الكتاب: المعتبر
المؤلف: المحقق الحلي
الجزء: ١
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتصحيح : عدة من الأفاضل / إشراف : ناصر مكارم شيرازي
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٦٤/٣/١٤ ش
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (ع)
الناشر: مؤسسة سيد الشهداء (ع) - قم
ردمك:
ملاحظات:

من منشورات
مؤسسة سيد الشهداء (ع)
قم إيران
تحت إشراف آية الله ناصر مكارم الشيرازي
المعتبر
في شرح المختصر
تأليف:
نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن
المحقق الحلي (قدس سره)
المتوفى سنة 676 ه‍
المجلد الأول
حققه وصححه عدة من الأفاضل
1

اسم الكتاب: المعتبر في الشرح المختصر
المؤلف: المحقق الحلي (قدس سره)
المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (ع)
الناشر: مؤسسة سيد الشهداء (ع)
تاريخ الطبع: 14 / 3 / 1364.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(بشرى لرواد العلم والمعرفة)
يعتبر التراث الفكري الذي ترثه الشعوب من علمائها ومفكريها والمتقدمين
بهم في ميادين الوعي والثقافة من أغلى ما لديها رأس مال.
والحديث الوارد في ما يرثه الأنبياء لأممهم:
(إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ
بحظ وافر).
يجد في الدرجة الثانية من دلالته مصداقا له في علماء الإسلام إذا ففي إحياء
آثارهم حياة الإسلام والمسلمين وامتداد لحياة القرآن والسنة النبوية الشريفة وآثار
الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
ومن المؤسف جدا أن نرى بعض هذه الآثار القيمة قد انعدمت بمرور الزمان
ونتيجة غفلة بعض من ليس له إلمام بنتائجه وعواقبه الكئيبة، فلا يسعنا أن نفعل شيئا
سوى أن نحمد الله على بقاء القسم الأعظم منها محفوظا وبعيدا عن الاضمحلال،
ولكن لما لم تكن بعضها في متناول أيدي العلماء والمحققين أما لكونها بصورة
3

مخطوطات تحتفظ بها المكتبات في مخازنها، أوان طباعتها رديئة ومغلوطة، ولا
يمكن أن يستفيد منها إلا القليل، وقد قام (المركز العلمي لسيد الشهداء) الذي اهتم
بتأسيسه جماعة من العلماء وأهل الخير بتركيز فعالياته على طبع المخطوطات أو
تجديد طباعة المطبوع بصورة رديئة من التراث العلمي لأبرز علماء الإسلام بصورة
أنيقة بالاستفادة من النسخ المصححة وتحقيق عميق على منابع الأحاديث حتى يسهل
لرواد العلم والفضيلة الاستفادة منها.
ومن الكتب التي جاءت في طليعة هذه الجهود العلمية كتاب (المعتبر)
للمحقق (نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن المحقق الحلي المتوفى 676 ه‍)
صاحب كتاب شرائع الإسلام الذي يعتبر من أهم الكتب الفقهية اعتبارا لدى الشيعة الإمامية.
ويتضمن هذا السفر القيم بالإضافة إلى المباحث الفقهية الاستدلالية الهامة
الموافقة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) آراء ونظريات علماء أهل السنة وجاء بصورة
(فقه مقارن موجز)، غني بمحتواه فنشكر الباري تعالى على هذا التوفيق ونأمل
منه دوامه لإخراج الذخائر العلمية الأخرى.
وقد بذلنا ما في جهدنا في تصحيح الكتاب ومقابلتها بنسخ مصححة
قوبلت مع نسخة المحقق نفسه أو غيره مما يعود تاريخه إلى القرن العاشر
أو القرن الثالث عشر تفضل بها غير واحد من أعلام العصر شكر الله فضلهم
وزادهم خيرا.
وأرى من اللازم أن أشكر كلا من السادة الفضلاء الكرام الأمجاد:
4

* الشيخ محمد علي الحيدري
* والسيد مهدي شمس الدين
* والسيد أبو محمد المرتضوي
* والسيد علي الموسوي
الذين ساهموا في تحمل مشاق التحقيق من منابع هذا السفر القيم فزاد الله
تأييداتهم وأجزل أجرهم وجزاهم عن الإسلام خير الجزاء.
كما وأشكر (الحاج محمد آقا كلاهي) دامت تأييداته لتقبله نفقات الطبع
والنشر فزاده الباري توفيقا وكرامة.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا
للذين آمنوا والحمد لله رب العالمين
قم - الحوزة العلمية
ناصر مكارم الشيرازي
5

بسمه تعالى
حياة المؤلف وآثاره
هذا السفر القيم للمحقق الأول (ره) وهو أبو القاسم نجم الدين جعفر بن
الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي الهذلي وهو خال العلامة الحلي وابن عم يحيى
ابن أحمد بن سعيد الحلي صاحب كتاب الجامع وأستاذهما وقد بالغ في إطرائه
والثناء عليه من تأخر عنه من العلماء والفضلاء وأنت بعد الإحاطة بحالاته ومؤلفاته
تجده جديرا بذاك حقا وربما يكشف عن هذا الأمر ما ذكره مقدمة لهذا الكتاب الجليل
فعليك بالدقة فيها وقد مدحه تلميذه شمس الدين في أشعاره بقوله:
يا جعفر بن سعيد يا إمام هدى * ويا واحد الدهر يا من لا له ثاني
فأنت سيد أهل الفضل كلهم * لم يختلف أبدا في فضلك اثنان
وقال تلميذه الآخر ابن داود، في وصفه، نجم الدين أبو القاسم المحقق
المدقق الإمام العلامة واحد عصره كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالجمة وأسرعهم
استحضارا قرأت عليه ورباني صغيرا وكان له علي إحسان عظيم والتفات وأجاز لي
جميع ما صنفه وقرأه ورواه وكل ما تصح روايته عنه.
وفي إجازة الكبيرة للشيخ يوسف البحراني (صاحب الحدائق الناظرة) الملقب
7

بالمحقق كان محقق الفضلاء ومدقق العلماء وحاله في الفضل والنبالة والعلم والفقه
والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء أظهر من أن يذكر وأظهر من أن يسطر
وكان أبوه الحسن من الفضلاء المذكورين وجده يحيى من العلماء الأجلاء المشهورين
وثم قال، قال بعض الأجلاء الأعلام من متأخري المتأخرين رأيت بخط بعض الأفاضل
ما صورة عبارته، في صبح يوم الخميس الثالث عشر ربيع الآخر سنة ست وسبعين
وستمائة (676) سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي (ره)
من أعلى درجة في داره فخر ميتا لوقته من غير نطق ولا حركة فتفجع الناس لوفاته
واجتمع لجنازته خلق كثير وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن مولده
وقال اثنتين وستمائة.
أقول وعلى ما ذكره هذا الفاضل يكون عمر المحقق المذكور أربعا وسبعين
سنة تقريبا انتهى.
وقال في منتهى المقال (رجال بو علي) وما نقله (ره) من حمله إلى مشهد أمير
المؤمنين عجيب فإن الشايع عند الخاص والعام أن قبره طاب ثراه بالحلة وهو مزار
معروف وعليه قبة وله خدام يخدمون قبره يتوارثون ذلك أبا عن جد وقد خربت
عمارته منذ سنين فأمر الأستاد العلامة (السيد علي صاحب الرياض شرح النافع)
بعض أهل الحلة فعمروها وقد تشرفت بزيارته قبل ذلك وبعده والله العالم.
وقال المامقاني في تنقيح المقال، وأقول إن قبره في الحلة كما ذكره إلا أن
المطلع على سيرة القدماء يعلم أنهم من باب التقية من العامة كانوا يدفنون الميت
ببلد موته ثم ينقلون جنازته خفية إلى مشهد من المشاهد.
وقد دفنوا الشيخ المفيد (ره) في داره ببغداد ثم حمل بعد سنين إلى الكاظمية
ودفن عند قولويه تحت تحت رجل الجواد عليه السلام.
ودفنوا السيد الرضي والمرتضى وأباهما بالكاظمين ثم نقلوهم خفية إلى كربلاء
8

ودفنوهم بجنب قبر جدهم السيد إبراهيم الذي هو في رواق سيد الشهداء كما صرح
بذلك العلامة الطباطبائي (ره) في رجاله وكذا صرح في حق المحقق على ما يبالي
بنقل جنازته بعد حين إلى النجف الأشرف.
وقبره هنا وإن كان غير معروف إلا أن المنقول عن بحر العلوم أنه كان يقف
بين باب الرواق وبابي الحرم المطهر في وسط الرواق فسئل فقال إني أقرء الفاتحة
للمحقق فإنه مدفون هنا أي في وسط الرواق بين الباب الأولى وبين الأسطوانة التي
بين بابي الحضرة المقدسة والله العالم.
أقول وفيما رثاه تلميذه الشيخ شمس الدين:
أقلقني الدهر وفرط الأسى * وزاد في قلبي لهب الضرام
لفقد بحر العلم والمرتضى في * القول والفعل وفصل الخصام
أعني أبا القاسم شمس العلى * الماجد المقدام ليث الزحام
أزمة الدين بتدبيره * منظومة أحسن بذاك النظام
قد أوضح الدين بتصنيفه * من بعد ما كان شديد الظلام
لولا الذي بين في كتبه * لا شرف الدين على الاصطلام
مؤلفاته الثمينة:
1 - شرايع الإسلام مجلدان وهو من أحسن المتون الفقهية ترتيبا وجمعا
للفروع وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه إلى الآن ولا يزال من الكتب
الدراسية في العواصم الشيعية وقد ذكر صاحب الذريعة شارحيه فراجع.
2 - النافع في مختصر الشرايع وهو من المتون المختصرة الحسنة الوضع
والتبويب.
3 - المعتبر وهو هذا الكتاب ولم يتم، قال (ره) في خطبة الكتاب، حتى
9

اتفق لنا اختصار كتاب الشرايع بالمختصر النافع فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره
واشتبهت مقاصده لبعد أغواره، فحركني ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله وتقرير
دلائله الخ.
4 - كتاب المسائل الغرية مجلد.
5 كتاب المسائل المصرية مجلد.
6 كتاب المسلك في أصول الدين مجلد.
7 كتاب المعارج في أصول الفقه مجلد.
8 كتاب الكنة في المنطق مجلد.
9 رسالة ألفها في استحباب التياسر وأرسلها إلى المحقق الطوسي نصير
الدين لما جرى بينهما وأوردها الشيخ أحمد بن فهد بتمامها في المهذب.
10 - كتاب نهج الوصول إلى علم الأصول.
11 - وقال تلميذه ابن داود وله كتب غير ذلك ليس هذا موضع إحصائها.
الأكابر من تلامذته:
كان له (ره) مجلس بحث وتحقيق ويحضره الأفاضل وطلاب العلم والفقه
ونقل أن المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين حضر مجلس درسه فقطع الدرس
تعظيما له وإجلالا لمنزلته فأشار إليه بإكمال الدرس فجرى البحث في مسألة استحباب
التياسر فقال المحقق الطوسي لا وجه لهذا الاستحباب لأن التياسر إن كان من القبلة
إلى غيرها فهو حرام وإن كان من غيرها إليها فواجب فقال المحقق بل منها إليها
فسكت المحقق الطوسي ثم ألف المحقق في ذلك رسالة لطيفة وأرسلها إلى المحقق
الطوسي فاستحسنها.
واليك جملة من أعاظم تلامذته ومشاهيرهم:
10

1 - ابن أخته جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي
الشهير بالعلامة على الإطلاق.
2 - وأخوه الشيخ رضي الدين علي بن يوسف صاحب العدد القوية.
3 - والسيد عبد الكريم بن طاوس صاحب فرحة الغري.
4 - الحسن بن أبي طالب اليوسفي المعروف ب‍ (فاضل الآبي)، وابن الزينب
صاحب كتاب كشف الرموز شرح النافع.
5 - الشيخ صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن السرايا، فاضل منتهى أديب
من شعراء الغدير.
6 - الوزير شرف الدين أبو القاسم علي بن الوزير مؤيد الدين محمد بن
العلقمي.
7 - والشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد وله قصيدة في مرثية
كتاب الدر النظيم في مناقب الأئمة عليهم السلام.
جملة من أساتيده ومن يروى عنهم:
1 - والده شيخ حسن كان فاضلا عظيم الشأن.
(2) السيد الإمام العالم النحرير المعظم محيي الملة والدين أبو حامد نجم
الإسلام محمد بن أبي القاسم عبد الله بن علي بن زهرة الحلبي صاحب كتاب الأربعين
الذي ألفه في حقوق الأخوان وكانت أمه بنت الفقيه محمد بن إدريس صاحب السرائر.
3 - شيخ الفقهاء في عصره محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نماء بن
علي بن حمدون الحلي الربعي المعروف بابن نما على الإطلاق.
11

4 - السيد السند النسابة العلامة شيخ الشرف الدين أبو علي فخار بن
معد الموسوي مؤلف كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب.
5 - السيد مجد الدين علي بن الحسن بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن محمد
ابن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن عيسى بن علي العريضي صاحب المسائل
عن أخيه الكاظم عليه السلام وكان فاضلا جليلا.
6 - الشيخ المتكلم الفقيه البارع سديد الدين سالم بن محفوظ صاحب المنهاج
في الكلام.
7 - الشيخ الصالح تاج الدين الحسن بن علي الدربي كان من أجلة العلماء
وقدوة الفقهاء.
محمد على الذاكر الشيرازي
12

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي القوة الباهرة، والسطوة القاهرة والنعمة الغامرة، والرحمة
الوافرة، المرتفع عن تمثيل الخواطر الخاطرة، وتحصيل النواظر الناظرة المنعم
بإرسال الرسل المتواترة لإرشاد الفطن الحايرة وإخماد الفتن الثايرة، أحمده حمدا
تقيل له المساعي البايرة وتقل معه الدواعي الفاترة وترغم به الأنوف النافرة
وتحسم به الدوائر الدايرة وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة استدفع بها الأهوال
الفاقرة واسترفع بها الأعمال القاصرة وصلى الله على صاحب الدعوة الطاهرة
والملة السايرة سيدنا (محمد) ذي الأعراف الفاخرة والأخلاق الطاهرة وعلى
ذرية الأنجم الزاهرة والبحار الزاخرة صلاة تخرق الحجب الساترة وتسبق
الأعداد الحاصرة
وبعد فإن القواعد العقلية، والشواهد النقلية قاضية بأن أتم الأسباب
معتصما، وأهمها متمسكا وملتزما، استعمال قوتي النظر والعمل هذه لتحصيل سعادة
المعاد، وتلك لتحصين العقايد من تطرق وجوه الفساد
ولما لم يكن كل عمل موصلا ولا كل نظر محصلا افتقر الإنسان إلى مرشد
ليسلك بتوفيقه جادة الصواب، ويأمن بتثقيفه الوقوع في مادة الاضطراب، فأوجبت
الحكمة نصب نبي، يتلقى الآداب الشرعية عن وحي إلهي، ثم يؤيد بالعجز الحق
17

الدال على الصدق، فيتلقى بالقبول أوامره ونواهيه، ويذعن بالتسليم لما يسنه ويقرره.
ولما قضت الحكمة بالعدم، وأوجبت فناء الأمم، لزم أن يوعز ما لقن من
أحكامه، ولتقن أقسامه إلى أئمة ينوبون منابه ويقومون مقامه، يحفظون ما أودعه
ويؤدون ما شرعه، لا تعلق بهم عوارض الالتباس ولا يسندون إلى استحسان ولا
قياس ليوثق بما يؤخذ عنهم كما قال الله سبحانه (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (1)
ولما كانت الحوادث قد تفرض والموانع قد تعرض، ندب الله سبحانه إلى
التفقه، فق لتنبه الغافلون ويهتم المهملون: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) (2) وقال رسول
الله: صلى الله عليه وآله (طلب العلم فريضة) (3) وقال علي عليه السلام: (العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم
بطلبه منهم) (4) وقال جعفر بن محمد (لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو
بسفك المهج وخوض اللجج) (5) لكن لم يبذل لكل طالب ولا تيسر لكل راغب بل
خص به من رشدت خلايقه، وحمدت طرايقه تعظيما لقدره، وتفخيما لأمره وصونا
لسره، فقال سبحانه تنبيها وتذكيرا (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة
فقد أوتي خيرا كثيرا) (6) فلهذا كان الفقهاء أعظم الناس أقدارا، وأكرمهم آثارا،
وأظهرهم أسرارا، وأظهرهم ذكرا وانتشارا وأكثر هم أتباعا وأنصارا، لا يضرهم
خذلان الخاذلين، ولا يغض منهم أغراض الجاهلين، بل صحبتهم طاعة وفرقتهم إضاعة.

1) النساء 83.
2) التوبة: 122.
3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 36.
4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 3 5.
5) بحار الأنوار ج 1 ص 177 طبع حديث.
6) البقرة 269.
18

قال أمير المؤمنين عليه السلام لولده محمد رضي الله عنه: (تفقه في الدين فإن الفقهاء ورث الأنبياء) (1) وأن طالب العلم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى
الطير في جو السماء، والحوت في البحر وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم
رضى به وقال الصادق عليه السلام: (الأنبياء حصون والعلماء سادة) (2) وقد خص الله
طائفتنا باقتفاء الصدق، واتباع الحق، لتلقي الأحكام عن رؤساء أهل البيت، فهم
معتمدون على التحقيق، مستندون إلى الذكر الوثيق، لا يلوون على قائل بظنه،
شارع برأيه، يقول على الله ما لا يعلم، ويفتي بالوهم، وساء ما يتوهم ولما تعددت
التبع، وظهرت البدع، وأقام كل فريق رأسا، يقتدون ببدعته، ويتعبدون بشرعته،
وجب أن ينشر أهل الحق ما علموه، ويظهروا ما كتموه، قال النبي صلى الله عليه وآله: (إذا
ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) (3)
ولما كانت الكتابة مناط الفهم، ورباط العلم، وصراط العصمة من الوهم،
كما قال جعفر بن محمد: (اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا) (4) وقال للمفضل:
(اكتب، وبث كتبك في إخوانك، فإنه يأتي على الناس زمان، لا يأنسون إلا بالكتب) (5)
أحببت أن أكتب دستورا يجمع أصول المسائل وأوائل الدلائل أذكر فيه خلاف
الأعيان من فقهائنا، ومعتمد الفضلاء من علمائنا، وألحق بكل مسألة من الفروع ما
يمكن إثباته بالحجة، وسياقته إلى المحجة، فقطعت الحوادث عن ذلك القصد،
ومنعت الكوارب ورود ذلك الورد، حتى اتفق لنا إحضار كتاب الشرايع بالمختصر

1) بحار الأنوار ج 1 ص 216 طبع حديث.
2) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 39 ح 5 (مع تفاوت يسير).
3) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 70.
4) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 66 ح 9.
5) الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 67 ح 11 (مع تفاوت).
19

النافع، فدق كثير من معانيه لشدة اختصاره، واشتبهت مقاصده لبعد أغواره، فحركني.
ذلك لشرح مشتمل على تحرير مسائله وتقرير دلائله.
هذا والموانع حاجزة، والأسباب عاجزة، حتى ورد أمر الصاحب الأعظم، ولي
النعم، غياث الأمم، سلطان صدور العرب والعجم، العالم العادل، المخصوص بمزايل
الفضائل والفواضل، مقرر قواعد الإيمان بسيرته العادلة، ومدمر دعائم الطغيان بسطوته
الهائلة، جابر العباد، وقاهر العناد بهاء الملة والدين، عماد الإسلام والمسلمين (محمد
ابن المولى) صاحب ديوان الممالك، باسط العدل في الأقطار والممالك، شمس الملة
والدين، ناصر الإسلام والمسلمين، كاسر الملحدين والمشركين، والحسب السني
(محمد بن محمد الجويني) أعز الله نصرهما، أنفذ في الآفاق أمرهما، ولا زال
أمر الدين بميامن دولتهما منتظما، وشمله بمحاسن ايالتهما ملتئما، أن أمضي على
ذلك شارحا مسائله، موضحا مشكله، كاشفا وجوهه وعلله، فقويت العزيمة بعد
فتورها، وثابت الهمة بعد نفورها، امتثالا لأوامره العالية، واتباعا لمراسمه السامية،
وجعلته مشتملا على أصول المسائل وفروعها، محتويا على تقسيمها وتنويعها،
وخدمت بها الخزانة المعظمة البهائية، عمر الله معاهد الإسلام بعمارة معاهدها، ومهد
قواعده بتمهيد قواعدها، ولا زالت محروسة الجوانب، محفوظة من الغوايل والنوايب،
ليكون لمالكها أجر الانتفاع به، يستمر شكر المتشاغلين بسببه على توالي الأحقاب
وتعاقب الأعقاب، ويكون مذكرا لي عند وصوله إلى مقامه المنيف، وتشريفه بنظره
الشريف، وأنا أسأل الله تعالى الإمداد بإعانته والإسعاد على طاعته والإرشاد في بدو
الأمر وخاتمته، وقبل الشروع أقدم مقدمة يشتمل فصولا:
20

الفصل الأول
(في وصايا نافعة)
ليكن تعلمك للنجاة، لتسلم من الرياء والمراء وبحثك لإصابة الحق لتخلص
عن قواطع الأهوية ومآلف النشاء وأكثر التطلع على الأقوال لتظفر بمزايا الاحتمال،
واستنقض البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره وعليك بالحفظ
فإنه أربط للعلم، وأضبط للفهم، وداوم البحث يعطك استعدادا لتلقي النتائج النظرية
بالفعل، واختر المباحث الصالح لتستفيد من خلقه ما يصير لك سجية.
ثم أوصيك إياك (والحشوية) من المتفقهة والمقلدة منهم، فربما خادعوك
ليجذبوك إلى جهالتهم، وإنما يريدون جبر مقالتهم وستر ضلالتهم، ولا يغررك لو قال
الحق لائح، فلا ارتياب والطريق واضح فقيم الإسهاب فإنه لا يصعب أن تجيبه بأن
كل ممكن أن يعلم يصلح أن يوصف بالوضوح وإن دق طريقه وشق تحقيقه، وليس
إطلاق الوضوح عليه موجبا بالفعل، فأنت إذا اعتبرت خلاف الفضلاء في المسائل
الفقهية، ذلك على صعوبة الظفر إلا بعد بحث ونظر، فيتحقق أنه دلس في عبارته،
ولبس في إشارته زيادة تحقيق: إن في الناس المستعبد نفسه لشهوته، المستغرق
وقته في أهويته مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار، واختياره الاتسام، بسير الأخيار.
أما لأن ذلك في جبلته، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان
نفاقا غريزيا وحرصا على الرياسة الدينية طبيعيا، فإذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي
غلبة المزاحم، ومنافسة المقاوم، ثم يمنعه نفاقه من المكافحة، فيرسل القدح في
ذي المناصحة، ويقول لو قال كذا، لكان أقوم، لو لم يقل كذا، لكان أسلم، موهما
أنه أوضح كلاما وأرجح مقاما، فإذا ظفرت بمثله، فليشغلك الاستعاذة بالله من بليته عن
الاشتغال بإجابته، فإنه شر الرجال، وأضر على الأمة من الدجال، كأني بكثير ممن ينتحل
21

هذا الفن يقف على شئ من مقاصد هذا الكتاب فيستشكله، ويحمل فكره فيه فلا يحصله،
فعزله بذهنه الجامد على التأويل المفاسد، ويدعو إلى متابعته لظنه الإصابة، فهو كما
قيل أساء سمعا فأساء إجابة فعليك بإمعان النظر فيما يقال، مستفرغا وسعك في درء
الاحتمال، فإذا تعين لك الوجه فهناك فقل، وإلا فاعتصم بالتوقف، فإنه ساحل
الهلكة.
تتمة: إنك في حال فتواك مخبر عن ربك وناطق بلسان شرعه، فما أسعدك
إن أخذت بالجزم، وما أخيك إن بنيت على الوهم، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى:
(وأن تقولوا على الله ما لا تفعلون) وانظر إلى قوله تعالى: (قل أرأيتم ما
أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون)
وتفطن كيف قسم مستند الحكم إلى القسمين، فما لم يتحقق الإذن، فأنت مفتر.
الفصل الثاني
في أن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) متعين الاتباع
يدل على ذلك: النقل، والعقل. أما النقل: فمنه قوله تعالى: (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد روى أبو سعيد الخدري،
وشهر بن حوشب عن أم سلمة، أنها قالت: (نزلت في بيتي وفيه علي، وفاطمة،
والحسن، والحسين، عليهم السلام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله عباءة فجللهم بها، ثم قال: هؤلاء،
أهل بيتي، أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الأعراف: 33.
(2) يونس: 59.
(3) الأحزاب: 33.
22

ألست من أهل البيت؟ فقال: إنك على خير) (1).
وعن ابن عباس: (أنها نزلت في علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام)
لا يقال: المراد بها النساء، لأن صدر الآية، وعجزها، دال عليهن. لأنا نقول: لا
يلزم من ذلك، إرادة النساء، لأن الكناية صريحة في التذكير، وليس يبعد أن يخرج
من معناه إلى غيره، ثم يعود إليه، كما قال ابن عباس: نزل القرآن بإياك أعني
واسمعي يا جارة، ومع انتفاء الرجس، يكون ما أفتوا به حقا، لأن الرجس يقع
على كل ما يكره.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله: (في كل خلف من أمتي عدل من أهل بيتي ينفي عن
هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وأن أئمتكم وقودكم إلى الله عز وجل
فانظروا من توقدون في دينكم)
وقوله صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي، كمثل نجوم السماء، فهم أمان لأهل الأرض،
كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم، طويت السماء، وإذا ذهب
أهل بيتي خربت الأرض، وهلك العباد) وقوله صلى الله عليه وآله: (إني تارك فيكم الثقلين،
ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا، حتى
يردا علي الحوض)

(1) إحقاق الحق ج 2 ص 514، نقله من ذخائر العقبى لحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد الله طبري. و ص 521.
(2) إحقاق الحق ج 14 ص 53، نقله من تنزيل الآيات لحافظ الحسين بن الحكم الحبري.
(3) رواه إثبات الهداة للحر العاملي ج 1 من ذخائر العقبى (ص 17 ط قاهرة) مع
تفاوت يسير.
(4) إحقاق الحق ج 9 ص 302، نقله من كتب أهل السنة في عبارات مختلفة.
(5) راجع إلى كتاب إحقاق الحق ص 309 إلى 375.
23

وقوله: (يا علي الإمامة فيكم، والهداية منكم) (1) وقوله صلى الله عليه وآله (من أهل
بيتي اثني عشر نقيبا نجباء، محدثون، مفهمون، آخرهم، القائم بالحق عليه السلام) (2)
وقوله صلى الله عليه وآله: (إن الله تعالى اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان،
ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل،
واختارني من الرسل، واختار مني عليا، واختار من علي الحسن، والحسين، واختار
من الحسين الأوصياء، وهم تسعة من ولده، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) (3)
وروى سليم بن قيس قال: سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، يقول:
كنا عند معاوية، والحسن، والحسين، وابن عباس، وعمر بن أبي سلمة، وأسامة
ابن زيد، فذكر كل منهم ما جرى بينهم وبينه، وأنه قال لمعاوية: إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أخي علي بن أبي طالب أولى
بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم
الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا استشهد فعلي بن الحسين أولى بالمؤمنين
من أنفسهم، وستدركه يا علي، ثم ابني محمد بن علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
وستدركه يا حسين، ثم تكملة اثني عشر إماما، تسعة من ولد الحسين) قال عبد الله
ابن جعفر: (فاستشهدت الحسن، والحسين، وعبد الله بن العباس، وعمر بن أبي
سلمة، وأسامة بن زيد، فشهدوا بذلك) (4) ووراء هذه الأخبار أضعافها، دالة على
اختصاص أهل البيت بالمزية الموجبة للاتباع.

1) لم توجد.
2) لم توجد.
3) لم توجد.
4) كتاب سليم بن قيس الهلالي ج 3 ص 36.
24

لا يقال: هذه الأخبار آحاد وهي لا توجب العلم، ولو سلمت لكان أهل البيت
أشار إلى أهل العباء، دون الباقين ممن تعتمدون قوله، لأنا نجيب عن الأول بأنها
وإن كانت آحادا، لكنها إذا انضمت إلى ما نقله الإمامية في هذا المعنى بلغ اليقين،
وإلا فأي عاقل يجوز أن يجتمع هذا الجم الغفير على اختلاف مثل هذه الأخبار
وأضعافها مما يملأ الصحف، هذا، مما لا يظنه محصل
ولو سلمنا أنها آحاد، لكن الناس بين إمامي، ومخالف له، وكل مخالف
فإنما يعتمد على فتوى قايس عامل بأخبار الآحاد، مثبت بها الأحكام الشرعية، وقد
أجمع الناس إلا من لا عبرة به أن الخبر أرجح من القياس في العمل، فحينئذ يجب
اعتماد فتوى هؤلاء السادة، لأن الأخبار الدالة على وجوب متابعتهم أقوى من الأخبار
التي يبني عليها علماء الجمهور مذاهبهم. وأما قوله: إن أهل البيت هم أهل العباء
خاصة دون من بعدهم، فيضعف بقوله عليه السلام (فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض (1) ولو قيل: فلم لا يكون الأئمة المشار إليهم من أهل البيت غير من استندتم
إلى فتواه، قلنا: يشهد لمن استندنا إليه اتساع فتواه، ووجود ما يلتمسه المستفتون
عنده دون كل من تعرض لذلك من الذرية، يعلم ذلك اضطرارا عند الوقوف على
سيرهم.
وأما العقل: فوجوه:
الوجه الأول: ما انتشر عنهم من العلوم الفقهية، والأصولية، والتفسيرية،
منضما إلى غيرها من العلوم، كالنجوم، والطب فإن عليا عليه السلام استند إليه كل فاضل،
وافتقرت إليه الصحابة في الحوادث، ولم يفتقر إلى أحد، وكذا كل واحد من الأئمة
حتى أن محمد بن علي عليه السلام لاتساع علمه وانتشاره سمي باقر العلم ولم ينكر

1) راجع إلى كتاب إحقاق الحق ص 309 إلى 375.
25

تسميته منكر، بل إنهم شهدوا أنه وقع موقعه وحل محله، وكذا الحال في جعفر بن
محمد عليه السلام، فإنه انتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول، حتى غلا فيه جماعة
وأخرجوه إلى حد الإلهية
وروى عنه من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل، وبرز بتعليمه من الفقهاء
الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين، وأخويه: بكير، وحمران وجميل بن دراج،
ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، والهشامين، وأبي بصير، وعبيد الله، ومحمد
وعمران الحلبيين، وعبد الله بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم من أعيان الفضلاء كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف سموها (أصولا) وكذا كل واحد
منهم صلوات الله عليهم لم يسئل أحد منهم فتردد ولا تلعثم، ولا استشكل سؤالا ولا
عول في جواب على مساعد ولا مباحث، مع أنهم لم يشاهدوا مختلفين إلى معلم
ولا ادعى ذلك عليهم مدع من أوليائهم ولا أعدائهم، بل كل منهم يسند عن آبائه
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا من أقوى الحجج على اختصاصهم بالمزية القاضية بأنها خاصة من الله ومعجزة امتازوا بها عن الخلق.
الوجه الثاني: ما ظهر عنهم من المعجزات التي ملأ بها المحدثون الكتب
من الإخبار بالمغيبات، والطبع في الحصى وغيره، وذكر ذلك مفصلا يفتقر إلى
كتاب مفرد، فمن أراده فليراجع الكتب المختصة به.
الوجه الثالث: اتفاق الناس بأجمعهم على طهارة أئمتنا عليه السلام وشرف أصولهم، وظهور عدالتهم وبرائتهم ما يشين منهم نسبا أو حسبا أو خلقا، وقصور الألسنة عن
القدح فيهم مع إعراض ولات أزمنتهم عنهم، وإيثارهم الغض منهم والتعريض
للوقيعة فيهم بالصلاة الوافرة، فلولا أنهم من صفات الكمال إلى حد يقصر عنه الألسن
عن القدح فيهم ويتحقق كذب الطاعن عليهم لما استمر لهم ذلك. ثم هم مع هذه
الأخلاق الطاهرة، والعدالة الظاهرة، يصوبون الإمامية في الأخذ عنهم والعمل
26

بفتواهم ويعيبون على غيرهم ممن أفتى باجتهاده وقال برأيه، ويمنعون من يأخذ
عنه ويستخفون رأيه وينسبونه إلى الضلال، يعلم ذلك منهم علما ضروريا صادرا
عن النقل المتواتر، فلو كان يسوغ لغيرهم ما ساغ لهم لما عابوا لمكان ما استسلف
من اتفاق المسلمين على عدالتهم وصلاحهم، ولأن الاتفاق على عدالتهم والشك
في عدا من سواهم من فقهاء العامة يوجب العمل بقولهم صلوات الله عليهم، ويمنع من العمل بفتوى غيرهم من أرباب الاجتهادات. وهذه الطرق التي ذكرناها إنما
هي على تقديران نعرض عند الاستدلال بما خصهم الله به من وجوب الطاعة،
واختارهم له من الإمامة، وميزهم به من العصمة التي أوضحنا طرقها في الكتب
الكلامية، وحققها علماؤنا وبتقدير أن نسلك تلك الطرق فإن نستغني عن جميع ما
أوردناه.
وقد قال بعض من لا معرفة له: إن الجواد صلوات الله عليه تلمذ لابن أكثم،
وهو جهل بمنزلة الجواد صلوات الله عليه وقلة اطلاع على ما ورد عنه من العلم
الجم، وما اشتهر من أجوبته عن مسائل الإمامية بما يدل على الإعجاز، وقد كان
من تلامذته وأشياعه القائلين بإمامته من لا يرتضي أن يكون ابن أكثم تلميذا له،
كالحسين بن سعيد، وأخيه الحسن، ومحمد بن أبي نصر البزنطي، وأحمد بن
محمد بن خالد البرقي، وشاذان بن الفضل القمي، وأيوب بن نوح بن دراج، وأحمد
ابن محمد بن عيسى وغيرهم ممن يطول تعدادهم، وكتبهم الآن منقولة بين الأصحاب
دالة على العلم الغزير، فهل يستجيز ذو تحصيل أن يعتقد في هؤلاء الفضلاء اتخاذهم
تلميذ الابن أكثم إماما يعتقدون عصمته، وفرض طاعته، هذا ما لا يعتقده ذو بصيرة.
27

الفصل الثالث
(في مسند الأحكام)
وهي عندنا خمسة: الكتاب، والسنة، والإجماع، ودليل العقل، والاستصحاب.
أما الكتاب: فأدلته القسمان: النص، والظاهر، و (النص) ما دل على
المراد منه من غير احتمال، وفي مقابلة (المجمل) وقد يتفق اللفظ الواحد أن يكون
نصا مجملا باعتبارين، فإن قوله تعالى (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (1) نص
باعتبار الاعتداد، مجمل باعتبار ما يعتد به. وأما (الظاهر) فهو اللفظ الدال على
أحد محتملاته دلالة راجحة، ولا ينتفي معها الاحتمال، وفي مقابلته (المأول) والظاهر
أنواع أحدها: ما كان راجحا بحسب العرف كدلالة الغائط على الفضلة. الثاني:
ما كان راجحا بحسب الشرع، كدلالة لفظ الصوم على الإمساك عن المفطرات، وهذان
وإن كانا نصين باعتبار الشرع والعرف، إلا أن احتمال إرادة الوضع لم تنتف انتفاءا
يقينيا. الثالث: (المطلق) وهو اللفظ الدال على الماهية، فهو في دلالته على تعلق
الحكم بها لا بقيد منضم دلالة ظاهرة. الرابع: (العام) الدال على اثنين
فصاعدا من غير حصر، فإنه في دلالته على استيعاب الأشخاص ظاهر لا قاطع، أما
(المأول) فهو اللفظ الذي يراد به المعنى المرجوح من محتملاته، كقوله تعالى:
(ويبقى وجه ربك) (2)
وأما السنة فثلاثة: قول، وفعل، وإقرار، أما القول: ففيه الأقسام المتقدمة
وأما الأفعال: فإن وقع بيانا تبع المبين في وجوبه وندبه وإباحته، وإن فعله ابتداء
فلا حجة فيه إلا أن يعلم الوجه الذي وقع عليه فتجب المتابعة. وأما ما أقره النبي

1) البقرة: 228.
2) الرحمن: 27.
28

صلى الله عليه وآله فإنه يدل على الجواز، لأنه صلى الله عليه وآله لا يقرر منكرا، سواء فعل بحضرته أو لا
بحضرته
مما يعلم أنه صلى الله عليه وآله علمه ولم ينكره، وأما ما يندر فلا حجة فيه، كما روي أن بعض
الصحابة قال: كنا نجامع ونكسل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا نغتسل، لجواز أن
يخفى فعل ذلك على النبي صلى الله عليه وآله فلا يكون سكوته عنه دليلا على جوازه لا يقال قول
الصحابي (كنا نفعل) دليل على عمل الصحابة أو أكثرهم، فلا يخفى ذلك عن
الرسول، لأنا نمنع عن نفسه أو عن جماعة يمكن أن يخفى حالهم على النبي صلى الله عليه وآله
ثم السنة أما متواترة، وهي ما حصل معها العلم القطعي باستحالة التواطؤ و
خبر واحد: وهو ما لم يبلغ ذلك، مسندا كان وهو ما اتصل المخبرون به إلى المخبر،
أو مرسلا، وهو ما لم يتصل سنده. فالمتواتر حجة لإفادته اليقين، وكذا ما أجمع
على العمل به، وما أجمع الأصحاب على اطراحه فلا حجة فيه.
مسألة: أفرط (الحشوية) في العمل بخبر الواحد حتى أنقاد والكل خبر،
وما فطنوا ما تحته من التناقض، فإن من جملة الأخبار قول النبي صلى الله عليه وآله: (ستكثر
بعدي القالة علي) (1) وقول الصادق عليه السلام: (إن لكل رجل منا رجل يكذب عليه) (2)
واقتصر بعض عن هذا الإفراط فقال: كل سليم السند يعمل به، وما علم أن الكاذب
قد يلصق، والفاسق قد يصدق، ولم يتنبه أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في
المذهب، إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر الواحد
المعدل. وأفرط آخرون في طرف رد الخبر حتى أحال استعماله عقلا ونقلا، واقتصر
آخرون فلم يروا العقل مانعا، لكن الشرع لم يأذن في العمل به، وكل هذه الأقوال
منحرفة عن السنن، والتوسط أصوب، فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته
عمل به، وما أعرض الأصحاب عنه أو شذ، يجب اطراحه لوجوه:

1) لم يوجد.
2) لم يوجد.
29

أحدها - إن مع خلوه من المزية يكون جواز صدقه مساويا لجواز كذبه فلا
يثبت الشرع بما يحتمل الكذب.
الثاني - إما أن يفيد، الظن أو لا يفيد وعلى التقديرين لا يعمل به، إما بتقدير
عدم الإفادة فمتفق عليه، إما بتقدير إفادة الظن فمن وجوه: أحدها قوله تعالى:
(ولا تقف ما ليس لك به علم) (1). الثاني - قوله تعالى: (وإن الظن لا يغني
من الحق شيئا) (2). الثالث قوله تعالى: (وإن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (3).
الثالث - إنه إن خص دليلا عاما كان عدولا عن متيقن إلى مظنون، وإن نقل
عن حكم الأصل كان عسرا وضررا وهو منفي بالدليل، ولو قيل: هو مفيد للظن
فيعمل به تفصيا من الضرر المظنون، منعنا إفادته الظن، لقوله صلى الله عليه وآله: (ستكثر
بعدي القالة علي فإذا جاءكم عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله العزيز فإن وأفقه
فاعملوا به، وإلا فردوه) وخبره مصداق فلا خبر من هذا القبيل إلا ويحتمل أن
يكون من القبيل المكذوب. لا يقال: هذا خبر واحد. لأنا نقول: إذا كان الخبر
حجة فهذا أحد الأخبار، وإن لم يكن حجة فقد بطل الجميع. ولا يقال: الإمامية
عاملة بالأخبار وعملها حجة. لأنا نمنع ذلك، فإن أكثرهم يرد الخبر بأنه واحد وبأنه
شاذ، فلولا استنادهم مع الأخبار إلى وجه يقتضي العمل بها لكان عملهم اقتراحا،
وهذا لا يظن بالفرقة الناجية، وأما أنه مع عدم الظفر بالطاعن والمخالف لمضمونه
يعمل به، فلأن مع عدم الوقوف على الطاعن والمخالف له يتيقن أنه حق، لاستحالة
تمالي الأصحاب على القول الباطل وخفاء الحق بينهم، وأما مع القرائن فلأنها
حجة بانفرادها فتكون دالة على صدق مضمون الحديث ويراد بالاحتجاج به التأكيد

1) الإسراء. 336
2) يونس: 36.
3) البقرة: 169.
30

ولا يقال: لو لم يكن خبر الواحد حجة لما نقل. لأنا ننقض ذلك بنقل خبر من عرف
فسقه وكفره ومن قذف بوضع الأخبار ورمي بالغلو، وبالأخبار التي استدلوا بها
في بحوث العلمية كالتوحيد والعدل، والجواب في الكل واحد.
وأما الإجماع: فعندنا هو حجة بانضمام (المعصوم) فلو خلا المائة من
فقهائنا عن قوله لما كان حجة، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة لا باعتبار
اتفاقهما بل باعتبار قوله عليه السلام: فلا تغتر إذا بمن يتحكم فيدعى الإجماع باتفاق الخمسة
والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول الإمام
في الجملة، ولنفرض صورا ثلاثة: إحديها - أن يفتي جماعة ثم لا يعلم من الباقين
مخالفا فالوجه أنه ليس حجة لأنا كما لا نعلم مخالفا لا نعلم أن لا مخالف، ومع
الجواز لا يتحقق دخول (المعصوم) في المفتين. الثانية - أن يختلف الأصحاب
على قولين، ففي جواز إحداث قول ثالث تردد، لصحة أنه لا يجوز بشرط أن يعلم
أن لا قائل منهم إلا بأحدهما. الثالثة - أن يفترقوا فرقتين ويعلم أن الإمام ليس في
إحداهما ويجهل الأخرى، فتعين الحق مع المجهولة، وهذه الفروض تعقل لكن
قل أن تتفق.
وأما دليل العقل: فقسمان: أحدهما ما يتوقف فيه على الخطاب وهو ثلاثة:
الأول لحن الخطاب كقوله: (اضرب بعصاك الحجر فانفجرت) (1) أراد فضرب. الثاني
فحوى الخطاب: وهو ما دل عليه التنبيه كقوله تعالى: (ولا تقل لهما أف) (2).
الثالث دليل الخطاب: وهو تعليق الحكم على أحد وصفي الحقيقة كقوله: (في
سائمة الغنم الزكاة) (3) فالشيخ يقول: هو حجة وعلم الهدى ينكره وهو الحق.

1) البقرة: 60.
2) الإسراء: 23.
3) لم يوجد حديث بهذه العبارة ولعله اصطياد من الروايات التي نقلت
بهذا المضمون.
31

أما تعليق الحكم على الشرط كقوله: (إذا بلغ الماء قدر كر ولم ينجسه شئ) (1)
وكقوله: (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) (2) فهو حجة
تحقيقا لمعنى الشرط، ولا كذا لو علقه على الاسم كقوله: اضرب زيدا خلافا للدقاق،
والقسم الثاني ما ينفرد العقل بالدلالة عليه، وهو إما وجوب، كرد الوديعة، أو قبح،
كالظلم والكذب، أو حسن، كالإنصاف والصدق، ثم كل واحد من هذه كما يكون
ضروريا فقد يكون كسبيا كرد الوديعة مع الضرورة، وقبح الكذب مع النفع.
وأما الاستصحاب: فأقسامه ثلاثة: استصحاب حال العقل وهو التمسك بالبرائة
الأصلية كما تقول: ليس الوتر واجبا لأن الأصل براءة العهدة، ومنه أن يختلف
الفقهاء في حكم بالأقل، والأكثر فتقتصر على الأقل، كما يقول: بعض الأصحاب
في عين الدابة نصف قيمتها، ويقول الآخر ربع قيمتها، فيقول المستدل ثبت الربع
إجماعا، فينتفي الزايد نظرا إلى البراءة الأصلية. الثاني أن يقال: عدم الدليل على كذا
فيجب انتفاؤه، وهذا يصح فيما يعلم أنه لو كان هناك دليل لظفر به، أما لا مع ذلك فإنه
يجب التوقف، ولا يكون ذلك الاستدلال حجة، ومنه القول بالإباحة لعدم دليل
الوجوب والحظر.
الثالث: استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة، فيقول
المستدل على الاستمرار صلاة مشروعة قبل وجود الماء فيكون كذلك بعده، وليس
هذا حجة لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه، ثم مثل هذا لا يسلم عن
المعارضة بمثله، لأنك تقول: الذمة مشغولة قبل الإتمام فيكون مشغولة بعده. وأما
القياس فلا يعتمد عليه عندنا، لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي
عنه، ودعوى الإجماع من الصحابة على العمل به لم يثبت، بل أنكره جماعة منهم،

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ج 1 و 2 مع (تفاوت).
2) الطلاق: 6.
32

فما يمر بك من تمثيل شئ بشئ فليس، لأن أحدهما مقيس على الآخر بل لاشتراكهما
في الدلالة الشرعية لا للقياسية، وهذا الفصل وإن كان علم الأصول أحق به، لكنا أجبنا
إيراده هنا ليكون تأنيسا للمتفقه لعلم يكمله من هناك.
الفصل الرابع
(في السبب المقتضي للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا)
لما كان فقهائنا رضوان الله عليهم في الكثرة إلى حد يتعسر ضبط عددهم ويتعذر
حصر أقوالهم لاتساعها وانتشارها، وكثرة ما صنفوه، وكانت مع ذلك منحصرة
في أقوال جماعة من فضلاء المتأخرين اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله، وعرف
تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار، واقتصرت من كتب هؤلاء
الأفاضل على ما بأن فيه اجتهادهم، وعرف به اهتمامهم، وعليه اعتمادهم، فممن
اخترت نقله الحسن بن محبوب، ومحمد بن أبي نصر البزنطي، والحسين بن سعيد،
والفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، ومن المتأخرين أبو جعفر محمد بن
بابويه القمي (رض)، ومحمد بن يعقوب الكليني، ومن أصحاب كتب الفتاوى
علي بن بابويه، وأبو علي بن الجنيد، والحسن بن أبي عقيل العماني، والمفيد محمد
ابن محمد بن النعمان، وعلم الهدى، والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
(ره) و (الشيخ) إشارة إلى أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) و (الشيخان)
هو مع المفيد محمد بن محمد بن النعمان و (الثلاثة) هما مع علم الهدى و (الأربعة)
هم مع أبي جعفر بن بابويه و (الخمسة) هم مع علي بن بابويه و (الستة) هم مع
ابن أبي عقيل و (السبعة) هم مع ابن الجنيد. وأتباع الثلاثة أبو الصلاح تقي بن
نجم الحلبي، وسلار بن عبد العزيز بن البراج، رضوان الله عليهم أجمعين. وربما
احتجت إلى رمز الكتب فليكن هذه: النهاية (ة) المبسوط (ط) الجمل (ل) مسائل
33

الخلاف (ف) التهذيب (يب) المصباح (ح) الإقتصاد (د) المقنعة) (عة) الأركان
(ن) الرسالة الغرية (غر) وحيث أتينا على المقدمة فلنبدء بما نحن قاصدون إليه،
مستعينين بالله ومقصدين عليه.
34

كتاب الطهارة
وهي في اللغة (النزاهة عن الأدناس) يقال: رجل طاهر الثياب، أي منزه
وفي الشرع اسم لما (يرفع حكم الحدث) وخطر لبعضهم النقض بوضوء الحايض
لجلوسها في مصلاها وهو غلط، فإنا نمنع تسمية ذلك الوضوء طهارة، ونطالبه بدليل
تسميته، على أنه قد روى ما يدل على أنه يسمى طهارة. روى محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قلت: (الحايض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله تعالى، قال أما
الطهر فلا، ولكن تتوضأ وقت كل صلاة، ثم تستقبل بالقبلة وتذكر الله) (1) نعم
يرده النقض بالوضوء المجدد من غير حدث، وبمن اجتمع عليه غسل ووضوء
(كالمستحاضة) إذا سال دمها، فإن كل واحد منهما يسمى طهارة ولا يرفع حكم الحدث
بانفراده. فالأقرب أن يقال: هي اسم للوضوء والغسل أو التيمم على وجه له تأثير
في استباحة الصلاة، والطهور هو المطهر لغيره قاله (الشيخ) في مسائل الخلاف
و (علم الهدى) في المصباح، خلافا لبعض الحنفية.
لنا النقل والاستعمال أما (النقل) فما ذكره الترمذي قال: (الطهور) بالفتح
من الأسماء المتعدية وهو المطهر غيره. وقال الجوهري: (الطهور) ما يتطهر به

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 22 ح 3.
35

كالسحور والبرود وأما (الاستعمال) فلأن هذا المعنى مراد في صورة الاستعمال
فيكون حقيقة فيه كقوله عليه السلام: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) (1) ولو أراد
الطاهر لم يثبت له مزية. وقوله عليه السلام (وقد سئل عن الوضوء بماء البحر؟ فقال:
هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) (2) ولو لم يرد كونه مطهرا لم يصلح جوابه، ولأن
فعولا للمبالغة ولا يتحقق هنا إلا مع إفادة التطهير، ولأنهم يقولون ماء طهور، ولا يقولون
ثوب طهور، فلا بد من فائدة مختصة بالماء ولا تظهر الفائدة إلا مع إفادة التطهير
واحتج الحنفي بأن فعولا تفيد المبالغة في فائدة فاعل، كما يقال: (ضروب)
و (أكول) لزيادة الضرب والأكل ولا يفيد شيئا مغايرا له، وكون الماء مطهرا مغاير
لمعنى الظاهر، فلا تتناوله المبالغة، ولأنهم قد يستعملون فعولا فيما لا يفيد التطهير،
كقوله سبحانه: (وسقيهم ربهم شرابا طهورا) (3) وكقول الشاعر: " عذاب الثنايا
ريقهن طهور "
والحق عندي أن وصف الطهور بالتعدي وصف معنوي لا لفظي، لأن التعدي
في الحقيقة المطهر وقد ألحقوا طهورا به إلحاقا توقيفيا لا قياسيا، وليس طهورا من
مطهر بمنزلة ضروب من ضارب، لأنك تقول: هذا ضارب زيدا كما تقول ضروب
زيدا، وتقول: الماء مطهر من الحدث ولا تقول: طهور من الحدث، فإذن الوجه
الذي ذكره الحنفي صحيح بالنظر إلى القياس اللفظي، أما أن منع كون اللغة أو الشرع
استعمله في التعدية وإن لم يكن قياسا فغير صحيح، وللطهارة أركان: الأول في المياه
مسألة: " الماء المطلق " في الأصل مطهر يرفع الحدث ويزيل الخبث،
يزيد " بالمطلق " ما لا يجوز سلب الماء عنه، ولو أمكن إضافته إلى ما يلازمه

1) صحيح البخاري ج 1 باب التيمم ص 91.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.
3) الإنسان: 21.
36

كما تقول: ماء الفرات، ولو قلت: ماء الفرات ليس ماء لم يصح، نعم تقول: ماء
الورد: ولو قلت: ماء الورد ليس ماء صح. وقوله: " في الأصل " احتراز من عروض
ما يمنع من رفع الحدث به كالنجاسة والغصبية، ثم نقول: " المطلق " يقع على ما
نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو أذيب من ثلج، أو كان ماء بحر، وكل ذلك
سواء في رفع الحدث والخبث وهو مذهب أهل العلم سوى سعيد بن المسيب، فإنه قال: " لا يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود الماء " ولما حكي عن عبد الله بن عمر
أنه قال: " التيمم أحب إلي منه "
لنا الإجماع فإن خلاف المذكورين منقوض، وقوله تعالى: (وأنزلنا من
السماء ماءا طهورا) (1) وأما ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله: " الماء طهور ولا ينجسه
شئ " (2) ومن طريق الأصحاب ما رواه جميل، عن أبي عبد الله، " الله جعل
التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (3) وما رواه عبد الله بن سنان وأبو بكر الحضرمي
عن أبي عبد الله قال: " سألته عن ماء البحر أطهور هو؟ فقال: نعم " (4) وما رواه
محمد بن مسلم، قال: " سألت أبا عبد الله عن الرجل يجنب في السفر ولا يجد إلا الثلج، قال: يغتسل بالثلج " (5) وأما تقديم التيمم على ماء البحر فيبطل، بأن التيمم
مشروط بعدم الماء والحقيقة المائية موجودة في ماء البحر
فروع
الأول لو مازج المطلق طاهر، فغير أحد أوصافه لم يخرج بالتغير عن

1) الفرقان: 42.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 23 ح 1.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 2 ح 2.
5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 1.
37

التطهير ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء، سواء كان مما لا ينفك الماء عنه كالتراب والطحلب
والكبريت وورق الشجر، أو مما ينفك كالدقيق، أو السويق. أو من المايعات كاللبن،
وماء الورد، والأدهان، كالبزر والزيت، أو مما يجاوره ولا يشيع فيه كالعود، والمسك،
لأن جواز التطهير منوط بالمائية وهي موجودة فيه. ولأن أسقية الصحابة الأدم وهي
لا تنفك عن الدباغ المغير للماء غالبا ولم يمنع منها. ولأن الماء لرطوبته ولطافته
ينفعل بالكيفيات الملاقية، فلو خرج بتغير أحد الأوصاف عن التطهير لعسرت الطهارة،
ولأنه لا يكاد تنفك عن التكيف برائحة الإناء
الثاني إذا تغير من قبل نفسه لطول المكث، فإن بقي على تسميته فهو مطهر،
ولو صار بحيث لا يسمى ماءا لم يجز التطهير به، والحجة بقاء الاسم، فإنه موجب
لبقاء الحكم، لكن استعماله مكروه مع وجود غيره، لرواية الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام " في الماء الآجن يتوضأ منه إلا أن يجد غيره " (1) ولأنه يستخبث طبعا، فكان
اجتنابه أنسب بحال المتطهر لطهارته
الثالث: لو كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فأكمله بمايع، فإن لم يسلبه الإطلاق
صح الوضوء به، لاستهلاك المايع فيه، وبقاء الصفة المقتضية للتطهير، وهل يجب
ذلك قال الشيخ في المبسوط: لا، فأجاز التيمم قبل مزجه. وفيه تردد، ووجه
ما ذكره الشيخ أنه قبل المزج غير واجد ما يكفيه لطهارته، ووجه وجوب المزج
إمكان تحصيل طهارة مائية.
الرابع: إذا أمر الثلج على أعضاء الطهارة في الوضوء، أو على جسده في
الغسل صح بشرط أن يكون جاريا بحيث يسمى غاسلا واقتصر " الشيخ " الخلاف
على الدهن لنا قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) (2) فلا بد من حصول

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 2.
2) المائدة: 6.
38

ما يسمى غسلا، وأما جواز ذلك فلما رواه معاوية بن شريح، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " يصيبنا الدمق، والثلج، ولا نجد إلا ماءا جامدا كيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟
فقال: نعم " (1) ولأنه يحصل به الغسل فكان مجزيا، ولم أعرف فيه من الأصحاب
مخالفا.
الخامس: الماء المسخن يجوز الطهارة به سواء سخن بالنار، أو كان سخينا
من منبعه، ولا يكره استعماله في الطهارة، لأنه لم يخرج بالإسخان عن الإطلاق،
وروى الجمهور، عن شريك من رجال النبي صلى الله عليه وآله قال: " أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وآله،
فجمعت حطبا وأحميت الماء، فاغتسلت، وأخبرت النبي فلم ينكر علي " (2) وعن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله " أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل " (3)
ويكره المسخن بالنار في غسل الميت، لما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" لا يسخن الماء للميت " (3) ولأن المسخن لا ينفك عن أجزاء نارية فلا يبادر بها. قال
الشيخان في النهاية والمقنعة، ولو خشي الغاسل من البرد جاز، وهو حسن، لأن
فيه دفعا للضرر.
وأما المسخن بالشمس في الآنية فتكره الطهارة به، لما روى إبراهيم بن عبد الحميد،
عن أبي الحسن قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على عايشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس
فقال ما هذا يا حميراء؟ قالت: أغسل رأسي وجسدي، قال: لا تعودي فإنه يورث
البرص " (5) ومثله روى الجمهور، عن عايشة، أنه قال: " لا تفعلي يا حميراء فإنه

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 5 (مع تفاوت).
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 2.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 7 ح 1.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 6 ح 1.
39

يورث البرص " (1) وطعن الحنابلة في سند الحديث عن عايشة، ولا عبرة بطعنهم
مع صحة السند من أهل لبيت عليهم السلام، ويكره التداوي بمياه الجبال الحارة التي يشم
منها رائحة الكبريت، ذكره ابن بابويه لما روي عن النبي أنه قال: " أنها من فوح
جهنم
" (2).
مسألة: وكله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه نريد ب‍ " كله " أصناف
الماء المطلق، جارية ونابعة وراكدة. ونريد " باستيلاء النجاسة عليه " استيلاء ريحها
على ريح الماء، أو طعمها على طعمه، أو لونها على لونه والقول بنجاسة ماء هذا
شأنه، مذهب أهل العلم كافة، ويؤيده ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال " خلق
الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (3) وما رواه الأصحاب،
عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا تغير الماء أو تغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب " (4) وعنه
" إذا كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب " (5) لأن غلبة أحد أوصاف
النجاسة على الماء يدل على قوتها عليه، وقهرها لخاصيته المطهرة
فروع
الأول: إذا تغير بمرور رائحة النجاسة القريبة لم ينجس، لأن الرايحة ليست
نجاسة، فلا تؤثر تنجيسا
الثاني: طريق تطهير المتغير أن كان جاريا بتقويته بالماء متدافعا حتى يزول

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 6.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 12 ح 3.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 174.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 1 (مع تفاوت يسير).
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 6.
40

التغير، لأن مع زوال التغير بغلبة الجاري لا يقبل الطارئ النجاسة، والمتغير مستهلك
فيه، فيطهر، وإن كان واقعا فبأن يطرء عليه من الماء الطاهر المطلق ما يرفع تغيره،
ويشترط في الطارئ كونه كرا فصاعدا، وبه قال الشيخ في مسائل الخلاف، لأن
الطارئ لا ينجس إلا بالتغير، والتقدير أنه مزيل له. ولو تمم كرا فزال التغير معه لم
يطهر، ويجئ على قول من يطهر النجس ببلوغه كر أن يقول: بالطهارة هنا.
الثالث: إذا زال " التغيير " من نفسه، أو بممازجة ما يزيله كالتراب، أو
تصفيق الرياح، لم يطهر، لاستقرار النجاسة والتغير، وعلى القول بجبر البلوغ،
تلزم الطهارة إذا كان كثيرا، لكنا سنبين ضعفه.
الرابع: إذا تغير الجاري فالمتغير نجس، وما عداه طاهر، ولو كان واقفا
فالمتغير نجس والباقي إن كان كرا فصاعدا فهو طاهر، وإلا فهو نجس بملاقات التغير.
الخامس: لو انصبغ ماء الغسل أو ماء الوضوء بصبغ طاهر على جسد المتطهر،
لم يمنع الطهارة ما لم يسلبه الإطلاق.
مسألة: وينجس " الجاري " بالملاقات، وهو مذهب فقهائنا أجمع،
ومذهب أكثر الجمهور، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله: " خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ
إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه " (1) وما روي عن أبي عبد الله: " الماء كله
طاهر، حتى يعلم أنه قذر " (2) وما رواه الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا
بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري " (3) ولأن النجاسة لا تستقر مع الجريان،
فيضعف أثرها، ولأن التنجيس مستفاد من الشرع، فينتفي عند انتفاء الدلالة

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1.
41

فروع
الأول: لا يتحقق " للجاري " جريان منفصلة بحيث تعتبر بنفسها، قال بعض
الشافعية والحنابلة: " تنجس الجرية التي فيها النجاسة إذا قصرت عن قلتين " وهو
خيال ضعيف، لأن تدافع الماء يمنع استقرار الجرية
الثاني: الماء " الواقف " في جانب النهر الجاري متصلا بمائه لا ينجس
بملاقات النجاسة، ولو كان دون الكر لأنه مع الجاري ماء واحد فيدخل تحت
عموم الخبر.
الثالث: لو كان الجاري متغيرا بالنجاسة والواقف غير متغير فما كان دون الكر نجس بملاقاته المتغير، وإن كان كرا فصاعدا لم يتنجس عملا بالخبر.
الرابع: حوض " الحمام " إذا كان له مادة لا ينجس ماؤه بملاقات النجاسة
ويكون كالجاري وبه قال الشيخان، وأبو جعفر بن بابويه، وحكى أصحاب أبي
حنيفة عنه أنه قال: " هو بمنزلة الجاري لأن النجاسة لا تستقر مع اتصال الأجزاء "
وعن أحمد بن حنبل أنه قال: " قد قيل إنه بمنزلة الجاري " وروى داود بن سرحان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " هو بمنزلة الجاري " (1) وروى بكر بن حبيب، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: " ماء الحمام لا بأس به إذا كان له مادة " (2) ولأن الضرورة تمس
إليه والاختصاص عسر فيلزم الترخيص دفعا للحرج، ولا اعتبار بكثرة المادة وقلتها
لكن لو تحقق نجاستها لم تطهر بالجريان.
الخامس: ماء الغيث لا ينجس بملاقات النجاسة حال نزوله، فلو استقر على
الأرض وانقطع التقاطر عنه اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف عند ملاقاة النجاسة

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق 7 ح 1.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 4.
42

" وقال الشيخ في التهذيب والمبسوط: ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه
حكم الماء الجاري لا ينجسه إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو رائحته " وكأنه يشترط
جريانه نظرا إلى ما روى هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام في ميزابين سالا
أحدهما: بول، والآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل لم يضر ذلك " (1)
وروى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن البيت يبال على ظهره،
ويغتسل من الجنابة، ثم يصيبه المطر أيؤخذ من مائه ويتوضأ للصلاة فقال: إذا
جرى فلا بأس " (2)
ولنا ما رواه هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن السطح يبال عليه
فيصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه " (3)
وقد أورده ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، ولأن الاحتراز عن ماء الغيث يشق،
ولولا التخفيف لزم الحرج، والرواية الأولى لا تدل على الاشتراط لأنه لو لم يكن
طاهرا لم يطهر بالجريان.
مسألة: ولا الكثير من الراكد " الراكد " هو الساكن يقال: ركد الماء
والهواء: إذا سكن. ولا بد من القول بطهارة الكثير، وإلا لنجس ماء البحر بملاقات
النجاسة جزء منه، وفي تقدير الكثرة قولان: أحدهما بلوغه كرا قاله الثلاثة وأتباعهم
ولأبي جعفر بن بابويه روايتان أحدهما كما قالوه، والأخرى قلتان، وهو اختيار
الشافي، وأحمد، وقال أبو حنيفة: " ما علم وصول النجاسة إليه فهو نجس وإن
كثر، وعلامته التحرك. لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إذا كان الماء
قدر كر لم ينجسه شئ " (4) وفي رواية " لم يحمل القذر " ومن طريق الأصحاب ما
43

رواه محمد بن مسلم، ومعاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان الماء
قدر كر لم ينجسه شئ " (1) ولأن مقتضى الدليل طهارة الماء، لقوله عليه السلام: " خلق
الله الماء طهورا لا ينجسه شئ " (2) ولقول الصادق عليه السلام: " الماء كله طاهر حتى يعلم
أنه قذر " (3) ترك العمل به فيما نقص عن الكر فيستعمل في الباقي، ولو قال: لا بد
من تخصيص هذا المقتضي، فيختص بمذهبنا قلنا: يثبت التخصيص في موضع
الإجماع لا بحسب الاقتراح. ولأن التقدير منحصر في الأقوال الثلاثة، لكن التقدير
بالحركة باطل من وجهين:
أحدهما: ما رواه محمد بن مسلم، عن جعفر، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وآله " أتاه
أهل الماء فقالوا: إن حياضنا تردها السباع، والكلاب، والبهائم، قال: لها ما أخذت
بأفواهها ولكم سائر ذلك " (4) وروى هذا، الجمهور في صحيح أخبارهم بلفظ
آخر، وهو دلنا ما غير والحوض في الأغلب يتحرك طرفاه أو يتحرك بعضه وقد حكم
بطهارته
والثاني: إن التقدير بالحركة إحالة على ما لا يتحقق، لأنه لا كثير في الأغلب
إلا ويمكن أن يتحرك طرفاه، وتعليق التطهير والتنجيس بما لا ينحصر مناف لحكمة
الشارع. ولأن مستند وصول النجاسة الظن، لأن الحركة أمارة، وظن النجاسة
منفي بيقين الطهارة. والتقدير بالقلتين أيضا باطل، لأنه متوقف على صحة النقل،
وقد طعن في خبر القلتين تارة بالسند حتى قال بعض الحنفية، قال الشافعي: بلغني
بإسناد لم يحضرني أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا بلغ الماء قلتين الخ. فقال بعض أصحاب

1) الوسائل ج أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 ص 101.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 9 ص 101.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 9.
44

الحديث ما حضره ولا يحضره. وتارة بالاعتبار، وهو أنه خبر مدني ولم يعمل به
" مالك " ولو صح لصح عنده
أما نحن فلم نعرفه مرويا إلا بطريق عبد الله بن المغيرة، عن بعض أصحابه،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شئ والقلتان جريان " (1)
لكن هذا الخبر مرسل ومعارض بأخبار صحيحة متصلة، ثم لم يحتمل أن يراد بالقلتين
ما نريد نحن بالكر، فإن أبا علي بن الجنيد قال: في المختصر " الكر قلتان ومبلغ
وزنه ألف ومائتا رطل " ويؤيد ذلك ما ذكره ابن دريد قال: " القلة في الحديث من
قلال هجر، وهي عظيمة، زعموا: تسع الواحدة، خمس قرب " وهذا يقارب ما
قلناه. وإذا بطل القولان تعين.
الثالث: ولو احتج أبو حنيفة بقوله صلى الله عليه وآله " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
ثم يتوضأ منه (2) " أجبناه بأنه يحمل على القليل، توفيقا بينه وبين قوله عليه السلام: " إذا
كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ (3) " ويحتمل أن يراد بالنهي هنا التنزيه، وقد روى
الفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يكره أن يبول في الماء الدائم " (4)
مسألة: وفي تقدير الكر روايات: أشهرها ألف ومائتا رطل، وفسره الشيخان
بالعراقي وللأصحاب في كمية الكر طريقان:
أحدهما المساحة وفيه روايات:
الأول: ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلاثة أشبار، ذكرها
ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه، ولعله استناد إلى رواية إسماعيل بن جابر، عن

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 8.
2) مسند أحمد ج 2 ص 265.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 (مع تفاوت).
45

أبي عبد الله عليه السلام قلت: " وما الكر؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " (1) فإن كان معوله
على هذه فهي ناقصة عن اعتباره
الثاني: رواية عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا، في طوله وعرضه وثلاثة أشبار ونصفا في
عمقه، في الأرض فذلك الكر من الماء " (2) وهو اختيار الشيخ، وعلم الهدى، لكن
عثمان بن عيسى واقفي، فروايته ساقطة ولا تصغ إلى من يدعي الإجماع فمحل
الخلاف.
الثالث: رواية إسماعيل بن جابر أيضا قلت: " الماء الذي لا ينجسه شئ،
قال: ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (3) فهذه حسنه، ويحتمل أن يكون قدر
ذلك كرا.
الطريق الثاني: الوزن وفيه روايات:
الأولي: رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الكر ستمائة رطل " (4)
قال الشيخ في التهذيب: " لم يعمل على هذه الرواية أحد من الأصحاب " ويحتمل
أن يكون ذلك الرطل من بلد يوازي رطله رطلين بالبغدادي.
الثانية: رواية عبد الله بن مغيرة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " الكر من الماء نحو حبي هذا " (5) قال: الشيخ في التهذيب والرواية مرسلة،
ويحتمل أن يكون ذلك الحب يسع قدر الكر

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 4.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 6.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 1.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 3.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 10 ح 7.
46

الثالثة: رواية محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " الكر ألف ومائتا رطل " (1) وعلى هذه عمل الأصحاب، ولا طعن في هذه
بطريق الإرسال لعمل أصحاب الحديث بمراسيل ابن أبي عمير، ولو كان ذلك ضعيفا
لا نجبر بالعمل، فإني لا أعرف من الأصحاب رادا لها فلهذا قلنا في أصل الكتاب
على الأشهر، لضعف ما عداها من الروايات، ويؤيدها أيضا تفسير الهروي لرواية
الكر " فإنه ذكر عن النضر أن الكر بالبصرة ستة أوقار " وقال الجوهري: " الوقر "
يستعمل للبغل والحمار إذا تقرر هذا فهل الوزن عراقي أو مدني؟ قال الشيخان في
النهاية والمبسوط والجمل والمقنعة: عراقي. وقال ابن بابويه في كتابه وعلم الهدى
في المصباح: مدني. ورطل العراقي مائة وثلاثون درهما، والمدني مائة وخمسة
وتسعون درهما. فيكون العراقي ثلثي المدني، وفي القولين احتمال، لكن تنزيله
على العراقي أولى لمقاربته وما تضمنته رواية الأشبار، ولأنه إذا نزلت ستمائة الرطل
على المدني قاربت العراقي، ولأن الأصل الطهارة حتى تعلم قذارة الماء والعلم لا
يتحقق مع الاحتمال.
فروع
الأول: من اعتبر الأشبار، راعى الغالب لا ما يندر. الثاني: هل التقدير
تحقيق أو تقريب؟ الأشبه التحقيق. لأنه تقدير شرعي فيتعلق الحكم باعتباره. الثالث:
أطلق بعض فقهائنا الحكم بنجاسة ماء الأواني عند ملاقاة النجاسة، ولعله نظر إلى
إطلاق الحديث بنجاسة ماء الإناء عند وقوع النجاسة، لكن ذلك مقيد بغير الكر،
وتقديمه في العمل أولى ولأن الإطلاق في الآنية إنما هو على الغالب، إذ وجود إناء
يسع كرا نادر ويدل على هذا الاحتمال ما ذكره " الشيخ ره " في التهذيب فإنه ذكر

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 11 ح 1.
47

كلام المفيد من أن الإناء إذا وقعت فيه نجاسة وجب إهراق ما فيه وغسله، فقال:
الوجه فيه، إن الماء إذا كان في إناء وحلته النجاسة نجس بها، لأنه أقل من كر، وقد
بينا أن ما قل عن الكر ينجس بما يلاقيه من النجاسة.
مسألة: وينجس القليل من " الراكد " بالملاقات على الأصح، بهذا قال
الخمسة وأتباعهم، وقال ابن أبي عقيل: لا ينجس الماء إلا بالتغيير. لنا قوله عليه السلام:
" إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1) ولم يتحقق فائدة الشرط إلا باحتمال نجاسة
ما دون الكر. وعن الصادق عليه السلام في سؤر الكلب قال: " رجس نجس لا يتوضأ
بفضلته واصبب ذلك الماء " (2) وعن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام
" الدجاجة تطأ العذرة ثم تدخل في الماء أيتوضأ منه؟ فقال لا، إلا أن يكون الماء
كثيرا قدر كر " (3) " عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الجنب يدخل إصبعه في
الكوز أو الركوة، قال: إن كانت يده قذرة فليهرقه " (4)
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يدخل يده في الإناء وهي قذرة، قال: فيكفي الإناء " (2) وتمسك ابن أبي عقيل،
بقوله عليه السلام " الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " (6) وبما
روي عن الصادق عليه السلام " أنه استقى له من بئر فخرج في الدلو فأرتان فقال: أرقه
فاستقي آخر، فخرج منه فأرة، فقال أرقه ثم استقي آخر، فلم يخرج فيه شئ،

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 11 (مع تفاوت يسير).
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 7.
6) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 174 (مع تفاوت).
48

فقال: صبه في الإناء فتوضأ وشرب " (1)
" وسئل الباقر عليه السلام عن القربة والجرة من الماء يسقط فيهما فأرة أو جرد أو
غيره فيها؟ فإذا غلب رائحته على طعم الماء ولونه فأرقه، وإن لم يغلب فاشرب
منه وتوضأ " (2). والجواب عن الأول أنه يحتمل الجاري، والكثير من الواقف،
فيحمل عليهما، لما عرفت من وجوب تقديم الخاص على العام، فإن قال: جهالة
التاريخ تمنع ذلك. قلنا قد بينا في الأصول وجوب تقديم الخاص على العام عرف
التاريخ أو جهل. وأما خبر البئر فيحمل على الغدير، لأن البئر هي الحفيرة نابعة
كانت أو غديرا، ومع احتماله لا يدل على موضع النزاع، على أن في طريق هذه
الرواية علي بن حديد، عن بعض أصحابنا. وعلي هذا ضعيف جدا مع إرساله الرواية
وخبر القربة كذلك ومع ضعف السند وحصول المعارض السليم يجب الاطراح
فروع
الأول: ينجس القليل بملاقات النجاسة، وإن لم يدركها الطرف كرؤوس
الإبر دما كانت أو غيره، وقال في المبسوط: " ما لا يدركه الطرف معفو عنه، دما
كانت أو غيره " وقال في الأسئار: " إذا كان الدم مثل رؤس الإبر لم ينجس به الماء،
لأنه لا يمكن التحرز منه ". والجواب أن الإمكان معلوم، نعم قد يشق ذلك، لكن
اعتبار المشقة بمجردها في موضع المنع ما لم يعتبرها الشرع، أما الاستناد إلى وجوب
دفع المشقة كيف كان فلا. ولنا إن القليل للنجاسة والدم نجس، فثبت التنجيس لوجود
المؤثر، وربما احتج " الشيخ " بما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر
عليهما السلام قال: " سألته عن ر جل امتخط، فصار الدم قطعا فأصاب إنائه، هل يصح الوضوء

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 14.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 8 ص 104.
49

منه؟ فقال: إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس، وإن كان شيئا بينا فلا يتوضأ
منه " (1) وهذا ليس بصريح في إصابة الماء، ولعل معناه إذا أصاب الإناء وشك في
وصوله إلى الماء اعتبر بالإدراك، ويشهد لذلك ما رواه الكليني بإسناده عن علي بن
جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: " وسألته عن رجل رعف وهو يتوضأ، فتقطر قطرة في
إنائه، هل يصلح الوضوء منه؟ فقال لا ولم يعتبر الاستبانة " (2).
الثاني: الغديران الطاهران إذا وصل بينهما بساقية صارا كالماء الواحد، فلو
وقع في أحدهما نجاسة لم ينجس، ولو نقص كل واحد منهما عن الكر إذا كان
مجموعهما مع الساقية كرا فصاعدا.
الثالث: لو نقص الغدير عن كر فنجس فوصل بغدير فيه كر ففي طهارته تردد،
الأشبه بقاؤه على النجاسة لأنه يمتاز عن الطاهر والنجس لو غلب على الطاهر نجسه
مع ممازجته، فكيف مع مباينته.
الرابع: لو وقع فيه " مايع طاهر " فاستهلكه الماء مع قلته جاز استعمالها
أجمع في الطهارة، لأن المستهلك في المطلق يعود بحكم المطلق، فكأنه كله ماء،
ولو كان " المايع نجسا " فإن غلب على أحد أوصافه المطلق كان الكل نجسا، ولو
لم يغلب أحد أوصافه وكان الماء كرا فإن استهلكته الماء صار بحكم المطلق، وجاز
استعمالها أجمع، ولو كانت النجاسة جامدة جاز استعمال الماء حتى ينقص عن الكر،
ثم ينجس الباقي لما فيه من عين النجاسة.
الخامس: الماء النجس لا يجوز استعماله في رفع حدث ولا إزالة خبث
مطلقا، ولا في أكل، ولا شرب إلا مع الضرورة، وأطلق " الشيخ " المنع من
استعماله إلا عند الضرورة لنا أن مقتضى الدليل جواز الاستعمال ترك بالعمل فيما

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 1.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 13 ح 1.
50

ذكرناه بالاتفاق والنقل، فيكون الباقي على الأصل.
السادس: طريق تطهير " القليل " إذا نجس بما لم يغيره أن يلقى عليه كر من
ماء، وبه قال: في مسائل الخلاف لأن الطارئ لا يقبل النجاسة، والنجس مستهلك
به فيطهر، قال في المبسوط " ولا فرق بين أن يكون الطارئ نابعا من تحته أو
يجري إليه أو يقلب فيه " وقال: في مسائل الخلاف: " لا يطهر إلا أن يرد عليه كر
من ماء " وهذا أشبه بالمذهب لأن النابع ينجس بملاقات النجاسة، فإن أراد بالنابع
ما يوصل به من تحته لا أن يكون نابعا من الأرض فهو صواب، ولم تمم بما يبلغه
الكر لم يطهر، سواء تمم بالطاهر أو نجس. وتردد الشيخ في المبسوط. وقطع علم
الهدى بالطهارة في المسائل الرسية.
لنا أنه ماء محكوم بنجاسته قبل البلوغ شرعا، فيجب استدامة ذلك الحكم،
أما أنه محكوم بنجاسته فلوجهين: أما أولا فلأنا نتكلم على هذا التقدير، وأما ثانيا
فنظرا إلى الأحاديث القاضية بنجاسة القليل، كقوله عليه السلام في سؤر الكلب: " لا يتوضأ
بفضله " (1) وكقوله " في الماء تطأه الدجاجة وفي رجلها قذرا يتوضأ به؟ فقال لا،
إلا أن يكون كثيرا " (2) وما ماثلها ومع تقرير النهي يجب استصحابه، ولأنه محكوم
بنجاسته مشكوك في طهارته عند البلوغ فيعمل فيه باليقين، احتج " المرتضى " بوجهين:
" أحدهما أن البلوغ يستهلك النجاسة فيستوي وقوعها قبل البلوغ وبعده، وبأنه لولا
الحكم بالطهارة عند البلوغ لما حكم بطهارة الماء الكثير إذا وجد فيه نجاسة، لأنه
كما يحتمل وقوعها بعد البلوغ يحتمل قبله، فلا يكون الحكم بالطهارة أولى، لكن
الإجماع على الحكم بطهارته " والوجهان ضعيفان.
أما الأول: فقياس محض، لأنه سوى بين قوة الماء على دفع النجاسة الواقعة

1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 4. (مع تفاوت)
51

بعد البلوغ، وبين قوته على رفع الواقعة قبله، والأولى منصوصة بقوله عليه السلام " إذا
كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ (1) " والثانية غير منصوصة، والقياس باطل وأما
قوله: والمائية فيهما. فإنا نقول: المائية الأولى طاهرة فإذا وقعت النجاسة قوى الماء
الطاهر عليها بطهوريته، أما الماء النجس فعند اجتماعه يكون منقهرا بالنجاسة، فلا
يكون فيه طهوريته تدفع النجاسة، فلا يكون للبلوغ أثر،
والوجه الثاني: أضعف من الأول، لأنا نمنع الملازمة، ونقول: نحن نفرق
بين الصورتين، ومع ذلك نحكم بطهارة الماء المشار إليه، لا لأن البلوغ يرفع ما
كان فيه من النجاسة، بل لأن الماء في الأصل طاهر، والنجاسة المشاهدة كما يحتمل
كونها منجسة بأن تقع قبل البلوغ، يحتمل أن لا تكون منجسة بأن تكون حصلت
بعد البلوغ، فحينئذ يكون أصل الطهارة متيقنا والنجاسة مشكوك فيها، فالترجيح
لجانب اليقين.
وبعض المتأخرين احتج لهذه المقالة فقال: يدل على الطهارة قوله عليه السلام ": إذا
بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (2) وزعم أن هذه الرواية مجمع عليها عند المخالف والمؤالف، وقوله تعالى (وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به) (3) وقوله:
(وإن كنتم جنبا فاطهروا) وقوله عليه السلام لأبي ذر: " إذا وجدت الماء فأمسه جسدك " (4) وبقوله عليه السلام: " أما أنا فلا أريد أن أحثو على رأسي ثلاث حثيات إذا فإني قد طهرت " (5)
والجواب دفع الخبر، فإنا لم نروه مستند، أو الذي رواه مرسلا " المرتضى "

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 1 و 2.
2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.
3) الأنفال: 11.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 7.
5) رواه البيهقي في سننه ج 1 ص 181 مع تفاوت.
52

رضي الله عنه " والشيخ أبو جعفر ره " وآحاد ممن جاء بعده، والخبر المرسل لا
يعمل به، وكتب الحديث عن الأئمة عليهم السلام خالية عنه أصلا، وأما " المخالفون " فلم
أعرف به عاملا سوى من يحكي عن " ابن حي " وهو زيدي منقطع المذهب، وما
رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا، فإذا
الرواية ساقطة.
وأما أصحابنا فرووا عن الأئمة عليهم السلام، " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (1)
وهذا صريح في أن بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة، ولا يلزم من كونه لا ينجسه
شئ بعد البلوغ رفع ما كان ثابتا فيه ومنجسا قبله، و " الشيخ ره " قال لقولهم عليهم السلام،
ونحن فقد طالعنا كتب الأخبار المنسوبة إليهم، فلم نر هذا اللفظ، وإنما رأينا ما ذكرناه
وهو قول الصادق عليه السلام: " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ " (2) ولعل غلط من غلط
في هذه المسألة، لتوهمه أن معنى اللفظين واحد. وأما الآيات والخبر البواقي
فالاستدلال بها ضعيف، لا يفتقر إلى جواب، لأنا لا ننازع في جواز استعمال الطاهر
المطلق، بل بحثنا في هذا النجس إذا بلغ كرا يطهر، فإن ثبت طهارته تناولته الأحاديث
الآمرة بالاغتسال وغيره، وإن لم يثبت طهارته فالإجماع على المنع منه، فلا تعلق
له إذا فيما ذكره. وهل يستجيز محصل أن يقول النبي عليه السلام: " احثوا على رأسي
ثلاث حثيات مما يجمع من غسالة البول والدم وميلغة الكلب ".
واحتج أيضا لذلك بالإجماع، وهو أضعف من الأول، لأنا لم نقف على هذا
في شئ من كتب الأصحاب، ولو وجد كان نادرا، بل ذكره " المرتضى رض " في
مسائل متفردة وبعده اثنان أو ثلاثة ممن تابعه. ودعوى مثل هذا إجماعا غلط، إذ لسنا
بدعوى المائة نعلم دخول الإمام فيهم، فكيف بدعوى الثلاثة والأربعة.
السابع: إذا كان متيقنا لطهارة الماء ثم شك في نجاسته بنى على يقينه، وكذا

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5.
53

لو تيقن بنجاسته ثم شك في تطهره بنى على اليقين، لقوله عليه السلام: " الماء كله طاهر
حتى تعلم أنه قذر " ولأنه لو اقتصر على ما ينفي عنه الاحتمال في حال الاستعمال،
لتعذرت الطهارة أو عسرت. الثامن: إذا أخبره واحد بنجاسة الماء لم يجب القبول، ولو كان عدلا، سواء
أخبره بسبب النجاسة أو مطلقا، لأن الأصل طهارة الماء فلا ينتفي اليقين بالاحتمال.
وكذا لو وجد ماءا متغيرا وشك في تغيره، هل هو بسبب نجاسة أو من نفسه؟ بنى
على الطهارة، لأنها الأصل المتيقن، ولو أخبره عدلان ففي القبول خلاف، قال ابن
البراج: لا يحكم بنجاسته بناءا على الطهارة الأصلية وعدم اليقين بصدق الشاهدين،
والأظهر القبول، لثبوت الأحكام بهما عند الشارع، كما لو اشتراه وادعى المشتري
نجاسته قبل العقد، فلو شهد شاهدان لساغ الرد، وهو مبني على ثبوت العيب، ولو
تعارضت البينتان في إنائين، قال في مسائل الخلاف: " سقطت شهادتهما وبقي الماء
على أصل الطهارة " وقال في المبسوط: " وإن قلنا إن أمكن الجمع بينهما قبلتا وحكم
بنجاسة الإنائين كان قويا. " وعندي هذا أوجه، وإن لم يمكن الجمع فالوجه نجاسة
أحدهما، ويمنع منهما كما لو كان معه إناءان فنجس أحدهما ولم يعلمه بعينه.
التاسع: لو تطهر من ماء، ثم علم فيه نجاسة، وشك هل كانت قبل الوضوء
أو بعده؟ فالأصل الصحة، ولو علم أنها قبل ولم يعلم هل كان كرا أو أقل؟ أعاد، لأن
الأصل القلة.
العاشر: لو وقع في القليل ما شك في نجاسته، أو مات فيه حيوان لا يعلم
هو مما له نفس سائلة أو لا؟ فالأصل الطهارة.
مسألة: وفي نجاسة " البئر " بالملاقات قولان: أظهرهما التنجيس في هذا
الكلام حذف مضاف، تقديره " وفي نجاسة ماء البئر " وقد اختلف " قول الشيخ

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 4 ح 2 ص 106
54

ره فقال النهاية والمبسوط ومسائل الخلاف: ينجس بالملاقات. وكذا قال
" علم الهدى في المصباح، والخلاف، وجمل العلم والعمل و " المفيد " في المقنعة
وقال في التهذيب: لا يغسل الثوب، ولا تعاد الطهارة ما لم يتغير بالنجاسة، لكن
لا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره. ثم قال في الاستبصار: والذي ينبغي أن يعمل عليه
أنه إن استعمل هذه المياه بعد العلم بحصول النجاسة فيها لزمه الإعادة. فقد تبين
أن الأظهر بين الأصحاب الفتوى بالنجاسة عند الملاقاة.
ويدل عليه " النقل المستفيض " عن الصحابة بإيجاب النزح. روى الجمهور،
عن علي عليه السلام "، في الفأرة تقع في البئر تنزح منها دلاء " (1) وقال بعض الحنابلة
في كتاب له: قال الخلال: وجدنا عن كتاب علي عليه السلام بسند صحيح " أنه سئل عن
بئر بال فيها صبي، فأمر أن ينزحوها " (2) ومثله عن الحسن البصري، وعن أبي سعيد
الخدري " في الدجاجة أربعون دلوا " (3) وعن ابن عباس " في زنجي وقع في بئر
زمزم فمات، فقال: ينزح جميع مائها " (4) ولم ينكر ذلك أحد من أهل ذلك العصر.
ولو قيل أنتم لا تعلمون بهذه المقادير قلنا: هذا حق لكن القصد أن النزح
كان معلوما وإن البئر تطهر به وإن اختلف اجتهادهم في القدر المطهر. ومن
طريق الأصحاب رواية محمد بن بزيع، عن الرضا عليه السلام " في بئر يقطر فيها قطرات
من بول، أو دم ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فقال: ينزح
منها دلاء (5) " ولو كانت طاهرة لما حسن السؤال ولا الجواب. ورواية علي بن
يقطين قال " سألت موسى عليه السلام عن الحمامة، والدجاجة والفأرة والكلب

1) سنن البيهقي ج 1 الطهارة ص 268 مع تفاوت.)
2) لم يوجد.
3) لم يوجد.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 266.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.
55

والهرة؟ قال: يجزيك أن تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها " (1) ولو كانت طاهرة
قبل النزح، لكان النزح للتطهير تحصيلا للحاصل، ولأنه لو كان طاهرا لما جاز
التيمم مع وجوده، لكنه يجوز، أما الملازمة فلأن عدم الماء الطاهر شرط لجواز
التيمم، فلو جاز لا معه لزم تكثير مخالفة الدليل.
أما أنه يجوز معه التيمم فلوجهين: أحدهما ما رواه ابن أبي يعفور، عن
الصادق عليه السلام قال: " إذا أتيت البئر وأنت جنب ولم تجد شيئا تغرف به، فتيمم
بالصعيد، فإن رب الماء ورب الصعيد واحد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم
مائهم " (2) والثاني أنه لو لم يجز التيمم لزم أما جواز استعمال ماء البئر من غير
نزح، أو اطراح الصلاة، وكل واحد منهما باطل. أما الأول: فلو صح لما وجب
النزح، وهو باطل بالأحاديث المتواترة الدالة على وجوبه. وأما الثاني: فباطل
بالإجماع، فإن احتج الخصم بما رواه محمد بن بزيع قال: " كتبت إلى رجل يسأل
الرضا عليه السلام عن ماء البئر؟ فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن ينتن " (3)
فالجواب من وجوه: أحدها: الطعن في الرواية، فإن المكاتبة تضعف عن الدلالة. والثاني: يحتمل لا يفسده فسادا يوجب التعطيل، كما قال النبي صلى الله عليه وآله: المؤمن لا
يخبث (4) " أي لا يصير في نفسه نجسا، وكقول الرضا عليه السلام: " ماء الحمام لا يخبث (5) "
مع أنه يجوز أن تعرض له النجاسة. الثالث: إنا نعارضه بخبر محمد بن بزيع الذي
قدمناه، وإن احتج بما رواه حماد، عن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء مطلق باب 17 ح 2.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 22.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 (مع تفاوت).
4) سنن ابن ماجة ج 1 ص 178 إلا أنه رواه (لا ينجس).
5) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 26.
56

يغسل الثوب، ولا تعاد الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن " (1)
فالجواب أن الراوي عن معاوية المذكور لا نعرفه، فلعله غير الثقة، ففي
الرواة عدة بهذا الاسم منهم الثقة ومنهم غيره. ولأن لفظ البئر يقع على النابعة
والغدير، فلعل السؤال عن بئر ماؤها محقون، فتكون الأحاديث الدالة على وجوب
نزح البئر من أعيان المنزوحات مختصة بالنابعة، ويكون هذا متنا ولا لغيرها مما هو
محقون. ولأنه حديث واحد يعارضه كثير، والكثرة أمارة الرجحان. ولأنه يدل
بصيغة ما العامة فيما لا يعقل، فيكون الترجيح بجانب الأحاديث الدالة على أعيان
المنزوحات تقديما للخاص على العام.
مقدمة: ملاقاة النجاسة " ماء البئر " مؤثرة بحسب قوتها، وتطهيره بإخراجه
من حد الواقف إلى كونه جاريا جريانا يزيل ذلك التأثير، فيختلف تقدير النزح
وضعفها وسعة المجاري وضيقها، فتارة يقتصر الأئمة عليهم السلام على أقل ما يحصل به،
وتارة يستظهر عن ذلك وتارة يأمر بالأفضل، فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث،
وانظر ما اشتهر بين الأصحاب غير مختلف فافت به، وما اختلف فأقل مجز، والأوسط
مستحب، والأكثر أفضل، واستسقط ما شذ، ومن المتعارض ما ضعف سنده قال:
وينزح لموت البعير والثور وانصباب الخمر ماؤها أجمع. روى ذلك الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فلينزح " (2) وعبد الله
ابن سنان، عن أبي عبد الله " وإن مات فيها ثور، أو صب فيها خمر فلينزح الماء
كله " (3) وفي البعير رواية أخرى، عن عمرو بن سعيد بن هلال، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عما يقع في البئر حتى بلغت الحمار والجمل والبغل قال كر من ماء "

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1.
4) الوسائل ج 1 أو أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.
57

والأول أرجح لسلامة السند، وضعف سنده هذه، فإن عمرو بن سعيد فطحي، ولا
طعن في الحلبي، ولا في عبد الله بن سنان.
وفي الخمر رواية أخرى عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قلت: " بئر قطر فيها
قطرة دم، أو خمر قال الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد،
ينزح منه عشرون دلوا (1) " وفي رواية كردويه، عن أبي الحسن عليه السلام " عن البئر تقع
فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر، قال: ينزح منه ثلاثون دلوا (2) " وأفتى ابن
بابويه في المقنع برواية زرارة، ويمكن أن ينزلا على القطرة من الخمر، ويفرق
بين القطرة وصبه، ويعقل الفرق كما عقل في الدم، لأنه ليس أثر القطرة في التنجيس
كأثر ما يصب صبا، فإنه يشبع في الماء. قال " الشيخ " في التهذيب: " هما خبر
واحد لا يمكن لأجله دفع الأخبار كلها " قال وكذلك، قال الثلاثة وأتباعهم في
المسكرات، إنما أصناف القول بذلك إليهم لانفرادهم بذكره، دون من تقدمهم وعدم
الاطلاع على حديث يتناول ذلك نطقا.
ويمكن أن يحتج لذلك بأن كل مسكر خمر فثبت له حكمه، روى عطا بن
يسار، عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " كل مسكر خمر (3) " وروى علي
ابن يقطين، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام " قال: " كلما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو
خمر (4) " قال: وألحق " الشيخ ره " الفقاع. إنما نسب الإلحاق إليه لسبقه إلى القول
به، ولم أقف على حديث يدل بنطقه على الفقاع. ويمكن أن يحتج لذلك بأن الفقاع
خمر فيكون له حكمه، أما أنه خمر فلما رواه هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5.
3) سنن ابن ماجة 2 كتاب الأشربة ص 1124.
4) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 19 ح 1 ص 273.
58

قال: " سألته عن الفقاع فقال: لا تشربه لأنه خمر مجهول (1) " وعن الرضا عليه السلام
" هو حرام وهو خمر (2) " وعن أبي الحسن الأخير عليه السلام قال: " هي خمر استصغرها
الناس " (3)
أما " المني " فلم أقف على ما يدل بمنطوقه على وجوب نزح الماء به، بل
يمكن أن يقال: ماء محكوم بنجاسته، ولم تثبت طهارته بإخراج بعضه، فيجب
نزحه، لكن هذا يعود في قسم ما لم يتناوله نص على التعيين.
قال: وقد ألحق " الشيخ " الدماء الثلاثة. ولم أعرف من الأصحاب قائلا به
سواه ومن تبعه من المتأخرين بعده، أما " المفيد ره " فقال في المقنعة: لقليل الدم
خمس، ولكثيره عشر، ولم يفرق. و " علم الهدى " قال في المصباح: ينزح له من
دلو إلى عشرين، ولم يفرق. ولعل " الشيخ " نظر إلى اختصاص " دم الحيض " بوجوب إزالة قليله وكثيره عن الثوب فغلظ حكمه في البئر، وألحق به الدمين
الأخيرين. لكن هذا التعلق ضعيف، فالأصل أن حكم بقية الدماء عملا بالأحاديث
المطلقة، قال: فإن غلب الماء تراوح عليها قوم اثنين اثنين يوما. لرواية عمار بن
موسى قال أبو عبد الله عليه السلام: " وسئل عن بئر يقع فيها كلب، أو فأرة، أو خنزير،
قال: تنزف كلها (4) " قال الشيخ: يعني إذا تغير أحد أوصافها.
ثم قال عليه السلام: فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل يقام عليها قوم
يتراوحون اثنين اثنين وقد طهرت " (5) ولقائل أن يطعن في هذه الرواية بضعف
سندها، فإن رواتها ابن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 5.
2) مستدرك الوسائل ج 2 أبواب ما يكتسب به ص 452.
3) التهذيب ج 9 ح 275 ص 125.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق با ب 17 ح 8 (مع تفاوت).
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 23 ح 1.
59

عمار، وكلهم فطحية، وبضعف المتن بما تضمن من إيجاب نزح الماء كله للكلب
أو الفأرة، أو الخنزير، وهو متروك في فتوى الأصحاب. وربما قيل إن المذكورين
وإن كانوا فطحية فإنه مشهود لهم بالثقة فلا طعن في روايتهم إذا لم يكن لها معارض
من الحديث السليم، ولأن إيجاب نزح الماء كله في هذه إما على الاستحباب، وإما
كما فسره " الشيخ ره " في التهذيب أن المراد بذلك إذا تغير الماء. وقال الشيخان
والأتباع الثلاثة: إذا غلب الماء تراوح عليها أربعة رجال.
واستدل الشيخ برواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته حتى
بلغت الحمار، والجمل، والبغل، قال كر من ماء (1) " وإن كان كثيرا قال الشيخ:
وتراوح عليها أربعة رجال على نزح الماء يوما يزيد عن كر. وهذه الرواية تساوي
الأولى في السند، ولا تدل على موضع النزاع، لأنه اكتفى بنزح الكر وتراوح
الأربعة وإن زاد عن الكر لا يدل على أنه يقوم مقام ما يوجب نزح الماء كله، فلهذا
عدلنا عن تأويل هذه الرواية إلى والأولى، وإن ضعف سندها، فإن الاعتبار
يؤيدها من وجهين:
أحدهما: عمل الأصحاب على رواية عمار الثقة، حتى أن " الشيخ ره " ادعى
في العدة إجماع الإمامية على العمل بروايته، ورواية أمثاله ممن عددهم.
الثاني: إنه إذا وجب نزح الماء كله وتعذر، فالتعطيل غير جايز، والاقتصار على
نزح البعض تحكم، والنزح يوما يتحقق معه زوال ما كان في البئر فيكون العمل به
لازما واختلف ألفاظ الأصحاب في التحديد، فقال " المفيد: " من أول النهار إلى
آخره، وتبعه الحلبي، وسلار، وقال " ابن بابويه " و " علم الهدى ": من غدوة إلى
العشاء، ومعنى هذه الألفاظ متقاربة، فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب
الشمس أحوط، لأنه يأتي على الأقوال قال: ولموت البغل والحمار كرا. أما " الحمار "

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5.
60

فقاله الخمسة وأتباعهم، والمستند رواية عمرو بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام، وإن
ضعف سندها فالشهرة تؤيدها، فإني لم أعرف من الأصحاب رادا لها في هذا الحكم،
والطعن فيها بطريق التسوية بين الجمل، والحمار، والبغل غير لازم، لأن حصول
التعارض في أحد الثلاثة لا يسقط استعمالها في الباقي، وقد أجاب بعض الأصحاب
بأنه من الجايز أن يكون الجواب وقع عن الحمار والبغل دون الجمل، إلا أن هذا
ضعيف، لأنه يلزم منه التعمية في الجواب وهو ينافي حكمه المجيب.
وقد روى ابن أذينة، وزرارة، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، عن أبي
عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام " في البئر فيها الدابة، والفأرة، والكلب، والطير، فيموت،
قال: يخرج من البئر ثم ينزح. دلاء، ثم اشرب وتوضأ (1) " ومثله روى البقباق، عن
أبي عبد الله عليه السلام (2)، لكن هذه لم يتضمن قدر الدلاء التي تنزح، ومن المحتمل أن
يكون ذلك مما يبلغ الكر، فيكون العمل بالبينة أولى، قال: وكذا قال الثلاثة:
في الفرس، والبقرة، قال في المبسوط: ينزح كر للحمار، والبقرة، وما أشبههما.
وقال في النهاية: للحمار والبقرة والدابة. وكذا قال " علم الهدى ره " في المصباح.
وقال المفيد في المقنعة: وإن مات فيها حمار، أو بقرة، أو فرس، وأشباهها من
الدواب ولم يتغير الماء نزح منها كر من الماء ونحن نطالبهم بدليل ذلك.
فإن احتجوا برواية عمرو بن سعيد، قلنا: هي مقصورة على الجمل، والحمار،
والبغل، فمن أين يلزم في البقرة؟ فإن قالوا هي مثلها في العظم، طالبناهم بدليل
التخطي إلى المماثل من أين عرفوه لا بد له من دليل، ولو ساغ البناء على المماثلة
في العظم لكانت البقرة كالثور، ولكانت الجاموس كالجمل، وربما كانت فرس في
عظم الجمل فلا تعلق إذا بهذا وشبهه.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 6.
61

ومن المقلدة من لو طالبته بدليل ذلك لادعى الإجماع، لوجوده في كتب
الثلاثة وهو غلط وجهالة إن لم يكن تجاهلا، فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في
قسم ما لم يتناوله نص على الخصوص، قال: ولموت الإنسان سبعون دلوا، هذا
مذهب علمائنا ممن أوجب النزح، وهي رواية ابن فضال، عن عمرو بن سعيد،
عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
ذبح طيرا فوقع من يده في البئر فقال ينزح منها دلاء إذا كان ذكيا وما سوى ذلك
مما يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا، وأقله
العصفور ينزح منها دلو واحدة، وما سوى ذلك فيما بين هذين " أورد (1) " الشيخ "
في التهذيب هذه " بالثاء المنقطة " ثلثا وفي مقابلته وأقله، وأوردها " أبو جعفر
ابن بابويه ره " في كتابيه أكبره (بالباء المنقطة) من تحتها بواحدة وقال في مقابلته
وأصغره.
لا يقال رواة هذا السند فطحية، لأنا نقول هذا حق لكن من الثقات مع
سلامته عن المعارض، ثم هذه الرواية معمول عليها بين الأصحاب عملا ظاهرا، وقبول
الخبر بين الأصحاب مع عدم الراد له يخرجه إلى كونه حجة، فلا يعتد إذا بمخالف
فيه، ولو عدل إلى غيره لكان عدولا عن المجمع على الطهارة به، إلى الشاذ الذي
ليس بمشهور، وهو باطل بخبر عمر بن حنظلة المتضمن " لقوله عليه السلام خذ ما اجتمع
عليه أصحابك واترك الشاذ الذي ليس بمشهور " (2) وقال " المفيد " في المقنعة: وإن
مات إنسان في بئر أو غدير ينقص عن مقدار الكر، ولم يتغير بذلك الماء، فلينزح
منه سبعون دلوا، ولا معنى لذكر الغدير هنا إلا أن يريد ماله مادة من نبع، لكن لو
أراد ذلك لأغناه لفظ البئر.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2.
2) أصول الكافي ج 1 كتاب فضل العلم ص 86.
62

فرع
هذا الحكم يتناول الصغير، والكبير، والأنثى، والذكر، والمسلم، والكافر،
لأن (الإنسان جنس معرف باللام) وليس هناك معهود، فيكون " اللام " معرفا للجنس،
فيوجد الحكم بوجود الجنس أين كان، وجنس الإنسان ثابت للكافر، فيكون الحكم
متناولا له عملا بإطلاق اللفظ، وشرط بعض المتأخرين الإسلام، واحتج: بأن الكافر
نجس، فعند ملاقاته حيا يجب نزح البئر أجمع، والموت لا يطهره، فلا يزول
وجوب نزح الماء، قال: ولو تمسك بالعموم هنا لكان معارضا بقولهم ينزح، لارتماس
الجنب سبع، فإنه يشترط الإسلام، إذ لا يقدم أحد من الأصحاب على القول في
الجنب بنزح سبع، ولو كان كافرا، وكما اشترط هنا الإسلام فكذا ثم
والجواب قوله: ملاقاة الكافر موجبة لنزح الماء قلنا: لا نسلم قوله: " أجمع
الأصحاب " قلنا: هذه دعوى مجردة، بل نحن نقول: إنا لم نقف على فتوى
بذلك أصلا فكيف يدعي الإجماع، ولو قال: ذكر " الشيخ " ذلك في المبسوط
قلنا: قوله في المبسوط: ليس دليلا بمجرده فضلا أن يدعي به الإجماع، ثم
" الشيخ " لم يجزم بذلك، لأنه يقول: ما لم يرد فيه مقدر منصوص، يجب منه نزح
الماء احتياطا، وإن قلنا: بجواز أربعين دلوا للخبر كان سايغا، غير أن الأحوط الأول،
فالشيخ إنما صار إلى الاحتياط استظهارا لا قطعا، ثم إنه علل إيجاب نزح الماء في
الكافر بأنه لا دليل على مقدر، ونحن نقول: الدليل موجود، لأن لفظ الإنسان إذا
كان متناولا للمسلم، والكافر، يجري مجرى النطق بهما، فإذا وجب في موته
سبعون لم يجب في مباشرته أكثر، لأن الموت يتضمن المباشرة فيعلم نفي ما زاد من
مفهوم النص.
وهذا كما تقول: في الجواب عن الخنزير إذا وقع وخرج حيا، فإنه لا يجب
63

له أكثر من أربعين، وإن كان لم يرد على عينه نص، بل فحواه دل على ذلك، فالشيخ
(ره) لم يصر إلى إيجاب الكل إلا لتوهم أن النص لا يدل بمفهومه على نفي ما زاد على
سبعين، ولو قال: سلمنا العموم لكنه مخصوص، قلنا تخصيص العموم بالاحتياط
غير جائز، وإنما يخص بالدليل القاطع. أما الاحتياط فليس من مختصات العموم
في شئ، لأنه إنما يصار إليه عند عدم الدليل، والعموم دليل فيسقط الاحتياط معه،
وكذا المطلق دليل فلا يعتبر معه الاحتياط، ومعارضته بالجنب غير واردة.
لأنا نجيب في وجوه: أحدها: إن الارتماس من الجنابة إنما يراد للطهارة،
فيكون ذلك قرينة دالة على من له عناية بالطهارة وهو المسلم، ولهذا قال الشيخ في
المبسوط: نزح منها سبع دلاء ولم يطهره.
الثاني: أن تقول: أما أن يكون هنا دليل يمنع من تنزيل خبر الجنب على
الكافر والمسلم، وأما أن لا يكون، فإن كان فالامتناع إنما هو لذلك الدليل، وإن
لم يكن قلنا بموجبه سواء كان كافرا أو مسلما، فإنا لم نره زاد على الاستبعاد شيئا،
والاستبعاد ليس حجة في بطلان المستبعد.
الوجه الثالث: إن مقتضى الدليل " بالعموم " في الموضعين، وامتناعنا
من استعمال أحد العمومين في العموم لا يلزم منه اطراح العموم الآخر، لأنا نتوهم
أحد العمومين مخصصا فالتوقف عنه، إنما هو لهذا الوهم فإن صح، وإلا قلنا به مطلقا،
فالالزام غير وارد، ثم هذا ليس بنقض على مسئلتنا، بل نقض على استعمال اللام
في " الاستغراق " أين كان، فيلزم أن لا ننزل قوله: (الزانية والزاني) (1) على
العموم ولا قوله: (والسارق والسارقة) (2) لأنا لم ننزل الجنب هنا على العموم.
قال وللعذرة عشرة، فإن ذابت فأربعون، أو خمسون، وهذا مذهب أبي جعفر بن

1) النور: 2.
2) المائدة: 38.
64

بابويه في كتابه وقال المفيد في المقنعة: للرطبة أو الذابية خمسون، ولليابسة عشرة،
وقال الشيخ في المبسوط: للرطبة خمسون، ولليابسة عشر. وقال " علم الهدى " في
المصباح: لليابسة عشر، فإن ذابت وتقطعت خمسون دلوا.
لنا ما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن العذرة تقع في
البئر؟ قال ينزح منها عشر دلاء، فإن ذابت فأربعون أو خمسون دلوا (1) " وما فصله
الثلاثة، لم أقف به على شاهد قال: وفي الدم أقوال، والمروي في ذبح دم الشاة
من ثلاثين إلى أربعين، وفي القليل دلاء يسيرة. وكذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه.
وقال المفيد في الكثير عشر، وفي القليل خمس، وقال في النهاية للقليل عشر،
وللكثير خمسون، وقال " علم الهدى ره " في المصباح: في الدم ما بين الدلو الواحدة
إلى العشرين.
لنا ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن
رجل ذبح شاة، فاضطربت فوقعت في بئر ماء، وأوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من
تلك البئر؟ قال: ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ منها، وعن
رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقع في بئر هل يصلح له أن يتوضأ منها؟ قال: ينزح منها
دلاء يسيرة ثم يتوضأ منها " (2) وقال ابن بابويه (ره) في المقنع: في القليل عشر.
وكذا الشيخ (ره) في كتبه، واستدل برواية محمد بن بزيع قال " كتبت إلى رجل
يسأل الرضا عليه السلام عن البئر تكون في المنزل، فيقطر فيها قطرات من بول أو دم،
أو يسقط فيها شئ من عذرة كالبعرة، أو نحوها، ما الذي يطهرها حتى يحل منها
الوضوء للصلاة؟ فوقع في كتابي بخطه: ينزح منها دلاء (3) " قال " الشيخ " في

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 20 ح 1.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 1.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 21.
65

التهذيب: وأكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة، فيجب أن يؤخذ به، إذ لا
دليل على ما دونه.
وفيما ذكره " الشيخ ره " ضعف، لأنا نسلم أن أكثر عدد يضاف إلى الجمع
عشر، لكنا لا نسلم أنه إذا جرد عن الإضافة كانت حاله كذا فإنه لا يعلم من قوله:
عندي دراهم أنه لم يخبر عن زيادة عن عشرة (دلاء)، إذا قال اعطه دراهم يعلم أنه
لم يرد أكثر من عشرة، فإن دعوى ذلك باطلة فأما قول المفيد (ره) فلا أعلم وجهه،
وكذا قول علم الهدى (ره)، فإن استدل برواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام وعن أبي
العباس الفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الدم، والخمر، والميتة، ولحم الخنزيز،
عشرون " (1) لم يكن دالة على ما ذكره.
قال: ولموت الكلب وشبهه أربعون، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم وقال
" ابن بابويه " في المقنع: وإن وقع فيها كلب: أو سنور: فانزح ثلاثين دلوا إلى
أربعين. وقد روي سبع دلاء، وفيمن لا يحضره الفقيه: في الكلب من ثلاثين إلى
أربعين في السنور سبع.
واعلم أن في الكلب روايات: فما قلنا: هو رواية الحسين بن سعيد في كتابه
عن القاسم بن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن السنور "؟ فقال: أربعون
دلوا، والكلب وشبهه (2) " وفي رواية زرارة، ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر،
وأبي عبد الله عليهما السلام " قال: " يخرج من البئر، وينزح دلاء، ثم اشرب وتوضأ " (3) وفي
رواية أبي أسامة، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الفأرة، والسنور، والدجاجة، والطير
والكلب، إذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء، يكفيك خمس دلاء، وإن تغير الماء

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 3 ص 133.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 5 ص 135.
66

فخذ منه حتى يذهب الريح " (1)
وفي رواية أبي مريم قال: " حدثنا جعفر قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول:
" إذا مات الكلب في البئر، نزحت " (2) وفي رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام " وسئل عن بئر وقع فيها كلب، أو فأرة أو خنزير؟ قال ينزح كلها " (3) وفي
رواية عمرو بن سعيد عن أبي جعفر عليه السلام " سبع دلاء (4) " والرواية عن زرارة غير مقدرة
فيحتمل أن يكون إشارة إلى المنزوح الأول، ورواية أبي أسامة قوية السند، لكنها
متروكة بين المفتين، ورواية أبي مريم محتملة، إذ قوله " نزحت " يمكن أن يراد
به الأربعون، ورواية عمار وإن كان ثقة، لكنه " فطحي " فلا يعمل بها، مع وجود
المعارض السليم، وكذا رواية عمر بن سعيد، ويريد " بشبه الكلب " الخنزير والغزال
والثعلب، وروي في لحم الخنزير عشرون، ولا بأس بالرواية، قال وكذا في بول
الرجل، وهو مذهب الخمسة وأتباعهم، وفي البول روايات:
الأولى رواية علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قلت ": بول الرجل قال: ينزح منها أربعون دلوا (5)
الثانية: رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " في البئر يبول فيها
الصبي، أو يصب فيها بول، أو خمر، قال: ينزح الماء كله " (6)
الثالثة: رواية كردويه، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن البئر يقع فيها قطرة

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 8 ص 136.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 132.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.
6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.
67

دم، أو نبيذ مسكر، أو بول، أو خمر، قال: ينزح منها ثلاثون دلوا " (1) وكذا
روايته في خبر المنجرة، والترجيح بجانب الأولى، لاشتهارها في العمل وشذوذ
غيرها بين المفتين.
لا يقال: علي بن أبي حمزة واقفي، لأنا نقول: تغيره إنما هو في موت
موسى عليه السلام فلا يقدح فيما قبله، على أن هذا الوهن لو كان حاصلا وقت الأخذ عنه،
لانجبرت بعمل الأصحاب وقبولهم بها، ولا تفصيل في بول النساء، بل بول الصغيرة
والكبيرة سواء يجب منه ثلاثون دلوا لرواية كردويه (2). ويستحب نزح الماء
كله، لرواية معاوية بن عمار (2). وقال بعض المتأخرين: ينزح لبول المرأة أربعون،
لأنها إنسان ونحن نسلم أنها إنسان ونطالبه أين وجد الأربعين معلقة على بول الإنسان
ولا ريب أنه وهم منه.
فرع آخر
بول الكافر والمسلم سواء في النزح، لتناول العموم له، قال: وألحق
الشيخان بالكلب الثعلب، والأرنب، والشاة، قال " الشيخ " في التهذيب عند استدلاله
على كلام المفيد (ره)، بقوله عليه السلام ": وللسنور أربعون دلوا، وللكلب وشبهه " (4) قوله
" وشبهه " يريد في قد جسمه، وهذا يدخل فيه الشاة، والغزال، والثعلب، والخنزيز
وكلما ذكر، ولا ريب أن الثعلب يشبه السنور، أما الكلب فهو بعيد عن شبهه، والرواية
إنما أحالت في الشبه، على الكلب، فالاستدلال إذا ضعيف.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 5 ص 133.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 3 ص 133.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.
68

قال: وروي في الشاة تسع، أو عشر، قال " ابن بابويه " فيمن لا يحضره
الفقيه: " وإن وقعت فيها شاة وما أشبهها، نزح منها تسعة إلى عشرة " ولعله استناد
إلى رواية إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: " الدجاجة
ومثلها يموت في البئر، ينزح منها دلوان، وثلاثة، فإذا كانت شاة وما أشبهها، فتسعة،
أو عشرة " (1) وفي رواية عمرو بن سعيد (2) " سبع دلاء والعمل بما ذكره ابن بابويه
في هذه أو للسلامة سند الرواية بذلك، وضعف رواية عمرو. وقال الثلاثة ينزح
لها أربعون.
واحتج الشيخ بأنها مشابهة للكلب، واحتجاجه بالمشابهة ليس بصريح،
فالصريح أولى لأنه استدلال بالمنطوق، قال: وللسنور أربعون، وفي رواية سبع،
وبالأربعين قال الثلاثة وأتباعهم، وبالسبع قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه،
وهو استناد إلى رواية عمرو بن سعيد.
لنا ما رواه الحسين بن سعيد، عن القاسم عن علي بن أبي حمزة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن السنور؟ قال أربعون " (3) وفي رواية سماعة، عن أبي
عبد الله عليه السلام " من ثلاثين إلى أربعين " (4) وفي رواية أبي أسامة التي قدمنا " خمس
دلاء (5) " وفي عمرو بن سعيد ضعف، وكذا في رواية سماعة، ورواية أبي أسامة
متروكة، فتعين العمل بالأربعين، لاقترانها بعمل الأكثر من الأصحاب، ولو عمل
بالأقل جوازا وبهذه استظهارا جاز أيضا، فإن علي بن أبي حمزة واقفي.
قال ولموت الطير، واغتسال الجنب سبع، أما الطير فهو اختيار الثلاثة

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء الملق باب 17 ح 3 ص 134.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.
69

وأتباعهم، وهي رواية علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن
الطير والدجاجة؟ قال: سبع دلاء (1) " وفي رواية إسحاق بن عمار " الدجاجة ومثلها
يموت في البئر، دلوان وثلاثة (2) " وفي رواية أبي أسامة " الدجاجة، والطير، خمس
دلاء (3) " والأولى يعضدها العمل، فهي أولى، وإن ضعف سندها، ولا أستبعد
العمل برواية أبي أسامة لرجحانها بسلامة السند، لكني لم أر بها عاملا.
وأما اغتسال الجنب، فإن الشيخين أورداه بلفظ " الارتماس " والأحاديث
وردت بعبارات أربع، ليس فيها ذكر " الارتماس " الأولى رواية الحلبي، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " وإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء (4) ". الثانية
رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن سقط في البئر دابة صغيرة،
أو نزل فيها جنب، نزح منها سبع دلاء (5) " الثالثة: رواية أبي بصير قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب يدخل البئر، فيغتسل منها، قال: ينزح منها سبع دلاء (6) ".
الرابعة: رواية محمد بن مسلم قال: " إذا دخل الجنب البئر نزح منها سبع دلاء (7) "
ونحن نطالب من ذكر لفظ " الارتماس " من أين ذكره، ولم علق الحكم على
الارتماس دون الاغتسال، حتى أن بعضهم قال: لو اغتسل في البئر ولم يرتمس لما
وجب النزح.
والذي ينبغي تحصيله: إن الموجبين لنزح. الماء من اغتسال الجنب هم القائلون

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 3 ص 134.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 3 ص 137.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 7 ح 7 ص 135.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 1 ص 132.
6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 4 ص 143.
7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 22 ح 2 ص 142.
70

بأن ماء الغسل من الجنابة لا يرفع به الحدث، إلا سلار فإنه قال: بالنزح ولم يمنع
من ماء الغسل، أما " المرتضى " و " أبو الصلاح " فأجازا الطهارة بماء غسل الجنب
ولم يذكرا حكمه في البئر، وإذا كان الجنب طاهر الجسد وماء غسله غير ممنوع منه
فما وجه إيجاب نزح؟
وكأني بضعيف مكابر يقول: هذا إجماع وذاك مختلف فيه، وقد بينا: أن
الخلاف إنما هو من " المرتضى ره " وهما لم يذكراه في المنزوح فدعواه الإجماع
حينئذ حماقة، نعم لا يتعلق الحكم إلا مع الاغتسال، أما السقوط، أو الوقوع، أو
الدخول، بمجرده فلا، فإذا الدليل الدال على هذا الحكم خبر واحد، والموردون
للفظ الارتماس ثلاثة، أو أربعة فكيف يكون إجماعا؟ قال: وكذا " الكلب " لو
خرج حيا قال الشيخ ره في النهاية: " وقد روى إذا وقع فيها كلب وخرج حيا نزح
منها سبع دلاء " (1) وقال في المبسوط: وإن وقع فيها كلب وخرج حيا نزح منها
سبع دلاء للحية.
لنا رواية أبي مريم قال: حدثنا جعفر قال: قال أبو جعفر: " وإذا وقع فيها
الكلب وخرج حيا نزح منها سبع دلاء " (2) قال: وللفأرة إذا تفسخت سبع دلاء،
وإلا فثلاث وقيل دلو، وبما ذكرناه قال " الشيخ " في النهاية والمبسوط وقال " المفيد "
في المقنع: إذا تفسخت أو انتفخت سبع دلاء. وكذا قال أبو الصلاح، وسلار،
وقال علم الهدى في المصباح: " في الفأرة سبع دلاء " وقد روى ثلاث، وقال ابن
بابويه فيمن لا يحضره الفقيه: وإن وقع فيها فأرة فدلو واحدة، وإن تفسخت فسبع
دلاء، ومعنى (تفسخت) تقطعت وتفرقت، وقال بعض المتأخرين تفسخها، انتفاخها
وهو غلط.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 134.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 1 ص 136.
71

لنا رواية معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفأرة، والوزغة
تقع في البئر، فقال: ينزح منها ثلاث دلاء " (1) وعن ابن سنان، وعن أبي عبد الله
مثله، وقد روى ابن أبي حمزة، وعمرو بن سعيد، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الفأرة
سبع دلاء " (2) وكذا روى أبو أسامة، ويعقوب بن عيثم، عن أبي عبد الله عليه السلام،
فيحمل الأول على عدم التفسخ، والثاني على التفسخ، يشهد لذلك رواية أبي أسامة،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في الفأرة، والسنور، والدجاجة، والطير، ما لم يتفسخ
أو يتغير طعم الماء، فيكفيك خمس دلاء " (3) ورواية أبي سعيد المكاري عن أبي
عبد الله عليه السلام " إذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء " (4) وضعف
أبي سعيد لا يمنع من العمل بروايته على هذا الوجه، لأنها تجري على هذا مجرى
الأمارة الدالة على الفرق وإن لم تكن حجة في نفسها، وأما الانتفاخ فشئ ذكره
المفيد (ره) وتبعه الآخرون، ولم أقف له دليل على شاهد.
قال ولبول الصبي سبع دلاء، وفي رواية ثلاث، ولو كان رضيعا فدلو واحدة
يريد " بالرضيع " الذي لم يأكل الطعام، كذا ذكره الشيخان في النهاية والمبسوط
والمقنعة، وقيل يريد به من كان في زمان الرضاع وهو حولان ولو أكل، ولست
أعرف التفسير من أين نشأ، والرواية تتناول العظيم، فنحن نطالبهم بلفظ الرضيع
أين نقل وكيف قدر لبوله الدلو الواحدة، وبالسبع قال الشيخان (ره) في كتبهما،
وقال " علم الهدى " في المصباح: وفي بول الصبي إذا أكل الطعام ثلاث دلاء،
وإن كان رضيعا نزح دلو واحدة، وكذا قال ابن بابويه (ره) في كتابيه، وقال أبو

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 2 ص 137.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 5 ص 132.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 1 ص 137.
72

الصلاح الحلبي (ره): لبول الصبي الرضيع ثلاث دلاء.
لنا رواية منصور قال حدثنا عدة من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" ينزح منها سبع دلاء إذا بال فيها الصبي، أو وقعت فيها فأرة أو نحوها " (1) وروى
علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن بول الصبي الفطيم يقع
في البئر، فقال دلو واحدة " (2) وفي رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
" في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها الخمر، فقال ينزح الماء كله " (3) قال
الشيخ في التهذيب ما تضمن من ذكر بول الصبي، محمول على ما إذا غير طعم
الماء، أو رائحته وقلت لو نزل على الاستحباب كان حسنا توفيقا بينه وبين ما دلت
عليه الأخبار مما ينقص عن ذلك، ولأنه قد ثبت أن بول الرجل يوجب نزح أربعين
فبول الصبي لا يزيد عن ذلك. قال وكذا في " العصفور " وشبهه، وبه قال " الشيخان "
في النهاية والمبسوط والمقنعة وأتباعهما، وقال " ابن بابويه ره " في كتابيه: أصغر
ما يقع في البئر الصعوة، ينزح منها دلو واحدة.
لنا ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وأقله العصفور ينزح
منها دلو واحدة " (4) وقد قلنا أن عمارا مشهود له بالثقة في النقل منضما إلى قبول
الأصحاب لروايته هذه، ومع القبول لا يقدح اختلاف العقيدة.
فرع
قال الصهرشتي: كل طائر في حال صغره ينزح له دلو واحد، كالفرخ، لأنه

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 1 ص 133.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 2 ص 133.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 16 ح 7 ص 134.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.
73

يشابه العصفور. ونحن نطالبه بدليل التخطي إلى المشابهة، ولو وجده في كتب
" الشيخ " أو كتب " المفيد رض " لم يكن حجة ما لم يوجد الدليل.
فرع آخر
قال الراوندي: فيجب أن يشترط هنا أن يكون مأكول اللحم، احترازا من
الخفاش فإنه نجس، ونحن نطالبه من أين علم نجاسته؟ فإن التفت إلى كونه مسخا
طالبناه بتحقيق كونه مسخا، ثم بالدلالة على نجاسة المسخ، وقد روي في شواذ
الأخبار أنه مسخ لكن لا حجة في مثلها
مسألة: قال " الشيخ " في المبسوط والنهاية: إذا وقع فيها حية، أو وزغة،
أو عقرب، فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وقال " المفيد ره " في المقنعة إن وقع فيها
حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وكذا إن وقع فيها وزغة. وقال " أبو الصلاح "
للحية والعقرب ثلاث دلاء، وللوزغة دلو واحدة. وفي رسالة علي بن بابويه: إن
وقع فيها حية، أو عقرب، أو خنافس، أو بنات وردان، فاستق للحية دلوا، وليس
عليك فيما سواها شئ.
فنقول: أما الوزغة فقد روى معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الفأرة، والوزغة، تقع في البئر، قال ينزح منها ثلاث دلاء " (1) وربما صار أبو الصلاح إلى رواية يعقوب بن عيثم، عن عن أبي عبد الله عليه السلام " في بئر، في مائها
ريح يخرج منها قطع جلود، قال ليس بشئ، ا ن الوزغ ربما طرح جلده إنما يكفيك
من ذلك دلو واحدة " (2) وليس في هذا دلالة صريحة.
وأما العقرب فقد روى هارون بن حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 2 ص 137.
2) الوسائل ج أبواب الماء المطلق باب 19 ح 9 ص 139.
74

عن الفأرة، والعقرب وأشباه ذلك، يقع في الماء ويخرج حيا هل يشرب من ذلك
ويتوضأ منه؟ قال تسكب ثلاث مرات، قليله وكثيره بمنزلة، ثم تشرب منه وتتوضأ
غير الوزغ، فإنه لا ينتفع بما يقع فيه " (1) وفي العقرب رواية أخرى عن منهال،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن العقرب تخرج من البئر حية، قال استق منها
عشرة دلاء، قلت: فغيرها الخيف من الجيف، قال كلها إلا جيفة قد أجيفت، فإن
كانت جيفة قد أجيفت، فاستق منها مائة دلو، فإن غلب عليها الريح بعد المائة
فانزحها " (2).
ويمكن أن يستدل على الحية بما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها، فانزح منها دلاء " (3) فينزل على الثلاث،
لأنه أقل محتملاته، والذي أراه وجوب النزح في الحية، لأن لها نفس سائلة وميتتها
نجسة، أما " العقرب " و " الوزغة " فعلى الاستحباب، لأن ما لا نفس له سائلة ليس
بنجس، ولا ينجس شئ بموت فيه، بل روي أن له سما فيكره لذلك، وفي " سام
أبرص " روايتان: أحدهما عن يعقوب بن عيثم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام عن
" سام أبرص " ينفسخ في البئر، قال إنما عليك أن تنزح ستع أدل " (4) والأخرى عن
جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عن " سام أبرص " في البئر، قال " ليس بشئ،
حرك الماء بالدلو " (5) قال الشيخ (ره) في التهذيب: المعنى إذا لم ينفسخ فالوجه
عندي الاستحباب، لما قلناه، ولضعف الروايتين.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء الأسئار با 9 ح 4 ص 172.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 220 ح 7 ص 143.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 15 ح 6 ص 132.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 7.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 19 ح 8 ص 139.
75

مسألة: ذكر " الشيخ ره " في النهاية والمبسوط ينزح لذرق الدجاج خمس
دلاء، وأطلق. وخص سلار بن عبد العزيز ذلك " بالجلال " وفي القولين إشكال،
أما الإطلاق فضعيف، لأن ما ليس بجلال ذرقه طاهر، وكل رجيع طاهر، لا يؤثر
في البئر تنجيسا، أما " " الجلال " فذرقه نجس، لكن تقدير نزحه (بالخمسة) في
موضع المنع ونطالب قائله بالدليل. وقال أبو الصلاح: خرء ما لا يؤكل لحمه يوجب
نزح الماء، ويقرب عندي أيكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشرة، وإن ذاب
فأربعون، أو خمسون، ويحتمل أن ينزح له ثلاثون بخبر المنجرة
قال: ولو غيرت النجاسة مائها نزح، ولو غلب فالأول حتى يزول التغير،
ويستوفي المقدر، فاعل " غلب " مضمر، وهو عائد على الماء، والأولى " مبتدأ "
وخبره محذوف، وتقديره، فالأولى النزح. وإنما قال فالأولى لأن في المسألة أقوالا
هذا أرجحها، فالمرتضى وابن بابويه أوجبا نزح الماء كله، فإن تعذر لغزارته تراوح
عليها أربعة رجال من غدوة إلى الليل. و " الشيخان " أوجبا نزح الماء، فإن تعذر
نزح حتى تطيب. وأبو الصلاح الحلبي لم يوجب نزح الماء واقتصر على نزحها
حتى يزول التغير.
لنا رواية معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام " فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة
ونزحت البئر " (1) وعن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا انفسخت الفأرة
ونتن، نزح الماء كله " (2) والاعتبار يؤيد روايته، لأن تغير الماء يدل على غلبة
النجاسة عليه، وقهرها لما فيه من قوة التطهير، فلا يطهر بإخراج بعضه، وأما أنه مع
التعذر ينزح حتى يطيب وما رواه ابن بزيع، عن الرضا عليه السلام " ماء البئر واسع لا
يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه، أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه،

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 18 ح 4 ص 138.
76

لأن له مادة " (1).
وما رواه جميل قال: " فإن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح (2) " وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وإن أنتن حتى يوجد ريح النتن في الماء نزحت
حتى يذهب النتن من الماء " (3) فحينئذ نقول: يجب النزح عملا بالأول، فإذا تعذر
سقط التعبد به فيتعين الثاني لئلا يطرح أحد الدليلين، وإنما قلنا: ويستوفي المقام لأنه
نجس، وإن لم يتغير الماء فمع التغير لا يسقط، ولأنه تمسك بظاهر الروايات
الموجبة للتقدير، والتغيير لا ينافيه فلا يسقط حكمها.
فروع
الأول: الدلو التي ينزح بها، هي المعتادة، صغيرة كانت، أو كبيرة، لأنه
ليس للشرع فيها وضع، فيجب أن يتقيد بالعرف. ولو نزح بإناء عظيم ما يخرجه
الدلاء المقدرة ففي الطهارة عندي تردد، أشبهه لأنه لا يجزي، لأن الحكمة تعلقت
بالعدد ولا نعلم حصولها مع عدمه.
الثاني: إن عملنا في التراوح بالرجال فلا يجزي للنساء، ولا الصبيان، وإن
عملنا بالخبر المتضمن لتراوح القوم أجزى النساء والصبيان، ولا بد أن يتولى النزح
اثنان اثنان تبعا للرواية، لأنا نتكلم على تقدير تسليمها نظرا إلى العمل بها، ولو نزح
اثنان نزحا متواليا يوما ففي الإجزاء تردد، أشبهه أنه لا يجزي.
الثالث: لا يعتبر في النزح النية، لأنه جار مجرى إزالة النجاسة، ووجوب
النية منفي بالبرائة الأصلية فتطهر بنز ح الصبي، والمجنون، والكافر.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 3 ح 12 ص 105.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 7 ص 135.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 17 ح 4 ص 135
77

الرابع: البعير جنس يدخل تحته الذكر، والأنثى، والصغير، والكبير، كالإنسان.
الخامس: مما لم يتناوله التقدير في النزح قال في المبسوط: الاحتياط تقتضي
نزح الماء منه. وإن قلنا: بأربعين دلوا بخبر المنجرة كان سايغا، والأحوط ما قلناه،
ولا مأخذ عليه في هذا التردد، لأن الرواية وإن كانت عنده حقا فلا بأس أن يأخذ
بالاحتياط استظهارا واستحبابا. ويمكن أن يقال: فيه وجه ثالث وهو أن كل ما لم
يقدر له منزوح لا يجب فيه نزح، عملا برواية معاوية المتضمنة قول أبي عبد الله عليه السلام:
" لا تغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما يقع في البئر إلا أن ينتن " (1) ورواية ابن بزيع
" أن ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه " (2) وهذا يدل بالعموم،
فيخرج عنه ما دلت عليه النصوص بمنطوقها أو فحواها، ويبقى الباقي داخلا تحت
هذا العموم، وهذا يتم لو قلنا: إن النزح للتعبد لا للتطهير، أما إذا لم نقل ذلك،
فالأولى نزح مائها أجمع.
السادس: إذا وقع أكثر من واحد فمات، فإن كانت الأجناس مختلفة لم
يتداخل النزح، " كالطير " و " الإنسان " ولو تساوى المنزوح " كالكلب " و " السنور "
وإن كان الجنس واحدا ففي التداخل تردد، ووجه التداخل أن النجاسة من الجنس
الواحد لا تتزايد، إذ النجاسة الكلبية والبولية موجودة في كل جزء، فلا تتحقق
زيادة توجب زيادة النزح، ووجه عدم التداخل أن كثرة الواقع تؤثر كثرة في مقدار
النجاسة، فيؤثر شياعا في الماء زايدا، ولهذا اختلف النزح بتعاظم الواقع وموته،
وإن كان طاهرا في الحياة.
السابع: لو جفت البئر ثم عاد ماؤها ففي الطهارة تردد، أشبهه أنه تطهر، لأن
طهارتها بذهاب ماؤها، وهو حاصل بالجفاف كما هو حاصل بالنزح، فلو نبع بعد ذلك

1) الوسائل ج أبواب الماء المطلق باب 14 ح 10 ص 127.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 7 ص 127.
78

فالنبع طاهر لأنه نبع في محل طاهر.
الثامن: إذا أجري إليها الماء المتصل بالجاري لم تطهر، لأن الحكم متعلق
بالنزح ولم يحصل.
التاسع: لا تنجس جوانب البئر بما يصيبها من ماء النزح، لأن المشقة تلحق
به، وهل يغسل الدلو بعد انتهاء النزح؟ الأشبه لا، لأنه لو كان نجسا لم يسكت عنه
الشرع ولأن الاستحباب في النزح يدل على عدم نجاستها، وإلا لوجب نجاسة ماء
البئر عند الزيادة عليه قبل غسلها، والمعلوم من عادة الشرع خلافه، وتطهر عند
مفارقة الدلو الأخيرة وجه الماء، وما يتقاطر عفو، لأن الطهارة بالنزح وهو حاصل
عند مفارقة الماء، فلا أثر لخروجها عن البئر
العاشر: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان لو وقع وخرج حيا لم ينجس به، لأن
المخرج ينضم انضماما شديدا لشدة حذره فلا يلقى الماء موضع النجاسة، نعم لو كان
مجروحا وفي موضع الجرح دم، أو كان عليه نجاسة تعلق بها حكم تلك النجاسة.
الحادي عشر: إذا وجد في البئر ما ينجسها بعد استعمالها، فإن تحقق سبق
النجاسة على الاستعمال أعاد الطهارة والصلاة، وإن جهل لم يعد، لاحتمال وقوعها
بعده، وعن أبي حنيفة في الجيفة: إن كانت منتفخة أو متفسخة عاد الصلاة ثلاثة
أيام ولياليها، وإلا أعاد صلاة يوم وليلة. ومستنده خيال ضعيف. قال: لا تنجس البئر
بالبالوعة وإن تقاربتا ما لم تتصل نجاستها، لكن يستحب تباعدهما قدر خمسة أذرع
إن كانت الأرض صلبة وإن كانت البئر فوقها، وإلا فسبع، أما أنها لا تنجس، فلما
رواه محمد بن القاسم، عن أبي الحسن " في البئر، يكون بينها وبين الكنيف خمسة
أذرع وأقل وأكثر يتوضأ منها؟ قال: ليس يكره من قرب ولا بعد يتوضأ منها ويغتسل
ما لم يتغير طعم الماء " (1) ولا ماؤها في الأصل طاهر فلا يحكم بنجاسته إلا مع العلم.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 7 ص 146.
79

وأما استحباب التباعد فلما رواه الحسن بن رباط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟ قال: إذا كانت أسفل إذا من البئر فخمسة أذرع،
وإذا كانت فوق البئر فسبع أذرع من كل ناحية، وذلك كثير " (1) وروى بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن أدنى ما يكون بين الماء والبالوعة؟ فقال: إن
كان سهلا فسبع أذرع، وإن كان جبلا فخمسة " (2)
وروى زرارة، ومحمد بن مسلم، وأبو بصير قلنا له: " بئر يتوضأ منها؟ قال:
إن كان البئر في أعلى الوادي وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع لم يتنجس،
وإن كانت البئر في أسفل الوادي وكان بين البئر وبينها تسعة أذرع لم ينجسها، وما
كان أقل من ذلك لم يتوضأ منه " (3) وهذه الروايات لا تنفك من ضعف، وأجودها
الأخيرة مع أنهم لم يبينوا القائل، لكن في ذلك احتياطا فلا بأس به.
فرع
إذا تغير ماء البئر تغيرا يصلح أن يكون من البالوعة، ففي نجاسته تردد، لاحتمال
أن يكون منها وإن بعد، والأحوط التنجيس، لأن سبب النجاسة قد وجد فلا يحال
على غيره، لكن هذا ظاهر لا قاطع، والطهارة في الأصل متيقنة فلا تزال بالظن.
مسألة: وأما المضاف " فهو ما لا يتناوله الاسم بإطلاقه ويصح سلبه عنه،
كالمعتصر، والمصعد، والممزوج بما يسلبه الإطلاق، وإنما قال بإطلاقه لأن المضاف
يتناوله الاسم، لكن لا بالإطلاق بل بقيد الإضافة. وقوله " ويصح سلبه عنه " فإنك
تقول " ماء الورد " ويصح أن تقول: ليس هذا بماء. ثم بين إضافته فإنه لا يخرج

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 3 ص 145.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 2 ص 145.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 24 ح 1 ص 144.
80

عن كونه متعصرا من جسم كماء الحصرم والرمان، أو مصعدا كماء الورد والخلاف،
أو ممزوجا كالأمراق، وغيرها، بما أضيف إليه ما يسلبه إطلاق الاسم.
قال: وكله طاهر لكن لا يرفع حدثا، أما طهارته فبإجماع الناس، ولأن
النجاسة حكم مستفاد من أدلة الشرع والتقدير عدمها، وأما كونه لا يرفع حدثا فلقوله
تعالى: (فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا) (1) فالواجب عند عدم الماء المطلق التيمم
فسقطت الواسطة، ولقول الصادق عليه السلام " وقد سئل عن الوضوء باللبن؟ فقال: إنما
هو الماء والصعيد " (2) و " إنما " للحصر، ولأن المنع من الصلاة مع الحدث مستفاد
من الشرع، فيقف بيان ما يزيل المنع على دلالته، وقد علم الإذن مع استعمال الماء
المطلق، فينتفي مع غيره.
وحكى " الشيخ " في مسائل الخلاف عن بعض أصحاب الحديث: منا جواز
الوضوء بماء الورد. وقال " أبو جعفر بن بابويه " في كتابه: ولا بأس بالوضوء
والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد. وربما كان مستنده ما رواه سهل بن زياد،
عن محمد بن عيسى بن عبيدة، عن يونس، عن أبي الحسن عليه السلام " في الرجل يتوضأ
بماء الورد ويغتسل به؟ قال: لا بأس " (3)
والجواب: الطعن في السند، فإن سهلا ومحمد بن عيسى ضعيفان، وذكر
ابن بابويه، عن أبي الوليد أنه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى، عن يونس،
ثم نمنع دلالته على موضع النزاع، لأنه يحتمل السؤال عن الوضوء والغسل به
للتطيب والتحسن، لا لرفع الحدث، ولأن تسميته بماء الورد قد تكون الإضافة قليلة
لا يسلبه إطلاق اسم الماء، فيحتمل أن يكون الإشارة إلى مثله، وقال " الشيخ " في

1) النساء: 43.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف با 2 ح 1 ص 146.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 3 ح 1 ص 148.
81

التهذيب: هذا الخبر شاذ شديد الشذوذ وقد اجتمعت العصابة على ترك العمل بظاهره.
فرع
لا يجوز الوضوء " بالنبيذ " نيا كان أو مطبوخا مع وجود الماء وعدمه،
وحكى عن أبي حنيفة جواز الوضوء به مطبوخا مع عدم الماء في السفر، وادعى
أن عبد الله بن مسعود روى " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله ليلة الجن، فأراد أن يصلي الفجر،
فقال: أمعك وضوء؟ قال معي إداوة فيها نبيذ، فقال عليه السلام ثمرة طيبة وماء طهور " (1) وقد طعن في الحديث المذكور وذكر أن راويه " أبو زيد " وهو مجهول، وقد سئل
عبد الله بن مسعود هل كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الجن؟ فقال ما كان معه منا أحد،
وددت أني كنت معه.
قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) (2) وقال النبي صلى الله عليه وآله:
" الصعيد الطيب طهور للمسلم إن لم يجد الماء " (3) وعن الصادق عليه السلام " إنما هو
الماء والصعيد " (4) واتفق الناس جميعا أنه لا يجوز الوضوء بغيره من المايعات.
مسألة: وفي طهارة محل الخبث به قولان: أصحهما المنع، قال " الشيخ ره "
في النهاية: المياه المضافة لا يجوز استعمالها في الطهارات، ولا في إزالة النجاسة،
وهو مذهبه في ساير كتبه. قال في الخلاف: وهو مذهب أكثر أصحابنا. وقال " علم
الهدى " رضي الله عنه في شرح الرسالة: يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمايع الطاهر
غير الماء. وبمثله قال المفيد (ره) في المسائل الخلافية. لنا ما رواه الجمهور عن

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 9.
2) النساء: 43.
3) سنن البيهقي ج 1 أبواب الطهارة ص 212 رواه مع تفاوت.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 2 ح 1 ص 146.
82

النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء: " حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء " (1) وما رواه الحسين
ابن أبي العلاء، وأبو إسحاق، عن أبي عبد الله عليه السلام " في البول يصيب الجسد، قال:
يصب عليه الماء مرتين " (2) والحلبي عنه عليه السلام " في بول الصبي قال: يصب عليه الماء " (3)
فلو جاز إزالته بغير الماء لكان التعيين تضييقا لما فيه من الحرج.
الثاني: إن ملاقاة النجاسة موجب لنجاسته، والنجس لا تزال به النجاسة،
لا يقال: كما ارتفعت النجاسة بالماء مع تنجسه بالملاقاة فكذا المايع. لأنا نمنع
نجاسة الماء عند وروده على النجاسة كما هو مذهب " علم الهدى " رضي الله عنه
في الناصريات، أو نقول: مقتضى الدليل المنع فيهما، ترك العمل بمقتضاه في الماء
إجماعا، ولضرورة الحاجة، فلو سوى غيره به لزم تكثير مخالفة الدليل.
الثالث: منع الشرع من استصحاب الثوب النجس في الصلاة، فيقف زوال
المنع على إذنه. احتج بما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لخولة بنت يسار:
" حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه " (4) وبما روى عن الصادق عليه السلام في المني " إذا عرفت
مكانه فاغسله وإلا فاغسل الثوب كله " (5) وقوله عليه السلام " إذا أصاب الثوب المني فليغسل " (6)
ولم يذكر الماء.
ثم الأصل جواز الإزالة بكل مزيل للعين، فيجب عند الأمر المطلق، جوازه
تمسكا " بالأصل " ثم الغرض إزالة عين النجاسة، يشهد لذلك ما رواه حكم بن حكيم
الصيرفي عن الصادق عليه السلام قلت: لا أصيب الماء وقد أصاب يدي البول فامسحها

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2 ص 1003.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 13.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 7 ص 1007.
6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 7 ح 5 ص 1006.
83

بالحايط والتراب، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي،
قال: لا بأس " (1) وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليه السلام
قال: " لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق " (2)
والجواب: قوله: اقتصر على الغسل، قلنا: يكفي في دلالته على الماء، لأنه
هو المعروف عند الإطلاق كما يعلم مراد الأمر بقوله اسقني اسقني، قوله " الأصل
جواز الإزالة " قلنا: حق كما أن الأصل أن لا منع فلما منع الشرع من الدخول في
الصلاة، وقف الدخول على إذنه. وأما خبر حكم بن حكيم فإنه مطروح، لأن البول
لا يزول عن الجسد بالتراب باتفاق منا ومن الخصم وأما خبر غياث فمتروك، لأن
غياثا بتري ضعيف الرواية، فلا يعمل على ما ينفرد به، ولو صحت نزلت على جواز
الاستعانة في غسله بالبصاق، لا ليطهر المحل به منفردا، فإن جواز غسله به لا يقتضي
طهارة المحل، ولم يتضمن الخبر ذلك، والبحث ليس إلا فيه
مسألة: وينجس بالملاقات وإن كثر، هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا،
قال " الشيخ ره " في النهاية فإن وقع فيها شئ من النجاسة لم يجز استعمالها على
حال إلا عند الضرورة. وقال في المبسوط: إذا وقع فيه شئ من النجاسة لم يجز
استعماله، قليلا كان، أو كثيرا، قلت النجاسة، أو كثرت، تغير أحد أوصافه، أو
لم يتغير، ولا طريق إلى تطهيره إلا أن يختلط بما زاد على الكر من الماء الطاهر
المطلق، ولم يسلبه إطلاق اسم الماء، ولا غير أحد أوصافه، فإن سلبه، أو غير
أحد أوصافه لم يجز استعماله، وإن ليغيره ولم يسلبه جاز استعماله، فيما تستعمل
فيه المياه المطلقة، روى الجمهور، أن النبي صلى الله عليه وآله " سئل عن الفأرة تموت في السمن؟

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 6 ح 1 ص 1005.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 4 ح 2 ص 149.
84

فقال: إن كان جامدا فألقوها وما حولها، وإن كان مايعا فلا تقربوه " (1)
وروى الخاصة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا وقعت الفأرة في
السمن فماتت، فإن كانت جامدا فألقها وما يليها، وكل ما بقي، وإن كان ذائبا فلا
تأكله ولكن أسرج به " (2) وروى السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام " أن أمير المؤمنين
عليه السلام سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، فقال عليه السلام: يهرق مرقها، ويغسل
اللحم ويؤكل " (3) ولأن المايع قابل للنجاسة، والنجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته،
فيظهر حكمها عند الملاقاة ثم تسري النجاسة بممازجة المايع بعضه بعضا.
مسألة: قال: وما يرفع به الحدث الصغر طاهر مطهر، هذا مذهب فقهائنا
لم أعلم فيه خلافا، قال في المبسوط: ما استعمل في الوضوء والأغسال المسنونة
يجوز استعماله في رفع الأحداث، وبمعناه قال: في النهاية ومسائل الخلاف وكذا
قال " المفيد " في المقنعة و " ابن بابويه " ويدل عليه أيضا ما رواه الجمهور، أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: " الماء لا يجنب " (4) وعنه عليه السلام " الماء ليس عليه جنابة " (5) ورووا
" أنه عليه السلام كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوءه، وصب عليه السلام على جابر من وضوئه " (6)
ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة عن أحدهما عليه السلام قال: " كان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضأ أخذوا ما سقط عن وضوئه فيتوضؤن به " (7) ولأن الاستعمال لم يسلبه الإطلاق
لغة ولا شرعا فيكون مطهرا، للآية، والخبر، ولأنه ماء طاهر استعمل في محل طاهر

1) مسند أحمد حنبل ج 2 ص 265.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 1 ص 149.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 5 ح 3 ص 150.
4) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 82.
5) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 132.
6) رواه أحمد في مسنده ج 4 ص 329 (مع تفاوت).
7) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 1 ص 152.
85

فيبقى على قوته. وتعلل الجمهور بأنه مضاف إلى الاستعمال فلا يرفع الحدث، باطل
من حيث لم يؤثر فيه الاستعمال تغير وصف ولا هيئة، يقتضي زوال الاسم عنه، وقولهم
انتقل إليه المنع بالاستعمال مصادرة، لأنه نفس النزاع.
مسألة: وما يرفع به الأكبر طاهر، وفي رفع الحدث به ثانيا قولان: المروي
المنع، هذا مذهب " الشيخين " ومذهب " ابن بابويه " وقال " علم الهدى " رضي
الله عنه: هو باق على تطهيره، أما الطهارة فمذهب الأصحاب إجماعا، لأن التنجيس
مستفاد من أدلة الشرع، وحيث لا دلالة فلا تنجيس. وأما المنع من رفع الحدث
به فلما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الماء الذي يغسل به الثوب
أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ به وأشباهه " (1) وما رواه بكر بن
كرب، قال: " سألت أبا عبد الله عن الرجل يغتسل من الجنابة ويغسل رجليه بعد
الغسل، فقال إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه، فلا عليه أن يغسلهما،
وإن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما " (2)
وما رواه محمد بن إسماعيل قال: " سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام أني
أدخل الحمام في السحر وفيه الجنب، وغير ذلك، فأغتسل وينتضح علي بعد ما أفرغ
من مائهم، قال: أليس هو جار؟ قلت بلى قال لا بأس " (3) وما رواه محمد بن
مسلم، عن أحدهما قال: " سألته عن ماء الحمام؟ فقال: ادخله بإزار ولا تغتسل من
ماء آخر إلا أن يكون فيه جنب، أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا " (4) وما
روي عن أبي الحسن الأول عليه السلام " ولا تغتسل من ماء البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام،

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 27 ح 3 ص 506.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 8 ص 154.
4) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 7 ح 5 ص 111.
86

فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، وولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت عليهم السلام " (1)
ولأنه ماء لا يقطع بجواز استعماله في الطهارة، فلا يتيقن معه رفع الحدث، فيكون الأصل بقاء الحدث.
ويؤكده ما رواه الجمهور، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا يبولن أحدكم في الماء
الدائم ولا يغتسل فيه من جنابة " (2) ولا يقال: إن لم يجز استعمال الماء المغتسل
به من الجنابة وشبهه في الطهارة، لم يجز استعمال ماء الوضوء، وإلا فما الفرق؟
لأنا نقول مقتضى الأصل التسوية، لكن الفرق بالأحاديث المانعة من ماء غسل الجنابة
دون ماء الوضوء، كما حصل الفرق بينهما في إيجاب النزح في البئر على قول كثير
منا، ويمكن أن يقال: أما الحديث الأول ففي سنده ضعف، لأن سعد رواه عن
ابن فضال، أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان،
وابن فضال فطحي، وابن هلال ضعيف جدا.
وأما الأحاديث الباقية فغير صريحة بالمنع من استعماله، وقوله: " ماء لا يقطع
بجواز استعماله " قلنا: لا نسلم، لأن كل دليل دل على جواز استعمال ماء المطلق يتناول
هذا الموضع. وأما النهي عن البول في الماء الدائم والاغتسال فيه، فغير دال على
موضع النزاع، لجواز أن يتعلق النهي بالمنع تعبدا، لأن الاغتسال يحدث منعا من
الاستعمال على أنه يحتمل كراهة ذلك تنزيها عما تعافه النفس، وقد بينا في رواية
الفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام " إن ذلك يكره " (3).
احتج من أجاز الطهارة به، بما رواه الجمهور " أن النبي صلى الله عليه وآله اغتسل من
الجنابة، فرأى لمعة لم يصبها الماء فعصر شعره عليه لأنه ماء طاهر لم يسلبه الاستعمال

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 256.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 ص 7 / 1.
87

سمة الماء المطلق فيكون مطهرا، أو لأنه لو لم يكن مطهرا لزم جواز التيمم معه،
لكنه باطل، لأن التيمم مشروط بعدم الماء المطلق المقدور على استعماله، والأولى
عندي تجنبه، والوجه التفصي من الاختلاف، والأخذ بالأحوط.
قال " الشيخ " في النهاية: متى حصل الإنسان عند غديرا وقليب فليدخل
يده ويتوضأ منه، وإن أراد الغسل وخشي إن نزل فساد الماء فليرش عن يمينه ويساره
وأمامه، ثم ليأخذ كفا كفا يغتسل. به قيل: المراد به أن يرش الأرض لتجتمع أجزائها
فيمنع سرعة انحدار ما انفصل عن جسده إلى البئر. وقال الصهرشتي: يبل جسده
ثم يغسل به ليتعجل الاغتسال قبل انحدار الماء المنفصل عن جسده إلى البئر.
واعلم أن عبارة " الشيخ " لا تنطبق على الرش إلا أن يجعل في نزل ضمير
ماء الغسل، فيكون التقدير وخشي إن نزل ماء الغسل فساد الماء، وإلا بتقدير أن
يكون في نزل ضمير المريد لا ينتظم المعنى، لأنه إن أمكنه الرش لا مع النزول
أمكنه الاغتسال من غير نزول. ويدل على أن مراده ما ذكرناه ما رواه أحمد بن محمد
ابن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم، عن محمد بن عيسى، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء القليل، والماء في وهدة، فإن
هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، وكف
عن خلفه، وكف عن يمينه، وكف عن شماله ويغتسل " (1)
فرع
وكل ذلك بناء على أن المنقول عن الأئمة عليهم السلام ما ذكره (ره) في النهاية
و " القدر " الذي نقلناه هو ما رواه علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته
عن الماء في ساقية أو منقطع، أيغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يبلغ

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 2 ص 157.
88

صاعا للجنابة، ولا مدا للوضوء، وهو متفرق، كيف يصنع؟ قال: إذا كانت يده
نظيفة فليأخذ كفا فلينضحه خلفه، وكفا عن يمينه، وكفا عن شماله، فإن خشي أملأ
ماءا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثم يمسح جسده بيده، فإن ذلك يجزيه " (1) فإن
كان " الشيخ " أراد في النهاية هذا الحديث فهو غير دال على ما ذكره ويكون
المطالبة متوجهة إلى الشيخ (ره) على تحقيق ما ذكره (ره)، أما الرواية فمعناها أن
يبل جسده للغسل لا غير وإن كان منافيا للمذهب في مراعاة الترتيب، في الاجتزاء
يمسح البدن، والرواية شاذة فلا تتشاغل بتفسيرها.
فروع
الأول: إنما يحكم بطهارة ما يغتسل به إذا لم يكن على جسد المتطهر عين
النجاسة أما لو لاقى نجاسة كان نجسا، ولم يجز استعماله، سواء كان استعمل في
الوضوء أو الغسل.
الثاني: إذا بلغ الماء المستعمل في الكبرى كرا فصاعدا لم يزل عنه المنع،
وقطع " الشيخ " في المبسوط على زوال المنع، وتردد في الخلاف. لنا أن ثبوت
المنع معلوم شرعا فيقف ارتفاعه على وجود الدلالة، وما يدعى من قول الأئمة عليهم السلام
" إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (2) لم نعرفه ولا نقلناه عنهم، ونحن نطالب
المدعي نقل هذا اللفظ بالإسناد إليهم، أما قولهم عليهم السلام " إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه
شئ " (3) فإنه لا يتناول موضع النزاع، لأن هذا الماء عندنا ليس بنجس، فلو بلغ
كرا ثم وقعت فيه نجاسة، نعم " لم تنجسه " لا يرتفع ما كان فيه من المنع، ولا يلزم

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 10 ح 1 ص 156.
2) المستدرك ج 1 في أحكام المياه ص 27.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.
89

على ذلك لو اغتسل في كر فصاعدا، وإلا لمنع ولو اغتسل في البحر.
الثالث: المستعمل في غسل الجنابة يجوز إزالة النجاسة به، لأنه ماء مطلق
طاهر فجاز إزالة النجاسة به، لقوله عليه السلام " ثم اغسليه بالماء " (1) وقول الصادق عليه السلام:
" في البول يصيب الجسد، قال يصب عليه الماء مرتين " (2)
الرابع: ما يستعمل في الأغسال المندوبة أو غسل الثوب الطاهر باق على
تطهيره، لأن الاستعمال لم يسلبه الإطلاق فيجب بقاؤه على التطهير للآية، ولقوله
عليه السلام " الماء طهور " (3)
مسألة: وفيما يزال به الخبث لم يتغير النجاسة قولان: أشبههما التنجيس
عدا ماء الاستنجاء، أما نجاسته مع التغيير فبإجماع الناس، ولما بيناه من أن غلبة
النجاسة على الماء مقتضية لتنجيسه، وإذا لم يتغير فقد اختلف قول الشيخ (ره) فقال
في المبسوط: هو نجس. وفي الناس من قال: لا ينجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه
وهو قوي، والأول أحوط، وجزم في مسائل الخلاف بنجاسة الأولى، وطهارة
الغسلة الثانية، والقول بنجاستهما أولى، طهر محل النجاسة أو لم يطهر.
لنا ماء قليل لاقى النجاسة فيجب أن ينجس، وما رواه العيص بن القاسم قال:
" سألته عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء، فقال إن كان من بول، أو قذر،
فيغسل ما أصابه " (4) أما رفع الحدث به أو بغيره مما يزال النجاسة فلا، إجماعا،
ولما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الماء الذي يغسل به الثوب
أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به وأشباهه) (5) وهاتان الروايتان فيهما ضعف،

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 113 إلا أنه رواه اقرصيه..
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3 ص 1001.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 10 ص 101.
4) الوسائل ج 1 باب الماء المضاف باب 9 ح 14 ص 156.
5) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 9 ح 13 ص 155.
90

غير أن النظر يؤيد ما تضمناه من المنع مما يزال به النجاسة.
وأما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين، وقال علم الهدى (ره) في
المصباح: لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن، وكلامه صريح
في العفو وليس بصريح في الطهارة، ويدل على الطهارة ما رواه الأحول عن أبي
عبد الله عليه السلام قال قلت: (أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء
الذي استنجيت به، فقال: لا بأس به) (1) وما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي،
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به أينجس
ذلك ثوبه؟ قال: لا) (2) ولأن التفصي منه عسر، فشرع العفو رفعا للعسر، ويستوي
فيه ما يغسل به القبل والدبر، لأنه يطلق في كل منهما لفظ الاستنجاء.
[فرع]
وإذا أصاب الثوب أو الجسد مما يغسل به إناء الولوغ، قال في مسائل
الخلاف: لا يغسل، سواء كان من الأولى، أو الثانية، وتردد في المبسوط في نجاسة
الأولى. ويقوى عندي وجوب الغسل منهما، لأنه ماء قليل لاقي النجاسة فيجب أن
ينجس، إذا له (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ) (3) فيجب أن ينجس ما دونه،
لتحقق معنى الشرط، احتج (الشيخ) بأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء،
لأنه كان يلزم نجاسة البلة الباقية بعد المنفصل، ثم ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة،
وكذا ما بعده، والجواب إن ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع فلا يقدح
ما ذكره، ولأنه معفو عنه رفعا للحرج، ووافق على أنه لا يرفع به حدث

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 1 ص 160.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 13 ح 5 ص 161.
3) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 9 ح 5 و 6 ص 118.
91

مسألة: ولا يغتسل بغسالة الحمام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة، قال أبو
جعفر بن بابويه في كتابه: ولا يجوز التطهير بغسالة الحمام. وقال في النهاية:
وغسالة الحمام لا يجوز استعمالها على حال، لنا ما روي عن أبي الحسن الأول عليه السلام
قال: (ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام، فإنه يسيل ما يغتسل به
الجنب، وولد الزنا، والناصب لنا أهل البيت عليهم السلام) (1) ولأنه ماء مجتمع من مياه
مخبثة فيبقى على نجاسته، لما بيناه فيما سلف وقوله: " إلا أن يعلم خلوها من النجاسة "
لأن الحديث المانع من استعماله علل المنع، (باجتماعه من النجاسة) فينتفي
التنجيس عند انتفاء السبب، ولأن الأصل في الماء الطهارة فلا يقضي بالنجاسة إلا
مع اليقين بوجود المقتضي.
ويؤيد ذلك ما ذكره ابن بابويه في كتابه، عن أبي الحسن عليه السلام عن مجتمع
الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب، قال: لا بأس) (2) وهذه رواها
أبو يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام وهي وإن
كانت مرسلة إلا أن الأصل يؤيدها، وبعض المتأخرين قال: وغسالة الحمام، وهو
المستنقع لا يجوز استعمالها على حال، وقال: هذا (إجماع) وقد وردت به أخبار
معتمدة قد أجمع عليها، ودليل الاحتياط يقتضيها.
ونقل لفظ النهاية وهو خلاف الرواية وخلاف ما ذكره ابن بابويه (ره)، ولم
نقف على رواية بهذا الحكم سوى تلك الرواية، ورواية مرسلة ذكرها الكليني (ره)
قال بعض أصحابنا عن ابن جمهور وهذه مرسلة، وابن جمهور ضعيف جدا، ذكر
ذلك: (النجاشي) في كتاب الرجال فأين الإجماع وأين الأخبار المعتمدة ونحن
نطالبه بما ادعاه وأفرط في دعواه.

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 11 ح 1 ص 158.
2) الوسائل ج 1 باب الماء المضاف باب 9 ح 9 ص 154.
92

مسألة: أما (الأسئار) كلها طاهرة عدا الكلب، والخنزير، والكافر، والسئور
(مهموزا) بقية المشروب، وما ذكرناه اختيار (الشيخ ره) في النهاية و (علم الهدى)
في المصباح وأما الشيخ في الاستبصار والتهذيب إلى المنع من سؤر ما لا يؤكل
لحمه، وقال في المبسوط (الآدمي) طاهر عدا الكافر، والطير، والبهايم الوحشية،
كلها طاهرة، عدا الكلب والخنزير، والتي لا يؤكل من الإنسية كلها نجسة، عدا
ما لا يمكن التحرز منه كالفأرة، والحية، والهرة وغير ذلك.
لنا ما رواه الجمهور، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وآله (سئل أيتوضأ بما أفضلته
الخمر؟ فقال نعم، وبما أفضلته السباع كلها) (1) وما رووه عن زيد بن أسلم، أن
النبي صلى عليه وآله (سئل عن الحياض تنق بها السباع، والدواب، فقال: لها ما حملت في
بطونها، وما بقي فهو لنا شراب وطهور) (2) ووجه الدلالة عدم الفرق في الجواب
بين قليله وكثيره، ومن طريق الخاصة ما رواه أبو العباس الفضل قال: (سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن فضل الشاة، والبقرة، والحمار، والإبل، والبغل، والوحش،
والهرة، والسباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس، حتى انتهيت
إلى الكلب، فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله، واصبب ذلك الماء) (3) وعن
معاوية بن شريح قال: (سأل عذافر، أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن سؤر السنور،
والشاة، والبقرة، والبغل، والحمار، والفرس، والسبع، أيشرب منه ويتوضأ؟
فقال: نعم، قلت: الكلب؟ قال لا، قلت: أليس هو سبع؟ قال: لا والله إنه رجس
لا والله إنه رجس) (4) وأما سؤر الطيور فطاهر، إلا ما كان على منقاره نجاسة دما أو

1) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 83.
2) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 173 (مع تفاوت).
3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 4 ص 163.
4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 6 ص 163.
93

غيره، لما رواه علي بن أبي جمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بفضل الحمام
والدجاجة، والطير) (1) وما رواه عمار عنه عليه السلام قال: (كل الطيور يتوضأ بماء يشرب
منه، إلا أن يرى في منقاره دما) (2)
لا يقال: علي بن حمزة واقفي، وعمار فطحي، فلا يعمل بروايتهما لأنا
نقول: الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب، وانضمام القرينة، لأنه
لولا ذلك، لمنع العقل من العمل بخبر الثقة، إذ لا وثوق بقوله، وهذا المعنى،
موجود هنا، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء كما عملوا هناك، ولو قيل: فقد رد
رواية كل واحد منهما في بعض المواضع، قلنا: كما ردوا رواية الثقة في بعض
المواضع متعللين بأنه خبر واحد، وإلا فاعتبر كتب الأصحاب فإنك تراها مملؤة
من رواية علي المذكور، وعمار، على أنا لم نر من فقهائنا من رد هاتين الروايتين،
بل عمل المفتين منهم بمضمونها.
ويؤيدهما أن مقتضى الدليل الطهارة، وإنما يصار إلى النجاسة لدلالة الشرع
وحيث لا دلالة فلا تنجيس. واستدل (الشيخ) في التهذيب على نجاسة سؤر ما
لا يؤكل لحمه، برواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كل ما يؤكل لحمه فلا بأس
بسؤره) (3) قال: هذا يدل على أن ما لا يؤكل لحمه لا يجوز الوضوء بسؤره ولا
يشرب منه، والجواب الطعن بضعف السند، ووجود المعارض السليم، فإن الراوي
له أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار،
والجماعة فطحية فلا يترك لأجله رواية الفضل، وبأن دلالته على موضع النزاع بدليل
الخطاب وهو متروك عند المحققين.

1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 1 ص 166.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.
3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.
94

وما رواه الجمهور، من قول النبي صلى الله عليه وآله ((في الحمر يوم خيبر، أنه رجس) (1)
فهو ضعيف، قال البخاري: رواه ابن أبي حبيبة، وهو منكر الحديث، وإبراهيم
ابن يحيى، وهو كذاب، وأما نجاسة ما استثنيناه من الكلب، والخنزير، والكافر
فلأنها نجاسة الأعيان فينجس القليل بمباشرتها، أما الكلب، فلما رواه الجمهور،
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله على وآله قال: (يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا، أو
خمسا، أو سبعا)) (2) وفي رواية عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله (إذا وقع الكلب في إناء
كم فاغسلوه سبعا) (3) وأما الخنزير فلقوله تعالى: (أو لحم الخنزير فإنه
رجس) (4) والرجاسة: النجاسة، ومن طريق الخاصة، ما رواه محمد بن مسلم
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال: يغسل
المكان الذي أصابه) (5).
وما رواه محمد بن يعقوب الكليني (ره)، بإسناده عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام (عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فيذكر وهو في صلاته،
قال: إذا دخل في صلاته فليمض، وإن لم يدخل فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلا
أن يكون فيه أثر فيغسله، قال: وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟
قال: يغسل سبع مرات) (6).
وأما الكفار فقسمان: يهود ونصارى، ومن عداهما، أما القسم الثاني: فالأصحاب

1) رواها مسلم في صحيحه من كتاب الصيد والذبائح ج 3 ص 154 (بغير هذه العبارة).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 240.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 241 رواه بلفظة ولغ.
4) الأنعام: 145.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 8 ص 1017.
6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 13 ح 1 ص 1017.
95

متفقون على نجاستهم، سواء كان كفرهم أصليا أو ارتدادا، لقوله تعالى: (إنما
المشركون نجس) (1) ولقوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا
يؤمنون) (2) لا يقال: (الرجس) العذاب رجوعا إلى أهل التفسير، لأنا نقول:
حقيقة اللفظ يعطي ما ذكرناه، فلا يستند إلي مفسر برأيه، ولأن (الرجس) اسم
لما يكره فهو يقع على موارده بالتواطئ، فيحمل على الجميع عملا بالإطلاق،
وأما اليهود والنصارى (فالشيخ) قطع في كتبه بنجاستهم، وكذا (علم الهدى)
والاتباع و (ابنا بابويه) و (للمفيد)) قولان: أحدهما: النجاسة، ذكره في أكثر كتبه
والآخر الكراهية ذكره في الرسالة الغرية.
لنا ما رواه الجمهور، عن أبي ثعلبة الخشني قال: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله
إنا بأرض قوم أهل كتاب نأكل في آنيتهم، فقال: لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا
غيرها، فاغسلوه ثم كلوا فيها) (3) لا يقال: يحمل على ما إذا لاقوها بالنجاسة لأن
الغالب عليهم مباشرة النجاسات، لأنا نقول: اللفظ مطلق فيحمل على المباشرة
كيف كان.
ومن طريق الخاصة ما رواه سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته
عن سؤر اليهودي، والنصراني، أيتوضأ منه؟ قال: لا) (4) وما رواه أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام (في مصافحة المسلم لليهودي، والنصراني، فقال: من وراء الثياب،
فإن صافحك بيده فاغسلها) (5) يعني (يدك) وعن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام

1) التوبة: 28.
2) الأنعام: 125.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 33.
4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 3 ح 1 ص 165.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 5 ص 1019.
96

قال: (سألته عن رجل صافح مجوسيا، قال يغسل يده ولا يتوضأ) (1).
وما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام في شراء الثوب،
قال: (إن اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى
يغسله) (2) وعنه، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن اليهودي، والنصراني، يدخل
يده في الماء أيتوضأ منه؟ فقال: لا، إلا أن يضطر إليه) (3) لا يقال: هذا الاستثناء
يدل على عدم النجاسة، لأنه لو حكم بنجاسته لما أجاز الوضوء مع الاضطرار، لأنا
نقول: لعل المراد بالوضوء التحسين لا رفع الحدث، ويلزم من المنع منه للتحسين
المنع من رفع الحدث، وهو أولى.
[فروع]
الأول: يكره سؤر (الجلال) وهو ما يأكل العذرة محضا، وبه قال (علم
الهدى ره) في جمل العلم والعمل، واستثناه من المباح في المصباح. وكذا (الشيخ ره)
في المبسوط. لنا خبر الفضل أبي العباس (رض)، عن أبي عبد الله عليه السلام ولأن الطهارة
هي مقتضى الأصل، لا يقال: رطوبة أفواهها عن غذاء نجس، فيحكم بنجاسته، لأنا
نمنع الملازمة، ولأنه منقوض ببصاق من شرب الخمر إذا لم يتغير، وبما لو أكلت
غير العذرة مما هو نجس، لا يقال: عرقها نجس فلعابها نجس، لأنا نمنع الملزوم
واللازم، وسيجئ تحريره.
الفرع الثاني: أسئار المسلم طاهرة وإن اختلفت آراؤهم، عدا الخوارج
والغلاة، وقال (الشيخ ره) في النهاية بنجاسة المجبرة والمجسمة. وخرج بعض

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 3 ص 1018.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 10 ص 120.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 9 ص 1020.
97

المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف، لنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن
يجتنب سؤر أحدهم وكان يشرب من الموضع الذي تشرب منه عايشة بعده، ولم
يجتنب علي عليه السلام سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له، ولا يقال: كان ذلك تقية،
لأنه لا يصار إليها إلا مع الدلالة.
وعن علي عليه السلام (أنه سئل أتتوضأ من فضل جماعة المسلمين أحب إليك أو
تتوضأ من ركو أبيض محمر؟ فقال: لا، بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب
دينكم إلى الله الحنيفية السهلة السمحة) (1) ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه، وعن
عيص بن (القاسم)، عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يغتسل هو وعايشة
من إناء واحد) (2) ولأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة.
أما الخوارج: فيقدحون في علي عليه السلام، وقد علم من الدين تحريم ذلك فهم
بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع، وهم المعينون بالنصاب.
وأما الغلاة: فخارجون عن الإسلام وإن انتحلوه، وقال: ابن بابويه (ره)
في كتابه لا يجوز الوضوء بسؤر ولد الزنا، والوجه الكراهية. لنا التمسك بالأصل،
وربما تعلل المانع بأنه كافر، ونحن نمنع ذلك، ونطالبه بدليل دعواه، ولو ادعى
الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية، فإنا لا نعلم ما ادعاه.
الفرع الثالث: يكره سؤر ما أكل الجيف من الطير إذا خلا موقع الملاقاة
من النجاسة، ولا يحرم، وبه قال علم الهدى في المصباح، واستثنى الشيخ ذلك
من المباح في النهاية والمبسوط. لنا الإذن في استعمال سؤر الطيور والسباع، يدل
على ذلك: أنها لا تنفك عن ذلك عادة، وفي مسائل عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
(عما يشرب منه صقر أو عقاب، فقال: كل شئ من الطيور تتوضأ مما يشرب منه إلا

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المضاف باب 8 ح 3 ص 152.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.
98

أن ترى في منقاره دما) (1).
الفرع الرابع: إذا أكلت (الهرة) ميتا ثم شربت لم ينجس الماء وإن قل، سواء
غابت أو لم تغب ذكره الشيخ في المبسوط، لعموم الأحاديث المبيحة لسؤر الهرة،
منها رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في كتاب علي عليه السلام (إن الهرة سبع ولا بأس
بسؤره، وأني لأستحي من الله أن أدع طعاما لأن الهرة أكل منه) (2).
الفرع الخامس: قال في المبسوط يكره سؤر (الحائض) وأطلق. وكذا
قال: علم الهدى رضي الله عنه في المصباح، وكره سؤر المتهمة لا المأمونة،
ويريد (بالمأمونة) المستحفظة من الدم و (بالمتهمة) ضدها. وما في النهاية أولى
مصيرا إلى الخبر المقيد بالتهمة، رواه العيس بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام (في
سؤر الحايض، قال: يتوضأ منه، ومن سؤر الجنب: إذا كانت مأمونة) (3) ورواه
علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام (عن الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحايض،
قال: إذا كانت مأمونة فلا بأس) ولأن مع عدم التحفظ يتطرق ظن النجاسة، ومع
ظن النجاسة يكره الاستعمال استظهارا للعبادة.
الفرع السادس: قال بعض الأصحاب: لعاب (المسوخ) نجس كالدب،
والقرد، والثعلب، والأرنب، والفيل، وقال الشيخ: المسوخ نجسة. والوجه الكراهية
دفعا لشبهة الاختلاف، ويدل على الطهارة خبر الفضل، ولأن الطهارة هي مقتضى
الأصل فيحكم بها مع عدم الدلالة على التنجس، والسؤر يبنى على اللعاب.
الفرع السابع: قال في المبسوط: يكره سؤر (الدجاج) على كل حال،

1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2 ص 166.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 2 ح 2 ص 164.
3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 7 ح 1 ص 168.
4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 8 ح 5 ص 170.
99

وهو حسن إن قصد المهملة، لأنها لا تنفك من الاغتذاء بالنجاسة.
الفرع الثامن: سؤر (الحشار) طاهر، وهو قول الجماعة والمستند الأحاديث
السابقة، والتمسك بمقتضى الأصل.
الفرع التاسع: لا بأس بسؤر (الفأرة) و (الحية) وكذا لو وقعتا في الماء
وخرجتا، وقال في النهاية: الأفضل ترك استعماله. لنا رواية إسحاق بن عمار، عن
أبي عبد الله عليه السلام (أن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت في
الإناء، أن يشرب منه ويتوضأ) (1).
الفرع العاشر: قال في النهاية: لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ وإن خرج
حيا، وكذا قال ابن بابويه في كتابه: والوجه الكراهية تمسكا بالأصل. ولأنه ليس
بنجس العين، ولما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: (سألته
عن العظاة، والحية، والوزغ، يقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة؟ قال
لا بأس به) (2)
الفرع الحادي عشر: لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم
يلاق نجاسة عينية، وكذا الرجل، لما بيناه من بقائه على التطهر، ولما روته ميمونة
قالت: (اغتسلت من جفنة ففضلت منها فضلة، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني اغتسلت
منه، فقال: الماء ليس عليه جنابة) (3) وقال ابن حنبل: يكره إذا حلت به المرأة،
لما روى الحكم بن عمرو (أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة) (4)

1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 2 ص 171.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 9 ح 1 ص 171.
3) رواه البيهقي في السنن ج 1 ص 188 ومسلم والبخاري في أبواب الطهارة من
صحيحها بغير هذه العبارة.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 132.
100

والحديث ضعيف طعن فيه محمد بن إسماعيل، وقال هو موقوف، ومن رفعه فقد
أخطأ.
مسألة: ما لا نفس له سائلة كالذباب والجراد، والخنافس، لا ينجس بالموت،
ولا ينجس الماء بموته ولا المايعات، ونعني ((بالنفس السائلة) الدم الذي يخرج من
عرق، وهذا مذهب علمائنا أجمع، وقال الشافعي: نجس بالموت وينجس ما يموت
فيه عدا السمك. لنا ما رواه الجمهور، عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (أيما طعام
أو شراب ماتت فيه دابة ليس لها نفس سائلة فهو الحلال أكله وشربه والوضوء منه) (1).
لا يقال: طعن الترمذي في هذا الحديث بأن رواته بغية فهو مدلس، لأنا نقول:
صححه جماعة، ورووه عن المشاهير فزال بهم الطعن، ومن طريق الخاصة ما رواه
عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه سئل عن الخنفساء، والذباب، والجراد، والنملة،
وما أشبه ذلك يموت في اللبن والزيت والسمن وشبهه؟ قال كل ما ليس له دم فلا
بأس) (2) وما رواه الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (كل شئ سقط في البئر ليس له دم، مثل العقارب، والخنافس،
وأشباه ذلك، فلا بأس). (3)
وما رواه حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: (لا يفسد الماء
إلا ما كانت له نفس سائلة) (4) لا يقال: عمار فطحي، ومحمد بن سنان ضعيف،
وحفص بن غياث القاضي عامي، لأنا نقول: هذه الروايات وإن ضعف سندها،
فإن فتوى الأصحاب يؤيدها، ويؤكدها قول الصادق عليه السلام (الماء كله طاهر حتى يعلم

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 253 رواه مع تفاوت.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 1 ص 173.
3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 3 ص 173.
4) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 10 ح 4 ص 173
101

أنه قذر) (1) ولأنه ماء ثبتت طهارته وشك في نجاسته فيبقى على الطهارة.
[فروع]
الأول: ما يعيش في الماء وإن كان مما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء بموته،
كالسمك، والضفدع، والسرطان، وإن كان له نفس سائلة كالتمساح، فإنه ينجس
بموته، وقال (الشيخ) في الخلاف: إذا مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل
لحمه مما يعيش في الماء لا ينجس الماء وأطلق. لنا أنه حيوان له نفس سائلة وكان
موته منجسا ولا حجة لهم في قوله عليه السلام في البحر: (هو الطهور مائه، الحل ميتته) (2)
لأن التحليل مختص بالسموك وسيأتي تحريره.
الثاني: في ما لا نفس له إذا وقع في الماء القليل فغير أحد أوصافه لم تزل
طهوريته ما لم يسلبه الإطلاق، فإن سلبه بقي على طهارته وزالت الطهورية.
الثالث: ما تولد من الطاهرات طاهر، وما تولد من النجاسات كدود الحش
وصراصره، ففي نجاسته تردد، وجه النجاسة أنها كاينة عن النجاسة فتبقى على النجاسة،
ووجه الطهارة الأحاديث الدالة على الطهارة ما مات فيه حيوان لا نفس له من غير
تفصيل، وترك التفصيل دليل إرادة الإطلاق، ولأن تولده في النجاسة معلوم، أما
منها فغير معلوم، فلا يحكم بنجاسة، وإن لاقى النجاسة إذا خلا من عين النجاسة.
ومثله السبع إذا أكل الجيف وكان فمه خاليا من عين النجاسة.
الرابع: إذا انقطع حيوان الماء فيه لم ينجسه إذا لم يكن ذا نفس سائلة،
وينجسه إن كان له نفس إذا كان الماء قليلا.
الخامس: اتفق الأصحاب على نجاسة الآدمي بالموت، لأن له نفسا سائلة،

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 1 ح 5 ص 100.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 3.
102

ولأن زنجيا مات في بئر فأمر ابن عباس ينزحها، ولما رويناه عن الصادق عليه السلام (من
إيجاب نزح سبعين إذا مات في البئر) (1) وإذا غسل المسلم طهر، أما الكافر فلا
يطهر، لأن طهارة المسلم مستفاد بالشرع فيبقى الكافر نجسا بالأصل.
السادس: ما يموت فيه الوزغ، والعقرب، يكره، وهو اختيار (الشيخ ره)
في المبسوط وقال في النهاية: لا بأس بما لا نفس له سائلة إلا العقرب والوزغ.
وقال ابن بابويه في المقنع: إذا وقعت العضاية في اللبن حرم. لنا أنه حيوان لا نفس
له فلا ينجس ولا ينجس. أما رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (عن العضاية
تقع في اللبن قال: يحرم اللبن) (2) فالوجه الكراهية، وقد قيل: إن فيها سما فالمنع
للتوقي.
السابع: لو ضرب صيد محلل فوقع في الماء فمات، فإن كان الجرح قاتلا
فالماء على الطهارة، والصيد على الحل، وإن لم يكن قاتلا واحتمل أن يكون موته
بالماء والجرح فالصيد على الحظر، لعدم تيقن السبب المبيح، وفي تنجيس الماء
تردد، أحوطه التنجيس.
مسألة: لو نجس أحد الإنائين ولم يتعين اجتنب ماؤهما، وكذا قال في
المبسوط. وقال في النهاية: وجب إهراق جميعه والتيمم، وبمثله قال أبو جعفر بن
بابويه في كتابه، والمفيد في المقنعة. وقال علم الهدى (ره) في المصباح: أراقهما
وعدل إلى غيرهما، فإن لم يجد تيمم، وما ذكره في المبسوط أشبه، أما المنع من
استعمالهما فمتفق عليه، ولأن يقين الطهارة في كل واحد منهما معارض بيقين النجاسة
ولا رجحان، فيتحقق المنع، ولعل الشيخ استند في النهاية إلى رواية سماعة وعمار
ابن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل معه إناء إن وقع في أحدهما نجاسة لا يدري

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 21 ح 2 ص 141.
2) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة المحرمة باب 46 ح 2 ص 466.
103

أيهما هو، وليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريقهما ويتيمم) (1) وعمار هذا وإن
كان فطحيا، وسماعة وإن كان واقفيا، لا يوجب رد روايتهما هذه، أما أولا فلشهادة
أهل الحديث لهما بالثقة، وأما ثانيا فلعمل الأصحاب بالحديث ولسلامتهما من المعارض.
وأما الأمر بالإراقة فيحتمل أن يكنى به عن الحكم بالنجاسة، لا تحتيم الإراقة،
لأن استبقائه قد يتعلق به غرض، أما للتطهير، أو الاستعمال في غير الطهارة والأكل
والشرب، وقد يكنى عن النجاسة بالإراقة في كثير من الأخبار تفخيما للمنع، وقيل:
وجوب الإراقة، ليصح التيمم، لأنه مشروط بعدم الماء، وهو تأويل ضعيف لأن
وجود الممنوع من استعماله لا يمنع التيمم كالمغصوب، وما يمنع من استعماله
مرض أو عدو، ومنع الشارع أقوى الموانع، وحكم ما زاد على الإنائين في المنع
حكم الإنائين.
[فروع]
الأول: (التحري) غير جايز في الإنائين وفيما زاد عليهما، سواء كان هناك
أمارة، أو لم يكن، وسواء كان المشتبه بالطاهر نجسا أو نجاسة كالبول، أو مضافا،
أو مستعملا، ولو انقلب أحدهما لم يجز التحري أيضا، لأن التحري ظن فلا يرتفع
به يقين النجاسة، ولأنه لو كان التحري صوابا لاطرد في الماء والبول، وقد أجمعوا
على اطراح التحري هناك.
الثاني: لو كان أحد الإنائين نجسا فتطهر بهما، وصلى، لم يرتفع الحدث،
ولم تصح الصلاة، سواء قدمها أمام الصلاة أو صلى مع كل وضوء، لأنه ماء محكوم
بالمنع منه، فيجري استعماله مجرى النجس، أما لو كان أحدهما ماءا والآخر مضافا
أو مستعملا في الغسل الواجب فإن وجد ماءا مطلقا طاهرا على اليقين تطهر به، وإن

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 12 ح 1 ص 124.
104

لم يجد تطهر بهما ولم يتحر، وكذا قال في المبسوط والخلاف، لأنه أمكن أداء
الفرض بطهارة متيقنة.
الثالث: مع الضرورة يستعمل أيهما شاء في غير الطهارة، ولا يلزمه التحري
وإن كان أحدهما نجسا، لأن الضرورة مبيحة، والتحري لا يفيد اليقين فيسقط اعتباره.
الرابع: لو خاف العطش أمسك أيهما شاء، لأنهما سواء في المنع، ومع
خوف العطش يمسك النجس فكيف بالمشتبه.
الخامس: لو كان معه ماء طاهر ونجس غير مشتبهين، فعطش، شرب الطاهر
وتيمم، وكذا لو علم حاجته إلى الماء استبقى الطاهر وتيمم للصلاة، لأن وجود
النجس كعدمه.
مسألة: وكل ما حكم بنجاسته لم يجز استعماله، ولو اضطر معه إلى الطهارة
تيمم، إنما اعتبر (الحكم) لأنه أعم، إذ قد يحكم بنجاسة ما ليس بنجس في نفسه،
ويريد (بالمنع من استعماله) الاستعمال في الطهارة أو إزالة الخبث أو الأكل أو
الشرب دون غيره مثل بل الطين وسقي الدابة، وإنما قال فلو (اضطر) لأن عدم الماء
مع الإلزام بالصلاة المفتقرة إلى الطهارة المائية نوع اضطرار إلى البدل وهو التطهير
بالتراب، وأما وجوب التيمم فلأن الماء المحكوم بنجاسته ممنوع من الطهارة به
فجرى مجرى العدم.
[الركن الثاني]
[في الطهارة المائية]
وهي وضوء وغسل، والوضوء يستدعي بيان أمور:
الأول: في موجباته:
مسألة: موجبات الوضوء خمس: خروج البول والغايط والريح من الموضع
المعتاد، والأحداث تشترك في نقض الطهارة، ثم منها: ما يوجب الوضوء، ومنها:
105

ما يوجب الغسل، ومنها: ما يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى، وقد يقسم إلى
رابع.
أما موجبات الوضوء: فقد اتفق المسلمون إن خروج هذه الثلاثة ينقض الطهارة
ويوجب الوضوء، ويدل عليه مضافا إلى الإجماع، قوله تعالى (أو جاء أحد منكم
من الغايط) (1) وقول النبي صلى الله عليه وآله: (لكن من بول أو غايط) (2) وقوله عليه السلام: (فلا
تنصرفن حتى تسمع صوتا أو تجد ريحا) (3) وما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا يجب الوضوء إلا من غايط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها) (4) وما رواه
زكريا ابن آدم قال: (سألت الرضا عليه السلام عن الناصور؟ فقال: إنما ينقض الوضوء
ثلاث: البول، والغايط، والريح) (5).
[فروع]
الأول: إذا خرج أحد الثلاثة من الموضع المعتاد نقض إجماعا، وإن خرج
من غيره لم ينقض، وقال في المبسوط والخلاف: إن خرج البول والغايط مما دون
المعدة نقض، ومما فوقها لا ينقض، لأن ما يخرج من فوق المعدة لا يكون غايطا،
وهو ضعيف لأن الغايط اسم (للمطمئن) ونقل إلى (الفضلة المخصوصة)) فعند هضم
المعدة الطعام وانتزاع أجزاء الغذائية منه، يبقى الثفل فكيف خرج تناوله الاسم،
ولا اعتبار بالمخرج في تسميته، وبما قال بعض الأصحاب بالنقض مطلقا.

1) النساء: 43.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118
3) رواه البيهقي في سننه ج 1 كتاب الطهارة ص 117 (مع تفاوت).
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 178.
106

لنا ما رواه زرارة قال: (قلت: لأبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام ما ينقض
الوضوء؟ فقال: ما يخرج من طرفيك الأسفلين: من الذكر والدبر من غايط، أو
بول، أو مني، أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل) (1) والسؤال بما المستوعبة لكل
ما ينقض الوضوء. وما رواه أبو الفضل بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس
ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله بهما عليك) (2). وما
رواه أديم بن الحر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (ليس ينقض الوضوء إلا ما
خرج من طرفيك الأسفلين) (3) ولأن مقتضى الدليل بقاء الطهارة فيقف انتقاضها على
موضع الدلالة.
لا يقال: الدلالة موجودة وهي قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغايط) (4)
وما روي من الأخبار الدالة بالإطلاق، لأنا نقول الإطلاق ينصرف إلى المعتاد
فيتقيد به، ثم يؤيده الروايات المقيدة لذلك الإطلاق.
الفرع الثاني: لو كان المخرج في غير موضعه خلقة انتقضت الطهارة بخروج
الحدث منه، لأنه مخرج أنعم الله به، وكذا لو انسد المعتاد وانفتح غيره، لأنه صار
مخرجا منعما به، أما لو لم ينسد المعتاد وانفتح مع آخر فإن صار خروج الحدث
منه معتادا أيضا فقد ساوى المخرج، وإن كان نادرا فالأشبه أنه لا ينقض.
الفرع الثالث: لو خرج من أحد السبيلين دود أو غيره من الهوام، لم ينقض
الوضوء إلا أن يستصحب حدثا، لما ذكرنا من الروايات، ولما رواه عبد الله بن زيد
عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس في حب القرع والديدان الصغار وضوء) (5) ولا يقال:

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 4 ص 178.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.
4) النساء 43.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 3 ص 183.
107

اشتراط (الصغار) يقتضي كون الكبار بخلافه وإلا لم يكن لذكر الوصف فائدة، لأنا
نقول: هذا تمسك بدليل الخطاب وهو ضعيف.
وربما كان التقييد بالصغر لأن الكبار بقوة حركتها وعظمها تستصحب مدة في
الأغلب، ولا يعارض ذلك ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يخرج منه حب
القرع، قال: عليه وضوء) (1) لأنه يحتمل ما ذكره الشيخ (ره) في التهذيب: وهو
اشتراط التلطخ بالعذرة، ودل عليه رواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام فإنه قال: (إن
خرج نظيفا لم ينقض وإن خرج متلطخا بالعذرة فعليه إعادة الوضوء والصلاة) (2)
وهذه وإن كان سندها فطحية إلا أنها منبهة على الاحتمال المذكور، ولأن الأصل بقاء
الطهارة، ولا يقال: لا ينفك الخارج من رطوبة نجسة، لأنا نمنع ذلك ثم لا نسلم
أن كل نجس ناقض، سنبين أن الرطوبات الخارجة لا تنقض.
الفرع الرابع: خروج الريح من الذكر لا ينقض لأنه لا منفذ له إلى الجوف
والظاهر أن الناقض ما كان مصدر الجوف، ولقوله (لا يجب الوضوء إلا من بول
أو غايط أو فسوة أو ضرطة) (3 والخارج من الذكر لا يسمى بذلك، أما ما يخرج
من قبل المرأة ففيه تردد، والأقرب النقض، لأن لها منفذا إلى الجوف فيمكن خروج
الريح من المعدة إليه، أما الجشا فلا خلاف أنه لا ينقض.
الفرع الخامس: لو قطر في إحليله دهنا أو استدخل في أحد المخرجين دواءا
كالحقنة فخرج خالصا لم ينقض، لا باعتباره بالنظر إلى خروج الحدث، وكذا كل
ما يخرج من السبيلين طاهرا كان كالحصاة، أو نجسا كالدم، عدا الدماء الثلاثة.
مسألة: (النوم) الغالب على الحاستين يريد (بالحاستين) السمع والبصر

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 6 ص 184.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 5 ح 5 ص 184.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 2 ص 175.
108

وبهذا قال علماؤنا أجمع، وهو مذهب أهل العلم عدا ما حكي عن أبي مجار
وحميد الأعرج وعمرو بن دينار أنه ليس بناقض، وقيل: إن سعيد بن اللبيب كان
ينام مضطجعا ثم يصلي ولا يعيد الوضوء.
لنا ما رواه الجمهور، عن النبي صلى الله عليه وآله: (العين وكاء للسنة فمن نام فليتوضأ) (1)
و (السنة) هي حلقة الدبر و (الوكاء) الشداد، وما رواه زرارة قال: (قلت لأبي
جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ما ينقض الوضوء؟ قال: ما يخرج من طرفيك أو النوم
حتى يذهب العقل) (2) وما رواه معمر بن خلاد، عن الرضا عليه السلام (إذا خفي الصوت
وجب الوضوء) (3) وعبد الله بن المغيرة، عنه عليه السلام (إذا ذهب النوم بالعقل فليعد
الوضوء) (4).
[فروع]
الأول: ابتداء النعاس وهو المسمى (سنة) لا ينقض الوضوء لأنه لا يسمى
نوما، كما قال الشاعر:
وسنان أقصده النعاس فرتقت في عينه سنة وليس بنايم
ولأن نقضه مشروط بذهاب العقل.
الثاني: من نام قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا وكيف كان لزمه الوضوء
وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم، وقال ابن بابويه (ره) في كتابه: في الرجل يرقد قاعدا،
أنه لا وضوء عليه ما لم ينفرج، وقال الشافعي: إذا نام قاعدا مفضيا بمخرجه إلى

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 2 ص 177.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 2 ص 180.
109

الأرض لم ينقض وضوءه، لما رواه أنس (أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كانوا ينامون
ثم يقومون يصلون ولا يتوضؤن) (1) وقال أبو حنفية: لا ينقض النوم إلا مضطجعا
أو متوركا أو مستندا إلى ما لو زوال لسقط، ولا ينقض في أحوال الصلاة. لما رواه
ابن عباس (أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسجد وينام وينفخ ثم يقوم فيصلي فقلت: صليت
ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعا) (2).
لنا قول النبي صلى الله عليه وآله: (فمن نام فليتوضأ) (3) ورواية عبد الحميد بن عواض
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سمعته يقول: من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على
أي الحالات فعليه الوضوء) (4) وعنه عليه السلام: (لا ينقض الوضوء إلا حدث والنوم
حدث) (5) أما حديث الشافعي فحكاية ترجع إلى بعض الصحابة، ومضمونها
النفي، مع أنه يمكن أن يظن أنس نوما ما ليس بنوم، فحديثنا حينئذ أرجح، لأنه
قول النبي صلى الله عليه وآله نصا، وأما حديث أبي حنيفة فمطعون فيه، قال ابن داود: ذكر ابن
المنذر أن هذا الحديث لا يثبت وهو مرسل برواية قتادة، عن أبي العالية، وقال
شعبة: إنه لم يرو عنه إلا أربعة أحاديث ليس هذا أحدها.
وأما ما ذكره ابن بابويه فمحمول على النوم الذي لا يغلب العقل، وكذا
ما رواه بكر بن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان أبي يقول: إذا
نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء) (6)
وإنما ساغ لنا هذا التأويل لوجود التفصيل في غير هذا الحديث من اعتبار الغلبة

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 120.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 121 - 122.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 118.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 3 ص 180.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 4 ص 180.
6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 15 ص 182.
110

على العقل، وخفاء الصوت، وكونه لا يضبط الحدث، ولأن الغالب في النايم المستغرق السقوط، فكان القعود علامة على السنة، ويدل على التفصيل رواية أبي
الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يخفق وهو في الصلاة؟ فقال:
إذا كان لا يحفظ حدثا منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصلاة) (1) وما رواه بكر
عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت: ينقض النوم الوضوء؟ فقال: نعم، إذا كان يغلب على
السمع والصوت).
الثالث: قال الشيخ في المبسوط: ينقض الوضوء كلما أزال العقل من إغماء
أو سكر، أو جنون، أو غيره. وقال في النهاية: المرض المانع من الذكر. وقال
المفيد في المقنعة: المرض المانع من الذكر، والإغماء، ومثله. قال علم الهدى
(ره) في المصباح. وقال في جمل العلم: والنوم وما أشبهه من الجنون والمرض.
وقال ابن الجنيد: كلما غلب على العقل كالغشوة والقرعة من القرع إذا تطاول.
والمعنى في الكل متقارب، وضابطه كلما غلب على الحاستين، لما روى
معمر بن خلاد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا خفي عليه الصوت فقد وجب
الوضوء) (2) لا يقال: صدر الحديث يتضمن الإغماء، وهو من أسماء النوم، لأنا
نقول: هذه اللفظ مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة، ولأن النوم الذي يجوز معه
الحدث وإن قل يجب معه الوضوء، فمع الإغماء والسكر أولى، وهذا استدلال
بالمفهوم لا بالقياس.
[مسألة: و (الاستحاضة القليلة) إنما قال القليلة، وإن كان الصنفان الآخران
يوجبان الوضوء أيضا، لأنه أراد ما يوجب الوضوء منفردا، ومذهب علمائنا أجمع
وجوب إيجاب الوضوء بها عدا ابن عقيل فإنه قال: ما لم يظهر على القطنة فلا غسل

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 3 ح 6 ص 180.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 1 ص 183.
111

عليها ولا وضوء، وقال مالك: ليس على المستحاضة وضوء، لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) وما رواه معاوية بن عمار، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (المستحاضة إذا جازت أيامها، فإن كان الدم لا يثقب الكرسف
توضأت وصلت لكل صلاة بوضوء) (1).
[فروع]
الأول: لا تجمع المستحاضة بين فريضتين بوضوء واحد، وقال أبو حنيفة:
تجمع، لأن طهارتها لوقت كل صلاة، لا لكل صلاة. لنا ما سلف من الروايتين،
ولأن دمها حدث فتستبيح الطهارة ما لا بد منه وهو الصلاة الواحدة.
الثاني: لو توضأت ودمها بحاله فانقطع بعد الطهارة قبل الدخول في الصلاة
قال في المبسوط: استأنفت الوضوء، لأن دمها حدث وقد زال العذر فظهر حكم
الحدث، ولو صلت والحال هذه، أعادت لعدم الطهارة، سواء أعاد قبل الفراغ أو
بعده. ولو انقطع في أثناء الصلاة قال في المبسوط والخلاف: لا يجب الاستيناف
لأنها دخلت في الصلاة دخولا مشروعا متيقنا ولا دليل على إيجاب الخروج. وهذا
يشكل مع قوله: إن انقطاع دمها حدث، بمعنى إن معه يظهر حكم الحدث، كذا
إذا قيل: دمها حدث وإنما أبيحت الصلاة للضرورة، فعلى التقديرين الدليل الموجب
لاستيناف موجودة، لأنه لا صلاة مع تيقن الحدث وزوال العذر.
لكن إن قيل: خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه فلم يكن مؤثرا في نقض
الطهارة، والانقطاع ليس بحدث أمكن، لكن يلزم التسوية في جواز الصلاة بين
ما إذا انقطع قبل الدخول في الصلاة وأما إذا انقطع في أثنائها فالفرق عسر، والاستدلال
على بقاء الطهارة بالاستصحاب ضعيف أيضا، لأنه ليس بحجة هنا، ولو عارض

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.
112

بصلاة المتيمم استندنا في الفرق إلى الأحاديث الدالة هناك على الاستصحاب.
الثالث: لو توضأت قبل دخول وقت الصلاة لم يصح لأنه لا ضرورة إليه،
ولقوله: تتوضأ لكل صلاة.
الرابع: قال في المبسوط: إذا توضأت الفرض، جاز أن تصلي معه ما شاءت
من النوافل، وفيه إشكال ينشأ من كون دمها حدثا فتستبيح بالوضوء معه ما لا بد منه
وهو الصلاة الواحدة، ولقول النبي صلى الله عليه وآله: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) (1)
وقول أبي عبد الله عليه السلام: (توضأت وصلت كل صلاة بوضوء) (2).
الخامس: قال الشيخ في المبسوط: لو توضأت بعد وقت الصلاة وأخرت
الصلاة لا متشاغلة بها، ثم صلت لم تصح، قال: لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ عند
كل صلاة وذلك يقتضي أن يعقب الصلاة. والتعليل ضعيف، لأن لفظة (عند) جاءت
في بعض الأخبار العامة، ولا يبلغ أن يكون حجة، وبتقدير التسليم يلزم أن يكون
المراد به عند إرادة الصلاة، إذ لو نزل اللفظ على ظاهره للزم أن تكون الصلاة
سابقة على الوضوء، ليتحقق كون الوضوء عندها.
ويمكن أن يقال: إن وجود دمها حدث، فتستبيح بالوضوء ما لا بد منه وهو
قدر التهيؤ للصلاة، وقد اختلف الأحاديث في نقض الطهارة بأشياء نحن نذكرها.
الأول: إذا مس الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه، سواء مس الباطنين
أو الظاهرين. وكذا لو مست المرأة فرجها بباطن الكف وظاهره بشهوة، وغيرها
وهو اختيار الثلاثة وأتباعهم. وقال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: من مس باطن
ذكره بإصبعه أو باطن دبره بإصبعه، انتقض وضوءه. وقال ابن الجنيد في المختصر:
إن من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه، وقال أيضا من مس ظاهر الفرج

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 329.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.
113

من غيره بشهوة تطهر إذا كان محرما، ومن مس باطن الفرجين، فعليه الوضوء من
المحر والمحلل.
لنا ما رواه الجمهور عن قيس بن طلق عن أبيه قال: (قدمنا على رسول الله
صلى الله عليه وآله فجاء رجل كأنه بدوي، وقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله: ما ترى في مس الرجل ذكره
بعد ما يتوضأ؟ وقال هل هو إلا بضعة منه، أو مضغة منه) (1) فإن قيل: قد طعن في
هذا الحديث أبو حاتم، وقال قيس لا تقوم بروايته حجة، قلنا: الطعن لا يقبل إلا
مفسرا، فلا يلتفت إلى أبي حاتم مع شهرة قيس. وقد روى أصحابنا ما يشهد لهذا
الحديث (عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام فقال إنما هو من جسده) (2) والحجة من
طريقنا ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يعبث
بذكره في الصلاة المكتوبة؟ فقال: لا بأس) (3) وما روي عنه عليه السلام (لا ينقض
الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين) (4).
واحتج ابن بابويه (ره) برواية عمار بن موسى، عن الصادق عليه السلام قال: (سئل
عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره؟ قال: نقض وضوءه، وإن مس باطن إحليله
فعليه الوضوء، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء) (5) وقال الشافعي: مس الذكر ينقضه
لقوله عليه السلام (إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ) (6) ولا حجة في رواية عمار لضعفها،
فإن الرواة لها فطحية وهي منافية للأصل، ومخصصة لعموم الأحاديث الصحيحة.
وأما خبر الشافعي فقد طعن فيه أصحاب الحديث، حتى قال يحيى بن معين: لا يصح

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 134.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 8 ص 192.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 7 ص 192.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 10 ص 193.
6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 128.
114

الوضوء من مس الذكر.
الثاني: لا ينقض الوضوء مس فرج الغير، رجلا كان أو امرأة، محرما أو
غيره، بباطن الكف أو ظاهره، ولا القبلة بشهوة، وغير شهوة، لمرأة أو غلام،
وقال الشافعي: ينقض. لنا دلالة الأصل، وما رواه زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (ليس في القبلة، ولا المباشرة، ولا مس الفرج، وضوء) (1). وما رواه
الجمهور (أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتوضأ ويخرج إلى المسجد فيتلقاه بعض نسائه، فيصيب
من وجهها ولا يتوضأ) (2) ولما روى عروة عن عايشة (أن النبي صلى الله عليه وآله قبل امرأة من
نسائه فخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) (3).
الثالث: (المذي) و (الوذي) طاهران لا ينقضان الوضوء خلافا للجمهور.
لنا الأصل، وما روى إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام (أن عليا عليه السلام كان مذاء
فاستحيى أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله، لمكان فاطمة عليها السلام، فأمر المقداد أن يسأله، فقال:
ليس بشئ) (4) وما رواه زيد الشحام، وزرارة، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله
قال: (إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي، فلا تغسله، ولا تقطع له الصلاة
ولا تنقض له الوضوء، إنما ذلك بمنزلة النخامة) (5) ولا يعارضه ما رواه محمد بن
إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السلام (أن عليا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وآله
فقال: فيه الوضوء) (6). وكذا روى الجمهور، والوجه حمله على الاستحباب توفيقا
بين الحديثين.

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 3 ص 192.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 125 - 126.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 126.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 7 ص 197.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 2 ص 196.
6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 17 ص 199.
115

وقال الشيخ (ره) في التهذيب نحمله على ما إذا خرج كثيرا، أو كان عن
شهوة. وقد روى ذلك علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام، والوجه الاستحباب
لما رواه ابن أبي عمير عن واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس في
المذي من الشهوة، ولا من القبلة، ولا من مس الفرج ولا من المضاجعة وضوء) (1).
فأما ما رواه الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(الوذي منه الوضوء لأنه يخرج من دريرة البول، والذي ليس فيه وضوء، إنما هو
بمنزلة ما يخرج من الأنف) (2) فمحمول على ما إذا لم يكن استبراء من البول،
فإن الوذي لا ينفك من ممازجة أجزاء من البول، هذا تأويل الشيخ (ره) في التهذيب.
الرابع: (القئ) لا ينقض الوضوء. وقال أبو حنيفة ينقض إذا ملأ الفم،
لقوله عليه السلام (من قاء أو رعف في صلاته فليتوضأ وليبن على ما مضى من صلاته ما لم
يتكلم) (3) لنا أن التطهير مستفاد من الشرع، فيقف على التوقيف ولا توقيف، وما
رواه أبو أسامة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن القئ هل ينقض الوضوء؟ فقال لا) (4)
وخبر أبي حنيفة مطعون فيه، قد اطرحه أكثرهم، ولم يذكره صاحب السنن وقال
مالك والشافعي لا نص فيه، ولو كان صحيحا لما ذهب على مالك، ولأنه لو كان
ناقصا لما جاز البناء على الصلاة.
الخامس: (القهقهة) في الصلاة تبطلها، ولا توجب الوضوء، وقال ابن
الجنيد (ره): من قهقه في صلاة متعمدا، لنظر أو سماع ما أضحكه، قطع صلاته،
وأعاد وضوئه. وقال أبو حنيفة: في كل صلاة ذات ركوع وسجود توجب الوضوء،

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2 ص 191.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 14 ص 198.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 143.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 6 ح 3 ص 185.
116

لما روى أبو العالية قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي، فجاء أعمى فتردى في بئر،
فضحك قوم عن خلفه، فقال: من ضحك فليعد الوضوء والصلاة) (1) لنا دلالة الأصل،
فإن إيجاب الطهارة يقف على مورد الشرع، ورواية أبي العالية مرسلة، وقد قال
ابن سيرين: لا نأخذ بمراسيل الحسن، ولا أبي العالية، لأنهما لا يباليان ممن أخذا.
السادس: لا ينقض الطهارة ما يخرج من البدن، من ((دم) أو (قيح) أو
(صديد) أو (نخامة) أو (رطوبة) كيف خرج. وقال أبو حنيفة: ينقض القيح،
والدم، والصديد، إذا خرج من البدن فتجاوز إلى موضع يلحقه حكم التطهير، لما
رواه تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (الوضوء من كل دم سائل) لنا ما رووه (أن
النبي صلى الله عليه وآله احتجم وصلى، ولم يزد على غسل محاجمه) (2) وعمل الصحابة. فإن
ابن أبي أو في نزف دما ثم قام فصلى، وابن عمر عصر بثره فخرج دم فصلى، ولم
يتوضأ، وجابر أدخل أصابعه في أنفه وأخرجها بالدم، وهو في الصلاة. وكذا روي
عن ابن المسيب.
وروى أصحابنا، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا عليه السلام (عن القئ،
والرعاف، والمدة أينقض؟ فقال: لا ينقض شيئا) (3) وروى الوشاء، عن الرضا
عليه السلام كان يقول: (كان أبو عبد الله عليه السلام يقول في الرجل يدخل يده في أنفه، فتصيب
أصابعه الخمسة الدم، فقال ينقيه، ولا يعيد الوضوء) (4) وروى عبد الأعلى، عن
أبي عبد الله عليه السلام (عن الحجامة فيها وضوء؟ قال: لا، ولا يغسل مكانها، لأن الحجام
مؤتمن إذا كان ينظفه ولم يكن صبيا صغيرا) ويحمل خبر أبي حنيفة على غسل

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 146.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 141.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 6 ص 185.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 11 ص 189.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 7 ح 6 ص 188.
117

موضع الدم، فإن الغسل يسمى وضوءا كما قال عليه السلام: (الوضوء قبل الطعام ينفي
الفقر، وبعده ينفي اللمم) (1) ومثله رواية عبيدة بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن
رجل أصابه دم سائم في الصلاة، قال: يتوضأ ويعيد) (2).
السابع: (أكل ما مسته النار) لا يوجب الوضوء، وكذا لحم الإبل. وقال
أحمد بن حنبل: أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، لما روى البراء بن عازب (سئل
رسول الله صلى الله عليه وآله عن لحوم الإبل؟ فقال: توضأ منها، وعن لحوم الغنم؟ فقال لا
تتوضأ منها) (3) لنا ما روي عن جابر قال (كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله، ترك
الوضوء مما مسته النار)) (4) وما روي عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
(الوضوء مما يخرج، لا مما يدخل) (5).
وروى أصحابنا، عن بكير بن أعين قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الوضوء مما
غيرت النار؟ فقال: ليس عليك فيه وضوء، إنما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل) (6)
وخبر أحمد قد تركه فضلاؤهم، مثل مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأهل البيت
عليهم السلام. وهو دليل ضعفه مع تخصيصه كلما دل على حصر الأحداث.
الثامن: (الردة) لا ينقض الوضوء وقال أحمد: ينقض لقوله تعالى: (لئن
أشركت ليحبطن عملك) (7) ولقول ابن عباس: الحدث حدثان: حدث اللسان،

1) هناك روايات كثيرة في هذا المعنى لكنه مروية عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الصادق (ع)
الوسائل ج 16 ص 571.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 56 ح 1 ص 1078.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 159 (مع تفاوت).
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 156.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 116 (مع تفاوت).
6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 15 ح 3 ص 205.
7) الزمر: 65.
118

وحدث القلب. لنا أن إيجاب الوضوء موقوف على الدلالة الشرعية، ولا دلالة، وما
روي عن أبي عبد الله، وعلي بن موسى عليهما السلام: (لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من
طرفيك الأسفلين) (1) أما الآية فمعارضة بقوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه
فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) (2) فينزل المطلق على المقيد، وهو اشتراط
الموت على الردة، والحديث موقوف على ابن عباس، فلا حجة في قوله على أن
تسميته حدثا لا يوجب كونه ناقضا، فإن كل متجدد من الإنسان يحدث منه، وليس
كل متجدد ناقضا، لأن الشركة في الاسم لا توجب الشركة في الحكم على أحد
المسميين.
التاسع: ((الكلام الفحش) و (انتشار الشعر) لا ينقض الوضوء، لما رواه
الجمهور، عن النبي صلى عليه وآله (الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء) (3) وروى معاوية
ابن ميسرة قال: (سألت أبا عبد الله عن إنشاد الشعر هل ينقض الوضوء؟ قال: لا) (4).
العاشر: (حلق الشعر) و (قص الأظفار) لا ينقض الوضوء، ولا يوجب
مسح موضعه، لما رواه زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (الرجل يقلم أظفاره ويجز
شاربه، أو يأخذ من لحيته، أو رأسه، هل ينقض ذلك من وضوئه؟ فقال: يا زرارة
إن ذلك يزيده تطهيرا) (5) ولأن مقتضى الدليل بقاء الطهارة، وفي رواية ابن مسكان،
عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يأخذ من أظفاره أو شعره، أيعيد
الوضوء؟ فقال: لا، ولكن يمسح رأسه وأظفاره بالماء) (6) قال الشيخ (ره) في

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 2 ح 3 ص 177.
2) البقرة: 217.
3) لم يوجد.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 8 ح 1 ص 190.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الضوء باب 14 ح 2 ص 203.
6) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 1 ص 303
119

التهذيب: المسح محمول على الاستحباب، لرواية سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت: (آخذ من شاربي وأحلق رأسي، قال ليس عليك وضوء، قلت فأمسح
أظفاري قال ليس عليك مسح) (1).
الحادي عشر: لا تنقض الطهارة بظن (الحدث) لأنه متيقن الطهارة فلا يرتفع
إلا بيقين، ولما رواه معاوية بن عمار قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الشيطان ينفخ
في دبر الإنسان حتى يخيل إليه أنه قد خرجت منه ريح، فلا ينقض إلا من ريح
يسمعها، أو يجد ريحها) (2) وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا تنصرف
حتى تسمع صوتا أو تجد ريحها) (3) وعنه صلى الله عليه وآله (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا
فأشكل عليه، أخرج منه شئ أو لم يخرج، فلا يخرج من المسجد حتى يسمع
صوتا أو يجد ريحا) (4).
الثاني عشر: روى الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن
سماعة قال: (سألته عن ما ينقض الوضوء؟ فقال: الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه،
والقرقرة في البطن لا شئ تصبر عليه، والضحك في الصلاة والقئ) (5) قال الشيخ
في التهذيب: محمول على الضحك والقئ الذي لا يضبط معه نفسه. والوجه الطعن
في السند، فإن زرعة، وسماعة، واقفيان، فلا يعمل بروايتهما في تخصيص الأخبار
السليمة، ولأن المسؤول مجهول فلعله ممن لا يوثق بفتواه.
الثاني: في (آداب الخلوة) و (الاستطابة) وهي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار،

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 14 ح 3 ص 203.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 3 ص 175.
3) إن هذا الرواية لم يوجد بهذه العبارة ولكن البيهقي روى بمضمونها في السنن ج 1 ص 114.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة س 117.
5) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 4 ح 4 ص 175.
120

يقال: استطاب وأطاب وسميت بذلك، لأنها تطيب الجسد بإزالة الخبث. و (الاستنجاء)
استفعال من النجوة، وهو ما ارتفع من الأرض، وأصله للسباع لأنها تقصد النجوات
عند الحاجة، وقيل: من نجوت الشجرة، أي قطعتها، كأنه يقطع الأذى عنه. وقال
الأزهري: يحتمل أن يكون من استنجيت الوتر، إذا جلس ليستخرجه، قال الشاعر:
فتبازت وتبازجت لها - جلسة الجازر يستنجى الوتر (1)
قال المفيد (ره): يستحب لمن أراد الخلوة أن يطلب موضعا يستتر فيه عن
الناس، تأسيا بفعل النبي صلى الله عليه وآله.
مسألة: يجب (ستر العورة) وإن كان لا يخص بحال الخلوة، لما رواه
الجمهور، عن النبي صلى الله عليه وآله (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك) (2)
ورووا عنه عليه السلام (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة) (3)
ومن طريق الخاصة ما رواه حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا ينظر الرجل إلى
عورة أخيه) (4) وما رواه أبو بصير قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل يغتسل الرجل
بارزا؟ فقال إذا لم ير أحدا فلا بأس)) (5).
وأما رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن عورة المؤمن حرام؟ قال: نعم، قلت أعني سفله قال ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة
سره) (6) وما رواه حذيفة بن منصور، عنه عليه السلام قلت: يقول الناس: عورة المؤمن

1) وفي تاج العروس كذا:
فتبازت وتبازيت لها - جلسة الجازر يستنجى الوتر.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 199.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 217.
4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 1 ص 211.
5) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 11 ح 2 ص 371.
6) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 2 ص 367.
121

على المؤمن حرام، قال: ليس حيث تذهبون، إنما أعني أن يزل زلة أو يتكلم بشئ
يعاب عليه فيحفظ ليعير به يوما) (1) فليس بمعارض لما استدلنا به، لأنهما تضمنتا
تفسير هذا اللفظ، وخبره يتضمن النهي عن النظر إلى العورة وأحدهما غير الآخر.
إذا عرفت هذه فالعورة المشار إليها، هي: القبل والدبر لقول أبي عبد الله عليه السلام
(الفخذ ليس من العورة) (2) ولرواية أبي الحسن الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن
أبي الحسن عليه السلام قال: (العورة عورتان: القبل والدبر مستور بالإليتين، فإذا سترت
القضيب والبيضتين فقد سترت العورة) (3) ولأن القبل والدبر متفق على كونهما عورة
والخلاف فيما زاد عليهما، فيقتصر على موضع الإجماع، ولأن الأصل عدم وجوب
الستر، فيخرج منه موضع الدلالة.
مسألة: ويحرم (استقبال القبلة) و (استدبارها) ولو كان في الأبنية على الأشبه
قال الثلاثة وأتباعهم: يحرم استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غايط. وقال ابن الجنيد
(ره) في المختصر: يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال
القبلة، أو الشمس، أو القمر، أو الريح، بغايط أو بول. وقال داود من الجمهور: بالجواز
فيهما. وفرق أبو يوسف بين الاستقبال والاستدبار.
لنا ما رواه الجمهور، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وآله (إذا أتى أحدكم الغايط
فلا يستقبل القبلة ولا يوليها ظهره شرقوا أو غربوا) (4) وروى مسلم، عن أبي هريرة
عنه عليه السلام (إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل ولا يستدبرها) (5) ومن
طريق الخاصة: رواية عيسى بن عبد الله الهاشمي، عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام

1) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 8 ح 1 ص 366.
2) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 4 ص 365.
3) الوسائل ج 1 أبواب آداب الحمام باب 4 ح 2 ص 365.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 91 (مع تفاوت).
5) صحيح مسلم ج 1 كتاب الطهارة ح 365.
122

عن النبي صلى الله عليه وآله: قال (إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولكن
شرقوا أو غربوا) (1).
فإن احتج داود، بما رووه عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يستقبل
القبلة ببول أو غايط، ورأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها، وعن عراك، عن عايشة
قالت: (ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال: وقد
فعلوها استقبلوا بمقعدي القبلة)) (2).
والجواب: إن حديث جابر حكاية فعل، وقد عارض القول فالترجيح للقول
ويحتمل أن يظن جابر الاستقبال وإن لم يكن استقبالا حقيقيا، لأنه يخرج عنه بالانحراف
القليل. وحديث عراك مرسل، قال ابن حنبل: عراك لم يلق عايشة، إذا عرفت تحريم
الاستقبال والاستدبار في الجملة فاعلم أنه يحرم في الصحاري والأبنية. وقال سلار بن
عبد العزيز، من أصحابنا يكره في البنيان، وبه قال المفيد (ره)، وهو اختيار الشافعي
لما رووا أن (ابن عمر استقبل القبلة وبال: فقيل له في ذلك فقال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله
عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يشترك فلا بأس) (3).
ورووا عنه (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله على حاجته مستدبر الكعبة) (4) ومن
طريق الخاصة: ما رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: (دخلت على الرضا عليه السلام
وفي منزله كنيف مستقبل القبلة) (5).
لنا الأحاديث السابقة فإنها دالة على التحريم مطلقا، وأما استقبال ابن عمر ببوله
فلا حجة فيه، لاحتمال أن يكون صار إليه اجتهادا، وإخباره أنه رأى رسول الله صلى عليه وآله

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 1 ح 5 ص 213.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 93.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 92.
5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 2 ح 7 ص 213.
123

ليس بحجة، لأن القول أرجح من الفعل، وقد أوردنا تحريم النبي صلى الله عليه ولذلك نطقا.
وخبر ابن بزيع عن الرضا عليه السلام لا حجة فيه، لأن المحرم ليس بناء المخرج مستقبلا
ولا مستدبرا، بل الجلوس على الاستقبال أو الاستدبار ولم يذكره، وإنما قال: في
الأصل على الأشبه لأن في الاستقبال والاستدبار بالبول والغايط في الأبنية خلافا على
ما ذكرناه، والتحريم مأخوذ من إطلاق الألفاظ المانعة، لا لنص على عين المسألة
وكل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب نسميه بالأشبه، لأن مذهبنا
التمسك بالظاهر، فالأخذ بما يطابق ظاهر المنقول أشبه بأصولنا، فكل موضع نقول
فيه (على الأشبه) فالمراد به هذا المعنى.
[فروع]
قال في المبسوط: إذا كان الموضع مبنيا على الاستقبال والاستدبار وأمكنه
الانحراف وجب، وإن لم يمكنه جلس عليه وكأنه يريد مع عدم التمكن من غيره.
مسألة: ويجب غسل مخرج البول، ويتعين الماء لإزالته أما وجوب غسله فهو
مذهب علمائنا لما رواه ابن أذينة قال: (ذكر أبو مريم الأنصاري أن الحكم بن عتبة بال
ولم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: بئسما صنع، عليه أن
يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوئه) (1) وما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال
(لا صلاة إلا بطهور) (2) ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، وبذلك جرت السنة.
وأما تغيير الماء لإزالته فعليه اتفاق علمائنا، خلافا للجمهور، فإنهم أجازوا الاستجمار
ما لم يتعد المخرج.
لنا ما رواه زيد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((يجزي من الغايط المسح

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 4 ص 208.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 1 ص 256.
124

بالأحجار، ولا يجزي من البول إلا الماء) (1) وفي سند هذه الرواية (أبان بن
عثمان) وهو ضعيف غير أنها مقبولة بين الأصحاب، والنظر يؤيدها، لأن ذلك مقتضى
الدليل، ويؤيدها أيضا رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، ولأن الماء متعين لإزالة
النجاسة وإلحاق غيره به منفي بالأصل، وأخبار الأحجار محمولة على استنجاء موضع
الغايط، وعلى هذا يسقط ما فرق به الجمهور بين البكر والثيب، لأن الفرق متفرع
على جواز الاستجمار في مخرج البول.
فروع
الأول: يجوز أن يتوضأ قبل غسل مخرج البول، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم،
ولو صلى والحال هذه أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء. قال ابن بابويه (ره) في كتابه:
ومن صلى وذكر إنه لم يغسل ذكره فعليه أن يغسل ذكره ويعيد الوضوء والصلاة.
لنا ما رواه علي بن يقطين، عن موسى بن جعفر عليه السلام (عن الرجل يبول ولا يغسل
ذكره حتى يتوضأ، فقال: يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه) (2) ولأن وجود النجاسة
على البدن لا ينافي رفع الحدث، ومع عدم المنافاة يلزم جواز الوضوء مع وجودها.
فإن احتج ابن بابويه بما رواه سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (فإن كنت
أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل
ذكرك) (3) فالجواب: الطعن في السند فإن الراوي محمد بن عيسى بن عبيد، عن
يونس، عن زرعة، عن سماعة، وأحاديث محمد بن عيسى عن يونس يمنع العمل
بها ابن بابويه (ره) عن ابن الوليد، وزرعة وسماعة واقفيان فكان العمل بالسليم

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 2 ص 246.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 2 ص 208.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 5 ص 224.
125

أولى، فأما رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يتوضأ وينسى أن
يغسل ذكره وقد بال، فقال: يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة) (1) ففي طريقها (أحمد
ابن هلال) وهو ضعيف مع أن العمل على خلافها متقدم.
الثاني: إذا لم يجد الماء لغسل المخرج أو تعذر استعماله لمانع كالجرح
أجزاه مسحه بما يزيل عين النجاسة كالحجر والخرق والكرسف وشبهه، ولأن إزالة
عين النجاسة وأثرها واجب، فإن تعذر إزالتهما تعين إزالة العين.
الثالث: لا يجب غسل الإحليل من ما يخرج منه عدا البول والمني والدم،
سواء كان الخارج جامدا كالحصى والدود، أو مايعا كالمذي ورطوبة الفرج والحقنة
إذا خرجت خالصة، لأن الأصل الطهارة، والتنجيس موقوف على التوقف وهو
منتف هنا، لا يقال: الخارج لا ينفك من ملابسة النجاسة ولأن المجرى ينجس
بملاقات النجاسة فينجس ما يمر به، لأنا نمنع ذلك ونطالب بالدلالة عليه، فإن المجاري
عندنا لا ينجس، ويؤيد ذلك قولهم عليهم السلام في المذي (هو بمنزلة البصاق) (2).
الرابع: لو دب إلى فرج المرأة (مني) من ذكر أو أنثى ثم خرج لم يجب
به وضوء ولا غسل، وجرى مجرى نجاسة لاقت المخرج فإنه يجب غسله كما يجب
غسل النجاسة.
الخامس: الأغلف إذا كان مرتتقا كفاه غسل الظاهر من موضع الملاقاة،
وإن أمكن كشفها كشفها إذا بال، وغسل المخرج. وإن لم يكشفها عند الإراقة فهل
يجب كشفها لغسله؟ فيه تردد، الأشبه نعم، لأنه يجري مجرى الظاهر.
[مسألة: وأقل ما يجزي مثلا ما على الحشفة، وهو مذهب الشيخين، وقال
أبو الصلاح: وأقل ما يجزي ما أزال عين البول عن رأس فرجه ولم يقدره، لنا رواية

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 2 ص 223.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 1 و 4 و 9.
126

نشيط بن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من
البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل) (1) ويؤيد هذه ما روي عن الصادق
عليه السلام (أن البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين) (2) ولأن غسل النجاسة
بمثلها لا يحصل معه اليقين بغلبة المطهر على النجاسة، ولا كذا لو غسل بمثلها.
أما رواية نشيط أيضا عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجزي
من البول أن يغسل بمثله) (3) فمقطوعة السند، فالعمل بالأولى أولى، وقال الشيخ في
التهذيب: ويمكن أن تحمل الرواية على أن المراد يغسل بمثل البول لا بمثل ما على
الحشفة، وهو أكثر من مثل ما على الحشفة، والتأويل ضعيف، لأن البول ليس
بمغسول وإنما يغسل منه ما على الحشفة.
مسألة: وغسل مخرج الغايط بالماء، وحده الإنقاء، وإن لم يتعد المخرج
تخير بين الحجارة والماء ولا يجزي أقل من ثلاثة ولو نقى بما دونها، وهذه الجملة
تشتمل بحوثا:
الأول: (الاستنجاء) واجب عند علمائنا. وقال أبو حنيفة: لا يجب إذا لم
يتعد، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (من استجمر فليوتر من فعل فقد
أحسن ومن لا يفعل فلا حرج عليه) (4) وأقل الوتر واحد وقد أزال الحرج بتركه. لنا
ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله (إذا ذهب أحدكم إلى الغايط فليذهب معه بثلاثة
أحجار فإنها تجزي) (5) وقال عليه السلام: (لا يستنج أحدكم بدون ثلاثة أحجار) (6)

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 5.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 7.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 104.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.
6) سنن البيهقي ج كتاب الطهارة ص 102.
127

وفي رواية ابن المنذر (ولا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار) (1) وإطلاق الأمر يقتضي
الوجوب. وخبر أبي حنيفة يقتضي رفع الحرج عن من لم يوتر، ولا يلزم منه دفع
الحرج عن من لم يستنج
ولا يقال: ما رويتموه خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلا يعمل به، لأنا نقول:
يعضده عمل أكثر الصحابة وما دل على وجوب إزالة النجاسة عن البدن، ولأن مستند
الخصم في جواز تركه خبر واحد أيضا وفيه احتمال، فيكون العمل بخبرنا أولى.
وروى الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا صلاة إلا بطهور) (2)
ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، جرت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وروى
يونس بن يعقوب قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الوضوء الذي افترضه الله على
العباد إن جاء من الغايط أو بال قال: يغسل ذكره ويذهب الغايط ثم يتوضأ مرتين
مرتين) (3).
البحث الثاني: إذا تعدى المخرج لا يجزي إلا الماء، وهو مذهب أهل العلم.
روى الجمهور عن علي عليه السلام (كنتم تبعرون بعرا وأنتم اليوم تثلطون ثلطا فاتبعوا الماء
الأحجار) (4) وقوله عليه السلام: (يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة) (5)
ولأن الماء مطهر للنجاسات بالإجماع لإزالة العين والأثر فيقتصر عليه لزوال النجاسة
به على اليقين.
البحث الثالث: إذا لم يتعد المخرج تخير بين الحجارة والماء والجمع أفضل،

1) لم نعثر في هذا المورد على رواية من ابن منذر ولكن روى البيهقي في سننه
بهذا المضمون رواية من إبراهيم ج 1 ص 102.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 1 ح 1 ص 256.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 9 ح 5 ص 223.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 106.
5) روى البيهقي في سننه أحاديث متعددة بهذا المضمون.
128

وهو إجماع إلا ما حكي عن سعد بن أبي وقاص وابن الزبير فإنهما أنكرا الاستنجاء
بالماء.
لنا ما رواه الجمهور عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله يدخل الخلاء فأحمل
أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء) (1) ولأن الماء أبلغ في التطهير من الحجر
لإزالة العين والأثر، وروى الأصحاب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
(يا معشر الأنصار، قد أحسن الله عليكم الثناء فماذا تصنعون؟ قالوا: نستنجي بالماء) (2)
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير) (3).
البحث الرابع: لأحد لما يستنجي به من الغايط إلا الإنقاء، وقال سلار: حده
أن يصر الموضع. لنا ما رواه ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قلت له: (للاستنجاء
حد؟ قال: لا، حتى ينقي ماثمة، قلت: فإنه ينقي ماثمة وتبقى الريح، قال: الريح
لا ينظر إليها) (4) ولأن المراد إزالة النجاسة عينا وأثرا فيقف الاستعمال على تحصيل
الغرض، ولأن ما ذكره سلار يختلف بحسب اختلاف حرارة الماء وبرودته فيسقط
اعتباره.
البحث الخامس: لا يجزي أقل من ثلاثة أحجار، وإن نقي بدونها خلافا لداود
ومالك فإنهما اعتبرا الإنقاء لا العدد. لنا ما رووه من قوله عليه السلام (لا يستنجي أحدكم
بدون ثلاثة أحجار) (6) وفي رواية ابن المنذر (لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار)
وما رواه الأصحاب، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (جرت السنة في أثر الغايط

1) صحيح مسلم ج 1 باب الاستنجاء ح 227.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 1 ص 250.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 34 ح 2 ص 250.
4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 13 ح 1 ص 227.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 102.
6) روى البيهقي في سننه بهذا المضمون من إبراهيم ج 1 ص 102
129

بثلاثة أحجار، أن يمسح العجان ولا يغسله) (1) ولأن الحجر لا يزيل النجاسة بل لا بد
من ارتياك شئ منها في المحل، ومقتضى الدليل المنع من استصحابها في الصلاة،
لأن قليل النجاسة عندنا ككثيرها في المنع فيقف الجواز على موضع الشرعي.
[فروع]
الأول: إن لم ينق الموضع بالثلاث استعمل ما زاد حتى ينقى، وهو إجماع،
لكن يستحب أن لا يقطع إلا على وتر، لما روي عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله
(إذا استنجى أحدكم فليوتر وترا إذا لم يجد الماء) (2) والرواية من المشاهير.
الثاني: أثر النجاسة بعد استعمال الثلاث وزوال العين معفو عنه، وهو إجماع،
وهل يحكم بطهارة المحل؟ قال الشافعي وأبو حنيفة لا، لأنه مسح للنجاسة فلا يطهر
محلها لبقاء الأثر. لنا قوله صلى الله عليه وآله (لا تستنجوا بعظم ولا روث فإنهما لا يطهران) (3)
وهو يدل بمفهومه على حصول الطهارة بغيرها، ولأن أكثر الصحابة اقتصروا على
الاستجمار مع توقيهم من النجاسات، ولو لم يطهر المحل لما اقتصروا عليه.
الثالث: كيف حصل الإنقاء بالثلاثة جاز ولو استعمل كل حجر في جزء،
والأفضل مسح المحل كله بكل جزء، وبه قال الشيخ في المبسوط، لأن امتثال الأمر
بالاستنجاء بالثلاثة متحقق على التقديرين. لا يقال: إذا قسمت على المحل جرت
مجرى المسحة الواحدة لأن المسحة الواحدة لا يتحقق معها العدد المعتبر.
الرابع: لا يجب استنجاء مخرج الغايط إلا مع خروج نجاسة منه كالغايط
والدم، وما يخرج متلطخ بالنجاسة، ولو خرج دود أو حصاة أو حقنة طاهرة لم
130

يجب الاستنجاء، لأنه لا يجب إزالة ما ليس بنجس، وسنبين طهارة رطوبات البدن
عدا ما ذكرناه، نعم لو احتقن بنجاسة فخرجت وجب الاستنجاء منها.
الخامس: لا يجزي الحجر ذو الشعب وإن استعمل شعبه، وقال في المبسوط
يجزي عند بعض أصحابنا، والأحوط اعتبار العدد، لنا قوله عليه السلام (لا يستنجي أحدكم
بدون ثلاثة أحجار) (1) وقول أبي جعفر عليه السلام (جرت السنة في أثر الغايط بثلاثة
أحجار) (2) ويمكن أن يقال: المراد (بالأحجار) المسحات كما يقال: ضربته ثلاثة
أسواط، والمراد (ثلاثة ضربات) ولو بسوط واحد ولعل الفرق يدرك بإدخال الماء،
وإذا غسل الحجر المستعمل بالماء أو أصابته نجاسة مائعة فجففته الشمس، قال في
المبسوط: يجوز الاستجمار به، وهو حسن، وكذا لو كسر الحجر ثلاثا ثم استعمل
الطاهرين منه.
مسألة: ويجوز أن يستعمل (الخرق) بدل الأحجار، قال الشيخ (ره) في
المبسوط: الاستنجاء بالجلود الطاهرة وكل جسم طاهر للنجاسة فإنه جايز.
وقال في الخلاف: يجوز الاستنجاء بالأحجار وغير الأحجار إذا كان منقيا غير مطعوم
مثل الخشب والخزف والمدر وغير ذلك. واستدل بإجماع الفرقة ورواية حريز عن
زرارة قال: (يستنجى من البول ثلاث مرات ومن الغايط بالمدر والخرق) (3) وقال
علم الهدى في المصباح: يجوز الاستنجاء بالأحجار وما قام مقامها بالمدر والخرق.
وقال داود لا يجوز بغير الأحجار لأنها رخصة فوجب الاقتصار على موضع الترخيص.
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله (واستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث
حثيات من تراب) (4) وما رواه الأصحاب عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 103.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 3 ص 246.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 26 ح 6 ص 242.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 111.
131

عليه السلام قلت: (للاستنجاء حد؟ قال لا، حتى ينقي ماثمة) (1) وهو على إطلاقه. وروى
زرارة قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان الحسن عليه السلام يتمسح من الغايط بالكرسف
ولا يغتسل) (2).
[فروع]
الأول: لا يجزي (الزلج) كالحديد الصقيل والزجاج، لأنه لا يزيل العين.
الثاني: لا يجوز بالطعوم كالخبز والفاكهة لأن له حرمة تمنع من الاستهانة
به ولأن طعام الجن منهي عنه وطعام أهل الصلاح أولى بدلالة الفحوى.
الثالث: لا يجوز الاستنجاء بما له حرمة، كورق المصحف وكتب الفقه
وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله لأن فيه هتكا لحرمة الشرع.
الرابع: إذا استنجى بالخرقة الصفيقة التي لا تخرقها النجاسة فإن قلنا: الحجر
الواحد ذو الشعب يجزي جاز استعمالها من الجانب الآخر، وإن لم نقل، أو كانت
النجاسة تخرقها، لم يجز استعمالها، نعم لو كانت طويلة فاستعمل طرفها أمكن استعمال
الآخر بعد قطعه على قولنا، ولا معه على القول الآخر.
مسألة: ولا يستعمل (الروث) ولا (العظم) ولا (الحجر المستعمل) أما
العظم والروث فعليه اتفاق الأصحاب خلافا لأبي حنيفة مطلقا، وقال مالك: يجوز
بالطاهر دون النجس. لنا ما رووه من قوله عليه السلام (لا تستنجوا بالعظم ولا بالروث
فإنه زاد إخوانكم من الجن) (3) وروى دارقطني قال (نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يستنجى
بروث أو عظم) (4)

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 6 ص 252.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام باب 35 ح 3 ص 252.
3) التاج ج 1 كتاب الطهارة ص 95.
4) روى بمضمونه في مسند أحمد بن حنبل ح 5 ص 438.
132

وروى الأصحاب عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
استنجاء الرجل بالعظم والبعر والعود؟ قال: أما العظام والروث فطعام الجن،
وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لا يصلح شئ من ذلك) (1) وأما
الحجر المستعمل، فمرادنا بالمنع الاستنجاء بموضع النجاسة منه، وإلا لنجس المحل
بغير نجاسة المحققة، أما لو كسر واستعمل المحل الطاهر منه جاز، وكذا لو أزيلت
النجاسة بغسل أو غيره، وفي بعض أخبارنا عن أبي عبد الله (جرت السنة في الاستنجاء
بثلاثة أحجار أبكار ويتبع بالماء) (2) لكن الخبر مقطوع السند، ويحمل الاتباع
بالماء على الفضيلة.
[فرع]
كل ما قلنا لا يجوز استعماله أما لحرمة أو لنجاسة، لو استعمله هل يطهر المحل؟
الأشبه لا، لأن المنع من استصحابه شرعي فيقف زوال ذلك على الشرع، واستدل
الشيخ (ره) في المبسوط: بأنه استنجاء منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
مسألة: يستحب (تغطية الرأس) عند دخول الخلاء و (التسمية) وعليه اتفاق
الأصحاب، روى علي بن أسباط مرسلا، عن أبي عبد الله عليه السلام (كان إذا دخل الكنيف
يقنع رأسه ويقول سرا في نفسه: بسم الله وبالله) (3) لكن علي بن أسباط واقفي،
والحجة أنه يأمن مع تغطية رأسه من وصول الرائحة إلى دماغه، وذكر المفيد (ره)
في المقنعة: إنها من سنن النبي صلى الله عليه وآله، وروى معاوية بن عمار، قال: ((سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: إذا دخلت المخرج فقل: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبيث

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 35 ح 1 ص 252.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 3 ح 2 ص 214.
133

المخبث الرجس الشيطان الرجيم، وإذا خرجت فقل: بسم الله الحمد الله
الذي عافاني من الخبيث المخبث وأماط عني الأذى) (1).
وروي عن جعفر عليه السلام، عن النبي صل الله عليه وآله أنه قال: (إذا انكشف أحدكم ليبول
أو غير ذلك فليقل: بسم الله فإن الشيطان يغض بصره) (2) ولأن التسمية تعصيم من
الشيطان والكنيف من مواطنه، وتقديم الرجل اليسرى عند الدخول واليمنى عند
الخروج ليكون فرقا بين دخول المسجد والخروج منه، ولم أجد بهذا حجة غير أن
ما ذكره الشيخ وجماعة من الأصحاب حسن.
و (الاستبراء) وفي كيفيته أقوال، قال المفيد في المقنعة إذا أراد الاستبراء
مسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثم يضع
مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقها يمرها عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس
الحشفة مرتين أو ثلاثا ليخرج ما فيه من بقية البول. وقال الشيخ (ره) في المبسوط:
وإذا أراد ذلك مسح من عند المقعدة إلى تحت الأنثيين ثلاثا، ومسح القضيب ونتره
ثلاثا.
وقال علم الهدى (ره): يستحب عند البول نتر الذكر من أصله إلى طرفه
ثلاث مرات، وكلام الشيخ أبلغ في الاستظهار، وروى حريز، عن ابن مسلم قال:
(قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل بال ولم يكن معه ماء، قال: يعصر ذكره من أصله إلى
ذكره ثلاث عصرات ونتر ذكره. فإن خرج بعد ذلك فليس من البول ولكنه من
الحبائل) (3).

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 1 ص 216.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 4 ص 217.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.
134

فرع
إذا استبرأ ثم تحدر منه (بلل) لم يجب منه الوضوء وكان طاهرا، لقول
أبي عبد الله عليه السلام (فليس من البول ولكنه من الحبائل) (1) وهي عروق الطهر، ولأن
مع الاستظهار لا يبقى في المجرى بول، فيكون الأصل الطهارة، ولو لم يستبرأ وتطهر
ثم رأى بللا أعاد الوضوء، ولو كان صلى بتلك الطهارة لم يعد الصلاة لاستكمال
شروطها المعتبرة، ويعيد الوضوء لتجدد الحدث وعليه غسل الموضع.
مسألة: و (الدعاء) عند الدخول وعند النظر إلى الماء وعند الاستنجاء وعند
الفراغ. أما الدعاء عند الدخول، فلرواية أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: (إذا
دخلت الغائط فقل أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم) (2)
وأما عند النظر، فلما روي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن
الحنيفة: (يا محمد ائتيني بماء أتوضأ للصلاة، فأكفى بيده اليسرى على اليمنى، فقال:
بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، ثم استنجى وقال:
اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار، ثم تمضمض) (3).
وأما دعاء الفراغ، فروى معاوية بن عمار، قال: (إذا توضأت فقل: أشهد أن
لا إله إلا الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب
العالمين) (4) وروى عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام، عن علي عليه السلام
(أنه كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي رزقني لذته وأبقى في جسدي قوته

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 11 ح 2 ص 225.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 2 ص 216.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.
4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الوضوء باب 26 ح 1 ص 298.
135

وأخرج عني أذاه يا لها نعمة ثلاثا) (1).
مسألة: الجمع بين الأحجار والماء مستحب وإن تعدى الغايط والاقتصار على
الماء أفضل من الأحجار وإن لم يتعد، أما الأول فلأنه جمع بين مطهرين بتقدير
ألا يتعدى، وإكمال في الاستظهار بتقدير التعدي، ويؤيده من الحديث ما روي مرسلا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار، ويتبع
بالماء) (2) وأما الاقتصار على الماء مع عدم التعدي فلأنه أقوى المطهرين، لأنه
يزيل العين والأثر بخلاف الحجر، وقوله عليه السلام (إذا استنجى أحدكم فليوتر بها
وترا إذا لم يكن الماء) (3) ويفهم من فحوى الحديث اختصاص الماء بالأولوية، روى
الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أراد أن يستنجي يبدأ بالمقعدة ثم
بالإحليل) (4).
مسألة: ويكره الجلوس للحدث في الشوارع والمشارع ومواضع اللعن
وتحت الأشجار المثمرة، إلى آخر الباب. روى عاصم بن حميد، عن (أبي) عبد الله عليه السلام
(قال رجل لعلي بن الحسين عليهما السلام: أين يتوضأ الغرباء؟ قال يتقي شطوط الأنهار،
والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن) (5) وروي أن أبا حنيفة،
سأل أبا الحسن موسى عليه السلام (أين يضع الغريب ببلدكم؟ قال: اجتنب أفنية المساجد،
وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وفئ النزال، ولا تستقبل القبلة ببول ولا غايط،
وارفع ثوبك، وضع حيث شئت) (6).

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 5 ح 3 ص 216.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 30 ح 4 ص 246.
3) روى بمضمونها روايات متعددة في السنن للبيهقي ج 1 ص 103 و 104.
4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 14 ح 1 ص 227.
5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 1 ص 228.
6) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 15 ح 2 ص 228.
136

وروى السكوني، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول) (1) وعن الكاهلي، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يبولن أحدكم وفرجه باد للقمر يستقبل
به) (2) وروى ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أراد
البول يعمد إلى مكان مرتفع من الأرض أو إلى مكان يكون فيه التراب الكثير كراهية
أن ينضح عليه البول) (3)
وسئل الحسين بن علي عليهما السلام (ما حد الغايط؟ قال: لا
تستقبل القبلة ولا تستدبرها ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها) (4).
وروي في بعض الأخبار المرسلة عن أبي عبد الله عليه السلام، عن علي عليه السلام (أنه
نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة وقال إن للماء أهلا) (5) وقد
روى الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري
وكره أن يبول في الماء الراكد) (6) ولا تنافي بين الروايتين لأن الجواز لا ينافي
الكراهية، و (السواك) يكره على الخلاء، قبل: لأنه يورث البخر.
وروى علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن أبي القاسم، عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت له: (الرجل يريد الخلا وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى، فقال: ما أحب
ذلك، قلت فاسم محمد صلى الله عليه وآله، قال لا بأس) (7) وروى صفوان، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغايط، أو

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 25 ح 1 ص 241.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 25 ح ص 241.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 22 ح 1 ص 238.
4) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 2 ح 6 ص 213.
5) الوسائل ج 1 أبواب أحكام التخلي باب 24 ح 3 ص 240.
6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 5 ح 1 ص 107.
7) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 17 ح 6 ص 233.
137

يكلمه حتى يفرغ) (1) وفي رواية عمر بن يزيد قال: (سألت أبا عبد الله عن التسبيح
في المخرج وقرائة القرآن؟ قال: لم يرخص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي
أو يحمد الله أو آية) (2).
وأما جواز ذكر الله فلما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن موسى عليه السلام قال يا رب تمر بي حالات أستحي أن أذكرك فيها، فقال الله عز وجل:
يا موسى ذكري حسن على كل حال) (3) وأما حال الضرورة فلما في الامتناع من
الكلام من الضرر المنفي بقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (4)
وإنما كره في مواطن الهوام لما لا يأمن معه من خروج ما يؤذيه أو ترد عليه النجاسة
وكراهية الاستنجاء باليمين لما فيه من المزية على اليسار، وإنما كره الأكل والشرب
لما يتضمن من الاستقذار الدال على مهانة نفس متعمدة.
الثالث: في كيفية الوضوء
مسألة: (النية) شرط في صحة الطهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما،
وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم وابن الجنيد، ولم أعرف لقدمائنا فيه نصا على التعيين
وأنكره أبو حنيفة في الطهارة المائية محتجا بقوله: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم) (5) ولم يذكر النية، ولأن الماء مطهر مطلقا فإذا استعمل في موضعه
وقع موقعه، بخلاف التيمم فإن التراب إنما يصير مطهرا إذا قصد به أداء الصلاة.
لنا ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله (إنما الأعمال بالنيات) (6) وقد روى بذلك جماعة

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 6 ح 1 ص 218.
2) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 7 ص 220.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 7 ح 5 ص 220.
4) الحج: 78.
5) المائدة: 6.
6) الوسائل ج 4 أبواب النية باب 1 ح 2 ص 711.
138

من أصحابنا مرسلا، وما رواه الأصحاب، عن الرضا عليه السلام قال: (لا قول إلا بعمل
ولا عمل إلا بنية، ولا نية إلا بإصابة السنة) (1) ولا حجة لأبي حنيفة في الآية، لأنها
تقتضي القصد إلى الصلاة، إذ هذا هو المفهوم من قولك: إذا لقيت الأمر فالبس
أهبتك معناه للقائه، وكذا قوله (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (2) أي للصلاة،
وقوله عليه السلام: (الماء مطهر مطلقا) (3).
قلنا هو: موضع المنع، أما في (إزالة الخبث) فمسلم وأما في (رفع
الحدث) فممنوع، ومحلها القلب لأنها إرادة، ومحل الإرادة القلب، ويشترط
استحضار نية التقرب، لقوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين) (4)
ولا يتحقق الإخلاص إلا مع نية التقرب، ونية استباحة الصلاة أو رفع الحدث،
ومعناهما واحد وهو إزالة المانع أو استباحة فعل لا يصح إلا بالطهارة كالطواف
لقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (5) أي اغسلوا للصلاة، ولا فرق
بين أن ينوي استباحة الصلاة بعينها أو الصلاة مطلقا، وفي اشتراط نية الوجوب أو
الندب تردد، أشبهه عدم الاشتراط، إذا القصد الاستباحة والتقرب وإن تقع مقارنة
لغسل الوجه، لأنه بذاته الطهارة فلو تراخت وقع غير منوي، واستدامة حكمها
وهو أن ينتقل إلى نية تنافي الأولى، وإنما اقتصر على الحكم لأن استدامة النية
مما يعسر بل يتعذر في الأكثر فاقتصر على استدامة الحكم مراعاة لليسر.

1) البحار ج 1 ص 207 (طبع حديث).
2) المائدة: 6.
3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 17 و 19.
4) البينة: 5.
5) المائدة: 6.
139

(فروع)
الأول: لو جدد الطهارة فتبين أنه كان محدثا، قيل: لا تصح، لأنه لم ينو
الاستباحة فهو كما لو نوى التبرد والوجه الاجتزاء، لأنه قصد الصلاة بطهارة شرعية.
الثاني: لو نوى استباحة ما ليس من شرطه الطهارة بل من فضله، كقرائة
القرآن أو النوم، قال الشيخ في المبسوط: لم يرتفع به حدثه لأنه فعل ليس من
شرطه الطهارة، ولو قيل: يرتفع حدثه كان حسنا، لأنه قصد الفضيلة وهي لا تحصل
بدون الطهارة، وكذا البحث لو قصد الكون على طهارة ولا كذا لو قصد وضوءا
مطلقا.
الثالث: لو نوى الجنب استباحة الاستيطان في المسجد أو مس الكتابة
ارتفع حدثه، ولو نوى الاجتياز ففي ارتفاع حدثه التردد الأول.
الرابع: لو نوى قطع النية فيما فعله أولا صحيح، وما فعله مع قطعها فاسد
ولو جددها وأعاد ذلك القدر منضما إلى الأول صحت طهارته ما لم يطل الفصل
فيخل بالموالاة، فإن اتفق ذلك بطل ما طهره وأعاد، أما في غسل الجنابة فيصح
البناء مع تجديد النية وإكماله طال الفصل أو قصر لأن الموالاة لا تشترط فيه.
الخامس: لو شك في النية وهو في أثناء الطهارة استأنف لأنها عبادة مشروطة
بالنية ولم يتحقق.
السادس: ابتداء النية عند غسل اليدين للوضوء أمام غسل الوجه، ويتضيق
إذا ابتدأ بغسل الوجه للوضوء، لأن غسل اليدين للوضوء من أفعال الصلاة فجاز
إيقاع النية عنده.
السابع: إذا نوى بطهارته رفع الحدث والتبرد صح، لأنه فعل الواجب
زيادة غير منافية.
140

الثامن: لا يصح طهارة الكافر لتعذر نية القربة في حقه.
التاسع: إذا وضأ غيره لضرورة فالمعتبر نيته لا نية الموضي لأنه المخاطب
بالطهارة.
مسألة: يجب غسل (الوجه) وطوله من قصاص شعر الرأس في الأغلب
إلى الذقن، وعرضه ما اشتملت عليه الإبهام والوسطى، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام
وبه قال مالك، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: ما بين العذار والأذن من الوجه. لنا
رواية حريز عن أحدهما عليهما السلام قلت: (أخبرني عن الوجه الذي أمر الله بغسله إن زاد
لم يؤجر وإن نقص أثم؟ قال ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام من قصاص
شعر الرأس إلى الذقن، وما سوى ذلك ليس من الوجه، قلت الصدغ ليس من
الوجه؟ قال لا) (1) ولأن ما ذكرناه متفق على أنه من الوجه وما رواه العذار ليس
كذلك فيقتصر على المتفق لأنا نتيقن تناول الأمر له بالغسل. لا يقال: الوجه من
المواجهة لأنه يبطل بما أقبل من الأذنين.
[فروع]
الأول: (الأجلح) و (الأنزع) لا يعتبران بأنفسهما، بل يغسلان ما يغسله
مستوي الخلقة لأنه من الوجه وإن قصر عنه الشعر، وكذا الأعم وإن تدانى شعره.
الثاني: لا يجب غسل ما يخرج عما دارت عليه الإبهام والوسطى من العذار،
ولا يستحب غسل ما بينه وبين الأذن، ولا يجب، لأن الوظائف الشرعية موقوفة
على التشريع ومع فقده فلا توظيف.
الثالث: ما استرسل من اللحية طولا وعرضا لا يجب إفاضة الماء عليه لأنها
ليست من الوجه، وقال الشافعي في أحد قوليه: يجب غسلها، لما روي أن رسول

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 17 ح 1 ص 283.
141

الله صلى الله عليه وآله (رأى رجلا غطى لحيته، فقال: اكشف وجهك فإن اللحية من الوجه) (1)
وجوابه إن اللحية اسم لجملة العذارين وما على اللحيين والذقن، فلعل الإشارة إلى
الجملة لما كان بعضها من الوجه وهو الأكثر.
الرابع: الأذنان لا يغسل ما أقبل منهما، ولا يمسح ما أدبر. وقال الجمهور:
يمسح الأذنان، لقول النبي صلى الله عليه وآله (الأذنان من الرأس) (2) وقال الزهري يغسل ما
أقبل منهما ويمسح ما أدبر. لنا ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قلت (أن أناسا
يقولون: الأذنين من الوجه وظهرها من الرأس، قال: ليس عليها مسح ولا غسل) (3)
والخبر الذي أورده لا حجة فيه، لأنه لا يلزم من كونهما من الرأس وجوب مسحهما،
ولا استحبابه لأنا سنبين أن مسح الرأس يختص المقدم.
الخامس: لا يلزم تخليل شعر (اللحية) ولا (الشارب) ولا (العنفقة) ولا
(الأهداب) كثيفا كان الشعر أو خفيفا، بل لا يستحب، وأطلق الجمهور على الاستحباب،
وقال ابن عقيل: ومتى خرجت اللحية ولم تكثر فعلى المتوضأ غسل الوجه حتى
يستيقن وصول الماء إلى بشرته، لأنه لم تستر مواضعها. لنا ما رووه عن أبي المقدم
ابن معدي كرب (أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم
غسل ذراعيه) ولم يذكر التخليل فيكون التكليف به منفيا بالأصل، ولأن الوجه اسم
لما ظهر فلا تتبع المغاير، وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كلما أحاط به
الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، ولا أن يبحثوا عنه لكن يجري عليه الماء) (4)
وكذا لو نبت للمرأة لحية لم يجب إيصال الماء إلى ما تحتها كثيفة كانت أو خفيفة

1) لم يوجد.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 66.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 18 ح 2 ص 285.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 46 ح 3 ص 335
142

لما ذكرناه.
السادس: لو نكس غسل وجهه خالف النية، وفي إجزائه قولان: قال علم
الهدى (ره): يجزي لكن يكره. وقال الشيخ (ره): لا يجزيه. وهو الأشبه، لأن
النبي صلى الله عليه وآله لم ينكس وضوءه، وفعله بيان للمجمل فيكون واجبا، ولقوله عليه السلام وقد
أكمل وضوءه: (هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به) (1) أي بمثله.
مسألة: ويجب غسل اليدين مع المرفقين مبتدءا بهما، ولو نكس فقولان:
أما غسل اليدين فبإجماع المسلمين ولصفة وضوء رسول الله صلى عليه وآله ولقوله تعالى:
(وأيديكم إلى المرافق) (2) وأما دخول المرفقين فعليه إجماع، خلا زمر، ومن
لا عبرة بخلافه.
لنا ما رووه عن جابر قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله إذا توضأ أدار الماء إلى مرفقيه) (3)
ومن طريق الأصحاب ما رواه الهيثم بن عروة التميمي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قوله تعالى (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) فقال: ليس هكذا
تنزيلها إنما هو (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق) ثم أمر يده من مرفقه
إلى أصابعه) (4) ورواية بكير وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في حكاية وضوء رسول
الله صلى الله عليه وآله) (5) ولا حجة له في قوله إلى المرافق، لأنها قد تأتي بمعنى مع، فيجب
تنزيلها على ذلك توفيقا بين الآية والخبر المتضمن لوصف وضوء رسول الله صلى عليه وآله.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
2) المائدة: 6.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 56.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 19 ح 1 ص 285.
5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 11 ص 275.
143

فروع
الأول: لو نكس غسلهما فالبحث فيه كما في الوجه، ولا شبهة أنه لا يجزي،
لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستقبل فوجب متابعته، وقال علم الهدى رضي الله عنه في الانتصار
والمصباح: يكره، وله قول آخر بالمنع.
الثاني أقل الغسل ما يحصل به مسماه ولو (دهنا)، ولا يجزي ما يسمى مسحا،
لأنه لا يتحقق معه الامتثال.
الثالث: من قطعت يداه من المرفقين سقط عنه غسلهما ويستحب له مسح
موضع القطع بالماء، ولو قطعت إحداهما غسل الأخرى، ولو بقي المرفق وجب
غسله، ولو قطع من دونه غسل ما بقي، لأن غسل الجميع بتقدير وجوده واجب
فإذا زال البعض لم يسقط الآخر.
الرابع: من خلق له " يد " زايدة أو " إصبع " زايدة أو " لحمة " منبسطة دون
المرفق وجب غسل تلك الزيادة، لأنها من جملة الذراع، ولو كانت فوق المرفق
لم تجب، وكذا لو تدلت لحمة من غير موضع الفرض إلى موضع الفرض متصلة
به، غسلت كما تغسل الإصبع الزايدة.
الخامس " الوسخ " تحت الظفر المانع من وصول الماء تجب إزالته إذا لم
يكن فيه ضرر، لأنه حايل ويمكن إزالته من غير مشقة.
مسألة ويجب " مسح " مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا، وقيل: أقله
ثلاث أصابع، أما وجوب مسح الرأس فعليه إجماع المسلمين، ولقوله تعالى:
(وامسحوا برؤوسكم) (1) وأما اختصاص مقدم الرأس بالمسح فعليه إجماع
الأصحاب خلافا للجمهور. لنا ما رووه عن المغيرة بن شعبة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله

1) المائدة: 6.
144

مسح بناصيته " (1) وأن عثمان مسح مقدم رأسه مرة واحدة ولم يستأنف له ماءا جديدا،
حين حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومن طريق الأصحاب، ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" مسح الرأس على مقدمه " (2) وأما أنه يجزي ما يسمى مسحا فهو الذي ذكره الشيخ
(ره) في المبسوط قال: ولا يتحدد بحد، وقال في مسائل الخلاف: إن الأفضل
ما يكون مقدار ثلاث أصابع مضمومة، وفي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة " يجب
مقدار ثلاث " وبه قال علم الهدى (ره) في مسائل الخلاف، وابن بابويه رحمه
الله تعالى، وقال علم الهدى رضي الله عنه في المصباح: بالاستحباب، كما قلناه.
لنا قوله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) (3) والمراد البعض، ولا حد له شرعا،
يقتصر على ما يتناوله الاسم، ومن طريق الأصحاب ما رواه بكير وزرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال: " إذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبك
إلى أطراف الأصابع فقد أجزاك " (4).
مسألة: لو استقبل الشعر في مسح الرأس قال في المبسوط: يجزيه لأنه ماسح،
وقال في النهاية والخلاف: لا يجزي. لنا قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) (5)
والامتثال يحصل بكل واحد من الفعلين، ومن طريق الأصحاب ما رواه حماد بن
عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا " (6) وأما
وجه الكراهية فللتقصي من الخلاف.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 60.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 22 ح 1 و 2 ص 289.
3) المائدة: 6.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 4 ص 291.
5) المائدة: 6.
6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 20 ح 1 ص 286.
145

مسألة: ويجوز على البشرة وعلى شعر البشرة، ولا يجزي على حائل كالعمامة
والمقنعة، وهو اتفاق منا، بل يدخل الرجل يده تحت العمامة، والمرأة تحت المقنعة،
ويستحب لها وضعه، ويتأكد في المغرب والصبح. وقال أحمد: يجوز. لنا أنه أخل
بالمسح على موضع الفرض فلم يصح، ولأنه يساعد على المنع من المسح على
خرقة موضوعة على موضع الفرض، فمنع المسح على العمامة أولى، ومن طريق
الأصحاب ما رواه حماد، عن الحسين قال: " قلت لأبي عبد الله رجل توضأ وهو
متعمم وثقل عليه نزع العمامة، فقال ليدخل إصبعه " (1).
مسألة: يجب أن يمسح رأسه ببقية البلل، ويجوز أن يستأنف لمسح رأسه
ولا لمسح رجليه ماءا جديدا، وخير مالك بين المسح ببقية البلل والاستيناف،
وأوجب الباقون الاستيناف، أما أن الاستيناف غير واجب، فلما رووه عن عثمان
ابن عفان حين حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله " أنه مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة
ولم يستأنف له ماءا جديدا " (2) وفعله هنا بيان للمجمل فيكون واجبا.
ومثل ذلك روي من طريق الأصحاب رواه بكير وزرارة عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهما السلام حين وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما أن المسح ببقية البلل شرط في
صحة الطهارة، فهو اختيار الثلاثة وأتباعهم وفتوى الأصحاب اليوم، وذكر البزنطي في
جامعه عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " حكي لنا وضوء رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقال: ثم مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه " (3) ثم قال أحمد البزنطي
وحدثني المثنى، عن زرارة، وأبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام مثل حديث جميل
في الوضوء، إلا أنه في حديث المثنى ثم وضع يده في الإناء فمسح رأسه ورجليه،

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 24 ح 2 ص 293.
2) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة وسننها ص 51.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 4 ص 273.
146

وروى معمر بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السلام قلت: " أيجزي الرجل يمسح
قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه لا، فقلت: بماء جديد؟ قال برأسه: نعم " (1) وعن
أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت: أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟
قال: لا، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح " (2) قال في التهذيب: ذلك على التقية،
وقال ابن الجنيد (ره): وإذا كانت بيد المتطهر نداوة يستبقها من غسل يده مسح
بيمينه رأسه ورجله اليمنى، وبيده اليسرى رجله اليسرى، وإن لم يستبق ذلك أخذ
ماءا جديدا لرأسه ورجليه وكذا يستحب أن وضأ وجهه ويده مرتين مرتين.
وهذا تصريح منه بجواز الاستيناف، دليلنا على وجوب المسح ببقية البلل
أنه عليه السلام مسح ببقية البلل، وفعله صلى الله عليه وآله بنان للمجمل فيجب، وهو معارض بالأحاديث
المبيحة للاستيناف، لكن القول بوجوب المسح ببقية البلل هو أولى في الاستظهار
للعبادة، ويمكن أن يقال: الأمر بالمسح مطلق والأمر المطلق للفور والإتيان به ممكن
من غير استيناف ماء، فيجب الاقتصار عليه تحصيلا للامتثال، ولا يلزم مثله في غسل
اليدين، لأن الغسل يستلزم استيناف الماء.
فروع
الأول: من ذكر أنه لم يمسح مسح، فإن لم يبق في يده نداوة أخذ من
لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه، ولو لم تبق نداوة أعاد الوضوء.
الثاني: يمسح ببقية النداوة سواء كانت من الغسلة الأولى أو الثانية.
الثالث: لا يمسح على الجبهة ولا على ما يجتمع على مقدم رأسه من غير
شعر المقدم، لأنه حائل غير ضروري.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 5 ص 228.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 4 ص 288.
147

الرابع: من غسل موضع المسح لم يجزه، لأنهما فرضان متغايران في نظر
الشرع فلا يجزي أحدهما عن الآخر.
الخامس ليس من السنة مسح الأذنين ولا غسلهما، وخالف الجمهور في
ذلك. لنا قوله (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم " (1) وقد بينا حد
" الوجه " وما يجب من مسح الرأس وهما خارجتان عنه، وما رواه الجمهور في
صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله " فإنه لم يذكر الأذنين " (2). ومن طريق الخاصة فما
رواه زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام " أن أناسا يقولون: أن الأذنين من الوجه
فطهرهما من الرأس؟ قال: ليس عليهما غسل ولا مسح " (3).
السادس: لا يستحب " مسح " جميع الرأس لأنها كلفة لم يوظفها الشرع،
فيسقط اعتبارها.
مسألة: يجب " مسح " الرجلين إلى الكعبين، وهما: قبتا القدم. أما وجوب
المسح فعليه علماء أهل البيت أجمع، وقال به من الصحابة: عبد الله بن عباس،
وأنس. ومن الفقهاء: أبو العالية، وعكرمة، والشعبي. وحكي عن الحسن وابن
حريز وأبي علي الجبائي: التخيير بين المسح والغسل، وأوجب الباقون من الجمهور
غسلهما. لنا قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (4) لا يقال: " الجر " على
المجاورة، لأن الأعمال بالمجاورة لا يقاس عليه، ولأنها لا تكون واو العطف، ولا
في موضع الاشتباه.
ولا يقال: كما قرئ " بالجر " قرئ بالنصب وهو عطف على الأيدي، لأنا
نمنع ذلك لأن قراءة الجر توجب المسح، ولو كان بالعطف على الأيدي لزم

1) المائدة: 6.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة باب مسح الأذنين بماء جديد ص 65.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 18 ح 2 ص 285.
4) المائدة: 6.
148

التناقض في الحكم، ولا يرد علينا مثله، لأنا نجعل قراءة " النصب " عطفا على
موضع برؤوسكم فترجع القرائتان إلى معنى واحد، والعطف على الموضع معروف
في العربية كالعطف على اللفظ وليس كذلك المجاورة لأنها من الاعمالات الشاذة،
ويدل عليه أيضا ما رواه الجمهور، عن معلى بن عطا، وعن أبيه، وعن أوس بن
أبي أويس الثقفي " أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله أتى " كظامة " وهم: قوم بالطايف، فتوضأ
ومسح على قدميه ". (1)
لا يقال: كان هذا في بدو الإسلام، لأنا نقول: هذا تسليم للتشريع وادعاء
للنسخ ونحن نمنعه، وما رووه عن علي عليه إسلام " أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل
المسجد فخلع نعليه وصلى " (2) وما رووه عن ابن عباس أنه قال " ما أجد في كتاب
الله إلا غسلتين ومسحتين " (3) وعن أنس بن مالك أنه ذكر قول الحجاج: اغسلوا
القدمين ظاهرهما وباطنهما وخللوا ما بين الأصابع، فقال أنس: صدق الله وكذب
الحجاج وتلا هذه الآية (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (4) وحكوا عن الشعبي أنه قال: الوضوء مغسولان
وممسوحان ليسقطان في التيمم ورووا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه توضأ
فمسح رأسه وأذنيه مرة، ثم أخذ كفا من ماء فرش على قدميه وهو منتعل " (5).
ومن طريق الأصحاب ما رواه غالب بن هذيل قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن المسح على الرجلين؟ فقال: هو الذي نزل به جبرئيل عليه السلام " وروى زرارة

1) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 8 إلا رواه (مسح على نعليه).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 287 (مع تفاوت).
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 71.
4) المائدة: 6.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 72.
6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 25 ح 4 ص 295.
149

قلت لأبي جعفر عليه السلام: " ألا تخبرني من أين قلت إن المسح ببعض الرأس وبعض
الرجلين؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ونزل به الكتاب من الله سبحانه قال: فاغسلوا
وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله يجب أن يغسل ثم قال: وأيديكم إلى المرافق ثم فصل
بين الكلامين، فقال: " وامسحوا برؤوسكم " فعرفنا أن المسح ببعض الرأس لمكان
" الباء " ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: وأرجلكم إلى
الكعبين، فعرفنا حين وصلهما بالرأس أن المسح ببعضهما، ثم فسر ذلك رسول الله
صلى الله عليه وآله للناس فضيعوه " (1) وما روي من صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبي
جعفر،
وأبي عبد الله عليهما السلام " أنه غسل وجهه وذراعيه ثم مسح رأسه وقدميه " (2).
واحتج الجمهور برواية عبد الله بن زيد وعثمان، فإنهما حكيا وضوء رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقالا: فغسل رجليه (3) " وعن عبد الله بن عمران " أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى
قوما يتوضؤن وأعقابهم تلوح، فقال: ويل للأعقاب من البول " (4).
والجواب إن قول النبي صلى الله عليه وآله ويل للأعقاب من البول، لا يدل على وجوب
غسلهما في الوضوء، ويدل على وجوب غسلهما من البول، ورواية عبد الله بن زيد
وعثمان معارضتان بما رويناه نحن وما رووه عن أنس وعن عبد الله بن عباس، فيكون
ما ذكرناه أرجح، لمطابقته ظاهر القرآن، ولأن الغسل قد يكون للتنظيف لا للوضوء
فيشتبه على الراوي بخلاف المسح، ولا يجب استيعاب الرجلين بالمسح بل يكفي
المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين ولو بإصبع واحدة، وهو إجماع فقهاء أهل
البيت عليهم السلام.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 1 ص 291.
2) الوسائل ج أبواب الوضوء باب 15 ح 9 ص 275.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 57.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 154 (مع تفاوت).
150

لنا أن مسح الرأس على بعضه، والأرجل معطوفة عليها فوجب أن يكون
لها حكمه، ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة وبكير ابنا أعين، عن أبي جعفر عليه السلام
" وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع
فقد أجزاك " (1) وعندنا " الكعبان " هما العظمان النابتان في وسط القدم، وهما معقد
الشراك، وهذا مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام. وبه قال محمد بن الحسن الشيباني
من الجمهور، وخالف الباقون في ذلك.
لنا أن " الكعب " مأخوذ من كعب ثدي المرأة، أي ارتفع، فهو بالاشتقاق
أنسب من عظمي الساق، ولأن القول بتحتم المسح مع أن الكعب غير ما ذكرناه
منفي بالإجماع، أما عندنا فلثبوت الأمرين، وأما عند الخصم فلانتفائها، ومن طريق
الخاصة ما رواه زرارة وبكير " أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله
فوصف لهما، ثم قالا له: أصلحك الله فأين " الكعبان "؟ قال: هيهنا معنى " المفصل "
دون عظم الساق، فقالا: هذا ما هو؟ فقال: هذا عظم الساق ". (2)
واحتج الجمهور بقول أبي عبيدة: الكعب هو الذي في أصل القدم ينتهي
الساق إليه، بمنزلة كعاب القناء، وعن النعمان بن بشير: كان أحدنا يلصق كعبه بكعب
صاحبه في الصلاة.
وروي أن قريشا كانت ترمي كعبي رسول الله صلى الله عليه وآله من ورائه، والجواب إن
غاية ذلك أن ما ذكروه يسمى كعبا، ولا يلزم من ذلك أن لا يسمى الناتي في مشط
القدم كعبا، فإذا ما روي عن الباقر عليه السلام أولى، ويجوز المسح مقبلا ومدبرا لقوله
تعالى: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (3) والامتثال يحصل بكل واحد منهما،

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 23 ح 4 ص 292.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.
3) المائدة: 6.
151

ولقول أبي عبد الله عليه السلام " لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ". (1)
فروع
الأول: البحث في استيناف الماء لمسح الرجلين كالبحث فيه لمسح الرأس.
الثاني: قد بينا أنه لا يجب استيعاب القدم كله، ويكفي ولو مسح قدر أنملة
من رؤس الأصابع إلى الكعبين، وهل يجزي لو لم يبلغ الكعب؟ فيه تردد، أشبهه
لا، لقوله تعالى (الكعبين) (2) فلا بد من الإتيان بالغاية. وهل يجب إدخال الكعب
في المسح؟ الأشبه لا، لرواية زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلا م (3).
الثالث: من كانت قد ماه مقطوعة سقط عنه فرض المسح، ولو بقي شئ بين
يدي الكعب مسح عليه، فإن ذهب موضع المسح أصلا سقط فرضه.
الرابع: لو غسل موضع المسح اختيارا لم يجز، كما قلناه في الرأس، وإن
فعله لتقية أو خوف صح وضوءه، ولو أراد التنظيف غسلهما قبل الوضوء أو بعده،
ويجوز المسح على النعل وإن لم يدخل يده تحت الشراك لأنها لا تمنع مسح موضع
الفرض.
مسألة: لا يجوز المسح على " الخفين " ولا على ما يستر موضع الفرض
مع الاختيار، وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام خاصة، لنا قوله تعالى (فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (4)
والحائل غير الرجل، ولأنه لو كان الحائل على الوجه أو اليدين لم يصح الطهارة
إجماعا لعدم الامتثال، فكذا في القدم عملا بمقتضى الدليل.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 20 ح 1 ص 286.
2) المائدة: 6.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.
4) المائدة: 6.
152

ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سألته عن المسح على الخفين، فقال: (سبق) الكتاب الخفين " (1) وعن الحلبي
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسح على الخفين فقال لا تمسحه " (2).
احتجوا بما روي من طرق عدة " أن النبي صلى الله عليه وآله مسح على الخفين " (3).
والجواب: إنها معارضة بما روي عن أمير المؤمنين " أنه قال نسخ الكتاب المسح
على الخفين " (4) ومثله روي عن ابن عباس، وروي عن علي عليه السلام أيضا أنه قال:
" ما أبالي أمسحت على الخفين أو على ظهر عير بالفلاة " (5) ومثله روي عن أبي
هريرة وعايشة أنها قالت: " لأن تقع رجلاي بالمواسي أحب إلي من أن أمسح على
الخفين " ولو كان رسول الله صلى الله عليه وآله فعله لما حصل من هؤلاء النكير، ومع التعارض
يكون الترجيع لأخبارنا، لأنهم مطابقة لما دل عليه ظاهر الآية ومراعاة ما يسلم معه
العموم القرآني أولى.
وروى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " سمعته يقول جمع عمر بن
الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ما تقولون في المسح على
الخفين؟ فقام المغيرة فقال: رأيت رسول الله صلى الله يمسح على الخفين، فقال علي
عليه السلام: قبل المائد أو بعدها؟ فقال لا أدري، فقال علي عليه السلام سبق الكتاب الخفين
إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة ". (6)

1) نقل هذا الحديث من طرف آخر انظر الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38
ص 321.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 7 ص 323.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 282.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 20 ص 325.
5) لم يوجد.
6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 6 ص 323.
153

فروع
الأول: يجوز المسح على " الخفين " عند التقية والضرورة كالبرد وشبهه،
لأن في إيجاب نزعه على هذا الحال ضررا بالمكلف وحرجا، وهما منفيان، ولما
رواه أبو الورد قلت لأبي جعفر عليه السلام " أن أبا ظبيان حدثني أنه رأى عليا عليه السلام أراق
الماء ثم مسح على الخفين، فقال: كذب أبو ظبيان، أما بلغك قول علي عليه السلام فيكم
سبق الكتاب الخفين؟ فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال لا، إلا من عدو تتقيه أو ثلج
تخاف على رجليك ". (1)
الثاني: يسقط على هذا التقدير ما يشترطونه في جواز المسح، لأن الجواز
عندنا يتبع الضرورة فلا اعتبار بما سواها، ولا فرق بين أن يكون لبسهما على طهارة
أو حدث، ولا يقدر ذلك بما قدره المخالف بل ما دامت الضرورة، وسواء كان
الملبوس جوربين منعلين أو غير منعلين، وسواء كان الخف بشرج أو غير شرج أو
كان جرموقا فوق الخف، فإنا نراعي في ذلك كله إمكان المسح على البشرة فإن
أمكن وجب، وإلا جاز المسح على ذلك كله، فلو مسح وزالت الضرورة أو نزع
الخف استأنف، لأنها طهارة مشروطة بالضرورة فتزول مع زوالها، ولا تتم طهارته
بالمسح مع نزعه، لأن الموالاة لا تحصل.
الثالث: كما جاز المسح على الخفين للضرورة فكذا يجوز على العمامة
للضرورة إن فرضت.
مسألة: (الترتيب) واجب في الوضوء وشرط في صحته، يبدأ بغسل الوجه
ثم باليد اليمنى ثم باليسرى ثم يمسح الرأس ثم يمسح الرجلين. وهو مذهب علمائنا
أجمع. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجب لأن العطف بالواو لا يوجب الترتيب،

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 38 ح 5 ص 322.
154

والامتثال يتحقق مع عدمه، ورووا عن ابن مسعود أنه قال: ما أبالي بأي أعضائي
بدأت.
لنا ما نقل من كيفية وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: " هذا وضوء لا يقبل الله
الصلاة إلا به " (1) ولأنه عليه السلام قال: " ابدؤا بما بدأ الله به " (2) ومن طريق الأصحاب
ما روى زرارة قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: تابع كما قال الله تعالى ابدأ بالوجه ثم
باليدين ثم امسح الرأس والرجلين ولا تقدمن شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت
به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه ثم أعد على الذراع وإن مسحت
الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجل ". (3)
وأما وجوب تقديم اليد اليمنى على اليسرى فيدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وآله،
وقوله: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " (4) ومن طريق الأصحاب ما رواه
منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يتوضأ فيبدأ بالشمال
قبل اليمين فقال: يغسل اليمين ويعيد الشمال " (5) والجواب عما استدل به
أبو حنيفة أن نسلم أن الواو لا تقتضي الترتيب لكن كما لا يقتضي الترتيب لا
يقتضي عدمه، بل لا دلالة فيها على أحدهما وقد وجدت دلالة الترتيب، فلا تكون
الآية منافية، وما ذكروه عن علي عليه السلام وابن مسعود، فإنه معارض بما رووه عن
علي عليه السلام " أنه سئل فقيل: أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شئ؟ فقال: لا، حتى
يكون كما أمر الله تعالى " (6) ولا " ترتيب " بين الرجلين بل يجوز أن يمسحهما دفعة

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 85.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 34 ح 1 ص 315.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 2 ص 317.
6) لم يوجد.
155

وأن يمسح اليسار قبل اليمين وبالعكس، والأفضل البدأة باليمين لقوله عليه السلام " إن
الله يحب التيامن " وإنما قلنا بالجواز، لقوله تعالى: و (أرجلكم) (1) فجمع بينهما
ولا يلزم مثل ذلك في الذراعين لوجود الدلالة على الترتيب عليهما.
فرع
لو بدأ بآخر الأعضاء إلى الوجه صح غسل الوجه، ولو نكس ثانيا والنداوة
باق على وجهه حصل له مع الوجه اليد اليمنى، ولو نكس ثالثا حصل له مع ذلك
اليسرى، وهكذا إلى آخره ما دامت النية باقية و " الموالاة " حاصلة، ولو غسل أعضاءه
دفعة حصل له الوجه حسب، ولو كان في ماء جار وتعاقبت عليه جريات ثلاث حصل
له غسل الوجه واليدين، أما لو نوى الطهارة ونزل إلى ماء واقف دفعة حصل له
غسل الوجه، ولو أخرج أعضاءه مرتبا صح الوجه واليدان، وافتقر إلى مسح الرأس
ثم مسح الرجلين ولو لم يرتب في الإخراج حصل له غسل الوجه نزولا واليمنى
من اليدين خروجا.
مسألة: " الموالاة " شرط في صحة الوضوء وهو مذهب علمائنا. وقال
أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه: ليست شرطا.
لنا ما رواه " أن النبي صلى الله عليه وآله رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم
لم يصبه الماء، فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يعيد الوضوء والصلاة " (2) ولولا اشتراط الموالاة
لإجزائه غسل اللمعة، ولأن النبي صلى الله عليه وآله تابع وضوءه في ضمن الأمر المجمل فيكون
تفسيرا، فيجب كوجوب المفسر. ومن طريق الأصحاب ما رواه معاوية بن عمار قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: " ربما توضأت ونفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء

1) البقرة: 222.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 83.
156

فيجف وضوئي، فقال: أعد ". (1)
واحتج من لم يشترط التتابع: بأن الأمر بغسل الأعضاء مطلق، والمطلق لا
إشعار له بالموالاة، وجوابه: كما لا إشعار له بالموالاة فلا إشعار له بإسقاطها،
لكن علم وجوب الموالاة بما ذكرناه من الدلالة السليمة عن المعارض، والموالاة
هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض بمقدار ما يجف ما تقدمه، وهو اختيار
الشيخ وعلم الهدى في شرح الرسالة.
وقال الشيخ في مسائل الخلاف: هي أن تتابع بين غسل الأعضاء ولا يفرق
إلا لعذر. كذا قال علم الهدى في المصباح. وقال الشيخ في المبسوط: الموالاة
واجبة وهي أن تتابع بين الأعضاء فإن خالف لم يجزه، والوجه وجوب المتابعة مع
الاختيار لأن الأوامر المطلقة يقتضي الفور.
ولما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام " اتبع وضوئك بعضه بعضا " (2) لكن
لو أخل بالمتابعة اختيارا لم يبطل الوضوء إلا مع جفاف الأعضاء، لأنه يتحقق
الامتثال مع الإخلال بالمتابعة في غسل المغسول ومسح الممسوح، فلا يكون قادحا
في الصحة، وإن فرق لعذر فالصواب أنه لا يجب إعادة الوضوء إلا أن يجف جميع
ما تقدم من ماء الأعضاء في الهواء المعتدل، لا العضو السابق على العضو المفرق،
خلافا لما فسره علم الهدى في المصباح.
ويدل على ذلك الاتفاق على أن الناسي للمسح يأخذ من شعر لحيته وأجفانه
وإن لم يبق في يده نداوة، ويؤيده رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وإذا
عرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد، فإن الوضوء لا يتبعض " وروى (3)

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 3 ص 314.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 1 ص 314.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 33 ح 2 ص 314.
157

زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل ينسى مسح رأسه حتى يدخل في الصلاة
قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه ورجليه فليفعل " (1).
فرع
لو جف ماء الوضوء من الحر المفرط أو الهواء المحرق جاز البناء، واستيناف
الماء الجديد والمسح دفعا للحرج.
مسألة: و " الفرض " في الغسل مرة، والثانية سنة، والثالثة بدعة. وهو
اختيار الشيخ في المبسوط والنهاية. وقال ابن بابويه فكتابه: من توضأ اثنتين لم
يؤجر، ومن توضأ ثلاثة فقد أبدع. وقال المفيد في المقنعة: الثالثة كلفة، ولم يصرح
بالبدعة. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: الثالثة سنة، ولم يستحب مالك ما زاد
على الفرض.
لنا ما رواه البخاري، عن ابن عباس قال: " توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله مرة مرة " (2)
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الكريم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء
فقال: ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة مرة " (3) وروى يونس بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام وسألته عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة " (4) ولأن معها يحصل
امتثال الأمر بالغسل فيكون مجزية وأما استحباب الثانية، فلما رواه الترمذي، عن
أبي هريرة: " من أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ مرتين مرتين ". (5)

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 4 ص 317.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
3) الوسائل ج أبواب الوضوء باب 31 ح 7 ص 307.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 6 ص 307.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 79.
158

ومن طريق الأصحاب، ما رواه معاوية بن وهب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى " (1) ومثله روى صفوان، عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يجوز
أن يراد بذلك الوجوب لما سبق من جواز الاقتصار على المرة، فتعين الاستحباب.
ويؤيده رواية زرارة وبكير " أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام عن وضوء رسول الله
صلى الله عليه وآله، قلت: الغرفة الواحدة تجزي الوجه؟ قال: نعم إذا بالغت فيها والاثنتان تأتيان
على ذلك كله " (2) ولأن الغسلة الواحدة ربما تطرق إليها الخلل، فتكون الثانية استظهارا.
وأما كون الثالثة بدعة، فلأنها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، ولأنه يكون
إدخالا في الدين ما ليس منه، فيكون مردودا، لقوله عليه السلام: " من أدخل في ديننا
ما ليس فيه فهو رد " (3) ولا نعي " بالبدعة " إلا ذلك.
واستدل الجمهور بما روي عن ابن عمر أنه قال: " توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله،
وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين وقال: هذا وضوء من
ضاعف الله له الأجر، ثم توضأ ثالثة وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " (4).
وجوابه: إن الخبر مدني وقد اطرحه مالك ولم يصححه، وهو أمارة الضعف،
ثم هو معارض بما روي ابن عباس، عنه عليه السلام " أنه توضأ مرة " (5) وبما روى أبو
هريرة " أنه توضأ مرتين مرتين " (6) ولو كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو وضوء
الأنبياء قبله، لما أخل به، وأيضا مع تسليمه لا يدل على استحباب الثلاث في حق
غيره، لاحتمال اختصاصه بالثلاث دون غيره، كغيره من الخصائص، ولا كذا في

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 28 ص 310.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.
3) لم يوجد.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 80.
6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 79.
159

الثانية، فإن أخبر أنه وضوء من ضاعف الله له الأجر وهو على عمومه.
فروع
الأول: من زاد على الواحدة معتقدا وجوبها لم يؤجر ولا يبطل وضوءه،
لأن استحقاق الثواب بالعبادة مشروط بإيقاعها على الوجه المشروع ولم يحصل،
نعم لا يخرج ماؤها عن كونه ماء الوضوء، ويجوز المسح به.
الثاني: هل تبطل الطهارة لو غسل يديه ثلاثا؟ قيل: نعم، لأنه مسح لا بماء
الوضوء والوجه الجواز، لأنه لا ينفك عن ماء الوضوء الأصلي.
الثالث: لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ومسح برأسه وبرجله، جاز، لأن
يديه لا تنفك من ماء الوضوء ولم يضره ما كان على القدمين من الماء.
مسألة: ولا تكرار في المسح، وهو مذهب الأصحاب. وقال الشافعي:
يستحب ثلاثا. لنا قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) (1) والامتثال يحصل بالمرة
الواحدة، فالزيادة تكلف لم يثبت لها مستند، ولما رووه من حكاية وضوء رسول
الله صلى الله عليه وآله برواية عبد الله بن زيد، وعلي عليه السلام وابن عمر " أنه مسح رأسه مرة " (2)
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة وبكير عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام من حكاية
وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله.
واحتج الشافعي بما روي عن عثمان " أنه مسح برأسه ثلاثا، ثم قال: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل مثل هذا " (3) وجوابه أن كثيرا من أصحاب الحديث روى عن
عثمان " أنه غسل وجهه ثلاثا ومسح رأسه " (4) ولم يذكروا التكرار، روى ذلك
البخاري ومسلم.

1) البقرة: 222.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 62.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 63.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 62.
160

مسألة: ويحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا، ولو لم يمنعه حركة
استحبابا، وهو مذهب فقهائنا، لأن الغسل تعلق بموضع الفرض فوجب إيصاله إليه
فإذا لم يمكن إلا بالتحريك والإزالة وجب، وأما استحباب التحريك مع وصول
الماء إلى محل الفرض فطلبا للاستظهار في الطهارة، وروى علي بن جعفر، عن أخيه
موسى بن جعفر عليهما السلام " عن المرأة عليها السوار والدملج، قال: تحركه حتى يدخل
الماء تحته أو تنزعه، وعن الخاتم الضيق، قال: إن علم أن الماء لا يدخله فليحركه
إذا توضأ ". (1)
مسألة: و " الجبائر " تنزع إن أمكن وإلا مسح عليها ولو في موضع الغسل،
وهو مذهب الأصحاب، ولو لم توضع على ظهر، يدل على ذلك رواية الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام " سأل عن الرجل تكون له القرحة فيعصبها بالخرقة، أيمسح
عليها إذا توضأ؟ فقال: إن كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة، وإن كان لا يؤذيه
فلينزع الخرقة ثم ليغسلها، وسألته عن الجرح كيف يصنع به في غسله؟ قال اغسل
ما حوله " (2).
ومثله روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في الجروح، وروى كليب
الأسدي، عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟
قال: إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل " (3) ولأن إيجاب نزع
الجبائر وإصابة الموضع بالماء حرج على تقدير الضرر فيكون منفيا.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 41 ح 1 ص 329.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 2 ص 326.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 8 ص 327.
161

فروع
الأول: إن أمكنه وضع موضع الجبائر في الماء حتى يصل إلى البشرة من
غير ضرر وجب، ولا يمسح على الجبائر، لأن غسل موضع الفرض ممكن فلا
يقتصر على مسح الحائل.
الثاني: إذا كانت الجبائر على بعض الأعضاء غسل ما يمكن غسله ما يمكن غسله ومسح ما
لا يمكن، ولو كان على الجميع جبائر، أو دواء يتضرر بإزالته جاز المسح على
الجميع، ولو تضرر تيمم، ولو حلق رأسه وطلاه بالحناء، ففي رواية محمد بن مسلم
يجوز المسح على الحناء مطلقا، والوجه مراعاة الضرر في المسح على البشرة.
الثالث: لو تطهر ومسح ثم زال الحائل ففي إعادة الوضوء تردد، أشبهه
الإعادة.
الرابع: المضطر إلى مسح الجبائر لا يعيد ما صلاه بطهارته، لأنها صلاة
مأمور بها فتكون مجزية.
مسألة: ولا يجوز أن يولي وضوئه غيره اعتبارا، هذا مذهب الأصحاب،
ولا يجزي لو فعل، ومع الضرورة يجزي. لنا قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم
وأيديكم إلى المرافق) (1) وهو خطاب لمريدي الصلاة، والأمر للوجوب، فلا
يسقط بفعل الغير، ومع الضرورة يجوز، لأنه توصل إلى الطهارة بالقدر الممكن،
وعليه اتفاق الفقهاء. فروع
يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد، خلافا لأهل الظاهر، ولو

1) المائدة: 6.
162

جدد الوضوء لكل صلاة كان أفضل، لما روي عن أنس " قيل له: كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزي أحدنا الوضوء ما لم يحدث " (1) وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله " من
توضأ على طهر فله عشر حسنات " (2).
مسألة: ومن رام به " السلس " يصلي كذلك، وقيل: يتوضأ لكل صلاة،
وهو حسن. قال الشيخ (ره) في المبسوط: ومن به سلس البول يجوز أن يصلي
بوضوء واحد صلوات كثيرة، لأنه لا دليل على وجوب تجديد الوضوء. وحمله على
المستحاضة قياس لا نقول به، ويجب أن يجعله في كيس ويحتاط في ذلك، وقال
في مسائل الخلاف: المستحاضة ومن به سلس البول يجب عليه تجديد الوضوء
عند كل صلاة فريضة، ولا يجوز أن يجمعا بوضوء واحد بين صلوات فرض، والوجه
ما ذكره في مسائل الخلاف، لأن البول حدث فيعفى منه عن ما وقع الاتفاق عليه،
وهو الصلاة الواحدة.
أما وجوب الاستظهار بالشداد فلما رواه حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذ ا
كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا وعلقه
عليه، وأدخل ذكره فيه، ثم يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، يؤخر الظهر ويعجل
العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان وإقامتين، ويفعل مثل
ذلك في الصبح " (3) وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام " سئل عن تقطير البول،
قال يجعل خريطة إذا صلى " (4).
مسألة: وكذا " المبطون " ولو فجئه الحدث في الصلاة توضأ وبنى. " المبطون "
هو الذي به البطن وهو " الذرب " وهو يفعل كمن به السلس من تجديد الوضوء

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 162.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 162.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 5 ص 210.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 5 ص 211.
163

لكل صلاة، لأن الغائط حدث فلا يستبيح معه إلا الصلاة الواحدة، لمكان الضرورة،
أما لو تلبس بالصلاة متطهرا ثم فجئه الحدث مستمرا تطهر وبنى، لأن التخلص
متعذر، ولو استأنف الصلاة مع وجوده لم تظهر فائدة فالاستمرار أولى، ويؤيد
ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال " صاحب البطن الغالب يتوضأ
ثم يرجع في صلاته فيتمم ما بقي " (1).
مسألة: وسنن الطهارة عشر، وضع " الإناء " على اليمين و " الاغتراف "
باليمين، وهو مذهب الأصحاب، أما وضع الإناء على اليمين، فالمراد به الإناء
الذي يغترف منه باليد لا الذي يصب منه، لأنه أمكن في الاستعمال، وهو نوع من
تدبير، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله " إن الله يحب التيامن في كل شئ " (2) والاغتراف
باليمين كذلك.
ويدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام أنهما
سألاه عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله " فاستدعا بتور فيه ماء فغسل كفيه ثم غمس كفه
اليمنى فغسل وجهه بها " (3).
والتسمية أمام الوضوء مستحبة، وهو مذهب العلماء، وأوجبه أهل الظاهر،
لقوله عليه السلام " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " (4) لنا قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) (5) و " الفاء " للتعقيب فاقتضى نفي الواسطة بين
إرادة الصلاة وغسل الوجه وقوله عليه السلام " إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله وإذا

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 4 ص 210.
2) لم يوجد.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 15 ح 3 ص 272.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 43.
5) المائدة: 6.
164

لم تسم لم يطهر إلا ما أصابه الماء " (1) ولو كان شرطا لكان الإخلال به مبطلا، فلم يتحقق طهارة شئ من الأعضاء بها، ولأن الأصل عدم الوجب، وما ذكروه من
الحديث مطعون فيه، قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذه حديثا له إسناد جيد، ثم
نقول: لو صح، لحمل على الاستحباب.
ولو احتج محتج بما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إن رجلا توضأ وصلى فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أعد صلاتك
ووضوئك، ثم توضأ وصلى فقال له: أعد وضوئك وصلاتك ثم هكذا ثلاثا، فشكى
ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: هل سميت حين توضأت؟ فقال لا، قال: فسم
على وضوئك فسمى وصلى. ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله فلم يأمره أن يعيد " (2).
كان الجواب الطعن في السند لمكان الإرسال، ولو قال: مراسيل ابن أبي
عمير يعمل بها الأصحاب، منعنا ذلك، لأن في رجاله من طعن الأصحاب فيه، وإذا
أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم، ولأنه مخصص للأخبار المتضمنة لكيفية
وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، ولأن النبي صلى الله عليه وآله قد يهتم بالمندوب لما فيه من الفضيلة،
فيكون الإعادة على الاستحباب، ولأنه يحتمل أن يراد بالتسمية نية الاستباحة، فإن
المسمى غير مذكور في الخبر، وكيفية التسمية ما رواه زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا وضعت يدك في الماء فقل: بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني
من المتطهرين، فإذا فرغت فقل الحمد لله رب العالمين " (3) فنقول: هذا قدر، إن
اعتمده كان حسنا، وإن اقتصر على ذكر اسم " الله " تعالى أتى بالمستحب.
مسألة: وغسل اليدين من " النوم " و " البول " مرة ومن " الغايط " مرتين
قبل الاغتراف وهو مذ هب فقهائنا وأكثر أهل العلم. وقال أحمد: يجب غسلهما من

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 6 ص 298.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 6 ص 298.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 26 ح 2 ص 298.
165

نوم الليل ثلاثا دون نوم النهار.
لنا الأصل عدم الوجوب، وقوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) (1) وهو يدل على الاكتفاء بما تضمنته الآية،
وروى محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الرجل يبول ولم تمس
يده شيئا، أيغمسها في الماء؟ قال: نعم وإن كان جنبا " (2).
وأما الاستحباب فلما رواه عبد الله الحلبي قال: " سألته عن الوضوء كم يفرغ
الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال واحدة من حدث البول، واثنتين
من الغايط، وثلاث مرات من الجنابة " (3) وفي رواية حريز، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " يغسل الرجل يده من النوم مرة، ومن الغايط والبول مرتين، ومن الجنابة
ثلاثة مرات " واختلاف الأحاديث في المستحبات لا يقدح في استحبابها، ويدل
على استحباب ذلك لا على الوجوب ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام
قال: " سألته عن الرجل يبول ولم تمس [ولا تمس] يده اليمنى شيئا أيغمسها في
الماء؟ قال نعم " (5).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الجنب يجعل الركوة والتور
فيدخل إصبعه فيه؟ قال: إن كان يده قذرة فليهرقه، وإن لم يكن أصابها قذر فليغتسل
منه " (6) واحتج أحمد بقوله عليه السلام: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل

1) المائدة: 6.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 45 ح 3 ص 529.
3) الوسائل ج 1 أبواب الضوء باب 27 ح 2 ص 301.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 27 ح 2 ص 301.
5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 45 ح 3 ص 529.
6) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 8 ح 11 ص 115.
166

أن يدخلها الإناء ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " (1) وجوابه: إن التعليل
المذكور في الرواية يؤذن بالاستحباب.
و " المضمضة " و " الاستنشاق " وهما مستحبان في الوضوء، وقال إسحاق
وأحمد: هما واجبان، لما روت عايشة " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المضمضة والاستنشاق
من الوضوء الذي لا بد منه " (2).
لنا قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) (3) ولم يجعل
بين الإرادة والغسل فاصلا، وظاهره الاجتزاء بالقدر المذكور، وما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله عشرة من الفطرة وذكر من جملتها المضمضة والاستنشاق والفطرة السنة، ومن
طريق الأصحاب، ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المضمضة
والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله " (4).
ويدل على أنها مندوبة ما رواه أبو بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" ليس عليك استنشاق ولا مضمضة أنهما من الجوف " (5) وإن يبدأ بظاهر ذراعيه
والمرأة بباطنهما، فاعل " يبدأ " محذوف تقديره " الرجل " ودل على الرجل ذكر
المرأة، ويدل على استحباب ذلك ما رواه إسماعيل بن بزيع، عن الرضا عليه السلام قال:
" فرض الله على النساء في الوضوء أن يبدأن بباطن أذرعهن، وفي الرجال بظاهر
الذراع " (6) ومعنى " فرض " قدر وبين لا بمعنى أوجب، وعلى الاستحباب اتفق
علماؤنا.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 45.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 52.
3) المائدة: 6.
4) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 29 ح 1 ص 302.
5) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 29 ح 10 ص 304.
6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 40 ح 1 ص 328.
167

و " الدعاء " عند غسل الأعضاء. روى عبد الرحمن بن كثير، عن
أبي عبد الله عليه السلام، عن علي عليه السلام قال: " إنه تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم
ألقاك وأطلق لساني بذكرك، ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرمني طيبات الجنان
واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها، ثم غسل وجهه فقال اللهم بيض وجهي
يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
ثم غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان
بيساري وحاسبني حسابا يسيرا، ثم غسل اليسرى فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي
[ولا من وراء ظهري] ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران،
ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشني رحمتك وبركاتك وعفوك، ثم مسح رجليه فقال:
اللهم ثبتني على الصراط المستقيم يوم تزل فيه الإقدام واجعل سعيي فيما يرضيك
عني يا ذا الجلال والإكرام، ثم قال: لولده محمد توضأ مثل وضوئي هذا فمن فعل
هذا خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويكتب الله له ثواب ذلك
إلى يوم القيامة " (1) والوضوء بمد مستحب عند أهل البيت عليهم السلام، والواجب ما
يحصل به مسمى الغسل، وقال أبو حنيفة: لا يجزي في الوضوء أقل من مد.
لنا قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيدكم) (2) ومع تحقق الغسل يحصل
الامتثال وإن كان دون المد، ومن طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار، عن
جعفر، عن أبيه " أن عليا عليه السلام كان يقول: الغسل من الجنابة والوضوء يجزي فيه
ما جزى من الدهن الذي يبل الجسد " (3) ويدل على الاستحباب رواية زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع و " المد " رطل ونصف،

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 16 ح 1 ص 282.
2) المائدة: 6.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 52 ح 5 ص 341.
168

و " الصاع ستة أرطال " (1) يعني: بالمدني.
و " السواك " عند الوضوء مستحب بالإجماع، خلا داود فإنه أوجبه. لنا قوله عليه السلام " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " (2) وهو دلالة
على عدم وجوبه، ويدل على الاستحباب قوله عليه السلام " ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أدرد " (3) وروي عن عبد الله بن ميمون القداح قال: " ركعتان بالسواك
أفضل من سبعين ركعة بغير سواك (4) ".
وفي رواية المعلي بن خنيس قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السواك بعد
الوضوء، قال: الاستياك قبل أن تتوضأ، قلت إن نسي قبل أن يتوضأ؟ قال: يستاك
ثم يتمضمض ثلاث مرات " (5) و " المعلى " ضعيف، وفي رواية: أدنى السواك أن
تدلكهما بإصبعك.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكثر السواك
وليس بواجب " (6) ويتأكد استحبابه أمام صلاة الليل، وهو إجماع وتكره الاستعانة
في الوضوء لما روى شهاب بن عبد ربه، عن علي عليه السلام " أنه كان لا يدعهم يصبون
الماء عليه، وقال: لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا " ومثل ذلك روى الوشا،
عن الرضا عليه السلام.
وقال أحمد بن حنبل: أكره أن أستعين على وضوئي أحدا، لأن عمر قال

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 50 ح 1 ص 338.
2) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 5 ح 3 ص 355.
3) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 1 ح 1 و 7 ص 346.
4) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 5 ح 2 ص 355.
5) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 4 ح 1 ص 354.
6) الوسائل ج 1 أبواب السواك باب 1 ح 22 ص 349.
7) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 47 ح 2 ص 335.
169

ذلك ويكره التمندل منه، يريد " مسح أعضاء الطهارة بالمنديل، ذهب
الشيخ إلى ذلك في الجمل. وقال في الخلاف: لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء
وتركه أفضل. وقال الترمذي من الجمهور: لم يصح في هذا الباب شئ. وروي
من طريق الأصحاب محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن التمسح
بالمنديل قبل أن يجف قال: لا بأس " (1).
الرابع: في الأحكام.
مسألة: من تيقن " الحدث " وشك في الطهارة أو تيقنهما وجهل السابق
تطهر، أما إذا تيقن " الحدث " وشك في الطهارة فالإجماع على وجوب الإعادة،
ويؤكد ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله " وقد سئل عن الرجل يخل له في الصلاة أنه يجد
الشئ؟ فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ، إنما
الشك إذ كنت في شئ لم تجزه " (3) ولأنه لو وجب الوضوء مع الشك المتجدد
لزم الحرج، إذ الأغلب في الناس تطرق الشك إليهم وعدم الضبط للأمور السالفة،
والحرج منفي بالآية.
ولا يقال: إن لم يعمل بالشك فلم لا يعمل بالظن، لأنا نقول: " الظن " ليس
بمعتبر ما لم يعتبره الشرع كما لا يحكم الحاكم لغلبة ظنه يصدق أحد المتنازعين،
وليس ذلك إلا لكونه رجوعا عن معلوم إلى مظنون، وأما إذا تيقنهما وشك في المتأخر،
فقد قال الثلاثة ومن تبعهم: يعيد الطهارة. وعندي في ذلك تردد.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 45 ح 1 ص 333.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 2 ص 330
170

ووجه ما قالوه: إن يقين الطهارة معارض بيقين الحدث ولا رجحان فيجب
الطهارة لعدم اليقين بحصولها، لكن يمكن أن يقال: ينظر إلى حاله قبل تصادم
الاحتمالين فإن كان حدثا بنى على الطهارة، لأنه تيقن انتقاله عن تلك الحال إلى
الطهارة ولم يعلم تجدد الانتقاض وصار متيقنا للطهارة وشاكا في الحدث، فيبني
على الطهارة، وإن كان قبل تصادم الاحتمالين متطهرا بنى على الحدث لعين ما ذكرنا
من التنزيل.
فرع
لو تيقن أنه تطهر بعد الصبح عن حدث، وتيقن أنه أحدث ولم يعلم السابق،
بنى على الحال التي كان عليها، لأنه إن كان قبل ذلك محدثا فقد تيقن
الطهارة المزيلة للحدث والحدث بعدها، وتأخر الطهارة مشكوك فيه، وإن كان قبل
ذلك متطهرا فقد تيقن أنه نقض تلك الطهارة بالحدث، ثم توضأ، لأن التقدير أن
طهارته الثانية عن حدث.
ولو شك في يوم، فلا يدري تطهر وأحدث أم لا؟ بنى على ما قبل ذلك
الزمان، فإن كان حدثا فهو باق عليه، أو طهارة فكذلك، لأنه متيقن لما كان عليه
وشاك في انتقاضه، وقال في النهاية: يعيد الطهارة. وليس بوجه فإنه لم يبد حجته.
مسألة: ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو شك في شئ من أفعال الوضوء
بعد انصرافه عن حاله، بنى على الطهارة، وهذا إجماع، ويؤكده ما رواه زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدرأ غسلت ذراعيك أم لا؟
فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه، وإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت
في حالة أخرى في الصلاة أو غيرها، أو شككت في شئ مما سماه الله عليك وضوئه
فلا شئ عليك فيه " (1) ولأن الشك بعد الانصراف لو كان معتبرا لتعذر الانفكاك

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 42 ح 1 ص 330
171

منه، إلا في الأقل فيسقط اعتباره دفعا للحرج.
مسألة: ولو شك في شئ من أفعال الوضوء قبل انصرافه عن حال الوضوء
أتى به وبما بعده، لأن الأصل عدم الإتيان والحدث متيقن فيلزم الإتيان بالمشكوك
فيه بناء على اليقين وبما بعده تحصيلا للترتيب، ويؤيده رواية زرارة المتقدمة.
مسألة: ولو تيقن " ترك عضو " أتى به وبما بعده سواء تيقن قبل انصرافه
أو بعده، أما وجوب الإتيان به فبإجماع فقهاء الإسلام، وأما إعادة ما بعده فتحصيلا
للترتيب، ويؤكده ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا نسي الرجل
أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله
ومسح رأسه ورجليه وإن كان إنما نسي شماله فليعد الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ " (1).
مسألة: ولو كان " مسحا " ولم يبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته وأجفانه فلأن
المسح ممكن بنداوة الوضوء فيجب، وأما وجوب الإعادة مع الجفاف فلما سبق
من وجوب الموالاة.
ويؤكد الأخذ من شعر الوجه ما روي من طريق الأصحاب، عن الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن ذكرت وأنت في صلاتك أنك تركت شيئا من وضوئك
المفروض عليك فانصرف وأتمم الذي نسيته وأعد صلاتك، ويكفيك من مسح رأسك
أن تأخذ من لحيتك ومن بللها فتمسح به مقدم رأسك " (2).
فروع
الأول: من صلى صلاتين كل صلاة بوضوء، وتيقن الحدث عقيب إحدى

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 35 ح 9 ص 318.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 21 ح 2 ص 287.
172

الطهارتين، قال في المبسوط: يعيد الصلاتين لأنه لم يؤد واحدة بيقين. والأقرب
أنه إن كانتا متساويتين عددا أعاد صلاة واحدة بنية ما في ذمته، وإن اختلفتا عددا أتى
بهما، وكذا البحث لو صلاهما بطهارتين بعد حدث عقيب الأولى وتيقن أنه ترك
عضوا من إحدى الطهارتين.
الثاني: لو توضأ وصلى ثم جدد من غير حدث ثم صلى وتيقن أنه أخل
بعضو من إحدى الطهارتين، قال في المبسوط: أعاد الأولى دون الثانية. لأنه إن كان
الإخلال من الأولى فقد صحت الثانية، وإن كان من الثانية فقد صحت الصلاتان
بالطهارة الأولى، وما ذكره الشيخ (ره) حق إن قصد بالثانية الصلاة لا وضوء
مطلقا، وقيل: هو حق إن لم يعتبر في الطهارة نية رفع الحدث أو الاستباحة.
الثالث: لو جدد طهارة على طهارة ولم يحدث، ثم صلى صلاة أو صلوات
بهما، ثم تيقن أنه ترك عضوا من إحدى الطهارتين، فإن اشترطنا نية الاستباحة أعاد
الصلاة، لاحتمال أن يكون الترك من الأولى فلا تفيد الثانية الاستباحة، وإن لم
يشترط ذلك لم يعد، لأن الترك في أيهما فرض صحت الصلاة في الأخرى، والوجه
صحة الصلاة إذا نوى بالثانية الصلاة، لأنها طهارة شرعية قصد بها تحصيل فضيلة
لا يحصل إلا بها.
الرابع: لو صلى الخمس كل صلاة بوضوء، وتيقن أنه أحدث عقيب
إحدى الطهارات، قال في المبسوط: يعيد الخمس. ولو قيل يعيد اثنتين وثلاثا أو
أربعا كان حسنا، لأن المتيقن فساد واحدة لا غير، فيكون كمن فاتته صلاة من الخمس
لا يدري أيهما هي، فعنده يقضي صبحا أو مغربا وأربعا، لأنه ليس في ذمته إلا صلاة
واحدة، ونية التعيين تسقط هنا لعدم العلم، وكذا لو تطهر لكل صلاة من الخمس
عن حدث، وتيقن أنه أخل بعضو من إحدى الطهارات، قال (ره) يعيد الجميع.
والبحث فيه كما في الأول.
173

مسألة: ويعيد " الصلاة " لو ترك غسل أحد المخرجين، ولا يعيد الوضوء،
وهذا مذهب الثلاثة. وقال ابن بابويه (ره): يعيد الوضوء أيضا.
لنا على إعادة الصلاة: إن طهارة البدن من النجاسة شرط لصحة الصلاة ولم
يحصل، وأما أنه لا يعيد الوضوء فلعدم المنافاة بين الوضوء ووجود عين النجاسة.
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه ابن أذينة قال: " ذكر أبو مريم الأنصاري
أن الحكم بن عتبة بال ولم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام،
فقال: بئس ما صنع عليه أن يغسل ذكره ويعيد صلاته ولا يعيد وضوءه " (1) وعن
علي بن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يبول فلا يغسل ذكره
حتى يتوضأ وضوء الصلاة، فقال: يغسل ذكره ولا يعيد وضوءه " (2).
وفي رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يعيد الصلاة " (3) قال
الشيخ في التهذيب: يحمل هذا على من لم يجد الماء. وفي رواية سليمان بن خالد
عن أبي جعفر عليه السلام " يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء " (4) قال الشيخ رحمه الله تعالى
في التهذيب يحمل على الاستحباب، بدلالة الأخبار المتقدمة، وهو حسن.
مسألة: ولو كان الخارج أحد " الحدثين " غسل مخرجه دون الآخر، وهو
إجماع، ولأن وجوب غسل المخرج بسبب الخارج فمع عدم الموجب يسقط الحكم.
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا بال الرجل ولم يخرج منه غيره فإنما عليه أن يغسل إحليله ولا يغسل مقعدته
وإن خرج عن مقعدته شئ ولم يبل فإنما عليه أن يغسل المقعدة ولا يغسل الإحليل

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 4 ص 208.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 1 ص 208.
3) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 10 ح 2 ص 224.
4) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 18 ح 9 ص 209.
174

وقال: إنما عليه أن يغسل ما ظهر منها وليس عليه أن يغسل باطنها " (1) وهذه الرواية
وإن كانت رجالها فطحية فعليها العمل.
مسألة: وفي جواز " لمس " كتابة المصحف للمحدث قولان: قال الشيخ
(ره) في المبسوط: ويكره للمحدث مس كتابة القرآن. وقال في الخلاف: لا يجوز
للمحدث والجنب والحايض أن يمس المكتوب من القرآن، وعليه إجماع الفرقة.
وكذا اختار في التهذيب. وقال ابن بابويه: لا يمس الجنب ومن ليس على وضوء
القرآن، ويمس الورق. وقال أبو حنيفة: يجوز للمحدث.
لنا قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (2) والمراد النهي، لا الخبر،
و " المطهر " مفعل من التطهير، لا يقال: المسلم طاهر، لقوله عليه السلام " المؤمن لا ينجس " (3)
لأن التطهير هو التنزه عن الأدناس والمسلم كذلك.
ويؤيده قوله تعالى في قصة لوط: (إنهم أناس يتطهرون) (4) أي يتنزهون عن
وطئ الرجال، وقوله تعالى: (وأزواج مطهرة) (5) أي لا يحضن، وقوله تعالى:
(ولا تقربوهن حتى يطهرن) (6) أي ينقطع عنهن الحيض، فأطلق عليهن الطهارة
وإن كن محدثات، لأنا نقول: أما المسلم المحدث فيطلق عليه الطاهر لا المتطهر،
ولهذا نقول: المحدث إذا توضأ طهر ولو كان متطهرا قبل الوضوء، لما صح هذا
الإطلاق لأنه يكون تحصيلا للحاصل، وقوله: أطلق على التي طهرت أنها " طاهر "
وإن لم تغتسل بقوله: حتى يطهرن، يدل على كونها طاهرة ولا يدل على كونها متطهرة.

1) الوسائل ج 1 أبواب أحكام الخلوة باب 28 ح 1 وباب 28 ح 1 وباب 29 ح 2 ص 244 - 245.
2) الواقعة: 79.
3) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 178.
4) الأعراف: 82.
5) آل عمران: 15.
6) البقرة: 222.
175

وأما قصة لوط عليه السلام فتدل على أن التطهير أمر زائد على كون الطاهر طاهرا،
ويؤكد ما قلناه من منع المحدث مس القرآن من طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عمن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء،
فقال: لا بأس ولا يمس الكتابة " (1) ورواية حريز، عن من أخبره، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " يا بني اقرأ المصحف، فقال: لست على وضوء فقال لا تمس الكتابة
ومس الورق " (2).
وهذه الأخبار لا تخلو من ضعف، والاستدلال بالآية فيه احتمالات لكن
مضمونها مشهور بين الأصحاب فالعمل بها أحوط، ويجوز للمحدث مس ما عدا
الكتابة، مثل مس الهامش والورق الخالي من الكتابة، وحمل المصحف وتعليقه
على كراهية، وهو مذهب فقهائنا خلافا للشافعي وأحمد.
لنا دلالة الأصل وما تضمنته رواية حريز المذكور.
فروع
الأول: " الصبي " يمنع من مس الكتابة، أما هو فلا يتوجه إليه التكليف
ولا يتحقق النهي في حقه.
الثاني: وفي المسافرة بالمصحف إلى أرض العدو تردد: أشبهه الكراهية،
لئلا تناله أيدي المشركين، ولا بأس بالجنب والمحدث والحائض أن يمسحوا أحاديث
النبي صلى الله عليه وآله تمسكا بالإباحة الأصلية.
الثالث: " المس " هل يختص بباطن الكف أم هو اسم للملاقات؟ الأشبه
الثاني مصيرا إلى اللغة.

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 12 ح 1 ص 269.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 12 ح 2 ص 269.
176

وأما " الغسل ": ففيه الواجب والندب، فالواجب منه ستة:
الأول: " غسل الجنابة " والنظر في موجبه وكيفيته وحكمه، الغسل بالفتح
المصدر، وبالضم الاسم، وقيل: ما يغتسل به، وبالكسر ما غسل به الرأس، ذكره
ابن السكيت، و " الجنابة " البعد، قال الشاعر [أتانا حريث زائرا عن جنابة].
ويقال: أجنب الرجل وجنب وتجنب واجتنب من الجنابة ذكره الفراء،
وإنما سمي جنبا لبعده عن أحكام الطاهرين، وسبب الجنابة أمران: الإنزال والجماع.
مسألة: إنزال " المني " موجب للغسل يقظة ونوما، وعليه إجماع المسلمين
وقوله عليه السلام، الماء من الماء، وغالب أحواله أن يخرج دافقا تقاربه الشهوة ويفتر
بعده البدن.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل إلا أن يلتذ بخروجه، لما روي " أن امرأة
سألت النبي صلى الله عليه وآله عن المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، فقال صلى الله عليه وآله: أتجد
لذة؟ فقالت: نعم، فقال: عليها مثل ما على الرجل " (1).
فروع
الأول: إذا تيقن أن الخارج " مني " وجب الغسل، سواء خرج دافقا أو
متثاقلا بشهوة وغيرها في نوم ويقظة، لأن خروجه سبب لإيجاب الغسل فمع تحققه
منيا يجب الغسل للخبر، ويؤكده ما رواه الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال كان علي عليه السلام يقول: " إنما الغسل من الماء الأكبر " (2) وحديث المرأة لا ينفي
موضع النزاع، لأن اعتباره باللذة استعلام لما يشتبه حاله، لا لما يتيقن أنه مني.
الثاني: لو خرج ما يشتبه اعتبر باللذة والدفق وفتور البدن، لأنها صفات

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 7 ح 23 ص 476.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 9 ح 1 ص 479.
177

لازمة في الأغلب فمع الاشتباه يستند إليها، ويؤكدها من طريق الأصحاب ما رواه
علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يلعب مع
امرأته ويقبلها فيخرج منه المني فقال: إذا أصاب الشهوة ودفع وفتر بخروجه يجب
عليه الغسل، وإن لم يجد له شهوة ولا فترة فلا بأس " (1).
الثالث: " المريض " إذا وجد اللذة وفتر بدنه كفى ذلك في الحكم بكون
الخارج منيا وإن لم يأت دافقا، لأن قوة المريض ربما عجزت عن دفقه، ويؤكد
ذلك ما رواه ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: " الرجل يرى في المنام
ويجد الشهوة فيستيقظ فلا يجد شيئا، ثم يمكث فيخرج، قال: إن كان مريضا فليغتسل
وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه، قلت فما الفرق؟ قال: لأن الرجل إذا كان صحيحا
جاء الماء بدفعة قوية، وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد " (2).
الرابع: لو أحس بانتقال المني عن موضعه فأمسك ذكره فلم يخرج فلا
غسل، ولو خرج بعد وجب، لأن الحكم يتعلق بخروج المني، ولو أحس بانتقاله
فأمسك ذكره، ثم خرج بعد ذلك لا مع لذة ولا فتور، فإن تيقنه منيا، وجب الغسل،
وإن لم يتيقن لم يجب.
الخامس: لو احتمل أنه جامع وأمنى ثم استيقظ فلم ير شيئا لم يجب الغسل
لأنه لم يتيقن إنزال المني، وإن رأى المني وجب، لأنه منه، ويؤيد الأول ما رواه
جماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام منهم الحسين بن أبي العلاء قال: " سألته عن الرجل
يرى في المنام أنه احتلم ويجد الشهوة فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء ولا في
جسده، قال: ليس عليه الغسل " (3).

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 8 ح 1 ص 477.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 8 ح 3 ص 478.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 9 ح 1 ص 479.
178

ويؤيد الثاني رواية سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الرجل يرى في ثوبه
المني بعد ما يصبح ولم يكن رأى في منامه أنه احتلم، قال: فليغتسل وليغسل ثوبه
ويعيد صلاته " (1) وسماعة وإن كان واقفيا لكن عمل الأصحاب على مضمون روايته
هذه، والنظر يؤيدها.
وروى الجمهور عن عايشة قالت: " سئل النبي صلى الله عليه وآله عن الرجل يجد البلل
ولا يذكر احتلاما، قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد بللا قال لا
غسل عليه " (2).
السادس: لو استيقظ فرأى بللا لم يحققه فلا غسل، لأن الطهارة متيقنة
والحدث مشكوك.
السابع: لو رأى في ثوبه " منيا " فإن كان يشركه فيه غيره لم يجب الغسل،
لاحتمال كونه من المشارك، لكن يستحب الغسل احتياطا، ويقضي بأن أحدهما جنب
ولو ائتم أحدهما بصاحبه لم يصح صلاة المؤتم، ولو كان منفردا به اغتسل واجبا،
لأنه تيقن أنه منه، وما الذي يعيد من صلاته الأشبه ما صلاه من حدث نومه، وقال
الشيخ في المبسوط: يقضي كل صلاة من عند آخر غسل رفع به الحدث.
الثامن: خروج مني الرجل من المرأة بعد الاغتسال. لا يوجب الغسل،
وكذا لو جامعها في غير القبل فدب ماؤه إليه ثم خرج، لأنه ليس منها.
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أبيه " عن المرأة تغتسل من الجنابة ثم ترى نطفة الرجل بعد ذلك
هل عليها غسل؟ قال لا " (3).

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 10 ح 1 ص 480.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 167.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 13 ح 3 ص 482.
179

وأما الجماع: فإذا كان في " القبل " فالتقى الختانان و (حده غيبوبة الحشفة)
وجب الغسل عليهما، وإن أكسل وهو أن يجامع من غير أنزال، على ذلك فتوى
العلماء إلا داود وقوما من الصحابة، لنا ما روي عن عايشة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله
" إذا جلس بين شعبها الأربع فقد وجب الغسل " (1) ويعني " بالشعب " شعبتي رجليها
وشعبتي فرجها.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال علي عليه السلام:
إذا التقى الختانان وجب الغسل، قلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال:
نعم " (2) ومعنى " الالتقاء " المحاذاة لا مماسة أحدهما للآخر، لأن ختان المرأة فوق
مخرج البول منها، ومدخل الذكر أسفل من مخرج البول، وفي إيجاب الغسل
بالوطئ في دبر المرأة قولان:
أحدهما: لا يجب ذكره في النهاية عملا بالأصل، ورواية أحمد بن محمد
البرقي رفعه عن أبي عبد الله قال: عليه السلام قال: " إذا أتى الرجل المرأة في دبرها ولم ينزل
فلا غسل عليهما، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها " (3) وقال في المبسوط:
لأصحابنا فيه روايتان. وجزم علم الهدى رضي الله عنه بإيجاب الغسل وإن لم ينزل
وهو أشبه.
لنا قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط
أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا) (4) والتيمم بدل من الغسل
أو الوضوء، فلو لم يجب الطهارة باللمس مع وجود الماء لم أوجب التيمم مع فقده

1) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 234.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 5 ص 470.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 12 ح 2 ص 481.
4) النساء: 43.
180

ولأن الدبر فرج، إذ الفرج موضع الحدث قبلا كان أو دبرا، والجماع في الفرج
يوجب الغسل بالأحاديث المشهورة، وما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
" متى يجب الغسل؟ قال: إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم (1) ".
ويؤكد ذلك ما روي من احتجاج علي عليه السلام على الأنصار: أتوجبون الجلد
والرجم ولا توجبون صاعا من ماء؟ " (2) وفي الوطي في دبر الغلام موقبا تردد:
أشبهه أنه لا يجب ما لم ينزل. وقال علم الهدى بالوجوب وإن لم ينزل على الواطئ
والموطوء. محتجا بأن كل من قال بإيجاب الغسل في وطي المرأة دبرا قال به في
الغلام، ولم أتحقق إلى الآن ما ادعاه، فالأولى التمسك فيه بالأصل، أما وطوء البهيمة
فقد قال في المبسوط والخلاف: لا نص فيه، فينبغي أن لا يعلق به الغسل لعدم الدليل
وقوله حسن، وقال في المبسوط والخلاف بوجوب الغسل لو وطئ ميتة من الناس
خلافا لأبي حنيفة. لنا التمسك بإطلاق الأحاديث السابقة.
فروع
الأول: لو أولج في فرج خنثى مشكل أو أولج الخنثى ذكره فلا غسل،
لاحتمال كونه زيادة لا فرجا.
الثاني: لو أولج بعض الحشفة فلا غسل، لأن غيبوبتها شرط الوجوب عملا
بالرواية
. الثالث: الصبي إذا وطأ والصبية إذا وطئت هل يتعلق بأحدهما حكم الجنابة؟
فيه تردد: والأشبه نعم، بمعنى أنه يمنع من المساجد ومس الكتابة تطوعا
إلا مع الغسل.

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 1 ص 469.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 6 ح 5 ص 470.
181

وأما كيفية الغسل: فواجبها خمسة: " النية " وهي شرط في غسل الجنابة،
لما سبق من الدليل في الوضوء، ويجوز إيقاعها عند غسل اليدين، لأنه بدؤ أفعال
الطهارة، ويتضيق عند غسل الرأس لئلا يتعرى جزء الغسل من النية، واستدامتها
عسر فاقتصر على استدامة الحكم دفعا للحرج، وغسل البشرة بما يسمى غسلا ولو
كالدهن.
أما وجوب الغسل فلقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (1)
و " الغسل " اسم لإجراء الماء على المحل، ذكر ذلك علم الهدى رضي الله عنه في
المصباح، فقال: إنه يجزي في الوضوء ما جرى مجرى الدهن، إلا أنه لا بد
أن يكون مما يتناوله اسم الغسل والمسح، ولا ينتهي في القلة إلى ما يسلبه الاسم.
وما قاله السيد (ره) حسن، لأنه لو قصر عن مسمى الغسل لما تحقق الامتثال.
ويؤيد ما ذكرناه ما رواه يعقوب بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه،
أن عليا عليه السلام كان يقول: " الغسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزى مثل الدهن
الذي يبل الجسد " (2).
وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا بالتخليل، لأن الواجب غسل البشرة وإيصال
الماء إلى أصل كل شعرة، فإذا لم يتحصل إلا بالتخليل وجب، ويؤيده من الحديث
ما روى حجر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في
النار " (3).
و " الترتيب " واجب يبدء بغسل رأسه ثم ميامنه ثم مياسره، وهو انفراد
الأصحاب، ويدل عليه ما روت عايشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخلل شعره،

1) النساء: 43.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 52 ح 5 ص 341.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 38 ح 7 ص 522.
182

فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده " (1)
وعن ميمونة قالت: " وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وضوء للجنابة و (ساقت الحديث) حتى
أفاض على رأسه، ثم غسل جسده " (2) وفعله عليه السلام هذا في ضمن الأمر المطلق فيقع
تفسيرا.
لا يقال: هذا يدل على تقديم الرأس على الجسد ولا يدل على تقديم اليمين
على الشمال، لأنا نستدل على تقديم اليمين على الشمال بوجهين: أحدهما: ما رووه
عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه كان إذا اغتسل بدأ بميامنه " (3) والثاني: إن نقول: بدأ النبي
صلى الله عليه وآله بميامنه فلوجهين: أحدهما، إن الميامن أفضل وهو عليه السلام
لا يخل بالأفضل، والثاني: لو لم يبدأ بالميامن لكان البدأة بالمياسر أما واجبا أو
ندبا، والقسمان منتفيان، فتعين أنه بدأ بالميامن ويلزم البدأة بها، لأنه بيان لفعل
واجب فيكون كالمبين في الوجوب.
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قلت:
كيف يغتسل الجنب؟ قال: إن لم يكن أصاب كفه شيئا غمسها في الماء، ثم بدأ
بفرجه فأنقاه، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين،
وعلى منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه " (4).
واعلم: إن الروايات دلت على وجوب تقديم الرأس على الجسد، أما
اليمين على الشمال فغير صريحة بذلك، ورواية زرارة دلت على تقديم الرأس على
اليمين ولم تدل على تقديم اليمين على الشمال، لأن الواو لا يقتضي ترتيبا، فإنك

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 175.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 177 (مع تفاوت يسير).
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 172.
4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 26 ح 2 ص 502.
183

لو قلت: قام زيد ثم عمرو وخالد، دل ذلك على تقديم قيام زيد على عمرو، وأما
تقديم عمرو على خالد فلا، لكن فقهائنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على
الشمال ويجعلونه شرطا في صحة الغسل، وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم.
مسألة: ويسقط " الترتيب " بالارتماس في الماء، وقال بعض الأصحاب:
يرتب حكما، لنا أن إطلاق الأمر بالتطهير لا يستلزم الترتيب، والأصل عدم وجوبه
فيثبت في موضع الدلالة، ويؤيد ذلك: ما رواه حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " سمعته يقول: إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأ ذلك
عن غسله " (1).
فروع
الأول: قال المفيد في المقنعة: لا ينبغي أن يرتمس في الماء الراكد، فإنه
إن كان قليلا أفسده. قال الشيخ (ره) في التهذيب: الجنب حكمه حكم النجس إلى
أن يغتسل، فمتى لاقى الماء الذي يصح فيه قبول النجاسة فسد. وقد مر تحرير
هذا في كتابنا فيما سلف.
الثاني: لو أخل " بالترتيب " أتى بما أخل به وبما بعده تحصيلا للترتيب
المشترط، ويؤيد ذلك ما رواه حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " من اغتسل من
جنابة ولم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل " (2).
الثالث: لو وقف تحت الغيث حتى بل جسده طهر، لما رواه علي بن جعفر،
عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قلت: " يجزي للجنب أن يقوم في القطر حتى يغسل
رأسه وجسده وهو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال: إن كان يغسل اغتساله بالماء أجزاه

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 26 ح 12 ص 504.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 28 ح 3 ص 506.
184

ذلك " (1) وهذا الخبر مطلق وينبغي أن يقيد بالترتيب في الغسل.
مسألة: و " المسنون " سبعة: " الاستبراء " وكيفيته إن لم يتيسر البول، أن
يمسح أصل القضيب تحت الأنثيين ويعصره إلى رأس الحشفة ليخرج ما لعله باق
فيه، كذا ذكره المفيد (ره) في المقنعة. وهل هو واجب؟ قال الشيخ (ره) في
المبسوط والجمل: نعم على الرجال. وقال علم الهدى رضي الله عنه: هو من سنن
غسل الجنابة وآدابها. وهو الأشبه.
لنا قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (2) ولأن الأصل
عدم الوجوب، ولا ينافي ذلك وجوب إعادة الغسل مع الإخلال به لو رأى بللا،
لأنه لا لزوم بينهما. وغسل " اليدين " ثلاثا وهو إجماع الأصحاب، وقد سلف
مستنده في باب الوضوء. و " المضمضة " و " الاستنشاق " عندنا سنتان غير واجبتين
خلافا لأبي حنيفة وأحمد.
لنا قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (3) وقول النبي
صلى الله عليه وآله " المضمضة والاستنشاق من الفطرة " (4) وهو دلالة الاستحباب. ومن طريق
الأصحاب، ما رواه عبد الله بن سنان قال: " لا يجنب الأنف والفم لأنهما سائلان " (5)
وروى أبو بكر الحضرمي قال أبو عبد الله عليه السلام: " ليس عليك مضمضة ولا استنشاق،
أنهما من الجوف " (6) وإمرار " اليد " على الجسد مستحب، وهو اختيار فقهاء أهل
البيت عليهم السلام. وقال مالك: وهو واجب، لقوله تعالى: (حتى تغتسلوا) ولا
يقال: غسل إلا مع الدلك.

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 26 ح 10 ص 504.
2) النساء: 43.
3) النساء: 43.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 53.
5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 24 ح 5 ص 500.
6) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 29 ح 10 ص 304.
7) النساء: 43.
185

لنا قوله صلى الله عليه وآله لأم سلمة: " إنما يكفيك أن تحثي على رأسك فتطهرين ثلاث
حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين " (1) ولأن الأصل عدم الوجوب، أما لو
لم يصل الماء إلى البشرة إلا بالإمرار وجب، وكذا لو كان على المغتسل بسر أو
دملج وجب إيصال الماء إلى ما تحته، وإن لم يمكن إلا بنزعه وجب، وإن كفاه التحريك
اقتصر وكذا يجب تخليل الأذنين إن لم يصبها الإماء، ولو وصل من دون التخليل
خللها استحبابا.
والغسل " بصاع " فما زاد، لا خلاف بين فقهائنا في استحبابه. وقال أبو
حنيفة: يجب الغسل بالصاع. لنا في الإجزاء قوله تعالى: (حتى تغتسلوا) (2)
والامتثال يتحقق بما يسم غسلا، لأنها حقيقة لغوية لم ينقل عن موضوعها، وأما
اغتسال النبي صلى الله عليه وآله بالصاع فعلى الاتفاق، لا أنه تشريع وتحتيم، ويدل على الإجزاء
وإن نقص عن الصاع ما روي عن أهل البيت عليهم السلام بطرق:
منها: رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الجنب ما جرى عليه الماء من
جسده قليله وكثيره فقد أجزأه " (3) ويدل على أن الصاع على الاستحباب ما رواه
معاوية بن عمار قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل
بصاع، وإذا كان معه بعض نسائه اغتسل بصاع ومد " (4).
أحكام الجنب
مسألة: يجوز للجنب والحائض أن تقرأ ما شاء من القرآن إلا سور العزائم

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 181 (مع تفاوت).
2) النساء: 43.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 31 ح 3 ص 511.
4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 32 ص 512.
186

الأربع، وهي: اقرأ باسم ربك الذي خلق، والنجم، وتنزيل السجدة، وحم
السجدة. روى ذلك البزنطي في جامعه، عن المثنى، عن الحسن الصقيل، عن
أبي عبد الله عليه السلام، وهو مذهب فقهائنا أجمع.
وقال داود: يقرأ الجنب ما شاء وأجاز أبو حنيفة دون الآية، وقال الشافعي
لا يقرأ الجنب ولا الحائض منه شيئا، لقوله عليه السلام " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا
من القرآن " (1).
لنا قوله تعالى: (فاقرؤا ما تيسر منه) (2) ولأن الأصل الإباحة، ومن طريق
الأصحاب ما رواه عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته أتقرأ
النفساء والجنب والحائض شيئا من القرآن؟ فقال: يقرؤن ما شاؤوا " (3).
وخبر الشافعي، رواه إسماعيل بن عباس، وقد ضعف البخاري روايته عن
أهل الحجاز، فأما تحريم " العزائم " فمستنده ما نقل عن أهل البيت عليهم السلام وقبله
الأصحاب، من ذلك ما رواه محمد بن مسلم قال: " قال أبو جعفر عليه السلام الجنب والحائض
يفتحان المصحف من وراء الثوب ويقرؤون من القرآن ما شاؤوا إلا السجدة، ويدخلان
المسجد مجتازين، ولا يقعدان فيه، ولا يقربان المسجدين الحرمين " (4).
مسألة: ويحرم عليه مس كتابة القرآن، وهو إجماع فقهاء الإسلام، ويدل
عليه قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون) (5) وفي كتاب النبي صلى الله عليه وآله لعمرو بن
جرم " لا يمس القرآن إلا طاهر " (6) ويحرم عليه مس اسم الله سبحانه ولو كان على

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 309.
2) المزمل: 20.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 6 ص 494.
4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 7 ص 494.
5) الواقعة: 79.
6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 309.
187

درهم أو دينار أو غيرهما، روى عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يمس الجنب
درهما ولا دينارا عليه اسم الله (1) " والرواية ضعيفة السند لكن مضمونها مطابق لما
يجب من تعظيم الله سبحانه.
وفي جامع البزنطي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام " سألته هل يمس
الرجل الدرهم الأبيض وهو جنب؟ فقال: والله أني لأوتى بالدرهم فأخذه وإني
لجنب " (2) وما سمعت أحدا يكره من ذلك شيئا إلا أن عبد الله بن محمد كان يعيبهم
عيبا شديدا يقول: جعلوا سورة من القرآن في الدرهم فيعطى الزانية، وفي الخمر
ويوضع على لحم الخنزير.
وفي كتاب الحسن بن محبوب، عن خالد عن أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله؟ فقال: لا بأس به ربما فعلت
ذلك " (3) وقال الشيخان: ولا أسماء أنبياء الله، ولا الأئمة. ولا أعرف المستند،
ولعل الوجه رفع أسمائهم عن ملاقاة ما ليس بطاهر، وليس حجة. موجبة للتحريم،
والقول بالكراهية أنسب.
مسألة: ودخول المساجد إلا اجتيازا أو لتناول ماله فيها، عدا المسجدين،
وقال أبو حنيفة: لا يجوز العبور فيها ولو كان لغرض إلا مع الضرورة. وقال أحمد:
إذا توضأ جاز أن يقيم فيها كيف شاء. وقال سلار من أصحابنا: يكره.
لنا قوله تعالى (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا
جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (4) والمراد مواضع الصلاة ليتحقق العبور

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 18 ح 1 ص 491.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 18 ح 3 ص 492.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 18 ح 4 ص 492.
4) النساء: 43.
188

والقربان، وقوله " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " (1).
ومن طريق الأصحاب، روايات، منها: ما رواه جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام
" عن الجنب أيجلس في المسجد؟ قال لا، ولكن يمر فيها كلها إلا المسجد الحرام
ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله " (2) وفي رواية محمد بن القاسم عن الرضا عليه السلام " الجنب ينام
في المسجد؟ فقال: يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه " (3) وهذا مثل
مذهب أحمد، لكن الرواية متروكة بين الأصحاب، لأنها منافية لظاهر التنزيل.
مسألة: ولو احتلم في أحد المسجدين يتيمم لخروجه، هذا مذهب فقهائنا،
ومستنده الإجماع منا على تحريم المرور في المسجدين للجنب، روى ذلك جميل
عن أبي عبد الله عليه السلام، ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام " فإذا تعذرت الطهارة
المائية وجب التيمم لأنه بدل عن الماء ".
ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن النضر بن
سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي حمزة قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: إذا كان
الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فاحتلم وأصابه جنابة فليتيمم
ولا يمر في المسجد إلا متيمما، ولا بأس أن يمر في سائر المساجد، ولا يجلس في
شئ من المساجد " (4).
مسألة: ووضع شئ فيها، هذا مذهب الخمسة وأتباعهم عدا سلار، فإنه عده
في المكروه. لنا قوله تعالى " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (5) ورواية

1) سنن ابن داود كتاب الطهارة ص 92.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 15 ح 2 ص 485.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 15 ح 18 ص 488.
4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 15 ح 6 ص 485.
5) النساء: 43.
189

عبد الله بن سنان قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب والحائض يتناولان من المسجد
المتاع يكون فيه؟ قال نعم، ولكن لا يضعان في المسجد شيئا " (1)
ما يكره للجنب:
مسألة: يكره له قراءة ما زاد على سبع آيات، قاله الشيخ (ره) في النهاية.
وقال في المبسوط: الأحوط أن لا يزيد على سبع أو سبعين
لنا ما روى سماعة قال: " سألته عن الجنب يقرأ القرآن، قال ما بينه وبين
سبع آيات " (2) وفي رواية زرعة، عن سماعة " سبعين آية " (3) وزرعة، وسماعة
واقفيان مع إرسال الرواية، وروايتهما هذه منافية لعموم الروايات المشهورة الدالة
على إطلاق الإذن عدا السجدة، وإنما اخترنا ما ذهب إليه الشيخ (ره) تفصيا من
ارتكاب المختلف فيه.
مسألة: قال علم الهدى (ره) في المصباح: ولا يجوز للجنب مس المصحف.
وقال الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة، بالكراهة. وكذا قال ابنا بابويه، وقال
الشافعي وأبي حنيفة: لا يجوز.
لنا الأصل الإباحة، وما رووه " أن النبي صلى الله عليه وآله كتب في كتابه آية إلى قيصر " (4)
وهو كافر مجنب في الظاهر، لأن الاغتسال لا يصح منه وهو بالعادة يلاقي الكتاب
بيده ولأنه يجوز للجنب مس كتب التفسير وإن كان فيها آيات من القرآن، ويدل
على الكراهية من طريق الأصحاب ما رواه ابن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 17 ح 1 ص 490.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 9 ص 494.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 10 ص 494.
4) صحيح البخاري ج 6 سورة آل عمران ص 45.
190

قال: " المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تعلقه أن الله تعالى يقول لا يمسه
إلا المطهرون " (1).
مسألة: و " النوم " ما لم يتوضأ، وعليه علماؤنا، خلافا لابن المسيب وأصحاب
الرأي محتجين بما رواه أبو إسحاق، عن الأسود، عن عايشة قالت: " كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يجنب ثم ينام ولا يمس الماء " (2) وهذا الحديث ضعيف طعن فيه ابن حنبل،
وقال: روى أبو إسحاق عن الأسود حديثا خالف فيه الناس، والعمدة عندنا ما رواه
عبيد الله بن علي، عن الحلبي " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو
جنب؟ قال يكره ذلك حتى يتوضأ " (3).
وذكر ذلك ابن بابويه (ره) فيمن لا يحضره الفقيه ثم قال: وفي حديث آخر
أنا أنام على ذلك حتى أصبح، وذلك أني أريد أن أعود، وروى الجمهور، عن
عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال نعم إذا توضأ " (4)
ورووا ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر، ودليل استحبابه ما روي عن عايشة أنه كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماءا. فيحمل الأول على الاستحباب توفيقا بينهما.
مسألة: و " الأكل " و " الشرب " ما لم يتمضمض ويستنشق، وهو مذهب
الخمسة وأتباعهم. وبه قال أبو حنيفة. والذي أقوله أنه يكفيه غسل يده والمضمضة،
لما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب غسل
يده وتمضمض وغسل وجهه وأكل " (5) وفي رواية أخرى إذا كان الرجل جنبا لم

(1) الواقعة: 79.
(2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 201.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 25 ح 1 ص 501.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 193.
(5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 20 ح 1 ص 495.
191

يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ، ذكرها ابن بابويه في كتابه، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام.
وروى الجمهور عن ابن المسيب " أنه كان إذا أراد أن يأكل يغسل يديه ويتمضمض ".
مسألة: و " الخضاب " وهو اختيار الثلاثة، وقال ابن بابويه (ره) في كتابه:
ولا بأس أن يختضب الجنب ويجنب مختضبا، ويحتجم ويتنور ويذبح وينام جنبا
إلى آخر الليل. لنا الأحاديث المشهورة عن أهل البيت عليهم السلام منها:
رواية كرد بن المسمعي قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يختضب
الرجل وهو جنب " (1) قال المفيد (ره): ولأن ذلك يمنع وصول الماء إلى ظاهر
الجوارح التي عليها الخضاب. ولعله (ره) نظر إلى أن اللون عرض وهو لا ينتقل،
فيلزم حصول أجزاء من الحناء في محل اللون ليكون وجود اللون بوجودها، لكنها
حقيقة لا تمنع الماء منعا تاما، فكرهت لذلك، ولو قيل: الرواية دالة على النهي
وإطلاقه يقتضي التحريم، قلنا: هي معارضة برواية دالة على الإباحة، سيأتي، فيكون
الحاصل بينهما الكراهية.
فرع
قال المفيد (ره) في المقنعة: فإن أجنب بعد الخضاب لم يخرج. وهو
محمول على اتفاق الجنابة لا على فعلها اختيارا، لأن تعليله الأول يقتضي المنع هنا،
ويدل على كراهية القصد إلى الجنابة بعد الخضاب ما رواه الحسن بن سعيد، عن
القاسم بن محمد، عن أبي إبراهيم " سأل أيختضب الرجل وهو
جنب؟ قال: لا، قلت: فيجنب وهو مختضب؟ قال لا " (2)
ومثله روى محمد بن يونس " أن أباه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 5 ص 497.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 4 ح 4 ص 497.
192

الجنب يخضب أو يختضب وهو جنب، فكتب لا " (1) ومثله روى علي بن أسباط،
عن عامر بن جذاعة. وربما يكون المفيد (ره) أطرح هذه الروايات لضعف سندها،
وفلا نراها تقتصر عن إفادة الكراهية لاشتهارها في النقل.
وفي رواية عن سماعة وعن أبي المعرا جميعا عن العبد الصالح عليه السلام " سأل
عن الجنب والحائض يختضبان؟ قال لا بأس " (1) فتحمل هذه على رفع الحظر،
والروايات المانعة على الكراهة صيانة لها عن التناقض، ويكره لمن احتلم أن يجامع
حتى يغتسل، ولا يكره تكرار الجماع من غير اغتسال، ذكره جماعة من الأصحاب،
ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه كان يطوف على نسائه بغسل واحد " (3).
مسألة: إذا اغتسل الجنب وصلى ثم رأى بللا فإن تيقن أنه مني أعاد الغسل
ولو كان بال واجتهد، لقوله عليه السلام " إنما الماء من الماء " (4) وقال أبو حنيفة: لو خرج
مني بعد البول لم يغتسل ولو كان قبله اغتسل وقال مالك لا يغتسل على التقديرين.
لنا قوله صلى الله عليه وآله " إنما الماء من الماء " (5) وإذا كان التقدير أنه مني فقد حصل
سبب الغسل فيجب، أما الصلاة فلا تعاد، لأنها وقعت مستكملة الشرائط فتكون
مجزية، وتجدد الناقض لا يبطل ما تقدمه من الصلاة، ولو لم يتيقن أن ذلك البلل
مني ففيه ثلاث مسائل:
الأولى: إن لم يكن بال ولا استبرأ أعاد الغسل، لأن المني من شأنه اعتياق
أجزاء منه في المجرى، فلا يدفعها إلا البول غالبا أو الاجتهاد بالاختراط، فيغلب أن
الخارج بقيته قضاء لغالب العادة، ويؤيد هذا الاعتبار ما رواه الأصحاب بطرق:

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 8 ص 497.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 22 ح 7 ص 497.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 204.
(4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 199.
5) سنن أبي داود كتاب الطهارة ص 92
193

منها رواية سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل أجنب فاغتسل
قبل أن يبول فخرج منه شئ، قال: يعيد الغسل، قلت: المرأة يخرج منها
بعد الغسل، قال: لا تعيد، قلت: فما الفرق؟ قال: لأن ما يخرج من المرأة إنما
هو من ماء الرجل ". (1)
الثانية: لو بال ثم اغتسل لم يجتهد ثم رأى البلل لم يعد الغسل، ويعيد
الوضوء لأن البول أزال ما تخلف في المجرى من المني ولم يحصل ما يزيل
المتخلف من البول، ويؤيده رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
الرجل يغتسل ثم يجد بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل، قال: لا يعيد الغسل " (2)
وعن معاوية بن ميسرة قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: في رجل رأى بعد الغسل
شيئا، قال: إن كان بال بعد جماعة قبل الغسل فليتوضأ، وإن لم يبل حتى يغتسل
ثم وجد البلل فليعد الغسل " (3).
الثالثة: لو بال واجتهد ثم اغتسل ثم رأى البلل لم يعد غسلا ولا وضوء،
لأن البول أزال ما يتوهم بقاؤه في المجرى من المني، والاستبراء أزال ما يخشى
بقاؤه من البول، فلا يكون إلا من أبردة الجسد ورطوباته، ويدل على ذلك من
الأحاديث ما سبق هنا وفي أبواب الوضوء، مما دل على أن مع البول لا يعيد الغسل،
ومع الاستبراء لا يعيد الوضوء.
مسألة: ولا تنفض المرأة شعرها إذا بل الماء أصوله، وهو مذهب الأصحاب،
وقال المفيد (ره) في المقنعة: فإن كان الشعر مشدودا أحلته. قال الشيخ (ره) في
التهذيب: يريد إذا لم يصل الماء إليه إلا بعد حله.

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 10 ص 519.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 5 ص 518.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 36 ح 9 ص 519.
194

لنا الواجب غسل البشرة والشعر ليس منها ومع غسل البشرة فالاعتبار بالشعر،
ويؤكد ذلك ما رواه الحلبي، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال " لا تنفض المرأة
شعرها إذا اغتسلت من الجنابة " (1)
مسألة: يجزي غسل الجنابة عن الوضوء، وفي غيره تردد: أظهره أنه لا
يجزي، أما إجزاء غسل الجنابة فعليه اتفاق الأصحاب، وللشافعي أقوال: أحدها كما
قلناه. والثاني ليجزي عن الوضوء. والثالث يجزي عن الأجزاء المغسولة دون
الممسوحة. لنا قوله تعالى: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) (2) يعني اغتسلوا باتفاق
أهل التفسير، وقوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (3) فجعله
غاية للمنع فيجب زوال المنع به.
وروت عايشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة " (4)
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام إن أهل
الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنه كان يأتي بالوضوء قبل الغسل من الجنابة، قال كذبوا
على علي عليه السلام، ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام قال الله تعالى: وإن كنتم جنبا
فاطهروا " (5).
وروى الحسين بن سعيد، عن يعقوب بن يقطين، عن أبي الحسن موسى
عليه السلام قال: " سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء؟ فقال: الجنب يغتسل ويصب على
رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كله ثم قد قضى الغسل ولا وضوء عليه " (6).

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 38 ح 4 ص 521.
2) المائدة: 6.
3) النساء: 43.
4) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الطهارة ص 191.
5) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 34 ح 5 ص 516.
6) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 34 ح 1 ص 515.
195

وأما غسل غير الجنابة فالذي عليه الأكثر أنه لا بد معه من الوضوء قبله أو بعده،
وهو اختيار الشيخين رحمهما الله. وقال آخرون: يكفي الغسل ولو كان مندوبا،
وهو اختيار المرتضى رضي الله عنه. لنا أن كل واحد من الحدثين لو انفرد لأوجب
حكمه ولا منافاة، فيجب ظهور حكمهما، لكن ترك العمل بذلك في غسل الجنابة،
فيبقى معمولا به هنا.
ويؤكد ذلك رواية محمد بن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة " (1) ورواه ابن أبي عمير أيضا، عن حماد
ابن عثمان أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل غسل فيه وضوء إلا غسل الجنابة " (2)
فإن احتج المرتضى رضي الله عنه بما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " الغسل يجزي عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل " (3) وما روي من
طرق عن الصادق عليه السلام أنه قال: " الوضوء بعد الغسل بدعة " (4) فجوابه إن خبرنا
يتضمن التفصيل، والعمل بالمفصل أولى.
مسألة: إذا غسل المجنب رأسه للطهارة ثم أحدث ما يوجب الوضوء، قال
ابنا بابويه والشيخ (ره) في النهاية: يعيد الغسل. وتردد في المبسوط، وقال ابن
البراج: يتم غسله ولا وضوء عليه. وقال علم الهدى: يتم غسله ويتوضأ لحدثه،
وهو الأشبه.
لنا أن الحدث الأصغر يوجب الوضوء وليس موجبا للغسل ولا لبعضه، فيسقط
وجوب الإعادة ولا يسقط حكم الحدث بما بقي من الغسل، وقول من قال: لا حكم

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.
3) الوسائل ج 1 أو باب الجنابة باب 33 ح 1 ص 513.
4) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 33 ح 10 ص 515.
196

للحدث مع الجنابة وقبل إتمام الغسل هو جنب ليس بشئ، لأنا نقول: هذا اللفظ
نطالب به، فإن أردت أن غسل الجنابة يجزي عن الوضوء فهو مسلم بتقدير أن يأتي
بغسل الجنابة كاملا، وإن قلت: لا حكم للحدث وإن اغتسل بعض الغسل فهو موضع
النزاع، ويلزمه لو بقي من الغسل قدر الدرهم من جانبه الأيسر ثم تغوط، أن يكتفي
من وضوئه بغسل موضع الدرهم، وهو باطل.
الثاني: في غسل الحيض، والنظر في الحيض وأحكامه: سمي " حيضا "
من قولهم (حاض السيل) إذا اندفع، فكأنه لمكان قوته وشدة خروجه، وفي غالب
أحواله اختص بهذا الاسم، قال الشاعر:
أجالت حصاهن الذواري وحيضت - عليهن حيضات السيول الطواحم
ويجوز أن يكون من رؤية الدم، كما يقال: حاضت الأرنب، إذا رأت الدم.
وحاضت الشجرة، إذا خرج منها الصمغ الأحمر.
مسألة: " الحيض " في الأغلب أسود أو أحمر غليظ حار، له دفع، وإنما
اقتصر على هذا التعريف، لأنه تميز به من غيره من الدماء عند الاشتباه. وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " دم الحيض حار عبيط أسود " (1) وعن أبي جعفر عليه السلام
" إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة " (2) والعبيط هو الطري، قال الشاعر:
تقحم الآني العبيط كما - تقحم دلوا لمحالة الجمل
و " البحراني " الأحمر الشديد الحمرة والسواد، يقال: ماء جرى، وبحراني.
وعرفه الشيخ في المبسوط بأن قال: وهو الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة، إما بظهوره
أو بانقطاعه والترديد: لاستصحاب المذهبين، فهو يريد " بظهوره " على مذهب من
يرى الاعتداد بالأطهار، لأن انقضاء الطهر الثالث برؤية الحيضة الثالثة و " بانقطاعه "

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 11 ح 4 ص 554.
197

على مذهب من يرى الاعتداد بالحيض، فإن المطلقة لا تبين عنده إلا بانقضاء الحيضة
الثالثة، ولو جاء بصفة دم الحيض واشتبه بدم العذرة، حكم أنه للعذرة إن خرجت
القطنة مطوقة بالدم.
روى ذلك زياد بن سوقة، عن أبي جعفر عليه السلام، وخلف بن حماد، عن أبي
الحسن الماضي عليه السلام قال: " قلت: رجل تزوج جارية واشترى، فلما افترعها مكثت
أياما ترى الدم، فبعض قال من الحيضة، وبعض قال من العذرة، كيف لها أن تعلم
من الحيض أو من العذرة؟ قال تستدخل قطنة ثم تخرجها، فإن خرجت مطوقة فهو
من العذرة وإن خرجت منتقعة بالدم فهو من الطمث " (1) ولا ريب أنها إذا خرجت
مطوقة كانت من العذرة، أما إذا خرجت منتقعة فهو محتمل فإذا يقضي بأنه من
العذرة مع التطوق قطعا، فلهذا اقتصر في الكتاب على الطرف المتيقن.
وذكر ابن بابويه (ره) في كتابه: إذا اشتبه دم الحيض بدم القرح تستلقي
على قفائها وتدخل إصبعها، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من القرحة، وإن
خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض.
وكذا ذكره الشيخ في النهاية، ورواه في التهذيب عن محمد بن يحيى رفعه
عن أبان، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت " فتاة منا بها قرحة في جوفها والدم سائل، لا
تدري من دم الحيض أو من القرحة، فقال مرها فلتستلق على ظهرها وتستدخل
إصبعها، فإن خرج من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب
الأيمن فهو من القرحة " (2).
وقال محمد بن يعقوب الكليني (ره) في كتابه: محمد بن يحيى رفعه عن
أبان عن أبي عبد الله عليه السلام، وساق الحديث حتى قال: فإن خرج من الجانب الأيمن

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 2 ح 3 ص 536.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 16 ح 1 ص 560
198

فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة. فعكس ما ذكره
ابن بابويه والشيخان، ولعله وهم من الناسخ.
وقد قال أبو علي بن الجنيد من فقهائنا: دم الحيض أسود غليظ تعلوه حمرة
حار يخرج من الجانب الأيمن، ودم الاستحاضة بارد رقيق تعلوه صفرة يخرج من
الجانب الأيسر، فإذا الأقوال في هذا مضطربة ولا محصل لها، وقول ابن الجنيد
(ره) يشاكل ما تضمنته رواية الكليني (ره) والرواية مقطوعة مضطربة فلا عمل بها.
مسألة: ولا حيض مع سن " اليأس " ولا مع " الصغر " وهي التي تقصر عن
تسع سنين، وهذا متفق عليه، وهو مذهب أهل العلم، ولو رأت دما لما كان حيضا
بمعنى أنها لا تمنع ما يمنع منه الحائض.
أما سن اليأس ففيه روايتان: أحدهما خمسون سنة روى ذلك عبد الرحمن بن
الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " حد التي تيأس من الحيض خمسون سنة " (1)
ورواه أيضا أحمد بن محمد بن أبي نصر في كتابه عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " المرأة التي تيأس من الحيض حدها خمسون سنة " (2) وإلى هذا ذهب
الشيخ (ره) في النهاية.
والأخرى رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال
" إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن تكون امرأة من قريش " (3) وإلى
ذلك ذهب ابن بابويه (ره) في كتابه. وقال الشيخ (ره) في المبسوط: " وتيأس " المرأة من الحيض إذا بلغت خمسون، إلا أن تكون امرأة من قريش فإنه روى أنها
ترى دم الحيض إلى ستين سنة " (4).

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 1 ص 580.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 3 ص 580.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 2 ص 580.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 5 ص 581.
199

وروى الكليني (ره) في حد اليأس خمسين سنة، قال: وروي ستين سنة
أيضا. وروى الشيخ (ره) في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي
عبد الله عليه السلام قلت: " متى تكون التي تيأس من المحيض ومثلها لا تحيض؟ قال: إذا
بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض " (1) وفي سند هذه الرواية
إلى عبد الرحمن ضعف، وما ذكره ابن بابويه (ره) جيد.
مسألة: وهل يجتمع الحيض مع الحبل؟ فيه روايات:
أحدها: نعم، روى ذلك عدة من أصحابنا منهم محمد بن مسلم، عن أحدهما
عليهما السلام قال: " سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى في أيام حيضها مستقيما
في كل شهر، قال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في أيام حيضها، فإذا
طهرت صلت " (2).
وعن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سأل عن الحبلى ترى الدم أتترك
الصلاة؟ قال نعم، إن الحبلى ربما قذفت بالدم " (3) وفي معناه رواية عبد الرحمن
ابن الحجاج، عن أبي إبراهيم عليه السلام: " سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت
ترى قبل ذلك، قال: تترك الصلاة إذا دام " (4) وهو اختيار ابني بابويه وعلم الهدى
(ره) والشافعي.
والثانية: لا تحيض، روى ذلك السكوني، عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال:
" قال النبي صلى الله عليه وآله: ما جمع الله بين حيض وحبل " وهو اختيار المفيد (ره) في
المقنعة وأبي علي بن الجنيد (ره) وأبي حنيفة وأحمد.

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 31 ح 8 ص 581.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 7 ص 578.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 1 ص 576.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 2 ص 577.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 12 ص 579.
200

الثالثة: إن رأته في زمان عادتها فهو حيض، وإن تأخر عن العادة بعشرين
يوم فليس بحيض، وهو اختيار الشيخ (ره) في النهاية. وروى ذلك الحسين بن
نعيم الصحاف قلت لأبي عبد الله عليه السلام " إن أم ولدي ترى الدم وهي حامل كيف
تصنع بالصلاة؟ قال: إذا رأت الحامل الدم بعدما يمضي عشرون يوما من الوقت
الذي كانت ترى الدم فيه من الشهر الذي كانت تقعد فيه فإن ذلك ليس من الرحم
ولا من الطمث، فلتتوضأ وتحتشي بكر سف وتصلي، وإن رأته قبل الوقت الذي
كانت ترى فيه بقليل أو فيه، فهو من الحيضة فلتمسك عن الصلاة عدد أيامها التي
كانت تقعد في حيضها، وإن لم ينقطع إلا بعد مضي الأيام التي كانت ترى فيها الدم
بيوم أو يومين، فلتغتسل وتحتشي وتستثفر وتصلي " (1) وهذه الرواية حسنة، وفيها
تفصيل يشهد له النظر.
وقال الشيخ (ره) في الخلاف: إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها
لا تحيض، وإنما اختلفوا في حيضها قبل أن يستبين حملها، وكذا قال في المبسوط،
فلهذا قال: في الأصل أشهرهما أنهما لا تحيض أي مع استبانة الحمل.
مسألة: وأقل الحيض " ثلاثة " أيام وأكثره " عشرة " أيام، هذا مذهب فقهاء
أهل البيت عليهم السلام، وهو قول أبي حنيفة. وقال الشافعي في أحد قوليه: أقله يوم وليلة
وأكثره خمسة عشر يوما. وبه قال أحمد، قال: لأنه لم يثبت له حد شرعا ولا لغة،
فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد من تحيض هذا القدر.
لنا ما رووه عن وائلة بن الأسفع وأبي إمامة الباهلي " أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أقل
الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام " ومن طريق الأصحاب روايات منها: رواية
محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام " (2) وما

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 30 ح 3 ص 577.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 11 ص 552.
201

رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر وصفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا
قال: " الحيض أدناه ثلاثة أيام وأبعده عشرة " (1).
أما رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " أكثر ما يكون الحيض ثمانية " (2)
فقد رده الشيخ (ره) في التهذيب، وقال: هو شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل
به، ولو صح حمل على من يكون ذلك عادتها وتستمر رؤيتها له.
مسألة: لو رأت الدم يوما أو يومين وانقطع، فليس حيضا، ولو كمل ثلاثة
في جملة العشرة فقولان: المروي أنه حيض، وقد سلف أن أقل الحيض ثلاثة أيام
ويلزمه من ذلك أن ما نقص ليس حيضا، لكن اختلف الأصحاب في اشتراط التوالي
فقال: أبو علي بن الجنيد (ره) في المختصر: أقله ثلاثة أيام بلياليها.
قال الشيخ في الجمل والمبسوط: أقله ثلاثة أيام متواليات. وهو اختيار علم
الهدى (ره) وابني بابويه (ره). وقال في النهاية: إن رأت يوما أو يومين ثم رأت قبل
انقضاء العشرة ما يتم به ثلاثة فهو حيض، وإن لم تر حتى تمضي عشرة فليس بحيض.
وروى ذلك إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن بعض رجاله، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر
بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض، وإن انقطع بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت
وصلت واستنظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة من
يوم رأت الدم حتى يتم لها ثلاثة أيام، فلذلك الذي رأته في أول الأمر مع هذا الذي
رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض، وإن مر بها من يوم رأت عشرة أيام ولم
تر الدم، فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن حيضا " (3) إنما كان من علة فعليها

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 2 ص 551.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 14 ص 553.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 12 ح 2 ص 555.
202

أن تعيد الصلاة اليومين اللذين تركتهما، لأنها لم تكن حائضا.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا رأت المرأة الدم قبل
عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة " (1)
ورواية يونس مرسلة منافية لما دل على لزوم العبادة، ورواية محمد بن مسلم غير
دالة على موضع النزاع، إذ مضمونها أن ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الأولى،
ونحن لا نسمي حيضا إلا ما كان ثلاثا فصاعدا، فمن رأت ثلاثا ثم انقطع ثم جاء في
العشرة ولم يتجاوز فهو من الحيضة الأولى، لا أنه حيض مستأنف، لأنه لا يكون بين
الحيضتين أقل من عشرة على ما سيأتي.
مسألة: وما تراه " المرأة " بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع، ولا عبرة
بلونه ما لم يعلم أنه لقرح أو لعذرة، وهو إجماع، ولأنه زمان يمكن أن يكون
حيضا، فيجب أن يكون الدم فيه حيضا.
ولما روي عن عايشة " كان تبعث إليها النساء بالدرجة فيها الكرسف، فتقول:
لا تعجلن حتى ترين الفضة البيضاء " (2) ويؤيد خبر محمد بن مسلم الذي قدمناه،
وما رواه سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: " المرأة ترى الصفرة أو الشئ
فلا تدري أطهرت أم لا؟ قال تستدخل الكرسف فإن خرج الدم لم تطهر، وإن لم
يخرج فقد طهرت " (3).
مسألة: وإذا تجاوز الدم أكثر أيامه رجعت ذات العادة إليها، وهو إجماع
العلماء عدا مالكا، فإنه قال: لا اعتبار بالعادة. لنا ما روته أم سلمة قالت: " كانت
امرأة تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لتنظر عدة الأيام والليالي التي

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 12 ح 1 ص 554.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 335.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 17 ح 4 ص 562.
203

كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر،
فإذا أخلفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر ثم لتصل " (1) رواه ابن ماجة والنسائي وأبو داود.
وما رواه الأصحاب عن أهل البيت عليهم السلام بطرق منها: رواية معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المستحاضة تنظر أيامها أولا فلا تصلي فيها " (2) وعن
إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط
بيوم أو يومين " (3).
مسألة: فإن لم تكن لها عادة وكانت مبتدأة أو مضطربة، رجعت إلى التمييز
و " المبتدأة " هي التي تبتدئ رؤية الدم، و " المضطربة " هي التي تستقر لها عادة، وهما
ترجعان إلى التمييز، فما شابه دم الحيض فهو حيض إذا جمع الشرائط، وما شابه
دم الاستحاضة فليس حيضا، وهو مذهب فقهاء أهل البيت عليهم السلام، وقال أبو حنيفة
لا اعتبار بالتمييز.
لنا ما روته عايشة قالت: " جاءت فاطمة بنت أبي خبيش فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله
أني أستحاض فلا أطهر فأترك الصلاة؟ فقال إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا
كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فامسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضأي
فإنما هو عرق " (4) ومن طريق الأصحاب روايات منها: رواية إسحاق بن جرير، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن دم الحيض ليس به خفاء، وهو دم حار تجد له حرقة،
ودم الاستحاضة فاسد بارد " (5).

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 333 و 334.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 7 ص 557.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 323 و 325.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 3 ص 537.
204

فروع
الأول: لا يشترط في التمييز التكرار، لأنه علامة الحيض، فيكفي امتيازه،
بخلاف العادة مثل أن تراه في شهر ثلاثة أسود، وفي آخر خمسة، وفي آخر سبعة
والباقي منهما كان ما تراه بصفة الحيض في كل شهر حيضا، والباقي طهر.
الثاني: يشترط في العمل بالتمييز أن لا يقصر ما شابه دم الحيض عن أقل
الحيض ولا يتجاوز أكثره، وأن يكون في أوله ثلاثة أيام متوالية على مذهب من يشترط
التوالي، لما دللنا عليه من أن ما نقص عن ثلاثة فليس بحيض وما تجاوز العشرة
فليس حيضا.
الثالث: إذا رأت الأسود والأحمر فتجاوز، فالأسود حيض والأحمر طهر،
ولو رأت الأحمر والأصفر فالأحمر حيض والأصفر طهر، سواء كان ما شابه الحيض
أو لا أو وسطا أو أخيرا، ولو رأت ثلاثا ثم انقطع ثم رأت يوم العاشر أو ما دونه كان
الدمان وما بينهما من النقاء حيضا، كالدم الجاري، لما رواه محمد بن مسلم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا رأته قبل عشرة أيام فهو من الحيضة الأولى، وإذا رأته
بعد عشرة أيام فهو من الحيضة المستقبلة، كذا لو انقطع مرارا ولم يتجاوز العشرة " (1)
ولو لم تر إلا بعد العاشر فليس من الأولى لكنه استحاضة حتى تمضي عشرة أيام
بعد الحيضة الأولى، فما يحصل بعد ذلك فهي حيضة مستأنفة، لأنه لا يكون الطهر
أقل من عشرة أيام.
الرابع: لو رأت ثلاثة أسود وثلاثة أحمر ثم أصفر وتجاوز فالحيض هو الأسود
لأن الأحمر مع الأسود طهر، فكذا لو انضم إلى الأصفر، ولو رأت ثلاثة أصفر
تركت الصلاة والصوم إلى العاشر، فإن رأت بعد ذلك أسود تركت الصلاة أيضا

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 11 ص 552.
205

حتى تأخذ في الأسود عشرا، فإن انقطع فالأسود حيض وما تقدمه طهر، وإن تجاوز
فلا تمييز لها.
ولو قيل هنا: تحتاط إذا تجاوزته من أول الدم عشرا للصلاة والصوم، فإن
انقطع الأسود على عشرة فما دون فهو حيض وقضت الصوم كان حسنا.
الخامس: لو مر بها شهران رأت فيهما سواء، ثم اختلف الدم في باقي الأشهر
رجعت إلى عادتها في الشهرين ولا تنظر إلى اختلاف الدم، لأن الأول صار عادة.
السادس: قال في المبسوط: لو رأت المبتدئة أولا دم الاستحاضة خمسا ثم
أطبق الأسود بقية الشهر حكم بحيضها من بدأة الأسود إلى تمام عشرة، والباقي
استحاضة. وما ذكره الشيخ يشكل: بأن شرط التمييز أن لا يتجاوز عن أكثر الحيض
فالأشبه أنه لا تمييز لها.
وقال (ره) في المبسوط: لو رأت ثلاثة عشر بصفة الاستحاضة والباقي بصفة
الحيض واستمر، فثلاثة من أوله حيض، وعشرة طهر، وما رأته بعد ذلك من الحيضة
الثانية. وفي هذا أيضا إشكال، لأنه لم يتحقق لها تمييز، لكن إن قصد أنه لا تمييز
لها وأنه يقتصر على ثلاثة لأنه اليقين كان وجها.
قال في المبسوط: ولو رأت ثلاثة دم الحيض وثلاثة دم الاستحاضة ثم رأت
بصفة الحيض تمام العشرة فالكل حيض، وإن تجاوز الأسود إلى تمام الستة عشر
يوما كانت العشرة حيضا، والستة السابقة استحاضة تقضي فيها الصلاة والصوم. وكأنه
(ره) نظر إلى دم الاستحاضة لما خرج عن كونه حيضا خرج ما قبله، ولو قيل لا
تمييز لها كان حسنا.
مسألة: روى يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: " المرأة ترى
أيام الدم ثلاثة أو أربعة، قال: تدع الصلاة قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة،
206

قال تصلي مع ذلك ما بينها وبين شهر فإن انقطع عنها وإلا فهي بمنزلة المستحاضة " (1).
وروى يونس بن يعقوب أيضا، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سألته عن المرأة ترى الدم خمسة أيام، والطهر خمسة أيام، وترى أربعة أيام وترى
الطهر ستة أيام، فقال: إن رأت الدم لم تصل، وإن رأت الطهر صلت ما بينها وبين
ثلاثين يوما، فإذا تمت ثلاثين يوما فرأت دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت
بالكرسف في وقت كل صلاة " (2).
قال الشيخ (ره) في الاستبصار: الوجه أن نحملها على امرأة اختلطت عادتها
وأيام أقرائها، أو مستحاضة استمر بها الدم واشتبهت عليه العادة ثم رأت ما يشبه دم
الحيض ثلاثة أو أربعة وما يشبه الاستحاضة ثلاثة أو أربعة هكذا، ففرضها أن تجعل
ما يشبه دم الحيض حيضا والآخر طهرا صفرة كان أو نقاء لتستبين حالها وهذا تأويل
لا بأس به. ولا يقال: الطهر لا يكون أقل من عشرة، لأنا نقول: هذا حق لكن
ليس طهرا على اليقين ولا حيضا بل هو دم مشتبه تعمل فيه بالاحتياط.
مسألة: " المبتدأة " وهي التي رأت الدم أول مرة، إذا تجاوز دمها العشرة
ولم يتميز رجعت إلى عادة نسائها كالأم، والأخت، والعمة، والخالة، وتحيضت
عدة حيضهن، فإن لم تكن أو كن مختلفات رجعت إلى الروايات، وبه قال الشيخ
في الخلاف وقال علم الهدى: ترجع في معرفة أيامها إلى نسائها، فإن كن مختلفات
تركت الصلاة في كل شهر ثلاثة أيام إلى عشرة.
وقال ابن بابويه (ره) في كتابه: فإذا حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة
أشهر فأقراؤها مثل أقراء نسائها، فإن كن مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام.
وقال الشيخ (ره) في المبسوط: ترجع إلى عادة نسائها، فإن لم يكن لها

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 6 ح 2 ص 544.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 6 ح 3 ص 545.
207

نساء أو كن مختلفات رجعت إلى أقرانها من أهل بلدها. وهي الحالة الثالثة، وبمعناه
قال في الجمل. أما رجوعها إلى نسائها فهو فتوى الخمسة وأتباعهم، وبمثله قال العطا
والثوري والأوزاعي، ومنع الشافعي وأبو حنيفة.
لنا أن الحيض يعمل فيه بالعادة وبالأمارة كما يرجع إلى صفة الدم ومع اتفاقهن
يتغلب أنها كإحداهن، إذ من النادر أن تشذ واحدة عن جميع الأهل.
ويؤيد ذلك ما رواه محمد بن يعقوب، عن أحمد بن محمد رفعه عن زرعة،
عن سماعة قال: " سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة أشهر قال:
أقرائها مثل أقراء نسائها، فإن كن نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيام وأقله
ثلاثة أيام " (1).
واستدل الشيخ (ره) في الخلاف على صحة الرواية بإجماع الفرقة. وفي
رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " المستحاضة تنظر بعض نسائها
فتقتدي بأقرائها ثم تستظهر على ذلك بيوم " (2).
واعلم: إن الروايتين ضعيفتان، أما الأولى: فمقطوعة السند، والمسؤول فيها
مجهول. وأما الثانية: ففي طريقها " علي بن فضال " وهو فطحي، ومع ذلك تتضمن
الرجوع إلى بعض نسائها وهو خلاف الفتوى، ولأن الاقتراح في الرجوع إلى واحدة
من النساء مع إمكان مخالفة الباقيات معارضة للرواية الأولى، لكن الوجه في ذلك
اتفاق الأعيان من فضلائنا على الفتوى بذلك، وقوة الظن بأنها كإحداهن مع اتفاقهن
كلهن، فهي على تردد عندي.
وأما الرجوع إلى الأقران في المرتبة الثالثة فشئ اختص به الشيخ (ره) ذكر
ذلك في المبسوط والجمل، ونحن نطالب بدليله فإنه لم يثبت، ولو قال: إذا تغلب

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 2 ص 547.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 1 ص 547.
208

في الظن أنها كنسائها مع اتفاقهن تغلب في الأقران، منعنا ذلك، فإن ذوات القرابة
بينها وبينهن مشاكلة في الطباع والجنسية، والأصل تقوي الظن مع اتفاقهن بمساواتها
لهن، ولا كذا الأقران إذ لا مناسبة يقتضيه، لأنا نرى النسب يعطي شبها ولا نرى المقارنة
لها أثرا فيه.
مسألة " المبتدأة " إذا لم يكن لها نساء أو كن مختلفات، و " المضطربة " وهي التي
لم تستقر لها العادة عددا ولا وقتا، إذا استمر بها الدم ولم يتميز تترك الصلاة والصوم
في كل شهر سبعة أيام وتغتسل. وقال الشيخ (ره) في المبتدأة: تترك ثلاثة من شهر
وعشرة من آخر، وفي الناسية لأيامها تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام
وتصوم فيما بعد ولا قضاء عليها في صوم ولا في صلاة.
واستدل بإجماع الفرقة، وقال في المبسوط: إذا كانت ناسية للعدد والوقت
فعلت ما فعلته المستحاضة، ثلاثة أيام من أول الشهر وتغتسل فيما بعد لكل صلاة،
وصلت وصامت شهر رمضان، ولا تطلق هذه على مذهبنا إلا على ما روي " أنها تترك
الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصوم فيما بعد وتكون مخيرة في وضع هذه
السبعة الأيام في أول الشهر وأوسطه وآخره " (1).
وقال بعض فقهائنا تجلس عشرا وهو أكثر الحيض، لأنه زمان يمكن أن يكون
حيضا، وللشافعي فيه قولان، أحدهما: لا حيض لها بيقين وزمانها مشكوك فيه وتغتسل
لكل صلاة وتصلي وتصوم. والآخر: تقعد اليقين؟ وقال أبو حنيفة: تجلس أكثر
الحيض. وقال أحمد في المبتدأة: تقعد أقل الحيض ولو استمر قعدت في كل شهر
ستة أو سبعة، ولأن الغالب في عوايد النساء ذلك.
لنا ما رواه أبو داود، والترمذي عن حمنة بنت جحش قالت: " كنت استحاض

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547 إلا أنه رواه بتغير بعض الألفاظ
وبما يفهم من الجملة قال عليه السلام: تحيض في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام.
209

فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله أني استحاض حيضة شديدة فماذا تأمرني؟ فقال: ابعث لك
الكرسف فإنه يذهب الكرسف الدم، قلت إني أجثه فقال إنما هي ركضة من الشيطان
تحيضي ستة أو سبعة أيام ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد استنقأت فصلي أربعا وعشرين
ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة، وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك " (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن
يونس، عن غير واحد من أصحابنا " سألوا أبا عبد الله عليه السلام عن الحيض والسنة فيه
(فساق الحديث) حتى قال: وسنة التي رأت أول ما أدركت واستمر بها، إن امرأة
يقال لها حمنة بنت جحش سألت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: إني استحاض حيضة شديدة،
فقال: تلجمي وتحيضي في كل شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي
وصومي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين " (2).
وفي رواية عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المرأة إذا رأت الدم
في أول حيضها واستمر الدم تركت الصلاة عشرة أيام ثم تصلي عشرين يوما، وإن
استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين يوما " (3).
واعلم: أن الروايتين ضعيفتان، أما الأولى: فلما ذكره ابن بابويه رحمه الله
تعالى عن ابن الوليد أنه لا يعمل بما تفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس،
وأما الثانية: فرواية عبد الله بن بكير وهو فطحي لا أعمل بما ينفرد به، لكن لما كان
الغالب في عادة النساء الستة والسبعة قضينا بالغالب، والوجه عندي أن تتحيض كل
واحدة منهما ثلاثة أيام، لأنه اليقين في الحيض وتصلي وتصوم بقية الشهر استظهارا
وعملا بالأصل في لزوم العبادة.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 338.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 6 ص 549.
210

فرع
هل المراد بقوله عليه السلام: ستة أو سبعة أيام التخيير، أو العمل بما يؤدي اجتهادها
إليه ويتغلب أنه حيضها؟ قيل بالثاني، لأنه لولا ذلك لزم التخيير بين فعل الواجب
وتركه. والأول عندي أشبه لأنه تمسك بظاهر اللفظ وقد يقع التخيير في الواجب
كما يتخير المسافر بين الإتمام والتقصير في بعض المواضع.
مسألة: وتثبت " العادة " باستواء شهرين في أيام رؤية الدم ولا تثبت بالشهر
الواحد، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم. وقال الشافعي: يثبت بالمرة الواحدة " لأن
رسول الله صلى الله عليه وآله رد المرأة التي سألت لها أم سلمة إلى الحيضة التي تلي شهر
الاستحاضة " (1).
لنا النقل والاشتقاق، أما النقل: فرواية محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس
عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأول
حتى توالت عليها حيضتان أو ثلاث، فقد علم أن ذلك صار لها وقتا وخلقا معروفا،
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله للتي تعرف أيامها: دعي الصلاة أيام أقرائك وأدناه حيضتان
فصاعدا " (2).
وروى سماعة بن مهران قال: " سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض يختلف
عليها ألا يكون طمثها في الشهر عشرة أيام سواء، قال: تجلس وتدع الصلاة ما دامت
ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء، فتلك عادتها " (3)
والخبران ضعيفان فلا حجة فيهما.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 332 - 333.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 7 ح 2 ص 546.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 14 ح 1 ص 545.
211

وأما الاشتقاق: فلأن " العادة " مأخوذة من المعاودة ولا تحصل بالمرة الواحدة،
ولا تطلق العادة إلا مع التكرار، والوجه قوله عليه السلام: تحيضي أيام أقرائك، وأقل
ما يراد بهذه اللفظة اثنان، أو ثلاثة.
وأما خبر الشافعي: فلانة ليس بصريح في الاقتصار على المرة، فلا يكون
مقدما على موضع التصريح، ولا يشترط في استقرار العادة استقرار عادة الطهر، بل
لو رأت في شهر خمسة ثم رأت طهرا بقية الشهر، وفي شهر آخر مرتين بينهما عشرون
يوما، وفي آخر حيضتين بينهما خمسة عشر يوما، فقد استقرت عادتها في الحيض
لقوله عليه السلام " تنظر أيامها أولا فلا تصلي فيها " (1) ولا يشترط التساوي في الوقت بل
لو رأت خمسا في شهر من أوله وفي شهر آخر من أوسطه استقرت عادتها عددا،
فإن اتفق الوقت مع العدد استقر عادة عملا بظاهر الرواية.
مسألة: ولو اجتمع لامرأة عادة وتمييز فإن كان الزمان واحدا فلا بحث، وإن
اختلفت مثل إن رأت عادتها في الأصفر وفيما بعدها أو قبلها الأسود، فإن لم يتجاوز
فالجميع حيض، وإن تجاوز ففيه قولان: قال في الجمل والمبسوط: يرجع إلى
العادة. وهو الأصح وهو مذهب علم الهدى والمفيد وأتباعهم، وقال في النهاية:
ترجع إلى التمييز. وهو مذهب الشافعي، وتردد (ره) في مسائل الخلاف.
لنا ما روي أن أم سلمة " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة بنت أبي جيش أنها
استحاضت، فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها " (2) قال أبو عبد الله عليه السلام: وهذه السنة
التي تعرف أيام أقرائها، ولأن العادة كالمتيقن فيجب المصير إليها، ولا يقال: الصفة
علامة فيصار إليها كالصفة في المني عند الاشتباه، لأنا نقول: صفة الدم يسقط اعتبارها
في العادة لأن العادة أقوى في الدلالة، ولرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 334 - 335 (مع تفاوت).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 334.
212

" عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: لا تصلي حتى تنقضي أيامها، فإن: رأت
الصفرة في غير أيامها توضأت وصلت " (1).
مسألة: " العادة " قسمان: متفقة، وهي التي ترى أياما متساوية في شهرين.
و " المختلفة " ما يترتب أدوارا وإن اختلفت بعض الاختلاف، مثال الأول: أن ترى
في هذا الشهر خمسة وينقطع باقيه، وفي الثاني خمسة أيضا وينقطع. ومثال الثاني:
أن ترى في شهر ثلاثة، وفي الثاني أربعة، وفي الثالث خمسة مثلا، ثم تعود إلى
ثلاثة ثم أربعة ثم إلى خمسة، لازمة ترتيبها الأول فتستقر عادتها كذلك، فإذا استمر
بها في شهر تحيضت نوبته، ولو نسيت نوبته حيضناها أقل الحيض لأنه اليقين، أو
عملت فيه على الروايات على القول بها.
مسألة: وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في أيامها، وهو مذهب
أهل العلم، لأن المعتاد كالمتيقن، ولما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
" عن المرأة ترى الصفرة في أيامها، قال: لا تصلي حتى تنقضي أيامها " (2) ولما
رواه يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا رأت المرأة الدم في
أيام حيضها تركت الصلاة " (3).
أما " المضطربة " و " المبتدأة " ففيها قولان: قال في المبسوط: أول ما ترى
المرأة ينبغي أن تترك الصلاة والصوم، فإن استمر ثلاثة قطعت على أنه حيض، وإن
انقطع قبل الثلاثة فليس بحيض وقضت الصلاة والصوم.
وقال علم الهدى في المصباح: والجارية التي يبتدئ بها الحيض ولا عادة لها
لا تترك الصلاة حتى تستمر لها ثلاثة أيام. وعندي هذا أشبه، لأن مقتضى الدليل لزوم
العبادة حتى يتيقن المسقط ولا يقين قبل استمراره ثلاثة، ولو قيل: لو لزم ما ذكرته

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 4 ح 1 ص 540.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 4 ح 1 ص 540.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 10 ح 4 ص 551.
213

قبل الثلاثة لزم بعدها، لجواز أن ترى ما هو أسود ويتجاوز فيكون هو حيضها لا
الثلاثة. قلنا: الفرق إن اليوم واليومين ليس حيضا حتى تستكمل ثلاثة، والأصل
عدم التتمة وأما إذا استمر ثلاثا فقد كمل ما يصلح أن يكون حيضا ولا يبطل هذا إلا
مع التجاوز، والأصل عدمه حتى يتحقق.
ولو احتج الشيخ بما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام " في المرأة
ترى الدم أول النهار في شهر رمضان أتفطر أم تصوم؟ قال: تفطر إنما فطرها من الدم " (1).
قال الشيخ في التهذيب: معناه أنها لو لم تفطر بالطعام والشراب فإنها بحكم
المفطر، وكذا ما روي من طرق أن المرأة إذا طمثت في رمضان قبل أن تغيب
الشمس تفطر.
وعن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أي ساعة رأت الصائمة
الدم تفطر " (2) قلنا: الحكم بالإفطار عند الدم مطلقا غير مراد فيصرف إلى المعهود
وهو دم الحيض، ولا يحكم بأنه حيض إلا إذا كان في العادة فيحمل على ذلك، وأما
الأخبار التي تضمنت ذكر الطمث فلا تتناول موضع النزاع، لأنا لا نحكم بأنه
طمثت إلا إذا كان في زمان العادة أو باستمرار ثلاثة بلياليها.
مسألة: إذا رأت الدم في عادتها ففي قدر الاستظهار بترك العبادة مع مجئ
الدم قولان: قال في النهاية: تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين، وهو قول ابن بابويه
والمفيد.
وقال علم الهدى في المصباح: تستظهر عند استمرار الدم إلى عشرة أيام،
فإن استمر عملت ما تعمله المستحاضة. وقال في الجمل: إن خرجت ملوثة بالدم
فهي بعد حائض تصبر حتى تنقى. والأحوط ما ذكره في النهاية، وإن كان ما ذكره

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 7 ص 602.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 3 ص 601.
214

علم الهدى جائزا.
لنا مقتضى الدليل لزوم العبادة، فيسقط موضع الاتفاق وهو قدر العادة، وما
حصل الإجماع عليه من جواز الاستظهار في الحيض، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه
الحسن بن محبوب، في كتاب المشيخة عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن
أبي جعفر عليه السلام " في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها، فلتقعد
عن الصلاة يوما أو يومين، ثم تمسك قطنة فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع
بين كل صلاتين بغسل، ويصيب منها زوجها إن أحب، وحلت لها الصلاة " (1).
ومثله روى ابن أبي نصر البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: " الحائض تستظهر
بيوم أو يومين أو ثلاثة " (2) ومثله عن عمرو بن سعيد، عن الرضا عليه السلام، وعن سعيد
ابن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام.
فإن احتج علم الهدى برواية عبد الله بن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد الله
قال: " إن كان قرؤها دون العشرة انتظرت العشرة " (3) فجوابنا: الطعن في السند،
فإن في طريق هذه الرواية " أحمد بن هلال " وهو ضعيف وهي مرسلة.
ولو احتج بما رواه عمرو بن سعيد، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " تنتظر عدتها ثم تستظهر بعشرة أيام " (4) قلنا: الترجيح لروايتنا كثرة وقوة
وشبها بالأصل وتمسكا بالعبادة، ولو قال: " العشرة " أيام الحيض فيكون دمها حيضا.
قلنا: لا نسلم أن العشرة حيض على تقدير العلم بالعادة المستقرة، نعم لو انقطع على
العشرة كان حيضا، أما مع الاستمرار فلا تتيقنه لجواز أن يستمر، والاستظهار المذكور

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 15 ص 558.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 9 ص 557.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 11 ص 558.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 12 ص 558.
215

هل هو على الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر كلام الشيخ في الجمل وعلم الهدى
الوجوب. والأقرب عندي أنه على الجواز أو على ما تغلب عند المرأة في حيضها.
لنا قوله عليه السلام " تحيضي أيام أقرائك " (1) وما رواه معاوية بن عمار، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها، فإذا
جازت أيامها ورأت دمها يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر " (2) وعن منصور
ابن حازم، عن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المستحاضة إذا مضى أيام
أقرائها اغتسلت واحتشت وتوضأت وصلت " (3).
مسألة: أقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام، ولا حد لأكثره، وبه قال الشيخ
في الخلاف والمبسوط، وعلم الهدى في المصباح والخلاف، ولا أعلم فيه خلافا
لأصحابنا، وقال بعض فقهائنا: أكثر الطهر ثلاثة أشهر، وقال الشافعي وأبو حنيفة:
أقل الطهر خمسة عشر يوما.
لنا ما روي عن علي عليه السلام " إن امرأة طلقت فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث
حيض، طهرت عند كل قرء وصلت، فقال لشريح: قل فيها فقال: إن جاءت ببينة
من بطانة أهلها، وإلا فهي كاذبة " (4) فقال عليه السلام: " قالون " وهو بالرومية " جيد "
ولا يتقدر ذلك على أن يكون الطهر خمسة عشر يوما، ويتقدر على ما قلناه.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا
يكون القرء في أقل من عشرة أيام، فما زاد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلى

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 5 ح 2 ص 542.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 13 ص 608.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 47 ح 3 ص 59 6 (مع تفاوت).
216

أن ترى الدم " (1) ومثله روى يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" لا يكون الطهر أقل من عشرة أيام " (2).
احتج الجمهور بما روي عن إبراهيم، وعطاء بن يسار، أنهما قالا: أقل
الطهر خمسة عشر يوما، وليس لأكثره حد. ولا يقولون إلا توفيقا أو اتفاقا. والجواب
إنا لا نسلم الحصر، بل لم يكن قولهما اجتهادا، فإنهما توهما أكثر الحيض خمسة
عشر يوما، وعندهما الشهر يقسم الحيض والطهر، فيلزم أن يكون الطهر مثل أكثر
الحيض، ثم قولهما معارض بفتوى شريح وموافقة علي عليه السلام، وقوله الحق.
فرع
لا يشترط في استقرار العادة أن ترى الدم في شهرين، بل يكفي مرور حيضتين
عددا سواء ولا كانتا في شهر واحد لأنها مشتقة من العود.
قال في المبسوط: لو رأت المبتدأة دم الحيض خمسة أيام وعشرة طهرا، ثم
بعد ذلك خمسة أيام وعشرة طهرا، فقد حصل لها عادة في الحيض والطهر ولو رأت
خمسة أيام دم الحيض وخمسة وخمسين طهرا، ثم رأت خمسة أيام بصفة دم الحيض
وخمسة وخمسين طهرا، ثم استحاضت جعلت في كل شهرين خمسة أيام حيضا،
لأن ذلك صار عادة. وقال في الخلاف: لا تثبت عادة المرأة إلا أن يمضي لها شهران
أو حيضتان على حد واحد.
فرع
الذاكرة لوقت عادتها إذا رأت الدم قبلها بخمسة ولم ترفيها كان حيضا متقدما

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 11 ح 1 ص 553.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 11 ح 2 ص 554.
217

وكذا لو تأخر عنها ولم تر فيها، ولو رأت فيها وقبلها وبعدها فإن لم يتجاوز فالكل
حيض، وإن تجاوز فحيضها عادتها ولو رأت قبلها وفيها وبعدها وتجاوز العشرة
فالحيض عادتها، وما عداه استحاضة، لأن العداة اختلطت وقد تجاوز فترجع إلى
العادة تمسكا بإطلاق الخبر.
فروع
" المتحيرة " إن ذكرت العدد ونسيت الوقت فلا يقين لها فالزمان كله حيض
مشكوك فيه، مثل أن تقول: حيضي في كل شهر عشرة ولا أعلم أيها هي، ولو قالت:
حيضي إحدى العشرات ولا أعلمها، قال في المبسوط: تعمل ما تعمله المستحاضة
في الجميع وتغتسل للحيض عند آخر كل عشرة، قال: ولو قالت: حيضي ثلاثة
من العشرة الأولى، فالعشرة مشكوك فيها تفعل فيها ما تفعله المستحاضة، وتغتسل
للحيض في آخر الثالث، ثم تغتسل لكل صلاة إلى تمام العشرة إذا لم تعلم وقت
الانقطاع، لجواز انقطاع الدم عند كل صلاة.
أما لو قالت: كان حيضي ستة أيام في العشرة الأولى فأربعة من أول الشهر
مشكوك فيها تعمل ما تعمله المستحاضة، والخامس والسادس حيض بيقين، وما بقي
من العشرة مشكوك فيه تعمل ما تعمله المستحاضة، وتغتسل للحيض عند كل صلاة
إلا أن تعرف وقت انقطاعه وتغتسل عند ذلك الوقت إلى تمام العشرة.
ولو قالت: كان حيضي عشرة من الشهر وكنت في العاشر حائضا، فهذا يحتمل
أن يكون ابتداء وانتهاء، فلا يتحقق لها حيض سواه، وتغتسل آخر العاشر للحيض
وبعد ذلك تغتسل للحيض لكل صلاة إلى آخر التاسع عشر، وتفعله ما تفعله المستحاضة
في الشهر كله عدا العاشر، وفي كل هذه المواطن يقتضي صوم العدة التي تعلمها بعد
الزمان الذي تفرض عادتها في جملته.
218

فروع
في التشريك مع ذكر العدد: لو قالت: حيضي عشرة وكنت أشرك من كل
عشرين من الشهر بيوم، فإنه يحتمل أن يكون أول حيضها ثاني الشهر وآخره الحادي
عشر، وأن يكون أوله العاشر وآخره التاسع عشر، ثم يحتمل أن يكون أوله الثاني
عشر وآخره الحادي والعشرين، وأن يكون أوله العشرين وآخره التاسع والعشرين.
فالطهر إذا يوم في أول الشهر ويوم في آخره، والثاني مشكوك فيه، تعمل
في الجميع ما تعمله المستحاضة، لكنها تغتسل يوم الحادي عشر للحيض ويوم التاسع
عشر والحادي والعشرين والتاسع والعشرين كل يوم وعند آخره، وتقضي صوم
عشرة أيام، ولا تقضي الصلاة لأنها أتت بالصلاة بنية الفرض.
والصوم يجزي فيه نية القربة إذا كانت متعينا كرمضان، ولو كان حيضها عشرة
من كل شهر وتشرك بين نصفي الشهر بيوم، احتمل ابتداء حيضها من السابع ونهايته
السادس عشر، ومن الخامس عشر ونهايته الرابع والعشرون، فيحصل بها اثني عشر
يوما طهرا بيقين من أوله ومن آخره، ويومان حيض بيقين وهما الخامس عشر والسادس
عشر، وما عدا ذلك طهر مشكوك فيه.
وقال في المبسوط: تعمل من يوم الخامس عشر إلى آخر اليوم الرابع
والعشرين ما تعمله المستحاضة، ثم تغتسل في آخره وتفعل بعد ذلك ما تفعله المستحاضة
إلى آخر الشهر، وتقضي الصوم.
ولعله وهم من الناسخ، ولو كان تسعة ونصفا وتشرك بين العشرين بيوم والكسر
في الأول فيوم ونصف من أول الشهر طهر بيقين تعمل فيه ما تعمله المستحاضة إلى
آخر الحادي عشر، ثم تغتسل، ونصف يوم بعده طهر تعمل فيه ما تعمله المستحاضة
إلى آخر الحادي والعشرين، ثم تغتسل للحيض وتصلي وتصوم، وتقضي بعد ذلك
219

صوم أكثر الحيض احتياطا.
ولو قالت: كان حيضي تسعة ونصفا والشركة بين العشرين بيوم والنصف
فيهما كان غلطا، لأن الكسر في العشرين لا يختلط بيوم، وإن ذكرت الوقت ونسيت
العدد، فإن ذكرت أول حيضها أتمته ثلاثة ولأنه اليقين، ثم تغتسل بعد ذلك للحيض
وتصلي فيما بعد، إذا عملت ما تعمله المستحاضة احتياطا، فإن ذكرت آخره جعلته
وما قبله حيضا ثلاثة، واغتسلت للحيض في آخره وعملت ما تعمله المستحاضة فيما
عداه، وإن لم تكن ذاكرة أول حيضها ولا آخره، فذلك الوقت الذي عرفت حيضها
فيه إن لم يزد عن أقل الحيض، فحيضها معلوم، وإن تزاد من غير تداخل، فالزمان
مشكوك فيه وتعمل ما تعمله المستحاضة، وإن تداخل فالمتداخل حيض بيقين وما
عداه فمشكوك فيه.
وإن نسيت الوقت والعدد، فإن قالت: كنت أحيض في الشهر مرة، فلها في
الجملة طهر بيقين وحيض مشكوك فيه، لأن أبلغه أن يكون حيضها عشرة وطهرها
عشرة، وحيضها عشرة، فيحصل لها عشرة طهرا بيقين لكنه غير معين الزمان، فتعمل
في الشهر كله ما تعمله المستحاضة، وتغتسل للحيض آخر الثالث، وبعده لكل صلاة
إلى آخر الشهر ما لم تعلم وقت الانقطاع، وتقضي صوم عشرة أيام لأنه أقصى الحيض
ولا تقضي الصلاة لأنها وقعت مشروعة، والشك لا يقدح فيها لحصول الأمر بها في
ظاهر الحكم.
قال الشيخ في المبسوط: وقد روى في هذه أنها تترك الصلاة والصوم في كل
شهر سبعة أيام وتفعل في الباقي ما تفعل المستحاضة وتصوم وتصلي، قال: والأول
أحوط للعبادة.
220

وأما الأحكام
فمسائل:
الأولى: لا تنعقد للحائض " صلاة " ولا " صوم " وعليه الإجماع، روى
البخاري، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال، " أليست أحد يكن إذا حاضت لا تصوم ولا
تصلي " (1) وقوله لفاطمة بنت أبي حبيش: " إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة (2) ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه حفص البختري قال: " إذا كان للدم حرارة
ودفع وسواد فلتدع الصلاة " (3) وما رواه عيص بن القاسم البجلي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس، قال
تفطر " (4) ولأن الصلاة مشروطة بالطهارة ولا تصح الطهارة مع الحيض.
مسألة: ولا يصح منها " الطواف " لأن الطواف الواجب من شرطه الطهارة
وسيأتي تحقيق ذلك في موضعه، ولا يرتفع لها حدث، وعليه الإجماع، ولأن الطهارة
ضد الحيض، فلا يتحقق مع وجوده، لكن يجوز لها أن تتوضأ لتذكر الله سبحانه
وتعالى وأن تغتسل لا لرفع الحدث كغسل الإحرام ودخول مكة.
مسألة: ويحرم عليها دخول المساجد إلا اجتيازا، والتناول حاجة، أما اللبث
والقعود فلا، وهو إجماع، ولما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا أحل المسجد لحائض
ولا جنب " (5).

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 308 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 4 ص 538.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 50 ح 1 ص 601.
5) سنن أبي داود ج 1 كتاب الطهارة ص 60.
221

ولما رواه الكليني، عن محمد بن يحيى، رفعه عن أبي حمزة، قال: قال
أبو جعفر عليه السلام: " إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى الله عليه وآله
فأصابه جنابة فليتيمم، ولا يمر في المسجد إلا متيمما حتى خرج منه ويغتسل، وكذلك
الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك، ولا بأس أن تمر في سائر المساجد ولا
تجلسان فيها " (1).
وهذه الرواية وإن كانت مقطوعة لكن مضمونها حسن، ولأن الحائض مشاركة
للجنب في الحديث وتختص بزيادة حمل الخبث، فحكم حدثها أغلظ فيكون أولى
بالمنع، وأما تحريم المسجدين اجتيازا فقد جرى في كلام الثلاثة وأتباعهم، ولعله
لزيادة حرمتهما على غيرهما من المساجد وتشبيها للحائض بالجنب فليس حالها
بأخف من حاله.
وأما " الاجتياز " في غيرهما من المساجد فقد ذكر الشيخ في مسائل الخلاف:
أنه مكروه، ومع اتفاقهم أنه ليس بمحرم بمجرد ذكر إباحة الشيخ في المبسوط
والجمل، والمفيد وعلم الهدى في المصباح، وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" سألته كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد ولا تضع فيه؟ فقال: إن الحائض
تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره ولا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلا منه " (2) وخبر
محمد بن يحيى الذي ذكرناه يدل عليه.
فرع
لو حاضت في أحد المسجدين هل تفتقر إلى التيمم في خروجها كالجنب؟
قيل نعم، عملا برواية الكليني، عن محمد بن يحيى التي سلفت، لكنها مقطوعة

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 15 ح 3 ص 485.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 35 ح 1 ص 538.
222

ولا يمنع الاستحباب، أما الوجوب فالأقرب لا، وقوفا على موضع الدلالة في
الجنب، ولأن التيمم طهارة شرعية ممكنة في حق الجنب عند تعذر الماء، ولا كذلك
الحائض، فإنها لا سبيل لها إلى الطهارة، وقال ابن الجنيد منا: إن اضطر الجنب أو
الحائض إلى دخول المساجد تيمما.
مسألة: ولا تضع الحائض في المسجد شيئا، ولها أن تأخذ ما فيه، قاله
الأصحاب، ويدل على ذلك رواية عبد الله بن سنان قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الجنب والحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال: نعم، ولكن لا يضعان
في المسجد شيئا " (1) ولأن الإجماع على تحريم دخولها إلا عابرة سبيل فيكون
دخولها لغيره محرما.
مسألة: وتحرم عليها قراءة " العزائم " هذا مذهب علمائنا كافة، وزاد الجمهور
تحريم قراءة القرآن كله، لما روى ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يقرأ القرآن
جنب ولا حائض " (2) ويعني بالعزائم: السور الأربع التي تتضمن السجود الواجب.
وإنما سميت ذلك؟ لوجوب السجود والعزيمة الواجبة، والعزم الواجب.
لنا إجماع العلماء، وما روي من النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام، منه:
رواية زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قلت: " الحائض والجنب يقرآن
شيئا؟ قال: نعم ما شاء إلا السجدة، ويذكر أن الله على كل حال " (3) ولأنه إذا ثبت
التحريم في طرف الجنب فثبوته في طرف الحائض أولى، لأن حدثها أغلظ، وأما
جواز ما عدا الأربع فمستنده التمسك بالأصل، وقوله تعال: * (فاقرؤا ما تيسر
منه) * (4) ورواية ابن عمر محمولة على الكراهية توفيقا بين الأخبار.

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 17 ح 1 ص 490.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 309.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 4 ص 493.
4) المزمل: 20.
223

مسألة: ويحرم على زوجها منها موضع الدم، وهو إجماع فقهاء الإسلام،
واتفقوا على جواز الاستمتاع بما فوق السرة ودون الركبة، واختلفوا في جواز
الاستمتاع بما بينهما، والذي عليه جمهور الأصحاب، الإباحة، وتركه أفضل،
ذهب إليه الشيخان، وقال علم الهدى في شرح الرسالة: عندنا لا يحل الاستمتاع
منها إلا بما فوق الميزر، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
لنا قوله تعال * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * (1) و " المحيض " موضع
الحيض كالمقيل والمبيت، فيحل ما عداه بالأصل، ولا يقال: " المحيض " هو الحيض
لقوله تعالى: * (يسئلونك عن المحيض قل هو أذى) * (2) وقوله: * (واللائي يئسن
من الحيض من نسائكم) * (3).
لأنا نقول: لا تنازع في تسمية الحيض محيضا، بل كما يسمى الحيض بذلك
يسمى به موضع الحيض، لكن يجب تنزيل آية التحريم على ما قلناه، أما أولا:
فلأنه قياس اللفظ، وأما ثانيا: فلأنه لو نزل على الحيض لزم اعتزال النساء في زمان
الحيض وهو منفي بالإجماع. ولأنه يلزم من تنزيله على الحيض الإضمار، إذ لا
يتعذر اعتزال النساء في نفس الأمر فيفتقر إلى الإضمار وهو الزمان، ولو نزلنا على
الموضع لم يفتقر إلى الإضمار، ولما ذكر في سبب نزول هذه الآية من كون اليهود
يعتزلون النساء في زمان الحيض فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، فنزلت هذه
الآية فقال النبي صلى الله عليه وآله " اصنعوا كل شئ إلا النكاح " (4) رواه مسلم.
ويؤيد ذلك من طريق الأصحاب ما رواه عبد الملك بن عمرو قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عما لصاحب المرأة الحائض منها، قال: كل شئ عدا القبل بعينه " (5)

1) البقرة: 222.
2) البقرة: 222.
3) الطلاق: 4.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 313.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 1 ص 570.
224

وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يأتي المرأة دون الفرج ويجتنب
ذلك الموضع " (1)،
واحتج الخصم بما رواه عن المؤمنين عليه السلام قال: " سئل النبي صلى الله عليه وآله عما
يحرم على الرجل من امرأته الحائض، فقال: ما تحت الإزار " وروى ابن عمر قال:
" سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عما يحل للرجل من امرأته، قال: ما فوق الإزار ".
واحتج علم الهدى مضافا إلى ذلك بما رواه عبيد الله الحلبي " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الحائض ما يحل لزوجها منها، قال: تأتزر بإزار إلى الركبتين، وتخرج
سرتها، ثم له ما فوق الإزار " (2)،
والجواب: أما المروي عن علي عليه السلام فجائز أن يكون كنى عن موضع الوطئ
بما تحت الإزار، وإنما ساغ هذا التأويل لما روي عنه عليه السلام أنه قال: " اجتنب منها
شعار الدم " (3) وما روي عن بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله قال: " كان إذا أراد من الحائض
شيئا ألقى على فرجها ثوبا " (4).
وخبر ابن عمر فيه دلالة على التحليل، ولا يلزم منه تحريم ما عداه إلا من
دلالة الخطاب وهي متروكة، وكذا خبر عبيد الله الحلبي ثم هو معارض بالأخبار
التي تلوناها منضمة إلى غيرها بما روي من الجواز، فإنها أكثر والكثرة أمارة الرجحان.
ويؤيد ذلك أيضا ما رواه عمر بن حنظلة قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما
للرجل من الحائض؟ قال: ما بين الفخذين " (5) وعن عمر بن يزيد قال: " قلت لأبي

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 6 ص 571.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 26 ح 1 ص 571.
3) سنن الدارمي ج 1 ص 263 (مع تفاوت).
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 314.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 7 ص 571.
225

عبد الله عليه السلام: ما للرجل من الحائض؟ قال: ما بين أليتيها ولا يوقب " (1).
وما رواه ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا
حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم " (2) وإذا تعارضت
الأحاديث جمعنا بينها بالإباحة والكراهية، فإن المكروه إذا تأكدت كراهيته أطلق
عليها لفظ التحريم مجازا، والمجاز يصار إليه مع الدلالة، ولأن مقتضى الدليل الحل،
فيخرج منه موضع الإجماع.
مسألة: ولا يصح " طلاق " الحائض مع دخول المطلق بها وحضوره وكونها
حائلا لا حائل بينه وبينها، وقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريمه، لكن اختلفوا في
وقوعه: عندنا لا يقع، وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد: يقع، وسيأتي
تحريره في باب الطلاق إن شاء الله.
مسألة: ويجب عليها " الغسل " عند النقاء الطهارة، يجب عند وجوب ما لا يتم
إلا بها، كالصلاة والطواف، لكن لما كان الحدث سبب الوجوب أطلق الوجوب
عند حصوله وإن كان وجود المسبب موقوفا على الشرط، كما يقول: يجب على
الحائض القضاء وإن كان لا يتحقق إلا مع الطهر، فإذا تحقق هذا فنحن نريد بالوجوب
هذا الوجوب الموقوف على وجوب ما لا يصح إلا بالغسل، وعلى وجوب غسل
الحائض عند النقاء وإرادة الصلاة أو غيرها مما الطهارة شرط، فيه إجماع المسلمين،
ولا ريب أنه شرط في صحة الصلاة، وفي الطواف عندنا، خلافا لأبي حنيفة، وهل
هو شرط في صحة الصوم بحيث لو أخلت به ليلا حتى أصبحت بطل الصوم؟ فيه
تردد.
روى علي بن الحسن، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب الأحمر، عن

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ح 8 ص 571.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 25 ص 570.
226

أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت أن
تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها، قضى ذلك اليوم " (1) لكن " علي بن الحسن "
فطحي و " ابن أسباط " واقفي.
ويؤيد وجوب الغسل عند النقاء ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " امكثي قدر
ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي " (2) وعن ابن عباس ما رأت الدم
البحراني فإنها لا تصلي، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل. ومن طريق الأصحاب
ما رواه إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر قال: " المستحاضة تقعد أيام قرؤها ثم
تحتاط بيوم أو يومين، فإن هي رأت طهرا اغتسلت " (3).
مسألة: ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة، وهو مذهب فقهاء الإسلام،
ويؤيده ما رووه " إن معاذة سألت عايشة ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي
الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقالت: لا، ولكني أسأل فقالت: كنا نحيض على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. (4)
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض،
فقال: ليس عليها أن تقضي الصلاة، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان، ثم أقبل
علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بذلك فاطمة عليها السلام والمؤمنات " (5).
مسألة: وإذا سمعت سجدة القرآن جاز أن تسجد السجدات الواجبة، ويجب
على القارئ والمستمع السجود عندها للطاهر والحائض والجنب، لأنه واجب

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 1 ح 1 ص 543.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 330.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 13 ح 7 ص 557.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 308.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 41 ح 2 ص 589.
227

وليس من شرطه الطهارة فيجب، أما السامع: فإن السجود في حقه مستحب، وكذا
ما عدا الأربع، وهل يجوز للحائض سجودها؟ قال في النهاية: لا، وهو اختيار
الشافعي وأبي حنيفة وأحمد.
وحكي عن عثمان وسعيد بن المسيب في الحائض تسمع السجدة، قال: تؤمي
برأسها وتقول: اللهم لك سجدت. وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء
يسجد حيث كان وجهه. لنا: الأمر بالسجود مطلق واشتراط الطهارة ينافي الإطلاق
فيسقط اعتبارها.
احتج المخالف بقوله عليه السلام: " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " (1) فيدخل السجود
ضمنا، ولأنه سجود فيشترط فيه الطهارة كسجود السهو. والجواب: لا نسلم أنه
صلاة، فإن العرف بين أهل الشرع يأباه، ولا نسلم اشتراط الطهارة في سجود
السهو، ولو سلمناه لم يلزم وجود الحكم هنا، لأنه كما يحتمل أن يكون اشتراط
الطهارة هناك لكونه سجودا، يحتمل أن يكون جبرا للصلاة المفتقرة إلى الطهارة،
فصار حينئذ كجزء من الصلاة، وليس كذلك سجود التلاوة.
ويؤيد ما ذكرناه: ما رواه أبو بصير قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قرأ
شئ من العزائم الأربع وسمعتها فاسجد، وإن كنت على غير وضوء، وإن كنت
جنبا، وإن كانت المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت
وإن شئت لم تسجد " (2) أما السامع وليس بمستمع، فإن السجود مستحب في (ظرفه)
سواء كان من العزائم الأربع أو من غيرها، وهل يمنع منه الحائض والجنب؟ فيه
روايتان:
أحدهما: المنع، روى ذلك الحسن بن سعيد، عن فضالة، عن أبان بن عثمان

1) سنن أبي داود ج 1 ص 16.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 2 ص 584.
228

عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الحائض تقرء القرآن
وتسجد السجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال: تقرأ ولا تسجد " (1) وذكر ذلك في النهاية.
والأخرى: الجواز ذكره في المبسوط، ورواه الحسين بن سعيد، عن
القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا قرأ شئ
من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن
كانت المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت بالخيار فيه، إن شئت سجدت وإن شئت
لم تسجد " (2) والحق التفصيل: فإن كانت من العزائم وجبت على القارئ والمستمع
ولا اعتبار بالطهارة، وإن كان سامعا لم يجب عليه لكنه يجوز ذلك.
يؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن رجل سمع
السجدة، قال: لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءة مستمعا لها أو يصلي بصلاته، فأما
أن يكون في ناحية وأنت في أخرى فلا تسجد لما سمعت " (3) ومراده عليه السلام الدلالة
على إسقاط الوجوب، وإلا فالسجود للسجدات حسن على كل حال.
مسألة: وفي وجوب " الكفارة " على الزوج بوطئ الحائض روايتان،
أحوطهما: الوجوب، وهو مذهب الشيخ (ره) في الجمل والمبسوط وبه قال المفيد
(ره) في المقنعة، وعلم الهدى في المصباح وابنا بابويه، وكذا قال أحمد في إحدى
الروايتين. وقال الشيخ في الخلاف: إن كان جاهلا بالحيض أو بالتحريم لم يجب
عليه ويجب على العالم بهما، واستدل بإجماع الفرقة، وكذا استدل علم الهدى.
وقال الشيخ (ره) في النهاية: يتصدق بدينار في أوله، وبنصف دينار في وسطه،
وبربع دينار في آخره، كل ذلك ندبا واستحبابا. ويدل على الأول ما رووه عن ابن

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 4 ص 584.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 36 ح 2 ص 584.
3) الوسائل ج 4 أبواب قراءة القرآن باب 43 ح 1 ص 882.
229

عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله قال: الذي يأتي امرأة وهي حائض يتصدق بدينار أو نصف
دينار " (1) والتخيير في الواجب لا يتحقق، فيلزم التفصيل.
ومن طريق الأصحاب ما رواه داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام " في كفارة
الطمث: أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار، وفي أوسطه بنصف دينار، وفي آخره
بربع دينار، قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفر؟ قال: فليتصدق على مسكين واحد
وإلا استغفر الله ولا يعود، فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شئ
من الكفارة " (2).
أما احتجاج الشيخ وعلم الهدى بالإجماع فلا نعلمه فكيف يتحقق الإجماع
فيما يتحقق فيه الخلاف، ولو قال: المخالف معلوم، قلنا: لا نعلم أنه لا مخالف غيره
ومع الاحتمال لا يبقى وثوق بأن الحق في خلافه.
وقد قال ابن بابويه في المقنع: يتصدق على مسكين، وجعل ما رواه المفيد
وعلم الهدى رواية، وأما خبر ابن عباس فقد رده الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك،
ولو ثبت أصله لم يطرحوه. وأما خبر داود بن فرقد فمطعون في سنده، لأن الراوي
محمد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي، عن أحمد بن محمد،
عن داود.
وقد ذكر النجاشي: أن " محمد بن أحمد " هذا كان ثقة في الحديث إلا أن
أصحابنا قالوا كان يروي عن بعض الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمن أخذ
وليس عليه في نفسه طعن، وروايته مقطوعة، و " الطيالسي " ضعيف، ثم هو معارض
بأحاديث عدة نحن نذكرها.
ويدل على ما ذكره الشيخ في النهاية ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى، عن

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 315.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 28 ح 1 ص 574.
230

صفوان، عن عيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع امرأته
وهي طامث، قال لا يلتمس بعد ذلك قد نهى الله عنه، قلت: إن فعل فعليه كفارة؟
قال: لا أعلم فيه شيئا، يستغفر الله " (1).
وروي أيضا عن أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن
زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن الحائض يأتيها زوجها، فقال: ليس عليه
شئ، يستغفر الله ولا يعود " (2).
ويؤيد ما ذكره الشيخ في النهاية أيضا أنه مقتضى البراءة الأصلية، ولأنه إبقاء
المال المعصوم على صاحبه مع عدم اليقين بما يوجب انتزاعه، ولو قال: ما رويته
عن أحمد بن الحسن لا يعمل به لأنه فطحي، قلنا: نحن نقابل به ما رويته من الخبر
المرسل، وما ذكرناه أرجح، لأن أحمد بن الحسن وإن كان فطحيا فهو ثقة، والخبر
المرسل مجهول الراوي فلا يعلم عدالته، ويبقى خبرنا الآخر سليما عن المعارض.
ثم يؤيد ما ذكرناه ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يقع على
امرأته وهي حائض، قال: يتصدق على مسكين بقدر شبعه " (3) قلت: والإقدام على
تأويل هذه الأخبار تكلف غير سائغ فالأولى الجمع بينها بالاستحباب وعدم الوجوب
وهذا أولى مما تأوله الشيخ، فإنه تأولها بتأويلات بعيدة لا يشهد لها ظاهر النقل، وإلى
هذا المعنى أشرنا بقولنا: أحوطهما الوجوب لأنه يتيقن معه براءة الذمة.
مسألة: و " الكفارة " دينار في أوله، ونصف دينار في أوسطه، وربع
دينار في آخره، وهو اختيار الثلاثة وأتباعهم. وكذا قال ابن بابويه في من لا يحضره
الفقيه، وقال في المقنع: يتصدق على مسكين بقدر شبعه، وجعل ما ذكره الثلاثة رواية.

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 29 ح 1 ص 576.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 29 ح 2 ص 576.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 28 ح 5 ص 575.
231

وقال أحمد: كفارته دينار أو نصف دينار. وعنه روايتان: إحديهما: إن
ذلك على التخيير. والأخرى: إن كان الدم أحمر فدينار، وإن كان أصفر فنصف
دينار. وروى ذلك عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال النخعي: الدينار
لأوله، والنصف لآخرة.
لنا رواية ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام، ولا يمنعنا ضعف طريقها عن تنزيلها
على الاستحباب، لاتفاق الأصحاب على اختصاصها بالمصلحة الراجحة إما وجوبا
وإما استحبابا، فنحن بالتحقيق عاملون بالإجماع لا بالرواية، لأنه لولا أحد الأمرين
يلزمه خروجها عن الإرادة وهو منفي بالاتفاق، قال ابن بابويه: من جامع أمته وهي
حائض تصدق بثلاثة أمداد من طعام. وكذا قال الشيخ (ره)، والوجه الاستحباب:
تمسكا بالبراءة الأصلية.
فرع
إذا تكرر منه " الجماع " تردد الشيخ في المبسوط، ورجح عدم تكرار الكفارة
تمسكا بالأصل، والوجه أنه إن كانت الحال واحدة فلا تكرار، وإن كانت الحال مما
يختلف فيه الكفارة تكررت، ولا يتكرر بتكراره في الحالة التي لا يختلف فيها الكفارة،
كالوطئ مثلا في أوله مرارا.
فرع
الأول والأوسط والآخر يختلف بحسب حيض المرأة، فمن كان حيضها ستا
فاليومان الأولان أوله، والثالث والرابع أوسطه، والخامس والسادس آخره، وهكذا
كل عدد يفرض فإنه ينقسم أثلاثا.
مسألة: ويستحب لها " الوضوء " عند وقت كل صلاة وذكر الله في مصلاها
232

بقدر صلاتها، هذا اللفظ للشيخ في النهاية والمبسوط. وقال المفيد في المقنعة:
وتجلس ناحية عن مصلاها. وأطلق اللفظ بقية الأصحاب وهو المعتمد.
لنا ما رواه زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول: ينبغي
للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة وتذكر الله سبحانه بقدر
ما كانت تصلي " (1) ولأن إهمال التشبيه بالمصلين سبب لاعتياد البدن بالترك، فيشق
تكلفه عند الوجوب، فليشرع التمرين بقدر الإمكان، لقوله عليه السلام الخير عادة.
مسألة: ويكره " الخضاب " هذا مذهب علمائنا، للنقل المستفيض عن أهل
البيت عليهم السلام، من ذلك رواية علي بن الحسن، عن ابن أسباط، عن عامر بن جذاعة،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول: لا تخضب الحائض ولا الجنب " (2) ومثله
روي عن أبي بصير، والروايات في ذلك وإن ضعف سندها، فإن عمل الأصحاب
مطابق لها، ويدل على أنها على الاستحباب وجود أحاديث دالة على الإباحة، منها:
ما روى الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد ومحمد بن أبي حمزة " قلت لأبي
إبراهيم عليه السلام: تختضب المرأة وهي طامث؟ فقال نعم " (3) فالتوفيق: تنزيل هذه
على الجواز، وتلك على الكراهية.
مسألة: ويكره لها " قراءة " ما عدا العزائم، وحمل المصحف ولمس هامشه،
أما كراهية ما عدا العزائم فهو مذهب علمائنا لا يختلون فيه، وقال الجمهور بالتحريم.
لنا قوله تعالى: * (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) * (4) والأمر مطلق فلا تقيد
بالطهارة، وما روى زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قلت: الحائض

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 40 ح 3 ص 587.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 42 ح 7 ص 593.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 42 ح 2 ص 592.
4) المزمل: 20.
233

والجنب يقرآن شيئا؟ قال: نعم ما شاءا إلا السجدة، ويذكر أن الله تعالى على كل
حال " (1) وأما حمل المصحف: فإن كان بعلاقته فإجماع الأصحاب على الكراهية،
وأما مس المصحف ومس الهامش: فقد أجرى علم الهدى حكمها في ذلك كالجنب،
وقال في الجنب بتحريم مس الكتاب، وقال الباقون بالكراهية، وحرم الشافعي ذلك
كله.
لنا أن مقتضى الأصل الحل، فيخرج عنه موضع الإجماع، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
كتب إلى قيصر آية في كتابه إليه، ونجاسة الكافر أغلظ من نجاسة الحائض، ويدل
على الكراهية ما روي عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: " المصحف لا تمسه على
غير طهر ولا جنبا، ولا تمس خيطه [خطه] ولا تعلقه أن الله يقول: لا يمسه إلا
المطهرون " (2) وإنما نزلنا هذا على الكراهية، نظرا إلى عمل الصحاب.
مسألة: ولا بأس بالاستمتاع منها بما فوق السرة وما تحت الركبة، ويكره
الاستمتاع منها بما بين السرة والركبة، خلا موضع الدم فإنه محرم، وهو مذهب
الشيخين وأتباعهما. وقال الشافعي وأبو حنيفة: حرم الاستمتاع منها بما بين السرة
والركبة. وقال علم الهدى في الخلاف: يحرم الاستمتاع منها بما تحت الميزر.
لنا قوله: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (3) وهو صريح في رفع اللوم عن الاستمتاع كيف كان،
ترك العمل به في موضع الحيض بالإجماع، فيبقى ما عداه على الجواز، وما رووه
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " اجتنب منها شعار الدم " (4) وقد روي عن بعض نساء النبي
.

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 19 ح 4 ص 493.
2) الواقعة: 79.
3) المؤمنون: 5 - 6.
4) سنن الدارمي ج 1 ص 243 (مع تفاوت).
234

صلى الله عليه وآله أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، وأما حجتهم فقد سلف
بيانها والجواب عنها، وإذا سقط التحريم ثبتت الكراهية باتفاق الباقين.
مسألة: وإذا انقطع دمها حل وطؤها، لكن يكره قبل الغسل، وهو مذهب
الثلاثة وأتباعهم، وقال أبو جعفر بن بابويه في كتابه: ولا يجوز مجامعة المرأة في
حيضها لقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (1) يعني بذلك: الغسل من
الحيض، وقال أبو حنيفة: إن انقطع العشر حل الوطئ، وإن انقطع قبل العشر لم
يحل إلا بعد أن تفعل ما ينافي الحيض من غسل أو تيمم، وأطلق الشافعي التحريم
ما لم تغتسل.
لنا مقتضى الدليل الحل فيجب التمسك به، أما إن مقتضى الدليل الحل
فلوجهين، أحدهما: قوله تعالى: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (2) وأما ثانيا: فلقوله تعالى: * (ويسألونك
عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * (3) والمنع متعلق به فمع
زواله يثبت الحل.
وقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (4) على قراءة التخفيف وهو
يدل على أن الغاية انقطاع الدم، يقال: طهرت المرأة إذا انقطع حيضها، ولو قيل:
وقد قرء بالتضعيف في يطهرن، قلنا: فيجب أن يحمل على الاستحباب توفيقا بين
القرائتين ودفعا للثاني، ولا يقال: ويلزم من قوله تعالى: فإذا تطهرن اشتراط التطهير
وهو الغسل فيكون إباحة الوطئ حينئذ مشروطة بالشرطين: انقطاع الدم، والغسل،
لأنا نمنع أن يكون المراد بالتطهر الغسل، بل ما المانع أن يراد بيطهرن طهرن،
كما يقال قطعت الحبل فتقطع، وكسرت الكوز فتكسر.

1) البقرة: 222.
2) المؤمنون: 5 - 6.
3) البقرة: 222.
4) البقرة: 222.
235

ولو قيل: المرأة يصح أن تغتسل فيحمل على إرادة فعلها بخلاف الحبل
والكوز قلنا: قد يستعمل فيمن يصح ذلك منه ويكون المراد ما قلناه، كما يقال
في أسماء الله سبحانه: المتكبر، ولو قيل: المراد فعل الطهارة لدلالة آخر الآية وهو
قوله تعالى: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * (1) قلنا: هو كلام مستأنف
فلا تعلق له بالأول.
ويحتمل أن يكون المراد بالمتطهرين المتنزهين عن الذنوب، فإن الطهارة
هي النزاهة فتنزيله على النزه من الذنوب أشبه من الغسل، لأن ذلك أنسب بالتوبة،
ومن طريق الأصحاب ما رواه علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
قال: " سألته عن الحائض ترى الطهر أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ فقال: لا
بأس وبعد الغسل أحب إلي " (2) وهذا الحديث دال على الكراهية.
وما رواه سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: " المرأة تحرم عليها الصلاة
فتتوضأ من غير أن تغتسل لزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال: لا، حتى تغتسل " (3)
فيحمل هذا النهي على الكراهية توفيقا بين الروايتين.
مسألة: ولو غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها استحبابا ثم وطئها، ومن الأصحاب
من أورد ذلك بلفظ الوجوب، والوجه الاستحباب وبه روايات، منها: رواية علي بن
يقطين التي تقدمت، ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع
عنها دم الحيض في آخر أيامها، قال: إن أصابه شبق فليأمرها بغسل فرجها ثم يمسها
إن شاء " (4) والتوفيق بينهما بالكراهية.
.

1) البقرة: 233.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 5 ص 573.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 7 ص 574.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 27 ح 1 ص 572.
236

مسألة: وإذا حاضت بعد دخول الوقت فلم تصل، مع الإمكان قضت، وكذا
لو أدركت من آخر الوقت قدر الطهارة والصلاة وجبت أداء، وبالاهمال قضاء،
وضابط هذا أنها إذا أدركت من أول وقت الظهر أربع ركعات وجبت الظهر، ولو
أهملت وجب قضاؤها، ولو أدركت دون أربع ركعات لم يلزمها الظهر، فإذا أدركت
من آخر النهار ما تصلي فيه ثماني ركعات وجبت الصلاتان، ولو أدركت قدر أربع
ركعات وجبت العصر ولم يجب الظهر، ويستحب الصلاتان لو طهرت قبل الغروب،
وكذا يستحب المغرب والعشاء لو طهرت قبل الفجر.
وقال في الخلاف: إذا أدركت من آخر الوقت خمس ركعات وجبت
الصلاتان، وكذا البحث في المغرب والعشاء. ولو أدركت قبل طلوع الشمس ركعة
لزمها الصبح، وقال في المبسوط: يستحب لها قضاء الظهر والعصر إذا طهرت قبل
الغروب بمقدار ما تصلي خمس ركعات، ولو لحقت ركعة لزمها العصر.
وقال علم الهدى في المصباح: إذا رأت الطهر في وقت العصر فليس عليها
صلاة الظهر الماضية، ومتى رأت طهرا في وقت صلاة ففرطت حتى يدخل وقت
أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة الماضية، اللهم إلا أن يكون دخول الثاني ومضى
وقت الأولى لم يكن عن تفريط منها، بل متشاغلة بالتأهب للغسل على وجه لا بد منه
فلا قضاء عليها للصلاة الماضية، بل تصلي الصلاة الحاضر وقتها. وضابط ما نقول
أنه لا يجب القضاء إلا إذا تمكنت من الغسل وأهملت.
وقال الشافعي وأحمد ومالك: إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان، ولو
طهرت قبل الفجر لزمها المغرب والعشاء، لما رواه الأثرم وابن المنذر بإسنادهما
عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس " أنهما قالا في الحائض: تطهر قبل
طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت
237

الظهر والعصر جميعا " (1).
وعن أحمد إن القدر الذي يتعلق به الوجوب إدراك تكبيرة الإحرام، وعن
الشافعي قدر ركعة، لأنه القدر الذي روي عن عبد الرحمن وابن عباس. لنا أن
التكليف بالفعل يستدعي وقتا يتسع له فمع قصوره يجب السقوط، وإلا لزم التكليف
بما لا يطاق، ومع سقوط الوجوب أداءا يسقط قضاءا.
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا رأت
المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى
كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، وإذا طهرت في وقت الصلاة فأخرت
الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى ثم رأت دما كان عليها قضاء تلك الصلاة التي
فرطت فيها " (2).
وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله قال: " أيما امرأة رأت الطهر
وهي قادرة على أن تغتسل وقت الصلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى
كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت
في تهيئة ذلك فجاز وقت الصلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، وتصلي
الصلاة التي دخل وقتها " (3).
وروى معمر بن يحيى قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحائض تطهر عند
العصر تصلي الأولى؟ قال لا إنما تصلي الصلاة التي تطهر عندها " (4) وروى منصور

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الصلاة ص 387 (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 4 ص 599.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 1 ص 598.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 3 ص 599.
238

ابن حازم عن أبي عبد الله قال: " إذا طهرت قبل العصر صلت الظهر والعصر، واطهرت في آخر وقت العصر صلت العصر " (1).
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " في المرأة تقوم في وقت ولا تقضي
ظهرها حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: إن كانت
توانت قضتها وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي " (2) وعن أبيه قال: " كانت المرأة
من أهله تطهر من حيضها فتغتسل حتى يقول القائل: قد كادت الشمس تصفر بقدر
ما أنك لو رأيت إنسانا يصلي العصر تلك الساعة، قلت: قد فرط، فكان يأمرها أن
تصلي العصر " (3).
وما ذكره الجمهور، من قصة عبد الرحمن وابن عباس لا حجة فيه، لجواز
أن يكونا قالاه اجتهادا على أنا نحمل ذلك على الاستحباب. وقد روي في أخبار
أهل البيت عليهم السلام ما يماثله، روى علي بن الحسن بن فضال، بإسناده عن أبي الصباح
الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت
المغرب والعشاء، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر " (4).
وفي رواية أخرى عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك، ومثله
عن عمر بن حنظلة. قال الشيخ في التهذيب: الذي أعول عليه أن المرأة إذا طهرت
بعد زوال الشمس قبل أن تمضي منه أربعة أقدام فإنه يجب عليها قضاء الظهر والعصر
وإن طهرت بعد أن يمضي أربعة أقدام يجب عليها قضاء العصر لا غير، ويستحب لها
قضاء الظهر إذا كان طهرها إلى مغيب الشمس.

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 6 ص 599.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 8 ص 599.
(3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 9 ص 600.
(4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 49 ح 7 ص 599.
239

وتعويل الشيخ (ره) في الإقدام على رواية " الفضل بن يونس " وهو واقفي،
لكن هذا القول يدلك على أن وقت المختار عنده إلى أربعة أقدام، ثم يخرج وقت الظهر لمن
لا عذر له، وقد يتضح من هذا أنه لا يوجب على الحائض قضاء صلاة
إلا مما طهرت في وقتها وفرطت في الإتيان بها، ثم الذي تبين من هذه الأحاديث
أن المرأة إذا أدركت من وقت الصلاة قدر الغسل والشروع في الصلاة فأخرته حتى
دخل وقت أخرى لزمها القضاء ولو قيل بذلك، كان مطابقا لمدلولها، نعم لا تقضي
من الصلوات إذا رأت الدم، إلا ما تمكنت من أدائها في حال طهرها وأهملته.
مسألة: وتغتسل " الحائض " كاغتسال الجنب، أما وجوب غسلها فعليه إجماع
المسلمين، وقد سلف بيانه، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى
يطهرن) * (1) على من قرأ بالتضعيف، وأما كونه مثل غسل الجناية فقد روى ذلك
الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الحائض عليها غسل مثل غسل الجنابة؟
قال نعم " (2).
ومثله روى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام وعن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " تغتسل بتسعة أرطال من ماء " (3) وقد بينا أنه يجب عليها الاستبراء إذا
انقطع دمها دون العاشر، ولا يجب لو انقطع على العاشر لما ثبت أن الحيض لا يكون
أكثر من عشرة أيام، روى ذلك محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام.
ومثله روى سماعة عنه عليه السلام قال: " فإن خرج الدم لم تطهر، وإن لم يخرج
فقد طهرت " (4) لا يقال: هذا يدل على وجوب الاستظهار إلى عشرة أيام وإن كانت

1) البقرة: 222.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 23 ح 5 ص 567.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 20 ح 1 ص 564.
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 17 ح 4 ص 562.
240

عادتها أقل بدلالة إطلاق الرواية، لأنا نقول: هذا ليس بمناف لما قلناه من الاستظهار
بيوم أو يومين، لأنه يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى المبتدأة أو المتحيرة بدلالة
الأحاديث الدالة على جواز الاغتسال عند انقضاء قرؤها، وقد سلف.
وتجب فيه " النية " لأنه عبادة وتفتقر إلى النية واستدامة حكمها، وقد سلف
تقرير ذلك في غسل الجنابة. ويجب أن تستوعب جسدها بما يسمى غسلا، لما رواه
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها
أجزأها " (1) وإن ترتبه على ما ذكرناه في غسل الجنابة.
و " المضمضة " و " الاستنشاق " فيه مستحبان، وفي وجوب " الوضوء " فيه
قولان، أحدهما: أنه يجب، لما سلف من قوله عليه السلام: " الوضوء في كل غسل إلا
غسل الجنابة " (2) وعليه الأكثر، وعرق الحائض طاهر إذا لم يلاق النجاسة، وكذا
لا ينجس ما تباشره من المايع، لما روى معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن
الحائض تناول الرجل الماء، فقال: كان نساء النبي صلى الله عيه وآله تسكب عليه الماء وهي
حائض " (3) ولأن الأصل عدم النجاسة بالملاقات.
ويؤيدها أيضا ما رواه معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الحائض
تعرق في ثيابها أتصلي فيها قبل أن تغسلها؟ قال: نعم لا بأس به " (4).
الثالث: " غسل الاستحاضة " ودمها في الأغلب أصفر بارد رقيق، يدل على ذلك
رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن دم الحيض حار عبيط
أسود، له دفع، ودم الاستحاضة أصفر بارد " و " الرقة " ذكره الشيخان، وإنما

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 20 ح 2 ص 564.
2) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.
3) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 45 ح 1 ص 595.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 28 ح 4 ص 1041.
5) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 3 ح 2 ص 537.
241

قلنا في الأغلب، لأنه قد يتفق الأصفر حيضا كما إذا رأته في العادة.
وإنما قلنا: لكن ما تراه بعد عادتها مستمرا، أو بعد غاية النفاس، وبعد اليأس
وقبل البلوغ، ومع الحمل، فهو استحاضة ولو كان عبيطا، لأنا لما قررنا وصف
الاستحاضة وكانت في هذه المواطن مستحاضة، وإن كان دمها فيها أسود عبيطا افتقرنا
إلى استدراك الإطلاق، وإنما اشترطنا في ذات العادة الاستمرار؟ لأن دمها لو انقطع
على العاشر كان العادة وما بعدها إلى العاشر حيضا، وقد سلف تقرير ذلك كله،
وإنما يكون ما زاد على العادة حيضا إذا تجاوز أكثر الحيض.
وأما أن الدم في هذه المواطن استحاضة، فقد سلف تقريره. وإنما قلنا عقيب
قولنا ومع الحمل على الأشهر، لما بينا أولا من أن الحامل المستبين حملها لا تحيض
وإن فيه قولا آخر لجماعة من فقهائنا، لكن ما ذكرناه أشهر الروايتين لأن الحيض
يعول فيه على العادة، ورؤية الحامل الدم مع سلامة الولد نادرة فلا اعتبار به، نعم
قد ترى الاستحاضة لأنه مرض لا اختصاص له بموضع الولد.
مسألة " يعتبر دم المستحاضة: فإن لطخ باطن القطنة ولم يظهر عليها لزمها
إبدالها، والوضوء لكل صلاة، أما إبدالها: فلأنها نجاسة يمكن الاحتراز منها فيجب
وأما الوضوء لكل صلاة: فهو مذهب الخمسة. وقال ابن أبي عقيل " لا يجب في
هذه الحالة وضوء ولا غسل، ومثله مذهب مالك. وقال أبو حنيفة: تتوضأ لوقت كل صلاة.
لنا ما رواه أبو داود الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله في المستحاضة " تدع الصلاة أيام
أقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة " (1) ومن طريق الأصحاب
روايات، منها: ما رواه حماد بن عيسى ومحمد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المستحاضة إذا جاوزت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف

1) سنن الترمذي ج 1 ص 220.
242

اغتسلت للظهر والعصر، تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلا، تؤخر
هذه وتعجل هذه، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر، وإن كان الدم لا يثقب الكرسف
توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء " (1).
وعن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام " فإن لم يجز الكرسف فعليها الغسل لكل
يوم مرة والوضوء لكل صلاة، هذا إذا كان دمها عبيطا، وإن كان صفرة فعليها
الوضوء " (2) ولأن دمها حدث فيستبيح بالوضوء ما لا بد منه من الصلاة الواحدة.
واحتج أبو حنيفة بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه قال: المستحاضة تتوضأ لوقت
كل صلاة " (3) وجوابه: المعارضة بما رويناه والترجيح لروايتنا، لأنها مفسرة لا
إجمال فيها.
ولو قيل: روي في بعض أخبار أهل البيت مثل اختيار أبو حنيفة، روى ذلك
الحسين بن نعيم الصحاف، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا لم ينقطع الدم عنها فقد
مضى الأيام التي كانت ترى فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ولتحتشي ولتستثفر ولتصلي
الظهر والعصر ولتنظر، وإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف
الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة " (4) قلنا: هذا ليس بمناف لما اخترناه
لأن الوقت الذي ذكره ظرف للصلاة لا ظرف للوضوء.
مسألة: وإن غمس القطنة ولم يسل لزمها مع الوضوء، وتغيير الحشوة تغيير
الخرقة والغسل للغداء والوضوء للصلاة الأربع، وهو مذهب شيخنا المفيد (ره)
في المقنعة.

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ص 604.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 6 ص 606.
3) رواه الترمذي في سننه (عند كل صلاة) ج 1 ص 220.
4) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 7 ص 606.
243

وقال الشيخ (ره) في النهاية: وإن رأت الدم وقد رشح على القطنة إلا أنه لم
يسل وجب عليها الغسل لصلاة الغداة والوضوء لكل صلاة مما عداها وتغيير القطن
والخرقة. وبمعناه قال في المبسوط والخلاف. وكذا قال علم الهدى (ره) في
المصباح وابنا بابويه، وقال ابن الجنيد في المختصر: إن ثقب دمها تغتسل ثلاثة
أغسال، والتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرة واحدة.
وقال ابن أبي عقيل: إن لم يظهر على الكرسف فلا وضوء عليها ولا غسل،
وإن ظهر فعليها لكل صلاتين غسل يجمع بين الظهر والعصر يغسل وبين المغرب
والعشاء بغسل، وتفرد الفجر بغسل. والكلام معه إذا في فعلين أحدهما، إذا لم يظهر
على القطنة لأنها عندنا يجب الوضوء وعنده لا يجب، والثاني: إذا ظهر، عنده
يجب ثلاثة أغسال، وعندنا غسل واحد للصبح، والثلاثة تجب لو ظهر وسال، أما
الأول فقد سلف. وأما الثاني فلما رواه الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز،
عن زرارة قلت له: " النفساء متى تصلي. قال: تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين.
فإن انقطع الدم وإلا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت، فإن جاز الدم تعصبت
واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل،
وإن لم يجز الكرسف صلت الغداة بغسل واحد " (1).
وما رواه سماعة قال: " المستحاضة إذا ثقبت دمها الكرسف اغتسلت لكل
صلاتين وللفجر غسلا، فإن لم يجز الدم فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل
صلاة " (2).
فإن احتج بما رواه الحسين بن سعيد، عن القاسم، عن أبان، عن إسماعيل
الجعفي قال: " المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين، فإن لم تر الطهر

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 5 ص 605.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 6 ص 606.
244

اغتسلت واحتشت ولا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف، فإذا
ظهر أعادت الغسل أعادت الكرسف " (1) والجواب: الطعن في السند، فإن القاسم
ابن محمد واقفي، وأبان بن عثمان ضعيف، ذكر ذلك الكشي.
واعلم: أن الطعن كما يتطرق إلى هذه فالروايتان الأوليان أيضا كذلك، فإن
رواية زرارة المفتي فيها مجهول فلعله ممن لا يجب اتباع قوله، ولو قيل: هذا تقدير
لا يساعد عليه النظر، وزرارة على صفة العدالة فلا يقول إلا توفيقا.
قلنا: هو لم يفت وإنما أخبر ولا عهدة على المخبر إذا حكى القول وإن لم
يعلم صدقه، والأخرى عن عثمان بن عيسى وهو واقفي، وسماعة كذلك، ومع ذلك
فالرواية مرسلة لا نعلم القائل فيها، فإذن يتعين التوقف، والذي ظهر لي أنه إن ظهر
الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال، وإن لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها
الوضوء لكل صلاة، وستأتي الأخبار الدالة على ذلك، منها:
ما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان،
عن حماد بن عيسى وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " المستحاضة إذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر
تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلا، وتغتسل للفجر وتحتشي وتستثفر
ولا تحتشي وتضم فخذيها في المسجد، وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت
ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء " (2).
مسألة: وإن سال لزمها ثلاثة أغسال، هذا متفق عليه عند علمائنا، واختلف
الجمهور: فالشاذ قال: بالغسل ومنهم من اقتصر على الوضوء، ومنهم من لم يعده
ناقضا.

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 10 ص 607.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.
245

لنا ما رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن غير واحد
عن أبي عبد الله عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله " أنه قال لحمنة بنت جحش: تحيضي في كل
شهر في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثا وعشرين أو
أربعا وعشرين ليلة، واغتسلي للفجر غسلا، وأخرى الظهر وعجلي العصر، واغتسلي
غسلا، وأخرى المغرب وعجلي العشاء واغتسلي غسلا " (1) وروى الجمهور أيضا:
أنه عليه السلام أمر بذلك حمنة، وسهلة بنت سهيل.
وروى الحسين بن نعيم الصحاف، عن أبي عبد الله عليه السلام " في الحامل قال:
إذا لم ينقطع الدم إلا بعد الأيام التي كانت ترى فيها الدم بيوم أو يومين فلتغتسل
وتحتشي وتستثفر وتصلي الظهر والعصر، ثم لتنظر فإن كان الدم ما بينها وبين المغرب
لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصلي عند وقت كل صلاة، وإن كان الدم إذا
أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في
كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي وتصلي، تغتسل للفجر وتغتسل للظهر والعصر،
وتغتسل للمغرب والعشاء " (2).
وروى فضيل وزرارة عن أحدهما قال: " المستحاضة تكف عن الصلاة أيام
أقرائها وتحتاط بيوم أو يومين ثم تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات، وتحتشي لصلاة
الغداة، وتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر بغسل، وتجمع بين المغرب والعشاء
بغسل، فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها أن يغشاها " (3).
ثم اختلف الأصحاب: فقال المفيد (ره) في المقنعة: يصلي بوضوئها وغسلها
الظهر والعصر معا على الاجتماع، وتفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء، وتفعل مثل

1) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 8 ح 3 ص 547.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 7 ص 606.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 12 ص 608.
246

ذلك لصلاة الليل والغداة. واقتصر الشيخ (ره) في النهاية والمبسوط على الأغسال.
وكذا علم الهدى، وابنا بابويه، وظن غالط من المتأخرين: أنه يجب على هذه
مع الأغسال وضوء، مع كل صلاة، ولم يذهب إلى ذلك أحد من طائفتنا، وربما
يكون غلطه لما ذكره الشيخ (ره) في المبسوط والخلاف: " إن المستحاضة، لا تجمع
بين فرضين بوضوء فظن انسحابه على مواضعها، وليس على ما ظن، بل ذلك مختص
بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء.
والذي اختاره المفيد (ره) هو الوجه، وهو لازم للشيخ أبي جعفر، لأن عنده:
كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة، وإذا كان المراد بغسل الاستحاضة
الطهارة، لم يحصل المراد به إلا مع الوضوء.
أما علم الهدى فلا يلزمه ذلك، لأن الغسل عنده يكفي عن الوضوء فلا يلزمه
إضافة الوضوء إلى الغسل هنا، ويحتج بما رواه معاوية، وقد قدمنا خبره، وبما رواه
زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الطامث تقعد بعدد أيامها، كيف تصنع؟ قال:
تستظهر بيوم أو يومين، ثم هي مستحاضة فلتغتسل ولتستوثق من نفسها وتصلي كل
صلاة بوضوء ما لم ينفد الدم، فإذا نفد اغتسلت، وصلت " (1) وهذا التفصيل دليل
قطع الشركة.
وجوابنا: إن إيجاب الأغسال ليس بمانع من إيجاب الوضوء مع كل غسل
وبتقدير أن لا يكون مانعا يسلم قوله عليه السلام " كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل
الجنابة " (2) ومع سلامته، تناول موضع النزاع.

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 9 ص 607.
2) وهذه العبارة عبارة الشيخ المتقدم فانظر فذكره لما فيه من معنى الرواية.
247

فرع
قال بعض المتأخرين: إذا اجتمع عليها الوضوء والغسل توضأت للاستباحة
واغتسلت لرفع الحدث، تقدم الوضوء، أو تأخر، لأن على تقدير التقديم يكون
حدثها باقيا فلا يصح وضوءها لرفع الحدث، لأن حدثها باق ببقاء الغسل، وعلى
تقدير تأخر الوضوء يكون الحدث مرتفعا بالغسل، وهو فرق ضعيف، لأن الوضوء
والغسل إن كانا شريكين في رفع حدث الاستحاضة فهما سواء في النية، وإن كان كل
واحد منهما يجب بسبب غير الآخر، فلكل واحد أثر في رفع الحدث المختص به.
مسألة: وإذا فعلت ذلك صارت طاهرا، مذهب علمائنا أجمع: إن الاستحاضة
حدث، تبطل الطهارة بوجوده، فمع الإتيان بما ذكره من الوضوء إن كان قليلا، أو
الاغتسال إن كان كثيرا، يخرج عن حكم الحدث لا محالة، ويجوز لها استباحة كل
ما تستبيحه الطاهر من الصلاة، والطواف، ودخول المساجد، وحل وطؤها، ولو
لم تفعل ذلك كان حدثها باقيا، ولم يجز أن تستبيح شيئا مما يشترط فيه الطهارة.
ولو صامت، والحال هذه قال في المبسوط: روى أصحابنا أن عليها القضاء، وهل
يحرم على زوجها وطؤها؟ أومأ الأصحاب إلى ذلك ولم يصرحوا، ومعنى ما قالوه:
ويجوز لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. قاله ابن الجنيد، وبمعناه قال
المفيد في المقنعة، وعلم الهدى في المصباح، والشيخ في النهاية والمبسوط والجمل،
ولا ريب أنها إذا فعلت ما يجب عليها، حل للزوج وطؤها، أما لو أخلت فهل
تحرم؟ فيه تردد: والمفيد (ره) يقول: ولا يجوز لزوجها وطؤها، إلا بعد فعل
ما ذكرناه من نزع الخرق، وغسل الفرج بالماء.
والظاهر أنه لا يشترط في زوال التحريم غير ذلك، والأقرب أن المنع على
الكراهية المغلظة، لأنه دم مرض وأذى، فالامتناع فيه عن الزوجة أولى، ويدل على
248

رفع الخطر، قوله: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (يعني من المحيض) * (فإذا
تطهرن فآتوهن) * (1) يريد اغتسلن من الحيض، وقوله تعالى: * (والدين هم لفروجهم
حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) * (2).
ويؤيد ما ذكرناه من الحديث، ما رواه الجمهور: " إن حمنة بنت جحش
كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها، وكانت أم حبيبة، تستحاض وكان زوجها
يجامعها ". (3)
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان: عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سمعته يقول: المستحاضة لا بأس أن يأتيها بعلها إلا أيام قرئها " (4) ولأن الوطئ
لا يشترط فيه خلو الموطوءة من الحدث، كالحائض إذا انقطع دمها، والمرأة الجنب،
ولأن الأصل الحل، وهو سليم عن المعارض الشرعي فيعمل به.
ولو قيل: ما ذكرتموه من الأحاديث دال على جواز وطئ المستحاضة، ونحن
نقول به، لكن مع فعل ما يجب عليها فما المانع أن يكون ما تضمنته من جواز الوطئ
مشروطا بذلك؟ قلنا: الألفاظ مطلقة، والأصل عدم الاشتراط.
فإن احتج بما رواه زرارة قال: " المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها
وتستظهر بيوم أو يومين، وإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها وطؤها " (5) وفي " إذا "
معنى الشرط، فينتفي حل الوطئ عند انتفاء حل الصلاة، وبما رواه عبد الملك
ابن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته من المستحاضة كيف يغشاها زوجها؟

1) البقرة: 222.
2) المؤمنون: 5 - 6.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الحيض ص 329 (مع تفاوت).
4) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 24 ح 2 ص 567.
5) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 12 ص 608.
249

فقال: ينظر للأيام التي كانت تحيض فيها فلا يقربها، ويغشاها فيما سوى ذلك، ولا
يغشاها حتى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها إن أراد " (1) ولأن الاستحاضة أذى ومرض،
فيحرم الوطئ فيها، لأن المنع في زوال الحيض لكونه أذى كما قال تعالى: * (قل
هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * (2).
فالجواب: قوله: وإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها وطئها، الظاهر أن الحيض
لما كان مانعا من الصلاة، كان حل الصلاة بالخروج من الحيض، كما يقال: لا يحل
الصلاة في الدار المغصوبة، فإذا خرجت حل، معناه زال المنع الغصبي، وإن كان
بعد الخروج يفتقر إلى الطهارة، وهذا وإن لم يكن معلوما فإنه محتمل، ومع الاحتمال
لا يكون دليلا، ولا رواية الثانية يحتمل أن يكون الأمر بالاغتسال إشارة إلى غسل
الحيض، وهو الظاهر، لأنه اقتصر على مجرد الغسل.
مسألة: ولا تجمع المستحاضة بين صلاتين بوضوء، (و) هكذا ذكره الشيخ
(ره) في المبسوط، وهو اختيار الشافعي، وأجازه أبو حنيفة، لأن وضوئها لوقت
الصلاة، فإذا توضأت في وقت الظهر جاز أن تصلي في ذلك الوقت ما شاءت، وعلى
ما قاله المفيد يجوز أن تصلي بكل وضوء صلاتين، كما تغتسل لهما غسلا واحدا
وما ذكره الشيخ يريد إذا كان الاستحاضة قليلة، توجب الوضوء أو متوسطة، أما
إذا كان كثيرة فإنه لا يوجب مع الاغتسال وضوءا، فلا يكون مثل ذلك مرادا من
لفظه.
مسألة: وعليها " الاستظهار " في منع الدم من التعدي بقدر الإمكان، وكذا
يلزم من به السلس، والبطن، أما وجوب منع الدم: فيما سلف من الأحاديث الدالة
على وجوب الاحتشاء، من ذلك: رواية معاوية بن عمار قال: " تحتشي وتستثفر " (3).

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 3 ح 1 ص 609.
2) البقرة: 222.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 1 ص 604.
250

وفي رواية زرارة قال: " تستظهر بعد عادتها، ثم هي مستحاضة فلتغسل وتستوثق
من نفسها " (1) وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن تقطير البول قال: يجعل خريطة
إذا صلى " (2) ولأن كل واحد مما ذكر نجاسة، فيجب الاحتراز منها بقدر
الإمكان.
وفي رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم،
إذا كان في الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى،
يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب ويجعل العشاء
بأذان وإقامتين، ويفعل ذلك في الصبح " (3).
فرع
ولا يجب على من به السلس أو جرح لا يرقى، أن يغير الشداد عند كل
صلاة، وإن وجب ذلك في المستحاضة لاختصاص المستحاضة بالنقل، والتعدي
قياس.
الرابع: " غسل النفاس ": " النفاس " هو الدم الخارج من الرحم عقيب
الولادة، وهو مأخوذ من تنفس الرحم بالدم، يقال: نفست المرأة، ونفست بضم
النون وفتحها، وفي الحيض بفتح النون لا غير، والولد منفوس، ومن الحديث
" لا يرث المنفوس حتى يستهل صالحا " (4) ولا يكون نفاس إلا مع الدم ولو ولدت
تاما، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم، وللشافعي قولان.

1) الوسائل ج 2 أبواب الاستحاضة باب 1 ح 9 ص 607.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 9 ص 607.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 19 ح 1 ص 210.
4) الوسائل ج 17 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه باب 7 ح 1 و 2 و 5 (مع تفاوت).
251

لنا أن النفاس هو الدم المخصوص ولم يوجد، ولأن الأحكام المتعلقة بالنفاس
كتحريم الوطئ، وإيجاب الغسل، منفية بالبراءة الأصيلة فيثبت في موضع الدليل.
مسألة: ثم لا يكون الدم نفاسا حتى تراه بعد الولادة أو معها، هذا مذهب
الشيخين، قال في الخلاف: وما يخرج مع الولادة عندنا نفاس، وكذا قال في المبسوط،
وقال علم الهدى في المصباح: النفاس هو الدم الذي تراه المرأة عقيب الولادة وهو
اختيار أبي حنيفة، والتحقيق أن ما تراه مع الطلق ليس بنفاس، وكذا ما تراه عند
الولادة قبل خروج الولد، أما ما يخرج بعد ظهور شئ من الولد فهو نفاس، لأن
ما قبل ذلك هي حامل، ودم الحامل استحاضة على ما بيناه.
ويؤيد ذلك ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة يصبها
الطلق أياما أو يوما أو يومين فترى الصفرة أو دما، قال: تصلي ما لم تلد، فإن غلبها
الوجع ففاتها صلاة لم تقدر أن تصلي [تصليها]، فعليها قضاء تلك الصلاة بعدما
تطهر " (1) وهذه وإن كان سندها فطحية، لكنهم ثقات في النقل، ولا معارض لها.
ويؤيدها الأصل، وروى السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: " ما جعل الله
حيضا مع حبل " (2) يعني إذا رأت الدم وهي حامل، لا تدع الصلاة، إلا أن ترى على رأس الولد إذا ضربها الطلق، ورأت الدم تركت الصلاة و " السكوني " عامي،
لكنه ثقة، ولا معارض لروايته هذه، ولو وضعت مضغة كان كما لو وضعت جنينا،
لأنه دم جاء عقيب وضع حمل، أما العلقة والنطفة فلا يتعين معهما الحمل، فيكون
حكمه حكم دم الحائض.
مسألة: ولا حد لأقله، وفي أكثره روايات: أشهرها أنه لا يزيد عن أكثر
الحيض، أما أن الأقل لا حد له، فهو مذهب أهل العلم، خلا محمد بن الحسن،

1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 4 ح 1 ص 618.
2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 4 ح 2 ص 618.
252

فقد حكي أنه حده بساعة، وعن أحمد: أقله يوم، وليس شيئا، لأن الشرع لم يقدره
فيرجع إلى الوجود وقد حكي، إن امرأة ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فلم تر
دما فسميت الجفوف. وأما أن أكثره لا يزيد عن أكثر الحيض، هو مذهب الشيخ
في المبسوط والنهاية والجمل، وعلي بن بابويه، وللمفيد قولان:
أحدهما كما قلناه، والآخر: ثمانية عشر يوما، وهو اختيار علم الهدى، وابن
الجنيد، وأبي جعفر بن بابويه في كتابه، وقال ابن أبي عقيل في كتاب المستمسك:
أيامها عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أيام حيضها، وأكثره أحد وعشرون يوما، فإن انقطع
دمها في أيام حيضها صلت وصامت، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما، ثم
استظهرت بيوم أو يومين، فإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت
واستثفرت وصلت.
وقد روى ذلك البزنطي في كتابه، عن جميل، عن زرارة، ومحمد بن مسلم،
عن أبي جعفر عليه السلام، وقال الشافعي ومالك: " ستون يوما " وقال أبو حنيفة وأحمد:
" أربعون يوما ".
لنا مقتضى الدليل لزوم العبادة ترك العمل به في العشرة إجماعا، فيعمل به
فيما زاد، ولأن النفاس حيضة حبسها الاحتياج إلى غذاء الولد فانطلاقها باستغنائه
عنها، وأقصى الحيضة عشرة، ويؤيد ذلك النقل المستفيض عن أهل البيت عليهم السلام
منه ما رواه الفضيل وزرارة، عن أحدهما قال: " النفساء تكف عن الصلاة أيام أقرائها،
التي كانت تمكث فيها، ثم تغتسل وتعمل ما تعمله المستحاضة " (1).
ومثله روى يونس بن يعقوب، وروى مالك بن أعين قال: " سألت أبا جعفر
عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها؟ قال: نعم إذا مضي لها منذ وضعت
بقدر عدة أيام حيضها، لم تستظهر بيوم، ولا بأس يغشاها زوجها بعد أن يأمرها

1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 1 ص 611.
253

فتغتسل ثم يغشاها إن أراد " (1).
احتج المرتضى برواية محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
النفساء كم تقعد؟ فقال: إن أسماء بنت عميس أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل لثماني
عشرة ليلة " (2) وعن محمد أيضا قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام كم تقعد النفساء حتى
تصلي؟ قال: ثمانية عشر يوما، وسبعة عشر ثم تغتسل وتحتشي وتصلي " (3).
والجواب: إن ما ذكرناه أرجح، لأن النقل به أكثر، والكثرة أمارة الرجحان،
ولأنه أحوط للعبادة وأشبه بمقتضى الدليل، ولأن الخبر الأول لا يدل على تقدير المدة،
وغاية اتفاق السؤال والجواب عند انقضاء ثمانية عشر، والاتفاق لا يدل على التحديد.
وقد روى ما يدل على أن ذلك اتفاق لا تقدير، زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إن أسماء نفست بمحمد بن أبي بكر، فأهلت بالحج، فلما قدموا ونسكوا المناسك،
كان لها ثمانية عشر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تطوف بالبيت وتصلي ولم ينقطع
عنها الدم ففعلت ذلك " (4).
وأما ما ذكره ابن أبي عقيل فإنه متروك، والرواية به نادرة، وكذا ما تضمنه
بعض الأحاديث، من ثلاثين يوما، وأربعين، وخمسين، فإنه متروك لا عمل عليه،
وقال أبو جعفر بن بابويه: الأخبار التي وردت في قعودها أربعين، وما زاد إلى أن
تطهر معلولة كلها، ولا يفتي بها إلا أهل الخلاف،
واحتج أبو حنيفة بما روته أم سلمة قالت: " كانت النساء تجلسن على عهد
النبي صلى الله عليه وآله أربعين يوما أو أربعين ليلة " (5) وفي حديث أنس " وقت النفساء أربعون

1) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 7 ح 4 ص 612.
2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 15 ص 615.
3) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 12 ص 614.
4) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 19 ص 616.
5) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 341.
254

ليلة " (1).
والجواب عن الأول: ما ذكره أصحاب الحديث، من أنه لا يعرف إلا من
طريق " سهل " فإذا كان كذا فانفراده به مطرق للتهمة، لأنه من الأمور العامة
فاختصاصه به موهم، خصوصا وقد خفي عن مالك مع قرب عهده وعنايته بالنقل،
وإنكاره له حجة قوية على ضعفه، والحديث الثاني موقوف على " أنس " ونقل
الفتوى منه، ولا يقال: ليس إليه التقدير فيكون قوله توفيقا.
لأنا نقول: بل يمكن أن يقوله اجتهادا فقد قال بعض الفقهاء: إن النفاس دم
الحيض، ومدة احتباسه لأقل الحمل ستة أشهر، وغالب أحوال النساء في الحيض
ستة أو سبعة، فإذا جعلنا شهرين ستة، كان اثني عشر، وأربعة أشهر سبعة، كان ثمانية
وعشرون، وجملة ذلك أربعون.
فقد تبين أن ذلك مما يصح الاجتهاد فيه فلا يوثق بأنه قاله توفيقا، وما ذكر
من هذا التخريج ضعيف أيضا، لأن الدم لا يحتبس بل يغتذي به الولد ما دام حملا،
وعند انفصاله يخرج ما كان يندفع إليه للتغذية، فيكون حيضة واحدة، وأما الشافعي:
فإنه تعلق بأقيسة ضعيفة، والقياس عندنا باطل، فلا نتشاغل بجوابه.
مسألة: ويعتبر حالها عند انقطاعه قبل العشرة، فإن خرجت القطنة نقية
اغتسلت، وإلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة، يدل على ذلك أن هذه المدة هي
أكثر الحيض فيكون أكثر النفاس، لأن النفاس حيضة.
ويؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة
ولدت فرأت الدم أكثر ما كانت ترى، قال: فلتقعد أيام قرئها، ثم يستظهر بعشرة
أيام، فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند كل صلاة، وإن رأت صفرة فلتتوضأ ثم لتصل " (2)

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 343.
2) الوسائل ج 2 أبواب النفاس باب 3 ح 3 ص 612.
255

ولو قيل: قد رويتم أنها تستظهر بيوم أو يومين، قلنا: هذا تختلف بحسب عوائد
النساء فمن عادتها تسع تستظهر في النفاس بيوم، ومن عادتها ثمان تستظهر بيومين،
وضابطه: البقاء على حكم النفاس ما دام الدم مستمرا حتى يمضي لها العشرة ثم تصبر
مستحاضة.
فروع
أ: ما تراه بعد أكثر النفاس بحكم الطهر ولو أطبق صبيبا، لأن الحيض لا يتعقب
النفاس ما لم يفصل بينهما طهر، وأقله عشرة.
ب: إذا رأته عقيب الولادة ولو لحظة فهو نفاس، فإن انقطع اغتسلت وصلت
وصامت، ولو عاد قبل العاشر أو فيه كان العائد نفاسا وما بينهما من النقاء نفاسا أيضا،
وتقضي صومها إن كان واجبا، لأنه لا يكون الطهر أقل من عشرة، ولو لم تر إلا
العاشرة مثلا كان ذلك هو النفاس دون ما قبله من النقاء، لأن النفاس مشتق من تنفس
الرحم بالدم ولم يحصل.
ج: لو لم تر دما حتى انقضى العاشر لم يكن لها نفاس، لأنه لا دم، ثم إن
استمر ما رأته بعد العاشر ثلاثا فهو حيض، وإن رأته أقل فهو استحاضة، ولو عاد
قبل العشرة الثانية ما يتم به ثلاثة فإن قلنا برواية يونس، كان الدم حيضا وما بينهما
أيضا، وإن اشترطنا توالي الثلاثة فهو استحاضة لفوات الشرط، وكذا لو رأت بعد
العاشر ساعة دم وساعة طهرا واجتمع ثلاثة أيام في عشرة كان الدم حيضا على الرواية
وما يتخلله، وعلى القول الآخر هو استحاضة.
د: لو كانت عادتها في الحيض خمسة من كل شهر، ونفست عشرا ثم طهرت
شهرا مرتين أو مرارا، ثم استحيضت رجعت إلى عادتها في الحيض ولم تغتسل بغير
الطهر.
256

ه‍: لو ولدت توأمين، فما بعد الثاني ابتدأ نفاس يستوفي العدة منه، لأنه
دم تعقب ولادة، وفيما رأته بعد ولادة الأول تردد: منشأه أنها حامل ولا حيض ولا
نفاس مع حمل، والأشبه أنه نفاس أيضا، لحصول مسمى النفاس فيه وهو ينفس
الرحم به بعد الولادة فيكون لها نفاسان، فإن استمر الثاني قعدت عشرة ولو كان
ما بين الولادتين عشرة أو أكثر.
ق: لا يرجع النفساء مع تجاوز الدم إلى عادتها في النفاس، ولا إلى عادتها
في الحيض، ولا إلى عادة نسائها، بل تجعل عشرة نفاسا وما زاد استحاضة حتى
يستوفي عشرة، وهو أقل الطهر، وفي رواية: تجلس مثل أيام أمها وأختها وخالتها
وتستظهر بثلثي ذلك، والرواية ضعيفة، والسند شاذة.
مسألة: و " النفساء " " كالحائض " فيما يحرم عليها ويكره، كذا ذكره في
المبسوط. وبمعناه قال في النهاية والجمل، وهو مذهب أهل العلم لا أعلم فيه
خلافا.
مسألة: وغسلها واجب كغسل الحائض، وهو مذهب العلماء كافة، ويؤيده
الأحاديث التي سلفت في أكثر النفاس، ولا تستبيح النفساء الصلاة بمجرد الغسل
بل لا بد معه من الوضوء، والخلاف فيه كما مر في الحائض، وهي مخيرة في تقديم
الوضوء على الغسل وتأخيره والتقديم أفضل، وبه قال الشيخ في المبسوط، وقال
في الجمل بوجوب تقديم الوضوء في غسل الحائض والنفساء على الغسل. وكذا
قال الراوندي في الرابع.
لنا رواية محمد بن أبي عمير، عن حماد أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في
كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة " (1) ولا يمكن حمل لفظة " في " على ظاهرها،
فتحمل على أقرب حروف الصفات احتمالا هنا، وهو " مع " والمعية يحتمل القبل

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.
257

والبعد، ولأن القدر المتفق عليه حصول الطهارة بهما، ومع تساويهما في التعبد
وعدم النص على وجوب تقديم أحدهما يتحقق التخيير، وأما استحباب التقديم
فبرواية ابن أبي عمير أيضا، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل غسل قبله
وضوء إلا غسل الجنابة " (1) ولا تقوى الرواية أن تكون حجة في الوجوب، فاقتصر
على الاستحباب.
الخامس: " في غسل الأموات " والنظر في أمور أربعة:
الأول: " الاحتضار ":
مسألة: استقبال القبلة بالميت واجب على أحوط القولين، هذا مذهب المفيد
(ره) في المقنعة وسلار، لما روي عن علي عليه السلام قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على
رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة، فقال: وجهوه
إلى القبلة، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة " (2) وروى معاوية بن عمار
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة " (3).
وعن سليم بن خالد، عنه عليه السلام قال: " إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه
القبلة، وكذلك إذا غسل " (4) ولأنه مسنونة للمسلمين مستمرة بين الصحابة والتابعين
وظاهرها الوجوب. وقال الشيخ في الخلاف يستحب أن يستقبل بها القبلة. وهو
مذهب الجمهور، خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره.
واعلم: أن ما استدللنا به على الوجوب ضعيف، لأن التعليل في الرواية
كالقرينة الدالة على الفضيلة، مع أنه أمر في واقعة معينة فلا يدل على العموم، والأخبار

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 1 ص 516.
2) الوسائل ج أبواب الاحتضار باب 35 ح 6 ص 662.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 4 ص 662.
4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.
258

الآخر المنقولة عن أهل البيت ضعيفة السند لا يبلغ أن تكون حجة في الوجوب،
فإذن ما ذكره الشيخ أولى، لأن استقبال القبلة في مواطن الأدعية والاسترحام حسن
على كل حال، وإنما قلنا: أحوطهما الوجوب، لأن معه يحصل احتياط في التعبد
واستظهار في البراءة.
مسألة: وكيفية الاستقبال: أن يجعل باطن قدميه إلى القبلة ويلقى على ظهره،
وهو مذهب علمائنا أجمع وقال الشافعي: إن كان الموضع ضيقا كما قلناه، وإن
كان واسعا أضجع على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة كما يفعل به في الدفن. لنا
ما رواه إبراهيم الشعري، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يستقبل بوجهه
القبلة ويجعل باطن قدميه مما يلي القبلة " (1).
مسألة: والمسنون: نقله إلى مصلاه، وتلقينه الشهادتين، والإقرار بالنبي صلى الله عليه وآله
وبالأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج تلقينا لسهولة، روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى المصلى الذي كان يصلي
فيه " (2) ولأن مواطن الصلاة مظنة الرحمة، وهو مقام استرحام.
روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا حضرت الميت قبل أن يموت،
فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله " (3) وروى أبو بصير، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: " لو أدركت عكرمة عند الموت لعلمته كلمات ينتفع بها، قلت:
جعلت فداك وما تلك الكلمات؟ قال: هو ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم عند الموت
شهادة ألا إله إلا الله، والولاية " (4) وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام كلام أبي جعفر
مثل ذلك.

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 3 ص 662.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 40 ح 1 ص 669.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 36 ح 1 ص 662.
4) الوسائل ج 3 أبواب الاحتضار باب 37 ح 2 ص 665.
259

وروي زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا أدركت الرجل عند النزع
فلقنه كلمات الفرج، وهي: لا إله إلا الله الحكيم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما تحتهن ورب
العرش العظيم والحمد لله رب العالمين " (1).
وكان أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر أحدا من أهل بيته الموت قال: " قل:
لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات
السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين
فإذا قالها قال: اذهب فليس عليك بأس " (2) ولا تحرك ولا تقبض على شئ من أعضائه
إن حركها، ولا تظهر له الجزع عليه لئلا تضعف نفسه، فتكون إعانة على موته.
وتقرأ عنده القرآن، روي سليمان الجعفري قال: " رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول
لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك والصافات صفا حتى تستتمها، فقرأ
فلما بلغ * (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) * قضى الفتى فلما سجى وخرجوا أقبل عليه
يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت تقرء عنده (يس) فصيرت
تأمر بالصافات، فقال: يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله
راحته " (3).
وقال أحمد بن حنبل: يستحب أن يقرأ عنده القرآن ليخفف عنه بقرائته،
تقرأ (يس وفاتحة الكتاب) وكل ذلك حسن عندنا، واعلم أن تلاوة القرآن مستحبة
قبل خروج روحه ليسهل الله عليه الموت، وبعد خروجها استدفاعا عنه.
مسألة: وأن يغمض " عيناه " ويطبق " فوه " إذا مات، ويغطى بثوب، روي

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 38 ح 1 ص 666.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 38 ح 3 ص 666.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 41 ح 1 ص 670.
260

أحمد مسندا عن سداد بن أوس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا حضرتم موتاكم
فاغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرا، فإنه يؤمن على ما قاله أهل
البيت عليهم السلام " (1).
وروي أن عمر قال لولده: إذا رأيت روحي قد بلغت لهاتي، فضع كفك
اليمنى على جبهتي واليسرى تحت ذقني واغمضني. ولأنه لو لم يغمض ولم يطبق
فوه ويرد على حاله قبح منظره، ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو كهمس قال:
" حضرت موت إسماعيل بن جعفر عليه السلام وأبوه جالس عنده، فلما حضره الموت شد
لحيته، وغمضه وغطى عليه الملحفة " (2) ومثله روى زرارة.
مسألة: وتمد يداه إلى جنبيه وساقاه إن كانتا منقبضين ولم يمتنعا، ذكر ذلك
الشيخان وابن الجنيد. ولم أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت عليهم السلام، ولعل ذلك
ليكون أطوع للغاسل وأسهل للدرج.
مسئلة: ويسرج عنده إن مات ليلا، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط والمقنعة
وقد روي سهل بن زياد، عن عثمان بن عيسى،، عن عدة من أصحابنا قال: " لما
قبض أبو جعفر عليه السلام أمر أبو عبد الله عليه السلام بالسراج في البيت الذي يسكنه حتى قبض
أبو عبد الله عليه السلام ثم أمر أبو الحسن عليه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله عليه السلام " (3) و " سهل "
ضعيف و " عثمان بن عيسى " واقفي، والرواية حكاية حال فهي ساقطة لكنه فعل
حسن، قال الشيخان: يسرج عنده إلى الصباح وهو حسن أيضا، لأن علة الإسراج
غايتها الصباح.
مسألة: ويكون عنده من يذكر الله سبحانه، ولا يترك وحده، روي ذلك

1) سنن ابن ماجة ج 1 كتاب الجنائز ص 468.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 44 ح 3 ص 672.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 45 ح 1 ص 673.
261

أبو خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ليس من ميت يموت ويترك وحده إلا لعب
الشيطان في جوفه " (1).
مسألة: ويعلم المؤمنون بموته وهو اختيار الشيخ في المبسوط. وبه قال
أحمد. وقال الشيخ في الخلاف: فأما النداء فلا أعرف فيه نصا، وقال الشافعي
يكره النداء، وقال أبو حنيفة لا بأس.
لنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يموت منكم أحد إلا آذيتموني " (2)
وعن ابن عمر، أنه قال: لما نعي إليه رافع بن خديج قال: ما تريدون أن تصنعوا؟
قالوا: نحبسه حتى يرسل إلى قبا وإلى قريات بالمدينة ليشهدوا جنازته، قال: نعم.
ومن طريق الأصحاب، ما رواه الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، وعبد الله
ابن سنان، جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان
الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه ويستغفرون له، فيكتب لهم الأجر وللميت
الاستغفار ويكتسب هو الأجر بما اكتسب لهم " (3) وأقول: إنه لا بأس بالنداء لما
يتضمن من الفوائد المشارة إليها وخلوه من منع شرعي.
مسألة: ويعجل تجهيزه إلا مع الاشتباه، المستحب: مع تحقق موته، تعجيله
لأنه أحفظ له أن يتغير، وهو إجماع أهل العلم، لقوله عليه السلام " لا ينبغي لجيفة المسلم
أن تحبس بين ظهراني أهله " (4) ومن طريق الأصحاب: ما روى السكوني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مات الميت أول النهار فلا يقيل
إلا في قبره " (5).

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 42 ح 1 ص 671.
2) رواه البيهقي في سننه مع تفاوت يسير ج 4 ص 48.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 1 ح 1 ص 762.
4) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 386.
5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 47 ح 5 ص 676.
262

ومن طريق آخر عنه عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " لا تنتظروا بموتاكم
طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله " (1) ويجب التربص
بهم مع الاشتباه حتى تظهر علامات الموت، وحده العلم، وهو إجماع لئلا يعاون
على قتل المسلم، روي إسماعيل بن عبد الخالق قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: خمسة
ينتظر بهم إلا أن يتغيروا الغريق والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن " (2).
وفي رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " كيف يستبرأ الغريق؟ قال:
يترك ثلاثة أيام قبل أن يدفن إلا أن يتغير، فيغسل ويدفن، وكذلك صاحب الصاعقة
فربما ظن أنه مات ولم يمت " (3) وكذا رواية هشام بن الحكم. وفي رواية محمد
ابن علي بن أبي حمزة " يتربص بالغريق والمصعوق ثلاثا إلا أن يجئ منه ريح تدل
على موته، قلت: كأنك تخبرني بأنه دفن ناس كثير أحياءا؟ فقال نعم دفن ناس كثير
أحياءا ما ماتوا إلا في قبورهم " (4).
مسألة: والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، هذا مذهب
الأصحاب ورواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقروا
المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى ينزل ويدفن " (5).
مسألة: ويكره أن يحضر الميت جنب أو حائض، إنما أخرنا هذا الحكم
وهو متقدم في الترتيب؟ لما وضعنا عليه قاعدة الكتاب من البدأة في كل قسم بالواجب
واتباعه بالندب وتأخير المكروه، فاقتضى ذلك تأخير هذا الحكم، وبكراهة ذلك

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار با 47 ح 1 ص 674.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 2 ص 676.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 3 ص 677.
4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 48 ح 5 ص 677.
5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 49 ح 1 ص 678.
263

قال أهل العلم.
روى يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين، ولا بأس أن يليا غسله " (1).
وروي الحسن بن محبوب، عن علي بن أبي حمزة قلت لأبي الحسن:
" المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت. فقال لا بأس أن
يمرضه، وإذا خافوا عليه وقرب ذلك فلتنح عنه وعن قربه، فإن الملائكة تتأذى
بذلك " (2) والحديثان وإن ضعف سندهما فإن فتوى الفضلاء بكراهية ذلك، وقيل:
لا يترك على بطنه حديد، إنما قلنا: قيل لأنه لم يثبت عن أهل البيت به نقل، بل
ذكر ذلك الشيخان وجماعة من الأصحاب، وقال الشيخ في التهذيب: سمعنا ذلك
مذاكرة. وقال ابن الجنيد: يضع على بطنه شيئا يمنع من ربوها.
مسألة: غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية، وهو
مذهب العلماء كافة، وأولى الناس به أولاهم بذلك، لرواية غياث، عن جعفر،
عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: " يغسل الميت أولى الناس به " (3) و " غياث " بتري
لكنه ثقة، والزوج أحق من غيره لرواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها " (4) ومضمون الرواية متفق عليه، وسيأتي
له تفصيل في باب الصلاة إن شاء الله تعالى.
مسألة: والواجب أمامه إزالة النجاسة عن بدنه، لأن المراد تطهيره وإذا
وجب إزالة الحكمية عنه فوجوب إزالة العينية عنه أولى، ولئلا ينجس ماء الغسل
بملاقاتها، ولما روي يونس، عنهم عليهم السلام " امسح بطنه مسحا رفيقا فإن خرج منه شئ

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 43 ح 2 ص 671.
2) الوسائل ج 2 أبواب الحيض باب 46 ح 1 ص 595.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت با ب 26 ح 1 ص 718.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 26 ح 2 ص 853.
264

فانقه " (1) وفي وجوب النية على الغاسل عندي تردد: وقد قال الشيخ في الخلاف:
بوجوبها واستدل بإجماع الفرقة، ومنشأ التردد أنه تطهير للميت من نجاسة الموت
فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب النجس، والأحوط ما ذكره الشيخ.
مسألة: ويجب تغسيله ثلاث مرات، أولا بماء السدر، ثم بماء الكافور،
ثم بالماء القراح، ولا يجوز الاقتصار على الواحدة إلا عند عوز الماء، وهو مذهب
الأصحاب خلا سلار فإنه اقتصر على الوجوب على المرة بالماء القراح وما زاد على
الاستحباب، وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، غير أن أبا حنيفة لا يستحب
الكافور للماء، والشافعي وأحمد يجعلانه أخيرا.
لنا حديث أم عطية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين توفت ابنته قال: اغسلها ثلاثا
أو خمسا أو أكثر " (2) والتخيير فيما زاد على الثالث فيثبت الثلاث وجوبا وفي
حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله غسلوه بماء وسدر " (3) ومن طريق أهل البيت
عليهم السلام ما رواه الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " يغسل الميت ثلاث غسلات، مرة
بالسدر، ومرة بالماء يطرح فيه الكافور، ومرة أخرى بالماء القراح " (4).
وعن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " اغسله بماء وسدر ثم اغسله على
أثر ذلك أخرى بماء كافور، وذريرة إن كانت، واغسله الثالثة بماء قراح ثلاث
غسلات لجسده، قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: إن استطعت يكون عليه
قميص تغسله من تحته، وقال: أحب لمن غسل ميتا أو يلف على يديه الخرقة حتى
يغسله " (5).

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 389.
3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 391.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 4 ص 681.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 1 ص 680.
265

مسألة: " الترتيب " في الغسل واجب عندنا، يبدأ بالرأس ثم بالجسد، وهو
اتفاق فقهاء أهل البيت عليهم السلام. وقال الباقون بالاستحباب. لنا ما رووه عنه عليه السلام " لما
توفت ابنته قال: للنساء أبدان بميامنها " (1).
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عورته أما قميصا وإما
غيره، ثم يبدأ بكفيه ويغسل رأسه ثلاث مرات بالسدر، ثم سائر جسده، وابدأ بشقه
الأيمن ثم اجعل يدك من تحت الثوب الذي على فرجه واغسله من غير أن ترى عورته،
فإذا فرغت من غسله فاغسله مرة أخرى بماء وكافور وشئ من حنوطه، ثم اغسله
بماء غسلة أخرى، فإذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثم جففته " (2)
ولأن ذلك سنة لسلف وكيفيته أمر مطلق فيكون واجبا، ولأنا بينا وجوب الترتيب
في غسل الجنابة فثبت هنا، لما روي محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " غسل
الميت مثل غسل الجنب " (3) ولأن من أوجب الترتيب في غسل الجنابة أوجب هنا،
والفرق منفي بالإجماع.
فرع
ولا يزاد على الغسلات الثلاث، وقال الشافعي إن لم ينق بثلاث فخمسا، ولم
يقدره مالك. لنا هو عبادة شرعية فيقف تقديرها على النقل.
مسألة: لو تعذر السدر كفت المرة بالقراح تمسكا بالأصل، ولأن المراد
بالسدر الاستعانة على إزالة الدرن، وبالكافور تطيب الميت وحفظه بخاصية الكافور

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 388.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 3 ح 1 ص 685.
266

من إسراع التغيير وتعرض الهوام، ومع عدمها فلا فائدة في تكرار الماء مع حصول
النقاء.
مسألة: وفي وجوب الوضوء قولان، والاستحباب أشبه، قال الشيخ في
المبسوط: وقد قيل: أنه يوضأ الميت، فمن عمل به كان جائزا غير أن عمل الطائفة
على ترك العمل بذلك، لأن غسل الميت كغسل الجنابة، ولا وضوء في غسل الجنابة.
وقال في الخلاف: غسل الميت كغسل الجنابة ليس فيه وضوء. وقال بعض أصحابنا:
يستحب فيه الوضوء، وقال المفيد (ره) في المقنعة: ثم يوضأ الميت فيغسل وجهه
وذراعيه ويمسح برأسه وظاهر قدميه. وقال الشيخ في الاستبصار باستحبابه.
لنا ما رواه حريز قال: " أخبرني أبو عبد الله عليه السلام قال: الميت يبدأ بفرجه ثم
يوضأ وضوء الصلاة " (1) وما رواه الوشا، عن أبي خثيمة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إن أبي أمرني أن أغسله (وساق الحديث) إلى أن قال: ثم يوضه وضوء
الصلاة " (2).
وإنما حملنا ذلك على الاستحباب، لما روي من النقل المستفيض عن أهل
البيت عليهم السلام في كيفية غسل الميت وانتقالهم من تليين أصابعه وغسل يديه إلى غسل
رأسه وجسده من غير ذكر الوضوء، روي ذلك عدة من الأصحاب منهم الحلبي
عليه الرحمة، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعبد الله الكاهلي عنه أيضا، ويعقوب بن عبد
الصالح.
ولا يقال: رواية ابن أبي عمير، عن حماد أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام
" في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة " (3) يدل على الوجوب، لأنا نقول: لا يلزم

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 6 ح 1 ص 689.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 6 ح 4 ص 689.
3) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 ص 516.
267

من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجبا، بل من الجائز أيكون غسل الجنابة
لا يجوز فعل الوضوء فيه، وغيره يجوز، ولا يلزم من الجواز الوجوب فإذا الاستحباب
أشبه.
مسألة: إن قلنا باستحباب الوضوء فلا يمضمض الميت ولا يستنشق، وبه
قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: يمضمض [الميت] ويستنشق. لنا أن ذلك لا يتيسر إلا
بقلب الميت على وجهه ليخرج الماء فيه وأنفه وذلك إهانة لم يعتبرها الشرع، وربما
وصل إلى جوفه فخرج في أكفانه وهو أذى فاجتنابه أولى.
مسألة: ولو خيف من تغسيله تناثر جلده يتيمم، ويستحب إمراره يد الغاسل
على جسد الميت، فإن خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اقتصر الغاسل على
صب الماء من غير إمرار، ولو خيف من الصب لم يغسل ويتيمم، ذكر ذلك الشيخان
في المبسوط والمقنعة والنهاية، وابن الجنيد.
وأما الأولى: فلأن الإمرار مستحب وتقطيع جلد الميت محظور فيتعين العدول
إلى ما يؤمن معه تناثر الجسد.
ويؤيد هذا الاعتبار ما رواه محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط، عن ضريس
عن علي بن الحسين عليه السلام أو عن أبي جعفر قال: " المجدور والكسير والذي به القروح
يصب عليه الماء صبا " (1).
وأما الثانية: فلأن التيمم طهارة لمن تعذر عليه استعمال الماء، ويؤيد ذلك
ما رواه عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عن آبائه، عن علي عليه السلام " قال: إن قوما
أتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله مات صاحب لنا وهو مجدور، فإن غسلناه
انسلخ، قال: تيمموه " (2) وهذه الرواية وإن كان إسنادها ضعيفا إلا أن الأصول

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت با ب 16 ح 1 ص 702.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 16 ح 3 ص 702.
268

تؤيدها، قال الشيخ: وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي، وعلى قول الشيخ يكون
المسألة إجماعية، لأن خلاف الأوزاعي منقرض.
فرع
قال المفيد رحمه الله في المقنعة: وإذا لم يوجد للميت ماءا إما لعدمه، أو لعدم
ما يتوصل به إليه، أو لنجاسة الماء، أو لكونه مضافا يتيمم بالتراب، وكذا إن منع
من استعماله ضرورة الحي إلى شربه تيمم الميت، فهذا حسن، لأنه حالة ضرورة
والتيمم بدل من الماء فيجتزء به.
مسألة: وسنن الغسل يشتمل مسائل:
الأولى: أن يوضع الميت على مرتفع موجها إلى القبلة. (في هذا الكلام
حذف) تقديره: على شئ مرتفع، وحذف الموصوف كثير في كلام العرب،
وإنما استحب المرتفع لئلا يرجع إليه ماء الغسل. قال في المبسوط: يجعل على
ساحة أو سرير، وما ذكره حسن، لأنه أحفظ لجسد الميت من التلطخ، وأما الاستقبال
في التغسيل فهو اتفاق أهل العلم، لكن عندنا يستقبل بباطن قدميه ليكون وجهه إلى
القبلة، ويدل عليه من طريق أهل البيت عليهم السلام روايات، منها: رواية الكاهلي، عن
أبي عبد الله عليه السلام " سئل عن غسل الميت، قال: استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون
وجهه مستقبل القبلة " (1).
مسئلة: ويفتق جيبه وينزع ثوبه من تحته، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط
والنهاية والمقنعة. ولعل ذلك لئلا يخرج ما يفسد به، وكذا استحباب جذبه من أسفله
لئلا يكون فيه ما يلطخ أعالي بدنه، ولا يقال: يلزم لو خلا من النجاسة إلا أن لا
يكون هذه الكيفية.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.
269

لأنا نقول: العلم بخلوه من النجاسة متعذر وغلبة الظن بالنجاسة موجودة،
إذ المريض من شأنه ذلك خصوصا عند خروج الروح، ولما كان ذلك غالبا استحبه
الشيخان استظهارا، ثم بالغ الشيخ المفيد رحمه الله في المقنعة بأن قال: يفتق جيبه
أو يخرق ليتسع عليه. ولعل ذلك إذا لم يكن ما يتسر به عورته، والأقرب إن نزعه
كذلك إذا أريد ستر عورته في حال الغسل ثم ينزع بعد الغسل من أسفله، وتبين
ذلك رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ثم يخرق القميص إذا فرغ
من غسله وينزع من رجليه " (1).
مسألة: ويستر عورته، هذا مذهب الجميع، لأن النظر إلى العورة حرام،
نعم لو كان الغاسل ممن لا يبصر أو مبصرا يتيقن من نفسه كف بصره عن العورة
بحيث يثق السلامة من الورطة والغطلة لم يجب، لأن الستر إنما هو لمنع الأبصار،
فإذا أمكن من دون السترة لم يجب، لكن الأحوط الستر ليحصل الأمن من ذلل
الطبع والغفلة. قال الشيخ في المبسوط. ينزع قميصه ويترك على عورته ما يسترها.
وكذا في النهاية.
وقال في الخلاف: يستحب غسله عريانا مستور العورة، إما بقميصه، أو ينزع
القميص ويترك على عورته خرقة، ومعنى قوله رحمه الله: " بقميصه " أن يخرج
يديه من القميص ويجذبه منحدرا إلى سرته ويجمعه على عورته ويجرد ساقيه فيصير
كالعاري عدا العورة.
روى يونس عنهم قال: " وإن كان عليه قميص فاخرج يديه منه واجمعه على
عورته وارفعه من رجليه إلى فوق الركبة " (2) وقال الشافعي: يغسل في قميص كما
غسل رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال أبو حنيفة: يغسل عريانا مستور العورة، والوجه جواز

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 8 ص 737.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.
270

الأمرين، لكن تغسيله عريانا مستور العورة بخرقة أفضل.
أما الجواز: فلما رواه النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان
ابن خالد قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الميت، قال: يغسل بماء وسدر
واغسل جسده كله واغسله أخرى بماء وكافور ثم اغسله أخرى بماء، قلت: فما يكون
عليه حين تغسيله؟ قال: إن استطعت أن يكون عليه قميص تغسل من تحت القميص " (1).
وما رواه يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح عليه السلام قال: " ولا يغسل إلا في
قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه ويجعل في الماء شئ من سدر وشئ
من كافور ولا يعصر بطنه إلا أن يخاف شيئا فيمسح مسحا رفيقا من غير أن يعصر، ثم
يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات " (2) وعن الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ما يستر عورته
إما قميصا أو غيره " (3).
وأما أن تجريده أفضل، فلأنه أمكن للتطهير ولأن الثوب قد ينجس بما يخرج
من الميت ولا يطهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل، واحتج الشافعي: بأن
النبي صلى الله عليه وآله غسل في قميص، والجواب: يمكن أن يكون ذلك للأمن في طرفه من
تلطخ الثوب وتعذر ذلك في غيره.
فرع
وفي وجوب ستر عورة الصبي تردد، أقربه أنه لا يجب، وحده ما يجوز للنساء
تغسيله مجردا، لأن جواز نظر المرأة يدل على جواز نظر الرجل.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 6 ص 682.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 7 ص 683.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.
271

مسألة: ثم تلين أصابعه برفق، فإن تعسر ذلك تركها، وهو مذهب أهل البيت
عليهم السلام، وفي بعض أحاديثهم تلين مفاصله، وبه قال أحمد. وقال أصحاب الشافعي:
إنما تلين عند الموت. لنا أن انقباض كفه يمنع التمكين من تطهرها فيلينها مع التمكن
لينبسط لتحصيل التطهير.
فرع
ولا تلين أصابعه ولا مفاصله بعد الغسل، لأن وظائف الميت مستفادة عن
صاحب الشرع، ومع عدم الدلالة فلا توظيف، قال في المبسوط: وهو مذهب
الأصحاب، ذكر ذلك في الخلاف.
مسألة: ثم يجعل الغاسل على يده خرقة ويدخل يده تحت السرة وينقي
عورتيه، وهو إجماع، ويؤيده ما رواه يونس، عنهم قال: " يغسل يده ثلاث مرات
كما يغتسل الإنسان من الجنابة إلى نصف الذراع، واغسل فرجه وانقه " (1) وفي
رواية الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام " ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله
ثلاث غسلات " (2).
مسألة: ويغسل رأسه وجسده برغوة السدر، وهو مذهب فقهاء أهل البيت
عليهم السلام، وممن روى ذلك معاوية بن عمار قال: " أمرني أبو عبد الله عليه السلام أن أوضيه ثم
أغسله بالأشنان وأغسل رأسه بالسدر ولحيته، ثم أفيض على جسده منه، ثم أدلك
به جسده " (3).
مسألة: ويبدأ بغسل يديه قبل رأسه، ثم يغسل رأسه، يبدأ بشقه الأيمن، ثم

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت با ب 2 ح 3 ص 680.
2) الوسائل ح 2 أبواب غسل الميت با ب 2 ح 5 ص 681
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 8 ص 683.
272

الأيسر، ويغسل كل عضو ثلاثا في كل غسل، وهو مذهب فقهائنا أجمع.
ويؤيده رواية الكاهلي [الكابلي]، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ثم تحول
إلى رأسه ولحيته، ثم تثني بشقه الأيسر " (1) وأما تكرار الغسلات على كل في كل غسلة
فعليه إجماع الأصحاب، ويؤيده رواية الكاهلي ورواية يونس، وفي الطريق إلى
الكاهلي " محمد بن سنان " وهو ضعيف، ورواية يونس مرسلة فضعفها إذا مستحق
لكن عمل الأصحاب على مضمونها ظاهر، ويمسح بطنه أمام الغسلتين الأوليين إلا
الحامل، المقصود بالمسح خروج ما لعله بقي من الميت، فإن مسح بطنه يخرج ذلك
لاسترخاء أعضائه وخلوها عن القوة الماسكة، وإنما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل
ما يؤذي الكفن، ولا يمسح في الثالثة وهو إجماع فقهائنا، وقال الشافعي: يمسح في
الثالثة أيضا. لنا أن المسحتين يأتيان على المطلوب، فالثالثة كلفة، ولأن المسحتين
متفق عليهما فيقتصر على المتفق.
ويؤيده رواية يونس عنهم، فإنها تضمنت المسح في الثانية ولم يذكر الثالثة
وقولنا: إلا أن يكون حبلى، لأنه لا يؤمن معه الإجهاض وهو غير جائز، كما لا يجوز
التعرض لإجهاض الحية.
ويؤيد ذلك ما روته أم أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " إذا توفت
المرأة فأرادوا أن يغسلوها فليبدأ ببطنها فليمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، فإن
كانت حبلى فلا تحركها " (2).
فرع
إن خرج من الميت شئ بعد إكمال الثلاث، فإن لم يكن ناقضا غسل، وإن

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 5 ص 681.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 4.
273

كان أحد النواقض ففي إعادة الغسل قولان، أحدهما: يعاد، ذهب إليه ابن أبي عقيل
ليخرج من الدنيا طاهرا، والآخر: لا يعاد، وتغسل النجاسة، وهو الذي يظهر من
كلام الباقين، وقال الشافعي: يعاد الوضوء كما في الحي.
لنا أن حدث الحي لم يبطل به الطهارة السابقة عليه، فكذا هنا، ولأن الحي
أدى ما وجب عليه من الغسل بالموت، فوجوب الإعادة منفي بالأصل. ويؤيده رواية
الكاهلي والحسين بن مختار وعبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن بدأ منه
شئ بعد غسله فاغسل الذي بدأ منه ولا تعد الغسل " (1) وذكر ذلك المرتضى رحمه الله
في شرح الرسالة، ولا يعرف أصحابنا استحباب الدخنة بالعود ولا بغيره عند الغسل،
واستحبه الفقهاء.
لنا إن الاستحباب عبادة يتوقف ثبوتها على دلالة الشرع، والتقدير عدمها.
لا يقال: ذلك لدفع الرائحة الكريهة، لأنا نقول: ليس الرائحة دائمة مع كل ميت،
ولأن ذلك قد يندفع بغيره وكما سقط اعتبار غير العود من الأطياب فكذا التجمير.
ويؤيده رواية محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام " لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة
المحرم " (2) وعن أبي حمزة، عن الباقر عليه السلام " لا تقربوا موتاكم النار، يعني الدخنة " (3).
مسألة: إذا مات الجنب والحائض أو النفساء كفى غسل الميت، ولا يجب
غسلات، بل ولا تستحب، وهو مذهب أكثر أهل العلم، لأن الغسل الواحد يجزي
الحي وإن تعددت الموجبات، ويؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام، منه:
ما روي عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " في النفساء إذا ماتت كيف تغتسل؟ قال: مثل

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 32 ح 1 ص 723.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 12 ص 735.
274

الطاهر " (1) وكذا الحائض والجنب إنما يغسل غسلا واحدا.
وما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام وأبو بصير عن أحدهما عليهما السلام " في الجنب
إذا مات، قال: ليس عليه إلا غسل واحد " (2) وفي رواية العيص، عن أبي عبد الله
عليه السلام " يغسل غسل الجنابة ثم يغسل الميت " (3) قال الشيخ في الاستبصار: يمكن
أن يكون الأمر بالغسل بعد غسل الجنابة للغاسل بمماسة الميت، وقد روي ذلك العيص
في رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا مات الجنب غسل غسلا واحدا،
ثم اغتسل بعد ذلك " (4) وقد قيل: لا يموت ميت إلا وهو جنب، ومعنى ذلك أنه
يلقى النطفة التي خلق منها، على ما روي.
مسألة: ويستحب أن يغسل تحت سقف، وبه قال أحمد، وروي أبو داود
بإسناده قال: " أوصى الضحاك أخاه سالما إذا غسلتني فاجعل بيني وبين السماء سترا "
وعن عايشة قالت: " أتانا رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن نغسل ابنته فجعلنا بينها وبين السقف
سترا " ولعل الحكمة كراهية أن يقابل السماء بعورة الميت.
ومن طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه علي بن جعفر، عن أخيه موسى قال:
" سألته عن الميت يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، وإن يستر فهو أحب إلي " (5)
وروي طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام " أن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت
وبين السماء سترا يعني إذا غسل " (6) و " طلحة بن زيد " هذا بتري، لكن تنجبر روايته
برواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام، واتفاق الأصحاب.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 2 ص 721.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 4 ص 721.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 7 ص 722.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 31 ح 8 ص 722.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 1 ص 720.
6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 30 ح 2 ص 720.
275

مسألة: قيل يغسل الميت بتسعة أرطال في كل غسلة كالجنب، لما روي عنهم
عليهم السلام، " أن غسل الميت كغسل الجنابة " (1) والوجه انقاؤه بكل غسلة من غير تقدير،
لنا رواية محمد بن الحسن الصفار قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام كم حد
الماء الذي يغسل به الميت كما رووا أن الحائض تغتسل بتسعة أرطال فهل للميت
حد؟ فوقع حده يغسل حتى يطهر إن شاء الله " (2) ولأن التقدير ربما قصر عن القصد،
إذا القصد الإنقاء.
مسألة: يستحب للغاسل أن يذكر الله سبحانه عند غسله، ويتأكد بالدعاء المأثور
رواه سعد الإسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا
قلبه: اللهم هذا بدن عبدك المؤمن وقد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك
عفوك إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر " (3).
مسألة: قال الشيخ في الجمل: يستحب أن يقف الغاسل على جانب يمينه.
وقال في النهاية: ولا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه الأيمن.
وقال في المبسوط: ولا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه. وما ذكره
في المبسوط أولى، وكراهية ركوب الميت اختيار الشيخ رحمه الله في كتبه.
وفي رواية العلاء بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس أن تجعل
الميت بين رجليك وإن يقوم فوقه فتغسله، إذا قلبته يمينا وشمالا أن يضبطه بين رجليك
لئلا يسقط لوجهه " (4) قال في التهذيب: هذا الخبر محمول على الجواز وإن كان
الأفضل غيره، وقال في الاستبصار: هذا يدل على رفع الحظر، لأن المسنون

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 3 ح 1 ص 685.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 27 ح 2 ص 718.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 7 ح 1 ص 690.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 33 ح 1 ص 724.
276

والأفضل أن يقف من جانب الميت ولا يركبه.
قلت: وهذا هو الذي يعتمد لرواية عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه " وينبغي أن لا يخبر الغاسل بما رأى من
مكروه، روى سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من غسل مؤمنا فأدى
فيه الأمانة غفر له، قلت: كيف يؤدي فيه الأمانة؟ قال: لا يخبر بما رأى " (1).
ويستحب أن يستأنف لماء الغسل حفيرة، لأنه ماء مستقذر فيحفر له ليؤمن من
تعدي قذره، وهذا اختيار الشيخين لما رواه سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة " (2) وينشف بثوب بعد تغسيله
وقبل تكفينه، وهو إجماع، ولما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " فإذا فرغت
من ثلاث غسلات جعلته في نظيف ثم جففته " (3) ولأن ذلك يحفظ الكفن من
البلل لئلا يسرع العفن إليه مع الدفن.
مسألة: يكره إقعاد الميت وعصره قاعدا، قال الشيخ في الخلاف: لا يجلس
الميت في حال غسله وهو مكروه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، واستدل بإجماع
الفرقة وعملهم، وكذا العصر.
ويؤيده ما رواه حمران بن أعين، وعثمان النوا قال: " إذا غسلت الميت
فارفق به ولا تعصره " (4) وفي رواية حمران " ولا تغمز له مفصلا " (5) وفي رواية أبي
العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " اقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا " (6) قال الشيخ في

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 8 ح 1 ص 691.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 35 ح 2 ص 661.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 2 ص 680.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 2 ص 692.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 9 ح 1 ص 692.
6) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 9 ص 683.
277

الاستبصار: هذا موافق للعامة ولسنا نعمل به، وأنا أقول: ليس العمل بهذه الأخبار
بعيدا، ولا معنى لتنزيلها على التقية، لكن لا بأس أن يعمل بما ذكره الشيخ، من
تجنب ذلك والاقتصار على ما اتفق على جوازه.
مسألة: ويكره قص أظفاره وترجيل شعره، وهو إجماع فقهائنا، وفي أحد
قولي الشافعي هو مباح، لنا أن ما يسقط منه يطرح في كفنه، فلا معنى لقص شاربه
وأظفاره مع القول بدفنها معه.
ويؤيد ذلك ما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " لا يمس من الميت شعر ولا ظفر وإن سقط منه شئ فاجعله في كفنه " (1) وكذا
حلق رأسه، وقال في الخلاف: هو مكروه وبدعة، وهو قول أهل العلم إلا الشافعي
في أحد قوليه، وكذا قال في حلق شعر العانة، والإبط وحف الشارب.
واستدل على الجميع بإجماع الفرقة، وقال في الخلاف، ولا يجوز تسريح
اللحية، والذي أراه في ذلك كله الكراهية، لأن التكاليف المختصة بالميت موقوفة
على الدلالة الشرعية وحيث لا دلالة فلا تكليف، وحيث لا منع فلا تحريم، ولو
احتجوا بقوله عليه السلام " افعلوا بموتاكم ما تفعلون بعرائسكم " دفعنا الرواية فإنا لم نستثبتها
من طريق محقق، ثم هي متروكة الظاهر عند الجميع، إذ العروس تطيب بالممكن
من أنواع الطيب، والميت يقتصر في طيبه، وكذا المرأة يصبغ وجهها بالزينة وتحلى
بالحلي، وكل ذلك متروك في الميت، فإذا بعيد أن يشبه النبي صلى الله عليه وآله شيئا بشئ وهو
لا يساويه بل لا يدانيه.
مسألة: ويكره إرسال ماء الغسل في الكنيف، ولا بأس بالبالوعة، هذا مذهب
الخمسة وأتباعهم، ويؤيده ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: " كتبت إلى أبي
محمد عليه السلام هل يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع يدخل

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 11 ح 1 ص 694.
278

ذلك في البلاليع ".
الثالث: " الكفن " (1).
والواجب " مئزر " و " قميص " و " إزار " هذا مذهب فقهائنا أجمع خلا سلار،
فإنه اقتصر على ثوب واحد وما زاد مستحب، وقال الشافعي: الواجب ما يواري به
عورته، واستحب الشافعي ثلاثة أزر يدرج فيها إدراجا ليس فيها قميص ولا عمامة،
واستحب أبو حنيفة ثلاثة أثواب إزارا وقميصا ولفافة، وأجاز الاقتصار على ثوبين،
وقال ابن الجنيد: لا بأس أن يكون الكفن ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا، أو ثوبين
وقميصا، وإن أعوز الثلاثة فالثوب الواحد إذا كان يجمع الميت، وإن كان صغيرا
أستر به العورة.
لنا ما روي " أن النبي صلى الله عليه وآله كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية " (2) وما رواه
ابن المغفل " أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في قميص " ومن طريق الأصحاب ما رواه ابن
أبي بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام " كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب:
ثوبين سحولين، وثوب حبرة يمنية عبرية " (3).
واختلف الأصحاب في القميص، فأوجبه الشيخان في المبسوط والنهاية
والمقنعة، وعلم الهدى في المصباح، والوجه ما ذكره ابن الجنيد: من التخيير
بين الأثواب الثلاثة يدرج فيها الميت والقميص مع ثوبين.
لنا اختلاف الروايات من غير ترجيح، فثبت التخيير، روي زرارة، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: " الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو ثوب تام لا أقل منه يواري به

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 29 ح 1 ص 720.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 399.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 4 ص 726.
279

جسده كله فما زاد فهو سنة حتى تبلغ خمسة فما زاد فمبتدع و " العمامة " سنة " (1)
وعن محمد بن سهل، عن أبيه قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يصلي
الرجل فيها يكفن بها، قال: أحب ذلك الكفن، يعني قميصا، قلت: يدرج في ثلاثة
أثواب؟ قال: لا بأس به، والقميص أحب إلي " (2).
لا يقال: روت عايشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها
قميص " (3) لأنا نقول: يعارضه ما رويناه أنه عليه السلام كفن في قميص، والترجيح لخبرنا
لأنه مثبت فيكون أرجح من النافي، ولأن الرجل أقرب إلى معرفة أكفان الرجال من
المرأة، لاشتغال النساء بالمصيبة ومباشرة الرجال جهاز الميت، ومع الضرورة
تجزي اللفافة الواحدة، كذا قال ابن الجنيد وعلم الهدى في شرح الرسالة، لأنه
حال ضرورة فيقتصر على الممكن، ولأن مع عدم الكفن تدفن عاريا، فالاقتصار على
بعضه أولى.
وقولنا: مما يجوز الصلاة فيه، فقد عرفت أن الثوب لا يطلق بالعرف، إلا
على المنسوخ، أما الجلود: فلا يفي الوبر والصوف، قال ابن الجنيد: ولا يمكن
في الوبر. ولست أرى من ذلك مانعا، ويحرم من الثياب المغصوب بإجماع العلماء،
ولأنه إتلاف لمال الغير فيكون حراما، والحرير، وهو إجماع الأصحاب، سواء
كان الميت رجلا أو امرأة، وكره من عداهم ذلك ولم يحرموه.
لنا إعراض الصحابة والتابعين عن التكفن به، ولأنه إتلاف لمال لم يؤذن فيه.
ويؤيده ما رواه حسين بن راشد قال: " سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب
اليماني من قز وقطن، هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قول: إذا كان القطن أكثر

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 1 ص 726.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 5 ص 727.
3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 399.
280

من القز فلا بأس " (1).
ووجه الدلالة: أنه شرط في رفع البأس أن يكون القطن أكثر، فيعلم منه أنه
لو كان القز صوفا لم يجز، والرواية وإن كان المسؤول فيها مجهولا فإن عمل الأصحاب
على مضمونها، والعصب ضرب من برود اليمن، سمي بذلك لأنه يصبغ بالقصب
وهو نبت باليمن.
مسئلة إمساس " الكافور " مساجد الميت واجب، وهو اختيار الشيخ في
الجمل، قال في الخلاف: الحنوط فرض وهو أحد قولي الشافعي، واستدل على
ذلك بإجماع الفرقة، وأقل ما يحنط به الميت درهم، ذكره المفيد في الإعلام، وأفضل
منه وزن أربعة مثاقيل، وأكمل منه وزن ثلاثة عشر درهما وثلاث، روى سهل بن
زياد، عن أبي نجران، عن أبي عبد الله عليه السلام " قال أقل ما يجزي من الكافور للميت
مثقال " (2).
وروي الحسين بن مختار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الفضل من الكافور
في أربعة مثاقيل " (3) وفي رواية علي بن إبراهيم رفعه في الحنوط ثلاثة عشر درهما
وثلاثة أكثر، وفي الروايات كلها ضعف، لأن سهلا ضعيف، والحسين بن مختار
واقفي، ورواية علي بن إبراهيم مقطوعة، فإذا الواجب الاقتصار على ما يحصل
الامتثال، ويحمل ما ذكر على الفضيلة.
مسألة: ويشترط طهارة " الأكفان " وهو إجماع، ولأنه لو لحقها نجاسة بعد
التكفين وجب إزالتها، فقيل: التكفين أولى، وغسل المرأة والصبي وتكفينها
كغسل الرجل وتكفينه فهما مستويان في القدر الواجب، وإن وقع الاختلاف في

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 23 ح 1 ص 752.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 3 ح 2 ص 730.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 3 ح 3 ص 730.
281

شئ من المندوبات على ما سيأتي لأن الأوامر الدالة على ما سلف مطلقة، فكما تتناول
الرجل بإطلاقها تتناول المرأة الطفل.
" المسنونات "
يستحب أن يزاد الرجل " حبرة " يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب " الحبرة "
من التحبير، وهو التحسين والتزيين، و " يمنية " منسوبة إلى اليمن، و " عبرية "
منسوبة إلى العبر وهو جانب الوادي، وهذا مذهب علمائنا، وأنكرها من عداهم.
لنا ما رواه أبو مريم أنصاري قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كفن رسول
الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب، برد حبرة أحمر، وثوبين أبيضين صحاريين وقال: إن
الحسن بن علي عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة، وثوبين، وأن عليا عليه السلام
كفن ابن حنيف في برد أحمر حبرة " (1).
لا يقال: ذكر لعايشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن في برد فقالت " قد أتى بالبرد
ولكنهم لم يكفنوه فيه، لأن رواية الإثبات أولى من النفي، ولعل البرد الذي رد
غير البرد الذي كفن فيه، وإنما شرطنا أن لا يكون مطرزة بالذهب ولا بالحرير، لأنه
تصنيع غير مأذون فيه، وقد ذكر الفتوى بذلك الشيخ في المبسوط والنهاية.
مسألة: و " خرقة " لشد فخذيه، قال الشيخ في المبسوط والنهاية: يكون
طولها ثلاثة أذرع ونصف في عرض شبر إلى شبر ونصف، وهذه تسمى الخامسة
تلف فخذيه بها لفا شديدا بعد أن تحشو الدبر قطنا وعلى المذاكير، ثم يخرج طرفها
من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ويغمرها في الموضع الذي شدها فيه، واستحب
أحمد ذلك في المرأة دون الرجل.
لنا أن الوجه في استعمال ذلك في المرأة موجودة في الرجل، ويؤيده ما روي

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 3 ص 726.
282

عن أهل البيت عليهم السلام من ذلك رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يكفن
الميت في خمسة أثواب قميص لا تزر عليه، إزار وخرقة يعصب بها وسطه " (1)
وفي رواية يونس عنهم " يلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا " (2) وفي رواية
عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام " ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع ونصف
وعرضها شبر ونصف " (3) وهذه الرواية ضعيفة السند، وفي متنها اضطراب، وكذا
رواية يونس عنهم.
مسألة: و " عمامة " تثنى عليه محنكا، ويخرج طرفا العمامة من الحنك
ويلقيان على صدره، وهو اختيار الثلاثة وأتباعهم. ولم يستحب الشافعي العمامة قال:
وهي مباحة. أما الأصحاب فمتفقون على استحبابها.
لنا أن المراد " بالكفن " ستر الميت، والعمامة ساترة، ولأنها مما يستر بها الحي
ويستشنع طرحها في الملأ، والميت يحب ما يحبه الحي، ويؤيد ما اخترناه ما رواه
عثمان النوا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا غسلت ميتا فارفق به ولا تغمزه ولا تمس
مسامعه كافورا وإذا عممته فلا تعممه عمة الأعرابي وقال: خذ العمامة من وسطها
واثنها على رأسه ثم ردها على خلفه واطرح طرفها على صدره " (4).
وما رواه زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " أمر النبي صلى الله عليه وآله بالعمامة، وعمم
النبي صلى الله عليه وآله ومات أبو عبيدة الحذاء فبعث أبو عبد الله عليه السلام معنا بدينار وأمرنا أن نشتري
به حنوطا وعمامة ففعلنا، وقال: العمامة سنة " (5) وأما التحنك فعليه الأصحاب، ورواه

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 13 ص 728.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 681.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 4 ص 745.
4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 2 ص 747.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 1 ص 726.
283

ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام " في العمامة للميت، قال:
حنكه " (1).
مسئلة: ويستحب أن يكون الكفن قطنا أبيض، وهو مذهب العلماء، ويكره
أن يكون كتانا، لأن النبي صلى الله عليه وآله كفن في القطن الأبيض، وكذا استحب الصحابة،
ولقوله عليه السلام " اكتسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيه موتاكم " (2).
ويؤيده من طريق أهل البيت عليهم السلام ما رواه أبو خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمة محمد صلى الله عليه وآله " (3) وفي
رواية يعقوب بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يكفن الميت في كتان " (4).
مسألة: ويستحب أن يغتسل الغاسل أمام التكفين أو يتوضأ وضوء الصلاة،
ذكره الشيخ في المبسوط والنهاية. وإن اقتصر على غسل يديه إلى ذراعيه جاز،
لأن الاغتسال والوضوء على من غسل ميتا واجب أو مستحب؟ وكيف ما كان فإن
الأمر به على الفور، فيكون التعجيل به أفضل. وأما غسل اليدين إن لم يتهيأ الوضوء
فلأنه استظهار في التطهير، ويؤيده الحسين بن يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح
عليه السلام قال: " ثم يغسل الذي غسل يديه قبل أن يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرات، ثم
إذا كفنه اغتسل " (5).
مسألة: ويستحب أن يطيب الكفن بالذريرة، وهي الطيب المسحوق، وقال
بعض الأصحاب: هي نبات يعرف بالقمحان، وهو خلاف المعروف بين العماء،

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 2 ص 744.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 402 (مع تفاوت).
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 20 ح 1 ص 751.
4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 20 ح 2 ص 751.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 35 ح 2 ص 761.
284

وقد اتفق العلماء على استحباب تطيب الكفن بها، ويؤيد ذلك ما رواه عمار بن موسى
الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ويبسط اللفافة طولا ويذر عليه من الذريرة " (1)
وعن سماعة قال: " ذر على ثوب الميت شيئا من ذريرة " (2).
مسألة: ويكتب على الحبرة والقميص واللفافة والجريدتين فلأن يشهد أن
لا إله إلا الله، كذا ذكره الشيخان في المبسوط والمقنعة، وابن بابويه في كتابه،
وزاد الشيخ في النهاية أسماء النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام.
والذي رواه أبو كهمس قال: " دعا أبو عبد الله عليه السلام بكفن ولده إسماعيل فكتب
في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " (3) وهذا القدر الذي ظهر نقله غير
أن ما ذكره الشيخ حسن، ويكتب ذلك بالطين والماء، وقال الشيخان، بتربة الحسين
عليه السلام فإن تعذر فبالأصبع.
مسألة: ويجعل بين أليتيه قطن، وقال في الخلاف: يستحب أن يجعل في
سفل الميت شئ من القطن لئلا يخرج منه شئ، وقال بعض الشافعية:
هذا غلط وإنما يجعل بين أليتيه، وما ذكره الشيخ هو الأصح، لنا ما رواه يونس
عنهم قال: " واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ " (4) وما رواه عمار، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " ويدخل في مقعدته من القطن ما دخل " (5).
مسألة: وتزاد المرأة عن الرجل لفافة أخرى لثدييها، ونمطا أو لفافتين،
ذكره الشيخان في المبسوط والمقنعة. وروي سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا
رفعه قال: " سألته كيف تكفن المرأة؟ فقال: كما يكفن الرجل غير أنه يشد على

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 4 ص 745.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 15 ح 1 ص 746.
3) السائل ج 2 أبواب التكفين باب 29 ح 1 ص 757.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 3 ص 680.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 2 ح 10 ص 684.
285

ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر ويشد إلى ظهرها " (1) وعن محمد بن مسلم،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: " يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في
خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتان " (2) وأما النمط: فثوب فيه خطط مأخوذ من
الأنماط وهي الطريق.
مسألة: وتبدل المرأة بالعمامة قناعا لما رواه أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " تكفن المرأة في خمسة أثواب: أحدهما الخمار "
و " الخمار " (3) هو القناع لأنه تخمر به الرأس.
مسألة: ويسحق " الكافور " بيده فإن فضل منه جعله على صدره، وفي رواية
يونس عنهم عليهم السلام " ثم اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده
وامسح بالكافور جميع منابته [مساجده] من اليدين والرجلين ووسط راحته " (4) أما
اختصاص السحق باليد فقد ذكره الشيخان، ولم أتحقق مستنده، وأما وضع ما يفضله
من المساجد على صدره فقد ذكره جماعة من الأصحاب، من ذلك: رواية الحلبي
قال: " اعمد إلى كافور فامسح به آثار السجود ومفاصله ورأسه ولحيته وعلى صدره
من الحنوط، وقال: حنوط الرجل والمرأة سواء " (5).
واعلم: أن رواية " يونس " هذه ضعيفة، وفي متنها اضطراب ومنافات لبعض
ما ينقله الأصحاب، غير أن القدر الذي علمناه الأمر بمسح المساجد بالكافور، وكان
القصد به، والله أعلم تطيب مواضع العبادة وتخصيصها بمزيد التفصيل.
مسألة: أقل المستحب من " الكافور " للحنوط درهم، وأفضل منه أربعة

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 16 ص 729.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 9 ص 727.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 2 ح 18 ص 729.
4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 3 ص 744.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 14 ح 1 ص 744.
286

دراهم، وأكمل منه ثلاثة عشر درهما وثلاث، كذا ذكره الخمسة وأتباعهم. ثم لا
أعلم للأصحاب فيه خلافا، وقد سلف من الأحاديث ما يتضمن ذلك والكلام عليها.
مسئلة: ويجعل معه " جريدتين " وهو مذهب علمائنا أجمع، ولم يستحبه
من عداهم، لنا قوله عليه السلام " خضروا أصحابكم " (1) أي اجعلوا معه جريدة خضراء
وما رواه أحمد في مسنده عن أبي بكر قال: " بينا أنا أماشي النبي صلى الله عليه وآله فإذا نحن
بقبرين، فقال: إنهما يعذبان بكثير فأيكم يأتيني بجريد فأتيته فكسرها نصفين فألقى
على ذا القبر قطعة وعلى ذا القبر قطعة، وقال إنه مهون عنهما ما كانتا رطبتين وما يعذبان
إلا في البول والغيبة " (2).
وما روي عن طريق أهل البيت عليهم السلام كثير، من ذلك: ما رواه الحسين بن زياد
الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يوضع للميت جريدة في اليمين، والأخرى
في اليسار، فإن الجريدة تنفع المؤمن والكافر " (3) وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: " لأي شئ يكون مع الميت جريدة؟ قال: تجافي
عنه ما دامت رطبة " (4) وروي عنه عليه السلام " أن الجريدة تنفع المسئ والمحسن " (5).
وروي ابن بابويه في كتابه عن يحيى بن عبادة المكي قال: " سمعت سفيان
الثوري يسأل أبا جعفر عليه السلام عن التخضير، فقال: إن رجلا من الأنصار مات فاوذن
رسول الله صلى الله عليه وآله بموته فقال صلى الله عليه وآله لمن يليه من قرابته: خضروا صاحبكم فما أقل
المخضرين يوم القيامة، قال: وما التخضير؟ قال: جريدة خضراء توضع من أصل

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 1 ص 739.
2) مسند أحمد بن حنبل ج 5 ص 35.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 4 ص 736.
4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 4 ص 736.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 11 ص 738.
287

اليدين إلى أصل الترقوة " (1) وقال علي بن بابويه: فإن لم يكن من النخل فلا بأس
أن تكون من غيره.
مسألة: ويجعل إحديهما مع ترقوته من جانبه الأيمن يلصقها بجلده، والأخرى
من الجانب اليسار بين القميص والإزار، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط والنهاية
والمقنعة. وقال ابن عقيل: واحدة تحت إبطه الأيمن، وقال علي بن بابويه، يجعل
اليمنى مع ترقوته واليسرى عند وركه بين القميص والإزار.
وفي رواية جميل بن دراج قال: " إن الجريدة قدر شبر توضع من عند الترقوة
إلى ما بلغت من ما يلي الجانب الأيمن، والأخرى في الأيسر، من عند الترقوة إلى
ما بلغت من فوق القميص " (2) وفي رواية عبد الله بن المغيرة، عن رجل، عن يحيى
ابن عبادة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يوضع وأشار بيده من عند ترقوته إلى يده
تلف مع ثيابه " (3) والروايتان ضعيفتان، لأن القائل في الأول مجهول، والثانية
مقطوعة السند، ومع اختلاف الروايات والأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها
وهو استحباب وضعها مع الميت في كفنه أو في قبره بأي هذه الصور شئت.
مسألة: وقيل فإن تعذر النخل فمن السدر، وإن تعذر فمن الخلاف، والمفيد
(ره) قدم الخلاف على السدر، روى سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا قلنا
له: " جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة؟ قال: عود السدر، قلنا: فإن لم نقدر؟
قال: عود الخلاف " (4) وهذا كما ذكره الشيخ، لكن " سهل " ضعيف والمقول
مجهول، فالرواية ساقطة.

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 7 ح 3 ص 736.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 2 ص 740.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 10 ح 4 ص 740.
4) الوسائل ج 1 أبواب التكفين باب 8 ح 3 ص 739.
288

وروي علي بن بلال " أنه كتب إليه سأله عن الجريدة إذا لم يوجد يجعل بدلها
غيرها في موضع لا يمكن النخل؟ قال: يجوز، والجريدة أفضل " (1) وهذه أيضا
لا يعلم من القائل فيها، وفي رواية: عود رمان، وفي أخرى: عود رطب، وكل
ذلك لم يثبت، فلهذا استند الفتوى إلى قول الذاهب إليها لعدم العلم بالمستند.
" المكروهات "
مسألة: يكره بل الخيوط التي يخاط به الكفن بالريق، ذكره الشيخ في
النهاية والمبسوط، ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم، لإزالة الاحتمال
ووقوفا على الأولى، وهذا موضع الوفاق، ويكره أن يعمل لما يبتدأ من الأكفان
أكمام، على هذا فتوى الأصحاب.
وروي محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عمن أخبره، عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت: " الرجل يكون له القميص يكفن فيه؟ فقال: اقطع أزراره، قلت: وكمه؟
قال لا، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا
يقطع منه إلا أزراره " (2) و " محمد بن عيسى " ضعيف، وكذا " محمد بن سنان " مع أن الرواية مرسلة، فهي إذا قاصرة عن إفادة الحكم لكن العمل بمضمونها لما قلناه
أمام هذا الفصل.
مسألة: يكره أن يكفن في السواد، وعليه إجماع العلماء، ولأنها ثياب
مثلة، ويؤيد الكراهية ما رواه الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله قال: " لا تكفن
الميت في السواد " (3) و " حسين بن مختار " هذا واقفي، وعملنا ليس إلا لقبول

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 8 ح 2 ص 738.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 28 ح 2 ص 756.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 21 ح 1 ص 751.
289

الأصحاب لها.
مسألة: لا تجمر أكفان الميت، ولا تطيب بغير الكافور والذريرة، ومعنى
" تجمر " تدخن بالمجمرة، و " المجمر ما تدخن به الثياب، قال الشاعر:
لا تصطلي النار إلا مجمرا أرجا - قد كسرت من يلنجوج له وقصا
وعلى كراهية ذلك إجماع علمائنا، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يستحب.
لنا أنه فعل لم يأمر به الشرع، فيكون فعله تضييعا، ويؤيده ما روي عن أهل البيت
عليهم السلام عن طرق، منها: رواية ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " لا تجمروا الكفن " (1) وما رواه محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا
بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم " (2) ولا يضاده ما رواه عبد الله بن سنان، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس بدخنة كفن الميت " (3) لأن الجمع بين الروايتين
بالجواز والكراهية.
مسألة: يكره أن يكتب الكفن بالسواد، ذكر ذلك الشيخ في النهاية
والمبسوط. وهو حسن، لأن في ذلك نوع استبشاع، ولأن وظائف الميت متلقاه
توقيفا، فيقف على الدلالة.
مسألة: يكره أن يجعل في سمعه وبصره شئ من الكافور، وهو اختيار
الأكثر منا. لنا أن ذلك يفسدهما فيجتنب لقوله: جنبوا موتاكم ما تجنبون أحياكم.
ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تجعل في مسامع
الميت حنوطا " (4) أما رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " تضع

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 2 ص 733.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 13 ص 735.
4) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 4 ص 747.
290

الكافور في فمه ومسامعه " (1) يريد بذلك على فمه فمحمولة على الجواز، وتلك
على الكراهية.
مسألة: قال في الخلاف: يكره أن يكون في الكافور شئ من المسك
والعنبر. وكذا قال في النهاية والمبسوط، والمفيد في المقنعة، روى محمد بن مسلم،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور " (2).
مسألة: قيل: يكره أن يقطع الكفن بالحديد، ذكر ذلك الشيخان في النهاية
والمبسوط والمقنعة، وقال في التهذيب: سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ، وعليه كان
عملهم، قلت: ويستحب متابعتهم تخلصا من الوقوع فيما يكره.
الرابع: " الدفن ".
مسألة: والغرض مواراته في الأرض على جانبه الأيمن مواجها للقبلة، أما
وجوب دفنه فعليه إجماع المسلمين، ولأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بذلك ووقف على القبور
وفعله، والكيفية المذكورة ذكرها الشيخ في النهاية والمبسوط، والمفيد في الرسالة
العرفية، وابنا بابويه، ولأن النبي صلى الله عليه وآله دفن كذلك، وهو عمل الصحابة والتابعين.
مسألة: إذا مات في السفينة في البحر غسل وكفن وصلى عليه، وثقل ليرسب
في الماء، أو جعل في خابية وشد رأسها وألقي في البحر، وقال أحمد: يتربص به
توقعا للمكنة من دفنه. وقال الشافعي: يجعل بين لوحين. لنا أن المقصود من دفنه
ستره، وهو يحصل على هذا التقدير، وإلقائه بين لوحين تعرض لهتكه وهو ضد
المقصود بالدفن.
ويؤيد ذلك ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام، رواه أيوب بن الحر قال:
" سئل أبو عبد الله عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال:

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 3 ص 747.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 5 ص 734.
291

يوضع في خابية ويوكأ رأسها ويطرح في الماء " (1) وأما التثقيل ففيه أحاديث،
فيها ضعف لكن العمل بها يتضمن ستر الميت وصيانته عن بقائه بين ظهراني صحبه،
وروي أبان، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يغسل ويكفن ويصلى عليه ويثقل
ويرسى في البحر " (2).
مسألة: لو ماتت ذمية حاملا من مسلم دفنت في مقبرة المسلمين، يستدبر
بها القبلة إكراما لولدها، العامل في الإكرام دفنت بمعنى أنها تدفن في مقابر المسلمين
إكراما لودها، والوجه فيه: إن الحمل المشار إليه له حرمة أجنة المسلمين، لأنه
لو سقط لم يدفن إلا في مقابر المسلمين، وموته جوف أمه لم يسقط حرمته،
ولما كان الدفن في مقبرة المسلمين له بالقصد الأصلي، روعي كيفية الدفن فيه لا في
أمه.
واستدل الشيخ في التهذيب على ذلك برواية أحمد بن أشيم، عن يونس
قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يكون له الجارية اليهودية أو النصرانية حملت
منه ثم ماتت، والولد في بطنها ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج
منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب يدفن معها " (3) ولست أرى في هذا حجة،
أما أولا: فلأن " ابن أشيم " ضعيف جدا على ما ذكره النجاشي في كتاب المصنفين
والشيخ.
وأما ثانيا: فلأن دفنه معها لا يتضمن دفنها في مقبرة المسلمين، بل ظاهر اللفظ
يدل على دفن الولد معها حيث تدفن هي، ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها،
والوجه أن الولد لما كان محكوما له بأحكام المسلمين لم يجز دفنه في مقابر أهل

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 40 ح 1 ص 866.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 40 ح 3 ص 867.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 2 ص 866.
292

الذمة وإخراجه مع موتهما غير جائز، فتعين دفنها معه، وكما قلناه نقل عن عمر
ابن الخطاب، وقال أحمد بن حنبل: يدفن بين مقبرة المسلمين والنصارى ويستدبر
بها كما قلناه في الاستدبار.
مسألة: مشي المشيع وراء الجنازة أو مع جانبيها أفضل من تقدمها، وهو
مذهب فقهائنا، غير أني لا أكره المشي أمامها بل هو مباح، وبه قال الأوزاعي،
وأبو حنيفة، وقال الشافعي ومالك وأحمد: المشي أمامها أفضل، لما روى ابن عمر
قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " (1) ولأنهم شفعاء
والشافع متقدم.
لنا ما رووه عن علي عليه السلام قال: " فضل الماشي خلف الجنازة على الماشي
أمامها كفضل المكتوبة على التطوع، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله " (2) ولأنها متبوعة
وليست تابعة، ومن طريق الأصحاب ما رواه السكوني، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه
عليه السلام، عن علي عليه السلام قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم خالفوا
أهل الكتاب " (3).
وما رواه الشافعي عن ابن عمر حكاية حال يعارضها القول فيكون الترجيح
للقول، ولأن فعله عليه السلام يدل على الجواز، وليس البحث فيه بل في الفضيلة ونحن
نساعد على الجواز، ولكن التبع لها أفضل، وكذا المشي إلى جانبها يدل على
ذلك ما رواه إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المشي خلف الجنازة
أفضل من المشي بين يديها " (4) ولا بأس أن يمشي بين يديها، وعن سدير عن أبي

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 23.
2) نقل في ذيل السنن البيهقي ج 4 ص 25.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 4 ص 825.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 1 ص 824.
293

جعفر عليه السلام قال: " من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير " (1).
مسألة: يكره أن يركب المشيع دابة في تشييعه، ولا بأس به في عوده، لما
رووه عن ثوبان قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة فرأى راكبا فقال:
ألا تستحيون فإن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب " (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله في جنازة يمشي فقال له بعض أصحابه: ألا تركب؟
فقال: إني أكره أن أركب والملائكة يمشون " (3) وروي غياث بن إبراهيم، عن
أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام " أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة
في بدأة إلا من عذر وقال: يركب إذا رجع " (4) والراكب يتحتم عليه المضي
خلف الجنازة عند أحمد، وعندنا يتأكد النبي صلى الله عليه وآله: " الراكب يسير خلف
الجنازة والماش يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها " (5).
مسألة: قال علي بن بابويه في الرسالة: وإياك أن تقول: ارفقوا به أو ترحموا
عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك. وبذلك رواية عن أهل البيت عليهم السلام
نادرة، لكن لا بأس بمتابعته تقصيا من الوقوع في المكروه.
مسألة: " تربيع " الجنازة مستحب، وهو تفعيل، ومعناه: حمل الجنازة من
جوانبها الأربع، وأفضله أن يبدأ بمقدم السرير الأيمن، ثم يمر عليه إلى مؤخره،
ثم يؤخر السرير الأيسر ويمر عليه إلى مقدمه دور الرحا، ذكره الشيخ في النهاية
والمبسوط. وقال في الخلاف: يحمل بميامنه مقدم السرير الأيسر، ثم يدور حوله

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 4 ح 3 ص 825.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 23.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 6 ح 1 ص 827.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 6 ح 2 ص 827.
5) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 24.
294

حتى يرجع إلى المقدم، وهو المروي عن أحمد، وقال أبو حنيفة: لا يدور حوله
بل يحمل مياسر السرير ثم يعود إلى ميامنه. وقال الشافعي: الحمل بين العمودين
أفضل من التربيع، والجمع بينهما أكمل.
لنا أن ما ذكرناه مروي عن أكابر الصحابة، كابن مسعود، وابن عمر،
وسعيد بن جبير، ولأنه أسهل على الحامل، ومن طريق الأصحاب ما رواه العلاء
ابن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يبدأ في الحمل من الجانب الأيمن ثم يمر
عليه من خلفه إلى الجانب الآخر حتى يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحا " (1).
مسألة: يستحب حفر القبر قامة أو إلى الترقوة، وهو اختيار الشيخين وابن
بابويه في كتابه، وقال أحمد: إلى الصدر، وعن الشافعي: قامة وبسطه لقوله:
احفروا وأوسعوا واعمقوا.
لنا أن القصد بالدفن ستره وحفظه من الهوام، وهو يحصل بالقدر الذي
ذكرناه، فلا حاجة إلى الزيادة، وقال ابن بابويه في كتابه، قال الصادق عليه السلام: حد
القبر إلى الترقوة، وقد روي هذا الشيخ في التهذيب عن محمد بن أبي عمير، عن
بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " حد القبر إلى الترقوة وقال بعضهم:
إلى الثديين، وقال بعضهم: قامة الرجل حتى تمد الثوب على رأس من في القبر " (2).
وروي السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله نهي أن يعمق القبر
فوق ثلاثة أذرع " (3) وأما خبر الشافعي وهو قال النبي صلى الله عليه وآله: احفروا وأوسعوا
واعمقوا. فلأنه لا يدل على قدر التعميق فيقتصر على حصول مسماه، خصوصا وقد
روي بطريق أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله النهي عن الزيادة على ثلاثة أذرع،

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 8 ح 5 ص 830.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 2 ص 836.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 1 ص 836.
295

فإن ذلك يكون بيانا وبه تسقط دعوى الشافعي.
مسألة: وأن يجعل له " لحد " ومعناه أن الحافر إذا انتهى إلى أرض القبر
حفره مما يلي القبلة حفرا واسعا قدر ما يجلس فيه الجالس، كذا ذكره الشيخان في
النهاية والمبسوط والمقنعة، وابن بابويه في كتابه، لقوله عليه السلام " اللحد لنا والشق
لغيرنا " (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام " أن رسول الله
صلى الله عليه وآله لحد له أبو طلحة الأنصاري " (2) وفي رواية إسماعيل بن همام، عن الرضا عليه السلام
قال: " قال أبو جعفر حين احتضر: إذا أنا مت فاحفروا لي شقا، فإن قيل لكم: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله لحد فصدقوا " (3).
وقال في التهذيب في رواية عن ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله عليه السلام: وأما اللحد
فقدر ما يتمكن فيه من الجلوس، ولو كانت الأرض رخوة لا يحتمل يعمل له شبه
اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة. وقد روي سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" يجعل للميت وسادة من تراب، ويجعل خلف ظهره مدرة لئلا يستلقى " (4).
مسألة: يستحب لمن دخل قبر الميت أن يحل أزراره وأن يتخفى ويكشف
رأسه، هذا مذهب الأصحاب، ويؤيده ما رواه بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله
قال: " لا تنزل القبر وعليك عمامة ولا قلنسوة ولا رداء ولا حذاء، وحل أزرارك
قلت: فالخف؟ قال: لا بأس " (5).

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 408.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 15 ح 1 ص 836.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 15 ح 2 ص 836.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 5 ص 841.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 18 ح 4 ص 840.
296

مسألة: ويدعو عند نزوله، وهو اتفاق العلماء، روي " أن ابن عمر ماتت له
بنت فقال حين وضعها في لحدها: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله فلما
أخذ في تسوية اللبن قال: اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جاف
الأرض عن جنبيها وصعد روحها ولقها منك رضوانا، وسأل عن هذا، فقال: سمعته
من رسول الله " (1).
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: " إذا
وضعته في لحده فقل: بسم الله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، اللهم عبدك
نزل بك، وأنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره وألحقه بنبيه، اللهم إنا لا
نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، فإذا وضعت اللبن فقل: اللهم صل وحدته،
وآنس وحشته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة تعينه بها عن رحمة من سواك، فإذا
خرجت من قبره فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين اللهم ارفع
درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين وعندك نحتسبه يا رب العالمين " (2).
مسألة: يكره أن ينزل الرحم إلى قبر رحمه ألا أن تكون امرأة، أما في الرجل
فلأن ذلك يقسي القلب، والرحمة صفة مرادة لله تعالى، وأما في المرأة فيستحب
الرحم لأنها عورة، روى السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام " مضت السنة من رسول الله أن المرأة لا يدخل قبرها إلا من كان يراها في
حيوتها " (3) ويدخل القبر من شاء الولي شفعا أو وترا، روى ذلك زرارة عن أبي
عبد الله، ولأن القصد المساعدة على إدخال الميت قبره فيقدر بقدر الحاجة.
مسألة: ويجعل الميت عند رجل إن كان رجلا، وقدامه مما يلي القبلة

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 55.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 2 ص 845.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 26 ح 1 ص 853.
297

إن كان امرأة، وينقل مرتين ويصبر عليه بينهما مرتين، ثم ينزل في الثالثة سابقا
برأسه، وتؤخذ المرأة عرضا، هذا مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وابن بابويه
في كتابه. وروي عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله قال " ينبغي أن يوضع الميت
دون القبر هنيئة ثم واره " (1).
وروى محمد بن عطية مرسلا قال: " إذا أتيت بأخيك إلى القبر فلا تقدمه
ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة حتى يأخذ أهبته، ثم ضعه في لحده والصق
خده بالأرض، وليكن أولى الناس به مما يلي رأسه، وليقرأ فاتحة الكتاب، والمعوذتين،
وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، ثم ليقل: ما يعلم حتى ينتهي إلى صاحبه " (2)
وهذه الكيفية مستندها هذا الحديث ومثلها من الأحاديث التي يمنع ضعفها من التمسك
بها، لكن المعول على عمل الأصحاب بها وقبولهم إياها، وعلى هذا التقدير ينبغي
الاقتصار على ما تضمنته الرواية.
مسألة: ثم يسل سلا من عند رجل القبر ويلحده، ثم يحل عقد كفنه من قبل
رأسه ورجليه، روى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا أتيت بالميت القبر فسله
من قبل رجليه، وإذا وضعته في القبر فاقرء آية الكرسي وقل، ثم ذكر الدعاء " (3)
وعن النبي صلى الله عليه وآله أن لكل بيت بابا، وأن باب القبر من قبل الرجلين " (4).
وروى السكوني عن جعفر، عن أبيه قال: " من دخل القبر فلا يخرج منه
إلا من قبل الرجلين " وعن عبد الصمد بن هارون رفع الحديث قال: " قال أبو

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 16 ح 1 ص 837.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 7 ص 844.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن با 21 ح 1 ص 845.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 22 ح 7 ص 849.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 23 ح 1 ص 850.
298

عبد الله عليه السلام: إذا أدخل الميت القبر إن كان رجلا يسل سلا، والمرأة تؤخذ عرضا " (1)
وقال أبو حنيفة: توضع الجنازة على جانب القبر مما يلي القبلة، ثم يدخل القبر
معترضا، كما نقوله نحن في المرأة.
لنا ما رواه أحمد، عن عبد الله بن زياد الأنصاري " أن الحرث أوصى أن يليه
عند موته، فصلى عليه، ثم دخل القبر فأدخله من رجل القبر " (2) وعن ابن عباس
" أن النبي صلى الله عليه وآله سل من قبل رأسه سلا " (3).
مسألة: وإذا طرحه في لحده لقنه الولي أو من نزل إليه التلقين الثاني، روى
أبو بصير قال: " إذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه وقل: الله ربك، والإسلام
دينك، ومحمد نبيك، والقرآن كتابك، وعلي إمامك " (4) وفي رواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام " اضرب بيدك على منكبه وقل " (5).
وكره أبو حنيفة أن يؤمر بها، ولا وجه له، وفي رواية محمد بن سنان عن إسحاق
بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر وتحركه تحركا
شديدا ثم تقول: يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل: الله ربي، ومحمد نبيي، والإسلام
ديني، والقرآن كتابي، وعلي إمامي، حتى تستوفي الأئمة، ثم تعيد القول " (6).
مسألة: ثم يشرج اللحد باللبن، وإن سواه بالطين كان ندبا، وهو مذهب
فقهائنا، روى محمد بن سنان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وتقول
عفوك عفوك، وتضع الطين واللبن تقول: اللهم صل وحدته، وأنس وحشته، وأمن
روعته، واسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك، ثم تخرج من

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 38 ح 1 ص 865.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 3 ص 844.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 20 ح 6 ص 844.
6) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 6 ص 847.
299

القبر وأنت تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم ارفع درجته في عليين واخلف على
أهله في الغابرين، وعندك نحتسبه يا رب العالمين " (1).
مسألة: ويهيل الحاضرون بظهور أكفهم مسترجعين، ولا يهيل ذو الرحم على
رحمه، ذكره الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة، وابنا بابويه، وعليه فتوى
الأصحاب، ويؤيده ما رواه عبيد بن زرارة قال: " مات لبعض أصحاب أبي عبد الله
عليه السلام ولد، فحضر أبو عبد الله عليه السلام فلما ألحد تقدم أبوه ليطرح عليه، فأخذ أبو عبد الله
بكفه وقال: لا تطرح عليه التراب، فقلنا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله أتنهانا عن هذا وحده،
فقال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي الأرحام، فإن ذلك يورث القسوة في
القلب، ومن قسى قلبه بعد من ربه " (2).
وعن السكوني قال: " إذا حثوت التراب على الميت فقل: اللهم إيمانا بك
وتصديقا بنبيك، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وقال أمير المؤمنين
عليه السلام: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من حثى على ميت وقال هذا القول، أعطاه
الله بكل ذرة حسنة " (3) والاسترجاع قول (إنا لله وإنا إليه راجعون) ودلالة استحباب
الآية.
مسألة: ويحل عقد كفنه ويجعل معه تربة، وعليه اتفاق الأصحاب، روى
الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة " قلت لأحدهما: يحل كفن الميت؟ قال: نعم،
ويبرز وجهه " (4) وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن عقد كفن الميت،
قال: نعم إذا أدخله القبر فحلها " (5)

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 21 ح 6 ص 847.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 30 ح 1 ص 855.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 4 ص 855.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 1 ص 841.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 3 ص 841.
300

وقد روى حفص البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يشق الكفن إذا أدخلت
الميت في قبره من عند رأسه " (1) وهذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب، ولأن ذلك
إفساد للمال على وجه غير مشروع، ومثله رواية ابن عمير، عن غير واحد، عن أبي
عبد الله عليه السلام فلا عبرة بهما، والصواب الاقتصار على حل عقده، وأما وضع التربة:
ففتوى الشيخين، واختلف قولهما في موضع جعلها، والأحسن تحت خده، وقيل:
في كفنه، وقيل تلقاء وجهه.
مسألة: ثم يطم القبر، ولا يطرح فيه من غير ترابه، وعليه فتوى الأصحاب،
روى الجلال بإسناده عن جابر قال:: نهي رسول الله صلى الله عليه وآله أن يزاد في القبر على
حفرته " (2) وعن عقبة بن عامر قال: " لا تجعل في القبر من التراب أكثر مما خرج
منه " ومن طريق الأصحاب ما رواه السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله
نهى أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه " (3) وعنه، عن الصادق عليه السلام قال:
" لا تطينوا القبر من غير طينه " (4).
مسألة: ويرفع مقدار أربع أصابع مربعا، هذا فتوى الأصحاب بأجمعهم.
ويؤيده رواية محمد بن مسلم قال: " سألت أحدهما عن الميت، فقال يسل سلا من
قبل رجليه، ويلزق الأرض بالقبر إلا قدر أربع أصابع مفرجات، ويربع قبره " (5).
ومن طريق الجمهور ما رواه الساجي بإسناده عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله رفع
قبره عن الأرض بقدر شبر " (6) والتربيع مذهبنا ومذهب الشافعي، خلافا لأبي حنيفة

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 19 ح 2 ص 841.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 410.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 36 ح 2 ص 864.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 36 ح 2 ص 864.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 22 ح 2 ص 848.
6) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 410
301

ومالك وأحمد. لنا " أن النبي صلى الله عليه وآله سطح قبر ابنه إبراهيم، والقاسم قال: رأيت
قبر النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر مسطحة " (1).
مسألة: ويصب الماء عليه من رأسه دورا، فإن فضل صبه على وسطه، وهو
مذهب الأصحاب، ذكره الخمسة وأتباعهم، ويؤيد ذلك ما رواه موسى بن أكيل
التميري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " السنة في رش الماء على القبر أن يستقبل القبلة
ويبدأ من عند الرأس إلى عند الرجل، يدور على ا لقبر من الجانب الآخر، ثم يرش
على وسط القبر " (2).
ويستحب أن يتوضأ إذا دخل القبر، روى الحلبي ومحمد بن مسلم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " أمرني أبي أن أجعل ارتفاع قبره أربع أصابع مفرجات، وذكر أن
الرش بالماء حسن، وقال: توضأ إذا أدخلت الميت القبر " (3).
مسألة: ويضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين، وهو مذهب فقهائنا،
ويؤيده رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا حثي عليه التراب وسوي قبره،
فضع كفك على قبره عند رأسه، وفرج أصابعك، واغمز كفك عليه بعد ما ينضح
بالماء " (4).
وروى إسحاق بن عمار قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام: أن أصحابنا يضعون
شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت، لم يرجعوا حتى يمسحوا بأيديهم على
القبر، أفسنة ذلك أم بدعة؟ فقال: ذلك واجب على كل من يحضر الصلاة عليه " (5)
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف أضع يدي على

1) رواه البيهقي في سننه بغير هذا العبارة ج 4 ص 2 و 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 1 ص 859.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 31 ح 7 ص 857.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 1 ص 860.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 2 ص 860.
302

قبور المسلمين؟ فأشار بيده إلى الأرض فوضعها عليه وهو مقابل القبلة " (1).
مسألة: ويلقنه الولي بعد انصراف الناس عنه، هذا هو التلقين الثالث، وهو
مذهب علمائنا أجمع، وأنكر ذلك من سواهم من الفقهاء الأربعة.
لنا ما رووه عن أبي إمامة الباهلي " إن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا مات أحدكم
وسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان بن فلان، فإنه
يسمع ولا يجيب، ثم يقول: يا فلان بن فلانة فيستوي قاعدا، فإنه يقول: أرشدنا
يرحمك الله، فيقول: اذكر ما خرجت من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وآله نبيا،
وبالقرآن كتابا، وبعلي عليه السلام إماما، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول:
انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لم يعرف
اسم أمه؟ قال: انسبه إلى حواء ".
ومن طريق الأصحاب عن يحيى بن عبد الله عليه السلام قال: " سمعت أبا عبد الله
يقول: ما على أهل الميت منكم أن يدرؤا عن ميتهم لقاء منكر ونكير، قلت: كيف
يصنع؟ قال: إذ أفرد الميت فليتخلف عنده أولى الناس به، فليضع فمه عند رأسه
ثم ينادي بأعلى صوته: يا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان هل أنت على العهد الذي
فارقتنا عليه من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد صلى الله عليه وآله عبده
ورسوله، وأن عليا عليه السلام أمير المؤمنين، وأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله حق، وأن الموت
حق، والبعث حق، وأن الله يبعث من في القبور، قال: فيقول منكر ونكير: انصرف
بنا عن هذا فقد لقن حجته " (2).

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 33 ح 5 ص 861.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 35 ح 1 ص 862.
303

(المكروهات)
يكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة إليه، لأنه إتلاف المال فيقف الجواز
على الضرورة، ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن علي القاساني، عن
محمد بن محمد قال: كتب إليه علي بن بلال أنه ربما مات عندنا الميت فتكون
الأرض ندية، فيفرش القبر بالساج أو تطبق عليه، فهل يجوز؟ فكتب ذلك جائز " (1).
مسألة: ويكره تجصيص القبور وتجديدها، لما روي علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام " سألته عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟ فقال: لا
يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تجصيصه، ولا تطينه " (2) وقال أمير المؤمنين
عليه السلام: " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الإسلام " (3) وقد اختلف الأصحاب
في رواية هذه اللفظة، فقال سعد بن عبد الله: هي " بالحاء المهملة " وعني زينتها،
وقال المفيد (ره): " بالخاء " وعني شقها، من خددت الأرض أي شققتها، فيكون
النهي على هذا للتحريم.
وقال محمد بن الحسن الصفار: " بالجيم " وعني تجديدها أي تجديد بنائها
أو تطيينها، وحكي أنه لم يكره رمها وقال البرقي: " بالجيم " و " الثاء " ولم يفسره
وقال الشيخ (ره): المعنى أن يجعل القبر حدثا دفعة أخرى، قلت: وهذا الخبر رواه
محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن الأصبغ، عن علي عليه السلام.
و " محمد ابن سنان " ضعيف، وكذا " أبو الجارود " فإذن الرواية ساقطة،
فلا ضرورة إلى التشاغل بتحقيق نقلها، وروى محمد ابن مسلم في صحيحه قال

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 27 ح 1 ص 853.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 44 ح 1 ص 869.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 43 ح 1 ص 868.
304

" نهي رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، أن يقعد عليه " ومذهب
الشيخ: أنه لا بأس بذلك ابتداء، وأن الكراهية إنما هي إعادتها بعد اندراسها.
وروى يونس بن يعقوب " لما رجع أبو الحسن موسى عليه السلام من بغداد قاصدا
إلى المدينة ماتت ابنته بفيد، فدفنها وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب
اسمها على لوح ويجعله في القبر " (1) والوجه حمل هذه على الجواز، والأولى
على الكراهية مطلقا، وقال الشيخ في الخلاف، ويكره أن يجلس على قبر، أو يبكي
عليه، أو يمشي عليه. وبه قال العلماء، وقال مالك: إن فعل ذلك للغائط كره، ولغيره
لا يكره.
لنا قوله عليه السلام " لأن يجلس أحدكم على جمر فيخرق ثيابه فتصل النار إلى بدنه
أحب إلي من أن يجلس على قبر " (2) وهذه الرواية عامية، والمروي لنا ما سبق من
رواية علي بن جعفر، فينبغي الاقتصار في الكراهية على مضمونها، على أنه لو قبل
بكراهية ذلك كله كان حسنا، لأن القبر موضع العظة فلا يكون موضع الاستهانة.
مسألة: يكره حمل ميتين على جنازة واحدة، ذكره الشيخ في النهاية
والمبسوط، لأنه شنيع، ولما رواه محمد بن الحسن الصفار قال: " كتبت إلى أبي
محمد عليه السلام أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس
وإن كان الميتان رجلا وامرأة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما؟ فوقع عليه السلام
لا يحمل الرجل والمرأة على سرير واحد " (3).
مسألة: ولو كان مع الجنازة منكر لم يمنع لأجله عن الصلاة عليها إذا لم
يتمكن من إزالته، لأن الإنكار سقط عنه بالعجز، فلا يسقط الواجب، ويؤيده ما رواه

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 37 ح 2 ص 864.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 79 (مع تفاوت).
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 42 ح 1 ص 868.
305

زرارة قال: " حضرت في جنازة فصرخت صارخة فقال عطا: لتسكتن أو لنرجع،
فلم تسكت فرجع، فقلت ذلك لأبي جعفر، فقال: امض بنا، فلو أنا إذا رأينا شيئا
من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم " (1).
مسألة: يكره دفن ميتين في قبر واحد، هذا إذا دفنا ابتداء أما إذا دفن أحدهما
ثم أريد نبشه ودفن آخر فيه قال في المبسوط: يكره، ثم قال في المبسوط: وإذا
بادر إنسان وحفر قبرا فإن لم يجد فيه شيئا فالحافر أحق به، وإن وجد فيه عظاما أو
غيرها رد التراب فيه ولم يدفن فيه شيئا، وهذا يدلك على أنه أراد بالكراهية أو لا
التحريم، لأن القبر صار حقا للأول يدفنه فيه فلم تجز مزاحمته بالثاني.
مسألة: لا يستحب القيام إذا مرت به الجنازة، لذمي كانت أو لمسلم، روى
مسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله قام للجنازة ثم ترك " (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة قال: " مرت جنازة فقام الأنصاري ولم
يقم أبو جعفر عليه السلام فقال له: ما أقامك؟ فقال: رأيت الحسين بن علي عليهما السلام يفعل ذلك
فقال أبو جعفر عليه السلام: والله ما فعل ذلك الحسين ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط،
فقال الأنصاري: شككتني أصلحك الله وقد كنت أظن أني رأيت " (3).
وروى مثنى الخياط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان الحسين بن علي عليهما السلام
جالسا فمرت به جنازة فقام الناس حين طلعت الجنازة، فقال الحسين عليه السلام: مرت
جنازة يهودي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا على طريقها فكره أن يعلو رأسه جنازة
يهودي " (4).

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 40 ح 1 ص 818.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 27، صحيح مسلم ج 2 ص 661.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 17 ح 1 ص 839.
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 17 ح 2 ص 839.
306

مسألة: يكره نقل الميت إلى غير بلد موته، وعليه العلماء أجمع، وقال
علمائنا خاصة يجوز نقله إلى مشاهد الأئمة عليهم السلام، بل يستحب.
أما الأول: فلقول النبي صلى الله عليه وآله " عجلوهم إلى مضاجعهم " وهو دليل على
الاقتصار على المواضع القريبة المعهودة بالدفن.
وأما الثاني: فعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة إلى الآن، وهو مشهور
بينهم لا يتناكرونه، ولأنه يقصد بذلك التمسك بمن له أهلية الشفاعة، وهو حسن
بين الأحياء توصلا إلى فوائد الدنيا، فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى.
(اللواحق)
وهي تشتمل مسائل:
الأول: كفن المرأة على زوجها، سواء كانت موسرة أو معسرة، وعليه فتوى
الأصحاب، واختلف أصحاب الشافعي فقال بعضهم: من مالها، وبه قال أحمد،
لانقطاع العصمة وزوال ما يوجب الإنفاق.
لنا ما روى إسماعيل السامري، عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي عليه السلام
قال: " على الزوج كفن امرأته إذا ماتت " (1) ولأن الزوجية ثابتة إلى حين الوفاة
فيجب الكفن، ومثله العبد، فإنه يجب كفنه على مولاه بالإجماع، لاستمرار حكم
رقيته إلى الوفاة، وقولهم: انقطعت العصمة فلا يجب كفنها، قلنا: إن أردتم انقطاع
العصمة، بمعنى أنه حلت له أختها مثلا فمسلم، وإن أردتم لم يبق للزوجية أثر،
فلا نسلم، وهذا لأنه يجوز له تغسيلها وهو أولى بها من عصبتها، وهو مذهب الشافعي
وأحمد وإن منع أبو حنيفة، فالنقل يبطل منعه، لأن عليا غسل فاطمة عليها السلام، واشتهر
في الصحابة فلم ينكره أحد، فصار إجماعا.

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 33 ح 2 ص 759.
307

ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعايشة: " لو مت قبلي لغسلتك " (1) ولولا
علقته النكاح لما صح ذلك، ولأنه لا يطلع على ما لا يستباح لغيره من الرجال إلا
بعلقة الرحم، أو النكاح، أو الملك، ولأن الميراث تابع للزوجية واستحقاقه بعد
الوفاة لقوله تعالى: * (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * (2) فسماهن أزواجا بعد
الترك، والترك لا يتحقق إلا عند الوفاة، وإذا ثبت تسميتها زوجة لزمه كفنها، لأن
سقوط أحكام الزوجية إنما يتحقق متأخرة عن الوفاة، والكفن يجب عند الوفاة مقارنا
لا متأخرا.
مسئلة: وكفن الميت من أصل تركته، وهو مذهب أهل العلم إلا شذاذا من
الجمهور، فإنهم جعلوه من الثلث. لنا أن جماعة من الصحابة لم يكن لهم تركة
إلا قدر الكفن فكفنوا به، كحمزة ومصعب بن عمير، ولأنه لا ينتقل إلى الوارث
إلا ما فضل عن دينه، ومؤنة الرجل مقدمة على قضاء دينه.
ويؤيد ذلك ما رواه الحسن بن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " ثمن الكفن من جميع المال " (3) وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن
رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل مات وعليه دين،
وخلف قدر ثمن كفنه، قال: يكفن بما ترك إلا أن ينجر إنسان بكفنه ويقضي بما
ترك دينه " (4).
مسألة: لا يجوز نبش القبور ولا نقل الموتى بعد دفنهم، أما النبش: فلأنه
مثلة بالميت وهتك له، وعلى تحريم نبشه إجماع المسلمين إلا في صور نذكرها:

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 396.
2) النساء: 12.
3) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 31 ح 1 ص 758.
4) الوسائل ج 13 أبواب الدين والقراض باب 13 ح 1 ص 98.
308

الأولى: إذا وقع في القبر ماله قيمة جاز نبشه لأخذه صيانة للمال عن الإضاعة.
الثانية: إذا غصبت أرض دفن فيها، فلمالكها قلعه، لأنه عدوان فيجب إزالته،
وكذا لو كفن في الثوب المغصوب.
الثالثة: لو دفن ولم يغسل. قال الشافعي: نبش وغسل وصلى عليه إذا لم
يخش فساده في نفسه. وقال الشيخ في الخلاف: لا ينبش، وهو الوجه، لأن النبش
مثلة فلا يستدرك الغسل بالمثلة.
الرابعة: إذا دفن ولم يكفن ولم يصل عليه فالوجه أنه لا ينبش، لأن الصلاة
تستدرك بالصلاة على قبره، والدفن أغنى عن الكفن لحصول الستر به.
مسألة: الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن، وهو إجماع أهل
العلم خلا سعيد بن المسبب والحسن البصري، فإنهما أوجبا غسله قالا: لأن الميت
لا يموت حتى يجنب، ولا عبرة بخلافهما. لنا قوله عليه السلام " رملوهم بدمائهم فإنهم
يحشرون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما " (1).
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه أبان بن تغلب قال: " سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل، إلا أن يدرك المسلمون
وبه رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل ويكفن ويحنط، أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة
في ثيابه ولم يغسله، ولكنه صلى عليه " (2) وتجب الصلاة على الشهيد، قال الشافعي
وأحمد لا يصلى عليه.
لنا ما روي عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على قتلى أحد " (3) وقوله
عليه السلام: " صلوا على من قال لا إله إلا الله " وروى أبو داود بإسناده " أن رجلا من

1) سنن النسائي ج 4 ص 78، سنن أحمد بن حنبل ج 5 ص 431. (مع تفاوت).
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 9 ص 700.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 13.
309

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله طلب رجلا من حي جهينة فأخطأه فأصاب نفسه بسيفه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات فكفنه
رسول الله صلى الله عليه وآله بثيابه ودمائه وصلى عليه، فقالوا يا رسول الله أو شهيد هو؟ فقال:
نعم وأنا له شهيد " (1).
واحتج الشافعي بما رواه جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم
ولم يغسلهم ولم يصل عليهم " (2) وبأن الصلاة شفاعة في الميت والشهيد غني بشهادته
عن الشفاعة، ولأنه حي والحي لا يصلى عليه.
والجواب: المعارضة بما رويناه عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وبما
رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم نقول، خبرنا أرجح،
لأنه مثبت، والمثبت أولى بالقبول من النافي، وقوله: " الصلاة شفاعة " ليس بشئ،
بل هي عبادة ثمرتها حصول الأجر وتحصيل المصلحة المنوطة بفعلها، ثم ينتقض ما
ذكره بمن عرف أنه مشهود له بالجنة من أعيان الصحابة، وقوله: " لا يصلى على الحي "
قلنا: حق، لكن الشهيد ميت الجسد وإن كان حي النفس، ولأن الصلاة تجب بانقضاء
النحب سواء حي بعد ذلك في الآخرة أو لم يحيى، وهذا الحكم يثبت ولو أكل
وشرب وتكلم، خلافا لأبي حنيفة لأنه قتيل في سبيل الله فيلحقه حكم الشهيد.
فروع
الأول: لو كان الشهيد مجنبا لم يغسل، ذكره الشيخ في النهاية والمبسوط،
وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة وأحمد: يغسل، واختاره ابن الجنيد منا والمرتضى
في شرح الرسالة، لحديث حنظلة بن الراهب فإن النبي صلى الله عليه وآله ما شأن حنظلة

1) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجهاد ص 21.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 10.
310

فأني رأيت الملائكة تغسله، قالوا: إنه جامع ثم سمع الهيعة فخرج إلى القتال.
لنا قوله عليه السلام " زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كليم يكلم في سبيل الله إلا يأتي
يوم القيامة بدمائه، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك " (1) وكذا لو طهرت الحائض
والنفساء ثم استشهدتا لم تغتسلا وقال أحمد: تغسلان، وقال: لو قتلتا في الحيض
والنفاس لم تغسلا، لأن الطهر من الحيض شرط في الغسل.
الثاني: هل يشترط في سقوط غسل الشهيد أن يغتسل بين يدي إمام عادل في
نصرته، أو من نصبه؟ قال الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة: نعم، والأقرب
اشتراط الجهاد السائغ حسب، فقد يجب الجهاد وإن لم يكن الإمام موجودا، لقوله
عليه السلام " ادفنوهم بثيابهم " (2) وما روي عن الأئمة عليهم السلام من طرق منها:
أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الذي يقتل في سبيل الله يدفن كما
هو في ثيابه، إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل ويكفن
ويحنط ويصلى عليه " (3) وعن أبي خالد قال: " اغسل كل الموتى إلا من قتل بين
الصفين " (4) فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم يعلمن النص.
الثالث: كل مقتول في غير المعترك يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه، وإن
قتل ظلما أو قتل دون ماله، وتسمية النبي صلى الله عليه وآله هذا شهيدا مبالغة في صلاح عاقبته،
لأن العمومات الدالة على وجوب الغسل تتناوله، لقول أبي عبد الله عليه السلام " اغسل كل
الموتى إلا من قتل بين الصفين " (5) ولأن النبي صلى الله عليه وآله لم يترك غسل أحد من أموات
المسلمين إلا الشهداء فيتبع، ولأن عليا عليه السلام وعمر قتلا وصلى عليهما المسلمون

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 11.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 7 ص 700.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 3 ص 698.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 3 ص 698.
311

بعد الغسل والتكفين، وكذا من مات بالبطن والطاعون أو الغرق أو الهدم أو النفاس
وعلى هذا مذهب أهل العلم عدا الحسن البصري فإنه قال: النفساء شهيدة.
لنا التمسك بالأصل في وجوب الغسل، ولأن سقوط الغسل بالشهادة، فلا
يثبت الحكم مع عدمها.
الرابع: حكم الصغير في ذلك حكم الكبير، والمرأة كالرجل، والعبد كالحر
وقال أبو حنيفة: ليس الصغير كالكبير، بل يغسل ويكفن. لنا أن اسم الشهيد يقع عليه
لأنه مسلم قتل في المعترك، ولأنه كان في قتل بدر وأحد أطفال كحارثة بن النعمان
وعمير بن أبي وقاص ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله غسلهم.
الخامس: من قتل بالحديد والخشب والصدم واللطم باليد أو الرجل سواء
في سقوط الغسل، والاقتصار على دفنهم بثيابهم، عملا بإطلاق اللفظ.
السادس: لو وجد غريقا في حال القتال أو محترقا أو ميتا لا أثر فيه، قال الشيخ
في المبسوط والخلاف: حكمه حكم الشهيد، لأن القتل لا يستلزم ظهور الأثر،
وقال ابن الجنيد منا، يغسل، وما ذكره الشيخ في النهاية أجود.
السابع: لو عاد سلاحه عليه في حال الحرب فقتله فالأقرب أنه شهيد، لأنه
قتل بين الصفين في سبيل الله ويؤيد ذلك من طريقهم: رواية أبي داود، وقد سلفت
وكذا من أصابه سلاح المسلمين، أو وطئه خيل المسلمين فإنه شهيد.
مسألة: ويدفن مع الشهيد جميع ثيابه، أصابها الدم أو لم يصبها، وهو إجماع
المسلمين، ولقوله عليه السلام " ادفنوهم بثيابهم " (1) وفي دفن السراويل معه قولان عندنا،
الأوجه: وجوب دفنه، لأنه من الثياب، ولا يدفن معه الفرو والقلنسوة، قاله المفيد.
وقال الشيخ في المبسوط: يدفن معه جميع ما عليه إلا الخفين، وقال في الخلاف:
ينزع عنه الجلود.

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.
312

لنا دفن ما عدا الثياب تضييع لم يعتبره الشرع، وما رووه " أن النبي صلى الله عليه وآله
أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الجلود والحديد " (1) لا يقال: الجلد يسمى ثوبا، لأنا
نقول: المعهود في العرف هي المنسوجة فيصرف الإطلاق إليها.
فرع
" الخف " لا يدفن معه، ولا الفرو، وإن أصابها الدم، وفي رواية " إذا أصاب
الفرو والخفين والقلنسوة دفنت معه " (2) والرواية ضعيفة، رواها رجال الزيدية،
عن زيد بن علي عليه السلام عن علي عليه السلام.
مسألة: لو نقل من المعترك مرتمثا وهو الجريح الذي به رمق أو انقضى الحرب وبه رمق فعل به ما يفعل بالميت حتف أنفه، " الرمق " بقية الحياة، ومعنى
" حتف أنفه " أي من غير ضرب ولا قتل، يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه، وإن
لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن لم يتكلم ولم يأكل ولم يشرب فهو شهيد.
لنا الأصل وجوب الغسل والتكفين، فيترك العمل به في موضع الإجماع،
ولأنه لا معنى لاعتبار الكلام، فقد يتكلم وإن لم تكن حياته مستقرة، وكذا الأكل
والشرب. ومن طريق الأصحاب ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام في
الحديث الذي سلف، ومثله روى أبو مزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الشهيد
إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلى عليه وإن لم يكن به رمق دفن في أثوابه " (3).

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 10 ص 701 إلا أنه صرح باسم
الجملة الشرطية المستفادة من العبارة السابقة.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 1 ص 698.
313

مسألة: يجب دفن الشهيد في ثيابه، ولا يجوز نزعها عنه، وقال أحمد: ليس
ذلك حتما، ويجوز نزعها وتكفينه في غيرها، لما روي " أن صفية أرسلت إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله ثوبين ليكفن بهما حمزة، فكفنه في أحدهما وكفن آخر في الآخر " (1)
وجوابه: إن البحث ليس في أن يزاد على ثيابه، بل في جواز نزعها وليس في الخبر
تصريح بذلك.
وقد روى زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " دفن رسول الله صلى الله عليه وآله حمزة في
ثيابه التي أصيب فيها، وزاده بردا فقصر عن رجليه فدعا له بأذخر وطرحه عليه، وصلى
عليه سبعين تكبيرة " (2) وقد روي أن حمزة جرده المشركون فكفن لذلك، يدل عليه
ما رواه أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة لأنه كان
جرد " (3) ولأن ما ذكره حكاية فعل، وهو معارض بقوله عليه السلام " ادفنوهم بثيابهم " (4)
والقول أرجح في الدلالة من الفعل.
مسألة: من قتله البغاة من أهل العدل لا يغسل ولا يكفن، ويصلى عليه، وللشافعي
قولان، لنا أن عليا عليه السلام لم يغسل أصحابه، وقال عمار: ادفنوني بثيابي فإني مخاصم
وروي عن أحمد بن حنبل أنه قال: " أوصى أصحاب الجمل أنا مستشهدون غدا
فلا تنزعوا عنا ثوبا ولا تغسلوا عنا دما، ومن قتله أهل العدل من البغاة ".
قال الشيخ في المبسوط والخلاف: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه سوى
مات في المعركة أو نقل وبه رمق، قال: لأنه عندنا كافر، وقال أبو حنيفة كذلك، لأنه
باين المسلمين دارا وحربا فأشبه الكافر، وقال الشيخ في السير من الخلاف: يغسل

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 401.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 8 ص 700.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 14 ح 7 ص 700.
4) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 14.
314

ويصلى عليه.
مسألة: قطاع الطريق يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم، لأن الفسق لا يمنع
هذه الأحكام.
مسألة: إذا اختلط قتلى المشركين بقتلى المسلمين صلى عليهم جميعا بنية
الصلاة على المسلمين خاصة، وفي المواراة وجهان، أحدهما: يوارى من كان
كميشا أي صغير الذكر، روى ذلك الشيخ في المبسوط والخلاف عن علي عليه السلام،
وروى حماد بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال النبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: لا يواروا
إلا كميشا يعني صغير الذكر، وقال: لا يكون إلا في كرام الناس " (1) وتوقف بعض
الأصحاب استضعافا للرواية.
وقال بعض المتأخرين منا: يقرع لأن القرعة في كل مشكل، وهو غلط
لأن الأصحاب لم يستعملوا القرعة في العبادات، ولو اطرد العموم لبطلت البحوث
الفقهية. واحتج إلى القرعة في كل خلاف، ولو قيل بمواراة الجميع ترجيحا لجانب
حرمة المسلم كان صوابا.
فرع
إذا وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر، فإن كان في دار الإسلام، غسل
وكفن وصلى عليه، وإن كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر، لأن الظاهر أنه من أهلها
ولو كان فيه علامات المسلم، لأنه لا علامة إلا ويشارك فيها بعض أهل الكفر.
مسألة: وإذا مات ولد الحامل قطع وأخرج، وبه قال الشيخان في النهاية
والمبسوط والمقنعة، وقال في الخلاف: ولم أعرف به للفقهاء نصا، واستدل بإجماع
الفرقة، روى وهب بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام " قال أمير المؤمنين عليه السلام في

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 39 ح 3 ص 866.
315

المرأة تموت في بطنها الولد فيخوف [فيخاف] عليها قال: لا بأس أن يدخل الرجل
يده فيقطعه ويخرجه إذا لم يتفق له النساء " (1).
و " وهب " هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به، والوجه أنه إن أمكن
التوصل إلى إسقاطه صحيحا بشئ من العلاجات، وإلا توصل إلى إخراجه بالأرفق
فالأرفق، ويتولى ذلك النساء، فإن تعذر السناء فالرجال المحارم، فإن تعذر جاز أن
يتولاه غيرهم دفعا عن نفس الحي، ولو ماتت الأم وبقي هو حيا على اليقين، شق
جوفها من الجانب الأيسر وأخرج الولد، ذكر ذلك الشيخان في المبسوط والنهاية
والمقنعة وأتباعهما وابن بابويه.
وقال في الخلاف: يشق جوفها، ولم يقيده بالأيسر، وهو الذي دلت عليه
الروايات، وقال أحمد بن حنبل: لا يشق جوفها مسلمة كانت أو ذمية، بل تسطو عليها
القوابل فيخرجنه، ولو لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليها وتركت حتى يتيقن
موته يدفن، لأنه مثلة، ولأن حرمة الميت كحرمة الحي، وهذا الولد لا يعيش عادتا
فلا يهتك حرمة متيقنة لأمر موهوم.
لنا أنه توصل إلى بقاء الحي بجرح في ميت فيكون أولى، ولأنه لو جرح بعضه
ونشب بحيث يحتاج إلى السعة وجب الاتساع عليه والحال واحدة، ويؤيده ذلك من
طريق الأصحاب ما رواه علي بن يقطين، عن موسى عليه السلام " في المرأة تموت وولدها
في بطنها يتحرك، قال: يشق عن الولد " (2) ومثله روى علي بن أبي حمزة، عن أبي
عبد الله عليه السلام، وإنما قلنا: و " في رواية " وتحاط الموضع، لأنها رواية ابن أبي عمير
عن ابن أذينة موقوفة عليه، فلا يكون حجة ولا ضرورة إليه، لأن مصيرها إلى البلاء.
مسألة: إذا وجد بعض الميت وفيه صدر فهو كما لو وجد كله، وهو مذهب

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 46 ح 3 ص 673.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 46 ح 2 ص 673.
316

المفيد في المقنعة، وقال الشيخ في المبسوط والنهاية: إن كان موضع الصدر صلى
عليه، وقال في الخلاف من كان صدره وما فيه قلبه صلى عليه، وقال مالك وأبو
حنيفة: أن وجد الأكثر صلى عليه وإلا فلا، ولو قطع نصفين عرضا صلى على ما فيه
الرأس ولو قطع طولا لم يصل عليه.
وقال الشافعي: إن وجد منه عضو صلى عليه ولو كان العضو من حي أو ممن
لا يعلم موته لم يصل عليه، لأنه بعض من جملة لا يصلى علها فلا يصلى عليه، وإذا
كان من ميت صلى عليه لأن يد عبد الرحمن بن غياث بن أسيد ألقاها طائر بمكة عقيب
وقعة الجمل فعرفت بخاتمه فصلى علها أهل مكة بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد
فصار إجماعا، والذي يظهر لي أنه لا تجب الصلاة إلا أن يوجد ما فيه القلب، أو الصدر
واليدان، أو عظام الميت.
لنا ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام " في رجل يأكله السبع
فتبقى عظامه بغير لحم فلا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن " (1) وإذا كان الميت
نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب قال أبو جعفر بن بابويه وإن لم يوجد منه
إلا الرأس لم يصل عليه.
وروى البزنطي في جامعه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا
يرفعه قال: " المقتول إذا قطع أعضائه يصلى على العضو الذي فيه القلب " (2) ولأن
الصلاة تثبت لحرمة النفس والقلب محل العلم وموضع الاعتقاد الموصل إلى النجاة
فله مزية على غيره من الأعضاء
وروى الفضيل بن عثمان الأعور عن الصادق عليه السلام عن أبيه في الرجل يقتل
فيؤخذ رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة قال: " ديته

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 12.
317

على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة عليه " (1).
وبعض المتأخرين عاب على الشيخ (ره) حكاية القائد عبد الرحمن بن غياث
بمكة وقال: قد ذكر البلاذري أنها وقعت باليمامة وهو الصحيح فإن البلاذري أبصر
بهذا الشأن، وهو إقدام على شيخنا أبو جعفر (ره) وجرأة من غير تحقيق، فإنا لا نسلم
أن البلاذري أبصر منه، بل لا يصل غايته، والشافعي ذكر أنها ألقيت بمكة.
واحتج لمذهبه بالصلاة عليها بمحضر من الصحابة، ولا يقول أحد أن البلاذري
أبصر من الشافعي في النقل، وشيخنا أورد منقول الشافعي فلا مأخذ عليه.
نعم يمكن أن يقال للشافعي كما روي أنها ألقيت بمكة، فقد روى أنها ألقيت
باليمامة ولا حجة في فعل أهل اليمامة ومع اختلاف النقل يخرج عن كونه حجة ولو
سلمنا بمكة لم يكن الصلاة عليها حجة لأنه لم يبق بها بعد خروج الجيش مع علي
عليه السلام من يعتد بفعله، على أنه يحتمل أن يكون الذي صلى عليها ممن يرى الصلاة
على الغائب وسنبين ضعفه.
وروى في أخبارنا مثل قول الشافعي رواه البزنطي عن أبي عبد الله عن ابن
المغيرة قال: " بلغني عن أبي جعفر عليه السلام أنه يصلي على كل عضو رجلا كان أو يدا أو
الرأس جزءا فما زاد فإذا نقص عن رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه " (2).
وروى أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو من أعضائه تام صلى على ذلك العضو
ودفن فإن لم يوجد له عضو تام لم يصل عليه ودفن " (3) وذكر ذلك ابن بابويه في
كتابه والروايتان مقطوعتا السند وأكثر الأصحاب يطرحهما فيسقط اعتبارهما، ولأن
الصلاة على الميت تجب بحسب الدلالة فينتفي مع عدمها.

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 13.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 38 ح 9.
318

فروع
الأول: قال الشيخ في المبسوط: لو وجد منه قطعة فيها عظم فإن كانت في
المعركة قبل انقضاء الحرب لم يغسل وكفنت ودفنت من غير صلاة. وقال الشيخان:
لو كانت في غير المعترك غسلت وحنطت وكفنت ودفنت من غير صلاة.
الثاني: لو كانت القطعة لحما لا عظم فيها دفنت بحالها من غير غسل ولا
صلاة. وقال سلار لفت في خرقة ودفنت. لنا التمسك بالأصل.
الثالث: لو أبينت القطعة من حي دفنت من غير غسل، ولو كان فيها عظم
ولا يصلى عليها لأنها من جملة لا يغسل ولا يصلى عليها.
مسألة: ولا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة، وهو مذهب علمائنا.
وقال أبو حنيفة ومالك: يدرج في خرقة ويدفن إلا أن يستهل. وللشافعي كالقولين.
لنا أنه مات بعد أن كان حيا فيجب غسله لما رووه أن الملائكة غسلت آدم
عليه السلام، وقالوا لولده هذه سنة موتاكم. ومن طريق الأصحاب ما رواه أحمد بن محمد
عمن ذكره قال: " إذا تم للسقط أربعة أشهر غسل " (1) وروى زراعة، عن سماعة، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد
والكفن قال: " نعم كل ذلك يجب إذا استوى " (2) ولا مطعن على الروايتين
بانقطاع سند الأولى وضعف سماعة من سند الثانية لأنه لا معارض لهما مع قبول
الأصحاب لهما. أما الصلاة عليه فلا، وهو اتفاق علمائنا. وبه قال أبو حنيفة. وقال
أحمد يصلى عليه. وللشافعي مثل المذهبين. لنا ما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " (3).

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 12 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 12 ح 1.
3) سنن الترمذي كتاب الجنائز باب 43.
319

احتج أحمد بما رواه المغيرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " السقط يصلى عليه "
والجواب: الطعن في السند فإن المغيرة ضعيف عندنا لما اشتهر انحرافه عن علي
عليه السلام، وقول عمر له حين ولاه الكوفة: أنت القوي الفاجر، مع أنه قد روي عنه
هذه بلفظ آخر قال: والطفل يصلى عليه، وبتقدير أن يكون اللفظ كذلك يكون
مطلقا، يحتمل من ولد مستهلا ومن سقط ميتا، فيكون الترجيح لخبرنا، لأنه مقيد
بالاستهلال، ولأن الصلاة تكليف مستفاد من الشرع فتقف على موضع الدلالة.
ولو كان السقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل، ولم يكفن، ولم يصل عليه، بل
يلف في خرفة ويدفن، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة، وهو مذهب
العلماء خلا ابن سيرين، ولا عبرة بخلافة، ولأن المعنى الموجب للغسل هو الموت
وهو مفقود هنا. ويدل عليه من طريق الأصحاب ما رواه محمد بن الفضل قال: كتبت
إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن السقط كيف يصنع به قال: " السقط يدفن بدمه في
موضعه ".
مسألة: ولا يغسل الرجل الأرجل وكذا المرأة، هذا اختيار الشيخ رحمه الله
في الاستبصار إلا مع الضرورة فإن المرأة تغسل زوجها والرجل زوجته من وراء الثياب
وكذا المحارم، والحق أن هيهنا مسائل:
الأولى: يجوز للمرأة أن تغسل زوجها مجردا مع وجود المحارم وعدمهم
وهو اختيار علم الهدى في شرح الرسالة، مذهب الشيخ في الخلاف، وقال في
النهاية: تغسله أو غيرها من محارمه مع عدم الرجال من وراء الثياب، ولا يجردنه.
وأطبق الجمهور على الجواز كما قلناه.
لنا ما رووه عن عايشة أنها قالت لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول
الله صلى الله عليه وآله إلا نساؤه (1) ورووا أن أبا بكر أوصى أن يغسله أسماء بنت عميس وكانت

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.
320

صائمة فعزم عليها أن تفطر فلما فرغت من غسله ذكرت يمينه فقالت لا أتبعه اليوم خشا
ودعت بماء فشربت وأوصى جابر بن زيد أن تغسله امرأته.
ومن طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها إن لم يكن عندها من يغسلها وعن
المرأة هل لها مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال: " لا بأس إنما يفعل ذلك أهل
المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شئ يكرهونه " (1). أما أخبار المانعة فمحمولة
على الكراهية، وكذا ما روي من اشتراط تغسيلها إياه من وراء الثياب.
فروع
الأول: حكم أم الولد حكم الزوجة، وقال أبو حنيفة لا يجوز لأنها عتقت
بموته. لنا أن بعض علق الملك باقية وهو وجوب الكفن والمؤنة والعدة.
ويؤيد ذلك ما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن علي بن الحسين عليه السلام
" أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته " (2) ولا يمنع العتق من ذلك لأن جواز
الاطلاع في زمان الحياة قد يستصحب بعد الوفاة، كما قال في الزوجة تغسل الزوج
وإن انقطعت العصمة.
الثاني: إذا لم تكن المملوكة أم ولد فالأقرب أنها لا تغسله، لأن ملكه انتقل
عنه إلى غيره فحرم عليها النظر إليه.
الثالث: لو كانت الزوجة كافرة ففي التولي وجهان: أحدهما الجواز لرواية
عمار المتضمنة لجواز أن تتولاها الكافرة عند عدم النساء. والثاني المنع لأن الغسل
عبادة يفتقر إلى نية القربة وهي متعددة في حقها.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 24 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 25 ح 1.
321

الثانية: في تغسيل الرجل زوجته قولان أحدهما الجواز، وهو اختيار علم
الهدى في شرح الرسالة، والشيخ رحمه الله في الخلاف. وقال في النهاية والاستبصار
لا يجوز إلا مع عدم النساء من وراء الثياب. وقال أبو حنيفة: لا يجوز لأن الموت
فرقة ينقطع معهما عصمة النكاح، ويحل معها نكاح أختها وأربع غيرها فيحرم اللمس
والنظر.
لنا ما روي أن عليا عليه السلام غسل فاطمة عليها الصلاة والسلام. (1) وما روي أن
النبي صلى الله عليه وآله قال لعايشة: " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " (2) لا يقال لعل معناه أمرت
بغسلك وتكفينك، لأنا نقول الظاهر في إضافة الفعل إلى الإنسان إرادة المباشرة لا
الاستبانة. ومن طريق الأصحاب ما رواه صفوان عن منصور عن أبي عبد الله عليه السلام
عن الرجل يخرج إلى السفر ومعه امرأته تغسلها قال: " نعم وأخته ونحو هذا ويلقي
على عورتها خرقة " (3) واستدلال أبي حنيفة ضعيف، لأنا لا نسلم أن جواز نكاح
الأربع والأخت تستلزم تحريم النظر واللمس فإن المرأة الحامل يموت زوجها
فتضع ومع الوضع يجوز أن تنكح غيره ولا يمنعها ذلك نظر الزوج ولا غسله ولا
حجة في العدة، لأنه لو طلقها باينا ثم مات فهي في عدة ولا يجوز لها تغسيله.
فرع
لو طلقها ثم مات، فإن كانت رجعية فلها تغسيله، وإن كانت باينا لم يجز لأن
لمسها ونظرها محرم في حال الحياة فيستصحب التحريم.
الثالثة: يجوز للمحارم أن يغسلن محارمهن، إذا لم يوجد رجال. وكذا

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 24 ح 17.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 396.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 1.
322

الرجال. ونعني بالمحارم من لا يجوز للرجل نكاح واحدة منهن، وتستوي ذات
النسب والرضاع ويكون ذلك من وراء الثياب، وهو اختيار الشيخ في كتبه. وقال
مالك ومحمد يجوز عند الضرورة، ومنعه الجمهور.
لنا أن المرأة عورة فيحرم النظر إليها وإنما جاز مع الضرورة من وراء الثياب
جمعا بين التطهير والستر. ويؤيده ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل تغسله النساء قال:
" تغسله امرأته أو ذات محرمة وتصب عليه النساء صبا من فوق الثياب " (1) وعن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته
فإن لم تكن امرأته غسلته أولاهن به وتلف على يدها خرقة " (2).
الرابعة: لا يغسل الرجل أجنبية ولا المرأة أجنبيا وهو إجماع أهل العلم.
ويجوز أن يغسل المرأة ابن ثلاث سنين مجردا اختيارا واضطرارا. وقولنا في الأصل
مع التعذر يريد الأولى لا التحريم، ووجهه أن للمرأة معاناة الصغير والاطلاع على
عورته في حال تربيته فيعلم من ذلك الإباحة.
وقال المفيد في المقنعة وسلار منا: يجوز أن يغسلن ابن خمس مجردا وإن
كان ابن أكثر من خمس صببن عليه الماء صبا. وقال أحمد يغسلن ابن سبع. وقال
أبو حنيفة يغسلن من لم يجامع مثله ولم يشتبه وكذا الصبية.
لنا ما رواه أبو التمر مولى أبي الحارث النظري عن أبي عبد الله عليه السلام قلت
حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء فقال: " إلى ثلاث سنين " (3) ولأن ما ذكرناه
اقتصارا على موضع الوفاق فيكون أولى.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 20 ح 6.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 23 ح 1.
323

الخامسة: قال الشيخ: ويغسل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة، وبه قال المفيد
في المقنعة. وإن كانت الأكثر غسلوها في ثيابها وصبوا عليها الماء صبا. وقال أبو
جعفر بن بابويه: إن كانت بنت خمس لا تغسل وتدفن بثيابها وإن كان سنها أقل من
خمس غسلت ودفنت. وعندي في ذلك توقف.
واستدل في التهذيب بما رواه أحمد بن محمد بن يحيى مرسلا قال روي في
الجارية تموت مع الرجل فقال: " إذا كانت بنت أقل من خمس أو ست دفنت ولم
تغسل " (1) قال يعني أنها لا تغسل مجرده من ثيابها، والرواية مرسلة ومتنها مضطرب
فلا عبرة بها، ثم لا نعلم القائل. فالأولى المنع. والفرق بين الصبي والصبية أن
الشرع أذن في اطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية وليس كذلك
الصبية، والأصل حرمة النظر.
السادسة: إذا مات امرأة بين رجال أجانب ولا نساء، قال أبو حنيفة يؤممها
الرجال لأن الغسل تعذر فصار كعدم الماء. ولأصحابنا فيه روايات إحديها " يصبون
عليه الماء صبا من وراء الثياب " (2) روى ذلك أبو سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام وعمرو
ابن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، واستحبه الشيخ رحمه الله في التهذيب
والاستبصار جمعا بين الأخبار. والثانية " يغسلون ما يجب عليه التيمم الوجه والكفان " (3)
وفي رواية " يغسلون مواضع الوضوء " (4) والروايات ضعيفة.
أما الأولى فلأن أبا سعيد وعمروا ضعيفان. وأما الثانية فرواية علي بن أبي
حمزة عن أبي بصير، وعلي بن أبي حمزة واقفي، فلا على روايته مع وجود

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 23 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 5.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 22 ح 6.
324

معارض سليم. وفي رواية " يدفنونها من غير غسل " (1) وهي المشهورة وعليها العمل.
لنا أن نظر الأجنبي محرم والغاسل لا ينفك عن الاطلاع على ما يحرم. وروى
أبو الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال في الرجل يموت في السفر في
أرض ليس معه إلا النساء قال: " يدفن ولا يغسل " (2) والمرأة تكون مع الرجال
في تلك المنزلة تدفن ولا تغسل.
ومثله روى داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام، وقد دلت هذه الرواية
على أن الحكم في الرجل يموت بين النساء الأجانب ولا رجل كالمرأة فلا يحتاج
إلى أفراد البحث فيه بمسألة منفردة. واحتجاج أبي حنيفة ضعيف، لأن نظر الأجنبي
محرم والمانع من الغسل مانع من التيمم، وإن كان الاطلاع مع التيمم أقل لكن
النظر محرم قليله وكثيره.
السابعة: إذا مات الرجل بين نساء أجانب ورجال كفار لا مسلم فيهم أو المرأة
بين رجال أجانب ونساء كافرات لا مسلمة فيهن، قال الشيخان في المبسوط والنهاية
والمقنعة: يأمر المسلمة أو المسلم الرجال الكفار أو النساء الكافرات بالاغتسال، ثم
يغسل المسلم أو المسلمة.
واحتج الشيخ في التهذيب لذلك بما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت: إن مات مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه
رجال نصارى ونساء مسلمات قال: " يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر " وعن
المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها
نصرانية ورجال مسلمون قال: " تغتسل النصرانية ثم تغسلها " (3).
وفي رواية سعد بن عبد الله عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 21 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 21 ح 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 19 ح 1.
325

ابن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله نفر
فقالوا إن امرأة توفت معنا وليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها
الماء صبا فقال: أو ما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها فقالوا: لا، قال: أفلا
يتمموها " (1) ووجه دلالة هذا الحديث أنه نية على جواز تغسيل امرأة من أهل
الكتاب لها، فكان جائزا.
وعندي في هذ توقف، والأقرب دفنها من غير غسل لأن غسل الميت يفتقر
إلى النية والكافر لا تصح منه نية القربة وأما الحديثان فالأول رواه الحسن بن علي بن
فضال عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار بن صدقة عن عمار بن
موسى، والسند كله فطحية وهو مناف للأصل. والحديث الثاني رجاله زيدية
وحديثهم مطرح بين الأصحاب.
فرع
هل يجوز أن يتولى الطفل المميز بغسل الميت. فيه تردد، والجواز أشبه،
لأنه تصح منه نية القربة كما في الطهارة للصلاة المندوبة.
مسألة: إذا مات المحرم كان كالمحل لكن لا يقرب الكافور، هذا مذهب
الشيخين في المبسوط والنهاية والمقنعة وأتباعهما. وقال علم الهدى في شرح الرسالة:
الأشبه أنه لا يغطى رأسه ولا يقرب الكافور، وكذا قال ابن أبي عقيل. قال الشافعي
وأحمد: أنه محرم فيجنب جميع ما يجنب المحرم من المخيط وغيره. وقال أبو
حنيفة ومالك: يفعل به ما تفعل بالحلال لأن إحرامه يبطل بالموت كالصلاة والصوم،
ولقوله عليه السلام " خمروا موتاكم ولا تشبهوا باليهود " (2).

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 19 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 394.
326

واحتج المرتضى بما روي عن ابن عباس أن محرما وقصت به ناقته فذكر ذلك
للنبي صلى الله عليه وآله فقال: " اغسلوه بماء وسدر وكفنوه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه
فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا " (1).
والوجه ما ذكره الشيخان لأن مقتضى الدليل التسوية بين الموتى في التغسيل
والتكفين عملا بالألفاظ المطلقة من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله، ولأن الميت يخرج بالموت
عن التكليف فيخرج به عن الإحرام، ولا ينافي ذلك قوله عليه السلام " يأتي يوم القيامة
ملبيا " لأن ذلك يدل على حال الآخرة ولا يدل على حال الدنيا، ولو قيل المعنى
عليه لا ينقطع إحرامه وكذا المجنون وإن خرج عن التكليف منعنا التسوية، لأن
المجنون والمغمى عليه يطاف بهما، وهو دليل بقاء حكم الإحرام، وليس كذلك
الميت.
ويستدل على الشافعي بما روي عن عطا أنه قال في المحرم أنه إذا مات فليخمر
رأسه فإنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " خمروا وجوهكم ولا تشبهوا باليهود " (2) ورواية
ابن عباس يحتمل أن يكون قبل إيجاب تخمير الرأس فقد كان في صدر الإسلام ذلك
مشروعا في الموتى تبعا لشرع ما تقدم، ثم نسخ بقوله خمروهم وإنما تركنا الطيب
لوجهين:
أحدهما: رواية ابن عباس المذكورة فإنها تضمنت المنع من الطيب وتخمير
الرأس فإذا بطل العمل بالتخمير بما ذكرناه من الاحتمال بقي الحكم الآخر سليما
عن المعارض.
والثاني: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: سألتهما
عن المحرم كيف يصنع به إذا مات قال: " يغطى وجهه ويصنع به كما صنع بالحلال

1) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 219.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 394.
327

غير أنه لا يقرب طيبا " (1)، وعن أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " خرج عبد
الرحمن بن الحسن مع الحسين عليه السلام وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس فمات
عبد الرحمن بالأبواء وهو محرم فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه ورأسه
ودفنوه " (2).
مسألة: لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، وبه قال الثلاثة
هذا إذا كان أجنبيا، وأجازه الشافعي ولو كان ذا قرابة، فعندنا لا يجوز لذي قرابة
تغسيله ولا تكفينه ولا دفنه. وقال علم الهدى في شرح الرسالة: فإن لم يكن من
يواريه جاز مواراته لئلا يضيع، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي يغسله
ويتبعه ويدفنه ولم يفصلا.
لنا أن الكافر نجس فلا يطهره الغسل. وأما المنع من الصلاة والدفن فلقوله
تعالى * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره) * (3) وقوله تعالى
* (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) * لا يقال المراد الموالاة في الدين، لأنا نقول يحمل
على الجميع عملا بالإطلاق ولأن التكفين نوع من إكرام وليس الكافر موضعا له،
ولأن الغسل والتكفين مستفادان من الشرع فتقفان على الدلالة.
ويؤيد ما ذكرناه ما رواه عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأل عن
النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت قال: " لا يغسله مسلم ولا كرامة
ولا يدفنه ولا يقوم على قبره ولو كان أباه " (4). وأورد علم الهدى في شرح الرسالة
عن يحيى بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 13 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 13 ح 5.
3) سورة مائدة: 51.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 18 ح 1.
328

والمشرك وأن يكفنه ويصلي عليه ويلوذ به (1).
واحتج المخالف بقوله تعالى * (وصاحبهما في الدنيا معروفا) * (2) وبما
روي أن عليا عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله أن عمك الضال قد مات قال " اذهب فواره " (3)
وبأنه يجوز أن يغسل جسده في حياته فكذا بعد وفاته. والجواب أن الصحبة في الدنيا
بالمعروف تتناول ما بعد الموت لأن الميت خارج عن الدنيا ثم لا نسلم أن الغسل
والكفن من المعروف فإنه أمر مستفاد من الشرع وتكليف يتناول الحي فيقف على
الدلالة.
أما الجواب عن الخبر فبالطعن فيه لأن مذهب الأصحاب أن أبا طالب مؤمن
وليس بضال، ولأن في جملة الخبر أن عليا عليه السلام قال أواريه وهو كافر فقال عليه السلام فمن
يواريه إذا، وهو دليل على أنه لم يكن له موار ومتى كان كذلك جاز مواراته لئلا
يبقى ضائعا.
وأما استدلالهم بجواز غسل جسده وتنظيفه في الحياة وعلى تغسيله وتكفينه
فضعيف، لأن التغسيل عبادة يراد بها التطهير فلا يجري مجرى غسل الحي من الوسخ
وإماطة الدرن، لأنه ممكن في الحي وإن كان كافرا وليس التطهير ممكنا في طرف
الميت الكافر.
فرع
قال المفيد رحمه الله في المقنعة: لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل
مخالفا في الولاية ولا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة فتغسله غسل أهل الخلاف.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 18 ح 2.
2) سورة لقمان: 15.
3) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 398.
329

واحتج الشيخ أبو جعفر رحمه الله في التهذيب لذلك، بأنه كافر وإذا كان غسل الكافر
غير جائز فغسل المخالف في الولاية غير جائز. وقال في المبسوط والنهاية: ولا
ينبغي للمؤمن أن يغسل أهل الخلاف فإن اضطر غسله غسلهم، ولا يترك معه الجريدة.
فرع
قال في الخلاف: ولد الزنا يغسل ويصلى عليه. وقال قتادة لا يصلى عليه.
لنا قوله عليه السلام " صلوا على من قال لا إله إلا الله " ويلزم من قال من أصحابنا بكفره
المنع من تغسيله والصلاة عليه.
مسألة: إذا لقي الكفن نجاسة غسلت ما لم يطرح في القبر وقرضت بعد جعله
فيه، هذا ذكر علي بن بابويه في الرسالة، وأطلق الشيخ قرضه. لنا أن قرضه إتلاف
للمال وهو منهي عنه فيقتصر على قرضه في موضع الوفاق.
ويمكن أن يحتج لما ذكره في النهاية برواية عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشئ بعد الغسل فأصاب
العمامة والكفن قرض بالمقراض " (1)، ومثله روى ابن أبي عمير وأحمد بن محمد
عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا خرج من الميت شئ
بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن زيادات " (2).
مسألة: عيادة المريض مستحبة روى البخاري عن البراء قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وآله
باتباع الجنائز وعيادة المريض (3). وروى الترمذي عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى

1) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 24 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 24 ح 1.
3) سنن النسائي ج 4 كتاب الجنائز ص 54.
330

يصبح ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي " (1).
وعن جابر بن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: " من حق المسلم على المسلم
أن يبر قسمه ويجيب دعوته ويعود مريضه ويشهد جنازته " (2) وعن علي بن عقبة عن
أبي عبد الله قال: " حق المسلم على أخيه أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض
وينصح له إذا غاب ويتبعه إذا مات ".
مسألة: النظر في أمر الميت إلى أولى الناس بميراثه من الرجال ثم النساء
ويستحب أن يلي تمريض المريض أرفق أهله به، وأعلمهم بتدبيره. أما الأول فلقوله
تعالى * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (3) ولما روى غياث بن إبراهيم عن
جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام، قال: " يغسل الميت أولى الناس به " (4) وأما الثاني
فلأنه أقرب إلى رجاء الصلاح.
مسألة: يستحب إذا فرغ الغاسل أن ينشف الميت بثوب لئلا يبل أكفانه.
وروي عن ابن عباس في غسل النبي صلى الله عليه وآله قال: فجففوه بثوب، وعن زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام: " إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به
آثار السجود ومفاصله " (5).
مسألة: إذا قصر الكفن عن الميت غطى رأسه وجعل على رجليه حشيش أو
ورق يستر به كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بحمزة ولو كثر الموتى، وقلت الأكفان. قيل
يجعل الرجلان والثلاثة في الثوب الواحد لحديث أنس، ولا بأس به.
.

1) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 381 (مع اختلاف يسير).
2) الوسائل ج 8 أبواب أحكام العشرة باب 122 ح 7 (إلا أنه روى عن أبي
عبد الله " ع ").
3) سورة أنفال: 75.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 26 ح 2.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 16 ح 6.
331

مسئلة: إذا أحب أهل الميت أن يروه بعد تكفينه جاز، لما روي أن رسول
الله صلى الله عليه وآله قبل عثمان بن مظعون وهو ميت (1). ولما روي عن جابر قال لما قتل أبي
جعلت أكشف عن وجهه وأبكي ورسول الله لا ينهاني (2). وروى الأصحاب عن
الصادق عليه السلام أنه كشف عن وجه إسماعيل بعد أن كفن فقبل جبهته (3).
مسألة: روى العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " القتيل في معصية
يغسل منه الدم ثم يصب عليه الماء ولا يدلك ويبدأ بيديه ودبره وتربط جراحاته
بالقطن والحنوط وإذا وضع عليه القطن عصب، وكذا موضع الرأس والرقبة ويجعل
له من القطن شئ كثير ويذر عليه الحنوط وإن استطعت أن تعصبه فافعل، وإذا بان
الرأس يغسل الرأس إذا غسل اليدين ثم الجسد ويوضع القطن فوق الرقبة ويضم
إليه الرأس ويجعل في الكفن كذلك وإذا سرت إلى القبر فادخله اللحد ووجهه
القبلة " (4).
مسألة: ليس من السنة ظفر شعر الميتة، وبه قال أبو حنيفة. وقال يرسل بين
يديها من الجانبين. وقال الشافعي: لو كان معقوصا نقض وظفر ثلاثة قرون لما روت
أم عطية قالت: ظفرنا شعرها ثلاثة قرون. وفي البخاري جعلن رأس بنت النبي صلى الله عليه وآله
ثلاثة قرون بعد نقضه وغسله.
لنا أن ظفره يؤدي إلى تقطيعه وهو مكروه، ولأن وظائف الميت متلقاة عن
الشرع ولم يثبت عنه دلالة على ذلك، وليس فعل أم عطية حجة. ولو احتجوا

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 5 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 3 كتاب الجنائز ص 407.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 5 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 15 ح 1.
332

بحديث أم سليم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " واظفرن شعرها ثلاثة قرون ولا تشبهها
بالرجال " منعناه فإنه حديث لم يثبت.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: يكره الإسراع بالجنازة، ومراده رحمه
الله كراهية ما زاد عن المعتاد. وقال الشافعي: يستحب أن يكون فوق العادة ودون
الجنب. لنا ما رووه عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه مر بجنازة وهي تمحض محضا
فقال عليه السلام: " عليكم بالقصد في جنائزكم " (1) وقال ابن عباس في جنازة ميمونة " لا
تزلزلوا وارفقوا فإنها أمكم ".
مسألة: اتباع الجنائز سنة مؤكدة لما رواه البراء قال أمرنا النبي صلى الله عليه وآله باتباع
الجنائز (2). ومن طريق الأصحاب ما رواه الأصبغ قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام
" من اتبع جنازة كتب الله له أربعة قراريط قيراط باتباعه إياها وقيراط بالصلاة عليها
وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية " (3).
وفي رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام " من مشى مع
جنازة حتى يصلى عليها ويرفع كان له قيراط من الأجر إذا مشى معها حتى تدفن
كان له قيراطان والقيراط مثل جبل أحد " (4).
مسألة: يكره اتباع الميت بمجمرة لما رووه عن أبي موسى قال حين حضره
الموت: لا تتبعوني بمجمرة قالوا سمعت فيه شيئا قال: نعم من رسول الله صلى الله عليه وآله
ومن طريق الأصحاب ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله نهى
أن تتبع الجنازة بمجمرة " (5) وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وأكره أن

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 22.
2) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 367.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 3 ح 4
4) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 3 ح 3.
5) الوسائل ج 2 أبواب التكفين باب 6 ح 3.
333

تتبع بمجمرة " (1).
مسألة: يكره أن تتبع النساء الجنائز، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله خرج فإذا نسوة
جلوس فقال: ما يجلسكن؟ قلن ننتظر الجنازة، قال هل تغسلن؟ قلن لا، قال هل
تحملن؟ قلن لا، قال هل تدلين؟ قلن لا، قال فارجعن مأزورات غير مأجورات " (2)
ولأن بروزهن مناف للخفاء المراد في الشرع.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: يجوز أن يجلس الإنسان قبل أن يفرغ من
دفن الميت، وكذا قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: لا يجلس حتى يوضع في اللحد
لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله " إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى
توضع " (3). وقال شيخنا رحمه الله: دليلنا أنه لا مانع من ذلك والأصل الإباحة.
وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان في جنازة لم يجلس حتى
توضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود وقال إنا نفعل ذلك فجلس، وقال خالفوهم (4)
والوجه عندي الكراهية، وبه قال ابن أبي عقيل لما رواه ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " ينبغي لمن شيع جنازة ألا يجلس حتى توضع في لحده فإذا وضع في
لحده فلا بأس بالجلوس " (5).
واستدلال الشيخ ضعيف، لوجود الدلالة. وأما الحديث الذي ذكره، فهو
حكاية فعل، فلا يعارض القول، ولعل ذلك وقع من النبي صلى الله عليه وآله مرة إذ لا عموم
للفعل.
مسألة: إذا نزل الميت القبر هل يستحب أن يجلل القبر بثوب حال الدفن؟

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 10 ح 3.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 77.
3) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 203.
4) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 204.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 45 ح 1.
334

قال الشيخ في الخلاف: نعم. وقال أبو حنيفة: إن كانت امرأة غطى ولا يغطى قبر
الرجل. وكذا قال المفيد في أحكام النساء. وقال بعض المتأخرين: ما وقفت لأحد
من أصحابنا في هذه على مسطور فأحكيه، والأصل براءة الذمة من واجب وندب،
وهذا مذهب الشافعي فلا حاجة إلى موافقته، وهذا القول من هذا المتأخر دال على
قلة تأمل، وإقدام على الشيخ، ونسبة له إلى متابعة الشافعي من غير دلالة، وليس
الأمر كما ذكره بل هذه منقول عن أهل البيت عليهم السلام ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره
الفقيه، والشيخ رحمه الله في تهذيب الأحكام.
وقال سعيد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " حد القبر إلى الترقوة. وقال بعضهم: إلى الثدي. وقال
بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر " (1). فهذا اللفظ يدل
مطلقا. وفي رواية جعفر بن كلاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وقد مد على قبر سعد
ابن معاذ ثوب والنبي صلى الله عليه وآله شاهد فلم ينكر ذلك " (2).
وأما التفصيل الذي ذكره المفيد رحمه الله فقد ذكره ابن الجنيد. وروى به
رواية ذكرها الشيخ رحمه الله في التهذيب عن جعفر بن كلاب قال سمعت جعفر بن
محمد يقول: " يغشى قبر المرأة بالثوب ولا يغشى قبر الرجل " (3). وروى علي
عليه السلام أنه مر بقوم دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: " إنما يصنع هذا
بالنساء " والذي أراه التفصيل كما ذكره ابن الجنيد في المختصر والمفيد في أحكام
النساء.
مسألة: لا بأس بتعليم القبر بلوح يكتب عليه أو غيره لما روي أن النبي عليه
الصلاة والسلام، حمل حجرا فجعله عند رأس قبر عثمان بن مظعون وقال: " أعلم

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 14 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 50 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 50 ح 1.
335

به قبر أخي " (1). ومن طريق الأصحاب ما رواه يونس بن يعقوب قال لما رجع
أبو الحسن موسى عليه السلام من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت بنت له بفيد فدفنها وأمر
بعض مواليه أن يجصص قبرها ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر " (2).
مسألة: الدفن في مقبرة المسلمين أفضل من الدفن في البيت، ذكره الشيخ
في المبسوط، لأن النبي صلى الله عليه وآله اختار ذلك للصحابة، ولأنه أقل ضررا على الورثة
وأشبه بمساكن الآخرة، ولأنه فعل الصحابة والتابعين. ولا يعترض ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله
فإن الصحابة اختاروا دفنه في موضعه، أما لما قيل إنه قبض في أشرف البقاع فيدفن
فيها، أو لما كان يقال أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، أو تميزا له عن غيره.
ويستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع بمكة في مقبرتها، وكذا بالمدينة
ذكره الشيخ رحمه الله في المبسوط. وقال يستحب أن يكون للإنسان مقبرة ملك
يدفن فيها أهله وأقاربه ومن سبق إلى مقبرة مسبلة فهو أحق بها لأنه يملكها بالحيازة
ولو جاءا دفعة وتشاحا أقرع بينهما، إذ لا رجحان. ولو كان فيها كفاية لهما فالوجه
الشركة.
ولو اختلف الأولياء بين دفنه في المسبلة وفي ملكه دفن في المسبلة، لأنه
أقل ضررا على الوارث ولو تشاحا في الكفن اقتصر على عادة مثله، لأنه لا تقدير
للشرع فيرجع إلى العادة مع الاقتصار على الواجب.
وقال الخرقي من أصحاب أحمد جعل بثلاثين درهما، وللموسر بخمسين.
ولا وجه له ولو تشاحا في التكفين فقال أحدهما: أكفنه من مالي وقال الآخر: من
ماله فالأقرب تكفينه من ماله دفعا للمنة الولي عن الآخر.
مسألة: من استعار من إنسان أرضا فدفن فيها المستعير لم يكن للمعير الرجوع

1) السنن البيهقي ص 215 بهذا المعنى.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 37 ح 2.
336

لأن نبش الميت محرم ولأن الدفن مؤبد إلى أن يبلى الميت ثم يعود إلى مالكها.
وقال في المبسوط: إذا دفن الميت ثم بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها.
والأفضل أن يتركه. والأقرب عندي أنه ليس له ذلك، لأن إزالة الميت ونبشه محرم.
مسألة: إذا دفن قتيل ثم وجد جزء منه لم ينبش ودفن إلى جانبه، أو نبش
من القبر ودفن فيه لأن نبشه مثلة وهتك لحرمته وليس في تفرقة أجزائه ذلك.
مسألة: إذا مات الرجل في بئر فإن أمكن إخراجه وجب ليتمكن المكلف
من تغسيله وتكفينه، فإن تعذر ذلك إلا بالتمثيل به لم يجز، فإن اضطر أهل البئر بأن
خافوا التلف، جاز إخراجه ولو بالكلاليب، وإن تقطع إذا لم يمكن إلا بذلك،
فإن لم يكن كذلك لم يجز إخراجه إذا لم يمكن إلا بالتمثيل به أو للخوف على من
يدفنه من ريح البئر.
روى علي بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام في بئر مخرج وقع فيه رجل فمات
فيه ولم يمكن إخراجه أتتوضأ في تلك البئر قال: " لا تتوضأ منه تعطل ويجعل
قبرا " (1) فإن أمكن إخراجه أخرج وغسل ودفن، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " حرمة المرء
المسلم ميتا كحرمته وهو حي سواء " (2).
مسألة: إذا مات أغلف لم يختن غسل وكفن ودفن بحاله، لأن الختان إبانة
جزء من أعضاء الميت وهو غير جائز. وعليه فتوى العلماء، ولأن الختان تكليف في
حال الحياة فلا يلزم عند الوفاة، ولو جبر عظمه بطاهر لم ينزع ولو كان نجسا كعظم
الكلب والخنزير نزع إن لم يكن مضرا وكان حيا، ويترك لو كان مضرا ومع الموت.
مسألة: قال في الخلاف: إذا بلع الحي جوهرا أو مالا ومات ليس لنا فيه
نص والأولى أنه لا يشق جوفه سواء كان له أو لغيره. وفصل الشافعي. احتج الشيخ
بقوله عليه السلام " حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا " (3) ولو كان حيا لم يشق جوفه فكذا الميت.

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 51 ح 1.
337

فرع
ويؤخذ ذلك المال من تركته، لأنه حال بين صاحبه وبينه ولو لم يأخذ صاحب
المال عوضه أو لم يكن للميت مال وتطاولت المدة حتى بلى جسده، جاز نبشه
وإخراج ذلك المال، لأن مع فناء الميت لم يبق مثلة ولا هتك، فلا يجوز تضييع
المال. ولو كان في أذن الميت حلقة أو في يده خاتم أخذ، فإن تصعب توصل إلى
إخراجه ببردة أو كسره، لأن في تركه تضييعا للمال وهو منهي عنه.
مسألة: إذا أخذ السيل الميت، أو أكله سبع كان الكفن ملكا للورثة، لأنه
مال متروك فيرثه الوارث، ولو كان مما تطوع به متطوع عاد إليه إن شاء، وإن تركه
على الورثة كان عطية مستأنفة، لأن تطوعه مشروط ببقائه كفنا وقد زال الشرط.
مسألة: يجوز الدفن ليلا وهو مذهب العلماء عدا الحسن، لما روي أن النبي
صلى الله عليه وآله زجران يقبر الرجل ليلا (1).
لنا الإجماع فإن خلاف الحسن منقرض، ولأن عليا عليه السلام دفن ليلا وكذا
فاطمة، وكذا رووا أن أبا بكر دفن ليلا، وعثمان، وعايشة. وأما حديث الحسن
فمحمول على الكراهية، لأن النهار أجمع للمصلين، وأمكن في اتباع الجنازة،
وأسهل لدفنه وإلحاده.
مسألة: إذا دفن جماعة في قبر فالأفضل تقديم الأفضل إلى القبلة، فلو كانا
رجلا وصبيا، فالرجل إلى القبلة والصبي بعده، لأن جهة القبلة أفضل فيختص بها
الفاضل. ويستحب أن يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد. ولو خد لهم
أخدود وجعل رأس كل واحد عند رجلي الآخر جاز، لأن مع ذلك يحصل القدر
الواجب، وهو الدفن، وإن كان اللحد أفضل على ما مر

1) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 32.
338

مسألة: لا يستحب خلع النعال لمن دخل المقبرة. وقال جماعة من الجمهور
باستحبابه، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا يمشي في القبور وعليه نعلان
فقال: " يا صاحب السبتين الق سبتيك " فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وآله خلعهما ورمى
بهما (1).
لنا أن كراهية ذلك منفية بالأصل، لعدم الدلالة وما ذكروه لا حجة فيه، لاحتمال
أن يكون النهي لا لأجل اللبس، لأنه حكاية حال لا عموم لها، ويمكن أن يكون
لما في السبتين من الخيلاء، ولأنها من لباس أهل التنعم، كما قال عنترة [يحذي نعال
السبت ليس بتوأم] فيكون الكراهية مختصة بهذا النوع لهذا المعنى دون غيره.
مسألة: زيارة قبور الأئمة والمؤمنين مستحبة مؤكدة للرجال، ويكره للنساء
ولا يحرم، وهو مذهب أهل العلم.
لنا قوله عليه السلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم
الموت " (2) وروى محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن بلال قال: قال صاحب
هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام " من أتى قبر أخيه المؤمن
من أي ناحية يضع يده، وقرء إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن الفزع الأكبر " (3)
وعن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: مررت مع أبي جعفر عليه السلام بالبقيع
فقلت جعلت فداك هذا قبر رجل من الشيعة فوقف عليه ثم قال: " اللهم ارحم غربته
وصل وحدته وآنس وحشته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة
من سواك وألحقه بمن كان يتولاه ثم قرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات " (4).

1) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 217.
2) سنن أبي داود ج 3 كتاب الجنائز ص 218 (مع اختلاف يسير).
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 34 ح 2 (من دون نقل ذيله).
339

وعن جراح المدائني سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف التسليم على أهل القبور
قال: " تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين رحم الله المستقدمين
منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " (1). وأما جواز الزيارة للنساء فلما
رواه يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن فاطمة كانت تأتي قبور الشهداء في كل
غداة سبت فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له " (2).
وروى الجمهور عن ابن أبي فليكة أنه قال لعايشة من أين أقبلت قالت من قبر
أخي عبد الرحمن قلت قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن زيارة القبور قالت نعم نهى ثم
أمرنا بزيارتها، (3) وإن النساء داخلات في الرخصة. وأما الكراهية لهن فلأن الستر
والصيانة أولى بهن.
مسألة: كل ما يفعله الحي من القرب يجوز أن يجعل ثوابها للميت، لما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعمر بن العاص: " لو كان أبوك مسلما فأعتقتم عنه أو
تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك " (4). ومن طريق الأصحاب ما رواه عمر بن
يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام يصلى عن الميت فقال: " نعم حتى أنه يكون في ضيق
فتوسع عليه ويقال له خفف بصلاة أخيك عنك " (5).
وقال عليه السلام " من عمل من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف له أجره ونفع
الله به الميت ". ذكره ابن بابويه. احتج المانع بقوله تعالى * (وأن ليس للإنسان

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 56 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 55 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 78.
4) السنن للبيهقي ج 6 ص 279.
5) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 28 ح 1.
6) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 28 ح 4.
340

إلا ما سعى) * (1). وبقوله عليه السلام " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة
جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له ".
والجواب عن الآية أن سعيه في تحصيل الإسلام يصيره بحال ينفعه ما يهدى
له من أفعال البر وكأنه فعله. وأما الخبر فدال على انقطاع عمله ولا يدل على انقطاع
ما يتجدد من عمل غيره ويهدى إليه.
مسألة: والتعزية مستحبة، وأقلها أن يراه صاحب التعزية، وباستحبابها قال
أهل العلم مطلقا، خلا الثوري، فإنه كرهها بعد الدفن، قال: لأن الدفن خاتمة أمره
روى عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " ما من مؤمن يعزى أخاه
بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة " (2) وهو على عمومه، ومن طريق
الأصحاب قال ابن بابويه قال رسول الله صلى الله عليه وآله " (3) من عزى حزينا كسي في الموقف
حلة يحبر بها ".
وقال عليه السلام: " التعزية تورث الجنة " (4). وقال الصادق عليه السلام: " كفاك من
التعزية أن يراك صاحب المصيبة " (5). وروى هشام بن الحكم قال رأيت موسى بن
جعفر عليه السلام يعزى قبل الدفن وبعده (6). فأما رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث
فيسمعون الصوت " (7) فليس بمناف لما ذكرناه لاحتمال أنه يريد عند القبر بعد

1) سورة النجم: 39.
2) سنن البيهقي ج 4 كتاب الجنائز ص 59.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 46 ح 1.
4) الوسائل ج أبواب الدفن باب 46 ح 8.
5) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 4.
6) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 47 ح 1.
7) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 2.
341

الدفن أو قبله.
وقال الشيخ بعد الدفن أفضل، وهو حق لما رواه ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن " (1). قال
ابن بابويه أتى أبو عبد الله عليه السلام قوما قد أصيبوا فقال: " جبر الله وهنكم وأحسن عزاكم
ورحم متوفاكم " (2)، ثم انصرف.
مسألة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: يجوز أن يتميز صاحب المصيبة
من غيره بإرسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الأب والأخ، فأما غيرهما
فلا يجوز على حال. قال بعض المتأخرين الذي يقتضيه أصول مذهبنا، أنه لا يجوز
اعتقاد ذلك وفعله، لأن ذلك حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي.
وما ذكره المتأخر غلط، لأن الشيخ لم يدع استحبابه بل ادعى جوازه،
وكلما لم يوجبه العقل والشرع ولم يحرمه، فإنه جائز فلا يجوز أن يعتقد إلا ذلك.
نعم لو أوخذ على تحريمه على غير الأب والأخ، أو على الفرق بين الأب والأخ
وغيرهما كان مأخذا. والذي أراه استحباب الامتياز يطرح الرد لصاحب المصيبة،
من غير فرق بين الأب وغيره.
يدل على ذلك ما ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه قال وضع رسول
الله صلى الله عليه وآله رداه في جنازة سعد بن معاذ وقال: " رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها
فوضعت رداي " (3). وما روي أن جعفرا عليه السلام لما مات إسماعيل تقدم السرير بغير
حذاء ولا رداء (4). وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 48 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 49 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 4.
4) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 7.
342

" ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة " (1).
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ينبغي لصاحب المصيبة أن لا
يلبس رداه وأن يكون في قميص حتى يعرف " (2). نعم لا يطرح رداه في مصيبة غيره
لقوله عليه السلام " ملعون ملعون من وضع رداه في مصيبة غيره " (3). ذكره ابن بابويه
فيمن لا يحضره الفقيه.
مسألة: قال في المبسوط: ويستحب تعزية الرجال، والنساء، والصبيان، ويكره
للرجل تعزية الشابات من النساء الأجانب. وهذا حق لقوله عليه السلام " من عزى ثكلى
كسي بردا في الجنة " (4). رواه الترمذي، ولأنه يتضمن تسلية وجبرا لقلوبهم وألفة.
وأما الكراهية في طرف الشابات الأجانب فتفصيا من الفتنة.
فرع
تعزية أهل الذمة ليس بمسنون، لأنه يتضمن ودا وحنوا وهو منهي عنه. لا يقال
قد روي أن النبي صلى الله عليه وآله أتى غلاما من اليهود وهو مريض وعيادته في معنى تعزية أهله
لأنا نقول يحتمل أن يكون إنما جائه لعلمه أنه يسلم، فقد روي أنه قعد عند رأسه
وقال له، أسلم فنظر إلى أبيه فقال: أطع أبا القاسم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: " الحمد لله
الذي أنقذه به من النار ".
مسألة: والبكاء جائز قبل الموت وبعده إذا لم ينضم إليه محرم، كاللطم
والخدش ولا قول سيئ. وقال الشافعي: وهو مباح حتى يخرج الروح ويكره

1) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 8.
2) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الاحتضار باب 27 ح 2.
4) بحار الأنوار ج 79 ص 94.
343

بعد ذلك. لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أتسمعون أن الله تعالى لا يعذب بدمع
العين ولا بحز القلب ولكن يعذب بهذا " (1) وأشار إلى لسانه أو يرحم.
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحارث بن يعلى عن أبيه عن جده قال: " قبض
رسول الله صلى الله عليه وآله فستر بثوب وعلي عند طرف الثوب قد وضع خديه على أخيه والناس
في المسجد ينتحبون ويبكون " (2). وما رواه محمد بن الحسن الواسطي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " أن إبراهيم خليل الرحمن سأل ربه أن يرزقه ابنة تبكيه بعد موته " (3).
ولأن في البكاء تخفيفا من الحزن وتسكينا من اللوعة والأصل جوازه.
مسألة: قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة مكروه إجماعا،
وأنكر هذا القول بعض المتأخرين واستدل بأنه اجتماع وتزاور فيكون مستحبا،
والجواب أن الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب أما إذا جعل لهذا الوجه
واعتقد شرعيته، فإنه يفتقر إلى الدلالة. والشيخ استدل بالإجماع على كراهية إذ لم
ينقل من أحد من الصحابة والأئمة الجلوس لذلك، فاتخاذه مخالفة لسنة السلف،
لكن لا يبلغ أن يكون حراما.
ويجوز النياحة على الميت بتعداد فضائله من غير تخط إلى كذب، ولا تظلم
ولا تسخط. وذهب كثير من أصحاب الحديث من الجمهور إلى تحريمه، واحتجوا
بما روت أم عطية قالت أخذ علينا النبي صلى الله عليه وآله عند البيعة ألا ننوح ولأنه يشبه التظلم
والاستعابة والتسخط بقضاء الله.
لنا ما روي أن فاطمة عليها السلام كانت تنوح على النبي صلى الله عليه وآله. روي أنها أخذت قبضة
من تراب قبر النبي صلى الله عليه وآله فوضعتها على عينيها وقالت:

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الصلاة ص 346.
2) بحار الأنوار ج 22 ص 541 ح 53.
3) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 70 ح 1.
344

ماذا على المشتم تربة أحمد * ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا (1)
ورووا أن وائلة بن الأسفع وأبا وائل كانا يستمعان النوح، ويبكيان ولم ينقل
إنكار أحد من الصحابة عليهم. ومن طريق الأصحاب ما روى أبو حمزة عن أبي جعفر
عليه السلام قال مات ابن المغير فسألت أم سلمة النبي صلى الله عليه وآله أن يأذن لها في المضي إلى
مناحته فأذن لها فندبت ابن عمها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وقالت:
أنعى الوليد بن الوليد أخا الوليد * فتى العشيرة حامي الحقيقة ماجدا
يسموا إلى طلب الوتيرة قد كان * غيثا للسنين وجعفرا غدقا وميرة
فما عاب النبي صلى الله عليه وآله ذلك ولا قال لها شيئا، وقال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة حين قتل
جعفر بن أبي طالب " لا تدعين بذل ولا نكل ولا حرب وما قلت فيه فقد صدقت " (2)
وأمر النبي صلى الله عليه وآله بالندب على حمزة (3). وعن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: " أوقف لي من مالي كذا وكذا للنوادب يندبني عشر
سنين بمنى أيام منى " (4).
والجواب: عما ذكروه من الحديث أنه يمكن أن يكون إشارة إلى النوح
الذي يتضمن جزعا وسخطا، أو قولا باطلا وأما قولهم يشبه التسخط والاستعابة فنحن
نحرم ذلك، لكن ليس كل النوح كذلك وإنما نبيح منه ما يتضمن ذكر خصائصه
وفضائله وفواضله وحكاية التألم بفقده، وهذا لا يتضمن ما ذكروه وقد روينا عن

1) بحار الأنوار ج 79 ص 106.
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 83 ح 4.
3) بحار الأنوار ج 79 ص كتاب الطهارة ح 26 (إلا أن فيه: أمر النبي بالنوح
على حمزة).
4) الوسائل ج 12 أبواب ما يكتسب به باب 17 ح 1.
345

الصادق عليه السلام أنه قال: " لا بأس بأجر النائحة إذا قالت صدقا " (1). ذكره ابن بابويه
فيمن لا يحضره الفقيه.
مسألة: قال في المبسوط يستحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا طعاما
لأصحاب المصيبة ثلاثة أيام، وهذا حق لما رواه عبد الله بن جعفر قال لما جاء نعي
جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم " (2).
وأما التقدير بثلاثة أيام فقد ذكره ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه فقال: وينبغي لجيرانه
أن يطعموا عنه ثلاثة أيام وقال أحمد يكره أن يصنع أهل الميت طعاما للناس.
واحتج بما روي أن جريرا وفد على عمر فقال له هل يناح على ميتكم قال لا
قال فهل تجتمعون عند أهل الميت وتجعلون الطعام؟ قال: نعم قال ذلك النوح.
والجواب: إنا لا نسلم أن عمر أنكر اتخاذ الطعام بل ما انضم إليه من الاجتماع
عند أهل الميت، لأن النوح التقابل وبه سمت النوائح والنساء المتقابلات نوائح
وإن لم يقلن شيئا، فشبه عمر ذلك الاجتماع باجتماع النساء أما لو دعت الحاجة إلى
اتخاذهم الطعام جاز إجماعا كما لو جاءهم من أهل القرى من يحضر الميت.
مسألة: قال في المبسوط ويكره التابوت إجماعا ويعني بذلك دفن الميت
به، لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله ولا الصحابة، ولو نقل عن بعضهم لم يكن حجة.
مسألة: إذا اجتمع أموات بدئ بمن يخشى فساده، وإن لم يكن كذلك.
قال في المبسوط: فالأولى بالتقديم الأب ثم الابن وابن الابن ثم الجد، ولو
كان أخوان في درجة قدم أسنهما وإن تساويا أقرع بينها ويقدم أسن الزوجتين ولو
تساويا أقرع بينهما. ولست أعرف وجه ما ذكره الشيخ مع التساوي، إذ ليس هناك
إشكال فيخرج بالقرعة والأقرب تخير الولي في البدأة.

1) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 71 ح 2 (مع اختلاف يسير).
2) الوسائل ج 2 أبواب الدفن باب 68 ح 1.
346

مسألة: قال الشيخان في المبسوط والمقنعة والنهاية: من وجب عليه القود
أو الرجم، أمر أو لا بالاغتسال والتحنط، ثم يقام عليه الحد ويدفن. ووافقهما ابنا
بابويه في ذلك، وزاد تقديم الكفن على القتل أيضا.
واستدل الشيخ في التهذيب بما رواه سهل بن زياد عن الحسن بن محمد بن
شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع كردين عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" المرجوم والمرجومة يغتسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ويصلى عليهما
والمقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل ويحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه " (1) قال الشيخ
وروى هذا الحديث محمد بن أحمد بن يحيى عن علي بن الريان عن الحسن بن
الوليد عن بعض أصحابنا عن مسمع كردين عن أبي عبد الله عليه السلام. وهذا كما ذكره
ابنا بابويه.
والروايتان ضعيفتان، أما الأولى فرواية سهل وهو ضعيف عن الحسن بن
شمون، وهو غال ضعيف، وكذا عبد الرحمن المسمعي غال ضعيف. قال النجاشي
ليس بشئ، وأما الثانية فرواها عن مسمع بعض أصحابنا، وهو مجهول غير أن الخمسة
أفتوا بذلك وأتباعهم ولم أعلم لأصحابنا فيه خلافا ولا طعنا بالإرسال مع العمل،
كما لا حجة في الإسناد المنفرد وإن اتصل، فإنه كما لا يفيد العلم لا يفيد العمل.
قال الشيخ في المبسوط: ولا يجب غسله بعد موته ولكن يصلى عليه إذا كان
مسلما، ولا ريب أنه إذا وجب تقديم الغسل فإنه لا يجب ثانيا. وأما الصلاة عليه
فهو فتوى علمائنا ولقوله عليه السلام " صلوا على من قال لا إله إلا الله ".
فرع
إذا قلنا بوجوب الغسل من مس الميت، فهل يجب الغسل بالمس هنا؟ فيه

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 17 ح 1.
347

تردد، أقربه أنه لا غسل لأنه مغتسل، ووجوب الغسل بالمس مشروط بعدم الغسل.
يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار قال كتب إليه رجل أصاب بدنه أو
يده ثوب الميت الذي يلي جسده؟ فوقع: " إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل
فقد يجب عليك الغسل " (1) وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " مس
الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس " (2).
ولا يقال الغسل يكون بعد الموت، فيكون هذا المراد. لأنا نقول لما كان الغسل
في مسئلتنا مقدما صدق عليها أن المس بعد الموت والغسل ولأنه لو لم يكن الغسل
مطهرا له لم يكن لإيجابه فائدة معقولة، فإذا لا معنى له إلا التطهير.
ولا يقال لا يكون التطهير سابقا على النجاسة. لأنا نقول ولا يكون الغسل
مطهرا للنجاسة العينية كما لا يطهر الميتات ولا الأعيان النجسة، لكن كما استند في
طهارته بالغسل إلى الشرع كذا في موضع النزاع، ثم نقول موت الآدمي سبب
لوجوب الغسل إذا لم يوجب الشرع تقديمه، فإذا قدم منع ذلك الغسل من تجدد
النجاسة بالموت ليتحقق الطهارة به، وكذا القول في الشهيد لا يجب بمسه الغسل
لطهارته.
مسألة: قال في الخلاف: الميت نجس، وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي قولان
واستدل الشيخ بإجماع الفرقة. وقال علم الهدى في شرح الرسالة: الميت من الناس
نجس العين ويطهره الغسل.
لنا أنه حيوان له نفس سائلة فينجس بالموت، ويؤيد ذلك ما روي أن زنجيا
مات في زمزم فأمر عبد الله بن عباس أن ينزح جميع مائها، ولأن هذا في خلافة ابن
الزبير ولم ينكر ذلك أحد.

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 3 ح 1.
348

ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
رجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال: " يغسل ما أصاب الثوب " (1). وما رواه
الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن إبراهيم بن ميمون قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يضع ثوبه على جسد الميت قال: " إن كان الميت غسل فلا تغسل
ما أصاب ثوبك منه وإن كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه " (2).
لا يقال لو نجس لما طهر بالغسل؟ لأنا نمنع الملازمة فإن قال بالقياس على
الميتات والعذرة النجسة طالبناه بوجه التسوية فإن أحكام النجاسات مختلفة والتطهير
والتنجيس لا يستمران على القياس ثم يفرق بين المسلم وغيره من الميتات باختصاصه
بالانتقال إلى جوار ربه فيشرع في حقه لتطهير بالغسل إكراما ورفعا عن بقائه على
النجاسة، ونجاسة الميت نجاسة عينية لكنها تزول بالغسل. أما أنها عينية فلكونها
تتعدى إلى ما يلاقيها، وقد دل على ذلك رواية إبراهيم بن ميمون التي سلفت. وأما
زوالها بالغسل فعليه إجماع أهل العلم.
فرع
إذا وقعت يد الميت بعد برده وقبل تطهيره في مائع فإن ذلك المائع ينجس،
ولو وقع ذلك المائع في مائع آخر وجب الحكم بنجاسة الثاني وخبطه بعض
المتأخرين فقال: إذا لاقى جسد الميت إناءا وجب غسله فلو لاقى ذلك الإناء مائعا
لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت وحمله على ذلك قياس والأصل في
الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل، لأن هذه نجاسات حكميات ليست عينيات.
قال: ولا خلاف بين الأمة كافة أن المساجد يجب أن تجنب النجاسات العينية.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 1.
349

وقد أجمعنا بغير خلاف بيننا أن من غسل ميتا له أن يدخل المسجد ويجلس
فيه، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك، ولأن الماء المستعمل في الطهارة الكبرى
طاهر بلا خلاف. ومن جملة الأغسال غسل من مس ميتا ولو كان ما لاقى الميت
نجسا لما كان الماء الذي يغسل به طاهرا.
والجواب: عمن ذكره أن نقول لا نسلم أن الإناء النجس بملاقات الميت
أو اليد الملامسة للميت بعد برده لو لاقت مائعا لم ينجس. قوله لأن الحكم بنجاسة
المائع قياس على نجاسة ما لاقى الميت.
قلنا هذا الكلام ركيك لا يصلح دليلا على دعواه، بل يصلح جوابا لمن
يستدل على نجاسة المائع الملاقي لليد بالقياس على نجاسة اليد الملاقية للمائع،
لكن أحدا لم يستدل بذلك، بل نقول لما اجتمعت الأصحاب على نجاسة اليد
الملاقية للميت، وأجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة، لزم من مجموع
القولين، نجاسة ذلك المائع لا بالقياس على نجاسة اليد، فإذا ما ذكره لا يصلح
دليلا ولا جوابا.
قوله لا خلاف أن المساجد يجب أن تجنب النجاسات ولا خلاف أن لمن
مس ميتا أن يجلس في المسجد ويستوطنه. قلنا هذا دعوى عرية عن برهان ونحن
نطالبك بتحقيق الإجماع على هذه الدعوى ونطالبك أين وجدتها، فإنا لا نوافقك
على ذلك، بل نمنع الاستيطان، كما نمنع من على جسده نجاسة ويقبح إثبات
الدعوى بالمجازفات.
قوله الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر. قلنا هذا حق. قوله فيكون ماء
المغتسل من ملامسة الميت طاهرا. قلنا هذا الإطلاق ممنوع، وتحقيق هذا أن ملامس
الميت ينجس يده نجاسة عينية ويجب عليه الغسل وهو طهارة حكمية، فإن اغتسل
قبل غسل يده نجس ذلك الماء بملاقاة يده التي لامس بها الميت، أما لو غسل يده
350

ثم اغتسل لم يحكم بنجاسة ذلك الماء، وكذا نقول في جميع أغسال الحكمية،
فإن ماء الغسل من الجنابة طاهر وإن كان الغسل يجب لخروج المني وينجس موضع
خروجه، ولو اغتسل قبل غسل موضع الجنابة كان ماء الغسل نجسا لملاقاته مخرج
النجاسة إجماعا، وكذلك غسل الحيض يجب عند انقطاع دم الحيض ويكون
المخرج نجسا فلو اغتسلت ولما تغسل المخرج كان ماء الغسل نجسا ولو أزالته ثم
اغتسلت كان ماء الغسل طاهرا. وكذا جميع الأغسال.
فقد بأن ضعف ما ذكره المتأخر، اللهم إلا أن يقول إن الميت ليس بنجس
وإنما يجب الغسل تعبدا، كما هو مذهب الشافعي. لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ
أبو جعفر رحمه الله، فإنه ذكر أنه نجس بإجماع الفرقة وقد سلم هذا المتأخر نجاسته
ونجاسة ما يلاقي بدنه.
ولو قال أنا أوجب غسل ما يلاقي بدنه ولا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي. قلنا
فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة والطهارة به ولو كان ماءا ثم يلزم أن يكون الماء
الذي يغسل به الميت طاهرا مطهرا وحينئذ يلزمك أن يكون ملاقاته مؤثرة في الثوب
منعا وغسلا وغيره مؤثرة في الماء القليل وهو باطل.
السادس: " غسل من مس ميتا ".
مسألة: يجب الغسل على من غسل ميتا من الناس، وكذا يجب بمسه بعد
برده وقبل تطهيره بالغسل على الأظهر. وبالوجوب قال الشيخان في المقنعة والنهاية
والمبسوط وابنا بابويه وابن أبي عقيل. وبالاستحباب قال علم الهدى في شرح الرسالة
والمصباح. وقال مالك وأبو حنيفة باستحباب الغسل لمن مس ميتا. وللشافعي مثل
القولين، أما الغسل بمسه فقد ذكره الشيخ في الخلاف أنه لم يذهب إليه أحد من
الفقهاء يعني الجمهور.
لنا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من غسل ميتا اغتسل ومن حمله
351

توضأ " (1). ومن طريق الأصحاب ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " من
غسل ميتا فليغتسل قلت فإن مسه قال فليغتسل قلت فمن أدخله القبر قال لا غسل عليه
إنما مس الثياب " (2).
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا مسه وهو سخن فلا غسل
عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت البهائم والطير إذا مسها عليه غسل قال لا ليس هذا
كالإنسان " (3) وعن محمد بن مسلم عن أحدهما في رجل مس ميتا عليه غسل قال:
" لا إنما ذلك من الإنسان " (4). ومثله روى الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام وظاهر
هذه الألفاظ الوجوب.
مسألة: وكذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم، سواء أبينت من حي أو
ميت. هذا مذهب الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط. واستدل في الخلاف
بإجماع الفرقة قال في الخلاف: وخالف في ذلك جميع الفقهاء يعني من الجمهور.
وذكر في التهذيب رواية عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه إنسان فكل
ما فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه " (6).
والذي أراه التوقف في ذلك فإن الرواية مقطوعة والعمل بها قليل. ودعوى
الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت، على أنا قد بينا أن علم الهدى رحمه الله أنكر
وجوب الغسل على من مس الميت في كتاب المصباح والشرح، وذكر أنه سنة

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 300.
2) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 14.
3) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 1 ح 4.
4) الوسائل ج 2 أبواب غسل الميت باب 6 ح 1.
5) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 6 ح 2.
6) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 2 ح 1.
352

فكيف يدعي الإجماع في هذه. فإذا الأصل عدم الوجوب، إن قلنا بالاستحباب
كان تفصيا من اطراح قول الشيخ رحمه الله والرواية.
مسألة: كيفية هذا الغسل مثل كيفية غسل الاستحاضة، بمعنى أنه يجب عليه
الغسل والوضوء، وبه قال أبو جعفر بن بابويه في كتابه. ويؤيده ما ذكرناه من الرواية
عن أبي عبد الله عليه السلام " كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة " (1).
(الأغسال المندوبة)
مسألة: غسل الجمعة مندوب مؤكد للرجال والنساء سفرا وحضرا، وهو
مذهب الثلاثة وأتباعهم. وقال أبو جعفر بن بابويه في كتابه غسل يوم الجمعة واجب
على الرجال والنساء في السفر والحضر، إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء،
وبالوجوب قال الحسن البصري وداود الظاهري.
لنا ما رووه عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا غسل الجمعة مسنون. ومن
طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن غسل يوم الجمعة
قال: " سنة في السفر والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه الضر " (2). ولا يعارض
ذلك ما رواه ابن المغيرة ومحمد بن عبد الله عن الرضا عليه السلام قال سألته عن غسل الجمعة
فقال: " واجب على كل ذكر وأنثى من حر وعبد " (3) لأنا نقول المراد بذلك تأكيد
الاستحباب ويدل على ذلك ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: " الغسل
في الجمعة والأضحى والفطر سنة وليس بفريضة " (4).

1) الوسائل ج 1 أبواب الجنابة باب 35 ح 2 (مع اختلاف يسير جدا).
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 10.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 3.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 9.
353

مسألة: ووقته ما بين الفجر إلى الزوال وكلما قرب من الزوال كان أفضل.
وقال في الخلاف إلى أن تصلي الجمعة. والمستحب عند الشافعي وقت الرواح.
وشرط مالك أن يروح عقيبه وإلا لم يجزيه.
لنا قول النبي صلى الله عليه وآله " غسل يوم الجمعة واجب " (1)، فأضافه إلى اليوم وهو
يتحقق بطلوع الفجر ولم يشترط الرواح عقيبه. ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة
عن أحدهما قال: " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزاك للجنابة والجمعة " (2).
وأما اختصاص الاستحباب بما قبل الزوال فعليه إجماع الناس. ويؤيده ما رواه
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة أول النهار قال: " يقضيه
من آخر النهار " (3).
وقال الشيخ في النهاية: ويستحب قضائه بعد الزوال فإن لم يمكنه قضاه يوم
السبت. وقال ابن بابويه في كتابه ومن نسي الغسل أو فاته لعلة، فليغتسل بعد العصر
فشرط العذر، والشيخ أطلق الاستحباب، وبما ذكره الشيخ روايتان أحديهما عن
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار قال:
" يقضيه من آخر النهار فإن لم يجد فليقضه يوم السبت " (4). وفي معناه رواية عن
عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام.
وسماعة واقفي وعبد الله بن بكير فطحي، لكنها تنجبر بأن الغسل طهور فيكون
حسنا. وقال ابن بابويه من وجد الماء يوم الخميس وخشي عدمه يوم الجمعة، اغتسل
يوم الخميس. وزاد الشيخ أو لا يتمكن من استعماله.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 294.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 10 ح 3.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 10 ح 3.
354

وما ذكره ابن بابويه يقارب رواية أحمد بن محمد عن الحسين بن موسى بن
جعفر عن أمه وأم أحمد بن موسى بن جعفر قالتا: كنا مع أبي الحسن عليه السلام بالبادية
ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: " اغتسلا اليوم لغد فإن الماء غدا قليل " (1).
ولا يجوز تقديمه على طلوع فجر الجمعة اختيارا، قال في الخلاف: ولو قدمه لم
يجزه إلا إذا يئس من الماء، واستدل بالإجماع، وبأن النبي صلى الله عليه وآله أضاف الغسل إلى
اليوم.
مسألة: وغسل أول ليلة من شهر رمضان، وهو مذهب الأصحاب ورواه عثمان
ابن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " غسل أول ليلة من شهر رمضان
مستحب " (2). وعثمان وسماعة واقفيان لكن عمل الأصحاب يؤيدها.
وغسل ليلة النصف من شهر رمضان، وهو مذهب الثلاثة في الجمل والمصباح
والمقنعة، ولعله لشرف تلك الليلة فاقترانها بالطهر حسن. وقال الشيخ في المصباح
الكبير: وإن اغتسل ليالي الأفراد كلها خاصة ليلة النصف، كان فيه فضل كثير.
وغسل ليلة سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وهو
مذهب الأصحاب، وروى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: " الغسل في سبعة عشر موطنا
ليلة سبع عشرة وهي ليلة التقى الجمعان وتسع عشرة فيها يكتب وفد السنة، وليلة
إحدى وعشرين وهي الليلة التي أصيب فيها أوصياء الأنبياء وفيها رفع عيسى بن مريم
وقبض موسى عليه السلام، وثلاث وعشرين يرجى فيها ليلة القدر " (3).
وغسل ليلة الفطر، وهو مذهب الشيخين في المقنعة والجمل. روى ذلك
الحسن بن راشد قال: " إذا غربت الشمس ليلة العيد فاغتسل فإذا صليت المغرب

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 9 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 14 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 11.
355

فارفع يديك وقل " (1) ثم ذكر الدعاء. والحسن بن راشد يعرف بالطفاوي ضعيف
ذكر ذلك النجاشي.
وغسل يوم العيدين، وهو مذهب الأصحاب ومذهب الجمهور أجمع
وحكي الوجوب عن أهل الظاهر. والوجوب منفي بالأصل. ويدل على الاستحباب
الاتفاق على اختصاصه بالمصلحة الراجحة. وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" اغتسل يوم الأضحى ويوم الفطر " (2). وإنما نزلناه على الاستحباب لرواية علي
ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: " الغسل في الجمعة والأضحى والفطر سنة
وليس بفريضة " (3).
وغسل ليلة النصف من رجب ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه، ذكر هما
الشيخ في الجمل والمصباح. وربما كان ذلك لشرف الوقتين، والغسل مستحب
مطلقا فلا بأس بالمتابعة فيه.
وغسل ليلة النصف من شعبان، قاله الثلاثة في الجمل والمقنعة والنهاية، ورواه
الشيخ عن هارون بن موسى لسنده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " صوموا
شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه " (4). وفي سند هذه الرواية أحمد بن هلال العبرتاني
وهو ضعيف. وذكر الشيخ في الصباح رواية عن سالم مولى حذيفة عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: " من تطهر ليلة النصف من شعبان فأحسن الطهر - وساق الحديث إلى
قوله - قضى الله له ثلاث حوائج ثم إن سأل أن يراني في ليلة رآني ". وهذه الرواية
أيضا ضعيفة فالمعمول على الاستحباب المطلق.

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 15 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 9.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 6 ح 9.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 23 ح 1.
356

وغسل يوم الغدير، وهو مذهب الثلاثة، قال الشيخ في التهذيب: والغسل
في هذا اليوم مستحب مندوب إليه، وعليه إجماع الفرقة. وفي رواية علي بن الحسين
العبدي قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: " من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال
الشمس من قبل أن تزول بمقدار نصف ساعة - وساق الحديث إلى قوله - ما يسأل
الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنا ما كانت " (1).
وغسل يوم المباهلة، وهو الخامس والعشرون من ذي الحجة. ذكر ذلك
الأربعة والعمل به مشهور. ويؤيده رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " غسل
يوم المباهلة واجب " (2). والمراد تأكيد الاستحباب.
وغسل الإحرام، والزيارة، ودخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة.
ذكر ذلك الثلاثة ورواه جماعة منهم محمد بن مسلم عن أحدهما قال: " الغسل إذا
دخلت الحرم ويوم تحرم ويوم الزيارة ويوم تدخل البيت ويوم التروية ويوم عرفة " (3).
وذكر البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" غسل الميت، وغسل الجنب، والجمعة، والعيدين، ويوم عرفة، والإحرام،
ودخول الكعبة، ودخول الحرم، وفي الزيارة " (4).
وأما غسل دخول المدينة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، فقد روي الحسين بن سعيد في
كتابه عن النصر عن أبي سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " الغسل عند دخول مكة والمدينة
ودخول الكعبة " (5).
وفي رواية أخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الغسل إذا أردت دخول البيت وإذا

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 28 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 7.
5) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 10.
357

أردت دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله " (1). ولأن هذه الأماكن شريفة، فتلقيها بالطهارة
حسن. وقال شاذ منا: غسل الإحرام واجب ولعله استناد إلى ما رواه محمد بن عيسى
عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الغسل في سبعة عشر موطنا " (2)
الفرض ثلاثة: غسل الجنابة ومن غسل ميتا والغسل للإحرام.
ومحمد بن عيسى ضعيف. وما يرويه يونس عن بعض رجاله لا يعمل به ابن
الوليد، كما ذكره ابن بابويه، مع أنه مرسل فسقط الاحتجاج به. قال الشيخ في
التهذيب: غسل الإحرام عندنا ليس بفرض، وقال يحمل هذا الحديث على أن ثوابه
ثواب غسل الفريضة. واختلف الأصحاب في غسل قاضي الكسوف. فقال الشيخ
في الجمل باستحبابه إذا احترق القرص كله، وترك الصلاة متعمدا. واقتصر المفيد
في المقنعة، وعلم الهدى في المصباح على تركها متعمدا. وقال سلار بوجوبه.
وما ذكره الشيخ في الجمل أولى، لأن الاستحباب متحقق مع الشرطين
فيكون منفيا مع عدم أحدهما عملا بمقتضى البراءة الأصلية. ويؤيد ذلك ما رواه
محمد بن مسلم عن أحدهما قال: " وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله " (3).
وما رواه الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل ولم يغتسل فليغتسل من الغد وليقض
وإن لم يعلم فليس عليه إلا القضاء بغير غسل " (4).
أما الوجوب الذي ادعاه سلار منفي بالأصل، وكذا استحباب الغسل إلا مع
الشرطين. وغسل المولود. وقال شاذ منا بوجوبه، لما رواه عثمان بن عيسى عن

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 12.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 7.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 25 ح 1.
358

سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " غسل النفساء واجب وغسل المولود " (1). والوجه
الاستحباب تمسكا بالبراءة الأصلية واستضعافا لهذه الرواية، فإن عثمان بن عيسى
وسماعة واقفيان فتعين الاستحباب، لاتفاق الأصحاب على اختصاصه بالمصلحة
الراجحة.
وغسل التوبة مستحب، وهو مذهب الخمسة. واستدل الشيخ في التهذيب
بأن قال: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لمن ذكر أنه يستمع الغناء من جوار يغنين:
" قم فاغتسل وصل ما بدا لك واستغفر الله وأسأله التوبة " (2). وهذه مرسلة، وهي
متناولة لصورة معينة، فلا يتناول غيرها. والعمدة فتوى الأصحاب، منضما إلى أن
الغسل خير فيكون مرادا، ولأنه يقال بغسل الذنب، والخروج من دنسه.
وغسل صلاة الحاجة، والاستخارة، وهو مذهب الأصحاب. واستدل الشيخ
في التهذيب بما رواه زياد القندي عن عبد الرحمن القصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قلت كيف أصنع قال تغتسل وتصلي ركعتين
وذكر الحديث " (3). وبما رواه علي بن دئل عن مقاتل بن مقاتل عن الرضا عليه السلام
قال: " إذا كان لك حاجة مهمة فاغتسل وذكر الحديث " (4). والروايتان ضعيفتان
فلا حجة فيهما.
واستدل على الاستخارة بما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الأمر يطلبه
الطالب: قال: " يتصدق في يومه على ستين مسكينا كل مسكين صاعا بصاع النبي
صلى الله عليه وآله ثم يغسل في ثلث الليل الثاني ويلبس أدنى ما يلبس ثم قال فإذا رفع رأسه من

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 18 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 20 ح 1، (وفي الوسائل عن
عبد الرحيم القصير..)
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 20 ح 2.
359

السجدة الثانية استخار الله مأة مرة " (1)، وذكر الدعاء. واستدل برواية سماعة أيضا.
وغسل الاستسقاء ذكره جماعة من الأصحاب منهم علم الهدى وابنا بابويه في
كتابهما ورواه عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وغسل الاستسقاء
واجب " (2). والمراد تأكيد الاستحباب باتفاق الأصحاب، مع أن الرواية ضعيفة.
وقال ابن بابويه في كتابه روي أن " من قتل وزغة فعليه الغسل " (3).
وقال بعض مشائخنا العلة أنه يخرج من ذنوبه فيغتسل. وعندي إن ما ذكره
ابن بابويه ليس حجة، وما ذكره المعلل ليس طائلا، لأنه لو صحت علته لما اختص
الوزغة. قال أيضا وروي أن " من قصد إلى مصلوب لينظر إليه وجب عليه الغسل
ولم يثبت عندي ما ذكره رحمه الله. وقال أيضا " وإذا غسلت ميتا أو كفنته " (4).
وربما احتج برواية محمد بن مسلم عن أحدهما قال " الغسل في سبعة عشر
موطنا " (5)، وساق الحديث حتى قال " وإذا غسلت ميتا أو كفنته " (6). والرواية
صحيحة السند وقد ذكرها الحسين بن سعيد وغيره، غير أن إيجاب الغسل بتكفينه
نادر، والعامل به قليل.
مسألة: الكافر إذا أسلم لم يجب عليه الغسل بل يستحب، كما يستحب
الغسل للتائب. وهو مذهب الأصحاب وأكثر علماء الجمهور. وقال مالك يجب.
لنا أن جماعة أسلموا على عهد النبي صلى الله عليه وآله ولم ينقل أنه أمرهم بالغسل، ولو
أمرهم لنقل، لأنه مما قضت العادة بظهوره لو وقع. وروى الجمهور عن علي عليه السلام
أنه قال: " أمره بذلك لأنه مستحب "، ولأن وجوب الغسل مستفاد من الشرع وحيث

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 21 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 19 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.
5) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.
6) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 1 ح 4.
360

لا شرع فلا وجوب.
نعم لو أجنب كافر وحاضت الكافرة ثم أسلما وجب عليهما الغسل، لحصول
السبب الموجب ولو اغتسلا للجنابة أو الحيض كافرين ثم أسلما
لم يجزهما لأن نية القربة شرط، وهي من الكافر متعذرة.
ومن لواحق هذا الباب مسائل:
الأولى: لا بد في الأغسال المندوبة من ذكر السبب، فلو اغتسل ولم ينوه
لم يجزه. ولا يفتقر في الواجبة إلى ذكر السبب بل يكفي نية رفع الحدث واستباحة
الصلاة، لأن المراد بها رفع المنع عما الطهارة شرط فيه.
الثانية: إذا اجتمعت أسباب متساوية في إيجاب الطهارة كفت نية رفع الحدث
أو الاستباحة، ولا يشترط نية الأسباب، كما لو بال وتغوط ونام أو أجنبت المرأة
ونفست أو حاضت.
الثالثة: لو اجتمع غسل الجنابة وغيره من الواجبات، فإن لم نشترط الوضوء
مع غير الجنابة كفى الغسل الواحد بنية أيها اتفق، وإن قلنا باشتراط الوضوء في غير
الجنابة، فلو نوى الجنابة أجزء عنهما لارتفاع الحدث به، ولو نوت الحيض خاصة
فعلى تردد، أشبهه الأجزاء لأنه غسل صحيح نوت به الاستباحة فيجزي وفي إيجاب
الوضوء معه تردد أشبهه أنه لا يجب.
الرابعة: لو اجتمع مع غسل الجنابة أو غيره من الواجبات أغسال مندوبة،
فإن نوى الجميع أجزء غسل واحد، وكذا لو نوى الجنابة دون الجمعة، قاله الشيخ
في الخلاف والمبسوط. وفيه إشكال ينشأ من اشتراط نية السبب. أما لو نوى الجمعة
دون الواجب، قال في الخلاف والمبسوط لم يجزه لأنه لم ينو الجنابة، فيكون حدثه
باقيا، ولا يجزيه عن الجمعة لأن المراد به التنظيف.
وفيه أيضا إشكال لأنه إن نوى الطهارة أجزء عنهما، وإن نوى التنظيف دون
الطهارة فقد أجزء عن الجمعة إذ ليس المراد من المندوبة رفع الحدث، بل يصح أن
361

يجامع الحدث كما يصح غسل الإحرام من الحائض، ولو اغتسل ولم ينو شيئا
أصلا لم يجزه عن شئ.
الخامسة: إذا اجتمعت أغسال مندوبة، كالجمعة والعيدين مثلا، فإن نوى
الجميع أجزءه غسل واحد، لما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام " إذا اجتمعت لله عليك
حقوق أجزاك عنها غسل واحد " (1) قال " وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها
وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها ".
أما لو نوى البعض فالوجه اختصاصه بما نواه لأنا بينا أن نية السبب في المندوب
مطلوبة، إذ لا يراد به رفع الحدث بخلاف الأغسال الواجبة لأن المراد بها الطهارة
فيكفي نيتها وإن لم ينو السبب.
مسألة: ولو حاضت المجنبة لم تغتسل، لأنه لا طهارة مع الحيض ولو اغتسلت
للجنابة لم ترتفع جنابتها. وقال أحمد بن حنبل ترتفع، وقال ولا أعلم أحدا قال لا
تغسل إلا عطا.
لنا أن غسل الجنابة للطهارة ولا طهارة مع الحيض. ويؤيد ما رواه عبد الله
ابن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض
تغتسل أم لا؟ فقال: " قد جاءها ما يفسد صلاتها فلا تغتسل " (2).
الركن الثالث
[في الطهارة الترابية]
وهو التيمم. وهو في اللغة القصد، قال رؤبة " تيمم البيت كريم الشيخ "، وقال
امرء القيس:

1) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب الأغسال المسنونة باب 31 ح 1.
362

تيممت العين التي دون ضارج * يفئ عليها الظل عرمضها طامي
ومنه تيممته برمحي إذا قصدته دون غيره، قال تيممته الرمح شزرا، ثم قلت له
هذي المروة لا لعب الزحاليق. واختص في الشرع بمسح الوجه واليدين بالصعيد
بدلا عن إحدى الطهارتين والنظر فيه يستدعي أمورا أربعة:
الفصل الأول: في الشرائط.
مسألة: شرط التيمم عدم الماء، أو عدم الوصلة إليه، أو حصول مانع،
كالبرد، والمرض. أما عدم الماء فعليه إجماع أهل العلم ولقوله تعالى * (فلم تجدوا
ماءا فتيمموا صعيدا) * (1)، ولقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " (2). وكذا
لو عدم الوصلة، ولو وجد بئرا توصل إلى مائها ولو بإرسال ثوب واعتصاره، ولو
خشي فوت الوقت باشتغاله بإخراجه لم يجز التيمم، لأنه كالواجد. ولو لم يمكنه
الوصول إلا بالنزول نزل ما لم يخش فساد الماء، أو مشقة أو تعزيرا.
ويجوز التيمم لو منعه من استعماله مرض، وهو قول أهل العلم إلا طاووس
ومالكا. لنا أن في إيجاب الغسل هنا حرجا وعسرا وضررا، والكل منفي، وقوله
تعالى * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (3).
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجنب يكون به القروح
قال: " لا بأس أن لا يغتسل ويتيمم " " (4). وعدم الوصلة كعدم الماء وهو إجماع، ولو
خشي البرد الشديد ولم يتمكن من إسخان الماء، تيمم وصلى ولا إعادة، ومثله قال
أبو حنيفة. وقال الشافعي إن أمكنه استعمال جزء من الماء وجب عليه، وإن لم يمكنه

1) سورة النساء: 43.
2) سنن البيهقي ج 1 ص 114.
3) سورة النساء: 29.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 11.
363

تيمم وصلى ثم أعاد إن كان حاضرا، وإن كان مسافرا فعلى قولين.
لنا قوله تعالى * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (1) وقوله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم
إلى التهلكة) * (2). وقصة عمرو بن العاص (3). وروى داود بن سرحان عن أبي
عبد الله عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد
قال: " لا يغتسل ويتيمم " (4).
فروع
الأول " يجوز التيمم في السفر القصير مع عدم الماء، كما يجوز في الطويل
وهو إجماع فضلاء الإسلام. وحكي عن سداد اختصاصه بالطويل، وهو ما يقصر
فيه الصلاة. لنا قوله تعالى * (فلم تجدوا ماءا فتيمموا) * (5) وهو على إطلاقه،
ويستوي سفر الطاعة والمعصية في جواز التيمم عملا بمطلق الآية، ولأنه سفر لا يسقط
معه الفرض ولا يسقط به التيمم.
الثاني: الصحيح الحاضر إذا عدم الماء كالمحبوس ومن انقطع عنه الماء يتيمم
ويصلي، وكذا قال الشافعي، ومالك، وأحمد. وعن أبي حنيفة روايتان إحديهما يترك
التيمم والصلاة، لأن التيمم مشروط بالسفر. لنا قوله عليه السلام الصعيد الطيب طهور المسلم
إن لم يجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته " (6) وقوله عليه السلام " التراب

1) سورة النساء: 29.
2) سورة البقرة: 195.
3) التاج الجامع الأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 128.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 8.
5) سورة السناء: 43.
6) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 (مع اختلاف يسير).
364

كافيك ما لم تجد الماء " (1).
واستدلال الحنفي ضعيف، لأنا لا نسلم اشتراط السفر بل كما يجوز التيمم
مع السفر لا بشرط المرض فكذا يجوز مع الحدث لا بشرط المرض ولا السفر،
لأن العطف مناف للشرط على أن ذكر السفر في الآية إنما خرج مخرج الغالب لأن
عدم الماء في الحضر نادر وفي السفر غالب، فذكر معه لا شرطا على أنها تدل بدليل
الخطاب وهو متروك. وهل يعيد إذا وجد الماء قال الشيخان لا، وبه قال مالك.
وقال علم الهدى في شرح الرسالة يعيد، وبه قال الشافعي، وعن أحمد روايتان.
لنا أنه صلى بتيمم مشروع صلاة مأمورا بها فتكون مجزية. ويؤيده ما رواه
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا
فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلاها " (2)
واللفظ على عمومه.
الثالث: من يتكرر خروجه عن مصره كالحطاب والحراث لو حضرته
الصلاة ولا ماء، فإن أمكنه العود ولما يفت مطلوبه عاد ولو تيمم لم يجزه، وإن لم
يمكنه إلا بفوات مطلوبه ففي التيمم تردد أشبهه الجواز دفعا للضرر ولا إعادة لأن
طهارته مشروعة وصلاته مأمور بها.
الرابع: يستبيح المريض التيمم مع خوف التلف إجماعا، ولا يستبيحه مع
خوف المرض اليسير كوجع الرأس والضرس. وقيل تستبيحه لخوف الزيادة في
العلة أو بطؤها أو الشين، مذهبنا نعم، وكذا قال مالك، وأبو حنيفة، وللشافعي قولان.
لنا قوله تعالى * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * (3) وقوله تعالى * (وإن

1) السنن للبيهقي ص 215 بهذا المعنى.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 7.
3) سورة الحج: 78.
365

كنتم مرضى أو على سفر) * (1) ولأن التيمم جائز مع توجه الضرر على المال.
وعند الشافعي لو زاد ثمنه عن ثمن المثل فهنا أولى فلو كان المريض لا يتضرر باستعمال
الماء الحار، وجب عليه إسخانه ولم يتيمم مع القدرة على الإسخان. وقال داود
يتيمم لظاهر الآية.
لنا شرط التيمم عدم الماء، ولم يحصل، ولو زال المرض في أثناء الصلاة
استصحب كما لو وجد الماء، وسيأتي تحقيقه.
الخامس: إذا لم يجد المريض من يناوله الماء فهو كالعادم، ولو أمل مناولا
وخشي فوت الصلاة ففي التيمم تردد، أقربه الجواز.
السادس: من كان الماء قريبا منه وتحصيله ممكن لكن مع فوات الوقت أو
كان عنده وباستعماله يفوت، لم يجز له التيمم وسعى إليه لأنه واجد.
السابع: لو خشي على نفسه لصا أو سبعا تيمم ولا إعادة لأنه كالعادم، وكذا
لو خشي على أهله أو ماله، وهو إجماع. ولو كان خوفه جبنا فكذلك لوجود سبب
الخوف في حقه، ولو ظن مخوفا فتيمم وصلى، ثم بان فساد ظنه، فلا إعادة.
وعن أحمد روايتان إحديهما يعيد، لأنه تيمم من غير سبب يبيح التيمم فأشبه
من نسي الماء في رحله. لنا أنه تيمم تيمما مشروعا، وصلى صلاة مأمورا بها، فتكون
مجزية. وحجة أحمد ضعيفة، لأن السبب الخوف وهو موجود، وقياسه على الناسي
باطل، لأنا نمنع الأصل والفرع.
الثامن: إذا كان معه ماءا فأراقه قبل الوقت أو مر بماء فلم يتطهر ودخل الوقت
ولا ماء، تيمم وصلى ولا إعادة، ولو كان ذلك بعد دخول الوقت، فكذلك. وللشافعي
وأحمد هنا روايتان، إحديهما يعيد، لأنه فرط في الصلاة مع القدرة على طهارة
كاملة. لنا أنه صلى صلاة مستكملة الشرائط، فتكون مجزية والإراقة للماء سائغة،

1) سورة النساء: 43.
366

فلا يترتب عليها لواحق التفريط.
التاسع: ولو نسي الماء في رحله وصلى بالتيمم أجزأه، وهو اختيار علم
الهدى، وكذا قال أبو حنيفة. وقال الشافعي يعيد. وعن أحمد ومالك روايتان. وقال
الشيخ: إن اجتهد وطلب لم يعد وإلا أعاد.
لنا أنه صلى بتيمم مشروع فلم يلزمه الإعادة ولأن النسيان لا طريق إلى إزالته
فصار كعدم الوصلة. واحتج الشافعي بأنها طهارة تجب مع الذكر فلم يسقط بالنسيان
ولأنه مفرط فيلزم الإعادة.
وجوابه منع الملازمة فإن الذاكر متمكن من الاستعمال، والناسي ممنوع
منه، فلم تجب الطهارة مع المنع، ولا نسلم التفريط، لأنا نتكلم على تقدير الاجتهاد
في الطلب، وينتقض قياسه بمن ضل عن رحله وفيه ماء، أو كان يعرف بئرا فضلت
عنه، فإن الأصح التيمم والاجتزاء بالصلاة ولو ذكر، وقوله هو مفرط في موضع
المنع لأن النسيان لا طريق إلى إزالته.
وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " يتوضأ ويعيد " (1) وفي سندها
عثمان بن عيسى وهو ضعيف، فهي إذن ساقطة. ولو كان بقربه بئر لم يرها فمع
الاجتهاد تيمم ولا إعادة ومع التفريط يعيد.
مسألة: ولو خشي العطش تيمم إن لم يكن في الماء سعة عن قدر الضرورة
وهو مذهب أهل العلم كافة، لأن التقدير الخوف على النفس، ومعه يتعين التيمم.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب يكون معه الماء القليل فإن هو اغتسل
به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم قال: " بل يتيمم " (2) وكذلك إذا أراد الوضوء.

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 25 ح 2.
367

فروع
الأول: ويستوي في ذلك خوفه للعجل والمتطاول، لوجود العلة. ولو
خشي العطش على رفقته أو دوابه، استقى الماء وتيمم، لأن حرمة أخيه المسلم
كحرمته، ولأن حرمة المسلم آكد من حرمة الصلاة، والخوف على الدواب خوف
على المال ومعه يجوز التيمم.
الثاني: لو وجد عطشان يخاف تلفه بذل الماء له وتيمم، لأن حفظ الإنسان
أرجح في نظر الشرع من الصلاة بدليل أنها تقطع لحفظ الإنسان من الغرق والحرق
وإن ضاق وقتها خصوصا، والطهارة لها بدل والنفس لا استدراك لغايتها.
الثالث: لو كان معه ماءان طاهر ونجس، وخشي العطش استبقى لشربه الطاهر
وتيمم، لأنه قادر على شرب الطاهر فلا لما ذكرناه. لا يقال بعد دخول وقت الصلاة
يصير استعمال الماء مستحقا للطهارة، لأنا نمنع الاستحقاق، وإنما نسلمه لو استغنى
عن شربه وليس مستغنيا بالنجس لتحقق التحريم في شربه مع وجود الطاهر.
مسألة: وإذا وجد الجنب ماءا لا يكفي لطهارته ترك الماء وتيمم، وكذا قال
أبو حنيفة، ومالك. وللشافعي قولان، أحدهما يستعمل الماء ويتيمم، وكقوله قال
أحمد.
لنا أنه ماء لا يطهره فجرى مجرى عدمه، ولأنه ماء لا يسقط معه التيمم فلا يكون
عدمه شرطا. احتج الشافعي: بأنه واجد للماء فلم يجزه التيمم. والجواب منع
الوجود، لأن المراد وجود ما يطهره، لقوله تعالى في كفارة اليمين * (فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام) * (1) يريد فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين ولو وجد للبعض لما

1) سورة المائدة: 89.
368

وجب، ولأنه لو وجب استعمال الماء لزم اجتماع البدل والمبدل، وكذا لو كان مع
الجنب ماء يكفيه لوضوئه يتيمم ولا يلزمه استعمال الماء والتيمم لما ذكرناه.
ويؤيده ما رواه الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام في المجنب معه
من الماء ما يكفيه لوضوئه أيتوضأ بالماء أو يتيمم فقال: " يتيمم " (1). وكذا البحث
في المحدث حدثا أصغرا لو وجد ماءا لبعض طهارته، بل أولى مراعاة للموالاة.
وكذا لو تضرر بعض أعضائه بالماء لمرض تيمم ولم يغسل الصحيح.
وقال الشيخ في المبسوط والخلاف: لو غسلها وتيمم كان أحوط. وكذا لو
كان بعض أعضائه نجسا ولا يقدر على طهارته بالماء تيمم وصلى ولا إعادة في شئ
من ذلك لعين ما ذكرناه.
مسألة: إذا لم يوجد إلا ابتياعا وجب مع القدرة وإن كثر الثمن، كذا قال علم
الهدى. وقيل ما لم يضربه في الحال وهو أشبه.
أما الأول فيدل عليه أنه واجد للماء ضرورة قدرته عليه بالثمن الموجود كما
في خصال الكفارة المرتبة. وروى صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل
احتاج إلى وضوء الصلاة، وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بماءة درهم
أو بألف درهم وهو واجد لها يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: " بل يشتري قد أصابني
مثل هذا فاشتريت وما يشتري بذلك مال كثير " (2).
وأما الثاني وهو اشتراط عدم الضرر الحالي، فهو اختيار الشيخ رحمه الله
في الخلاف والمبسوط. وقال ابن الجنيد منا: إذا كان الثمن غاليا تيمم وصلى وأعاد
إذا وجد الماء. وقال الشافعي لا يلزمه لو زاد عن ثمن مثله لأنه إضرار والطهارة لا تلزم
مع الضرر كما لا يقص الثوب من النجاسة عند عدم الماء.

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 24 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 26 ح 1.
369

وقال أبو حنيفة إن كانت الزيادة قليلة، لزمه ابتياعه، لأنها زيادة لا يعتد بها
ولا يتيقن دخولها بين تقويم المقومين، فجرى وجودها مجرى عدمها. وجواب
الشافعي منع دعواه فإنه أوجب التيمم مع المرض إذا لم يخف على نفسه، وإن
خاف الزيادة وهو أعظم الضرر، ولأن الضرر ليس معتبرا مع معارضة النص.
وقال الشيخ في كتبه كلها لا يجب شرائه إذا كان مضرا في الحال. وهو فتوى
فضلائنا، وفتوى فقهاء الجمهور. وإنما قلنا أنه أشبه لأن من خشي من لص أخذ ما
يجحف به، لم يجب عليه السعي وتعريض المال للتلف، وإذا ساغ التيمم هناك دفعا
لهذا الضرر ساغ هنا.
وينبه على ذلك ما رواه يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال: " لا آمره
أن يغرر بنفسه فيعرض له اللص أو سبع " (1).
فروع
الأول: لو بذل له بثمن غير مجحف إلى أجل وكان قادرا عليه، وجب
قبوله وإن اشتغلت ذمته، لأن له سبيلا إلى تحصيل الماء من غير إجحاف به، فلم
يجز التيمم فإن لم يكن قادرا عليه لم يجب وتيمم. وقال الشافعي يجب قبوله مطلقا.
وبعض الحنابلة منع مطلقا. لنا أنه غير واجد للماء ولا لثمنه فيلزمه التيمم.
الثاني: لو امتنع صاحبه من بذله، لم يجز مقاهرته ولو كان فاضلا عن حاجته
لأنه لا ضرورة إليه لامكان الصلاة بالتيمم.
الثالث: لو بذل بغير عوض وجب قبوله، لأنه كالواجد ولا منة ولا غضاضة
في طلب الماء عادة ولو بذل له بثمن ليس معه فبذل له الثمن. قال الشيخ في المبسوط

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 2.
370

يجب قبوله، لأنه متمكن منه. وفيه إشكال، لأن فيه منة بالعادة ولا يجب تحمل المنة.
ومثله خصال الكفارة المرتبة.
الرابع: عادم الآلة الموصلة كعادم الماء ويستوي راكب البر وراكب البحر
في جواز التيمم مع عدم الوصلة.
مسألة: ولو كان على جسده نجاسة ومعه ماء يكفيه لإزالتها أو للوضوء أزالها
به وتيمم بدلا من الوضوء. ولا أعلم في هذه خلافا بين أهل العلم، لأن للطهارة بدلا
هو التيمم ولا كذلك إزالة النجاسة، وكذا لو كان عليه غسل وعلى جسده نجاسة
والماء يكفي أحدهما، أزال النجاسة وتيمم للغسل، وكذا لو كانت النجاسة في ثوبه
وعليه حدث غسل ثوبه بالماء وتيمم.
وحكي عن أحمد بن حنبل بأنه يتطهر بالماء ولا يغسل الثوب لأن رفع الحدث
آكد في الصلاة من إزالة الخبث عن الثوب، وهو ضعيف لأن إزالة النجاسة مع
القدرة واجب ولا بدل للماء في إزالتها فتعين لها ولو كن متطهرا وعلى جسده نجاسة
ولا ماء أو خاف من استعماله صلى على حاله. وعن أحمد هو كالجنب يتيمم.
وما ذهب إليه أحمد خلاف الإجماع لأن التيمم مختص برفع الحدث،
أما رفع الخبث فلا، لأن المراد من طهارة الخبث إزالة عينه عن محله، وهو لا
يحصل بالتيمم.
واحتج بعض أصحابه بقوله عليه السلام " الصعيد الطيب طهور المسلم " (1) وقوله
" جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (2) ولأنها طهارة في البدن للصلاة فجاز التيمم
لها عند عدم الماء، وخوف الضرر كالحدث، والجواب لا نسلم أن الظواهر

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212، ولفظه كذا (الصعيد الطيب وضوء
السلم).
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.
371

المذكورة متناولة لموضع النزاع، لأن طهورا ليس من ألفاظ العموم بل هو مطلق
يصدق بالجزء والكل، ومع الاحتمال لا يتعين لإرادة الكل فلعل المراد به طهور
المسلم من الحدث.
وكذا قوله مسجدا وطهورا والمطلق لا يدل على موارده ولأن المعول في جواز
التيمم على الآية، وهي دالة على استعماله في رفع الحدث فيقتصر عليه. وأما قياسه
على طهارة الحدث فباطل لأن طهارة الحدث متعلقة بالبدن والعينية متعلقة بمحلها
فلا يلزم من زوال الحكمية بالتيمم زوال حكم العينية به لما بينهما من الفرق.
الفصل الثاني: ما يتيمم به.
مسألة: لا يجزي في التيمم إلا التراب الخالص أي الصافي من مخالطة ما
لا يقع عليه اسم الأرض كالزرنيخ والكحل وأنواع المعادن، وهذا قول علم الهدى
في شرح الرسالة، وأبي الصلاح، وظاهر كلام المفيد، وهو اختيار الشافعي.
وقال الشيخ في المبسوط: لا يجوز إلا بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا سواء
كان عليه تراب أو كان حجرا أو جصا أو غير ذلك، وبمعناه قال في جمله والخلاف
وكذا قال ابن الجنيد منا، وعلم الهدى في المصباح، وهو الوجه.
وقال أبو حنيفة يجوز بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ،
وبه قال ابن أبي عقيل منا، لقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (1)
وكل ما جاز أن يسجد عليه مما يكون منها يجوز الطهور به ولأنه جزء من الأرض
فصار كالتراب ولأن الصعيد ما تصاعد على الأرض منها. وقال مالك كقوله وزاد
التيمم بما يخرج من الأرض كالشجر وغيره.
واحتج علم الهدى بقوله تعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (2). والصعيد هو

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.
2) سورة المائدة: 6.
372

التراب بالنقل عن أهل اللغة حكاه ابن دريد عن أبي عبيدة وبقوله عليه السلام " جعلت لي
الأرض مسجدا طهورا " (1) ولو كانت الأرض طهورا وإن لم يكن ترابا ذكره لغوا
وبقوله عليه السلام " التراب طهور المسلم ".
لنا قوله تعال * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (2) والصعيد هو وجه الأرض بالنقل
عن فضلاء اللغة، ذكر ذلك الخليل، وثعلب عن ابن الأعرابي، ويدل عليه قوله
تعالى * (فتصبح صعيدا زلقا) * (3) أي أرضا ملسا مزلقة ومثله قوله عليه السلام " يحشر
الناس يوم القيامة عرات حفاة على صعيد واحد " أي أرض واحدة. ويدل على
جواز التيمم بالأرض قوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (4) وقوله عليه السلام
" للسائلين عليكم بالأرض ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال:
" تضرب بكفيك الأرض " (5) والحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام " لا ينزل
إلى الركية أن رب الماء هو رب الأرض فتيمم " (6).
وجواب علم الهدى أنه لا يلزم من تسمية التراب صعيدا أن لا يسمى به الأرض
بل جعله اسما للأرض أولى، لأنه يستعمل فيهما فيجعل حقيقة في القدر المشترك
بينهما وهو الأرضية دفعا للاشتراك والمجاز فيكون التراب صعيدا باعتبار كونه أرضا
لا باعتبار كونه ترابا.
وأما الخبران فالتمسك بهما تمسك بدلالة خطابهما، وهو متروكة في معرض

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 2.
2) سورة المائدة: 6.
3) سورة الكهف: 40.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 7 ح 4.
5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 7.
6) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 3 ح 4.
373

النص إجماعا. وجواب أبي حنيفة لا نسلم أنه يلزم من جعل الأرض مسجدا وطهورا
يجتمع الأمران فيما يخرج من الأرض مما لا يسمى أرضا، وحينئذ لا يتناول
الكحل والزرنيخ لعدم تسميتها أرضا وصعيدا.
وقوله هو جزء من الأرض فصار كالتراب. قلنا إن عنيت بكونه جزءا أنه
يسمى أرضا فهو ممنوع وإن عنيت أنه يخرج منها، فهو ينتقض بالشجر وبالذهب
والفضة فإنه نمنع من التيمم بذلك، وإن كان خارجا من الأرض. وبالجملة فلا نسلم
أن جواز التيمم متعلق بما يخرج من الأرض بل بما يسمى أرضا.
فروع
الأول: يجوز التيمم بالرمل والسبخة على كراهية فيهما، وهو مذهب فقهائنا
أجمع، عدا ابن الجنيد فإنه منع من السبخ.
لنا أن السبخ أرض وخشونتها ولونها لا يخرجها عن الأرضية، كالأرض الحمراء
والصفراء. أما المعادن فلا يجوز التيمم بها كالزاج والزرنيخ والكحل، وكذا ما
ماثلها من الأشياء المنسحقة كالدقيق والسويق، وكذا المستحيلة كالرماد لأن جميع
ذلك لا يمسى أرضا، ولو مزج التراب بأحدها، قال الشيخ في الخلاف: لم يجز
التيمم به وأن غلب عليه الصعيد لقوله * (فتيمموا صعيدا) * (1) وهذا خرج عن
الصعيد بالممازجة.
الثاني: يجوز التيمم بالأرض الندية كما يجوز بالتراب، لما ذكرناه من
الحجة، ولما رواه رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كانت الأرض
مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فإن ذلك توسيع
من الله عز وجل " (2).

1) سورة المائدة: 6.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 4.
374

الثالث: في التيمم بالخزف تردد أشبهه المنع، وهو اختيار ابن الجنيد منا،
لأنه خرج بالطبخ عن اسم الأرض ولا يعارض بجواز السجود لأنه قد يجوز السجود
على ما ليس بأرض كالكاغذ، وكذا لو دق حتى صار كالتراب أما لو دق الحجر
جاز كما يجوز التيمم به غير مدقوق.
الرابع: ليس من شرط التيمم نقل التراب إلى أعضاء المتيمم، قاله علم الهدى
في شرح الرسالة وقال: لا أعرف لأصحابنا في هذا نصا، فالأولى أن لا يكون به
اعتبار واعتبره الشافعي.
لنا قوله تعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (1) وقد بينا أن الصعيد وجه الأرض
ولم يشترط النقل، ولأن النبي صلى الله عليه وآله نفض يديه من التراب ولو كان بقاؤه معتبرا لما
نفض يده، ولأنه تعريض لإزالته.
احتج الشافعي بقوله تعالى * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (2) ومن
هنا للتبعيض، ولأنه ممسوح في الطهارة، فافتقر إلى ممسوح به كمسح الرأس في
الوضوء. والجواب كما يحتمل أن يكون من هنا للتبعيض، يحتمل للابتداء كأنه
أمر أن يكون مسح الوجه موصولا بتيمم الصعيد من غير تحلل، وجواب قياسه الفرق
بين طهارة الماء والتيمم، لأن المراد بالمائية إزالة الحدث وليس كذلك التيمم.
مسألة: يستحب التيمم من ربا الأرض وعواليها ويكره من مهابطها، وعليه
اتفاق فقهائنا، ولم يفرق بين الموضعين أحد ممن خالفنا. والوجه أن العوالي يغسلها
السيول فهي أبعد عن ملاقاة النجاسات. ويؤيده النقل عن أهل البيت وإن ضعف
سنده.
مسألة: قال علم الهدى في المصباح: يجوز التيمم بالجص والنورة. وقال
الشيخان في المقنعة والمبسوط والنهاية: يجوز بأرض الجص والنورة، وهو حسن.

1) سورة المائدة: 6.
2) سورة المائدة: 6.
375

ومنع الشافعي ذلك.
لنا قوله * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (1) والصعيد وجه الأرض. وما ذكره علم
الهدى في المصباح هو رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه سأل
عن التيمم بالجص فقال " نعم " فقيل بالنورة فقال " نعم " فقيل بالرماد فقال " لا أنه
لا يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر " (2). وهذا السكوني ضعيف لكن روايته
حسنة، لأنه أرض فلا يخرج باللون والخاصية عن اسم الأرض كما لا يخرج الأرض
الصفراء والحمراء.
مسألة: الحجر الصلد كالرخام والصفا والبرام، يجوز التيمم به وإن لم
يكن عليه غبار، قاله الشيخ في المبسوط والنهاية، وعلم الهدى في المصباح وقال
المفيد في المقنعة يجوز مع الاضطرار، ومنعه الشافعي أصلا.
لنا قوله تعالى * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (3) والصعيد وجه الأرض والحجر
أرض إجماعا. لا يقال الصعيد تراب الحرث، كذا حكي عن ابن عباس وقوله حجة.
لأنا نقول هذا يبطل بالرمل والسبخة فإن التيمم بهما جائز وإن لم يكونا من تراب
الحرث. ولو قيل المراد حمل التراب إلى الوجه واليدين، انتقض ذلك بمقابلة
العواصف وإنما قال في الأصل فيه تردد، لأن علم الهدى قال في المصباح: لم
أقف لأصحابنا فيه على نص. والمفيد أجازه عند الاضطرار فنشأ التردد من ذلك.
مسألة: إذا فقد الصعيد تيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو
غير ذلك مما فيه غبار، وهو مذهب علمائنا، ومذهب أبي حنيفة، والشافعي، ومنعه
أبو يوسف.
لنا أن هذا هو القدر الذي يستعمل من الصعيد فيجتزأ به. ويؤيده رواية زرارة

1) سورة المائدة: 6.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 8 ح 1.
3) سورة المائدة: 6.
376

قال قلت لأبي جعفر عليه السلام كيف أصنع وعلي وضوء ولا أقدر على النزول فقال:
" تيمم من لبد سرجه أو عرف دابته فإن فيهما غبارا " (1). وفي رواية رفاعة بن موسى
عن أبي عبد الله عليه السلام " لينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو شئ مغبر " (2).
مسألة: إذا فقد الصعيد والغبار ووجد وحلا أطبق فقهائنا على جواز التيمم
به. لنا أنه لا يخرج بممازجة الماء عن كونه أرضا وصعيدا، لما روي عن ابن عباس
أنه قال: خلق آدم من أديم الأرض خشنها، ولينها، وأحمرها، وأصفرها، وطينها،
وسبخها، ولذلك اختلف ألوان الناس وألسنتهم.
ولما رواه زرارة عن أحدهما قلت: رجل في الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين
ما يصنع قال: " يتيمم فإنه الصعيد " (3). وأما الفتوى به فرواها رفاعة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إن كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم منه ".
ومثله روى زرارة.
وفي كيفية التيمم بالوحل قولان، قال الشيخ: يضع يديه على الوحل ثم
يفركهما ويتيمم به، وقال آخر: يضع يديه على الوحل ويتربص فإذا يبس تيمم به،
وحكي عن ابن عباس أنه قال يطلى بالطين فإذا جفف تيمم به. والوجه ما ذكره
الشيخ رحمه الله عملا بظاهر الروايات، ولا يجوز التيمم بالوحل مع القدرة على
الغبار، ولا بالغبار مع القدرة على الأرض.
مسألة: قال علم الهدى في المصباح: من كان في أرض وحل أو ثلج لا
يتمكن من غيره جاز أن يضرب يديه ويتيمم وظاهر هذا يعطى التيمم بالثلج،

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 9 ح 3.
377

وإليه أومأ ابن الجنيد في المختصر، وقال المفيد رحمه الله في المقنعة: ومن كان
في أرض قد غطاها الثلج ولا سبيل له إلى التراب فليكسره وليتوضأ به مثل الدهن،
وهذا مصير إلى الوضوء لا إلى التيمم.
وفيه مع منافاة الأصل، الاقتصار على الدهن، وفيه أيضا تقديم التراب على
استعمال الماء. وقال الشيخ في المبسوط والتهذيب ما يقاربه. والتحقيق عندي أنه
إن أمكن الطهارة بالثلج بحيث يكون به غاسلا فإنه يكون مقدما على التراب بل
مساويا للماء في التخيير عند الاستعمال وإن قصر عن ذلك لم يكف في حصول
الطهارة وكان التراب معتبرا دونه بحيث لو تيمم به مع فقد التراب أو مع وجوده
لم يحصل به طهارة، لأن الثلج ليس أرضا فلا يجوز التيمم به.
وإن كان يمكن غسل الأعضاء به فقد أمكنت الطهارة المائية، فلم يجز استعمال
التراب معها ولا عبرة بالدهن، لأنه لا يسمى غسلا فلا يحصل به الطهارة الشرعية إلا
أن يراد بالدهن ما يجري على العضو وإن كان قليلا من قولهم دهن الغيث الأرض
إذا بلها بللا يسيرا، ولا يلزم من تسميته دهنا أن يكون مسحا، لأنه محتمل ولا يصار
إلى المحتمل مع عدم الدلالة عليه.
ويؤيد ما ذكرناه ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته
عن الرجل الجنب أو على غير وضوء ولا يكون معه ماء ويصيب ثلجا وصعيدا أيهما
أفضل تيمم أفضل أو تمسح بالثلج قال: " الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل فإن لم
يقدر أن يغتسل به تيمم " (1). وبالجملة فإنا نطالب علم الهدى والشيخ المفيد رحمهم
الله بدليل ما ادعياه.

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 10 ح 3.
378

فروع
الأول: الصعيد النجس لا تيمم به لقوله * (فتيمموا صعيدا طيبا) * (1) أو الطيب
الطاهر.
الثاني: التراب المستعمل يتيمم به لأنه لم يخرج بالاستعمال عن اسم الصعيد.
الثالث: تراب القبر يتيمم به ما لم يعلم فيه نجاسة ولو تكرر نبشه لأنه عندنا
طاهر.
الرابع: ظن قوما منا أن دهن الأعضاء في الطهارة يقصر عن الغسل ومنعوا
الاجتزاء به إلا في حال الضرورة، وهو خطأ فإنه لو لم يسم غسلا لما جاز الاجتزاء
به، لأنه لا يكون ممتثلا وإن كان غسلا لم يشترط فيه الضرورة. ويدل على أنه مجز
روايات، منها رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إنما الوضوء
من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه إن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه
مثل الدهن " (2).
مسألة فاقد الطهارتين يؤخر الصلاة، وهو مذهب الشيخين في المقنعة
والخلاف، وأبي حنيفة، ومالك. وقال في المبسوط أما أن يؤخر أو يصلي ويعيد،
لأنه صلى بغير طهارة ولا تيمم. وقال الشافعي وأحمد يصلي على حاله. لنا قوله عليه السلام
" لا صلاة إلا بطهور " (3) وحقيقته نفي الصلاة فلا يتحقق من دونه.
واحتج الشافعي بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث قوما لطلب قلادة عايشة فحضرت
الصلاة فصلوا بغير وضوء وأتوا النبي صلى الله عليه وآله فذكروا ذلك له فلم ينكره عليهم ونزلت

1) سورة المائدة: 6.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 31 ح 12.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 42 (مع اختلاف يسير جدا).
379

آية التيمم (1). ولأن الطهارة شرط من شروط الصلاة فلم يسقط بفواتها كستر العورة،
واستقبال القبلة.
والجواب لا نسلم أنه لم ينكر، وعد النقل لا يدل على عدمه في نفس الأمر
لأن الواقعة كانت مع نفر قليل يمكن أن يستر النقل أو لم يتوفر دواعيهم إليه، سلمنا
أنه لم ينكر، ولكن عدم النكير لا يدل على عدم الحظر، ولا يدل على وجوب
الفعل، ولا استحبابه.
ثم ما المانع أن يكون عدم النكير لعدم علمهم بالمنع من الصلاة من دون
الطهارة. ثم ما ذكروه تمسك بترك النكير ولا عبرة به في معرض النص. وأما قياسه
فهو قياس من غير جامع. ثم إن الفرق أن الصلاة مناجاة للرب وقرب منه، لقوله
عليه السلام " أقرب ما يكون العبد من ربه إذا صلى " والقرب منه سبحانه يستدعي الطهارة
ليكون المناجي على حال يصح منه القرب من قدس الله، وليس كذا السترة لأنها
إكمال في الأدب والله سبحانه لا يستر عن إدراكه شئ، وكذا القبلة فإن الله مستقبلك
كيف كنت.
ومع ثبوت هذا الفارق أمكن إسناد الحكم إليه، ثم لو سلمنا المساواة لكان
استدلالا بالقياس في معرض النص وهو متروك على ما بين في الأصول، وإذا
ثبت ذلك فهل تقضى هذه الصلاة. قال المفيد في المقنعة: نعم، وبمعناه قال الشيخ
في المبسوط، وبه قال أبو حنيفة والشافعي. وللمفيد قول آخر أنها لا تقضى، وهو
اختيار مالك.
احتج أبو حنيفة بأنها أخرت لعدم الطهارة فيجب أن تقضى عند إمكانها
كصوم الحائض.
لنا أنها سقطت لحدث لا يمكنه إزالته فلا يجب عند زواله وخروج وقتها

1) سورة النساء: 43.
380

كصلاة الحائض، ولأن القضاء فرض مستأنف يتوقف على الدلالة ولا دلالة.
والجواب عما ذكره أبو حنيفة، أنه قياس من غير جامع. ثم الفرق إن الصوم
يدخله التأخر كصوم المسافر ولا كذلك الصلاة، ولو سلمنا المساواة لكان استعمالا
للقياس في معارضة النص وهو متروك.
فروع
الأول: الممنوع عن الركوع والسجود برباط في الموضع النجس فإنه
يصلي على حاله يومئ لركوعه وسجوده ولا يعيد لعين ما ذكرناه.
الثاني: المسافر إذا جامع زوجته ومعه ماء يغسل به فرجه غسل بما معه وتيمم
لصلاته ولا أعاده، وهو إجماع أهل العلم. ولو لم يكن معه ماء أو كان ماء لا يكفي
لغسل فرجه تيمم وصلى على حاله وكذا المرأة، وهل يعيدان، تردد في المبسوط.
وقال في الخلاف الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا إعادة، وهو أشبه القولين، لأنه صلى
صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.
الثالث: قال في المبسوط: وكذا من على بعض بدنه نجاسة لا يقدر على
إزالتها تيمم وصلى ثم يعيد إذا غسل الموضع. والوجه عندي أن هذه كالأولى في
الأجزاء.
الفصل الثالث: في كيفية التيمم.
مسألة: لا يصح التيمم قبل وقت الصلاة، وهو مذهب علمائنا، وكذا قال
الشافعي. وقال أبو حنيفة يصح. لنا أن الأمر بالتيمم مشروط بإرادة القيام إلى الصلاة،
وذلك لا يتحقق إلا بعد الوقت فالتيمم كذلك. ولو قيل هي جملة منفردة فلا يلحقها
الشرط، قلنا ظاهر العطف بالواو يقتضي ذلك.
ولو قيل لو كان شرطا في التيمم لكان شرطا في المائية، قلنا نحن نلتزم الاشتراط
381

فيهما، ولهذا لا تجب الطهارة قبل الوقت والجواز في المائية معلوم بدلالة لم يوجد
في الترابية.
ويدل على ما قلناه أيضا قوله عليه السلام " أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت " (1)
وهو تعليق التيمم على إدراك الصلاة فينتفي مع عدمه، ولأن التيمم قائم مقام الطهارة
المائية عند العجز، والعجز لا يتحقق إلا عند الحاجة إليه، ولا حاجة قبل الوقت،
وهل يجوز بعد دخول الوقت قبل تضييقه؟ أطبق الجمهور على نعم، لقوله عليه السلام
" أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت " (2) ولأنه وقت الحاجة إلى الطهارة، فمع
تعذرها يعدل إلى البدل، وهو اختيار أبي جعفر بن بابويه في كتابه المقنع قال: لقوله
تعالى * (فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا) * (3) ولم يذكر التأخير.
وقال الثلاثة وأتباعهم: لا يصح إلا في آخر الوقت ولا يستباح به الصلاة.
والوجه في وجوب التأخير ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام " في الجنب يتلوم ما بينه
وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم " (4) والمراد به الأمر وظاهر الأمر الوجوب
والتلوم الانتظار والمكث. ولأن الصعيد بدل عن الماء عند العجز ولا يتحقق العجز
إلا عند خوف الفوت لأن توقع الظفر مع سعة الوقت يرفع العجز.
ويؤيد ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: " إذا لم يجد المسافر الماء
فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت
فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه " (5).

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 (مع اختلاف يسير).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 (مع اختلاف يسير).
3) سورة النساء: 43.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 233 (مع اختلاف يسير).
5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.
382

فروع
الأول: يتيمم للفايتة وإن لم يكن وقت فريضة حاضرة وللنافلة بعد دخول
وقتها الأوقات المنهي عنها، ويدخل به في الفرائض، لتحقق الاستباحة، ولقوله
عليه السلام " الصعيد الطيب طهور المسلم إذا لم يجد الماء عشر سنين " (1) وهل يتيمم
لنافلة مبتدأة؟ فيه تردد، والجواز أشبه، لعدم التوقيت والمراد بها تعجيل الأجر في
كل وقت وفواته بالتأخر متحقق.
الثاني: لو تيمم في آخر وقت الحاضرة وصلى ثم دخلت الثانية صلاها
في أول الوقت. وفيه تردد لقوله عليه السلام " يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت " (2).
الثالث: قال ابن الجنيد: إن وقع اليقين بفوات الماء آخر الوقت أو بأغلب
الظن فالتيمم في أول الوقت أحب إلي، وقال ابن أبي عقيل ولا يجوز لأحد أن يتيمم
إلا في آخر الوقت رجاء أن يصيب الماء قبل خروج الوقت، وقوله هذا يؤذن أن
التأخير لتوقع الإصابة.
وقال الشيخ في الخلاف لا يجوز قبل آخر الوقت طمع في الماء أو يئس.
وقال أبو حنيفة يستحب تأخيره إن طمع في الإصابة. وشيخنا رحمه الله تمسك بمطلق
الأمر بالتأخير، قال في التهذيب: وقد دلت رواية البزنطي ومحمد بن مسلم وزرارة
على المنع من التيمم إلا في آخر الوقت. وفيما استدل به إشكال.
أما رواية البزنطي عن رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام فليست صريحة في المنع
لأنه قال: وليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت " وهذا اللفظ كما يحتمل
التحريم يحتمل الكراهية، بل استعماله في الكراهية أكثر.

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 127 (مع اختلاف يسير).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 233.
383

وأما رواية محمد بن مسلم فمرسلة، لأنه قال سمعته والمسموع منه مجهول.
وأما رواية زرارة فمضمونها أنه يطلب الماء ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت
تيمم والطلب يؤذن بإمكان الظفر لأنه لولا إمكان الظفر لكان عبثا، فإذن ما قاله ابن
الجنيد جيد.
الرابع: لو كان العذر غير عدم الماء كالمرض الذي يعلم من حاله الاستمرار،
فإن قلنا التأخير لرجاء الإصابة سقط التأخير هنا، وإن قلنا هو شرط غير معلل برجاء
الإصابة لم يقسط.
الخامس: لو ظن ضيق الوقت لأمارة فتيمم وصلى ثم بان غلطه، ففي الإعادة
تردد ظاهر كلام الشيخ في كتبه الأخبارية، وجوب الإعادة. ويقوى عندي أنه
لا إعادة، لأنه تطهر طهارة شرعية وصلى صلاة مأمورا بها فتكون مجرية. لا يقال
شرط التيمم التضييق، لأنا لا نسلم بل لا يكون شرطه ظن التضييق، وظاهر أنه
كذلك لأن الشرع لما لم يجعل على التضييق دلالة دل على إحالته على الظن.
ويمكن أن يستدل على ذلك برواية زرارة ومعاوية بن ميسرة ويعقوب بن سالم
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل خروج الوقت
فقال: " ليس عليه إعادة إن رب الماء ورب التراب واحد " (1) ولا وجه لها على القول
بالتضييق إلا ما ذكرناه. وما تأولها الشيخ به رحمه الله في التهذيب، بعيد عن الظاهر.
مسألة: وهل يجب استيعاب الوجه واليدين فيه روايتان:
إحديهما: يجب، اختاره ابن بابويه، ومثله قال الشافعي. وقال أحمد بن حنبل:
يستوعب الوجه والكفين حسب. وقال أبو حنيفة: يجوز الإخلال برفع الوجه.
والأخرى لا يجب، بل يمسح الجبهة وظاهر الكفين، وهو اختيار الثلاثة
وأتباعهم، وابن الجنيد. وقال أبو جعفر بن بابويه: يمسح جبينه وحاجبيه. وفي

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 13.
384

رواية عمرو بن أبي المقدام وزرارة " يمسح جبينه وكفيه " (1). لنا قوله تعالى *
(فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (2) والباء إذا دخلت على المتعدي ببعضه
لوجهين:
أحدهما: إنه لولا ذلك لبطلت فائدتها، إذ لا وجه إلا الزيادة أو التبعيض ولو
كانت زائدة لكانت لغوا وإلغائها خلاف الأصل فتعينت للتبعيض. ولو قيل أنكر
جماعة وجوب التبعيض في اللغة قلنا عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، ثم نقول
ما ذكرناه منقول عن جماعة من الفضلاء مع أنه مروي عن الإمام أبي جعفر محمد
الباقر عليه السلام وفي قوله كفاية.
الثاني: إنها استعملت مع الفعل المتعدي للتبعيض فيكون حقيقة فيه دفعا للمجاز.
أما الاستعمال فلما رواه أنس أن النبي صلى الله عليه توضأ ورفع مقدم عمامته وأدخل يده
تحتها فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة (3).
وعن سلمة بن الأكوع أنه كان يمسح ببعض رأسه. وكان ابن عمر يمسح
اليافوخ. وعن أحمد بن حنبل كانت عايشة تمسح مقدم رأسها. وروي أن عثمان
مسح مقدم رأسه بيده مرة واحدة، ولم يستأنف ماء ا جديدا.
حين حكي وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وأفعالهم وقعت امتثالا لمدلول الآية،
فيكون ذلك هو المراد، إذ لو كان المراد بالآية مسح الرأس كله لبطل فعل هؤلاء وإذا
أريد بالباء هناك التبعيض وجب أن يكون هنا كذلك دفعا للاشتراك، ثم نقول قال سيبويه
باء الجر إنما هي للإلصاق تقول ضربته بالسوط، معناه ألزقت ضربك إياه بالسوط
فما اتسع في هذا الكلام فهذا أصله، وبتقدير أن يكون معناها منحصر في الإلصاق

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 3.
2) سورة المائدة: 6.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 61.
385

لا يجب الاستيعاب، لأنك تقول جذبت بالزمام وضربت بالسوط وكتبت بالقلم.
وليس المراد بكله وحينئذ لا يكون قوله * (فامسحوا برؤوسكم) * (1) كقوله
* (امسحوا رؤسكم) * بل يكون دخول الباء مفيدا الصاق المسح بالرأس ولو
ببعضه كما مثلناه فيقتصر على المتقين. ويؤيد ذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن التيمم فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ومسح بهما
جبهته وكفيه مرة واحدة (2).
فإن احتج علي بن بابويه برواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" تضرب بكفيك على الأرض مرتين وتمسح بهما وجهك وذراعيك " (3). فالجواب
الطعن في السند فإن الراوي حسين بن سعيد عن محمد بن سنان، ومحمد ضعيف
جدا، وليس كذلك روايتنا، فإنها سليمة السند، فيكون أرجح.
وأجاب علم الهدى بأن قال: المراد الحكم كأنه إذا مسح كفيه كان كمن غسل
ذراعيه في الطهارة. وبمثل ذلك أجاب الشيخ رحمه الله في التهذيب، وهو تأويل بعيد.
ثم الجواب الحق العمل بالخبرين فيكون مخيرا بين مسح الوجه أو بعضه
لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة، وقد أومأ إلى هذا ابن أبي عقيل فقال: ولو أن
رجلا تيمم فمسح ببعض وجهه أجزأه لأن الله تعالى يقول * (فامسحوا بوجوهكم) * (4).
وأما مسح اليد فقد قال الأكثرون منا المراد بها ظاهر الكفين. وقال علي بن
بابويه امسح يديك من المرفقين إلى الأصابع. وقال أبو حنيفة والشافعي: يمسح
الكفين والذراعين باطنا وظاهرا. وقال أحمد: يقتصر على ظاهر الكفين.

1) سورة النساء: 43.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 11 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 2.
4) سورة المائدة: 6.
386

لنا قوله تعالى * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * (1). واليد هي الكف إلى
الرسغ يدل عليه قوله تعالى * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (2) والإجماع
منهم على قطعهما من الرسغ. وما رواه عمار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إنما يكفيك
أن تقول بيدك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح وجهه وظاهر كفيه " (3)
فإن احتج الشافعي بما رووه عن جابر وابن عمرو ابن الصمة عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: " التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين " (4). أجبنا من
وجهين:
أحدهما: الطعن في الرواية، قال الحلال من أصحاب أحمد: الأحاديث في
ذلك ضعاف جدا، لم يروها صاحب السنن خلا رواية عن ابن عمر. وقال أحمد
ابن حنبل الحديث عن ابن عمر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله، بل هو عن ابن عمر نفسه
وقال ابن عبد البر لم يروه غير محمد بن ثابت، وبه ضعف، وهو عندهم حديث
منكر. وأما حديث ابن الصمة فليس فيه إلى المرفقين بل المحفوظ، أنه مسح وجهه
ويديه.
الوجه الثاني: المعارضة بأحاديث، منها حديث عمار المقدم، وهو أثبت
حديث في هذا المعنى. ولو قيل فقد روي عن عمار أيضا إلى المرفقين، قلنا هو
ضعيف عند أصحاب الحديث منهم قالوا رواه عنه سلمة ثم شك حين قيل له لم يرو
الذراعين غيرك فقال لا أدري أذكر الذراعين أم لا.
ثم الحق عندي أن مسح ظاهر الكفين لازم ولو مسح الذراعين جاز أيضا

1) سورة المائدة: 6.
2) سورة المائدة: 38.
3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 129 (مع تفاوت اختلاف يسير).
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 207.
387

عملا بالأخبار كلها لكن الكفين على الوجوب، وما زاد على الجواز لأنه أخذ
بالمتيقن.
مسألة: وفي عدد الضربات أقوال قال الشيخان في المبسوط والنهاية والمقنعة:
ضربة للوضوء وضربتان للغسل، وهو أجودها. وقال علي بن بابويه: ضربتان فيهما،
وهو اختيار الشافعي وأبي حنيفة. وقال علم الهدى: ضربة واحدة فيهما، وهو اختيار
أحمد بن حنبل.
وقال قوم منا: ثلاث ضربات لرواية ابن أذينة عن ابن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله
الأرض فمسح مرفقيه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظاهرها [ظهرها]، وواحدة
على بطنها ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه، وهذه نادرة
على أنا لا نمنعها جوازا.
لنا أن الأحاديث مختلفة بالضربة والاثنتين، وإطراحها غير جائز والعمل
بالجميع متناقض فيقضى عليها بالتفصيل الذي اخترناه، لوجهين:
أحدهما: إن اختلاف الأحاديث يقتضي اختلاف الحكم صونا لها عن التناقض
والوضوء مخفف الحكم، والغسل مثقله، فيكون الضربة للوضوء، لأنه أخف.
الوجه الثاني: روى في بعض أخبار الأئمة التفصيل فيصار إليه، لأنه وجه
من الترجيح من ذلك رواية حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت: كيف التيمم
قال: " ضربة واحدة للوضوء وللغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما
مرة للوجه ومرة لليدين " (1).
وقال علم الهدى في شرح الرسالة: القول بالمرة أولى، لأنه يمكن معه العمل
بخبرهم بأن يفعل ما زاد على المرة على الاستحباب، ومن قال بوجوب المرتين لا

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 4
388

يمكنه استعمال خبرنا فيكون القول بوجوب المرة أولى. قال رحمه الله: وليس
لهم أن يقولوا أن التيمم دعت إليه الضرورة فلا استحباب فيه، لأنا نخالفهم في هذا
الأصل ونجيز دخول الاستحباب فيما دعت إليه الضرورة وكلام علم الهدى هذا
حسن أيضا.
فروع
الأول: وضع اليدين على الأرض شرط، فلو استقبل العواصف حتى لصق
صعيدها بوجهه أو يديه، أو كان على وجهه غبار وأمره عليه لم يجز له لقوله تعالى
* (فتيمموا صعيدا طيبا) * (1) أي اقصدوه ولأنها كيفية منقولة عن صاحب الشرع في
مقابل الأمر المطلق فيكون بيانا.
الثاني: نفض اليدين ونفخهما من التراب ليس بواجب بل هو مستحب لقوله
تعالى * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (2). والنفض والنفخ مسكوت عنه
فيسقط اشتراطه. وأما الاستحباب فلأن النبي صلى الله عليه وآله فعله.
الثالث: يستحب تفريج الأصابع عند الضرب ولا يجب لغير ما ذكرناه.
الرابع: لا يشترط أن يعلق على يده شئ من الغبار لأن النبي صلى الله عليه وآله نفض يديه،
وفي رواية عمار عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه نفخ فيهما " (3) ولو كان شرطا لما عرضه للزوال،
ولأنا بينا أن الصعيد هو وجه الأرض لا التراب، فسقط اعتباره جملة.
الخامس: لو أغفل لمعة من محل المسح لم يجزه ولو قلت، عمدا كان أو
سهوا. وفرق الشافعي. وأجاز أبو حنيفة ما دون الدرهم. لنا أن الإخلال بالبعض
إخلال بالكيفية المنقولة، فلا يكون الآتي بذلك أتيا بالتيمم المشروع.

1) سورة المائدة: 6.
2) سورة المائدة: 6.
3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 129.
389

السادس: لو مسح بغير يده مثل الآلة لم يصح تبعا للكيفية المنقولة.
السابع: لو تيممه غيره مع القدرة لم يجزه ويجزي مع العجز وينوي العاجز
لا المتيمم.
الثامن: إذا قطع كفه فإن بقي منها شئ وجب مسحه وإن استوصل سقط
مسحه واقتصر على مسح الوجه، ولا يجب مسح الرسغ لأنه ليس من أعضاء التيمم
مسألة: النية شرط في صحة التيمم. وقال الأوزاعي، والحسن بن حي ليست
شرطا. لنا إجماع علماء الإسلام فإن خلاف المذكورين منقرض. وما روي عن
عمر عن النبي صلى الله عليه وآله " إنما الأعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى " (1) وعن الرضا عليه السلام
" لا قول إلا بعمل ولا عمل إلا بنية ولا نية إلا بإصابة السنة " (2) والنية هي القصد بالقلب
إلى التيمم لاستباحة الصلاة لقوله تعالى * (فتيمموا صعيدا) * (3) أي اقصدوا، والقصد
النية بالقلب، وكما أن الطهارة بالماء يقصد بها الصلاة فكذا التيمم، لأنه معطوف
عليه بالواو المقتضية للتشريك.
ويجب أن ينويه لله أي طاعة وامتثالا لقوله تعالى * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين) * (4) ولا يتحقق الإخلاص من دون نية التقرب والامتثال. ويجب استدامة
حكمها حتى يفرغ من التيمم، لأن الدليل دل على وجوبها، فلو وجب استصحابها
لشق أو تعذر فاقتصر على استدامة الحكم دفعا للحرج، ليست التسمية شرطا فيه
خلافا لأهل الظاهر والبحث فيه كما قلنا في الطهارة المائية.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 215.
2) الوسائل ج 1 أبواب مقدمة العبادات باب 5 ح 2 (نقل صاحب الوسائل عن
تهذيب الشيخ).
3) سورة المائدة: 6.
4) سورة البينة: 5.
390

فروع
الأول: إذا نوى استباحة فريضة مطلقة أو معينة صلى به ما شاء فرضا ونفلا،
وكذا لو نوى صلاة مطلقة، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي لا يصلي به إلا نافلة
لقوله عليه السلام " إنما الأعمال بالنيات [ولكل امرء] وإنما لامرء ما نوى " (1) وهذا لم
ينو الفرض فلا يكون عمل له.
لنا أنه يكفي فيه نية استباحة الصلاة فلا يشترط ما زاد لقوله تعالى * (إذا قمتم
إلى الصلاة) * (2) ثم عطف آية التيمم فيجزي الدخول في كل صلاة كالطهارة
بالماء، ولأنه نوى الجنس الذي يشتمل الفرض والنفل، وكذا لو نوى النافلة لأنها
صلاة يشترط في استباحتها التيمم والواجبة مشاركة في هذا المعنى فالمقتضي لاستباحة
النافلة مقتض لاستباحة الفريضة، وبهذا يتخرج جواب ما احتجوا به.
الثاني: إذا صح تيممه استباح كل ما يستبيحه المتطهر مما الطهارة شرط
فيه. وقال الشافعي إن نوى النافلة استباح قراءة القرآن، ومس المصحف، والطواف،
لأن النافلة آكد من ذلك كله فيدخل الأدنى في الأعلى. ولو نوى شيئا من ذلك لم
يستبيح النافلة، وبما قلناه قال الشيخ في المبسوط والخلاف.
الثالث: الصبي إذا تيمم للنافلة ثم بلغ جاز أن يستبيح الفريضة، لأن النافلة
مشروط بالطهارة الرافعة للمنع وهو متحقق مع نية النفل فجرى ذلك مجرى التيمم
للبول والغائط.
الرابع: لو نسي الجنابة فتيمم للحدث، فإن قلنا بالضربة الواحدة فيهما أجزاه
لأن الطهارتين واحدة، وإن قلنا بالتفصيل لم يجزه. وقال الشيخ في الخلاف: الذي

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 215.
2) سورة المائدة: 6.
391

يقتضيه المذهب أنه لا يجوز لأنه يشترط أن ينويه بدلا من الوضوء أو بدلا من الجنابة
ولم ينو ذلك.
مسألة: من كان عذره عدم الماء لم يتيمم إلا بعد الطلب مع سعة الوقت
ورجاء الإصابة والأمن، وهو مذهب فقهائنا، واختار الشافعي. وقال أبو حنيفة
لا يجب إلا مع العلم بالإصابة، أو ظن الإصابة لأمارة. وفي رواية علي بن أسباط
عن علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئر " (1)
وحملها الشيخ على الخوف، وهو تأويل بعيد، لكن الراوي علي بن أسباط وهو
ضعيف فتكون الرواية ساقطة.
لنا قوله تعالى * (فلم تجدوا ماءا فتيمموا) * (2) وعدم الوجود لا يتحقق مع
إمكانه إذ من الممكن أن يكون الماء قريبا فيكون الطلب وسيلة إليه.
ويؤيد ما روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال: " يطلب الماء
في السفر إن كانت الحزونة غلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك " (3).
ورواية زرارة عن أحدهما قال: " فليطلب ما دام في الوقت فإذا خشي أن يفوته الوقت
فليتيمم وليصل في آخر الوقت " (4).
فروع
الأول: قال المفيد في المقنعة: يطلب أمامه ويمينه وشماله في كل جهة غلوة
سهم في الحزنة أو غلوتين في السهلة لا يطلب أكثر من ذلك. وقال الشيخ في المبسوط:

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 2 ح 3.
2) سورة النساء: 43.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 1 ح 1.
392

يطلب في رحله ويمينه وسائر جوانبه برمية سهم أو سهمين إذا لم يكن خوف والتقدير بالغلوة والغلوتين، رواية
السكوني، وهو ضعيف، غير أن الجماعة عملوا بها.
والوجه أنه يطلب من كل جهة يرجى فيها الإصابة ولا يكلف التباعد بما يشق.
ورواية زرارة تدل على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات وهو
حسن، والرواية به واضحة السند والمعنى.
الثاني: لو طلب قبل الوقت لم يعتد بطلبه وأعاده ولو طلب بعد دخول الوقت
اجتزأ به، وهذا الفرع يصح لو قلنا الطلب مقدر المسافة كما هي رواية السكوني،
وعلى ظاهر الرواية الثانية يطلب دائما ما أمل الإصابة في الوقت.
الثالث: لو تيقن عدم الإصابة سقط الطلب لعدم ثمرته.
الرابع: قال الشيخ في المبسوط والخلاف: لو أخل بالطلب لم يصح تيممه
ويلزم على قوله لو تيمم وصلى أن يعيد، وفيه إشكال لأن مع ضيق الوقت يسقط الطلب
ويتحتم التيمم فيكون مجزيا وإن أخل بالطلب وقت السعة، لأنه يكون مؤديا فرضه
بطهارة صحيحة وصلاة مأمور بها وأبلغ منه من كان معه ماء فوهبه أو أراقه.
الخامس: إذا تيمم ثم طلع عليه ركب لم يجب عليه السؤال ولا استدلالهم
على الماء، وقال الشافعي يجب. لنا أنه وقت تضيق فيه الصلاة فيسقط الطلب.
مسئلة: الترتيب شرط في التيمم قاله الشيخان في المبسوط والنهاية والخلاف
والمقنعة، وعلم الهدى، وصورته أن يبدأ بوجهه ثم بيمناه ثم بيسراه وقال الشافعي
وأحمد يجب ترتيب الوجه على اليدين، وأسقط اشتراطه أبو حنيفة.
لنا أن النبي صلى الله عليه وآله مسح مرتبا في مقابلة الأمر المطلق فيكون واجبا. وقال علم
الهدى: كل من أوجب الترتيب في المائية أوجبه هنا، فالتفرقة منفية بالإجماع، وقد
ثبت وجوبه هناك فيثبت هنا.
393

فرع
لو أخل بلمعة وكانت من وجهه مسح عليها، ثم على اليدين تحصيلا للترتيب
وكذا لو كانت على يده اليمنى مسح عليها ثم على اليسرى.
مسألة: الموالاة واجبة في التيمم، قاله الشيخ. وخالف منه الشافعي، وأبو
حنيفة، ومالك. وعن أصحاب أحمد روايتان، لأن الواو لا يقتضي ترتيبا. لنا أنا بينا
اختصاصه بآخر الوقت فتكون الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة في الوقت
وعلى القول بالسعة يحتج بفعل النبي صلى الله عليه وآله، فإنه تابع بين أعضائه مبنيا عند السؤال
فيكون تلك الكيفية لازمة، ويرجع في قدر الموالاة إلى العادة.
فرع
لو كان على يده نجاسة فتيمم قبل إزالتها. قال في الخلاف: يصح. والوجه
المنع كما قال في النهاية، لأن التيمم لا يصح قبل التضييق فلو تيمم قبل الإزالة فات
شرطه.
مسألة: التيمم لا يرفع الحدث، وهو مذهب العلماء كافة. وقيل يرفع.
واختلف في نسبة هذا القول، فقوم يسندونه إلى أبي حنيفة، وآخرون إلى مالك.
لنا الإجماع، فإن الحكاية المذكورة لا يقدح فيه. وقال ابن عبد البر من
أصحاب الحديث منهم: أجمع العماء على أن طهارة التيمم لا ترفع الحدث، ولأن
المتيمم يجب عليه الطهارة عند وجود الماء بحسب الحدث السابق، فلو لم يكن
الحدث السابق باقيا لكان وجوب الطهارة بوجود الماء إذ لا وجه غيره، ووجود الماء
ليس حدثا بالإجماع، ولأنه لو كان حدثا لوجب استواء المتيممين في موجبه ضرورة
استوائهم فيه، لكن هذا باطل لأن المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ، ولأن النبي
394

صلى الله عليه وآله قال لعمرو بن العاص: " صليت بأصحابك وأنت جنب " فقال " خشيت أن أهلك " (1)
فلو ارتفع بالتيمم لما سماه جنبا كما لا يسمى بذلك بعد الغسل.
فرع
لو تيمم ونوى رفع الحدث لم يستبيح به الصلاة، لأن النية تابعة للمشروع
وحيث لا مشروعية فلا نية. قال الشيخ في الخلاف: لو تيمم المجنب ثم أحدث
ووجد ماءا لوضوءه تيمم بدلا من الغسل، وبه قال مالك، والثوري. وقال علم الهدى
في شرح الرسالة: يتوضأ بالماء لأنه متمكن من الماء فلا يصح التيمم، ومثله قال
أبو حنيفة.
لنا أن التيمم لا يرفع الحدث فتكون الجنابة باقية والاستباحة زالت بالحدث
الأصغر فيجب التيمم للجنابة السابقة، وكذا لو تيمم الجنب ثم أحدث أعاد التيمم
بدلا من الغسل لا من الوضوء، لأن حدثه باق والاستباحة زالت بالحدث.
الفصل الرابع: في أحكامه.
مسألة: كل موضع حكمنا فيه بصحة التيمم والصلاة لا يوجب قضائها مع
وجود الماء. قال الشيخ في الخلاف: وهو مذهب جميع الفقهاء إلا طاوس.
لنا الإجماع، فإن خلاف طاوس منقرض، ولأنه صلى صلاة مأمورا بها،
والأمر يقتضي الإجزاء. وقول النبي صلى الله عليه وآله " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما
أدركتني الصلاة تيممت وصليت " (2). وقوله عليه السلام " التراب طهور المسلم " (3).

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 225 (مع تفاوت يسير).
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222 ومسند أحمد ج 2 ص 222.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 212 بهذا المعنى.
395

وروى عبد الله بن سنان قال سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول " إذا لم يجد الرجل
طهورا أو كان جنبا فليمسح من الأرض، وليصل فإذا وجد الماء فليغتسل فقد أجزأته
صلاته التي صلى " (1). ولو قلنا بالتوسعة فتيمم وصلى ثم وجد الماء والوقت باق
ففي الإعادة روايتان: إحديهما: الإجزاء، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك
وأحمد. وهو الأقوى. والثانية: يعيد، وهو مذهب عطاء، وزهري، وربيعة.
لنا ما روي عن أبي سعيد أن رجلين تيمما فوجدا الماء وصليا في الوقت فأعاد
أحدهما وسألا النبي صلى الله عليه وآله قال لمن لم يعد: " أصبت السنة وأجزاك صلاتك وللآخر
لك الأجر مرتين " (2). وروى يعقوب بن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم
فصلى فأصاب بعد صلاته ماءا قال: " إن وجده قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد وإن
مضى الوقت فلا إعادة " (3).
والأخرى رواية معاوية بن ميسرة وغيره في الرجل يصلي ثم يأتي الماء وعليه
شئ من الوقت أيمضي على صلاته أو يعيد قال: " يمضي على صلاته فإن رب الماء
رب التراب " (4).
وهنا مسئلتان:
الأولى: من أجنب نفسه مختارا، قال الشيخان في الخلاف والمقنعة: لم
يجزله التيمم وإن خاف التلف أو الزيادة في المرض. وقال في المبسوط: إذا خاف
تيمم وصلى، وكذا قال في التهذيب، وهو أولى لقوله تعالى * (ولا تلقوا بأيديكم إلى

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 7.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 231.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 8.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 13.
396

التهلكة) * (1) وقوله تعالى * (ولا تقتلوا أنفسكم) * (2) وقوله تعالى * (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) * (3).
ولما روي أن أبا ذر قال هلكت يا رسول الله جامعت على غير ماء فأمر النبي صلى الله عليه وآله
بماء فاغتسل ثم قال " يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين " (4). وهذا نص بالجواز،
وذلك يشعر بالكراهية لأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينكر، ولأن الجماع على هذا التقدير غير
محرم إجماعا، فلا يترتب على فاعله عقوبة.
واستدل الشيخ في الخلاف برواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام في
رجل تخوف إن اغتسل فيصيبه عنت. قال: " يغتسل وإن أصابه ما أصابه " (5) وبرواية
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة في ليلة باردة قال:
" اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل " (6).
فالجواب أنهما ليستا صريحتان في الدلالة لأن العنت المشقة وليس كل مشقة
تلفا. وقوله (على ما كان) ليس حجة في موضع النزاع، وإن دل بإطلاقه، فدفع
الضرر المظنون واجب عقلا لا يرتفع بإطلاق الرواية، ولا يخص بها عموم نفي الحرج
ثم هاتان الروايتان معارضتان بروايات منها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال:
" لا يغتسل ويتيمم " (7). وعن البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام مثله وهاتان أرجح لوجوه:

1) سورة البقرة: 195.
2) سورة النساء: 29.
3) سورة الحج: 78.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 12.
5) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 3.
6) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 4.
7) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 5 ح 8.
397

أحدهما: أنهما أيسر واليسر مراد الله.
الثانية: أنهما ناصتان على موضع النزاع، والأولتان مطلقتان، لأن قوله (لا بد
من الغسل) أو (اغتسل على مكان) يحتمل أن يكون لا مع الخوف على النفس،
وهاتان متناولتان لموضع النزاع وكانتا أولى.
الثالثة: إن مع العمل بهاتين يمكن العمل بالأوليين على الاستحباب كما ذهب
إليه الشيخ في التهذيب، فإن احتج برواية محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم رفعه
قال: " إن أجنب نفسه مختارا فعليه أن يغتسل على ما كان وأن احتلم تيمم " (1) وبرواية
أحمد بن محمد عن علي بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن أجنب هو
فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم " (2) فالجواب من وجهين:
الأول: أنهما مقطوعتان فلا يترك بهما المسند.
الثاني: أنهما لم يتضمنا موضع النزاع، لجواز أن يكون لا مع الخوف على
النفس وروايتنا تتناول الجواز عند الخوف على النفس فيكون أخص دلالة، والعمل
بها أولى، وإذا ثبت ذلك فهل يقضي هذه الصلاة قال الشيخ في المبسوط والنهاية:
نعم.
ولعله استناد إلى رواية جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد الله وقد رواها
جعفر بن بشير بطريق آخر عن عبد الله بن سنان أو غيره عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال: " تيمم فإذا أمن
البرد اغتسل وأعاد الصلاة " (3).
وطعن الشيخ في هاتين الروايتين بأن الأصل فيهما جعفر بن بشير تارة يقول
.

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 17 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 16 ح 1.
398

عمن رواه وتارة يقول عن عبد الله بن سنان وغيره، وهو شاك وما يجري هذا
المجرى لا يعمل به. والوجه عندي أنه لا إعادة لأن التيمم عند الخوف على النفس
أما أن يكون مبيحا للصلاة، وأما أن لا يكون. فإن كان مبيحا سقط القضاء، لأنه
أتى بصلاة مستكملة الشرائط، وإن لم يكن مبيحا لم يجب الأداء. فالقول بوجوب
الأداء مع وجوب القضاء مما لا يجتمعان لكن الأداء واجب فالقضاء غير واجب.
الثانية: من أحدث في الجامع يوم الجمعة ومنعه الزحام عن الخروج،
تيمم وصلى، لأن وقت الجمعة ضيق والتقدير عدم التمكن من الخروج ومن الماء
فيجزيه التيمم، لقوله عليه السلام " التراب كافيك ما لم تجد الماء " (1). وهل يعيد، الوجه
لا لقوله عليه السلام " أينما أدركتني الصلاة صليت " (2)، ولأنه صلى صلاة مأمورا بها
مستجمعة الشرائط حال أدائها فتكون مجزية.
وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط: يعيد، وكذا قال ابن الجنيد. وربما
يكون تعويله على رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام سئل عن رجل
يكون في الزحام يوم الجمعة، أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد لكثرة
الناس قال: " يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف " (3). والرواية ضعيفة، قال
أبو جعفر بن بابويه: لا أعمل بما يتفرد به السكوني.
مسألة: المتيمم إذا وجد الماء قبل شروعه في الصلاة تطهر، وهو إجماع
أهل العلم لقوله عليه السلام: " إذا وجدت الماء فأمسه جسدك " (4). ولو كان بعد فراغه من
الصلاة لم يعد وقد سلف تحريره وهو وفاق أيضا. ولو كان في أثناء الصلاة فللشيخ
قولان:

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 114 - في الهامش.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 222، ومسند أحمد ج 2 ص 222.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 15 ح 1.
4) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 220.
399

أحدهما: يرجع ما لم يركع، وكذا قال ابن الجنيد، وعلم الهدى. وقال
سلار ما لم يدخل في صلاة وقراءة.
والقول الآخر: يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام وهو قول علم
الهدى في شرح الرسالة، والمفيد في المقنعة، وقول الشافعي، وقال أبو حنيفة يبطل
صلاته مطلقا إلا في صلاة العيدين أو الجنازة أو وجد سؤر الحمار.
لنا قوله عليه السلام " إن الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فلا ينصرف أحدكم
من الصلاة حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا " (1) ولأن التيمم بدل من الماء عند الإعواز
وقد تحقق متصلا بالمقصود فيسقط اعتبار المبدل كما لا عبرة بوجود الطول بعد نكاح
الأمة لا يقال لو صح ما ذكرتموه لما بطل قبل الشروع لأنا نقول قبل الشروع لم
يتصل بالمقصود وهي الصلاة وليس كذلك بعده.
ويؤيد ذلك قوله تعالى * (ولا تبطلوا أعمالكم) * (2). لا يقال الصلاة تبطل
بوجود الماء، لأنا نمنع ذلك هيهنا لما يلزم من إبطال العبادة المقصودة بالقصد
الأول، وتحتج أيضا بما رواه محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: رجل
تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين
يدخل في الصلاة قال: " يمضي في الصلاة " (3).
فإن احتج الشيخ بالروايات الدالة على الرجوع ما لم يركع. فالجواب عنه
إن أصلها عبد الله بن عاصم، فهي في التحقيق رواية واحدة، وتعارضها روايتنا، وهي
أرجح من جوه:
أحدها: إن محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم،

1) بمعناه يوجد في مسند أحمد ج 2 ص 330.
2) سوره محمد: 33.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 21 ح 3.
400

والأعدل مقدم.
الثاني: أنها أخف وأيسر واليسر مراد الله تعالى.
الثالث: إن مع العمل بروايتنا يمكن العمل بروايته أيضا بأن تنزلها على
الاستحباب، ومع العمل بروايته لا يمكن العمل روايتنا. فتكون روايتنا أرجح.
فروع
الأول: لو رأى الماء وهو في الصلاة ثم فقده قبل فراغه. قال الشيخ:
ينتقض تيممه في حق الصلاة المستأنفة. ولو قيل لا يبطل تيممه لكان قويا، لأن
وجدان الماء لا يبطل التيمم ما لم يتمكن من استعماله، والاستعمال هنا ممنوع منه
شرعا ضرورة وجوب المضي في صلاته، لأنا نتكلم على هذا التقدير فلا يكون
الاستعمال ممكنا فلا ينتقض التيمم.
الثاني: إذا تيمم فرأى سرابا فظنه ماء. قال الشافعي بطل تيممه لأن الطلب
واجب وقد أمكن. ويقوى أنه لا يبطل، أما على القول بالتضييق فظاهر لأنه وقت
يتحتم فيه الأخذ في الصلاة فلا يتسع للطلب، وأما على القول بالسعة فلأن التيمم
لا يبطل إلا بحدث أو التمكن من استعمال الماء والكل منتف.
الثالث: إذا تيمم الميت ثم وجد الماء انتقض تيممه، ويغسل والمصلي على
ذلك الميت هل يقطع صلاته؟ الوجه لا، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا فلم
يجز إبطالها وإن بطل غسل الميت وفيه احتمال آخر لأن الغسل مرتب على الصلاة
وإذا بطل الغسل كان كمن لم يغسل فتعين استيناف الصلاة بعد الغسل.
مسألة: لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية، ووجود الماء مع التمكن
من استعماله، وهو مذهب أهل العلم. وقال أحمد: ينقضه خروج وقت الصلاة لأنها
طهارة ضرورية فتقيد بالوقت كطهارة المستحاضة.
401

لنا قوله عليه السلام " يا أبا ذر الصعيد كافيك إلى عشر سنين " (1). ومن طريق
الأصحاب ما رواه حريز قلت لأبي جعفر عليه السلام: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل
والنهار كلها؟ قال: " نعم ما لم يحدث أو يصيب ماءا " (2).
والجواب عما ذكرناه إنا نسلم أنها طهارة ضرورية، لكن لا نسلم أنه يلزم
من ذلك تقديرها بالوقت. وقياسه على المستحاضة ضعيف، لأن دم الاستحاضة
حدث يتجدد حالا ومن شأن الحدث النقض، ولا كذا الاستباحة بالتيمم لأنه لم يتعقبها
ناقض.
فرع
يجوز أن يستبيح بالتيمم ما زاد على الصلاة الواحدة من الفرائض والنوافل
أداءا وقضاءا، وهو مذهب علمائنا أجمع، وقول أبي حنيفة. وقال الشافعي لا يستبيح
أكثر من فريضة واحدة، ويستبيح معها من النوافل ما شاء، قال: لأنها طهارة ضرورية
ولا يستباح بها إلا صلاة واحدة كالمستحاضة، وبما روي عن ابن عمرو عن علي
قالا: " تيمم لكل صلاة " (3).
لنا أن مع الإتيان بالفريضة الواحدة، أما أن تبقى الاستباحة، وأما أن تزول.
ويلزم من الأول جواز الإتيان بثانية. ومن الثاني المنع من صلاة النافلة لكن الثاني
باطل إجماعا، فتعين الأول. ويؤيد ما ذكرناه رواية أبي ذر وهي نص في موضع
الخلاف.
ومن طريق الأصحاب ما رواه حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام ورواية
.

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 14 ح 12.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 1.
3) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 221.
402

السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه قال: " لا بأس أن يصلي صلاة الليل والنهار
بتيمم واحد ما لم يحدث أو يصيب الماء " (1) وفي رواية أبي همام عن الرضا عليه السلام
تارة وعن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام تارة قال:
" لا يستبيح المتيمم إلا صلاة واحدة " (2). وقد ضعف هذه الرواية الشيخ في التهذيب
على أنها لو صحت أمكن حملها على الاستحباب.
والجواب عما ذكره الشافعي عن علي عليه السلام وعن ابن عمر أنه يحمل قولهما
على الاستحباب توفيقا بين الروايات، هذا على تقدير صحة النقل. وأما قياسه،
فضعيف، لأن المستحاضة حدثها متجدد فجاز أن يمنع عما زاد على الصلاة الواجدة
ولا كذلك المتيمم لأنه لم يتعقبه حدث.
مسألة: لا يشترط الطهارة في صلاة الجنازة، وهو مذهب فقهائنا، وبه قال
ابن جرير الطبري والشعبي، واشترط ذلك الباقون لقوله عليه السلام لا صلاة إلا بطهور.
لنا إن دعاء وتحميد وتكبير فلا يشترط فيها الطهارة كسائر الأدعية وإطلاق
الصلاة عليها إنما هو بحسب الوضع اللغوي وسنبين أنها لا يتضمن قراءة ولا تسليما
ويؤيد ذلك ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الجنازة
أصلي عليها على غير وضوء فقال: " نعم إنما هو تسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر
في بيتك بغير وضوء " (3).
وجواب ما استدلوا، أنا لا نسلم تناوله لموضع النزاع، وهذا لأن الصلاة
لفظ مشترك، بين ذات الركوع، والسجود، والدعاء المحض، ضرورة قوله تعالى
* (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * (4) وقوله: " إن الله وملائكته يصلون على

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 20 ح 6.
3) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 3.
4) سورة التوبة: 103.
403

النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه " (1).
ولم يرد في هذه المواطن إلا الدعاء، واللفظ المشترك لا يحمل على معنييه
فتعين أراد أحدهما، وذات الركوع مرادة من هذا اللفظ فلا يراد الدعاء، ولأن
الإجماع على أن الدعاء المحض لا يشترط فيه الطهارة، لكن يستحب، فاستحال
إرادة الأمرين، لا يقال: لم لا يكون اللفظ واقعا عليهما بالتواطي، لأنا نقول:
المتواطئ هو في الواقع على شئ مشترك في مسماه، والصلاة ليست واقعة على
ذات الركوع، باعتبار الدعاء، بل هو اسم بجملتها، حتى لو خلت من دعاء أصلا
لكانت صلاة، لكن الأفضل عندنا الطهارة.
قال الشيخ في الخلاف: " يجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء "
وأطلق وقال ابن الجنيد " ولا بأس بالتيمم في المصير للجنازة إذا خاف فوتها "
وقال ابن بابويه: " وفي خبر تيمم لها إن أحب " (2) وقال أبو حنيفة " مع اشتراط
الطهارة لها، يجوز التيمم، مع وجود الماء، إذا خشي فوات الصلاة، كما لو اشتغل
بالطهارة المائية، وكذا صلاة العيد " ومنع ذلك الشافعي، ولم يجز التيمم مع
وجود الماء لقوله تعالى: * (فإن لم تجدوا ماءا فتيمموا) * (3) فلا يكون التيمم
طهارة، مع وجوده.
واحتج أبو حنيفة: " بأن صلاة الجنازة، والعيد، لا يقضيان، والطهارة لا يراد
لنفسها، بل للصلاة، وبتقدير الفوات يسقط اعتبار الطهارة، لأنه لا ثمرة لها، فيستدرك
الصلاة بالتيمم، ولا كذلك صلاة الجمعة، لو خشي الفوات بالطهارة لها، وصلاة
الفريضة، لأن الجمعة تقضى ظهرا، والفريضة يؤدي ما يدرك منها في الوقت، ويقضي

1) سورة الأحزاب: 56.
2) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 4.
3) سورة النساء: 43 (فلم توجدوا ماءا فتيمموا).
404

الباقي، فيحصل للطهارة ثمرة، على هذا التقدير ".
احتج الشيخ: بإجماع الفرقة، وبما رواه زرعة عن سماعة، قال: " سألته عن
رجل مرت به الجنازة، وهو على غير طهر، قال " يضرب يديه على حائط لبن
فيتيمم " (1) وفيما ذكره الشيخ إشكال.
أما الإجماع: فلا نعلمه، كما علمه، وأما الرواية: فضعيفة، من وجهين:
أحدهما: إن زرعة، وسماعة، واقفيان، والثاني إن المسؤول في الرواية مجهول،
فإذا التمسك باشتراط عدم الماء في جواز التيمم أصل، ولأن الرواية ليست صريحة
في الجواز مع وجود الماء، لكن لو قيل: إذا فاجأته الجنازة، وخشي فوتها مع
الطهارة، تيمم لها كان حسنا، لأن الطهارة لما لم يكن شرطا، وكان التيمم أحد
الطهورين، فمع خوف الفوت، لا بأس بالتيمم، لأن حال المتيمم أقرب إلى شبه
المتطهرين من المتخلي منه.
مسألة: إذا اجتمع ميت، ومحدث، وجنب، ومعهم ما يكفي أحدهم،
فالأشهر من الروايتين، اختصاص الجنب بالماء. وقال الشيخ في الخلاف: " وإن
كان الماء لأحدهم فهو أحق به، وإن لم يكن لواحد بعينه تخيروا في التخصيص،
وكذا قال في الجنب، وميت، وحائض، وفي جنب ومحدث ".
واستدل الشيخ: بأنها فروض اجتمعت، وليس بعضها أولى من بعض فتعين
التخيير، وأيضا الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح، فيحمل على التخيير، روى
الحسن التفليسي ويقال (الأرمني) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن القوم، يكونون
في السفر، فيموت منهم ميت، وبعضهم جنب، ومعهم ما يكفي أحدهم، أيهم يبدأ
به؟ قال: يغتسل الجنب، ويترك الميت " (2).

1) الوسائل ج 2 أبواب صلاة الجنازة باب 21 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 4.
405

وفي رواية محمد بن علي عليه السلام عن بعض أصحابنا قلت: " الجنب والميت
يتفقان، ولا يكون الماء إلا بقدر كفاية أحدهما، أيهما أولى؟ قال: يتيمم الجنب ويغسل
الميت " (1).
وعندي: إن رواية التفليسي، أرجح بتقدير، إلا يكون الماء لأحدهم، لأنها
متصلة، والعامل بها من الأصحاب كثير، والأخرى مقطوعة، والذي ذكر الشيخ
رحمه الله، ليس موضع البحث، فإنا لا نخالف أن لهم الخيرة، لكن البحث في
الأولى أولوية لا يبلغ اللزوم، ولا ينافي التخيير، ولو قيل: المحدث لم يجز له ذكر،
قلنا: تخصيص الجنب بالماء، يدل على أن المحدث يتيمم.
فروع
الأول: هل يجوز لمالك الماء، أن يبذله لغيره، مع وجوب الصلاة؟ الوجه
لا، لأن الطهارة تعينت عليه، وهو متمكن من الماء، والعدول إلى التيمم مشروط
بالتعذر، والتقدير عدمه، ويؤيد ذلك، رواية وهيب بن حفص، عن أبي بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام " في قوم كانوا في سفر، وأصاب أحدهم جنابة، وليس معهم
إلا ما يكفي الجنب، أيتوضؤن أم يعطونه الجنب؟ فقال: يتوضؤن هم ويتيمم الجنب " (2)
وذكر النجاشي: إن وهيب بن حفص كان واقفيا، لكنه ثقة.
الثاني: لو كان مع غيرهم، والتمس الأولى، أو أوصى موص بتسليمه إلى
الأولى، فقد قلنا: الجنب أولى، لأنه يريد استباحة الصلاة، وطهارة بدنه، وللميت
أحد القسمين، ولأنه متعبد بالغسل، والميت سقط تعبده.
ويؤيد ذلك: رواية الحسن التفليسي المذكورة، وعلى قول الشيخ لا أولوية

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 18 ح 2.
406

ولو قيل: الجنب تستدرك طهارته، والميت لا استدراك لطهارته، قلنا: المراد بطهارة
الميت تنظيفه، لا غير، والتيمم مطهر مع العدم.
الثالث: إن كان إذا استعمله أحدهما، أمكن للآخر جمعه واستعماله، فالمحدث
أولى لجواز استعمال ما في رفع الحدث، ولا كذا غسل الجنب بل هو أما غير
مطهر، ومكروه، فيبدأ بالمحدث، ثم يغتسل به الجنب.
الرابعة: إذا كان الماء مباحا، فالسابق أحق به، وإن توافوا دفعة، فهم شركاء
وقد مر بحث الشركة، ولو تمانعوا فالمانع آثم، ويملكه القاهر لأنه سابق عليه.
مسألة: من صلى بتيمم، فأحدث في أثناء الصلاة، ووجد الماء، روى محمد
ابن مسلم: عن أحدهما " أنه يخرج ثم يتوضأ، ويبني على ما مضى من صلاته التي
صلى بالتيمم " (1). وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة، وأصلها محمد
ابن مسلم، وفيها إشكال، من حيث إن الحدث يبطل الطهارة، ويبطل ببطلانها الصلاة
واضطر الشيخان بعد تسليمها، إلى تنزيلها على المحدث سهوا.
والذي قالاه حسن لأن الإجماع على أن الحدث عمدا، يبطل الصلاة فيخرج
من إطلاق الرواية، ويتعين حمله على غير صورة العمد، لأن الإجماع لا يصادمه
الرواية، ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها رواية مشهورة
ويؤيدها إن الواقع من الصلاة وقع مشروعا مع بقاء الحدث فلا يبطل بزوال
الاستباحة، كصلاة المبطون إذا فجئه الحدث، ولا يلزم مثل ذلك في المصلي بطهارة
مائية، لأن الحدث مرتفع، فالحدث المتجدد رافع لطهارته فيبطل لزوال الطهارة.
زيادات
مسألة: يجوز التيمم لكل من وجب عليه الغسل، إذا عدم الماء، وكذا كل

1) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 21 ح 4 بهذا المعنى.
407

من وجب عليه الوضوء، وهو إجماع علماء الإسلام، إلا ما حكى عن عمرو بن
مسعود: أنهما منعا الجنب من التيمم.
لنا إجماع علماء الإسلام، فإن خلاف المذكورين قد انقرض، وما روي عمران
ابن حصين: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا لم يصل مع القوم، فقال: ما منعك؟
قال أصابتني جنابة، ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك " (1). وما روي أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: " يا رسول الله إنا نكون بالرمل الأشهر، فتصيبنا الجنابة،
والحيض، والنفاس، ولا نجد الماء فقال: عليكم بالأرض " (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تيمم
الجنب، والحائض، قال: " سواء، إذا لم يجد ماءا " (3) ومن وجب عليه الغسل،
والوضوء، لا يجزيه تيمم واحد إن شرطنا الضربتين في الغسل، فإن اجتزينا بالضربة
ففيه تردد وجه الاجتزاء، أن الغسل كالوضوء، في صورة التيمم فصار كما لو بال
وتغوط، فإنه يجزي بالمرة، ووجه الافتقار إلى تيممين اختلاف النية، فإنه يفتقر
إلى نية أنه بدل عن الوضوء، والآخر أنه بدل عن الغسل، ولا يجتمع النيتان.
مسألة: المرتد لا يبطل تيممه بردته، ولو رجع إلى الإسلام صلى بتيممه
الأول، ما لم يحدث ناقضا، أو يتمكن من استعمال الماء، كما قلناه في الطهارة
المائية، لأن نقض الطهارة موقوف على الدلالة، وحيث لا دلالة فلا نقض.
مسألة: الجراح، والدماميل، وموضع الكسر، ينزع ما عليها من الجبائر،
ويتطهر إن لم يخف تلفا، ولا زيادة في العلة، ولو خشي مسح عليها، ولا يعيد ما صلاه
بتلك الطهارة، وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي في الإعادة قولان: أحدهما يعيد، لأنه

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 216.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 217.
3) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 12 ح 7.
408

لم يأت بالغسل وهو شرط.
لنا أن الغسل سقط بتضمنه الجرح، ومع سقوطه لا يكون شرطا، وما روي
عن علي عليه السلام قال: " انكسرت إحدى زندي، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أمسح على
الجبائر " (1).
وما رواه الأصحاب، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الرجل يكون به القرحة في
ذراعيه، أو غير ذلك، من أعضاء الوضوء فيعصبها بالخرقة، فقال: إن كان يؤذيه الماء
فليمسح على الخرقة " (2) وعن سورة ابن كليب عنه عليه السلام في الكسير " إن كان يتخوف
على نفسه، فليمسح جبائره " (3). وأما الإعادة فمنفية بالأصل، وبأنه أدى
وظيفة وقته على الوجه المشروع فكان مجزيا.
فروع
الأول: لو وضعت الجبيرة، زائدة عن الكسر، لم يجز المسح على السليم
نعم لو اتفق وخشي من إزالتها تلفا أو زيادة في المرض، جاز المساواة الزائد موضع
الكسر، في ضرر الإزالة.
الثاني: يجب استيعاب الجبيرة بالمسح، ولا يقتصر على البعض، لأن المسح
بدل عن الغسل فكما أن الغسل يجب به الاستيعاب فكذا البدل.
الثالث: لا يشترط وضع الجبيرة على طهر، خلافا للشافعي لأن النبي صلى الله عليه وآله
أمر عليا عليه السلام بالمسح، ولم ينقل الشرط، ولأن شرعية المسح لدفع الضرر بالنزع،
فيستوي الحالان لتساوي السبب.

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 228.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 2.
3) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 8.
409

الرابع: لا توقيت للمسح، لأن شرعيته للضرورة فيستدام مع فرضها.
الخامس: لا عبرة باختلاف أصناف الجبيرة، فلو جعل على جراحة، أو قرحة
أو موضع الكسر، مرارة، أو دواءا، أو قيرا، أو مصطكيا، أو حناءا، وتضرر بالإزالة
مسح عليه، لأنه مشروع تبعا للضرورة، فيوجد معها. وروي الحسن بن علي الوشا
عن أبي الحسين عليه السلام قال: " سألته عن الدواء، إذا كان على يد الرجل، أيجزيه
أن يمسح على طلاء الدواء؟ فقال: نعم " (1).
السادس: لو كان به جرح ولا جبيرة، غسل جسده وترك الجرح، وقال
الشافعي: " يغسل الصحيح ويتيمم للجرح " وفي رواية عن أحمد بن حنبل " يمسح
الجرح ويغسل ما حوله ".
لنا: أن غسل الجرح سقط لمكان الضرر، وسقط التيمم، لئلا يجمع بين
البدل والمبدل، وما ذكره أحمد جيد، على تقدير الأمن على الجرح مع المسح،
أما لو خشي مع المسح فإنه يسقط، دفعا للضرر، ويؤيد ما ذكرناه، ما رواه عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه، قال: يغسل
ما حوله " (2) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " لا يغسله إن خشي على
نفسه ".
الركن الرابع
[في النجاسات]
مسألة: البول، والغائط، مما لا يؤكل لحمه نجس، وهو إجماع علماء أهل
الإسلام، سواء كان ذلك من الإنسان، أو غيره إذا كان ذا نفس سائلة. وفي قول

1) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 10.
2) الوسائل ج 1 أبواب الوضوء باب 39 ح 3.
410

الشافعي إلا البول من الرسول صلى الله عليه وآله فإن أم أيمن شربته فلم ينكر وأما رجيع ما لا
نفس له، كالذباب والخنافس، ففيه تردد، أشبهه أنه طاهر لأن ميتته ودمه ولعابه طاهر
فصارت فضلاته كعصارة النبات.
وفي رجيع الطير للشيخ في المبسوط قولان: أحدهما هو طاهر، وبه قال أبو
حنيفة، ولعل الشيخ استند إلى رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل شئ
يطير فلا بأس بخرؤه وبوله " (1). والآخر في الخلاف: فما أكل فذرقه طاهر وما
لا يؤكل فذرقه نجس، وبه قال أكثر الأصحاب ومحمد بن الحسن الشيباني.
لنا ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه يتناول موضع النزاع، لأن
الخرء والعذرة مترادفان ورواية أبي بصير وإن كانت حسنة لكن العامل بها من
الأصحاب قليل، ولأن الوجه المقتضي لنجاسة خرء ما لا يؤكل لحمه من الحيوان،
مقتض لنجاسة خرء ما لا يؤكل لحمه من الطير.
وفي نجاسة ذرق الخفاش وبوله روايتان، أشهرهما رواية داود الرقي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن بول الخفاش يصيب الثوب أطلبه فلا أجده قال: " اغسل
ثوبك " (2). وهذا مطابقة لما قررناه من نجاسة ذرق ما لا يؤكل لحمه وبوله.
ولو قيل داود بن كثير الرقي مطعون فيه بالغلو، قلنا هذا صحيح، لكن العمل
على الأصل الذي قررناه على أن الرواية المعارضة لها رواية غياث، وهو بتري،
فالروايتان ساقطتان، والعمل على ما قدمناه.
أما رجيع ما يؤكل لحمه وبوله، فطاهر باتفاق علمائنا، وهو مذهب أحمد،
ومالك. وقال أبو حنيفة، والشافعي: هو نجس لقوله عليه السلام " تنزهوا عن البول " (3)

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 10 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 10 ح 4.
3) بمعناه يوجد في مسند أحمد ج 1 ص 225 و 226.
411

وقال عليه السلام " ويل للأعقاب من البول وأتى بحجرين وروثة للاستنجاء فرمى الروثة
وقال رجس " (1).
لنا ما رواه البراء عن رسول الله صلى الله عليه وآله " ما أكل لحمه فلا بأس ببوله " (2).
ولأن النبي صلى الله عليه وآله أمر العرينين " بشرب ألبان إبل الصدقة وأبوالها " والنجس لا يحل
شربه، ولأنه عليه السلام طاف على راحلته وهي لا تنفك من التلطخ بالبول، فلو كان نجسا
لما عرض المسجد للنجاسة.
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن ألبان الغنم والبقر والإبل وأبوالها قال: " إن أصابك شئ منه أو ثوبا لك فلا
تغسله " (3). وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أما الشاة
وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله " (4).
وقد روى الناس إن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي في مرابض الغنم وقال " صلوا في
مرابض الغنم " (5) ولو كانت أبعارها نجسة لما باشرها في الصلاة، ولأن المسلمين
من عهد النبي صلى الله عليه وآله يستعملون البقر في دياس الغلات، ولو كان رجيعها نجسا لكانت
الحبوب كلها نجسة لاختلاط النجس بالطاهر.
وجواب حججهم إن ما ذكروه عام وما ذكرناه خاص، والترجيح للخبر الخاص.
وخبر الروثة حكاية عن واقعة لا يدل على العموم فلعلها روثة ما لا يؤكل لحمه،
ولأن الرجس ما يكره ويجتنب والروث يجتنب في الاستنجاء وقد نهى عنه فلا يكون
امتناعه عنه دليلا على موضع الخلاف. وفي ذرق الدجاج روايتان:

1) السنن البيهقي ج 1 ص 108.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 413.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 9.
5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 448.
412

إحديهما: التنجيس، وهو مذهب الشيخين في المقنعة والخلاف والنهاية
وبه قال أبو حنيفة.
والثانية: الطهارة، ما لم يكن جلالا، وهو مذهب الشيخ في التهذيب، وهو
الحق.
أما الروايتان فضعيفتان، إحديهما عن فارس قال: كتبت إليه، قال الشيخ في
كتاب الرجال: فارس بن حاتم غال ملعون وبتقدير ذلك تكون الرواية ساقطة، ولو
سلم من الطعن لم تكن المكاتبة مفيدة لليقين، وبتقدير الإفادة فالمسؤول عنه غير
معلوم. والأخرى عن وهب بن وهب، وهو ضعيف جدا مطعون فيه بالكذب،
وبتقدير سقوط الروايتين يكون المرجع إلى الأصل وهو الطهارة ما لم يكن جلالا.
ولو قيل الدجاج لا يتوقى النجاسة فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجسا، قلنا
بتقدير أن يكون ذلك محضا يكون التنجيس ثابتا، أما إذا كان يمزج علفه فإنه
يستحيل، أما عنهما أو عن أحدهما فلا يتحقق الاستحالة عن النجاسة إذ لو حكم
بغلبة النجاسة لسرى التحريم إلى لحمه، ولما حصل الإجماع على حلها مع الإرسال
بطل الحكم فغلبة النجاسة على رجيعها.
وفي أرواث الخيل والبغال والحمير، وأبوالها، قولان: أحدهما، النجاسة،
وهو اختيار الشيخ في النهاية وابن الجنيد. والآخر: الكراهة، وهو اختياره في
تهذيب الأحكام، وعليه عامة الأصحاب.
لنا ما رواه علي بن الحكم عن ابن أبي الأعز النحاس قلت لأبي عبد الله عليه السلام
إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب إحديهن برجلها
أو يدها فينتضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فقال عليه السلام: " ليس عليك شئ " (1).
ولأن لحومها حلال على كراهية فيكون رجيعها وبولها كذلك لقول أبي جعفر وأبي

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 2.
413

عبد الله " لا تغسل ثوبك من بول كل شئ يؤكل لحمه " (1). ولأن الاضطرار إليها
عام والتفصي من فضلاتها عسر فتكون طاهرة دفعا للحرج.
وقد أيد هذا الوجه قول أبي عبد الله وقد سأل عن إزالة أرواثها فقال: " هي
أكثر من ذلك " (2) يعني أن كثرتها يمنع التكليف بإزالتها. وفي رواية الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام " لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها " (3).
وقد عارض ما ذكرناه رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن أبوال الدواب والبغال والحمير فقال: " اغسله فإن لم تعلم مكانه فاغسله كله "
فخلص من هذا تطابق أخبارنا على طهارة الروث وتصادمهما على البول فيقضى
بالكراهية عملا بالروايتين، ولأن تعارض النقل يثمر الطهارة لوجهين:
أحدهما: إن الأصل الطهارة فيكون طرفها أرجح.
الثاني ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام " كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر " (5).
وبول الجلال وذرقه نجس لأن لحمه حرام حتى يزول الجلل فيكون رجيعه نجسا.
أما تحريم لحمه فسيأتي. وأما أنه إذا كان حراما كان رجيعه نجسا، فقد سلف قال
الشيخان في النهاية والمقنعة عرق الإبل الجلالة نجس يغسل منه الثوب. وقال سلار
غسله ندب، وهو مذهب من خالفنا.
وربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا تأكل
لحوم الإبل الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله " (6) واستناد سلار إلى الأصل وأنه

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 8.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 9 ح 6.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 37 ح 4.
6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 15 ح 1.
414

يجري مجرى عرق الحيوانات الطاهرة، وإن لم يؤكل لحمها كعرق السنور، والنمر،
والفهد. وتحمل الرواية على الاستحباب
قال الشيخ: عرق الجنب من الحرام حرام نجس لا يجوز الصلاة فيه، واستدل
بإجماع الفرقة وأخبارهم، وبمعناه قال المفيد في المقنعة وقال في المبسوط: يجب
غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا، فالشيخ على ما تراه متردد في دلالته،
فالقول بالطهارة أولى، وبه قال سلار. أما الحائض، والنفساء، والمستحاضة،
والجنب من الحلال فإذا خلا الثوب من عين النجاسة فلا بأس بعرقهم إجماعا.
مسألة: المني نجس من الآدمي وغيره الذكر والأنثى، وبه قال أبو حنيفة.
وفي مني ما لا نفس له تردد أشبهه الطهارة. وقال الشافعي مني الآدمي خاصة طاهر،
وفيما عداه من الحيوانات الطاهرة قولان، وعن أحمد روايتان:
لنا ما رواه عمار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إنما يغسل الثوب من المني والدم
والبول ". وعن عايشة أنه صلى الله عليه وآله قال: " إن كان رطبا فاغسليه وإن كان يابسا فافرك "
والأمر للوجوب.
ومن طريق الأصحاب ما رواه ابن أبي يعفور والحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
في المني يصيب الثوب فقال: " إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي مكانه فاغسله
كله " (1). ومثل هذا رواه الجمهور عن عمرو أنس وأبي هريرة وروى محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول " (2). ولأنه
مستحيل عن الدم، والاستحالة عند الشافعي لا تطهر.
واحتج الشافعي برواية عن عايشة كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.
415

فيصلي فيه (1). وعن ابن عباس امسحه عنك بأذخرة أو خرقة ولا تغسله إنما هو
كالبزاق [كالبصاق] (2)، ولأنه لو كان نجسا لما أجزاه الفرك، ولأنه بدء خلق آدمي
فيكون طاهرا.
والجواب: لا نسلم أن الاجتزاء بالفرك ينافي التنجيس، لجواز اختصاصه في
الإزالة بهذه الكيفية، ثم يمكن أن يفركه ويغسله وليس في لفظها تصريح بعدم غسله،
ثم يمكن أن يكون ذلك إخبارا عن فعلها وفعلها ليس حجة لجواز أن لا يعلمه النبي صلى الله عليه وآله
وخبر ابن عباس يدل على النجاسة لإيجابه إماطته ويبقى الخلاف في هذه الكيفية،
فلعلها رأي رآه فلا يجب متابعته وتشبيهه بالبزاق لا يدل على الطهارة، بل لعله أراد
التنبيه على خفة حكمه ولا يلزم من التشبيه عموم التشبيه. وقوله لو كان نجسا لما
أجزء الفرك. قلنا لو نسلم لا بد لهذا من دليل، فإن استراح إلى استقراء النجاسات
لم يعتد الاستقراء اليقين، وإن قال الماء مطهر والفرك غير مطهر، منعناه فإن طالب
بالدليل أحلناه على خبره الذي احتج به على أنا نلتزم أنه لا يجزي الفرك ونوجب
مع الفرك الغسل أو الغسل المغني عن الفرك.
أما قولهم بدو خلق آدمي فكلام حق، لكن لا يكفي حتى يقول وبدو خلق
آدمي يجب أن يكون طاهرا، فإن قاله وقاس على الطين، قلنا لم يكن الطين طاهرا
لكونه بدء خلق بل ما المانع أن يكون طهارته لا لذلك، والاتفاقيات لا تقتضي العلية
وأيضا فإن النطفة تنتقل علقة وهي عنده نجسة، ويتكون منه الآدمي، وطهارة ما يكون
أقرب إلى تصوير الآدمي أولى مما بعد، ولأن الإنسان بعد بلوغه درجة الكمال يتم
نشوءه باغتذاء الدم النجس، وبالجملة فإن العلقة تزيل متعلقهم، مع إقراره بنجاستها
فما تعلقوا به ضعيف جدا.

1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 416.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 418.
416

مسألة: المذي وهو الذي يخرج عقيب الملاعبة والملامسة، والودي بالدال
المهملة الساكنة وهو الذي يخرج عقيب البول طاهران، سواء خرجا مع شهوة أو
بغير شهوة، إذا كان رأس الإحليل طاهرا، وهو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد، فإنه
قال بنجاسة ما ينقض الوضوء، وفسره بما يخرج جاريا عقيب شهوة.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: بنجاستهما. وعن أحمد روايتان. وقال ابن بابويه
المذي ما يخرج قبل المني، والوذي ما يخرج بعده، والودي ما يخرج بعد البول
ولا يغسل الثوب من شئ من ذلك، ولا الجسد، إلا المني. وفي رواية ابن رباط
عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " المني هو الذي تسترخي له العظام ويفتر
منه الجسد وفيه الغسل، وأما المذي يخرج من الشهوة، والودي من بعد البول،
والوذي من الأدواء ولا شئ فيه " (1).
وبالجملة كيف كان ذلك فهو عندنا طاهر كالبصاق. لنا ما رواه أحمد عن ابن
عباس قال هو عندي بمنزلة البصاق. وما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال " إنما يغسل
الثوب من البول والدم والمني "، وإنما للحصر.
ومن طريق الأصحاب ما رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن
عليا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن المذي فقال " ليس بشئ " (2).
وما رواه زرارة وزيد الشحام ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن سال
من ذكرك شئ من مذي أو ودي فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا ينتقض به الوضوء
إنما ذلك بمنزلة النخامة " (3).
وما رواه محمد بن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 6.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 7.
3) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 12 ح 2.
417

قال: " ليس في المذي من الشهوة ولا من الانعاظ ولا من القبلة ولا من مس الفرج
ولا من المضاجعة وضوء ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد " (1) ولأن الأصل في الأشياء
الطهارة، والنجاسة موقوف على الدليل.
واحتج الخصم بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بغسل الذكر منه (2)، ولأنه عليه السلام قال لسهل
ابن حنيف " يجزيك منه الوضوء ". قلت فكيف بما أصاب ثوبي منه فقال: " يكفيك
أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حي ترى أنه أصاب منه " (3). والجواب إن الغسل
المأمور به على الاستحباب:
أما أولا، فلأنه لو كان نجسا لاشتهر لأنه مما يعم به البلوى فلم يكن يخفى
عن مثل ابن عباس وغيره من الصحابة ولا ينعكس علينا لأن الطهارة تستفاد من الأصل
فلا تتوقف على الدلالة فيصح نقل مخالفها لأنها معارضة الأصل.
وأما ثانيا، فلما رويتم عن سهل بن حنيف أنه اجتزأ برشه بالماء ورش الماء
يؤدي إلى تكثير النجاسة، فلو كان نجسا يوجب غسل الذكر لما اجتزأ بالرش،
ونحن فلا نمنع استحباب غسل الثوب منه تنزها وتنظيفا. ويدل على استحباب رشه
ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن المذي يصيب الثوب قال: " ينضحه
بالماء إن شاء " (4).
فروع
رطوبة فرج المرأة ورطوبة الدبر طاهرتان إذا خلتا من استصحاب نجاسة،
وكذا كل ما يخرج منهما عدا الجنابة والبول، والغائط، والدم عملا بمقتضى الأصل

1) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 9 ح 2.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 410.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 17 ح 1.
418

في الطهارة. وقال أبو حنيفة بنجاسة الجميع، وكذا الشافعي، وتردد في رطوبة
الفرج. وقد أسفلنا حجتنا.
وقولهم خرج من مجرى النجاسة، ليس بشئ، لأن النجاسة لا يظهر حكمها
إلا بعد خروجها عن المجرى، أما المجرى فلا ينجس بها.
وقولهم خارج له مقر يستحيل فيه فيكون نجسا، قياس ضعيف لأنا لا نسلم
أن له مقرا يستحيل فيه بل لم لا يكون كالدمع والعرق، سلمنا أن له مقرا يستحيل
فيه، لكن لم قلتم أن ذلك علة النجاسة والمناسبة وغلبة الظن لا تفيد اليقين بثبوت
العلية، فإن قاسوه على الغائط، قلنا الغائط يختص بمزية استقذار، وكما يجوز أن
يكون الحكم مستندا إلى المشترك يجوز أن يستند إلى الفارق أو إلى مجموعهما أو
إليهما مع ثالث.
الثاني: القئ، والقلس، والنخامة، وكل ما يخرج من المعدة إلى الفم،
أو ينزل من الرأس، طاهر عدا الدم. وقال في المبسوط: القئ طاهر. وقال بعض
أصحابنا: نجس. قال والصديد، والقيح حكمهما حكم القئ.
وعندي في الصديد تردد، أشبهه النجاسة، لأنه ماء الجرح يخالطه يسير دم،
ولو خلا من ذلك لم يكن نجسا، وخلافنا مع الشيخ يؤل إلى العبارة، لأنه يوافق
على هذا التفصيل، أما القيح فإن مازجه دم نجس بالممازج، وإن خلا من الدم كان
طاهرا.
ولا يقال هو مستحيل من الدم، لأنا نقول لا نسلم أن كل مستحيل من الدم لا
يكون طاهرا كاللحم واللبن، وحجتنا في الطهارة وجوابنا كما تقدم أما ما عدا ذلك،
كالعرق، والبصاق، والدموع فقد اتفق الجميع على طهارته من الإنسان.
الثالث: كلما قلنا هو طاهر من الإنسان أو نجس فهو من الحيوان الطاهر
المأكول اللحم كذلك، ومن الحيوان النجس كله نجس، ومن الحيوان الطاهر
419

الذي ليس بمأكول بوله، وروثه، ودمه، ومنيه نجس. أما ما عدا ذلك من فضلاته،
فالذي يقتضيه المذهب طهارتها لأنها مترشحة من بدن طاهر، ولأنا قد بينا طهارة
سؤرها فيكون لعابها طاهرا وقد سلف ذلك في أبواب المياه.
مسألة: الميتات مما له نفس سائلة نجسة وهو إجماع الناس، والخلاف في
الآدمي وعلماؤنا مطبقون على نجاسته نجاسة عينية، كغيره من ذوات الأنفس
السائلة. وقال الشافعي في الأصح عندهم، هو طاهر تكرمة له، ولأنه لو كان نجس
العين لما طهر بالغسل.
ونحن فلا نسلم أن كرامته توجب طهارته بعد الموت بل لم لا يكفي في كرامته
طهارته بالغسل، أو مجازاته بالإحسان في الآخرة ولا استبعاد في طهارة عينه بالغسل
كما لا استبعاد في طهارة عين الخمر النجسة بالانقلاب، لأن التطهر من النجاسة
يختلف بحسب دلالة الشرع كما طهرنا الجنابة بالفرك ولم يطهر العذرة ولا الدم.
مسألة: الدم كله نجس، عدا دم ما لا نفس له سائلة قليله وكثيره، وهو مذهب
علمائنا، عدا ابن الجنيد، فإنه قال: إذا كانت سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد
الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب.
لنا قوله عليه السلام: " إنما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ". وإنما
للحصر ولم ترد حصر الجواز، ولا الاستحباب، فتعين أنه أراد حصر الوجوب،
وكأنه قال لا يجب غسل الثوب إلا من هذه.
ومن طريق الأصحاب ما روى حبيب الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول في الرجل يرعف وهو على وضوء قال: " يغسل آثار الدم ويصلي " (1).
وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: الرجل يكون في ثوبه نقط الدم فينسى

1) الوسائل ج 1 أبواب واقض الوضوء باب 7 ح 7.
420

أن يغسله ويصلي قال: " يغسله ولا يعيد الصلاة " (1). وما ذهب إليه ابن الجنيد
ضعيف، لأن كثير الدم نجس وما نجس كثيره فقليله نجس.
ويؤيد ما روى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " كل الطيور يتوضأ مما تشرب منه
فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب " (2) والذي على منقاره يقصر عن
الدرهم.
فإن احتج بما روي عن عايشة أنها قالت: كان لإحدانا الدرع نرى فيه قطرة
من دم فتقصعه بريقها، وفي رواية نبله بريقها ثم تقصعه بظفرها ولو كان نجسا لكان
بله بالريق تكثيرا له لأن الريق ليس بمطهر.
ومن طريق الأصحاب ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: حككت جلدي فخرج
منه دم فقال: " إن اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلا فلا " (3).
والجواب لا نسلم دلالة ما ذكرته على موضع النزاع لأن قصعه بالظفر لا يقتضي
الاقتصار عليه، فلعلها بعد ذلك تغسله، وخلو الرواية عن ذكر الغسل لا يدل على
عدمه، وكذا قوله بلته بريقها، لأن ذلك توصل إلى إزالة ما تلجج بالثوب من عين
الدم، وكذا القول في الخبر الآخر فإن الإذن في ترك غسله، لا يدل على طهارته،
وإن جاز استصحابه في الصلاة. وأما ذكر الحمصة، فتأكيد في الأمر بالغسل
والوجوب يتعلق بالدرهم سعة على أنه مخالف لما قدره، وسيأتي تحقيق ذلك.
مسألة: دم السمك طاهر لا يجب إزالته عن الثوب والبدن تفاحش أو لم
يتفاحش، وهو مذهب علمائنا أجمع، وكذا كل دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبق
والبراغيث، وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي في الكل بالنجاسة.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 1.
2) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 4 ح 2.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 5.
421

لنا لو كان نجسا لنجس بموته الماء القليل لأنه يتفسخ فيه لكن لا ينجس الماء
فيكون طاهرا، ولأن دم السمك لو كان نجسا لوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح
كحيوان البر، لكن الإجماع على خلاف ذلك فإنه يجوز أكله بدمه.
ويؤيده من طريق الأصحاب ما رواه عبد الله بن أبي يعفور قلت: لأبي عبد الله
عليه السلام ما تقول في دم البراغيث قال: " ليس به بأس " قلت: إنه يكثر ويتفاحش قال
" وإن كثر " (1). وعن محمد بن الريان كتبت إلى الرجل هل يجري دم البق مجرى
دم البراغيث وهل يقاس على نحو هذا فوقع عليه السلام " يجوز الصلاة والطهر منه أفضل " (2).
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه أن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك
يكون في الثوب يصلي فيه الرجل (3) يعني دم السمك، ولأن التحرز من دم البق
والبراغيث متعذر فيسقط اعتبار الطهارة منه رفعا للحرج، ولأن عمل المسلمين كلهم
على الصلاة فيه واستقراء أحوال الناس تحقق ذلك إذ التخلص منه غير ممكن.
مسألة: العلقة التي يستحيل إليها نطفة الآدمي نجسة، قاله الشيخ في الخلاف
واستدل بإجماع الفرقة. لنا أنها دم حيوان له نفس فتكون نجسة، وكذا العلقة التي
توجد في بيضة الدجاج وشبهه.
مسألة: الخمر نجسة العين، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم، والشافعي وأبي
حنيفة وأكثر أهل العلم. وقال محمد بن بابويه وابن أبي عقيل منا: ليست نجسة،
وتصح الصلاة مع حصولها في الثوب وإن كانت محرمة.
لنا قوله تعالى * (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه) * (4). والآية دالة من وجهين:

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 23 ح 2.
4) سورة المائدة: 90.
422

أحدهما: إن الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة.
والثاني: أنه أمر بالاجتناب، وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب
لجميع الأنواع لأن معنى اجتنابها، كونه في جانب غير جانبها.
ويؤيد ما قلناه ما رواه الأصحاب عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ولا يصلى
في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل " (1). وروى محمد بن عيسى عن يونس
عن بعض ما رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر
فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد
صلاتك " (2). وروى عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قدح يشرب فيه الخمر قال:
" يغسل ثلاث مرات " (3) وقال " لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات ".
وقد استدل من قال بطهارتها، بما رواه الحسن بن أبي سارة قلت لأبي عبد الله
عليه السلام إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال: " لا بأس إن الثوب
لا يسكر " (4). وما رواه الحسين بن موسى الخياط قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يشرب الخمر ثم يمسحه من فيه فيصيب ثوبي قال: " لا بأس " (5).
والجواب عما احتجوا به إن مع التعارض يكون الترجيح لما طابق القرآن
أما لأن شرط العمل بالحديث مطابقة القرآن، وأما لأن اطراح ما طابقه يلزم منه
مخالفة دليلين.
ثم الوجه أن الأخبار المشار إليها من الطرفين ضعيفة، أما الأول فعن عمار بن

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 7.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 3.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 10.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 39 ح 2.
423

موسى الساباطي وهو فطحي، والثاني عن محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله
والسند طعن فيه ابن الوليد، وابن أبي سارة لا يقوى بانفراده حجة، والخبر الرابع
ليس بصريح في موضع النزاع، وما عدا هذه الأخبار مثلها في الضعف.
وما صح منها غير دال على موضع النزاع، لأن الخبر الدال على المنع مما
يقع فيه الخمر من طبيخ أو عجين يحتمل أن يكون المنع منه لا لنجاسته بل لتحريمه
فإذا مازج المحلل حرمه، كما لو وقع في القدر دهن من حيوان محرم، فإنا نمنع
منه لتحريمه لا لنجاسته. والاستدلال بالآية عليه، فيه إشكالات لكن مع اختلاف
الأصحاب والأحاديث يؤخذ بالأحوط في الدين.
والأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر، لأن المسكر خمر فيتناوله حكم
الخمر. أما أنه خمر لأن الخمر إنما سمي بذلك لكونه يخمر العقل ويستره فما ساواه
في المسمى يساويه في الاسم، ولما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي
عليه السلام قال: " إن الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها " (1)، وما
كان عاقبته الخمر فهو خمر.
وروى عطاء بن يسار عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" كل مسكر حرام وكل مسكر خمر " (2). ومثله روى نافع عن ابن عمر عن رسول
الله صلى الله عليه وآله. وفي نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردد. أما التحريم فعليه إجماع فقهائنا
ثم منهم من اتبع التحريم النجاسة.
والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان، ووقوف النجاسة
على الاشتداد، أما الفقاع فقد قال الشيخ في المبسوط، وألحق أصحابنا الفقاع بالخمر
يعني في التنجيس، وهذا انفراد للطائفة.

1) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 19 ح 1.
2) بحار الأنوار ج 63 كتاب السماء والعالم ص 487 ح 18 مع تفاوت في الراوي.
424

ويمكن أن يقال الفقاع خمر فيلحقه أحكامه، أما أنه خمر فلما ذكره علم الهدى
قال، قال أحمد: حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال: " الغبيراء التي
نهى النبي صلى الله عليه وآله عنها هي الفقاع "، قال وعن أبي هاشم الواسطي " الفقاع نبيذ
الشعير فإذا نش فهو خمر "، قال وعن يزيد بن أسلم " الغبيراء التي نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله عنها هي الأسكركة ". وعن أبي موسى أنه قال " الأسكركة خمر الحبشة ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه سليم بن جعفر قلت للرضا عليه السلام ما تقول في شرب
الفقاع فقال: " هو خمر مجهول " (1) وعن الوشاء قال: كتبت إليه يعني الرضا عليه السلام
أسأله عن الفقاع فقال: " حرام وهو خمر " (2). وعنه عن علي عليه السلام قال: " هي خمرة
استصغرها الناس " (3).
قال ابن الجنيد وتحريمه من جهة نشيشه ومن ضراوة آنائه إذا كرر فيه العمل.
لا يقال الخمر من الستر، وهو ستر العقل ولا ستر في الفقاع، لأنا نقول التسمية ثابتة
شرعا والتجوز على خلاف الأصل فيكون حقيقة في المشترك، وهو مائع حرم لنشيشه
وغليانه، وإذا أثبت أن الفقاع خمر وقد بينا حكم الخمر فاطلب حكم الفقاع هناك.
مسألة: اضطرب قول الأصحاب في الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة. فقال
علم الهدى: لا بأس بأسآر جميع حشرات الأرض وسباع ذوات الأربع إلا أن يكون
كلبا أو خنزيرا. وهذا يدل على طهارة ما عدا هذين ويدخل فيه الثعلب والأرنب
والفأرة والوزغة.
ومثله قال الشيخ في المبسوط في باب المياه. وطهارة السؤر دليل طهارة
العين. وقال في موضع من النهاية بنجاسة هذه الحيوانات. وقال في المبسوط في

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 38 ح 5.
2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 28 ح 1.
3) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 28 ح 1.
425

لباس المصلي: ولا تجوز الصلاة في الثوب الذي يكون فوق وبر الأرانب والثعالب
ولا في الذي تحت قال: وهو عندي على الكراهية، إلا أن يكون أحدهما رطبا،
لأن ما يكون يابسا لا تتعدى نجاسته إلى غيره، وهذا يدل على حكمه بالنجاسة.
وقال علم الهدى في المصباح: ولا يجوز الصلاة في جلود ما خص بالنجاسة
كالكلب والخنزير والأرنب، فقد تحقق ما قلنا من الاضطراب والكراهية أظهر.
لنا أن الطهارة هي مقتضى الأصل والنجاسة موقوفة على الدليل، ومع عدمه
تكون الطهارة ثابتة، ولأن طهارة السؤر دليل طهارة العين وقد بينا طهارة سؤر ما
عدا الكلب والخنزير في باب المياه، ولأن وقوع الزكاة عليها دليل على طهارتها
لأن نجاسة العين تمنع ظهور أثر الذكاة إجماعا. ويدل على وقوع الذكاة عليها ما
رواه علي بن راشد قلت لأبي جعفر عليه السلام الثعالب يصلى فيها فقال: " لا، ولكن يلبس
بعد الصلاة " (1) وجواز لبسها دليل على وقوع الذكاة، إذ الميتة لا يجوز استعمال
شئ منها.
فإن استدلوا على الفأرة بما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام
قال: سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب يصلي فيها قال:
" اغسل ما رأيت من أثرها وما لم تره فانضحه بالماء " (2). وعلى الثعلب بما رواه محمد
ابن عيسى عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام سألته: هل يجوز أن
يمس الثعلب والأرنب أو شئ من السباع حيا وميتا قال: " لا يضره ولكن يغسل
يده " (3).
والجواب: أما خبر الفأرة فيعارضه ما رواه الحسين بن سعيد عن علي بن

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 7 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 33 ح 2.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 34 ح 3.
426

النعمان عن سعيد الأعرج قال، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفأرة تقع في السمن أو
الزيت ثم يخرج منه حيا فقال: " لا بأس بأكله " (1) ومن البين استحالة أن ينجس
الجامد ولا ينجس المائع ولو ارتكب هذا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب.
وأما خبر الثعلب فضعيف السند، كذا ذكر ابن بابويه عن ابن الوليد قال
ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله لا يعمل به وما هذا حاله لا
يكون حجة.
وأما الوزغة فقد أجمع فقهاؤنا وأكثر علماء الجمهور أن ما لا نفس له سائلة
لا ينجس الماء بموته، وما لا ينجس بموته لا ينجس بملاقاته فإذا الأمر بالغسل هنا
أو النضح محمول على التنزه لا على الوجوب.
(أحكام النجاسات)
مسألة: كل النجاسات يجب إزالة قليلها وكثيرها عدا الدم، فإن فيه تفصيلا
سيأتي. وقال أبو حنيفة في المغلظة كالبول، والغائط، والخمر يجب إزالة ما زاد
على الدرهم، ويعفى عما دونه وفي المخففة يعفى عما لم يتفاحش، ويجب إزالة
ما تفاحش.
وقال الشافعي يجب إزالة قليل النجاسة وكثيرها عدا دم البق والبراغيث،
فإنه يراعى فيه التفاحش. وقال ابن الجنيد يجب إزالة ما كان درهما فصاعدا في
النجاسات كلها عدا المني ودم الحيض فإنه يجب إزالة قليله وكثيره.
لنا قوله تعالى * (وثيابك فطهر) * (2) والأمر للوجوب وقوله عليه السلام " تنزهوا
عن البول فإن عامة عذاب القبر منه ". ولأن طهارة البدن والثوب شرط في صحة

1) الوسائل ج 16 كتاب الأطعمة والأشربة باب 45 ح 1.
2) سورة المدثر: 4.
427

الصلاة والقليل منجس فيجب إزالته كالكثير ولأن العفو عن النجاسة مستفاد من
الدلالة، وحيث لا دلالة له فلا عفو.
ويؤيد ذلك الأحاديث الدالة على وجوب إزالة النجاسات على الإطلاق.
وأبو حنيفة قاس النجاسات تارة على الدم، وتارة على العفو عن موضع النجو والوجهان
ضعيفان.
أما الدم فقد يمكن أن يكون العفو عنه لعموم البلوى به فإن الإنسان لا يكاد
يخلو منه أما بسبب حكمه أو بثرة أو غير ذلك، ولا كذا غيره من النجاسات فلا يلزم
عن العفو فيه عما دون الدرهم العفو عن غيره، وكذا موضع النجاسة أمر يتكرر على
الإنسان، والتمكن من الماء قد لا يتفق فاقتصر فيه على الاستنجاء وعفي عن أثر النجو
تخفيفا، ولا يلزم من التخفيف هنا التخفيف في غيره لجواز أن يكون التخفيف لما
يختص به موضع النجو من التكرار وعموم الابتلاء.
مسألة: الدماء النجسة أقسام ثلاثة:
الأول: دم الحيض، قال الأصحاب يجب إزالته قليله وكثيره، وروي ذلك
عن أبي بصير قال " لا تعاد الصلاة من دم لا يبصره إلا دم الحيض فإن قليله وكثيره
في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء " (1).
لا يقال الراوي له عن أبي بصير أبو سعيد، وهو ضعيف والفتوى موقوفة على
أبي بصير، وليس قوله حجة، لأنا نقول الحجة عمل الأصحاب بمضمونه وقبولهم
له، فإن أبا جعفر بن بابويه قاله والمرتضى والشيخان وأتباعهما.
ويؤيد ذلك أن مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل الدم وكثيره عملا بالأحاديث
الدالة على إزالة الدم لقوله عليه السلام لأسماء " حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء " (2)

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 21 ح 1.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 406.
428

وما رواه سورة بن كليب عن أبي عبد الله عليه السلام عن الحائض قال: " يغسل ما أصاب
ثيابها من الدم " (1). لكن ترك العمل بذلك في بعض الدماء لوجود المعارض فلا
يجب العمل به في الباقي.
وألحق الشيخ رحمه الله به دم الاستحاضة، والنفاس، ولعله نظر إلى تغليظ
نجاسته، لأنه يوجب الغسل واختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي
الدماء فغلظ حكمه في الإزالة. وألحق بعض فقهاء قم منا دم الكلب والخنزير ولم
يعطنا العلة ولعله نظر إلى ملاقاته جسدهما ونجاسة جسدهما غير معفو عنه.
الثاني: دم القروح اللازمة والجروح الدامية فإنهما لا يجب إزالته وإن كثر
ويصلى فيه حتى يرقى، فإن انقطع اعتبر فيه سعة الدرهم لزوال الجرح في إزالته.
والوجه في ذلك أنه لو وجب إزالته جاريا لما انفك المكلف متشاغلا به، لأن التقدير
استمراره فيعفى عنه دفعا للحرج.
ويؤيد ذلك روايات، منها رواية محمد بن مسلم عن أحدهما سألته عن الرجل
يخرج به القروح، فلا تزال تدمى كيف يصلي فقال: " يصلي وإن كانت الدماء
تسيل " (2) وما روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قلت: إن قائدي أخبرني أنك تصلي
وفي ثوبك دم فقال: " بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى يبرء " (3) وكذا لو تعاقب
جريانها بحيث لا يتسع فتراتها لأداء الفريضة.
الثالث: ما عدا هذين من الدماء المسفوحة مثل دم الفصاد والذبيحة فإنه لا
يجب إزالة ما نقص منه عن سعة الدرهم اتفاقا منا، ويجب إزالة ما زاد عن الدرهم.
وفي وجوب إزالة ما كان درهما روايتان، والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 28 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 22 ح 4.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 22 ح 1.
429

وثلث، وسمي البغلي نسبته إلى قرية بالجامعين.
وقال ابن أبي عقيل: ما كان بسعة الدينار. وقال ابن الجنيد: ما كان سعته
سعة العقد الأعلى من الإبهام. والكل متقارب، والتفسير الأول أشهر.
أما الرواية الموجبة للإزالة فرواية جميل عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " لا بأس أن يصلي في الثوب وفيه الدم متفرقا وإن كان رآه ما لم يكن مجتمعا
قدر الدرهم " (1).
والرواية الأخرى عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام في الدم يكون في
الثوب قال: " إن كان أقل من الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن كان أكثر من قدر الدرهم
ورآه فلم يغسله وصلى فليعد صلاته " (2). والوجه وجوب إزالة ما بلغ درهما.
أما أولا: فلأن مقتضى الدليل وجوب إزالة قليل النجاسة وكثيرها لقوله عليه السلام
" إنما يغسل الثوب من البول والغائط والمني والدم ". وهذا اللفظ بإطلاقه يقتضي
وجوب إزالة الدم كيف كان فيترك منه ما وقع الاتفاق على العفو عنه، وهو ما دون
الدرهم.
وأما ثانيا: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " تعاد الصلاة من قدر الدرهم
من الدم " (3). ولا يعارض ذلك ما روي عن عمر وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من صلى وعلى ثوبه أكثر من قدر الدرهم أعاد ". لأنا نساعد على ذلك إذ
ليس بمناف لخبرنا فنحن نقول بموجبهما.
مسألة: وإن كان هذا الدم مفترقا ولو جمع كان درهما فصاعدا هل يجب
إزالته، قال الشيخ في النهاية لا يجب إزالته ما لم يتفاحش. وقال سلار يجب إزالته

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 2.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.
430

وتردد في المبسوط، ثم أوجب إزالته احتياطا.
لنا ما رواه زياد بن أبي الجلال عن عبد الله بن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الرجل يصلي وفي ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر قال: " يغسله
ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد صلاته " (1). والرواية
صحيحة سليمة عن المعارض، ولأن الوجه المقتضي للعفو عن يسير الدم مقتض
للعفو عنه هيهنا.
فرع
ليس للمتفاحش تقدير شرعي وقد اختلف قول الفقهاء فيه، فبعض قدره بالشبر
وبعض بما تفحش في القلب، وقدره أبو حنيفة بربع الثوب، والوجه إن المرجع
فيه إلى العادة لأنها كالأمارة الدالة على المراد باللفظ إذا لم يكن له تقدير شرعا ولا
وضعا.
مسألة: قال الشيخان في النهاية والخلاف والمقنعة والمبسوط: طهارة ثياب المصلي وجسده وموضع سجوده شرطا لصحة الصلاة، وزاد أبو الصلاح موضع
المساجد السبعة، وزاد علم الهدى مصلاه أجمع وهو مذهب الشافعي. وحكي عن
ابن عباس، وابن مسعود، وابن أبي مخلد، وابن جبير أن ذلك ليس شرطا. وقال
ابن عباس: ليس على ثوب جنابة ونحر ابن مسعود جزورا فأصابه فرثه ودمه فصلى
ولم يزله وسأل ابن جبير عمن صلى وفي ثوبه أذى فقال: " اقرأ علي الآية التي فيها
غسل الثياب ".
لنا على وجوب طهارة الثياب إجماع العلماء فإن خلاف المذكورين منقرض
وما روي عن أسماء قالت سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله كيف تصنع إحدانا

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 20 ح 1.
431

بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه؟ قال: " إن رأت فيه دما فلتقرضه بشئ من ماء
ولتنضح ما لم تره ولتصل فيه " (1). وقال عليه السلام " تنزهوا من البول ".
وقال عليه السلام " إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني ".
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" ذكر المني فشدده " وقال " إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك
إعادة الصلاة وإن نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة
عليك وكذلك البول " (2). وعن أبي بصير عنه عليه السلام قال: " إن أصاب ثوب الرجل
الدم وعلم قبل أن يصلي فيه ونسي وصلى فيه فعليه الإعادة " (3).
فرع
لو كان طرف ثوبه متصلا بنجاسة لم يمنع ذلك من الصلاة إلا أن يكون لو
قام أقلها من الأرض ولا عبرة بحركتها لحركته، وهي على الأرض متصلة بثوبه،
ولا تبطل صلاته باتصال ما هو حامل له بالنجاسة إذا لم يكن حاملا لها، سواء كانت
النجاسة خفيفة أو ثقيلة، لأنه لا عبرة بما خرج عن جسد المصلي وثوبه الذي عليه.
ويدل على اعتبار طهارة الجسد إجماع العلماء أيضا. وقوله عليه السلام للمستحاضة " اغسلي
عنك الدم وصلي " (4).
ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الكلب يصيب جسد الرجل قال: " يغسل الموضع الذي أصابه " (5). وعنه

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 85 (مع اختلاف يسير).
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 7.
4) سنن البيهقي ج 2 كتاب صلاة ص 402.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 12 ح 8.
432

عليه السلام قال: " إذا أصاب البول الجسد يصب عليه مرتين " (1).
ويدل على اعتبار طهارة موضع السجود اتفاق العلماء، فإن كان من اعتبر
الطهارة في الصلاة، اعتبر طهارة موضع السجود وإن اختلفوا فيما عداه. وأما مسقط
الجسد فالأظهر أنه ليس بشرط بتقدير ألا يتعدى نجاسته إلى ثوب المصلي، ولا بدنه
وإن كان مستحبا، لأن الأصل عدم الاشتراط.
ويدل عليه قوله تعالى * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * (2) الآية،
فاشترط الوضوء ولم يشترط الزيادة فيكون منفيا لعدم ما يدل عليه. وقوله عليه السلام
" جعلت لي الأرض مسجدا أينما أدركتك الصلاة فصل " (3) ويؤيد ما قلناه ما روي
عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سأل عن الشاذ كونه يصلى عليها وقد أصابتها الجنابة فقال:
" لا بأس " (4).
وقد استدلوا على اعتبار طهارة المكان بنهيه عليه السلام " عن الصلاة في المجزرة
والمزبلة والحمامات وهي مواطن النجاسات " (5) فالنهي عن الصلاة فيها دلالة
اعتبار طهارة موضع الصلاة وبأنه عليه السلام " خلع نعليه في الصلاة حين أخبره جبرئيل
إن فيهما قذرا " (6).
وجوابه لم لا يجوز اختصاص النهي بهذه الأمكنة لا لعلة، سلمنا أنه معلل
لكن لم لا يكون العلة ما يختص به مما ليس موجودا في غيرها، وظاهر أنه كذلك
لأن الصلاة تعظيم لله سبحانه واقتراب منه، وهذه المواطن مستخبثة مستقذرة دالة

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 3.
2) سورة المائدة: 6.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 433.
4) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 38 ح 4.
5) سنن ابن ماجة ج 1 ص 246.
6) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.
433

على مهانة نفس من يستقر بها، وإذا اختصت بمزية الاستقذار والاستهانة لم يلزم من
المنع من الصلاة بها المنع من غيرها مما ينتهي في الاستقذار إلى حدها، ولأن
الحمام لا يحرم الصلاة فيه بل يكره فلا يلزم من كراهية لما يتضمن من بدو العورات
كراهية غيرها مما يتخلى من ذلك.
ثم لم لا يكون النهي لكون هذه المواضع لا تخلو من نجاسة تتعدى إلى
المصلي أو لاحتمال ذلك فلا يتعدى النهي إلى ما يؤمن تعديه. وأما خلعه عليه السلام نعله
فإنه حكاية فعل ولا يجب المتابعة إلا مع العلم بوجه الفعل ونحن لا نعلم فلعله فعل
ذلك تنزها.
فرع
إن قلنا طهارة المكان شرط فلو وضع عليه شيئا طاهرا جاز وقد رواه عامر بن
نعيم عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: المنازل التي ينزلها الناس في أبوال الدواب والسرجين
ويدخلها اليهود والنصارى كيف يصنع بالصلاة فيها قال: " صلي على ثوبك " (1).
فرع آخر
ولو كان طرف مصلاه نجسا خارجا عن مسقط جسده جاز وكان كما لو اتصلت
الأرض بموضع نجس.
مسألة: كل ما لا يتم الصلاة فيه منفردا أيجوز الصلاة فيه، وإن كان نجسا
كالتكة والجورب والقلنسوة، ذكر ذلك الخمسة وأتباعهم وخالف الفقهاء في ذلك.
لنا أن الطهارة شرط في الصلاة فيكون مختصة بما له أثر فيها فلا يشترط في
غيره عملا بالأصل السليم عن المعارض.

1) الوسائل ج 3 أبواب مكان المصلي باب 22 ح 2.
434

ويؤيد ذلك ما رواه عبد الله بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه فلا بأس أيصلي فيه وإن
كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك " (1)
وبمعناه روى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام. وألحق ابن بابويه العمامة قال الراوندي
منا يحمل على عمامة صغيرة كالعصابة لأنه لا يمكن ستر العورة بها.
مسألة: يغسل الثياب والبدن من البول مرتين الغسل يتضمن العصر ومع عدم
العصر يكون نصبا والبدن يجتزء فيه بالصب مرتين وإنما قيل في الأصل يغسل الثوب
والبدن، لأنه جمع بينهما فاجتزء في إزالتهما بصفة إزالة أحدهما لأنه الأبلغ ويجري
ذلك مجرى قول الشاعر: [علفتها تبنا وماء ا باردا].
وهذا مذهب علمائنا رواه جماعة منهم الحسين بن أبي العلاء عن الصادق عليه السلام
قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: " يصب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء
وعن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين الأول الإزالة [للإزالة] والثاني للإنقاء " (2).
وأما الفرق بين الثوب والبدن فلأن البول يلاقي ظاهر البدن ولا يرسب فيه
فيكفي صب الماء لأنه يزيل ما على ظاهره، وليس كذلك الثوب لأن النجاسة ترسخ
فيه فلا تزول إلا بالعصر.
وقال الشيخ في الخلاف إذا أصاب الثوب نجاسة ففي طهارته بصب الماء
روايتان: إحديهما يكفي الصب. والأخرى لا بد من غسله وأظنه وهما بل الروايتان
في إصابة البول الجسد. أما الثوب فلا بد من غسله وهل يراعى العدد في غير البول
فيه تردد، أشبهه يكفي المرة بعد إزالة العين لقوله عليه السلام " في دم الحيض حتيه ثم
اغسليه " (3) والأمر المطلق يتناول المرة.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 31 ح 5.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 1 ح 4.
3) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 406.
435

مسألة: بول الصبي لا يجب غسله ويكفي صب الماء عليه مرة في الثوب
وغيره ونعني به الذي لم يأكل الطعام، وبه قال الشافعي، وأحمد. وقال أبو حنيفة
يغسل كغيره لعموم قوله عليه السلام " إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني ".
لنا ما روي عن عايشة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء
فأتبعه بوله ولم يغسله (1). وروى أبو داود بإسناده عن لبابة بنت الحارث قالت كان
الحسن بن علي عليه السلام في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله فبال عليه فقلت أعطني إزارك لأغسله
فقال: " إنما تغسل من بول الأنثى " (2). وعن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
" بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل " (3).
ومن طريق الأصحاب ما رواه الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول
الصبي قال: " يصب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله غسلا " (4).
فرع
المعتبر أن يطعم ما يكون غذاءا له ولا عبرة بما يلعق دواء ا ومن الغذاء في الندرة
ولا تصغ إلى من يعلق الحكم بالحولين فإنه مجازف، بل لو استقل بالغذاء قبل
الحولين يتعلق ببوله وجوب الغسل.
مسألة: ويكفي في طهارة محل النجاسة زوال عينها وإن بقي لونها أو ريحها
لأنهما عرضان لا يحملان النجاسة، وعليه إجماع العلماء، ولأن إزالة الرائحة والأثر
قد يتعذر أو يشق فيسقط اعتباره دفعا للحرج. ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله في " الدم لا
يضرك أثره " (5).

1) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 414.
2) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 87.
3) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 87.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2.
5) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 408.
436

ومن طريق الأصحاب ما رواه علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال
سألته أم ولد لأبيه فقالت أصاب ثوبي دم الحيض غسلته فلم يذهب أثره فقال:
" اصبغيه بمشق " (1) ولو كان الأثر نجسا لما اجتزء بالصبغ.
ومثله روى عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال ابن بابويه: " إذا
أصاب الثوب بول فاغسله في الماء الجاري مرة وفي الراكد مرتين " (2) وروى هذه
الرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام الثوب يصيبه البول قال: " إن غسلته في
المركن فاغسله مرتين وإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة " (3) ويمكن أن يكون
الوجه فيه أن الجاري يتغاير المياه به على الثوب فكأنه غسل أكثر من مرة.
مسألة: لبن الآدميات طاهر لبن ابن كان أو لبن بنت. وقال بعض فقهائنا لبن
البنت نجس، لأنه يخرج من مثانة أمها، ومستنده حديث السكوني عن جعفر،
والسكوني ضعيف والطهارة هي الأصل. وفي بولها خلاف. قال علي بن بابويه:
بول الصبي والصبية سواء. وفي رواية الحلبي " والغلام والجارية شرع سواء " (4).
والأشبه اختصاص التخفيف ببول الصبي، والرواية محمولة على التسوية في
التنجيس لا في حكم الإزالة مصيرا إلى ما أفتى به أكثر الأصحاب.
مسألة: إذا علم موضع النجاسة من الثوب غسل ذلك الموضع ولو جهل
الموضع غسل كل موضع يحتمل أن يكون فيه، وإلا غسل الثوب كله، وهو مذهب
علمائنا، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد. وقال ابن شبرمة: إذا خفيت يتحرى
مكان النجاسة فيغسله. وقال عطا وحماد ينضح الثوب كله.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 25 ح 1.
2) بحار الأنوار ج 77 كتاب الطهارة ص 132 ح 3 (مع اختلاف يسير جدا).
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 2 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 3 ح 2.
437

لنا أن المانع من الصلاة موجود على اليقين ولا يحصل اليقين بزواله إلا بما
قلناه. ويؤيد ذلك ما روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا أصاب ثوب الرجل
مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه ولم يتيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء،
وإن استيقن أنه أصابه ولم يعلم مكانه فليغسل ثوبه كله " (1).
ومثله عن عنبسة بن مصعب وعن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" في الثوب يصيبه المني اغسله إن عرفت مكانه وإن لم تعرف مكانه فاغسله كله " (2).
وكذا لو كانت النجاسة في أحد الكمين لم يتحر وغسلهما وكذا لو قطع أحد الكمين
تعين غسل الباقي ليكون على يقين من زوال النجاسة كما هو على يقين من
حصولها.
مسألة: لو نجس أحد الثوبين ولم يعلمه بعينه، قال الشيخ في النهاية والخلاف:
يصلي في كل واحد منهما فرضه، وقال في المبسوط وقد روى أنه يتركهما ويصلي
عريانا، والأول أحوط. قال في الخلاف، وقال المزني: يصلي عريانا وإليه ذهب
بعض أصحابنا إن ستر العورة شرط في صحة الصلاة، ولا يتحصل الصلاة مع الشرط
على اليقين إلا بالصلاة في كل واحد منهما فيجب تحصيلا للواجب وشرطه.
ويؤيد ذلك رواية صفوان بن يحيى قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل
معه ثوبان أصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وخاف فوتهما وليس عنده غيرهما
كيف يصنع قال: " يصلي فيهما جميعا " (3) وقال أبو جعفر بن بابويه يعني على
الانفراد.
وقال بعض المتأخرين يصلي عريانا، ثم خبط في استدلاله بما لا ثمرة له لكنا

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 6.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 64 ح 1.
438

نشير إلى زبده ونبين وهمه قال شرع شاكا في صلاته فلا يصح أو شاكا في طهارة
ثوبه واليقين بالطهارة مشترط، وقال الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه فلا يكون
متأخرا عن الواجب.
والواجب لا نسلم أنه شرع شاكا، وبيان ذلك أن ستر العورة شرط بالإجماع
ولا يسقط مع التمكن والتمكن هيهنا حاصل فيجب الصلاتان تحصيلا للستر المشترط
في الصلاة، فحينئذ يكون كل واحدة من الصلاتين واجبة لأن ما لا يتم الواجب إلا
به واجب.
وقوله هو شاك في طهارة ثوبه واليقين بطهارته مشترط، قلنا لا نسلم أن اليقين
بطهارة الثوب شرط بل يكفي عدم العلم بالنجاسة وفي كل واحد منه هو غير متيقن
للنجاسة.
قوله الواجب يقارنه الوجه المقتضي وجوبه، قلنا لو سلمنا هذا الأصل فإن
الوجه المقتضي وجوب الصلاتين مقارن لكل واحد منهما، وذلك لأن الوجه المقتضي
وجوبهما تحصيل ما يتحقق وجوبه وهو ستر العورة وذلك وجه مقارن لفعل الصلاة
كما أن المأمور بصعود السطح لما لم يمكنه ذلك إلا بنصب السلم وجب عليه نصبه
وإن كان الصعود متأخرا، لأنه ليس وجه وجوب نصب السلم الصعود بل كون
الصعود لا يتم إلا به وكذلك الصلاة هيهنا لما وجب معها ستر العورة بالساتر الطاهر
وكان تحصيله موقوفا على الإتيان بهما كان ذلك وجها متقاربا للإتيان بهما.
فرع
لو كان معه ثياب نجسة وطاهرة صلى الفريضة بعدد النجسة وزاد صلاة.
مسألة: إذا لاقى الكلب والخنزير أو الكافر المحكوم بنجاسة عينه ثوبا أو جسدا
وهو رطب، غسل موضع الملاقاة وجوبا، وإن كان يابسا رش الثوب بالماء
439

استحبابا، وهو مذهب علمائنا أجمع لأن ملاقاة النجاسة الرطبة أو الموضع الرطب
موجب نجاسته فيكون الرطوبة منجسة لمحلها ومع تحقق النجاسة إزالتها، أما
البدن فيصب عليه الماء كما سلف.
ويؤيد ذلك ما رواه جماعة منهم علي بن أبي حمزة وحريز عمن أخبره عن
أبي عبد الله عليه السلام في الكلب يصيب الثوب قال: " انضحه وإن كان رطبا فاغسله " (1)
وفي رواية محمد بن مسلم إذا أصاب الكلب جسد الرجل يغسل الموضع الذي
أصابه، وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب
ثوبه خنزير قال: " ينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله " (2).
وروى علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في مصافحة اليهودي
قال: " من وراء الثياب فإن صافحك بيده فاغسلها " (3). وعن محمد بن مسلم عن
أحدهما في رجل صافح مجوسيا قال " يغسل يده " (4).
قال في المبسوط: سواء كان الكافر أصليا أو كافر ملة أو كافر ردة. وعلى
هذا كل ثوب قصره كافر، أو صبغه، أو غسل غزله، أو سقاه، أو بله عند العمل، فإنه
لا يجوز الصلاة فيه إلا بعد غسله وتطهيره.
فرع
قال الشيخ في المبسوط: كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن فكانت يابسة
لا يجب غسلها، وإنما يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 26 ح 3.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 13 ح 1.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 5.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 14 ح 3.
440

مسألة: من صلى ثم رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه لم تجب الإعادة لاحتمال
تجددها والأصل عدمها في الصلاة. وهو إجماع، أما لو تيقن أنها كانت حاصلة في
ثوبه أو على جسده ففيه ثلاث مسائل:
الأولى: سبق علمه بالنجاسة وصلى ذاكرا لها، لم تصح صلاته وعليه في
الوقت الإعادة ومع خروجه القضاء، وهو إجماع من جعل طهارة البدن والثوب
طاهرا.
الثاني: علم النجاسة ثم نسيها وصلى ثم ذكر فروايتان:
إحديهما: هي كالأولى يعيدها لو كان الوقت باقيا ويقضيها لو كان خارجا، وهو اختيار الشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية، والمفيد في المقنعة، وعلم
الهدى في المصباح، لأنه أخل بالشرط مفرطا فلزمه القضاء.
ويؤيدها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن أصاب ثوب الرجل
الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه وإن علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فعليه
الإعادة " (1). وفي رواية سماعة عنه عليه السلام " إذا نسي أن يغسله حتى صلى يعيد كي
يهتم عقوبة لنسيانه " (2).
والرواية الأخرى لا يعيد، روى ذلك الحسن بن محبوب عن العلاء قال سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه الشئ فينجسه فنسي أن يغسله ويصلي فيه ثم
تذكر أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة قال: " لا يعيد قد مضت صلاته وكتبت له " (3).
قال الشيخ هذا خبر شاذ لا يعارض به الأخبار التي ذكرناه ويجوز أن يكون
مخصوصا بنجاسة معفو عنها. وعندي إن هذه الرواية حسنة والأصول يطابقها لأنه

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 7.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 42 ح 5.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 42 ح 3.
441

صلى صلاة مشروعة مأمور بها فيسقط بها الفرض. ويؤيد ذلك قوله عليه السلام " عفي لأمتي
عن الخطأ والنسيان " (1). لكن القول الأول أكثر والرواية به أشهر.
وقال الشيخ في الاستبصار: يعيد في الوقت ولا يعيد خارجه، وهو تعويل
على مكاتبة والمكاتب مجهول، فالرواية إذن ساقطة فلذلك لم يشر إليها في الأصل.
الثالث: لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته وتيقن أنها كانت في ثوبه
وبدنه، فقولان، أحدهما لا إعادة، ذكره الشيخ في تطهير الثياب من كتاب النهاية،
وهو اختيار المفيد وعلم الهدى والشافعي. والثاني يعيد في الوقت لا خارجه، ذكره
الشيخ في باب المياه من كتاب النهاية، وهو اختيار ربيعة ومالك.
لنا ما روى أبو داود بإسناده إن النبي صلى الله عليه وآله خلع نعليه في صلاته فخلعوا نعالهم
فقال: ما حملكم على إلقاء نعالكم قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا قال: " إن
جبرئيل أخبرني إن فيهما قذرا " (2). ولو لم يكن عدم العلم عذرا، لوجب عليه
الاستيناف، وهذا وإن كان غير لازم على رأينا فهو لازم لهم.
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل
يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم قال: " قد مضت صلاته
ولا شئ عليه " (3). ولأنه مأمور بالصلاة على هذه الحال وإلا يقتضي الإجزاء.
ويؤيد ذلك رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال ": إن رأيت المني
قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم
تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول " (4).

1) بمعناه يوجد في سنن ابن ماجة ج 1 ص 659.
2) سنن البيهقي ج 2 كتاب الصلاة ص 404.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 40 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 16 ح 2.
442

فروع الأول: لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة طرحها إن أمكن وأتم صلاته وإن
لم يتمكن إلا بما يبطل الصلاة مثل الفعل الكثير أو استدبار القبلة بطلت صلاته
واستقبلها بعد طرح النجاسة أو إزالتها، وبه قال المبسوط، وعلى قول الشيخ
الثاني يستأنف إن كان الوقت باقيا كيف كان.
الثاني: لو وقعت عليه نجاسة وهو في الصلاة ثم زالت وهو لا يعلم ثم علم
استمر على حاله على ما قلناه، وعلى القول الثاني يستقبل الصلاة.
الثالث: لو حمل حيوانا طاهرا غير مأكول أو صبيا، لم يبطل صلاته لأن
النبي صلى الله عليه وآله حمل أمامة وهو يصلي وركب الحسين عليه السلام على ظهره وهو ساجد،
وكذا لو حمل قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس. وتردد الشيخ في الخلاف فقال:
لا تبطل صلاته، وبه قال ابن أبي هريرة، وقاسه على حمل حيوان طاهر في جوفه
نجاسة. وقال جميع الفقهاء تبطل. قال الشيخ: وإن قلنا تبطل كان قويا لأن على
المسألة الإجماع. فإن خلاف بن أبي هريرة لا يعتد به. وجزم في المبسوط بالبطلان.
والوجه عندي الجواز، وما استدل به الشيخ، ضعيف لأنه سلم أنه ليس
على المسألة نص لأصحابه وعلى هذا التقدير يكون ما استدل به من الإجماع، هو
قول جماعة من فقهاء الجمهور وليس في ذلك حجة عندنا ولا عندهم أيضا.
والدليل على الجواز أنه محمول لا يتم الصلاة فيه منفردا فيجوز استصحابه
في الصلاة بما قدمناه من الخبر، ثم نقول الجمهور عولوا على أنه حامل نجاسة فيبطل
صلاته كما لو كانت على ثوبه ونحن نقول النجاسة على الثوب منجسة له فتبطل
لنجاسة الثوب لا لكونه حاملا نجاسة ونطالبهم بالدلالة على أن حمل النجاسة مبطل
للصلاة إذا لم يتصل بالثوب والبدن.
443

مسألة: المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد اجتزأت بغسله في
اليوم مرة، ذكر ذلك الشيخ في المبسوط والنهاية.
ورواه سيف بن عميرة عن أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام سأل عن امرأة
ليس لها إلا قميص ولها مولود يبول كيف تصنع قال: " تغسل القميص في اليوم
مرة " (1)، ولأن تكرار بول الصبي يمنع التمكن من إزالته فجرى مجرى دم القروح
أو السلس الذي لا يمنع من استصحاب الثوب في الصلاة، فكما يجب اتباع الرواية
هناك دفعا للحرج، فكذا هنا لتحقق الحرج في الإزالة، وإنما قلناه في اليوم والليلة
وإن لم يتضمنه الخبر نطقا، لأنه إذا اجتزأت في اليوم مرة فقد دخلت الليلة في
الجملة.
روى عبد الرحيم القصير قال: كتبت إلى أبي الحسن الأول أسأله عن خصي
يبول فيلقى من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل فقال. " يتوضأ وينضح ثوبه في
النهار مرة واحدة " (2) والراوي المذكور ضعيف، فلا عمل على روايته وربما صير
إليها دفعا للحرج.
مسألة: من ليس معه إلا ثوب نجس وتعذر تطهيره ففي جواز الصلاة فيه
روايتان:
إحديهما " المنع ويصلي عاريا موميا، روى ذلك سماعة ومحمد الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام في رجل أصابته جنابة وهو في الفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد
وأصابه مني قال: " تيمم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا يصلي ويومي إيماءا " (3).
واختار ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 4 ح 1.
2) الوسائل ج 1 أبواب نواقض الوضوء باب 13 ح 8.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 46 ح 4.
444

والأخرى: يصلي فيه، روى ذلك عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله
عليه السلام سألته عن الرجل يجنب في ثوبه وليس معه غيره ولا يقدر على غسله قال: " يصلي
فيه " (1). وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام في رجل أصاب
ثوبه دم نصفه أو كله وحضرت الصلاة يصلي فيه أو يصلي عريانا قال: " إن وجد ماءا
غسله وإن لم يجد ماءا صلى فيه ولم يصل عريانا " (2). وجمع الشيخ بين الروايتين
بأن قال: يجب نزعه إلا أن يخشى من نزعه بردا أو غيره، فيصلي فيه.
وعندي في هذا التأويل إشكال لأن نزعه يستلزم فوات ستر العورة، وهو شرط
في الصلاة والصلاة فيه يستلزم فوات طهارة الثوب وهو شرط وكلاهما متساويان فلا
ترجيح إذا والأولى القبول بالتخيير.
ولو قيل الدليل على ما فصله الشيخ ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه غيره قال " يصلي فيه إذا اضطر
إليه " (3)، قلنا الاضطرار يكفي فيه عدم التمكن من غيره وإذا تقرر هذا فلو صلى عاريا
لم يعد ولو صلى فيه هل يعيد إذا أمكن غسله؟ فيه قولان:
أحدهما: يعيد، ذكره الشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف وهو رواية عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام سأل عن رجل ليس معه إلا ثوب لا تحل الصلاة فيه
ولا يجد ماءا يغسله كيف يصنع؟ قال: " يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد
الصلاة " (4) والرواية ضعيفة السند، لأن رجالها فطحية، والأشبه أنه لا إعادة لأنه صلى
صلاة مأمورا بها والأمر يقتضي الإجزاء.
مسألة: الشمس إذا جففت البول من الأرض والبواري والحصير جازت

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 5.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 45 ح 7.
4) الوسائل ج 2 أبواب التيمم باب 30 ح 1.
445

الصلاة عليه وطهر وهو اختيار الشيخين في المقنعة والمبسوط والخلاف. وقال
ابن الجنيد الأحوط تجنبها إلا أن يكون ما يلاقيها من الأعضاء يابسا وقيل لا يطهر
ويجوز الصلاة عليها، وبه قال الراوندي منا، وصاحب الوسيلة، وهو جيد.
واستدل الشيخ لما ذكره بإجماع الفرقة، ورواية عمار بن موسى عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " إذا كان في الموضع قذرا من البول أو غيره فأصابته الشمس ثم يبس
الموضع فالصلاة على الموضع جائزة " (1). وبما رواه علي بن جعفر عن أخيه
موسى بن جعفر قال سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا
جففت من غير أن يغسل قال: " نعم " (2).
ويمكن أن يحتج بقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني
الصلاة صليت " (3). وفي استدلال الشيخ بالروايات إشكال لأن غايتها الدلالة على
جواز الصلاة عليها ونحن فلا نشترط طهارة موضع الصلاة بل نكتفي باشتراط طهارة
موضع الجبهة.
ويمكن أن يقال الإذن في الصلاة عليها مطلقا دليل جواز السجود عليها
والسجود يشترط طهارة محله.
ويمكن أن يستدل بما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام " ما أشرقت
عليه الشمس فقد طهر " (4) ولأن الشمس من شأنها الإسخان، والسخونة تلطف
الأجزاء الرطبة وتصعدها، فإذا ذهب أثر النجاسة دل على مفارقتها المحل والباقي
يسير تحيله الأرض إلى الأرضية فيطهر لقول أبي عبد الله عليه السلام " التراب طهور " (5).

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 4.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 3.
3) السنن للنسائي ج 1 ص 210 مع اختلاف في ذيله.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 29 ح 5.
5) سنن أبي داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105 (مع اختلاف يسير).
446

قال في المبسوط: ويتيمم منها. وفي قوله عندي تردد.
ثم قال في المبسوط: ولو وقع مائع غير البول كالخمر لم تطهره الشمس لأن
حمله على البول قياس، وفيه إشكال لأن معوله على رواية عمار وهي تتضمن البول
أو غيره.
فروع
الأول: لا يطهر الثياب، والأواني، وما ينقل، ويحول بالشمس، عدا
البواري، والحصير. وفيما عدا الأرض مما لا ينقل تردد.
الثاني: قال ابن الجنيد: لا يطهر المجزرة ولا الكنيف بالشمس، وهو حسن
لمخالطة أعيان النجاسة أتربتها وقصور الشمس عن إزالتها.
الثالث: قال الشيخ في موضع الخلاف: إذا طلعت على الأرض الشمس
وهبت عليها الرياح طهرت، وفيه إشكال، لأنه إن اشترط الأمرين طولب بالدلالة
وإن جعل الرياح مطهرا بانفراده كان أشد إشكالا.
مسألة: وتطهر الأرض باطن الخف، والنعل، والقدم مع زوال النجاسة
بها. قال ابن الجنيد: لو وطئ برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة ثم وطئ بعدها على
الأرض طاهرة يابسة طهر ما ماس النجاسة من رجله والوقاء ولو مسحها حتى يذهب
عين النجاسة، وأثرها بغير ماء أجزاه إذا كان ما مسحها به طاهرا.
وقال المفيد في المقنعة: وإذا داس الإنسان بخفه أو نعله نجاسة ثم مسحهما
بالتراب طهرا بذلك. وقال أبو حنيفة إذا أصاب الخف نجاسة لها جرم فجفت ودلكه
بالأرض جاز. وقال الشافعي في الجديد: لا يطهر إلا النعل.
لنا ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله " إذا جاء أحدكم إلى المسجد
447

فإن رأى في نعليه قذرا أو أذي فليمسحهما وليصل فيهما " (1). وعن أبي هريرة عنه
عليه السلام " إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فإن التراب له طهور " (2). ومثله عن عايشة
عنه صلى الله عليه وآله.
ومن طريق الأصحاب ما رواه فضالة بن أيوب وحفص بن أبي عيسى عن أبي
عبد الله عليه السلام قلت له: وطئت عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في
الصلاة فيه قال: " لا بأس " (3).
وعن زرارة بن أعين قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل وطئ عذرة فساخت رجله
فيها ينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها فقال: " لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكن
يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي " (4). ولأن كل واحد من الخف والقدم معرض
لملاقاة النجاسة، فلو اقتصر على تطهيره بالماء لشق ولم ينفك الإنسان متشاغلا
بتطهيره والتراب من شأنه إحالة ما يلاقيه فإذا زالت العين بدعكه بالتراب فقد زالت
النجاسة.
فرع
لا يشترط جفاف النجاسة ولا أن يكون لها جرم، خلافا لأبي حنيفة. لنا ظاهر
الروايات، ولأن ما ليس له جرم كالبول إذا ذهب وإن بقي منه شئ يسير من قوامه
كان إحالته أسرع فإذا طهر ماله جرم فما لا جرم له أولى.
مسألة: قال الشيخ في الخلاف: إذا بال على الأرض فتطهيرها بصب الماء

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 90.
2) سنن أبي داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 6.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.
448

حتى يطهره ويزيل لونه وريحه، ويبقى الماء الوارد عليه على طهارته ولا يحتاج إلى
قلع المكان الذي انتهى إليه ذلك الماء، خلافا لأبي حنيفة.
واستدل الشيخ برواية أبي هريرة في قصة الأعرابي قال: والنبي صلى الله عليه وآله لا يأمر
بطهارة المسجد بما يزيده تنجيسا (1) فيلزم أن يكون الماء أيضا على طهارته.
وما ذكره الشيخ يشكل، لأن الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق، ومنافية
الأصل، لأنا بينا أن الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أو لم يتغير لأنه
ماء قليل لاقى نجاسة، ويعارضها رواية ابن معقل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " خذوا ما
بال عليه من التراب وأهريقوا على مكانه " (2).
ولو قال هذا مرسل، قلنا مع إرساله لا يعلم بطلانه ومع الاحتمال لا نسلم روايته
عن احتال المعارضة، فالأولى اطراح هذه الرواية فلهذا قلنا في الأصل. وقيل أحاله
على قول الشيخ رحمه الله، وإذا تقرر هذا فيما إذا تطهر الوجه أن طهارتها بجريان
الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليه الشمس حتى يجف بها أو يغسل بماء يغمرها، ثم يجري إلى موضع آخر فيكون
ما انتهى إليه نجسا.
ولو كان مائعا غير البول طهر بجميع ذلك عدا الشمس على ما مر ولو كانت
جامدة أزيلت عينها فإن كانت رطوبتها باقية على الأرض فهي كالمائع وإن استهلكت
النجاسة العينية في التراب لم يطهر إلا بإزالته.
زيادات
مسألة: إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب والخنزير، والكافر، أزاله

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 32 ح 7.
2) سنن أبي داود ج 1 كتاب الطهارة ص 104.
449

إن لم يخف الضرر، وأبقاه إن خاف وأجزأته صلاته. وقال الشافعي: يلزمه قلعه ما
لم يظن التلف.
لنا أن في ذلك حرج فيكون منفيا ولأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فيكون
معفوا عنها. ولو جبره بعظم ميت طاهر العين في حال الحياة جاز لأن الموت لا ينجس
به عظم ولا شعر. وفي جبره بعظم الآدمي تردد منشأه وجوب دفن عظمه لما رواه
الحسن بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يسقط سنه فيأخذ من سن ميت
مكانه قال: " لا بأس " (1).
مسألة: والصيقل لا يطهر بالمسح وإن أزال العين. وقال المرتضى يطهر. قال
الشيخ: ولست أعرف به أثرا.
لنا أن حصول النجاسة به معلوم، وزوال حكمها يفتقر إلى مستند ومع عدمه
فالحكم باق ولأن المسح يزيل عين النجاسة الظاهرة وتبقى أجزاء لاصقة لا يزيلها إلا
الماء، ولأن النجاسة الرطبة يتعدى حكمها إلى الملاقي فلا يزول بزوال عين النجاسة.
مسألة: لا يكفي صب الماء على الثوب بل لا بد من عصره مرتين، وفي البدن
روايتان أشهرهما، الاكتفاء بالصب مرتين. ويستحب دلكه ولو لم يزل عين النجاسة
إلا بالدلك وجب. وفي بول الصبي روايتان، إحديهما يغسل مرة. والأخرى يصب
عليه مرة. وإن صب على الثوب وجمع ذلك الماء نجس على التقديرات، أما الثوب
فيطهر لو كانت النجاسة بول صبي لم يأكل، ولا يطهر لو كان لبالغ. وقال ابن سيرين:
لو صب على الثوب، طهر هو والماء المنفصل.
لنا أنه أخل بالعصر فلم يطهر الثوب والماء المنفصل لاقته نجاسة مع قلته،
فيكون نجسا ولو عصر نصف الثوب النجس لم تسر نجاسة النصف الآخر إليه، خلافا
لابن القاضي من الشافعية قال: لأن مجاور الأجزاء نجسة فتسري إليه لما فيه من الرطوبة.

1) الوسائل ج 3 أبواب لباس المصلي باب 31 ح 4.
450

لنا أن المغسول يطهر لأن الماء من شأنه التطهير وهو قابل فيحقق الطهارة.
وما ذكره ابن القاضي ليس بحجة، لأن الملاقي له أجزاء جافة يؤثر فيها نجاسة
المجاور لأنه لو أثرت لزم نجاسة كل مجاور حتى يلزم نجاسة العالم بنجاسة واحدة
لأن بينهم أجزاء أرضية متصلة.
مسألة: روى أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابنا
عن أبي الحسن عليه السلام قال: " طين المطر لا بأس به أن يصيب الثوب إلى ثلاثة أيام
حتى يعلم أن شيئا نجسه بعد المطر وإن أصابه بعد ثلاثة أيام غسله وإن كان الطريق
نظيفا لم يغسله " (1) ووجه هذا أن الغيث لا ينجس بملاقات النجاسة ما لم يغلب على
أحد أوصافه فإذا مضى ثلاثة أيام، استحب إزالته لما يمازجه من الأشياء المستقذرة
طبعا وإن لم يمازجه شئ فهو على الإباحة فإن تيقن ملاقاة نجاسة بعد المطر أي
بعد انقطاع المطر، وجب إزالته.
مسألة: الأعيان النجسة لا تطهر بالاستحالة. وقال أبو حنيفة: يطهر بالقياس
على الخمر وجلود الميتة إذا دبغت وحكي عنه، أنه لو وقع خنزير في ملاحة فاستحال
ملحا طهر.
لنا أن النجاسة قائمة بالأجزاء النجسة لا بأوصاف الأجزاء فلا تزول بتغير
أوصاف محلها، وتلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها.
وهنا بحث في مواطن:
الأول: إذا أحالت النار الأعيان النجسة رمادا قال الشيخ في الخلاف: يطهر
واستدل بإجماع الفرقة، وبما رواه الحسن بن محبوب قال سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الجص توقد عليه العذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد ويسجد عليه فكتب

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 75 ح 1.
451

إلي بخطه " أن الماء والنار قد طهراه " (1).
وفي استدلال الشيخ إشكال. أما الإجماع فهو أعرف به ونحن فلا نعلمه هنا.
وأما الرواية فمن المعلوم أن الماء الذي يمازج الجص هو ما يحيل به، وذلك لا يطهر
إجماعا، والنار لم تصيره رمادا، وقد اشترط صيرورة النجاسة رمادا وصيرورة العظام
والعذرة رمادا بعد الحكم بنجاسة الجص غير مؤثر طهارته.
ويمكن أن يستدل بإجماع الناس على عدم التوقي من دواخن السراجين
النجسة ولو لم يكن طاهرا بالاستحالة لتورعوا منه. ومن هذا الباب ما ذكره الشيخ
في الخلاف، قال: إذا طبخ الطين حتى صار خزفا أو آجرا طهر نظرا إلى كونه
محترقا فجرى مجرى الرماد عنده.
الثاني: إذا استحالت الأشياء النجسة ترابا كالعذرة اليابسة والميتات ففي
طهارتها تردد، قال الشيخ في باب التيمم: يجوز التيمم بتراب القبر منبوشا كان أو
غير منبوش، وهذا الإطلاق منه يقتضي الطهارة.
وقال في موضع آخر: إذا نبش قبر وأخرج ترابه وقد صار الميت رميما
وأخلط بالتراب، فلا يجوز السجود على ذلك التراب لأنه نجس، ويمكن أن يكون
قوله بالطهارة أرجح بتقدير أن يصير النجاسة ترابا لقوله عليه السلام " جعلت لي الأرض
مسجدا وترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة صليت " (2) وقوله عليه السلام " التراب
طهور " (3).

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 81 ح 1.
2) السنن للنسائي ج 1 ص 210 مع اختلاف في ذيله.
3) سنن أبي داود ج 1 كتاب الطهارة ص 105 (مع اختلاف يسير).
452

فرع
لو كانت النجاسة رطبة ومازجت التراب فقد نجس، فلو استحالت النجاسة بعد
ذلك وامتزجت بقيت الأجزاء الترابية على النجاسة المستحيلة أيضا لاشتباهها بها.
الثالث: إذا عجن العجين بالماء النجس لم يطهر إذا خبز. وقال الشيخ
في موضع من النهاية يطهر، لرواية عبد الله بن الزبير عن أبي عبد الله عليه السلام في البئر
تموت فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز قال: " إذا
أصابته النار فلا بأس بأكله " (1). ورواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي
عبد الله عليه السلام في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال: " لا بأس
أكلت النار ما فيه " (2).
لنا ما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يدفن
ولا يباع " (3). وقال الشيخ في التهذيب: بهذا الخبر نأخذ دون الأول.
وفي رواية أخرى يباع ممن يستحيل الميتة، وهي ضعيفة لأن ابن أبي عمير
في هذه الرواية قال عن بعض أصحابنا، وما أحسبه إلا حفص بن غياث وحفص هذا
ضعيف، ولأن العجين ينجس بالماء النجس والنار لم تحله بل جففته وأزالت بعض
رطوبته ومع بقاء الرطوبة وأبعاضها تمتنع الطهارة. وجواب ما ذكروه الطعن في
الرواية فإن من جملة رجالها أحمد بن الحسن الميثمي وهو واقفي مع أن ما ذكرناه
أرجح لأنه أنسب بالأصل.
الرابع: قال الشيخ في التهذيب والاستبصار إذا مضى على عظم الميتة سنة

1) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 17.
2) الوسائل ج 1 أبواب الماء المطلق باب 14 ح 18.
3) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 11 ح 2.
453

لم يجب غسل الثوب منه.
واحتج برواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن مس
عظم الميت قال: " إذا جاز سنة فليس به بأس " (1)، وآكد ذلك برواية علي بن
جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن ثوب الرجل يقع على حمار
ميت هل يصح الصلاة فيه قبل أن يغسله. قال: " ليس عليه غسله [غسل] ويصلي
فيه [عليه] ولا بأس " (2).
وليس فيما ذكره الشيخ رحمه الله دلالة، لأن الخبر الأول يحتمل أن يكون
إمساسه بغير رطوبة، فلا تتعدى نجاسته.
لا يقال لو كان كذلك لما كان لاشتراط السنة فائدة، لأنا نقول قبل السنة لا
تنفك من بقايا أجزاء ميتة لا حجة فيه وملاقاة أجزاء الميتة منجسة وإن لم تكن رطبة،
ولا كذلك إذا مر عليه سنة، لأن أجزاء الميتة تكون قد زالت ولم يبق إلا العظم
ونجاسته ليست منه إذ العظم ليس ينجس إذا لم يكن الميت نجس العين.
فأما الخبر الثاني فمن الجائز أن يكون ثوبه وقع على شعر الحمار وشعر
الحمار ليس بنجس وإن مات. لا يقال إطلاق اللفظ يقتضي الطهارة وإن لاقى
جسده، لأنا نقول لما احتمل ما ذكرناه لم تبق دلالته متناولة لموضع النزاع على
اليقين فيكون ما دل عليه الأصل من النجاسة باقيا.
ويلحق بذلك النظر في أحكام الأواني جمع آنية وواحد الآنية إناء.
مسألة: لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب وغيرهما،
وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة يحرم الأكل والشرب والتطيب.
وقال الشيخ في الخلاف: يكره استعمال أواني الذهب والفضة ومراده التحريم

1) الوسائل ج 2 أبواب غسل المس باب 2 ح 2.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 26 ح 5.
454

ويدل على ما قلناه، ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله قال " لا تشربوا في آنية الذهب
والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة " (1). وهذا يدل
بالبينة على تحريم الاستعمال مطلقا. وقال عليه السلام " الذي يشرب في آنية الفضة إنما
يجرجر في بطنه نار جهنم " (2).
ومن طريق الأصحاب ما رواه ابن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا
تأكل في آنية الذهب والفضة " (3). وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه
" نهى عن آنية الذهب والفضة " (4). وأما المفضض ففيه قولان: قال في الخلاف:
ما يدل على مساواته لآنية الذهب والفضة. وقال في المبسوط: بالجواز، وبه قال
أبو حنيفة والوجه الكراهية.
لنا أن في استعماله فخرا وبطرا وتعطيلا للمال مع إمكان تحصيل الغرض من
دونه، ولما رواه بريد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره الشرب في الفضة وفي القداح
المفضضة (5). وكذلك أن يدهن في مدهن مفضض، والمشط، كذلك.
ويدل على أن المراد بالكراهية هنا التنزه ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن
موضع الفضة " (6). وهل عزل الفم عن موضع الفضة واجب أم مستحب؟ قال في
المبسوط واجب والأشبه الاستحباب عملا بالاستصحاب.
ويؤيده ما رواه معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام سأل عن القدح فيه ضبة

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 28.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 27.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 2.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 3.
5) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 2.
6) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 5.
455

فضة فقال: " لا بأس إلا أن يكره الفضة فينزعها عنه " (1).
فروع
الأول: لا يحرم المأكول والمشروب فيهما وإن كان الاستعمال محرما، لأن النهي
عن الاستعمال لا يتناول المستعمل. ولو استدل بقوله عليه السلام إنما يجرجر في
بطنه نار جهنم، قلنا الحقيقة غير مراده فيكون المجاز مرادا وهو كونه سببا في دخول
النار بطنه وعلى التقدير لا يلزم أن يكون نفس المشروب حراما.
الثاني: لو تطهر من آنية الذهب والفضة لم يبطل وضوءه ولا غسله خلافا
لبعض الحنابلة قال: لأنه استعمال في العبادة فيحرم كالصلاة في الدار المغصوبة.
لنا أن انتزاع الماء ليس جزء من الطهارة بل لا يحصل الشروع فيها إلا بعده
فلا يكون له أثر في بطلان الطهارة. وقوله هو استعمال في العبادة، قلنا أما انتزاع
الماء فهو استعمال لكنه ليس جزء من الطهارة بل لا تقع الطهارة إلا بعد انقضاء ذلك
الاستعمال فيكون كما لو قهر غيره على تسليم ثوب نفسه لتستر به في الصلاة وتمثله
بالصلاة في الدار المغصوبة باطل لأن البطلان في الدار المغصوبة نشاء من كون
التصرف جزءا من الصلاة لأنها قيام وقعود وركوع وسجود وهو منهي عنه في
المكان المغصوب بخلاف الطهارة من الإناء.
الثالث: تحريم الاستعمال تعبد غير معلوم العلة. وقال الجمهور: العلة ما
يتضمنه من الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وهو باطل باستعمال أواني الزبرجد
والبلور وغيرهما من الجواهر الغالية. وقيل لما يتضمن من السرف وتعطيل المال والقول
فيه كالأول. وبالجملة فإن ما ذكروه يمكن أن يكون علة أما أنه هو العلة قطعا فلا.
الرابع: اتخاذ أواني الذهب والفضة حرام. قال الشيخ في المبسوط. وحكي

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 66 ح 4.
456

عن الشافعي جوازه لاختصاص النهي بالاستعمال، فلا يلحق الاتخاذ كما لا يحرم اتخاذ
الحرير للرجل.
لنا أن ذلك تعطيل للمال فتكون سرفا لعدم الانتفاع، ولما روى محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام أنه " نهى عن آنية الذهب والفضة " (1) وهو على إطلاقه، وما روي
عن موسى عليه السلام " آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون " (2).
وقول الشافعي اختص التحريم بالاستعمال، قلنا حق، لكن تحريم الاستعمال
يستلزم تحريم الاتخاذ، لأنه لا فائدة في الإناء إلا الاستعمال فإذا حرم تعطيل المال،
وكان تضييعا له وليس كاتخاذ الحرير لأن يتخذ للتجارة وللنساء وغير ذلك من المنافع
التي لا توجد في الأواني.
الخامسة: اتخاذ اليسير من فضة كالحلقة للسيف، والقصعة، وكالضبة،
والسلسلة التي تشعب بها الإناء جائز، فإنه روي أنه كان للنبي صلى الله عليه وآله " قصعة لها حلقة
من فضة " (3). ولموسى بن جعفر عليه السلام مرآة كذلك وفيما عدا ذلك مما ليس بإناء
تردد، أشبهه الكراهية إذا كان فيه غرض صحيح، كالصفائح في قائم السيف، والميل
لما يختص به من الانتفاع.
وما روي أن العياشي غدر فعمل له قضيب ملبس بفضة نحو ما يعمل للصبيان
تكون فضته عشرة دراهم، وأمر به أبو الحسن فكسر محمول على الكراهية لأنه
حكاية حال في واقعة.
السادسة: لا يحرم غير الذهب والفضة من المعادن غلت أثمانها أو رخصت،
لأن الأصل الإباحة.

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 7.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 65 ح 4.
3) لم نجده.
457

مسألة: يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب، وهو مذهب
أكثر الأصحاب والسبع أفضل. وقال المفيد في المقنعة ثلاثا وسطاهن بالتراب ثم
يجفف ويستعمل. وقال ابن الجنيد يغسل سبعا، وبه قال الشافعي، وأحمد لما رواه
مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب " (1).
ومن طريق الأصحاب رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يغسل من الخمر
سبعا وكذا الكلب " (2). واقتصر أبو حنيفة على غلبة الظن بالنقاء ولو بالمرة قياسا
على نجاسة الأرض.
لنا ما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في الكلب يلغ في الإناء " يغسل ثلاثا أو
خمسا أو سبعا " (3). والتخيير مسقط تحتيم الزيادة عن الأقل.
ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو العباس الفضل عن الصادق عليه السلام سألته عن
الكلب فقال: " رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب
أول مرة ثم بالماء مرتين " (4).
والجواب عن رواية مسلم أنا مع تعارض الروايات ننزل الزائد على الاستحباب
ليتحقق العمل بهما. ويؤيده أن أبا هريرة راوي حديثهم قال " إذا ولغ الكلب في
إنائك فاغسله بها ثلاثا ". وقياس أبي حنيفة ضعيف، لجواز أن يكون التجفيف في
الأرض لزيادة المشقة في تكرار غسلها، ولعموم البلوى بخلاف الإناء، وما اشترطه المفيد من التجفيف منفي بالأصل، وبالأخبار التي تلوناها فإن ظاهرها الاكتفاء
بمضمونها.

1) التاج الجامع للأصول ج 1 كتاب الطهارة ص 85.
2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 30 ح 2 (مع اختلاف يسير).
3) سنن البيهقي ج 1 باب غسل الإناء من ولوغ الكلب ص 240.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 70 ح 1.
458

فروع
الأول: قال الشيخ في المبسوط: إذا لم يوجد التراب اقتصر على الماء وإن
وجد غيره كالأشنان، وما يجري مجراه أجزء، وبه قال ابن الجنيد ووجه ما ذكراه
أن الأشنان أبلغ في الإنقاء فإذا طهر بالتراب، فبالأشنان أولى، وفيه تردد منشأه
اختصاص التعبد بالتراب وعدم العلم بحصول المصلحة المرادة منه في غيره على أنه
لو صح ذلك لجاز مع وجود التراب.
الثاني: إذا تكرر الولوغ كفت الثلاث، وكذا لو ولغ ما زاد على الواحد،
لأن النجاسة واحدة فقليلها ككثيرها لأنها لا تتضمن زيادة عن حكم الأواني.
الثالث: هذا الحكم يختص الولوغ فلو أصاب بيده مثلا كان كغيره من
النجاسات، وهو قول الشيخ في الخلاف وسوى ابن بابويه بين وقوعه وولوغه.
وقال الشافعي: حكم ملاقاة أجزاءه حكم ولوغه لأن حكم أجزاء الحيوان واحد.
لنا اختصاص النص بالولوغ يفيد اختصاص الحكم ولا نسلم أن حكم أجزاء
الحيوان واحد، ولو سلمناه لعرفنا اختصاص الولوغ بمزيد استقذار ينشأ من ملاقاة
رطوبة لزجة تلجج بالإناء وتلك الرطوبة لا ينفك من لسانه عند الولوغ بخلاف بقية
الأعضاء.
الرابع: ليس الخنزير كالكلب في الولوغ. وقال الشيخ في الخلاف: الحكم
واحد، وهو مذهب الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد قالوا: لأنه شر من الكلب للإجماع
على نجاسته وتحريم اقتنائه. واستدل الشيخ في الخلاف بوجهين: أحدهما أنه
يسمى كلبا. والثاني أن النجاسات يجب غسل الإناء منها ثلاثا وبأنه لا فارق.
واستدلال الجميع ضعيف أما أنه شر من الكلب فمسلم ولكن لا نسلم أن تلك
الأشربة موجبة لما اختص الولوغ به من الحكم، ثم ينتقض ما ذكره بغيره من
459

النجاسات المتفق عليها فإنه يجتزي بالإزالة كالخمر والحيض، واستدلال شيخنا
ضعيف أيضا، لأنا لا نسلم أن الخنزير يسمى كلبا، ولو سمي كان مجازا، ولا نسلم أنه
يجب غسل النجاسات ثلاثا ولو سلمناه، لم نشرط التراب.
وأما عدم الفارق فلا نسلمه لأن الفارق موجود وهو ابن القاضي وممكن، لأن
عدم الوجدان لا يدل على العدم، وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر
عليه السلام عن خنزير شرب من إناء قال: " يغسله سبع مرات " (1)، ونحن نحمله على
الاستحباب.
الخامس: لو غسل من الولوغ مرتين، ثم وقعت فيه نجاسة كفى الإتيان
بموجبها، ويجئ على هذا لو انضم إلى الولوغ نجاسات مختلفة لم تزد على حكم
الولوغ.
السادس: لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء ولم يتحصل من
الغسلات شئ ولو وقع في كثير لم ينجس ويحصل له غسلة واحدة إن لم يشترط
تقديم التراب، ولو وقع في جار ومر عليه جريات قال في المبسوط: لم يحكم له
بالثلاث، وفي قوله إشكال، وربما كان ما ذكره حقا إن لم يتقدم غسله بالتراب،
لكن لو غسل مرة بالتراب وتعاقب عليه جريات كانت الطهارة أشبه.
السابع: لو أصاب الثوب أو الجسد أو الإناء ماء الولوغ لم يعتبر فيه العدد،
اقتصارا بالحكم على موضع النص.
مسألة يغسل الإناء من الخمر ثلاثا، والسبع أفضل، وهذا مذهب الشيخ
في التهذيب والنهاية وقال في المبسوط والجمل: يغسل سبعا، وكذا المفيد في
المقنعة.
لنا أن مع الثلاث يحصل الإنقاء فلا يشترط ما زاد، ويؤيده رواية عمار عن

1) الوسائل ج 1 أبواب الأسئار باب 1 ح 2.
460

أبي عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه الخمر هل يجزيه أن يصب فيه الماء قال: " لا يجزيه
حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات " (1)، وإن احتج برواية عمار أيضا عن أبي
عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال: " يغسله سبع مرات " (2) فالجواب أنا
ننزله على الاستحباب صونا لهما عن التنافي.
مسألة: ويغسل لموت الجرذ ثلاثا والسبع أفضل، وكذا الفأرة، وقال الشيخ
في النهاية: يغسل لموت الفأرة سبعا، ورواه في المبسوط والجمل رواية، وحجته
رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " اغسل الإناء الذي يصيب فيه الجرذ سبعا " (3).
والرواية ضعيفة لانفراد الفطحية بها، ووجود الخلاف في مضمونها، فإن الشيخ في
الخلاف يقتصر على الثلاث في جميع النجاسات عدا الولوغ، ولأن ميتة الفأرة
والجرذ لا يكون أعظم نجاسة من ميتة الكلب والخنزير، ولأن الامتثال بالغسل
يحصل بالثلاث فلا يجب ما زاد، ولأنه يحتمل أن يكون هذا الحكم مختصا بالجرذ
فلا يتناول الفأرة.
مسألة: ويغسل الإناء من سائر النجاسات مرة والثلاث أحوط، وقال الشيخ
في الخلاف والمبسوط وابن الجنيد: يجب غسله ثلاثا، وروى المرة رواية، واستدل
الشيخ على الثلاث بإجماع الفرقة، وبرواية أحمد بن الحسن بن علي عن عمر بن
سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الإناء
يكون قذرا كيف يغسل؟ قال: " ثلاث مرات يصب فيها ماءا ويحرك ويفرغ " (4).
لنا الأمر بالغسل مطلق، فيكفي المرة لما عرفت، وروى الجمهور عن ابن عمر
كان الغسل من الجنابة والبول سبع مرات فلم يزل النبي صلى الله عيه وآله حتى جعل الغسل من

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 51 ح 1.
2) الوسائل ج 17 أبواب الأشربة المحرمة باب 30 ح 2.
3) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 53 ح 1.
461

الجنابة والبول مرة.
واحتجاج الشيخ بالإجماع بعيد من روايته المرة، ثم إنا نطالبه بتحقيق
الإجماع ولا يكفي روايتهم ما رواه عمار، لأنهم كلهم لم يرووه، ولا من يعلم أن
الإمام في جملتهم، ورواية عمار سندها فطحية فلا تنهض حجة، ثم هي معارضة
برواية المرة على ما ذكره، وهو أولى لأنها مطابقة للبراءة الأصلية.
والذي يقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ وفيما عداه على
ذلك النجاسة وغسل الإناء بعد ذلك المرة واحدة، لحصول الغرض من الإزالة
ويضعف ما ينفرد به عمار وأشباهه وإنما اعتبرنا في الخمر والفأرة الثلاث ملاحظة
لاختيار الشيخ، والتحقيق منه ما ذكرناه.
مسألة: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو ملاقاة
نجاسة، والضابط أن الآنية في الأصل على الطهارة، فلا يحكم بالنجاسة إلا مع اليقين
بورود المنجس، وحينئذ أما أن يكون ذلك معلوم الحصول فتكون نجسة، أو معلوم
الانتفاء فتكون طاهرة، أو مشكوكا فيه فيكون استعمالها مكروها.
ويستوي في ذلك المجوسي، ومن ليس من أهل الكتاب، وفي الذمي روايتان
أشهرهما النجاسة نجاسة عينية، ونجاسة ما يلاقيه بالمائع، وخالف الشافعي وأبو حنيفة
ولم ينجساها إلا مع اليقين بملاقاة نجاسة غير المباشرة، لما رووا أن النبي صلى الله عليه وآله
توضأ من مزادة مشركة وتوضأ عمر من جرة نصرانية (1).
لنا ما دللنا عليه من نجاستهم ومع تسليمها يزول الخلاف، ولما رووه عن أبي
ثعلبة الحشني قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنا بأرض أهل الكتاب أفنأكل في أبنيتهم
فقال: " إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها " (2).

1) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 32.
2) سنن البيهقي ج 1 كتاب الطهارة ص 33.
462

ومن طريق الأصحاب ما رواه محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن
آنية أهل الذمة والمجوس فقال: " لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون
ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر " (1). وأما الكراهية مع الجهالة فلاحتمال
النجاسة وما يقتضيه الاحتياط للطهارة.
والجواب عما ذكروه من وجوه:
أحدها: الطعن في الرواية والمطالبة بتصحيحها.
والثاني: معارضتها برواية ابن أبي ثعلبة وهي من مشاهير الروايات فيكون
أرجح.
والثالث: يحتمل أن يكون ذلك قبل تنجيسهم، ثم ما ذكروه فعل والقول
أرجح منه، وأما خبر عمر فيجوز أن يكون رأيا رآه، فلا يعارض المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله
مسألة: ولا يستعمل من الجلود إلا ما كان طاهرا في حال الحياة ذكيا، ويكره
مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه، وهنا بحوث:
الأول: جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، ولو كان طاهرا في حال الحياة، وهو
مذهب الستة وأتباعهم، وبه قال أحمد بن حنبل ومالك في إحدى الروايتين عنهما
ومثله روي عن عايشة، وعمر وابنه، وأطبق الباقون على طهارة جلد ما يؤكل واختلفوا
فيما عداه والشافعي يطهر كل جلد عدا الكلب والخنزير، وبه قال ابن الجنيد وأبو
حنيفة يطهر جلد الكلب أيضا.
واستدلوا بقوله عليه السلام " أيما إهاب دبغ فقد طهر " (2) وبخبر شاة ميمونة ولأن
نجاسة الجلد إنما هو لاتصال الرطوبات به، فإذا زالت الرطوبة بالدبغ كان طاهرا.
واحتج الشاذ منا بما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في جلد

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 72 ح 2.
2) سنن أبي داود ج 4 كتاب اللباس ص 66.
463

شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن ويشرب منه أو يتوضأ قال: " نعم وقال يدبغ وينقع به
ولا يصلى فيه " (1).
لنا قوله تعالى * (حرمت عليكم الميتة) * (2) ولم يخص بالتحريم فينصرف
إلى الانتفاع مطلقا، وما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كتب إلى جهينة " كنت رخصت لكم
في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي هذا فلا تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب " (3)،
وهو من الصحيح عندهم وهنا في الانتفاع يستلزم نفي الطهارة بالإجماع.
وعن جابر عنه عليه السلام " لا تنتفعوا من الميتة بشئ ". ومن طريق الأصحاب ما
رواه علي بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الميتة ينتفع بشئ منها فقال: " لا " (4)
وما روي عن موسى عليه السلام أنه كتب " لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب " (5) ولأن
المقتضي للنجاسة موجود، ودليل الطهارة مفقود، فتكون النجاسة باقية. والجواب
عن خبرهم من وجهين:
أحدهما: المعارضة بخبرنا فإن كل واحد منهما عام من وجه، ومع التعارض
يكون المقتضي لبقاء النجاسة سليما عن المعارض.
الثاني: إن خبرنا متأخر عن خبرهم، فيكون ناسخا لوجهين:
أحدهما ما رووه أن كتابه عليه السلام إلى جهينة قبل موته بشهر أو شهرين.
والثاني قوله صلى الله عليه وآله " كنت رخصت لكم في جلود الميتة فإذا جاءكم كتابي فلا

1) الوسائل ج 16 أبواب الأطعمة والأشربة باب 34 ح 7.
2) سورة المائدة: 3.
3) مسند أحمد ج 4 ص 310 ولم نجد صدرها في كتبهم ولكن يوجد ذيلها في سنن
البيهقي والمسند وغيرهما.
4) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 61 ح 2.
5) الوسائل ج 16 كتاب الأطعمة والأشربة باب 34 ح 2.
464

تنتفعوا من الميتة باهاب ولا عصب " (1) وهو صريح في التأخير فيكون ناسخا على أن
ما ذكروه لو كان مشروعا لما خفي عن عايشة وعمرو بن عمر، لأن الموت في الدواب
كثير والاحتياج إلى جلودها مطرد، فلو طهر بالدباغ لما أخل به مخل إلا نادرا،
وكانت مشروعيته ظاهرة بين الأصحاب، لأنه من باب ما لو كان لظهر.
وبهذا الجواب يخرج خبر شاة ميمونة على أنه قد روى عبد الرحمن بن الحجاج
عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قلت: أشتري الفراء من سوق المسلمين فيقول صاحبها
هي ذكية هل يصلح أن أبيعها على أنها ذكية فقال: لا، قلت: وما أفسد ذلك قال " استحلال
أهل العراق لميتة وزعموا أن دباغ جلد الميتة ذكوته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في
ذلك إلا على رسول الله صلى الله عليه وآله " (2).
وفي رواية علي بن مغيرة قلت لأبي عبد الله: الميتة ينتفع بشئ منها فقال: لا
فقلت قوله ما كان على أهل هذه الشاة أن ينتفعوا بإهابها قال: " كانت لسودة بنت زمعة
وكانت مهزولة فتركوها حتى ماتت فقال: ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن
ينتفعوا بإهابها أي بالذكاة " (3)، ولم يذكر الضميمة التي أوردناها من قولهم عنه عليه السلام
إنما يحرم لحمها، وجعفر الصادق عليه السلام أعرف بالنقل على أن الانتفاع المطلق لا يستلزم
الطهارة لأنه يصدق بالجز.
فرع
وهل يجوز الانتفاع بها في اليابس فيه تردد، أشبهه أنه لا يجوز لعموم النهي

1) مسند أحمد ج 4 ص 310 ولم نجد صدرها في كتبهم ولكن يوجد ذيلها في سنن
البيهقي والمسند وغيرهما.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 61 ح 2.
465

عن الانتفاع، وفي رواية عن أحمد بن حنبل بالجواز للقياس على الانتفاع بالكلب
مع نجاسته، ولقوله عليه السلام " لا تنتفعوا بإهابها " (1) والقياس عندنا باطل، وخبر الشاة
قد بينا ضعفه.
البحث الثاني: ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الطاهر في الحياة كالسباع
يقع عليه الذكاة، وقال الشافعي لا تطهر بالذكاة ما لا يؤكل لحمه، وإنما يطهر بالدباغ.
لنا قوله تعالى * (إلا ما ذكيتم) * (2) والتذكية هي الذباحة، فيكون مطهرة
باعتبار وقوع صورتها إذا كان المذبوح طاهرا، ولأنها تخلي الحيوان عن العفن
المقتضي للتحريم، وعن الصادق عليه السلام " لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ذكاه الذبح أو
لم يذكه " (3)، وهذا دال على أن الذبح مطهر، وسيأتي له مزيد بيان في باب الذبائح
إن شاء الله.
البحث الثالث: ما لا يؤكل لحمه من السباع إذا ذبح جاز استعماله، وإن لم
يدبغ لكن لا يصلى في شئ منه، ولو دبغ إلا ما نستثنيه وقال الشيخ في الخلاف
والمبسوط والنهاية وعلم الهدى في المصباح: لا يستعمل حتى يدبغ.
لنا أن الذكاة يقع عليه فيستغنى بها عن الدباغ، لأنها لو لم تقع عليه لكان ميتة
والميتة لا يطهر بالدباغ لكن يكره استعماله قبل الدباغ تفصيا من الخلاف، فلهذا
كان الأشبه كراهية استعماله قبل الدباغ لا تحريمه ولا بأس بما يدبغ بالقرظ والشب
والأشياء الطاهرة ولا يجوز بالأشياء النجسة، فهل يطهره؟ قال ابن الجنيد: لا، والأشبه
أنها إن كانت مذبوحة يطهر بالغسل ولو دبغت بالنجاسة.
وما رواه السياري عن أبي يزيد القسمي، عن أبي الحسن علي الرضا عليه السلام أنه

1) مسند أحمد ج 4 ص 310.
2) سورة المائدة: 3.
3) الوسائل ج 3 أبواب المصلي باب 2 ح 1 (مع اختلاف يسير).
466

سأله عن جلود الدارش فقال: " لا تصلي فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب " (1) فإنا نحملها على الصلاة فيها قبل غسلها، وبالجملة فالرواية ضعيفة السند فتنزيلها على
التأويل أولى.
مسألة: ما كان من آنية الخمر صلبا لا يشتف الخمر كالصفر، والرصاص،
والحجر والمغضور، يطهر بالغسل إجماعا، وما ليس بصلب كالقرع والخشب
والخزف غير المغضور فيه قولان:
أحدهما: لا يطهر، اختاره ابن الجنيد، لما روى محمد بن مسلم عن أحدهما
قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخشب والمرقب قال وسألته عن الجرار الخضر
والرصاص قال لا بأس بها " (2)، ولأن للخمر حدة ونفوذا فتستقر أجزاؤه في باطن
الإناء، فلا ينالها الماء.
والآخر: يكره، وهو الأشبه وبه قال الشيخ في المبسوط.
لنا الواجب إزالة النجاسة المعلومة والاستظهار بالغسل، وقد حصل فلا يلزم
تتبع ما لا يعلم، ولأن ما يشتف الخمر يشتف الماء، فيتغلب وصول الماء كما يتغلب
نفوذه الخمر والله أعلم.
[تم كتاب الطهارة بعون الله الوهاب]

1) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 71 ح 1.
2) الوسائل ج 2 أبواب النجاسات باب 52 ح 1 (مع اختلاف يسير).
467