أو نزل عنه، أو قضاه الراهن الدين
أو أبرأه المرتهن منه، بطل الرهن، وكان أمانة في يد المرتهن، لا يجب رده إلا مع
المطالبة، ولو قضاه بعض الدين أو أبرأه من بعضه، لم ينفسخ شئ من الرهن،
وكان جميعه محبوسا على باقي الدين وإن قل.
3730. الثاني: إذا رهن المغصوب منه الغصب عند الغاصب، صح، ولا يزول
الضمان، وإن أذن له في القبض على إشكال، ولو قبضه المالك، ثم دفعه إلى
الغاصب رهنا، برئ من الضمان، وكذا لو أبرأه من الضمان من غير قبض، ولو
باعه عليه، سقط الضمان، وكذا البحث لو كان في يده بشراء فاسد.
ولو كان في يده عارية، فلا ضمان إلا أن تكون العارية مضمونة، فلا يزول
إلا بالإبراء، وعلى التقديرين يسقط انتفاع المرتهن.
3731. الثالث: إذا رهن عينين، فتلفت إحداهما قبل القبض، بطل الرهن فيها

1. المبسوط: 2 / 235.
487

خاصة، وكانت الأخرى رهنا على جميع الدين، ويتخير المرتهن إن كان الرهن
شرطا في البيع، وإن كان بعد القبض، بطل فيها أيضا، وصح في الباقية، ولا خيار،
وليس له المطالبة بالعوض.
3732. الرابع: إذا وطئ جارية، جاز له رهنها، فإن ظهر بها حمل، وولدت
لدون ستة أشهر أو لأكثر من عشرة أشهر من حين الوطء، استقر الرهن، وكان
الولد رقا، وإن كان لستة أشهر إلى تمام عشرة، كان حرا، ولم تخرج الأمة
عن الرهن.
ولو أقر الراهن بالوطء قبل العقد، فإن منعنا من رهن أم الولد، لم يصح
رهنها، وإلا جاز، ولو كان بعد العقد، لم يؤثر في فساد الرهن، والوجه صيرورتها
أم ولد، لا يجوز بيعها ما دام الولد حيا.
3733. الخامس: الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن، فليس
لكل واحد منهما التصرف فيه ببيع، ولا هبة، ولا إجارة، ولا سكنى ولا وطء، ولا
غير ذلك، فلو وطئ الراهن، فعل حراما، سواء كانت من ذوات الحمل أو لا، لكن
لا حد عليه ولا مهر.
ولو أتلف بوطئه جزءا كالافتضاض أو الإفضاء، ضمن الأرش، وجعل
رهنا، ولو أحبلها، صارت أم ولد، ولم تخرج من الرهانة، سواء كان موسرا أو
معسرا، لكن لا تباع ما دام الولد حيا.
ولو ماتت بالولادة، ضمن الراهن القيمة، [و] تكون رهنا، وهل تعتبر
القيمة حين التلف، أو حين الإحبال، أو أكثر ما كانت منهما؟ فيه إشكال، ولو
نقصت قيمتها، كان عليه الأرش، يكون رهنا، ولو بقيت على حالها، لم يجز بيعها
مع حياة ولدها.
488

وقيل: يجوز، لسبق حق المرتهن، فإن استوعب الدين القيمة، بيعت، وإلا
لم يجز بيع الفاضل إلا أن يوجد (1) من يشتري المقابل للدين خاصة، فإن بيع
مقابل الدين، انفك الباقي من الرهن، فإن مات الراهن عتق، وكان الباقي رقا
للمشتري لا يقوم على الميت، ولو رجعت إلى الراهن، ثبت لها حكم الاستيلاد.
أما لو وطئها بإذن المرتهن، فإنها تصير أم ولد مع الحبل، ولا تخرج من
الرهن، ولا يجب عليه أرش ولا قيمة، لو نقصت أو ماتت بالولادة، ولو رجع بعد
الوطء لم ينفع، ولو رجع قبله، وعلم الراهن، فالحكم كما لو لم يأذن، ولو لم
يعلم، فالحكم كما لو لم يرجع.
3734. السادس: لا يجوز للراهن ضرب الجارية لتأديب وغيره، إلا بإذن
المرتهن، وبدونه يضمن العيب والعين، ولو أذن المرتهن، فلا ضمان لو عابت
أو تلفت.
3735. السابع: ليس للراهن عتق الرهن، فإن فعل كان موقوفا على إجازة
المرتهن، سواء كان موسرا أو معسرا، فإن فسخه، بطل العتق، واستقر الرهن، وإن
أجازه، صح العتق، وبطل الرهن، وليس له المطالبة بالعوض، ولو انتفت الإجازة
والفسخ، استقر الرهن، فإن بيع بطل العتق، وإن فك ففي نفوذ العتق
حينئذ إشكال.
ولو أعتقه بإذن المرتهن، صح، وبطل الرهن، ولو رجع في الإذن، كان
حكمه ما تقدم في رجوعه في الإحبال، أما المرتهن لو أعتقه لم ينفذ، وإن أجاز
المالك، ولو سبق الإذن جاز.

1. في «ب»: «أن لا يوجد» والصحيح ما في المتن.
489

3736. الثامن: لو ادعى الراهن إذن المرتهن في الإحبال أو الإعتاق، فالقول
قول المرتهن مع اليمين وعدم البينة، فإن حلف كان كما لو لم يأذن، وإن نكل،
حلف الراهن، وكان كما لو أذن، ولو نكل ففي إحلاف الجارية إشكال.
ولو اختلف الراهن وورثة المرتهن، حلفوا على نفي العلم، ولو اختلف
المرتهن وورثة الراهن، حلف المرتهن على نفي الإذن، أو الورثة على
إثباته قطعا.
3737. التاسع: إذا اعترف المرتهن بالإذن في الوطء، وفعله، وولادة المرأة، لا
التقاطه ولا استعارته ومدة الحمل، لم يقبل إنكاره كون الولد منه، ولا يمين على
الراهن، ولو أنكر أحد الأربعة (1) فالقول قوله مع اليمين.
3738. العاشر: لو وطئها المرتهن من غير إذن، حد مع العلم، والولد رقيق
للراهن، وعليه مهر المثل إن أكره الجارية، أو كانت نائمة، ولو طاوعته، فلا مهر
على إشكال.
ولو ادعى الجهل بالتحريم، صدق مع إمكانه، ويسقط الحد، ولحقه الولد
حرا، وعليه قيمته وقت سقوطه حيا، والمهر مع الإكراه لا مع المطاوعة، ولو
كانت جاهلة، ثبت المهر أيضا.

1. وهي عبارة:
1 - اعتراف المرتهن بإذنه للراهن للوطء.
2 - اعترافه بأنه وطأ وهو المراد من قول المصنف (وفعله).
3 - اعترافه بولادة المرأة.
4 - اعترافه بمضي مدة الحمل، فحينئذ لم يقبل انكار المرتهن بأن هذا الولد من غير
الراهن. وبذلك ظهر معنى العبارة. لاحظ المبسوط: 2 / 207.
490

والأقرب عندي ثبوت العشر مع البكارة ونصفه مع الثيوبة في كل موضع
أوجبنا المهر فيه.
ولو أذن الراهن، جاز الوطء ولا حد، ولا مهر، سواء طاوعته أو أكرهها،
والولد حر ولا قيمة على الأب، وقول الشيخ في المبسوط: إذا أذن الراهن لم يجز
الوطء (1) محمول على انتفاء لفظ التحليل، ولا تصير أم ولد في الحال، ولو ملكها
المرتهن صارت أم ولده.
3739. الحادي عشر: إذا أذن المرتهن في البيع قبل الأجل، صح البيع، ولم
يجب جعل الثمن رهنا، إلا أن يشترط في الإذن، فيصح البيع، ويلزمه الشرط، ولا
يجب التعجيل (2).
ولو قال المرتهن: أردت بإطلاق الإذن أن يكون ثمنه رهنا، لم يلتفت إلى
قوله، ولو اختلفا، فقال المرتهن: أذنت بشرط أن يعطيني حقي، وقال الراهن: بل
مطلقا، قال الشيخ: القول قول المرتهن، لأن القول قوله في أصل الإذن فكذا في
صفته (3) وعندي فيه إشكال، وكذا لو قال: أذنت بشرط جعل الثمن رهنا، وقال
الراهن: بل مطلقا.
ولو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل، لم يجز للمرتهن التصرف
في الثمن إلا بعد الأجل، ولو كان بعد حلوله، جاز.
3740. الثاني عشر: لو رجع في إذن البيع بعده، لم يؤثر في صحته، ولو كان

1. المبسوط: 2 / 209.
2. ان التعجيل في أداء الدين من ثمن الرهن.
3. المبسوط: 2 / 210.
491

قبله، وعلم الراهن لم يصح، وإن لم يعلم قال الشيخ: الأولى صحة الرجوع
وبطلان البيع (1).
ولو قال: بعت بعد رجوعي، فقال: بل قبله، فالقول قول المرتهن.
3741. الثالث عشر: لو كان الحق حالا أو مؤجلا ثم حل فأذن (2) المرتهن في
البيع، كان الثمن رهنا، إلا أن يقضيه منه أو من غيره.
3742. الرابع عشر: لو رهن عبدا ثم دبره، قال الشيخ: يبطل التدبير (3) ولو قيل
بكونه موقوفا على إذن المرتهن، كان وجها، فإن انفك قبل موت المولى بقي
مدبرا، وإن باعه في الدين، بطل التدبير، وان امتنع من البيع والرجوع في التدبير،
بيع عليه، وإن مات وقضى من غيره عتق من الثلث، وإن لم يكن غيره وكان
الدين مستغرقا بيع به، وإن فضل من قيمته، عتق ثلث الفاضل.
3743. الخامس عشر: لو قال المرتهن: أذنت لرسولك في رهنه بعشرين،
فقال: بل بعشرة، فالقول قول الراهن مع يمينه وعدم البينة، ثم الرسول إن صدق
الراهن، فالغريم الراهن، وليس على الرسول يمين، وإن صدق المرتهن،
فكذلك، ولا يرجع المرتهن عليه بشئ، ولا تقبل شهادة الرسول لأحدهما.
3744. السادس عشر: لو قال: رهنت هذا، فقال: بل هذا، خرج ما أنكره
المرتهن عن الرهن، وحلف الراهن عن الآخر، وبقي الدين بلا رهن، وكذا لو
قال: أذنت في رهن هذا، فقال: بل في هذا.

1. المبسوط: 2 / 209.
2. في «أ»: «فإن أذن» والصحيح ما في المتن.
3. المبسوط: 2 / 213.
492

ولو أقام المرسل بينة انه أذن في رهن ما ادعاه والنهي عن رهن الآخر،
وأقام المرتهن البينة بالعكس، ثبت ما ادعاه المرتهن.
ولو أنكر الإذن للرسول في الرهن، فالقول قوله مع اليمين.
ولو قال: لم أرهن الثوب، أو لم آذن في رهنه، وإنما رهنت عندك عبدا
وقد قتلته، وعليك قيمته، فالقول قوله في الثوب، وقول المرتهن في براءة ذمته.
3745. السابع عشر: إذا حل الحق، وجب على الراهن إيفاء الدين مع المطالبة،
فإن قضاه من غيره، انفك، وإلا طولب ببيعه، فإن امتنع، كان للمرتهن بيعه إن كان
وكيلا، وإلا رفع أمره إلى الحاكم، وللحاكم حبسه وتعزيره حتى يبيع، وبيعه
بنفسه.
3746. الثامن عشر: لو جنى المرهون على عبد الراهن، فان لم يكن رهنا، كان
للمولى القصاص، إلا أن يكون المقتول ابن القاتل، وليس له العفو على مال،
سواء كان المقتول قنا، أو مدبرا، أو أم ولد للمولى.
وإن كان مرهونا عند غير المرتهن، كان للمولى القصاص أيضا، وله العفو
على مال، فإن قصر أرش الجناية عن قيمة القاتل، بيع بقدر الأرش يكون رهنا
عند مرتهن المجني عليه، ولو لم يرغب أحد في شراء البعض، بيع الجميع،
وكان باقي أرش الجناية رهنا عند مرتهنه، وإن تساويا، أو كان الأرش أكثر، بيع
الجميع، وكان الثمن رهنا عند مرتهن المجني عليه.
ويحتمل انه ينقل إلى يد مرتهن المجني عليه رهنا، وينفك من رهن
مرتهنه مع عدم راغب في شرائه بالأزيد من القيمة.
493

ولو كان رهنا عند مرتهن الجاني، فإن اتحد الحق، فالجناية هدر، وإن
تعدد، فإن تساوت القيمتان، وتساوى الحقان قدرا وجنسا، فالجناية هدر، إلا أن
يكون دين المقتول أصح وأثبت من دين القاتل، بأن يكون مستقرا، ودين القاتل
عوض شئ يرد بعيب، أو صداقا قبل الدخول فيحتمل نقله وعدمه، ومع النقل
يباع، ويكون الثمن رهنا، أو يتفقا على التبقية.
وإن اتفقت القيمتان واختلف الحقان، بأن تكون قيمة كل منهما مائة،
ودين أحدهما مائة والآخر مائتين، لم ينقل إن كان دين القاتل أكثر، وإلا نقل.
وإن انعكس الفرض (1) لم ينقل إن كانت قيمة المقتول أكثر، وإن كانت قيمة
القاتل أكثر، بيع بقدر الجناية يكون رهنا بدين المجني عليه، ويبقى الباقي رهنا
بدينه، ولو اتفقا على التبقية، وجعله رهنا بالدينين، جاز.
ولو كان أحد الدينين مؤجلا والآخر معجلا، بيع القاتل بكل حال، فإن كان
دين المقتول معجلا، بيع القاتل ليستوفى دية المقتول منه، وإن بقى منه شئ كان
رهنا بدينه، وإن كان دين القاتل معجلا، بيع واستوفى المعجل، فإن بقى منه
شئ، كان رهنا بدين المقتول.
3747. التاسع عشر: إقرار العبد بما فيه قصاص أو دية باطل، سواء كان مرهونا
أو غير مرهون.
3748. العشرون: إذا جنى المرهون، تخير المولى بين افتكاكه بأرش الجناية،
ويبقى رهنا على حاله، وبين تسليمه للبيع، وللمرتهن حينئذ افتكاكه بالأرش

1. بأن يتفق الدينان وتختلف القيمتان.
494

أيضا، ويرجع على الراهن إن أذن له، وإن لم يأذن، قال الشيخ: يرجع أيضا (1)
وعندي فيه نظر.
3749. الواحد والعشرون: لو أمر السيد عبده المرهون بالجناية، وكان بالغا
عاقلا مختارا، تعلق الإثم بالمولى والجناية برقبة العبد، والحكم كما تقدم. وإن
أكرهه فكذلك عندنا تتعلق الجناية برقبة العبد، ولو لم يكن بالغا وكان مميزا،
فكذلك على ما روي من ثبوت القصاص على من بلغ عشر سنين (2) على
إشكال. ولو لم يكن مميزا كان الجاني هو المولى، والقصاص عليه، والمال في
ذمته، فإن كان له غير العبد دفع منه، وإن لم يكن قال الشيخ. الأحوط أن لا يباع
العبد في الجناية. (3)
3750. الثاني والعشرون: يجوز أن يستعير شيئا ليرهنه، ويكون مضمونا
بالقيمة، إن تلف أو تعذر إعارته أو بيع بها. وإن بيع بالأكثر كان له المطالبة بما بيع
به، وهل يرجع بأعلى القيم أو بالقيمة وقت الإقباض أو التلف؟ إشكال.
ولو رجع عن الإذن قبل العقد، لم ينعقد الرهن، وإن كان بعده، لم يصح
الرجوع، والأقرب جواز إذنه في الرهن مطلقا، إلا أنه إن عين الحق والقدر
والحلول أو التأجيل، لم يجز للمستعير المخالفة، إلا أن يرهنه بالأدون، ولو رهنه
بالأزيد، بطل في الزائد، وصح في المأذون فيه، على إشكال.
ولو أذن في الحال، فرهن مؤجلا، أو بالعكس، لم يصح، فإن رهنه على

1. المبسوط: 2 / 226.
2. نقله الشيخ في المبسوط: 2 / 227 ولم نعثر عليه في الجوامع الحديثية.
3. المبسوط: 2 / 227.
495

دين حال بإذنه، كان له المطالبة بفكاكه، ولو أذن في المؤجل، فالأقرب انه ليس
له المطالبة بافتكاكه قبل الأجل.
ولو تلف العبد في يد المرتهن بغير تفريط، أو جنى فبيع في الجناية، رجع
صاحبه على الراهن بالقيمة، ولو طالب المالك الراهن بفكاكه، فامتنع، ففكه
صاحبه بغير إذنه، لم يرجع، وإن كان بإذنه رجع وإن لم يشترط الرجوع، ولو
اختلفا في الإذن، فالقول قول الراهن، فإن أقام السيد البينة بالإذن رجع، ولو شهد
له المرتهن، فالوجه قبول شهادته.
3751. الثالث والعشرون: لو استعار من رجل شيئا للرهن، ثم دفع نصف
الدين، لم ينفك من الرهن شئ حتى يقضي الجميع، ولو استعار من اثنين،
فرهن عند واحد، وقضاه نصف الدين عن أحد النصفين، احتمل الأول وأن
ينفك نصفه، فإن علم المرتهن تعدد المالك فلا خيار، وإلا احتمل ثبوته وعدمه.
ولو كان هذا العبد رهنا عند اثنين، فقضى أحدهما، انفك نصف نصيب
كل واحد منهما، ولو جعل الرهن رهنا على كل جزء من الدين، لم ينفك من
الرهن شئ في هذه الصور كلها.
3752. الرابع والعشرون: إذا جني على المرهون، كان الخصم المولى لا
المرتهن، وله أن يحضر الخصومة ليأخذ ما يحصل للمالك، وكذا العبد
المستأجر والمودع، الخصم فيهما المالك، فإن قامت البينة، وإلا حلف المنكر،
فإن نكل، ردت على الراهن لا المرتهن، وإن نكل الراهن، سواء كانت عمدا أو
خطأ، فإن كانت عمدا، كان للمولى القصاص، وإن لم يرض المرتهن، ولو عفا
على مال تعلق به حق المرتهن ولو عفا مطلقا أو على غير مال، فلا قصاص
496

ولا دية، فإن عفا على مال أو كانت الجناية خطأ، يثبت من نقد البلد، ولو أراد
أخذ العوض افتقر إلى إذن المرتهن، ويكون المأخوذ رهنا، ولو أبرأ الراهن
الجاني من الأرش لم يصح، وإن سقط حق المرتهن بعد ذلك.
ولو قال المرتهن: أسقطت حقي من ذلك، سقط حقه، وكان للراهن، ولو
قال المرتهن: أسقطت الأرش، أو أبرأت منه، لم يصح، وهل يسقط حقه بذلك
من الوثيقة فيه؟ يحتمل الأمرين، وأقربهما السقوط.
3753. الخامس والعشرون: لو كان الرهن أمة حاملا، فضربها ضارب فألقت
جنينا ميتا، لزم الجاني عشر قيمة أمة للراهن، إلا أن يشترط المرتهن رهانة النماء،
ولا يجب أرش ما نقص بالولادة، ولو كانت دابة، وجب أرش ما نقص بوضعه
يكون رهنا، ولا يجب بدل الجنين.
ولو ألقت حيا ثم مات، وجب قيمة الولد دون النقص والقيمة للراهن، لا
حق للمرتهن فيها، قال الشيخ: ولا يجب أكثر الأمرين من قيمة الولد أو أرش ما
نقصت الأم (1).
3754. السادس والعشرون: إذا جني على الرهن، وجهل الجاني، فأقر شخص
بالجناية، فإن كذباه، سقط حقهما، وإن صدقه الراهن خاصة، سقط حق المرتهن
من الوثيقة، وكان للراهن، وإن صدقه المرتهن، سقط حق الراهن، وتعلق حق
المرتهن بالأرش، ثم إن قضاه الراهن من ماله، أو أبرأه المرتهن، رجع الأرش إلى
المقر.
3755. السابع والعشرون: إذا حدث في الرهن عيب في يد المرتهن، لم

1. المبسوط: 2 / 231.
497

يضمنه إلا مع التعدي أو التفريط، ولا يثبت له خيار في البيع الذي شرط
فيه الرهن.
ولو اختلفا فقال الراهن: حدث عندك، وقال المرتهن: قبل القبض، فان
كان في قرض أو ثمن لم يشترط فيه الرهن، لم يكن للاختلاف معنى، وإن كان
مشروطا في البيع، قدم قول من يشهد الحال له، ولو تساويا في الاحتمال،
فالقول قول الراهن، عملا بصحة العقد.
ولو قتل الرهن بردة، أو قطع في سرقة قبل القبض، كان له فسخ البيع
المشروط به.
ولو وجد المرتهن عيبا في يد الراهن، فله الرد وفسخ البيع، ولو مات
الرهن، أو حدث فيه عيب قبل رده، لم يكن له رده وفسخ البيع; قاله الشيخ: (1)
والأقرب عندي جواز رده مع العيب المتجدد بالعيب القديم، ولو رهن عبدين
فسلم أحدهما، فمات في يد المرتهن، وامتنع من تسليم الآخر، لم يكن
للمرتهن خيار فسخ البيع، قاله الشيخ: (2) وكذا لو تجدد فيه عيب وامتنع من
تسليم الآخر (3) والأقوى عندي ثبوت الخيار له في الموضعين.
3756. الثامن والعشرون: إذا اتفقا على أن العدل قبض الرهن، لزم الرهن، وإن
أنكر العدل، سواء قلنا باشتراط القبض أو لا، ثم إن اتفقا على تركه في يد من
شاءا جاز، وإلا دفعه الحاكم إلى الثقة.
3757. التاسع والعشرون: الوارث كالموروث إلا في شيئين أحدهما حلول

1. المبسوط: 2 / 234.
2. المبسوط: 2 / 234.
3. المبسوط: 2 / 234.
498

الدين المؤجل بموت من عليه، والثاني امتناع الراهن من تركه في يد الوارث إذا
لم يشترط المرتهن.
3758. الثلاثون: لو قال الراهن: رهنتك أحد العبدين اللذين في يدك، فقال
المرتهن: بل هما، فالقول قول الراهن، ولو قال: رهنتك على خمسمائة من
الألف التي لك علي، فقال: بل على الجميع فالقول قول الراهن، وكذا القول قول
الراهن في قدر الدين.
ولو قال لاثنين: رهنتماني عبدكما على الدين الذي عليكما، فالقول
قولهما مع اليمين، ولو صدقه أحدهما، ثبت الرهن في حقه، وحلف الآخر، ولو
شهد عليه شريكه، قبل مع اليمين، ولو أنكراه، وشهد كل على صاحبه، فالوجه
جواز حلف صاحب الدين مع كل واحد، ويثبت ما ادعاه، ولا يقتضي الإنكار
فسقا، لاحتمال الشبهة، كالمتخاصمين.
والقول قول الراهن في دعوى قضاء الدين بالرهن، لو كان عليه آخر بغير
رهن، سواء ادعى التلفظ بذلك أو لا، مع النية.
ولو اتفقا على الإطلاق ولم يدع القاضي نيته، احتمل أن يعينه بأي الدينين
شاء. وأن يكون بينهما، وكذا لو أبرأه المرتهن عن أحد الدينين ثم اختلفا، فالقول
قول المرتهن، ومع الإطلاق يحتمل الأمران.
ولو قال: لم أسلم الرهن إليك بل آجرتك، أو غصبتنيه، أو آجرته
لغيرك فحصل في يدك، وادعى المرتهن الإقباض، فالقول قول الراهن في
عدم الإقباض.
3759. الواحد والثلاثون: منافع الرهن للراهن، سواء كانت منفصلة أو
499

متصلة، لكن المتصلة تتبع الرهن، كالسمن، أما المنفصلة مثل سكنى الدار،
وخدمة العبد، وثمرة الشجرة، وحمل الدابة - سواء كانت موجودة حال الارتهان
أو بعده - فلا تكون رهنا، سواء كانت ولدا أو غيره، وليس للراهن سكنى الدار
ولا إسكانها بإجارة ولا عارية، لكنه إن آجر كانت الأجرة له.
ولو كان الرهن أمة لم يجز للراهن استخدامها، وتوضع على يد امرأة أو
عدل، وليس للراهن وطؤها، وإن لم تكن من ذوات الحبل.
وليس له أن يغرس في الأرض، فإن غرس لم يقلع، ولو رهن شجرا يقصد
ورقه كالتوت والحناء والآس، لم يدخل في الرهن.
ويجوز له تزويج العبد المرهون والجارية المرهونة، لكن لا يسلم
الجارية إلا بعد الانفكاك.
3760. الثاني والثلاثون: يجب على الراهن الإنفاق على الرهن، ولو جنى
عليه، كان عليه المداواة، وكذا لو مات المرهون كان عليه مؤنة تجهيزه ودفنه،
وكذا أجرة مسكنه وحافظه على الراهن، وكذا أجرة من يرد العبد من الإباق.
ولو كان الرهن ماشية، لم يكن للراهن إنزاء فحولتها على إناثه أو إناث
غيره، وكذا لا ينزي عليها لو كانت إناثا، سواء ظهر الحمل قبل حلول الدين أو لا،
وقال الشيخ: لا يجوز للمرتهن منعه من ذلك في الذكور والإناث (1).
ولو أراد الراهن رعي الماشية لم يكن للمرتهن منعه، وتأوى ليلا إلى من
هي في يده، وليس له الانتقال بها مع وجود المرعى; ولو لم يوجد، كان له ذلك،

1. المبسوط: 2 / 238.
500

وليس للمرتهن منعه، لكنها تأوى ليلا إلى يد عدل يرتضيانه، أو الحاكم، ولو أراد
المرتهن نقلها مع الجدب، جاز، ولو أراد الانتقال، واختلفا، كان قول
الراهن أولى.
وللراهن ختن العبد وخفض الجارية في الزمان المعتدل، وليس للمرتهن
منعه إلا أن يكون الدين يحل قبل برؤهما، وينقص ثمنهما بذلك، فله المنع.
ولا يجبر الراهن على مداواة العبد، لعدم تحقق أنه سبب لبقائه، وقد يبرأ
بغيره، ولو أراد المداواة بما لا ضرر فيه، لم يكن للمرتهن منعه، وإلا كان له ذلك.
ولو أراد المرتهن مداواته مع عدم الضرر لم يكن للراهن منعه وليس له
الرجوع على الراهن، ولو تحقق الضرر، لم يكن له.
ولو أراد الراهن تأبير النخل لم يكن للمرتهن منعه، وما يحصل من ليف
وسعف يابس (1) لا يتعلق به حق الرهن، لقيام المتجدد منهما مقامه، ولو كانت
النخل والشجر مزدحمة، وحكم أهل الخبرة بالتحويل، جاز، ولو جف منها
شئ، كان رهنا، بخلاف السعف.
3761. الثالث والثلاثون: لو ادعى اثنان على رجل الرهن والتسليم، فالقول
قول الراهن مع يمينه، سواء كان في يده أو يدهما أو يد أحدهما، ولو كانت مع
أحدهما بينة حكم بها، وإن كانت معهما بينتان متساويتان، أقرع بينهما. ولو
صدق أحدهما كان رهنا عنده ويحلف للآخر، فان نكل أحلف الآخر وأخذت
القيمة رهنا.
ولو صدقهما وأقر بالسبق لأحدهما، فإن كان في يده، أو يد عدل، أو يد

1. السعف: جريد النخل وورقه. المعجم الوسيط: 1 / 391.
501

المقر له، كان رهنا عند المقر له، والأقرب إحلافه للآخر، فإن نكل أحلف الآخر،
وأخذ القيمة رهنا، ولو كان في يد الآخر فالمقر له أولى أيضا، ولو كان في
يدهما فكذلك.
وإن قال: لا أعلم، وصدقاه، انفسخ العقد مع عدم البينة، وإن كذباه، فالقول
قوله مع اليمين، فيكون كما لو صدقاه، ولو نكل حلفا، وينفسخ العقد،
ويحتمل القسمة.
3762. الرابع والثلاثون: لو رهن الأصل والثمرة صح، وإن كان الدين مؤجلا
تدرك الثمرة قبل حلوله، فإن كانت تجفف، فعل بها ذلك، وإلا باعها، وكان الثمن
رهنا، وكذا لو رهن الثمرة منفردة، سواء كانت مؤبرة أو لا، وسواء شرط القطع أو
لا، وكذا كل زرع قبل إدراكه أو بعده.
ولو رهن ما يخرج على التعاقب، كالباذنجان والخيار، صح رهن الخارج،
سواء كان الدين حالا، أو مؤجلا إلى أجل يحل قبل حدوث الثانية، أو بعده مع
التميز وعدمه، فإذا طرأت الثانية واختلطت، فإن سمح الراهن برهن الجميع، أو
اتفقا على قدر الرهن، فلا بحث، وإلا كان القول قول الراهن مع يمينه، وكذا
البحث في رهن الخرطة (1) مما يخرط، والجزة مما يجز.
ومؤنة الثمرة من السقي، والحافظ، وأجرة الصلاح والجذاذ والتشميس
على الراهن، مثل مؤنة الحيوان، وليس لأحدهما قطعها قبل بدو صلاحها إلا
باتفاق صاحبها (2) إلا أن يريد قطع بعضها للتخفيف عن الأصول، أو لدفع الفساد،

1. خرط الورق: قشره عن الشجرة والمراد ما إذا كان ورق الشجرة رهنا كالحناء وغيره.
2. في «ب»: إلا باتفاق من صاحبه.
502

أو لازدحام بعضها مع بعض، وإن كان بعد إدراكها جاز، وأجبر الممتنع إذا كان فيه
مصلحة لها.
ولو احتاجت إلى موضع تجفف فيه، كانت أجرة ذلك الموضع على
الراهن، ولو أراد المرتهن دفع ما يخرج عليها ويكون الرهن على الجميع جاز
مع الاتفاق، ولو كان الراهن غائبا تولى الحاكم أمرها، فإن أنفق المرتهن بغير إذنه،
لم يرجع مع القدرة عليه، وإلا فالأقرب الرجوع مع إشهاد عدلين.
3763. الخامس والثلاثون: الرهن في يد المرتهن أمانة لا يضمنه إلا بالتفريط
أو التعدي، ولا يسقط بتلفه شئ من حقه، ولو كان الدين أقل من قيمته لم
يضمن الفاضل، وسواء كان مما يخفى هلاكه، كالذهب والفضة، أو لا يخفى،
كالحيوان أو العقار.
ولو قضاه الدين وطالبه باستعادة الرهن، فإن أخره لعذر، لم يضمن، وإن
كان لغيره، ضمن أكثر ما كانت قيمته من حين المنع إلى حين التلف، ومع القضاء
أو الإبراء من الدين، يبقى أمانة غير مضمونة.
ولو استعار المرتهن الرهن من الراهن لينتفع به، لم يضمنه، ولو أتلفه
المرتهن أو أجنبي ألزم القيمة، ولا يكون وكيلا في القيمة لو كان وكيلا
في الأصل.
3764. السادس والثلاثون: لو ادعى المرتهن هلاك الرهن، فالقول قوله مع
اليمين، ولو ادعى رده على الراهن، لم يقبل إلا بالبينة، ولو بان استحقاق الرهن،
رده المرتهن على مالكه، وبطل الرهن، ولو تلف ضمنه المرتهن لمستحقه مع
التعدي أو التفريط، ولا يرجع على الراهن بما يأخذه المالك، وللمالك الرجوع
503

على الراهن فيرجع على المرتهن، ولو لم يفرط المرتهن فالوجه جواز رجوع
المالك عليه، ويرجع على الراهن، لغروره، ولو رجع على الراهن لم يرجع عليه.
ولو أسلم في طعام، وأخذ به رهنا، وتقايلا، برئت ذمة المسلم إليه من
الطعام، ووجب عليه رد مال المسلم، وبطل الرهن، وليس له حبسه على رأس
المال، ولو أعطاه به عينا أخرى جاز، ولو أقرضه ألفا برهن، فأخذ بالقرض عينا،
سقط الدين عن ذمته، وبطل الرهن، فإن تلفت العين في يد المقترض، انفسخ
العقد، وعاد القرض والرهن.
3765. السابع والثلاثون: إذا مات المرتهن ولم يعلم الورثة الرهن، كان كسبيل
ماله حتى تقوم البينة به، ولو مات الراهن أو أفلس، كان المرتهن أحق باستيفاء
دينه من غيره من الغرماء، ولو أعوز ضرب مع الغرماء بالفاضل.
3766. الثامن والثلاثون: إذا تصرف المرتهن بركوب، أو سكنى، أو إجارة،
ضمن وعليه الأجرة، ولو كان للرهن مؤنة كالدابة، أنفق عليها وتقاصا.
3767. التاسع والثلاثون: يجوز للمرتهن استيفاء دينه مما في يده إن خاف
جحود الوارث، ولا بينة له، ولو اعترف بالرهن، وادعى دينا، لم يقبل قوله إلا
بالبينة، وله إحلاف الوارث إن ادعى علمه.
3768. الأربعون: لو رهنه حبا فزرعه، أو بيضة فأحضنها فصارت فرخا، كان
الملك والرهن باقيين.
3769. الواحد والأربعون: إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث،
وللراهن الامتناع من تسليمه إليه، فإن اتفقا على أمين، وإلا دفعه الحاكم إلى
من يرتضيه.
504

3770. الثاني والأربعون: إذا اختلفا فقال أحدهما: هو وديعة، وقال الممسك:
هو رهن، فالقول قول المالك على خلاف.
3771. الثالث والأربعون: لو اكترى المرتهن الرهن من صاحبه، أو أعاره، لم
ينفسخ الرهن، سواء كان قبل القبض أو بعده، وكذا لو كان من غير صاحبه، لكنه
يكون حراما إلا بإذن الراهن، والأجرة للراهن، ولو اكترى شيئا ثم ارتهن الرقبة،
ثم أكراه، أو أوصى له بمنفعة عين ثم ارتهنها، ثم آجرها، لم ينفسخ الرهن، وكان
الكراء صحيحا.
ولو رهن عند شريكه، ثم باع، فطلب الشريك الشفعة، ففي كونه إجازة
للبيع نظر، ينشأ من كون الطلب موقوفا على صحة البيع المتوقفة على الإجازة،
ومن كون الإجازة رضا بالبيع، فتبطل الشفعة.
3772. الرابع والأربعون: لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل، فإن شرط
البيع جاز، وإلا بطل عند الشيخ (1) والأقوى عندي الجواز، ويجبر على بيعه،
ويكون الثمن رهنا.

1. المبسوط: 2 / 215 - 216; والخلاف: 3 / 241، المسألة 38 من كتاب الرهن.
505

المقصد الثالث: في المفلس
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في الشروط
وفيه سبعة مباحث:
3773. الأول: الفلس لغة مأخوذة من الفلوس التي هي أخس مال الرجل، وفي
الشرع اسم لمن عليه ديون لا يفي ماله بها، ومنع من التصرف في ماله.
ولا يتحقق الحجر إلا بشروط أربعة: ثبوت ديونه عند الحاكم، وحلولها،
وقصور أمواله عنها، والتماس الغرماء أو بعضهم الحجر.
3774. الثاني: لو سأل غرماؤه الحجر لم يحجر عليه إلا بعد ثبوت ديونهم
عنده. ويثبت بالبينة أو اعترافه، فإذا ثبتت الديون لم يحجر عليه حتى ينظر في
ماله هل يفي بديونه أم لا؟ فينظر كم عليه من الديون، ويقوم ماله بذلك، فإذا
قصرت حجر عليه، ويستحب أن يظهر الحجر عليه لتجتنب معاملته.
3775. الثالث: تقوم الأعيان التي أثمانها عليه، وتحتسب من أمواله، وإن كان
لأربابها الرجوع فيها، لأن أربابها بالخيار فيه.
507

3776. الرابع: إذا قوم الحاكم أمواله ووجدها قاصرة عن الديون الحالة، أجيب
من طلب الحجر، سواء كان بعض الغرماء أو جميعهم، ولو كانت أمواله تفي
بالديون، ولم تظهر أمارات الفلس، مثل أن تكون نفقته في كسبه، أو ربح رأس
ماله، لم يحجر عليه إجماعا، بل يؤمر بقضاء الديون، فإن امتنع حبسه، أو باع عليه
ماله، وإن ظهرت أمارات الفلس، مثل أن تكون نفقته من رأس ماله، لم يحجر
عليه، وإن سأل الغرماء.
3777. الخامس: لو ظهر للحاكم الفلس لم يحجر عليه تبرعا حتى يسأل
الغرماء ذلك، ولو سأل المفلس الحجر عليه، لم يجز للحاكم إجابته إلى ذلك، إلا
بعد مسألة الغرماء.
3778. السادس: إنما يحجر على المفلس إذا قصرت أمواله عن الديون الحالة،
أما المؤجلة فلا، فلو وفت أمواله بالحالة وقصرت عنها (1) لم يحجر عليه، ولو
قصرت عن الحالة، فحجر عليه، لم يشارك صاحب الدين المؤجل، ولا قسم له،
إلا أن يحل قبل القسمة، ولا تحل الديون المؤجلة بالحجر، وإن
حلت بالموت.
3779. السابع: إذا حجر الحاكم عليه، تعلق به أحكام أربعة: منعه عن التصرف
في ماله، وبيع أمواله وقسمتها، والمنع عن حبسه، واختصاص كل غريم بعين
ماله.

1. الضمير يعود إلى الديون المؤجلة. وفي المطبوع: «عنهما».
508

الفصل الثاني: في منعه عن التصرفات
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
3780. الأول: يمنع المفلس من كل تصرف مبتدأ يصادف المال الموجود
وقت الحجر، كالعتق، والرهن، والبيع، والكتابة، أما ما لا يصادف المال، كالنكاح،
والخلع، واستيفاء القصاص، والعفو عنه، والإقرار بالنسب، ونفيه باللعان،
والاحتطاب، والاستيهاب، وقبول الوصية، فإنه ماض.
3781. الثاني: إذا تصرف تصرفا يصادف المال عند الحجر، كان باطلا، ولم
يكن موقوفا، ولا فرق في البطلان بين التصرف بعوض، كالبيع، والإجارة، أو
بغير عوض، كالهبة، والعتق، والوقف، وسواء كان العوض مثل المعوض، أو
أزيد، أو أقصر.
ولو أقرضه إنسان بعد الحجر، أو باعه بثمن في الذمة، كان المال ثابتا في
ذمته، ولم يشارك صاحبه الغرماء.
3782. الثالث: إذا أقر بدين أضافه إلى ما قبل الحجر، قبل قوله، وشارك المقر
له الغرماء، وهل يفتقر إلى يمين؟ فيه إشكال، ولو كذبه الغرماء، وقلنا بوجوب
اليمين، حلف، فإن نكل ففي إحلاف الغرماء على المواطاة، أو المقر له إشكال،
ولو أقر بعين في يده، دفعت إلى المقر له، سواء كان هناك وفاء للباقين أو لا.
3783. الرابع: لو لزمه دين بعد الحجر باختيار صاحبه، كالقرض، والبيع،
509

لم يضرب به مع الغرماء، سواء علم صاحب المال بالحجر أو لا، وإن لم يكن
باختياره، كإتلاف مال، أو جناية، شارك من وجب له باقي الغرماء، ولو ادعى
عليه مال فجحده، فأقام المدعي بينة، شارك، ولو عدم البينة كان على المفلس
اليمين، فإن نكل حلف المدعي وثبت الدين، وشارك، كالإقرار.
3784. الخامس: لو جني عليه خطأ، تعلقت الديون بالدية، وليس له العفو، ولو
كان عمدا ثبت له القصاص، وله العفو على غير مال، وليس للغرماء منعه، وله
العفو على مال، فتتعلق به الديون، ولو عفا مطلقا، سقط القصاص والمال.
3785. السادس: لو شهد له عدل بمال، جاز له أن يحلف ليثبته، فيتعلق به حق
الغرماء، ولو امتنع لم يكن للغرماء أن يحلفوا، وكذا لا يحلف غرماء الميت مع
الشاهد الواحد بحق له.
3786. السابع: لو وهب قبل الحجر، وشرط الثواب (1) جاز، فإن عينه، فلا
بحث، وإن أطلق، احتمل (2) وجوب قيمة الموهوب، فلا يمضى قبول المفلس
للأقل، وما جرت به العادة أن يثاب بمثله، فليس له أن يرضى بدونه، وما يرضى
به الواهب فيكون له ما يرضاه وإن قل، ولا اعتراض للغرماء.
3787. الثامن: إذا تبايعا بخيار، وحجر عليهما قبل انقضائه، كان لكل منهما
إجازة البيع وفسخه من غير اعتراض، وكذا لو حجر على أحدهما وله خيار،
سواء كان الحظ في تصرفه أو لا، ولو كان له حق من سلم وغيره، لم يكن له
قبضه أقل أو أدون صفة إلا برضاء الغرماء.

1. أي العوض.
2. احتمل المصنف أمورا ثلاثة: 1 - وجوب قيمة الموهوب. 2 - ما جرت به العادة. 3 - ما يرضى
به الواهب. وبذلك تتضح العبارة. ولاحظ التذكرة: 2 / 55 - الطبعة الحجرية -.
510

3788. التاسع: إذا آجر دارا ثم أفلس وحجر عليه، لم يكن له ولا لغرمائه فسخ
الإجارة، فإن اختار الغرماء الصبر في البيع حتى تنقضي مدة الإجارة جاز، فلو
انهدمت الدار في الأثناء، انفسخت الإجارة في المتخلف، ويرجع المستأجر
بحصته من الأجرة يشارك الغرماء، إن لم يجد عين ماله، ولو كان الغرماء قد
اقتسموا، ففي فسخ القسمة إشكال.
ولو طلب الغرماء البيع في الحال جاز، وتمت الإجارة على حالها، ولو
اختلف الغرماء في البيع والصبر، قدم طالب البيع.
3789. العاشر: لو اشترى بالعين لم ينعقد، ولو اشترى في الذمة جاز، ولا
يشارك البائع الغرماء، ولا يتعلق بعين متاعه، سواء علم بالحجر أو لا.
ولو اشترى قبل الحجر، جاز له رده بعده بالعيب، مع الغبطة لا بدونها.
3790. الحادي عشر: لو أقر بمال وجهل السبب، لم يشارك المقر له الغرماء،
ولو قال: هذا المال مضاربة لغائب، احتمل قبول قوله مع اليمين، ويقر في يده،
ولو قال: لحاضر، وصدقه، كان للمقر له، وإن كذبه، كان للغرماء.
3791. الثاني عشر: لو تجدد له مال بعد الحجر، تعلق الحجر به ما لم
يف بالحقوق.
3792. الثالث عشر: لو كان عليه دين مؤجل، لم يحل بالحجر، ولا حق
لصاحبه في أعيان أمواله، بل تقسم على باقي الغرماء، فإذا حل الأجل بعد فك
الحجر عليه، ابتدئ الحجر عليه إن كان في يده شئ لا يفي بما عليه.
ولو مات وعليه دين مؤجل، حل أجل ما عليه، سواء كان الميت محجورا
عليه أو لا، وسواء وثق الورثة أو لا، ولو كان له مال مؤجل، لم يحل بموته.
511

الفصل الثالث: في اختصاص الغريم بعين ماله
وفيه سبعة وعشرون بحثا:
3793. الأول: من وجد من الغرماء عين ماله، كان أحق به، إذا كان حيا، سواء
كان هناك وفاء للباقين أو لم يكن، ولصاحب السلعة أن يضرب مع الغرماء، فلو
اشترى سلعة، وأفلس بثمنها، وحجر الحاكم، كان البائع أحق بسلعته، إن شاء
أخذها، وإن شاء ضرب مع الغرماء بالثمن.
ولو مات المفلس (1) فإن كان هناك وفاء كان لصاحب المال أن يأخذ عين
ماله، وأن يضرب مع الغرماء، وإن لم يكن هناك وفاء لم يكن له الاختصاص، ولا
فرق بين أن يموت بعد الحجر عليه أو قبله، فإن الموت بمنزلة الحجر مع الوفاء.
3794. الثاني: تخيير المالك بين أخذ العين والضرب مع الغرماء، قيل: على
الفور (2) ولو قيل: إنه على التراخي كان وجها، ومع اختيار العين، يثبت له، سواء
كانت السلعة متساوية لثمنها، أو أكثر، أو أقل.
ولا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم، ولا معرفة المبيع، ولا القدرة على
تسليمه، ولا امتيازه من غيره، فلو رجع في الغائب بعد مضي مدة يمكن التغير
فيها، صح، فإن بان تالفا وقت الرجوع بطل، وضرب بالثمن مع الغرماء، ولو رجع

1. في «ب»: ولو مات الغريم.
2. لاحظ جواهر الكلام: 25 / 298; والمغني لابن قدامة: 4 / 457.
512

في الآبق، أو البعير الشارد، صح، فإن قدر عليه، أخذه، وان تلف، كان من ماله، إلا
أن يكون التلف قبل الرجوع، ولو رجع واشتبه بغيره، فقال البائع: هذا المبيع،
فقال المفلس: هذا، فالقول قول المفلس.
3795. الثالث: لو اشترى شقصا مما تجب فيه الشفعة، ثم أفلس وحجر عليه
الحاكم، ثم علم الشريك بالبيع، وأراد الأخذ بالشفعة، وأراد البائع الرجوع في
الشقص، دفع إلى الشفيع، وكان الثمن أسوة بين الغرماء لا يختص به البائع.
3796. الرابع: لو أراد الغرماء أو وارث الميت دفع الثمن منهم، أو خصوه به
من باقي مال المفلس أو التركة، لم يجبر البائع على القبول، وكان له الرجوع في
العين، ولو دفعوا إلى المفلس ثمنا، فبذله للبائع، لم يكن له الفسخ، وكذا لو أسقط
سائر الغرماء حقوقهم، فملك أداء الثمن، أو وهب له مال أمكنه الأداء منه، أو
غلت أمواله حتى وفت بالديون.
3797. الخامس: إذا وجد البائع السلعة بحالها، تخير بين تركها والضرب مع
الغرماء بثمنها لا بقيمتها، وبين أخذها، وإن وجدها ناقصة نقصا يقابله عوض،
ويصح إفراده بالبيع - كما لو وجد عبدا من عبدين، أو بعض الثوب - تخير بين
ترك الباقي والضرب مع الغرماء، وبين أخذ الباقي بحصة من الثمن والضرب بما
يبقى من الثمن، وإن لم يقابله عوض، مثل أن يسقط بعض أطراف العبد، فان لم
يجب في مقابلته الأرش بأن يسقط بفعل الله تعالى، أو بفعل المشتري تخير بين
أخذ العين ناقصة بجميع الثمن، وبين تركها والضرب بجميعه.
وإن وجب في مقابلته الأرش، بأن يحصل بجناية أجنبي، تخير بين تركه
والضرب بجميع الثمن، وبين الرجوع فيه والضرب بحصة ما نقص من
513

الثمن، فينظر كم نقص من قيمته، فيرجع بذلك الجزء من الثمن، لا من القيمة.
وإن وجدها زائدة زيادة منفصلة، تخير بين الرجوع في العين خاصة دون
الزيادة، وبين الضرب بالثمن، وإن كانت متصلة، قال الشيخ: تكون تابعة للأصل
إن تخير المالك العين كان له مع الزيادة، وإن تخير الثمن، كان له ذلك (1). وعندي
فيه نظر.
3798. السادس: لو باع نخلا مثمرا قد بلغت ثمرته، أو طلعا أبر واشترطه
المشتري، فإذا أفلس بعدما أتلف الثمرة، أو تلفت الثمرة، تخير البائع بين الضرب
بجميع الثمن، وبين الرجوع في النخل والضرب بحصة الثمرة من الثمن وتقوم
الثمرة بأقل الأمرين من يوم البيع ويوم قبض المشتري. وقال الشيخ: يعتبر
يوم القبض (2).
ولو لم يكن النخل مؤبرا، ورجع البائع في الأصل ولم توجد الثمرة، قال
الشيخ: يضرب بحصتها من الثمن، ولو كانت مثمرة، وتلفت في يد المشتري
وأفلس بعد بدو الصلاح أو التجفيف، رجع البائع فيه مع النخل (3) على
إشكال عندي.
3799. السابع: لو اشترى أرضا فيها بذر واشترطه، ثم أفلس بعد اشتداد حبه،
كان للبائع الرجوع في الأرض دون الزرع، وكذا لو اشترى بيضا فأحضنه ثم
أفلس بعد أن صار فرخا، لم يكن له الرجوع فيه بل بالثمن.
3800. الثامن: لو باع حائطا لا ثمر فيه، أو أرضا فارغة، فأثمرت، وزرع
الأرض، ثم أفلس بعد التأبير، كان له الرجوع في الأرض والحائط دون الثمرة

1. المبسوط: 2 / 252.
2. المبسوط: 2 / 252.
3. المبسوط: 2 / 252.
514

والزرع، وليس له المطالبة بقطع الثمرة ولا قلع الزرع قبل الجذاذ والحصاد، ولا
أجرة له في ذلك، فإن طلب المفلس، أو الغرماء أو بعضهم قطعه، قال الشيخ:
يجاب الطالب (1) ولو قيل: يعمل ما فيه الحظ كان حسنا.
ولو اتفق المفلس والغرماء على القطع، جاز، ولو رجع في النخل قبل
التأبير، لم يتبعه الطلع في الرجوع.
3801. التاسع: لو اشترى حائلا فأفلس وقد حملت ورجع قبل الولادة، لم
يتبعها الحمل، وإن أفلس بعدها، فكذلك، ويكره له أخذ الأم بانفرادها عندنا،
وعند الشيخ يحرم قبل سبع سنين (2).
فإن دفع إلى المفلس قيمة الولد ليأخذهما معا، قال الشيخ: يجبر المفلس (3)
وعندي فيه نظر، ولو امتنع البائع بيعت الأم والولد، فما أصاب قيمة الولد
فللمفلس، ويسلم إلى البائع ما أصاب قيمة أمة لها ولد بلا ولد.
ولو باعها حاملا ورجع قبل الولادة، استعادها مع الحمل، فإن كانت قد
ولدت، فالوجه انه لا يتبعها الولد، ولو كان الحبل من المشتري كان للبائع
الرجوع فيها دون ولدها، ولو طالب بثمنها، بيعت فيه دون الولد.
3802. العاشر: حكم ما يكون في الكمام من الثمار حكم الطلع، فالذي لم
يظهر من كمامه بمنزلة الطلع غير المؤبر، والظاهر بمنزلة المؤبر، وما يظهر من
الورد، حكمه حكم المؤبر إن ظهر (4) من ورده وانتثر عنه. وغير المؤبر إن لم ينثر.

1. المبسوط: 2 / 255.
2. لاحظ المبسوط: 2 / 255; النهاية: 410.
3. المبسوط: 2 / 255.
4. في «ب»: حكم المؤبر ظهر.
515

وإن كانت الثمرة وردا كالمشمومات، كانت كالمؤبرة إن تفتحت عن
الجنبذ وإلا فكغيره.
3803. الحادي عشر: لو قال البائع: رجعت قبل ظهور الثمرة، فهي لي، فقال
المفلس: بعده، فإن صدق الغرماء المفلس، لم تقبل شهادتهم، ويحلف المفلس
على إشكال، ويأخذ الثمرة، ويقسمها على الغرماء، ولو نكل، لم يحلف الغرماء
بل يحلف البائع، ويثبت الطلع له، وإن نكل، سقط حقه، وكان للمفلس، ولو
صدق الغرماء البائع، قبلت شهادتهم مع الشرائط، ولو اختلف، حلف المفلس،
ولا تجب قسمته بينهم، فإن طلب المفلس ذلك، فالوجه أنهم لا يجبرون على
قبضه، ولو صدقه بعضهم، وكان مقبول القول، صحت شهادته، وإلا حلف
المفلس، وقسم على المكذب للبائع، وحكم المصدق ما تقدم، ولو صدق
المفلس البائع، فإن صدقه الغرماء، فالثمرة له، وان كذبوه، فالأقرب قبول
قول المفلس.
3804. الثاني عشر: لو باع أرضا بيضاء فبنى فيها المشتري، أو غرس، ثم
أفلس، فإن اتفق المفلس والغرماء على الإزالة، جاز له الرجوع في العين، وعليهم
تسوية الحفر من مال المفلس، ولو نقصت الأرض بذلك، فله أرش النقصان،
ولو منعوه من القلع لم يجب قلعه، فإن دفع البائع قيمة البناء والغرس، جاز
الرجوع في العين، وكذا لو دفع ما ينقص بالقلع، وهل يجبرون على ذلك؟ قال
الشيخ: نعم (1) وعندي فيه نظر. وإن امتنع من ضمان القيمة، أو أرش النقص
بالقلع، فالوجه جواز رجوعه في العين، سواء كانت الأرض أقل من قيمة

1. المبسوط: 2 / 260.
516

الغراس أو أكثر، فإن اتفقوا على البيع قسم الثمن على قدر القيمتين.
ولو امتنع صاحب الأرض من بيعها فالوجه عدم إجباره على ذلك، بل
يباع البناء والغراس خاصة يقسم على الغرماء.
ولو كانت الأرض من رجل، والغرس من آخر، وغرسه ثم أفلس، كان
لكل منهما الرجوع في عينه، فإن أراد صاحب الغرس قلعه، كان له ذلك، ولا
يجبر على أخذ القيمة من صاحب الأرض.
ولو أراد صاحب الأرض قلعه ويضمن النقصان، كان له، ولو أراد بغير
ضمان احتمل أن لا يكون له ذلك، لأنه غرس بحق، ولأنه لو كان للمفلس، لم
يجبر على قلعه بغير ضمان، واحتمل أن يكون له ذلك، لأنه ابتاعه منه مقلوعا،
فكان عليه أن يأخذه وليس له تبقيته في ملك غيره، بخلاف المفلس، لأنه غرسه
في ملكه.
3805. الثالث عشر: لو أفلس بعد إقباض بعض الثمن، كان له الرجوع في
العين بقدر ما بقي من الثمن، ولا يشترط في رجوعه في العين رد ما قبضه
ليرجع في الجميع، ولو طلبه لم تجب إجابته، ولو تلف بعض المبيع، احتمل أن
يرجع في جميع الباقي مع تساوي نسبة التالف والمقبوض من الثمن، وأن
يرجع في بعضه، ويقسط المقبوض من الثمن على التالف والباقي، فيضرب مع
الغرماء بالباقي.
3806. الرابع عشر: لو أفلس المستأجر بالأجرة بعد مضي المدة،
ضرب بالأجرة مع الغرماء، وإن كان قبل مضي شئ من المدة، تخير المؤجر
بين الرجوع فيها والضرب مع الغرماء، وإن مضى بعضها، تخير بين
517

الضرب بالجميع وبين الضرب بأجرة ما مضى والرجوع فيما بقي.
فإن كانت الأرض مشغولة بزرع قد استحصد، طالب بحصاده وتفريغ
الأرض، وإن لم يستحصد، فإن كانت له قيمة إذا قطع، واتفق المفلس والغرماء
على قطعه، كان لهم، وإن اتفقوا على التبقية وبذلوا لصاحب الأرض أجرة مثله،
لزمه قبوله وتركه، وإن أرادوا التبقية بغير عوض، لم يكن لهم ذلك.
ولو اختلفوا أجيب من طلب القطع، ويحتمل إجابة من يطلب الأنفع،
وعلى تقدير بقائه إذا احتاج إلى السقي وسقاه الغرماء بأمر الحاكم أو المفلس،
رجعوا بأجرة السقي مقدمة على سائر الديون، وإن لم يأذن الحاكم ولا المفلس،
لم يرجعوا بشئ.
ولو كان للمفلس مال لم يقسم، وطلبوا الإنفاق منه، احتمل عدم الإجابة،
لئلا يتلف المعلوم في المظنون، وثبوتها (1) لأنه من المصالح، وبقاء الزرع معتاد،
ولو لم تكن له قيمة مع القطع، فإن اتفق الغرماء والمفلس على قطعه، لم يجبرهم
الحاكم على التبقية. وإن اتفقوا على التبقية، كان الحكم كما تقدم فيما له قيمة،
وإن اختلفوا قدم قول من يطلب التبقية.
3807. الخامس عشر: لو أفلس بعد مزج المبيع بغيره، فإن كان مساويا، تخير
البائع بين الضرب بالثمن وبين الرجوع في العين، ويقاسم، ولو طلب البيع،
فالوجه عدم وجوب إجابته إلى ذلك، وإن كان مال المفلس أردأ، تخير أيضا بين
الضرب بالثمن والرجوع في العين فيقاسم، وله المطالبة بالبيع، فيأخذ ما يساوي

1. الضمير يرجع إلى «الإجابة».
518

ماله، ويدفع الباقي إلى الغرماء، وإن كان أجود سقط حقه من العين، وضرب
بالثمن مع الغرماء.
3808. السادس عشر: لو اشترى حنطة فطحنها، أو ثوبا فقصره، أو خاطه
بخيوط منه، أو غزلا فنسجه، أو عبدا فعلمه صنعة، ثم أفلس، كان للبائع الضرب
بالثمن مع الغرماء وأخذ العين، وكان للمفلس أجرة ما فعله، بخلاف ما لو سمن
من قبله تعالى أو تعلم صنعة من قبل نفسه.
ولو لم تزد القيمة، أو نقصت بالعمل، سقط حكم العمل، ومع الزيادة إن
كان المفلس عمل بنفسه أو بأجرة وفاها كان شريكا للبائع، فإن دفع البائع الزيادة
بالعمل أجبر المفلس على قبوله للغرماء، وإن لم يدفع، بيع الجميع، ودفع ثمن
الأصل بغير الزيادة إلى البائع، وما قابل الزيادة إلى الغرماء.
وإن كان العامل أجيرا لم يستوف أجرته، كان له حبس العين على
الاستيفاء، وقدم في أجرته على سائر الغرماء، فإن كانت أجرته بقدر الزيادة،
دفعت إليه، وإن كانت أكثر، أخذ بقدر الزيادة، وضرب بالباقي، وإن كانت أقل،
كان له بقدر أجرته، والباقي للغرماء.
ولو صبغ الثوب بصبغ من عنده، ورجع البائع في العين، فإن بقيت قيمة
الثوب والصبغ، تشاركا بالنسبة، وإن نقصت قيمة الثوب، جعل النقصان من قيمة
الصبغ، ويكون شريكا في الثوب بقدر ما بقي، وإن زاد، كانت الزيادة للمفلس،
ويكون شريكا في الثوب بقدر قيمة الصبغ والزيادة.
ولو كان الصبغ من غيره، وثمنهما باق، فإن بقيت القيمتان، كان صاحب
الثوب والصبغ شريكين بالنسبة، وإن نقصت القيمة، ضرب صاحب الصبغ
519

بقدر الناقص مع الغرماء، وإن زادت، كانت الزيادة للمفلس.
ولو كان الصبغ والثوب من واحد، وبقيت القيمتان، رجع فيه إن شاء، وإن
نقصت، ضرب بالنقص من القيمة مع الغرماء، وإن زادت، كانت الزيادة للمفلس.
ولو كان الثوب للمفلس والصبغ لغيره ولم تزد القيمة، كان صاحب الصبغ
شريكا بقدره، وإن نقصت كان النقصان من الصبغ، وضرب بالباقي مع الغرماء.
وإن زادت كان لصاحب الصبغ بقدر صبغه، والباقي للمفلس.
3809. السابع عشر: المرتهن أحق بالرهن من غيره، فإن بيع بقدر الدين أو
أكثر، استوفى المرتهن، وكان الفاضل الباقي للغرماء، وإن بيع بأقل، ضرب
المرتهن بالباقي مع الغرماء، ولو كان الرهن مبيعا لم يكن للبائع الرجوع في
العين، لتعلق حق المرتهن به وتقدم حق المرتهن على حقوق الغرماء، فإن كان
الدين أكثر من قيمته أو مثله بيع فيه، وإن كان أقل بيع منه بقدر الدين، وكان
للبائع الرجوع في الباقي.
3810. الثامن عشر: إذا أفلس البائع سلما، فإن وجد المشتري عين ماله كان
أحق من سائر الغرماء. وان لم يجده قال الشيخ: يضرب بالمسلم فيه (1) ولو قيل:
انه يتخير بين ذلك وبين فسخ البيع، فيضرب بالثمن، كان وجها.
قال الشيخ: وكيفية الضرب بالمسلم فيه، أن يقوم ويضرب بالقيمة مع
الغرماء، وإن كان في مال المفلس من جنس المتاع، أعطى منه بقدر ما يخصه من
القيمة إن كان مثليا، وإن لم يكن اشترى له بقدر الذي يخصه من القيمة مثل

1. المبسوط: 2 / 266.
520

المتاع وسلم إليه، وليس له أخذ بدل المتاع القيمة التي تخصه، لأنه لا يجوز
صرف المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه (1) والأقوى 2 عندي الكراهية.
وعلى قولنا بجواز الفسخ، يضرب بقيمة رأس المال، ويأخذ ما يخصه من
جنس القيمة، ومع عدم الفسخ، لو عزل له نصيبه من جنس القيمة، فنقص السعر
اشترى له ما يساوي المتاع قدرا، وقسم الباقي من القيمة بين الغرماء، لأن حظه
في المتاع لا القيمة.
3811. التاسع عشر: لو اشترى حبا فزرعه، واشترى ماء فسقاه. ثم أفلس،
ضربا بثمن الحب والماء، وليس لهما الرجوع في العين.
3812. العشرون: لو استأجره ليحمل متاعا إلى بلد، فحمله، ثم أفلس
المستأجر قبل الوصول إلى البلد، فإن كان الموضع أمينا، كان له فسخ الإجارة في
باقي المسافة، ووضع المتاع عند الحاكم أو ثقة مع تعذره، وإن كان مخوفا،
وجب حمله إلى موضع الأجرة أو دونه مما هو مأمون.
ولو استأجر ظهرا بعينه ليركبه شهرا، ثم أفلس المالك، كان المستأجر أحق
به، ولو كان الظهر في الذمة، كان أسوة الغرماء.
ولو حمل بعض المتاع إلى البلد ثم أفلس المستأجر، كان له الفسخ في
إجارة ما بقي.
3813. الواحد والعشرون: إنما يصح رجوع صاحب العين بها، لو كان الثمن
حالا، فلو كان مؤجلا، وحجر عليه قبل الحلول، لم يختص بالعين، ولا يشارك

1. المبسوط: 2 / 266 - 267.
2. في «ب»: والأولى.
521

الغرماء، ولا يحل المال بالفلس، ولا يجب إيقاف السلعة حتى يخرج الأجل بل
تقسم على الحال، ولو حل أجله قبل انفكاك الحجر، فإن كان قسم المال وبيعت
العين، فلا رجوع، وإن لم تبع كان له الرجوع فيها.
3814. الثاني والعشرون: يصح الرجوع في كل ما انتقل إليه بالمعاوضة
المحضة، كالبيع، والإجارة، والسلم، والصلح، فيثبت الرجوع إلى رأس المال عند
الإفلاس إن كان باقيا والمضاربة (1) بالقيمة مع التلف، ولا يثبت الفسخ في النكاح،
والخلع بتعذر استيفاء العوض، لأنه ليس محض المعاوضة.
3815. الثالث والعشرون: شرط الرجوع سبق المعاوضة أو سببها على الحجر،
فلا يثبت فيما جرى سبب وجوبه بعد الحجر، كما لو باع من المفلس المحجور
عليه بعد الحجر، فليس له الرجوع في العين، ولا الضرب، بل يصبر حتى يوسع
الله عليه.
ولو أفلس المكري، والدار في يد المستأجر فانهدمت، فله الرجوع إلى
الأجرة، ويضرب مع الغرماء، وكذا لو باع جارية بعبد فتلفت الجارية في يد
المحجور عليه، فرد البائع العبد بالعيب، فله طلب قيمة الجارية، وهل يقدر
بالقيمة أو يضارب؟ فيه احتمال.
3816. الرابع والعشرون: إنما يصح الرجوع في العين مع بقائها، فلو تلفت،
ضرب بالثمن، وكذا لو زادت القيمة على الثمن، أو خرجت عن ملكه، أو تعلق
بها حق الرهن أو الكتابة.
ولو عاد إلى ملكه، فالوجه صحة الرجوع فيه، إن كان بفسخ، كالإقالة والرد

1. في «ب»: والمطالبة.
522

بالعيب، وإن كان بسبب جديد، كبيع، أو هبة، أو إرث، فلا.
3817. الخامس والعشرون: لو اقترض ثم أفلس، كان للمقترض الرجوع في
العين إن كانت موجودة، ولو أصدق امرأة عينا ثم فسخت النكاح، أو طلق قبل
الدخول، فاستحق المهر أو بعضه، كان أحق به مع وجوده.
3818. السادس والعشرون: لو أفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبة العبد،
فالوجه جواز رجوعه في العين ناقصة، ويضرب بالأرش.
3819. السابع والعشرون: لو أفلس مشتري الصيد، والبائع محرم، لم يرجع
فيه، ولو كان حلالا، والصيد في الحل، جاز الرجوع، وإن كان المشتري محرما،
أو كان البائع في الحرم.
الفصل الرابع: في كيفية القسمة
وفيه سبعة عشر بحثا:
3820. الأول: على الحاكم أن يبادر إلى بيع ماله وقسمته على نسبة الديون،
وينبغي للحاكم إحضار المفلس البيع لضبط الثمن، ولأنه أعرف بجيد متاعه من
رديه، ولتكثر رغبة المشترين منه، ولتسكن نفسه، وإحضار الغرماء، لأن البيع
لهم، وربما رغبوا في شراء البعض، وللبعد عن التهمة.
ولو باعه الحاكم حال غيبة المفلس والغرماء جاز.
3821. الثاني: ينبغي للحاكم أن يأمر المفلس والغرماء بتحصيل
523

مناد يرتضونه، فان اتفقوا على خائن، رده الحاكم، ولو عين المفلس رجلا
والغرماء آخر، عين الحاكم على الثقة منهما، فإن تساويا عين على المتطوع (1) ولو
تساويا ضمهما، ولو كانا غير متطوعين، اختار أوثقهما وأعرفهما.
وأجرة الواسطة على المفلس إن لم يوجد متبرع ولا حصل شئ في
بيت المال.
3822. الثالث: ينبغي أن يباع كل شئ في سوقه، ولو بيع في غير سوقه بثمن
مثله جاز، وإذا بيع بثمن المثل، لم يقبل الزيادة بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار،
لكن يستحب للمشتري الإقالة أو بذل الزيادة.
3823. الرابع: لا يدفع إلى من اشترى شيئا حتى يقبض الثمن، فإن امتنع
المشتري أجبر على التسليم والأخذ.
3824. الخامس: ينبغي أن يبدأ ببيع الرهون وصرفها إلى المرتهنين وبالجاني (2)
وصرف ثمنه إلى المجني عليه، ولو كان في ماله ما يخشى تلفه، بيع أولا.
ثم إن كان فيه حيوان يحتاج إلى الإنفاق عليه، باعه سابقا على غيره، ثم
يبيع السلع والقماش وجميع ما ينقل ويحول، ثم يبيع العقار.
وينبغي النداء على الأقمشة والأمتعة، وكذا العقار، ليتوفروا على الشراء.
3825. السادس: يباع مال المفلس بنقد البلد، فإن كان من غير جنس حق
الغرماء، دفع إليهم بالقيمة.

1. في «أ»: «المقطوع» وهو تصحيف، قال الشيخ في المبسوط:... وإن كانا ثقتين إلا ان أحدهما
بغير أجرة قبله وأمضاه، المبسوط: 2 / 269.
2. أي أن يبدأ ببيع العبد الجاني.
524

3826. السابع: إذا قسم الحاكم بين الغرماء، فظهر غريم آخر، نقض القسمة،
وشاركهم معه، ويحتمل عدم النقض، بل يرجع على كل واحد بحصة تقتضيها
الحساب، والأول أولى.
3827. الثامن: إذا باع الحاكم، فإن كان الغريم واحدا، دفع الثمن إليه من غير
تأخير، وإن تعدد وأمكنت القسمة من غير تأخر، لم يؤخر، وإن تعذرت القسمة
بسرعة، ووجد المقترض الثقة أقرضه، وإن لم يجد، أودعه عند الثقة.
3828. التاسع: المفلس يجب الإنفاق عليه وعلى من تجب نفقته عليه من
ماله، والكسوة له ولهم على الاقتصاد، بحسب حاله في النفقة والكسوة، ويستمر
الإنفاق عليه إلى يوم القسمة، فتدفع إليه نفقة ذلك اليوم خاصة له ولعياله، وينبغي
أن يكون ذلك مما لا يتعلق بعض الغرماء بعينه، هذا إذا لم يكن له كسب، ولو
كان ذا كسب، قيل: ينفق من كسبه، ولو زاد، رد الفاضل إلى الغرماء، ولو قصر
تممت النفقة من ماله.
3829. العاشر: لو مات المفلس كفن من ماله الكفن المفروض، وهو ثلاثة
أثواب، وحنط ودفن. وإن ماتت زوجته لزمه كفنها من ماله أيضا، وكذا لو
مات عبده.
3830. الحادي عشر: لا يباع على المفلس خادمه الذي يخدمه، ولا دار سكناه،
ولو كان له في بعضها كفاية، بيع الفاضل عن الحاجة، ولو كانت دار السكنى
وعبد الخدمة أعيان أموال أفلس بأثمانها، ووجد أصحابها لم يكن لهم أخذها
على إشكال، ولو كانا رهنا بيعا، ولو قصر الدين، فالوجه الاقتصار في البيع على
مساويه. (1)

1. في «ب»: على مساواته.
525

3831. الثاني عشر: الاكتساب غير واجب على المفلس، ولو كانت له دار غلة،
أو دابة وجب أن يؤاجرها، وكذا المملوكة، وإن كانت أم ولد.
3832. الثالث عشر: إذا باع الحاكم مال المفلس، فالعهدة على المفلس، وكذا لو
باع الوكيل مال الموكل. والولي مثل الأب، والجد، وأمين الحاكم، فإن العهدة
على من بيع عليه، لا الوكيل والأمين.
3833. الرابع عشر: إذا باع الحاكم، وتلف الثمن في يده بغير تفريط، ثم بان
استحقاق العين، رجع بالدرك على المفلس، وهل يأخذ المشتري الثمن من مال
المفلس، أو يضرب مع الغرماء؟ قال الشيخ: الصحيح الأول (1).
3834. الخامس عشر: لو جنى عبد المفلس تعلق الأرش برقبته، وكان ذلك
مقدما على حقوق الغرماء، فيباع العبد في الجناية فإن زادت قيمته، رد الفاضل
إلى الغرماء، ولو كانت أقل، لم يكن (2) للمجني عليه غيرها، ولو أراد مولاه فكه،
كان للغرماء منعه.
3835. السادس عشر: يقسم الحاكم المال على الديون الحالة لا المؤجلة، بل
تبقى المؤجلة في ذمته، ولا يكلف الحاكم الغرماء حجة على أن لا غريم سواهم،
ويعول على أنه لو كان لظهر مع إشاعة الحجر.
3836. السابع عشر: إذا بقي من الدين شئ، لم يستكسب، (3) والوجه إجارة
مستولدته (4)، والضيعة الموقوفة عليه.

1. المبسوط: 2 / 276.
2. في «ب»: لم يثبت.
3. أي لم يؤمر بالتكسب كما في التذكرة: 2 / 57 - الطبعة الحجرية -.
4. أي أم ولد له، يعني تجوز إجارة مستولدته والضيعة الموقوفة عليه له. لاحظ التذكرة: 2 / 57 -
الطبعة الحجرية -.
526

ثم إن لم يبق له مال، واعترف به الغرماء، ففي احتياج فك الحجر إلى حكم
الحاكم نظر، أقربه الفك بمجرد قسمة ماله، وكذا لو تطابقوا على رفع الحجر.
ولو باع ماله من غير إذن الغرماء، لم يصح، وإن كان بإذنهم صح، وكذا
يصح لو باع من الغريم بالدين، ولا دين سواه.
الفصل الخامس: في حبسه
وفيه سبعة مباحث:
3837. الأول: من عليه دين، إذا كان في يده مال وجب قضاء دينه منه، وإن
امتنع، حبسه الحاكم وغرره، وإن شاء باع عليهن وقضى الدين عنه.
وإن لم يكن له مال ظاهر، وادعى الإعسار، وكذبه الخصم، فإن ثبت الحق
عليه من معاوضته، كالبيع، والقرض، وبالجملة إذا كانت الدعوى مالا أو ثبت له
أصل مال، فإذا ادعى تلفه، ولا بينة، كان القول قول الغرماء مع اليمين، وإن كانت
الدعوى جناية أو عن اتلاف مال ولم يعرف له أصل مال، كان القول قوله مع
اليمين وعدم البينة، وتسقط المطالبة.
وان أقام بينة بالإعسار، وطلب غريمه مع البينة اليمين، حلف، والوجه أن
الحلف واجب مع طلب الغرماء.
وإن عرف له أصل مال، وادعى تلفه، كان عليه البينة، فإن شهدت بالتلف
ثبت، وإن لم يكونوا من أهل المعرفة الباطنة، ولو طلب غريمه يمينه على
527

ذلك لم يجب. ولو شهدت بالإعسار الآن، لم تقبل إلا أن يكونوا من أهل الخبرة
الباطنة والمعرفة المتقادمة.
3838. الثاني: البينة تسمع على الإعسار، وليست على النفي وإن تضمنته،
لأنها تثبت حالة تظهر، ويقف عليها الشاهد، كما في نفي الوارث، وتسمع في
الحال، فلا يحل حبس المفلس بعد ثبوت إعساره شهرا ولا أقل.
3839. الثالث: إذا ثبت إعساره، وخلاه الحاكم، لم يكن للغرماء ملازمته.
3840. الرابع: إذا ادعى الغرماء أنه استفاد مالا بعد فك الحجر وأنكر، فالقول
قوله مع اليمين وعدم البينة.
وإن صدقهم وكان وافيا بالديون، لم يحجر عليه، وإلا حجر مع سؤالهم،
ولو تجدد له غرماء قبل الحجر الثاني، قسم بينهم وبين الأوائل، ولا يختص به
المتأخرون، وإن استفاده من جهتهم.
وإن صدقهم وادعى أنه مضاربة، فإن كان لغائب، فالقول قوله مع اليمين،
وإن كان لحاضر وصدقه، فكذلك، ولو طلبوا يمين المقر له احلف، وإن كذبه
قسم بين الغرماء.
3841. الخامس: لو كان عليه دين مؤجل، لم يكن لصاحبه منعه من سفر يزيد
على الأجل، ولا المطالبة بكفيل، وكذا لو سافر إلى الجهاد.
3842. السادس: إذا ثبت الإعسار، لم يكن للغرماء مؤاجرته، ولا استعماله، ولا
يحل حبسه، ولو يوما بل يجب إنظاره إلى أن يوسع الله تعالى عليه، ولا يجبر
على التكسب وإن كان ذا صنعة، ولا على قبول الهبة، ولا الصدقة، ولا الوصية،
ولا القرض، ولا تجبر المرأة على التزويج ليقبض مهرها.
528

3843. السابع: إذا امتنع الموسر من قضاء الدين، كان لغريمه ملازمته،
ومطالبته، والإغلاظ في القول، مثل يا ظالم يا متعدي (1) ولو مات فظهر أنه مفلس
لم يكن للبائع استرجاع العين، بل يشارك الغرماء.
الفصل السادس: في اللواحق
وفيه عشرة مباحث:
3844. الأول: كل من عليه دين، وجب عليه قضاؤه حسب ما يجب عليه، فإن
كان حالا، وجب عليه قضاؤه عند المطالبة في الحال مع القدرة، ولو أخر معها
أثم، ولا تقبل صلاته في أول وقتها، بل تجب إعادتها، وإن كان مؤجلا، وجب
قضاؤه عند الحلول مع المطالبة.
3845. الثاني: الغائب يقضى عليه، فيبيع الحاكم ويقضى ما عليه من الديون
الثابتة عنده بعد مطالبة صاحب الدين، ولا يسلمه إلا بكفيل، فإن حضر الغائب
ولا حجة معه، برئت ذمة القابض والكفيل، وإن كانت له بينة تبطل حجة الخصم،
رد الكفيل المال، وبطل البيع إن كان الحاكم باع له شيئا.
3846. الثالث: إذا ادعى على المعسر، ولا بينة، وخاف الحبس من الإقرار، جاز
الحلف، وإن كان كاذبا، ويؤري وجوبا مع علمه ما يخرجه من الكذب، وينوي
القضاء وجوبا مع المكنة.

1. في «ب»: يا معتدي.
529

ولو حلف مع تمكنه، كان آثما، ويجب عليه دفع الحق إلى صاحبه، لكن
لا يجوز للغريم بعد إحلافه مطالبته، لكن إذا جاء ثانيا ورد ماله، جاز له قبوله.
فإن رد معه ربحا، قال الشيخ: يأخذ رأس المال ونصف الربح، (1) وحمل
ابن إدريس (2) على المضاربة على النصف، أما لو كان قرضا أو دينا أو غصبا،
واشترى في الذمة، فالربح للحالف كله، وإن اشترى بالعين في الغصب، بطل
البيع، والربح لأرباب السلعة.
وإن لم يحلفه، ولم يتمكن من أخذه، وحصل عنده مال له، جاز له أن
يأخذ منه من غير زيادة، فإن كان من الجنس، وإلا أخذ بالقيمة.
وإن كان ما عنده على سبيل الوديعة، كره له الأخذ منها، قاله الشيخ في
الاستبصار (3) ومنع في النهاية (4) والأول أقرب.
3847. الرابع: إذا غاب صاحب الدين وجب على المدين نية القضاء، ولا
يجب العزل خلافا للشيخ، (5) فإن مات سلمه إلى ثقة، ولو مات صاحبه سلمه إلى
ورثته، ويجتهد في طلبهم فإن لم يجدهم سلمه إلى الحاكم، ولو علم نفي
الوارث قال الشيخ: تصدق به عنه، (6) والوجه انه للإمام.
3848. الخامس: إذا استدانت الزوجة في النفقة بالمعروف، وجب على الزوج
دفعه إليها لتقضيه، وإن لم يأذن في الاستدانة.

1. النهاية: 307 - باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت -.
2. السرائر: 2 / 36.
3. الاستبصار: 3 / 53، في ذيل الحديث 172 - كتاب المكاسب، الباب 27 -.
4. النهاية: 307 - باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت -.
5. النهاية: 307.
6. النهاية: 307.
530

3849. السادس: إذا مات من عليه دين، وجب أن يقضى ما عليه من أصل
التركة قبل الميراث، يبدأ بالكفن المفروض، ثم يصرف في الدين، والفاضل في
الوصية من الثلث، والباقي ميراث.
ويجب على من أقام البينة على الميت الحلف معها على بقاء الحق، فإن
امتنع عن اليمين، سقطت بينته، ولو لم تكن بينة، أو لم يحلف، وطلب اليمين من
الورثة، كان له ذلك إن ادعى عليهم العلم، وإلا فلا.
ولو أقام شاهدا واحدا، حلف معه، ولا تلزمه يمين أخرى، ولو لم يخلف
الميت شيئا، لم يجب على الورثة القضاء من مالهم، فإن تبرعوا أو أحدهم كان
مثابا، ويجوز احتسابه من الزكاة، وإن كان ممن تجب نفقته، ولو أقر بعض الورثة،
لزمه في حصته بقدر ما يصيبه من أصل التركة، وإن شهد اثنان منهما عدلان
أجيزت شهادتهما على الورثة، وحلف المدعي، ولا يلزم المقر دفع جميع الدين
من نصيبه.
3850. السابع: يستحب أن يقضي عن أخيه المؤمن الميت ما عليه من الدين
مع تمكنه، فإن لم يقض ولم يخلف شيئا، سقط الدين، وإن خلف قدر ما يكفن
به خاصة، كفن، وسقط الدين، فإن تبرع إنسان بكفنه، دفع ما خلفه إلى الديان،
ولو دفع آخر كفنا ثانيا، قال ابن بابويه في الرسالة: يكون للورثة دون الديان (1)،
وينبغي تقييده بإقراضه لهم على سبيل الصدقة، وإلا فهو على ملكه.
3851. الثامن: إذا قتل وعليه دين، وجب قضاء دينه من ديته إن لم يكن
غيرها، أو كان قاصرا، إن كان خطأ، وإن كان عمدا، قال الشيخ: لم يكن لأوليائه

1. نقله عنه الحلي في السرائر: 2 / 48.
531

القود إلا بعد أن يضمنوا الدين عن صاحبهم، فإن لم يفعلوا لم يكن لهم القود،
وجاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم (1).
والحق عندي أن لهم المطالبة بالقود وتضييع المال، سواء دفع القاتل
عوضا أو لا، نعم لو عفوا على [دفع] مال، ورضي القاتل به، تعلقت الديون به.
3852. التاسع: إذا مات وعليه ديون لجماعة تحاصوا 2 ما وجدوا من تركته
بقدر ديونهم من غير تفضيل، نعم يختص صاحب الرهن به دون غيره، ولو
وجد واحد متاعه بعينه، فإن كان في باقي التركة وفاء، كان أحق بعينه، وإلا شارك.
3853. العاشر: إذا مات من له الدين، فصالح المدين الورثة على شئ، جاز،
وتبرأ ذمته، إذا أعلمهم مقدار ما عليه، ومتى لم يعلمهم مقدار ما صالحوا عليه،
وأعلمهم بعد الصلح ولم يرضوا، كان الصلح باطلا.

1. النهاية: 309.
2. أي اقتسموا حصصا.
532

المقصد الرابع: في الحجر
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في أسبابه
وفيه أربعة عشر بحثا:
3854. الأول: الحجر لغة: المنع، ومنه سمي الحرام حجرا، قال الله تعالى:
(حجرا محجورا) (1) أي حراما محرما، وسمي العقل حجرا، قال الله تعالى: ([هل في
ذلك] قسم لذي حجر) (2) لمنعه من ارتكاب القبيح، وحجر البيت مانع من
الطواف فيه.
وفي الشرع: منع الإنسان عن التصرف في ماله، وهو ثابت بالنص
والإجماع، قال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) (3).
وهو قسمان: حجر على الإنسان لحق غيره، كالمفلس، والمريض،

1. الفرقان: 22.
2. الفجر: 5.
3. النساء: 5.
533

والمكاتب، والعبد، والراهن، وقد مضى بعضها.
وحجر لحق نفسه، وهم ثلاثة: الصبي، والمجنون، والسفيه، والحجر على
هؤلاء عام بالنسبة إلى أموالهم وذممهم.
3855. الثاني: الصبي محجور عليه لا ينفذ تصرفه في ماله ما لم يبلغ رشيدا،
ويعرف البلوغ بأمور خمسة، ثلاثة مشتركة بين الذكر والأنثى، واثنان مختصان
بالأنثى. فالمشتركة: خروج المني من القبل، والسن، والإنبات. والمختصة:
الحيض والحمل.
3856. الثالث: المني - وهو الماء الدافق الذي يخلق الله تعالى منه الولد - سبب
للبلوغ، سواء خرج يقظة، أو نوما، بجماع أو احتلام أو غير ذلك، وسواء قارن
شهوة أو لا.
3857. الرابع: الخنثى المشكل إن خرج المني من فرجيه (1) حكم ببلوغه. وكذا
إن خرج المني من الذكر والحيض من الرحم، ولو خرج المني من أحدهما
خاصة قال الشيخ: لا يحكم ببلوغه لجواز أن يكون زائدا (2) وعندي في ذلك نظر.
3858. الخامس: السن يحصل به البلوغ، وهو في الذكر خمس عشرة سنة،
وفي الأنثى تسع سنين، لا كما قلنا في الذكر.
3859. السادس: الحيض دلالة على البلوغ بلا خلاف، وكذا الحمل (3)، ولا
اعتبار بغلظ الصوت ولا بشق الغضروف، وهو رأس الأنف.
3860. السابع: الإنبات هو: أن ينبت الشعر الخشن حول ذكر الرجل أو فرج

1. في «ب»: من فرجه.
2. المبسوط: 2 / 282.
3. في «أ»: وكذا الحبل.
534

المرأة على العانة، ولا اعتبار بالزغب (1) الضعيف، وهو معتبر يحصل به البلوغ في
حق المسلمين والكفار، والأقرب أن إنبات اللحية دليل على البلوغ، أما باقي
الشعور فلا.
وروي: ان الصبي إذا بلغ عشر سنين، أو خمسة أشبار جازت وصيته
بالمعروف، وعتقه، وأقيمت عليه الحدود التامة (2). وعندي في ذلك نظر.
3861. الثامن: لا يكفي البلوغ في زوال الحجر بدون الرشد. فلا ينفذ تصرف
المجنون، ولا السفيه، وهو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة، ولا
يدفع ماله إليه وان طعن في السن، ولا يكفي في دفع ماله إليه بلوغ خمس
وعشرين سنة (3) مع فساد رأيه، ولا ينفك عنه الحجر.
والحجر على السفيه عام في تصرفاته في ماله، فلا يصح بيعه، ولا إقراره،
ولا غير ذلك من التصرفات، سواء وقعت منه مباشرة، أو أقام في ذلك وكيلا. (4)
3862. التاسع: الرشد: هو الصلاح في المال، فإذا بلغ رشيدا بهذا المعنى، سلم
إليه ماله، وإن كان غير رشيد في دينه، إذا كان فسقه غير مستلزم للتبذير
مثل ترك صلاة، أو منع زكاة، أو إقدام على كذب، فهذا يسلم إليه ماله إذا كان
مصلحا له.

1. الزغب - محركة -: صغار الشعر ولينه حين يبدو من الصبي. مجمع البحرين.
2. نقله الشيخ في الخلاف: 3 / 592، في المسألة 20 من كتاب اللقطة; ولاحظ الكافي: 7 / 28،
الحديث 3; والفقيه: 4 / 145، الحديث 501; والتهذيب: 9 / 181، الحديث 726.
3. ناظر إلى رد المذهب الحنفي الذي قال بكفاية بلوغه ذلك السن. لاحظ التذكرة: 2 / 75 -
الطبعة القديمة -.
4. في «ب»: أو أقام وكيلا في ذلك.
535

وإن استلزم التبذير كشراء الخمور وآلات اللهو، والنفقة على الفساق، فهذا
لا يسلم إليه شئ لأجل تبذيره، واشترط الشيخ العدالة (1) وعندي فيه نظر.
وصرف أكثر المال إلى صنوف الخير مع قناعته بالباقي، ليس بتبذير ولا
سرف، وصرفه إلى الأطعمة النفيسة التي لا تليق بحاله تبذير.
3863. العاشر: إنما يعلم رشده باختباره بتفويض التصرفات التي يتصرف
فيها أمثاله كولد التاجر، يفوض إليه البيع والشراء، فإن سلم من المغابنة، عرف
رشده، وولد الكبار الذين يصان أمثالهم عن الأسواق، يدفع إليه نفقة مدة ليضعها
في مصالحه، فإن كان قيما حافظا، يستوفي على وكيله ويستقضي، كان رشيدا.
والمرأة يعلم رشدها بملازمتها لصلاح شأنها، والاعتناء 2 بما يلائمها من
الغزل، والاستغزال، وغيرهما من حرف النساء، فإن وجدت حافظة لما في
يديها، قادرة على التكسب من غير مغابنة فهي رشيدة.
3864. الحادي عشر: وقت الاختبار قبل البلوغ مع التمييز، ومع إذن الولي
يصح تصرفه وبيعه.
3865. الثاني عشر: يثبت البلوغ والرشد بشهادة الرجال والنساء، وبشهادة
النساء في النساء.
3866. الثالث عشر: المملوك ممنوع من التصرف إلا بإذن مولاه، سواء كان
التصرف في عين المال، كالبيع والهبة، أو بالمنافع كالإسكان، وسواء كان
بعوض، كالبيع والإجارة، أو بغيره، كالصدقة وشبهها.

1. المبسوط: 2 / 284.
2. في «ب»: والاعتبار.
536

3867. الرابع عشر: المريض محجور عليه إلا في ثلث ماله في التبرعات،
كالهبة، والصدقة، والعتق، ولو اشتمل البيع على المحاباة، مضى ما قابل
رأس المال من الأصل، والزيادة من الثلث، ولو أجازت الورثة، صح جميع ما
أجازوا فيه.
الفصل الثاني: في أحكام الحجر
وفيه عشرون بحثا:
3868. الأول: إذا زال الحجر عن الصغير ببلوغه ورشده، وجب تسليم ماله
إليه، وكذا لو زال سفه السفيه، أو جنون المجنون، ولا يفتقر في ذلك إلى
حكم الحاكم.
3869. الثاني: إذا بلغت الصبية رشيدة، نفذ تصرفها، ووجب تسليم مالها إليها،
ولا يشترط تزويجها، ولا ولادتها، ولا لبثها عند الزوج سنة، (1) ولا دخول الزوج
بها.
3870. الثالث: للمرأة البالغة الرشيدة التصرف في مالها كيف شاءت من التبرع
والمعاوضة، ولا يشترط إذن الزوج فيما تتصرف فيه زائدا عن الثلث
بغير عوض.

1. ناظر إلى رد ما ذكره أحمد بن حنبل من أنه لا يدفع إلى الجارية مالها بعد بلوغها حتى تتزوج
وتلد، أو يمضي عليها سنة في بيت الزوج. لاحظ المغني لابن قدامة: 4 / 517.
537

وللمرأة أن تتصدق من مال زوجها بالشيء اليسير، وتتصرف في المأدوم
بما لا ضرر فيه، من غير إذنه، بالهبة، والعطية إلا أن تكون ممنوعة من ذلك أو
تعرف كراهيته.
وليس لمن يقوم مقام المرأة كالجارية، والأخت، والغلام، ذلك إلا بالإذن.
3871. الرابع: لا يثبت الحجر على المفلس إلا بحكم الحاكم، وكذا السفيه، ولا
يثبت الحجر بظهور الفلس، ولا بظهور السفه من دون الحكم.
3872. الخامس: يزول حجر المفلس بقسمة ماله، لا بحكم الحاكم، وهل
يشترط حكم الحاكم في زوال حجر السفيه؟ قال الشيخ: نعم (1) وفيه نظر.
أما حجر الصبي، فإنه يزول عنه ببلوغه رشيدا، ولا يحتاج إلى الحاكم.
3873. السادس: ينبغي للحاكم إذا حجر على السفيه أن يشهد عليه، ليظهر
أمره، فتجتنب معاملته، ولا يشترط الإشهاد عليه، وإذا حجر عليه الحاكم لم
يمض بيعه، ولا شراؤه، ولا غيره من التصرفات في ماله، ويسترجع الحاكم ما باع
من ماله، ويرد الثمن إن كان باقيا، وإن أتلفه السفيه، أو تلف في يده، فهو من
ضمان المشتري، ولا شئ على السفيه، وكذا كل ما يأخذه من أموال الناس
برضاهم، إن كان باقيا دفعه الحاكم إلى أربابه، وإن كان تالفا كان ضائعا، سواء علم
بالحجر، أو لا، هذا إذا كان صاحبه قد سلطه عليه، فأما إن حصل في يده باختيار
صاحبه من غير تسلط، كالعارية، والوديعة، إذا أتلفه، أو تلف بتفريطه، احتمل
عدم الضمان، لتعريض مالكه.

1. المبسوط: 2 / 286.
538

أما ما أخذه بغير اختيار صاحبه، أو أتلفه، كالغصب والجناية فإنه ضامن.
3874. السابع: حكم الصبي والمجنون حكم السفيه في أن ما يتلفانه من مال
غيرهما بغير إذنه، فإنهما يضمنانه، ولو حصل في أيديهما باختيار صاحبه
وتسليطه، كالبيع، والقرض، والثمن، لم يضمنا لو أتلفاه، أو تلف بتفريطهما، وكذا
ما حصل في أيديهما على جهة الوديعة والعارية، فتلف بتفريطهما، ولو أتلفاه،
فالأقرب أنه كذلك.
3875. الثامن: إذا أقر السفيه بمال، لم ينفذ إقراره، سواء كان عينا، أو دينا، أو
إتلاف مال للغير (1) ولا يلزم به وإن فك حجره، بخلاف المفلس، ثم إن كان محقا،
وجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى الخروج عنه بعد الفك (2) وإلا فلا.
3876. التاسع: لو أقر السفيه أو المفلس بما يوجب قصاصا أو حدا، كالقتل
عمدا، والجرح، والزنا، والقذف، حكم عليهما واستوفي منهما في الحال، ولو
أقرا بسرقة، قبل في القطع لا المال، ويصح إقرارهما بالنسب، وينفق على ولد
السفيه المقر به من بيت المال لا من ماله، قاله الشيخ (3).
3877. العاشر: إذا طلق السفيه أو المفلس زوجته، صح طلاقه، وكذا لو
ظاهرها، أو خالعها، سواء كان بمهر المثل، أو بدونه، لكن لا يسلم إليه العوض بل
إلى الولي، ولو سلمته المرأة إليه فهو من ضمانها.
3878. الحادي عشر: لو أعتق السفيه أو المفلس لم ينفذ عتقه، وكذا لو دبر
أو كاتب.

1. في «ب»: أو إتلاف مال الغير.
2. في «أ»: بعد الفلس.
3. المبسوط: 2 / 287.
539

3879. الثاني عشر: لو تزوج وقف على إجازة الولي، فإن أمضى صح، وإلا
فلا، وكذا لو باع أو اشترى فأجاز الولي، فالوجه الصحة وقوى الشيخ البطلان (1)
وليس بجيد.
3880. الثالث عشر: لو دبر أو أوصى، فالوجه عدم الجواز، وله الاستيلاد، فلو
أولد جارية عتقت بموته مع وجود الولد كغيره.
3881. الرابع عشر: يجوز له طلب القصاص، ويجوز له العفو على مال، لكن
لا يسلم المال إليه بل إلى وليه، وله العفو على غير مال في العمد، ويجوز قبوله
للوصية والهبة.
3882. الخامس عشر: لو أحرم بحج واجب صح، وأنفق عليه لأدائه، ولو كان
للتطوع، واستوت (2) نفقته سفرا وحضرا، أو أمكنه تحصيل الفاضل في الطريق
بالاكتساب، فكذلك، ولو زادت نفقته في السفر ولا كسب له، كان لوليه أن
يحلله بالصيام.
3883. السادس عشر: لو حلف، انعقدت يمينه، ولو حنث، كفر بالصيام، وكذا
لو عاد في ظهاره، أو لزمته كفارة قتل الخطاء أو الإفطار في رمضان، وشبهه، ولو
نذر عبادة بدنية، لزمته، ولو نذر صدقة، لم يصح.
3884. السابع عشر: إذا زال السفه، فك الحاكم حجره، فإن عاد سفهه أعيد
الحجر، فان زال فك حجره، فإن عاد السفه عاد الحجر وهكذا.
3885. الثامن عشر: لو وكله أجنبي في بيع، أو هبة، أو غيرهما من التصرفات

1. المبسوط: 2 / 286.
2. في النسخ التي بأيدينا «واستقرت» وما أثبتناه هو الصحيح.
540

المالية، صح لأن السفه لم يسلبه أهلية التصرف مطلقا.
3886. التاسع عشر: الولاية في مال الطفل والمجنون، للأب والجد للأب، فإن
لم يكونا، فالوصي لأحدهما، فإن لم يكن فالحاكم أو أمينه، ولا ولاية للأم، أما
السفيه، فالولاية في ماله للحاكم، أو أمينه خاصة.
3887. العشرون: الرشيد إذا صار فاسقا إلا انه غير مبذر، قال الشيخ: الظاهر أنه
يحجر عليه. (1) والوجه عندي خلافه.
الفصل الثالث: في التصرف (2) في مال اليتيم
وفيه تسعة عشر بحثا:
3888. الأول: اليتيم من مات أبوه قبل بلوغه، ولو مات وقد بلغ الصبي، لم
يكن يتيما، وكذا لو ماتت الأم قبل بلوغه لم يكن يتيما، إذا كان أبوه باقيا.
3889. الثاني: للأب والجد للأب، التصرف في مال الطفل، ولا يداخلهما
الحاكم ولا غيره في ذلك، أما الأم فلا ولاية لها، وإن كان الأب والجد مفقودين،
فإذا لم يكن أب ولا جد، كان وليه من أوصى أحدهما إليه بالنظر في أمره، وإن لم
يكن وصي، فالنظر إلى الحاكم، ولا يتصرف الحاكم مع وجود الوصي.
3890. الثالث: يجوز لولي الطفل - سواء كان الأب، أو الجد، أو الوصي، أو

1. المبسوط: 2 / 285.
2. في «ب»: في التصرفات.
541

الحاكم، أو أمينه - أن يتجر للطفل نظرا له ومصلحة، وينبغي له أن يشتري العقار،
ويكون مأمون التلف بحيث لا يكون قريبا من الماء يخشى غرقه، ولا بين
طائفتين متعاندتين بحيث يخشى عليه الحريق.
ويستحب له أن يبني عقاره بالآجر والطين، لا الجص واللبن (1)، لأنه أعود
في النفع (2) من غيره، ولو اقتضت المصلحة بناءه باللبن والجص، فعل.
3891. الرابع: يكره للولي بيع عقار الطفل إلا مع الحاجة إلى ذلك، واقتضاء
المصلحة، وإذا كان البائع أبا أو جدا، جاز للحاكم إسجاله وإن لم يثبت عنده أنه
مصلحة، أما غيرهما كالوصي وشبهه، فإن الحاكم لا يسجل على بيعه إلا بعد
ثبوت أنه مصلحة عنده.
وإذا بلغ الصبي، وأنكر كون بيع الأب أو الجد مصلحة، كان القول قول
الأب والجد، ولو أنكر بعد بلوغه كون بيع الولي أو الوصي أو غيرهما مصلحة،
افتقر البائع إلى البينة، وكان القول قول الصبي.
3892. الخامس: يقبل قول ولي الطفل، سواء كان أبا، أو جدا، أو وصيا، أو
غيرهم في الإنفاق وقدره بالمعروف، ولا يلتفت إلى إنكار الصبي. ولو قال
الوصي: أنفقت منذ ثلاث سنين، فقال الصبي: لم يمت أبي إلا منذ سنتين، فالقول
قول الصبي.
3893. السادس: تجوز المضاربة بمال الطفل للولي، ويكون للعامل ما
يشترطه الولي من الربح، ويجب أن يكون العامل أمينا، فإن دفعه إلى غير الثقة

1. اللبن: المضروب من الطين يبنى به دون أن يطبخ. المعجم الوسيط: 2 / 814.
2. في «ب»: في البيع.
542

ضمن، ولو كان الولي هو العامل، فالأقرب أنه لا تصح المضاربة، وتكون له
أجرة المثل.
3894. السابع: يجوز إبضاع مال اليتيم، وهو: دفعه إلى ثقة يتجر به، ويكون
الربح بأجمعه لليتيم، ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة، ويجوز له كتابة عبده مع
المصلحة. ولو اقتضت المصلحة عتقه، فالوجه جوازه.
3895. الثامن: يجوز للولي (1) تسليم اليتيم إلى معلم الصنعة، وتركه في
المكتب أيضا.
3896. التاسع: يجوز أن يفرد اليتيم بالمأكول، والملبوس، والسكنى، وأن
يخلطه بعائلته، ويحسبه كأحدهم، فيأخذ من ماله بإزاء ما يقابل مؤنته، ولا
يفضله على نفسه، بل يستحب أن يفضل نفسه عليه، ولو كان إفراده أرفق به،
أفرده، وكذا لو كان الرفق في مزجه، أمزجه استحبابا.
3897. العاشر: الولي إذا كان موسرا لا يأكل من مال اليتيم شيئا، وإن كان فقيرا،
قال الشيخ: يأخذ بأقل الأمرين من أجرة المثل وقدر الكفاية (2) وهو حسن. وقال
ابن إدريس: يأخذ قدر كفايته (3) إذا عرفت هذا، فلو استغنى الولي لم يجب عليه
إعادة ما أكل إلى اليتيم، سواء كان أبا، أو غيره.
3898. الحادي عشر: إذا اتجر الولي بمال اليتيم نظرا له، قال الشيخ: يستحب

1. في «ب»: للوصي.
2. المبسوط: 2 / 163 - كتاب البيوع - والخلاف: 3 / 179، المسألة 295 من كتاب البيوع.
3. السرائر: 2 / 211.
543

له أن يخرج الزكاة، والربح بأجمعه لليتيم (1) ومنع ابن إدريس من إخراج الزكاة (2).
3899. الثاني عشر: لا يجوز لغير الولي التصرف في مال اليتيم، ويجوز للولي
مع اعتبار المصلحة من غير قيد، ولو اتجر الولي بالمال لنفسه، قال الشيخ: إن كان
متمكنا من ضمان المال، كان الربح له والخسارة عليه. (3) ومنع ابن إدريس ذلك،
وحرم اقتراض مال اليتيم على الولي. (4) قال الشيخ: ولو لم يكن متمكنا من
ضمانه، كان عليه ما يخسر، والربح لليتيم. (5)
3900. الثالث عشر: إذا كان لليتيم مال على غيره، فصالحه وليه على بعضه،
جاز مع المصلحة، وحل للمصالح ما يأخذه من باقي المال، قاله الشيخ (6) والوجه
ما قاله ابن إدريس [من] ان الصلح جائز للولي مع المصلحة، أما من عليه الحق،
فلا يجوز له منعه من باقي المال إذا كان ثابتا في ذمته، وليس للولي
إسقاطه بحال (7).
3901. الرابع عشر: يجوز لمن عليه حق لليتيم إيصاله إليه، وإن لم يعلمه أنه
حق عليه، بل على جهة الصلة والجائزة، وينوي براءة ذمته.
3902. الخامس عشر: المتولي للنفقة في أموال اليتامى، ينبغي أن يثبت على
كل واحد منهم ما يصل إليه من الكسوة مما يحتاج إليه، أما المأكول فالتفاوت
بينهم فيه يسير، لا يجب إفراد كل واحد منهم بشئ، بل يجوز مزجهم
وتسويتهم في الحساب عليه.

1. النهاية: 361 - كتاب المكاسب، باب التصرف في أموال اليتامى -.
2. السرائر: 2 / 212.
3. النهاية: 361.
4. السرائر: 2 / 212.
5. النهاية: 361 - 362.
6. النهاية: 362.
7. السرائر: 2 / 213.
544

3903. السادس عشر: لا يجوز إقراض مال اليتيم إلا مع المصلحة، مثل أن
يكون له مال يحتاج إلى نقله إلى غير ذلك البلد، ويخاف الطريق، فيقرض الثقة،
وإن استرهن كان أحوط، وكذا لو خاف على المال النهب أو الحريق، جاز
إقراضه من الثقة، وكذا لو كان مما يتلف بتطاول مدته، أو حديثه خير من قديمه.
ولو لم تكن لليتيم مصلحة، بل قصد إرفاق المقترض (1) وقضاء حاجته، لم
يجز، ولو أراد الولي السفر، لم يصحبه، بل ينبغي إقراضه من الثقة، ولو لم يجد
المقترض، أودعه، وله إيداعه مع وجود المقترض، ولا ضمان عليه.
3904. السابع عشر: الأقرب أنه ليس للوصي الاستنابة فيما يتولى مثله بنفسه
مع المكنة.
3905. الثامن عشر: لا يجوز للوصي البيع على البالغ، سواء كان حاضرا، أو
غائبا، وسواء كانت حقوقهم مشتركة بينهم وبين الصغار في عقار يتضرر
بالقسمة أو لا، وسواء بيع فيما لا بد في الصغار والكبار منه، أو فيما منه بد.
3906. التاسع عشر: هل يجوز تصرف الصبي المميز فيما أذن له الولي فيه أو
لا؟ الأقرب العدم، وكذا لو تصرف من غير إذن الولي، الأقرب عدم توقفه على
الإجازة، بل يقع باطلا على إشكال.

1. في «ب»: بل قصد إرفاق المقترض ولا ضمان عليه وقضى حاجته لم يجز.
545

كتاب الضمان
547

المقصد الخامس: في الضمان
وهو التعهد بالمال أو النفس وأقسامه ثلاثة: ضمان، وحوالة، وكفالة.
فها هنا فصول ثلاثة.
[الفصل] الأول: في الضمان
ومطالبه أربعة
[المطلب] الأول: [في] الضامن
وفيه ثمانية مباحث:
3907. الأول: يصح ضمان كل جائز التصرف في ماله، سواء كان رجلا، أو
امرأة، ولا يصح من غيره، فلو ضمن المجنون، أو المغمى عليه، أو المبرسم (1)، أو
الطفل كان باطلا، ولو ادعى وقوع الضمان بعد البلوغ، أو بعد الإفاقة، فالقول قول
المنكر، هذا إذا عرف له حال جنون، ولو لم يعرف وادعى الضامن أنه كان

1. البرسام - بالكسر - علة معروفة يهذى فيها، يقال: برسم الرجل فهو مبرسم. مجمع البحرين.
549

مجنونا وقت الضمان. قال الشيخ: إن القول قوله (1).
3908. الثاني: لا يصح ضمان المحجور عليه للسفه، ولا ضمان الصبي
المميز، أما المحجور عليه للفلس فيصح، ويتبع به بعد فك الحجر، ولا يشارك
المضمون له الغرماء.
3909. الثالث: لا يصح ضمان العبد بغير إذن مولاه، سواء كان مأذونا له
في التجارة أو لا. وإن أذن له مولاه صح، وتعلق مال الضمان برقبته لا بكسبه، ولو
شرط أن يكون الضمان مما في يده أو كسبه، وأذن المالك صح، كما لو شرط في
ضمان الحر أن يكون من مال بعينه.
3910. الرابع: المكاتب: لا يصح ضمانه إلا بإذن مولاه. كما قلنا في العبد،
وحكمه حكم القن في تعلق الضمان برقبته أو كسبه، وفي اشتراط إذن السيد في
اشتراط الضمان بالكسب، ولو ضمن ما على العبد في ذمته، فالوجه الصحة.
3911. الخامس: المريض يصح ضمانه إذا كان عقله ثابتا، ثم إن توفي في
مرضه، صح ما ضمنه من ثلث تركته، ولو أجاز الورثة صح في الجميع. وكذا لو
برئ من مرضه سواء مات بعد برئه، أو لم يمت.
3912. السادس: الزوجة يصح ان تضمن من دون إذن الزوج.
3913. السابع: الأخرس يصح ضمانه إن علمت إشارته، ولا تكفي كتابته
بالضمان منفردة عن إشارة يفهم فيها قصده للضمان، ولو لم تعلم إشارته لم
يصح ضمانه.

1. المبسوط: 2 / 336.
550

3914. الثامن: يشترط في الضامن (1) الملاءة وقت الضمان، أو علم المضمون
له بإعساره، فلو ضمن المعسر ولم يعلم المضمون له، كان له فسخ الضمان عند
العلم بالإعسار، والعود على المضمون عنه، وهل يشترط الفسخ على
الفور؟ إشكال.
ولا يشترط استمرار الغنى، فلو ضمن وهو ملي، ثم أعسر لم يبطل
الضمان وبرأ المضمون عنه، ويشترط في الضامن الاختيار، فلو ضمن مكرها، لم
يصح إجماعا.
المطلب الثاني: في الحق المضمون
وفيه خمسة عشر بحثا:
3915. الأول: يصح ضمان كل مال ثابت في الذمة، سواء كان مستقرا، كثمن
المبيع بعد انقطاع الخيار، أو معرضا للبطلان كالثمن بعد قبضه في مدة الخيار،
ولو كان قبل القبض لم يصح.
وكذا يصح ضمان ما ليس بلازم، لكن يؤول إلى اللزوم، كما في الجعالة
قبل الفعل، وكذا مال السبق والمناضلة، أما لو ضمن العمل في الجعالة أو السبق،
فإنه لا يصح قطعا.
3916. الثاني: لا يصح ضمان ما ليس بلازم، ولا يؤول إلى اللزوم، مثل
ضمان الدين قبل تحققه، بأن يقول: ضمنت عنه ما يستدينه منك، أو ما تعطيه
فهو من ضماني، سواء أطلق أو عين، مثل ضمنت ما تعطيه من درهم إلى عشرة.

1. في «أ»: في الضمان.
551

وقد نص الشيخ على لزوم من قال: الق متاعك في البحر وعلي ضمان
قيمته، ويكون ذلك بدل ماله، ويكون غرضه التخفيف عن السفينة وتخليص
النفوس، وكذا قال: يصح لو قال لغيره: طلق امرأتك وعلي ألف، ففعل، ويلزمه
الألف لجواز أن يعلم أنه على فرج حرام، يستنزله ببذل ماله، وكذا لو قال: أعتق
عبدك وعلي ألف، أو قال للكافر: فك هذا الأسير وعلي ألف. (1)
وهذا إن صح، فلأنه في محل الحاجة، بخلاف غيره.
3917. الثالث: يصح ضمان الحق المجهول، ولا يشترط العلم بكمية المال.
فلو ضمن ما في ذمته صح، ويلزمه ما يقوم به البينة أنه كان ثابتا في ذمته وقت
الضمان، لا ما يوجد في كتاب، ولا ما يقر به المضمون عنه، ولا ما يحلف عليه
المضمون له برد اليمين من المضمون عنه، أما لو كان الرد من الضامن، فإنه
يلزمه، ولو ضمن ما تقوم البينة عليه، لم يصح لعدم العلم بثبوته في الذمة
وقت الضمان.
وقال الشيخ في النهاية: لو قال: أنا أضمن له ما يثبت لك عليه، إن لم آت
به إلى وقت كذا، ثم لم يحضره، وجب عليه ما قامت به البينة للمضمون عنه، ولا
يلزمه ما لم تقم به البينة مما يخرج به الحساب في دفتر أو كتاب، وإنما يلزمه ما
قامت به البينة، أو يحلف خصمه عليه، فإن حلف على ما يدعيه، واختار هو
ذلك وجب عليه الخروج منه (2).

1. المبسوط: 2 / 198 - كتاب الرهن - ولاحظ أيضا المبسوط: 7 / 171 - كتاب الديات -
والخلاف: 5 / 275، المسألة 95 من كتاب الديات.
2. النهاية: 316.
552

وقال في المبسوط: لا يصح ضمان المجهول، سواء كان واجبا حال
الضمان، أو غير واجب، ولا يصح ضمان ما لم يجب سواء كان معلوما أو
مجهولا، فالمجهول غير الواجب مثل أن يقول: ضمنت لك ما تعامل به فلانا، أو
(ما) (1) تقرضه، فهذا لا يصح، لجهالته، ولعدم وجوبه، والمجهول الواجب مثل أن
يقول: أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي على فلان، أو ما تشهد لك به البينة من
المال عليه، أو ما يكون مثبتا في دفترك، فهذا لا يصح لجهالته، وإن كان واجبا في
الحال، وقال قوم من أصحابنا (2): إنه يصح أن يضمن ما تقوم به البينة دون ما
يخرج به دفتر الحساب، ولست أعرف به نصا. (3)
وكلامه في النهاية مشكل، وما ذكره في المبسوط لا ينافي ما اخترناه إن
قصد ما قلناه، والظاهر أن قصده هنا أن ضمان المجهول مطلقا لا يصح، والأقوى
ما فصلناه نحن أولا.
3918. الرابع: أرش الجناية يصح ضمانه، سواء كان نقودا، أو حيوانا،
أو غيرهما.
3919. الخامس: يصح ضمان نفقة الزوجة الماضية، وضمان نفقة اليوم،
لأنها تجب بأوله، ولا يصح ضمان نفقة المستقبل، لتوقفها على التمكين، وفي
الفرق بين مال الجعالة قبل العمل، وبين النفقة المستقبلة إشكال.
ولا فرق في صحة ضمان الماضية بين أن يحكم بها حاكم أو لا، ولا بين

1. ما بين القوسين موجود في المصدر.
2. منهم المفيد في المقنعة: 815، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه: 340.
3. المبسوط: 2 / 335.
553

أن تكون معلومة أو مجهولة، على ما اخترناه في جواز ضمان المجهول خلافا
للشيخ في بعض أقواله (1) ولابن إدريس (2) وإذا ضمن النفقة الماضية، وجب على
الضامن نفقة مثل المرأة على قدر حال الرجل، وقال الشيخ: تجب نفقة المعسر. (3)
3920. السادس: يصح ضمان مال السلم، لثبوته في الذمة.
3921. السابع: قال الشيخ: لا يصح ضمان مال الكتابة لعدم لزومه في الحال،
إذ للمكاتب إسقاطه بتعجيز نفسه، ولا يؤول إلى اللزوم، لأن المكاتب إذا أدى
المال عتق، وخرج من كونه مكاتبا، فلا يتصور أن يلزمه مال الكتابة بحيث لا
يكون له الامتناع من أدائه (4) والأقرب عندي جواز ضمانه، ويمنع جواز تعجيز
المكاتب نفسه، وينعتق بالضمان.
3922. الثامن: الأعيان المضمونة - كالمغصوب في يد الغاصب، والمستعار
في يد المستعير مع شرط الضمان، والمقبوض بالبيع الفاسد - يصح ضمانها.
3923. التاسع: الأمانات كالوديعة، والعين المؤجرة، ومال المضاربة والشركة،
والمستعار مع عدم التضمين، والعين المدفوعة إلى الصانع، لا يصح ضمانها،
ولو ضمن من هي في يده بتفريط أو تعد، صح ضمانها، أما قبل ذلك فلا، ولو
ضمنها إن تعدى فيها، لم يصح.
3924. العاشر: يصح ضمان العهدة عن البائع والمشتري، أما عن
البائع فعهدة المثمن متى خرج المبيع مستحقا، وإنما يصح هذا الضمان إذا

1. النهاية: 315.
2. السرائر: 2 / 72.
3. المبسوط: 2 / 326.
4. المبسوط: 2 / 325.
554

قبض البائع الثمن، أما قبله فلا، وأما عن المشتري فضمان الثمن الواجب
بالبيع قبل تسليمه، أو إن ظهر مستحقا.
والعهدة اسم للكتاب التي يكتب فيه وثيقة البيع، ويذكر فيه الثمن، فنقل
إلى الثمن المضمون، والوجه أن ضمان العهدة ناقل، فلو خرج المبيع مستحقا
كان للمشتري الرجوع على الضامن دون البائع (1).
3925. الحادي عشر: ألفاظ ضمان العهدة أن يقول: ضمنت عهدته، أو ضمنت
عنه، أو ضمنت دركه، أو يقول للمشتري: خلاصك منه، ولو ضمن خلاص
المبيع لم يصح، لأنه إذا خرج حرا، لم يحل تخليصه، وإن خرج مستحقا لم
يستطع إلا بالبيع، وذلك ضمان ما لم يجب فلم يصح، وإن ضمن عهدة المبيع
وخلاصه، بطل في الخلاص، وصح في العهدة.
3926. الثاني عشر: إذا ضمن العهدة عن البائع، فاستحقاق رجوع المشتري
بالثمن، إن كان لسبب حادث بعد العقد مثل تلف المبيع قبل قبضه، أو غصبه منه،
أو يحصل التقايل بينه وبين البائع، فإن المشتري يرجع على البائع خاصة دون
الضامن، وإن كان بسبب مقارن، فإن كان بغير تفريط من البائع، كأخذه بالشفعة،
فإن المشتري يأخذ الثمن من الشفيع دون البائع والضامن، وإن كان بتفريط من
البائع. فإن كان باستحقاق أجرته، كان له الرجوع على الضامن، وإن كان بالرد
بالعيب، فالوجه أنه لا يرجع على الضامن.
ولو أراد أخذ أرش العيب، فالوجه أنه لا يرجع على الضامن أيضا، بل
يرجع في ذلك كله على البائع.

1. في «ب»: من دون البائع.
555

ولو خرج بعض المبيع مستحقا، أو حرا، فاختار المشتري الفسخ، كان له
الرجوع على الضامن بما قابل المستحق والحرية من الثمن خاصة، ويرجع على
البائع بالباقي.
3927. الثالث عشر: إذا ضمن عن البائع، أو ضمن البائع ما يحدثه المشتري
من بناء وغرس، لم يصح، لعدم وجوبه، قال الشيخ: لا يصح لأنه ضمان ما لم
يجب (1) ويحتمل الجواز للزومه بالعقد على ضعف.
قال الشيخ: ولو شرط في البيع ذلك بطل البيع. وكذا لو شرطاه في مدة
الخيار لا بعد انقضائه (2) وهو بناء على قوله بعدم انتقال الملك قبل الخيار.
3928. الرابع عشر: يصح ضمان نقصان الصحة، وفي صحة ضمان رداءة
الجنس في البيع إشكال، أقربه الجواز، وكذا الأقرب جواز ضمان أرش العيب
وعهدة تلحق بالمبيع، إما بالعيب، أو بالفساد من جهة أخرى غير كونه مستحقا
على إشكال، لكن ذلك كله لا يندرج تحت ضمان مطلق العهدة على تردد.
3929. الخامس عشر: يصح ضمان الثمن في مدة الخيار، والأقرب جواز
«ضمنت» من واحد إلى عشرة.
المطلب الثالث: في باقي أركان الضمان
وهي ثلاثة: المضمون عنه، والمضمون له، وعقد الضمان
وفيه خمسة مباحث:
3930. الأول: المضمون عنه كل من في ذمته حق مالي، ولا يشترط رضاه

1. المبسوط: 2 / 328.
2. المبسوط: 2 / 328.
556

في الضمان، فلو ضمن عنه لزم الضمان، وإن كره المضمون عنه، أو رده بعد
الضمان. أما المضمون له، فإنه يشترط رضاه، فلو ضمن من غير رضا المضمون
له، لم يصح، وكذا يعتبر رضا الضامن، وقد تقدم.
3931. الثاني: لا يشترط في صحة الضمان معرفة الضامن للمضمون عنه (1)
وللشيخ قولان (2) هذا أجودهما، نعم يجب تمييزه بما يصح معه القصد إلى
الضمان عنه بخصوصيته.
3932. الثالث: يصح الضمان عن الميت، سواء ترك وفاء أو لا، وسواء ترك
ضامنا ضمن عنه في حياته أو لا، وكذا يصح الضمان عن المفلس.
3933. الرابع: لا يشترط معرفة الضامن للمضمون له، بل يصح ضمانه
وإن جهل المضمون له، وللشيخ قولان (3) ويشترط رضاه قولا واحدا، والأقرب
اعتبار قبوله.
3934. الخامس: الضمان عقد جائز بالنص والإجماع، قال الله تعالى: (ولمن
جاء به حمل بعير وأنا به زعيم). (4)
وقال (عليه السلام): «الزعيم غارم». (5)

1. في «أ»: بالمضمون عنه.
2. أحدهما عدم الاشتراط، ذهب إليه في الخلاف: 3 / 313، المسألة 1 من كتاب الضمان. والثاني
الاشتراط، ذهب إليه في المبسوط: 2 / 323.
3. قول بعدم الاشتراط، ذهب إليه في الخلاف: 3 / 313، المسألة 1 من كتاب الضمان. وقول
بالاشتراط، اختاره في المبسوط: 2 / 323.
4. يوسف: 72.
5. سنن الترمذي: 3 / 565 برقم 1265; وسنن ابن ماجة: 2 / 804 برقم 2405; والسنن الكبرى:
6 / 72; ومسند أحمد بن حنبل: 5 / 267; والمغني لابن قدامة: 4 / 71 - 72.
557

ولا خلاف بين العلماء كافة في جوازه، وهو عقد لازم من جهة الضامن.
واشتقاقه إما من الضم بمعنى أن ذمة الضامن ينضم إلى ذمة المضمون
عنه، أو من التضمين، لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، ويقال: ضمين، وكفيل،
وقبيل، وحميل، وزعيم، وصبير، بمعنى واحد.
وعبارته: ضمنت، وتكفلت، وتحملت، وما ينبئ عن اللزوم. ولو كتب
وانضمت (إلى كتابه) (1) القرينة الدالة، انعقد الضمان، وإلا فلا. ولا ينعقد بقوله
أؤدي. أو أحضر.
ولا يقع إلا منجزا، فلو علقه بمجيئ الشهر فسد، بخلاف ما لو نجزه وعلق
الأداء.
ولا يدخله الخيار. ولو شرط فيه الخيار، ففي إبطال الضمان إشكال.
المطلب الرابع: في الأحكام
وفيه عشرون بحثا:
3935. الأول: الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمن، وكان للمضمون
له مطالبته بلا خلاف، ولا اعتبار بتعذر مطالبة المضمون عنه.
3936. الثاني: الضمان ناقل للمال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ولا
يجوز للمضمون له مطالبة المضمون عنه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون
المضمون عنه حيا، أو ميتا، ويبرأ المضمون عنه بالضمان، وإن لم يؤد الضامن،

1. ما بين القوسين موجود في «أ».
558

ولو أبرأ المضمون له ذمة المضمون عنه، لم يبرأ الضامن. ولو أبرأ ذمة الضامن،
برئا جميعا، ولم يكن للضامن مطالبة المضمون عنه بشئ.
3937. الثالث: إذا أطلق الضمان صح، وله أن يطالب به أي وقت شاء،
وإن كان مؤجلا صح أيضا، ولو كان الدين حالا فضمنه مؤجلا صح، وكذا لو كان
الدين مؤجلا فضمنه حالا على إشكال، والأقرب أنه ليس له مطالبة المضمون
عنه قبل الأجل، وإن ضمن بإذنه وأدى حالا.
ولو كان مؤجلا فضمنه إلى أجل أزيد أو أنقص على إشكال صح.
وللشيخ قول بالمنع من الضمان الحال مطلقا (1) وقول آخر: بالمنع من
ضمان المؤجل حالا (2).
3938. الرابع: إذا ضمن الحال مؤجلا صح، وبرئت ذمة المضمون عنه، وليس
للضامن مطالبة المضمون عنه إلا بعد الأداء، وليس للمضمون له مطالبة الضامن
قبل الأجل، ولو قضاه الضامن قبل الأجل، فالوجه أنه ليس له مطالبة المضمون
عنه إلا بعد الأجل، ولو كان الدين مؤجلا فضمنه حالا، وجب عليه الدفع في
الحال، وليس له مطالبة المضمون عنه إلا بعد الحلول والأداء.
3939. الخامس: إذا ضمن مؤجلا، فمات الضامن حل الدين عليه، وليس
لورثته الرجوع على المضمون عنه إلا بعد الأداء وانقضاء الأجل إن كان الأصل
مؤجلا، ولا اعتبار بموت المضمون عنه.

1. اختاره في النهاية: 315 - باب الكفالات والضمانات والحوالات -.
2. ذهب إليه في المبسوط: 2 / 341.
559

3940. السادس: يصح ترامي الضمان، فيجوز الضمان عن الضامن ويتحول
الحق إلى ذمة الأخير، ومتى أدى أحدهم، أو المضمون عنه، برئ الجميع، وإن
أبرأ المالك الضامن الأخير، فكذلك، ولو أبرأ من قبله من الضمناء، أو المضمون
عنه، لم يبرأ أحد، ولو أدى الضامن الأخير، رجع على الضامن الذي قبله، وهكذا
إلى أن يرجع الحال إلى المضمون عنه، وليس للفرع مطالبة السابق على أصله،
وإن تعذر الاستيفاء من الأصل.
3941. السابع: يجوز للمضمون عنه أن يضمن الضامن، فيتحول الحق
إلى ذمته كما كان قبل الضمان، ومنع الشيخ من ذلك لئلا يصير الفرع أصلا (1)
وليس بشئ، وتابعه ابن البراج. ولو ضمن المضمون عنه عن الضامن من غير
مال الضمان، جاز قولا واحدا.
3942. الثامن: يجوز تعدد الضمان بأن يضمن اثنان فما زاد واحدا، فإن ضمن
كل واحد منهما بعض الدين صح، وبرئ المضمون عنه، وكان على كل واحد
منهما قدر ما ضمنه، سواء تساويا، أو اختلفا، وإن ضمن كل واحد منهما جميع ما
عليه، صح ضمان السابق.
ولو اقترنا بأن يضمنا من المالك والوكيل في وقت واحد، فيه تردد بين
البطلان، لتحقق ضمان كل واحد منهما حال ضمان الآخر، أعني حالة براءة
الذمة، وبين الصحة مع القرعة أو التنصيف، وبين بطلان ضمان الوكيل، من حيث
إنه فعل حين فعل الموكل متعلق الوكالة، أعني حالة بطلان الوكالة.

1. المبسوط: 2 / 340.
560

ولو ضمن أحدهما صاحبه (1) صح وانتقل ما على المضمون عنه إلى ذمة
الضامن، ولو ضمن كل واحد منهما صاحبه انتقل ما كان على كل واحد إلى
ضامنه وبرئ الضامن من الدين الأصلي، وليس للمالك مطالبة كل واحد
بالجميع، ولا مطالبة أحدهما به.
ولو قال كل واحد منهما: ضمنت ما عليه دفعة، فقال: ضمنتكما، فالوجه
صحة الضمان، لكن يتعلق بذمة كل واحد النصف.
3943. التاسع: إذا ضمن بإذنه، ونقد بإذنه، رجع عليه، سواء قال المضمون
عنه: اضمن عني وانقد عني، أو قال: انقد، وأطلق، وكذا يرجع لو ضمن بإذنه
ونقد بغير إذنه، ولا يشترط تعذر الرجوع على المضمون عنه، لأن الضمان عندنا
ناقل، ولو ضمن بغير إذنه، ونقد بإذنه، لم يرجع، ولو ضمن بغير إذنه ونقد بغير
إذنه (2) لم يرجع.
3944. العاشر: إنما يرجع الضامن على المضمون عنه في موضع الرجوع
بأقل الأمرين من قدر الدين والمدفوع، ولو أبرأه غريمه لم يرجع، ولو دفع
عوض الدين عرضا، رجع بأقل الأمرين من قيمته وقدر الدين، ولو أحاله، فهي
بمنزلة الإقباض يرجع بأقل الأمرين من الدين والقدر المحال به، سواء قبض
الغريم من المحال عليه، أو أبرأه أو تعذر الاستيفاء لفلس أو مطل.
3945. الحادي عشر: إذا كان له على اثنين مائة، وكل واحد منهما ضامن
لصاحبه، وأجاز المالك ضمانهما، فقد قلنا إن ذمة كل منهما مشغولة بالضمان لا

1. في «ب»: ولو ضمن أحدهما خاصة.
2. في «ب»: «ونقد بإذنه» والصحيح ما في المتن.
561

بالأصل، فإذا ضمن آخر عن أحدهما المائة، صح ضمان الخمسين، فإذا نقد
المائة، سقط الحق عن الجميع، ورجع على المضمون عنه بالنصف مع الإذن في
الضمان، ولا يرجع على الآخر إلا مع إذنه في الإنقاد عنه.
ولو ضمن عنهما معا صح، ولزمه المائة، ورجع على كل واحد بالنصف
مع إذنهما بالضمان، وإلا فعلى الآذن خاصة.
3946. الثاني عشر: إذا ضمن بإذنه، لم يكن للضامن مطالبة المضمون عنه
إلا إذا طولب، وقوى الشيخ جواز المطالبة وإن لم يطالب الضامن (1) وما
قلناه أولى.
ولو ضمن بغير إذنه، لم تكن له مطالبته مطلقا، وليس للمأذون في الضمان
مطالبة المضمون عنه بتسليم المال إليه قبل أدائه، ولا مطالبة المضمون عنه
بقبض المال منه ليتولى المضمون عنه الدفع.
3947. الثالث عشر: إذا قضى المضمون عنه برئ هو والضامن. وكذا لو
قضى الضامن من المتبرع، أما المأذون فيبرأ بأدائه، ويطالب المضمون عنه، ولو
ضمن تبرعا فقضى المضمون عنه، فإن كان بمسألة الضامن، فالوجه رجوعه
عليه وإلا فلا.
3948. الرابع عشر: إذا كان له دين على اثنين فضمن كل واحد منهما صاحبه،
فعلم المضمون له، كان له أن يجيز ضمان من شاء منهما، فيلزمه الدينان معا،
ويبرأ الآخر، فإن ضمن ثالث الدينين معا عمن أجيز ضمانه صح، ورجع عليه

1. المبسوط: 2 / 329.
562

خاصة إن كان بإذنه، وإن ضمن عن الآخر من المالك لم يلزمه شئ، وإن
أجازهما معا انتقل ما في ذمة كل منهما إلى الآخر، واستقر الدين عليهما كما كان.
3949. الخامس عشر: لو ادعى على حاضر وغائب، وأن كلا منهما ضامن
لصاحبه، فاعترف الحاضر، كان له إلزامه بالجميع إن لم يرض بضمان الغائب،
والقول قوله بعدم الرضا مع يمينه، فإن حضر الغائب فاعترف، ألزم بقدر نصيبه،
إن كان الحاضر ضمن بمسألته، وإلا فلا، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه.
ولو أنكر الحاضر ولا بينة، فالقول قوله مع يمينه، فإن قامت عليه بينة
واستوفى منه، لم يكن له الرجوع على الغائب، ولو اعترف الغائب، ورجع
الحاضر عن إنكاره، كان له الرجوع بما أدى عنه.
ولو أنكر الحاضر وحلف، ثم حضر الغائب واعترف، لم يكن للمضمون
له الرجوع عليه بشئ (1) مع رضاه بضمان الحاضر أولا.
3950. السادس عشر: المأذون له في الضمان، إذا ادعى أداء ما ضمنه،
فأنكر المضمون له، كان القول قول المضمون له مع يمينه، فإن شهد المضمون
عنه، قبلت شهادته مع انتفاء التهمة، ولو لم يكن مقبول القول، حلف المضمون
له، ورجع على الضامن ثانيا، ويرجع الضامن بما أداه أولا، ولو لم يشهد رجع بما
أداه أخيرا.
ولو اعترف المضمون له بالقضاء، فأنكر المضمون عنه، ففي رجوع

1. في «ب»: بشئ عنه.
563

الضامن بمجرد اعتراف المضمون له على المضمون عنه إشكال، أقربه الرجوع.
3951. السابع عشر: إذا قال واحد: أنا وهذان ضامنون لك، فسكت
الآخران، وجب على الضامن الثالث نصيبه.
3952. الثامن عشر: كل من قضى دين غيره متبرعا، لم يكن له الرجوع
على من عليه الحق، ولو كان بنية الرجوع، أما لو قضى بأمره مع نية الرجوع، فإنه
يرجع بما أدى عنه، والوجه أنه كذلك مع عدم نية الرجوع.
ولو أذن لغيره في قضاء دينه عنه، فصالح المأذون على غير جنس الحق،
فالوجه رجوعه على الآمر بأقل الأمرين.
3953. التاسع عشر: إنما يرجع المأذون في القضاء مع الإشهاد، فإن قصر لم
يرجع إن كذبه الآذن، ولو صدقه، احتمل ذلك أيضا، لأن المراد قضاء مبرئ
وأداؤه لم ينفعه، وإن صدقه القابض، رجع قطعا.
والمعتبر شهادة من يثبت به الحق، فلو أشهد رجلا، أو امرأتين جاز، ولو
أشهد واحدا ليحلف معه، فالوجه الجواز أيضا، ولو أشهد من ظاهره الفسق لم
يعتد بتلك الشهادة.
ولو أشهد من فسقه مستور، ففي الاعتداد به احتمال، ولو ادعى موت
الشاهدين وأنكر الآذن أصل الإشهاد، ففي تقديم قوله إن كان (1) قد دفع إليه مالا
للقضاء، نظر.

1. في «ب»: لو كان.
564

3954. العشرون: إذا كان له على كل واحد منهما مائة، فضمن كل منهما
صاحبه، فقد قلنا إنه ينتقل ما في ذمة كل منهما إلى الآخر، ولا يجتمع المالان في
ذمة كل واحد منهما، ولا يقع هذا الضمان باطلا في نفسه.
وتظهر له فوائد.
منها: أن المضمون له إذا أجاز ضمان أحدهما دون الآخر، اجتمع المالان
في ذمته، وبرئ الآخر من مطالبته.
ومنها: أن الحق قد يكون حالا، فإذا ضمن كل منهما مؤجلا، لزمه الأجل
بعد أن كان حالا.
ومنها: أن يكون مؤجلا، فإذا ضمناه حالا انحل الأجل، وكان له المطالبة
في الحال.
ومنها: انفكاك الرهن، لو كان بهما رهنان.
وهل ضمان كل واحد منهما يجري مجرى الأداء؟ الأقرب أنه ليس
كذلك، فحينئذ لو أبرأ أحدهما، أو دفع أقل مما ضمنه، ففي رجوع الآخر
عليه، نظر.
ولو ضمن أحدهما صاحبه، تحول المالان عليه، فإن ضمن المضمون عنه
الضامن، انتقل المالان إلى ذمته.
565

الفصل الثاني: في الكفالة
وفيه ثلاثة وثلاثون بحثا:
3955. الأول: الكفالة هي التعهد بالنفس غالبا، ومعناها التزام إحضاره، فإن
تكفل المال كان ضامنا، والكفالة بنوعيها صحيحة، قال الشيخ: ولا بد فيها من
الأجل، (1) والأقرب جوازها حالة، ومؤجلة، ومع الإطلاق تكون معجلة. فإذا
اشترط الأجل وجب أن يكون معلوما لا يتطرق إليه الزيادة والنقصان.
3956. الثاني: الخيار لا يدخل الكفالة، ويفسد لو شرط، وفي فساد الكفالة
حينئذ نظر.
3957. الثالث: إذا قال: أنا كفيل بفلان، أو بنفسه، أو ببدنه، أو بوجهه، كان كفيلا
به أجمع، لأن هذه الأشياء، يعبر بها عن الجملة، فلو قال: أنا كفيل برأسه، أو
كبده، أو قلبه، أو جزء لا يمكن حياته بدونه، فالأقرب الصحة، وكذا لو كفل
بجزء مشاع منه، كثلثه وربعه.
ولو قال: أنا كفيل بيده، أو رجله (2) أو بجزء يمكن أن يعيش بدونه، ففي
الصحة إشكال، وأبطله الشيخ (3)، وهو حسن.
3958. الرابع: تصح الكفالة ببدن كل من يجب إحضاره في مجلس الحكم

1. النهاية: 315.
2. في «ب»: أو رجليه.
3. المبسوط: 2 / 341.
566

بدين لازم، أو حق تصح المطالبة به، سواء كان الدين معلوما، أو مجهولا، وسواء
كان المكفول بالغا، أو صبيا، أو عاقلا، أو مجنونا، وإذن الولي قائم مقام إذنهما إن
اشترط إذن المكفول به.
3959. الخامس: تصح الكفالة ببدن المحبوس، والغائب، والزوجة، والعبد
الآبق، ومن عليه عقوبة لآدمي، والمدعى عليه وإن لم تقم عليه البينة.
3960. السادس: لا تصح كفالة بدن من عليه الحد لأجل الحد، سواء كان
لله تعالى أو لآدمي، نعم تجوز الكفالة على إحضار الجاني عمدا، أو خطأ في
النفس وما دونها.
3961. السابع: الأقرب جواز الكفالة بالمكاتب. ومنع الشيخ (1) ليس بجيد.
3962. الثامن: يعتبر في الكفالة رضاء الكفيل، والمكفول له. ولا عبرة برضاء
المكفول به، وفي المبسوط يعتبر رضاه (2) واختاره ابن إدريس (3) وفيه قوة.
3963. التاسع: إذا كانت الكفالة حالة، أو مطلقة، كان له مطالبته بإحضاره
في الحال، فإن أحضره وهناك يد ظالمة تمنعه من استيفاء ما عليه، لم يبرأ
الكفيل، ولم يلزم المكفول له تسليمه في تلك الحال، وإن لم تكن هناك يد
حائلة، لزمه قبوله، على إشكال، فإن قبله برئ الكفيل، ولا يفتقر إلى أن يقول:
برئت إليك منه، أو قد سلمته إليك، أو قد أخرجت نفسي من كفالته، وإن امتنع
من تسلميه برئ الكفيل على إشكال. ولا يفتقر إلى إشهاد رجلين (4) ولا اذن

1. المبسوط: 2 / 340.
2. المبسوط: 2 / 337.
3. السرائر: 2 / 77.
4. في «أ»: إشهاد رجل.
567

الحاكم وفي المبسوط: إذا امتنع من تسلميه أشهد رجلين وبرئ، (1) فإن قصد
شرط الإشهاد كان ممنوعا.
وإن كانت مؤجلة، لم يجب الإحضار قبل الأجل، ولو أحضره قبله، لم
يجب على المكفول له القبول وإن انتفى الضرر في التسليم على الأقوى، ولا تبرأ
ذمة الكفيل، فإن حل الأجل وأحضره وسلمه برئ.
3964. العاشر: لو كان المكفول محبوسا، فإن كان في حبس الحاكم وجب
تسليمه، لإمكانه بأمر الحاكم، أو بأمر الحابس، ثم يرد إلى السجن ويحبس على
الحقين معا، وإن كان في حبس ظالم لم يجب قبوله.
3965. الحادي عشر: لو كفل حالا وكان المكفول غائبا أجل بمقدار
وصوله إليه وعوده. وإن كفل مؤجلا أجل ذلك بعد الحلول، ولو امتنع من
إحضاره مع وجوبه وإمكانه، وجب عليه حق المكفول له.
3966. الثاني عشر: إذا كفل وأطلق ولم يعين موضع التسليم، انصرف إلى بلد
العقد، وإن سلمه في غيره لم يبرأ، وليس له أن يسلمه إياه محبوسا في حبس
الظالم، كما قلنا. وله أن يسلمه محبوسا في حبس الحاكم، فإن طالب الحاكم
بإحضاره، أحضره مجلس الحكم، وحكم بينهما، ثم رده إلى السجن.
وإن عين المكان في الكفالة لم يبرأ بتسليمه في غيره، سواء كان بمكان
آخر من البلد أو لا، وسواء كان فيه سلطان أو لا.
3967. الثالث عشر: إذا قال: أكفلت إلى الغد أو إلى شهر كذا، حل بأوله.

1. المبسوط: 2 / 337.
568

3968. الرابع عشر: إذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول، حبس عليه، أو على
أداء ما عليه أبدا، إلا أن يحضره، أو يموت المكفول به.
3969. الخامس عشر: لا يصح الضمان والكفالة إلا منجزين. ولو قال: إذا
جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه، أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان، لم يصح، وكذا
لو قال: إذا جاء رأس الشهر، أو خرجت السنة الفلانية.
3970. السادس عشر: تصح الكفالة مؤقتة، فلو قال: أنا كفيل بفلان شهرا، على
معنى أنه يحضره متى شاء المكفول له في مدة الشهر، جاز.
3971. السابع عشر: إذا تكفل برجل إلى أجل إن جاء به فيه، وإلا لزمه ما عليه،
فالوجه الصحة، لأن ذلك مقتضى الكفالة.
أما لو قال: إن لم آت به كان علي كذا، وحضر الأجل، لم يلزمه إلا إحضار
الرجل، ولو قال: علي كذا إلى كذا إن لم يحضره، ثم لم يحضره، وجب عليه ما
ذكره من المال.
ولو قال: إن جئت به في وقت كذا، وإلا فأنا كفيل ببدن فلان، أو ضامن ما
على فلان، لم يصح.
3972. الثامن عشر: من أطلق غريما من يد صاحب الحق قهرا، ضمن
إحضاره، أو أداء ما عليه، فلو كان قاتلا لزمه إحضاره، أو دفع الدية، ومع الدفع،
إذا حضر القاتل، هل يقتل ويستعيد الدافع من الأولياء؟ فيه إشكال، فليس للدافع
قتل القاتل، وهل له إلزامه بما أدى عنه على تقدير انتفاء جواز قتله؟ فيه نظر.
3973. التاسع عشر: لا بد من تعيين المكفول، فلو قال: كفلت أحد هذين،
569

أو كفلت بزيد أو عمرو، أو كفلت بزيد فإن لم آت به فبعمرو، لم يصح.
3974. العشرون: إذا قال: كفلت ببدن فلان على أن يبرأ فلان الكفيل، أو
على أن يبرأه من الكفالة، قال الشيخ: لم يصح، لفساد الشرط إذ لا يصح أن
يبرأه (1). والوجه عندي الصحة إن جوزنا الشرط في الكفالة، وحينئذ لا تلزمه
الكفالة، إلا أن يبرأ المكفول له الكفيل الأول.
وكذا يصح لو قال: كفلت لك هذا الغريم على أن تبرئني من الكفالة بفلان،
أو ضمنت هذا الدين لك بشرط أن تبرئني من ضمان الدين الآخر، أو على أن
تبرئني من الكفالة لفلان، وكذا لو شرط في الكفالة والضمان أن يتكفل المكفول
له، أو المكفول به بآخر، أو يضمن دينا عليه، أو يبيعه شيئا معينا، أو يؤجره إياه.
3975. الواحد والعشرون: إذا مات المكفول برئ الكفيل، ولا يجب عليه غرم
المال ولا بعضه إن كان كفيلا بالبدن، وإن كان كفيلا بالمال لزمه، لأنه يكون
ضمانا، وكذا يبرأ الكفيل لو أبرأ المكفول له المكفول أو الكفيل، أو قضاه
الكفيل، أو سلم المكفول نفسه تسليما تاما، أو هرب المكفول بحيث لا يعلم
خبره، أو اختفى كذلك على إشكال، ولو أبرأ الكفيل لم يبرأ الأصيل.
ولو كفل اثنان بواحد صح، فإن قضى أحدهما الدين برئ الآخر، وكذا لو
قضاه المكفول برئا معا، وكذا لو سلم نفسه إلى المكفول منه تسليما تاما. ولو
سلمه أحدهما قال الشيخ: لا يبرأ الآخر 2 وعندي فيه نظر.
3976. الثاني والعشرون: إذا تكفل رجلا من اثنين، لم يبرأ بتسليمه

1. المبسوط: 2 / 238.
2. المبسوط: 2 / 339.
570

إلى أحدهما ولا بإبراء أحدهما له (1).
3977. الثالث والعشرون: إذا تكفل بإذن المكفول، وجب على المكفول
الحضور معه عند المطالبة به، فإن كفل بغير إذنه، وطلبه للحضور، فإن كان
المكفول له طلبه منه، وجب عليه الحضور، وإلا فلا، ولو قال المكفول له: أحضر
مكفولك، كان توكيلا (له) (2) بإحضاره فيجب عليه الحضور معه. ولو قال: خلص
نفسك من الكفالة لم يكن توكيلا، ولم يجب على المكفول الحضور معه، إلا أن
يكون قد أذن له في الكفالة.
3978. الرابع والعشرون: إذا قال لغيره: اكفل فلانا، أو اضمنه، ففعل
المأمور، كان الكفيل والضامن هو المباشر، ولا شئ على الآمر.
3979. الخامس والعشرون: إذا قال الكفيل: أبرأت المكفول به من الدين،
فأنكر المكفول له، كان القول قوله مع يمينه، فإن حلف بقيت الكفالة، وإن نكل
حلف الكفيل، وبرئ من الكفالة، ولم يبرأ المكفول به من الدين.
ولو قال: كفلت ولا حق لك عليه، فأنكر المكفول له، فالقول قوله كما قلنا،
وهل يفتقر إلى اليمين؟ الأقرب ذلك، ولو نكل، فالوجه إحلاف الكفيل مع
احتمال بعيد.
3980. السادس والعشرون: إذا قال المكفول له للكفيل: قد أبرأتك من الكفالة،
برئ، وكذا لو قال قد برئت إلي منه، أو رددته إلي، وكذا لو قال: برئت من الدين
الذي كفلت به، ويبرأ الكفيل في هذه المواضع دون المكفول به، ولا

1. النسخ هنا مشوشة، وما أثبتناه هو الصحيح.
2. ما بين القوسين موجود في «ب».
571

يكون ذلك اعترافا بالقبض، إلا في الصورة الأخيرة، فإنه يبرأ المكفول به، لأن كفالة المال
عندنا ناقلة.
ولو قال للمكفول به: قد أبرأتك من الدين الذي كفلك عليه فلان، أو
برئت إلي منه، برئ الكفيل والمكفول به، وكذا لو قال له: أبرأتك من الدين الذي
لي قبلك، أو برئت إلي من الدين الذي قبلك، لأنه من ألفاظ العموم، ولو قال:
قصدت (من) (1) غير دين الكفالة، قبل قوله مع يمينه.
3981. السابع والعشرون: إذا كان لذمي على مثله خمر، فكفله ذمي آخر،
ثم أسلم المكفول له، برئ الكفيل والمكفول به معا، ولو أسلم المكفول عنه
فكذلك، ولو أسلم الكفيل خاصة، برئ من الكفالة دون المكفول عنه، إلا أن
يكون كفيلا بالمال.
3982. الثامن والعشرون: إذا قال: أعط فلانا كذا، لم يكن كفيلا، فإذا
أعطاه كان الغريم الآخذ لا الآمر، ولا يلزم الآمر شئ وإن كان خليطا، ولو قال:
أعطه عني، كان كفيلا.
3983. التاسع والعشرون: إذا خاف بعض الركاب فألقى بعض متاعه أو
جميعه في البحر لتخف (2) السفينة، لم يرجع به على أحد، سواء ألقاه بنية
الرجوع، أو متبرعا، (3) وكذا لو قال بعضهم: ألق متاعك فألقاه، ولو قال: ألقه وعلي
ضمانه، ضمنه القائل خاصة، وإن كان ضمان ما لم يجب للضرورة.

1. ما بين القوسين موجود في «ب».
2. في «ب»: لتخفف.
3. في «أ»: تبرعا.
572

ولو قال: ألقه أنا والركبان له ضمناء، فإن قصد ضمان الاشتراك والانفراد (1)
ضمن الجميع، ولا يلزم باقي الركبان شئ، سواء سمعوا وسكتوا، أو أنكروا، أو
لم يسمعوا، وإن قصد ضمان الاشتراك لزمه ضمان حصته، ولا يضمن الباقون
شيئا، وأما الذي يضمن يحتمل النصف ويحتمل أن يكون كأحدهم إلا أن يقصد
الثاني، والقول قوله مع يمينه في إرادته، ولو أذنوا له في ذلك لزم الجميع المال.
3984. الثلاثون: تصح ترامي الكفالات، فإن كانت بالمال فهي ضمان وقد
تقدم، وإن كانت بالنفس لزم الأخير احضار من كفله، ويلزم السابق عليه إحضار
من تقدمه (2) وهكذا إلى أن ينتهي إلى المديون، فإن مات المديون، أو أبرأه
المكفول له برئوا جميعا.
وكل كفيل مات مكفوله برئ هو دون مكفول الميت، فلو مات أوسط
الكفلاء الثلاثة، برئ الميت وكفيله معا، دون المديون وكفيله.
ولو كفل كل من الكفيلين بدن صاحبه جاز، فإن مات الأصلي، أو برئ من
الدين برئا معا، وإن مات أحدهما لم يبرأ الآخر.
3985. الواحد والثلاثون: إذا رهن وشرط الإقباض، جاز أن يكفل الراهن على
التسليم، ولو لم يشرطه 3 لم يجز إلا مع القول بوجوب التسليم.
3986. الثاني والثلاثون: هل تجوز الكفالة ببدن الميت؟ لم أعرف
لأصحابنا فيه نصا، وجوزه بعض الجمهور، إذ قد يستحق إحضاره لأداء

1. بأن قصد أن كل واحد منا ضامن لمتاعه أو قيمته.
2. في «أ»: يقدمه.
3. في «أ»: لم يشترطه.
573

الشهادة على صورته، وعندي فيه نظر.
3987. الثالث والثلاثون: إذا مات المكفول له، فالأقرب عدم بطلان
الكفالة، وينتقل الحق إلى ورثته.
الفصل الثالث: في الحوالة
وفيه مطلبان
[المطلب] الأول: في ماهيتها وشروطها
وفيه أحد عشر بحثا:
3988. الأول: الحوالة عقد شرع لانتقال الحق من ذمة إلى أخرى، واشتقاقها
من التحويل، وليست بيعا، فلا يدخلها خيار المجلس، وإنما هي عقد إرفاق
بنفسه، ليس محمولا على غيره.
ولا تجوز بلفظ البيع، وتجوز في الربويين، وتلزم بمجرد العقد، ويجب
الوفاء بها، وهي معاملة صحيحة في قول العلماء كافة.
وتتعلق بثلاثة أشخاص:
المحيل: وهو الذي عليه الحق.
والمحتال: الذي يقبل الحوالة.
574

والمحال عليه: وهو الذي عليه الحق للمحيل، يقال أحاله بالحق عليه
يحيله إحالة، واحتال الرجل: إذا قبلها، والمحال به هو الدين نفسه.
3989. الثاني: يشترط في الحوالة رضاء الأشخاص الثلاثة، وهل يشترط أن
يكون على المحال عليه دين أو لا؟ قال الشيخ: الأقوى عدم الاشتراط، (1)
وهو جيد.
3990. الثالث: الحق إن كان مثليا صحت الحوالة به إجماعا، وإن لم يكن
مثليا كالحيوان والثياب، قال الشيخ: لا تصح الحوالة به (2) إذا ثبت في الذمة
بالقرض، ويجوز إذا كان في ذمته حيوان وجب عليه بالجناية، كأرش الموضحة
وغيرها، أن يحيل بها. (3) والوجه عندي جواز الحوالة بكل حق مالي، وإن لم
يكن مثليا.
3991. الرابع: يجب أن يكون المال معلوما، فلا تصح الحوالة بالمجهول
إجماعا، وقد بينا أن المثلية ليست شرطا، وعلى قول الشيخ إذا كان له إبل من
الدية وعليه لآخر مثلها صحت الحوالة بها، وإن كان عليه إبل من دية وله على
آخر مثلها قرضا فأحاله عليه، فإن قلنا القرض يضمن بالقيمة لم تصح الحوالة،
لاختلاف الجنس، وإن قلنا بالمثل هنا، صحت الحوالة، وكذا العكس.
3992. الخامس: إذا أحال من له عليه دين، قال الشيخ (رحمه الله): يشترط تماثل

1. المبسوط: 2 / 313.
2. نقله المصنف في المختلف: 5 / 494 عن الشيخ في الخلاف، ولكن في الخلاف المطبوع -:
3 / 310، المسألة 10 من كتاب الحوالة - «تجوز» مكان «لا تجوز» والظاهر صحة ما في
المختلف دون ما في الخلاف المطبوع. ولاحظ المبسوط: 2 / 312 - 313.
3. فاعل قول «يجوز» مؤولا بالمصدر.
575

الحقين جنسا ووصفا وقدرا (1) فيحيل على من عليه ذهب بذهب، ومن عليه
فضة بفضة، دون العكس، وكذا يحيل من عليه صحاح بمثلها، ومن عليه مكسرة
بمثلها، ومن عليه مضروبة بمثلها. وعندي في ذلك إشكال، لأنا سوغنا الحوالة
على بريء الذمة. فعلى مشغولها بالمخالف أولى، والوجه جواز ذلك كله. ثم إن
الشيخ اختار ما ذهبنا إليه (2).
وهل يشترط التساوي في التأجيل والحلول؟ فيه إشكال، أقربه عدم
الاشتراط، فلو أحال من عليه (3) دين مؤجل أو حال بدين مخالف له في الحلول
والتأجيل، أو مساو له في التأجيل لكنه مخالف له في زيادة الأجل ونقصانه، لم
أستبعد جوازه، فلو احتال (4) من دينه حال بدين مؤجل وشرط تعجيله، فالوجه
الجواز، وكذا يجوز لو شرط بقاءه على صفته.
ولو احتال على من دينه حال وشرط تأجيله، فالأقرب الصحة، ولزوم
الشرط، كما قلنا في الضمان، ولا خلاف في أنه لو رد المحال عليه فوق الصفة،
أو دونها مع رضا المحتال، أو عجل ما شرط تأجيله من غير شرط، كان سائغا،
ولو أحال مؤجلا، فمات المحيل أو المحتال، لم يبطل التأجيل، وإن مات المحال
عليه، حل الدين.
3993. السادس: شرط الشيخ كون الحق مما تصح المعاوضة عليه
قبل قبضه، قال فلا تصح الحوالة بمال السلم، لأنه لا تجوز المعاوضة

1. المبسوط: 2 / 313.
2. المبسوط: 2 / 313.
3. في «ب»: فلو أحال وعليه.
4. في «ب»: فلو أحال.
576

عليه قبل قبضه (1) وعندي فيه نظر.
3994. السابع: شرط الحوالة ثبوت الحق في ذمة المحيل، فلو أحاله بما
يعرضه في المستقبل لم تصح إجماعا، وتصح الحوالة بمال الكتابة. وقيل:
بالمنع (2) وقد تقدم في الضمان، وكذا تصح الحوالة على المكاتب بغير مال
الكتابة، فلو حل نجم جاز للعبد أن يحيل مولاه بقسطه من الكتابة إجماعا.
3995. الثامن: الزوج إذا أحال المرأة بالصداق صح، وإن كان قبل الدخول،
وكذا لو أحالت المرأة به أجمع قبل الدخول، ولو أحالت به بعد الدخول
صح إجماعا.
3996. التاسع: إذا أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار جاز، وكذا
يجوز بلا خلاف لو أحال المشتري به البائع في المدة.
3997. العاشر: إذا أحال من لا دين عليه رجلا على آخر له عليه دين كان
توكيلا، وليس حوالة تثبت فيها أحكام الوكالة، ولو أحال من عليه دين على من
لا دين عليه، فقد بينا جواز ذلك، وأنه حوالة صحيحة، وقيل: ليس حوالة، وإنما
هو اقتراض، فإن قبض المحتال منه (3) الدين، رجع على المحيل، لأنه قرض، وإن
أبرأه منه، ولم يقبض شيئا، لم تصح البراءة، لأنها براءة لمن لا دين عليه، وإن
قبض منه الدين ثم وهبه إياه، رجع المحال عليه على المحيل، لأنه قد غرم عنه،
وإنما عاد المال بعقد مستأنف، ويحتمل عدم الرجوع.

1. المبسوط: 2 / 313.
2. لاحظ المبسوط: 2 / 321.
3. الضمير يرجع إلى المحال عليه.
577

وإن أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه، فهي وكالة في اقتراض،
وليست حوالة، لأن الحوالة إنما هي بدين على دين، ولم يوجد واحد منهما.
3998. الحادي عشر: شرط لزوم الحوالة ملاءة المحال عليه، أو علم
المحتال بإعساره، فلو أحاله على معسر ولم يعلم المحتال بإعساره، كان له فسخ
الحوالة والرجوع على المحيل، سواء شرط المحتال الملاءة أو لا، وعلى تقدير
عدم الشرط فسواء مات المحال عليه مفلسا أو لا، وسواء جحده وحلف عند
الحاكم أو لا.
وليس استدامة الغنى شرطا، فلو أحاله على ملي ورضي ثم أعسر، لم يكن
له فسخ الحوالة، ولو لم يرض المحتال بالحوالة، ثم بان المحال عليه مفلسا أو
ميتا، رجع على المحيل إجماعا، ولو أحيل على ملي فلم يقبل حتى أعسر، فله
الرجوع على المحيل.
المطلب الثاني: في الأحكام
وفيه خمسة عشر بحثا:
3999. الأول: الحوالة عقد ناقل للمال عن ذمة المحيل إلى المحال عليه، ويبرأ
المحيل إذا تمت بأركانها من دين المحتال، سواء أبراه المحتال أو لا، وللشيخ (رحمه الله)
هنا قول آخر ضعيف (1) وسواء ضمن المحال عليه المال أو
لم يضمن.

1. ذهب إليه في النهاية، وهو انه يشترط في براءة ذمة المحيل إبراء المحتال وإلا كان له الرجوع
عليه أي وقت شاء. النهاية: 316.
578

قال الشيخ: ولو لم يقبل المحتال الحوالة إلا بعد ضمان المحال عليه ولم
يضمن (من أحيل عليه ذلك) (1) كان له مطالبة المحيل، ولم تبرأ ذمته بالحوالة (2)
وهو جيد، لأنه شرط ما لم يحصل له، فكان له فسخ الحوالة، لكن هذا الشرط لا
فائدة فيه، لاقتضاء الحوالة الانتقال، سواء حصل الضمان أو لا، وكذا (3) يبرأ
المحال عليه من دين المحيل.
4000. الثاني: إذا تمت الحوالة بشرائطها، لم يعد الحق إلى المحيل أبدا،
إلا أن يكون المحال عليه معسرا، ولا يعلم المحتال، أما في غير هذه الصورة فلا،
سواء أمكنه استيفاء الحق، أو تعذر لمطل، أو فلس متجدد، أو سابق معلوم، أو
موت، أو غير ذلك.
ولو شرط المحتال الرجوع على المحيل مع تعذر الاستيفاء، فالوجه
بطلان الشرط، وفي بطلان الحوالة حينئذ إشكال.
4001. الثالث: إذا أحاله على ملي غير مماطل ولا جاحد، لم يجب عليه
القبول، لأنا قد اعتبرنا رضا المحتال، ولو قبل المحتال لم يجب على المحال
عليه قبول الحوالة، لأنا اعتبرنا رضاه أيضا، وإن لم يكن المحتال عدوه، ومع
قبول الثلاثة تلزم (4) الحوالة.
4002. الرابع: يجوز ترامي الحوالات.

1. ما بين القوسين يوجد في المصدر.
2. النهاية: 316.
3. عطف على قوله: «ويبرأ المحيل» أي إذا تمت أركان الحوالة، يبرأ المحال عليه، من دين
المحيل.
4. في «أ»: يلزمه.
579

4003. الخامس: إذا أحال البائع بثمن العبد فخرج حرا، أو مستحقا، بطلت
الحوالة، فإن كان البائع قد قبض، برئ المحال عليه من دين المشتري، وكان له
الرجوع عليه إن لم يكن له عليه دين، ويكون الثمن في يد البائع للمشتري يجب
رده إليه، وإن لم يقبض بقي الحق كما كان في ذمة المحال عليه إن كان عليه حق.
وتثبت حرية العبد بالبينة، أو اتفاقهم، وكذا لو أحال البائع الأجنبي على المشتري
بالثمن، وقبل الحوالة، ثم ظهرت الحرية، أو الاستحقاق، بطلت الحوالة. وتثبت
الحرية بالبينة أيضا، أو الاتفاق، وإن (1) أقر المحيل والمحال عليه، وكذبهما
المحتال ولا بينة، لم يقبل قولهما.
ولو أقاما بينة لم تسمع لتكذيبهما إياها بالتبايع، أما لو أقامها العبد، فإنها
تقبل، وتبطل الحوالة.
ولو صدقهما المحتال، وادعى أن الحوالة بغير ثمن العبد، فالقول قوله مع
يمينه، ولو أقاما بينة بأن الحوالة بالثمن، قبلت لعدم التكذيب.
لو اتفق المحيل والمحتال على حرية العبد وكذبهما المحال عليه، لم يقبل
قولهما عليه في حرية العبد، وتبطل الحوالة، وليس للمحيل ولا للمحتال مطالبة
المحال عليه بشئ.
ولو اتفق المحتال والمحال عليه على الحرية، عتق العبد، وبطلت الحوالة
بالنسبة إليهما، ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل.
4004. السادس: إذا أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي فقبضه، ثم

1. في «ب»: فإن.
580

رد المشتري بالعيب، أو المقايلة، برئ المحال عليه، ويرجع المشتري على
البائع. ولو رده قبل القبض ففي الإبطال نظر، ومعه يرجع المحيل على المحال
عليه بدينه، ولم يبق بينهما وبين البائع معاملة، ومع الصحة يرجع المشتري على
البائع بالثمن، ويأخذه البائع من المحال عليه، فإن أحال البائع المشتري بالثمن
على من أحاله المشتري عليه صح، وعاد المشتري إلى غريمه، وبرئ البائع.
ولو كانت المسألة بحالها إلا أن البائع أحال أجنبيا بالثمن على المشتري ثم
رده بالعيب، احتمل بطلان الحوالة إن كان الرد قبل القبض، لسقوط الثمن، فيعود
على البائع بدينه ويبرأ المشتري منهما، وإن كان بعد القبض، برئ المشتري
والبائع، ورجع المشتري على البائع بما دفعه إلى الأجنبي، واحتمل الصحة،
وذكر الشيخ انه وفاق، بخلاف الأولى، لتعلق الحوالة هنا بغير المتعاقدين (1) فإن
أحال المشتري الأجنبي بالثمن على البائع صح، وبرئ المشتري منهما، ولو ثبت
بطلان البيع من أصله، بطلت الحوالة في الموضعين.
4005. السابع: إذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة، فإن كان بمسألة المحال
عليه، رجع عليه، وإن تبرع لم يرجع، ويبرأ المحال عليه.
4006. الثامن: لو قبض وقال: أحلتني بلفظ الحوالة، فقال: بل وكلتك بلفظ
الوكالة، أو بالعكس، فالقول قول مدعي الوكالة منهما مع يمينه، ولو أقام أحدهما
بينة حكم بها.
ولو اتفقا على أن قال: أحلتك بالدين الذي لي قبل زيد، ثم اختلفا، فقال

1. المبسوط: 2 / 314.
581

المحيل: قصدت الوكالة، وقال القابض: بل أحلتني، فالقول قول مدعي الحوالة،
عملا بالأصل في الوضع، (1) ويحتمل تقديم قول المحيل، عملا بأصالة بقاء
الحق، واختاره الشيخ (رحمه الله) 2. فعلى الأول يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة
المحال عليه، ويسقط عن المحيل، وعلى الثاني يحلف المحيل ويبقى حقه في
ذمة المحال عليه.
وعلى التقديرين إن كان المحتال قبض الحق، وتلف في يده، فقد برئ كل
منهما من صاحبه من غير ضمان وإن كان بتفريط، لأن المحتال إن كان محقا فقد
أتلف ماله، وإن كان مبطلا. ثبت لكل منهما في ذمة الآخر مثل ما في ذمته له،
فيتقاصان، ويسقطان.
وإن تلف من غير تفريط، فالمحتال يقول: قبضت حقي، وبرئ منه
المحيل بالحوالة، والمحال عليه بالتسليم، والمحيل يقول: تلف المال في يد
وكيل بغير تفريط، فلا ضمان.
وإن لم يتلف لم يملك المحيل طلبه، لاعترافه أن عليه من الدين مثل ماله
في يده، وهو مستحق لقبضه، فلا فائدة في أن يقبضه منه.
ويحتمل أن يملك أخذه منه، ويملك بالمحتال مطالبته بدينه، وهو الوجه.
ولا موضع للبينة هنا، لعدم اختلافهما في لفظ يسمع أو فعل يرى، وإنما
اختلافهما في القصد.
وإن لم يقبض المحتال من المحال عليه، لم يكن له القبض بعد ذلك مع

1. عدم نقل اللفظ عما وضع له.
2. المبسوط: 2 / 315.
582

يمين المحيل، ولو حلف المحتال، كان له أن يقبض.
ولو قال: أحلتك بدينك، فقال: بل وكلتني، احتمل ما تقدم من الوجهين،
فإن قدمنا قول المحيل مع يمينه، فحلف برئ من حق المحتال، ويقبض
المحتال من المحال عليه لنفسه.
وإن قدمنا قول المحتال، حلف، وطالب المحيل بحقه، وله مطالبة المحال
عليه، إما بالوكالة، أو بالحوالة، فإن قبض منه قبل قبضه من المحيل، فله أخذ ما
قبض لنفسه، وإن قبض من المحيل، رجع المحيل على المحال عليه.
وان كان قد قبض الحوالة وتلفت بتفريط سقط حقه، وكذا إن تلفت
بغير تفريط.
ولو اتفقا على أن المحيل قال: أحلتك بدينك، ثم اختلفا، فقال أحدهما:
هي حوالة بلفظها، وقال الآخر: بل هي وكالة بلفظ الحوالة، فالقول قول مدعي
الحوالة قطعا، ولو أنكر المحيل دين المحتال لم يلتفت إليه بعد اعترافه.
أما لو قال: أحلتك، ولم يقل بدينك، ثم ادعى قصد الوكالة، أو سبق الغلط
بأن أراد أن يقول: وكلتك فسبق: أحلتك، احتمل سماع إنكاره الدين.
4007. التاسع: لو طالبه بدينه، فقال (المديون) (1): أحلت [به] (2) علي فلانا
الغائب، فالقول قول المالك، ولو أقام المدعي بينة سمعت منه، لإسقاط حق
المحيل عليه (3).

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
2. ما بين المعقوفتين منا.
3. في «أ»: «عنه» بدل «عليه».
583

4008. العاشر: لو ادعى أنه أحال فلانا الغائب عليه، وأنكر المحيل،
فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف استوفى الدين، فإذا حضر الغائب وكذبه برئ
منه، وإن صدقه، كان له المطالبة بمال الحوالة ثانيا، وإن أقام مدعي الحوالة البينة،
حكم بها في حق سقوط المطالبة، ولا يقضى بها للغائب، فإذا حضر وادعى
احتاج إلى إعادة البينة.
ولو ادعى أن فلانا الغائب أحاله عليه فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه،
فإن أقام المدعي بينة، ثبت في حقه وحق الغائب، ويجب الدفع إلى المحتال،
وإن لم يقم بينة، ترتبت اليمين على وجوب الدفع مع الاعتراف، فإن قلنا به
وجبت، وإلا فلا، فإذا حلف على الأول برئ، وليس للمحتال الرجوع على
المحيل وإن لم يحلف.
ثم المحيل إن صدق المدعي لم تثبت الحوالة عندنا، لأن رضاء المحال
عليه معتبر إلا أن يعترف برضاء المحال عليه، فيبطل دينه عنه، ولا يقبل قوله في
حق المحال عليه، ولا يمكن إبطال الدين عن المحال عليه، فيؤخذ منه ويسلم
إلى المحتال.
وإن أنكر الحوالة، حلف وسقط حكم الحوالة، وإن نكل المحال عليه،
فقضي عليه، وصدقه المحيل، لم يكن له مطالبة المحال عليه ثانيا.
وإن أنكر المحيل فالقول قوله، وله أن يستوفي ثانيا، وليس للمحتال
مطالبة المحيل، لكن ينبغي أن يقبضه المحتال ويسلمه إلى المحال عليه، أو يأذن
المحتال للمحيل في دفعه إلى المحال عليه، لاعتراف كل من المحيل والمحتال
بظلم صاحبه للمحال عليه.
584

ولو صدق المحال عليه المحتال في الحوالة، ودفع فأنكر المحيل، حلف،
ورجع على المحال عليه ثانيا.
4009. الحادي عشر: لو أحال الضامن بما ضمنه على من له عليه دين صح،
وبرئ هو والمضمون عنه، وكانت الحوالة بمنزلة الإقباض في الرجوع على
المضمون عنه في الحال، وإن لم يقبض المحتال.
ولو أحاله على من لا دين عليه صح وبرئ الضامن، ولا يرجع على
المضمون عنه، فإن قبض المحتال من المحال عليه ورجع على الضامن، رجع
الضامن على المضمون عنه، وإن لم يرجع أو أبرأه، لم يرجع الضامن على
المضمون عنه، ولو قبضه ثم وهبه، رجع على الضامن.
ولو كان الدين على اثنين كل منهما كفيل لصاحبه بما عليه، فأحاله
أحدهما بالدين أجمع، صح فيما عليه، لأن كفالة المال ناقلة عندنا.
وإن أحال صاحب الدين رجلا على أحدهما به أجمع، صحت الحوالة
فيما عليه خاصة، إن قلنا باشتراط الدين في ذمة المحال عليه، أو قال: أحلتك
بما عليه.
أما لو قال: أحلتك بالمال أجمع على فلان، ولم يشترط في الحوالة ثبوت
الحق في ذمة المحال عليه، فإنها تصح أجمع، لكن ليس للمحال عليه الرجوع
على شريكه في الكفالة بما يخصه، إلا أن يحتال بإذنه، فإن أحاله عليهما جميعا،
ثبت له على كل واحد بقدر ما عليه.
ولو أحاله عليهما ليستوفي منهما، أو من أيهما شاء جميع الدين،
585

فالوجه بطلان الحوالة، وكذا لو أحاله على اثنين بالجميع من غير تكافل،
ليستوفي من أيهما شاء، ولو لم يكونا متكافلين، فأحاله عليهما معا، طالب كل
واحد بما عليه من الدين.
4010. الثاني عشر: لو أحال الزوجة بالصداق، فارتدت قبل الدخول،
احتمل بطلان الحوالة وصحتها، كما قلنا في العبد المعيب، ولو طلقها قبل
الدخول، صحت الحوالة في النصف، وبقي النصف محتملا للأمرين.
4011. الثالث عشر: قد بينا جواز الحوالة على من لا دين عليه فللمحال
عليه مطالبة المحيل بتخليصه منه، فإن قضاه المحال عليه قبل أن يخلصه، قال
الشيخ: إن كان بأمره رجع على المحيل وإن لم يكن بأمره لم يرجع (1) فإن قصد
الشيخ اشتراط الإذن في الحوالة، فهو حق، وإن كان في الأداء فلا، والأقرب أن
هذه الحوالة كالضمان، ليس للمحال عليه أن يرجع إلا بما أدى.
4012. الرابع عشر: إذا اختلف المحيل والمحال عليه بعد القضاء، فقال
المحيل: كان لي قبلك ما أحلت به عليك، وأنكر المحال عليه، فالقول قول
المنكر مع يمينه، فيرجع على المحيل.
4013. الخامس عشر: إذا كان له دين في ذمة غيره، فوهبه لآخر، قال الشيخ:
الأقوى جواز الهبة. (2) وليس بمعتمد.
* * *

1. المبسوط: 2 / 318.
2. المبسوط: 2 / 320.
586

قال المحقق: تم الجزء الثاني من الكتاب - حسب تجزئتنا - ويتلوه الجزء
الثالث أوله المقصد السادس في الصلح.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على
سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
587