الكتاب: تحرير الأحكام
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ٤
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري / إشراف : جعفر السبحاني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢١
المطبعة: اعتماد - قم
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (ع)
ردمك: ٩٦٤-٣٥٧-٠٠٣-٧
ملاحظات: توزيع : مكتبة التوحيد - قم - إيران

إشراف
العلامة المحقق جعفر السبحاني
تحرير الأحكام الشرعية
على مذهب الإمامية
موسوعة فقهية كاملة مشحونة بالتخريج والتفريع
للإمام جمال الدين أبي منصور الحسن بن
يوسف بن المطهر
المعروف بالعلامة الحلي
(648 - 726 ه‍)
الجزء الرابع
تحقيق
الشيخ إبراهيم البهادري
1

هوية الكتاب
اسم الكتاب:... تحرير الأحكام الشرعية / الجزء الرابع
المؤلف:... العلامة الحلي
إشراف:... آية الله جعفر السبحاني
المحقق:... الشيخ إبراهيم البهادري
الطبعة:... الأولى - 1421 ه‍
المطبعة:... اعتماد - قم
الكمية:... 1500 نسخة
الناشر:... مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)
حقوق الطبع محفوظة للمحقق
7 - 003 - 357 - 964: شابك
ISBN: 964 - 357 - 003 - 7
توزيع
مكتبة التوحيد
إيران - قم; ساحة الشهداء
7743151 - 2925152
E - MAIL: emamsadegh _ int @ aalulbayt. org
2

بسم الله الرحمن الرحيم
(وما كان المؤمنون لينفروا كآفة فلولا نفر من كل فرقة
منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا
إليهم لعلهم يحذرون)
التوبة: 122
3

المقصد السابع: في الولادة والعقيقة والحضانة وتوابع ذلك وإلحاق الأولاد
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في سنن الولادة
وفيه خمسة مباحث:
5273. الأول: يجب عند الولادة استبداد النساء بالمرأة دون الرجال، إلا مع
الحاجة، بأن تعدم النساء عندها، ويجوز للزوج تولي ذلك لانكشافه على
العورة، وإن كان هناك نساء.
5274. الثاني: يستحب عند الولادة غسل المولود مع أمن الضرر، والأذان في
أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وأن يحنك بماء الفرات، وتربة الحسين (عليه السلام)، (1)
فإن تعذر ماء الفرات فبماء عذب، فإن تعذر إلا ماء ملح، جعل فيه شئ من
العسل أو التمر ليحلو، ويحنك به.

1. في مجمع البحرين: يستحب تحنيك المولود بالتربة الحسينية والماء كأن يدخل ذلك إلى
حنكه وهو أعلى داخل الفم.
5

5275. الثالث: يستحب تسميته بإحدى الأسماء المستحسنة، وروي
استحباب التسمية يوم السابع (1) وأفضلها ما تضمن العبودية لله تعالى، ثم
أسماء الأنبياء (عليهم السلام) وأفضلها محمد ثم أسماء الأئمة (عليهم السلام)، وروي عن أبي
الحسن (عليه السلام) قال: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد وأحمد وعلي والحسن
والحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء (2).
ويستحب الكنية مخافة النبز، (3) ويكره التسمية بحكم وحكيم وخالد
ومالك وحارث وضرار.
وعن الصادق (عليه السلام): «إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن أربع كنى: عن أبي عيسى
وعن أبي الحكم وعن أبي مالك وعن أبي القاسم إذا كان الاسم
محمدا». (4)
5276. الرابع: يستحب التهنئة لمن ولد له، بأن يقال: شكرت الواهب، وبورك
لك في الموهوب، وبلغ أشده، ورزقت بره.
5277. الخامس: روي استحباب أكل السفرجل للمرأة الحامل، فإن الولد
يكون أطيب ريحا وأصفى لونا.
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «خير تموركم البرني فأطعموها
النساء (5) في نفاسهن تخرج أولادكم حكماء» (6).

1. الوسائل: 15 / 150، الباب 44 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.
2. الوسائل: 15 / 128، الباب 26 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.
3. هو ما يكره من اللقب.
4. الوسائل: 15 / 131، الباب 29 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.
5. في المصدر: «فأطعموا نساءكم».
6. الوسائل: 15 / 135، الباب 33 من أبواب احكام الأولاد، الحديث 3.
6

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول ما تأكل النفساء الرطب، فإن لم تكن أيامه،
فسبع تمرات من تمر المصر. (1)
وعن الرضا (عليه السلام):
«أطعموا حبالاكم ذكر اللبان، (2) فإن يكن في بطنها غلام خرج زكي
القلب عالما شجاعا، وإن تكن جارية، حسن خلقها وخلقتها، وعظمت
عجيزتها، وحظيت عند زوجها». (3)
الفصل الثاني: في سنن اليوم السابع
وهي الحلق والختان وثقب الأذن والعقيقة.
فهاهنا خمسة مباحث:
5278. الأول: يستحب يوم السابع أن يحلق رأس الصبي قبل العقيقة،
ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، ويكره القنازع (4) وهو أن يحلق موضع من الرأس
ويترك آخر.

1. الوسائل: 15 / 134، الباب 33 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1 بتلخيص.
2. في مجمع البحرين: اللبان بالضم: الكندر. وقال العلامة المجلسي (قدس سره): في بعض كتب الطب:
الكندر أصناف: منه هندي يميل إلى الخضرة، ومنه مدحرج قطفا يؤخذ مربعا، ثم يضعونها في
جرار حتى يتدور ويتدحرج، وهذا إذا عتق احمر، ومنه ابيض يلين البطن، والمستعمل من
الكندر: اللبان والقشار والدقاق والدخان وأجزاء شجرة كلها حتى الأوراق، وأجوده الذكر
الأبيض المدحرج الدبقي الباطن الدهين المكسرة. مرآة العقول: 21 / 41.
3. الوسائل: 15 / 136، الباب 34 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.
4. في مجمع البحرين: القنزعة واحدة القنازع: وهي أن يحلق الرأس إلا قليلا ويترك
وسط الرأس.
7

5279. الثاني: الختان مستحب يوم السابع، ولو أخر جاز، ولا يجوز تأخيره
إلى البلوغ، فإن بلغ ولم يختن، وجب أن يختن نفسه، أما خفض الجواري فإنه
مستحب ولا يجب، وإن بلغن.
ولو أسلم الكافر وهو غير مختن، وجب أن يختن نفسه، وإن طعن في
السن والمرأة لو أسلمت استحب خفضها ولم يجب ولو مات المسلم غير
مختن مع بلوغه، لم يجب ختنه.
ويستحب ثقب الأذن يوم السابع أيضا، وليس بواجب بلا خلاف.
5280. الثالث: العقيقة مستحبة استحبابا مؤكدا، وقال المرتضى قدس الله
روحه: إنها واجبة. (1) وليس بمعتمد.
5281. الرابع: يستحب أن تكون العقيقة والحلق في موضع واحد، وأن يعق
عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى، ولا يجزئ في القيام بالسنة الصدقة بثمنها، ولو
عجز الأب أخرها إلى المكنة.
ولو لم يعق الوالد استحب للولد مع بلوغه أن يعق عن نفسه.
ويستحب أن تجمع العقيقة صفات الأضحية، وأن تخص القابلة بربعها
الذي يلي الورك بالفخذ، ولو لم تكن له قابلة أعطيت الأم ذلك تتصدق به.
ولو مات الصبي يوم السابع قبل الزوال، سقطت، ولو مات بعده لم
يسقط استحبابها.
ويكره للأبوين أن يأكلا من العقيقة، وروي: ولا أحد من عياله، (2) وأن
تكسر عظامها، بل تفصل أعضاؤه.

1. الانتصار: 406، المسألة 233، كتاب الصيد والذبائح.
2. الوسائل: 15 / 156، الباب 47 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.
8

وروي أنه يستحب إطعام عشرة من المسلمين في العقيقة قال
الصادق (عليه السلام):
«فإن زاد فهو أفضل». (1)
وقال:
«إن كانت القابلة يهودية لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت ربع
قيمة الكبش». (2)
5282. الخامس: روي عن الباقر (عليه السلام) قال:
«إذا ذبحت العقيقة فقل: «بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله
وثناء على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعصمة لأمره والشكر لرزقه والمعرفة
بفضله علينا أهل البيت».
فإن كان ذكرا فقل:
«اللهم إنك وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت، ومنك ما أعطيت
وكلما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك (ورسولك) (3) (صلى الله عليه وآله وسلم)
واخسأ عنا الشيطان الرجيم، لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد
لله رب العالمين». (4)

1. الوسائل: 15 / 152، الباب 45 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 15.
2. الوسائل: 15 / 152، الباب 45 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 14.
3. ما بين القوسين ليس في المصدر.
4. الوسائل: 15 / 155، الباب 46 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.
9

الفصل الثالث: في الرضاع
وفيه خمسة مباحث:
5283. الأول: من السنة أن يرضع المولود حولين كاملين، فإن نقص ثلاثة
أشهر لم يكن به بأس، وإن نقص غير ذلك كان جورا على الصبي غير جائز،
ويجوز الزيادة على الحولين إلا أنه لا يكون أكثر من شهرين، ولا تستحق
المرضعة على الزائد على الحولين أجرة.
5284. الثاني: أفضل الألبان التي يرضع بها الصبي لبان الأم، فإن كانت حرة لم
تجبر على إرضاعه، سواء كانت شريفة، أو مشروفة، موسرة، أو معسرة، دنية، أو
نبيلة (ذمية أو مسلمة) (1) وسواء كانت ممن ترضع ولدها في العادة أو لا، وكذا
لو كانت الزوجة أمة، أو متمتعا بها، أما أم الولد فللمولى إجبارها على إرضاع
ولدها.
5285. الثالث: لو كانت الحرة مطلقة طلاقا بائنا، وطلبت الأجرة على إرضاع
الولد، جاز للأب العقد عليها وإعطاؤها الأجرة، ولو كانت في حبالته أو مطلقة
طلاقا رجعيا، فللشيخ قولان:
أحدهما أنه لا أجرة لها، ولا يصح للأب أن يعقد عليها عقد
إجارة للإرضاع. (2)

1. ما بين القوسين في «أ» نسخة بدل.
2. المبسوط: 6 / 36 - 37 و ج 3 / 239.
10

والثاني جواز ذلك. (1) وهو الأقرب عندي قال: وكذا لو استأجرها لخدمته
أو خدمة غيره لم يجز، لاستغراق وقتها في حقوقه من الاستمتاع. (2)
5286. الرابع: لو تبرعت الأم بإرضاعه، لم يجب على الزوج الزيادة في نفقتها،
ولو لم تتبرع وطلبت الأجرة، وجب على الأب دفعها إليها إن لم يكن للولد مال،
ولو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأم بالتبرع، فهي أحق به، وإن لم ترض،
كان للأب تسليمه إلى المتبرعة، وكذا لو طلبت الأم أجرة وطلبت الأجنبية أقل،
كان للأب تسليمه إلى الأجنبية.
ولو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم، فالقول قول الأب مع يمينه،
على إشكال.
وإذا أخذت الأم الأجرة كان لها أن ترضع بنفسها وبغيرها.
ولا يجب على الأب دفع أجرة ما زاد على الحولين، وليس للأب تسليمه
إلى المتبرعة مع تبرع الأم، ولا إلى المستأجرة بما ترضى به الأم.
5287. الخامس: لو سلمه إلى المتبرعة، أو امتنعت الأم من إرضاعه، فسلمه إلى
المستأجرة، لم تسقط حضانة الأم، وتأتي المرضعة فترضعه عندها، ولو تعذر
حمل الصبي إليها وقت الإرضاع، فإن تعذر سقطت حضانتها.

1. النهاية: 503.
2. المبسوط: 6 / 37، ولاحظ الأقوال حول المسألة في الخلاف: 7 / 304 - 305.
11

الفصل الرابع: في الحضانة
وفيه عشرة مباحث:
5288. الأول: الحضانة: ولاية وسلطنة لكنها بالأنثى أليق، فإذا افترق الأبوان
وبينهما ولد وتنازعاه، فإن كان بالغا رشيدا، فأمره إلى نفسه ينضم إلى من شاء،
سواء كان ذكرا أو أنثى، ولا حق لأحد الأبوين فيه، غير أنه يكره للأنثى مفارقة
أمها حتى تتزوج.
وإن كان طفلا، فالأم أحق بالذكر حولين مدة الرضاع، وبعد ذلك يكون
الأب أولى به منها، والأم أحق بالأنثى الصغيرة إلى أن تبلغ سبع سنين، ثم يصير
الأب أولى بها منها.
5289. الثاني: إنما تثبت الحضانة للأم حولين للذكر وسبعا للأنثى ما لم
تتزوج، فإن تزوجت بغير الأب، سقطت حضانتها عنهما، وكان الأب أولى بهما
منها، فإن طلقها الزوج رجعيا لم تعد الحضانة، وإن كان بائنا عادت الولاية لها
ما لم يخرج الحولان في الذكر والسبع في الأنثى، فإن تزوجت بآخر سقطت
حضانتها، فإن طلقها بائنا عادت، وهكذا.
والمفيد (رحمه الله) جعل الحضانة للأم في الأنثى تسع سنين. (1) والشيخ في

1. المقنعة: 531.
12

الخلاف (1) والمبسوط (2) لم يفرق بين الذكر والأنثى، بل جعل الحضانة للأم
مدة سبع سنين ولم يفصل. وما اخترناه هو الأظهر.
5290. الثالث: لو كانت الأم مملوكة، سقطت حضانتها، وكذا لو كانت كافرة،
والأب مسلم، وكذا الأب لو كان مملوكا والأم حرة، فهي أولى بالحضانة إلى أن
يبلغ الولد، أو يعتق الأب.
ولو كان كافرا والمرأة مسلمة فهي أولى بالحضانة إلى البلوغ، أو
إسلامه (3) سواء تزوجت الأم الحرة المسلمة أو لا، وكذا لو مات الأب كانت الأم
أولى بالذكر والأنثى إلى وقت بلوغهما من الوصي وغيره.
5291. الرابع: إذا صار الأب أولى بالولد إما لتزويج أمه، أو لبلوغه المدة التي
قررناها، لم يمنع من الاجتماع بأمه، فالذكر يذهب إلى أمه والجارية تأتي أمها
إليها من غير إطالة ولا انبساط في بيت مطلقها، ولو مرض الولد لم يمنع أمه من
مراعاته وتمريضه، وإن مرضت الأم لم يمنع الولد من التردد إليها ذكرا كان
أو أنثى.
ولو مات الولد حضرته أمه، وتولت أمره وإخراجه، وكذا لو ماتت الأم
حضرها الولد.
5292. الخامس: إذا كان للولد أم، كانت أحق به مدة الحضانة، فإن ماتت، كان
الأب أولى به من كل أحد، فإن فقدا معا، فالحضانة للأقارب، ويترتبون ترتب
الإرث، فالأخت للأب والأم أولى من الأخت لأحدهما، والأخت للأب أولى من

1. الخلاف: 5 / 131، المسألة 36 من كتاب النفقات.
2. المبسوط: 6 / 39.
3. في «ب»: أو الإسلام.
13

الأخت للأم، قاله الشيخ، نظرا إلى كثرة النصيب، ثم تردد، وقال: لو قلنا بالقرعة
كان قويا، ثم قال: العمة والخالة سواء يقرع بينهما (1) وأم الأب أولى من الخالة
وأم الأب مع أم الأم تتساويان، والجدة أولى من الأخوات.
وابن إدريس منع من الحضانة لغير الأبوين والجد للأب خاصة
بطريق الولاية. (2)
5293. السادس: إذا اجتمع قرابة يتساوون في الدرجة، كالعمة والخالة، أو
الأختين، أقرع بينهم، فمن خرجت القرعة له، كان أولى بالحضانة.
5294. السابع: كل أب خرج من الحضانة بفسق، أو كفر، أو رق فهو كالميت،
ويكون الجد أولى.
ولو كان الأب غائبا انتقلت حضانته إلى الجد.
ولو كان الأبوان مملوكين، فلا حضانة لهما على الحر ولا على المملوك،
بل أمره إلى سيده، لكن الأولى لسيده أن يقره مع أمه، ولو أراد أن ينقله عنها إلى
غيرها ليحضنه، كان له ذلك، وكذا لو كان أحد أبويه حرا وهو مملوك، أما لو كان
أحد أبويه حرا والولد غير مملوك، فالحضانة للحر خاصة، ومن لم تكمل فيه
الحرية فهو كالقن سواء.
5295. الثامن: لا يسقط عن الأب الموسر نفقة ولده بحضانة أمه.
5296. التاسع: المجنون أمره إلى الأب وإن بلغ، ذكرا كان أو أنثى، والبكر
البالغة العاقلة لا ولاية للأب عليها وإن اتهمت.

1. المبسوط: 6 / 42.
2. السرائر: 2 / 654.
14

5297. العاشر: الأنثى التي لا محرمية لها، كبنت العمة وبنت الخالة، هل تثبت
لها الحضانة؟ الأقرب ذلك.
ولو اجتمع الذكور والإناث من الأقارب المتساويين في الدرجة، كالعمة
والخالة والأخت والجد، فالأقرب تقديم الأنثى في الحضانة، ولم أقف فيه على
نص منا.
الفصل الخامس: في أحكام الأولاد
وفيه سبعة عشر بحثا:
5298. الأول: أولاد المعقود عليها دائما يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة:
الدخول، ومضي ستة أشهر من حين الوطء، وعدم تجاوز أقصى الحمل، وهو
تسعة أشهر أو عشرة، وقيل: سنة، (1) وليس بمعتمد.
فلو تجرد العقد عن الدخول لم يلحق به، وكذا لو جاءت به لأقل من ستة

1. القائل هو السيد المرتضى في الانتصار: 345، المسألة 193، حيث قال: ومما انفردت به
الإمامية القول بأن أكثر مدة الحمل سنة واحدة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي:
أكثر مدة الحمل أربع سنين.
وقال الزهري والليث وربيعة: أكثره سبع سنين. وقال أبو حنيفة: أكثره سنتان.
وعن مالك ثلاث روايات: إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين. والثانية خمس سنين. والثالثة
سبع سنين.
وقال الشيخ في المبسوط: 5 / 290: أقل الحمل ستة أشهر وأكثر الحمل عندنا تسعة أشهر، وقال
بعض أصحابنا: سنة، وقال قوم: أربع سنين، وقال آخرون: سنتان وفيه خلاف. لاحظ مختلف
الشيعة: 7 / 314 - 316.
15

أشهر من حين الوطء حيا كاملا أو لأكثر من عشرة أشهر، إما باتفاقهما أو بغيبوبة
المدة الزائدة عن أقصى الحمل.
5299. الثاني: مع اختلال أحد الشرائط لا يجوز له إلحاقه به، ويجب نفيه عنه،
ولو حصلت شرائط الإلحاق، لم يجز له نفيه وإن جاءت به لأقل الحمل، سواء
اتهم أمه بالفجور أو تيقنه، (1) ولو نفاه حينئذ لم ينتف إلا باللعان.
أما لو علم إخلال أحد الشرائط، فإنه ينتفي عنه بغير لعان.
ولو اعترف بالدخول وولادة الزوجة له لأقل الحمل أو أكثره، وجب عليه
الإقرار به، فلو أنكره لم ينتف إلا باللعان، وكذا لو اختلفا في المدة.
5300. الثالث: لو اختلفا في الدخول، فالقول قول الزوج مع يمينه، وكذا لو
اختلفا في الولادة، لأنه يمكنها إقامة البينة عليها (2).
فإن اتفقا على الولادة والدخول والمدة، واختلفا في النسب، فالقول قولها،
ويلحقه الولد، ولو اعترف بالولد ثم نفاه بعد ذلك، لم يقبل نفيه وألزم الولد.
ولو وطأها غيره فجورا، كان الولد لصاحب الفراش، لا يجوز له نفيه عنه،
فإن نفاه لاعن أو حد.
5301. الرابع: لو طلق زوجته فاعتدت، ثم جاءت بولد ما بين الفراق إلى
أكثر (3) مدة الحمل ولم توطأ بعقد ولا شبهة عقد لحق به، ولو تزوجت ثم

1. وفي الشرائع: 2 / 341: ومع الدخول وانقضاء أقل الحمل لا يجوز له نفي الولد لمكان تهمة
أمه بالفجور، ولا مع تيقنه، ولو نفاه لم ينتف إلا باللعان.
2. فلا يقبل قولها فيها بغير بينة.
3. في «أ»: إلى كثرة.
16

جاءت بولد لدون ستة أشهر كاملا من وطء الثاني، فهو للأول ما لم يتجاوز
أقصى الحمل، وإن كان لستة أشهر فصاعدا، كان للثاني.
وكذا لو باع السيد جاريته الموطوءة فأتت بولد لدون ستة أشهر من وطء
الثاني، كان لاحقا بالمولى الأول، وإن كان لستة أشهر فصاعدا، كان للثاني.
5302. الخامس: لو أحبل امرأة من الزنا ثم تزوجها أو اشتراها من مولاها، لم
يجز له إلحاقه به، وكذا ولد الزنا مطلقا لا يجوز لأحد أبويه إلحاقه به.
5303. السادس: إذا وطأ أمته فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا، لزمه الإقرار به،
ولو نفاه لم يفتقر إلى لعان، وحكم بنفيه ظاهرا ما لم يتقدم النفي اعتراف، وكذا لو
اعترف به بعد النفي، فإنه يلحق به، ولو وطأها المولى ثم الأجنبي، كان
الولد للمولى.
ولو انتقلت إلى موال ووطأها كل واحد منهم، حكم بالولد لمن هي عنده
إن جاءت لستة أشهر فصاعدا منذ وطئها، ولو جاء لأقل، كان للذي قبله إن كان
لوطئه ستة أشهر فصاعدا، وإلا فللذي قبله، وهكذا.
5304. السابع: لو كان الأمة لشركاء فوطؤها في طهر واحد وولدت وتداعوه،
أقرع بينهم، فمن خرج اسمه ألحق به وأغرم حصص الباقين من قيمته يوم
سقوطه حيا وقيمة أمه، وان ادعاه واحد، ألحق به، وألزم حصص الباقين من
قيمة الأم والولد.
5305. الثامن: لا يجوز نفي الولد مع وطء المرأة أو الجارية في القبل لمكان
العزل، ولو نفاه كان عليه اللعان إن كانت الأم زوجته، أما مملوكته فينتفي الولد
من غير لعان.
17

5306. التاسع: يجب الاعتراف بولد المتعة مع حصول شرائط الإلحاق، وهو
الدخول، ومجيئه لستة أشهر فصاعدا، وعدم تجاوزه أقصى الحمل، ولا يجوز
له نفيه لمكان الشبهة، ولا لمكان العزل، سواء اشترط إلحاقه به في العقد أولا،
ولو نفاه أثم، ولا يجب عليه لعان، وينتفي ظاهرا.
5307. العاشر: لو وطئ أمته، ثم وطئها غيره فجورا، ألحق الولد بالمولى، ولا
يجوز له نفيه إذا اشتبه عليه الأمر، فإن نفاه انتفى ظاهرا من غير لعان، قال
الشيخ (رحمه الله): فإن غلب على ظنه أنه ليس منه بشئ من الأمارات، لم يلحقه
بنفسه، (1) ولا يجوز له نفيه، (2) وينبغي أن يوصي له بشئ من ماله، ولا يورثه
ميراث الأولاد. (3) وفيه إشكال.
ولو جاءت جاريته بولد ولم يكن قد وطئها، جاز له بيع الولد على
كل حال.
5308. الحادي عشر: قال الشيخ: إذا اشترى جارية حبلى، فوطئها قبل مضي
أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يبيع ذلك الولد، لأنه غذاه بنطفته، وكان عليه أن
يعزل له من ماله شيئا ويعتقه، وان كان وطؤه لها بعد أربعة أشهر وعشرة أيام،
جاز له بيع ذلك الولد على كل حال، وكذا لو كان الوطء قبل ذلك، لكنه يكون قد
عزل عنها، فإنه يجوز له بيع الولد. (4) والأقرب جواز بيع الولد.
5309. الثاني عشر: الوطء بالشبهة يلحق به النسب كالصحيح، فلو اشتبهت

1. في المصدر: فلا يلحقه بنفسه.
2. في المصدر: «ولا يجوز له بيعه» ولعله الصحيح بالنظر إلى ما يأتي من حديث بيع الولد.
3. النهاية: 506 - 507.
4. النهاية: 507.
18

عليه أجنبية فظنها زوجته أو مملكوته، فوطئها، وجاءت منه بولد، لحق به، وكذا
لو وطئ أمة غيره لشبهة (1)، لكن هنا يلزمه قيمة الولد يوم سقوطه حيا.
5310. الثالث عشر: لو ظن خلو المرأة عن زوج، وظنت هي موت زوجها أو
طلاقه، فتزوجها، ثم بان حياته وكذب المخبر بالطلاق، ردت على الأول بعد
الاعتداد من الثاني، ولو حبلت من الثاني لحق به الولد مع الشرائط، سواء
استندت في الموت أو الطلاق إلى حكم حاكم أو شهادة شاهدين أو إخبار
واحد، ولا نفقة لها على الزوج الأخير في عدته، لأنها لغيره، بل على الأول، لأنها
زوجته، ولو أكذب شهود الطلاق أنفسهم عزروا، ولم ينقض الحكم، ويرجع
عليهم بالدرك.
5311. الرابع عشر: إذا وطئ اثنان امرأة في طهر واحد، وكان وطأ يلحق به
النسب، إما بأن يكون وطأ شبهة من كل واحد منهما، بأن يظنها كل واحد أنها
زوجته، فيطأها، أو يكون نكاح كل واحد منهما فاسدا، بأن وطئها أحدهما في
نكاح فاسد، ثم تتزوج (2) بآخر نكاحا فاسدا، ويطأها، أو يكون وطء أحدهما
في نكاح صحيح والآخر في فاسد، وتأتي به (2) لمدة يمكن أن يكون من كل
واحد منهما، فإنه يقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به، ولا يلحق بهما معا، ولا
بمن يلحقه القافة. (3)
5312. الخامس عشر: لا فرق بين أن يكون المتنازعان حرين أو عبدين،

1. في «أ»: بشبهة.
2. في «ب»: تزوج.
3. في «أ»: ويأتي به.
4. القافة جمع قائف، وهو الذي يعرف الآثار ويلحق الولد بالوالد. مجمع البحرين.
19

مسلمين أو كافرين أو مختلفين، أو أبا وابنا، فإن القرعة ثابتة في ذلك كله، ولو
كان مع أحدهما بينة حكم لها، وتبع الولد من قامت له البينة في الإسلام والكفر،
وكذا لو ألحقته القرعة بأحدهما، فإنه يلحقه دينا ونسبا، ولا يحتاج إلى
قرعة للدين.
5313. السادس عشر: الأسباب (1) التي يلحق بها الأنساب:
الفراش المنفرد، بأن ينفرد بوطئها وطأ يلحق بها النسب.
والدعوى المنفرد، بأن يدعي مجهول النسب وحده من غير منازع.
والفراش المشترك مع التنازع، يحكم فيه بالقرعة، كما تقدم، أو بالبينة،
ولو انفرد أحدهم بالدعوى، حكم له وإن اشترك الفراش.
وأما المرأة فيلحق الولد بها بالبينة أو بدعواها إذا كان ممكنا.
ولو تداعاه امرأتان أقرع بينهما كالرجل.
5314. السابع عشر: الحميل - وهو الذي يجلب من بلاد الشرك بأمان أو بغيره
- إذا أسلم، أو كان مسلما ثم قدم واعترف بنسب مجهول النسب في دار الإسلام
، وكان المدعى طفلا، لحق نسبه به، وإن كان كبيرا افتقر إلى التصديق منه فيه،
سواء ادعى بنوته أو أخوته أو غيرهما من جهات النسب.

1. وهي ثلاثة عند المصنف: 1 - الفراش المنفرد. 2 - والدعوى المنفرد. 3 - والفراش المشترك
مع التنازع.
20

الفصل السادس: في النفقات
وأسبابها ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
فهاهنا مطالب:
[المطلب] الأول: في نفقة الزوجات، والنظر في مقامات:
[المقام] الأول: في الشرط
وفيه أربعة عشر بحثا:
5315. الأول: الزوجية سبب في وجوب النفقة على الزوج بشرطين: دوام
العقد والتمكين التام من الزوجة، فلو كان العقد منقطعا، لم تجب النفقة، ولو كان
دائما ومنعت الزوج من نفسها، سقطت النفقة عنه أيضا.
وإنما تجب النفقة لها لو مكنت نفسها تمكينا تاما، بأن تخلي بينها وبينه
بحيث لا يخص موضعا ولا وقتا، فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان، أو مكان
دون مكان مما يسوغ فيه الاستمتاع سقطت نفقتها إلى أن تعود إلى
تمام التمكين.
5316. الثاني: المشهور أن وجوب النفقة يتوقف على التمكين لا بمجرد
العقد، وحينئذ إن كانا بالغين ومكنت بأن تقول: قد سلمت نفسي إليك في أي
مكان شئت، وجبت لها النفقة.
21

ولو قالت: أسلم نفسي إليك في منزلي، أو في الموضع الفلاني، أو البلد
الفلاني، دون غيره، لم يكن تسليما تاما، كما لو قال البائع: أسلم إليك السلعة
على أن تتركها (1) في مكان بعينه لم يكن تسليما يستحق به أخذ العوض، وكذا
المولى لو سلم الأمة إلى زوجها ليلا خاصة لم يكن لها نفقة على الزوج.
ولو تعاقد النكاح ولم يطالبها بالتمكين ولا طالبته بالتسليم (2) وسكتا
ومضى زمان على ذلك، لم تكن لها نفقة عن ذلك الزمان، لأن النفقة تجب
بالتمكين لا بإمكانه.
5317. الثالث: لو كان الزوج غائبا، فإن كانت غيبته بعد أن مكنته، وجبت النفقة
عليه، وهي جارية عليه زمان غيبته، وإن كانت قبله، فلا نفقة لها، فإن رفعت
أمرها إلى الحاكم، وبذلت له التسليم، لم تكن لها نفقة حتى يكتب الحاكم إلى
حاكم البلد الذي فيه الزوج ليستدعيه، فإن سار إليها وتسلمها، أو وكل على
التسليم، وبذلته، وجبت النفقة حينئذ، فإن امتنع، نظر الحاكم إلى مدة السير، فإذا
انقضت فرض لها النفقة.
5318. الرابع: لو كانت الزوجة مراهقة تصلح للوطء، قال الشيخ (3): حكمها
حكم الكبيرة إلا في فصل واحد، وهو أن الخطاب مع الكبيرة في موضع السكنى
والتمكين الكامل، وهاهنا إذا قام وليها مقامها في التسليم استحقت النفقة.
ولو لم يكن لها ولي، أو كان غائبا، أو منعها، فسلمت هي نفسها، وجبت

1. في «أ»: على أن يتركها.
2. أي بتسليم النفقة كما في المبسوط: 6 / 11.
3. المبسوط: 6 / 12.
22

النفقة وإن لم تكن ممن يصح تصرفها، لأن الزوج استحق القبض وقد حصل ولا
اعتبار في كون المقبوض منه من أهل الإقباض، كما لو دفع الثمن وقبض المبيع
من صبي، أو مجنون، أو وجده في الطريق، صح.
5319. الخامس: لو كان الزوج كبيرا وهي صغيرة لا يجامع مثلها، لم تجب لها
نفقة; قاله الشيخ (1) وقال ابن إدريس: تجب عليه النفقة، (2) مع أنه شرط في
وجوب النفقة التمكين. (3)
ولو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء، لم يعتد به، لأنه استمتاع نادر لا
يرغب فيه غالبا.
ولو كان الزوج صغيرا، وهي كبيرة، وبذلت نفسها، قال الشيخ: لا نفقة
لها. (3) ولو قيل: بوجوبها كان وجها، لتحقق التمكين من طرفها.
ولو كانا صغيرين فلا نفقة.
5320. السادس: المريضة لا تسقط نفقتها، وكذا الرتقاء والقرناء، ومن بفرجها
مرض يمنع من وطئها والضعيفة إذا كان الزوج عظيم الآلة يمنع الزوج من
وطئها، ولا تسقط نفقتها.
5321. السابع: إذا سافرت لحج واجب أو عمرة كذلك، لم تسقط نفقتها،
سواء كان بإذنه أو بغير إذنه، ولو كان لحج مندوب، فإن كان بإذنه لم تسقط، سواء

1. المبسوط: 6 / 12; والخلاف: 5 / 113، المسألة 4 من كتاب النفقات.
2. السرائر: 2 / 655.
3. السرائر: 2 / 654.
4. الخلاف: 5 / 113، المسألة 5 من كتاب النفقات.
23

كان معها أولا، وكذا غير الحج من المندوبات والمباحات، ولو كان إحرامها بغير
إذنه لم ينعقد، ولا تسقط نفقتها إن كان معها، ولو كانت منفردة سقطت.
ولو سافرت لحاجة لها منفردة عنه، فإن كان بإذنه لم تسقط نفقتها، وإن
كان بغير إذنه، سقطت.
ولو اعتكفت بإذنه لم تسقط نفقتها، سواء كان معها أولا، وإن اعتكفت بغير
إذنه لم ينعقد اعتكافها، فإن كان معها لم تسقط نفقتها، وإلا سقطت.
5322. الثامن: لو صامت ندبا كان له منعها، فإن أفطرت استحقت النفقة، وإن
امتنعت لم تسقط نفقتها، لأن له وطأها، فإن منعته من الوطء سقطت النفقة.
وأطلق الشيخ (رحمه الله) سقوط النفقة مع الامتناع من الإفطار (1).
ولو كان واجبا مضيقا كرمضان، والنذر المعين بإذنه، أو قبل نكاحه، لم
يكن له منعها، ولا تسقط نفقتها، وكذا قضاء رمضان إذا تضيق بشعبان المقبل،
ولم يبق سوى أيام القضاء.
وإن كان موسعا، كالنذر المطلق، وصوم الكفارة، وقضاء رمضان قبل
التضيق، قال الشيخ: له منعها عنه، لعدم تضيقه، (2) فإن امتنعت سقطت النفقة،
وإن أفطرت استحقتها. (2) وفيه نظر.
ولو نذرت الصوم في حبالته بإذنه، صح نذرها، وإن كان بغير إذنه لم
ينعقد، سواء أطلقت النذر أو قيدته، ولو طلقها الزوج لم يجب عليها فعله، سواء
كان مطلقا أو مقيدا، فات وقته أو لم يحضر على إشكال.

1. المبسوط: 6 / 14.
2. في «أ»: لعدم تضييقه.
3. المبسوط: 6 / 15.
24

وأما الصلاة فليس له منعها عن الفريضة في أول وقتها، وإن كانت قضاء أو
منذورة غير معينة الوقت، كان له منعها عن المبادرة، قاله الشيخ. (1)
وله منعها عن نوافل الصلاة والصيام وإن كان من الرواتب كعرفة.
5323. التاسع: لو هربت منه كانت ناشزا لا نفقة لها، سواء كانت في موضع
يعرفه أو لا، وكذا لو منعته عن التمكين التام.
ولو زوج أمته كان له إمساكها نهارا للخدمة، وعليه إرسالها ليلا للاستمتاع،
فإن أرسلها ليلا ونهارا، كانت نفقتها على الزوج، ولا خدمة لها عليه، وإن أرسلها
ليلا خاصة، سقطت جميع نفقتها (2) عن الزوج.
5324. العاشر: تثبت النفقة للزوجة، سواء كانت مسلمة أو ذمية، أو أمة، مع
التمكين التام، والمطلقة رجعيا كالزوجة، أما البائن فلا نفقة لها ولا سكنى، سواء
كانت البينونة عن طلاق، أو فسخ، إلا أن تكون المطلقة بائنا حاملا، فلها النفقة
والسكنى حتى تضع، قال الشيخ: والنفقة للحمل لا للأم، للدوران (2).
وتظهر الفائدة في الحر إذا تزوج أمة وشرط مولاها رقية الولد، وفي العبد
إذا تزوج حرة أو أمة وشرط مولاه الانفراد بالولد، وفي النكاح الفاسد.
أما المتوفى عنها زوجها، فلا نفقة لها، ولو كانت حاملا فروايتان، أقربهما
سقوط النفقة، (3) والأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها. (4)

1. المبسوط: 6 / 15.
2. في «أ»: جميع نفقاتها.
3. المبسوط: 6 / 28.
4. الوسائل: 15 / 234، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 1 و 2 و 3 و 7.
5. الوسائل: 15 / 236، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 1.
25

5325. الحادي عشر: النكاح المفسوخ من أصله كالشغار، لا يستحق بالعقد فيه
مهر ولا نفقة، ويفرق بينهما، ولو دخل جاهلا (1) بالفساد، فإن كان قد سمى،
ثبت المسمى، وإلا فمهر المثل، ويفرق بينهما، ولا نفقة لها ولا سكنى، ولو
حملت (2) قال الشيخ: لها النفقة عندنا، لعموم الأخبار. (3)
ولو وقع صحيحا، ثم فسخ لعيب قبل الدخول، فلا نفقة ولا مهر، وإن كان
بعده فلا نفقة أيضا، ولها المسمى، أو مهر المثل إن لم يسم، ولو كانت حاملا
فلها النفقة أيضا.
5326. الثاني عشر: النفقة على الحامل تجب يوما فيوما كغيرها، وإن ادعت
وشهدت لها القوابل، أطلقت لها النفقة من حين الطلاق إلى حين الشهادة ثم لها
يوما فيوما، وهو مشكل على تقدير أن تكون النفقة للحمل، فإن بان البطلان،
ردت ما أخذت.
ولو أسقطت بالولد لم يعد عليها بالنفقة إلى حين الإسقاط، ولو لم يكن
دفع النفقة، فإن قلنا للأم لأجل الحمل، أخذت منه النفقة من حين الطلاق إلى
حين الإسقاط، وإن قلنا للحمل، فإشكال.
ولو بذل الورثة السكنى للحامل، أو السلطان، لتحصن ماء الرجل لم
يلزمها القبول.
ولو ادعى الزوج بعد وضعها، أنه كان طلقها قبله، فالقول قولها مع اليمين

1. في «ب»: جاهلين.
2. في «أ»: «جهلت» وهو مصحف.
3. المبسوط: 6 / 24.
26

على نفي العلم، لأنه يدعي إسقاط حقها من النفقة والسكنى، فإذا حلفت
استحقت النفقة والسكنى، وليس له مراجعتها، وله نكاح رابعة غيرها وأختها،
وكذا لو طلقها رجعية وادعت أن الطلاق بعد الوضع، وأنكر، فالقول قولها مع
اليمين، ولها النفقة، ويحكم عليه بالبينونة.
5327. الثالث عشر: لو نفى حمل زوجته، لاعنها، ولا نفقة لها حينئذ ولا
سكنى، وتعتد بوضعه، وكذا لو طلقها وظهر بها حمل يلتحق به ظاهرا
فنفاه ولاعنها.
ولو أكذب نفسه بعد اللعان واستلحقه، وجبت النفقة، وعاد النسب من
طرفه، لا من طرف الولد، على معنى أن الولد يرث أباه ومن يتقرب به،
دون العكس.
ولو كانت قد أرضعته قبل التكذيب ثم أكذب نفسه، لزمته أجرة الرضاع،
وبالجملة كل ما يسقط باللعان يثبت مع التكذيب.
5328. الرابع عشر: لو طلقها رجعيا وظهر بها أمارات الحمل، ثم بان البطلان،
استرجع ما زاد عن العدة، والقول قولها في مدة أقرائها، فلو قالت: لا أعلم كم
انقضت عدتي إلا ان عادتي في الحيض والطهر كذا، عمل به.
ولو قالت: إن حيضي يختلف، رجع بما زاد عن الأقل.
ولو قالت: لا أعلم قدره، قال الشيخ: يرجع بما زاد عن أقل ما يمكن
انقضاء الأقراء به (1).

1. المبسوط: 6 / 27.
27

ولو بانت حاملا، وأتت به لمدة يمكن أن يكون منه، فالولد له، والنفقة
عليه إلى حين الوضع، وإن أتت به لأكثر من أقصى مدة الحمل من حين الطلاق،
لحق به الولد في هذه المدة وقدر العدة، لأن الطلاق رجعي.
وإن أتت به لأكثر من ذلك، انتفى عنه بغير لعان، ولا تنقضي عدتها به عنه،
فيكون عدتها بالأقراء.
فإن نسبته إلى غير الزوج، وذكرت أنه وطئها بعد الأقراء،
استعيدت الفاضل.
وإن قالت: بعد قرءين، فلها نفقتها (1) ولا شئ لها عن مدة الحمل،
وعليها تتمة الاعتداد بالقرء الثالث بعد الوضع، ولها نفقته.
وإن قالت: عقيب الطلاق، فعدتها بعد الوضع ثلاثة أقراء، فلا نفقة لها عن
مدة الحمل، فتردها، وتأخذ نفقة الأقراء بعد الوضع.
وإن نسبته إليه وأنكر، فالقول قوله مع اليمين، فإن قالت: وطئني (2) بعد
الأقراء، ردت الزائد، وإن قالت: بعد الطلاق، فالأقرب سقوط النفقة عنه عما زاد
عن ثلاثة أقراء.
ولو ارتدت المسلمة، سقطت نفقتها، فإن رجعت في العدة، عادت لما
يستقبل، فإن كانت حاملا وقلنا النفقة لها (2) فكذلك، وإن كانت للحمل، وجبت
على إشكال.

1. في «أ»: نفقتهما.
2. في «ب»: وطئتني.
3. في «أ»: لهما.
28

المقام الثاني: في قدر النفقة
وفيه سبعة مباحث:
5329. الأول: الواجب في النفقة ستة: الطعام، والإدام، والإخدام والكسوة،
وآلة التنظيف، والسكنى، والضابط قيام الرجل بما تحتاج المرأة إليه من ذلك،
تبعا للعادة في أمثالها من أهل بلدها.
5330. الثاني: قال الشيخ: نفقة الزوجة مقدرة معتبرة بحال الزوج لا بحالها،
فإن كان موسرا فعليه كل يوم مدان، وإن كان متوسطا فمد ونصف، وإن كان
معسرا فمد. (1) وقال ابن إدريس: إنها غير مقدرة، بل الواجب كفايتها زاد عن
المقدر أو نقص. (2) وهو جيد.
والمعتبر هو غالب قوت أهل البلد، ففي العراق، البر، والحجاز، التمر
والذرة، فإن لم يكن فما يليق بالزوج، قال الشيخ: يدفع الحب، فإن طلبت غيره
لم يجب. (2) ولو دفع غيره لم يلزمها القبول.
ولو اتفقا على أخذ دراهم أو غيرها عوضه جاز، وكذا لو دفع دقيقا
أو خبزا.
ولو كانت من ذوات الإخدام أنفق على خادمها (4) واجبا بقدر سد الخلة،
ولا يقدر بقدر.
5331. الثالث: يجب عليه الإدام مع الطعام، ويرجع في جنسه إلى غالب

1. المبسوط: 6 / 6.
2. السرائر: 2 / 655.
3. المبسوط: 6 / 7.
4. في «أ»: خادمتها.
29

إدام البلد (1) فالعراق بالشيرج، وخراسان بالسمن، والشام بالزيت.
ويرجع في قدره إلى العادة، وكذا يجب عليه إدام (2) خادمها.
قال الشيخ: ويفرض لها اللحم في كل أسبوع مرة، يكون يوم الجمعة، لأنه
العرف، والقدر يرجع إلى العرف وكذا الخادم (3).
ولها أخذ الإدام وإن لم تأكل، ولو تبرمت (4) بجنس واحد من الأدم،
أبدله بآخر.
5332. الرابع: يجب عليه الكسوة، والمرجع في جنسها وعددها إلى العادة،
فيعطي الزوجة القميص، والسراويل، والمقنعة، والنعل، ولا يجب السراويل
لخادمتها، ولها عوض النعل، الخف، لأنها تدخل وتخرج (5) ويجب في الشتاء
زيادة جبة محشوة بقطن لليقظة، ولحاف للنوم، ويرجع في جنسه إلى عادة
أمثالها، وتزاد ذات التجمل - زيادة على ثياب البذلة (6) - ما تتجمل أمثالها به.
ولو كانت عادتها الحرير والكتان، فالأقرب إلزام الزوج به مع يساره، ولا بد
لها من فراش تجلس عليه نهارا ووسادة للنوم وملحفة، ولا يجب فراش آخر
للنوم، وللخادمة وسادة وكساء للغطاء، ولا يلزمه لها فراش، ومن آلة الطبخ

1. في «أ»: أدم. قال في مجمع البحرين: الأدم جمع إدام - بالكسر - مثل كتب وكتاب
ويسكن البلد.
2. في «أ»: أدم.
3. المبسوط: 6 / 7.
4. أي سئمت وملت. مجمع البحرين.
5. وفي المبسوط: 6 / 8: وأما خادمها فثلاثة أشياء: قميص، ومقنعة، وخف، ولا سراويل لها، وإنما
وجب لها الخف، لأنها تحتاج إلى الدخول والخروج في حوائج الزوجة فلا بد لها من خف.
6. وهي الثياب التي تبذل ولا تصان. لاحظ مجمع البحرين.
30

والشرب من قدر ومغرفة وكوز وجرة، ويكفي أن يكون من الخزف والحجر
والخشب، ولا تستحق خفا بخلاف الخادمة.
5333. الخامس: يجب عليه الإخدام إن كانت المرأة من ذوي الحشمة
والمناصب المقتضية للخدمة، ولا يجب عليه شراء خادمة وتمليكها، بل الواجب
الإخدام إما باستئجار حرة، أو مملوكة، أو شراء، ولو خدمها بنفسه أجزأه، ولا
يلزمه أكثر من خادم واحد، وإن كانت من ذوي الحشم التي تخدم في بيت أبيها
بأكثر من واحدة.
ولو خدمت نفسها، لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم.
ولو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ النفقة، لم يجب، ولو لم تكن من ذوات
الخدم، خدمت نفسها، ولم يجب عليه الإخدام إلا في حال المرض، وله إبدال
خادمتها المألوفة بغير ريبة (1) وله أن يخرج سائر خدمها إلا الواحدة.
وله منع أبويها من الدخول إليها.
والرقيقة المنكوحة لا تستحق خادما، وإن كانت تخدم لجمالها.
والمرجع في الإخدام إلى العرف في مثلها، ولا اعتبار بما تزيت هي
به نفسها، فلو كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وخدمت، كان لها أن
تطالب بالإخدام، وإن كانت بالضد فتكبرت وترفعت عن الخدمة، لم تستحق
الخدمة ولو كان لها مال وجهاز يحتاج إلى خدمة، لم يجب عليه، وإنما يجب
إخدامها هي.

1. في «ب»: «لغير ريبة» أي بغير اتهام.
31

وإذا وجب الخادم، تخير [الزوج] بين أربعة أشياء: أن يشتري خادما، أو
يكتري، أو يكون لها خادم ينفق عليه بإذنها، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفيه
الخادم، ولا خيار لها في التعيين.
ولو كان الخادم مشترى، أو كان لها وأنفق عليه، كانت فطرته عليه،
دون المستأجر.
ولو اختارت المرأة خادما واختار الرجل غيره، قدم اختياره.
5334. السادس: يجب عليه آلة التنظيف، وهو المشط والدهن، ولا يجب
الكحل والطيب ولا لخادمها آلة التنظيف، وهل للزوج منعها من تعاطي أكل
الثوم وماله رائحة مؤذية؟ فيه إشكال، والأقرب أن له منعها من تناول السم
والأطعمة الممرضة.
ولا تستحق الدواء للمرض، ولا أجرة الحجام والفصاد، ولا أجرة الحمام،
أما لو اشتد البرد واحتاجت إليه، فالأقرب استحقاقها له.
5335. السابع: يجب عليه السكنى في دار تجري عادة أمثالها بالسكنى فيها،
ويليق بها، إما بعارية أو إجارة أو ملك، ولها المطالبة بالتفرد بالمسكن عن
مشاركة غير الزوج.
المقام الثالث: في كيفية الإنفاق
وفيه أحد عشر بحثا:
5336. الأول: يجب عليه تمليك الحب، ومؤنة الطحن، والخبز، وإصلاح
اللحم، وليس عليه أن يكلفها الأكل معه، ولو دخل بها واستمرت تأكل معه
32

وتشرب على العادة لم تكن لها مطالبته بنفقة مدة مواكلته، ولو لم يدخل بها،
ومضت مدة لم تطالبه بالنفقة فيها، لم تكن لها المطالبة بعد ذلك بها، إذ لا وثوق
بحصول التمكين لو طلبه، أما لو بذلت نفسها، فإنه تجب عليه النفقة من تلك
المدة وإن لم يدخل بها.
5337. الثاني: لها طلب النفقة صبيحة كل يوم، وليس عليها الصبر إلى الليل،
ولو ماتت في أثناء النهار، أو طلقها فيه، لم يسترد ما وجب لها، ولو نشزت، ففي
الاسترداد نظر، أقربه الجواز.
وإنما تجب النفقة مع التمكين يوما فيوما، فلو طلبت أزيد من نفقة يوم لم
تجب إجابتها، ولو دفع نفقة شهر ثم طلقها أو ماتت قبل انقضائه، كان له أن
يسترجع ما بقي من الشهر إلا نفقة يوم الطلاق.
5338. الثالث: يكفي في الكسوة الإمتاع دون التمليك على إشكال، (1) ولو
أعطاها كسوة لمدة جرت العادة بها، (2) فأخلقتها (3) قبل انقضائها، لم تكن لها
المطالبة بالبدل، كما لو سرقت، (4) وكذا لو أعطاها قوت يوم فتلف قبل أكله.
ولو انقضت المدة وهي باقية، احتمل عدم التجديد، لحصول الكفاية

1. قال الشهيد في المسالك: 8 / 464: وقد اختلف العلماء في كون الكسوة تمليكا أو إمتاعا
فذهب المصنف والعلامة في غير التحرير والإرشاد والشيخ في المبسوط إلى الأول...
ويؤيد الثاني [أي الإمتاع] ان الغاية من الكسوة الستر وهو يحصل بالإمتاع كالسكنى، وأصالة
براءة الذمة من التمليك، وهو خيرة العلامة في الإرشاد وتردد في التحرير.
2. وفي الشرائع: 2 / 350: ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح، ولو أخلقتها
قبل المدة لم يجب عليه بدلها.
3. في «أ»: واختلقتها.
4. في «أ»: سرفت.
33

الواجبة بما عليها، ووجوبه كما لو دفع إليها قوت يوم فلم تأكله إلى الغد، فإنه لا
يسقط قوته، قواه الشيخ (1).
ولو دفع كسوة ولم يعين المدة، فإن أخلقتها قبل انقضاء مدة العادة، لم
تكن لها المطالبة بالبدل.
5339. الرابع: لو دفع إليها كسوة لمدة فأرادت بيعها، فإن قلنا إنها إمتاع لم
يكن لها ذلك، وإن قلنا انه تمليك كان لها، أما لو دفع إليها القوت فإنها تتصرف
فيه كيف شاءت من بيع وأكل وغيره ما لم يضر بها، فإن أدى إلى ضررها،
فالأقوى أن له المنع.
وعلى القول بأن الكسوة إمتاع، لو أراد الزوج تبديلها، كان له ذلك، ولو
أراد أن يكسوها ثيابا مستأجرة، فله أيضا، وليس لها الامتناع، وفيه نظر.
وبالجملة فالتردد عندي في أن الكسوة إمتاع أو تمليك، أما المسكن فإنه
إمتاع قطعا.
5340. الخامس: لو مكنت من نفسها، ولم ينفق عليها وانقضى ذلك
اليوم على التمكين، استقرت النفقة في ذمته، ولم تسقط بانقضاء اليوم،
سواء قدرها الحاكم أو لا، ولا اعتبار بحكم الحاكم، فلو انقضت مدة على
التمكين، ولم ينفق عليها، كانت النفقة في ذمته، ولها المطالبة بها، سواء طلقها
بعد ذلك أو لا.
ولو دفع نفقة لمدة فانقضت، وهي ممكنة فيها، ملكتها.

1. المبسوط: 6 / 10.
34

ولو دفع إليها كسوة لمدة، فطلقها قبل انقضائها، كان له استعادتها، ولو
انقضت المدة المضروبة لم يكن له الاستعادة.
5341. السادس: لو كان غائبا فحضرت عند الحاكم، وبذلت التمكين، لم
تجب النفقة إلا بعد إعلامه، فإن علم ولم يعد أو لم ينفذ وكيله، سقطت عنه قدر
وصوله، ولزمه الزائد.
ولو نشزت وعادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى يعلم وينقضي زمان
يمكنه الوصول إليها أو وكيله.
ولو ارتدت سقطت نفقتها، ولو غاب وأسلمت، عادت نفقتها،
عند إسلامها.
والفرق أن الردة سبب السقوط وقد زالت، وفي الأولى (1)، الموجب،
الخروج عن قبضته بالنشوز، ولا يزول إلا بالعود إلى قبضته، وعندي فيه نظر.
5342. السابع: لو كان له على زوجته دين حال وهي موسرة، جاز له أن
يقاصها يوما فيوما، ولو كانت معسرة أو كان الدين مؤجلا، لم تجز المقاصة، لأن
قضاء الدين فيما يفضل عن القوت، ولا يجب الدفع قبل الأجل، ولو رضيت
بذلك لم يكن له الامتناع.
5343. الثامن: نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأقارب، والفاضل عن قوته
يصرفه إليها، فإن فضل دفع الفاضل إلى أقاربه، ولا يدفع إليهم إلا ما يفضل عن
واجب نفقة الزوجة.

1. أي في صورة النشوز، السبب لسقوط نفقتها هو خروجها...
35

5344. التاسع: إن قلنا النفقة تجب بالعقد بشرط عدم النشوز، لو اختلفا في
النشوز، كان عليه النفقة، وإن قلنا بالتمكين، كان عليها البينة بالتمكين.
ولو نشزت بعض يوم، سقطت نفقة البعض لا جميعه على إشكال، ولو
نشزت المجنونة، سقطت نفقتها، ولو امتنعت العاقلة عن الزفاف فناشزة.
ولو حملت المطلقة رجعية من شبهة، سقطت النفقة عن الزوج مدة
الحمل، فإذا عادت إلى عدته، كان لها النفقة فيها عليه، وله الرجعة في عدته لا
في مدة الحمل.
ولو أنفقت على الولد المنفي باللعان، ثم أكذب نفسه، فليس لها الرجوع
بالنفقة، لتبرعها، والمعتدة عن شبهة لا نفقة لها، سواء كانت في نكاح أو وطء،
وسواء حملت أو لا، إلا أن يجعل النفقة للحمل، فالأقرب اعتبار كفايته على
إشكال في الاستحقاق، ولو مات قبل الوضع سقطت.
5345. العاشر: أهل البادية كأهل الحضر في النفقة، فيلزمه من جنس طعامهم
وكسوتهم ومساكنهم.
5346. الحادي عشر: إذا أسلمت وثنية وأسلم زوجها معها في العدة أو بعدها،
فلها النفقة، ولو أسلم دونها، فلا نفقة، وإن أسلمت كان لها النفقة من حين
إسلامها، وليس لها نفقة الزمان الذي انقضى على الشرك، أما لو كانت ذمية، فإن
النفقة لها في ذلك الزمان، لجواز استبقائها زوجة وإن استمرت على كفرها.
ولو ارتدت زوجة المسلم بعد الدخول، سقطت نفقتها، فإن عادت إلى
الإسلام قبل انقضاء عدتها، وجبت لها النفقة من حين الإسلام، ولا نفقة لها عن
زمان الارتداد.
36

ولو دفع الوثني إلى امرأته نفقة مدة، ثم أسلم وأقامت على الشرك حتى
انقضت العدة، استرد ما دفعه، ولو قالت: دفعته هبة، فقال: بل سلفا في النفقة، فإن
كان قد شرط وقت الدفع أنها نفقة مستقبلة، استردها، وإن أطلق، فالأقرب أنه
كذلك، والقول قوله.
ولو كانت المرتدة حاملا، سقطت نفقتها زمان ردتها إن قلنا إن النفقة لها،
وإن قلنا للحمل، فالأقرب الثبوت على إشكال، وكذا لو أسلم وتخلفت في
الشرك حاملا.
المقام الرابع: في المعتبر بالنفقة والعبد والمكاتب
وفيه ثمانية مباحث:
5347. الأول: إذا أعسر الرجل بنفقة زوجته، أو بكسوتها، أو بمسكنها، أو
إدامها، أو بنفقة خادمها، أنظر حتى يوسع الله تعالى عليه، ولا خيار للمرأة في
فسخ النكاح، ولا يفسخ الحاكم ولا يلزمه به، والأقرب سقوط حقه من الحبس
في المنزل، بل يجوز لها الخروج للتكسب، ولا يحل لها الامتناع من التمكين،
فإذا أيسر، فالوجه أن لها المطالبة بما اجتمع لها وقت إعساره، هذا إذا لم ينفق
عليها بالكلية، أما لو أنفق نفقة المعسر ثم أيسر، لم تكن لها المطالبة بالتفاوت
عن الماضي.
5348. الثاني: الواجد إذا ماطل بالنفقة ومنعها، أجبره الحاكم على دفعها،
فإذا (1) امتنع حبس إلى أن يدفع، ولو ظهر له على مال أنفق منه، ولو كان غائبا
وثبت إعساره لم يكن لها الفسخ، بل تصبر إلى اليسار.

1. في «ب»: فإن.
37

ولو كان موسرا، وأمكن المطالبة (1) طالبه الحاكم، وإلا أنفق عليه من ماله
الموجود، ولو لم يكن له مال، انتظر به.
ولو وجدت له مالا، ولم تتمكن من الرفع إلى الحاكم، جاز لها أن تأخذ
منه بقدر ما يجب لها من النفقة، سواء كان من جنس حقها أو من غيره.
5349. الثالث: المعسر بالصداق ينظر حتى يوسع الله تعالى عليه، وليس للمرأة
فسخ نكاحه، نعم لها الامتناع من تسليم نفسها حتى تقبضه.
5350. الرابع: لا تسقط نفقة الزوجة عندنا بمضي الزمان، سواء فرضها الحاكم
أو لا.
5351. الخامس: إذا اختلفا في الإنفاق، فقالت: لم ينفق علي، وادعى هو
الإنفاق، فإن كان قبل التمكين، فلا فائدة، إذ لا يجب لها شئ، وإن كان بعده،
وكانت تحت قبضه، (2) احتمل تقديم قولها، عملا بالأصل، وتقديم قوله، عملا
بالظاهر من شاهد الحال، من أنه أنفق عليها في مدة تسليمها نفسها، ولا فرق بين
أن يكون الزوج حاضرا أو غائبا.
أما لو غاب عنها، وادعى بعد عوده أنه كان قد خلف لها نفقة، فإن عليها
اليمين مع عدم البينة.
ولو كانت الزوجة أمة كانت الدعوى مع السيد.
ولو اتفقا على الإنفاق، وادعت يساره وإنفاقه نفقة المعسر، وأنكر اليسار،
لم يقبل قوله إلا ببينة إن علم له أصل مال، وإلا قبل مع اليمين.

1. في «ب»: وأمكن مطالبته.
2. الأولى: «تحت قبضته».
38

ولو وافقها على اليسار وادعى نفقة الموسر، وادعت نفقة المعسر،
فالأقرب أن القول قولها مع اليمين وعدم البينة.
5352. السادس: النفقة تجب لزوجة العبد القن والمدبر والمكاتب إذا كانت
حرة ممكنة من نفسها دائما، أو أمة مكنه سيدها منها دائما، كما يجب على الحر
المعسر، سواء شرطت النفقة عليه حال العقد أو لا، قال الشيخ: وجب في كسب
العبد إن كان ذا كسب، وإلا في رقبته، يباع منه كل يوم قدر نفقته، فإن تعذر بيع
كله ووقف ثمنه على النفقة، وقد انتقل ملك سيده عنه إلى آخر. (1) والأقرب
عندي أن نفقته على سيده، فله أن يسافر به، وعلى قول الشيخ ليس له ذلك، إلا
أن يضمن النفقة.
ولو طلق العبد زوجته بائنا، فلا نفقة لها، ولو كانت حاملا قال الشيخ: لا
نفقة لها، لأن النفقة للحمل، (2) ثم قال: ولو قلنا إن عليه النفقة لعموم الأخبار (3)
في أن الحامل لها النفقة، كان قويا. (4)
5353. السابع: المكاتب المشروط، نفقة زوجته في كسبه، وكذا المطلق إذا
تحرر بعضه، قال الشيخ: ويكون نصيب الرقية نفقة المعسر، ونصيب الحرية
بحسب حاله فيها (5) قال: ولا يجب على المكاتب نفقة ولده من زوجته،
ويلزمه نفقة الولد من أمته. (5)

1. المبسوط: 6 / 20.
2. والحمل في المقام لا نفقة له، وذلك لأن العبد لا يجب عليه نفقة ذوي أرحامه، وقد حذف
المصنف ما لا بد منه في تبيين عدم وجوب النفقة في المقام. لاحظ المبسوط: 6 / 21.
3. لاحظ الوسائل: 15 / 230، الباب 7 من أبواب النفقات.
4. المبسوط: 6 / 21.
5. المبسوط: 6 / 21.
6. المبسوط: 6 / 6.
39

5354. الثامن: إذا كاتب عبده، جاز للعبد شراء الرقيق، لأن له تنمية المال، فلو
اشترى جارية لم يكن له وطؤها إلا بإذن المولى، فإن أذن كان مملوكا لأبيه، ولا
يعتق عليه، ولا يجوز له بيعه ولا عتقه، ونفقته عليه، بخلاف ولد زوجته الحرة أو
الأمة، قال الشيخ (1): ونفقة ولد المكاتب من زوجته الحرة، عليها، وإن كانت
مملوكة فعلى سيدها، ولو كانت مكاتبة، لم يكن ولدها مكاتبا، والأليق بمذهبنا
أنه موقوف يعتق بعتق أمه، (2) ونفقته على أمه، كما تنفق على نفسها مما
في يدها.
ولو كانت مكاتبة لسيده فكذا، إلا أنه إذا اختار (2) المكاتب أن ينفق على
ولده منها جاز.
المطلب الثاني: في نفقة الأقارب
وفيه عشرة مباحث:
5355. الأول: إنما يجب الإنفاق بالقرابة على الولد وإن نزل، ذكرا كان أو
أنثى، وعلى الأب وإن علا، والأم وإن علت، ولا يجب على أحد غير هؤلاء من
أخ، أو أخت، أو عم، أو عمة، سواء كان ممن يعتق عليه أو لا، وسواء كان وارثا
أو لا، وسواء كان ذا رحم محرم - كالأخ وأولاده والعم والخال والخالة - أو غير
ذي رحم، نعم يستحب الإنفاق عليهم ويتأكد في الوارث.
5356. الثاني: يشترط في وجوب الإنفاق على الأقارب، الفقر، فلا تجب

1. المبسوط: 6 / 6.
2. في «ب»: موقوف بعتق أمه.
3. في «أ»: «إذا أجاز» والصحيح ما في المتن. لاحظ المبسوط: 6 / 6.
40

النفقة على الغني، صغيرا كان أو كبيرا، عاقلا كان أو مجنونا، بخلاف الزوجة،
فإنها تجب مع الغنى والفقر، (1) والأقرب اشتراط العجز عن الاكتساب، ولو كان
قادرا على تحصيل الكفاية بالتكسب، سقط وجوب النفقة، ولا يشترط النقص
عن طريق الخلقة كالزمن، ولا من طريق الحكم، كالصغير والمجنون، بل يجب
الإنفاق على مستوى الخلقة البالغ العاقل مع عجزه عن التكسب وفقره.
5357. الثالث: يشترط في وجوب النفقة على المنفق قدرته، فلو لم يتمكن إلا
من قدر كفايته، سقطت النفقة عنه، واقتصر على نفقة نفسه، فإن فضل له شئ
فلزوجته، فإن فضل فللأبوين والأولاد، ولو كان يستفضل عن قدر كفايته ما
يمون به من تجب نفقته عليه من ذوي أرحامه، جاز له أن ينكح، وإن علم عجزه
عن النفقة عليهم.
5358. الرابع: لا يشترط في المنفق عليه الإيمان ولا العدالة، فتجب النفقة
على القريب، وإن كان فاسقا أو كافرا مع الشرائط، نعم تشترط الحرية، فلو كان
مملوكا سقطت نفقته عنه، ووجبت على مالكه، ولو عجز المالك عن نفقته أو
ماطل بها، فالأقرب سقوطها عن القريب، وألزم بيعه (2) أو النفقة.
5359. الخامس: تجب نفقة الولد على أبيه، فإن عجز أو عدم فعلى أب الأب،
فإن عجز أو عدم فعلى جد الأب، وهكذا، فإن عدم الآباء أو عجزوا فعلى أم
الولد، فإن عجزت أو عدمت فعلى أبيها وأمها، وإن علوا الأقرب فالأقرب، ولو
تساووا اشتركوا في الإنفاق، ولو أيسر الأقرب عادت النفقة إليه.

1. في «ب»: مع الغني والفقير.
2. في النسختين: «بيعها».
41

5360. السادس: إذا اجتمع الأب والأم، فالنفقة على الأب، وكذا الجد مع الأم،
ولا تتقسط النفقة على الجد والأم، والجد من قبل الأب وإن علا أولى بالإنفاق
من الجد من قبل الأم ومن الأم نفسها.
ولو اجتمع أبو أم وأم أم، فهما سواء، وكذا أم الأم وأم الأب، أو أب الأم
وأم الأب.
5361. السابع: تجب النفقة على أب المنفق وأمه إذا كان المنفق موسرا وهما
معسران، سواء كانا صحيحين أو لا، أما إذا كانا قادرين على الاكتساب، أو كان
الولد فقيرا يعجز عن استفضال نفقتهما، فإنها لا تجب.
وكذا تجب النفقة على الأجداد الذكور والإناث، والأبوين مع الحاجة، ولا
يجب على الولد إعفاف الأب ولا نفقة زوجته.
ولو كان الأب والأم معسرين، ولا يجد الولد سوى نفقة أحدهما، تساويا،
وكذا أحد الأبوين مع الولد، ذكرا كان أو أنثى.
أما لو كان له أب وجد معسران، وعجز عن نفقتهما، قدم الأقرب، وكذا
الجد وجد الأب، والابن وابن الابن.
ولو كان له أب وابن موسران، كانت نفقته عليهما بالسواء، وكذا لو كان له
أم وبنت موسرتان، أو ابن وبنت كذلك.
ولو كان له أب وجد موسران، كانت نفقته أجمع على أبيه خاصة.
ولو كان له ابن ابن موسر وبنت موسرة، فنفقته على البنت خاصة.
42

ولو كان للمعسر ابنان موسران، أحدهما غائب، أنفق الحاكم من مال
الغائب نصف النفقة، ولو لم يكن له مال، استقرض الحاكم عليه، ولو لم يجد
المقرض ألزم الحاضر بالإنفاق، نصفها عليه ونصفها قرضا على أخيه.
5362. الثامن: لا تقدير في النفقة، بل الواجب قدر الكفاية من الإطعام،
والكسوة، والمسكن، وما يحتاج إليه، من زيادة الكسوة في الشتاء للتدثر يقظة
ونوما، وينفق على أبيه دون أولاده، لأن نفقة الإخوة ليست واجبة، وينفق على
ولد نفسه وأولاده، لأن نفقة ولد الولد واجبة.
5363. التاسع: نفقة الأقارب تجب على طريق المواساة لسد الخلة، فلو امتنع
الموسر من الإنفاق، جاز لمن يجب له النفقة منهم أخذ ما يحتاج إليه من ماله إن
لم يتمكن من الحاكم، ولو تمكن منه، رفع أمره إليه، وألزمه الإنفاق، فإن امتنع،
حبسه أبدا حتى ينفق، ولو وجد له مالا أنفق منه، ويبيع عليه عقاره ومتاعه
ويصرفه في النفقة.
ولا تقضى نفقة الأقارب إذا فات وقتها، بخلاف الزوجة، لأنها تجب لسد
الخلة، فلا تستقر في الذمة، سواء قدرها الحاكم أو لا، أما لو أمره بالاستدانة عليه
للنفقة فاستدان، وجب عليه القضاء.
5364. العاشر: تجب نفقة الأقارب على الموسر، وهو الذي فضل له عن
قوت يومه شئ، ويباع عقاره وعبده في نفقة الأقارب، ولو قدر على التكسب،
وجب عليه الإنفاق عليهم.
43

المطلب الثالث: في نفقة المماليك
وفيه تسعة مباحث:
5365. الأول: يجب على الإنسان النفقة على ما يملكه من عبد، أو أمة، أو دابة،
ثم المولى بالخيار في العبد والأمة بين الإنفاق عليهما من ماله أو من كسبهما،
ولو قصر كسبهما، وجب على المولى الإكمال.
5366. الثاني: لا تقدير للنفقة على الرقيق، بل يجب قدر الكفاية، من إطعام،
وإدام، وكسوة، وسكنى، على حسب عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده.
ولا اعتبار بالغالب، فلو قصر الغالب عن كفايته، وجب على السيد الإتمام،
ولو فضل الغالب عنه، كان الواجب قدر الكفاية خاصة.
ويرجع في الجنس إلى غالب قوت البلد، سواء كان قوت سيده أو فوقه أو
دونه.
5367. الثالث: لا فرق بين المملوك الذي يلي طعام السيد وغيره، لكن
يستحب للسيد أن يطعمه مما يقدمه إليه، (1) وإن يجلسه للأكل معه، وليس
واجبا، وكذا يستحب له أن يطعم من لم يل طعامه منه، لكن الأول آكد.
5368. الرابع: الكسوة يرجع فيها إلى عادة مماليك أمثال سيده، ولا يقتصر
على ستر العورة، ويستحب التسوية بين عبيده الذكور فيها، ولا يجب تفضيل
النفيس على الخسيس، وكذا الإماء، لكن إن كان فيهن سرية زادها في
الكسوة استحبابا.

1. في «أ»: أن يطعمه ما يقدمه إليه.
44

5369. الخامس: لو امتنع السيد من الإنفاق، أجبر عليه أو على البيع، سواء في
ذلك القن والمدبر وأم الولد، ولو امتنع حبسه الحاكم، ويجوز له أن ينفق من ماله
على مماليكه قدر كفايتهم، وأن يبيع عقاره ومتاعه مع الامتناع في ذلك.
5370. السادس: يجوز أن يخارج المملوك - وهو أن يضرب عليه ضريبة
يدفعها إلى مولاه، ويكون الفاضل له -.
فإن فضل قدر الكفاية صرفه في نفقته، وان عجز تمم السيد، وإن زاد
كانت الزيادة للمولى، ولا يجوز له أن يضرب عليه ما يقصر كسبه عنه إلا إذا قام
بها المولى، ولو عجز العبد عن العمل، أو كان مريضا، وجب على المولى الإنفاق
عليه، ولا تسقط نفقته بالعجز عن التكسب، أما لو أقعد أو عمي (1) أو جذم، فإنه
ينعتق، ولا يجب على المولى النفقة عليه حينئذ.
5371. السابع: لا يجوز للمولى أن يكلف عبده مالا يقدر عليه من العمل،
ويجوز له أن يؤجر أم الولد للإرضاع، وعليه مؤنة ولدها إذا كان ملكه، ولو لم
يفضل لبنها عن رضاع ولدها لم يجز له إجارتها للرضاع، ولا صرف لبنها إلى غير
ولدها، إلا أن يقيم للولد مرضعة تكفيه، وليس لها فطام ولدها قبل الحولين ولا
الزيادة إلا بإذن السيد.
5372. الثامن: لو امتنع العبد من المخارجة، (2) فالوجه أن للسيد إجباره على
ذلك ما لم يتجاوز بذل المجهود، (2) وقال الشيخ (رحمه الله): ليس للسيد ذلك، ولو طلب
العبد المخارجة لم يجب على المولى إجابته. (4)

1. في «أ»: أو أعمي.
2. أي قبول ضرب الخراج على قدر معلوم.
3. أي الأكثر مما يليق بحال العبد.
4. المبسوط: 6 / 46.
45

5373. التاسع: تجب النفقة للبهائم المملوكة، سواء كانت مأكولة أو لا،
والواجب القيام بما تحتاج إليه، فإن اجتزأت بالرعي أخرجها إلى المرعى وإلا
وجب عليه علفها، فإن امتنع أجبر على بيعها أو ذبحها - إن كانت تقصد للذبح -
أو الإنفاق عليها.
ولو كان لها ولد أخذ من لبنها ما يفضل عنه، ولو لم يفضل لم يجز أخذ
شئ من لبنها، ولو استغنى الولد بالرعي أو العلف، جاز أخذ اللبن أجمع.
ويجوز غصب العلف والخيط لجراح الدابة عند العجز، ولو أجدبت
الأرض وجب علف السائمة، ولو امتنع بيعت عليه.
ولا تجب عمارة العقار والدار، أما سقي الزرع وما يتلف بترك العمل،
فالأقرب إلزامه بالعمل من حيث إنه تضييع للمال، فلا يقر عليه.
* * *
[كلمة المصنف:] تم الجزء الثاني من كتاب تحرير الأحكام الشرعية على
مذهب الإمامية بحمد الله تعالى ومنه على يد مصنفه حسن بن يوسف بن مطهر
في شهر جمادى الآخر سنة إحدى وتسعين وستمائة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله
الطاهرين، يتلوه في الجزء الثالث منه القاعدة الثالثة في الإيقاعات والحمد لله رب
العالمين.
* * *
46

القاعدة الثالثة: في الإيقاعات
وفيها كتب
كتاب الفراق
47

وفيه مقاصد
المقصد الأول: في الطلاق
وفيه فصول:
الفصل الأول: في أركانه وشرائطه
وأركانه ثلاثة: الفاعل، والفعل، والمحل، فها هنا مطالب أربعة
[المطلب] الأول: المطلق
وفيه سبعة مباحث:
5374. الأول: يشترط في المطلق التكليف والقصد، ويشتمل التكليف على
البلوغ والعقل والاختيار، فلو طلق الصبي لم يقع، سواء كان أذن له الولي أولا،
هذا إذا كان سنه أقل من عشر سنين أو أكثر دون البلوغ إذا لم يحسن الطلاق، ولو
بلغ عشرا وكان ممن يحسن الطلاق، قال الشيخ: يقع طلاقه وكذا عتقه
49

ووصيته وصدقته (1) ومنع ابن إدريس ذلك. (2) وهو الأقوى، وليس للولي أن
يطلق عن الصبي حتى يبلغ ويطلق بنفسه.
5375. الثاني: المجنون المطبق لا اعتبار بطلاقه، وكذا غير المطبق إذا وقع
طلاقه حال جنونه، ويطلق عنه الولي، ولو لم يكن له ولي طلق عنه السلطان أو
من نصبه للنظر في ذلك مع حاجة إلى ذلك (2) وقال ابن إدريس: إن كان يعقل
في بعض الأوقات، طلق وقت حضور عقله، وإن لم يعقل أصلا، فسخت المرأة
النكاح، ولا حاجة إلى طلاق الولي. (4) فمنع لهذا العذر، وهو فاسد، إذ قد تختار
المرأة النكاح والمصلحة مع عدمه، وكذا إذا بلغ الطفل فاسد العقل، فإن للولي أن
يطلق عنه.
5376. الثالث: النائم لا يقع طلاقه، وكذا السكران ومن زال عقله بإغماء أو
شرب مرقد، سواء كان لحاجة أو ليذهب عقله، وليس للولي أن يطلق عن هؤلاء،
لأن عذرهم متوقع للزوال.
5377. الرابع: المكره لا يقع طلاقه ولا شئ من تصرفاته سوى إسلامه إذا
كان حربيا، وإنما يتحقق الإكراه إذا كان المكره قادرا على فعل ما توعد به،
وغلبة الظن أنه يفعله مع امتناع المكره، وأن يكون المتوعد به مضرا بالمكره في
نفسه، أو من يجري مجرى نفسه، كالأب والولد، سواء كان الضرر قتلا، أو
جرحا، أو شتما، أو ضربا، أو أخذ مال أو حبس طويل، ويختلف باختلاف
المكرهين في احتمال الإهانة والإكراه مع الضرر اليسير.

1. النهاية: 518.
2. السرائر: 2 / 693.
3. في «ب»: مع حاجته إلى ذلك.
4. السرائر: 2 / 694.
50

ولو كان الإكراه بالقتل أو القطع، استوى فيه جميع الناس، ولو كان
بالضرب والشتم والحبس، اختلف باختلاف أحوالهم، فالشتم عند الوجيه الذي
يغض منه ذلك إكراه.
ولو أكره على الطلاق أو دفع مال غير مستحق يتمكن من دفعه، فالأقرب
أنه إكراه، أما لو أكره على الطلاق أو فعل ما تستحق المرأة فعله، فليس بإكراه،
سواء كان بذل مال أو غيره.
ولو أكره على الطلاق فطلق ناويا له، فالأقرب أنه غير مكره إذ لا إكراه على
القصد، وكذا لو اكره على طلاق زوجة فطلق غيرها، أو على واحدة فطلق ثلاثا،
ولو أكره على طلاق إحدى زوجتيه، فطلق معينة، فإشكال.
5378. الخامس: القصد شرط في الطلاق، فلو نطق بالصيغة ساهيا أو نائما أو
غالطا، وبالجملة من غير نية، لم يقع، وكذا لو كان اسم زوجته «طالقا» فقال: يا
طالق، ونوى النداء، أو أطلق، أو كان اسمها «طارقا» (1) فقال: يا طالق، ثم قال:
التف لساني.
ولو نسى أن له زوجة فقال: زوجتي طالق لم يقع، ولو أوقع وقال: لم
أقصد، دين بنيته، وقبل منه ظاهرا، ولو تأخر تفسيره ما لم تخرج العدة، ولو أوقع
الصيغة هزلا لم يقع، وكذا العتق.
ولو خاطب امرأة بالطلاق ظنا أنها زوجة الغير، فإذا هي زوجته، لم يقع،
ولو لقن الأعجمي لفظ الطلاق، وهو لا يفهم، لم يقع.
5379. السادس: لا يشترط وقوع الطلاق من الزوج مباشرة، فلو وكل في

1. في «ب»: أو كان اسمها طالقا.
51

الطلاق، فأوقع الوكيل حال غيبة الموكل، وقع الطلاق إجماعا، سواء كان الوكيل
رجلا أو امرأة.
ولو وكل اثنين وأطلق، أو شرط الاجتماع، لم يقع طلاق أحدهما منفردا،
فإذا اجتمعا عليه وقع.
ولو أوقعه الوكيل وهو حاضر، قال الشيخ: لا يقع. (1) والصحيح عندي
خلافه، وكذا قال: لا يصح لو وكلها في طلاق نفسها فطلقت. (2) والحق وقوعه.
فلو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة، قيل: يبطل (2) والوجه أنها
تقع واحدة (3) وكذا لو قال: طلقي نفسك واحدة، فطلقت ثلاثا.
أما لو قال: طلقي نفسك إن شئت واحدة، فطلقت ثلاثا، أو طلقي نفسك
إن شئت ثلاثا، فطلقت واحدة، فالوجه البطلان، لأنه شرط مشيئة الواحدة أو
الثلاث، ولم يحصل.
5380. السابع: والعبد إن تزوج بإذن مولاه حرة أو أمة لغيره، كان الطلاق بيد
العبد، ليس للمولى إجباره عليه ولا منعه حقه، ولو كان بأمة السيد، كان له أن
يفرق بينهما بطلاق وغيره، بأن يأمر كلا منهما باعتزال صاحبه، وقال ابن الجنيد:
طلاق العبد إلى مولاه، سواء كانت الزوجة حرة أو أمة لسيده أو غير سيده. (4)

1. النهاية: 510.
2. المبسوط: 5 / 29.
3. قال الشيخ في المبسوط: 5 / 31: إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثا فطلقت نفسها واحدة وقعت
عند بعضهم، وعند قوم لا يقع. ولاحظ المغني لابن قدامة: 8 / 289.
4. في «ب»: والوجه انه يقع واحدة.
5. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 7 / 370 - 371.
52

المطلب الثاني: في المحل
وفيه عشرة مباحث:
5381. الأول: محل الطلاق كل امرأة عليها ولاية تامة بعقد صحيح دائم، فلا
يقع الطلاق بالرجل، سواء قالت هي: أنت طالق، (1) أو قال هو: أنا منك طالق وإن
نوى، ولا بالأجنبية، سواء علقه بالنكاح أولا، وسواء كانت معينة بأن يقول: إن
تزوجتك فأنت طالق أو أنت طالق، أو غير معينة، بأن (2) يقول: كل من أتزوجها
فهي طالق، وسواء علقه بالاسم خاصة، كقوله: فلانة طالق، أو مع قصد الوصف،
كقوله: فلانة الأجنبية، ولا ينقص العدد لو نكحها (3).
وعنينا بتمام الولاية استمرار العقد، فلو طلق المطلقة منه لم يقع، سواء
كانت مطلقة رجعية أو بائنة ما لم يرجع في الرجعية، ثم يطلق، فيصادف التمام.
وشرطنا العقد، لعدم وقوعه بالأمة والمحللة والمشتبهة.
وشرطنا صحة العقد، لعدم قبول عقد الشبهة له، والعقد الفاسد، فلو طلق
في عقد فاسد لم يصح، بل يفرق بينهما بغير طلاق.
وشرطنا دوامه، لانتفاء القابلية عن المتعة، ويشترط فيه إضافة الطلاق إليها.
5382. الثاني: الخلو من الحيض والنفاس شرط في صحة الطلاق إن كانت

1. في «ب»: قالت: مني أنت طالق.
2. في «أ»: كأن.
3. ان لا يحسب هذه الطلقة الباطلة من الطلقات المحرمة لو تزوج تلك المطلقة المعلقة. لاحظ
المسالك: 9 / 34.
53

المرأة مدخولا بها حائلا حاضرا زوجها غير غائب عنها مدة يعلم انتقالها من قرء
إلى آخر، فلو طلق الحائض أو النفساء وهي مدخول بها غير حامل، والزوج
حاضر معها أو غائب دون المدة، لم يقع الطلاق، سواء علم بذلك أولا.
ولو طلق غير المدخول بها، أو الحامل، أو التي غاب عنها قدرا يعلم
انتقالها فيه من طهر إلى آخر، جاز طلاقها مطلقا وإن اتفق في الحيض، وكذا لو
خرج في طهر لم يقربها فيه، جاز طلاقها مطلقا.
واعتبر الشيخ في الغيبة شهرا فما زاد (1) والمعتمد ما قلناه حتى أنه لو علم
أنها تحيض كل شهر حيضة جاز له طلاقها بعد شهر، ولو علم أنها لا تحيض إلا
في كل خمسة أشهر مثلا، لم يكن له طلاقها حتى تمضي هذه المدة.
ولو عاد من غيبة، فوجد امرأته حائضا، لم يجز له طلاقها حتى تطهر، وإن
لم يكن واقعها.
5383. الثالث: قال الشيخ (رحمه الله): إذا كان الزوج حاضرا، وهو لا يصل إلى زوجته
بحيث يعلم حيضها، فهو بمنزلة الغائب، فإذا أراد طلاق امرأته، صبر عليها ما بين
شهر إلى ثلاثة أشهر، ثم يطلقها إن شاء. (2) ومنع ابن إدريس ذلك، وخصص
جواز طلاق الحائض الحائل المدخول بها بالغائب خاصة. (2)
5384. الرابع: يشترط كون المرأة مستبرأة، بأن يطلقها في طهر لم يقربها فيه
بجماع، فلو واقعها في طهر، لم يقع طلاقه في ذلك الطهر.
وهذا الشرط إنما هو في البالغة غير اليائسة الحائل، فلو كانت صغيرة لم

1. النهاية: 512.
2. النهاية: 518.
3. السرائر: 2 / 686 - 687.
54

تبلغ المحيض، أو كانت آيسة منه، ومثلها لا تحيض، أو كانت حاملا، جاز
طلاقها في طهر المواقعة.
ولو كانت مسترابة، بأن ينقطع الدم عنها، وهي من ذوات الحيض، فإنه لا
يجوز له طلاقها إلا أن يمضي عليها ثلاثة أشهر من حين المواقعة معتزلا عنها
فيها، ولو طلقها قبل ذلك لم يقع.
5385. الخامس: هل يشترط تعيين المطلقة أم لا؟ قولان، أقواهما الاشتراط،
فلو طلق إحداهما لا بعينها بطل، ولا تطلقان معا.
وهو يكون بالاسم كقوله: فلانة طالق، أو بالإشارة كقوله: هذه.
ولو قال: زوجتي طالق، وله واحدة صح، ولو كان له أكثر، فإن نوى معينة،
صح إجماعا ما نواه، ودين بنيته، وإن أطلق فعلى ما اخترناه البطلان، وعلى
الأخير يصح ويستخرج بالقرعة، وكذا لو قال: واحدة من زوجاتي زينب، وله
اثنتان كل منهما زينب، أو إحداهما.
ولو قال: هذه طالق أو هذه، قال الشيخ: يعين للطلاق من شاء. (1) ولو
قال: هذه طالق أو هذه وهذه، طلقت الثالثة وعين من شاء من الأولى والثانية،
ولو مات استخرج الواحدة بالقرعة، ويحتمل على الجواز تعين الأولى خاصة أو
الأخيرتين معا.
ولو قال: إحداكما طالق، وأشار إلى الزوجة والأجنبية، ثم قال: أردت
الأجنبية، دين بنيته، وكذا لو كان له جارة وزوجة اسمهما زينب، وقال: زينب
طالق، وقال: قصدت الجارة.

1. المبسوط: 5 / 77.
55

ولو قال للأجنبية ظنا أنها زوجته: أنت طالق، لم تطلق زوجته، ولو قال: يا
زينب، فأجابته عمرة - وهما زوجتان - فقال: أنت طالق، طلقت المنوية لا
المجيبة، ولو قصد المجيبة ظنا أنها زينب، قال الشيخ: تطلق زينب. (1) وفيه نظر
من حيث عدم قصد المجيبة وتوجه الخطاب إلى غير المنوية.
ولو قال: زينب طالق، وزوجته زينب، ثم قال: قصدت هذه الأجنبية قال
الشيخ: قبل قوله ما دامت في الحبال (2) أو في العدة، وبعد خروجها من العدة
لا يقبل. (3)
5386. السادس: لو نادى إحدى زوجتيه فأجابته، ولم يعلم عينها، فقال: أنت
طالق، وقصد المجيبة، وقع الطلاق، وكذا لو رآها تحت ساتر، ولم يعلم عينها، أو
رأى ظهرها ولم يعينها فطلقها، لأن المطلقة هنا معينة في نفسها، فإذا طلق
كذلك، أو طلق واحدة معينة واشتبهت كلف الامتناع ممن وقع الاشتباه فيه، وإن
كن أربعا، كما لو اختلطت زوجته بأخته واشتبهتا، وعليه أن يبين المطلقة بيان
إقرار وإخبار لا بيان (4) شهوة واختيار، فإن قال: هذه المطلقة، حكم بطلاقها
وبزوجية البواقي، وكذا لو قال: هذه التي لم أطلقها، تعينت للزوجية، والأخرى
للطلاق إن كانتا اثنتين، وإلا يبين البواقي.
ولو قال: طلقت هذه لا بل هذه، حكم بطلاقهما معا، وكذا لو كانت ثالثة،
وقال: لا بل هذه، طلقن.

1. المبسوط: 5 / 90.
2. في «ب» والمبسوط: «في الحال».
3. المبسوط: 5 / 91.
4. في «أ»: بيان إقرار واجبا ولا بيان.
56

ولو قال: طلقت هذه لابل هذه أو هذه، حكم بطلاق الأولى وإحدى
الآخرتين، ويلزم إلى البيان فيهما، وكذا لو قال: طلقت هذه أو هذه لابل هذه،
طلقت الثالثة، وبين في الأولتين.
ولو قال في الأربع: طلقت هذه أو هذه لا بل هذه أو هذه، طلقت واحدة
من الأولتين وواحدة من الآخرتين، فعليه أن يبين في الأولتين والآخرتين، ولو
عين بالفعل، فوطئ واحدة منهما، قال الشيخ: لم يقع التعيين، لأن الطلاق لا يقع
بالفعل وكذا تعيينه. (1) وفيه نظر. قال: فيكلف البيان، فإن قال: الموطوءة غير
المطلقة، حكم عليه بطلاق الأخرى، وإن قال: هي الزوجة، وكان الطلاق رجعيا،
كان رجعية، وإلا عزر، ولا حد للشبهة، قال: ولا مهر والطلاق والعدة من حين
إيقاع الطلاق لا من حين الإقرار به إلا مع الوطء فالعدة من حين الوطء. (2)
5387. السابع: إذا أطلق الطلاق ولم يعين، فقد بينا أن الأقوى بطلانه، وقيل:
يصح، ويعين على الفور (3) فلو أخر أثم، فإن قال: اخترت تعينه في هذه،
طلقت، وبقيت الأخرى زوجته، ولو قال: في هذه لا بل في هذه، طلقت الأولى
خاصة، وكذا لو قال: في هذه وهذه، والوطء هنا بيان، وقوى الشيخ أن العدة من
حين التلفظ بالطلاق لا من حين التعيين (4) والأقوى عندي أنه من حين التعيين،
وهو تخريج، وعليه النفقة في الأولى والثانية حتى يبين إقرارا أو اختيارا.
5388. الثامن: إذا ماتتا واشتبه الطلاق بعد تعينه، كلف البيان إقرارا، ووقف

1. المبسوط: 5 / 77.
2. المبسوط: 5 / 77 - 78. نقله المصنف باختصار.
3. في «أ»: «ويعين اختيار الاقرار على الفور».
4. المبسوط: 5 / 78.
57

تركتهما، فإذا عين للطلاق إحداهما كان ميراثها لغيره دونه، إلا أن تموت في عدة
الرجعية، ويأخذ نصيبه من الثانية، والقول قوله مع تكذيب الوارث، وإن كان
مبهما فعلى قولنا يرثهما لبطلانه، وعلى الصحة إذا عينه في إحداهما كان ميراثها
لورثتها غيره، وله ميراث الأخرى، ولا اعتبار هنا بتكذيب الورثة، لأنه بيان
اختيار وشهوة.
ولو مات هو دونهما من غير بيان، وقف نصيب الزوجية حتى تصطلحا (1)
أو تقوم البينة، قال الشيخ: والأقوى أنه لا يقوم الوارث مقامه في التعيين للمعين
المشتبه وللمبهم، قال: وينبغي أن يرجع إلى القرعة. (2)
ولو توسط موته بين موتهما، وكان الطلاق بائنا معينا، فإن عين الوارث
الأولى للطلاق، قبل قوله، ولو عين الثانية احتمل عدم القبول، للتهمة، فيوقف له
ميراث زوج من الأولى، وللثانية من تركته ميراث زوجة، حتى تقوم بينة أو
تصطلح الورثة، والقبول فيحلف على نفي العلم على طلاق الأولى والقطع على
طلاق الثانية.
5389. التاسع: إذا أبهم الطلاق وماتت إحداهما لم تتعين الأخرى له، وكان
إليه التعين على القول بالصحة.
ولو كان له أربع زوجات فقال: زوجتي طالق، ولم يعين، لم يطلق الجميع
ولا يحمل على الجنس، ولو أراده احتمل طلاقهن، فإن قلنا التعيين شرط، بطل
مع عدم الإرادة، وإلا كان إليه التعيين.

1. في «أ»: حتى يصطلحا.
2. المبسوط: 5 / 80.
58

5390. العاشر: لا بد من استناد الطلاق إلى الجملة، فلو قال: يدك أو رجلك أو
شعرك أو قلبك أو رأسك أو نصفك أو ثلثاك أو وجهك طالق، لم يقع.
المطلب الثالث: الصيغة
وفيه اثنا عشر بحثا:
5391. الأول: صريح الطلاق عندنا لفظة واحدة هي قوله: أنت أو هذه، أو
فلانة أو غيرها من ألفاظ التعيين، طالق، وزاد ابن الجنيد «اعتدي» وبه روايتان
حسنتان (1) بشرط أن ينوي به الطلاق.
ولو خيرها وقصد الطلاق، فان اختارت زوجها أو سكتت ولو لحظة، فلا
حكم له، وان اختارت نفسها عقيب التخيير، قال ابن الجنيد: يقع الطلاق رجعيا،
وفي رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام): أنها بائنة (2)، وكذا في رواية حمران عن
الباقر (عليه السلام). (3) والأقرب أنه لا يقع به شئ.
5392. الثاني: لا يقع الطلاق بشئ من الكنايات كقوله: أنت خلية أو برية أو
بتة أو بتلة، (4) أو الحقي بأهلك، أو حبلك على غاربك، أو أنت بائن، أو حرام،
سواء نوى به الطلاق أولا، وكذا لو قيل: هل فارقت أو خليت أو أبنت؟
فقال: نعم.

1. الوسائل: 15 / 295، الباب 16 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 3، 4، لكن الروايات
أكثر مما ذكره.
2. الوسائل: 15 / 337، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 9.
3. الوسائل: 15 / 338، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 11.
4. في مجمع البحرين: البتل: القطع، يقال: بتلت الشئ: إذا قطعته ومنه قوله: طلقها بتة بتلة.
59

ولا يقع شئ لو اعتقد الطلاق ولم يتلفظ به.
5393. الثالث: لو قال: أنت طلاق أو الطلاق أو من المطلقات، لم يكن شيئا
وإن نواه، ولو قال مطلقة قال الشيخ: الأقوى وقوعه مع النية، قال: ولو قال:
طلقتك وقع. (1) ولو سئل هل طلقت فلانة؟ فقال نعم، قال: وقع. (2) وعندي
فيه نظر.
5394. الرابع: لو نطق بالصريح بغير العربية مع العجز عن النطق بالعربية، وقع،
ولا يقع مع القدرة، وكذا لا يقع بالإشارة إلا مع العجز عن النطق، وكذا الأخرس
يطلق بالإشارة.
ولو كتب الطلاق مع القدرة لم يقع، سواء كان حاضرا أو غائبا، وقال
الشيخ: يقع في الغائب (2) وليس بجيد.
ولو عجز فكتب الصيغة ناويا، وقع، ولو أمر غيره أن يكتب أن فلانة
طالق، لم يقع بالأمر، فإن طلق قولا، ثم أمره، وقع بالإيقاع.
5395. الخامس: يشترط في الصيغة النية، فلو تلفظ بالصريح من غير نية لم
يقع، ويدين في ذلك لو قال: لم أنو، وتجريدها عن الشرط والصفة، وهل
يشترط الواحدة؟ (4) قيل: نعم (3) فلو قال: أنت طالق ثلاثا فما زاد أو اثنتين، لم
يقع، وقيل: لا يشترط، ويقع واحدة ويلغو الزائد، (4) ولا خلاف عندنا في أنه لا
يقع ما زاد على واحدة.

1. المبسوط: 5 / 25.
2. النهاية: 511.
3. النهاية: 512.
4. في «ب»: الوحدة.
5. القائل هو السيد المرتضى في الانتصار: 308، المسألة 172.
6. وهو خيرة الشيخ في النهاية: 512، والمبسوط: 5 / 6، والخلاف: 4 / 450، المسألة 3 من
كتاب الطلاق.
60

وكذا يشترط عدم تبعيض الطلقة، فلو قال: أنت طالق نصف طلقة أو ثلث
طلقة أو ثلثي طلقة أو ثلاثة أرباع طلقة، لم يقع، ولو قال: أنت طالق نصفي طلقة
أو ثلاثة أثلاث طلقة أو ثلاثة أنصاف طلقة قال الشيخ: لا يقع شئ. (1) وكذا لو
قال: نصف طلقتين (أو ثلثا) (2).
ولو قال لأربع زوجاته: أوقعت بينكن طلقة، لم يقع شئ، وكذا طلقتين أو
ثلاثا. ولو قال: أوقعت أربع طلقات، قال الشيخ: يقع بكل واحدة طلقة. (2) ونحن
نتابعه إن قصد الإخبار بمعنى الحكم عليه لا بمعنى الإنشاء.
5396. السادس: لو قال: أنت طالق واحدة في اثنتين، طلقت واحدة وإن كان
عارفا بالحساب، ولو قال: أنت طالق واحدة بعدها واحدة، وقعت واحدة.
قال الشيخ: ولو قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة، وقعت طلقة لقوله: أنت
طالق، ويلغو الزائد، وكذا لو قال: بعدها أو معها (4) وفي الأولى نظر.
ولو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، طلقت واحدة، سواء كانت
مدخولا بها أولا، ولو كان المطلق مخالفا يعتقد وقوع الثلاث، حكم عليه بما
يعتقده، وكذا لو قال المخالف: أنت طالق ثلاثا.
5397. السابع: لو قال أنت طالق أعدل طلاق، أو أكمله، أو أحسنه، أو أقبحه،
أو ملء مكة أو الحجاز أو الدنيا أو لرضا فلان، وقصد الغرض، أو أن دخلت
الدار بفتح «أن» أو بتشديدها مع الكسر، أو بالتخفيف مع الواو، وقعت واحدة
ولو قصد الشرط في لرضا فلان لم يقع.

1. المبسوط: 5 / 57.
2. ما بين القوسين يوجد في «أ».
3. المبسوط: 5 / 58 - 59.
4. المبسوط: 5 / 55.
61

ولو قال: أنت طالق، وقال: أردت أن أقول: طاهر، قبل منه، ودين بنيته. (1)
5398. الثامن: لو حلف بالطلاق لم يقع، وكذا لو علقه بشرط، سواء كان
معلوما أو مجهولا، وكذا لو علقه بمشيئة الله تعالى، سواء قال: أنت طالق إن شاء
الله، أو إلا أن يشاء الله، أو متى شاء الله، أو إذا (2) شاء الله، أو ما شاء الله، وكذا إن
شاء زيد أو إن لم يشأ، أو إلا أن يشاء، سواء قال زيد: قد شئت أولا، أو إن طلعت
الشمس، أو عند طلوعها، أو عند هلال شوال، أو إن كان الطلاق يقع بك، سواء
علم بإمكان وقوع الطلاق بها أولا.
ولو قال: أنت طالق إذا شاء الله، فالأقرب وقوعه، ولو قال: أنت طالق في
مكة أو بمكة وقع، لأن وقوعه يستلزم تحققه في كل مكان، ولو قال: أردت إذا
كنت بمكة قبل منه، وبطل الشرط.
5399. التاسع: من ليس من ذوات الحيض لصغر أو كبر والحامل وغير
المدخول بها، ليس لطلاقها سنة ولا بدعة، بل يقع مباحا.
والبدعة طلاق الحائض مع الدخول والحضور أو في حكمه، والموطوءة
في طهر الطلاق، وهو غير واقع عندنا، ومع انتفاء الوصفين يكون طلاق السنة،
فإذا طلق الأولى لا للبدعة ولا للسنة، (3) أو طلقها لإحداهما طلقت واحدة
ولغت الضميمة، ولو قصد مع البدعة في الصغيرة وقوعه زمانها لم يقع، تديينا
له بالنية، وكذا لو أطلق أنت طالق، ثم قال: نويت إن دخلت الدار، قبل،

1. والمراد انه قبل منه ظاهرا ودين بنيته باطنا.
2. في «ب»: أو كذا.
3. في «أ»: لا بالبدعة ولا بالسنة.
62

وفي الثانية إذا قال: للسنة، وقع مع الخلو من الحيض والجماع، لا مع واحد
منهما، ولو قال: للبدعة لم يقع، سواء خلت عن وصفي الجماع والحيض أولا،
ولو قال: مع الخلو منهما أنت طالق طلقتين: واحدة للسنة وأخرى للبدعة،
وقعت واحدة.
ولو قال: أنت طالق في كل قرء طلقة، طلقت واحدة، سواء كانت حاملا،
أو صغيرة، أو يائسة، أو من ذوات الحيض مدخولا بها أولا، مع الشرائط.
5400. العاشر: لو قال: يا مائة طالق، أو أنت مائة طالق، قال الشيخ: وقعت
واحدة. (1) وفيه نظر، أما لو قال: أنت طالق مائة طلقة، صحت واحدة قطعا.
ولو قال: أنت طالق طلاق الحرج (2) فإن نوى طلاق البدعة لم يقع، وإن
نوى غيره، واحتمل مجامعته للطلاق وقع، وإلا فلا.
ولو سألته واحدة الطلاق، فقال: نسائي طوالق، فإن قصد السائلة أو غيرها
أو الجميع، عمل بقصده.
ولو قال: أنت طالق لولا أبوك لطلقتك، لم تطلق (3) لأنه قصد الحلف،
فصار كقوله: والله لولا أبوك لطلقتك.
5401. الحادي عشر: إذا قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، وقعت واحدة، وكذا:

1. المبسوط: 5 / 13.
2. طلاق الحرج عبارة عن طلاق البدعة، وحكي عن بعض الصحابة أنه يقع الثلاث. لاحظ
المبسوط: 5 / 15 والخلاف: 4 / 458، المسألة 15 من مسائل كتاب الطلاق.
3. في «أ»: لم يطلق.
63

أنت طالق طلقة إلا طلقة، أو أنت طالق غير طالق، ولو نوى هنا الرجعة صح، لأن إنكار
الطلاق رجعة، ولو أراد النقص، حكم بالطلقة.
ولو قال: زينب طالق ثم قال: أردت عمرة، قبل، ولو قال: بل عمرة، قال
الشيخ: طلقتا. (1) وفيه نظر، أما لو قال: بل عمرة طالق، فإنهما تطلقان.
5402. الثاني عشر: لو قال: أنت طالق الآن أو اليوم، وقع، ولو قال: أنت طالق
غدا، لم يقع، ولو قال: اليوم وغدا، وقعت طلقة، ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية
إن شاء الله، أو إن دخلت الدار، رجع الاستثناء والصفة إلى الطلاق، ولو قال: يا
طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله، وقعت واحدة بقوله: يا طالق.
ولو قال: أنت طالق إلى شهر، لم يقع في الحال ولا بعد شهر.
واللام (2) فيما ينتظر للتأقيت فيلغوا كقوله: أنت طالق لرمضان، وفي غيره
للتعليل، كقوله لرضا فلان، فتطلق في الحال وإن سخط فلان، ولو قال هنا:
أردت التأقيت قبل ولغى.
المطلب الرابع: في الشرائط
وهي ترجع إلى شرائط المطلق والطلاق والمطلقة، وقد ذكرنا شرائط
ذلك، وقد يرجع إلى غيرها، وهي الشهادة، فعندنا أن الطلاق لا يقع إلا بحضور
شاهدين عدلين يسمعان الإنشاء، سواء قال لهما: اشهدا أولا، فلو تلفظ بالطلاق

1. لاحظ المبسوط: 5 / 77.
2. الظاهر أنه جملة مستأنفة ناظرة إلى قوله «لرمضان» ولا صلة له لما قبله، ويحتمل وقوع
التصحيف في قوله إلى شهر، والصحيح «لشهر» أو عندئذ يرجع إلى ما قبله.
64

من دون سماعهما، كان لغوا، وكذا يلغوا مع سماع العدل الواحد، أو سماع
جماعة فساق أو مجهولي الحال.
ولا تقبل شهادة النساء منضمات ولا منفردات.
ولا بد من اجتماعهما في الإنشاء، فلو شهد كل في مجلس بانفراده، لم
يقع، ولا يقبل لو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالإنشاء، ولو شهدا بالإقرار
سمعت وإن تفرقا.
ولو أوقع من غير شهادة ثم أشهد، (1) فإن أتى بالإنشاء، وقع من حين
الإشهاد، وإلا كان لغوا.
ولو أوقع الوكيل بحضور الزوج وعدل، فالأقرب وقوعه، ولا
يثبت بهما (2).
ولو أوقعه بحضور عدلين ظاهرا، فعلم الزوج فسقهما، ففي وقوعه نظر،
ولو لم يعلم الزوج فسقهما ففي وقوعه بالنسبة إلى الشاهدين نظر.

1. في «ب»: ثم يشهد.
2. أي الأقرب وقوع الطلاق ولا يمنع كون أحد العدلين زوجا، ولكن لا يثبت بشهادة الزوج
والعدل الآخر، الطلاق عند التحاكم.
65

الفصل الثاني: في أقسامه
وفيه سبعة مباحث:
5403. الأول: الطلاق قسمان: بدعة (1) غير واقع، وهو طلاق الحائض أو
النفساء المدخول بهما مع حضور الزوج أو غيبته دون المدة المشترطة،
والموطوءة في طهر الطلاق، أو المستدخلة (2) نطفته إلى فرجها فيه، ولو ظهر
حملها لم يكن بدعيا، والمطلقة ثلاثا بغير رجوع بينها، ويقع في الأخير واحدة
على الأقوى وسنة، وهو بائن ورجعي، فالأول ما لا رجعة فيه، وهو طلاق غير
المدخول بها واليائسة من الحيض ومثلها لا تحيض، وغير البالغة، والمختلعة،
والمباراة ما لم ترجعا في البذل، والمطلقة ثلاثا برجعتين بينهما إن كانت حرة
واثنتين برجعة بينهما إن كانت أمة.
والرجعي ما للزوج المراجعة فيه وإن لم يرجع، فإن راجع في العدة،
وواقع، وطلقها في طهر آخر، ثم راجعها في العدة ووطئها وطلقها في طهر آخر،
كان طلاق العدة، وحرمت حتى تنكح زوجا غيره، فإذا عادت إليه بعد فراق أو
موت وطلق ثلاثا كالأول، حرمت حتى تنكح غيره، فإذا عادت بعد فراق أو
موت، وطلق ثلاثا للعدة حرمت أبدا في التاسعة.

1. قال في المسالك: 9 / 119: المشهور في كلام الأصحاب وغيرهم انقسام الطلاق إلى السني
والبدعي، والمراد بالبدعي المحرم إيقاعه نسبة إلى البدعة، وهي تقابل السنة النبوية، وبالسني
ما يجوز بالمعنى الأعم نسبة إلى السنة النبوية، ويعبر عنه بالشرعي.
2. في «أ»: والمستدخلة.
66

ولا يحرم من المطلقات مؤبدا غير هذه، ولو تجرد هذا الطلاق عن الوطء
أو راجع بعد العدة بعقد جديد، لم يكن طلاق العدة أما لو راجع في المختلعة
بعد رجوعها في البذل ووطئها، فالأقرب أنه طلاق العدة، ولو تزوجها في العدة
بعقد جديد، فالوجه أنه ليس طلاق عدة.
5404. الثاني: لو طلقها رجعيا، ثم راجعها في العدة، وطلقها من غير مواقعة
في طهر آخر، فالأصح وقوعه، وليس طلاق عدة، فإن راجعها في العدة، وطلقها
في طهر آخر من غير مواقعة، حرمت حتى تنكح زوجا غيره ولا تحرم في
التاسعة مؤبدا، أما لو طلقها في طهر المراجعة من غير وطء، فالأقرب صحته، فإن
راجعها في ذلك الطهر، ثم طلقها فيه من غير وطء، حرمت حتى تنكح زوجا
غيره، سواء كان المجلس واحدا أو تعدد.
ولو طلقها ثم لمسها بشهوة، ثم طلقها، ثم لمسها بشهوة من غير وطء، ثم
طلقها حرمت حتى تنكح زوجا غيره آخر، ولو وطئ لم يجز الطلاق إلا في طهر
آخر، إذا كانت المطلقة يشترط فيها الاستبراء.
5405. الثالث: كل امرأة استكملت الطلاق ثلاثا، حرمت حتى تنكح زوجا
غيره، سواء كان مدخولا بها أولا، رجعها أولا، ولو طلقها فخرجت من العدة، ثم
عقد عليها، وطلقها، فخرجت العدة، ثم تزوجها، وطلقها ثالثة، حرمت حتى
تنكح زوجا غيره، فإذا فارقها حلت للأول، ولا تهدم العدة تحريمها في الثالثة.
ولو طلق الحامل وراجعها، جاز له وطؤها وطلاقها ثانية في ذلك الطهر أو
الحيض للعدة، قيل: ولا يجوز للسنة. (1)

1. القائل: هو الشيخ في النهاية: 516 - 517.
67

5406. الرابع: ولو شك هل أوقع طلاقا أولا، لم يلزمه الطلاق، ولو تيقنه
وشك في عدده، عمل على الواحدة.
ولو طلق غائبا، ثم حضر ودخل بالزوجة، ثم ادعاه، لم يلتفت إلى بينته (1)
ويلحق به الولد المتجدد.
5407. الخامس: يصبر الغائب المطلق عن تزويج رابعة أو أخت للمطلقة تسعة
أشهر، لاحتمال الحبل، ولو علم خلوها منه اكتفى بالعدة.
5408. السادس: ينقسم الطلاق إلى واجب، هو طلاق المولي، لوجوبه عليه،
أو الفيء أيهما فعل كان واجبا; ومحظور، وهو طلاق البدعة; ومندوب، هو
الطلاق مع المشاقة (2); ومكروه مع التيام الأخلاق.
ومن النكاح حرام في العدة، والردة، والإحرام، ومستحب مع الحاجة
والمكنة، ومكروه مع عدمهما.
قال الشيخ: يستحب ألا يتزوج أكثر من واحدة. (3)
5409. السابع: لو حملت من زنا أو شبهة، كان حكمها حكم الحامل منه في
طلاقها مع الوطء والحيض.

1. في «ب» «نيته» وهو مصحف. قال المحقق في الشرائع: 3 / 25: إذا طلق غائبا ثم حضر ودخل
بالزوجة، ثم ادعى الطلاق، لم تقبل دعواه ولا بينته، تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع،
فكأنه مكذب لبينته.
2. في «أ»: مع المشاقة المسنونة.
3. نقله عنه في الجواهر وحكم بضعفه. لاحظ جواهر الكلام: 29 / 35.
68

الفصل الثالث: في طلاق المريض
وفيه خمسة مباحث:
5410. الأول: يكره للمريض الطلاق، فإن طلق صح، ويتوارثان إن كان رجعيا
في العدة، ولا يرثها في البائن فيها ولا بعدها، وترثه هي في البائن والرجعي ما
بين الطلاق إلى سنة ما لم تتزوج بغيره أو يبرأ من مرضه، فلو برئ ثم مرض
ومات في أثناء السنة، أو تزوجت بغيره فيها، أو مات بعد السنة بلحظة، لم ترثه
إلا في العدة الرجعية.
5411. الثاني: لو طلق أربعا في مرضه، ثم تزوج أربعا ودخل بهن، ومات في
السنة، ورث الثمن أو الربع المطلقات والزوجات الثمان بالسوية.
5412. الثالث: لو كان الفسخ من المرأة المريضة إما بأن تعتق تحت الزوج، أو
بأن يكون الزوج ذا عيب، لم يتوارثا في العدة ولا بعدها، سواء ماتت في ذلك
المرض أولا.
ولو فسخ المريض لعيب أو لاعنها، لم ترثه.
5413. الرابع: لو طلق الأمة فأعتقت في العدة الرجعية، ورثته، ولو خرجت
العدة، أو كان الطلاق بائنا لم ترثه، لانتفاء الشبهة على إشكال، وكذا لو أسلمت
الكتابية بعد الطلاق.
ولو طلقها بائنا قبل علمه بعتقها، لم ترثه، ولو كان بعد العلم، ورثت، فلو
69

ادعت الطلاق بعد العتق، وقال الوارث قبله، قدم قول الوارث مع اليمين،
وكذا لو ادعت المطلقة وقوع الطلاق في المرض، وقال الوارث في الصحة،
فالقول قوله.
5414. الخامس: لو سألته الطلاق أو خالعته أو بارأته، ففي توريثها نظر، قال
الشيخ: والصحيح أنها ترث (1) ولو قال: طلقت في الصحة ثلاثا، فالأقرب عدم
القبول بالنسبة إليها.
ولو ارتد الزوج لم ترثه، ولو طلقها ثم ارتدت، ثم عادت إلى الإسلام،
ففي توريثها نظر.
الفصل الرابع: في الرجعة
وفيه ثمانية مباحث:
5415. الأول: إنما تثبت الرجعة للمطلقة بغير عوض ذات العدة فيها، مع عدم
استيفاء عدد الطلاق، وهو ثلاث في الحرة، سواء كان الزوج حرا أو عبدا، واثنتان
في الأمة، سواء كان الزوج حرا أو عبدا، فعدد الطلاق عندنا يعتبر بحال المرأة لا
الرجل، فإذا استوفت الحرة ثلاث طلقات برجعتين والأمة طلقتين برجعة
متخللة، لم تكن للزوج رجعة، وكذا غير ذات العدة، كالصغيرة واليائسة، وغير
المدخول بها.
ولو انضم العوض إلى الطلاق، كان بائنا ما لم ترجع المرأة فيه في العدة،

1. المبسوط: 5 / 69; الخلاف: 4 / 486، المسألة 55 من كتاب الطلاق.
70

فيصير رجعيا، على معنى أن له الرجعة في العدة، وهل يلزمه حكم الرجعي من
المؤنة والموارثة؟ فيه نظر، أقربه عدم اللزوم.
5416. الثاني: لو طلق الأمة مرة فأعتقت، ثم تزوجها أو راجعها، بقيت على
طلقة، فتحرم عليه لو طلقها ثانيا إلا بالمحلل، وقال ابن الجنيد: تحرم في الثالثة،
ولو أعتقت قبل الطلاق، كانت كالحرة الأصلية من كونها على ثلاث.
5417. الثالث: تصح الرجعة بالقول مثل راجعتك، وارتجعتك، وأمسكتك،
ورددتك، وبالفعل كالوطء، والتقبيل، والملامسة بشهوة، ولا يفتقر إلى تقدم
النطق ولا نية الرجعة، وإن كان الطلاق رجعة.
والأخرس يرجع بالفعل أو بالإيماء والإشارة الدالة عليها.
ولو عقد في العدة ففي كونه رجعة نظر، ينشأ من بطلانه شرعا، ودلالته
على التمسك بها، وقوى الشيخ الثاني (1).
ولو علق الرجعة بشرط، فالأقرب البطلان.
ولو ارتدت مطلقة، فراجع لم يصح على إشكال، ولو رجعت استأنفت
الرجعة إن شاء.
ولو طلق الذمية، ثم راجعها في العدة، فالأقرب الجواز.
5418. الرابع: لا يشترط في صحة الرجعة علم الزوجة ولا الشهادة بها،
فلو راجعها بشهادة اثنين - وهو غائب - في العدة، صحت الرجعة، فإن
تزوجت حينئذ كان فاسدا، سواء دخل الثاني أولا ولا مهر على الثاني مع

1. المبسوط: 5 / 112.
71

عدم الدخول، ولا عدة، ومع الدخول المهر والعدة، وترجع إلى الأول بعدها.
ولو لم يشهد على الرجعة، فالقول قول الثاني مع يمينه، فيحلف على عدم
العلم بالرجعة، وإن نكل حلف الأول.
وهل يمينه كالبينة أو الإقرار (1)؟ قوى الشيخ الأول. (2) فلا يجب على
الثاني شئ مع عدم الدخول، للحكم ببطلان العقد، ومع الدخول المهر، وعلى
الثاني يجب نصف المهر مع عدم الدخول، لقبول قوله في بطلان النكاح دون
سقوط المهر، كما لو قال عن زوجة (3): هذه اختي من الرضاعة. (4)
ومع يمينه إن صدقته الزوجة ردت إليه، قال الشيخ: ويثبت للأول عليها
مهر المثل لمكان الحيلولة (5) وإن أنكرت، فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت
سقطت دعواه، وهي زوجة الثاني، وإن لم تحلف حلف الأول وصارت زوجته.
ولو بدأ بخصومتها فاعترفت له، لم يقبل قولها، ولزمها مهر المثل، وإن
أنكرت فالقول قولها، والأقرب توجه اليمين، لإسقاط مهر المثل لو نكلت، ثم
يرجع إلى خصومة الثاني.
وكل موضع اعترفت فيه بالمراجعة، ومنعت من العود، لحق [الزوج]

1. إشارة إلى ما هو المذكور في كتاب القضاء: «هل يمين المدعي المردودة بمنزلة البينة أو كإقرار
المنكر، أو هو أمر مستقل، وللاختلاف ثمرة مذكورة في مورده.
2. المبسوط: 5 / 104.
3. كذا في النسختين والأظهر لزوجته.
4. أي يقبل قوله في بطلان العقد، ولا يقبل قوله في سقوط المهر، لأنه حق الغير. لاحظ
المبسوط: 5 / 104.
5. المبسوط: 5 / 104.
72

الثاني لو فارقته، ردت إلى الأول (1) كما لو اشترى عبدا ممن ادعى أنه أعتقه، أو
غصبه من زيد (2).
ولا يفتقر في الرد إلى نكاح متجدد.
ولو صدق المولى زوج أمته في الرجعة، فكل موضع قلنا في حق الحرة:
القول قول الزوج فهنا كذلك، وكل موضع قدمنا قول الحرة، فالقول قول السيد
والزوج أيضا، لا قولها، نعم القول قول الأمة في انقضاء العدة.
5419. الخامس: لو راجع فأنكرت الدخول وادعاه، فالقول قولها مع اليمين،
فلا عدة معها، ولا رجعة له، ولا يرجع عليها بالصداق المقبوض، وترجع هي
بالنصف مع عدم القبض.
ولو ادعت الدخول فأنكره، حلف، وعليها العدة، ولا نفقة، ولا سكنى،
ولا رجعة له، ويرجع عليها بنصف الصداق إن كانت قبضته، وإلا رجعت
هي بالنصف.
ولو قال: أخبرتني بانقضاء العدة، وراجعتها، ثم قالت: لم تنقض، صحت
الرجعة، لأنه لم يقر بالانقضاء بل أخبر عنها.
ولو ادعت انقضاء العدة بالحيض في المحتمل، قدم قولها مع اليمين،
ويقدم قول الزوج لو ادعته بالأشهر.

1. وعلله في المبسوط: 5 / 105 بما هذا نصه: «لأنه ما دام حيا فإن اعترافها وقولها لا يقبل، لأنه
كان في حق الغير، فإذا سقط حق ذلك الغير قبل قولها في حقها فردت إليه».
2. فإنه لا يقبل قوله في حق الغير، وأما إذا اشتراه فيحكم بعتقه أو برده إلى المغصوب منه لإقراره
المتقدم. لاحظ المبسوط: 5 / 105.
73

ولو ادعى الزوج الانقضاء قدم قولها، لأصالة بقاء الزوجية.
ولو ادعت الحامل الوضع، قبل قولها من غير تكليف إحضار الولد، لجواز
موته أو أخذه سرقة.
ولو ادعت الحمل، فأنكر، وأحضرت ولدا، فأنكر ولادتها له، وادعى
التقاطها له، قدم قوله.
5420. السادس: لو ادعت الانقضاء وصدقها، وادعى الرجعة قبله، قدم قولها
مع اليمين، ولو راجعها فادعت بعد الرجعة الانقضاء قبلها، قدم قوله مع اليمين.
ولو ادعى مراجعة الأمة في العدة، وصدقته، وادعى المولى خروجها قبل
الرجعة، قدم قول الزوج، والأقرب توجه اليمين.
ولو قال زوج الحرة قبل الانقضاء: راجعتك بالأمس، فالوجه تقديم قوله
لقدرته على الإنشاء، ولو صدقناها فالأقرب أن إقراره إنشاء.
5421. السابع: الإشهاد على الرجعة مستحب غير واجب ولا شرط، فالقول
قول المنكر مع اليمين.
ولو قال في العدة: كنت راجعتك أمس، صح الرجوع، ولو قال: راجعتك
للمحبة أو للإهانة، وقال: أردت [الرجعة لأني] كنت أحبها في النكاح أو أهينها
فيه، فراجعتها إلى ذلك، (1) صحت الرجعة، لأنه راجعها إلى النكاح.
ولو قال: أردت أني كنت أحبها قبل النكاح أو أهينها قبله، فراجعتها إلى
ذلك، لم يكن رجعة، لأنه لم يردها إلى النكاح.

1. في «أ»: فراجعتها إليه.
74

ولو مات قبل البيان، حمل على الرجعة (1) بناء على الظاهر، وكذا يصح لو
قال: راجعتك، ولا يشترط إلى النكاح.
5422. الثامن: العدة تكون إما بالأقراء، فالقول قولها في انقضائها بها مع اليمين
ان ادعت المحتمل، وأقله ستة وعشرون يوما ولحظتان والأخيرة دلالة
لا جزء (2) وأقله في الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان، وإما بالوضع.
قال الشيخ: وأقله عند المخالف ثمانون يوما، لأن النطفة تستحيل علقة
بعد أربعين، والعلقة مضغة كذلك، ولوضع المضغة أو ما يتصور فيه خلقة آدمي
تخرج من العدة، قال: وليس لنا نص فيه، والاحتياط أن نقول: بهذا أو
بالأشهر (3).
فلو قال: طلقتك في شوال، فقالت: بل في رمضان، قدم قوله مع اليمين،
وبالعكس القول قولها مع اليمين، ولا نفقة في الزائد على ما أقر به.
ولو أنكرت الرجعة بعد الانقضاء، قدم قولها، وإن رجعت صدقت،
وإن كان في إنكارها إقرار بالتحريم، لأنها جحدت حق الزوج، ثم أقرت،
فيترجح جانبه.
أما لو أقرت بتحريم رضاع أو نسب، لم يكن لها الرجوع، ولو زعمت أنها
لم ترض بعقد النكاح، ثم رجعت، فالأقرب القبول لحق الزوج.

1. في «أ»: ولو مات قبل البيان على الرجعة حمل على الرجعة.
2. أي دلالة على الخروج من العدة وليست منها، لاحظ المسالك: 9 / 226.
3. المبسوط: 5 / 101.
75

الفصل الخامس: في المحلل
وفيه سبعة مباحث:
5423. الأول: إذا طلقها ثلاثا إن كانت حرة أو معتقا نصفها، أو اثنتين إن كانت
أمة على الشرائط، سواء كانت مدخولا بها أو لا، حرمت عليه حتى تنكح
زوجا غيره.
ويشترط في المحلل:
البلوغ، ولا اعتبار بوطء المراهق، خلافا للشيخ (1) وابن الجنيد.
والوطء قبلا بحيث تغيب الحشفة.
وأن يكون ذلك بالعقد الدائم لا بالملك ولا الإباحة ولا المتعة.
فإذا وطئ المحلل بهذه الشرائط، حلت للأول بعد مفارقة المحلل لموت
أو طلاق أو غيره من فسخ بعيب أو ردة أو لعان.
ولا يفتقر إلى المحلل إلا في المطلقة ثلاثا لا فيما دونها، ولا في المفسوخ
نكاحها بغير طلاق كالمردودة بالعيب والارتداد.
أما الخلع فإنه كالطلاق، سواء جعلناه فسخا أو طلاقا، فينتقص به عدد
الطلاق، (2) ولو خالعها ثلاثا، حرمت حتى تنكح زوجا غيره على القولين.

1. الخلاف: 4 / 504، المسألة 8 من كتاب الرجعة; المبسوط: 5 / 109 - 110.
2. يحسب طلاقا واحدا من الطلقات الثلاث فيبقى له اثنتان منها.
76

5424. الثاني: لا يشترط الإنزال فلو أكسل بعد التقاء الختانين، حلت، ولو كان
خصيا وغيب الحشفة فكذلك، وفي رواية: لا يحلل فيه (1)، وكذا المجبوب إذا
بقي منه ما يقدر على إيلاج قدر الحشفة، ولو بقي دون ذلك أو لم يبق شئ
لم يحلل.
5425. الثالث: لا فرق بين أن يكون المحلل حرا أو عبدا، مسلما أو ذميا، ولا
بين أن تكون المرأة حرة أو أمة، مسلمة أو ذمية.
ولو أصابها محرما لعارض، كالإحرام والصوم والحيض والنفاس، قال
الشيخ: الأقوى عدم التحليل لفساد المنهي عنه. (2)
ولو تزوجت الذمية بذمي، حلت للمسلم إن سوغنا له النكاح، وكذا لو
أسلمت بعد وطء الذمي.
ولو تزوجها وارتد، ثم وطئها في حال ردته أو ردتها، ثم رجعت إلى
الإسلام، لم تحل بذلك الوطء، وهذا غير متصور، لأن الردة إن كانت قبل الوطء،
انفسخ النكاح، وصار وطء أجنبي لا يحلل قطعا، وإن كانت بعده،
حلت بالأول.
5426. الرابع: لا يحل للمطلق ثلاثا أو اثنتين للأمة نكاح المطلقة بعقد دائم ولا
متعة ولا ملك يمين ولا تحليل حتى تنكح زوجا غيره، فلو عقد عليها قبله متعة
لم تحل له، وكذا لو ملك الأمة بعد طلقتين، وكذا لا تحل للأول لو وطئها المحلل
متعة أو بملك اليمين أو التحليل.

1. لاحظ الوسائل: 15 / 369، الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 - 2.
2. المبسوط: 5 / 110.
77

ولا تحل بالوطء في الدبر وان أسند إلى العقد الدائم (1) وعقد الشبهة
لا يحلل.
وتحل للأول لو أفضاها المحلل، أو أصابها وهي مجنونة، أو هو
مجنون أو هما.
5427. الخامس: لو انقضت مدة، فادعت التزويج والفرقة وانقضاء العدة
وأمكن، قبل، وفي رواية حماد الصحيحة عن الصادق (عليه السلام): تصدق إذا
كانت ثقة. (2)
ولو رجعت قبل العقد حرم العقد، ولا يقبل رجوعها بعده.
ولو ادعت إصابة المحلل لها، وصدقها، حلت للأول، وإن أنكر المحلل،
قيل: يعمل بما يغلب على ظنه من قولهما، (3) ولو قيل: يعمل بقولها كان وجها.
5428. السادس: إذا طلقها مرة أو مرتين، فتزوجت بغيره ثم فارقها،
فيه روايتان:
إحداهما: أنها تبقى مع الأول على ما بقى من العدد، فإذا استوفت الثلاثة
منضمة إلى الطلاق الأول، حرمت حتى تنكح غيره، وهي روايات
صحيحة السند (4).

1. قال الشيخ في المبسوط: 4 / 243: الوطء في الدبر يتعلق به أحكام الوطء في الفرج. من ذلك
إفساد الصوم. ووجوب الكفارة، ووجوب الغسل... ويخالف الوطء في الفرج في فصلين:
في الإحصان فإنه لا يثبت، ولا يقع به الإباحة للزوج الأول بلا خلاف في هذين.
2. الوسائل: 15 / 370، الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.
3. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 5 / 111.
4. الوسائل: 15 / 364، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6 و 7 و 9 و 11 ولاحظ
الوسائل: 14 / 408، الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2 وذيله.
78

والثانية - هي التي عمل عليها الشيخ (1) وأكثر علمائنا -: أنها تبقى على
ثلاث مستأنفات، ويهدم الثاني الطلاق، كما يهدم الثلاث. (2)
وعندي في ذلك تردد، وحمل الشيخ الروايات بعدم الهدم على كون
الزوج متعة أو مراهقا أو لم يدخل. (3)
5429. السابع: يجوز التوصل بالحيل المباحة إلى المباح دون المحرمة، ولو
توصل بالمحرمة حصل الغرض وأثم.
ولو ارتدت لتفسخ نكاح الزوج، فعلت حراما، وانفسخ نكاحه.
ولو حملت ولدها على الزنا بامرأة لتمنع أباه من العقد عليها أو التسري،
حرمت الموطوءة إن نشرنا الحرمة بالزنا، ولو زوجته بها لم تأثم، وتمت الحيلة.
ولو أنكر الاستدانة خوفا من الإقرار بالإبراء أو القضاء، جاز الحلف مع
صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب.
وكذا يحلف على نفي الاستدانة لو كان فقيرا، أو خاف الحبس ويوري،
والنية أبدا نية الحالف إذا كان مظلوما في الدعوى ونية المدعي المحق. (4)
ويوري لو أكرهه على أن يحلف على عدم الفعل المباح: أنه لا يفعله
بالشام مثلا أو في السماء (5).
ولو أكرهه على الطلاق فقال: «زوجتي طالق» ونوى طلاقا سابقا، أو

1. النهاية: 513; المبسوط: 5 / 81; الخلاف: 4 / 488، المسألة 59 من كتاب الطلاق.
2. الوسائل: 15 / 363، الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1 و 2 و 3 و 4.
3. التهذيب: 8 / 32 في ذيل الحديث 97; الاستبصار: 3 / 273 في ذيل الحديث 972.
4. لاحظ في توضيح العبارة: المسالك: 9 / 205، وجواهر الكلام: 32 / 205.
5. ولا يخفى أن يمين المكره لا ينعقد وإن لم يور، ولا إثم عليه به. لاحظ جواهر الكلام: 32 / 207.
79

[قال]: «نسائي طوالق»، ونوى الأقارب جاز، وكذا يجوز وإن لم ينو شيئا، لأن
طلاق المكره عندنا باطل.
وكذا لو قال: كل جارية لي حرة، ونوى السفن.
ولو أكره على اليمين فقال: ما فعلته، وجعل «ما» موصولة صح.
ولو أكره على الجواب ب‍ «نعم» فقال، وعنى الإبل، أو قال «نعام» وعنى به
نعام البر قصدا للتخلص، جاز.
ولو حلف ما كاتبت فلانا، ونوى كتابة العبيد، أو لا عرفته، أي ما جعلته
عريفا، أو ما أعلمته (1)، أي ما شققت شفته. وما سألته حاجة، وعنى شجرة
صغيرة في البر، أو ما أخذت له جملا، وأراد السحاب، أو بقرة، وأراد العيال، أو
ثورا، وعنى به القطعة الكبيرة من الأقط، أو عنزا، (2) وعنى الأكمة السوداء، أو
دجاجة، وعنى كبة غزل، أو فروجة، (3) وعنى الدراعة، (4) أو ما شربت له ماء،
وعنى المني، لم يحنث (5).
ولو حلف ليصدقنه، فالمخلص أن يخبر بالنقيضين بأن يقول: فعلت [و]
ما فعلت، فيعلم (6) الصدق في أحدهما.

1. الأعلم: مشقوق الشفة مثل الأفلح يقول الزمخشري:
ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني * أنا الميم والأيام أفلح وأعلم
لاحظ الكشاف: 3 / 376.
2. قال الأزهري نقلا عن الليث: العنز من الأرض: ما فيه حزونة من أكمة أو تل أو حجارة.
تهذيب اللغة: 2 / 140. وفي المبسوط: 5 / 98 «ولا عيرا».
3. في لسان العرب: الفروج: الفتي من ولد الدجاج، والفروج - بفتح الفاء -: القباء.
4. في تهذيب اللغة: 2 / 201: الدراعة: ضرب من الثياب التي تلبس.
5. جواب الجملة الشرطية، أي قوله: «ولو حلف ما كاتبت...».
6. في «ب»: يعلمه.
80

المقصد الثاني: في الخلع والمباراة
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في حقيقته
وفيه سبعة مباحث:
5430. الأول: الخلع (1) بذل المرأة لزوجها مالا فدية لنفسها لكراهية،
واختلف علماؤنا في وقوع الخلع بمجرده من غير تلفظ بالطلاق، فالذي أفتى به
الشيخ عدم الوقوع، (2) وذكر أنه مذهب المتقدمين منا كعلي بن بابويه وعلي بن
رباط وغيرهم، قال: وباقي المتقدمين لا أعرف لهم فتيا في ذلك أكثر من
الروايات التي [نقلوها و] لا تدل على عملهم بها (3) وأوجب الشيخ (4) اتباعه

1. قال في المسالك: 9 / 365: الخلع - بضم الخاء - مأخوذ من الخلع - بفتحها - وهو النزع، لأن
كلا من الزوجين لباس الآخر قال تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) (البقرة: 187) وكأنه
بمفارقة الآخر نزع لباسه.
2. المبسوط: 4 / 344.
3. لاحظ التهذيب: 8 / 97 في ذيل الحديث 328، والاستبصار: 3 / 317 في ذيل الحديث -
1128.
4. الخلاف: 4 / 422، المسألة 3 من كتاب الخلع; المبسوط: 4 / 344.
81

بالطلاق بأن يقول: خلعتك على كذا، فأنت طالق، أو يقول: فلانة مختلعة على
كذا فهي طالق.
ونص السيد المرتضى (1) وابن الجنيد على وقوعه بمجرده، وهو الظاهر
من كلام ابن أبي عقيل وسلار (2)، وعليه روايات صحيحة. (3) وعليها أعمل.
5431. الثاني: وإذا قلنا بوقوع الخلع مجردا، كان طلاقا لا فسخا، على ما
تشهد به الروايات الصحيحة، (4) فيحسب من عدد الطلاق.
ولا يقع إلا بالصريح، مثل أن يقول: خالعتك على كذا أو أنت مختلعة
على كذا، قال ابن حمزة: أو تقول المرأة: اختلعت نفسي منك على كذا،
فيجيب إليه (5).
ولا يقع بالكناية مثل فاسختك، أو أبنتك، أو بتتك، أو فاديتك، ولا
بالتقايل، ويقع بلفظ الطلاق، مثل طلقتك على كذا مع سؤالها، وتقع التطليقة
حينئذ بائنة ما لم ترجع في الفدية.
5432. الثالث: لو قال: خلعتك، ولم يذكر فدية، لم يقتضها (6) ولا يقع طلاقا
ولا خلعا وإن نوى المال.

1. الناصريات: 315، المسألة 165.
2. المراسم: 162.
3. الوسائل: 15 / 491، الباب 3 من كتاب الخلع والمباراة، الحديث 2 و 3 و 4 و 9 و 10.
4. لاحظ الوسائل: 15 / 490، الباب 3 من كتاب الخلع والمباراة.
5. الوسيلة: 331.
6. الضمير يرجع إلى البينونة المعلومة من القرائن.
82

ولو طلبت منه طلاقا بعوض، فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع.
ولو طلبت خلعا بعوض، فطلق به، قال الشيخ: ينبغي لمن أجاز ذلك من
أصحابنا أنه لا يقع، لأنه أعطاها غير ما طلبت. (1) قال: ولو قالت: خالعني على
ألف، ونوت الطلاق، فقال: طلقتك، صح الخلع عندنا وعندهم، ولو قالت:
طلقني على ألف، فقال: خالعتك على ألف، ونوى الطلاق، لم يقع، وعلى
مذهب بعض أصحابنا القائلين بوقوع الفرقة بالخلع، ينبغي الوقوع (2).
5433. الرابع: لو قال مبتديا: أنت طالق بألف، أو وعليك ألف، صح الطلاق
رجعيا، ولا تلزمها الفدية، وإن تبرعت بعد ذلك بضمانها، ولو دفعتها كانت هبة،
لها حكم الهبة، ولا تصير التطليقة بائنة.
5434. الخامس: لو قالت: طلقني بألف، كان الجواب على الفور، فإن تأخر كان
رجعيا.
5435. السادس: الخلع منه محظور، وهو أن يكرهها ويعضلها (3) بغير حق
لتفتدي نفسها، فيبطل الخلع، وعليه رد ما أخذه عوضا، ويقع الطلاق إن اتبع

1. قال الشيخ في المبسوط: 4 / 348: فأما إن طلبت منه فسخا بعوض فطلقها بعوض، فينبغي أن
يقول من أجاز من أصحابنا ذلك أنه لا يقع، لأنها طلبت غير ما أعطاها.
2. المبسوط: 4 / 348.
3. العضل هنا من الزوج لامرأته بمعنى أن يضارها ولا يحسن معاشرتها ليضطرها بذلك إلى
الافتداء منه بمهرها. وأصل العضل: المنع والتضييق، والزوج يمنعها حقها من النفقة
وحسن العشرة والإنصاف في الفراش. لاحظ تهذيب اللغة للأزهري: 1 / 474، والنهاية لابن
الأثير: 3 / 253.
83

به رجعيا، ولو زنت قال الشيخ: حل له عضلها وإحواجها بالعضل إلى
الافتداء للآية. (1)
ولو منعها حقها فبذلت الفدية واختلعت نفسها، قال الشيخ: الذي يقتضيه
المذهب أنه ليس بإكراه. (2)
ومنه مباح، بأن يخافا ألا يقيما حدود الله، بأن تكره المرأة المقام معه،
فتخاف منعه عن حقه الذي أوجبه الله تعالى عليها له، فيحل له الافتداء.
5436. السابع: إذا قالت المرأة لزوجها: إني لا أطيع لك أمرا، ولا أبر لك قسما،
ولا أغتسل لك من جنابة، ولأوطئن فراشك من تكرهه، أو علم من حالها ذلك
وإن لم تتلفظ به، حل الخلع، وجاز له أن يقترح عليها مهما شاء من قليل أو كثير،
سواء كان أكثر مما أعطاها من المهر أو أقل، وسواء كان من جنسه أو من غير
جنسه، وهل يجب خلعها مع هذا القول؟ الظاهر من كلام الشيخ ذلك (3) ومنعه
ابن إدريس، وجوز عدم الخلع. (4)
أما لو كانت الأخلاق ملتئمة، ولا كراهة لأحد منهما لصاحبه، فبذلت له
شيئا ليخلعها عليه، كان الخلع باطلا عندنا، ولو طلقها حينئذ بعوض، وقع رجعيا،
ولم يملك العوض.

1. المبسوط: 4 / 343.
2. المبسوط: 4 / 341.
3. لاحظ النهاية: 529.
4. قال ابن إدريس: الزوج مخير بين خلعها وطلاقها وإن سمع منها ما سمع بغير خلاف، لأن
الطلاق بيده ولا أحد يجبره على ذلك. السرائر: 2 / 725.
84

الفصل الثاني: في أركانه وشرائطه
وفيه ستة مباحث:
5437. الأول: أركانه خمسة: الخالع، والمختلعة، والعوضان، والصيغة.
أما الخالع، فيشترط استقلاله بالطلاق، فلا يقع عن الصبي وإن كان مراهقا
بإذن وليه أو بغيره، ولا من المجنون، ولا من المكره، ولا السكران، ولا الغضبان
غضبا يرفع القصد.
ويصح من السفيه، لكن لا تبرأ المختلعة بتسليم العوض إليه بل إلى الولي.
ويصح من المفلس والذمي والحربي، ولو خالع ولي الطفل بطل،
لأنه طلاق.
5438. الثاني: يشترط في المختلعة شروط الطلاق: كونها طاهرا طهرا لم
يقربها فيه بجماع إن كان مدخولا بها غير يائسة، ولا صغيرة، ولا حبلى، وكان
الزوج حاضرا معها، وإلا فلا.
ويصح خلع الحامل وإن كانت حائضا، كما يصح طلاقها، ولو وطئ
اليائسة أو الصغيرة أو الحبلى، جاز خلعها في ذلك الوقت، ويشترط كونها أهلا
لالتزام المال، فلو التزمت الأمة تبعت به بعد العتق إن لم يكن بإذن المولى (1)

1. في «ب»: إن لم يأذن المولى.
85

ولو أذن صح، وهل يكون ضامنا؟ فيه إشكال، وينصرف إطلاق إذنه إلى مهر
المثل، فإن عين وبذلت زيادة تبعت بها، ولو بذلت عينا فأجاز المولى، صح
الخلع والبذل، وإلا صح الخلع خاصة، وكان عليها القيمة أو المثل بعد العتق.
ولو خالعت السفيهة فسد، ولو أذن لها الولي فالوجه الصحة مع المصلحة.
ولو بذلت المكاتبة المطلقة صح، وليس للمولى الاعتراض،
والمشروط كالقن.
5439. الثالث: يشترط في المعوض كونه مملوكا للزوج ملكا تاما بالعقد الدائم
، فلا يصح خلع المطلقة طلاقا بائنا ولا رجعيا، ولا المختلعة، ولا المنكوحة
بالمتعة، أو ملك اليمين، أو عقد الشبهة، ولو ارتدت فخالعها ثم رجعت إلى
الإسلام ففي جوازه إشكال، أما لو أصرت فإنا نبين البطلان قطعا.
5440. الرابع: يشترط في الفدية العلم بالمشاهدة أو الوصف الرافع لجهالة
القدر والجنس والوصف، والتمول، فلو كان مجهولا فسد الخلع، وكذا لو خالعها
على ألف ولم يذكر المراد ولا قصده، أو على حمل الجارية أو الدابة.
ولو أطلق النقد، انصرف إلى غالب نقد البلد، ويتعين غيره لو عينه.
ولا تقدير فيه بل يجوز الزائد على ما أعطاها والناقص عنه.
ولو خالعها على غير متمول، كالخمر والخنزير، فسد الخلع، فإن أتبع
بالطلاق، كان رجعيا ولا فدية، ولو خالعها على خل فبان خمرا، صح وله
خل بقدره.
5441. الخامس: يشترط في الصيغة التصريح إما بلفظ الخلع أو الطلاق خاصة،
على ما تقدم، وتجريدها من الشرط، فلو خالعها بشرط، أو طلقها
86

كذلك، بطلا، ما لم يكن الشرط من مقتضيات الخلع فيقع، مثل أن يقول: إن
رجعت رجعت، أو تشترط هي الرجوع في الفدية.
ولو قال: خالعتك إن شئت لم يصح ولو شاءت، وكذا لو قال: إن ضمنت
لي ألفا، أو إن أعطيتني، أو ما شاكله، أو متى، أو مهما، أو أي وقت، أو أي
حين، كل ذلك باطل.
5442. السادس: يشترط في الخلع ما يشترط في الطلاق من حضور شاهدين
عدلين، والنية كالطلاق، وأن يقع (1) بالصريح وغيره مما تقدم، ومع صحته يقع
بائنا ما لم ترجع المرأة فيما بذلته فتثبت له الرجعة إن شاء.
ولا يقع بالمختلعة طلاق بحال ولا إيلاء ولا ظهار، ويلحق بها ذلك إذا
رجعت ورجع.
الفصل الثالث: في أحكامه ولواحقه
وفيه ثمانية عشر بحثا:
5443. الأول: إذا خالعها وكانت ذات عدة فرجعت في البذل في عدتها، صح
رجوعها، وكان له أن يرجع ما لم يكن قد تزوج بأختها أو رابعة، فليس له
الرجوع، ولا يبطل ذلك رجوعها.
ولو رجعت في العدة، ولم يعلم الزوج حتى خرجت العدة، فالأقرب

1. في النسختين: «وقع».
87

صحة رجوعها، ولا رجعة له، وقال ابن حمزة: إن أطلقا الخلع لم يكن للزوج
الرجوع في البضع ولا لها الرجوع في البذل إلا برضاء الآخر، وإن قيد الرجل
بالرجوع في بضعها، والمرأة بالرجوع فيما افتدت به، جاز الرجوع في العدة. (1)
وفيه نظر، والأقرب جواز الرجوع سواء شرطاه بأن قال: فإن رجعت كان لي
الرجوع أو أطلقا.
ولو رجعت ولم يعلم، فرجع هو بعد رجوعها مع استمرار الجهل، (2)
فالأقرب جواز الرجوعين، أما لو رجع قبل رجوعها ثم رجعت، فالوجه صحة
رجوعها خاصة.
ولو قال: إن رجعت رجعت، أبتني على صحة الرجوع مع الشرط.
5444. الثاني: يجوز الخلع بسلطان وغيره، قال ابن الجنيد: لا يكون إلا عند
سلطان قيم بأمر المسلمين، وعليه دلت رواية زرارة عن الباقر (عليه السلام). (3)
5445. الثالث: إذا خالعها لم يكن له الرجوع إلا أن ترجع في العدة فيما بذلته،
ولو لم تكن ذا عدة، بأن خالع غير المدخول بها أو اليائسة أو الصغيرة، لم يكن
له الرجوع مطلقا، سواء كان بلفظ الطلاق أو بغيره، وسواء رد العوض أو لا.
ولو خالعها على دينار، وشرط له الرجعة وإن لم ترجع، لم يصح الخلع
ولا الشرط.
5446. الرابع: لو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: طلقتك بألف، صح

1. الوسيلة: 332.
2. في «أ»: الحمل» وهو مصحف.
3. الوسائل: 15 / 493، الباب 3 من كتاب الخلع والمباراة، الحديث 10.
88

الخلع، ولزمها الألف، لأن الخلع عقد معاوضة ينعقد بالاستدعاء والإيجاب،
وكذا لو قال: طلقتك، وسكت، لأن الإيجاب مبني على الاستدعاء.
ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال: طلقتك ثلاثا، قال الشيخ: لا يقع
واحدة، لأنها بذلت العوض في مقابلة الثلاث، فإذا لم يصح [الثلاث] بطل
من أصله. (1)
فلو قالت: إن طلقتني واحدة فلك علي ألف، فطلقها، فالوجه
ثبوت الفدية.
5447. الخامس: لو اتفقا على ذكر القدر واختلفا في الجنس، قدم قول المرأة
مع اليمين، ولو اتفقا على القدر وعدم ذكر الجنس، واختلفا في الإرادة، فالأقرب
أنه كذلك، خلافا للشيخ حيث أبطل الخلع، (2) وكذا لو ادعى أحدهما الإطلاق
والآخر تعيين النقد، أو قال: خالعتك على ألف في يدك، فقالت: بل على ألف
في ذمة زيد، أو قال: على ألف، فقالت: بل على مائة، أو قال: طلقتك بالعوض
جوابا لسؤالك، فقالت: بل بعد انقضاء مدة، (2) فإذا خلعت بانت، ولا عوض.
ولو قالت: طلقتني بألف ضمنتها لك فلا رجعة علي، فأنكر، قدم قوله مع
اليمين، ولا يقبل منها لو أقامت شاهدا وامرأتين، أو شاهدا وبذلت يمينا.
ولو أقامت شاهدين اختلفا، فقال أحدهما: خالعت بألف، وقال الآخر
بألفين، لم يثبت الخلع، لعدم اتفاق الشاهدين.

1. المبسوط: 4 / 347.
2. المبسوط: 4 / 349.
3. في «ب»: مدته.
89

ولو اختلفا في أصل العوض، فالقول قولها مع اليمين، وتحصل البينونة،
ويقبل لو أقام شاهدا ويمينا.
5448. السادس: يصح بذل الفداء منها ومن وكيلها وممن يضمنه بإذنها، وفي
ضمان المتبرع إشكال.
ولو قال له أبوها: طلقها وأنت بريء من صداقها، فطلقها، طلقت رجعيا،
ولا يبرأ، ولا ضمان على الأب، سواء قال: هي طالق، وأطلق، أو قال: وأنا بريء
من صداقها، أما لو قال له: طلقها على ألف من مالها، وعلي ضمان الدرك،
فطلقها، وقع الطلاق بائنا، ولا فدية في مالها، وعلى الضامن الدرك للألف، لا
لمهر المثل، وإن لم يرض بدفع الألف، وكذا لو قال: طلقها على عبدها هذا،
وعلي ضمانه، فطلقها، لم يأخذ العبد، وضمن القيمة.
ولو قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد، قدم قولها
مع اليمين، ولا عوض عليها ولا على زيد، وبانت منه، وكذا لو قالت: بل خالعك
فلان والعوض عليه (1).
أما لو قالت: خالعتك على ألف ضمنها فلان عني، أو دفعها، أو أبرأتني
منها، أو يزنها (2) عني زيد، فعليها الألف مع عدم البينة.
5449. السابع: إذا قالت: طلقني على ألف، اقتضى الحلول والجودة والأداء
من مالها، فإن قالت: مؤجلة أو ردية، أو يضمنها عني فلان، صح له ما شرطه
بشرط تعيين الأجل وجنس الرداءة.

1. المراد من «فلان» زوجته الأخرى وتذكير الضمير في «عليه» لرجوعه إلى لفظ «فلان» لاحظ
المبسوط: 4 / 349.
2. في «ب»: «يرثها» وهو مصحف.
90

ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف، قال الشيخ: لا يصح لو طلقها، لأنه
مشروط. (1) وفيه نظر، إذ البذل في مقابلة الطلاق لا يعد شرطا، فإن قصدت
الثلاث ولاء، لم يصح البذل، وكذا لو بذلت في مقابلة طلاق فاسد، وقيل: يصح
له الثلاث إذا طلقها ثلاثا ولاء، ولو قصدت ثلاثا برجعتين صح، فإن طلقها ثلاثا
كذلك فله الألف، فإن طلقها واحدة قيل: له ثلث الألف.
ولو كانت على طلقة معه فقالت: طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة، قال
الشيخ: إن كانت عالمة أنها معه على طلقة، كان عليها الألف، وإن لم تعلم استحق
ثلثها (2) فإن ادعى علمها وأنكرته، فالوجه تقديم قوله مع اليمين، وكذا لو قالت:
بذلت الألف في مقابلة طلقة في هذا النكاح وطلقتين في نكاح جديد، وادعى
البذل في مقابلة الباقي.
5450. الثامن: لو قالت: طلقني واحدة بألف، وطلقها ثلاثا، استحق الألف،
سواء أرسلها أو برجعتين على إشكال ضعيف، وكذا لو قالت: طلقني واحدة
ولك ألف أو علي ألف.
ولو قالت: طلقني عشرة طلقات بألف، فطلقها واحدة استحق العشر إن
قسطنا العوض على الأجزاء، وإن طلقها اثنتين استحق الخمس، وإن طلقها ثلاثا
استحق الألف على إشكال.
ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق،
استحق الألف، فإن قال: الألف في مقابلة الثانية، بطلت الفدية والثانية، وصحت
الأولى رجعية، وإن قال: في مقابلة الجميع، قال الشيخ: صحت الأولى وله

1. المبسوط: 4 / 347.
2. المبسوط: 4 / 352.
91

الثلث (1) ولو كانت على طلقة فقالت: طلقني ثلاثا بألف واحدة تكمله الثلاث
واثنتان في نكاح بعد المحلل، فطلقها بانت منه، وكان له ثلث الألف، وبطل
في الاثنتين.
ولو قالت: خذ هذه الألف وطلقني بعد شهر، لم يصح، لأنه سلف
في طلاق.
5451. التاسع: لو جعلت الفدية رضاع ولده، جاز بشرط تعيين المدة دون
قدر اللبن، وكذا يصح على نفقة الولد بشرط تعيين المدة والقدر من المأكول
والملبوس جنسا ووصفا وعلمهما (2) معا، فإذا انقضت مدة الرضاع، كان للأب
أخذ القدر من الطعام والأدم، فإن فضل كان للأب، وإن نقص فعليه الإتمام.
وإن مات الصبي بعد انقضاء مدة الرضاع، أخذ الأب المقدر من الطعام
والأدم أدوارا يوما بيوم لا دفعة.
وإن مات قبل الانقضاء، رجع بأجرة مثل الباقي وما قدره من النفقة،
وليس له المطالبة بإرضاع غيره باقي المدة.
5452. العاشر: إذا خالعها بعين فتلفت قبل القبض، لزمها المثل أو القيمة، إن
لم يكن مثلها، ولو عابت فله الأرش إن أمسكها، أو الرد والمطالبة بالمثل
أو القيمة.
ولو كان على موصوف فدفعته على الوصف، وجب عليه قبوله، فإن كان
صحيحا استقر ملكه، وإن كان معيبا، تخير بين الإمساك بالأرش والرد مع مطالبة
العوض على ما وصف.

1. المبسوط: 4 / 353.
2. في «ب»: وعليهما.
92

ولو خالع على حبشي فبان زنجيا، أو على ثوب نقي فبان أسمر، تخير
بين الإمساك بالأرش والرد مع المطالبة بالمثل أو القيمة.
ولو خالعها على أنه إبريسم فبان كتانا، صح الخلع، وله قيمة الإبريسم،
وليس له إمساك الكتان.
ولو خالعها على ما في البيت من المتاع، ولا متاع فيه، فسد الخلع إن لم
يعين الفدية وإلا وجب له المثل أو القيمة.
ولو خالعها على عين فبانت مستحقة، قيل: يبطل الخلع، (1) ويحتمل
الصحة وثبوت المثل له أو القيمة إن لم يكن مثليا. (2)
5453. الحادي عشر: قال الشيخ: ليس للأب أن يخالع على بنته الصغيرة، أو
السفيهة، أو المجنونة بشئ من مالها، لأنه لا حظ لها في إسقاط مالها. (3) وعندي
فيه نظر.
5454. الثاني عشر: لو دفعت ألفا، وقالت: طلقني بها متى شئت، لم يصح
البذل، فإن طلق كان رجعيا، والألف لها.
ولو خالع اثنتين فما زاد بفدية واحدة صح، وكانت بينهما بالسوية.
ولو قالتا: طلقنا بألف، وطلق واحدة، كان له نصف الألف على إشكال، فإن
عقب بطلاق الأخرى بطل العوض وكان رجعيا، لتأخر الجواب عن

1. القائل هو الشيخ في المبسوط: 4 / 344.
2. في «ب»: إن لم يكن مثلها.
3. المبسوط: 4 / 360.
93

الاستدعاء (1) المقتضي للتعجيل، ولو قال: أنتما طالقتان، طلقتا بائنا، وكان
له العوض.
ولو قالتا: طلقنا بألف، وارتدتا، وطلقهما على الفور عقيب الارتداد، فإن
لم يكن دخل، بطل الفسخ بالارتداد، وإن كان قد دخل، فإن عادتا إلى الإسلام في
العدة، وقع الطلاق من ذلك الوقت وعليهما العدة من حين الوقوع، ويستحق
العوض، وإن أقامتا على الكفر، لم يقع الطلاق.
5455. الثالث عشر: إذا خالع الأجنبي المرأة من زوجها، فإن كان بإذنها من
مالها صح، لأنه وكيل، وإن كان من ماله بغير إذنها، فالذي قواه الشيخ عدم
الصحة، (2) وعندي فيه نظر.
5456. الرابع عشر: يصح الخلع من العبد، وإن لم يأذن المولى، والعوض
لسيده، فإن دفعته إلى العبد بإذن السيد أو بغير إذنه، لكن أخذه السيد منه، برئت
ذمتها، وإلا لم تبرأ، فإن استرجعت دفعته إلى السيد، وإن تلف أو أتلفه في يده
غرمته للسيد بالمثل أو القيمة، وترجع على العبد بعد عتقه.
أما لو دفعت امرأة السفيه العوض إليه، وتلف في يده، أو أتلفه، فإنها تغرم
للولي، ولا ترجع عليه في الحال ولا بعد الفك، (3) ولو دفعت بإذن الولي،
فالوجه براءة ذمتها به.
5457. الخامس عشر: يجوز التوكيل في الخلع من المرأة في استدعاء الطلاق

1. في «أ»: من الاستدعاء.
2. المبسوط: 4 / 365.
3. أي بعد فك الحجر لكون المفروض أن الزوج سفيه.
94

وتقدير العوض وتسليمه، ومن الرجل في شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق،
ويصح التوكيل من كل منهما مطلقا، فيقتضي الإطلاق من المرأة خلعها من
زوجها بمهر مثلها حالا من نقد البلد.
ولو خالعها بدون مهر المثل، أو مؤجلا، أو دون نقد البلد جاز، وإن خلعها
بأكثر من مهر المثل، قال الشيخ: صح الخلع، وسقط المسمى، وعليها
مهر المثل (1).
وإن عينت قدرا فخالع الوكيل به أو بدونه لزمها، وإن خالع بأكثر، قال
الشيخ: يقوى في نفسي فساد الخلع. (2) فعلى قوله هل يبطل الطلاق أو يقع
رجعيا؟ الوجه الثاني، ولا يلزمها فدية، ولا يضمن الوكيل.
والزوج إذا أطلق اقتضى ما يقتضيه إطلاق المرأة، فإن خالع وكيله بأكثر
من مهر المثل صح، وإن كان بدونه أو مؤجلا أو بدون نقد البلد، بطل الخلع، ولو
طلق به لم يقع به أيضا.
ولو عين قدرا فخالع بأزيد، صح وإن خالع بدونه بطل.
والتوكيل يصح من كل من يصح منه مباشرة الخلع، والأقرب جواز تولي
الواحد الطرفين.
5458. السادس عشر: خلع المريض جائز لمهر المثل وبدونه، لأن له الطلاق
بغير عوض، وحكم المرأة في الميراث ما تقدم.

1. المبسوط: 4 / 368.
2. المبسوط: 4 / 368.
95

ولو خالعت المريضة بمهر المثل فما دون، صح من الأصل، وإن زاد
الثلث، كانت الزيادة خاصة من الثلث لا جميعه، ولو خالعته بقدر ميراثه منها،
ففي الصحة نظر.
5459. السابع عشر: خلع المشرك جائز، سواء كان عن أهل الذمة أو الحرب،
فإن كان البذل صحيحا أمضي، سواء ترافعا إلينا قبل القبض أو بعده، فإن كان
فاسدا كالخمر، وترافعها بعد القبض، لم يعترض (1) للمقبوض، وإن كان قبله لم
يؤمر بالإقباض، قال الشيخ: ويقوى في نفسي الحكم بالقيمة عند مستحليه. (2)
وإن أقبض البعض كان حكمه حكم المقبوض جميعه، وغيره حكم غير
المقبوض.
ولو ترافعا بعد الإسلام قبل التقابض، حكم بالقيمة عند مستحليه، فإن كان
بعده لم ينقض. (3)
5460. الثامن عشر: لو قالت: طلقني بألف على أن تطلق ضرتي، أو على أن لا
تطلقها، ففعل، قال الشيخ: يقوى في نفسي صحة الطلاق والعوض. (4)
ولو قالت: طلقني بألف على أن تعطيني عبدك هذا، قال [الشيخ]: فقد
جمعت بين شراء وخلع، وجمع الزوج بين بيع وخلع، فالأقوى صحتهما،
وتقسط الفدية على قيمة العبد ومهر المثل لو خرج معيبا. (5)

1. في «أ»: لم نعترض.
2. المبسوط: 4 / 371.
3. في «ب»: لم ينقص.
4. المبسوط: 4 / 372.
5. المبسوط: 4 / 372، نقله المصنف بتلخيص.
96

الفصل الرابع: في المباراة
وهي أن تكون الكراهة منهما معا، فيقول بارأتك على كذا فأنت طالق، ولو
طلق من غير ذكر المباراة، وقع بائنا، وسلم العوض.
أما لو تجرد لفظ المباراة من الطلاق، فإنه لا يقع إجماعا، بخلاف الخلع
فإن فيه خلافا تقدم.
ولو قال عوض بارأتك: فاسختك، أو أبنتك، أو غيره من الكنايات،
وأتبعه بالطلاق صح، إذ المقتضي للفرقة الطلاق خاصة، فإن تجرد
لم تصح.
ويشترط في المبارئ والمبارئة ما يشترط في المخالع والمخالعة، ويقع
الطلاق بائنا كالخلع، إلا أن ترجع المرأة في العدة بالبذل، فيرجع ما دامت في
العدة ما لم يتزوج برابعة أو بأختها، وبعد انقضاء العدة لا رجوع لأحدهما.
ولا يجوز هنا أن يأخذ الزوج أكثر مما أعطاها، وهل يحل له المثل؟
المشهور، نعم ويلوح من كلام ابن أبي عقيل (1) المنع.
ففارقت الخلع في المنع من أخذ الزائد، وفي وجوب الإتباع بلفظ
الطلاق، وفي اشتراكهما في الكراهية. (2)

1. بل وغيره كالصدوق وأبيه والشيخ في النهاية وابن حمزة، كما في المختلف: 7 / 391;
ولاحظ المسالك: 9 / 458، والمبسوط: 4 / 373.
2. تفترق المباراة عن الخلع بأمور ثلاثة مذكورة في العبارة.
97

المقصد الثالث: في الظهار
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في أركانه
وفيه عشرة مباحث:
5461. الأول: أركان الظهار (1) أربعة: المظاهر، والمظاهر منها، والصيغة،
والمشبه بها.
فالمظاهر يشترط فيه ما يشترط في المطلق من البلوغ، والعقل، والاختيار،
والقصد، فلا يصح ظهار الصبي والمجنون والمكره وفاقد القصد بالسكر
والإغماء والغضب، وهل يشترط الإسلام؟ قال الشيخ: نعم، ولا يصح ظهار

1. قال الشيخ في المبسوط: 5 / 144: الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي،
وسمي ظهارا اشتقاقا من الظهر، وإنما خص ذلك بالظهر دون البطن والفخذ والفرج وغير ذلك
من الأعضاء، لأن كل بهيمة تركب فإنما يركب ظهرها، فلما كانت المرأة تركب وتغشى
سميت بذلك، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، فمعناه: ركوبك علي محرم كركوب أمي، فسمي
ظهارا اشتقاقا من هذا.
99

الكافر لأنه لا يقر بالشرع، والظهار حكم شرعي، ولأنه لا تصح منه الكفارة
لاشتراط نية القربة فيها (1) وابن إدريس جوز ذلك عملا بالعموم (2) والكافر
متمكن من الكفارة بتقديم الإسلام (3) وهو قوي، وكلام ابن الجنيد يشعر
بمقالة الشيخ (4).
ويصح ظهار العبد، والمدبر، والمكاتب، والمعسر، والمحرم والخصي،
والمجبوب، إن قلنا بعموم التحريم.
5462. الثاني: إذا طلق الكافر عقيب ظهاره، فلا كفارة كالمسلم، وإن أسلم من
غير طلاق وهي كتابية، كان الظهار باقيا، وإن كانت وثنية، فإن كان إسلامه قبل
الدخول بانت، وإن كان بعده، وأسلمت قبل انقضاء العدة، عادت إلى الزوجية،
وبقي حكم الظهار، وإن انقضت العدة. كافرة بانت، ولا كفارة.
وإن أسلمت هي دونه قبل الدخول، بانت ولا كفارة، وإن أسلمت بعده،
فإن لم يسلم الزوج في العدة، بانت ولا كفارة، وإن أسلم فيها، عادت الزوجية،
والظهار على حاله.
5463. الثالث: يشترط في المظاهرة النكاح، فلا يقع بالأجنبية ولو علقه
بالنكاح، وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع مع حضور الزوج وعدم

1. المبسوط: 5 / 145; الخلاف: 4 / 525، المسألة 2 من كتاب الظهار.
2. أي بعموم الآية: (الذين يظاهرون من نسائهم) المجادلة: 3.
3. السرائر: 2 / 708.
4. حيث قال: وكل مسلم من الأحرار وغيرهم إذا كان بالغا مالكا للفرج ممنوعا من نكاح غيره
بملكه إياه، إذا ظاهر من زوجته في حال صحة عقله، لزمه الظهار. لاحظ المختلف: 7 / 399.
100

الصغر واليأس والحبل، ويشترط تعيينها، فلو ظاهر من إحدى زوجتيه من غير
تعيين لم يقع، ويكفي التعيين بالنية.
وهل يشترط الدخول؟ نص الشيخ على ذلك (1) وبه رواية صحيحة عن
الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) (2) وهو اختيار ابن بابويه (3) وقال ابن إدريس:
لا يشترط عملا بالعموم، (4) ونحن في ذلك من المتوقفين.
5464. الرابع: لا فرق بين أن تكون الزوجة حرة أو أمة، وهل يقع من الرجل
على مملوكته؟ نص الشيخ على ذلك (5) وهو مذهب ابن أبي عقيل، ومنع منه
ابن إدريس ونقله عن المرتضى والمفيد (6).
والحق عندي الأول، للعموم، وعليه دلت رواية محمد بن مسلم
الصحيحة عن أحدهما (عليهما السلام) (7) ورواية إسحاق بن عمار الصحيحة عن أبي
إبراهيم (عليه السلام). (8)

1. النهاية: 526; المبسوط: 5 / 146; الخلاف: 4 / 526، المسألة 3 من كتاب الظهار.
2. الوسائل: 15 / 516، الباب 8 من أبواب الظهار، الحديث 1.
3. الهداية: 274 (الطبع الحديث) والفقيه: 3 / 340 برقم 1638. ولاحظ الوسائل: 15 / 516،
الباب 8 من أبواب الظهار (ذيل الحديث 1).
4. السرائر: 2 / 710.
5. النهاية: 527; الخلاف: 4 / 529، المسألة 8 من كتاب الظهار. وقال في المبسوط: 5 / 148:
روى أصحابنا أن الظهار يقع بالأمة وأم الولد والمدبرة.
6. السرائر: 709 - 710، ولاحظ المقنعة: 524.
7. الوسائل: 15 / 520، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 2.
8. الوسائل: 15 / 520، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 1.
101

ورواية حمزة بن حمران عن الصادق (عليه السلام) (1) متأولة، مع
ضعف سندها. (2)
وفي وقوعه بالمتمتع بها خلاف، أقربه الوقوع، وهو اختيار ابن
أبي عقيل. (3)
5465. الخامس: إن شرطنا الدخول وقع وإن كان الوطء دبرا، صغيرة كانت أو
كبيرة، مجنونة أو عاقلة، مسلمة أو كافرة، وكذا يقع بالمريضة التي لا توطأ،
وبالرتقاء، وبالمطلقة رجعيا قبل الرجوع.
5466. السادس: الصيغة الصريحة أن يقول: أنت علي كظهر أمي، وكذا لو قال:
هذه أو زوجتي أو فلانة، وسواء قال: «علي» أو «مني» أو «عندي» أو «معي» أو
قال: أنت كظهر أمي، أو مثل ظهر أمي على إشكال فيهما.
وكذا يقع لو قال: جملتك، أو جسمك أو نفسك، أو ذاتك أو جثتك أو
كلك عندي كظهر أمي.
ولو ذكر عوض الظهر شيئا من الأعضاء، كقوله: أنت علي كبطن أمي، أو
كرأس أمي، أو كفرج أمي، أو شبه عضوا من أعضاء زوجته، مثل أن يقول:

1. الوسائل: 15 / 521، الباب 11 من أبواب الظهار، الحديث 6.
2. قال المصنف بعد نقل حديث حمزة بن حمران (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل جعل
جاريته عليه كظهر أمه، قال: يأتيها وليس عليه شئ) ما هذا نصه: «والرواية ضعيفة السند، فإن
في طريقها الحسن بن فضال وابن بكير، وهما ضعيفان، وحمزة بن حمران لا أعرف حاله»
المختلف: 7 / 411.
وقال الشيخ: فأما ما رواه... حمزة بن حمران... فمحمول على أنه إذا كان قد أخل بشرائط
الظهار من الشاهدين أو الطهر أو غير ذلك، فأما مع استكمال الشرائط فالظهار واقع. التهذيب: 8
/ 24 ذيل الحديث 78.
3. بل وغيره كالسيد المرتضى وأبي الصلاح وابن زهرة، كما في المختلف: 7 / 408.
102

«فرجك» أو «رأسك» أو «رجلك» - وما أشبه هذا - علي كظهر أمي، أو قال:
رجلك علي كرجل أمي، أو بطنك كبطن أمي، أو فرجك كفرج أمي، ونوى
الظهار، قال الشيخ يقع (1) ومنع المرتضى من ذلك كله سوى لفظة الظهر، (2)
واختاره ابن إدريس، (2) وفيه قوة.
ولو قال: أنت علي كأمي أو مثل أمي، وقال: أردت الكرامة، لم يقع، وإن
قال: أردت التحريم، قال الشيخ: يقع، (4) وفيه الإشكال، وقال ابن الجنيد: لا
يقع، وإن أطلق، ولم تكن له نية، لم يكن ظهارا.
ولو ظاهر إحدى زوجتيه، وقال للأخرى: أشركتك معها، أو أنت
شريكتها، أو أنت كهي، لم يقع بالأخرى، سواء نوى الظهار أو لا.
5467. السابع: لو قال: أنت طالق كظهر أمي، طلقت مع نية الطلاق، ولغى
الزائد، إن لم ينوي الظهار، أو نوى به تأكيدا لتحريم الطلاق، ولو نوى به الظهار،
قال الشيخ: وقعا كما لو قال: أنت طالق [و] أنت [علي] كظهر أمي، إن كان
الطلاق رجعيا، (3) وإن نوى بالطلاق الظهار وبينه بقوله «كظهر أمي» دين في
ذلك ما لم تخرج من العدة، ويقع لاغيا، ولا يقبل لو فسر بعد العدة.
ولو قال: أنت علي حرام كظهر أمي، قال الشيخ: لا يتعلق به حكم لا طلاق
ولا ظهار ولا تحريم عين، سواء أطلق أو نوى به الظهار أو الطلاق أو الأمرين أو
تحريم العين. (6) والأولى عندي وقوعه إن نواه، لرواية زرارة الصحيحة عن

1. المبسوط: 5 / 149.
2. الانتصار: 322، المسألة 180.
3. السرائر: 2 / 708 - 709.
4. المبسوط: 5 / 149.
5. المبسوط: 5 / 151.
6. المبسوط: 5 / 151.
103

الباقر (عليه السلام) قد سأله عن كيفية الظهار، فقال: يقول الرجل لامرأته - وهي طاهر من
غير جماع -: أنت علي حرام مثل ظهر أمي (أو أختي) (1)، وهو يريد
بذلك الظهار (2).
ولو قال: أنت طالق، ونوى به الظهار، أو أنت علي كظهر أمي، ونوى به
الطلاق، كان لغوا، وكذا لو قال: أنت علي حرام وإن نوى الظهار.
ولو قال: أنت علي كظهر أمي حرام، وقع الظهار إن قصده.
5468. الثامن: تشترط في الصيغة النية، فلا يقع ظهار الساهي والنائم وغير
القاصد والقاصد غيره، ويدين بنيته في ذلك، ووقوعها بحضور شاهدين عدلين
يسمعانها فلو ظاهر ولم يسمعها الشاهدان، بطل ولم يلزمه حكمه.
وهل يشترط تجريدها من الشرط؟ قال السيد المرتضى: نعم، (3)
واختاره ابن إدريس (4) وقال الشيخ: لا يشترط، (5) فلو قال: أنت علي كظهر أمي
إن دخلت الدار، أو وطئتك، وقع الظهار مع حصول الشرط، وبه روايات
صحيحة، (6) فلو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها، ثم ظاهر الضرة،
وقع الظهاران.

1. ما بين القوسين لم يوجد في المصدر.
2. الوسائل: 15 / 509، الباب 2 من أبواب الظهار، الحديث 2.
3. الانتصار: 321، المسألة 178.
4. السرائر: 2 / 709.
5. النهاية: 525; المبسوط: 5 / 150; الخلاف: 4 / 536، المسألة 20 من كتاب الظهار.
6. لاحظ الوسائل: 15 / 529، الباب 16 من أبواب الظهار، الحديث 1 و 7 و 9. ولاحظ
التهذيب: 8 / 11 - 12; الاستبصار: 3 / 259 - 260.
104

ولو ظاهر زوجته إن ظاهر فلانة الأجنبية، وأطلق، أو نوى ظهارا شرعيا،
فإذا ظاهرها وهي أجنبية، لم يقع الظهاران، وإن تزوجها وظاهر منها صح، وهل
يقع ظهار المشروط؟ فيه إشكال: ينشأ من جعل الشرط منوطا بالاسم (1) فيقع،
وبالوصف فيبطل، وقوى الشيخ الثاني (2) وإن قصد النطق بلفظ الظهار، وقع
ظهاره المشروط عند مواجهة الأجنبية به (3).
ولو قال: إن تظاهرت من فلانة أجنبية فامرأتي علي كظهر أمي، وقصد
الشرعي، لم يقع الظهار وإن ظاهر الأجنبية، (4) ولو تزوجها وظاهرها، وقع
ظهاره دون المشروط، لعدم الصيغة المعلق بها المشروط.
ولو قال: إن تظاهرت من فلانة فامرأتي علي كظهر أمي، وكانت أجنبية
وقصد الشرعي، لم يقع مع ظهاره منها وهي أجنبية، وإن قصد النطق بظهاره
منها وقع عند مواجهتها، وإن تزوجها وظاهرها، وقع الظهاران إن قصد الشرعي.
ولو قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء زيد، فقال زيد: شئت، وقع، ولو
قال: إن شاء الله لم يقع.

1. يريد بالاسم، اسم الزوجة الثانية، وبالوصف «عنوان الأجنبية»، وعلى هذا فلو كان المعلق
عليه، هو ذات الأجنبية التي يشار إليها باسمها فيقع ظهار الزوجة الأولى، لحصول المعلق
عليه، ولو كان المعلق عليه هو عنوان الأجنبية فقد زال عند الظهار وصارت زوجته، فلم يحصل
المعلق عليه (ظهار الأجنبية) فلا يقع ظهار الزوجة الأولى.
2. المبسوط: 5 / 153 - 154.
3. الجملة من توابع قوله: «ولو ظاهر زوجته» دون قوله: «وإن تزوجها» وكأنه جملة معترضة بين
الفقرتين، والمقصود أنه إذا نوى بقوله: «إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي»
مخاطبة الأجنبية بهذه الجملة وهي أجنبية، فلا يقع ظهارها لعدم كونها زوجة ويقع ظهار
زوجته، لكون المحل قابلا أولا، وتحقق الشرط (مخاطبة الأجنبية) ثانيا.
4. كذا في «أ» ولكن في «ب»: لم يقع الظهاران إن ظاهر الأجنبية.
105

ولو قال: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي، لم يتحقق الظهار إلا
عند الموت، ولا كفارة في التركة.
5469. التاسع: لا يقع الظهار إذا جعله يمينا، ولا في إضرار، ولا معلقا بانقضاء
الشهر، أو دخول الجمعة مثلا، وهل يقع موقتا كأن يقول: أنت علي كظهر أمي
شهرا أو سنة مثلا؟ قال الشيخ: لا يقع، (1) ويلوح من كلام ابن الجنيد وقوعه، (2)
وحينئذ إذا انقضت المدة بطل الظهار وحلت من غير تكفير.
5470. العاشر: يقع الظهار مع التشبيه بالأم إجماعا، ولو علقه بظهر غيرها من
المحرمات المؤبدة، كما لو قال: كظهر أختي، أو بنتي، أو عمتي أو خالتي، أو
غيرها من المحرمات نسبا أو رضاعا، فالذي نص الشيخ وابن الجنيد وابن أبي
عقيل وجماعة وقوعه، (3) وقال ابن إدريس: لا يقع، (4) والأقرب عندي الأول،
وعليه دلت رواية زرارة الصحيحة عن الباقر (عليه السلام) (5).
ولو شبهها بغير أمه من المحرمات بما عدا لفظة الظهر لم يقع، وكذا لو
شبهها بمحرمة بالمصاهرة تحريم جمع أو تأبيد كأم الزوجة وأختها، وبنت
أختها، وزوجة الأب والابن.

1. المبسوط: 5 / 156; الخلاف: 4 / 542، المسألة 26 من كتاب الظهار.
2. نقله عنه المصنف أيضا في المختلف: 7 / 432.
3. الشيخ في النهاية: 524، والصدوق في الفقيه: 3 / 340 برقم 1640، والمفيد في المقنعة: 523
والحلبي في الكافي: 303، وسلار في المراسم: 160، وابن البراج في المهذب: 2 / 297،
وابن زهرة في الغنية: 366.
4. السرائر: 2 / 708.
5. الوسائل: 15 / 511، الباب 4 من أبواب الظهار، الحديث 1، وذيله في ص 509، الباب 2 من
أبواب الظهار الحديث 2.
106

ولو قال: كظهر أبي، أو أخي، أو عمي لم يقع إجماعا، لأنه ليس بمحل
الاستحلال، وكذا لو قالت هي: أنت علي كظهر أبي أو أمي.
الفصل الثاني: في أحكامه
وفيه سبعة مباحث:
5471. الأول: إذا وقع الظهار بشرائطه حرم عليه الوطء قبل الكفارة، وهل
يحرم ما دونه من التقبيل والملامسة بشهوة؟ قال الشيخ: الأقوى عندنا التحريم،
لقوله تعالى: (من قبل أن يتماسا) (1) وهو صادق على ما دون الوطء (2) وفيه نظر،
هذا إذا كان مطلقا، وإن كان مشروطا، لم يحرم حتى يقع الشرط، سواء كان
الشرط الوطء أو غيره.
5472. الثاني: إذا ظاهر لم تجب الكفارة إلا بالعود، وهو العزم على الوطء،
فمتى أراد الوطء وجبت عليه الكفارة، وهل لها استقرار أو معنى وجوبها تحريم
الوطء حتى يكفر؟ فيه نظر، أقربه الأول، لدلالة الآية عليه (3).
فإن وطأ قبل الكفارة لزمه كفارتان وكلما كرر الوطء قبل التكفير
تكررت الكفارة.

1. المجادلة: 4.
2. المبسوط: 5 / 155.
3. إشارة إلى قوله سبحانه: (ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة) المجادلة: 3.
107

ولو طلقها بعد الظهار بائنا، (1) سقطت الكفارة، ولا يعود عليه، (2) لو
جدد العقد، وكذا لو طلقها رجعيا وخرجت العدة وتزوجها بعدها، أو ارتد
أحدهما، أو مات، أو لا عنها.
ولو طلقها رجعيا وراجعها في العدة، عادت الكفارة عليه، والأقرب أن
نفس الرجعة ليست عودا.
ولو اشتراها بطل العقد، (2) فلو وطئها بالملك لم تجب الكفارة.
ولو ابتاعها غير الزوج ففسخ، سقط حكم الظهار ولا كفارة وإن
تزوجها ثانيا.
ولو باع أمته المظاهر منها سقط حكم الظهار، فإن اشتراها لم يعد.
ولو جن الزوج ثم عاد، لم تسقط الكفارة ولو طلق بعد العود، ففي
الكفارة إشكال.
5473. الثالث: الظهار محرم، لأنه تعالى وصفه بالمنكر، (3) وقيل: لا عقاب
فيه لتعقيبه بالعفو. (4)
5474. الرابع: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد، مثل أن يقول: أنتن علي كظهر
أمي، كان عليه عن كل واحدة كفارة ولا تجزئه كفارة واحدة.
ولو ظاهر من واحدة مرارا، وجب بكل مرة كفارة، سواء فرق الظهار أو
تابعه ما لم يقصد التأكيد.

1. في «ب»: بعد الظهار ثانيا.
2. في «ب»: ولا يعود إليه.
3. والمراد أنه إذا كانت الزوجة المظاهر منها أمة فابتاعها الزوج المظاهر من مولاها بطل العقد.
4. حيث قال تعالى: (وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا) المجادلة: 2.
5. حيث قال سبحانه: (وإن الله لعفو غفور) المجادلة: 2.
108

ولو وطئها قبل التكفير، لزمه عن كل وطء كفارة واحدة.
5475. الخامس: يحرم الوطء قبل الكفارة، سواء كفر بالعتق أو الصيام
أو الإطعام.
ولو وطئها في خلال الصوم، استأنف، سواء وطئها ليلا أو نهارا، ولو
وطئ غيرها نهارا بطل التتابع لا ليلا.
ولو عجز عن الكفارة قال الشيخ: تحرم عليه حتى يكفر، (1) وقال ابن
إدريس: يجزئه الاستغفار، (2) وهو قوي، وكذا لو ظاهر مائة مرة مثلا، وعجز
عن تعدد الكفارة.
5476. السادس: إذا ظاهر فإن صبرت المرأة فلا بحث، فإن رافعته خيره
الحاكم بين الرجعة مع التكفير وبين الطلاق، وضرب له مدة التخيير ثلاثة أشهر
من حين المرافعة، فإن انقضت ولم يختر ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يختار أحدهما، ولا يجبره على الطلاق ولا يطلق عنه.
ولو ظاهره لم ينو العود فكفر، لم يجزئه.
5477. السابع: لو ظاهرها وتركها أكثر من أربعة أشهر ولم يكفر لم
يكن موليا.
ولو قال: إن ظاهرت من زينب فعمرة علي كظهر أمي، وهما زوجتان، ففي
اختصاص الشرط بذلك النكاح نظر.

1. النهاية: 527.
2. السرائر: 2 / 713.
109

المقصد الرابع: في الإيلاء
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في أركانه
وفيه أربعة مباحث:
5478. الأول: أركان الإيلاء (1) أربعة: الحالف، والمحلوف به، والمحلوف
عليه، والمحل.
ويشترط في الحالف البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد، حرا كان
أو عبدا، مسلما أو كافرا، سليما أو خصيا، صحيحا أو مريضا، وفي المجبوب
إشكال أقربه الجواز، وفئته كالعاجز.

1. قال الشيخ في المبسوط: الإيلاء في اللغة عبارة عن اليمين عن كل شئ، يقال: آلى يؤلى
إيلاء، فهو مول، والأليه: اليمين، وجمعه ألايا [مثل عطية وعطايا]... ويقال: ائتلى يأتلي
ائتلاء فهو مؤتل، ومنه قوله تعالى: (ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى)
- النور: 22 - يعني لا يخلف.
هذا وضعه في اللغة، وقد انتقل في الشرع إلى ما هو أخص منه، وهو إذا حلف ألا يطأ امرأته.
المبسوط: 5 / 114، ولاحظ المسالك: 10 / 125.
111

5479. الثاني: المحلوف به هو الله تعالى وأسماؤه المختصة والعالية وصفاته،
ولا يقع الإيلاء بغير ذلك من طلاق، أو عتاق، أو تحريم، أو التزام صوم أو صدقة،
أو غير ذلك.
ويشترط في الإيلاء النطق باليمين مع القصد بأي لسان كان، ولو آلى من
زوجته وقال للأخرى: شركتك معها، لم يقع بالثانية، وإن نواه.
ولو امتنع من وطئها بغير يمين، لم يكن موليا، وإن طال هجره لها، ولا
تضرب له المدة وإن قصد الإضرار.
5480. الثالث: المحلوف عليه هو الجماع في القبل، وصريحه تغيب الحشفة
في الفرج، وإيلاج الذكر، والنيك. والمحتمل (1) الجماع والوطء، فإن قصده
بهما صح، وإلا فلا.
ولو قال: لا جمع رأسي ورأسك مخدة (2) أو بيت، أو لا ساقفتك (3)
وقصده، للشيخ قولان، (4) أقربهما الوقوع، وكذا لأسوأنك، لأطيلن غيبتي عنك،
لا باشرتك، لا لامستك، لا أصبتك، لا باضعتك.
ولا فرق بين الصريح والمحتمل عندنا في افتقارهما إلى النية والقصد.

1. وفي «أ»: «المحل» وهو مصحف، ثم مثل المصنف بالمحتمل بلفظي الجماع والوطء، فالأول
مشترك بين العمل الجنسي والوطء بالرجل، كما أن الثاني مشترك بينه وبين اجتماع البشرتين.
2. المخدة - بالكسر -: الوسادة، لأنها توضع تحت الخد. مجمع البحرين.
3. أي لا اجتمعت أنا وأنت تحت سقف، كما في الشرائع.
4. أحدهما عدم الوقوع ذهب إليه في الخلاف: 4 / 515، المسألة 7 من كتاب الإيلاء، والآخر
وقوعه، واختاره في المبسوط: 5 / 116 - 117.
112

فلو قال في الصريح: لم أقصد، قبل منه، ولو قال: والله لا أجنبت منك كان
موليا، وكذا إن قال: لا أغتسل منك، وأراد لا أجامعك فلا يلزمني الغسل، بخلاف
لا أغتسل من جماعك لأني لا أرى وجوب الغسل من التقاء الختانين، أو لأني
أطأ غيرك بعدك فاغتسل من جماعها دونك، أو إني أترك الغسل دون الجماع، أو
لا أجامعك إلا جماعا ضعيفا، أو لا جامعتك في دبرك، أو في الحيض أو النفاس،
أما لو قال: إلا في دبرك، كان موليا، وكذا إلا جماع سوء، وأراد في الدبر، أو لا
أغيب الحشفة أجمع كان مؤليا، بخلاف لا جامعتك جماع سوء.
5481. الرابع: يشترط في المؤلى منها أن تكون منكوحة بالعقد الدائم
مدخولا بها، فلو آلى من مملوكته، أو المتمتع بها، أو من غير المدخول بها، وإن
كانت زوجة دوام، لم يقع.
ولا فرق بين الحرة والأمة إذا كانت زوجة في صحة الإيلاء منها، ولا بين
المسلمة والذمية.
والمرافعة للأمة ولا اعتراض للمولي.
ويقع بالمطلقة رجعيا في العدة، ولا يحتسب عليه مدة العدة من مدة
الإيلاء، فإن تركها حتى تنقضي عدتها بانت، وإن راجعها فابتداء المدة من حين
المراجعة، ولا يقع في البائن ولا بالأجنبية وإن علقه بالنكاح.
113

الفصل الثاني: في أحكامه
وفيه أربعة عشر بحثا:
5482. الأول: يشترط في وقوع الإيلاء النية، ولو تجرد عنها لم يقع، ووقوعه
في إضرار، فلو حلف لصلاح اللبن (1) لأجل الولد أو في صلاحه إما لتوفره على
العبادة أو الحرب أو غيرهما أو صلاحها، لم يقع.
وهل يشترط تجريده عن الشرط؟ الأقرب ذلك.
5483. الثاني: لا يقع الإيلاء حتى يكون الحلف مطلقا، أو مقيدا بالدوام، أو
بمدة تزيد على أربعة أشهر، أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعدها غالبا، كقوله:
ما بقيت، أو حتى أمضي من بغداد إلى الهند وأعود.
فلو حلف أن لا يطأها أربعة أشهر فما دون لم يقع، ولا [معلقا] بفعل (2)
ينقضي لدونها غالبا أو محتملا.
ولو قال: لا وطئتك حتى أدخل الدار لم يقع، لإمكان التخلص من
الكفارة مع الوطء بالدخول، وكذا لا أصبتك سنة إلا مرة، (3) فإن وطأ وقع

1. في «أ»: إصلاح اللبن.
2. أضفنا ما بين المعقوفتين لتكميل العبارة قال المحقق: ولا يقع لأربعة أشهر فما دون ولا معلقا
بفعل ينقضي قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على السواء. شرائع الإسلام: 3 / 85.
3. أي لا يكون مؤليا في الحال، لأنه لا يلزمه بالوطء شئ، لاستثنائه الوطء مرة.
114

الإيلاء، (1) وكذا إلا عشر مرات أو مائة مرة مع (2) استيفاء العدد إن تخلف قدر
التربص فصاعدا، وإلا بطل حكمه، لكن متى وطأ قبل السنة حنث، وكذا لا
وطئتك سنة إلا يوما.
5484. الثالث: إذا آلى وانعقد وقربها في المدة، حنث، ووجبت عليه كفارة
اليمين، وانحل الإيلاء، وإن استمر اعتزاله تخيرت بين الصبر عليه حتى يفيء أو
يطلق، والمرافعة إلى الحاكم بنفسها أو بوكيلها، فإن رافعته (3) خيره الحاكم بين
الفئة والتكفير وبين الطلاق، وضرب لمدة التخيير أربعة أشهر، قال الشيخ:
مبدؤها من حين المرافعة لا من حين الإيلاء (4) وفيه نظر.
فإن خرجت المدة ولم يختر أحدهما، ألزمه وضيق عليه في المطعم
والمشرب، فان امتنع حبسه حتى يفيء إلى المباشرة أو يطلق.
والمدة في الحرة والأمة والزوج الحر والمملوك سواء أربعة أشهر، وهي
حق للزوج، وليس للزوجة فيها مطالبته.
ومع انقضائها بغير وطء لا تطلق من غير طلاق، وليس للحاكم طلاقها عنه
ولا إجباره على أحدهما تعيينا.
وإذا طلق الزوج خرج من حقها وكانت المطلقة رجعية، فإن وطأ في مدة

1. إن بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر، وقد أشار المصنف إلى هذا القيد في الفرع التالي «مع
استيفاء العدد إن تخلف قدر التربص فصاعدا» ولعله اكتفى به عن ذكره في المقام، لاحظ
المسالك: 10 / 170.
2. في «ب»: «ومع» ولعل ما في المتن هو الأصح.
3. في «أ»: فإن رافعت.
4. المبسوط: 5 / 137.
115

التربص، لزمته كفارة اليمين إجماعا، وإن وطأ بعدها فللشيخ قولان
أجودهما اللزوم (1).
ولو وطئ المؤلي ساهيا أو مجنونا، أو اشتبهت بغيرها من حلائله، انحل
حكم الإيلاء، ولا كفارة، وكذا لو حلف مدة معينة ودافع بعد المرافعة حتى
انقضت المدة.
5485. الرابع: لو أسقطت حقها من المطالبة لم يسقط في المستقبل (2)، ولا
يضرب لها مدة أخرى.
ولو اختلفا في انقضاء المدة، قدم قول مدعي البقاء مع اليمين، وكذا يقدم
قول مدعي تأخير الإيلاء.
ولو ادعى الإصابة قدم قوله مع اليمين، وكذا لو أنكر أصل الإيلاء وادعته،
وإذا حلف على الإصابة وطلق وأراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه،
فالأقرب أنه لا يمكن [من الرجعة]، وكان القول قولها في نفي العدة والوطء
على قياس الخصومات. (3)

1. وهو خيرة الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع، لاحظ الخلاف: 4 / 520، المسألة 18 من
كتاب الإيلاء.
وقال في المبسوط: 5 / 135. إذا آلى منها ثم وطئها، عندنا عليه الكفارة سواء كان في المدة أو
بعدها، وقال قوم: إن وطئها قبل المدة فعليه الكفارة، وإن وطئها بعدها فلا كفارة عليه، وهو
الأقوى.
2. علله في الشرائع: بأنه حق يتجدد.
3. واستدل في المسالك (10 / 155) بأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وإنما
خالفناه في دعوى الإصابة لما ذكر من العلة [يعني تعذر إقامة البينة أو تعسرها] وهي منتفية
هنا، كما لو اختلفا في الرجعة ابتداء.
ثم إن صاحب الجواهر خلط بين ما نقله عن التحرير وما ذكره صاحب المسالك برهانا لما
استقربه العلامة. لاحظ جواهر الكلام: 33 / 326.
116

5486. الخامس: لو جن في المدة بعد ضربها، احتسب زمان الجنون، وتربص
به حتى يفيق أو استمر، ولو انقضت المدة وهناك ما يمنع الوطء كالحيض
والمرض، كان لها المطالبة بفئة العاجز على إشكال.
ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة، قال الشيخ: تنقطع الاستدامة (1) عدا
الحيض (2) ولا تنقطع بأعذار الرجل ابتداء واعتراضا، ولا يمنع من
المرافعة انتهاء.
فلو انتقضت [المدة] وهو محرم ألزم بفئة العاجز، وكذا الصائم، ولو
جامعا (3) أثما وأتيا بالفئة، وكذا كل وطء محرم كما في الحيض والنفاس.
أما لو ارتد في أثناء المدة، أو طلق رجعيا، فإنه ينقطع الاستدامة عند الشيخ
فيهما (4) فإن تاب أو راجع استؤنفت العدة.
وفئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل، وهل يجزئ بروكها عليه أو تغيب
المكره؟ فيه نظر، والعاجز (5) إظهار العزم على الوطء مع القدرة.
ويمهل القادر لو طلبه بما جرت العادة، كالأكل وتوقع خفته، والنوم،
والاستراحة، وصلاة النافلة.

1. والمراد عدم احتسابها من المدة، فإذا زال العذر ثبت على ما مضى من المدة قبل العذر.
لاحظ المسالك: 10 / 146.
2. المبسوط: 5 / 136.
3. في النسختين «جامعها» ولعله مصحف.
4. المبسوط: 5 / 136.
5. عطف على القادر في قوله: «وفئة القادر».
117

5487. السادس: لو ترافع الذميان تخير الحاكم بين الحكم بينهما بموجب
شرعنا وبين ردهما إلى أهل نحلتهما.
5488. السابع: لو ظاهر ثم آلى صحا، فيوقف بعد انقضاء مدة الظهار، فإن
طلق وفى عنهما، وان امتنع ألزم الوطء والتكفير للظهار، وتلزمه كفارة الإيلاء.
5489. الثامن: لو اشترى المؤلى منها وأعتقها وتزوجها، لم يعد الإيلاء، وكذا
لو [آلى العبد من الحرة ثم] اشترته الحرة وأعتقته وتزوج بها.
ولو حلف على أجنبية ألا يطأها، انعقدت يمينه ولو لم يكن مؤليا وإن
تزوج بها، سواء بقي من مدة اليمين أكثر من أربعة أشهر أو لا، لأن الإضرار شرط
في الإيلاء، وهو منتف عن الأجنبية.
5490. التاسع: لو قال لأربع: والله لا وطئتكن، لم يكن مؤليا في الحال، ولا (1)
يحنث إلا بوطء الجميع، وجاز له وطء ثلاث منهن، فتتعين الرابعة للتحريم،
وترافعه ثم تقفه بعد المدة.
ولو ماتت إحداهن قبل الوطء انحل الإيلاء، بخلاف ما لو طلقها أو طلق
اثنتين أو ثلاثا.
ولو قال: والله لا وطئت واحدة منكن، تعلق الإيلاء بالجميع، وضربت
المدة لهن عاجلا، ويحنث بوطء واحدة، وينحل الإيلاء في البواقي.
ولو طلق بعضهن بقي الإيلاء في المتخلف، ولو قصد هنا واحدة قبل.
ولو قال: لا وطئت كل واحدة منكن، كان مؤليا من كل واحدة، كالمنفردة،

1. في «أ»: فلا.
118

فمن طلقها وفاها، وبقي الإيلاء في المتخلف، وكذا لو وطئها قبل الطلاق،
فتلزمه الكفارة عنها، ويبقى الإيلاء في المتخلف.
5491. العاشر: لو كرر الإيلاء لم تتكرر الكفارة، سواء قصد التأكيد أو المغائرة
أو أطلق إلا أن يتغير الزمان، مثل والله لا وطئتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فوالله
لا وطئتك سنة، فيتعدد الإيلاء إن قلنا بوقوعه مشروطا، ولها المرافعة، فإن ماطل
حتى انقضت خمسة أشهر، انحلت ويدخل وقت
الإيلاء الثاني.
وعلى ما اخترناه من بطلان المشروط، لا يقع الثاني، وقال الشيخ: يقع
الثاني عملا بالظاهر المتناول للإيلاء بصفته، وفرق بينه وبين الطلاق والعتاق
بالإجماع فيهما، (1) قال: فإن فاء بعد مدة التربص خرج من [الإيلاء] الأول، وإن
طلق رجعيا فكذلك، راجع أو لا، وإذا انقضت الخمسة دخل وقت الثاني، فان
كان في الأول فاء أو دافع حتى انقضت، أو طلق وراجع، كان في الثاني كأنه آلى
منها الآن، فيضرب له أربعة بعد الخمسة، فإن فاء بعدها خرج من حكمه، وإن
دافع حتى انقضت السنة أثم وخرج من حكمه، وإن طلق [طلاقا] رجعيا
وراجع، وقد بقي أكثر من أربعة، تربص ووقف بعد التربص، وإلا لم يتربص،
وينحل الإيلاء دون اليمين، فيحنث لو وطئ قبل الانقضاء، ولا يحتسب عليه
الزمان من حين الطلاق إلى الرجوع (2).

1. قال الشيخ: إذا قال: والله لا أصبتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فوالله لا أصبتك سنة، فهما
إيلاءان ويمينان مختلفان إحداهما خمسة أشهر والأخرى سنة، والأولى مطلقة معجلة والثانية
معلقة بصفة فإذا وجدت الصفة انعقدت، وليس هذا يجري مجرى الطلاق والعتاق الذي قلنا لا
يقعان بصفة، لأن هناك منعنا فيه إجماع الفرقة، وليس هاهنا ما يمنع منه، والظواهر تتناوله.
المبسوط: 5 / 117.
2. المبسوط: 5 / 118، نقله المصنف بتلخيص.
119

ولو قال: والله لا أصبتك خمسة أشهر والله لا أصبتك سنة، كانا إيلاءين
معجلين يتداخلان خمسة أشهر، فيتربص عقيب اليمين أربعة، فإن فاء خرج
منهما، وكذا إن دافع حتى انقضتا، ولو دافع حتى انقضت القصيرة بقي المتخلف
من الطويلة، فإن طلق انحلت الأولى وكذا الثانية إن لم يراجع أو راجع ولم تبق
مدة التربص، ويبقى حكم اليمين في الأخير، وإن بقي مدة التربص
وقف وتربص.
5492. الحادي عشر: إذا طلق المؤلي رجعيا وفى، فإن راجع ضربت له مدة
أخرى، ووقف بعد انقضائها، فإن فاء، أو طلق وفى، وإن راجع ضربت له أخرى
ووقف بعد انقضائها، فإن طلق ثالثا بانت.
5493. الثاني عشر: إذا قال: والله لا أصبتك أربعة فإذا انقضت فوالله لا أصبتك
أربعة، قال الشيخ: لا يكون مؤليا، لأن المؤلي من يوقف بعد التربص للفئة أو
الطلاق، وبعد الأولى لا يطالب بفئتها، لانقضائها، ولا بفئة الثانية، لأن التربص لها
ما وجد. (1)
5494. الثالث عشر: لو قال: إن وطئتك فأنت زانية، لم يكن إيلاء ولا قذفا وإن
وطئها، لانتفاء احتمال التصديق والتكذيب.
ولو قال: إن وطئتك فوالله لا وطئتك، لم يكن في الحال مؤليا، وعلى
القول بجوازه مشروطا يقع عند غيبوبة الحشفة، فإن لم ينزع حنث وكفر وانحل
الإيلاء سواء بقى على حاله أو كمل له الإيلاج، وإن نزع لم يحنث به.
ولو قال: لا وطئتك إن شئت، وجوزنا المشروط، فالصفة مشيئتها ألا

1. المبسوط: 5 / 118 - 119.
120

يقربها، فإن لم تشأ أو شاءت في غير وقت المشيئة بحيث لا يكون كلامها جوابا
لكلامه كالقبول في البيع، لم ينعقد [الإيلاء] وإن شاءت في وقتها انعقد.
ولو قال: والله لا أقربك إن شئت أن أقربك، علقه بضد الصفة الأولى،
ومعناه إن شئت أن أقربك فوالله لا فعلت، فإن شاءت في وقتها انعقد وإلا فلا.
ولو قال: والله لا أقربك إلا أن تشائي، فهو [إيلاء] مطلق قد علق حكمه
ومنع انعقاده بالصفة، فإنه استثناء فهو في النفي، وكان معناه إلا أن تشائي أن
أقربك، فإن شاءت في غير وقتها أو لم تشاء انعقد، وإن شاءت في وقتها انحل،
بخلاف [المسألتين] الأوليين، لأن الصفة موضوعة لانعقادها هناك،
وهذه محلها.
ولو قال: والله لا وطئتك إلا برضاك، لم يكن مؤليا.
5495. الرابع عشر: إنما تضرب المدة مع المطالبة منها، فلو آلى وهو غائب
صح الإيلاء، لكن لا يضرب الحاكم المدة، فإذا بلغ المرأة فارتفعت إلى الحاكم،
وضرب لها المدة صح.
فإذا انقضت كان لها المطالبة بنفسها أو وكيلها، فإن طالب الوكيل وطلق
وفاها، وإن امتنع طولب بالفئة بحسب القدرة، فإذا فاء فئة العاجز طولب بالمسير
إليها واستدعائها، ومع خوف الطريق يطالب بأحدهما مع القدرة.
ولو فاء وهو محرم حرم عليه الوطء لكن لو فعله انحل الإيلاء، وهل
للمرأة الامتناع من تمكينه حينئذ؟ الأقرب ذلك وكذا في كل وطء
محرم كالحيض.
ولو وطأ المجنون حال جنونه أو جنونها، وفاها، فلا مطالبة لها بعد الإفاقة
ولا يحنث به.
121

المقصد الخامس: في اللعان
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في أركانه
وفيه ثمانية عشر بحثا:
5496. الأول: أركان اللعان (1) أربعة: السبب، والملاعن، والملاعنة، والكيفية.
والسبب أمران: القذف وإنكار الولد.
ويشترط في الأول قذف الزوجة المحصنة المدخول بها السليمة من

1. قال في المسالك: 10 / 175: اللعان لغة مصدر لاعن يلاعن، وقد يستعمل جمعا ل‍ «اللعن»
وهو الطرد والإبعاد. وشرعا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه
وألحق العار به، أو إلى نفي ولد، وسميت لعانا لاشتمالها على كلمة اللعن، وخصت بهذه
التسمية لأن اللعن كلمة غريبة في مقام الحجج من الشهادات والأيمان، والشيء يشتهر بما يقع
فيه من الغريب، وعلى ذلك جرى معظم تسميات سور القرآن، ولم يسم بما يشتق من
الغضب، لأن لفظ الغضب يقع في جانب المرأة، وجانب الرجل أقوى، وأيضا فلعانه يسبق
لعانها، وقد ينفك عن لعانها، أو لأن كلا من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها، إذ يحرم النكاح
بينهما أبدا.
123

الصمم والخرس بالزنا قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة وعدم البينة، وفي الثاني
لحوقه به ظاهرا بأن تضعه لستة أشهر فصاعدا من حين وطئه، وكونها موطوءة له
بالعقد الدائم، فيتعين الحد لو رمى الأجنبية أو الزوجة الصماء أو الخرساء أو
السليمة إذا لم يدع المشاهدة ولا لعان، وكذا ينتفي اللعان بقذف المشهورة بالزنا
والمحصنة مع البينة.
5497. الثاني: إذا قذف زوجته حد، وله إسقاط الحد بالبينة أو اللعان، ومع
فقد البينة إذا لم يلاعن حد ولا يحبس حتى يلاعن، فإذا لاعن حدت المرأة،
ولها إسقاطه باللعان، فإن لم تفعله حدت ولا تحبس على اللعان، ولا يكفي في
سقوط الحد عنها لعان الزوج.
5498. الثالث: الأعمى لا يصح منه اللعان بالقذف، فيحد قطعا، لا مع البينة،
لانتفاء المشاهدة، ويصح منه بنفي الولد.
أما الأخرس فان عقلت إشارته، أو كان يحسن الكتابة وكتبه صح لعانه
وقذفه، مع احتمال العدم لافتقار اللعان إلى لفظ الشهادة، والإشارة ليست
صريحة في القذف، ولا يصح القذف بالكتابة، وعندي في ذلك تردد.
فإن جوزنا لعانه فلاعن بالإشارة المفهومة، ثم تكلم وأنكر اللعان، وقال:
لم أقصده، لم يقبل فيما له، ويقبل فيما عليه، فيطالب بالحد، ويلحقه النسب،
ولا تعود الزوجة، فلو قال: أنا ألاعن للحد ونفي النسب أجيب إليه، أما لو أنكر
القذف واللعان معا، فإنه لا يقبل في القذف، لتعلق حق الغير به، وحكم اللعان
ما تقدم.
ولو أصاب الصحيح مرض بعد القذف، وقال مسلمان عارفان: إنه
124

يزول، انتظر زواله، وإن قالا: لا يزول، لاعن بالإشارة، وكذا لو حكما بطوله.
5499. الرابع: لو كان للزوج القاذف بينة، فللشيخ قولان في جواز العدول إلى
اللعان، أقربه العدم. (1)
ولو قذفها بزنا أضافه إلى ما قبل الزوجية، تردد الشيخ، ففي الخلاف:
ليس له اللعان اعتبارا بحالة الزنا (2) وفي المبسوط: له ذلك اعتبارا بحالة
القذف. (3) وهو قوي، وكذا له اللعان لنفي النسب لو أضافه إلى الزنا قبل زوجيته
بشهر أو شهرين، وحملت، واحتاج إلى رفع النسب، فله أن يلاعن.
ولو قذفها في العدة الرجعية، كان له اللعان، بخلاف البائن بل يحد ولو
أضافه إلى زمان الزوجية، إلا أن يريد نفي النسب، فله أن يلاعن أيضا، فإن كان
الولد قد انفصل لاعن في الحال لنفيه، وإلا تخير بين الصبر إلى الانفصال وبين
اللعان في الحال، وكذا يتخير في الزوجة الحامل بين ملاعنتها في الحال لنفي
الولد، وإن لم يقذفها، وبين الصبر إلى الوضع، ولم يتعرض الشيخ لتحريم الثانية
على التأبيد (4) والأقوى التحريم، لصدق اللعان عليها، مع احتمال عدمه، لأن
التحريم يتعلق بفرقة اللعان، وهنا يتعلق بالبينونة.
5500. الخامس: لا يجوز له قذف الزوجة مع الشبهة، ولا مع غلبة الظن، ولا
مع إخبار الثقة، ولا مع الشياع أن فلانا زنى بها، ولا نفي الولد للشبهة، أو الظن، أو

1. وهو خيرة الشيخ في المبسوط: 5 / 183، وقال في الخلاف: إذا كان مع الزوج بينة، كان له أن
يلاعن أيضا ويعدل عن البينة.. دليلنا: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاعن بين العجلاني وزوجته ولم يسأل
هل له بينة أم لا. الخلاف: 5 / 8، المسألة 3 من كتاب اللعان.
2. الخلاف: 5 / 16، المسألة 15 من كتاب اللعان.
3. المبسوط: 5 / 193.
4. لاحظ النهاية: 523.
125

لمخالفته إياه في الصفات، ولا بعد استلحاقه، فإن نفاه بعد الاعتراف حد ولا
لعان، سواء كان منفصلا أو حملا.
ولو أنكر ولد الشبهة انتفى ولا لعان، ومع العلم بانتفاء الحمل، لاختلال
بعض شروط الالتحاق، يجب نفيه واللعان، ولا يلحق بنسبه (1) من ليس منه.
5501. السادس: لو قذفها بالسحق فلا لعان، فإن ادعى المشاهدة حد، ولو
قذفها بالوطء في الدبر كان قذفا، يجب به الحد، وله إسقاطه بالبينة أو اللعان.
5502. السابع: لو قذف المجنونة في حال إفاقتها، أو في حال جنونها وأضافه
إلى حال الصحة، لزمه الحد، ولو أضافه إلى حال الجنون، لزمه التعزير، لكنهما
يتوقفان على المطالبة، فإن كان هناك نسب يحتاج إلى نفيه، جاز له أن يلاعن
لنفيه، وإن لم يكن نسب، فالأقرب أنه ليس له ذلك.
فإن أفاقت وطالبت بالحد أو التعزير، كان له أن يلاعن لإسقاطهما، وإن
كانت مجنونة لم يكن له أن يلتعن (2) إلا أن تطالبه المقذوفة.
فإذا لاعن لنفي النسب أو لإسقاط الحد، وجب على المقذوفة الحد
بلعانه، إلا أنه لا يقام عليها في حال جنونها، لكن ينتظر الإفاقة فإما أن تلاعن أو
يقام عليها الحد.
ولو أبرأته قبل اللعان من الحد أو التعزير، كان له اللعان لنفي النسب، فإن
لم يكن نسب، لم يكن له اللعان لإزالة الفراش، لإمكانه بالطلاق.

1. قال المحقق: «لئلا يلتحق بنسبه من ليس منه» شرائع الإسلام: 3 / 96.
2. في «أ»: أن يلعن.
126

وليس لولي المجنونة المطالبة بالحد ما دامت حية، وكذا ليس لسيد الأمة
والعبد مطالبة زوجها والقاذف بالتعزير في قذفهما، وإنما المطالبة والعفو لهما،
والأقرب أن لهما مطالبة سيدهما بالتعزير لو قذفهما على إشكال.
ولو ماتا ورث التعزير، وكان له المطالبة به على إشكال ضعيف.
وحد القذف حق آدمي موروث يرثه الأنساب خاصة دون الأسباب، ولا
تختص العصبات به، ويسقط بالعفو.
وإذا ورثه جماعة، كان لهم استيفاؤه، فإن عفا بعضهم أو أكثرهم إلا واحدا
كان له استيفاء الجميع.
5503. الثامن: لو ولدت تاما لأقل من ستة أشهر، لم يلحق به وانتفى بغير لعان،
وكذا لو وضعته لأزيد من عشرة أشهر أو سنة - على الخلاف - من وطئه، لكن
في الأخير يفتقر إلى اللعان.
ولو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل، تلاعنا.
وإنما يلحق الولد مع إمكان الوطء من الزوج، فلا يلحق الولد بالزوج
الصبي لدون تسع سنين، ويلحق إذا بلغ عشرا، فلو أنكر الولد أخر اللعان حتى
يبلغ رشيدا، ولو مات قبله ورث الولد والزوجة إن لم ينكره (1).
ولو كان الزوج خصيا مجبوبا، فالأقرب أنه لا يلحقه، بخلاف فاقد
أحدهما والواطئ في الدبر فلا ينتفي ولد أحدهما إلا باللعان.

1. وفي الشرائع: 3 / 94: ولو مات قبل البلوغ أو بعده ولم ينكره ألحق به وورثته الزوجة والولد.
127

وهل نفي الولد على الفور؟ قيل: نعم، فلو حضر الولادة ولا عذر ولم
ينكر، لم يكن له إنكاره بعد ذلك، وعندي فيه نظر.
أما لو أخر بما جرت العادة به، كالسعي إلى الحاكم، فإنه لا يسقط إنكاره
إجماعا، وكذا لو أمسك حتى تضع لاحتمال الشك له في الحمل.
ولو قال: علمت الحمل ولم أنفه لجواز موته أو سقوطه، بطل نفيه.
ولا يسمع نفيه بعد الاعتراف به صريحا أو فحوى، كقوله: آمين أو إن شاء
الله عقيب بارك الله في مولودك، هذا بخلاف بارك الله فيك أو أحسن [الله]
إليك، فيحد مع النفي في الأول دون الثاني.
5504. التاسع: لو طلق، وادعت حملها منه، فأنكر الدخول، قال الشيخ: إن
أقامت بينة بإرخاء الستر، لاعن، وحرمت، وعليه المهر; وإن لم تقم بينة، فعليه
نصف المهر، وعليها مائة سوط. (1) وقال ابن إدريس: لا يثبت اللعان بإرخاء
الستر. (2) وهو جيد، ولا حد عليه، لأنه لم يقذف، ولم ينكر ولدا يجب
الإقرار به.
5505. العاشر: لو قذف زوجته، ونفى الولد، سقط الحد بالبينة، وانتفى الولد
باللعان لا بالبينة.
ولو تزوجت [المطلقة] وأتت بولد لدون ستة أشهر من وطء الثاني،
ولتسعة فما دون من فراق الأول، لحق بالأول، ولم ينتف [عنه] إلا باللعان.
5506. الحادي عشر: يعتبر في الملاعن البلوغ، والعقل، ولا يشترط الإسلام

1. النهاية: 523.
2. السرائر: 2 / 702.
128

ولا الحرية، ولا كونه سليما من حد القذف، فلو قذف الكافر، أو العبد، أو
المحدود في الزنا زوجته، أو نفى ولده، كان له إسقاط الحد أو التعزير باللعان،
ورواية ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) متأولة. (1)
5507. الثاني عشر: يشترط في الملاعنة البلوغ والعقل والسلامة من الصمم
والخرس، والعقد الدائم، فلو قذف المجنونة أو الصبية، فلا لعان إلا أن تفيق
المجنونة وتطالب بالحد، فله اللعان، وكذا الصبية، إن لم يعتبر الدخول.
ولو قذف زوجته الصماء أو الخرساء حرمتا عليه أبدا، ولا لعان، ولو قذف
المتمتع بها أو المنكوحة بالملك أو التحليل، عزر أو حد، ولا لعان، سواء كان
بالزنا أو بنفي الولد، وفي اعتبار الدخول قولان المروي اشتراطه. (2) وقال ابن
إدريس: إنه شرط في نفي الولد لا القذف. (3)
وهل يشترط حريتها؟ قال المفيد: نعم (4) فلا لعان بين الحر والمملوكة،
واختاره ابن إدريس، (4) وقال الشيخ: لا يشترط، (5) وعليه أعتمد، لرواية
جميل بن دراج الحسنة عن الصادق (عليه السلام). (6) وكذا يثبت بين المملوك وزوجته
الحرة، عملا برواية الحلبي الحسنة عنه (عليه السلام)، (7) وبين المملوك وزوجته

1. الوسائل: 15 / 596، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 4. قال المصنف بعد نقل الرواية (لا
يلاعن الحر الأمة ولا الذمية، ولا التي يتمتع بها) ما هذا نصه: إنه محمول على الأمة المملوكة له
وكذا الذمية إذا كانت جارية مملوكة له، أو أنه يتزوج الأمة من غير إذن مولاها. المختلف: 7 / 443.
2. الوسائل: 15 / 590، الباب 2 من أبواب اللعان.
3. السرائر: 2 / 698.
4. المقنعة: 542.
4. السرائر: 2 / 698.
5. المبسوط: 5 / 182، النهاية: 523; الخلاف: 5 / 7، المسألة 2 من كتاب اللعان.
6. الوسائل: 15 / 596، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 2.
7. الوسائل: 15 / 595، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 1.
129

الأمة، عملا برواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما (عليهما السلام) (1).
وهل يشترط إسلام المرأة؟ قال المفيد: نعم، (2) واختاره ابن إدريس، (3)
وقال الشيخ: لا يشترط. (4) وهو الحق، لرواية جميل (5)، فلو قذف المسلم
زوجته الذمية، أو الكافر زوجته الكافرة أو نفى أحدهما الولد، كان عليه التعزير،
أو يلاعن، أما الموطوءة بالملك فلا يفتقر في نفي الولد إلى اللعان وإن اعترف
بالوطء بل ينتفي عنه.
ولا تصير الأمة فراشا بالملك ولا بالوطء. (6)
ويجوز لعان الحامل، لكن يؤخر الحد حتى تضع إن وجب.
ولو قذف زوجته المحدودة في القذف، حد أو لاعن، وكذا المحدود لو
قذف زوجته.
5508. الثالث عشر: لا يثبت اللعان بالقذف المطلق ما لم يقرنه بدعوى
المشاهدة، ولا يجوز له اللعان حتى يشاهد، ولا يحل له التعويل على إخبار الثقة
أو الاشتهار بين الملأ، ولا نفي ولد يمكن أن يكون منه.

1. الوسائل: 15 / 596، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 3.
2. المقنعة: 542.
3. السرائر: 2 / 597 - 598.
4. المبسوط: 5 / 182، الخلاف: 5 / 6، المسألة 2 من كتاب اللعان.
5. الوسائل: 15 / 596، الباب 5 من أبواب اللعان، الحديث 2.
6. لاحظ في توضيح هذه الفقرة الخلاف: 5 / 48، المسألة 67 من كتاب اللعان; والمسالك: 10 /
218.
130

5509. الرابع عشر: لو ادعى أن قذفه حال جنونه وادعته حال عقله، قدم قول
من له البينة، فإن لم يعلم له حالة جنون، فالقول قولها مع اليمين، وإن علم
فالقول قوله مع اليمين.
ولو قذف الذمي زوجته وترافعا إلينا، عزر، وله إسقاطه باللعان، ولو أنكر
القذف، فالقول قوله إلا أن يشهد مسلمان بالقذف.
5510. الخامس عشر: إذا ثبت زناها بالبينة أو بإقرارها فقذفها قاذف بذلك الزنا،
وجب التعزير لا الحد، سواء كان زوجا أو أجنبيا، وهل للزوج إسقاطه باللعان؟
قوى الشيخ العدم (1).
وإن كان قذفها الزوج ولاعنها، وامتنعت منه، تحقق الزنا باللعان، فإن قذفها
الزوج عزر، وإن قذفها أجنبي حد، وإن لاعنته ثبت الحد على الزوج وغيره،
سواء كان الزوج نفى نسب ولدها أو لم ينف، أو كان الولد باقيا، أو قد مات، أو لم
يكن لها ولد.
ولو قذف زوجته وامتنع عن اللعان فحد، ثم عاد وقذفها بذلك الزنا، لم
يحد على إشكال، وعزر للنسب، وليس له إسقاطه باللعان.
ولو قذفها أجنبي ولا بينة فحد، ثم قذفها ثانيا بذلك الزنا، لم يحد أيضا،
وعزر للنسب.
5511. السادس عشر: لو ادعت على زوجها القذف فأنكر فأقامت بينة

1. المبسوط: 5 / 192.
131

بالقذف، كان له أن يلاعن، ولو أنكر القذف والزنا فقامت عليه بينة بالقذف حد،
ولا تسمع بينته ولا لعانه.
5512. السابع عشر: لو قذف الصبي عزر ولا حد ولا لعان وإن بلغ.
ولو قال البالغ: ركبت رجلا فدخل ذاك منه في ذاك منك، حد أو يلاعن.
ولو قال: يا زانية بنت الزانية حد لكل واحدة حدا كاملا، وله إسقاط حد
البنت بالبينة واللعان، وإسقاط حد الأم بالبينة خاصة.
وأيهما بدأ بالحد كان للآخر المطالبة بالآخر، ولا توالي بين الحدين، بل
يترك حتى يبرأ.
ولو كان [القاذف] عبدا فكذلك، لأنه يحد في القذف والشرب كالحر.
5513. الثامن عشر: لو قذف ولم يلاعن فحد بعض الحد فبذل اللعان، قبل
منه، ولو قذف حد الرجل فأراد أن يلاعن بعده مكن منه إن كان هناك ولد،
وإلا فلا.
ولو قذف المنكوحة للشبهة حد ولم يلاعن، سواء كان للزنا أو
لنفي النسب.
132

الفصل الثاني: في كيفية اللعان وأحكامه
وفيه أربعة وثلاثون بحثا:
5514. الأول: إذا قذف الرجل زوجته وأراد لعانها، اشترط الحاكم أو من ينصبه
لذلك، قال الشيخ: ولا يفتقر إلى حضوره بل إلى استدعائه وإلقائه على الزوجين،
ويستوفي عليهما اللعان، قال: فلو بدأ به قبل أن يأمره الحاكم به، لم يعتد به، قال:
ولو تراضيا برجل يلاعن بينهما جاز (1)، ويلزم بنفس الحكم، مثل الحاكم، ولا
يفتقر في لزومه إلى تراضيهما.
ويبدأ الرجل فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به، أربع
مرات، ثم يقول: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، ثم تقول المرأة: أشهد بالله
إنه لمن الكاذبين فيما رماني، أربع مرات، ثم تقول: إن غضب الله علي إن كان
من الصادقين.
ولو تراضيا برجل من العامة (2) فلاعن بينهما، ففي الجواز نظر.
ويشتمل اللعان على واجب وندب.

1. المبسوط: 5 / 223.
2. قال ثاني الشهيدين: والمراد بالرجل العامي الذي يتراضى به الزوجان، الفقيه المجتهد حال
حضور الإمام لكنه غير منصوب من قبله، وسماه عاميا بالإضافة إلى المنصوب، فإنه خاص
بالنسبة إليه. المسالك: 10 / 228.
133

فالواجب: التلفظ بالشهادة على ما قلناه، وقيام الرجل عند التلفظ، وكذا
المرأة، وقيل يكونان معا قائمين بين يدي الحاكم، وبدأة الرجل بالشهادة ثم
اللعن، وبعده المرأة على الترتيب، وتعين المرأة بالإشارة - إن كانت حاضرة - من
غير حاجة إلى اسمها ونسبها، أو الاسم والنسب مع الغيبة، أو الصفات المختصة
بها، والتلفظ بالعربية مع القدرة، ويجوز غيرها مع العجز، فيفتقر الحاكم إلى
مترجمين لا أقل.
والندب جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة
عن يمين الرجل، وحضور سامع، ووعظ الحاكم والتخويف بعد الشهادات لهما
قبل اللعن والغضب.
5515. الثاني: يجوز التغليظ بالمكان، بأن يلاعن الحاكم بينهما إن كان بمكة
بين الركن والمقام، وفي المدينة بين القبر والمنبر، وإن كان ببيت المقدس ففي
المسجد عند الصخرة، وإن كان في غير ذلك، ففي الجامع، وبالزمان بإيقاعه بعد
العصر، وباجتماع الناس، وبالقول، وهو تكرار الشهادات أربع مرات، وهو شرط
في اللعان، والزمان والمكان والاجتماع ليست شروطا ولا واجبة.
5516. الثالث: الحائض لا تدخل المسجد، فيبعث الحاكم من يستوفي
الشهادات منها، ويستحب أن يكون أربعة نفر وأقله واحد، وكذا لو كانت
مخدرة، ولا يكلفها الخروج.
ولو كانا ذميين، تلاعنا في الموضع الذي يعتقدان تعظيمه من البيعة،
والكنيسة، وبيت النار.
ولو كانا وثنيين لاعن بينهما في مجلسه.
134

5517. الرابع: تجب بدأة الرجل أولا باللعان، فلو بدأت المرأة لم يعتد به،
وكذا يجب استيفاء الألفاظ على ترتيبها، فلو نقص أحدهما (1) أو غير الترتيب،
لم يعتد به أيضا، ولو حكم الحاكم بالفرقة في ذلك كله، لم ينفذ حكمه.
5518. الخامس: يتعلق بالقذف وجوب الحد على الزوج، وبلعانه سقوط الحد
في حقه ووجوبه في حقها، وبلعانهما سقوط الحدين، وانتفاء الولد عن الزوج
دون المرأة، وزوال الفراش، وتأبيد التحريم.
ولا يكفي في هذه الأحكام الأربعة لعان الزوج خاصة، ولا يفتقر بعد
اللعان إلى حكم الحاكم.
فلو أكذب نفسه في أثناء اللعان، أو نكل حد، ولا يثبت شئ من الأحكام.
ولو نكلت أو أقرت رجمت، ولا حد عليه، وكان الفراش باقيا.
أما لو أكذب نفسه بعد اللعان، فإنه لا يعود الفراش، ولا يزول التحريم
المؤبد، ولا يرث هو ولا من يتقرب به الولد المنفي، ويرثه الولد، والأقرب سقوط
الحد عنه.
ولو اعترفت بعد اللعان لم تحد، إلا أن تقر أربعا على إشكال.
وفرقة اللعان فسخ لاطلاق، ولا يرتفع التحريم المؤبد بالتكذيب.
5519. السادس: يشترط في كل شهادة من الأربع أن يقول: أشهد بالله إني لمن
الصادقين فيما رميتها به من الزنا، وإن نفى الولد زاد: وإن هذا الولد من زنا

1. وفي الشرائع: 3 / 102 «إذا أخل أحدهما» والضمير يرجع إلى الزوجين.
135

وليس مني، ولو اقتصر على أحدهما لم يجز، وكذا في اللعن، ولو لاعنها وسكت
عن نفي النسب، حرمت، وله نفيه بعد ذلك باللعان، حملا كان أو منفصلا.
وتقول المرأة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به، ولا تذكر نفي
النسب، وتشير إليه مع حضوره، وتنسبه مع غيبته.
5520. السابع: لو أتى بالغضب عوض اللعن، أو أتت هي باللعن عوضه لم
يصح، وكذا لو أبدل لفظ الشهادة بالحلف أو القسم أو الإيلاء.
5521. الثامن: لو قذفها برجل معين، أو برجال كذلك، حد للمرأة حدا كاملا،
وكذا لكل واحد، فإن لاعن سقط حد المرأة خاصة، وإن أقام البينة سقط الحدان،
ولو صدقته المرأة حدت للزنا وللقذف، وحد هو للقذف.
ومن قذف عند الحاكم غيره، وعلم الحاكم جهل المقذوف بالقذف، أنفذ
وأعلمه ليطالب الحد، بخلاف ما لو قال: سمعت ناسا يقولون: إن فلانا زنا بفلانة.
5522. التاسع: إذا اعترفت قبل اللعان، سقط الحد عن الزوج بالمرأة، ولا يجب
عليها الحد إلا أن تقر أربعا، ولا ينتفي النسب إلا باللعان، لأن تصادقهما على الزنا
لا ينفي النسب الثابت بالفراش، فللزوج أن يلاعن لنفيه، وفيه نظر، وليس له أن
يلاعن للزنا بعد التصديق إجماعا، بل يجب عليها الحد، ولا يسقط الفراش،
ولا يثبت التحريم.
ولو رجعت عن تصديقه، سقط الحد، ويحتاج إلى اللعان، لأن الرجوع
عن إقرار الزنا مقبول.
5523. العاشر: إذا مات الزوج قبل اللعان أو قبل إكماله، ورثته المرأة وولدها
136

المنفي، وإن ماتت قبل لعانه أو قبل إكماله، ورثها هو، وعليه الحد للوارث، ولو
أراد دفعه باللعان جاز على إشكال، ولو أراد نفي النسب كان له أن يلاعن لنفيه،
وقال الشيخ: إن قام رجل من أهلها مقامها، ولاعنه، سقط ميراثه. (1)
وهو ضعيف.
5524. الحادي عشر: لو نكل عن إكمال اللعان، حد للقذف، وكذا لو نكلت هي
عن اللعان بعد لعانه، أو عن إكماله، رجمت.
ولو انقطع كلامه بعد القذف، لاعن بالإشارة وإن رجي عود نطقه.
5525. الثاني عشر: إذا قال: هذا الولد ليس مني، احتمل أنه من زنا، فيكون
قذفا، فيحد، إلا أن يلاعن.
واحتمل أنه لا يشبه خلقي وخلقي، فلا حد، فالقول قوله في إرادته مع
اليمين، فإن نكل حلفت المرأة على إرادته القذف، فيحد، أو يلاعن، أو
يقيم البينة.
واحتمل أنه من زوج غيري، فإن لم يعلم لها زوج لم يقبل هذا التفسير لو
أراده، وألزم بالمحتمل.
وإن علم، فإن عرف فراق الأول ونكاح الثاني ووقت الولادة، ألحق بالأول
إن أتت به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ولدون عشرة من فراق الأول،
وبالثاني إن أتت لأكثر من عشرة من فراق الأول ولستة فما زاد من نكاح الثاني،
إلا أن يلاعن، وبغيرهما إن أتت به لأكثر من عشرة وأقل من ستة.

1. النهاية: 523.
137

وان احتمل منهما أقرع.
وإن احتمل أنها التقطته أو استعارته فعليها البينة بالولادة، وتسمع فيه
شهادة النساء وإن انفردن.
فإن تعذر حلف الزوج على نفي العلم بالولادة، وانتفى النسب بغير لعان.
وإن نكل حلفت ولحق النسب إلا أن يلاعن.
وإن نكلت تردد الشيخ (1) بين إيقاف اليمين على بلوغ الصبي ليحلف
ويثبت نسبه وبين عدمه، لأن اليمين حقها ونكلت عنها فسقطته، ولا يثبت
بعد ذلك.
فعلى الأول يحلف الصبي بعد بلوغه، ويثبت النسب، إلا أن يلاعن الأب.
وعلى الثاني لا يلحق الأم (2) النسب إلا بالبينة.
ولو قال لامرأته: هذا الولد ليس مني بل زنى بك فلان، فله أن يلاعن
وينفي النسب، وكذا لو لم يعين المنسوب إليه.
ولو قال: ليس مني ولا أصبتك، ولست بزانية، لم يكن قاذفا، لأنه قد يكون
ولده بأن يطأ دون الفرج فيسبق الماء إليه وإن لم يصبها، أو بأن تستدخل ماءه [
فتحبل] فلا يلاعن.
ولو قال: وطئك فلان بشبهة، وهذا ولده، فالقرعة هنا عندنا، ولا لعان، لأن
كل موضع يمكن نفي النسب بغير لعان لم يجز نفيه باللعان.

1. المبسوط: 5 / 206.
2. في «ب»: لا يلحق الأب.
138

ولو قال: غصبك [فلان]، فهو قاذف له دونها، وله أن يلاعن لنفي النسب،
وعليه حد القذف له.
5526. الثالث عشر: لو قال لابن الملاعنة: لست ابن فلان، ولو (1) قال: أردت
أن الشرع منع من نسبه، فليس بقذف فإن صدقته المرأة، وإلا حلف، فإن نكل
حلفت وحد، وإن قال: أردت أن أمه أتت به من زنا، فهو قذف يحد له وكذا يحد
لو قال له بعد إكذاب أبيه نفسه بعد اللعان.
5527. الرابع عشر: لو لاعن لنفي النسب، فوضعت آخر قبل ستة أشهر، فهما
حمل واحد، فإن نفاه انتفى، وإن أمسكه لحقه، فيلحقه الأول، وإن وضعته لأكثر
من ستة أشهر، فهو حمل آخر، له حكم بانفراده، وله نفيه باللعان وإن كانت
الزوجة قد بانت بالأول، وإن أمسكه لحق به دون الأول، وإن لاعن عن الحمل
فوضعته، ثم وضعت آخر قبل ستة أشهر انتفى باللعان، لتناوله جميع الحمل، وإن
كان بعدها انتفى الثاني بغير لعان لبينونتها بالأول، وحملت بالثاني وقت البينونة
بخلاف ما إذا لاعن عن المنفصل، لاحتمال وطئها قبل اللعان، وإذا استلحق أحد
الولدين التوأمين لحقه الآخر إن كان بينهما دون ستة أشهر، فإن صرح بالقذف
في نفي الآخر حد ولا يلاعن.
5528. الخامس عشر: لو لاعن زوجته الأمة لنفي النسب أو للزنا، حرمت أبدا،
فإن اشتراها لم يحل له وطؤها، وكذا لو طلقها اثنتين ثم اشتراها لم يحل له، قال
الشيخ: وقال شاذ من أصحابنا: إنها تحل (2).

1. يأتي شقه الآخر في كلامه.
2. المبسوط: 5 / 211.
139

ولا نفقة للبائن باللعان ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ولم ينف حملها.
5529. السادس عشر: يجوز اللعان لنفي نسب الولد الميت، سواء كان للولد
ولد أو لا، فلو ولدت توأمين ومات أحدهما وبقي الآخر كان له أن
يلاعن لنفيهما.
5530. السابع عشر: لو قال لزوجته: يا زانية، فقالت: زنيت بك (1)، حد الرجل
دون المرأة إن قصدت نفي الزنا عنهما، وإن قصدت زناهما معا، سقط الحد عنه،
ووجب عليها حد قذفه وحد الزنا إن اعترفت أربعا، ولو قصدت زناها خاصة
بأن تقول: وطئتني للشبهة مع علمي بالتحريم، لم تحد للقذف (2) وحدت للزنا
إن اعترفت، أربعا.
والقول قولها في قصدها مع اليمين، ولو ادعى قصد قذفها له، فإن نكلت
حلف وحدت.
ولو قالت: أنت أزنى مني، (3) احتمل القذف وعدمه، ولو قال لها: أنت
أزنى من فلانة، وقصد ان فلانة زانية، وهي أزنى منها، حد لهما، (3) وله إسقاط
حد زوجته باللعان، وإن لم يقصد التشريك حد لزوجته، لاحتماله (4)، كما في
قوله تعالى: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) (5).

1. أي قصدت ما زنيت أنا ولا أنت كما يقول القائل لغيره: يا سارق فيقول: معك سرقت، يعني ما
سرقت أنا ولا أنت، لاحظ المبسوط: 5 / 213.
2. في «أ»: لم يحد للقذف.
3. في قبال قول الزوج: يا زانية.
4. أي لأجلهما.
5. احتمال عدم التشريك كما هو الحال في لفظة «خير» في الآية التالية حيث ليس في النار خير.
6. الفرقان: 24.
140

ولو قصد نفيه عنهما قبل مع اليمين لو أنكرتاه.
ولو قال: أنت أزنى الناس، لم يكن قذفا، لانتفاء الزنا عن جماعة الناس،
ولو قصد أزنى من زناة الناس، حد لها خاصة.
ولو قال لها: أنت أزنى من فلانة، وثبت زنا فلانة بالبينة، وكان عالما حد،
وإن كان جاهلا لم يحد.
ولو قال لها: انت زان، قوى الشيخ عدم الحد إن كان من أهل الإعراب وإلا
وجب، وكذا قوى العدم لو قالت له: يا زانية (1).
ولو قال لغيره: زنأت في الجبل، احتمل الصعود فلا حد، والزنا فيه فيحد،
ويقبل تفسيره مع اليمين، ولو نكل حلف مدعي القذف وحد.
ولو قال: زنأت من غير قيد، فإن كان من أهل اللغة رجع إليه في التفسير،
وإن كان عاميا حد، لأن العامة لا تفرق بين زنأت وزنيت، والوجه عندي قبول
تفسير العامي لو فسره بغيره (2).
ولو صرح بالياء فقال: زنيت في الجبل، وقال أردت الترقي، وتركت
الهمزة، فالأقرب القبول.
ولو قال لزوجته: زنيت وأنت صغيرة، وفسر الصغير بما لا يحتمل معه
القذف كبنت سنتين أو ثلاث، عزر للسب دون القذف، ولا يسقط باللعان، ولو
فسر بما يحتمل كبنت تسع أو عشر، حد للقذف، وله إسقاطه باللعان.
ولو قال: زنيت وأنت نصرانية، فصدقته في الثاني خاصة، أو قامت بينة،

1. المبسوط: 5 / 214.
2. في «أ»: لغيره.
141

عزر، وله إسقاطه باللعان، والقول قوله مع اليمين لو ادعت عدم إرادة قذفه
حالة الكفر.
وإن كذبته فيهما، وثبت ولادتها في الإسلام، حد، وله أن يلاعن، وإن لم
يعلم حالها، فالقول قوله مع اليمين، ويعزر ويلاعن لسقوطه إن شاء، ويحتمل
تقديم قولها، فإن نكلت حلف وعزر.
ولو قال لها: زنيت، ثم قال بعده: إنما أردت في حال ما كنت نصرانية،
وقالت: بل أردت الآن، وقدم قولها مع اليمين.
ولو قال: زنيت وأنت أمة وعرفت الرقية، عزر وله اللعان، وإن عرفت
الحرية في الأصل حد، وإن جهل احتمل الأمرين.
ولو قال: أنت الآن أمة، فقالت: بل حرة، وجهل الحال، احتمل
الأمرين أيضا.
ولو قال: أكرهت على الزنا، لم يحد، والأقوى تعزيره على السب وكذا زنا
بك نائمة أو زنا بك صبي لا يجامع مثله، ولو قال: يجامع مثله، حد.
5531. الثامن عشر: لو طلقها بعد القذف فتزوجت بآخر فقذفها، وجب لها
عليهما حدان، فإن لاعنا وامتنعت حدت حدين.
ولو قذف أجنبية فحد، ثم قذفها به عزر، وإن قذفها بآخر حد ثانيا، وإن
قذفها ثانيا قبل حده بذلك، حد حدا واحدا، وإن كان بعده فحدان.
ولو تزوجها بعد قذفه ثم قذفها ثانيا، فإن أقام بينة سقط الحدان وإلا ثبتا
وله إسقاط الثاني خاصة باللعان.
142

ولو قذف زوجته ثم قذفها بآخر قبل اللعان، فعليه حد واحد، ويكفي لعان
واحد، ويذكر في كل شهادة موجب الكثرة من الزمان (1) أو الفاعل وإن لم
يعينهما بل أطلق قال: فيما رميتها به من الزناءين.
ولو لاعن ثم قذف ثانيا بزنا أضافه إلى ما قبل اللعان، حد.
والقول قوله لو قالت: قذفني قبل التزويج، وقال: بعده (2) أو بعد البينونة،
وقال: قبلها، وقولها (2) لو قالت: قذفني وأنا أجنبية، فقال: بل أنت زوجتي،
وأنكرت الزوجية.
5532. التاسع عشر: لو قال لها: يا زانية، فقالت بل أنت زان عزرا، وله إسقاطه
باللعان، ولا يسقط عن المرأة إلا بالبينة.
ولو قال للزوجة والأجنبية: زنيتما، وأقام البينة حدتا، وإن لاعن سقط حد
زوجته خاصة، وإن لم يفعلهما حد لكل واحدة حدا كاملا.
ولو قذف جماعة بلفظ واحد، فإن جاءوا به مجتمعين، فعليه حد واحد،
وإن جاءوا به متفرقين، حد لكل واحد حدا كاملا، سواء كانوا ذكورا، أو إناثا، أو
بالتفريق، وسواء كن زوجات، أو أجانب، أو بالتفريق، فإن أقام بينة حد من أقام
البينة عليه، وله إسقاط حد الزوجات باللعان، ويفتقر إلى تعدده، ولا يتحد
برضاهن بلعان واحد، ويبدأ بلعان من تخرجه القرعة مع التشاح.
5533. العشرون: إذا قذف زوجته بزنا في طهر جامعها فيه، وأتت بولد، كان

1. في «ب»: من الزنا.
2. في «أ»: ولو قال بعده.
3. أي القول قولها.
143

له أن يلاعن لنفيه، ولو قذف محصنا حد، فإن ثبت زنا المقذوف قبل حده،
سقط، قال الشيخ: ويقوي عدمه (1).
5534. الحادي والعشرون: إنما يجب الحد بقذف المحصن، وهو الحر
المكلف المسلم العفيف عن الزنا، وكذا المرأة، ويجب بقذف غيره (2) التعزير،
ويخرج المحصن عن إحصانه بالوطء المحرم الذي لم يصادف ملكا، كالعاقد
على المحارم، أو وطء جارية أبيه أو ابنه أو المرهونة عنده، ويجب به الحد، أما
المصادف كالحائض والمحرمة والمظاهرة والمولى منها فلا حد للزنا بل
للقذف، ولا خروج عن الاحصان، وكذا وطء الشبهة، والوطء من الصبي والقبلة
والملامسة، ومقدمات الزنا، والردة الطارئة بعد القذف ولا الزنا الطارئ.
ولو ادعى القذف وأقام شاهدين، حبس القاذف حتى تثبت العدالة; قاله
الشيخ (2)، بخلاف ما لو أقام واحدا، ويحبس في المال بالواحد، ولا تصح الكفالة
بالبدن لحد الله تعالى أو لحد الآدمي.
5535. الثاني والعشرون: قول الرجل لامرأته: زنيت أو يا زانية أو زنى فرجك،
صريح في القذف، وكذا النيك وإيلاج الحشفة، دون زنت يدك أو رجلك أو
عينك، والأقرب في بدنك (4) الصريح، فلا يقبل قوله في الصريح لو فسر بغيره،
بخلاف الكناية (3) فيقبل قوله لو أراد العدم مع اليمين إن كذبته.
وليس له أن يحلف كاذبا على إخفاء نيته، وإن لم يحلف فله أن لا يقر

1. المبسوط: 5 / 219.
2. أي غير المحصن.
3. المبسوط: 5 / 221.
4. أي لو قال: زنى بدنك.
5. في النسختين «الكتابة» وهو مصحف.
144

بالنية (1) حتى لا يؤذي المقذوف، لكن يجب عليه الحد بينه وبين الله، مع
احتمال وجوب الاعتراف لتوفية الحد.
ولو قال له: يا حلال ابن الحلال، أو ما أحسن ذكرك في الجيران، أو ما أنا
بزان ولا أمي زانية، أو للقرشي: يا نبطي، أو يا فاسقة، أو يا غلمة (2)، أو
يا شبقة (3)، فإن قصد القذف حد وإلا عزر، ولو قال: بارك الله لك، أو ما أحسن
وجهك، لم يكن قذفا وإن قصده.
5536. الثالث والعشرون: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا أحدهم زوجها،
فإن كان قد تقدم قذفه حدوا أجمع وله خاصة إسقاط حده باللعان، وإن لم
يتقدم القذف فيه روايتان (4) أقربهما أنه كذلك، لقوله تعالى (ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء) (5) واستدلال الشيخ (6) بقوله: (ولم يكن لهم شهداء إلا
انفسهم) (6) ليس بذلك القوي.
5537. الرابع والعشرون: لو قذفها ونفى الولد وأقام أربعة بالزنا لم ينتف
النسب، وإنما ينفيه باللعان، سواء كان حملا أو منفصلا.
5538. الخامس والعشرون: يجب عليه الحد بالقذف، ويسقط باعترافها، فلو

1. في «أ»: «بالبينة» وهو مصحف.
2. في مجمع البحرين: الغلمة - كغرفة - شدة الشهوة، واغتلم البعير: إذا هاج من شدة شهوة
الضراب.
3. في مجمع البحرين: الشبق - بالتحريك - شدة الميل إلى الجماع.
4. الوسائل: 15 / 606، الباب 12 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 2; التهذيب: 6 / 282 برقم
776 - 777.
5. النور: 4.
6. التهذيب: 6 / 282.
7. النور: 6.
145

ادعاه وأنكرت فأقام شاهدين باعترافها، قال الشيخ: مذهبنا أنه لا يثبت إلا بأربعة
كالزنا (1) ولو أقام أربعة سقط الحد عنه إجماعا، وكذا يسقط عنها، لأن الرجوع
عن الإقرار يسقط الرجم.
ولو عجز القاذف عن البينة، فهل له مطالبة المقذوف باليمين أنه لم يزن؟
فيه نظر، وليس دعوى الإقرار بمجردها قذفا، ولو عدم البينة كان له إحلافها إن
كان قذف أولا، فإن نكلت حلف القاذف أنها أقرت فيسقط حده، ولا يجب
عليها حد.
5539. السادس والعشرون: لو ادعى أن المقذوفة مشركة أو أمة حالة القذف،
وقالت: قبله، قدم قوله مع اليمين، وكذا لو أنكرته أصلا.
ولو قال: كنت مرتدة حالة القذف، فأنكرت، فالقول قولها مع اليمين.
ولو أقام بينة بصغرها حالة القذف، وأقامت بالكبر، فإن كانتا مطلقتين ثبتتا
معا، فإن اتحد التاريخ تعارضتا، قال الشيخ: وتستعمل القرعة. (2) وفيه نظر.
5540. السابع والعشرون: لو شهدا بأنه قذف زوجته وقذفهما، لم تقبل
شهادتهما لهما ولا للزوجة، فإن أسقطا حدهما (3) ومضت مدة عرف صلاح
الحال بينهم، ثم أعادا الشهادة للزوجة، قال الشيخ: يقوى عندي قبولها (4).

1. المبسوط: 5 / 224.
2. قال الشيخ: فإن كانت البينتان مطلقتين، حكم ببينة المرأة، لأنها أثبتت ما أثبتت البينة الأخرى
وزيادة فقدمت لزيادتها، وإن كانتا مؤرختين تاريخا واحدا فهما متعارضتان، واستعمل فيهما
القرعة عندنا. المبسوط: 5 / 225.
3. في المبسوط: 5 / 225: فإن عفوا عن قذفهما وأبرياه عن الحد.
4. المبسوط: 5 / 225 - 226.
146

ولو ادعيا قذفهما وأبرياه ثم شهدا بقذف الزوجة بعد زوال العداوة، فهاهنا
القبول أولى، وكذا لو شهدا بقذفها فحكم ثم ادعيا قذفهما، أما لو لم يحكم
فالأقرب الرد للعداوة.
ويقبل لو شهدا بأنه قذف زوجته وقذفنا، لكن عفونا، وحسن الحال بيننا.
ولو شهدا بقذف زوجته وأمهما قبلت لهما.
ولو شهدا بأنه قذف ضرة أمهما قبلت، وكذا لو شهدا بطلاقها.
5541. الثامن والعشرون: لا تثبت دعوى القذف إلا بشاهدين متفقين، فلو
شهد أحدهما بالقذف بالعربية أو يوم الخميس، والآخر بالعجمية أو يوم السبت،
لم يثبت، أما لو شهدا بالإقرار بالصيغتين أو في الوقتين فإنهما تقبلان (1) بخلاف
ما لو شهد أحدهما بالقذف والآخر بالإقرار به، أو شهد أحدهما أنه أقر أنه قذفها
بالعربية والآخر أقر أنه قذفها بالعجمية، لأن العربية والعجمية هنا عائدتان إلى
القذف لا إلى الإقرار به.
ولو شهد أحدهما أنه قال: القذف الذي كان مني كان بالعربية، وشهد
الآخر أنه قال: القذف الذي كان مني كان بالعجمية، احتمل عدم القبول، لأنهما
قذفان، وثبوته لإقراره بالقذف، وقوله بالعربية أو العجمية إسقاط لإقراره.
5542. التاسع والعشرون: نفي الولد على الفور، فلو أخر مع القدرة، بطل

1. قال الشيخ في المبسوط: 5 / 227: إذا شهد شاهدان أحدهما بأنه أقر بالعربية بأنه قذفه،
وشهد الآخر بأنه أقر، بالفارسية بأنه قذفه، أو شهد أحدهما بأنه أقر يوم الخميس بأنه قذفه،
وشهد الآخر بأنه أقر يوم الجمعة بأنه قذفه، حكم بهذه الشهادة وثبت القذف، لأن الإقرار وإن
اختلف فالمقر به واحد.
147

نفيه، ولا يجب مخالفة العادة في مشيه إلى الحاكم، فإن أخر وقال: لم أعرف
ولادتها، قدم قوله مع اليمين إن كان بعيدا عنها، وإن كانا في دار واحدة لم يقبل.
ولو قال: عرفت الولادة ولا أعرف أن لي النفي قدم قوله مع اليمين إن
احتمل الصدق، بأن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ في بلاد بعيدة عنه، ولو
لم يكن كذلك لم يقبل.
ولو لم يتمكن من النفي لمرض، أو حبس، أو حفظ مال، أو اشتغال
بمطالبة غريم، كان له النفي عند زوال العذر، ويجب عليه الإشهاد على إقامته
على النفي إن تمكن، فإن لم يشهد مع المكنة بطل نفيه.
ولو كان بعيدا وجب عليه الحضور والنفي، فإن تأخر بطل نفيه إلا لخوف
في الطريق أو غيره من الأعذار، والحكم مع التمكن من الشهادة ما تقدم.
ولو حضر وقال: لم أسمع بولادتها قدم قوله مع اليمين، وكذا لو قال:
سمعت ولم أصدقه ما لم يبلغ التواتر.
5543. الثلاثون: إنما يلحق الولد مع إمكان الوطء، ولا يكفي العقد المجرد
للقادر على الوطء إذا لم يعلم إمكان وطئه، فلو تزوج عند الحاكم وطلقها في
المجلس ثلاثا، ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر لم يلحقه، وكذا لو تزوج
مشرقي بمغربية، ثم أتت بولد لستة أشهر من حين العقد، وكذا لو تزوج ثم غاب
وانقطع خبره، فقيل للمرأة: إنه مات، فاعتدت وتزوجت وجاءت بأولاد، ثم جاء
الأول، فلا ولد للأول. (1)

1. هذه الفروع نقلها الشيخ في المبسوط: 5 / 232 عن أهل السنة ووصف آراءهم بالبطلان،
ونقلها المصنف مع ذكر ما هو الحق فيها.
148

5544. الحادي والثلاثون: لو عفت عن الحد ولا نسب، انحصر غرض اللعان
في قطع النكاح ودفع عار الكذب والانتقام منها، والأقرب جواز اللعان بمجرد
هذه الأغراض، وأولى بالجواز لو سكتت عن الحد وما عفت، والأصل فيه أن
طلبها هل يشترط في اللعان أم لا؟ ولو قصد نفي النسب لم يتوقف اللعان
على طلبها.
ولو قال: زنى بك ممسوح، (1) أو هي رتقاء، فلا لعان، للعلم بكذبه
ويعزر تأديبا.
5545. الثاني والثلاثون: من شرائط اللعان النكاح الدائم على ما تقدم، فلو
قذف الأجنبي حد ولا لعان، والطلاق الرجعي لا يمنع اللعان.
ولو ارتد الزوج فإن كان عن فطرة فلا يلاعن ويحد بالقذف، وإن كان عن
غير فطرة فلاعن وعاد إلى الإسلام تبين صحة اللعان، ولو أصر تبينا فساده.
ولو وطئ في نكاح فاسد أو شبهة لم يصح اللعان للقذف (2) ولا
لنفي النسب.
ولو ظن صحة النكاح فلاعن، ففي سقوط الحد نظر يترتب على سقوطه
باللعان الفاسد، وكذا البحث في سقوط حد المرتد إذا لاعن وأصر.
ولو اشترى زوجته فأتت بولد لا يمكن أن يكون بعد الشراء، فله اللعان،
وإن احتمل فلا لعان، فلو ادعى الوطء في الملك والاستبراء بعده، لم يلحقه

1. في تهذيب اللغة للأزهري: 4 / 352: خصي ممسوح: إذا سلتت مذاكيره.
2. في «أ»: «للمقذوف» وهو مصحف.
149

بسبب ملك اليمين (1) للاستبراء، والأقرب لحوقه بالنكاح، فله النفي باللعان.
5546. الثالث والثلاثون: لو قذفها بأجنبي وذكره في اللعان، لم يسقط حق
الأجنبي، وأولى بعدم السقوط لو لم يذكره فيه.
5547. الرابع والثلاثون: إذا ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن
نفاهما ثم استلحق أحدهما، لحقه الثاني ولا يتبعض، ويغلب جانب الإثبات.
ولو نفى الحمل فأتت بتوأمين انتفيا، وله أن ينفي أولادا عدة بلعان واحد،
وبين التوأمين المنفيين إخوة الأم لا إخوة الأب.
ولو استلحق الولد المنفي لحق به، وإن كان اعترافه به بعد الموت ويرثه،
وكذا لو نفى بعد الموت ورثه، وكذا لو نفى بعد الموت ثم استلحقه به.
ولو استلحقه بعد اللعان لم يعد النسب لكن يرثه الولد لو مات الأب، ولا
يرث الأب لو مات الولد.
والأقرب أنه لا يشترط تصديق الولد في الاعتراف، نعم لو صدقه في
النفي، ففي إرثه إشكال.
ولو قتل هذا الأب ولده، فالأقرب ثبوت القصاص، لانتفاء الحرمة من
طرف الأب، وكذا لو قذفه ثبت له الحد عليه.

1. في «أ»: لم يلحقه نسب ملك اليمين.
150

المقصد السادس: في العدة
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في من لا عدة عليها
وفيه ثلاثة مباحث:
5548. الأول: الزوجة إن لم تكن مدخولا بها لم تكن عليها عدة من الطلاق
والفسخ عدا الوفاة.
والدخول يحصل بإيلاج الحشفة قبلا، ولا يشترط الإنزال، ولو خلا بها
من غير وطء لم تجب العدة على أقوى القولين، سواء وطئها فيما دون الفرج أو
لا، وسواء كانت الخلوة تامة بأن تكون في منزله، أو غير تامة بأن تكون في
منزل أبيها.
ولو اختلفا مع الخلوة في الإصابة، فالقول قوله مع اليمين في العدم، فإن
أقامت شاهدين أو شاهدا وامرأتين، حكم بالبينة، ويقبل الشاهد واليمين، لأن
151

القصد استحقاق كمال المهر، قال الشيخ: والذي يقتضيه أحاديث أصحابنا أنه إن
كان هناك ما يعلم صدق قولها مثل ان كانت بكرا فوجدت كما كانت فالقول
قولها، وإن كانت ثيبا فالقول قول الرجل، لأن الأصل عدم الدخول. (1) وهذا
القول مضطرب.
ولو كان طلقها ثم ادعى الدخول وأقام شاهدا واحدا لم يحلف معه، لأنه
يثبت الرجعة وليست مالا.
ولو أتت من أنكر دخولها بولد لستة أشهر من حين العقد، لحق نسبه
لإمكان أن يكون منه، بأن يطأها فيما دون الفرج فيسبق الماء إلى الفرج، أو
تستدخل ماءه فتحمل منه، وله نفيه باللعان.
ولا يجب المهر لو اتفقا على الوطء فيما دون الفرج أو استدخال الماء، ولو
اختلفا فيه مع نفي الولد الملحق به، فالقول قول الزوج مع اليمين.
ولو لحقه نسب الولد ولم ينفه، واختلفا في الإصابة، قال الشيخ: الأقوى أن
عليه المهر كملا. (2)
5549. الثاني: المجبوب إن بقي من ذكره ما يمكنه الوطء به بقدر الحشفة،
فحكمه حكم الصحيح، وإن لم يبق منه شئ، لحق به الولد لإمكان الحمل
بالمساحقة، وتعتد بالحمل إن حملت وعدة الوفاة، فأما عدة الطلاق فلا يجب.
أما الخصي وهو من قطعت خصيتاه، والمسلول وهو من سلت بيضتاه،

1. المبسوط: 5 / 248.
2. المبسوط: 5 / 248.
152

فإنه يجب له العدة بالدخول من الطلاق وغيره، وإن لم يكن هناك حمل.
5550. الثالث: اليائسة وهي التي بلغت خمسين سنة أو ستين إن كانت قرشية
أو نبطية لا عدة عليها إلا في الوفاة خاصة، لا في طلاق ولا في غيره، وكذا
الصغيرة وهي التي لها دون تسع سنين، سواء دخل بها أو لا، وهي رواية زرارة
الحسنة عن الصادق (عليه السلام) (1) وإليه ذهب معاوية بن حكيم (2) من قدماء علمائنا،
قال الشيخ: وجميع فقهائنا المتأخرين (3).
وقال السيد المرتضى (رحمه الله): تجب العدة عليهما مع الدخول ثلاثة أشهر،
لعموم قوله: (واللائي يئسن من المحيض) إلى قوله (واللائي لم يحضن) (4). (5)
وليس فيه دلالة صريحة على مطلوبه، للتقييد بالريبة.
فقد تلخص من ذلك أن غير المدخول بها لا عدة عليها في الطلاق
والفسخ، وكذا اليائسة والصبية، وتجب عدة الوفاة عليهن.

1. التهذيب: 8 / 137 برقم 479 - باب عددا لنساء - الوسائل: 15 / 406، الباب 4 من أبواب
العدد، الحديث 3. وفيه: عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام).
2. قال النجاشي: ثقة جليل، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وله كتب، وعده الكشي من أجل العلماء
والفقهاء.
3. التهذيب: 8 / 138، في ذيل الحديث 481; الاستبصار: 3 / 338 في ذيل الحديث 1025.
4. الطلاق: 4.
5. الانتصار: 334 - 335، المسألة 188.
153

الفصل الثاني: في عدة الحرائر في الطلاق
وفيه ستة مباحث:
5551. الأول: المطلقة الحرة المدخول بها إن كانت من ذوات الأقراء، وهي
الأطهار، فعدتها ثلاثة أقراء، سواء كانت تحت حر أو عبد، وحكم كل فسخ عدا
الموت حكم الطلاق في العدة.
ويحتسب الطهر الذي يقع فيه الطلاق من الثلاثة إن لم يتعقب الحيض
الطلاق بلا فصل، فلو حاضت مع انتهاء اللفظ الواقع في الطهر بحيث لم يحصل
زمان يتخلل الطلاق والحيض، صح الطلاق، ولا يحتسب ذلك الطهر من الثلاثة، بل يفتقر إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض.
والقول قولها لو ادعت بقاء جزء من الطهر عقيب الطلاق فتكمل
قرءين آخرين.
5552. الثاني: إنما يتحقق حصول الأقراء الثلاثة إذا رأت الدم الثالث، فحينئذ
تنقضي العدة بأول لحظة ترى الدم فيها، فتكون دلالة لا جزءا (1) من العدة، خلافا
للشيخ (2) هذا إذا كانت عادتها مستقرة، وإن اختلفت صبرت إلى انقضاء
أقل الحيض.

1. أي تكون اللحظة الأخيرة دلالة على انقضاء العدة قبلها لا جزءا منها.
2. المبسوط: 5 / 235 - 236.
154

وأقل زمان ينقضي فيه عدة الحرة ستة وعشرون يوما ولحظتان، الأخيرة
دلالة لا جزء على ما تقدم. وتظهر الفائدة في الرجعة.
فلو أخبرت بعد انقضاء هذه الأيام بحصول الأقراء الثلاثة صدقت، سواء
كانت لها عادة أكثر من ذلك أولا، وعليها اليمين إن كذبها الزوج، فإن أخبرت
بانقضاء العدة في دون ذلك، لم يقبل، فإن مضى زمان الإمكان، وقالت: وهمت
في الإخبار والآن انقضت عدتي، قبل قولها، وإن كانت مقيمة على ما أخبرت به،
فالوجه أنه لا يحكم بالانقضاء.
ولو ادعت الانقضاء بالوضع، قبل قولها إذا مضى بعد الوطء أو إمكانه
[وقت] وضع أي شئ كان، ولا يشترط صيرورته مضغة.
ولو كانت معتدة بالشهور، فإن اتفقا على زمان الطلاق أو الوفاة، احتسب
ثلاثة أشهر أو أربعة وعشرة أيام، وإن اختلفا فالقول قول الزوج، لأن القول قوله
في أصل الطلاق وكذا في وقته.
5553. الثالث: التي لا تحيض، وهي في سن من تحيض، تعتد من الطلاق
والفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر، أما اليائسة للكبر أو الصغيرة التي لم تبلغ،
فالأصح أن لا عدة عليهما وإن دخل بهما على ما تقدم (1) خلافا للسيد (2) ولو
كان مثلها تحيض اعتدت بثلاثة أشهر، فإن خرجت الثلاثة ولم تر دما خرجت
من العدة، وكذا لو رأت الأطهار الثلاثة وان لم تنقض الأشهر.

1. لاحظ المسألة الثالثة من الفصل الأول.
2. الانتصار: 334 - 335، المسألة 188.
155

أما لو رأت الدم في الشهر الثالث وتأخرت الحيضة الثانية والثالثة فإنها
تصبر سنة، لاحتمال الحمل، ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر، وهذه هي المسترابة، والشيخ (رحمه الله) قال في النهاية: إن تأخرت الحيضة الثانية صبرت تمام تسعة
أشهر، ثم تعتد بثلاثة أشهر، وإن رأت الحيضة الثانية صبرت سنة، ثم تعتد بثلاثة
أشهر، وأيهما مات ما بينه وبين خمسة عشر شهرا ورثه الآخر (1) وفيه إشكال،
والرواية (2) ضعيفة (3).
5554. الرابع: إذا رأت الدم بعد الطلاق مرة، ثم بلغت سن اليأس اعتدت
بشهرين آخرين.
ولو طلق المستحاضة وعرفت أيام حيضها اعتدت بالأقراء، وإن لم تعرفها
اعتبرت صفة الدم، واعتدت بما شابه دم الحيض، فان اشتبه رجعت إلى عادة
نسائها، فإن اختلفن أو فقدن، اعتدت بثلاثة أشهر إن قلنا إن هذه تتحيض في كل
شهر مرة، وعلى قول بعض علمائنا إنها تجعل عشرة أيام طهرا وعشرة حيضا
كانت عدتها أربعين يوما ولحظتين.

1. النهاية: 533.
2. وهي ما رواه الشيخ باسناده عن عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل عنده
امرأة شابة وهي تحيض في كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلقها زوجها؟
فقال: أمر هذه شديد هذه تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود، ثم
تترك حتى تحيض ثلاث حيض، متى حاضتها فقد انقضت عدتها، قلت له: فإن مضت سنة
ولم تحض فيها ثلاث حيض، فقال: يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ثم قد انقضت عدتها،
قلت: فإن ماتت أو مات زوجها؟ قال: أيهما مات ورث صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهرا.
التهذيب: 8 / 119 برقم 410; الوسائل: 15 / 422، الباب 13 من أبواب العدد، الحديث 1.
3. لأجل عمار الساباطي.
156

ولو كان لها عادة مستقيمة ثم اضطربت، فصارت بعد أن كانت تحيض في
كل شهر عشرة لا تحيض إلا في شهرين أو ثلاثة وصار عادتها (1) اعتدت
بالأقراء المتجددة لا بالعادة الأولى.
ولو صارت لا تحيض إلا بعد ثلاثة أشهر أو أزيد، اعتدت بالأشهر.
والضابطة (2) ما تقدم من أن الاعتبار بالسابق من ثلاثة الأشهر البيض أو
ثلاثة الأقراء.
ولو كانت لا تحيض إلا في كل أربعة أشهر فما زاد مرة، اعتدت
بالأشهر أيضا.
5555. الخامس: المعتدة بالأشهر إن طلقت في أول الهلال، اعتدت بثلاثة أشهر
أهلة، وإن طلقت في أثناء الشهر، اعتدت بهلالين، وأخذت من الرابع تكملة (2)
ثلاثين للأول، وقوى الشيخ تكملة الفائت من الأول (4) وتلفق الساعات
والأنصاف.
ولو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة والنكاح، لم يبطل إلا أن يظهر
الحمل ويتحقق أنه من الأول.
ولو حدثت الريبة بعد العدة وقبل النكاح، جاز لها أن تنكح الثاني.
أما لو ارتابت به قبل انقضاء العدة، فإنها لا تنكح ولو انقضت العدة، حتى
يتحقق الخلو أو تضع الحمل.

1. في «ب»: وصار عادة.
2. في «أ»: والضابط.
3. في «ب»: تكمله.
4. المبسوط: 5 / 239.
157

قال الشيخ: إذا طلقها فارتابت بالحمل بعد الطلاق، أو ادعته، صبر عليها
تسعة أشهر، ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر، فإن ادعت بعد ذلك حملا، لم يلتفت
إليها. (1) وقال ابن إدريس: التسعة كافية. (2) وهو جيد.
5556. السادس: الصغيرة عند السيد المرتضى أو التي لم تحض وهي في سن
من تحيض عندنا إذا اعتدت بالشهور، ثم رأت الدم بعد العدة، فإن عدتها مضت،
ولا يلزمها عدة بالأقراء إجماعا، وإن رأت الدم قبل انقضائها، فإنها تنتقل إلى
الأقراء، وهل يعد (2) لها بالطهر قبل الدم قرء؟ الأقوى ذلك، لأنه انتقال من طهر
إلى حيض، ويحتمل عدمه، لأن القرء هو الطهر بين الحيضتين.
الفصل الثالث: في عدة الحامل في الطلاق
وفيه عشرة مباحث:
5557. الأول: الحامل تعتد من الطلاق بوضع الحمل، سواء كانت حرة أو أمة،
وسواء وضعته بعد الطلاق بلا فصل، أو تأخر أكثر زمان الحمل، وقال ابن بابويه:
تعتد بأقرب الأجلين، فإن مضت ثلاثة أشهر ولم تضع خرجت من العدة وان
وضعت قبل ثلاثة أشهر خرجت أيضا من العدة (3) والمعتمد الأول.
5558. الثاني: لافرق بين أن يكون الحمل تاما، أو غير تام بعد أن يعلم أنه

1. النهاية: 534.
2. السرائر: 2 / 743.
3. في «أ»: وهل يعتد.
4. المقنع: 346 - الطبعة الحديثة -.
158

حمل وإن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عين أو ظفر أو يد أو رجل، أو
لم يظهر، لكن تقول القوابل بأن فيه تخطيطا باطنا، لا يعرفه إلا أهل الصنعة، أو
تلقي دما مستجدا ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن لكن شهدت القوابل انه مبدأ
خلق آدمي، لو بقي لتخلق وتصور، أما لو ألقت دما لا يعلم هل هو ما يخلق فيه
الآدمي أو لا؟ فإن العدة لا تنقضي به، وقال الشيخ: لو ألقت نطفة أو علقة انقضت
بها العدة. (1)
5559. الثالث: لو طلقت فادعت الحمل، صبر عليها تسعة أشهر، هي أقصى
مدة الحمل، ثم لا يلتفت إلى دعواها، وفي رواية (2) سنة، وكذا لو وضعت ولدا
فادعت بقاء آخر على أحد القولين.
5560. الرابع: لو كانت حاملا باثنين ولدتهما، وبينهما أقل من ستة أشهر،
للشيخ قولان: أحدهما أنها تبين بوضع الأول، ولا تحل للأزواج حتى تضع
الجميع (3)، والثاني أنها إنما تبين بوضع الجميع (4) وهو الأقوى، وكذا لو
ارتجعها وقد خرج بعض ولدها صحت الرجعة، ولا تبين إلا بوضع جملة الولد.
5561. الخامس: لعلمائنا قولان في الحامل هل ترى دم الحيض أم لا؟ فإن قلنا
بالأول لم تنقض العدة به بل بوضع الحمل.

1. المبسوط: 5 / 240.
2. الوسائل: 15 / 441، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1.
3. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 517 و 534.
4. وهو خيرته في المبسوط: 5 / 241، مدعيا عليه الإجماع إلا عن عكرمة فإنه قال: تنقضي
بوضع الأول.
159

5562. السادس: تعتد الحامل من الزنا إذا طلقها الزوج بالأشهر لا بالوضع من
حين الطلاق، ولا اعتبار بالحمل، ومن الشبهة تعتد بالوضع لمن التحق به،
وبالأشهر بعدة الطلاق، ولا تتداخل العدتان.
ولو زنت امرأة خالية من بعل فحملت، لم تكن عليها عدة من الزنا، وجاز
لها التزويج، ولو لم تحمل، فالأقرب أن عليها العدة.
5563. السابع: إذا اتفقا على زمان الوضع، ثم ادعت وقوع الطلاق
قبله، وادعى هو البعدية، قدم قوله مع اليمين.
ولو اتفقا على زمان الطلاق، وادعى تقدم الولادة عليه، وادعت تأخرها،
قدم قولها مع اليمين.
ولو جهلا الزمانين (1)، لكن ادعى سبق الولادة وادعت سبق الطلاق، قدم
قوله، لأصالة بقاء الرجعة، ولو جهلا السبق أيضا، فللزوج الرجعة، لأصالة البقاء،
ويستحب له تركها لجواز الانقضاء (2) ولو ادعى تأخر الطلاق عن الولادة،
فقالت: لا أعلم، لم يكن جوابا، وألزمت التصديق أو التكذيب، فإن نكلت حلف،
وكذا لو قالت: تأخرت الولادة، فقال: لا أعلم، كلف أحد الأمرين، فإن
نكل حلفت.
5564. الثامن: لو أتت بولد بعد الطلاق لتسعة فما دون من حين الطلاق، لحقه
في البائن والرجعي، سواء أقرت بانقضاء العدة أولا، واستحقت النفقة والسكنى

1. مع العلم بسبق أحدهما على الآخر في مقابل ما يأتي من الجهل بالسبق أيضا.
2. أي لاحتمال انقضاء العدة في الواقع.
160

حتى تضع، وإن كان لأكثر وكان بائنا لم يلحقه، وينتفي بغير لعان، وتنقضي العدة
بوضعه، لإمكان كونه منه.
وإن كان رجعيا لحق به إن أتت به لدون أكثر زمان الحمل من وقت انقضاء
العدة، وإن أتت به لأكثر لم يلحقه.
ولو وضعته لأكثر من تسعة أشهر من حين الطلاق البائن أو من حين
انقضاء عدة الرجعي، فادعت أنه تزوجها بعقد جديد، وصدقها، حكم عليه
بالمهر والنفقة، وثبت الفراش، فإن اعترفت أو قامت البينة بولادة هذه الولد،
لحقه، وإلا فالقول قوله مع اليمين على نفي العلم بولادتها.
وإن أنكر قبل قوله مع اليمين، فإن نكل، حلفت، وثبت النكاح، فإن ثبتت
الولادة [بالبينة]، لزمه الولد بالفراش، ولم ينتف إلا باللعان، وإن نكلت لم يثبت
النكاح، وفي إلحاق الولد إشكال.
فلو مات الزوج وخلف ولدا واحدا، فحكمه حكم الزوج، إلا أنه يحلف
على نفي العلم بالنكاح، لا نفيه، (1) وليس له أن يلاعن مع الاعتراف بالفراش
والولادة، وكذا لو كان أكثر، وصدقوها.
وإن صدقها واحد، وكذبها آخر وحلف، أخذ من المصدق بنسبة حصته
من الميراث، ولا يثبت النسب بإقراره، إلا أن يكونا عدلين.
وكذا المرأة تأخذ بالنسبة من حصة المقر، ولو كانا عدلين، أخذت من
الجميع، وكذا البحث لو كان الوارث غير ولد.

1. في «أ»: إلا أنه يحلف على نفي العلم بالنكاح، وفي إلحاق الولد إشكال لا نفيه.
161

ولو أنكر الوارث [ما ادعته] حلف، وإن نكل حلفت وثبت المهر
والفراش، وإن نكلت، قوى الشيخ عدم إتيان اليمين إلى أن يبلغ الولد. (1)
5565. التاسع: لو تزوجت في عدتها فرق بينهما، ولا تنقطع العدة للأول إن لم
يدخل الثاني أو دخل مع علم التحريم والعدة، ولو دخل مع جهل أحدهما لحقه
النسب، وصارت فراشا، وانقطعت عدة الأول، ويفرق بينهما، وتكمل عدة
الأول، ثم تستأنف أخرى للثاني إن لم تكن حاملا، وإن كانت حاملا من الأول،
بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني، ولتسعة فما دون من وطء الأول،
اعتدت بوضعه من الأول، واستأنفت ثلاثة أقراء بعده للثاني، فعلى الأول النفقة
وله الرجعة مدة الحمل، وإن التحق بالثاني اعتدت بوضعه له، ثم استأنفت كمال
العدة للأول، وله مراجعتها بعد الوضع في كمال عدته، وهل له الرجعة في زمان
الحمل؟ قوى الشيخ ذلك، (2) ولا يمنع تحريم الوطء من الرجعة كالإحرام، وإن
أمكن إلحاقة بهما أقرع، فمن خرج اسمه ألحق به، واعتدت بوضعه له، وللآخر
بثلاثة أقراء بعده.
وإن لم يمكن إلحاقه بأحدهما، أكملت بعد وضعه عدة الأول، ثم
استأنفت أخرى للثاني.
5566. العاشر: كل فسخ عدا اللعان والموت، فإن حكمه حكم الطلاق في
الاعتداد بوضع الحمل منه.

1. المبسوط: 5 / 245.
2. المبسوط: 5 / 246.
162

الفصل الرابع: في عدة الوفاة
وفيه ستة عشر بحثا:
5567. الأول: الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح إذا مات زوجها لم تخل إما أن
تكون حاملا منه أو لا، فإن لم تكن حاملا اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام، سواء
كانت صغيرة أو لا، بالغا كان زوجها أو لا، دخل بها أو لا.
وإن كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين، فإن وضعت قبل انقضاء أربعة
أشهر وعشرة أيام، صبرت حتى تنقضي، وإن انقضت قبل وضعها تصبر
حتى تضع.
5568. الثاني: الحامل يكون أول عدتها من حين الموت، فإن وافق أول
الهلال اعتدت بأربعة أشهر هلالية، ثم عشرة أيام من الخامس، وتبين لغروب
الشمس من عاشره. (1)
وإن كان في أثناء الشهر أو في بعض يوم، حسبت ما بقي من الشهر،
واحتسبت بثلاثة أشهر بالهلال، وتتم من الخامس ثلاثين يوما إلى مثل ذلك
الوقت الذي مات فيه.
ولا فرق بالاعتداد بأربعة الأشهر وعشرة الأيام بين أن تحيض فيها أو لا.

1. في «ب»: من عاشرة.
163

5569. الثالث: لو مات صبي له دون تسع سنين، وامرأته حامل، اعتدت
بالشهور دون الحمل، سواء ظهر الحمل بعد موته أو قبله، ثم إن كان الحمل
لشبهة أو عقد فاسد، اعتدت به عن الملحق به، ثم بعد الوضع تعتد بالأشهر عدة
الوفاة، وإن كان من زنا لم تعتد له، واعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام من
حين الموت.
5570. الرابع: إذا وضعت بعد الشهور، خرجت من العدة بمجرد الوضع، ولا
يشترط في ذلك خروجها من النفاس، وكذا في الطلاق، وإذا تزوجت (1) لم يجز
الدخول حتى تطهر.
5571. الخامس: المنكوحة بعقد الشبهة إن (2) لم يدخل بها وفرق بينهما، فلا
عدة، سواء مات العاقد أو لا، وإن دخل وفرق بينهما، اعتدت بثلاثة أقراء من
حين الفرقة إن كانت من ذوات الحيض، وإن كانت من ذوات الشهور اعتدت
بثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا اعتدت بوضع الحمل، ولا تعتد عدة الوفاة، بل
تعتد لو مات قبل أن يفرق بينهما بما فصلناه.
5572. السادس: إذا طلق زوجته بائنا، فإن مات في العدة أكملت عدة الطلاق،
وإن كان رجعيا استأنفت عدة الوفاة، وانقطعت عدة الطلاق، وإن كانت قد
خرجت العدة ثم مات، لم تكن عليها عدة أخرى.
ولو راجعها في العدة ثم طلقها رجعيا قبل المسيس ثانيا ومات، استأنفت
عدة الوفاة، وإن كان بائنا استأنفت عدة الطلاق.

1. في «أ»: وكذا في الطلاق إذا تزوجت.
2. في «ب»: وإن.
164

أما لو كان الطلاق الأول بائنا ثم جدد عقدا آخر، وطلقها قبل الدخول ثم
مات، فإنها تكمل عدة الطلاق.
5573. السابع: لو طلق واحدة غير معينة، فإن قلنا: التعيين شرط فلا عبرة
بذلك الطلاق، وإن لم نجعله شرطا ومات قبل التعيين، اعتدت كل واحدة بعدة
الوفاة، سواء دخل بهن أولا.
ولو كن حوامل اعتددن بأبعد الأجلين، وسواء أكان الطلاق بائنا أو رجعيا،
تغليبا لجانب الاحتياط.
ولو عين قبل الموت انصرف إلى المعينة، واعتدت للطلاق من حين
إيقاعه مبهما لا من حين تعيينه; قاله الشيخ (1).
ويحتمل من حين التعيين، فإن كان الطلاق بائنا ومات قبل إكمالها أكملت
عدة الطلاق، وإن كان رجعيا استأنفت عدة الوفاة.
ولو مات بعد مضي ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء من حين إيقاع الطلاق،
وقيل: ذلك من حين التعيين، فعلى قول الشيخ بانت ولا تستأنف أخرى، وعلى
الاحتمال تستأنف عدة الوفاة، وترث.
ولو كان الطلاق معينا، ثم اشتبه ومات قبل أن يبين (2)، فإن لم يدخل بهما
اعتدت كل واحدة بأربعة أشهر وعشرا، وإن كانتا حاملتين اعتدت كل واحدة
بأبعد الأجلين، وإن كانتا حائلتين ومات عقيب الطلاق بلا فصل، اعتدت كل
واحدة بأبعد الأجلين من مضي ثلاثة أقراء أو أربعة أشهر وعشرا، فإن مضت مدة

1. المبسوط: 5 / 252.
2. في «أ»: قبل أن يتعين.
165

حاضت فيها كل واحدة قرءا، اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين من قرءين أو
أربعة أشهر وعشر.
5574. الثامن: المطلق تعتد زوجته من حين الطلاق، سواء كان حاضرا أو
غائبا، فلو أوقع الطلاق غائبا ولم يثبت (1) حتى مضت مدة العدة، جاز لها
التزويج من غير استئناف عدة أخرى.
ولو علمت الطلاق ولم تعلم وقت إيقاعه، اعتدت من حين البلوغ.
ولو مات الحاضر اعتدت للوفاة من حين الموت، ولو كان غائبا اعتدت
من حين بلوغ الخبر، سواء كان المخبر عدلا أو لا، لكن لم تنكح إلا بعد ثبوت
الوفاة والفائدة الاكتفاء بتلك العدة.
5575. التاسع: المتمتع بها إن كانت حرة ومات زوجها قبل انقضاء أيامها،
كانت عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وقيل: شهران وخمسة أيام، وهو ضعيف،
سواء دخل بها أو لا إن كانت حائلا، وإن كانت حاملا كانت عدتها أبعد الأجلين
كالدائم، ولو مات بعد انقضاء الأجل أتمت عدة الفرقة إما حيضتان أو شهر
ونصف، لأن انقضاء الأجل كالطلاق البائن.
وعدة الأمة في الوفاة شهران وخمسة أيام، وإن كانت حاملا
فأبعد الأجلين.
5576. العاشر: يجب على المتوفى عنها زوجها دائما كان أو منقطعا،
الحداد (2) وهو: صفة في العدة، وهو أن تتجنب المعتدة كلما تدعو النفس إليها،

1. أي لم يثبت الطلاق عند الزوجة ولم تعلم به بقرينة قوله: «ولو علمت».
2. قال في المسالك: 9 / 276: الحداد فعال من الحد، وهو لغة المنع، يقال: أحدت المرأة تحد
إحدادا، وحدت تحد حدادا أي منعت نفسها من التزين.
166

مثل الطيب والزينة ولبس المطيب والتزيين بخضاب ودهن وغيره، سواء كانت
الزوجة صغيرة أو كبيرة مسلمة أو ذمية.
وتردد ابن إدريس في الصغيرة، لأن الحداد تكليف وليست من أهله، (1)
وعلى قول الشيخ يتولى منها الولي (2) وللشيخ في الأمة المزوجة قولان:
أحدهما أنه لا حداد عليها (3) والآخر عليها الحداد (4) وهو قول ابن إدريس (5)
وعندي في ذلك نظر.
5577. الحادي عشر: لا حداد على غير المتوفى عنها زوجها من المعتدات،
سواء كانت عدة رجعية (6) أو بائن أو فسخ أو ردة أو لعان أو غير ذلك.
والأقرب أن المفقود زوجها عليها الحداد، ولو مات الواطئ بالشبهة
اعتدت الموطوءة عدة الطلاق حاملا كانت أو حائلا ولا حداد عليها، وكذا لا
حداد على أم الولد لموت سيدها.
5578. الثاني عشر: الإحداد إنما هو في البدن، وهو أن تجتنب كلما يجلب
الأبصار إليها ويدعوا إلى مباشرتها من تحسين وتطيب وزينة، أما المسكن فلها
ان تسكن حيث شاءت، حسنا كان أو غيره.
والدهن الطيب كدهن الورد والبان والبنفسج لا يجوز لها استعماله في

1. السرائر: 2 / 739.
2. قال الشيخ في المبسوط: 5 / 265: والولي يأخذها بذلك. وقال في الخلاف: 5 / 73: وينبغي
لوليها أن يجنبها ما يجب على الكبيرة اجتنابه من الحداد.
3. وهو خيرته في النهاية: 537.
4. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 5 / 265.
5. السرائر: 2 / 745.
6. في «ب»: رجعي.
167

بدنها، وغير الطيب كالشيرج والسمن والبزر يجوز استعماله في غير الشعر.
ولو نبتت لها لحية منعت من دهنها.
والكحل الأسود لا يجوز لها استعماله، فإن اضطرت استعملته ليلا،
ومسحته نهارا، والأبيض كالتوتيا (1) يجوز استعماله ليلا ونهارا وتجتنب الكحل
بالصبر، لما فيه من تحسين العين، والدمام (2) وهو الكلكون، وهو تحمير الوجه،
لا يجوز لها استعماله، وكذا اسفيذاج (3) العرائس والخضاب والحلي من ذهب
أو فضة، وتجتنب الطيب في ثيابها وبدنها والغالية وإن ذهبت رائحتها، لأنها
تسود فهي خضاب، ولا يحرم تقليم الأظفار ولا حلق العانة، ولا يمنع من لبس
الفاخر من الثياب كالمروي (4) المرتفع، والسابوري، (5) والدبيقي، (6)
والقصب، (7) وغير ذلك مما يتخذ من قطن، أو كتان، أو صوف، أو وبر.
وما يتخذ من الإبريسم، قال الشيخ: الأولى تجنبه سواء اتخذ بصبغ
أو غيره. (8)

1. دواء يجعل في العين.
2. قال الفيومي في المصباح المنير: الدمام - بالكسر -: طلاء يطلى به الوجه، ويقال: الدمام:
الحمرة التي تحمر النساء بها وجوههن.
3. وفي المجموع للنووي: 20 / 34; والإسفيذاج: صبغ أبيض وهو لمسمى بلغة العامة اسبيذاج.
4. منسوب إلى مرو بلد بخراسان.
5. في المصباح المنير: السابري، نوع رقيق من الثياب قيل نسبة إلى سابور كورة من كور فارس. وفي نسخة «أ»: «النيسابوري».
6. في المصباح المنير: الدبيقي بفتح الدال من دق: ثياب مصر، قال الأزهري: وأراه منسوبا إلى
قرية اسمها دبيق.
7. قال الفيومي في المصباح المنير: القصب: ثياب من كتان ناعمة واحدها قصبي على النسبة.
8. المبسوط: 5 / 264.
168

أما الثوب المصبوغ، فإن كان الصبغ لنفي الوسخ عنه، كالسواد فإنه جائز،
وكذا الديباج الأسود، وإن كان للزينة، كالحمرة والصفرة وغيرهما، فإنها
يمنع منها.
وما تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق، فإن كانت مشبعة يضرب
إلى السواد، لم تمنع منه، وإن كانت صافية تميل إلى الحمرة منعت.
5579. الثالث عشر: الذمية تجب عليها العدة والحداد، سواء كان الزوج مسلما
أو كافرا.
5580. الرابع عشر: لا يجوز للمعتدة أن تتزوج قبل إكمال عدتها، سواء كانت
عدة بائن أو رجعي، وسواء كانت عدة وفاة أو طلاق، وسواء دخل الأول أو لا
في الوفاة.
فإن تزوجت وقع فاسدا، لا يتعلق به حكم إلا سقوط نفقتها وسكناها،
لنشوزها، ولا تنقطع العدة، لأنها لم تصر فراشا، فإن وطئها الثاني مع علم
التحريم (1) أو علمه خاصة، فلا عدة له، وإن جهلا معا، أو جهل الرجل خاصة،
كان له عدة بعد الأول إن كانت حائلا، ولا تتداخل العدتان، وإن كانت حاملا
فكذلك، لكن تقدم عدة الثاني هنا. (2)
ولو خالعها ثم عقد عليها قبل انقضاء العدة، انقطعت العدة، فإن طلقها قبل
الدخول لم يكن عليها عدة، وقواه الشيخ (3) بعد حكمه بوجوبها.
ولو طلقها بائنا ثم وطئها لشبهة، فالأقرب تداخل العدتين، لأنهما لواحد،
سواء كانت حاملا أو حائلا.

1. كذا في النسختين، ولعل الصحيح «مع علمهما بالتحريم» في مقابل قوله «وإن جهلا معا».
2. أي إذا حملت من الثاني اعتدت بالوضع من الثاني، وأكملت عدة الأولى بعد الوضع.
3. المبسوط: 5 / 269.
169

ولو اشترى الجارية بعد طلاقها ومضى بعض العدة، فان لم يعلم، تخير
في الفسخ، فإن اختار الإمضاء أو كان عالما، سقط خياره، وليس له وطؤها حتى
تنقضي العدة، فإذا انقضت قال الشيخ: لا تحل حتى يستبرئها، ولا يدخل
الاستبراء في العدة، لأنهما حقان لآدميين. (1) وعندي في ذلك نظر.
5581. الخامس عشر: لو ظن حرة على فراشه زوجته فوطئها، فلا حد، وعليه
مهر المثل، ويلحقه النسب، وعليها عدة الحرة، ولو كانت المرأة عالمة بالتحريم،
وجهل الواطئ، لحقه النسب، ووجبت له العدة، وحدت المرأة، ولا مهر.
ولو كانت أمة فكذلك، إلا في العدة فإنها عدة أمة، والمروي أن عليه
عوض مهر الأمة العشر أو نصفه على التفصيل، وعلى الواطئ قيمة الولد يوم
سقوطه حيا للسيد.
ولو اعتدت من المحلل، فتزوجها الأول في العدة، فكان حكمه حكم
الأجنبي في التحريم المؤبد وعدمه.
5582. السادس عشر: المطلقة رجعيا لها النفقة وإن كانت حاملا مدة العدة يوما
فيوما، والبائن لا نفقة لها إن كانت حائلا، وإن كانت حاملا فلها النفقة يوما فيوما،
ولا ينتظر وضعها.
ونكاح الشبهة لا نفقة فيه، إلا أن تكون حاملا فتثبت النفقة للحمل.
فإذا تزوجت في عدتها وحملت وقلنا: النفقة للحامل، لم يجب لها نفقة،
لاحتمال أن يكون من الأول، فتستحق النفقة، ومن الثاني فلا تستحق، فلا تدفع

1. المبسوط: 5 / 270.
170

إليها بالشك، فإن وضعته وله مال أنفق منه، وإلا منهما حتى يلتحق بأحدهما
بالقرعة، ويطالب الزوج بنفقة أقصر المدتين من مدة الحمل ومدة الأقراء.
وإن قلنا [النفقة] للحمل، استحقت النفقة عليهما نصفين مدة الحمل،
ومع الوضع ينفق من مال الولد إن كان له مال، وإلا وجبت نفقة أقصر المدتين،
لأنها قد أخذت النفقة لمدة الحمل، فلا تستحق المطالبة لغيره.
ولو كان الطلاق بائنا فكذلك، إلا أنها لا ترجع بعد الوضع، كما قلنا هناك:
ترجع بنفقة أقل المدتين.
الفصل الخامس: في المفقود
وفيه ستة مباحث:
5583. الأول: الغائب إذا كانت غيبته غير منقطعة يعرف خبره، فالزوجية باقية،
وإن بعدت المسافة وطالت الغيبة، ما لم يثبت وفاته.
وإن كانت منقطعة لا يسمع خبره ولا يعلم حاله من حياة وموت، فإن
صبرت المرأة فلا بحث.
وإن رفعت أمرها إلى الحاكم، أجلها أربع سنين من حين الرفع، وبعث في
طلبه ومعرفة حاله في الآفاق، فإن عرفت حياته وجب عليها الصبر أبدا، وأنفق
عليها الحاكم من بيت المال إن لم يكن له مال.
وإن لم يعرف خبره ومضت المدة، فإن كان للغائب ولي ينفق عليها،
171

وجب عليها الصبر أبدا، وإن لم يكن له ولي، فرق الحاكم بينهما، واعتدت عدة
الوفاة من حين التفريق، وجاز لها التزويج عند خروج العدة.
5584. الثاني: لو جاء الغائب وقد خرجت من العدة ونكحت، فلا سبيل
عليها، لأن عقده سقط اعتباره في نظر الشرع، وكذا إن جاء بعد خروج العدة قبل
النكاح على الأقوى.
أما لو جاء وهي في العدة، فهو أملك بها إجماعا، وكذا لو ظهر موته بعد
نكاح الثاني ولا عدة ثانية عليها، سواء كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها.
5585. الثالث: إذا صبرت وجبت لها النفقة دائما، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم
وأجلها أربع سنين، وجبت النفقة فيها أيضا، أما في زمن العدة فلا نفقة لها، سواء
عاد زوجها قبل الانقضاء أو لا.
5586. الرابع: لو ظاهر الغائب، أو آلى، أو قذف، أو طلق، فإن كان في زمن
العدة أو قبلها صح، ولزمه ما يلزم الزوج الحاضر، وإن اتفق بعدها لم يعتد به.
5587. الخامس: لو أتت بولد بعد التزويج لستة أشهر فصاعدا، حكم به للثاني،
فإن ادعاه الأول بسبب الزوجية القديمة لم يسمع منه، وإن قال: إني دخلت سرا
ووطئتها، قال الشيخ: يستخرج بالقرعة (1) وليس بمعتمد، بل الوجه لحوقه
بالثاني.
ولو مات الغائب بعد العدة لم ترثه ولم تعتد له ثانيا، وكذا لو ماتت هي،
سواء عقد الثاني أو لا.
ولو مات أحدهما في العدة، فألاقرب أن الآخر يرثه.

1. المبسوط: 5 / 281.
172

الفصل السادس: في عدة الإماء والاستبراء
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5588. الأول: إذا كانت الزوجة أمة وطلقت قبل الدخول، فلا عدة عليها، وإن
كان بعده وكانت حائلا، فعدتها قرءان هما طهران إن كانت من ذوات الحيض،
وأقل مدة انقضائها ثلاثة عشر يوما ولحظتان، الأخيرة دلالة (1) كالحرة، وإن
كانت من ذوات الشهور، فعدتها شهر ونصف، سواء كان زوجها حرا أو عبدا.
ولو كانت حاملا، فعدتها وضع الحمل إجماعا.
5589. الثاني: لو أعتقت قبل الطلاق فعدتها عدة الحرة، ولو أعتقت بعده، فإن
كان الطلاق بائنا أتمت عدة الأمة، وإن كان رجعيا أكملت عدة الحرة، هذا إذا
أعتقت في العدة، فإن أعتقت بعدها، لم يجب الإكمال.
5590. الثالث: لو طلق العبد الأمة واحدة بعد الدخول، ثم أعتقت، فان اختارت
الفسخ فلا رجعة له، وأكملت عدة الحرة، ولا يجب استئناف العدة، وإن أمسكت
من غير اختيار وانقضت العدة من غير رجعة بانت، والعدة عدة الحرة، وإن راجع
ثبت لها الخيار على الفور، فإن اختارت الفسخ، فالأقرب أنها تستأنف عدة حرة
لا تكملها (2).

1. أي دليل على انقضاء العدة لا جزء منها.
2. في «ب»: لا تكميلها.
173

ولو طلق زوجته، حرة أو أمة، رجعيا، ثم راجعها، انقطعت العدة، فإن
طلقها استأنفت العدة، ولا تكملها قطعا، سواء وطئها بعد المراجعة أولا.
ولو خالعها، ثم تزوجها، ثم طلقها، ثم راجعها، ثم خالعها قبل الدخول، لم
يكن عليها عدة، قال الشيخ (1): و الأحوط استئناف العدة، وكذا لو خالعها بعد
الدخول، ثم تزوجها، ثم طلقها قبل الدخول.
5591. الرابع: عدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة.
5592. الخامس: عدة الأمة في الوفاة إن كانت حائلا، شهران وخمسة أيام، وإن
كانت حاملا فأبعد الأجلين.
ولو كانت أم ولد لمولاها، ومات زوجها، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام،
وإن كانت حاملا فأبعد الأجلين.
5593. السادس: أم الولد من المولى إذا طلقها زوجها ومات في العدة، إن كان
رجعيا استأنفت عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت حاملا فأبعد
الأجلين، وإن كان بائنا، أكملت عدة الطلاق.
ولو كانت الأمة غير أم ولد، ومات زوجها في العدة، استأنفت للوفاة عدة
الأمة إن كان الطلاق رجعيا، وإن كان بائنا أتمت عدة الطلاق خاصة.
5594. السابع: لو مات زوج الأمة ثم أعتقت في العدة، أتمت عدة الحرة، ولو
دبر المولى جاريته التي يطأها ثم مات، اعتدت بعد وفاته بأربعة أشهر وعشرة
أيام، ولو أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقراء لوطئه.

1. المبسوط: 5 / 250.
174

5595. الثامن: لا فرق بين انتقال الجارية بالبيع وغيره من وجوه الانتقالات
كالاستغنام، والصلح، والميراث، وغير ذلك في الاستبراء، فمن يجب استبراؤها مع
البيع يجب مع غيره، ومن يسقط استبراؤها هناك يسقط هنا، فكل من اشترى
جارية حرم عليه وطؤها إلا بعد الاستبراء بقرء واحد ما لم تكن صغيرة دون
البلوغ، أو آيسة.
ولو كان له زوجة فابتاعها، بطل النكاح، وحل له وطؤها من غير استبراء،
واستبراء المملوك كاف في حق المولى.
ويحرم وطء المكاتبة، فإذا انفسخت حل من غير استبراء.
ولو تاب المرتد من المولى أو الأمة، لم يجب الاستبراء.
ولو طلقت الأمة بعد الدخول حرم على المولى الوطء قبل العدة، وكفت
عن الاستبراء.
ولو ابتاع حربية فاستبرأها، لم يجز وطؤها حتى تسلم، فإن أسلمت كفى
الاستبراء الأول، وكذا لو ابتاع المحرم فاستبرأها، حل وطؤها بعد إحلاله من غير
استبراء ثان.
5596. التاسع: لو مات مولى الأمة الذي كان يطأها اعتدت بقرء واحد، سواء
كانت أم ولد أو لا.
ولو زوج السيد أم ولده حرم عليه وطؤها، فإن مات السيد لم يلزمها
الاستبراء عنه.
ولو مات الزوج أولا اعتدت بأربعة أشهر وعشرة أيام، وروي نصف
175

ذلك (1)، فإن مات السيد قبل انقضاء عدتها، لم يلزمها الاستبراء عنه أيضا، ولو
انقضت العدة قبل موت السيد لم يكن عليها استبراء له.
ولو مات السيد بعد الانقضاء لزمها الاستبراء عنه.
5597. العاشر: إذا اشترى جارية وطئها بائعها، وجب عليه استبراؤها إن أراد
وطئها أو تزويجها، ولو أراد أن يعتقها ويتزوجها قبل الاستبراء، قال الشيخ: لم
يكن له ذلك، وروي في بعض أخبارنا جوازه، والأول أحوط، ولو لم يطئها
البائع بأن كان صغيرا، أو مجبوبا، أو عنينا، أو امرأة، أو كان قد وطئها واستبرأها،
قال الشيخ: لم يجز له وطؤها قبل الاستبراء، ويجوز تزويجها قبل ذلك، وروي
في بعض أخبارنا جواز وطئها إذا اشتراها من امرأة، أو ثقة أخبر باستبرائها، قال:
والأول أحوط (2).
5598. الحادي عشر: يجوز لمشتري الجارية وسابيها التلذذ بمباشرتها، والنظر
إليها بشهوة، وسائر أنواع الاستمتاع واللمس وغير ذلك سوى الوطء في القبل،
فإنه لا يجوز قبل الاستبراء في صور وجوبه.
5599. الثاني عشر: إذا ورث جارية واستبرأها قبل القبض، اعتد بذلك
الاستبراء، قال الشيخ: ولو كان ابتاعها ولم يقبضها فاستبرئت بحيضة ثم قبضها،
لم يعتد به. (3) وليس بجيد.

1. الوسائل: 15 / 473، الباب 41 من أبواب العدد، الحديث: 6 - 11.
2. المبسوط: 5 / 286; ولا حظ الوسائل: 14 / 503 - 504; الباب: 6 - 7 من أبواب نكاح العبيد
والإماء.
3. المبسوط: 5 / 287.
176

واستبراء الحامل بوضع الحمل، ولو ادعى المشتري سبق الحمل على
البيع، صدق إن وضعته لأقل من ستة أشهر من حين الوطء، وإلا كان القول قول
البائع مع اليمين إن اشتبه وإلا فلا.
ولو ظهر الحمل وادعى البائع أنه منه، وصدقه المشتري، بطل البيع، وإن
أكذبه، ولم يكن البائع أقر به قبل البيع، لم تقبل دعواه في بطلان البيع وكونها أم
ولد، قال الشيخ: والأقوى قبوله في النسب لعدم تضرر المشتري به (1) وفيه نظر.
وإن كان [البائع] قد أقر به أولا، ووضعته لأقل من ستة أشهر بعد
الاستبراء، لحقه الولد، وبطل البيع، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر، لم يلحق به.
ثم إن كان المشتري قد وطئها وأتت به لدون ستة أشهر من وطئه، أو لم
يكن قد وطئها، لم يلحقه، وكان مملوكا له، وإن أتت به لستة أشهر فصاعدا، لحق
به، وكانت أم ولد.
5600. الثالث عشر: توضع الأمة مدة الاستبراء عند المشتري، سواء كانت
حسنة أو قبيحة.

1. المبسوط: 5 / 289.
177

الفصل السابع: في نفقة المطلقات
وفيه تسعة عشر بحثا:
5601. الأول: المطلقة رجعيا تستحق النفقة والسكنى، فلا يجوز لها الخروج
من منزل الرجل الذي طلقت فيه، ويحرم عليه إخراجها منه، إلا أن تأتي بفاحشة،
وهي أن تفعل ما يوجب الحد، فتخرج لإقامته، وأدنى ما تخرج لأجله، أن
تؤذي أهله.
ولو اضطرت إلى الخروج، جاز لها بعد انتصاف الليل، وترجع قبل الفجر،
ولا يشترط إذنه، وكذا تخرج لأداء الحج الواجب وإن لم يأذن، ولا يجوز لها في
الندب إلا بإذنه.
5602. الثاني: لا سكنى للمطلقة بائنا، ولها أن تخرج أين شاءت من غير إذن،
وله إخراجها أيضا، إلا أن تكون حاملا، وكذا لا نفقة لها إلا مع الحمل، فلها
السكنى والنفقة حتى تضع.
5603. الثالث: النفقة تجب يوما فيوما مدة العدة وكذا المسكن، سواء كانت
الزوجة مسلمة أو ذمية أو أمة يرسلها مولاها ليلا ونهارا، ولو منعها ليلا أو نهارا
فلا نفقة لها ولا سكنى.
ولا نفقة للموطوءة بالشبهة مدة العدة، إلا أن تكون حاملا، فتثبت لها النفقة
حتى تضع عند الشيخ. (1)

1. نسب المحقق هذا القول إلى الشيخ في الشرائع: 3 / 43; ولاحظ المسالك: 9 / 322.
178

5604. الرابع: الرجعية ليس لها أن تخرج، وليس لزوجها إخراجها من
المسكن الذي طلقت فيه، ولو اتفقا على الانتقال عنه، فالأقرب الجواز.
ولو أتت بالفاحشة وهي شتمة أهله أو ما يوجب الحد، نقلت عن
المسكن إلى أقرب المواضع إليه، ولو شتمها أهله نقلهم عنها.
هذا إذا اتحد المسكن، ولو كانت في منفرد لم تنقل عنه لعدم الفائدة، ولو
كان المسكن ضيقا انتقل الزوج وأهله، واستقرت هي فيه مدة العدة.
5605. الخامس: إذا خرجت من المنزل لإقامة الحد ردت إليه بعد استيفائه، ولو
أخرجت للشتم لم تعد إليه، وأسكنها في غيره، ولا يسقط حقها من الإسكان
بالفاحشة والإيذاء.
5606. السادس: إنما يجب إسكانها في منزل الطلاق لو كان ملكا للزوج أو
كانت له فيه إجارة أو إعارة لم يرجع صاحبها إلى انقضاء العدة، ولو انقضت مدة
الإجارة قبل انقضاء العدة، أو رجع المعير، نقلها إلى أقرب المواضع، وكذا لو
خرب المنزل.
ولو كان قبل الطلاق في ملكها وطلقها فيه، فإن أقامت فيه بإجارة منه أو
إعارة جاز، وإن طلبت سكنى غيره لزمه، وكذا لو كانت الدار لأبويها وهي تسكن
معهما فالحكم كالأجنبي.
5607. السابع: يجب عليه إسكانها في منزل مثلها، ويختلف بالنسبة إليها،
فالرفيعة في منزل متسع، والوضيعة في منزل ضيق، والمعتبر بحالها حالة
الطلاق، فلو كانت قبله في منزل أدون، كان لها المطالبة بالواجب والارتحال عن
179

مسكن الطلاق إليه، ولو كانت في أرفع كان للزوج نقلها إلى الملائم وإبقاؤها،
ولو أراد السكنى معها جاز مع اتساع المنزل.
5608. الثامن: لو باع المنزل بعد الطلاق، فإن كانت معتدة بالشهور صح البيع،
وإن كانت بالأقراء أو الوضع بطل.
ولو حجر عليه قبل الطلاق ضربت بأجرة المثل مع الغرماء، ولو كان بعده
ولا مسكن له فكذلك، ولو كان المسكن له كانت أحق بالسكنى فيه.
ويجوز البيع للحاكم إن كانت معتدة بالشهور قبل الانقضاء، والمتخلف لها
من أجرة المسكن يكون في ذمته إلى الميسرة.
5609. التاسع: المعتدة بالأشهر تضرب بأجرة المثل فيها، وتضرب الحامل
بأجرة أقل الحمل، وذوات الأقراء بالأقل أيضا، فإن اتفق، وإلا أخذت نصيب
الزائد وأعادت إن فسد الحمل قبل الأول، لتضرب فيه هي والغرماء بحسب
ما بقي لهم.
وهل تضرب في أول المدة بالجميع أو كل يوم بأوله؟ فيه نظر، فإن أمكنها
استئجار مسكن الطلاق بما ضرب لها تعين سكناها فيه، وإلا سكنت في أقرب
المواضع إليه.
5610. العاشر: لو أمرها بالانتقال ثم طلقها، فإن كان قبله اعتدت فيه، وإن كان
بعد استقرارها في الثاني اعتدت فيه، وإن كان في الطريق اعتدت في الثاني.
والاعتبار بانتقال البدن دون القماش والعيال، ولو صارت في الثاني ثم
عادت لنقل قماشها وعيالها، طلقها فيه، اعتدت في الثاني.
180

ولو أمرها (1) بالسفر ثم فطلقها قبل الخروج، لم يجز لها السفر، واعتدت
في منزلها.
وإن خرجت ولم تفارق المنازل، قوى الشيخ وجوب العود إلى الأول (2)،
فإن فارقت بنيان البلد لم يلزمها العود، وجاز لها، ولو كان أذن لها في الحج
أو الزيارة أو النزهة، لزمها العود بعد قضاء الحج ومضي ثلاثة أيام للزيارة
أو النزهة، فإن لم تجد رفقة وخافت فلها الإقامة، وإن وجدت رفقة وأمنت،
لزمها العود مع الأمر به إن علمت وصولها إلى البلد وقضاء باقي العدة، وإن
علمت عدم تمكنها، قال الشيخ: الأقوى وجوب العود أيضا، لأنها مأمورة به (3)
وهو حسن.
ولو أذن لها في مقام مدة في البلد الثاني، جاز لها المقام فيه تلك المدة.
5611. الحادي عشر: إذا أذن لها في الإحرام وأحرمت ثم طلقها، خرجت لأداء
الحج إن خافت فواته، ثم تعود وتقضي باقي العدة، وإن اتسع لهما إن كانت
محرمة بعمرة (4)، قال الشيخ: الأليق بمذهبنا أنها تقيم وتقضي عدتها ثم
تحج وتعتمر (5).

1. قال الشيخ: إذا أذن لزوجته في الخروج من بلدها إلى بلد آخر ثم طلقها ففيه أربع مسائل.
المبسوط 5 / 257. وقد ذكرها العلامة متداخلة من غير تفصيل، فلاحظ.
2. المبسوط: 5 / 258.
3. المبسوط: 5 / 258.
4. يأتي عدله في قوله: «وان كان لحجة».
5. المبسوط: 5 / 259.
181

ولو طلقها ثم أحرمت، أتمت العدة ثم أكملت العمرة، وإن كان [الإحرام]
لحجة فكذلك إن لم يكن قد فات الوقت، وإن فات تحللت بعمرة، وقضت إن
كان واجبا في القابل.
5612. الثاني عشر: لو أذن لها في الخروج إلى بلد أو منزل فخرجت ثم طلقها،
واختلفا فقالت: نقلتني إلى هذا، فأنكر، قدم قوله، لأنه أعرف بقصده.
5613. الثالث عشر: لو طلق البدوية جاز لها الانتقال إن انتقل جميع أهل
حلتها (1) أو جميع أهلها، وإن كان في الباقي منعة (2) ولو انتقلوا دون أهلها وكان
فيهم منعة لم يجز لها الانتقال، وكذا لو هرب أهلها لخوف اختصوا به إلا أن
تشاركهم في الخوف.
5614. الرابع عشر: لو خافت المرأة انهدام المسكن أو اللصوص أو ما أشبه
ذلك، جاز لها الانتقال، ولو وجب عليها حق وكانت برزة استدعاها الحاكم
لاستيفائه والمحاكمة.
5615. الخامس عشر: لو طلقها ولا مسكن له، وجب عليه أن يستأجر لها
مسكنا، ولو كان غائبا استأجر الحاكم لها من ماله، فإن لم يجد له [مالا] أقرض
عليه (3) ويجوز له أن يقرض إليها لتقرض عليه ما تستأجر به مسكنا.

1. قال الفيومي في المصباح المنير: الحلة - بالكسر -: القوم النازلون.
2. قوة وعدد، قال الفيومي في المصباح المنير: وهو في منعة بفتح النون: أي في عز قومه فلا
يقدر عليه من يريده.
3. وفي المبسوط: 5 / 261: وإن لم يكن له مال ورأى الحاكم أن يستقرض عليه ويكتري لها
فعل.
182

ولو استأجرت أو اقترضت من غير إذن الحاكم، لم يكن لها الرجوع مع
وجود الحاكم، وترجع مع فقده.
ولو وجد الحاكم من يتطوع ببذل المسكن، لم يكن له الاقتراض.
ولو طلقها في منزلها، وانقضت العدة، ولم تطالب بالأجرة، لم يكن لها
الرجوع بها، وكذا لو اكترت وسكنتها ولم تطالب بالأجرة حتى انقضت العدة،
ولو طالبت في الأثناء كان لها الأجرة من وقت المطالبة.
5616. السادس عشر: لو طلق الساكن في السفينة، فحكمها حكم الدار، ولو لم
تكن مسكنا، أو كانت دون مسكن مثلها، أسكنها أين شاء.
5617. السابع عشر: لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إن
كان بقدر مسكنها إلا بإذنها أو مع انقضاء عدتها، هذا إذا كانت حاملا.
5618. الثاني عشر: لا نفقة للمتوفى عنها زوجها، ولا سكنى لها ولو كانت
حاملا، وقال الشيخ (رحمه الله) يثبت لها النفقة من مال ولدها (1) وضعفه المفيد (2).
والأقوى خيرة المفيد.
5619. التاسع عشر: المرتد عن فطرة تبين زوجته في الحال، وتقسم أمواله
بين ورثته وتعتد عدة الوفاة من حين الارتداد، وعن غير فطرة تعتد من حينه
عدة الطلاق.
والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، ولا تقبل توبته.

1. النهاية: 537.
2. حكاه ابن إدريس في السرائر عن كتاب التمهيد لشيخنا المفيد، لاحظ السرائر: 2 / 738.
183

كتاب العتق
وتوابعه
185

وفيه مقاصد
[المقصد] الأول: في العتق
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في فضيلته وماهيته وصيغته وشرائطه
وفيه ثمانية مباحث:
5620. الأول: العتق فيه فضل كثير وثواب عظيم بالنص والإجماع، قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار». (1)
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أعتق مؤمنا أعتقه الله بكل عضو منه عضوا من
النار، وإن كانت أنثى أعتق الله بكل عضوين منها عضوا من النار». (2)

1. مستدرك الوسائل: 15 / 449، الباب 1 من أبواب كتاب العتق، الحديث 13; جامع أحاديث
الشيعة: 19 / 295، الحديث 12.
2. الوسائل: 16 / 5 - 6، الباب 3 من كتاب العتق، الحديث 1.
187

وقال الصادق (عليه السلام): «يستحب للرجل أن يتقرب عشية عرفة ويوم
عرفة بالعتق والصدقة» (1).
ولا خلاف في القربة به.
5621. الثاني: العتق لغة الخلوص، ومنه عتاق الخيل وعتاق الطير، أي
خالصتها، وسمي البيت عتيقا لخلوصه من أيدي الجبابرة.
وشرعا تخليص الرقبة من الرق، يقال عتق العبد وأعتقته أنا، وهو
عتيق ومعتق.
5622. الثالث: صيغة العتق إما صريحة، وهو لفظان: التحرير، والإعتاق، وإما
كناية، مثل فككت رقبتك أو أنت سائبة، أو لا سبيل لي عليك، أو لا سلطان، أو
اذهب حيث شئت وقد خليتك.
وإنما يقع بالصريح خاصة دون الكنايات، سواء نوى بها العتق أو لا.
5623. الرابع: يشترط في العتق الإتيان باللفظ الصريح مع النية، فلا يقع
بمجرد النية منفكة عن اللفظ، ولا باللفظ الذي ليس بصريح وإن نوى العتق، ولا
باللفظ الصريح مجردا عن النية.
ولا تكفي الإشارة مع القدرة على النطق ولا الكتابة.
ومن شرطه التجريد عن الشرط والصفة (2)، فلو علقه بأحدهما لم يقع،
وكذا لو قال: يدك حرة، أو رجلك، أو غيرهما من الأعضاء لم يقع، بخلاف

1. الوسائل: 16 / 5، الباب 2 من كتاب العتق، الحديث 2.
2. في «أ»: أو الصفة.
188

الجزء المشاع مثل نصفك أو ثلثك أو غيرهما، وكذا يقع بما يعبر به عن الجملة
مثل بدنك أو جسدك، ولا يقع من الحالف به.
ولو قال [لأمته] يا حرة، وقصد العتق، ففيه نظر، ينشأ من بعد
احتمال الإنشاء.
ولو قال لمن اسمها حرة: أنت حرة، تحررت مع قصد الإنشاء، ويصدق
في قصد الإخبار، ولو جهل لم يحكم بالحرية، سواء كان اسمها القديم ذلك
أو الحادث.
ولو قال: يا سيدي، أو يا مولاي أو أنت سيدي أو مولاي، لم يتحرر بذلك
وإن قصده.
ولو قال لعبد غيره: أعتقتك منشأ لغى، ومخبرا ينتزع بعد شرائه.
5624. الخامس: من شرائط العتق صدوره من البالغ العاقل المختار القاصد إلى
العتق، المتقرب به إلى الله تعالى، الجائز التصرف، فلا يقع من الطفل وإن بلغ
عشرا على الأقوى، ولا من المجنون، ولا من المكره، ولا الساهي، والغافل،
والسكران، ولا من غير المتقرب به إلى الله تعالى، كمن أعتق لغرض دنيوي من
جلب نفع أو دفع ضرر.
ويبطل باشتراط التقرب عتق الكافر، سواء كان ذميا أو حربيا، لأنه لا يعرف
الله تعالى، وجوزه في الخلاف (1).
ولا يقع من المحجور عليه لسفه أو فلس.

1. الخلاف: 6 / 371، المسألة 12 من كتاب العتق.
189

5625. السادس: يشترط في العتق الملك، فلا يقع العتق قبله، سواء علقه به
أو لا، نعم لو نذر عتقه عند ملكه صح، وكذا في كل عتق مشروط، فإنه يقع
بالنذر خاصة.
ولو أعتق عبد غيره لم ينفذ وإن اشتراه بعد ذلك، وكذا لو أجاز المالك،
ولو كان العبد لولده الصغير لم يصح عتقه، فإن قومه على نفسه ثم أعتقه،
صح عتقه.
5626. السابع: الأقرب عدم اشتراط تعيين المعتق، ولو أعتق أحد مماليكه،
كان التعيين إليه مع الاحتمال وجوب القرعة، ولو عدل عما عينه إلى غيره، لم
يقبل رجوعه.
والتعيين يكون بالقول، مثل: اخترت تعيينه في هذا، وهل يقع بالفعل؟
الأقرب ذلك، مثل: أن يطأ إحدى الجاريتين فتتعين الأخرى للعتق على إشكال،
والإشكال في اللمس بشهوة والنظر كذلك آكد.
أما الاستخدام، فالوجه أنه لا يعين، ولو مات قبل التعيين، فالأقرب القرعة
دون تعيين الوارث.
ولو ادعى إرادة معين من المطلق صدق وحلف للغير إن ادعاه.
ولو أعتق معينا ثم نسيه، وجب الصبر حتى يذكر، ويعمل بقوله في الذكر
مع اليمين ولو ادعى غير المعين إرادته، ولا يقبل رجوعه، والأقرب عتقهما، وإن
لم يذكر لم يستعمل القرعة ما دام حيا، ولو مات أقرع، ولو ادعى الوارث العلم
رجع إليه مع اليمين، ولو ادعاه الغير، فإن نكل قضي عليه ولو ضمه إلى من لا
يصح عتقه، كما لو قال: عبدي أو حماري حر، ففي صحة ذلك نظر.
190

5627. الثامن: يشترط إسلام محل العتق، فلا يجوز عتق المملوك الكافر،
وقيل: يصح، وقيل: مع النذر.
ويكره عتق المخالف والعاجز عن التكسب، فإن فعل استحب له إعانته.
ويستحب عتق المؤمن خصوصا إذا ملك سبع سنين، ويجوز عتق
المستضعف وولد الزنا، وقول ابن إدريس (1) ضعيف عندي.
الفصل الثاني: فيمن يصح استرقاقه
وفيه تسعة مباحث:
5628. الأول: إنما يسترق أهل الحرب، وهم جميع الكفار عدا اليهود
والنصارى والمجوس القائمين بشرائط الذمة، ولو أخلوا بها صاروا حربيا، ثم
يسري الرق في أعقابهم وإن أسلموا بعد الاسترقاق.
5629. الثاني: يجوز استرقاق جميع الكفار وإن كان السابي لهم كافرا أو
فاسقا، وكذا يجوز شراء ما يسبيه بعض الكفار منهم وأن يشتري من الكافر بعض
أولاده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه إذا كانوا مستحقين للسبي، وكذا يجوز
شراء ما يسبيه الظالمون، وكذا سبي المؤمنين.

1. قال الحلي في السرائر: 3 / 10: والأظهر بين الطائفة أن عتق الكافر لا يجوز، وولد الزنا كافر بلا
خلاف بينهم.
191

5630. الثالث: كل من أقر على نفسه من البالغين العقلاء بالعبودية مع جهالة
حريته يحكم برقه، وكذا من قامت عليه البينة بالعبودية وإن كان صبيا أو مجنونا
أو أنكر، وكذا الملتقط في دار الحرب.
ولو كان العبد يباع في أسواق المسلمين، ويد المالك عليه، جاز شراؤه،
ولا تقبل دعواه بالحرية إلا بالبينة.
5631. الرابع: من ملك أحد أبويه وإن علا أو أحد أولاده وإن نزل ذكورا كانوا
أو إناثا، عتق عليه في الحال، سواء كان المالك ذكرا أو أنثى، وكل ذكر ملك
إحدى المحرمات عليه نسبا عتقت عليه في الحال.
وبالجملة كل من ملك بعض أبعاضه أعني أصوله وفروعه عتق عليه،
سواء كان الملك باختياره كالشراء والاتهاب أو بغيره كالإرث والاستغنام.
ويجوز أن يملك من الذكور والإناث من عدا من ذكرناه كالأخ والعم
وبنت الخال، وكذا المرأة، سواء كان وارثا أو لا، نعم يستحب عتق الأخ لو ملك،
وكذا باقي ذوي الأرحام، ويتأكد في الوارث.
ويتحقق العتق في العمودين والمحرمات من الإناث حين استقرار البيع،
فلو اشترى بخيار للبائع عتق حين العقد لا حين الانقضاء.
5632. الخامس: اختلف علماؤنا في الرضاع، فالشيخ على أن العمودين منه
والمحرمات من الإناث كالأخت وبنتها وبنت الأخ والعمة والخالة كالنسب في
العتق (1)، والمفيد (2) وابن إدريس على جواز استرقاقهم (3). والأول
عندي أقوى.

1. المبسوط: 6 / 68; النهاية: 540; والخلاف: 6 / 367، المسألة 5 من كتاب العتق.
2. عطف على قوله: «فالشيخ».
3. المقنعة: 599; والسرائر: 3 / 8.
192

5633. السادس: لو ملك بعضا ممن يعتق عليه عتق ذلك البعض، فان كان
معسرا أو ملكه بغير اختياره لم يقوم عليه، وإن ملكه موسرا باختياره، قال الشيخ:
يقوم عليه (1).
وللولي قبول الوصية للطفل أو المجنون بمن يعتق عليه مع انتفاء الضرر لا
معه، وأن يقبل الوصية بالبعض منه إن كان معسرا لا موسرا على قول الشيخ (2).
ولو اشترى المريض قريبه عتق من الثلث ما يحتمله، ولو ملكه بوصية أو
هبة احتمل أن يحتسب من رأس المال أو من الثلث، فعلى الأول يعتق على
المحجور عليه للفلس والمديون المريض.
ولو اشتراه بمحاباة، فقدر المحاباة يخرج على الاحتمالين، والباقي
لا يعتق.
ولو قهر الحربي مثله صح بيعه، ولو قهر أباه فإشكال ينشأ من دوام القهر
المبطل للعتق مع فرضه ودوام القرابة الموجبة للعتق.
ولو اشترى وكيله من يعتق عليه فكشرائه.
ولو أوصى له ببعض ابنه فمات قبل القبول، فقبله أخوه له، سري على
الميت على قول الشيخ إن خرج من الثلث، كما لو قبله حيا.
ولو أوصى له ببعض ابن أخيه، فمات فقبل أخوه، احتمل على قوله عدم
العتق على الأخ.

1. المبسوط: 6 / 68.
2. المبسوط: 6 / 68 - 69.
193

ولو باع على الأب والأجنبي صفقة، عتق عن نصيب الأب وسري إلى
نصيب الشريك، ووجبت عليه القيمة على ما اختاره الشيخ.
ولو قال لمن هو أكبر منه: هو ابني، لم يعتق عليه بملكه له.
ولو ملك من ولده من الزنا، فالوجه أنه لا يعتق عليه.
ولو اشترى أمة وحملها، عتقت (1) عليه خاصة، فإن وضعته أنثى عتقت
أيضا، وإلا فلا.
ولو اشترى الابن والزوج الأم الحامل منه مع الحمل صفقة، عتقت الأم
على الابن وغرم حصة الزوج عند الشيخ، فإن كان الولد أنثى عتقت عليهما، ولا
يرجع أحدهما على الآخر بشئ، وإلا عتق على الزوج، ورجع الابن بقدر نصيبه
منه عليه.
ولو زوج الشريكان الجارية من ابن أحدهما فولدت، عتق نصيبه على
الجد، ولا يسري إذ لا اختيار.
5634. السابع: إذا عمي المملوك أو جذم أو أقعد أو نكل به صاحبه (2) عتق،
ونزاع ابن إدريس في الأخير (3) ضعيف، لرواية أبي بصير الصحيحة عن
الباقر (عليه السلام) (4).

1. في «أ»: أعتقت.
2. في مجمع البحرين: تنكيل المولى بعبده بأن يجدع أنفه أو يقطع أذنه ونحو ذلك.
3. السرائر: 3 / 8 - 9.
4. الوسائل: 16 / 26، الباب 22 من كتاب العتق، الحديث 1.
194

5635. الثامن: إذا أسلم المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه، وخرج إلينا
قبله، عتق عليه.
5636. التاسع: من مات وله وارث مملوك لا غير، وخلف ما يفي بثمنه، دفع
إلى مولاه وعتق.
الفصل الثالث: في عتق السراية
وفيه ستة عشر بحثا:
5637. الأول: من أعتق بعض عبده قل أو كثر، سرى إلى الباقي إن كان مشاعا
ولا يستسعى العبد، ولو أعتق عضوا معينا لم يصح، سواء كان أمكن حياته بدونه،
كاليد والرجل، أولا يمكن كالرأس والبطن.
5638. الثاني: لو أعتق شركا له في عبد قوم عليه الباقي بشروط ثلاثة.
أن يكون موسرا بمال فاضل عن قوت يوم ودست ثوب (1) فمن عليه
دين بقدر ماله، ففي كونه معسرا إشكال، والمريض معسر بالزائد عن الثلث،
والميت معسر، فلو قال: إذا مت فنصيبي منك حر، لم يسر، لانتقال ماله إلى
الورثة، ولو كان معسرا بالبعض، فالأقرب السراية بذلك القدر.

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: الدست من الثياب: ما يلبسه الإنسان ويكفيه لتردده في
حوائجه، وقيل: كلما يلبس من العمامة إلى النعل.
195

وأن يعتق باختياره (1) فلو ورث نصف قريبه لم يسر، ولو اتهب أو اشترى
فعند الشيخ يسري ويقوم عليه نصيب الشريك. (2) وعندي فيه نظر.
وأن يتمكن العتق من نصيبه أولا (2) فلو أعتق نصيب شريكه أولا لغى،
ولو قال: أعتقت نصف هذا العبد، عتق جميع نصيبه أولا، وقوم عليه نصيب
الشريك، والأقرب أنه فيما لو قال: بعت نصفه أو أقر بنصيبه (4) التخصيص
بنصيبه فيهما.
5639. الثالث: الشريك المعتق يقوم عليه نصيب شريكه إن كان موسرا، وإن
كان معسرا سعى العبد في فك باقيه، فإن أيسر بعد العتق، لم يرجع العبد عليه
بشئ، وقال الشيخ: إن قصد الإضرار، فكه مع يساره، وبطل مع عسره، وإن قصد
التقرب سعى العبد في فك حصة الشريك مع يسار المعتق وإعساره (3) وما
اخترناه أقرب، فإن العتق للإضرار باطل.
5640. الرابع: لو امتنع العبد من السعي أو عجز، كان له من نفسه ما أعتق
وللشريك حصته، والكسب بينهما والنفقة والفطرة عليهما، ويجوز المهاياة،
فيتناول المعتاد وغيره، ومع تمكن العبد من السعي ليس للمولى استخدامه ولا
مطالبته بالضريبة.
ولو ورث لم يشاركه المولى لأنه يرث بجزئه الحر.
5641. الخامس: الأقرب عدم اشتراط انتفاء تعلق حق لازم أو غيره بمحل

1. هذا هو الشرط الثاني.
2. المبسوط: 6 / 68.
3. هذا هو الشرط الثالث.
4. في «أ»: بنصفه.
5. النهاية: 542.
196

السراية، كالرهن والكتابة والاستيلاد والجناية والتدبير، نعم لو كان وقفا فالأقوى
عدم السريان.
5642. السادس: لو تعدد المعتق واتحد زمانه، قومت حصص، المتخلف
عليهم (1) بالسوية وإن تفاوتت الحصص (2)، ولو كان أحدهم معسرا اختص
بتقويم الجميع الباقي، ولو أعسر أحدهم بالبعض، قوم عليه بمقدار يساره وعلى
الموسر بباقي الجميع.
5643. السابع: الأقوى أن حصة الشريك تعتق بالأداء، ويحتمل بالعتق، وقوى
الشيخ أنه إن وقع [الأداء] تبينا عتقه وقت العتق، وإلا لم يعتق (3) فعلى الأول لو
اختلفا في القيمة قدم قول الشريك، لأنه ينتزع منه.
ولو أعتق الشريك بالأقوى نفوذه، لمصادفته الملك، بخلاف ما لو باع أو
وهب لاستحقاق العتق.
ويجب على المعتق قيمة النصيب، فلو هرب أو فلس آخر حتى إذا وجد
أدى وعتق بالأداء.
والقول قوله في عدم العتق مع اليمين، فيبقى نصيب الشريك على الرق
على الثاني، ويتحرر على الأول.

1. الظرف متعلق ب‍ «قومت».
2. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 56: في المقام إذا كان العبد بين ثلاثة: لواحد النصف ولآخر
الثلث وللآخر السدس، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس ملكهما معا في زمان واحد
سرى إلى نصيب شريكهما ويكون عليهما قيمة الثلث بينهما نصفين وإن اختلف ملك
المعتقين.
3. المبسوط: 6 / 52.
197

ولو ادعى كل عتق شريكه، تحالفا واستقر بينهما على الثاني، ويتحرر (1)
على الأول.
ولو كانا معسرين جاز له أن يحلف معهما إن كانا عدلين، ويتحرر، أو
يحلف مع أحدهما ويتحرر نصفه.
ولو كان أحدهما فاسقا جاز أن يحلف مع العدل، ويتحرر النصف.
ولو كانا فاسقين فالوجه أنه يستسعي في قيمته لهما، لاعتراف كل منهما
بعتق الشريك.
ولو اشترى أحدهما نصيب صاحبه، عتق عليه ولم يسر، ولا ولاء له.
ولو أكذب نفسه في شهادته لم يقبل.
ولو اشترى كل نصيب صاحبه تحرر، ولا ولاء لأحدهما عليه، وإن أكذبا
أنفسهما على إشكال، وتعتبر القيمة حين العتق، والقول قول الشريك في
نفي العيب.
ولو مات المعتق أخذت القيمة من التركة من الأصل مع الصحة (2) وإلا
فمن الثلث، ولا تقويم مع الوصية بعتقه لو لم يخلف سواه، ولا مع الوصية بعتق
النصيب خاصة وإن خلف، ولا مع التدبير.
ولو مات العبد قبل دفع القيمة، فعلى الثاني يجب دفعها قطعا، وكذا على
الأول على إشكال، ولافرق بين أن يكون الشريكان مسلمين أو كافرين
أو بالتفريق.

1. في «ب»: وتحرر.
2. أعتق حال الصحة ثم مات.
198

5644. الثامن: يقع الملك أولا ثم ينعتق على التقادير، ويكون الولاء كله
للمعتق، هذا مع اليسار، ولا يملك مع الإعسار بل يستسعي العبد فله من الولاء
بقدر ما أعتق.
5645. التاسع: لو ادعى الشريك صنعة تزيد بها القيمة، فالأقرب تقديم قول
المعتق على التقادير.
5646. العاشر: المعتق يجبر على دفع القيمة مع يساره، والشريك على رفع
يده مع أداء المعتق القيمة، ولو أوصى بعتق نصيبه لم يقوم عليه نصيب شريكه
وإن كان غنيا، وأما لو أعتق عند الموت فإنه يقوم عليه ما يحتمله الثلث، وكذا لو
أوصى بعتق النصيب في التكميل، وهل يعتبر في الأخير رضا الشريك؟
فيه إشكال.
5647. الحادي عشر: لو أعتق نصيبه من حبلى، فلم تقوم عليه حتى وضعت
وهو موسر قومت عليه حبلى، وعتق معها ولدها إن قلنا بالسراية بالإعتاق وتبعية
الحمل، وإن قلنا بالأداء سرى العتق في الحمل، وقوم النصيب منه يوم سقوطه.
5648. الثاني عشر: لو كان المعتق معسرا لم يقوم عليه واستسعى العبد، وهل
يحكم بحريته أجمع وثبوت قيمته في ذمته يسعى فيها أو بالرقية في الباقي حتى
يؤدي السعاية؟ الأقرب الثاني.
فلو مات وفي يده مال كان لسيده بقية السعاية، والباقي ماله مورث لورثته
إن قلنا بالأول، وعلى الثاني يكون نصيب الرقية لمولاه، ويستسعى حين عتق
الأول، فلو أعتق الثاني نصيبه صح على الثاني لا على الأول، وهل يستلزم إسقاط
حق السعاية؟ الأقرب ذلك.
199

5649. الثالث عشر: إذا ادعى المعسر عتق الموسر، وشهد عدل، جاز له
الحلف، وإن امتنع العبد من اليمين فيثبت له قيمة نصيبه على الموسر.
ولو لم يكن شاهد عتق نصيب المدعي لاعترافه بالحرية بالسراية إن قلنا
بالعتق بالإعتاق، ولا تقبل شهادته ولو كان عدلا، ثم يحلفه فإن نكل استحق
باليمين المردودة قيمة نصيبه، ولم يعتق نصيب المدعى عليه.
ولو ادعى عتق المعسر لم يعتق منه شئ، ولو كان عدلا حلف معه العبد.
5650. الرابع عشر: لو أعتق صحيحا نصف أحد العبدين المتساويين قيمة
المشتركين بينه وبين غيره ولا تركة، سرى إلى نصيب شريكه، فإن أعتق النصف
من العبد الآخر عتق ولا سراية لإعتاقه.
وإن أعتق الأول في مرض الموت عتق ثلثه خاصة، ولا سراية، ويقف عتق
الباقي على إجازة الورثة.
ولو أعتق الأول في الصحة وأعتق الثاني في مرضه، لم ينفذ الثاني
لاشتغال ذمته بقيمة الأول.
5651. الخامس عشر: لو شهدا بعتق نصيب الموسر ثم رجعا بعد العتق والغرم،
غرما قيمة العبد له أجمع.
ولو شهدا على مريض بعتق عبد [ه] ثلث التركة، فحكم الحاكم، ثم شهد
آخران بعتق آخر هو الثلث ورجع الأولان، وتاريخهما أسبق، وكذبهما الورثة في
200

الرجوع، عتق الأول، ولا يقبل رجوعهما ولم يغرما، ويحتمل إلزامهما بشراء
الثاني وإعتاقه، لمنعهما عتقه بشهادتهما المرجوع عنها.
ولو صدقهما الورثة عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول، وإن تأخر
تاريخهما بطل عتق المحكوم بعتقه، ولا غرم.
ولو أطلقتا أو إحداهما (1) أو اتفق التاريخان أقرع، فيعتق الثاني إن
خرجت عليه، ويبطل الأول، ولا غرم، والأول إن خرجت عليه، ثم إن كذبهما
الورثة في الشهادة عتق الثاني ورجعوا عليهما بقيمة الأول، وإن كذبوهما في
الرجوع فلا غرم.
5652. السادس عشر: لو وكل شريكه في عتق نصيبه، فأعتق نصيب نفسه،
سرى وقوم عليه على إشكال، ينشأ من الإذن، والولاء كله له، وإن أعتق نصيب
الموكل سرى أيضا وقوم نصيب الوكيل على الموكل على إشكال، ينشأ من
تقديم المباشر في الإتلاف على السبب في الضمان، والولاء كله للموكل.
وإن أطلق ولم ينو شيئا، احتمل انصرافه إلى نصيبه وإلى نصيب الشريك،
وانصرافه إليهما.

1. المراد من إطلاق البينتين أو إحداهما خلوهما من التاريخ.
201

الفصل الرابع: في الأحكام
وفيه سبعة عشر بحثا:
5653. الأول: لو شرط على المعتق شرطا في نفس العتق، وجب عليه الوفاء به،
فإن شرط عوده إلى الرق عند المخالفة، قال الشيخ: يعاد عندها (1) والوجه بطلان
العتق.
ولو شرط خدمته سنة مثلا لزم، فإن مات المولى استحق الورثة الخدمة
باقي المدة، فإن أبق حتى انقضت، فالوجه ثبوت الأجرة لهم عليه، وهل يشترط
في وجوب الخدمة قبول العبد؟ الوجه ذلك، فلو لم يقبل فالوجه بطلان العتق،
ومع القبول يعتق في الحال، وعليه الخدمة.
ولو قال: أنت حر، وعليك ألف، احتمل الصحة كالخدمة فيفتقر إلى رضا
العبد، والبطلان، لأنه في الحقيقة شرط والخدمة استثناء، وكذا أنت حر على
ألف، ومع الصحة لو قال: أحدكما حر على ألف فقبلا، عتق من يعينه (2)،
ويحتمل وجوب المسمى وعدمه، للإبهام، فتجب قيمة رقبته، وكذا لو مات قبل
البيان وأقرع.
5654. الثاني: لا يجزي التدبير في كفارة العتق، ولو أمر غيره بعتق عبده عن
كفارته، وقع عن الآمر وانتقل إليه عند الأمر.

1. النهاية: 542; وفي «أ»: «عندنا» والصحيح ما في المتن.
2. في «أ»: تعينه.
202

5655. الثالث: لو نذر عتق أول ما تلده فولدت اثنين دفعة عتقا، ولو خرجا
على التعاقب واشتبه الأول منهما أقرع، ولو علم السابق اختص بالعتق، ولو خرج
ميتا والآخر حيا، احتمل عتق الحي منهما، والأقوى البطلان.
ولو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة دفعة قيل: بطل النذر (1)
وقيل: يقرع (2) للرواية (3) وقيل: يتخير (4).
ولو قال: أول ما أملكه، عتقوا أجمع.
ولو نذر عتق كل ولد تلده أمته لزم، فإن باعها ثم ولدت لم يعتق.
ولو نذر عتق آخر عبد يملكه، لم يحكم بعتق أحد حتى يموت، فيتحرر
أخيرهم، وفي كسبه السابق على الموت إشكال، الأقرب أنه للوارث، ولو كانت
أمة فحكم أولادها حكم الكسب في الإشكال، وكذا المهر لو وطئها قبل الموت،
وهل يحرم عليه وطؤها قبل ملك غيرها؟ إشكال.
ولو ملك اثنين دفعة، ثم مات عليهما، فكالأول في الاحتمالات.
ولو نذر عتق أمته إن وطئها صح، فإن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين،
ولا تعود بعود ملكها.
ولو نذر عتق كل عبد له قديم عتق من مضى عليه في ملكه ستة
أشهر فصاعدا.

1. لاحظ الأقوال في المختلف: 8 / 50، والمسالك: 10 / 298 - 300.
2. ذهب إليه الشيخ في النهاية: 543.
3. الوسائل: 16 / 58، الباب 57 من كتاب العتق، الحديث 1، و ج 18 / 190، الباب 13 من
أبواب كيفية الحكم، الحديث 15.
4. اختاره ابن الجنيد، لاحظ المختلف: 8 / 50.
203

ولو نذر عتقه عند أداء ألف إليه لزمه، فلو اتفق السيد والعبد على الإبطال
لم يبطل، ولو لم يؤد العبد لم يعتق، وكذا لا يعتق لو أبرأه السيد، ولا يبطل الشرط،
ولو مات السيد قبل الأداء انفسخ النذر.
ولو زال ملكه عنه ببيع وشبهه، زال النذر، فإن عاد إلى ملكه عاد على
إشكال، إلا مع إرادة التخصيص بذلك الملك.
وما يكسبه العبد قبل الأداء للسيد، نعم يحتسب له ما يأخذه المولى من
الألف، فإذا أكمل أداءها عتق، والفاضل في يده لسيده.
ولو ولدت الأمة قبل الأداء لم يتبعها في العتق.
5656. الرابع: لو أعتق بعض عبيده، فقيل: هل أعتقت عبيدك؟ فقال: نعم،
انصرف إلى من باشر عتقه خاصة، والوجه وجوب التعدد في البعض، فلو كان
المعتق واحدا حكم عليه، فعتق ما يفسره من الأكثر في الظاهر، عملا بإقراره ولم
يتعد في نفس الأمر الواحد.
5657. الخامس: العبد لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه، فلو كان بيده مال ثم أعتق
فهو لمولاه سواء علم به المولى أو لا، وسواء ملكه مولاه إياه قبل العتق أولا،
وسواء استثناه مولاه أولا وللشيخ هنا تفصيل روي (1).
5658. السادس: لو أعتق ثلث عبيده [وهم ستة] ولهم ثلث صحيح وقيمتهم
متساوية، أقرع بينهم، فيجزؤون ثلاثة أجزاء، واحد للحرية، ويكتب اسم كل

1. النهاية: 542 - 543; التهذيب: 8 / 223 - 224 برقم 805; والاستبصار: 4 / 10 - 11، باب من
أعتق مملوكا له مال.
204

اثنين في رقعة، فإن خرج على الحرية تحرر الخارج، وإن أخرج على الرقية
احتيج إلى إخراج ثانية، ثم يتحرر الباقيان في الثالثة.
ولو اختلفت القيمة وأمكن التعديل بها عددا (1) فعل.
وإن لم يمكن [التعديل] بأن تكون قيمة اثنين مثل قيمة واحد وقيمة ثلاثة
مثله أيضا، فالأولى إلغاء العدد واعتبار القيمة.
ولو أمكن التعديل دون العدد بأن تساوي قيمة اثنين واحدا وقيمة أربعة
مثله اعتبرت القيمة، ولو كان بالعكس بأن تكون قيمة اثنين ألفا واثنين
خمسمائة، واثنين سبعمائة، فالتجزئة بالعدد، فيجعل كل اثنين جزءا ويضم كل
واحد ممن قيمتها قليلة إلى واحد ممن قيمتهما كثيرة، ويجعل المتوسطين
جزءا، فإن وقعت قرعة الحرية على جزء قيمته أكثر من الثلث، أعيدت بينهما،
فيعتق من تقع له قرعة الحرية، ومن الآخر يتم الثلث، وإن وقعت على جزء أقل
عتقا ثم كمل الثلث من الجزئين الباقيين بالقرعة.
ولو لم يمكن تعديلهما عددا وقيمة كخمسة: قيمة أحدهم ألف واثنان
ألف، واثنان ثلاثة آلاف، احتمل تجزئتهم ثلاثة، فيجعل أكثرهم قيمة جزءا
ويضم إلى الثاني أقل الباقيين قيمة ويجعلهما جزءا، والباقيان جزءا، ويقرع بينهم
بسهم حرية وسهمي رق، ويعدل الثلث بالقيمة، واحتمل عدم التجزئة بل يخرج
بالقرعة على واحد واحد حتى يستوفى الثلث، فيكتب رقاع بعددهم.

1. ذكر الشيخ كيفية التعديل في المبسوط 6: 59 فليرجع إليه.
205

ولو كانوا ثمانية قيمتهم متساوية، احتمل (1) أن يكتب ثمان رقاع ثم
يخرج على الحرية حتى يستوفي الثلث.
وتجزئتهم أربعة أجزاء فيقرع بسهم حرية وثلاثة رق، فيعتق من خرج
للحرية، ثم [يقرع] بين الستة بسهم حرية وسهمي رق، ثم يعاد بين من خرجت
له الحرية، فيعتق الخارج، ثم يكمل الثلث من الآخر.
وتجزئتهم ثلاثة، ويقرع، فإن خرج سهم الحرية على الاثنين عتقا
وكمل الثلث بالقرعة من الباقين، وإن خرجت لثلاثة أقرع بينهم بسهم رق
وسهمي حرية. (2)
5659. السابع: لو أوصى بعتق عبد فإن خرج من الثلث وجب على الوارث
إعتاقه، فإن امتنع أعتقه الحاكم، ويحكم بحريته حين الإعتاق لا الوفاة، وما
اكتسبه بينهما يحتمل اختصاصه به، لاستقرار سبب العتق بالوفاة، واختصاص
الوارث لثبوت الرقية عند الكسب، وهو الوجه.
والعتق في مرض الموت من الثلث على الأقوى، فلو أعتق ثلاث إماء كل
التركة عتقت واحدة بالقرعة، فإن كان بها حمل تجدد بعد الإعتاق فهو حر
إجماعا، وإن لم يمت [المعتق]، وإن كان سابقا على الإعتاق فالوجه رقيته.
ولو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم فمات أحدهم قبل سيده، أقرع بينه وبين

1. ذكر ثلاثة احتمالات، وأشار إلى الثاني بقوله: «وتجزئتهم أربعة» وإلى الثالث بقوله: «وتجزئتهم
ثلاثة».
2. هذا هو الصحيح، وما في المغني لابن قدامة: 12 / 280 «من أنه إن خرجت القرعة لثلاثة أقرع
بينهم بسهم حرية وسهمي رق» ليس بصحيح، فتدبر.
206

الأحياء، فإن خرجت عليه حكم له بالحرية، وإلا بالرقية، ولا يحتسب من التركة،
فيتحرر من الباقيين ما يحتمله الثلث منهما بالقرعة.
ولو دبر الثلاثة وهم التركة، أو أوصى بعتقهم فمات أحدهم قبله، بطل
تدبيره والوصية فيه، فأقرع بين الحيين خاصة، فأعتق من أحدهما ثلثهما.
ولو مات المدبر بعد موت مولاه، أقرع بينه وبين الأحياء.
وموت العبد بعد موت السيد قبل امتداد يد الوارث إليه هل يكون بمنزلة
الموت قبل موت السيد؟ احتمال، وكذا بعد ثبوت اليد قبل القرعة، من حيث إنه
محجور عن التصرف فيه على ضعف.
5660. الثامن: لو أعتق أمته وتزوجها ثم مات ولا تركة وثمنها دين عليه، لم ترد
في الرق، ولو استولدها كان الولد حرا كأمه، وللشيخ هنا قول ردي (1).
5661. التاسع: لو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه ولا مال سواه، لم يقوم
عليه ولا على الورثة، وكذا لو أعتقه عند موته منجزا ولا شئ غيره عتق من
الثلث ولا تقويم، والاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة وبالمنجز عند الإعتاق
وبالتركة بأقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث.
ولو كان للمعتق مال غير العبد المنجز عتقه مثلا قيمته فما زاد، عتق أجمع،
وإن كان أقل من مثليه عتق بقدر ثلث المال كله، فإذا كان العبد نصف المال عتق
ثلثاه، وإن كان ثلثي المال عتق نصفه، وإن كان ثلاثة أرباعه، عتق أربعة اتساعه.
وطريقه أن تضرب قيمة العبد في ثلاثة، ثم تنسب إليه مبلغ التركة، فما

1. النهاية: 545 وهو ان عتقه ونكاحه باطل.
207

خرج بالنسبة، عتق من العبد مثله، فلو كانت قيمته ألفا، والمال ألف، ضربت
القيمة في ثلاثة تكون ثلاثة آلاف، ثم تنسب إليها الألفين، تكون ثلثيها،
فينعتق ثلثاه.
ولو كانت قيمته ثلاثة آلاف، والتركة ألف ضربت قيمته في ثلاثة تبلغ
تسعة، وتنسب إليها التركة أجمع يكون أربعة اتساعها.
ولو كانت القيمة أربعة آلاف والتركة ألف ضربت قيمته في ثلاثة يكون
اثني عشر ونسبت إليها خمسة آلاف يكون ربعها وسدسها، فيعتق ربع العبد
وسدسه، وهكذا.
ولو كان عليه دين مستوعب فلا عتق.
ولو تعدد المعتق والدين قاصر بقدر نصف العبيد، جعلوا قسمين، وكتب
رقعة للدين وأخرى للتركة، فيباع من يخرج للدين فيه، ويعتق ثلث
الباقي بالقرعة.
ولو كان الدين ربع القيمة، كتب أربع رقاع واحدة للدين وثلاث للتركة، ثم
يقرع للحرية ثانية، ويجوز أن تكتب رقعة للدين وأخرى للحرية، واثنتان للتركة.
ولو أعتق المريض عبده وهو يخرج من الثلث، فعتق ثم ظهر دين
مستوعب، بيع في الدين إن قلنا بحكم الوصية في المنجزات.
5662. العاشر: لو أعتق المريض ثلاثة متساوية وهي التركة، فعتق أحدهم
بالقرعة، ثم ظهر عليه دين مستوعب، بطل العتق والقسمة، ولو دفع الوارث
الدين منه ليصحا، قوى الشيخ إجابته (1) ولو كان بقدر نصفهم احتمل بطلانها

1. المبسوط: 6 / 61.
208

على ضعف، فيقضى الدين بعد القرعة بين الدين والتركة، ثم يقرع للحرية،
وصحتها (1) على الأقوى فيباع نصف المعتق في الدين، ويطالب الورثة بثلث
الدين إما من الباقين أو غيرهما.
ولو أعتقهم أو دبرهم أو أوصى بعتقهم، فعتق أحدهم بالقرعة، ثم ظهر له
ضعفهم، حكم بعتقهم من حين أعتقهم أو من حين موته، فيبطل التصرف فيهم
بالبيع وغيره، والكسب لهم.
ولو ظهر بقدرهم عتق ثلثاهم، فيقرع بين الرقيقين، ويحكم بحرية من
تخرجه القرعة من حين الإعتاق أو الوفاة لا من حين القرعة على
إشكال ضعيف.
وكلما ظهر له مال عتق من العبدين اللذين رقا بقدر ثلثه.
5663. الحادي عشر: إذا نذر المريض العتق، فالوجه أنه من الثلث، ولو علق
نذره في صحته على شرط فوجد في مرضه، احتمل خروجه من الأصل، لانتفاء
التهمة وقت النذر، ومن الثلث.
ولو نذر عتق ما تلده الحامل، ففي جواز بيعها مع الحمل قبل الولادة
إشكال، فإن سوغناه لم يبطل البيع بعد الولادة، وكذا لو نذر عتق عبده إذا فعل
شيئا ثم باعه قبل فعله ثم فعله، أو عند مجيء السنة فباعه قبلها.
ولو نذر إن لم يفعل الشئ الفلاني - ولم يعين وقتا - فهو حر، لم يتحرر
حتى يموت، ولو باعه قبل ذلك صح.

1. عطف على قوله: «بطلانها».
209

ولو نذر إن فعل فهو حر، فباعه قبل الفعل، ثم اشتراه ثم فعل، فالأقوى
العتق مع احتمال عدمه.
5664. الثاني عشر: إذا دفع العبد إلى الأجنبي مالا ليشتريه ويعتقه، ففعل، فإن
كان بعين المال، فالبيع والعتق باطلان، وإن كان في الذمة صحا، وعليه دفع الثمن
من عنده، لأن المدفوع أولا للمولى.
5665. الثالث عشر: لو أعتق المريض عبدا، وأوصى بعتق آخر، فإن عينهما
اعتبرنا قيمة المعتق حين الإعتاق والموصى به عقيب الوفاة والتركة بأقل الأمرين
من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث لها، فإن خرجا من الثلث عتقا وإلا بدئ
بعتق المنجز، ودخل النقص على الثاني، ولو أبهم قومت التركة بعد الموت
فالثلث للعتق، فيقرع بعد تعيين ثلث العتق بين المعتق والموصى به، فإذا عرف
المنجز ألغي التقويم الأول، واعتبرت قيمة المنجز حين الإعتاق والموصى به
حين الوفاة.
ولو أوصى بعتق عبده وقيمته الثلث أو أقل أو أزيد بما دون الضعف صح
إجماعا، وعتق ما يساوي الثلث، ولو كانت الزيادة بقدر الضعف قال الشيخ: تبطل
الوصية. (1) وليس بمعتمد، والحق المساواة.
ولو أوصى لعبده بالثلث فما دون، أعتق من الوصية، فإن قصرت قيمته
أعطي الفاضل.
ولو أعتق عبده عند موته وعليه دين، قال الشيخ: إن كان ثمن العبد ضعفي

1. النهاية: 610.
210

الدين صح العتق واستسعي العبد في قضاء الدين. (1) والحق خلاف ذلك.
5666. الرابع عشر: لو أعتق الحبلى بمملوك لم يسر إلى الحمل، سواء علم
المولى أو لا، وسواء استثناه أو لا، وقول الشيخ: إن لم يستثنه كان حرا (2)
ليس بجيد.
5667. الخامس عشر: لو أمره بعتق عبده عنه، فأعتقه، صح العتق عن الآمر،
وهل يستعقب القيمة؟ فيه إشكال.
ولو قال: وعلي قيمته، لزم أداء القيمة أما لو قال: وعلي كذا، ففي لزوم
المعين إشكال.
ولو أذن له فيه، ثم رجع، فأعتقه المالك ولم يعلم بالرجوع، فالأقرب
وقوعه عن الآمر، وعليه الضمان.
5668. السادس عشر: لو شهدا بعتق العبد فأنكر العبد، فالوجه سماع البينة، ولو
شهدا بالعتق فحكم به، ثم رجعا وضمنا، ثم شهد آخران بالعتق قبل الشهادة،
سقط الضمان.

1. النهاية: 545.
2. قال الشهيد في المسالك: 10 / 343: المشهور بين الأصحاب أن عتق الحامل لا يسري إلى
الحمل وبالعكس، لأن السراية في الأشقاص لا في الأشخاص.
ثم إن ما حكاه المصنف عن الشيخ من التفصيل بين الاستثناء فلا يشمله العتق وعدمه فيشمله لا
ينطبق على عبارة الشيخ في النهاية حيث قال: وإذا أعتق الرجل جارية حبلى من غيره، صار ما
في بطنها حرا كهيئتها، وإن استثناه من الحرية لم يثبت رقه مع نفوذ الحرية في أمه. النهاية: 545
.
ويؤيد ما ذكرناه ما في المسالك: 10 / 343 حيث قال: وذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى تبعية
الحمل للحامل في العتق وإن استثناه.
211

5669. السابع عشر: الولاء تابع للعتق تبرعا إذا لم يتبرأ المعتق من ضمان
الجريرة، وهو لحمة كلحمة النسب، فإن المعتق سبب لوجود الرقيق لنفسه، كما
أن الأب سبب، ويستلزم الإرث كالنسب مع شرائطه، نذكرها في باب المواريث
إن شاء الله تعالى، وله فروع وتفاصيل مسائل نذكرها هناك.
212

المقصد الثاني: في التدبير
وفيه فصلان:
[الفصل] الأول: في ماهيته وشرائطه
وفيه سبعة مباحث:
5670. الأول: التدبير تفعيل من الدبر، وهو العتق المؤخر إلى بعد الموت،
وسمي تدبيرا، لأنه إعتاق في دبر الحياة.
وهو جائز بإجماع العلماء كافة إذا قرن بموت المولى، والأقرب جوازه مع
اقترانه بموت غيره، كزوج المملوكة ومن جعلت له الخدمة.
5671. الثاني: يشترط في التدبير الصيغة، ولفظه الصريح:
أنت حر بعد موتي، أو عتيق، أو معتق، أو أنت رق في حياتي حر بعد
وفاتي، أو إذا مت فأنت حر.
ولو قال: دبرتك، أو أنت مدبر، لم يقع، ولو قال عقيبه: فإذا مت فأنت حر،
وقع بذلك لا بما تقدم.
213

ولا ينعقد بالشرط ولا ما يعبر به عن الذات بلفظ، فلو قال: متى (1) أو أي
حين أو أي وقت قام مقام «إذا» وكذا لو قال: أنت (2) أو هذا أو فلان أو مملوكي.
5672. الثالث: يشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط، فلو قال: إن
قدم المسافر أو إذا أهل الشهر فأنت حر بعد وفاتي، لم يقع، وكذا لو قال:
بعد وفاتي بسنة أو بشهر، أو إن أديت إلي ولدي، أو إلي كذا فأنت حر بعد
وفاتي، أو أنت حر بعد وفاتي إن شئت أو متى شئت أو أي وقت أو أي حين أو
أي زمان.
5673. الرابع: تشترط النية فلا عبرة بتدبير الساهي والغالط والسكران
والمكره، وقال ابن إدريس: لا بد فيه من نية القربة (2).
5674. الخامس: إنما يقع التدبير من البالغ العاقل القاصد المختار الجائز
التصرف، فلا اعتبار بتدبير الصبي وإن كان مميزا، ولا المجنون ولا الكافر وإن
كان ذميا إن اشترطنا (4) نية التقرب، ويصح من السفيه والمفلس، على إشكال
في السفيه.
5675. السادس: لو دبر المسلم ثم ارتد لم يبطل تدبيره، وينعتق لو مات على
ردته إن كانت عن غير فطرة، وإن كانت عنها لم ينعتق بموته، لخروجه عن ملكه.
ولو دبر المرتد عن غير فطرة ففي صحة تدبيره إشكال، أما المرتد عنها
فلا يصح تدبيره قطعا، ولو سوغنا تدبير الكافر فدبر مثله ثم أسلم العبد، بيع عليه
وإن لم يرجع في تدبيره، ولو مات قبل البيع وقبل الرجوع، تحرر من الثلث، ولو

1. مثال الشرط.
2. مثال للتعبير عن الذات.
3. السرائر: 3 / 30.
4. في «ب»: إن شرطنا.
214

قصر الثلث تحرر بقدره وكان الباقي للوارث، فيستقر على المسلم، ويباع على
الوارث الكافر.
ويصح تدبير الأخرس بالإشارة المعلومة، وكذا رجوعه، ولو خرس بعد
التدبير فرجع بالإشارة صح.
5676. السابع: لا يقع التدبير من الحالف به.
[الفصل] الثاني: في أحكامه
وفيه ثمانية عشر بحثا:
5677. الأول: التدبير ضربان:
مطلق كقوله: إذا مت فأنت حر.
ومقيد كقوله: إذا مت في سفري هذا، أو مرضي، أو سنتي، أو شهر كذا، أو
بمرض كذا، أو في موضع كذا، فأنت حر، وهو سائغ بقسميه.
5678. الثاني: التدبير بمنزلة الوصية، يجوز الرجوع فيه وفي بعضه، سواء كان
عبدا كاملا أو بعضه، وينعتق المدبر بموت المولى من الثلث، فإن قصر عنه تحرر
ما يحتمله الثلث وكان الباقي رقا للوارث، ولو لم يكن سواه تحرر ثلثه، ورق
الثلثان، ولو كان له مال غائب عتق ثلثه ويوقف الباقي، فكلما حصل من الغائب
شئ عتق من العبد بنسبة ثلثه (1).

1. في «أ»: بنسبته ثلثه.
215

ومع قدوم الغائب يتبين تحرير العبد من حين الوفاة، فالكسب بعدها كله
له، ولو تلف الغائب تتبين رقية الثلثين، وكذا لو كان عوض الغائب دينا.
ولو كان عليه دين مستوعب بطل التدبير، سواء كان التدبير سابقا أو لاحقا،
خلافا للشيخ. (1)
ولو قصر الدين، تحرر من المدبر بقدر ثلث الباقي.
5679. الثالث: المدبر لا يخرج بتدبيره عن الملك، فللمولى كسبه وبيعه وهبته
والتصرف فيه كيف شاء كالقن، ويبطل التدبير حينئذ.
وقال الشيخ (رحمه الله): إن رجع في تدبيره ثم باعه، أو قصد ببيعه الرجوع صح
البيع في رقبته، وإن لم يرجع ولا قصده بالبيع، تناول البيع الخدمة مدة حياة
المولى دون الرقبة، فإذا مات المولى تحرر. (2) وليس بمعتمد.
5680. الرابع: لا فرق في جواز البيع بين أن يكون التدبير مطلقا أو مقيدا، ولا
بين كون المملوك ذكرا أو أنثى.
5681. الخامس: لو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حر، قوى الشيخ صحته، فإن
ماتا عتق من ثلثهما، وإن مات أحدهما عتق نصيبه من ثلثه، وكان الآخر مدبرا إلى
أن يموت الثاني، فتكمل الحرية فيه من الثلث، وكسبه بعد موت الأول إلى موت
الثاني بين العبد والثاني. (3)

1. قال الشيخ في النهاية: 553; و إذا دبر الإنسان عبده وعليه دين فرارا به من الدين ثم مات، كان
التدبير باطلا، وبيع العبد في الدين، وإن دبر العبد في حال السلامة، ثم عليه دين ومات، لم
يكن للديان على المدبر سبيل.
2. النهاية: 552; المبسوط: 6 / 171 - 172; التهذيب: 8 / 263 في ذيل الحديث 958;
الاستبصار: 4 / 29 في ذيل الحديث 100.
3. المبسوط: 6 / 179.
216

والوجه عندي البطلان إلا مع تجويز التعليق بموت الغير، نعم لو قال كل
واحد منهما: إذا مت فنصيبي حر، كان تدبيرا صحيحا، وكان الحكم فيه ما تقدم،
ولو خرج نصيب أحدهما خاصة تحرر أجمع وتحرر من الثاني بنسبة الثلث.
5682. السادس: يجوز وطء المدبرة فإن حملت منه لم يبطل التدبير، فإذا مات
عتقت من الثلث، فإن عجز الثلث عتق الفاضل عنه من نصيب ولدها.
ولو تجدد حملها بمملوك إما من زنا أو شبهة أو عقد، كان الحمل مدبرا،
وللمولى الرجوع في تدبيرهما معا وفي تدبير أحدهما دون الآخر، وقول الشيخ
هنا غير معتمد. (1) ولو كان الحمل سابقا لم يلحقه التدبير بالسراية وإن علم به،
خلافا للشيخ (رحمه الله) (2).
ولو ادعت تجدده، فالأقرب تقديم قول الوارث في سبقه على التدبير.
ولو رجع في تدبيرها فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين الرجوع، لم
يكن مدبرا لإمكان تجدده، ولو كان لدونها كان مدبرا.
والمدبر إذا أولد بعد التدبير مملوكا، فهو مدبر كأبيه، وكذا يجوز وطء ابنة
المدبرة والمدبر.
5683. السابع: يجوز للمدبر الرجوع في تدبيره إما قولا مثل رجعت أو فعلا
كأن يهب وإن لم يقبض، أو يقف، أو يعتق، أو يوصي به، وإن رد الموصى له.

1. ذهب الشيخ في النهاية: 553 إلى أنه لا يجوز للمولى أن ينقض تدبير الأولاد، وإنما له
أن ينقض تدبير الأم فحسب، فلاحظ.
2. حيث أفتى في صورة العلم بتدبيرهما معا. فلاحظ النهاية: 552.
217

وإنكار التدبير ليس رجوعا وإن حلف المولى، والدعوى به صحيحة،
ويسمع فيه شاهدان، والأقرب ثبوته بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين.
ولو ادعاه على الورثة واعترفوا، حكم عليهم، ولو أنكر بعضهم كان له
إحلافه، ولا يقوم على المقر، وكذا إنكار الوصية والوكالة. أما البيع الجائز ففي
إنكاره إشكال، ولا إشكال في أن إنكار الرجعي رجعة.
ولو قال لمدبره: إذا أديت إلى ورثتي ألفا فأنت حر، فالوجه أنه رجوع،
وكذا [لو قال:] إن دخلت الدار فأنت مدبر، أو باعه بيعا فاسدا، أو أوصى به
وصية باطلة.
5684. الثامن: لو دبر جماعة عتقوا بموته إن خرجوا من الثلث، وإلا بدئ
بالأول فالأول، وكان النقص على الأخير، ولو جهل الترتيب استخرج بالقرعة،
وكذا لو دبرهم بلفظ واحد، وهل يشترط تعيين المدبر؟ فيه إشكال، فعلى العدم
هل يتخير الوارث أو يقرع؟ الأقرب الأخير.
5685. التاسع: لو دبر بعض عبده، صح ولم يسر التدبير ولا العتق لو حصل
بعد الموت، وللمرتضى قول ضعيف (1) ولو كان له شريك لم يكلف التقويم.
ولو دبره أجمع ثم رجع في بعضه، صح الرجوع.
ولو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما، فالوجه التقويم عليه، ولو دبر
أحدهما ثم أعتق، قوم عليه، ولو أعتق الآخر، فالوجه التقويم أيضا.

1. نقله عنه الشهيد في المسالك: 10 / 397 ولم نعثر على مصدره، نعم حكم بالسراية في تدبير
المملوك المشترك، وعتقه، لاحظ الانتصار: 378، المسألة 221 وص 373، المسألة 217.
218

5686. العاشر: يبطل التدبير بإباق المدبر، فإن رزق أولادا بعد الإباق من أمة،
كانوا رقا وقبله على التدبير، وارتداد المدبر لا يبطل تدبيره إلا أن يلتحق بدار
الحرب قبل الموت، ولو التحق بعده كان حرا من الثلث.
ولو علق التحرير بموت من جعلت الخدمة له، فأبق العبد، لم
يبطل التدبير.
5687. الحادي عشر: كسب المدبر قبل الموت لمولاه وبعده له إن خرج من
الثلث، فإن ادعى الوارث تقدمه، فالقول قول العبد مع اليمين، ولو أقاما بينة،
حكم لبينة الوارث، وإن أقر المدبر أنه كان في يده في حياة سيده ثم تجدد ملكه
عليه بعد موته، قدم قول الوارث.
ولو أقام العبد بينة، قبلت وتقدم على بينة الورثة.
ولو لم يخرج من الثلث كان له من الكسب بقدر ما تحرر، والباقي للورثة.
5688. الثاني عشر: لو أعتق منجزا ودبر، قدم المنجز. وإن كان في مرض
الموت، ولو اجتمع التدبير والوصية بالعتق أو بغيره، تساويا، ويبدأ بالأول
فالأول، وليس العتق المتوقف على الإعتاق بعد الموت بمقتض لتأخيره
عن التدبير.
5689. الثالث عشر: لو دبر ثم باع، أو وقف، أو وهب، كان ذلك رجوعا، ويصح
ما فعله من العقود وشبهها، فلو عاد إلى ملكه ببيع أو غيره لم يعد التدبير، وكذا لو
أوصى بشئ ثم أخرجه عن ملكه، بطلت الوصية، ولو عاد لم يعد.
والأقرب أن رهن المدبر ليس إبطالا له، فيعتق بعد الموت، ويؤخذ من
التركة قيمته يكون رهنا.
219

5690. الرابع عشر: لو دبر عبدين دفعة، وله مال غائب، أقرع بينهما، فيعتق
ممن تخرجه القرعة ثلثاه، ويوقف الثلث والعبد الآخر، فإذا حصل من الغائب
شئ كمل من عينته القرعة، فإذا حصل آخر عتق من الثاني من الثلث إلى أن
يعتق، ولو تعذر حضور الغائب لم يزد العتق على قدر ثلثهما.
ولو خرج الذي وقعت له القرعة مستحقا، بطل العتق فيه، وعتق من الآخر
ثلثه، ولو كانت قيمة المدبر مائة وله مائة غائبة، عتق ثلثه ورق ثلثه،
ووقف الثلث.
ولو كان له ابنان على أحدهما مائتان له، عتق من المدبر حصة من عليه
الدين أجمع، وهي النصف وثلث حصة الآخر، وكلما استوفى من أخيه شيئا
عتق ثلثه، ولو كان الدين عليهما عتق أجمع.
5691. الخامس عشر: أرش ما يجنى على المدبر لمولاه، ولا يبطل التدبير،
وديته. (1) لو قتل له، وهي قيمته مدبرا.
ولو قتل المدبر سيده بطل تدبيره، أما أم الولد فلا يبطل حكمها
بقتلها مولاها.
ولو جنى على غير مولاه، تعلق أرش الجناية برقبته، وللمولى فكه بأرش
الجناية، وله بيعه فيها، فإن فكه فالتدبير باق، وإن بيع بطل التدبير، وصرف الثمن
إلى المجني عليه.
ولو كانت الجناية غير مستوعبة فباع بعضه، بقي الباقي على التدبير.

1. عطف على قوله: «أرش ما يجنى».
220

ولو مات المولى قبل فكه انعتق، ولا يثبت أرش الجناية في تركة المولى،
لكن إن أوجبت قصاصا اقتص منه، وإن أوجبت مالا أخذ منه.
5692. السادس عشر: يصح تدبير المكاتب، فإن أدى مال الكتابة، عتق بها،
وبطل التدبير، وكان ما في يده له، وإن عجز وفسخت الكتابة، بطلت كتابته دون
تدبيره، فإذا مات المولى عتق من الثلث، وما في يده لسيده، وإن مات المولى
قبل الأداء والعجز، عتق بالتدبير من الثلث، فإن قصر الثلث، عتق منه ما يحتمله،
ويسقط من مال الكتابة بإزائه، وكان الباقي مكاتبا.
ولو كاتب المدبر، احتمل بطلان التدبير، أما لو قاطعه على مال ليعجل
عتقه، لم يبطل التدبير.
ويجوز تدبير الحمل ولا يسري إلى الأم فإن أتت به لدون ستة أشهر من
حين التدبير، حكم بالتدبير فيه، وإلا فلا، ويجوز الرجوع في تدبيره كالمنفصل.
5693. السابع عشر: لا اعتبار برد المملوك تدبير مولاه، سواء رده في حياة
المولى أو بعد وفاته.
5694. الثامن عشر: قد بينا أن التدبير بمنزلة الوصية يجوز الرجوع فيه،
ويخرج من الثلث، وهذا إنما هو في المندوب المتبرع به، أما التدبير الواجب
بالنذر وشبهه، فلا يجوز الرجوع فيه، ويخرج من صلب المال، ولا يخرج بالنذر
عن الملك، فيجوز له استخدامه ووطؤه إن كانت جارية، نعم لا يجوز له بيعه ولا
إخراجه عن ملكه، ويجوز له أن يوجره.
وله عتق المدبر تبرعا في كفارة ظهار، أو قتل، أو نذر عتق، وإن لم يرجع
لفظا، خلافا للشيخ (1) أما المدبر واجبا فهل له ذلك؟ عندي فيه نظر.

1. النهاية: 554.
221

المقصد الثالث: في الكتابة
وفيه مطلبان
[المطلب] الأول: في أركانها
وفصوله أربعة:
[الفصل] الأول: [في] الماهية والصيغة
وفيه ستة مباحث:
5695. الأول: الكتابة (1) عقد مستقل بنفسه (2) يفتقر إلى الإيجاب والقبول،

1. في المغني لابن قدامة: 12 / 338: الكتابة: إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدي مؤجلا،
سميت كتابة لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا بما اتفقا عليه، وقيل: سميت كتابة من الكتب وهو
الضم، لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض، ومنه سمي الخرز كتابا، لأنه يضم أحد
الطرفين إلى الآخر بخرزه، وسميت الكتيبة كتيبة لانضمام بعضها إلى بعض، والمكاتب يضم
بعض نجومه إلى بعض، والنجوم هاهنا الأوقات المختلفة، لأن العرب كانت لا تعرف الحساب
وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم.
2. قال الشهيد في المسالك: 10 / 414: واعلم أن عقد الكتابة خارج عن قياس المعاملات من
جهة أنها دائرة بين السيد وعبده، وأن العوضين للسيد، وأن المكاتب على رتبة متوسطة بين
الرق والحرية، وليس له استقلال الأحرار ولا عجز المماليك، وكذلك تكون تصرفاته مترددة
بين الاستقلال ونقيضه.
223

وليست بيعا للعبد من نفسه، ولا عتقا بصفة، وهي جائزة بالنص (1) والإجماع،
مستحبة مع أمانة العبد وقدرته على التكسب، وتتأكد مع التماس العبد، ولا
تجب ولا تستحب مع فقد أحد الوصفين، ولا تكره كتابة غير المكتسب. (2)
5696. الثاني: لو باع العبد من نفسه بثمن مؤجل أو حال لم يصح على إشكال
ولا يكون كتابة.
5697. الثالث: الكتابة لا يثبت فيها خيار المجلس، لأنها ليست بيعا، ويثبت فيها
خيار الشرط.
5698. الرابع: صيغة الكتابة أن يقول: كاتبتك على كذا، ويذكر أجلا معينا،
وينوي العتق عند الأداء، ولا يفتقر إلى أن يقول: فإذا أديت فأنت حر، مع النية له،
ويقول العبد: قبلت، أو ما شابهه.
ولو قال: إن أديت إلي ألفا، فأنت حر، لم يصح كتابة ولا عتقا.
5699. الخامس: الكتابة ضربان:
مطلقة، وهي التي اقتصر فيها على الأجل والعوض والنية مع الصيغة.
ومشروطة، وهي التي زيد فيها على ذلك الرد في الرق عند العجز، وهي
لازمة إن كانت مطلقة إجماعا من الطرفين، وإن كانت مشروطة فكذلك من
طرف السيد ما لم يحصل العجز، قال الشيخ: وجائزة من جهة العبد لأن له تعجيز
نفسه (3) وفيه منع.

1. قال الله تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) النور: 33.
2. في «أ»: غير المتكسب.
3. الخلاف: 6 / 393، المسألة 17 من كتاب المكاتب. ولاحظ المبسوط: 6 / 91.
224

5700. السادس: يجوز أن يشترط في الكتابة ما هو سائغ بخلاف غيره، فلو
شرط الوطء بطل الشرط، والأقوى بطلان العقد أيضا.
ويجب الوفاء بالشرط السائغ إذا وقع في العقد، ولو شرط خدمة شهر بعد
العتق بالأداء، لم يستبعد جوازه.
الفصل الثاني: في السيد
وفيه أحد عشر بحثا:
5701. الأول: يشترط فيه البلوغ، فلا تصح كتابة الصبي وإن بلغ عشرا، أو كان
مراهقا، أو أذن له الولي.
5702. الثاني: يشترط فيه العقل، فلو كاتب المجنون لم يصح، ولو كان الجنون
يعتوره فكاتب في زمن صحته صح.
ولو ادعى العبد الكتابة فيها، وادعى المولى وقوعها حالة الجنون، قدم
قول المولى بخلاف دائم العقل.
وليس لولي الطفل والمجنون كتابة عبدهما، سواء كان الولي أبا أو غيره،
فان فعل كان ما يؤديه العبد للسيد ولا (1) يعتق به، ولو قيل بالجواز مع المصلحة
كان وجها.

1. في «ب»: فلا.
225

5703. الثالث: يشترط فيه الاختيار، فلو كاتب المكره لم يقع.
5704. الرابع: يشترط فيه زوال الحجر بالفلس والسفه، فلو كاتب أحدهما
عبده لم يصح.
ولا بد من القصد، فلا اعتبار بعبارة الساهي والنائم والغافل والسكران.
5705. الخامس: تصح كتابة الذمي، فإذا كاتب مثله على خمر أو خنزير
وتقابضا حال الكفر، حصل العتق لا بمعنى أن الحاكم يحكم بصحته، بل لا
يتعرض له، كما يحكم ببقاء الزوجية لو تزوجها على خمر وتقابضا ثم أسلما،
ولو تقابضا بعد الإسلام قبل الترافع أبطل الحاكم الإقباض، وحكم على المكاتب
بقيمته عند مستحليه، ولا يبطل الكتابة.
ولو ترافعا بعد الإسلام قبل التقابض فكذلك، ولو تقابضا البعض حالة
الكفر، وجبت قيمة الباقي، وكذا الحكم لو أسلم أحدهما.
5706. السادس: لو أسلم العبد خاصة بيع على مولاه، وليس للمولى كتابته،
ولو اشترى الذمي مسلما لم يصح، ولو أسلم مكاتب الذمي لم تبطل الكتابة على
مولاه، فان عجز ورق بيع عليه حينئذ.
5707. السابع: الحربي يصح أن يملك فتصح كتابته، سواء كان في دار الحرب
أو الإسلام، فإن دخلا مستأمنين لم يتعرض الحاكم لهما، فإن ترافعا إليه ألزمهما
حكم الكتابة إن كانت صحيحة، وإلا بين لهما فسادها، وإن دخلا وقد أكره
أحدهما الآخر، بطلت الكتابة، لأن العبد إن قهر سيده ملكه، وإن قهره السيد على
رده رقيقا، بطلت، وإن دخلا من غير قهر وقهر أحدهما في دار الإسلام لم
تبطل الكتابة، لأن القهر لا يؤثر فيها إلا بالحق، وإن دخلا مستأمنين لم يمنعا
226

من الرجوع لو أراداه، ولو أراده السيد فامتنع المكاتب، لم يجبر على طاعته، وتخير
السيد بين المقام للاستيفاء وعقد الذمة مع طول المدة، وبين التوكيل فيه، فيعتق
مع الأداء، وتخير المكاتب مع الأداء بين عقد الأمان للإقامة وبين الرجوع، ولو
عجز استرقه السيد، ويرد إليه، لأن أمان المال لا يبطل ببطلان أمان النفس.
ولو كاتبه في دار الحرب، فهرب إلينا، بطلت الكتابة، سواء دخل مسلما
أولا، ولا يبطل لو جاء بإذن مولاه، فإن سبي سيده وقتل، انتقلت الكتابة إلى
ورثته، وإن من عليه الإمام، أو فأداه، أو هرب، فالكتابة بحالها، وان استرقه
فكذلك إن عتق، وإن مات أو قتل فالمكاتب للمسلمين يعتق بأداء المال إليهم
ويسترقونه مع العجز.
وللمكاتب أداء المال إلى الحاكم أو أمينه قبل عتق سيده أو موته، فيوقف
على ما ذكر، ويعتق المكاتب بالأداء والسيد رقيق.
5708. الثامن: لو كاتب المسلم عبده ثم ظهر المشركون فأسروا
المكاتب [وحملوه] من الدار (1) إلى دار الحرب، لم يملكوه، والكتابة
باقية، وكذا لو دخل الكافر بأمان وكاتب عبده، ثم ظهر المشركون
فقهروا المكاتب، فانفلت منهم (2)، أو غلبهم المسلمون، فإن كتابته باقية
وقوى الشيخ وجوب تخليته مثل المدة التي حبسه فيها المشركون ليكسب
مالا، قال: وكذا لو كاتب عبده ثم حبسه. (3) ويقوى عندي في الأول العدم وفي

1. في «أ»: «فأسروا المكاتب فانقلب من الدار» ما بين المعقوفتين أخذناه من المبسوط.
2. أي تخلص منهم، وفي المبسوط: 6 / 132: فإن انفلت المكاتب منهم أو ظهر المسلمون على
الدار فأخذوه فهو على كتابته.
3. المبسوط: 6 / 132.
227

الثاني لزوم الأجرة، فعلى ما اخترناه إن أدى بعد الحلول، وإلا عجزه مولاه.
ولو لم ينفلت (1) وحل عليه المال، فالوجه أن للمولى فسخ الكتابة وإن لم
يراجع الحاكم، فإن جاء ولم يدع مالا صح الفسخ، وإن ادعاه وأقام البينة به عند
الفسخ، أبطل الفسخ، ودفع المال إلى السيد.
5709. التاسع: لو كاتب في دار الحرب وجاء بإذن سيده استمرت الكتابة، وإن
كان بغير إذنه فهو قاهر له على نفسه فيملكها ويعتق ويبطل الكتابة، ثم يتخير بين
الإقامة مع عقد الذمة وبين اللحوق بدار الحرب.
5710. العاشر: المرتد عن فطرة يزول تصرفه عن أمواله، فلو كاتب لم تصح،
وأما المرتد عن غير فطرة، فإن كاتب قبل حجر الحاكم عليه، احتمل البطلان
والصحة، فإن أدى العبد قبل الحجر إليه عتق بالأداء، وإن أدى بعده إلى الحاكم
عتق، فإن دفع إلى مولاه لم يصح الدفع، ولا يعتق، فإن كان باقيا، أخذه ودفعه إلى
الحاكم، وعتق حينئذ، وإن تلف هلك من ضمانه، فإن دفع غيره (2) إلى الحاكم،
وإلا كان له تعجيزه.
فإن أسلم السيد كان عليه أن يحتسب له بما دفع ويعتق عليه. والوقف (3)
فإن أسلم المولى علمت الصحة وإلا البطلان.
وإن كاتب بعد الحجر، فالوجه البطلان، أما لو كاتب السيد ثم ارتد، فإن
الكتابة لا تبطل قطعا، لكن الدفع إلى الإمام، فإن دفع إلى المرتد، فالحكم كما
تقدم في المرتد قبل الكتابة.

1. في النسختين «ولو لم ينقلب» وما في المتن أخذناه من المبسوط: 6 / 133.
2. في «أ»: فإن دفع حينئذ غيره.
3. عطف على قوله: «البطلان» أي احتمل البطلان والصحة والوقف.
228

5711. الحادي عشر: المريض تصح كتابته، فإن برأ ألزمت من الأصل، وإن
مات فيه صحت من الثلث، فالزائد موقوف على إجازة الوارث.
ولو كاتبه في الصحة، ووضع النجوم في المرض، اعتبرنا خروج الأقل من
الثلث، فإن كانت قيمة الرقبة أقل فليس لهم سواها لو عجز نفسه، وإن كانت
النجوم أقل فليس لهم غيرها، وكذا لو أوصى بوضع النجوم عنه أو بإعتاقه.
ولو أقر في المرض بقبض النجوم من مكاتبه في الصحة، قيل: من الأصل
مع انتفاء التهمة، وإلا فمن الثلث.
الفصل الثالث: في العبد
وفيه أربعة مباحث:
5712. الأول: يشترط فيه التكليف، فلا تصح كتابة الصبي وإن كان مميزا، ولا
المجنون، ولا ينعتق أحدهما مع الأداء، وتصح لمن يعتوره أدوارا في
وقت إفاقته.
5713. الثاني: قوى الشيخ اشتراط إسلام العبد إذا كان السيد مسلما (1) فلو
كاتب السيد عبده الكافر لم تصح، وإن كان ذميا، وهو قول لا بأس به.

1. المبسوط: 6 / 130.
229

5714. الثالث: قوى الشيخ أيضا اشتراط كتابة الجميع مع اتحاد المالك (1) فلو
كاتب نصف عبده لم تصح، وعندي فيه نظر.
ولو كان النصف الآخر حرا، صح إجماعا، وكذا لو كان رقيقا لغيره وأذن،
ولا تسري الكتابة إلى حصة الشريك، ولو لم يأذن قال: لا يصح، ومع الإذن
والأداء قال: ينعتق ويقوم عليه، ولا يرجع به على العبد، ويؤدي العبد نصف
كسبه إلى الشريك فإن دفعه في الكتابة لم يعتق به، وليس له دفع جميع كسبه إلى
المكاتب، وإن أذن الشريك في الكتابة.
ولو هاياه (2) الشريك فكسب في نوبته، أو أعطى من سهم الرقاب، فله
أداء جميعه إلى المكاتب.
ولو كان ثلثه حرا وثلثه مكاتبا وثلثه رقيقا، فورث بجزئه الحر، وأخذ
بجزئه المكاتب من سهم الرقاب، فله صرف جميعه في الكتابة.
5715. الرابع: لو كاتباه معا صح، سواء اتفق العقدان أو تفرقا، وسواء اتفقت
حصصهما (3) أو اختلفت، وسواء اتفقا في العوض مع تساويهما في الحصص
أو اختلفا، وسواء اتفق أحدهما مع الاختلاف في البذل (4) أو اختلفا مع اتفاق
البذل (5) أو اختلافه.

1. المبسوط: 6 / 98.
2. في مجمع البحرين: المهاياة في كسب العبد أنهما يقسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه،
ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة.
3. في «ب»: حصتهما.
4. في «أ»: البدل.
5. في «أ»: البدل.
230

ولو كاتباه بعوض واحد قسط على قدر ملكهما (1) ولو كاتباه لم يكن له
الدفع إلى أحدهما خاصة، فإن دفع إليه وحده كان لهما.
ولو أذن أحدهما لصاحبه جاز.
ولو كاتباه ثم عجزه أحدهما وأراد الثاني إبقاء الكتابة في نصيبه
بالإنظار، صح.
ولو مات المولى فعجزه أحد الوارثين وأنظره الآخر في نصيبه، صح.
الفصل الرابع: في العوض
وفيه عشرة مباحث:
5716. الأول: العوض شرط في الكتابة، فلو تجردت عنه لم يصح، ويشرط أن
يكون دينا، فإن العين ملك غيره إذ لا مال له، وهل يشترط الأجل؟ قال الشيخ:
نعم (2) والأقرب المنع، فعلى قول الشيخ لا يجب تعدده، بل يجوز أن يكون
واحدا، نعم يجب تعيينه، فلو كاتبه وشرط أجلا مجهولا لم يصح إجماعا.
5717. الثاني: يشترط في العوض أن يكون معلوم الوصف والقدر ولو جهل
أحدهما لم يصح، ولو كاتبه على عبد مطلق بطلت، ولم يجب عليه عبد وسط.
ولا بد وأن يكون وقت الأداء معلوما إما حالا أو مؤجلا بأجل معين، فلو

1. في «أ» ملكيهما.
2. المبسوط: 6 / 73.
231

قال: كاتبتك إلى عشرة آجال كل أجل سنة جاز، ولو قال كاتبتك إلى عشرة
سنين جاز.
فإن قال: تؤدي إلي في هذه العشر سنين وعني ظرفية المدة للأداء، بطل
لجهالة وقت الأداء.
ولو كاتبه إلى أجلين مختلفين كسنة وعشر سنين جاز، وهكذا نجم كل
أجل يصح التساوي فيه والتفاضل، والأقرب في العوض المطلق انصرافه إلى
الحلول دون البطلان.
5718. الثالث: العوض إن كان من الأثمان، فإن كان النقد واحدا، أو غالبا، كفى
الإطلاق، وإلا وجب التعيين.
وإن كان من الأعواض وجب وصفه بما يصف المسلم، سواء كان حيوانا
أو غيره، ولو كان منفعة جاز بشرط علمها كخدمة شهر، وخياطة ثوب، وبناء
دار معلومين.
ويجوز أن يجمع بين منفعة وعين، فلو كاتبه على خدمة شهر ودينار
صح، فإن أطلق كان الدينار حالا، وإن قيده بأجل لزم، سواء كان عقيب الشهر أو
متقدما عليه، أو في أثنائه، أو متأخرا عنه بأجل آخر.
فإن مرض العبد شهر الخدمة أو بعضه، بطلت الكتابة لتعذر العوض.
5719. الرابع: لا يشترط في مدة المنفعة اتصالها بالعقد، فلو كاتبه على خدمة
شهر بعد هذا الشهر صح، ومنع الشيخ (1) ضعيف.

1. المبسوط: 6 / 74.
232

ولو قال على أن تخدمني شهرا من وقتي هذا ثم شهرا عقيب هذا الشهر
صح، وكذا لو قال: على أن تخدمني شهرا أو خياطة كذا ثوبا (1) عقيب الشهر.
وإطلاق الخدمة يكفي، لأنها معلومة بالعرف، ويلزمه خدمة مثله، ولو قال:
على منفعة شهر لم يجز، للجهالة.
5720. الخامس: الأحكام المختلفة يجوز اجتماعها مع عدم التضاد، كبيع
وإجارة بشيئين لا بشئ واحد، فلو كاتبه وباعه شيئا بعوض واحد صح، ويقسط
العوض عليهما بالنسبة، وكذا لو ضم إلى الكتابة غيرها من عقود المعاوضات.
5721. السادس: لا يشترط في العوض قدرا خاصا، بل يجوز على كل قليل
وكثير بشرط العلم بقدره ووصفه وصفا يشتمل على كل ما يتفاوت الثمن لأجله.
ويكره أن يتجاوز به القيمة، وإذا كاتبه على جنس لم يلزمه قبض غيره،
وإن أعطاه خيرا من النقد المشترط، فإن كان يتفق في جميع ما يتفق فيه المسمى
لزمه القبول، وإن كان لا يتفق في بعض البلدان التي يتفق فيه المسمى لم يلزمه.
5722. السابع: لو كاتب عبديه صفقة صح، وقسط العوض على قدر القيمتين،
وتعتبر القيمة وقت العقد، ومن أدى حصته عتق وإن لم يؤد الآخر، ومن عجز
منهما رق خاصة.
ولو شرط كفالة كل واحد منهما صاحبه وضمان ما عليه صح.
ولو استوفى من أحدهما ونسي التعيين، فالوجه الصبر ما دام حيا، لرجاء

1. في «ب»: أثوابا.
233

التذكر، فإن ذكره عتق المسمى، فإن ادعى الآخر الأداء حلف المولى وبقي عليه
نجومه، فإن نكل عتق أيضا.
فإن مات المولى قبل الذكر، أقرع الورثة وحلفوا للآخر على نفي العلم إن
ادعاه عليهم، ويتعدد اليمين بتعددهم.
فإن أقام أحدهما البينة بالأداء، أعتق إن كان قبل القرعة، ورق الآخر إن
عجز، وإلا بقي على كتابته، وإن كان بعدها، احتمل ذلك أيضا، لأن القرعة ليست
عتقا، بل هي كاشفة، والبينة أقوى منها، وأن يعتقا (1) معا، وكذا البحث لو ذكر
السيد المؤدي منهما.
5723. الثامن: لو ادعى من قلت قيمته من الثلاثة المكاتبين صفقة بمائة أداءها
بالسوية وكون الفاضل عن قيمته قرضا على الآخر أو وديعة عند السيد، وادعى
من كثرت قيمته الأداء على القيمة، قوى الشيخ تقديم الأول، لأن يدهم على
المال بالسوية (2).
ويحتمل الثاني عملا بالظاهر المقتضي لأداء كل واحد ما عليه لا أزيد.
ويحتمل التفصيل، فإن كان المؤدي جميع الحق فالأول، وإن كان
البعض فالثاني.
ولو أدى أحد المكاتبين عن صاحبه قبل العتق، والسيد جاهل لم يصح،
وصرف الأداء إلى المؤدي إن حل عليه، وإلا استرده، أو جعله أمانة، وإن كان

1. عطف على اسم الإشارة في قوله: «احتمل ذلك».
2. المبسوط: 6 / 78.
234

عالما، بأن قال: هذا عن صاحبي، فالوجه جوازه، ويرجع به على الرقيق إن كان
بإذنه، وإلا فلا.
وإن كان بعد العتق صح، فإن أدى ما عتق به بإذنه رجع، وإلا فلا، وإن أدى
ما لم يعتق به بإذنه، فهو قرض عليه، فإن كان معه ما بقي في القرض (1) ومال
الكتابة، صرف فيها، وإلا قدم مع التشاح الدين.
ولو كانا لسيدين فأدى أحدهما عن رقيقه بعد العتق، صح مطلقا، وإن كان
قبله لم يصح، وإن علم القابض ما لم يرض المالك، وله الرجوع على القابض،
فإن أخر حتى عتق الدافع، احتمل الرجوع على القابض، لوقوع القبض فاسدا،
والعدم لزوال الرقية المقتضية للفساد.
5724. التاسع: لو ظهر استحقاق العوض المدفوع، بطل الدفع وحكم بفساد
العتق، فإن دفع غيره، عتق مع بقاء الأجل، وإن مات قبل الدفع ثانيا، مات عبدا،
وإن ظهر معيبا، فإن رضي به المولى، استقر العتق، فإن اختاره (2) مع الأرش فله،
والأقرب أن له الرد وإبطال العتق.
ولو تلفت العين عند السيد، أو حدث فيها عيب، استقر الأرش، وعاد
حكم الرق في العبد، فإن عجز عن الأرش استرقه المولى، ويحتمل مع تجدد
عيب آخر رده بالأول مع أرش الحادث.
ولو قال السيد بعد قبض المستحق: هذا حر، أو أنت حر، لم يحكم بعتقه،

1. في «ب»: بالقرض.
2. في «ب»: وإن اختاره.
235

لأن ظاهره الإخبار، ولو ادعى العبد العتق بذلك، قدم قول السيد.
5725. العاشر: لو كان العوض مؤجلا، فدفعه العبد قبله، لم يجب على المولى
قبوله، سواء كان عليه ضرر في التقديم أو لا.
المطلب الثاني: في الأحكام
وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في تصرفاته
وفيه ثمانية مباحث:
5726. الأول: المكاتب كالحر في التصرفات إلا فيما فيه تبرع أو خطر، فلا ينفذ
عتقه ولا هبته ولا شراء قريبه بالمحاباة ولا بيعه بالعين، ولا يبيع بالنسيئة وإن
تضاعف الثمن، ويحتمل الجواز مع الرهن والضمين.
ويجوز أن يشتري نسيئة، وليس له أن يدفع به رهنا، ولا أن يضارب بماله.
ويجوز أن يقبض مال غيره قراضا أو قرضا.
ويقبل إقراره بالبيع.
وليس له إهداء طعام ولا إعارة دابة.
ولا يدفع المبيع قبل قبض الثمن.
236

ولا يكاتب، لا يتزوج، ولا يزوج عبده ولا أمته، وإن كان على وجه النظر.
ولا يتسرى خوفا من طلق الجارية.
ولا يقبل هبة من يعتق عليه مع انتفاء كسبه.
ولا يتزوج المكاتبة، ولا يكفر إلا بالصيام، ولو كفر بغيره من عتق أو إطعام
لم يجز، وفي الإجزاء مع أذن المولى نظر، ولا يقرض ماله.
ولو فعل جميع ذلك بإذن مولاه صح.
5727. الثاني: لو فعل أحد هذه العقود بغير إذن المولى وقع باطلا، فلو عتق
بالأداء لم ينفذ منها شئ.
5728. الثالث: لو أعتق تبرعا بإذن مولاه نفذ، سواء أعاد إلى الملك للعجز أو لا،
لكن مع العود، الولاء للمولى، ومع العتق له، فيكون موقوفا قبل الحالتين، فإن
مات قبلهما رقيقا استقر للسيد.
ولو مات العتيق فالوجه إيقاف الميراث حتى يعتق فيكون له، أو يعجز أو
يموت فللسيد.
5729. الرابع: لو اشترى من يعتق على سيده صح، فإن عجز رجع إلى السيد،
وعتق عليه، وكذا لو قبله في الهبة أو الوصية.
ولو اشترى أباه لم يصح بدون إذن المولى، ولو أذن صح، ولا يملك بيعه،
ويكون موقوفا على كتابته، وينفق عليه بحكم الملك لا النسب، وكذا لو أوصى
له به، فإذا قبله، ولا ضرر في قبوله بأن يكون مكتسبا، فالأقرب جواز قبوله، وإن
237

لم يأذن المولى، وعلى التقديرين إن عتق المكاتب عتق الأب بعتقه، وإن عجز
استرقهما المولى.
5730. الخامس: كلما يكتسب المكاتب فهو له قبل الأداء أو بعده، ولو سأل
الناس لم يكن للمولى منعه، وإن شرط، فالوجه بطلان الشرط.
5731. السادس: لو تزوجت المكاتبة كان العقد موقوفا على رضا المولى، وإن
كانت مطلقة، ومع الإذن تملك المهر هي.
وليس للمكاتب وطء أمته بدون الإذن، وإن كان مطلقا، فإن استولد فولده
كحكمه، ينعتق بعتقه، ويرق برقه، والأقرب أن أمته مستولدة مع العتق.
5732. السابع: ليس له أن يحج مع حاجته إلى زائد النفقة، ولو لم يحتج جاز
إذا لم يأت نجمه، وله البيع والشراء إجماعا، والنفقة مما في يده على نفسه
بالمعروف وعلى رقيقه والحيوان المملوك، وتأديب عبيده وتعزيرهم، دون
إقامة الحد على إشكال، والمطالبة بالشفعة والأخذ بها من سيده، وإقراره بالبيع
والشراء والعيب والدين، والأقرب ثبوت الربا بينه وبين مولاه، وله السفر سواء
بعد أو لا، فإن شرط المولى في الكتابة عدمه ففي بطلانه نظر، ومعه يقوى
الإشكال في صحة الكتابة، وعلى الصحة له رده، فإن عجز فالوجه أنه ليس
للمولى تعجيزه إلا مع العجز عن الأداء.
5733. الثامن: لو جنى عبد المكاتب، كان له افتكاكه بالأرش مع الغبطة له
لا بدونها.
ولو كان المملوك أب المكاتب، لم يكن له افتكاكه بالأرش وإن قصر عن
قيمة الأب على إشكال.
238

الفصل الثاني: في تصرفات السيد
وفيه ستة مباحث:
5734. الأول: ينقطع بالكتابة تصرفات المولى عن رقبة العبد إلا أن يعجز مع
اشتراط العود في الرق عنده، فليس له بيعه بدون ذلك ولا هبته ولا نقل الملك
منه، وليس له التصرف في ماله إلا بما يتعلق بالاستيفاء، سواء كانت الكتابة مطلقة
أو مشروطة.
5735. الثاني: الأقرب عندي أن للسيد بيع النجوم وإن كانت الكتابة مشروطة،
ويتخرج على قول الشيخ عدم الجواز، فحينئذ إن قبض المشتري النجوم،
فالوجه العتق، لأن المشتري كالوكيل، فيرد عليه، والعتق على قولنا ظاهر.
5736. الثالث: لو أوصى السيد بمال الكتابة لرجل صح، فإن سلم مال الكتابة
إلى الموصى له، عتق، وكذا لو أبرأه منه، وإن أعتقه لم يصح، وإن عجز فاسترقه
الوارث كان ما قبضه الموصى له ملكا له بالوصية، والأمر في تعجيزه إلى الوارث،
وإن أراد الموصى له إنظاره ويبطل حق الموصى له بالتعجيز، ولو أراد الوارث
إنظاره لم يملك الموصى له (1) تعجيزه.
ولو أوصى به للمساكين، ونصب قيما للتفرقة، لم يبرأ المكاتب بإبراء
القيم، ولا يدفع المال إلى المساكين، بل يدفعه إلى القيم.

1. في حاشية المطبوع: لم يكن للموصى له.
239

ولو أوصى بدفع المال إلى غرمائه، تعين القضاء منه.
وإن أوصى بقضاء ديونه مطلقا، كان على المكاتب الجمع بين الورثة
والوصي بقضاء الدين، ويدفعه إليهم بحضرته.
5737. الرابع: ليس للمولى وطء المكاتبة بالملك ولا بالعقد، سواء كانت
مطلقة أو مشروطة، وسواء شرط النكاح في عقد الكتابة أو لا، فإن طاوعته
عزرت، ويعزر للشبهة مع الشرط وعدمه، والوجه ثبوت المهر عليه لها، سواء
طاوعته أو أكرهها.
ولو كرر الوطء، فإن كان قبل أداء المهر لم يتعدد المهر، وإلا تعدد.
وهل تصير أم ولد لو ولدت منه؟ الأقرب ذلك، فتعتق عند موت مولاها
من نصيب ولدها مع العجز، والولد حر، ولا قيمة عليه.
وليس له وطء بنت المكاتبة، ويعزر لو فعله، والمهر موقوف بملكه إن
أعتقت بعتق أم الولد، ولو أحبلها فالأقرب أنها أم ولد على إشكال، والولد حر
ولا قيمة عليه للبنت، لأن أمها لا تملكها ولا لولدها.
وليس له وطء جارية مكاتبه (1)، ويأثم لو فعل، ويعزر، وعليه المهر
للسيد، والولد حر، وتصير أم ولد، وعليه قيمتها للسيد، وهل تجب قيمة
الولد؟ إشكال.
والتعزير الذي أوجبناه إنما هو للعالم منهما، فلو جهلا فلا تعزير، ولو
جهل أحدهما عزر الآخر.

1. في «أ»: مكاتبته.
240

5738. الخامس: ليس للمولى إجبار المكاتبة على النكاح، ولا المكاتب ولا
مملوك أحدهما، وليس لواحد منهما التزويج بدون إذنه، وكذا البحث في بنت
المكاتبة، ولو اتفقوا على التزويج صح.
5739. السادس: لو كاتب أحد الشريكين لم يكن لأحدهما وطؤها، فإن خالفا
عزرا مع العلم، وعلى كل منهما مهر مثلها كملا.
ولو وطئ أحدهما عزر، وعليه مهر المثل، ويقاص بقدر نصيبه مع التماثل
بين عوض الكتابة ومهر المثل والحلول، وتأخذ نصف المهر تدفعه إلى غير
الواطئ ولو عجزت ورقت بعد قبض المهر من الواطئ اقتسماه بالسوية مع
بقائه، وان كان قبله فإن كان في يدها مال بقدر مهر المثل دفعته إلى غير الواطئ،
وإلا برئت ذمة الواطئ عن النصف، وغرم للآخر النصف.
الفصل الثالث: في حكم ولد المكاتبة
وفيه عشرة مباحث:
5740. الأول: لا يجوز للمولى وطء المكاتبة على ما تقدم، فإن وطأ فالولد حر،
والكتابة بحالها وهي أم ولد، فإن أدت قبل موت السيد عتقت، وإلا جعلت في
نصيب ولدها لو مات قبل الأداء، وكذا لو استرقها مولاها للعجز، ولو مات سيدها
ولا عجز قبل الأداء لم تبطل الكتابة.
5741. الثاني: لو ولدت بعد الكتابة من زنا أو من مملوك أو من حر مع شرط
الرقية، لم تسر الكتابة إلى الولد، بل يكون موقوفا يعتق بعتقها ويسترق برقها.
241

5742. الثالث: ولد الحرين حر، ولو كان أحد أبويه رقا، فإن شرطت رقيته
تبعه، وإلا كان حرا، سواء كان الرقيق الأب أو الأم، وولد الأمة من سيدها حر ومن
زنا رق، وكذا من العبد، وولد المدبرة مدبر، وولد المكاتبة موقوف على ما تقدم.
5743. الرابع: لو قتل هذا الولد احتمل صيرورة القيمة للسيد، لأن أمه لو قتلت
كانت قيمتها لسيدها، وللأم لأنه لا يملك التصرف فيه مع كونه قنا، فلا يستحق
قيمته، وقواه الشيخ (1) ولو جني عليه أو كسب، فالأقوى أنه موقوف يملكه إن
عتق وإلا فلسيده، فإن أشرفت أمه على العجز، كان لها الاستعانة به.
ولو مات الولد قبل عتق الأم فكسبه كقيمته لو قتل.
ونفقته من كسبه، فإن قصرت فالأقوى على السيد، لأنه يسترقه مع العجز،
ويحتمل أخذ الناقص من بيت المال.
ولو أعتقه مولاه، فإن قلنا كسبه للسيد، أو أنه موقوف، وليس للأم
الاستعانة به عند العجز صح، وإن قلنا للأم أو بالوقف مع جواز الاستعانة لم ينفذ،
والأقوى عندي نفوذه على التقديرين.
5744. الخامس: ولد بنت المكاتبة كأمه، وقد مضى، وولد ابنها إن كان من حرة
فهو حر، وإن كان من أمة فهو موقوف، وليس للسيد وطؤها لو كانت أنثى، كما
أنه ليس له وطء الحرة، فإن وطأ فالمهر موقوف.
ولو أحبلها لحقه النسب، وكانت أم ولد، وليس عليه قيمة الولد.

1. المبسوط: 6 / 108.
242

ولو اكتسب ولد بنت المكاتبة أو ابنها أنفق عليه منه، ووقف الباقي، ولم
يكن للسيد أخذه.
5745. السادس: لو ولدت المكاتبة من مولاها، فقد تقدم حكم ولدها، فإن
ولدت بعد ذلك من زوج حر، فهو حر إلا أن يشترط المولى تبعيته، فيكون كأمه،
وكذا لو كان من زنا فإن عتقت أمه بالأداء عتق، وإن عجزت استرق.
ولو مات السيد قبل الأداء والعجز، جعلت في نصيب ولدها، وعتقت
وعتق ولدها بالتبعية لها.
5746. السابع: لو ادعى المولى تقدم الولادة على الكتابة، وادعت المكاتبة
تأخرها ليتبعها الولد، قدم قول المولى مع اليمين.
ولو ادعى ملكية ولد المكاتب، وادعى المكاتب ملكيته، فالقول قول
المكاتب مع اليمين، لثبوت يده دون المولى، وصورته: أن يتزوج المكاتب بأمة
مولاه، ثم يشتريها، فالولد حال الزوجية للمولى، وبعد الشراء للمكاتب، لأنه
ابن أمته.
وفارق الأولى، لأن اليد تدل على الملكية لا الوقف (1).
5747. الثامن: إذا كاتباها ثم وطئها أحدهما فأتت بولد بعد الاستبراء من وطئه،
لم يلحق بالسيد، وهو ولد مكاتبه من زوج أو زنا، وقد تقدم، وإن أتت

1. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 112 في مقام الفرق بين المسألتين: «فالقول قول المكاتب هاهنا
لأنهما اختلفا في الملك، ويد المكاتب عليه، كما لو تنازعا بهيمة ويد أحدهما عليها، ويفارق
ولد المكاتبة وان كانت يدها عليه، لأنها لا تدعي ملكا وإنما تدعي انه موقوف معها [سينعتق
مع أمه] واليد تدل على الملك ولا تدل على الوقف.
243

قبله لحق به، وهو حر، ونصيبه من الأم أم ولد، ولا يقوم على الواطئ نصيب
الشريك وهي بأجمعها مكاتبة، تعتق بالأداء، فإن عجزت رقت ونصفها أم ولد،
ويعتق النصف من نصيب الولد، ولا يقوم الباقي عليه ولا على الوارث.
ولو كان [الواطئ] موسرا قوم عليه لمساواة الإحبال العتق، وحينئذ يحتمل
التقويم في الحال فتبطل الكتابة فيه، وصار جميعها أم ولد ونصفها مكاتبا
للواطئ، ويعتق بالأداء ويسري.
فإن (1) فسخ المولى للعجز كانت أم ولد تعتق بموته من نصيب ولدها،
والتقويم عند العجز فإن أدت عتقت، وإن عجزت قوم على الواطئ نصيب
الشريك، وصارت كلها أم ولد، والولد حر لاحق بالواطئ، ولا قيمة عليه إن
وضعته بعد التقويم، وعليه النصف إن وضعت قبله.
ولو وطياها معا فلا حد ويعزران مع العلم لا بدونه، وعلى كل واحد منهما
مهر كامل يطالب به مع عدم الحلول، ومعه تقاصا، وإن كانت قد أدت عتقت
وطالبتهما، وإن فسخا الكتابة للعجز بعد قبض المهرين لم يطالب أحدهما
الآخر، فإن كانا في يدها اقتسماهما، وإلا تلف منهما، وإن فسخا قبل القبض
سقط عن كل منهما نصف ما عليه وقاص في الآخر، وإن تفاوتا في مهر المثل
بأن وطئها أحدهما بكرا أو حسنة أو صحيحة والآخر بالضد تقاصا في
المتساوي، ورجع صاحب الفضل على شريكه بنصيبه.
ولو أفضاها أحدهما رجع شريكه بنصف قيمتها عليه، ولو تداعياه تحالفا

1. في «ب»: وإن.
244

وسقط حكمه، وإن نكل أحدهما لزمه نصف القيمة، وكذا لو اختلفا في
أصل الوطء.
5748. التاسع: لو أتت بولد منتفى عنهما، بأن تأتي به لأكثر من عشرة أشهر
من وطء الأول ولدون ستة من وطء الثاني فهو موقوف معها.
وإن أمكن لأحدهما خاصة، فهو له، ويكون حكمه في وجوب المهر
وقيمة النصف من الأم والولد على ما تقدم فيما إذا أحبلها أحدهما.
وأما الذي لم تحبل من وطئه، فإن كان هو الواطئ الثاني، فإن كان وطؤه
بعد صيرورة جميعها أم ولد للأول، فعليه جميع المهر للأول إن كان قد فسخ
الكتابة، وإلا بينه وبينها، وإن كان قبل الصيرورة، فعليه نصف المهر للأول إن كان
فسخ الكتابة في نصيبه، وإلا فلها.
وإن كان هو الأول، وجب عليه المهر كملا، ونصف المهر لها مع بقاء
الكتابة، وللمتولد مع الفسخ.
ولو كان المستولد معسرا، فنصيبه أم ولد، ولا يسرى إلى نصيب شريكه،
والكتابة بحالها (1) في جميعها، وعلى كل منهما مهر كامل لها، فإن أدت مال
الكتابة عتقت وبطل حكم الاستيلاد، وإن عجزت وفسخا، فنصفها أم ولد،
والكسب والمهر بينهما، ويتقاصان مع التساوي، ويرد الفاضل من هو عليه.
ثم كل موضع أتت بولد بعد أن صارت أم ولد للأول، لم تجب على الأول
قيمته عنه، وكل موضع أتت به قبل التقويم، فعليه نصف قيمته للثاني.

1. في «ب»: بكمالها.
245

وأما الولد مع إعسار الأب فنصفه حر ونصفه رق، ويحتمل انعقاد
جميعه حرا.
وإن كان الذي لم تحبل من وطئه هو الأول، فعلى الثاني ما قلنا أنه على
الأول إلا وجوب جميع المهر للأول، فإنه ممتنع هنا إذ لا يمكن أن يكون وطؤه
صادف كونها أم ولد للثاني.
وإن أمكن التحاقه بهما أقرع بينهما.
5749. العاشر: لو ولدت من كل منهما ولدا اعترف به واتفقا عليه، فقسمان:
الأول أن يتفقا على السابق منهما، فإن أدت عتقت بالأداء، وإن عجزت
وفسخت الكتابة وكانا موسرين، (1) فعلى السابق نصف المهر لشريكه، ونصفها
أم ولد له، ويسري الإحبال بنفسه أوبه وبأداء القيمة، فيجب عليه
نصف قيمتها.
وأما الولد فإن وضعته بعد صيرورة جميعها أم ولد، فلا شئ عليه عنه،
وإن وضعته قبل ذلك، بأن يجعل لدفع القيمة مدخلا في صيرورتها أم ولد ولم
تدفع إلا بعد الوضع، وجب عليه نصف قيمته لشريكه.
وأما الثاني (2) فإن كان وطؤه بعد صيرورتها أم ولد، فقد وطئ أمة غيره

1. للمسألة صور أربع أشار إلى الأول بقوله: «وكانا موسرين» وإلى الثاني بقوله: «وإن كان الأول
موسرا..» وإلى الثالث بقوله: «ولو كانا معسرين..» وإلى الرابع بقوله: «ولو كان الأول معسرا..».
2. المراد ثاني الشخصين اللذين اتفقا على السابق منهما أي المتأخر في الوطء.
246

بشبهة وأولدها حرا، فعليه العقر (1) وقيمة الولد، وإن وطئها قبله، فعليه نصف
مهرها ونصف قيمة الولد، ولا تصير أم ولد.
وإن كان الأول موسرا، فالحكم فيه ما مضى.
وأما الثاني [المعسر] فالوجه أن ولده حر أيضا، وعليه قيمته، تؤخذ منه
مع يساره.
ولو كانا معسرين، فهي أم ولد لهما معا، نصفها أم ولد للأول، ونصفها
للثاني، فإن كانت الكتابة باقية، فلها على كل واحد منهما مهر كامل، وولد كل
واحد منهما حر، وعلى أبيه نصف قيمته لشريكه.
ولو كان الأول معسرا [والثاني موسرا]، فحكمه كما لو كانا معسرين.
الثاني (2): أن يختلفا فيدعي كل السبق له، فلها المهر على كل واحد منهما،
وكل واحد يقر بنصف قيمة الجارية لصاحبه، ويدعي قيمة ولده عليه، فإن
استوى ما يدعيه وما يقر به، تقاصا وتساقطا، وإن زاد ما يقر به، فلا شئ عليه،
لتكذيب خصمه إياه في إقراره، وإن زاد ما يدعيه، فله اليمين على صاحبه في
الزيادة، وتحتمل القرعة، فتكون أم ولد لمن تخرجه القرعة.

1. في مجمع البحرين: العقر بالضم: دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها ثم كثر ذلك حتى
استعمل في المهر.
2. هذا هو الشق الثاني لقوله «فقسمان».
247

الفصل الرابع: في جناية المكاتب والجناية عليه
وفيه ثمانية عشر بحثا:
5750. الأول: إذا جنى المكاتب على سيده عمدا في طرف، اقتص السيد أو
عفا على مال يثبت في رقبة العبد مع التراضي، والكتابة بحالها على التقديرين.
وإن كانت خطأ ثبت المال، وإن كانت في نفس عمدا اقتص الوارث أو عفا
على مال، وإن كانت خطأ فالمال، إذا تقرر هذا فله أن يفدي نفسه في الخطأ
بالأرش مهما كان، وكذا في العمد، لأنه من مصلحته.
ويثبت المال في ذمته، لأن السيد معه كالأجنبي، يصح له معاملته، فإن
وفى ما بيده بالأرش ومال الكتابة، أداهما، وإن قصر كان للمولى مطالبته بالأرش
وتعجيزه، فإن عجزه وفسخ الكتابة، سقط عنه المالان.
5751. الثاني: لو كانت الجناية على أجنبي فله القصاص والعفو على مال إن
كانت عمدا، وإلا وجب المال، وتعلق برقبته، فإن فدا نفسه، لم يكن
للمولى منعه.
قال الشيخ: والفداء هنا بأقل الأمرين من قيمته والأرش، ولو كان الأرش
أكثر، افتقر إلى إذن المولى، لأنه ابتياع لنفسه بأكثر من القيمة، وهو لا
يملك التبرع. (1)

1. المبسوط: 6 / 137.
248

والوجه عندي جواز دفع الأكثر، وإذا دفع الأرش أو الأقل برئت ذمته،
وبقي مال الكتابة، فإن عجز استرقه السيد إن شاء.
وإن عجز عن عوض الجناية، كان للأجنبي بيعه فيها إلا أن يختار السيد
افتكاكه وبقاء الكتابة، فله ذلك.
ولو جنى على النفس بما يوجب القصاص، فاقتص منه، كان كما لو مات.
5752. الثالث: لو جنى عبد المكاتب اقتص منه في العمد، وبيع في الخطاء،
وللمكاتب افتكاكه بالأرش إن ساوى القيمة أو قصر، ولو زاد لم يكن له ذلك إلا
بإذن المولى.
5753. الرابع: لو كان عليه حق غير مال الكتابة، كأرش الجناية، أو ثمن المبيع،
أو عوض القرض، فإن كان الجميع حالا وفي يده مال ولم يحجر عليه، تخير في
تعجيل قضاء ما شاء، وإن كان البعض مؤجلا، وأراد تعجيله، صح بإذن السيد لا
بدونه، لأن الثمن يزيد بالتعجيل، فإن دفع مال الكتابة أولا، عتق، وكان الباقي في
ذمته.
ولو حجر الحاكم عليه، لقصور ماله وسؤال الغرماء، فالنظر في ماله إلى
الحاكم، فيبدأ بدفع عوض القرض وثمن المبيع، فإن وسع لهما، وإلا بسط
عليهما، وإن فضل شئ، دفع في الأرش، وللسيد تعجيزه حينئذ.
وإن قصر عن الأرش، كان للسيد فسخ الكتابة وبيعه في الجناية، فإن فضل
شئ فللسيد.
ولو امتنع السيد من الفسخ، كان للحاكم بيعه في الجناية إلا أن
يفديه السيد.
249

ولو مات المكاتب انفسخت الكتابة، ويسقط حق السيد من المال وحق
المجني عليه من الأرش، ويبقى ما في يده للقرض وثمن المبيع، فإن فضل شئ
كان للسيد بالملك لا الكتابة.
ولو لم يكن في يده مال، فإن اختار أرباب الحقوق الصبر جاز، ولا
يلزمهم الوفاء به، سواء ثبت بعقد المعاوضة أو بغيرها، كالقرض وسائر الديون،
بل لهم الرجوع في ذلك متى شاءوا، وإن اختاروا المطالبة لم يكن لصاحب
القرض وثمن المبيع حق في رقبته، فليس له تعجيزه، وللسيد والمجني عليه
التعجيز، فإن عجزاه بطلت الكتابة، وقدم حق المجني عليه، وإن امتنع السيد من
تعجيزه، رفع المجني عليه أمره إلى الحاكم ليفسخ الكتابة ويبيعه إلا أن
يفديه السيد.
5754. الخامس: لو جنى [المكاتب] على جماعة عمدا اقتص لهم، وخطأ
يثبت لهم الأرش، فإن قام ما في يده بالأرش افتك (1) رقبته به، فإن فضل شئ
صرفه في الكتابة، وإلا عجزه السيد واسترقه، وإن لم يكن بيده مال، بيع في
الجنايات، وقسط ثمنه على الجميع، سواء تعاقبت الجناية عليهم أو اتفقت
زمانا، وسواء كان بعضها قبل التعجيز والباقي بعده أو الجميع قبله.
ولو أبرأه بعضهم وفر (2) ثمنه على الباقين (3) ولو اختار السيد الفداء
بالأرش، أجيب إليه، وقيل: بأقل الأمرين من قيمته والأرش، هذا إذا لم يستوعب

1. في «ب»: افتيك.
2. في «أ»: قسط.
3. في المبسوط: 6 / 140: وإن أبرأه بعضهم عما وجب من الأرش، رجع حقه إلى الباقين،
ويقسط عليهم، ويتوفر ذلك في حقوقهم، لأن المزاحمة قد سقطت.
250

كل واحدة من الجنايات، ولو كانت الجناية توجب القصاص في النفس، فإن
جنى دفعة واحدة، فالحكم كما تقدم، وإلا كان للأخير.
5755. السادس: لو قطع يد سيده عمدا اقتص في الحال، ولو عفا على مال، أو
كانت الجناية خطأ، قيل: له المطالبة في الحال، فإن وسع ما بيده للأرش ومال
الكتابة الحال أداهما وعتق، وإن قصر عجزه السيد إن شاء، فيسقط الأرش ومال
الكتابة، وقيل: بعد الاندمال، فإن اندمل قبل أداء الكتابة، فالحكم ما تقدم، وإن
اندمل بعده، انعتق ولزم نصف الدية.
5756. السابع: لو أعتقه السيد قبل الاندمال، ولامال في يده، سقط الأرش،
لانتفاء المال، والرقبة قد أتلفها بعتقه، ولو كان في يده مال، احتمل أخذ الأرش
منه، لأن له الاستيفاء قبل العتق، فكذا بعده، لأن العتق ليس إبراء عن المال.
وعدمه (1) لأن الأصل في محل الأرش الرقبة، والمال تابع، وقد تلف بالعتق.
5757. الثامن: تجوز كتابة العبيد في عقد واحد، فيكون كل واحد مكاتبا على
ما يخصه من العوض، ولا يتحمل أحدهم عن غيره، فإذا جنى بعضهم، لزمه
حكم جنايته، ولا يلزم غيره شئ منها.
5758. التاسع: يجوز أن يملك المكاتب أباه وابنه، بأن يوهب أحدهما فيقبل،
أو يطأ جاريته، إلا أنه لا يتصرف فيهما.
فإن جنى أحدهما، لم يكن له أن يفديه بغير إذن مولاه، ثم إن كان للجاني
كسب دفع منه، وإلا بيع في الجناية ان استوعبت قيمته أو بقدرها إن لم

1. عطف على قوله: «أخذ الأرش منه» أي احتمل عدم أخذ الأرش منه.
251

تستوعب، فإن لم يحصل راغب بيع الجميع، ودفع الفاضل عن الأرش إلى
المكاتب، وكذا المكاتبة إذا أتت بولد وقلنا إنه يكون موقوفا معها لا قنا لمولاها.
5759. العاشر: لو كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض جناية خطأ أو
شبه عمد، سقط حكمها، وإن كانت عمدا فله القصاص، دفعا للإقدام، وله العفو،
فإن عفا على مال لم يثبت، إذ لا يتحقق للمولى على عبده مال.
ولو كان العبد القاتل أباه، لم يكن له القصاص، إذ لا يقتل [الأب] به، فلا
يقتل بعبده. ولو كان [القاتل] ابنه، كان له قتله.
ولو كان المقتول من العبدين ابن القاتل لم يقتص، ولو كان أباه اقتص.
5760. الحادي عشر: إذا جنى المكاتب خطأ أو عمدا وعفي عنه على مال،
تعلق برقبته، كالقن، فإن بادر مولاه بعتقه نفذ، ولزمه أرش الجناية، لمنعه بالعتق
من البيع، وإن بادر العبد بأداء مال الكتابة، عتق وضمن الأرش.
5761. الثاني عشر: إذا جنى المكاتب جنايتين وأكثر ثم أدى مال الكتابة وعتق،
فعلى القول بضمان أرش الجناية مع العتق يضمن هنا أرش سائر الجنايات،
لإتلافه الرقبة بالعتق، وعلى القول بضمان الأقل من قيمته وأرش الجناية قال
الشيخ: فيه هنا قولان: أحدهما أنه يضمن أقل الأمرين من قيمته وجناية كل
واحد، لأن كل جناية اقتضت ذلك، وقد منع منه بأدائه وعتقه، فضمنه. والثاني أنه
يضمن أقل الأمرين من قيمته وأرش (1) سائر الجنايات (2).
والظاهر أن القولين للجمهور، ثم اختار الشيخ الثاني لتعلق الجنايات

1. في «ب»: أو أرش.
2. المبسوط: 6 / 143.
252

أجمع برقبته، فإذا أتلفها بالعتق لم يضمن إلا الرقبة وكذا إن أعتقه سيده.
ولو عجزه السيد ورده في الرق، صار قنا، فللسيد تسليمه ليباع في
الجنايات، وفداؤه، فقيل: بالأقل من قيمته أو أرش الجنايات، واختاره الشيخ (1)
وقيل بأرش الجنايات بالغة ما بلغت.
ولو بقي على الكتابة من غير تعجيز، واختار أن يفدي نفسه، فداها بأقل
الأمرين من أرش كل جناية (بالغة ما بلغت) (2) أو القيمة وقيل: بالأقل من أرش
جميع الجنايات أو القيمة، واختاره الشيخ (2).
5762. الثالث عشر: لو جنى عبد المكاتب عليه خطأ أو عمدا وعفي على مال
سقط حكم الجناية، لأن المولى لا يثبت له على عبده مال، ولو كان العبد الجاني
على المكاتب أباه أو ابنه قال الشيخ: الأصح أنه لا يملك بيعه، لأنه لا يثبت
للمولى على عبده مال، والأب هنا عبد (3).
ولو ملك المكاتب أباه ثم جنى عليه عمدا، كان للأب القصاص، لأن حكم
الأب معه حكم الأحرار، وليس له بيعه والتصرف فيه، والابن ثبت له حكم
الحرية بعقد الكتابة، فهما متساويان، وليس للمملوك الاقتصاص من مالكه في
غير هذا الموضع.
5763. الرابع عشر: لو فعل عبد المكاتب ما يوجب تعزيرا، كان

1. المبسوط: 6 / 143.
2. ما بين القوسين يوجد في «أ».
3. المبسوط: 6 / 143.
4. المبسوط: 6 / 144.
253

للمكاتب تعزيره، وكذا لو فعل ما يوجب حدا حده على ما رواه علماؤنا. (1)
5764. الخامس عشر: إذا قتل المكاتب انفسخت الكتابة إن كانت مشروطة أو
مطلقة مع عدم الأداء، وكان (2) للسيد قيمته على القاتل وتركته، ولو كان القاتل
السيد، كان ما تركه (3) له.
ولو جني عليه بما دون النفس، فالأرش له، فإن كان الجاني السيد، واتفق
على مال الكتابة جنسا، تقاصا بما حل، وأخذ المكاتب الباقي، وإلا أخذ الجميع.
ولو أخذ الأرش قبل الاندمال ثم سرت إلى النفس قبل العتق بالأداء،
انفسخت الكتابة وللسيد مطالبة الجاني بباقي القيمة، وإن سرت بعد العتق به،
فعلى الجاني تمام الدية لورثة المكاتب.
ولو كان السيد هو الجاني أخذ منه باقي الدية لورثته، فإن لم يكن له
وارث فللإمام.
5765. السادس عشر: إذا جني على المكاتب المشروط عبد أو مكاتب مثله لم
يملك السيد منعه عن القصاص، سواء كان العبد للمولى أو لأجنبي، وقوى
الشيخ منع المكاتب عن القصاص في حق عبد مولاه إلا بإذنه (4) وله أن

1. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 144 إذا كان للمكاتب عبيد ففعل بعضهم شيئا يستحق به التعزير
فله أن يعزره، لأنه مملوك له، فإن فعل شيئا يجب فيه الحد روى أصحابنا أن له إقامة الحد
عليه، وقال المخالف: ليس، لأن طريقه الولاية، وليس هو من أهل الولايات.
2. في «أ»: وإن كان.
3. في «أ»: كان ما يتركه.
4. المبسوط: 6 / 147.
254

يعفو عن المال وعلى غير مال ومطلقا فيسقط المال، ولا اعتراض للمولى.
أما لو كانت الجناية خطأ وعفا عن المال، كان للمولى منعه، وكذا البحث
فيما لو عفا على بعض الأرش أو صالح بعضه.
5766. السابع عشر: إذا قتل المكاتب، فهو كما لو مات، فإن كان القاتل المولى
لم يثبت عليه شئ، وإن كان أجنبيا تثبت القيمة لا غير إن كان حرا، وإلا كان
للمولى القصاص.
وإن جني على طرفه، فان كان المولى فلا قصاص، وكذا إن كان أجنبيا
حرا، والأرش للمكاتب، وإن كان مملوكا فله القصاص.
5767. الثامن عشر: المطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه، فإن
جنى بعد تحرر بعضه على حر أو مكاتب مساو له، أو كانت حرية الجاني أقل
اقتص منه، وإن جنى على مملوك أو على مكاتب أقل حرية منه، لم يقتص منه،
بل يلزم من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية، وتعلق برقبته بقدر رقيته.
ولو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية وبرقبته بقدر الرقية،
وللمولى أن يفدي قدر الرقية بنصيبها من أرش الجناية، سواء كانت الجناية على
عبد أو حر.
ولو جنى على هذا المكاتب حر أو من حريته أزيد، فلا قصاص عليه، بل
الأرش، وإن كان رقا اقتص منه.
255

الفصل الخامس: في الوصية له وبه
وفيه ثمانية مباحث:
5768. الأول: لا تجوز الوصية برقبة المكاتب (1) وان كان مشروطا، فإن عجز
ورق قبل موت الموصي لم تصح الوصية، لوقوعها فاسدة.
ولو أوصى له برقبته (2) مع العجز وفسخ الكتابة صح، وكذا تصح الوصية
بمال الكتابة.
ولو قال: إن عجز ورق فهو لك بعد موتي، صحت الوصية إذا عجز في
حياة الموصي، وإن عجز بعد موته لم يستحقه.
ولو قال: إن عجز بعد موتي فهو لك، كان تعليقا للوصية على صفة توجد
بعد الموت.
ولو أوصى له بما يعجله المكاتب صح، فإن عجل شيئا فهو للموصى له،
وإن لم يعجل حتى حلت نجومه، بطلت وصيته.
5769. الثاني: إذا أوصى برقبته مع العجز والاسترقاق وبمال الكتابة
لواحد صح، وكذا لاثنين، فإن أدى إلى صاحب المال أو أبراه منه عتق وبطلت
وصية الرقبة، وإن عجز، فالوجه انه ليس للموصى له بالرقبة استرقاقه، نعم إن

1. في «ب»: برقية المكاتب.
2. في «أ»: برقبة.
256

عجزه الوارث واسترقه، انتقل إلى الموصى له بالرقبة، وبطلت الوصية بالمال.
ولو كان الموصى له بالمال قد قبض منه شيئا كان له.
ولو أوصى له بالرقبة إن عجز فعجز، فالوجه أن للموصى له استرقاقه.
وإن اختلف هو والموصى له بالمال في فسخ الكتابة عند العجز، قدم قول
صاحب الرقبة، وكذا إن اختلف صاحب الرقبة والوارث.
5770. الثالث: إذا أوصى بمال الكتابة، صحت الوصية من الثلث، فإذا أداه عتق،
وإن عجز كان للوارث الفسخ، فتبطل الوصية معه، فلو طلب الموصى له الصبر
قدم قول الوارث.
5771. الرابع: إذا كانت الكتابة فاسدة، فأوصى بما في ذمته، بطلت الوصية.
ولو أوصى له برقبته أو بما يقبضه منه، صحت.
5772. الخامس: تصح الوصية للمكاتب مطلقا من مولاه، فإذا قال: ضعوا عنه
أكثر ما عليه، وضع النصف وزيادة، والتعيين في قدر الزيادة إلى مشيئة الوارث.
ولو قال: ضعوا أكثر ما عليه ونصفه، وضع أكثر من ثلاثة أرباعه، والزيادة
إلى مشيئة الوارث.
ولو قال: ضعوا أكثر ما عليه ومثله، وضع الكل، وبطلت الزيادة،
لانتفاء محلها.
5773. السادس: إذا قال: ضعوا عنه ما شاء من كتابته، فشاء الجميع لم يصح،
وإن شاء الأكثر صح.
257

ولو قال: ضعوا عنه ما شاء ولم يقيد بقوله «من كتابته» أو «من مال الكتابة»
قوى الشيخ أنه كالأول عملا بالعرف (1) ويحتمل أنه إن شاء هنا الجميع وضع
عنه، لتناول اللفظ له، بخلاف الأول، لأن «من» للتبعيض هناك.
ولو قال: ضعوا عنه بعض كتابته أو بعض ما عليه، وضع ما شاء الوارث
وإن قل من أول نجومه أو من آخرها، وكذا لو قال: ضعوا عنه ما شئتم، أو ما
يخف، أو ما يثقل، أو ما يكثر، أو ما يعظم، إلى غير ذلك.
5774. السابع: لو قال: ضعوا عنه نجما من نجومه، يتخير الوارث في وضع
أي نجم شاء، سواء كانت نجومه متفقة أو مختلفة.
ولو قال: ضعوا عنه أي نجم شاء، كان ذلك إلى مشيئته، فيلزمهم وضع
ما يختاره.
ولو قال: ضعوا عنه أكبر (2) نجومه، وضعوا عنه أكثرها مالا.
وإن قال: ضعوا عنه أكثر نجومه، لزمهم وضع أكثر من نصفها، ويحتمل أن
ينصرف ذلك إلى واحد منها أكثر مالا. كما قلنا في «أكبر نجومه».
ولو تساوت النجوم تعين الأول.
ولو قال: ضعوا عنه أوسط نجومه، ولم يكن فيها إلا وسط واحد، تعين،
بأن تكون متساوية القدر والأجل، وعددها مفرد، كالثلاثة، فالأوسط الثاني،
والخمسة، الأوسط الثالث، وأوسط السبعة الرابع، وهكذا.

1. المبسوط: 6 / 161.
2. في «ب»: «أكثر» والظاهر أنه مصحف.
258

وإن كان عددها مزدوجا وهي مختلفة المقدار، فبعضها مائة، وبعضها
مائتان، وبعضها ثلاثمائة، فالأوسط المائتان، فتعين، وإن كانت متساوية المقدار
مختلفة الأجل، بأن يكون اثنان منها إلى شهر، وواحد إلى شهرين، وواحد إلى
ثلاثة، تعينت الوصية فيما هو إلى شهرين، وإن اتفقت هذه المعاني في واحدة،
تعينت الوصية فيه.
وإن كان لها أوسط في القدر، وأوسط في الأجل، وأوسط في العدد،
يخالف بعضها بعضا، اختار الوارث وضع ما شاء والقول قوله مع يمينه في عدم
علمه بما أراد الموصي، ثم يعين ما شاء، وقوى الشيخ هنا القرعة (1) وكذا يعين
الوارث لو كان فيها أوسطان.
والواحد أوسط كل عدد وتر، والاثنان أوسط كل شفع، كالستة أوسطه
اثنان. وهما الثالث والرابع، وأوسط الثمانية الرابع والخامس، لأن الأوسط أن
يكون ما بعده مثل السابق، وكذا لو أوصى للغير بأوسط نجومه.
5775. الثامن: إذا أعتق مكاتبه في مرض الوفاة، أو أبرأه من مال الكتابة، خرج
من الثلث على الأقوى، فإن كان الثلث بقدر الأول من قيمته ومال الكتابة، عتق،
وإن قصر الثلث عنه عتق ما يحتمله الثلث، بطلت في الزائد، واستسعى في باقي
الكتابة، فإن عجز استرق الورثة بقدر الباقي.
ولو برئ المريض بعد العتق أو الإبراء، لزم العتق والإبراء.
ولو أوصى بعتق المكاتب، فمات ولامال سواه، ولم يحل مال الكتابة،

1. المبسوط: 6 / 162.
259

عتق ثلثه معجلا، ولا ينتظر حلول الكتابة، لأنه إن أدى حصل للورثة المال، وإن
عجز استرقوا ثلثيه، ويبقى ثلثاه مكاتبا يتحرر عند أداء ما عليه.
والمريض إذا كاتب عبده وبرئ لزمت، وإن مات في مرضه اعتبر من
الثلث، لأنه بمنزلة الهبة، إذ هو معاملة بماله على ماله، فإن خرجت قيمته من
الثلث، نفذت الكتابة فيه أجمع، ويعتق عند أداء المال، وإن لم يكن سواه،
صحت في ثلثه، فإن أدى حصته من مال الكتابة، عتق وبطلت الكتابة في الزائد،
ولا يحتسب من الثلث مال الكتابة (1).
الفصل السادس: في أحكام المكاتب المطلق
قد بينا أن الكتابة مطلقة ومشروطة، فالمطلقة أن يكاتبه على نجوم
مخصوصة، ولا يذكر فيه الرد في الرق عند العجز، فإن أدى شيئا من كتابته، عتق
بحسابه، ولا سبيل إلى رده في الرق، فإن عجز فيما بعد كان على الإمام أن يؤدي
ما بقى عليه من سهم الرقاب، وإن لم يكن أو كان ما هو أهم كان لسيده منه بقدر
ما بقي، وله من نفسه بقدر ما تحرر منه، فإن هاياه مولاه صح، وكان له كسب
يومه (2)، وكسب يوم سيده لسيده.
فإن مات هذا المكاتب، وترك مالا وأولادا، ورث منه مولاه بقدر ما بقي
من العبودية، وكان الباقي لولده الأحرار.

1. في «أ»: من مال الكتابة.
2. في «أ»: وكان له كسبه يومه.
260

ولو كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من أمة له، كان حكم ولده حكمه
يسترق منه مولى الأب بقدر ما بقي على أبيه، فإن أدى الابن ما كان بقي على
الأب صار حرا، لا سبيل لمولاه عليه، وإن لم يكن له مال استسعاه مولى الأب
فيما بقي، فإن أداه صار حرا.
وهذا المطلق يرث ويورث بحساب ما يعتق منه، ويمنع الميراث بقدر ما
بقي من الرق، وكذا إن أوصي له صح له منها بقدر ما عتق منه.
وإن فعل ما يوجب حدا أقيم عليه بقدر ما تحرر حد الحرية، والباقي حد
الرقية، ولا يقتص منه للعبد.
وعليه من الأرش بقدر ما تحرر، ويتعلق برقبته نصيب الرقية، فيفديه
مولاه إن شاء، ولا يقتص له من الحر.
وله من الأرش بمقدار ما تحرر منه بالنسبة إلى دية الحر، وبمقدار ما بقي
من الرق بالنسبة إلى قيمة العبد.
وكلما يتعلق بذمته يطالب بكسبه.
وما يجب عن خطائه فعلى الإمام، لأنه عاقلته إلا أن يكون مولاه شرط
ولاءه له.
وتنفذ وصية هذا المطلق بمقدار ما تحرر منه في ثلثه، والباقي للورثة،
ومردودة في نصيب الرقية، ويؤخذ من كسبه بمقدار ما تحرر منه ما استدانه،
ونصيب الرقية يؤخذ من مولاه إن استدانه بإذنه، وإن استدانه بغير إذن مولاه،
تعلق جميعه بكسبه، يقضى منه دين الغرماء، والباقي بينه وبين السيد.
261

وإن وطئ السيد المطلقة حد بمقدار ما تحرر منها، ودرئ عنه (1) بمقدار
الرق، ويجب عليها مثل ذلك إذا لم يستكرهها.
وليس لها أن تتزوج إلا بإذن سيدها، فإن فعلت بطل النكاح، فإن أذن وقد
أدت بعض مكاتبتها، ورزقت أولادا، كان حكم ولدها حكمها، ويسترق منهم
بحساب ما بقي من ثمنها، ويعتق بحساب ما انعتق، إذا كان تزويجها بمملوك
أو بحر شرط عليه رقية الولد، وإن كان بحر من غير شرط، فالولد أحرار.
والحكم في المهر على ما تقدم.
وليس للمطلق أن يتصرف في نفسه بالتزويج، ولا بهبة المال، ولا بالعتق،
بل يتصرف بالبيع والشراء خاصة.
الفصل السابع: في اللواحق
وفيه واحد وأربعون بحثا:
5776. الأول: الكتابة الفاسدة لا يتعلق بها حكم عندنا، بل تقع لاغية، ولا ينعتق
المكاتب بأداء المال ولا بالإبراء، ولا يملك العبد الكسب (2) بل هو لمولاه.
5777. الثاني: إذا جن المولى بعد انعقاد الكتابة لم تبطل، كما لو مات، ويتولى
قبض المال وليه، فإن دفع العبد إليه حال جنونه، لم يعتد بذلك الدفع.
ولو جن العبد بعد العقد لم تبطل أيضا، لكن لو أدى المال حال جنونه إلى
مولاه عتق.

1. في «ب»: وأدرئ عنه.
2. في «أ»: ولا يملك العبد المكتسب.
262

5778. الثالث: لو ادعى العبد الكتابة فصدقه الوارثان، ثبتت الكتابة، وإن كذباه
افتقر إلى شاهدين ذكرين، ولا يكفيه شاهد ويمين، لأن القصد الحرية، فإن عدم
البينة حلفا على نفي العلم، فإن حلفا ثبتت رقيته، وإن نكلا حلف العبد، وثبتت
كتابته، وإن نكل كان رقيقا.
وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، حلف العبد في حصة الناكل، وتثبت
الكتابة في نصفه والرقية في الآخر.
وإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر، تثبت الكتابة في نصيب المصدق، وكان
الحكم مع المكذب على ما تقدم.
ولو كان المصدق عدلا، وشهد معه آخر، ثبتت الكتابة فيه أجمع.
وإن لم يكن معه شاهد آخر، فالحكم ما تقدم.
ثم كسبه قبل عقد الكتابة لسيده، ينتقل إلى الوارثين، وما تجدد بعد العتق،
يكون نصفه له والآخر للمكذب، وما بعد ذلك يفرد في كل يوم من كسبه بنفقته
والباقي بينهما.
فإن اتفقا على المهاياة فعلا، وإلا لم يجبر الممتنع عليها.
فإن قصر نصيبه عن مال الكتابة، كان للمصدق فسخ الكتابة، ويكون ما في
يده له خاصة، لأن المكذب أخذ حقه من الكسب.
ولو ادعى المكذب بعد أخذ نصيبه من الكسب، أن ما في يد العبد، كان
قبل الكتابة، أو قبل موت الأب، فالقول قول المصدق، فإن أدى وعتق لم يسر
إلى نصيب الشريك، ولا يقوم عليه.
263

ولو كان السيد شرط الولاء استحق المصدق جميعه، لسقوط حق المنكر
بتكذيبه، فإذا مات، أخذ المصدق نصيب الحرية بكماله.
5779. الرابع: لو صدقه الوارثان في ادعاء الكتابة، أو قامت البينة، عتق بالأداء،
وكان الولاء للأب إن شرطه، وليس له أن يؤدي إلى أحدهما.
ولو أبرياه من مال الكتابة، عتق وكان الولاء للأب مع الشرط.
ولو أعتقاه، قال الشيخ: كان الولاء للأب أيضا مع الشرط (1) وعندي
فيه نظر.
ولو أبرأه أحدهما برئ من نصفه وعتق نصيبه، ولا يتوقف عتقه على أداء
حصة شريكه، والأقرب أنه لا يقوم عليه حصة شريكه.
أما لو أعتق أحدهما حصته، فالأقرب التقويم عليه في الحال لا بعد
التعجيز، وحينئذ يكون ولاؤه له أجمع، وفي صورة الإبراء لو عجز ورق الباقي
ومات كان للمبرئ ولاء نصيب الحرية مع شرط الأب، ويحتمل اشتراكهما في
الولاء، وأما نصيب الرقية فللشريك.
5780. الخامس: المكاتب المشروط لا ينعتق منه شئ حتى يؤدي جميع
المال، وفطرته على مولاه.
وأما المطلق فإن كل جزء من المال يؤديه يعتق بإزائه منه، والفطرة
بالحصص، والكسب كذلك، ولو طلب أحدهما المهاياة، قيل يجبر الممتنع
عليها، وعندي فيه توقف.

1. المبسوط: 6 / 88.
264

5781. السادس: إذا مات المشروط بطلت الكتابة، سواء كان ما بقي عليه قليلا
أو كثيرا، وكان ما تركه من مال وولد رقيقا لمولاه.
والمطلق إذا أدى من مكاتبته شيئا، وخلف ولدا حرا في الأصل، كان له من
تركته بإزاء ما عتق منه، ولمولاه الباقي.
وهل يأخذ السيد ما يخلف من مال الكتابة أم لا؟ فيه إشكال.
وعلى تقدير الأخذ، هل يأخذ من نصيب الوارث أو من أصل المال؟ فيه
إشكال أيضا.
ولو كان الولد من جارية له رزق بعد عقد الكتابة، كان مكاتبا كأبيه، وينعتق
منه مثل ما انعتق من الأب، فيرث نصيب الحرية، وللمولى نصيب ما يخلف
عليه، ثم يأخذ المولى من الولد ما يخلف على أبيه، وينعتق الولد أجمع بالأداء.
وهل ما يأخذ المولى من نصيب الولد خاصة، أو من أصل المال، ويرث
الولد الباقي أجمع؟ الظاهر في المذهب الأول، وبالثاني روايات صحيحة. (1)
وأنا في ذلك من المتوقفين.
ولو مات قبل أن يؤدي شيئا، فالذي تعطيه عبارة علمائنا أن تركته للمولى
وإن كان له ولد حر.
ولو كان له ولد رزق بعد الكتابة من جاريته، فهل يكون للمولى أو يكون
مكاتبا ينعتق بأداء ما على أبيه؟ إشكال مع قوة الثاني.

1. الوسائل: 16 / 99 - 100، الباب 19 من كتاب المكاتبة.
265

وفي صورة وجوب الأداء على الوارث، لو لم يخلف المكاتب مالا، سعى
الأولاد فيما بقي على أبيهم، ومع الأداء ينعتق الأولاد.
ولو امتنعوا من السعي أجبر الأولاد عليه على إشكال.
وهذا المطلق إذا أوصي له بوصية صح له منها بقدر ما فيه من حريته،
وبطل نصيب الرقية.
ولو كان الموصي المالك صحت الوصية له أجمع.
ولو وجب عليه حد أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة ما انعتق منه وبنسبة
الرقية من حد العبيد.
ولو زنى المولى بمكاتبته، سقط عنه من الحد بقدر ماله فيها من الرق،
وحد بالباقي.
5782. السابع: لو جاء المكاتب بالنجم، فقال المولى: إنه حرام لا أقبضه،
افتقر إلى البينة، ويسمع منه الدعوى لإمكان قيام البينة به، فيؤخذ منه، فإن أقامها
طولب المكاتب بعوضه، وإن تعذرت حلف المكاتب، فإن امتنع حلف المولى،
وكان كالبينة، وإن نكل ألزم السيد بقبوله أو الإبراء.
فإن قبضه، فكان دعواه التحريم المطلق، لم يمنع من إمساكه، وإن كان
دعواه الغصب من فلان ألزم بدفعه إليه، وبرئ العبد منه.
ولو أبرأه من مال الكتابة، لم يلزمه قبضه، ولو امتنع من الإبراء والقبض،
كان للحاكم القبض عنه، ويعتق المكاتب.
5783. الثامن: ليس للمكاتب وطء جاريته بغير إذن مولاه، فإن بادر فلا حد،
266

ويلحق به الولد، ولا مهر عليه، والولد كالأب حكمه حكمه، لا يعتق عليه، وليس
له بيعه، ويكون موقوفا على كتابته، فإن عتق عتق الولد، وتصير الأمة أم ولد في
الحال، فإن عجز رق هو والجارية والولد.
5784. التاسع: لو كان في يد المكاتب مال، قوى الشيخ عدم وجوب الزكاة
فيه. (1) وهو قوي عندي أيضا إن كان مشروطا، (2) وإن كان مطلقا، وملك
بنصيب الحرية نصابا، وجبت عليه الزكاة.
5785. العاشر: أوجب الشيخ الإيتاء، (2) وهو: إعانة المكاتب بحط شئ من
مال الكتابة وإيتائه شيئا يستعين به على الأداء، للآية (3) وأطلق (4) وحمله بعض
علمائنا على الندب (5) وابن إدريس أوجب أن يعطى المطلق العاجز من مال
الزكاة إن كان على المولى زكاة، وإن لم يكن عليه زكاة كان على الإمام أن يفكه
من سهم الرقاب. (6) وهو عندي حسن.
ثم قال الشيخ: يجوز الإيتاء ما بين الكتابة والعتق، ويتعين إذا بقي عليه
القدر الذي يؤتيه، لا بعد العتق.
ولا يتقدر بقدر بل يجزي ما يقع عليه الاسم.
ثم السيد مخير بين أن يحط عنه بعض مال الكتابة، وبين أن يؤتيه من

1. المبسوط: 6 / 92.
2. في «ب»: مشروطا عليه.
3. المبسوط: 6 / 93.
4. إشارة إلى قوله سبحانه: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم). النور: 33.
5. لاحظ المبسوط: 6 / 93 - 94.
6. القاضي ابن البراج في المهذب: 2 / 377، وابن حمزة في الوسيلة: 345.
7. السرائر: 3 / 29.
267

جنس مال الكتابة أو من غير مال الكتابة الذي يقبضه منه، وفي هذين يلزم
العبد القبول.
وإن آتاه من غير جنسه، قال الشيخ: لا يجب على العبد القبول، قال: ولو
أدى العبد مال الكتابة وعتق قبل الإيتاء، يتعلق الإيتاء بتركة المولى.
ولو كان عليه (1) دين، وقصرت التركة، بسطت [التركة] على الدين
ومال الإيتاء بالحصص، ويقدم على الوصايا كالدين.
5786. الحادي عشر: لو اختلفا فقال المولى: كاتبتك على ألفين أو إلى سنة في
نجمين وقال المكاتب: بل على ألف أو إلى سنتين أو إلى سنة في ثلاثة نجوم،
فالوجه عندي تقديم قول المكاتب في الأول وقول المولى في الآخرين.
5787. الثاني عشر: الولاء عندنا لا يثبت إلا في العتق المتبرع به إذا لم يتبرأ
المولى منه، أما العتق الواجب أو الحاصل عن الكتابة، فلا ولاء فيه، إلا أن
يشترطه المولى، فإن شرط مولى المكاتب الولاء في عقد الكتابة، ثم تزوج
بمعتقة (2) كان الولد حرا تبعا لأمه، فإن تحرر المكاتب انجر الولاء إليه. (3)
فإن مات [المكاتب] فادعى سيده أداء مال الكتابة وعتقه ليثبت الولاء
على ولده، وأنكر مولى الأم ذلك، ولا بينة، قدم قول مولى الأم عملا بالأصل من
بقاء الولاء [والكتابة] وعدم الأداء.

1. أي المولى.
2. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 95: إذا تزوج مكاتب معتقة لقوم فأولدها ولدا فهو تبع لأمه
وعليه الولاء لمولى أمه، لأن عليها الولاء، فإن أدى المكاتب وعتق جر الولاء الذي على ولده
لمولى أمه إلى مولى نفسه، وإن عجز ورق استقر الولاء لمولى أمه.
3. أي انجر ولاء الولد إلى مولى أبيه.
268

5788. الثالث عشر: لو ادعى المكاتب دفع النجوم إلى المولى افتقر إلى البينة،
ويسمع شاهدان، أو شاهد وامرأتان، أو شاهد ويمين، وإن كانت الكتابة لا تثبت
إلا بشاهدين، فإن فقدت حلف المولى وطولب فإن دفع، وإلا عجزه مولاه.
5789. الرابع عشر: إذا اجتمع على المشروط ديون غير مال الكتابة، وحل مال
الكتابة، فان قصر عن الجميع، قدم الدين، ثم إن شاء المولى عجزه واسترقه.
والمطلق يقسط ما في يده على مال الكتابة وديون الأجانب بالحصص.
ولو مات المشروط انفسخت الكتابة وبرئت ذمته من مال الكتابة، وأخذ
الديان تركته، والفاضل للسيد بحق الملك، وإن قصر لم يجب على
السيد الإكمال.
5790. الخامس عشر: لو كان له موليان، فكاتباه على ألف، فادعى التسليم
إليهما، كان القول قولهما مع اليمين إذا لم تكن بينة، ولا يخرج عن الكتابة
بحلفهما، فإن عجز استرقاه.
فإن صدقه أحدهما عتق نصيبه، ولم تسمع شهادته على المكذب،
فيحلف المكذب مع عدم البينة.
ثم إن شاء طالب المكاتب بخمسمائة، وإن شاء طالب بنصفها، وطالب
المصدق بالباقي، لاعترافه بقبض خمسمائة من الكسب المشترك.
فإن رجع على العبد بخمسمائة، فلا بحث، وإن رجع على الشريك
بنصفها، لم يكن للشريك الرجوع به على المكاتب، لاعترافه بأنه ظلم ولا يرجع
بالظلم إلا على الظالم.
269

فإن عجز المكاتب عما لزمه أداؤه، استرق نصيبه، وكان ما في يده بينهما
نصفين، وكذا ما يكسبه.
فإن قلنا يقوم على الشريك إذا عتق نصيبه بالكتابة، احتمل (1) عدم
التقويم هنا، لأن التقويم حق للعبد (2) لتكميل أحكامه، وهو يزعم أنه بأجمعه
حر، وأنه لا يستحق التقويم على الآخر.
ولو ادعى المكاتب دفع الألف إلى أحدهما ليقبض حقه ويدفع الباقي إلى
شريكه، فاعترف بأنه قبض خمسمائة، وأن المكاتب دفع بنفسه إلى شريكه
خمسمائة، وأنكر الشريك، فالقول قوله في عدم قبض ما زاد على خمسمائة مع
اليمين وعدم البينة، فإذا حلف سقطت دعواه، وليس له إحلاف الآخر، لأنه لا
يدعي عليه شيئا، ويكون للآخر أن يأخذ من المكاتب نصف حقه، ومن
الشريك الباقي، ولا يرجع الشريك على العبد بشئ، لاعترافه بالظلم.
فإن عجز المكاتب وفسخ المكذب صار نصيب شريكه حرا، وقوم عليه،
لأن المكاتب لا يدعي حرية هذا النصيب.
ولو اعترف أنه قبض الألف منه، وادعى دفع نصيب المكذب إليه، فالقول
قول المكذب مع يمينه ثم إن شاء طالب المكاتب بجميع حقه، وإن شاء طالب
المصدق به أجمع، لاعترافه بقبض ألف من كسب العبد.
فإن رجع على المكاتب عتق، وللمكاتب الرجوع على المصدق، وإن
صدقه في الدفع إلى الشريك، للتفريط حيث دفع دفعا غير مبرئ، وإن رجع
على المصدق لم يرجع على المكاتب، لاعترافه بالظلم.

1. في «أ»: واحتمل.
2. في «أ»: حق العبد.
270

وليس للمكاتب إلزام المكذب بالقبض من المقر، لأن له قبض حقه ممن
عليه أصله.
وليس للمكذب إلزام المكاتب بالقبض من المقر، لأنه يجرى مجرى
الإجبار على الكسب.
ولو اختار المكذب الرجوع على المكاتب فعجز عاد نصيبه رقيقا على
المقر خمسمائة التي اعترف بقبضها، لأنه مال مكاتب قد عجز ورق.
ولو تمحل المكاتب فأدى خمسمائة مال المكاتب إلى المنكر، عتق وكان
للمكاتب مطالبة المقر بخمسمائة التي اعترف بقبضها.
5791. السادس عشر: لو دفع إلى أحد مولييه حصته من مال الكتابة بغير إذن
شريكه، لم يصح القبض، وكان للشريك أن يأخذ منه بنسبة حصته، ولا يعتق
بنسبة حصته من المكاتب، لعدم الاستيفاء.
ولو أدى المكاتب إليهما الباقي عتق، وإن عجز رق لهما.
ولو كان بإذن شريكه صح الأداء، وعتق نصيب القابض، فان قلنا بالتقويم،
قوم هنا على القابض مكاتبا وعتق عليه، وما في يده من الكسب يكون للذي لم
يقبض بقدر ما قبضه شريكه، لأن كسبه قبل عتقه لهما، فإن فضل في يده شئ
كان بين المكاتب وبينه، لأن هذا الكسب كان في ملكهما، فما يخص شريكه
انتقل إلى العبد بعتق حصته بالكتابة، لأن الفاضل في يد المكاتب له، هذا إن قلنا
بالتقويم في الحال.
271

ويحتمل التقويم (1) عند العجز، فإن فسخ مولاه قومناه رقيقا، وإلا مكاتبا،
ثم إن كان في يده مال كان للآذن نصفه والباقي للمكاتب.
فإن مات قبل التقويم، انفسخ عقد الكتابة بموته، فنصف ما ترك للآذن
والآخر لوارثه الحر.
5792. السابع عشر: لو وطئ المكاتبة مولاها، فعل حراما، وصارت أم ولد
بالإحبال، فإن أدت عتقت وملكت ما في يدها، وإن عجزت كان له الفسخ،
وتصير أم ولد مطلقة، له وطؤها، ولمولاها ما في يدها.
ولو مات السيد عتقت من نصيب ولدها.
ولو مات المولى قبل الأداء وقبل العجز، عتقت من نصيب ولدها.
قال الشيخ: والذي يقتضيه مذهبنا أن ما في يدها لها (2).
ولو أعتق المولى المكاتب وله مال، فالوجه أن المال للمكاتب.
5793. الثامن عشر: لو دفع المكاتب بعض العوض قبل حلوله على أن يبرئه
المولى من الباقي، قال الشيخ لم يجز لمضارعته ربا الجاهلية الذي هو الزيادة
لزيادة الأجل (3) والوجه عندي الجواز، قال، ولو دفع البعض قبل الأجل، وطلب
إبراءه من الباقي ففعل المولى صح القبض والإبراء (3).

1. في «أ»: «ويحتمل عدم التقويم» والصحيح ما في المتن.
2. المبسوط: 6 / 111.
3. المبسوط: 6 / 121.
4. المبسوط: 6 / 121 - 122.
272

5794. التاسع عشر: لو كان للمكاتب على سيده مال، وحل عليه مال الكتابة،
فإن اتفقا جنسا تقاصا، سواء كانا من الأثمان أو الأعواض، وإن اختلفا لم يقع
التقاص إلا بالتراضي.
وهل يفتقر إلى أن يقبض أحدهما ماله، ويدفعه عوضا عن الحق الثابت
في ذمته؟ قال الشيخ: نعم (1). وعندي فيه نظر. قال: ولو كان المالان من
الأعواض، اشترط قبض كل واحد منهما ثم يرد كل واحد منهما إلى صاحبه
ما قبضه عوضا عما له عليه. (2) وهو أشكل من الأول.
ولو باع المكاتب من مولاه دينه على الأجنبي بمال الكتابة، لم يجز، لأنه
بيع دين بدين، ولو أحال به صح.
5795. العشرون: لو أعتق المكاتب بإذن مولاه (2)، صح، وكان الولاء له، فان
استرقه مولاه للعجز، صار الولاء للمولى، وكذا لو مات قبل الأداء.
فلو أعتقه مولاه بعد استرقاقه، فالوجه عود الولاء إليه.
ولو مات العبد قبل أداء المكاتب وتعجيزه ولا مناسب له، احتمل أن يكون
موقوفا كالولاء، إن عتق المكاتب أخذ المال، وإن استرق أخذه المولى.
واحتمل انتقاله إلى المولى، لأن الولاء يمكن انتقاله من شخص إلى غيره،
فجاز أن يكون موقوفا، والميراث لا ينتقل فلا يقف.
5796. الحادي والعشرون: الأقوى عندي جواز بيع المولى مال الكتابة قبل

1. المبسوط: 6 / 124.
2. المبسوط: 6 / 125.
3. والمراد إذا كاتب المولى عبدا، ثم اشترى ذلك المكاتب عبدا بإذن مولاه فأعتقه صح.
273

قبضه، وقوى الشيخ خلافه (1) فعلى قوله ليس للمشتري مطالبة المكاتب
بشئ، وليس للمكاتب الدفع إليه، فإن دفع لم يعتق، لأن المشتري قبضه لنفسه،
وقبضه لنفسه باطل، فصار كالعدم.
وللمكاتب الرجوع على المشتري بما دفعه إليه، وللمشتري الرجوع على
السيد بما دفعه ثمنا، ومال الكتابة باق في ذمة العبد، ويحتمل العتق مع تصريح
المولى بإذن الإقباض فتبرأ ذمة المكاتب من المال، وللسيد مطالبة المشتري بما
قبضه، وللمشتري الرجوع عليه بما دفعه ثمنا.
ولو كان للسيد على المكاتب مال غير مال الكتابة كثمن مبيع، أو أرش
جناية، جاز بيعه من الأجنبي.
5797. الثاني والعشرون: لو مرض السيد بعد الكتابة فأبرأه من مال الكتابة أو
أعتقه، فإن برئ لزم، وإن مات في ذلك المرض، فقد بينا أنه يعتبر الأقل من قيمته
ومال الكتابة، فإن خرج من الثلث عتق، وإن قصر الأقل، بأن كان له سوى
المكاتب مائة، والقيمة مائة وخمسون، ومال الكتابة مائة، فإنا نضم الأقل إلى
ماله، وينفذ بحسابه، فيعتق ثلثاه، ويبقى ثلثه بثلث مال الكتابة.
ولو كانت القيمة مائة، ومال الكتابة مائة وخمسين، عتق ثلثاه بحكم القيمة
وبقي ثلثه بثلث مال الكتابة، فإن أداه عتق.
ويحتمل أن يقال: يأتي هنا الدور لزيادة مال الميت بالخمسين التي أداها،
لأنه حسب على الورثة بمائة والزائد بمائة، والزائد ثبت بعقد السيد وورث عنه،
فيزيد ما يعتق منه.

1. المبسوط: 6 / 126.
274

والحاصل أن الورثة حصل لهم من كتابة العبد خمسون عن ثلث العبد
المحسوب عليهم بثلث المائة فزاد لهم ثلث الخمسين التي أداها، فيعتق من
العبد قدر ثلثها، وهو تسع الخمسين، وذلك نصف تسعه، فصار العتق ثابتا في
ثلثه ونصف تسعه، وحصل للورثة المائة وثمانية أتساع الخمسين (1) وهو مثلا
ما عتق منه.
ولو لم يؤد العبد الخمسين رق ثلثه.
وكذا لو أوصى بعتقه وكان يخرج من ثلثه الأقل من قيمته أو مال كتابته
الحكم فيه كما تقدم إلا أنه هنا يحتاج إلى إيقاع العتق.
ولو لم يكن سواه وحل مال الكتابة، فإن كان معه وفاء بالباقي، أداه وعتق
أجمع، ولو عجز عتق ما يخرج من الثلث، واسترق الباقي.
ولو لم يحل، عتق ثلثه معجلا; قاله الشيخ (2) لحصول ثلثيه أو ثلثي المال
للورثة قطعا.
ويحتمل الانتظار إلى الحلول، فإن أدى عتق جميعه، وإن عجز عتق بعضه،
ولا يعتق منه شئ معجلا، لئلا يتنجز للوصية ما يعتق ويتأخر حق الوارث (2).
وفي قول الشيخ قوة.

1. في «أ»: أتساع الخمسين رق.
2. المبسوط: 6 / 149 - 150.
3. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 149: وإن لم يكن قد حل عليه مال الكتابة فقال قوم: إن العتق
ينجز للمكاتب في ثلثه، ويبقى الكتابة في ثلثيه إلى وقت حؤول الحول، وقال بعضهم: لا يعتق
منه شئ حتى يؤدي إلى الورثة مال الكتابة ثم يعتق ثلثه، لأن الوصية لا تنجز للموصى له إلا
بعد أن يحصل للورثة مثلاها.
275

5798. الثالث والعشرون: لو كاتبه على دنانير فأبرأه دراهم أو بالعكس، لم
تصح البراءة، ولو قال: أردت قيمة الدراهم من الدنانير، صحت البراءة
في قيمتها.
ولو ادعى العبد ذلك وأنكر السيد، فالقول قوله مع اليمين، وكذا القول
قول ورثة السيد لو مات في ذلك، ويحلفون على نفي العلم بأن مورثهم أراده.
ولو قال السيد: قبضت آخر كتابتك، لم يكن إقرارا باستيفاء الجميع،
لاحتمال إرادة قبض النجم الأخير دون ما قبله، فالقول قوله مع يمينه لو ادعى
المكاتب إرادة الجميع.
ولو قال: قبضت آخر كتابتك إن شاء الله، بطل إقراره، لتعلقه بالاستثناء (1)،
وكذا لو قال: إن شاء زيد، لتعلقه بالصفة، والاقرار لا يقبل التعليق بالاستثناء
ولا الصفة.
5799. الرابع والعشرون: تصح الوصية بالكتابة، فإن خرجت قيمة العبد من
الثلث أجبر الورثة على ذلك، إلا أن يرد العبد، ولو طلب بعد الرد الكتابة
لم يجب.
ثم الموصي إن عين قدرا كوتب عليه، فان أدى المال لم يحتسب من
التركة، بل هو حق للورثة، كما لو أوصى بنخل فأثمر، أو بماشية فنتجت، ويعتق
العبد والولاء للسيد إن شرطه، وإن لم يؤد المال استرقه الوارث.
ولو لم يعين كوتب على ما جرت به العادة بكتابة مثله، والعرف يقتضي

1. في «أ»: لتعليقه في الموضعين بالاستثناء.
276

الكتابة بأكثر من القيمة، ولو قصر الثلث عن قيمته كوتب القدر الذي
يحتمله الثلث.
ولو ضم إلى الكتابة غيرها، وقصر الثلث عن الجميع، قال الشيخ: يقدم
الكتابة كما لو أوصى بوصايا في جملتها عتق فإنه يقدم العتق (1).
ويمكن الفرق بأن عقد الكتابة وإن قصد به العتق إلا أنه معاوضة، ولهذا لو
أوصى لرجل بعبد ولآخر بأبيه، فإنهما سواء، وإن كان القصد بوصية الأب العتق.
ولو أوصى بكتابة عبد من عبيده، تخير الورثة في التعيين، وليس لهم كتابة
أمة وبالعكس.
ولو كان له خنثى دخل في لفظ العبد والأمة، إن ألحق بأحدهما وإلا فلا.
ولو أوصى بكتابة أحد رقيقه دخل الخنثى في التخيير.
5800. الخامس والعشرون: لو زوج بنته من مكاتبه ثم مات، لم تنفسخ الكتابة،
فإن لم ترثه البنت، بأن تكون قاتلة أو كافرة، فالنكاح بحاله، وإن ورثته أو بعضه،
انفسخ النكاح.
ويحتمل عدم الفسخ، لأنها ترث الدين لا الرقبة، إلا مع العجز، ولهذا لو
أبرأته من الدين عتق وكان الولاء المشترط للمولى دونها ولو اشترى المكاتب
زوجته الأمة من سيده أو من غيره فالأقوى انفساخ النكاح.
5801. السادس والعشرون: لا تنفسخ الكتابة بموت المولى، وينعتق العبد

1. المبسوط: 6 / 152.
277

بدفع المال إلى الوارث، ولو تعدد لم ينعتق بالدفع إلى البعض، ولو كانوا غير
رشيدين وجب الدفع إلى الجد، فإن فقد فإلى الوصي إن كان، وإلا الحاكم.
ولو كان البعض غير رشيد دفع إلى الرشيد حقه والباقي إلى الولي.
ولو أوصى بدفعه إلى معين، دفعه المكاتب إلى الموصى له أو إلى الوصي
ليدفعه إليه.
ولو أوصى بدفعه إلى غير معين، وجب على المكاتب دفعه إلى الوصي،
فإن فرقه بنفسه لم يعتق بذلك.
ولو أوصى بدفعه إلى غرمائه، تعين القضاء منه فيدفعه (1) المكاتب إلى
من شاء من الوصي أو إلى الغرماء، ولا حق للورثة فيه.
ولو أوصى بقضاء الدين، ولم يعين مال الكتابة للقضاء، كان على المكاتب
الجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين، ويدفعه إليهم بحضرته.
5802. السابع والعشرون: ليس للمولى مطالبة المكاتب بالمال قبل الحلول،
ولا يجب على المولى قبضه لو دفعه المكاتب قبله، ويجب بعده.
فإن حل النجم وجب على المكاتب الدفع، فإن عجز تخير السيد بين
الصبر والفسخ، وإن كان قادرا على الأداء وامتنع منه قال الشيخ: يفسخ
المالك أيضا. (2)
ويحتمل عندي إجبار المكاتب على الأداء، فإن تعذر فسخ
المالك الكتابة.

1. في «أ»: قيل فيدفعه.
2. المبسوط: 6 / 156.
278

وإذا عجز نفسه كان للمولى الفسخ بنفسه، ولا يحتاج إلى حاكم إن كان
المكاتب حاضرا، ولو كان غائبا افتقر إلى الحاكم ليثبت المال والتعذر (1)
فيستحلفه الحاكم مع البينة، ويقضي له بالفسخ.
5803. الثامن والعشرون: يستحب للمولى إنظار المكاتب حاضرا بعد
الحلول، فإن أنظره لم يجب الوفاء، ولا يجبر على اختيار الفسخ، فإذا رجع
المولى في التأجيل طالب، فإن عجز فسخ، وإن كان معه ما يؤدي من جنس مال
الكتابة، لم يكن له فسخ، ويجب الصبر إلى أن يحضره من منزله القريب، وكذا
إن كان من غير الجنس واحتاج إلى المصارفة.
وإن كان في موضع بعيد يحتاج إلى مدة طويلة، لم يجب الصبر.
ولو كان العبد غائبا رفع المولى أمره إلى الحاكم، وأثبت الحلول، وحلفه
على عدم القبض، ليكتب إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب.
فإن كان المكاتب عاجزا، كتب إلى الحاكم الأول، ليجعل للسيد الفسخ،
وإن كان قادرا طالبه بالخروج إلى بلد السيد، أو التوكيل في الأداء، فإن أخر
أحدهما مع الإمكان، كان للسيد الفسخ.
فإن وكل السيد من يقبض في بلد المكاتب لزمه الدفع إليه، فإن امتنع ثبت
خيار السيد.

1. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 157: فأما إذا كان العبد غائبا فليس للسيد أن يعجزه بفسخ
الكتابة، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده الكتابة وحلول المال على المكاتب وأنه لم يؤد
إليه شيئا ويحلفه الحاكم على ذلك، فإن هذا قضاء على الغائب فاحتاج إلى اليمين.
279

ولو جعل السيد الخيار في الفسخ إلى وكيل القبض مع الامتناع، جاز.
ومع حصول الوكيل (1) لا يعتبر مدة المسير إليه.
5804. التاسع والعشرون: حد العجز أن يؤخر نجما إلى نجم، أو يعلم من
حاله العجز، وقيل: أن يؤخر النجم عن محله. (2) وبه رواية. (3)
5805. الثلاثون: إذا جن المكاتب أثبت المولى الكتابة والحلول، وحلف على
عدم القبض، فإن وجد الحاكم حينئذ له مالا سلمه إليه، وعتق، وإلا جعل له
التعجيز مع عدم المال وألزمه الانفاق عليه بعوده رقا، فإن وجد الحاكم بعد فسخ
السيد له مالا يفي مال الكتابة، أبطل فسخ السيد، وكذا لو أفاق وأقام بينة بالتسليم،
إلا أن للسيد أن يرجع بما أنفقه بعد الفسخ في الأولى دون الثانية.
5806. الحادي والثلاثون: لو ادعى المكاتب التسليم وأقام شاهدا، جاز له
الحلف معه، ولو ادعى غيبة الشاهد أنظر ثلاثة أيام فإن جاء، وإلا حلف السيد.
ولو جاء به فجرح، فادعى شاهد عدل، أنظر أيضا ثلاثة أيام.
5807. الثاني والثلاثون: المكاتب المشروط رق ما لم يؤد جميع مال الكتابة،
فلو تخلف (4) عليه ولو درهم واحد وعجز عنه، كان رقيقا إن عجزه مولاه، ولا
يعيد عليه ما أخذه منه.

1. المراد من «حصول الوكيل» هو وجوده وحضوره، ومعه لا يعتبر مضي مدة المسير إلى السيد،
فإن حضور الوكيل بمنزلة حضور السيد، فيجوز له الفسخ فورا.
2. ذهب إليه الحلي في السرائر: 3 / 27، والشيخ في الاستبصار: 4 / 33 - الباب 18 - واعتمده
المصنف في المختلف: 8 / 114.
3. الوسائل: 16 / 88، الباب 5 من كتاب المكاتبة.
4. في «ب»: يخلف.
280

ويستحب للمولى الصبر عليه، ولو لم يعجز لم يكن للمولى الفسخ.
ولو اتفقا على التقايل جاز (1).
ولا تبطل الكتابة بموت المالك، وللوارث المطالبة بالمال، فإن أدى إليه
عتق كالمولى.
5808. الثالث والثلاثون: لو كاتبه ثم حبسه مدة، قيل: يجب أن يؤجله مثل تلك
المدة، والوجه عندي إلزامه بالأجرة عن تلك المدة. (2)
5809. الرابع والثلاثون: لا يدخل حمل الموجود وقت الكتابة في كتابة الأم،
ولو حملت بعد الكتابة من مملوك كان حكم الولد حكم الأم يعتق منه بحسابها،
ولو كان من حر كان الولد حرا.
ولو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة، فإن مات مولاها وعليها شئ من
مال الكتابة، عتقت من نصيب ولدها ولو لم يكن ولد سعت في مال
الكتابة للوارث.
5810. الخامس والثلاثون: لو أبرأه أحد الوراث من نصيبه من مال الكتابة، أو
أعتق نصيبه صح، وعتق، ولا يقوم عليه على الأقوى.
5811. السادس والثلاثون: العبد لامال له عندنا وإن ملكه مولاه، وعند الشيخ
يملك مع التمليك فإذا كاتبه وله مال، فالأقوى على قول الشيخ أنه للمولى ما لم
يشترطه المكاتب، ولو كان له ولد فهو للمولى أيضا.

1. في «أ»: جاز له.
2. وكلا القولين للشيخ في المبسوط: 6 / 132.
281

5812. السابع والثلاثون: لا يعتق المكاتب إلا بالأداء إذا لم يبرأه المالك، سواء
كان معه مال الكتابة أو لا، ولو كان بيده مال الكتابة، ولم يؤده إلى المالك كان باقيا
على الرقية، وإن تلف وحل النجم وعجز لم يعتق، ولا يثبت المال في ذمته إلا أن
يشاء المالك بقاء الكتابة.
ولو كان المال باقيا، وحل مال الكتابة، وامتنع من الأداء، احتمل أن لا
يكون عجزا، بل يؤديه الإمام منه، واحتمل أن يكون عجزا فيعجزه المولى،
ويسترقه إن شاء.
5813. الثامن والثلاثون: لو كاتب بإذن مولاه صح، فإن شرط الولاء وعجز
الأول وأدى الثاني، فولاؤه للسيد الأول، ولو أدى الثاني قبل عجز الأول وقبل
الأداء، فالوجه أن الولاء موقوف ليس للسيد إلا أن يعجز الأول، ولو مات الثاني
قبل عتق المكاتب فميراثه موقوف أيضا.
5814. التاسع والثلاثون: لو أوصى بعتقه عند عجزه، فادعى العجز قبل حلول
النجم، لم يعتق، لأنه لم يجب عليه شئ يعجز عنه، وإن ادعاه بعد الحلول، وكان
معه ما يؤديه، لم يلتفت إليه، لانتفاء العجز، وإن لم يكن معه مال ظاهر، فإن صدقه
الورثة عتق، وإن كذبوه حلف وأعتق، وكان ما في يده للورثة.
5815. الأربعون: العجز لا تنفسخ به الكتابة، بل يثبت به استحقاق الفسخ، فإن
فسخ مولاه ملكه وما معه، وإلا كان باقيا على الكتابة، والوجه أن للمولى انتزاع ما
في يده مع العجز وإبقاء الكتابة بحالها.
5816. الحادي والأربعون: لو اشترى المكاتب من يعتق عليه بإذن مولاه صح،
وكسبه للمكاتب، ونفقته عليه، وإن أعتقهم السيد لم يصح، كما لا يصح لو أعتق
282

مملوك المكاتب، ولو أعتقه المكاتب، فإن كان بإذن المولى صح،
وإلا فلا.
ولو أعتق المولى المكاتب صح العتق، وعتق من يعتق عليه تبعا له.
ولو مات المكاتب ولم يخلف وفاء عادوا رقيقا.
ولو كانت الكتابة مطلقة، عتق منهم بنسبة ما عتق منه.
ولو اشترى المكاتب زوجته أو المكاتبة زوجها، صح الشراء،
وبطل النكاح.
283

[المقصد] الرابع: في أمهات الأولاد
وفيه سبعة عشر بحثا:
5817. الأول: أم الولد هي التي ولدت من سيدها في ملكه، فإذا وطئ أمته
فأتت له بولد بعد وطئه لستة أشهر فصاعدا، لحق نسبه (1) وكان الولد حرا،
وصارت بذلك أم ولد، ولا تسري حرية الولد إلى الأم، وإن أتت به تاما لأقل من
ذلك لم يلحقه النسب، ولم تصر أم ولد.
5818. الثاني: إنما تصير الأمة أم ولد بشروط ثلاثة:
أحدها: أن تعلق منه بحر، وذلك بأن يطأ الحر جاريته، ويخلق من مائه
ولد، سواء كان الواطئ مسلما أو ذميا، فلو علقت أمة الذمي منه، ثم أسلمت،
بيعت عليه، وقيل: يحال بينه وبينها، وتجعل على يد امرأة ثقة (2). ولو لم تبع
حتى مات مولاها، فالوجه عتقها من نصيب الولد.
أما المملوك إذا ملكه مولاه جارية، وقلنا إنه يملك، فإنه إذا وطئ أمته
واستولدها، فولده مملوك، ولا يثبت للأمة حكم الاستيلاد، وإن أذن له المولى
في التسري.

1. في «أ»: ألحق نسبه.
2. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 6 / 425، المسألة 2 من كتاب أمهات الأولاد.
285

ولو اشترى المكاتب أمة للتجارة فأحبلها، كان الولد موقوفا، أما الأم فإنها
لا تنعتق بموت المكاتب قبل أداء ما عليه، ولا يثبت لها حكم الاستيلاد مع
عجزه، وأطلق الشيخ صيرورتها أم ولد (1).
وهل يملك المكاتب بيعها والتصرف فيها؟ الوجه عدم ذلك، ولو عتق
لحقها حكم الاستيلاد.
الثاني: أن تعلق منه في ملكه، سواء كان الوطء مباحا أو محرما، كالوطء
في الحيض، أو النفاس، أو الصوم، أو الإحرام، أو الظهار.
ولو وطئ المولى المرهونة بغير إذن المرتهن فأحبلها، فإنها تصير أم ولد
في حق الراهن والمرتهن.
ولو علقت منه في غير ملكه، لم تصر بذلك أم ولد إذا علقت منه بمملوك،
مثل أن يطأها (2) في ملك غيره بنكاح، ويشترط المولى الولد، أو يطئها زنا،
سواء ملكها بعد ذلك أو لا، وسواء ملكها بعد انفصال الولد أو قبله.
ولو علقت منه في غير ملكه بحر، بأن يطئها للشبهة أو يغر من أمة
فيتزوجها على أنها حرة أو يشتريها فيظهر استحقاقها فلا تصير أم ولد في الحال
فإن ملكها بعد ذلك قال الشيخ: تصير أم ولد. (2) وعندي فيه نظر.
الثالث: أن تضع خلق آدمي ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة من القوابل،
فلو وضعت مضغة لم يظهر فيها شئ من خلق الآدمي فشهد الثقات من القوابل
أن فيها صورة خفية، تعلقت بها أحكام أمهات الأولاد، ولو لم يشهدن بذلك

1. المبسوط: 6 / 187.
2. في «ب»: قبل أن يطأها.
3. المبسوط: 6 / 186.
286

لكن علم أنه مبدأ خلق آدمي إما بشهادتهن أو غير ذلك، تعلق به الأحكام أيضا.
5819. الثالث: أم الولد مملوكة لا تتحرر بموت المولى، بل من نصيب ولدها،
ويجوز للمولى التصرف فيها بالوطء والاستخدام وغير ذلك، إلا البيع والهبة، ولا
يجوز بيعها ما دام ولدها حيا، إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها، وليس
له سواها، وفي اشتراط موت المولى حينئذ خلاف والسيد رحمه الله منع من
بيعها مطلقا (1).
ولو مات الولد قبل مولاها جاز بيعها وهبتها، وصارت ملكا طلقا.
5820. الرابع: لو مات المولى وولدها حي عتقت من نصيب ولدها وإن
استوعبته، ولو لم يف أو لم يكن سواها عتق نصيبه منها، وسعت في الباقي.
وفي رواية: إن كان الولد موسرا قومت عليه (2) والمعتمد الأول، ولا تعتق
من أصل التركة عندنا.
5821. الخامس: أم الولد هل تجوز كتابتها؟ فيه إشكال ينشأ من أنها عقد على
الرقبة فأشبه البيع، ومن عدم التصادم لو سبقت الكتابة.
5822. السادس: لو أوصى لأم ولده، فالأقرب عندي أنها تعتق من الوصية، فإن
فضل شئ عتق من نصيب ولدها، وقيل: تعتق من نصيب الولد
وتعطى الوصية (3).

1. الانتصار: 383، المسألة 226 في بيع أمهات الأولاد.
2. الوسائل: 16 / 108، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث 4.
3. ذهب إليه المحقق في نكت النهاية. لاحظ النهاية ونكتها: 3 / 151.
287

5823. السابع: لا فرق بين أن يكون الولد ذكرا أو أنثى، ولو تعدد الولد عتقت
من نصيبهما (1) معا على النسبة.
ولو أتت بولد من زوج أو زنا فالولد رق للمولى، ولا يثبت له حكم
الاستيلاد، ولا ينعتق بموت السيد، وكذا ما تكسبه أم الولد في حال حياة المولى،
فإنه لمولاها.
5824. الثامن: لو تزوج أمة فأحبلها، فالولد مملوك للبائع إن اشترط رقيته، وإلا
فهو حر، فإن اشتراهما معا، تحرر الولد، قال الشيخ: وتصير الأم أم ولد (2)، وكذا
تصير أم ولد لو اشتراها قبل الولادة.
5825. التاسع: إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها، وللمولى الخيار
كالقن بين تسليمها للبيع، وبين فدائها إما بالأقل من أرش الجناية والقيمة أو
بالأرش، على الخلاف.
وكذا يتخير المولى لو جنت على جماعة بين تسليمها إليهم أو إلى ورثتهم
على قدر الجنايات وبين الفداء، ولو ماتت قبل الفداء، فلا شئ على المولى مع
عدم التفريط.
ولو نقصت قيمتها قبل فدائها، وجب فداؤها بقيمتها يوم الفداء، فيسقط
التالف (2) إن قلنا بالأقل، ولو زادت القيمة زاد الفداء.
ولو كسبت بعد جنايتها، فهو لسيدها، وتقوم معيبة بعيب الاستيلاد، ولو
أتلفها سيدها فعليه قيمتها.

1. في «ب»: من نصيبها.
2. المبسوط: 6 / 187.
3. في «ب»: فيسقط بقدر التالف.
288

5826. العاشر: أم الولد إذا أعتقها مولاها، وجب عليها الاستبراء بثلاثة أقراء إن
كانت من ذوات الحيض، وإلا فثلاثة أشهر، وإن مات مولاها قبل العتق، استبرأت
بأربعة أشهر وعشرة أيام.
5827. الحادي عشر: للمولى أن يزوج أم الولد بغير رضاها ويملك المولى
المهر، وكذا للمولى إجارتها للخدمة وجميع التصرفات من الوطء وغيره إلا
البيع، وله أرش ما يجنى عليها.
ولو تلفت في يد غاصب ضمن القيمة لمولاها.
5828. الثاني عشر: لو شهد على إقراره بالاستيلاد رجلان وحكم به، ثم رجعا،
غرما قيمة الولد إن استندت حريته إلى الشهادة، ولم يغرما في الحال قيمة
الجارية، لأنهما أزالا تسلط البيع خاصة، ولا قيمة له، فإذا مات المولى فإن قلنا
بوجوب التقويم على من ملك جزءا واحدا من أبويه مطلقا، فلا غرامة أيضا، وإلا
غرما ما يقوم على الولد.
5829. الثالث عشر: إذا وطئ الأب جارية ابنه، فإن كان صغيرا وقومها، صارت
أم ولد مع الإحبال، وإن كان كبيرا ولم يقومها كان زانيا، لكن لا حد عليه، ولا
تصير الجارية أم ولد، وعلى الأب المهر، ولا تلزمه قيمتها.
ولو وطئ الابن جارية الأب حد مع عمله بالتحريم، وإلا تصير أم ولد له،
وعليه المهر، وولده يعتق على جده، وتحرم على الأب مؤبدا على إحدى
الروايتين (1)، ولا يجب على الابن قيمتها، لأنه لم يمنعه من غير الاستمتاع، فإن

1. الوسائل: 14 / 319 - 320، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
289

وطئها الأب، فعل محرما، ولا حد عليه، ولا تصير أم ولد، لأنه وطء صادف ملكا.
ولو زوج أمته ثم وطئها، فعل حراما، وتصير أم ولد إن أولدها تعتق بموته، وما تلده بعد ذلك من الزوج حكمه حكم أمه.
5830. الرابع عشر: لو ملك أحد المحرمات عليه بالرضاع، فإن قلنا: إنه
كالنسب في العتق، فلا بحث، وإن قلنا: إنه لا يقتضي العتق، لم يحل له الوطء
إجماعا، فإن وطئ فالولد حر، وهي أم ولد، وكذا لو ملك أمة وثنية فاستولدها.
ولو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة، فاستولدها، صارت أم ولد،
وخرجت عن المضاربة، وإن كان فيها ربح جعل في مال المضاربة.
ولو وطئ المرهونة فاستولدها، احتمل أن يقال: خرجت من الرهن،
وعليه قيمتها للمرتهن يجعل رهنا، والأقوى خلافه.
ولو قذف أم الولد قاذف عزر بغير حد، ولا يقتص من الحرة لها، وتصلي
مكشوفة الرأس.
ولو قتلت سيدها عمدا أو خطأ، عتقت من نصيب ولدها، وكان عليها
موجب الجناية من دية أو قصاص.
5831. الخامس عشر: لو باع أم ولده بطل الشراء، فإن تلفت في يد المشتري
كان ضامنا، لأنه بيع فاسد.
5832. السادس عشر: قال الشيخ: لو أسقطت نطفة، كانت أم ولد. (1) وتظهر
الفائدة هنا في الاعتداد (2) خاصة.

1. النهاية: 546.
2. في «أ»: بالاعتداد.
290

5833. السابع عشر: قال الشيخ: إذا مات المولى ولم يخلف غيرها، وكان
ثمنها دينا على مولاها، قومت على ولدها، ويترك إلى أن يبلغ، فإذا بلغ، أجبر
على ثمنها، فإن مات قبل البلوغ، بيعت في ثمنها، وقضي به الدين. (1) والحكم
الأول غير معتمد.
* * *

1. النهاية: 547.
291

كتاب الأيمان
وتوابعها
293

وفيه مقاصد
[المقصد] الأول: في نفس اليمين
وفيه ستة عشر بحثا:
5834. الأول: اليمين عبارة عن تحقيق ما يحتمل المخالفة بذكر اسم الله تعالى
أو صفاته المختصة أو الغالبة.
ومشروعيتها ثابتة بالنص (1) والإجماع.
5835. الثاني: لا تنعقد اليمين إلا بالله، كقوله: مقلب القلوب، والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة، والذي نفسي بيده، والذي أصلي له وأصوم; أو بأسمائه المختصة
به، كقوله: والله، والرحمن; أو الغالبة فيه، كقوله: والرب، والخالق، والبارئ،
والرازق، والرحيم، وكل هذه تنعقد بها اليمين مع القصد.
ولو أراد بهذه غير الله لم يكن يمينا، ولو حلف بما لا ينصرف إطلاقه إليه
لم تنعقد، وإن نوى بها الحلف، لاشتراكها، فليس لها حرمة اليمين، كقوله:
والموجود، والحي، والسميع، والبصير، والقادر.

1. كقوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان). المائدة: 89.
295

وتنعقد لو قال: وجلال الله، وعظمة الله، وكبرياء الله مع القصد.
ولو قال: وقدرة الله، وعلم الله، انعقد إن قصد الصفات، وهو كونه قادرا
عالما، وإن قصد المعاني لم تنعقد.
ولو قال: وكلام الله، لم تنعقد، وكذا لو قال: وخلق الله، ورزق الله،
ومعلوم الله.
ولو حلف بالقرآن لم تنعقد، وكذا لا تنعقد لو قال: وحق الله، مطلقا وتنعقد
لو قصد به اليمين.
ولو قال: عهد الله علي، كان عهدا لا يمينا.
ولو قال: وميثاق الله، وكفالته، وأمانته، لم تنعقد.
ولو قال: أستعين بالله، أو أعتصم بالله أو أتوكل على الله، لم يكن يمينا وإن
قصد بها الحلف إجماعا.
5836. الثالث: لا تنعقد اليمين عندنا إلا بالقصد، سواء نطق بما ثبت له
العرفان (1) كقوله: والله، والرحمن، أو ثبت له العرف الشرعي، كقوله: أقسم بالله،
أو العادي كقوله: وحق الله، أو لم يثبت له عرف أصلا، كقوله: أعزم بالله.
5837. الرابع: ألفاظ القسم ثلاثة: بالله، وتالله، ووالله، وينعقد بما يتبعها، كقوله:
الله لأفعلن (2)، مع قصد حذف حرف الخفض، ولو قال: الله، لم ينعقد.
وينعقد لو قال: لعمر الله، وأيمن الله، وأيم الله، وم الله، أو أقسم بالله، أو

1. عرف الشرع وعرف العادة.
2. في «أ»: الله تعالى لأفعلن.
296

أحلف بالله، أو أقسمت بالله، أو حلفت بالله، ولو قال: أردت الإخبار عن
الماضي، أو الوعد بالمستقبل، قبل، ولم يلزمه حكم اليمين.
ولو قال: أقسم أو أحلف، ولم يقل بالله، أو حلفت، أو أقسمت، ولم يقل
بالله، لم ينعقد وان قصد به اليمين.
ولو قال: أشهد بالله، وأطلق لم ينعقد، ولو نوى به اليمين، قال الشيخ:
ينعقد. (1) وفيه قوة للعرف.
ولو قال: أعزم بالله، ولم يقصد اليمين لم ينعقد، ولو قصد اليمين فكذلك.
ولو قال: بله، وقصد الرطوبة فليس بيمين إجماعا، ولو قصد اليمين
فالأقوى انعقاده، وحمل حذف الألف على اللحن.
ولو قال: لاها الله، (2) ونوى اليمين ففي الانعقاد نظر.
5838. الخامس: لا ينعقد اليمين عندنا بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته على ما
تقدم، فلو حلف بالقرآن، أو بكلام الله تعالى، لم ينعقد، وكذا بالمصحف، أو
بالنبي، أو بأحد من الأئمة، أو بالصدقة، أو بالحج، أو بالتبري من الله، أو من
رسوله، أو من القرآن، أو أحد الأئمة، أو قال: هو يعبد الصليب، أو غير الله، أو

1. المبسوط: 6 / 197. وفي «أ»: «لم ينعقد»، قال في المسالك: وللشيخ قولان: أحدهما في
المبسوط أنه إن أراد به اليمين كان يمينا. وإن أطلق ولم يرد لم يكن يمينا، والثاني في الخلاف
أنه لا يكون يمينا مطلقا. مسالك الأفهام: 11 / 187; ولاحظ الخلاف: 6 / 128، المسألة 19
من كتاب الأيمان.
2. قال ثاني الشهيدين في المسالك: 11 / 200; مما يقسم به لغة: ها الله، فإذا قيل: لاها الله ما
فعلت ما فعلت، فتقديره: لا والله، و «ها» للتنبيه يؤتى بها في القسم عند حذف حرفه، ويجوز
فيها: ها الله بقطع الهمزة ووصلها.
297

هو مستحل الخمر، أو الميتة، أو حلف بالطلاق، أو التحريم، أو الظهار، أو العتاق،
أو قال: أيمان البيعة تلزمني، وأيمان البيعة هي التي رتبها الحجاج ليستحلف بها
عند البيعة والأمر المهم للسلطان، وكانت البيعة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
بالمصافحة، فلما ولي الحجاج رتبها أيمانا تشتمل على اليمين بالله تعالى
والطلاق والعتاق وصدقة المال، سواء عرفها أو لم يعرفها، ولا يلزمه بذلك
كفارة.
وللشيخين (رحمهما الله) قول إن من حلف بالبراءة من الله أو من
رسوله أو من أحد الأئمة (عليهم السلام) أثم إن خالف ما علق البراءة به، وتجب عليه
كفارة ظهار (1).
وقول الرجل: يا هناه ولا بل شانيك، أي لا أب لشانيك، وغير ذلك من
أيمان الجاهلية لا تنعقد به اليمين.
5839. السادس: متعلق اليمين إن كان واجبا، كما إذا حلف أنه يصلي
الفرائض، أو يصوم شهر رمضان، أو يحج حجة الإسلام، أو لا يزني، أو لا يظلم،
أو لا يشرب الخمر، أو غير ذلك من الواجبات، انعقدت اليمين، وتجب بالحنث
فيها الكفارة.
وكذا إن كان مندوبا، كما إذا حلف أنه يصلي النافلة، أو يصوم تطوعا، أو
يتصدق ندبا، أو يحج مستحبا، لا فرق بينهما في الانعقاد وتعلق الكفارة
مع الحنث.

1. المقنعة: 558; النهاية: 570.
298

وإن كان مباحا، كما إذا حلف أنه يدخل الدار أو لا يدخلها، أو يسلك
طريقا دون آخر، وما أشبه ذلك، فإن كان البر أرجح في الدنيا وجب الوفاء، فإن
حنث، كفر وأثم، وكذا إن تساوى الفعل والترك، وإن كان الترك أولى في الدينا،
جاز الحنث ولا كفارة ولم تنعقد اليمين (1).
وإن كان مكروها، مثل أن يحلف أن لا يفعل النوافل، ولا يتصدق تطوعا،
لم تنعقد اليمين ولا كفارة مع الحنث (2).
وإن كان محرما، مثل أن يحلف ليقتلن مؤمنا، أو ليفعلن الزنا، أو ليقطعن
رحمه، أو ليهجون المسلمين، لم تنعقد اليمين، ويحرم البقاء عليها، ويجب
الحنث ولا كفارة.
5840. السابع: قال بعض الناس: اليمين كلها مكروهة (3) لقوله [سبحانه]:
(ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) (4)، وليس بمعتمد، لما ثبت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
حلف، والآية محمولة على ترك البر لقوله: (ولا يأتل أولوا الفضل
منكم) الآية (5).
فاليمين على الطاعة مستحبة، ويمين اللغو غير منعقدة، وهي: أن يحلف
من غير نية، ولا يجب بها كفارة، سواء كان بصريح أو كناية، وسواء كان على
الماضي أو على المستقبل.
5841. الثامن: لا تنعقد اليمين على الماضي، سواء كان نفيا أو إثباتا، وسواء

1. في «أ»: ولا ينعقد اليمين.
2. في «ب»: «وكفارة مع الحنث» والصحيح ما في المتن.
3. لاحظ المغني لابن قدامة: 11 / 164، والمسالك: 11 / 290.
4. البقرة: 224.
5. النور: 22.
299

كان صادقا في يمينه أو كاذبا، إما مع قصد الكذب ويسمى الغموس (1) أو مع
ظن الصدق.
وتكره اليمين عند الحاكم على الحق مع الصدق، وتحرم مع الكذب إلا
مع الضرورة، فتجب التورية إن عرفها.
5842. التاسع: يمين المناشدة لا تنعقد، وهي أن يقسم عليه غيره، فلو قال:
أسألك بالله، أو أقسم عليك بالله، وقصد اليمين لم تنعقد، ولا تجب الكفارة لو
أحنثه المحلوف عليه لا على الحالف ولا على المحلوف عليه. (2)
5843. العاشر: يجوز الاستثناء بمشيئة الله تعالى وليس بواجب، فإذا استثنى
به، رفع حكم اليمين، ويشترط فيه الاتصال أو حكمه، بأن يستثني بعد القطع،
لانقطاع النفس، أو الصوت، أو للعي، أو للسعال، أو للتذكر، ولو أخر الاستثناء من
غير عذر انعقدت اليمين، وسقط أثره، ورواية عبد الله بن ميمون عن الصادق (عليه السلام)
الصحيحة الدالة على جواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما (3) متأولة (4).
ويشترط في الاستثناء أيضا النطق، فلو حلف ونوى الاستثناء بالمشيئة
انعقدت يمينه ولم يؤثر الاستثناء.

1. في مجمع البحرين: اليمين الغموس - بفتح العين -; هي اليمين الكاذبة الفاجرة التي يقطع بها
الحالف ما لغيره مع علمه أن الأمر بخلافه، وليس فيها كفارة لشدة الذنب فيها، سميت بذلك
لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار فهي فعول للمبالغة.
2. أما المحلوف عليه فلأنه لم يوجد منه لفظ ولا قصد. وأما القائل الحالف فلأن اللفظ ليس
صريحا في القسم، لأنه عقد اليمين لغيره لا لنفسه، ولكن يستحب للمخاطب إبراره في قسمه.
لاحظ المسالك: 11 / 212.
3. الوسائل: 16 / 158، الباب 29 من كتاب الأيمان، الحديث 6.
4. لاحظ في تأويلها المسالك: 11 / 194.
300

ولا بد في الاستثناء من القصد إليه، فلو تلفظ به عقيب اليمين لسبق لسانه
به، أو لأن عادته ذلك من غير قصد الاستثناء، لم يؤثر أيضا، وانعقدت اليمين،
وكذا لو لم يقصد الاستثناء بل قصد أن أفعاله لا تكون إلا بمشيئة الله تعالى.
ولا يشترط في الاستثناء نيته مع ابتداء اليمين بل عند التلفظ به.
5844. الحادي عشر: لو علق اليمين بشرط صح، وكانت موقوفة، فإن وجد
الشرط انعقدت، وإلا فلا، فلو قال: والله لا دخلت الدار إن شاء زيد، فإن قال زيد:
قد شئت أن لا تدخل فدخل، حنث، ولو قال: لم أشأ، انحلت اليمين، وله
الدخول قبل العلم بمشيئة زيد، والعلم بالمشيئة أن يقول بلسانه، ولو لم يعلم
حال زيد إما لموت، أو غيبة، أو جنون، لم يمنع من الدخول.
5845. الثاني عشر: لافرق بين تقديم الشرط وتأخيره، فلو قال: والله إن شاء
الله لأفعلن، أو لا فعلت، انحلت اليمين.
ولو قال: والله إن شاء زيد لأفعلن، كانت موقوفة على مشيئة زيد، فإن شاء
وقعت اليمين، وإلا فلا.
ولو قال: والله لأشربن إلا أن يشاء الله، أو لا أشرب إلا أن يشاء الله، لم
يحنث بالشرب، ولا بتركه.
ولو قال: والله لا أشرب إلا أن يشاء زيد، فقد منع نفسه من الشرب إلا أن
يوجد مشيئة زيد، فإن شاء، فله الشرب، وإن لم يشأ لم يشرب، ولو لم يعلم
مشيئته لغيبة، أو جنون، أو موت، لم يشرب، فإن شرب حنث.
ولو قال: والله لأشربن إلا أن يشاء زيد، فقد التزم بالشرب إلا أن يشاء
301

زيد أن لا يشرب، لأن الاستثناء ضد المستثنى منه، والمستثنى منه إيجاب، فإن شرب
قبل مشيئة زيد بر، وإن قال: قد شئت ألا تشرب، انحلت اليمين، لأنها معلقة بعدم
مشيئته لترك الشرب، وإن قال: قد شئت أن يشرب أو ما شئت أن لا يشرب، لم
تنحل اليمين، فإن خفيت مشيئته، لزمه الشرب.
ولو قال: والله لا أشرب اليوم إن شاء زيد، فقال زيد: قد شئت ألا تشرب
فشرب حنث، وإن شرب قبل مشيئته لم يحنث.
والاستثناء بمشيئة الله تعالى يوقف الطلاق والعتاق، فلا يقعان.
5846. الثالث عشر: قد بينا أنه لا تنعقد اليمين على فعل الغير، كما لو قال: والله
ليفعلن، لا في حق الحالف ولا المحلوف عليه.
وكذا لا تنعقد على المستحيل عادة، كما لو قال: والله لأصعدن إلى السماء،
ولا على المستحيل عقلا، كرد أمس، ولا تجب بهما كفارة.
وإنما تنعقد على فعل الممكن الواجب أو المندوب، أو ترك الحرام، أو
ترك المكروه، أو فعل المباح إذا تساوى، أو كان البر أرجح في مصلحة الدين
أو الدنيا.
ولا تنعقد على ترك هذه الأشياء، ولو حلف لم يكفر، ولو حلفت أن لا
تخرج مع زوجها، ثم احتاجت إلى الخروج، خرجت معه، وكذا لو حلف ألا
يتزوج عليها، أو لا يتسرى لم تنعقد، ولو عجز عن المحلوف عليه بعد اليمين
انحلت اليمين.
5847. الرابع عشر: يشترط في الحالف العقل، والبلوغ، والاختيار،
302

والقصد إلى اليمين، فلا تصح من المجنون، ولا الصبي، ولا المكره، ولا النائم،
ولا السكران.
وهل تصح من الكافر؟ الأقوى الصحة، ومنع الشيخ في الخلاف (1) بعيد،
نعم الأقرب أنه لا يصح منه التكفير، بل يجب عليه التكفير بتقديم الإسلام، ولا
تصح يمين الغضبان مع زوال رشده بالغضب.
5848. الخامس عشر: لا تنعقد يمين الولد بدون رضا الوالد، ولا يمين الزوجة
بدون إذن الزوج، ولا يمين العبد بدون إذن المولى، ولو حلف أحد هؤلاء في
فعل واجب، أو ترك قبيح، انعقدت، ولو حلف في غير ذلك، كان للأب حل
يمين الولد وكذا الزوج والمولى، ولا كفارة.
5849. السادس عشر: لو حلف ولم يقصد لم تنعقد ولو حلف بالصريح،
ويقبل قوله في عدم القصد.

1. الخلاف: 6 / 116، المسألة 9 من كتاب الأيمان.
303

المقصد الثاني: في متعلق اليمين
وفيه ثمانية وثلاثون بحثا:
5850. الأول: المرجع في الأيمان إلى النية، فإذا نوى الحالف على ما يحتمله
اللفظ انصرفت اليمين إليه، سواء كان موافقا للظاهر، بأن ينوي الموضوع
الأصلي كما لو نوى بالعام العموم وبالمطلق الإطلاق، وباللفظ حقيقته، أو
مخالفا بأن ينوي بالعام الخاص أو بالعكس، وبالإطلاق المقيد وبالعكس،
وباللفظ مجازه، كما لو حلف أن لا يأكل اللحم، ويقصد معينا، أو لا يشرب ماء
ويقصد ماء مقيدا، أو يحلف ما رأيت فلانا، ويعني ما ضربت رئته أو لا سألته
حاجة، ويعني بها الشجرة الصغيرة، أو يحلف لا شربت لفلان ماء من عطش،
وينوي به العموم، وكل هذا مقبول تصرف اليمين إليه.
ولو نوى ما لا يحتمله اللفظ، كما لو حلف لا يأكل خبزا، وعنى لا يدخل
بيتا، لم يتناول اليمين مفهوم اللفظ، لعدم النية، ولا ما نواه، لعدم الاحتمال، ولو
لم ينو شيئا حمل اللفظ على حقيقته، كما لو حلف لا يلبس ثوبا من غزل امرأته،
ولم ينو العموم ولا الخصوص.
ولو كان اللفظ عاما والسبب خاصا، فإن نواه قصر عليه، مثل من دعي إلى
غذاء، فحلف أن لا يتغذى أو لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه، فزال الظلم، ولو لم
ينو ففي الأخذ بعموم اللفظ أو بخصوص السبب إشكال.
305

ولو حلف لعامل ألا يخرج إلا بإذنه فعزل، أو لا يرى منكرا إلا رفعه إلى
فلان القاضي فعزل، فالأقرب انحلال اليمين، مع احتمال عدم الانحلال، فلو
رأى المنكر في ولايته وأمكنه رفعه، ولم يرفعه حتى عزل، فالأقرب الحنث.
ولو اختلف السبب والنية، مثل أن تمن عليه امرأته بغزلها، فحلف ألا
يلبس ثوبا من غزلها، ونوى اجتناب اللبس خاصة، دون الانتفاع بالثمن وغيره،
قدمت النية.
5851. الثاني: إذا حلف على فعل، حنث بابتدائه، ثم إن كان الفعل ينسب إلى
الاستدامة كما ينسب إلى الابتداء، حنث بها كالابتداء، وإلا فلا، فلو حلف
لا سكنت هذه الدار، حنث بابتداء السكنى وبالاستدامة، فيخرج منها لو كان
فيها، ويبر (1) بخروجه عقيب اليمين، فإن أقام بعد اليمين زمانا يمكنه الخروج
فيه، حنث، وإن أقام لنقل قماشه ورحله، أو أقام دون اليوم والليلة.
ولو خرج عقيب اليمين ثم عاد لنقل رحله وعياله لا للسكنى لم يحنث،
سواء ترك في الدار ما يمكن سكناها معه، أو لا.
ولو خرج عقيب اليمين بنية الانتقال وترك أهله وماله مع إمكان نقلهم،
لم يحنث.
ولو حلف لا ساكنت فلانا، حنث في الابتداء والاستدامة أيضا، فإذا كان
ساكنا معه، فإن تحولا أو أحدهما في أول حال الإمكان، لم يحنث، فإن أقاما
على المساكنة حنث.

1. في «ب»: ويبرء.
306

والاعتبار في الانتقال بأن يزول عن المكان بنية الانتقال.
ولو كانا في خان فسكن كل واحد منهما بيتا، فليسا بمتساكنين، وكذا لو
كانا في بيتين لدار كبيرة لكل منهما غلق منفرد.
ولو كانت الدار صغيرة، فهما متساكنان وإن انفرد كل منهما بغلق.
ولو كان أحدهما في بيت الدار الكبيرة، والآخر في الصفة. أو كانا في
صفتها أو في بيتها، وليس لأحدهما غلق دون الآخر، فهما متساكنان، ولو جعل
بينهما جدار ولكل من البيتين باب فليسا بمتساكنين، لكن يشترط انتقال
أحدهما في الحال، والعود إلى البناء، فلو مكثا لبناء الجدار قبل الانتقال حنث،
ولو انفرد بحجرة من دار طريقها على الدار، فالأقرب أنه ليس بمساكنه.
ولو نوى أنه لا يساكنه في درب أو بلد، فهو على ما نواه، وكذا لو نوى أن
لا يساكنه في بيت واحد.
ولو حلف لا يساكنه في هذه الدار فقسماها حجرتين، وبنيا بينهما حائطا،
وفتح كل منهما لنفسه بابا، ثم سكنا فيهما، لم يحنث.
ولو حلف لا سكنت هذه الدار فأكره على المقام، لم يحنث، وكذا لو كان
في جوف الليل، ولم يجد منزلا يتحول إليه، أو يحول بينه وبين المنزل حائلا
من أبواب مغلقة، أو خوف على نفسه أو أهله، فأقام أياما، ناويا للنقلة متى قدر،
ولو لم ينو النقلة حنث.
ولو حلف على نقل متاعه، بنى على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد،
ولا يلزمه جمع دواب البلد، ولا النقل بالليل، ولا وقت الاستراحة عند التعب،
ولا وقت الصلاة.
307

ولو حلف لا يسكن الدار فعاد مريضا بها، أو زار صديقا، لم يحنث.
ولو حلف لا سكنت هذه الدار، لم تتناول اليمين عياله وماله، وكذا لو
حلف ليخرجن من هذه الدار، لم تقتض اليمين إخراج أهله، كما لو حلف
ليخرجن من البلد، ومع الخروج فالأقرب أن له العود ما لم ينو هجرانه، وهل يبر
بالصعود على السطح؟ الأقرب العدم.
5852. الثالث: لو حلف لا يدخل دارا، حنث إذا صار بحيث لو رد بابها لكان
من ورائه، ويحنث بدخولها من بابها أو من غير بابها ولو (1) نزل إليها من السطح
، أو بدخول شئ منها، أو غرفة من غرفها، أو الدهليز.
ولا يحنث لو نزل إلى سطحها، سواء كان محجرا أو غير محجر، ولو
وقف على عتبة الدار في بدن الحائط، لم يحنث، ولو تعلق بغصن شجرة في
الدار لم يحنث، ولو صعد عليها، فإن كان يحيط لموضعه منها سور الدار، حنث،
وإن كان أعلى من ذلك، أو كان يحيط به سترة السطح لم يحنث.
ولو كان في الدار نهر جار فدخل في النهر إلى الماء الذي في الدار حنث.
ولو قام على حائط الدار لم يحنث.
ولو حلف على الخروج من الدار لم يبر بالصعود إلى السطح.
ولو حلف أن لا يضع قدمه في الدار، فدخلها راكبا أو ماشيا، متنعلا أو
حافيا حنث.
ولو حلف لا أدخل، وهو في الدار لم يحنث بالمقام، ولو حمل فأدخل
مع عدم تمكنه من الامتناع، لم يحنث إجماعا، ولو حمل بإذنه فأدخل حنث،

1. وصلية.
308

وكذا لو أدخل بغير إذنه مع تمكنه من الامتناع، ولو أكره بالضرب على الدخول
فدخل لم يحنث.
5853. الرابع: لو حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب، لم
يحنث، ولو حول الباب إلى مكان آخر فدخل به، حنث، وكذا لو قال: لا
دخلت من باب هذه الدار، وإن جعل لها بابا آخر مع بقاء الأول فدخل من
الثاني حنث.
ولو قلع الباب ونصب في دار أخرى، وبقي السلوك، حنث بدخوله، ولم
يحنث بالدخول في الموضع الذي نصب فيه الباب، لأن الدخول في السلوك لا
في المصراع.
ولو حلف لا دخلت الدار من هذا الباب، ففتح باب آخر، لم يحنث
بالدخول فيه، وإن ركب عليه مصراع الأول.
ولو حلف لا يدخل بيتا فدخل غرفته لم يحنث.
5854. الخامس: لو حلف ألا يدخل دار زيد، أو لا يكلم زوجته أو عبده،
كانت اليمين تابعة للملك، وإن لم يسكن الدار، فإذا باع الدار، أو طلق الزوجة،
أو أعتق العبد، أو باعه، انحلت اليمين، ولو دخل دارا يسكنها زيد بأجرة أو
عارية أو غصب لم يحنث، أما لو حلف لا يدخل مسكن زيد، تعلقت اليمين
بالجميع، لا بالمملوك غير المسكون فيه.
ولو حلف لا دخلت دار زيد، فدخل دار عبده، حنث، بخلاف دار
مكاتبه، وكذا لو حلف لا يلبس ثوبه، فلبس ثوب العبد.
ولو حلف لا دخلت دار العبد، أو لا يلبس ثوبه فدخل دارا جعلت
309

برسمه، أو لبس ثوبا جعل برسمه، فالأقوى عدم الحنث مع احتمال ثبوته، إذ
يمتنع إضافة الملك فيتعين إضافة الاختصاص.
أما لو حلف لا يدخل دار المكاتب، حنث بدخول ما جعل برسمه،
لانقطاع تصرف المولى عنه، وفيه نظر.
ولو حلف لا يركب سرج دابة حنث بما هو منسوب إليها.
ولو حلف أن يدخل الدار. لم يبر إلا أن يدخل بجملته.
ولو حلف ألا يدخل [الدار] فأدخل يده أو رجله لم يحنث.
ولو حلف لا دخلت دار زيد هذه، ففي بقاء اليمين بعد زوال ملكه، تردد
ينشأ من اعتبار الإشارة المتعلقة بالعين بعد زوال الإضافة، ومن اعتبار النسبة.
وتتعلق اليمين على البيت، للحضري ببيت الحاضرة خاصة، وللبدوي،
به وببيت الشعر والأدم (1).
ولو حلف لا يدخل دارا، فدخل عرصة دار انهدمت، لم يحنث.
ولو حلف لا دخلت هذه الدار، حنث بدخول العرصة بعد الانهدام، وكذا
البحث في البيت المطلق والمعين إذا دخل عرصته بعد الانهدام.
ولو حلف لا يدخل بيتا، فالأقوى أنه يحنث بدخول دهليز الدار وصفتها
وصحنها، وهل يحنث بدخول المسجد أو الحمام؟ قال الشيخ (رحمه الله) لا يحنث،
لعدم تناول العرف له. (2)

1. في مجمع البحرين: الأديم; الجلد المدبوغ، والجمع أدم بفتحتين.
2. المبسوط: 6 / 249.
310

ويحتمل الحنث لقوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع) (1) وقوله (عليه السلام):
نعم البيت الحمام (2).
ولو حلف لا دخلت الدار، اقتضى التأبيد، ولو نوى مدة صح ودين بنيته.
5855. السادس: إذا حلف ألا يدخل على زيد بيتا، فدخل عليه مع علمه
بكونه فيه، حنث، ولو لم يعلم، أو علم ونسي، لم يحنث، ولو كان فيه زيد
وعمرو فدخل مع العلم بكون زيد، حنث أيضا، سواء نوى الدخول على
زيد أو أطلق، ولو نوى الدخول على عمرو، قوى الشيخ عدم الحنث (3)
والأقوى الحنث.
ولو دخل الحالف بيتا، ثم دخل فيه المحلوف عليه، فإن خرج الحالف
في الحال لم يحنث، وكذا لو أقام معه.
ولو حلف لا يدخل الدار فدخلها مكرها أو ناسيا أو جاهلا بكونها هي
المحلوف عليها، لم يحنث.
5856. السابع: لو حلف لا يلبس ثوبا حنث بالابتداء والاستدامة، فلو كان
لابسا له قبل اليمين، وجب عليه نزعه عقيب اليمين أول حال الإمكان، فإن أخر
عن ذلك حنث، وكذا لو حلف لا يركب الدابة، وكذا لا سكنت هذه الدار، ولا
ساكنت زيدا أو لا ضاجعته، أما لو حلف لا تزوجت وله زوجة، لم يحنث
بالاستدامة، وكذا لو حلف لا تطيبت.

1. النور: 36.
2. الوسائل: 1 / 361، الباب 1 من أبواب آداب الحمام، الحديث 1 و 4 (وهما مرويان عن
علي (عليه السلام)).
3. المبسوط: 6 / 227.
311

ولو حلف لا يصوم، وهو صائم، فأتم يومه، فالأقوى الحنث.
ولو حلف لا يسافر وهو مسافر، فرجع أو أقام لم يحنث، وإن مضى في
سفره حنث.
5857. الثامن: المسمى إن اتحد انصرفت اليمين إليه، كالرجل والمرأة
والإنسان والحيوان، وإن تعدد حمل على الشرعي دون اللغوي، وعلى الحقيقة
دون المجاز الخفي، فإن اشتهر المجاز وخفيت الحقيقة على أكثر الناس،
انصرف إطلاق اليمين إلى المجاز العرفي دون الحقيقة الخفية، كالراوية (1)
والغائط (2)، سواء كان المجاز بعض أفراد الحقيقة كالدابة، أو لا.
ولو أضاف إلى العام ما تقضي العادة بتخصيصه بسبب الإضافة تخصص،
كمن حلف لا يأكل رأسا، انصرف إلى ما يتعارف عنده، فيدخل فيه الإبل
والبقر والغنم.
ولو كان في بلد كثير الصيد بحيث يكثر فيه رأسه، حنث به، وهل يحنث
برؤوس الطير والحيتان؟ قال الشيخ: لا، (3) والضابط العرف هذا مع الإطلاق،
ولو نوى ما يحتمله اللفظ انصرف إلى ما نواه وإن بعد.
ولو حلف لا شربت هذا النهر أو هذه البركة، حنث بالبعض، لقضية
العرف، وكذا لو علقه على اسم الجنس أو الجمع، كما لو حلف لا آكل الخبز ولا
أشرب الماء، ولا أجالس الفقراء والمساكين، أو علقه على اسم جنس مضاف،
كماء النهر.

1. هي في العرف: اسم المزادة، وفي الحقيقة: اسم لما يستقى عليه من الحيوانات.
2. هو في العرف: الفضلة المستقذرة، وفي الحقيقة: المكان المطمئن.
3. المبسوط: 6 / 238.
312

ولو حلف لا صمت يوما، لم يحنث حتى يكمله، وكذا لو حلف لا
صليت صلاة.
ولو حلف لا صمت أو لا صليت، حنث في الصيام بطلوع الفجر مع نية
الصوم، وفي الصلاة بتكبيرة الافتتاح، ولا يشترط السجدة.
5858. التاسع: لو حلف لا لبست هذا الثوب، وكان رداء حالة اليمين،
فارتدى به، أو ائتزر، أو اعتم، أو جعله قميصا، أو سروال، أو قباء ولبسه،
حنث، وإن كان قميصا فارتدى به، أو سراويل فائتزر به، حنث.
ولو قال: لا ألبسه وهو رداء، فغيره عن كونه رداء، ولبسه، لم يحنث.
ولو قال: لا لبست شيئا حنث بكل ما يصلح إضافة اللبس إليه، كالقميص،
والعمامة، والقلنسوة، والدرع، والجوشن، والخف، والنعل.
ولو حلف ليلبسن امرأته حليا، بر بالخاتم من الفضة والمخنقة (1) من
اللؤلؤ أو الجوهر، ولا يبر بالودع (2) وخرز الزجاج، وهل يبر بالعقيق
والسبج؟ (3) يحمل على عرفه، أو ذلك يسمى حليا في السواد (4) ولو حلف لا

1. المخنقة - بكسر الميم -: القلادة، وسميت بذلك، لأنها تطيف بالعنق وهو موضع الخنق.
مجمع البحرين.
2. الودع والودع: مناقيف صغار تخرج من البحر تزين بها العثاكيل، وهي خرز بيض. لسان
العرب: 15 / 249.
3. السبج: هو الخرز الأسود، فارسي معرب. الصحاح: 1 / 321.
4. في لسان العرب: السواد ما حوالي الكوفة من القرى والرساتيق وما في المتن هو الصحيح،
وأما ما في الجواهر: 35 / 335 من التعبير عنه ب‍ «السوار» نظير ما في تعليقة المسالك: 11 /
282; فبعيد عن الصواب.
قال ابن قدامة في المغني: 11 / 296: وإن ألبسها عقيقا أو سبجا لم يبر، وقال الشافعي: إن كان من
أهل السواد بر، وفي غيرهم وجهان، لأن هذا حلي في عرفهم.
313

يلبس حليا فلبس دراهم أو دنانير في مرسلة (1) فالأقوى الحنث، لأنه
يسمى حليا.
ولا يحنث لو لبس سيفا محلى أو منطقة محلاة.
ولو حلف لا يلبس خاتما، حنث بلبسه في غير الخنصر.
5859. العاشر: لو حلف ألا يأكل طعاما اشتراه زيد، فأكل ما اشتراه زيد
وعمرو صفقة واحدة، تردد الشيخ في الحنث وعدمه (2) والأقوى عندي العدم،
وكذا لو اشترى أحدهما نصفه مشاعا ثم الآخر النصف الآخر، أما لو اشترى زيد
نصفه معينا، ثم خلطه بالنصف الآخر، فأكل الجميع أو أكثر من النصف، حنث
إجماعا، ولو أكل أقل من النصف لم يحنث.
ولو أكل من طعام اشتراه زيد ثم باع نصفه مشاعا، فأكل أكثر من النصف
أو أقل على إشكال، حنث، ولو باعه أجمع أو اشتراه لغيره، ففي الحنث تردد.
ولو حلف لا يلبس من غزل فلانة، فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها،
حنث، ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها، فلبس من غزلها وغزل غيرها،
فالأقوى عدم الحنث، (3) وكذا لو حلف لا يلبس ثوبا نسجه زيد، فلبس ما

1. قال أبو هلال العسكري المتوفي بعد سنة 395 في التلخيص: المرسلة: قلادة طويلة تقع
على الصدر.
2. المبسوط: 6 / 223.
3. والفرق بين المسألتين هو ان المحلوف عليه في الأولى هو غزل فلانة وهو يصدق إذا لبس
ثوبا من غزلها وغزل غيرها بخلاف الثانية فإن المحلوف عليه هو الثوب الكامل من غيرها،
والمفروض أن الثوب نتيجة غزلها وغيرها.
314

نسجه زيد وغيره، أو حلف لا يأكل من قدر طبخها، فأكل ما طبخه هو وغيره،
أو لا يدخل دارا اشتراها، فدخل ما اشتراها هو وغيره، أو لا يلبس ثوبا خاطه
زيد، فلبس ثوبا خاطه هو وغيره.
أما لو حلف لا يلبس ما خاطه زيد، حنث بما يخيطه زيد وعمرو.
ولو حلف لا يدخل دارا لزيد، فدخل دارا له ولغيره، ففي الحنث إشكال.
ولو حلف لا كلمتهما، وقصد الامتناع عن كلام كل واحد منهما، حنث
بكلام أحدهما، وإن قصد الجمع لم يحنث إلا بكلامهما، اتحد الزمان
أو اختلف.
ولو قال: لا كلمت زيدا ولا عمرا، حنث بكلام كل واحد منهما.
ولو حلف على فعل شيئين، فقال والله لا آكل لحما وخبزا، لم يحنث
بأكل أحدهما، إلا أن يقصد المنع من كل منهما.
5860. الحادي عشر: لو حلف لا يشم ريحانا، فالأقرب انصرافه إلى الفارسي،
لأنه المتعارف، ويحتمل عودها إلى الحقيقة، وهو كل نبت أو زهر طيب الريح
كالورد والبنفسج والنرجس، ولا يحنث بشم الفاكهة.
ولو حلف لا يشم وردا ولا بنفسجا، لم يحنث بشم ماء الورد، ولا دهنه،
ولا دهن البنفسج، ويحنث بشم يابس الورد والبنفسج.
ولو حلف لا يأكل شواء، حنث بأكل المشوي دون غيره من
البيض وشبهه.
ولو حلف لا يركب، حنث بركوب السفينة.
315

ولو حلف لا يأكل بيضا، دخل فيه النادر كبيض النعام لأبيض السمك أو
الجراد، ولا يسمى بيضا غير بيض الحيوان.
5861. الثاني عشر: ولو حلف لا يأكل شيئا فشربه، ولا يشربه فأكله،
لم يحنث.
ولو حلف لا يشرب، فمص قصب السكر أو حب الرمان، ورمى بالتفل،
لم يحنث.
ولو حلف لا يأكل سكرا، فوضعه في فيه حتى ذاب وابتلعه، فالأقوى
عدم الحنث.
ولو حلف لا يطعم شيئا، حنث بالأكل والشرب والمص.
ولو حلف لا يأكله أو لا يشربه، فذاقه لم يحنث، وإن ازدرده.
ولو حلف لا يذوقه، فأكله أو شربه أو مصه حنث.
ولو حلف ليأكلن أكلة بالفتح، لم يبر حتى يأكل ما يعده الناس أكلة، وهي
المرة من الأكل، ولو ضم انصرف إلى اللقمة.
ولو حلف لا يأكل تمرة فامتزجت بغيرها، لم يحنث حتى يتحقق أنه
أكلها، فله أن يأكل حتى يبقى من المشتبه واحدة.
5862. الثالث عشر: إذا حلف ليفعلن شيئا، لم يبر إلا بفعل الجميع، ولو حلف
ألا يفعله، لم يحنث بفعل البعض، فلو حلف ألا يشرب ماء هذا الإناء، لم
يحنث بشرب بعضه، ولو حلف لا شربت ماء هذا النهر، حنث بالبعض، صرفا
لليمين إلى الممكن.
316

ولو حلف لا شربت من الفرات، حنث بالكرع وبالاغتراف، ثم الشرب.
ولو حلف لا شربت من هذا الإناء، لم يحنث بصب الماء في
غيره والشرب.
ولو حلف لا شربت من ماء الفرات، فشرب من نهر يأخذ منه، حنث.
ولو حلف لا شربت من الفرات، فالأقوى الحنث بالشرب من النهر.
5863. الرابع عشر: إذا حلف على شئ عينه بالإشارة، فتغيرت صفته، فإن
استحالت أجزاؤه وتغير اسمه، لم يحنث، كمن حلف لا يأكل هذه البيضة، أو
هذه الحنطة، فيصير فرخا أو زرعا.
وإن بقيت الأجزاء دون الاسم حنث، كما لو حلف لا أكلت هذا الرطب،
فصار تمرا، أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا، أو لا آكل هذا الحمل، فصار
كبشا، أو لا آكل هذا الرطب فيصير دبسا، أو ناطفا على إشكال، أو لا آكل هذه
الحنطة، فتصير دقيقا، أو سويقا، أو خبزا، أو لا آكل هذا الدقيق، فيصير خبزا،
أو لا آكل هذا اللبن، فيصير إقطا مصلا أو جبنا، أو لا أدخل هذه الدار فيصير
مسجدا، أو حماما، أو براحا.
ولو تبدلت الإضافة، كما لو حلف لا كلمت زوجة زيد هذه، ولا دخلت
داره هذه، أو لا كلمت عبده هذا، أو لا كلمت زيدا زوج هند، أو عمرا سيد
جوهر، فزالت النسب حنث.
ولو حلف لا ضربت عبد زيد فرهنه زيد أو جنى جناية تعلق أرشها
برقبته، فضربه، حنث، لأن الرهن والجناية لم يخرجاه عن النسبة.
317

ولو زالت الصفة، وتغير الاسم، ثم عادت، حنث أيضا، كما لو حلف لا
يركب هذه السفينة، فنقضت ثم أعيدت، أو لا كتبت بهذا القلم، فكسر ثم برئ،
أو لا قصصت بهذا المقص فكسر ثم أعيد.
ولو تغيرت الصفة بما يبقى الاسم معه، حنث كاللحم إذا شوي أو طبخ،
أو الرجل يمرض، أو العبد يباع، ولو حلف لا يأكل تمرا، فأكل رطبا أو بسرا أو
بلحا (1) لم يحنث.
ولو حلف لا يأكل رطبا لم يحنث بأكل التمر، أو البسر، أو البلح.
ولو حلف لا يأكل عنبا، فأكل زبيبا، أو دبسا، أو خلا، أو ناطفا، أو لا
يكلم شابا، فكلم شيخا، أو لا يشتري جديا فاشترى تيسا، أو لا يضرب عبدا،
فضرب عتيقا، لم يحنث.
ولو حلف لا يأكل رطبا، أو لا يأكل بسرا، فأكل منصفا (2) أو مذنبا (3)
حنث، بخلاف ما لو حلف لا يأكل بسرة أو رطبة.
ولو حلف لا يأكل لبنا، حنث بلبن الأنعام، أو الصيد، أو الآدمية، حليبا
ورائبا (4) ومائعا ومجمدا، لا بالجبن والسمن والأقط والكشك والزبد إلا أن
يظهر فيه لبن.

1. قال الفيومي: البلح: ثمر النخل ما دام أخضر قريبا إلى الاستدارة إلى أن يغلظ النوى. المصباح
المنير: 1 / 76.
2. وهو الذي بعضه بسر وبعضه تمر.
3. وهو الذي بدأ فيه الإرطاب من ذنبه وباقيه بسر.
4. في «أ»: رابيا.
318

ولو حلف لا يأكل زبدا، فأكل سمنا، أو جبنا، أو لبنا، لم يظهر فيه الزبد،
لم يحنث، وكذا لا يحنث لو حلف لا يأكل سمنا، فأكل زبدا، أو لبنا، أو شيئا مما
يصنع من اللبن، أو شيئا من الأدهان.
ويحنث بأكل السمن منفردا في عصيدة أو حلواء أو طبيخ يظهر فيه
طعمه، وكذا الحنث لو حلف لا يأكل خلا فأكل طبيخا فيه خل يظهر طعمه فيه،
أو حلف لا يأكل شعيرا، فأكل حنطة فيها حبات شعير إلا أن يقصد أن لا
يأكله منفردا.
ولو حلف على الدهن، فالأقرب الحنث بالسمن.
ولو حلف لا يأكل من لحم شاة، ولا يشرب لبنها، لم يتعد التحريم
إلى نسلها.
5864. الخامس عشر: لو حلف لا يأكل فاكهة، حنث بكل ثمرة تخرج من
الشجرة يتفكه بها، كالعنب، والرطب، والرمان، والسفرجل، والتفاح، والأترج،
والتوت، والنبق، والموز.
والأقرب عدم الحنث بيابس هذه، كالتمر، والزبيب، والتين،
والمشمش، والإجاص.
ولا يحنث بالزيتون والبطم والبلوط وسائر الشجر البري غير المستطاب
كالزعرور الأحمر وحب الاس دون المستطاب كحب الصنوبر.
والقثاء ليس بفاكهة، وكذا الخيار، والقرع، والباذنجان وغيرها، من
الخضر، وفي البطيخ إشكال أقربه أنه فاكهة.
319

ولو حلف لا يأكل أدما حنث بكل ما جرت العادة بأكل الخبز به، سواء كان
مما يصطبغ به، كالطبيخ (1)، والمرق، والخل، والزيت، أو من الجامدات
كالشواء والجبن والباقلاء والزيتون والبيض والتمر والملح مع الخبز.
ولو حلف لا يأكل طعاما، حنث بكل ما يسمى طعاما من قوت أو أدم أو
حلواء أو تمر، سواء كان جامدا أو مائعا، وفي الماء إشكال، ينشأ من قوله تعالى:
(ومن لم يطعمه فإنه مني) (2) ومن عدم الانصراف إليه عند الإطلاق، وكذا
الإشكال في الدواء.
ويحنث بما جرت العادة بأكله من نبات الأرض، دون ما لم تجر به العادة،
كورق الشجر.
ولو حلف لا يأكل قوتا، حنث بالخبز، والتمر، والزبيب، واللحم، واللبن،
سواء اختص أهل بلده بقوت أحدها (2) أو لا، وكذا يحنث بأكل السويق،
والدقيق، والحب الذي يقتات خبزه، دون العنب، والحصرم، والخل.
ولو حلف لا يأكل لحما، لم يحنث بالشحم، والمخ الذي في العظام،
والدماغ، والكبد، والطحال، والرئة، والكرش والمصران (3) وفي القلب
إشكال، وكذا القانصة.
والأقرب عدم الحنث بالإلية وشحم البطن.
وفي الشحم الذي على الظهر، أو الجنب، وفي تضاعف اللحم نظر،
أقربه إلحاقه بالشحم.

1. في «ب»: «كالبطيخ» وهو مصحف.
2. البقرة: 249.
3. في «أ»: بقوت أحدهما.
4. المصران جمع المصير وهو المعى. مجمع البحرين، والمصباح المنير.
320

ولا يحنث بأكل المرق، والأقرب الحنث بالرأس، والكارع، واللسان.
ولو حلف لا يأكل الشحم، لم يحنث باللحم، ويحنث بما في الجوف من
الشحم الذي على الكلى وغيره، والأقرب الحنث بشحم الظهر وما في
اللحم والإلية.
5865. السادس عشر: لو حلف لا يأكل لحما، فإن نوى معينا انصرف إليه، وإلا
انصرف إلى لحم الأنعام والصيد والطائر، والأقوى عدم انصرافه
إلى السمك.
ويحنث بأكل اللحم المحرم، كالميتة، والخنزير والمغصوب.
5866. السابع عشر: لو حلف لا يلبس ثوبا، [معينا امتن عليه بذلك الثوب] (1)
فاشترى به أو بثمنه ثوبا ولبسه، أو انتفع بالثمن لم يحنث (2) ولو قصد قطع المنة
ففي الانصراف إلى هذه نظر، ينشأ من اعتبار السبب وعدمه، والأقرب، العدم
وكذا لا يحنث لو انتفع بغير الثوب من مال المحلوف عليه كأكل طعامه، وسكنى
داره، وإن قصد قطع المنة في لبس الثوب.
ولو حلف لا يلبس ثوبا من به عليه، قطعا للمنة، (3) فاشتراه غيره، ثم
كساه إياه، أو اشتراه الحالف ولبسه، ففي الحنث إشكال ينشأ من الأخذ بعموم
اللفظ أو بخصوص السبب، والأقرب عدم الحنث.

1. ما بين المعقوفتين لازم صحة العبارة.
2. لعدم تناول اليمين للبدل على اختلافه.
3. كما إذا امتنت عليه امرأته مثلا بثوب فحلف أن لا يلبسه، قطعا لمنتها فاشتراه غيره.
321

وكذا لا يحنث لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار، فأوى في غيرها وإن
قصد الجفاء على إشكال.
ولو حلف لسبب فزال، مثل أن كان السبب المنة عليه، فملك هو الدار،
أو [ملك] غير من من عليه، لم يحنث.
5867. الثامن عشر: لو حلف ليضربن عبده في غد فمات الحالف من يومه،
لم يحنث، وكذا إن جن من يومه ولم يفق إلا بعد خروج الغد، ولو أمكنه ضربه
في الغد، ومضى الغد متمكنا ولم يضربه حنث.
ولو مات العبد من يومه لم يحنث، وكذا لو مات العبد في الغد قبل
التمكن من ضربه.
ولو مات [العبد] في غد بعد التمكن من ضربه (قبل ضربه) (1) حنث،
وكذا لو مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه قبل ضربه، حنث.
ويبر بضربه في غد أي وقت كان منه، ولا يبر بضربه في يومه ولا بضربه
في غد وهو ميت، ولا يضربه ضربا لا يؤلمه على إشكال، ولا بخنقه أو نتف
شعره أو عصر ساقه، بحيث يتألم.
ولا يحنث لو هرب العبد من يومه، ولو مرض أو مرض الحالف، فإن لم
يتمكن من ضربه لم يحنث، وإلا حنث.
ولو تلف العبد من يومه بفعله أو اختياره حنث، وهل يحنث في الحال أو
الغد؟ فيه تردد ينشأ من انعقاد يمينه حال حلفه، وقد تعذر عليه الفعل، فيحنث

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
322

في الحال، ومن كون الحلف مخالفة ما عقد يمينه عليه، فلا يحصل إلا بترك
الفعل في وقته، وكذا لو حلف ليشربن ماء الكوز غدا، فاندفق اليوم لم يحنث إلا
أن يكون اندفاقه بفعله أو اختياره.
5868. التاسع عشر: لو حلف ليصومن حينا، وجب عليه صوم ستة أشهر،
وكذا لو حلف لا يكلمه حينا، والأقرب التوالي في الثاني لا الأول.
ولو حلف لا يكلمه حقبا، فذلك ثمانون عاما.
ولو حلف ليصومن زمانا، انصرف إلى خمسة أشهر، وهل يتعدى إلى
غيره؟ كما لو حلف لا يكلمه زمانا، فيه نظر.
ولو نوى في هذه المواضع شيئا معينا، انصرف إلى ما نواه.
ولو حلف لا يكلمه دهرا أو عمرا طويلا، أو بعيدا، بر بالقليل والكثير.
ولو حلف لا يكلمه الدهر أو الأبد، اقتضى العموم، وفي الزمان نظر،
والأقرب في العمر العموم.
وإن حلف لا يكلمه أياما، فهي ثلاثة، وكذا لو قال: أشهرا أو شهورا.
5869. العشرون: لو حلف أن يقضيه حقه في وقت، فقضاه قبله، لم يحنث
إن أراد أن لا يجاوز ذلك الوقت، وإلا حنث، وكذا في غيره من الأفعال، كأكل
شئ أو بيعه، أو شرائه، إذا قيد بوقت معين، ففعل قبله حنث، وكذا لو فعل
بعضه قبل وقته، والباقي في وقته.
ولو حلف أن يقضيه حقه فقضاه عوضا عنه حنث، ولو أبرأه صاحب
الحق لم يحنث.
323

ولو حلف ليقضيه عند رأس الهلال أو مع رأسه، أو إلى رأس الهلال، أو
إلى استهلاله، أو عند رأس الشهر، أو مع رأسه، بر بقضائه عند غروب الشمس
من ليلة الشهر، وإن أخر مع الإمكان حنث.
ولو شرع في عده أو وزنه أو كيله، فتأخر القضاء لكثرته، فالأقرب
عدم الحنث.
ولو حلف لا يبيع ثوبه بعشرة، فباعه بها حنث، ولو باعه بأقل أو أكثر لم
يحنث، ولو كان سبب يمينه الامتناع عن البيع بالعشرة للنقص، حنث بالأقل.
ولو حلف لا أشتريه بعشرة، فاشتراه بأقل لم يحنث، وإن اشتراه بها أو
بأكثر حنث.
ولو حلف أن يطلق في غد وطلقها قبله بائنا حنث، ولا يحنث بالرجعة.
5870. الحادي والعشرون: لو حلف أن لا يفارقه حتى يستوفي حقه منه،
ففارقه الحالف مختارا، حنث سواء أبرأه من الحق، أو فارقه والحق عليه، ولو
فارقه مكرها لم يحنث، سواء حمل مكرها حتى فرق بينهما أو أكره بالضرب
والتهديد، وكذا لو كان ناسيا، أو هرب منه الغريم بغير اختياره.
وحد التفرق أن يفترقا عن مجلسهما كالبيع.
ولو أذن له الحالف في الفرقة ففارقه، حنث، وكذا لو فارقه من غير إذن
ولا هرب مع إمكان ملازمته والمشي معه أو إمساكه، ولم يفعل.
ولو قضاه قدر حقه ففارقه ظنا منه الوفاء، فخرج رديئا أو بعضه، لم
يحنث، وكذا لو خرج مستحقا فأخذه المالك، ولو علم بالحال ففارقه حنث.
324

ولو فلسه الحاكم ففارقه بإلزام الحاكم، لم يحنث، وإن لم يلزمه المفارقة،
لكن فارقه للعلم بوجوب المفارقة، احتمل الحنث وعدمه.
ولو أحاله الغريم بحقه ففارقه، احتمل الحنث لعدم الاستيفاء منه،
وعدمه، للبراءة منه، أما لو كانت يمينه: لا فارقتك ولي قبلك حق، لم يحنث بعد
الحوالة والضمان والإبراء، ويحنث بالكفيل والرهن.
ولو قضاه عن حقه عوضا [عنه] احتمل الحنث، لأن يمينه على الحق،
وعدمه، للبراءة منه.
ولو كانت يمينه: لا فارقتك حتى تبرأ من حقي لم يحنث، وكذا لا يحنث
لو قبض وكيله قبل مفارقته.
ولو قال: لا فارقتني حتى أستوفي [حقي منك]، ففارقه المحلوف عليه
مختارا، أو فارقه الحالف كذلك، احتمل الحنث وعدمه.
ولو قال: لا افترقنا، فهرب منه المحلوف عليه قبل القبض، حنث، إن
أمكنه الإلزام، ولو أكرها على الفرقة لم يحنث.
ولو حلف لا فارقتك حتى أوفيك حقك، فأبرأه الغريم لم يحنث، ولو
كان الحق عينا، فوهبها له، فقبلها، حنث إن كان قبل أن يقبضها الغريم.
ولو قال: لا أفارقك ولك قبلي حق لم يحنث بالإبراء والهبة.
5871. الثاني والعشرون: لو قال لعبده والله لأضربنك ان خرجت إلا بإذني أو
بغير إذني أو إلا أن آذن لك، أو حتى آذن لك أو إلى أن آذن لك، فمتى خرج بغير
إذنه يحتم الضرب، وهل يقتضي التكرار؟ إشكال.
325

ولو خرج بإذنه لم يجب الضرب، وهل تنحل اليمين؟ فيه نظر.
فلو خرج بعدها بغير إذنه، احتمل تحتم الضرب، واحتمل عدمه مطلقا،
ويحتم الضرب إن قال: إلا بإذني أو بغير إذني دون البواقي، لأنها غايات، فإذا
أذن انتهت غاية يمينه.
ولو أذن له في الخروج، ثم نهاه قبل الخروج، يحتم الضرب بالخروج،
ولو نهاه بعد الخروج بإذنه فخرج، لم يتحتم الضرب إلا مع القول بالتكرار.
ولو حلف ليضربنه إن خرج بغير إذنه لغير عيادة مريض، فخرج لعيادة
مريض، ثم تشاغل لغيره، أو قال: إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني، فخرج
إلى الحمام، وعدل إلى غيره، احتمل الحنث، إذ القصد عدم الذهاب إلى غير
الحمام والعيادة، وعدمه، لعدم خروجه إلى غيرهما، ولو خرج للعيادة وغيرها
وللحمام وغيره، حنث.
ولو حلف ليضربنه إن خرج لا لعيادة مريض، فخرج لعيادة مريض وغيره،
يحتم الضرب.
ولو حلف ليضربنه إن خرج بغير إذنه، ثم أذن له ولم يعلم، فخرج،
احتمل تحتم الضرب، إذ الإذن الإعلام، وعدمه، لخروجه بعد الإذن.
ولو حلف أن لا يخرج عبده من هذه الدار إلا بإذنه، فصعد سطحها، أو
خرج إلى صحنها، لم يحنث.
ولو حلف أن لا يخرج من البيت، فخرج إلى السطح أو إلى
صحنه، حنث.
326

ولو حلف ألا يخرج إلا بإذن زيد، فمات زيد قبل الإذن فخرج، حنث
على إشكال.
5872. الثالث والعشرون: لو حلف أن يتصدق بماله، دخل فيه كل ما يسمى
مالا، سواء كان حيوانا أو صامتا، وسواء كان زكويا أو غير زكوي، وسواء كان
عينا أو دينا حالا أو مؤجلا، أو عبدا آبقا، أو أمة أو أم ولد، أو مكاتبا مشروطا، أو
مدبرا، دون حق الشفعة واستحقاق سكنى الدار أو زرع الأرض بالأجرة.
ولو حلف أن يضربه عشرة أسواط، قيل يجزي الضغث، (1) ويحتمل
توجه اليمين إلى الضرب بالآلة المعتادة كالسوط والخشبة، ولو خاف على
المضروب الضرر العظيم أجزأ الضغث، هذا مع اعتبار المصلحة كاليمين على
الحد أو التعزير.
ولو كانت على التأديب للأمر الدنيوي، لم يجب الوفاء، ولا كفارة
مع العفو.
ولو قلنا بإجزاء الضغث أو كان المضروب متضررا بالسوط، حتى ضرب
بالضغث، اشترط إصابة كل قضيب جسد المضروب، ويكفي الظن بالوصول،
ويكفي ما يسمى به ضاربا، وهو بما يؤلم، وأن يضربه بسوط واحد عشر مرات،
أو بعشرة أسواط إما مرة إن قلنا بإجزاء الضغث، أو عشر مرات.
أما لو حلف أن يضربه بعشرة أسواط، لم يكف السوط الواحد عشر
مرات، وكفى الضغث المشتمل على العدد مرة واحدة.

1. القائل هو الشافعي وابن حامد. لاحظ المغني لابن قدامة: 11 / 325. وفي نسخة «ب»: قيل
يجزي القضيب.
327

ولو حلف أن يضربه عشرة ضربات، فهو كعشر مرات.
ولو حلف ليضربنه عشر مرات لم يكف الضغث.
5873. الرابع والعشرون: لو حلف ألا يكلم زيدا، فكتب إليه أو أرسل إليه
رسولا، لم يحنث، وكذا لو أشار إليه، أو كلم غير المحلوف عليه بقصد استماع
المحلوف عليه، فإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع، لتشاغله أو غفلته، فالأقرب
الحنث، ولو كان ميتا، أو غائبا، أو مغمى عليه، أو أصم لا يعلم بتكليمه إياه،
لم يحنث.
ولو سلم عليه حنث، ولو سلم على جماعة وهو أحدهم، أو كلمهم، فإن
قصد المحلوف عليه مع الجماعة، حنث، وإن قصدهم دونه لم يحنث، وإن
أطلق حنث.
ولو لم يعلم أن المحلوف عليه فيهم لم يحنث.
ولو سلم عليه وحده جاهلا به، لم يحنث أيضا.
ولو وصل يمينه بكلامه، مثل والله لا كلمتك، فاذهب أو فتحقق ذلك، أو
فاعلمه أو ما شابه ذلك، حنث إلا أن ينوي كلاما غير هذا.
ولو صلى بالمحلوف عليه إماما، ثم سلم من الصلاة، لم يحنث.
ولو صلى مأموما، فارتج عليه، ففتح عليه الحالف، لم يحنث (1)، لأن
ذلك كلام الله تعالى لا كلام الآدميين.

1. في «ب»: ولو صلى مأموما فارتج عليه الحالف لم يحنث.
328

ولو حلف أن لا يتكلم لم تنعقد اليمين، ولو فرض المصلحة في المنع،
انعقدت، فإن قرأ حينئذ، فالأقرب الحنث إلا أن يكون في الصلاة، وكذا لو ذكر
الله تعالى.
ولو استأذن عليه إنسان. فقال: (ادخلوها بسلام آمنين) (1) حنث.
ولو حلف أن لا يفعل شيئا ثلاثة أيام أو ثلاث ليال، لم يكن له الفعل في
الليالي التي بين الأيام ولا في الأيام التي بين الليالي.
5874. الخامس والعشرون: لو حلف أن لا يتكفل بمال فكفل ببدن إنسان لم
يحنث، ولو حلف أن لا يستخدم عبدا فخدمه وهو ساكت من غير أمر ولا نهي،
احتمل عدم الحنث مطلقا، والحنث إن كان عبده لأعبد غيره.
ولو حلف رجل أن لا يفعل شيئا، فقال الآخر: يميني في يمينك لم يلزمه
شئ، وإن نوى أنه يلزمني ما يلزمك.
5875. السادس والعشرون: إذا حلف أن يعقد، انصرف إلى الصحيح، سواء
قيده بالصحيح، أو أطلق، ولو حلف ليبيعن لم يبر إلا بالصحيح، ولو حلف لا
نكحت فلانة فنكحها فاسدا، لم يحنث، وكذا لو حلف لا يشتري فابتاع فاسدا،
ويحنث ببيع فيه الخيار.
والعقد اسم للإيجاب والقبول، ولو حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب
البيع والنكاح، ولم يقبل المتزوج والمشتري لم يحنث.
ولو حلف لا يهب أو لا يعير لم يحنث بالإيجاب خاليا عن القبول،

1. الحجر: 46.
329

وفي الوصية والهدية والصدقة إشكال، أقربه الحنث بمجرد الإيجاب.
ولو حلف ليتزوجن على امرأته بر بالإيجاب والقبول الصحيح، وإن
تزوج دون زوجته في الشرف، أو لم يدخل بها، أو واطأ امرأته على نكاح لا
يغبطها به ليبر في يمينه، كما لو تزوج بعجوز.
ولو حلف لا تسريت، فوطئ جاريته حنث، وإن لم ينزل، أو لم يحصنها
ويحجبها (1). (2)
5876. السابع والعشرون: لو حلف لا يهب له فأهدى إليه أو أعمره، حنث،
ولو أعطاه من الصدقة الواجبة أو النذر أو الكفارة لم يحنث، ويحتمل في
الصدقة المندوبة الحنث، لكونها نوع هبة، ولا يخرجها تخصيصها باسم عن
جنسها، كالهدية والعمرى، والعدم، لأنه (عليه السلام) كان يقبل الهدية دون الصدقة، ولو
أوصى له لم يحنث، وكذا إن أعاره أو أضافه أو باعه أو حاباه أو أسقط عنه دينا،
وفي الوقف عليه إشكال.
ولو حلف أن لا يتصدق عليه، فوهب له لم يحنث.
5877. الثامن والعشرون: إذا حلف أن لا يفعل شيئا، انصرف إلى المباشرة وإلى
الأمر به مع صلاحية النسبة به.

1. في «ب»: أو يحجبها.
2. قال في المسالك: 11 / 283: اختلف في معنى التسري، فذهب بعضهم إلى أنه يحصل
بثلاثة أمور: ستر الجارية عن أعين الناس المعبر عنه بالتخدير والوطء، والإنزال، وقيل: يكفي
الوطء والستر، وقيل: يكفي الوطء لأن اشتقاقه من السر وهو الوطء... واختار الشيخ في
المبسوط اعتبار الوطء والإنزال، وفي الدروس الاكتفاء بالوطء مطلقا، والأقوى الرجوع فيه
إلى العرف. ولاحظ المبسوط: 6 / 251.
330

فلو حلف التاجر لا يبيع، انصرف إلى المباشرة، فلو باع وكيله لم يحنث.
ولو حلف السلطان لا يضرب، انصرف إلى الأمر به.
ولو حلف لا يحلق رأسه، فالأقرب الحنث بالأمر به.
ولو حلف لا يضرب امرأته، فلطمها أو لكمها (1) أو ضربها بعصا [أ] و
غيرها، حنث، ولو عضها أو خنقها أو جز شعرها جزا يؤلمها قاصدا للإضرار
لم يحنث.
وكذا تنصرف يمينه إلى العمد، فلو حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا لم
يحنث، وكذا لو فعله مكرها.
5878. التاسع والعشرون: للحالف أن يتأول في يمينه مثل ما كاتبت فلانا،
ويعني كتابة الرقيق، ولا عرفته أي جعلته عريفا، ولا سألته حاجة أي شجرة
صغيرة، وأن يوري في يمينه مثل أن يدعي عليه محق بشئ وهو غير قادر
عليه، فيحلف أنك لا تستحق عندي شيئا، وينوي في ضميره الآن، فهذا كله
سائغ إن كان الحالف مظلوما، بأن يستحلفه ظالم على شئ لو صدقه لظلمه أو
ظلم غيره.
وإن كان الحالف ظالما لم تقبل نيته ولا تأويله ولا توريته بل النية نية
المستحلف، وينصرف اللفظ إلى ما عناه المستحلف.
ولو لم يكن ظالما ولا مظلوما، سمعت نيته وقبل تأويله، (2) وانصرف
اللفظ إلى ما عناه.

1. لكمه: ضربه باليد مجموعة الأصابع.
2. في «أ»: وقبل تأويله الصدق.
331

5879. الثلاثون: لو حلف أن لا يتزوج على زوجته، فتزوج قبل أن يطلقها
حنث، وكذا لو طلقها رجعيا، وتزوج قبل خروج العدة.
ولو قال: والله لا بعت لفلان شيئا، فدفع المحلوف عليه سلعته إلى ثالث
ليبيعها، فدفعها إلى الحالف فباعها لم يحنث إن كان دفعها بغير إذن الدافع إليه،
لعدم صحة البيع، وإن كان قد أذن له في التوكيل في بيعها، وعلم، حنث،
وإلا فلا.
ولو حلف لا بعت له ثوبا، فدفعه المحلوف عليه إلى وكليه فقال: بعه
أنت، فدفعه إلى الحالف فباعه لم يحنث، لأنه لم يبع للذي حلف إلا أن يكون
نوى أن لا يبيع سلعة يملكها المحلوف عليه.
5880. الحادي والثلاثون: لو حلف على شيئين إثباتا لم يبر بأحدهما، فلو قال:
والله لأصلين وأصومن، وجبا معا، ولا يجب جمعهما في الإيجاد، ولو حلف
عليهما نفيا، جاز له فعل أحدهما لافعلهما، فلو قال: والله لا أكلت هذين
الرغيفين، جاز له أكل أحدهما، ويحنث بأكلهما.
5881. الثاني والثلاثون: إذا حلف ليعتقن مماليكه، دخل فيه العبيد والإماء،
سواء كانوا قنا أو مدبرا، أو أمهات أولاد، أو مكاتبين مشروطين، ولو كان له
أشقاص في عبيد (1)، عتق عليه الأشقاص، ولا يدخل المكاتب المطلق وإن لم
يؤد شيئا من المال.
ولو حلف أن يعتق عبده إن لم يضربه غدا، فباعه اليوم ثم اشتراه بعد غد،
لم يحنث، وإن اشتراه في الغد، وجب عليه عتقه.

1. في «أ»: في عبيده.
332

ولو حلف أن يضربه غدا فباعه في يومه أو في غده، ثم خرج الغد ولم
يضربه، حنث.
ولو حلف ليطأن امرأته اليوم، فحاضت بعد إمكان الوطء، فالأقرب
عدم الحنث إذا وطئها حائضا.
5882. الثالث والثلاثون: قد بينا أن النفي يقتضي التأبيد إلا مع نية التقييد، فلو
قيل له: كلم زيدا اليوم، فقال: والله لا كلمته، فإن نوى المقيد (1) في الأمر
تخصص، وإن أطلق احتمل التأبيد عملا بمقتضى اللفظ، والتقييد للعرف.
ولو حلف أن لا يكلم الناس، فكلم واحدا، فالأقرب أنه لا يحنث.
ولو حلف لا كلمت زيدا وعمرا، لم يحنث بكلام أحدهما، وقول الشيخ
هنا (2) مدخول.
5883. الرابع والثلاثون: لو حلف أن لا يرى منكرا إلا رفعه إلى الوالي فلان،
فرآه ولم يرفعه مع إمكانه حتى مات أحدهما، حنث، ولو لم يتمكن حتى مات
لم يحنث، ولو عزل، فإن كان نية رفعه حال الولاية، لم يبر برفعه بعد العزل، ولا
يتحقق الحنث في الحال، لجواز عود الولاية فيرفعه إليه، وإن لم يكن له نية
احتمل البر برفعه إليه معزولا، اعتبارا بالعين، والعدم اعتبارا بالعين والصفة.

1. في «ب»: فإن نوى القيد.
2. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 231: فإن حلف لا كلمت زيدا وعمرا فكلم أحدهما حنث،
والفرق بينهما (أي بين هذه المسألة ومسألة الرغيفين) أنهما يمينان، لأنه حلف لا كلم زيدا
ولا كلم عمرا، وإنما دخلت الواو نائبة مناب تكرير الفعل، كأنه أراد أن يقول: والله لا كلمت
زيدا ولا كلمت عمرا فقال: «وعمرا» فلهذا حنث، وليس كذلك في الأول (أي حلف لا أكلت
هذين الرغيفين) لأنهما يمين واحد.
333

ولو حلف أن يرفعه إلى وال، لم يحنث بموت الأول.
ولو حلف أن يرفعه إلى الوالي، احتمل عوده إلى الموجود حال اليمين،
فيبقى كالأول، وإلى الماهية الكلية فيبقى كالثاني، وهو أقرب.
5884. الخامس والثلاثون: قد بينا أن إطلاق اليمين ينصرف إلى العرف، لكن
يحتمل مراعاة عرف واضح اللسان وعرف الحالف وفهمه، فلو حلف البدوي لا
يدخل بيتا، حنث ببيت الشعر والجلد والكلة (1) والخيمة، وفي البلدي وجهان.
ولو قال: «در خانه نشوم» لم يحنث ببيت الشعر والخيمة إذ لم يثبت هذا
العرف بالفارسية.
ولو حلف على الجوز حنث بالهندي، وعلى التمر لا يحنث بالهندي.
ولو حلف لا يأكل البيض، ثم حلف أن يأكل ما في كم فلان وكان بيضا،
فاتخذ منه الناطف، (2) [فأكل] لم يأكل البيض، وبر في اليمين.
ولو حلف على ما اشتراه زيد لم يحنث بما يملكه بهبة، أو رجع إليه بإقالة
أو رد عيب أو قسمة، أو صلح عن دين أو شفعة.
ولو حلف أن لا يشتري فتوكل لغيره في الشراء، لم يحنث فيما أضافه
إلى الموكل.
ولو حلف لا يأكل ما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه وكيله، ويحنث لو
حلف على طعام زيد.

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: الكلة - بالكسر -: الستر يخاط كالبيت يتوقى به من البق.
2. قال الفيومي: الناطف: نوع من الحلوى يسمى القبيطي. المصباح المنير: 2 / 319.
334

ولو حلف لا يبيع الخمر فباع لم يحنث إلا أن يريد صورة العقد.
ولو حلف أن لا يحج حنث بالفاسد لانعقاده.
ولو حلف لا آكل لحم هذه البقرة وأشار إلى سخلة حنث بلحمها
تغليبا للإشارة.
ولو حلف لا يلبس ما غزلته فلانة، حمل على المغزول في الماضي.
ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها، حمل على الماضي والمستقبل، ولو
لبس ما خيط بغزلها لم يحنث.
ولو حلف لا يلبس ثوبا ففرشه ونام عليه، لم يحنث، وكذا لو تدثر به
على الأقوى.
ولو حلف لا لبست قميصا فارتدى بقميص، احتمل الحنث وعدمه، ولو
فتقه وائتزر به لم يحنث.
ولو حلف على مهاجرة زيد ففي الحنث بالمكاتبة نظر.
ولو حلف أن لا يتكلم انصرف إلى النطق باللسان، وفي الحنث بترديد
الشعر مع نفسه نظر.
ولو حلف لأثنين على الله بأحسن الثناء، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت
كما أثنيت على نفسك.
5885. السادس والثلاثون: الحالف إن قيد فعله بوقت تعين، وإن أطلق لم
يجب الفور، بل وقته العمر ويتضيق (1) عند غلبة الظن بالوفاة، سواء أطلق أو
قيده بشرط على الأقوى.

1. في «ب»: ويضيق.
335

ولو حلف ليقضين حقه لم يحنث بالتأخير إلا أن يفوت بموت أحدهما،
فيتحقق الحنث.
ولو حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي، لم يجب البدار بل عمره
وعمر القاضي مهلته، ولو رأى المنكر بعد اطلاع القاضي احتمل وجوب الرفع
إليه وعدمه.
5886. السابع والثلاثون: إذا حلف على شئ اقتضى التعلق بما يصدق عليه
ذلك الشئ في الحال، فلو حلف لا يدخل دار فلان لم يحنث بدخول دار
يملكها فلان بعد اليمين.
ولو حلف أن يعتق كل مملوك يملكه غدا، دخل فيه ما يملكه في الحال
وما سيملكه في باقي اليوم إذا بقي إلى الغد وما يستحدث في ملكه في غد.
ولو حلف أن يعتق كل مملوك يشتريه في غد اختص بما يشتريه في الغد.
ولو حلف لا يدخل «بغداد» فمر بها في سفينة ففي الحنث إشكال ينشأ
من كون دجلة من «بغداد» حقيقة، ومن كون «بغداد» موضع يقع عليه اليد
ودجلة لا يقع عليها يد «البغدادي».
ولو قال: والله لا أكلمك حتى تكلمني، فتكلما معا، حنث.
ولو حلف لا يتزوج «بالكوفة» فزوجه الفضولي «بالكوفة» امرأة «بمكة»
وأجازت «بمكة»، احتمل الحنث بوقوع العقد «بالكوفة»، وعدمه، لأن الإجازة
من تتمته (1) وقد وقعت «بمكة».

1. في «ب»: من تتمة.
336

5887. الثامن والثلاثون: إذا حلف أن يعطي من يخبره، فأخبره جماعة،
استحق كل واحد ما حلف عليه، سواء أخبروه دفعة أو على التعاقب.
ولو حلف أن يعطي من سره، فهو للمخبر الأول بالسار، فلا يستحق
المخبر الثاني شيئا، ولو كان المخبر الأول جماعة استحق كل واحد منهم.
ولو حلف أن يعطي أول من يدخل داره، استحق من يدخل عقيب
اليمين وإن لم يدخل غيره.
ولو حلف أن يعطي آخر داخل، فهو لآخر من يدخل قبل موته.
337

المقصد الثالث: في أحكام اليمين
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5888. الأول: إذا حلف على فعل موقت وجب عليه الإتيان به في وقته، فلو
تجدد العجز قبل الوقت انحلت اليمين، كما لو حلف ليعتقن غدا مملوكه
فيموت اليوم، أو ليحجن في هذا العام فيعجز.
5889. الثاني: قد بينا أن مبنى الأيمان على المتعارف، فإن كان حقيقة تعين
الانصراف إليه، وكذا إن كان مجازا غلب على الحقيقة، وإلا فالحقيقة.
فلو حلف لا شربت لك ماء من عطش، احتمل عوده إلى الحقيقة وإلى
المتعارف فيعم ما عداه.
5890. الثالث: الحنث يتحقق بالمخالفة اختيارا، ولا يتحقق بالمخالفة مع
الإكراه أو الجهل أو النسيان.
5891. الرابع: تكره اليمين الصادقة على القليل من المال، وتجب الكاذبة مع
المصلحة، كما إذا أراد تخليص مظلوم، وإن أحسن التورية وجبت، وتحرم
اليمين على المحرم، وحلت اليمين على الواجب والمندوب والأصلح من
المباح والمتساوي منه.
339

5892. الخامس: لو حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسول الله أو من أحد
الأئمة (عليهم السلام) أثم في الماضي والمستقبل صدق أو كذب.
وقال الشيخ: لو حلف على المستقبل بها وخالف، وجب عليه
كفارة الظهار. (1)
5893. السادس: لا بد في اليمين من النية والضمير، ثم إن كان الحالف محقا
كانت النية نيته، وإن كان مبطلا كانت النية نية المستحلف.
5894. السابع: قد بينا أن اليمين إنما تكون بالله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته،
ولو رأى الحاكم استحلاف الكفار بالتوراة و الإنجيل أو بشئ من كتبهم أردع
لهم، جاز له استحلافهم بذلك.
5895. الثامن: إذا حلف أن لا يمس جارية غيره أبدا، ثم ملكها، جاز له وطؤها
، لأنه حلف أن لا يمسها حراما، ولو تعلقت اليمين بالعين حرمت أبدا.
5896. التاسع: إذا انعقدت اليمين على المستقبل، وجب الوفاء بها، فإن أخل
وجبت الكفارة، ولو كان الخلاف أرجح في الدين أو الدنيا جاز له الحل ولا
كفارة.
ولو حلف على ترك شئ ففعله، حنث ووجبت الكفارة، وإن كانت على
فعل شئ فتركه، فإن كانت اليمين مؤقتة وخرج الوقت، وجبت الكفارة أيضا،
وإن كانت مطلقة لم يحنث إلا بفوات وقت الإمكان.
5897. العاشر: إذا خالف مقتضى اليمين ناسيا أو جاهلا، لم تجب الكفارة،

1. النهاية: 570 - باب الكفارات -.
340

وكذا لو فعله مكرها، كمن حلف أن لا يدخل دارا فأدخل مربوطا أو ضرب أو
هدد حتى دخل.
ولا كفارة في يمين الغموس (1) ولا يمين اللغو (2).
5898. الحادي عشر: إذا حلف على شيئين يمينا واحدا، كما لو قال: والله
لأصلين وأصومن، فحنث فيهما أو في أحدهما، فكفارة واحدة، وكذا لو حلف
أيمانا متكررة على شئ واحد إن قصد التأكيد، وكذا إن قصد تعدد اليمين على
إشكال.
ولو حلف أيمانا على أجناس متعددة فحنث في واحدة منها، فعليها
الكفارة، فإن حنث في أخرى فكفارة أخرى، سواء أخرج الأول أو لا.
5899. الثاني عشر: لا يحب التكفير قبل الحنث، فإن كفر قبله لم يجز عن
الكفارة لو حنث، سواء كانت الكفارة صياما أو غيره.
ولو ظاهر ولم ينو العود ثم كفر لم يجز به عن كفارة الظهار، لأنه كفر قبل
الوجوب، وإذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على الجماع، سواء
كانت الكفارة عتقا أو صياما، ولو جامع قبل التكفير وجب عليه كفارة أخرى.
5900. الثالث عشر: إذا قال: حلفت، ولم يكن قد حلف، كان كاذبا ولا
كفارة عليه.
ولو حلف على ترك شئ صار فعله حراما.

1. قال الشهيد في المسالك: 11 / 292: المعهود بين الفقهاء وأهل اللغة أن اليمين الغموس هي
الحلف على الماضي كاذبا متعمدا، بأن يحلف أنه ما فعل وقد كان فعل أو بالعكس، وأنها
محرمة، وأنها سميت غموسا، لأنها تغمس الحالف في الذنب أو النار.
2. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 202; لغو اليمين: أن تسبق اليمين إلى لسانه لم يعقدها بقلبه كأنه
أراد أن يقول: بلى والله، فسبق لسانه لا والله، ثم استدرك فقال: «بلى والله» فالأول لغو.
341

كتاب النذر
343

المقصد الرابع: في النذر
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في ماهيته
وفيه ثمانية مباحث:
5901. الأول: يشترط في النذر صدوره نطقا من البالغ العاقل المسلم المختار
القاصد، فلو نذر الصبي أو المجنون أو الكافر أو المكره أو فاقد القصد بسكر أو
غضب أو عدم نية أو غير ذلك لم يقع.
قال الشيخ: يكفي في النذر النية والضمير عن النطق (1) وليس بجيد.
5902. الثاني: لا بد في النذر من نية القربة، ولو نذر الكافر حال كفره ثم
أسلم، استحب له الوفاء به.
ولو قصد بالنذر منع نفسه لا لله لم ينعقد.

1. النهاية: 562.
345

ويشترط في نذر المرأة بغير الواجب إذن زوجها، وفي نذر المملوك
بذلك إذن المالك، فإن بادر من غير إذن لم ينعقد وإن تحرر، ولو أجاز المالك
ففي صحته إشكال، نعم لو أذن له في النذر فنذر انعقد، وكذا ينعقد لو
علقه بتحريره.
5903. الثالث: المشهور عند علمائنا وقوع النذر المطلق، وقال السيد
المرتضى (رحمه الله): لا يقع إلا معلقا بشرط. (1) وليس بمعتمد.
5904. الرابع: صيغة النذر أن يقول: لله علي كذا، ويسمى تبرعا إن خلا عن
الشرط، وبرا إن قصد شكر النعمة أو دفع البلية، وزجرا إن قصد المنع عن الفعل
المجعول شرطا، مثل لله علي كذا إن رزقت ولدا، أو شفاني الله من المرض، أو
إن فعلت معصية، أو إن لم أفعل طاعة، وفي التبرع نازع المرتضى (رحمه الله) (2)
والإجماع على انعقاد البواقي.
5905. الخامس: إن قصد بالنذر الشكر وجب أن يكون الشرط سائغا إما واجبا،
أو ندبا، أو مباحا يتساوى طرفاه، أو يترجح وجود الشرط على عدمه في الدين
أو الدنيا، ولو كان العدم أولى لم ينعقد النذر، كما قلنا في اليمين سواء، ويجب
أن يكون الجزاء طاعة لله تعالى.
5906. السادس: لا ينعقد النذر بالطلاق ولا بالعتاق ولا مجردا من ذكر الله
تعالى، نعم لو قال: علي كذا، استحب له الوفاء.
وإنما يجب الوفاء لو قال: لله علي كذا، ولو عقب النذر بقوله إن شاء الله لم
يلزمه شئ.

1. الانتصار: 362; المسألة 203 - الاشتراط في النذر -.
2. الانتصار: 362 - 363، المسألة 203.
346

ولو قال: لله علي صوم إن شاء زيد، لم يلزمه شئ وإن شاء زيد.
5907. السابع: قد بينا أن الملتزم بالنذر، يشترط فيه كونه طاعة كالصوم،
والصلاة، والحج، ولو كان واجبا، فالأقوى انعقاد النذر فيه، لفائدة وجوب
الكفارة بالاخلال.
ولا ريب في انعقاد النذر بفروض الكفايات، كالجهاد، وتجهيز الموتى،
وبصفات فروض الأعيان، كما لو نذر المشي في حجة الإسلام، أو طول القراءة
في الفرائض، أو زيادة الذكر في الركوع، وبالعبادة المندوبة، كصلاة النافلة،
وبالقربات كعيادة المريض، وإفشاء السلام، وزيارة القادم، وتجديد الوضوء،
دون المباحات كالأكل والنوم.
نعم لو قصد بالأكل التقوي على العبادة، فيثاب عليه لزم.
ولو نذر ما هو طاعة وليس بطاعة لزمه الإتيان بالطاعة خاصة.
ولو نذر الجهاد في جهة تعينت الجهة، ولم يجزه ما يساويها في
المسافة والمؤنة.
5908. الثامن: لا يشترط كون الشرط مقدورا، ويشترط كون الجزاء مقدورا،
فلو نذر الصوم العاجز عنه لم ينعقد، ولا يجب عليه كفارة، وكذا لو تجدد العجز
مع عدم سبق الوجوب، ولو عجز لعارض يرجى زواله انتظر ولا كفارة عليه، فإن
استمر إلى أن صار غير مرجو الزوال سقط، ولو زال العجز بعد فوات وقت النذر
المعين، فلا قضاء.
347

الفصل الثاني: في أنواع الجزاء
الأول الصوم
وفيه سبعة مباحث:
5909. الأول: إذا نذر صوما، فإن أطلق أجزأه يوم واحد.
ولو نذر صوم أيام، وأطلق، فأقله ثلاثة أيام.
ولو عين عددا وجب، ولا يجب التتابع إلا أن يشترط فيتعين، نعم
يستحب له المبادرة، ويصوم العدد في أي وقت شاء مما يصح صومه، فلو صامه
في رمضان لم يجزه.
فإن عين الشهر تعين، فإن أخل به لغير عذر، وجب عليه القضاء والكفارة
عن خلف النذر.
ولو نذر صوم سنة معينة ولم يشترط التتابع، وجب عليه صيام تلك السنة
إلا العيدين وأيام التشريق إن كان بمنى، وإن كان بغير بمنى وجب صيام أيام
التشريق، ولا يقضي العيدين ولا أيام التشريق إذا كان بمنى، ويجب عليه تتابع
الصوم، فإن أفطر في أثناء السنة لعذر قضاه، وإن كان لغير عذر وجب مع القضاء
الكفارة، ويبني في الحالين.
348

وإن شرط التتابع لفظا ثم أفطر في الأثناء لغير عذر، وجب الاستئناف
والكفارة، وان كان لعذر وجب البناء والقضاء ولا كفارة.
وقال بعض علمائنا: إذا تجاوز نصف السنة بيوم واحد جاز له التفريق. (1)
وليس بجيد.
ولو نذر صوم سنة مطلقة، ولم يشترط التتابع جاز صومها متتابعا ومتفرقا،
ويصوم إما اثني عشر شهرا بالأهلة أو بالعدد كل شهر ثلاثون يوما، فإن صام
شوالا قضى بدل العيد يوما، ولو كان ناقصا قضى يومين، لأنه لم يصم ما بين
الهلالين وقيل: يقضي يوما واحدا، ويصوم رمضان عن الفرض لا النذر، ويقضي
شهرا بدله، وكذا يقضي يوم النحر وأيام التشريق إن كان بمنى.
ولو شرط التتابع وجب، فإن أفطر لعذر لم يسقط التتابع ولا كفارة ويصوم
بدلا عن رمضان والعيدين شهرا ويومين، ولا ينقطع التتابع لأنه عذر، وكذا
الحيض عذر والسفر الضروري أيضا دون الاختياري.
ولو أفطر لغير عذر وجب الاستئناف ولا كفارة هنا.
5910. الثاني: إذا نذر الاعتكاف اقتضى وجوب الصوم، فإن عين زمانا ومكانا
تعين إذا لم يقصر الزمان عن ثلاثة، ولا خرج المكان عن أحد المواطن الأربعة،
ولو أطلقها تخير في إحدى المواطن الأربعة، ووجب عليه الاعتكاف ثلاثة أيام.

1. نسبه ثاني الشهيدين إلى الشيخ في المبسوط، كما حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح
الفوائد. لاحظ المسالك: 11 / 382. والإيضاح: 4 / 56. ولم نعثر عليه في المبسوط،
ويمكن أن يراد منه ما نقله الشيخ في صوم شهرين متتابعين. انظر المبسوط: 6 / 213 - 214.
349

ولو نذر أربعة أيام ولم يشترط التتابع، فاعتكف ثلاثة، وخرج في الرابع،
وجب عليه قضاؤه، فيضم إليه آخرين، والأقرب نية الوجوب فيهما.
والأقرب أنه إذا شرع في اعتكاف مندوب فاعتكف يومين بنية الندب
جوز إيقاع الثالث عن المنذور، ولا يفتقر إلى آخرين وكذا لو نذر اعتكاف يوم
ولم يشترط نفي الزائد.
5911. الثالث: إنما ينعقد نذر الصوم إذا كان طاعة، فلو نذر صوم العيد أو أيام
التشريق وهو بمنى لم ينعقد، ولا يجب عليه قضاء ولا كفارة، وكذا لو نذرت
صوم أيام حيضها.
ولو نذر صوم يوم فاتفق أن كان هو العيد، وجب الإفطار، والأقوى عندي
عدم وجوب القضاء ولو اتفقت حائضا أفطرت وفي القضاء نظر أقربه الوجوب.
ولو نذر صوم قدوم زيد لم ينعقد.
ولو نذر صوم أول يوم من رمضان قيل: لا ينعقد (1) لوجوب الصوم بغير
النذر، والأقوى عندي انعقاده.
ولو نذر صوم أيام متفرقة فالأقوى جواز التتابع، وكذا لو نذر صوما في بلد
معين، فالأقوى عندي جواز الصوم في غيره.
ولو نذر أن يصوم حينا ولم يعين، وجب صوم ستة أشهر.

1. قال الشهيد في المسالك: 11 / 389: اختلف الأصحاب في صحة نذر الواجب، سواء في
ذلك أول يوم من شهر رمضان وغيره، فذهب جماعة منهم المرتضى والشيخ وأبو الصلاح
وابن إدريس إلى المنع، لأنه متعين بأصل الشرع فإيجابه بالنذر تحصيل للحاصل وذهب أكثر
المتأخرين إلى الصحة، لأن الواجب طاعة مقدورة للناذر فينعقد نذره - إلى أن قال - وهو
الأقوى.
350

ولو نذر أن يصوم زمانا صام خمسة أشهر، ولو عين بالنية فيهما غير ذلك،
لزم ما نواه ولو كان يوما واحدا.
5912. الرابع: لو نذر أن يصوم يوم قدوم زيد دائما سقط اليوم الذي يقدم فيه،
سواء قدم ليلا أو نهارا، وسواء تناول الناذر قبل قدومه أو لا، وسواء قدم قبل
الزوال أو بعده، ووجب صوم ذلك اليوم فيما يأتي من الزمان دائما، ويصوم ذلك
اليوم في رمضان عن رمضان، ولا يقضيه.
ولو اتفق يوم عيد أفطره، والوجه عدم القضاء، وليس له أن يصوم فيه مالا
يتعين صومه لقضاء رمضان والنذر المطلق وكفارة اليمين.
أما لو وجب عليه صوم شهرين متتابعين كفارة عن قتل أو ظهار، قال
الشيخ (رحمه الله): الأقوى أنه يصوم ذلك اليوم في الشهر الأول عن الكفارة ويقضيه،
وفي الثاني عن النذر (1) وقال ابن إدريس: تسقط الكفارة بالصوم، وتنتقل إلى
الإطعام. (2) وكلامهما ردئ، والأقرب صومه عن النذر في الشهر الأول والثاني
معا، ولا ينقطع به التتابع، لأنه عذر، سواء تقدم النذر الكفارة أو تأخر.
ولو نذر هذا صوم شهرين متتابعين، فالأقرب تداخل النذرين.
ولو نذر صيام شهر من يوم يقدم فلان، فقدم في أول رمضان، فإن قلنا
بصحة نذر رمضان أجزأه صيامه لرمضان ونذره، وينوي عنهما، وإلا صام عن
رمضان وسقط نذره.
5913. الخامس: لو نذر أن يصوم شهرا متتابعا ولم يسمه فمرض في بعضه،
احتمل وجوب الاستئناف والبناء، ولا كفارة على التقديرين.
ولو عين الشهر وجن جميعه، لم يجب القضاء ولا الكفارة.

1. نقله ابن إدريس عن الشيخ في مبسوطه، ولم نعثر عليه. لاحظ السرائر: 3 / 68.
2. السرائر: 3 / 68.
351

ولو صام ناذر المعين قبل الوقت لم يجزه، ولو مات بعد إمكان الأداء،
وجب على وليه القضاء عنه.
5914. السادس: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين بنذر أو كفارة، فصام
شهرا ومن الثاني شيئا، ثم فرق الباقي، أجزأه وهل يأثم؟ قولان، ولا كفارة قولا
واحدا، ولو فطر في الأول لعذر بنى ولا كفارة، وإن كان لغير عذر استأنف وكفر
إن كان النذر معينا وأثم، والأحوط أن المفطر في الأول لعذر يصوم في أول
أوقات الإمكان، وهل هو واجب؟ فيه نظر.
ومن وجب عليه صوم شهر متتابع، فصام خمسة عشر يوما، جاز له تفريق
الباقي على الخلاف، ما لم يكن الصوم معينا، سواء كان الوجوب بالنذر أو
بالكفارة إذا كان عبدا.
ولا يجب التتابع في قضاء المتتابع سواء كان رمضان أو نذرا قيد بالتتابع.
5915. السابع: لو نذر صوم يوم معين فعجز عن، سقط النذر، واستحب له
الصدقة عنه بمد، ولو ابتدأ بصوم تطوع فنذر في أثناء النهار إتمام ذلك
الصوم، لزم.
ولو نذر ابتداء صوم بعض يوم لغى ولم يجب يوم كامل.
ولو نذر صوم الاثنين ويوم يقدم زيد أبدا، فقدم يوم الاثنين لزمه الاثنين
لا غير.
ولو نذر صوم الدهر سقط العيدان وأيام التشريق إن كان بمنى، وصام
رمضان عنه لا عن النذر.
ولو حاضت المرأة أفطرت ولا قضاء، وكذا لو سافر أو مرض.
352

ولو أفطر عمدا كفر ولا قضاء على إشكال، ولو قيل: يقضى من تركته كان
وجها، وحينئذ ففي جواز الاستنابة مع الحياة إشكال، وكذا لو أفطر هذا الناذر
يوما من شهر رمضان.
ولو صام بعض الأيام قضاء عما أفطره إما من رمضان أو من النذر، فالوجه
عدم وقوعه عما نواه ووجوب قضاء آخر، وكفارة خلف النذر، حيث لم ينوه
عما نذره.
ولو نذر الصوم المكروه كيوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، ومع الشك
في الهلال، ففي الانعقاد نظر.
الثاني: في الحج
وفيه ستة مباحث:
5916. الأول: من نذر الحج وأطلق، وجب عليه الإتيان به، ولا يشترط الفور،
ولا تجب العمرة، وكذا لو نذر العمرة لم يجب الحج، ويكفي المرة، ويتعين
الوقت والعدد إن عينهما.
ولو عين الوقت فأحصر أو صد سقط ولا قضاء.
ولو مات ناذر الحج بعد إمكان أدائه، خرج من صلب ماله أجرة الحج.
5917. الثاني: لو نذر أن يحج ماشيا، لزمه الوفاء به، وكذا الاعتمار، فإن أطلق
تعين المشي من بلد النذر، وقيل: من الميقات، فلو ركب أعاد، ولو ركب بعض
الطريق بغير عذر، وكان النذر مقيدا بوقت، وجب عليه كفارة خلف النذر، وإن
353

كان مطلقا قيل: يعيد الحج يمشي ما ركب، والأقوى الإعادة ماشيا، وإن كان لعذر،
فإن كان النذر مقيدا أجزأ، وهل يجب سياق بدنة؟ المروي ذلك (1) والأقرب
عندي الاستحباب وإن كان مطلقا، فالأقوى توقع المكنة، سواء قلنا إن المشي
يجب من بلده أو من الميقات، فالإحرام من الميقات إلا أن ينذره متقدما.
5918. الثالث: لو نذر أن يحج ماشيا فعجز، لم يسقط عنه الحج، ويجب أن
يحج راكبا، وهل يجب على ناذر المشي أن يقف مواضع العبور؟ الأقرب أنه
مستحب، ويسقط فرض المشي عن ناذره بعد طواف النساء.
ولو نذر أن يحج راكبا فمشى، فالأقرب أنه يحنث فيكفر عن خلف النذر.
وإذا أفسد الحج المنذور ماشيا، وجب القضاء مشيا، وكذا إن فاته الحج
ويسقط عن من فاته توابع الوقوف من المبيت بمزدلفة ومنى والرمي، ويتحلل
بعمرة، ويمضي في الحج الفاسد حتى يتحلل منه، وهل يجب المشي إلى
التحلل؟ فيه نظر، أقربه عدم الوجوب، ثم يجب قضاء النذر إن كان مطلقا، أو
فرط في إتيان الموقت.
5919. الرابع: لو نذر أن يطوف على أربع، قال الشيخ: عليه طوافان ليديه
ورجليه (2) والأقرب بطلان النذر.

1. الوسائل: 16 / 203، الباب 20 من كتاب النذر والعهد، الحديث 1.
2. قال الشيخ في النهاية: 242 - كتاب الحج -: ومن نذر أن يطوف على أربع، كان عليه طوافان:
أسبوع ليديه وأسبوع لرجليه. ولاحظ التهذيب: 5 / 135 في ذيل الحديث 445 من كتاب
الحج باب الطواف.
354

5920. الخامس: لو نذر أن يحج وليس له مال، فحج عن غيره، قال الشيخ أجزأ
عنهما (1) وليس بمعتمد.
5921. السادس: لو نذر إن رزق ولدا أن يحج به (2) أو يحج عنه، ثم مات، حج
بالولد أو عنه من صلب المال.
الثالث: إتيان المساجد
وفيه ثلاثة مباحث:
5922. الأول: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام انصرف إلى بيت الله
سبحانه وتعالى «بمكة» ولزمه ذلك، وكذا يجب عليه لو نذر أن يمشي إلى
المسجد الحرام ولو نذر المشي إلى الحرم ففي الانعقاد نظر، وينعقد لو نذر أن
يمشي إلى «الصفا» وإلى «المروة» أو «منى» ولا ينعقد لو نذر المشي إلى
«عرفة» وإلى قريب من الحرم.
5923. الثاني: لو نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام لا حاجا ولا معتمرا،
فالوجه عندي بطلان النذر، ولو نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام، فقد قلنا إنه
يجب عليه ذلك، ويجب الإتيان بنسك إما بحج أو عمرة.
ولو نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى، احتمل انصرافه إلى بيت الله الحرام،
وعوده إلى أحد المساجد.
5924. الثالث: إذا نذر المشي مطلقا لم يجب الوفاء به، لأنه ليس في نفسه

1. النهاية: 567.
2. في «أ»: أن يحج بالولد.
355

طاعة، ولو قصد إما بالنية أو اللفظ المشي إلى المسجد الحرام، أو مسجد
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو المسجد الأقصى، وجب عليه ما نذره، وكذا لو نذر غير هذه
الثلاثة من المساجد، قال الشيخ: ويجب أن يصلي فيه ركعتين. (1) وعندي
فيه نظر.
ولو قصد المشي إلى موضع لا مزية فيه لم ينعقد نذره.
ولو نذر القصد إلى أحد المشاهد وجب، وكذا لو نذر المشي إلى بعض
المؤمنين.
ولو نذر المشي إلى مكة فهو كما لو نذر وقصد مسجد الحرام.
ولو نذر أن يأتي إلى بيت الله الحرام، أو يذهب إليه لزمه، ووجب الحج أو
العمرة إن كان ممن يجب عليه الدخول بإحرام، وإلا فلا، ويتخير بين
المشي والركوب.
الرابع: الصلاة
وفيه ثلاثة مباحث:
5925. الأول: إذا نذر صلاة غير معينة القدر، قيل: لزمه ركعتان. (2) وقيل:
ركعة. (3) وهو الوجه عندي، وإن عين العدد لزمه.
ويجب عليه ما يجب في الفرائض اليومية من الشرائط، كالطهارة،

1. نقله المصنف عن الشيخ في المبسوط، ولم نعثر عليه. لاحظ المختلف: 8 / 222.
2. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 6 / 201، المسألة 17 من كتاب النذور.
3. وهو خيرة الحلي في السرائر: 3 / 69.
356

واستقبال القبلة، وغيرهما، فإن كان العدد أزيد من ركعتين وأطلق، احتمل
وجوب التشهد والتسليم عقيب كل ركعتين وعدمه، وإن عين انفصال كل
ركعتين بتشهد وتسليم وجب، وإن عين انفصال كل عشرة ركعات مثلا
احتمل الوجوب.
5926. الثاني: إذا لم يعين الوقت جاز له التأخير إلى قبل الوفاة بمقدار الأداء،
وإن عينه تعين، فإن أخل به عامدا كفر وقضى، وإلا وجب القضاء خاصة.
ويجب أن يكون الوقت المعين (1) مما يصح إيقاعه فيه، فلو عينت
الصلاة وقت الحيض أو النفاس، لم ينعقد النذر، وكذا لو عين وقتا لا يتسع لها.
5927. الثالث: إذا لم يعين مكانا صلى أين شاء، وإن عين موضعا، فإن كان
له مزية الفضيلة كالمسجد، تعين، فلو أوقعها في غيره لم يجز ووجب عليه
الإعادة فيه.
ولو عين موضعا معينا من المسجد تعين، وإذا عين موضعا فيه مزية
فصلى فيما هو أفضل منه ففي الإجزاء نظر، وكذا في المساوي.
ولو عين أحد الأوقات المكروهة، فالوجه أنه يتعين ولا يجزيه غيره.
ولو نذر صلاة النافلة وجبت على هيئتها، كما لو نذر صلاة علي (عليه السلام) (2) أو
صلاة جعفر (3).

1. في «أ»: معينا.
2. وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة والقدر مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة
والتوحيد مائة مرة. لاحظ المجلد الأول من هذا الكتاب: ص 295.
3. لاحظ في كيفيتها المجلد الأول من هذا الكتاب: ص 294.
357

ولو نذر صلاة الأعرابي (1) لم يجز له الإخلال بالصفة ولا الفصل بالتسليم
في غير موضعه.
ولو نذر أن يصلي مثل صلاة الكسوف أو العيد، أو يأتي بأكثر من
سجدتين في ركعة أو بسجدة واحدة، أو بغير ركوع، ففي انعقاده نظر، ومنع ابن
إدريس من نذر خمس ركعات بتسليمة (2).
الخامس: الصدقة
وفيه ستة مباحث:
5928. الأول: إذا نذر أن يتصدق ولم يعين قدرا أجزأته الصدقة بأقل ما يتمول
وتصح الصدقة به، فلو تصدق بدون ذلك لم يجزه، كما لو تصدق بحبة من
حنطة، ولو تصدق بتمرة أجزأه.
ولو عين قدرا وجب عليه الوفاء به إلا أن يكون دون المجزي،
فالوجه البطلان.
5929. الثاني: لو نذر الصدقة على قوم بأعيانهم لم يجز العدول عنهم إذا كانوا
من أهل الاستحقاق، وكذا لو نذر الصدقة في موضع معين بعينه، فإن عدل عن
ذلك وجبت الإعادة على من عينه.
ولو أطلق جاز صرفها إلى من شاء ممن يستحق الصدقة، وإن كان كافرا
على إشكال.

1. لاحظ في كيفيتها المجلد الأول من هذا الكتاب: ص 296.
2. السرائر: 3 / 58.
358

5930. الثالث: إذا نذر أن يتصدق بمال كثير لزمه ثمانون درهما، قال ابن
إدريس: إن كان العرف في بلد الناذر المعاملة بالدنانير وجب التصدق بثمانين
دينارا (1).
ولو قال: بمال جليل، أو خطير، أو عظيم، أو نفيس، أو جم، عين ما شاء،
ولو مات قبل التعيين عين الوارث.
5931. الرابع: لو نذر أن يتصدق بجميع ماله لزمه ذلك، فإن تضرر قوم ماله،
ويتصدق على التدريج بقدره، ولا يجزيه الثلث، ولا المال الزكوي.
5932. الخامس: لو نذر الصدقة بنوع تعين، ولا تجزيه قيمته ولا ثلثه، ولو نذر
الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه من ذلك القدر يقصد به وفاء النذر، فالوجه
عدم الإجزاء، وإن كان الغريم من أهل الصدقة، حتى يقبضه.
ولو نذر أن يتصدق بمال (2) وفي نيته أنه ألف لزمه ما نواه، وكذا لو
نذر أن يصلي ونوى ركعات معينة، أو يصوم ونوى أياما بأعيانها، وإن لم
يتلفظ بالمقدار.
5933. السادس: من نذر أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم
يعين، تخير بين الصدقة على فقراء المؤمنين، وجعله في الحج، أو الزيارة، أو
بناء المسجد، أو قنطرة، أو غيره من المصالح.

1. السرائر: 3 / 61.
2. في «ب»: بماله.
359

السادس: العتق
وفيه خمسة مباحث:
5934. الأول: إذا نذر عتق عبد مسلم وجب عليه الوفاء، ولو نذر عتق كافر، فإن
أطلق لم ينعقد، وإن عينه، ففي الانعقاد قولان.
ولو نذر عتق عبد وأطلق، لزمه عتق مسلم.
5935. الثاني: إذا أطلق النذر أجزأه عتق الصغير والكبير، الصحيح والمعيب،
الذكر والأنثى، والوجه إجزاء الشقص، أما لو قيد العتق بالرقبة، وجب كمال
الرقبة لا بعضها.
ولو عين رقبة بعينها لم يجزه غيرها وإن كان أكمل.
5936. الثالث: لو نذر عتق كل عبد له قديم، لزمه عتق من مضى في ملكه
ستة أشهر.
ولو نذر أن يفعل قربة ولم يعينها، تخير بين الصوم يوما، وبين صلاة
ركعة، وبين صدقة ما يتمول وإن قل، وبين عتق رقبة، وبين غيرها من
أنواع القرب.
ولو قال: لله علي نذر، وأطلق، لم يلزمه شئ.
5937. الرابع: لو نذر أن لا يبيع مملوكا لزمه النذر، فإن اضطر إلى بيعه قال
الشيخ (رحمه الله) ليس له بيعه. (1) والوجه الجواز.

1. النهاية: 567.
360

5938. الخامس: لو نذر عتق رقبة بعينها، فمات قبل العتق فإن كان قد تمكن
منه لزمته الكفارة، وإلا فلا شئ عليه، وعلى التقديرين لا يلزمه عتق عبد.
السابع: الهدي
وفيه ثمانية مباحث:
5939. الأول: إذا نذر أن يهدي إلى مكة وأطلق، انصرف إلى أقل ما يسمى من
النعم هديا، وقيل: يلزمه ما يجزي في الأضحية (1) وقيل: يجزي أقل ما يتمول
ولو بيضة. (2)
5940. الثاني: لو نذر أن يهدي بدنة وأطلق، انصرف الإطلاق إلى الكعبة، ولو
نوى منى لزمه.
ولو نذر الهدي إلى غير هذين الموضعين لم يلزم الوفاء به.
5941. الثالث: لو نذر أن يهدي إلى بيت الله تعالى غير النعم، قيل: يبطل (3)
وقيل: يباع ويصرف في مصالح البيت (4) ويحتمل التفرقة في مساكينه.
ولو نذر أن يهدي عبده أو أمته إلى بيت الله أو إلى أحد المشاهد بيع ذلك

1. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 6 / 197، المسألة 8 من كتاب النذور.
2. نقله المصنف في المختلف: 8 / 225 عن الشيخ في المبسوط، وحكاه الشهيد في المسالك:
11 / 372 عن المبسوط أيضا. ولم نعثر عليه.
3. اختاره القاضي ابن البراج في المهذب: 2 / 409.
4. قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: 11 / 373: أما القول ببيعه وصرف ثمنه في مصالح البيت
فنقله المصنف عن بعضهم، ولم نعلم قائله.
361

وصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الذي نذر له، وفي معونة الحاج أو
الزائرين، ولا يصرف إليهم ذلك إلا بعد تلبسهم بالسفر إلى الحج أو الزيارة،
وتناول اسم الحاج أو الزائرين لهم، والوجه تعميم الحكم، فلو نذر أن يهدي
داره أو أرضه بيع وصرف ثمنه في ذلك.
5942. الرابع: إذا نذر الإهداء إلى مكة فالوجه وجوب الذبح بها أو النحر، ولو
نذر نحر هدي بمكة تعينت البدنة، ووجب النحر بها، وهل يتعين التفرقة (1)
بها؟ الأقرب ذلك، وكذا البحث في منى.
ولو نذر نحره أو ذبحه بغير هذين، قال الشيخ: لا ينعقد (2)
والأقوى انعقاده.
5943. الخامس: لو نذر (3) هدي بدنة، تعينت الأنثى من الإبل، فإن تعذر عليه
الإبل، وجب عليه بقرة، فإن تعذر ذلك فسبع شياه، ولا تجزئ البقرة ولا الشياه
مع التمكن من البدنة.
5944. السادس: لو نذر إهداء الشمع أو الزيت وأشباهه إلى المساكن المشرفة،
كالمشاهد، والمساجد، وجب عليه الوفاء به، ومنع بعض الجمهور من إهداء
ذلك إلى المشاهد، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعن المتخذات على القبور المساجد
والسرج. (4) وليس بمعتمد.

1. في «أ»: «الصدقة» بدل «التفرقة».
2. حكاه الشهيد في المسالك: 11 / 376 عن الشيخ في المبسوط. ولم نعثر عليه.
3. في «ب»: إذا نذر.
4. المغني لابن قدامة: 11 / 355 - 356.
362

5945. السابع: لو نذر أن يستر الكعبة أو يطيبها لزمه، ويجوز ستر الكعبة
بالحرير، وكذا لو نذر تطييب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غيره من المساجد.
5946. الثامن: لو نذر أن يضحي ببعض البلاد، فالوجه لزوم الذبح به، والتفرقة
على أهله فيه.
ولو نذر أن يهدي ظبية إلى مكة لزمه التبليغ، ويتصدق بها حية، ولا يجب
الذبح، وكذا لو نذر ذلك في بعير معيب.
الفصل الثالث: في اللواحق
وفيه سبعة مباحث:
5947. الأول: العهد لازم كاليمين والنذر، وصورته أن يقول: عاهدت الله أو
على عهد الله أنه متى كان كذا فعلي كذا، وإنما يجب الوفاء به إذا كان ما عاهد
عليه واجبا أو ندبا أو ترك حرام أو ترك مكروه أو مباحا يترجح فعله إن عاهد
على الفعل أو تركه إن عاهد على الترك على الطرف الآخر في الدنيا، أو يتساوى
الطرفان، ولو ترجح الطرف الآخر على ما عاهد عليه فليفعل الأرجح، ولا كفارة
عليه بمخالفة العهد، كما قلنا في اليمين والنذر.
5948. الثاني: لا ينعقد العهد إلا من مكلف مختار قاصد ناطق به لفظا مع النية،
ولو تجردت النية عن النطق لم ينعقد، خلافا للشيخ. (1)

1. النهاية: 562.
363

5949. الثالث: اختلف علماؤنا في كفارة خلف النذر، فقيل: كفارة يمين (1)
وبه رواية حسنة (2) وقيل: كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان. (3) والأقوى
عندي الأول، وكذا الخلاف في كفارة خلف العهد، وإنما تجب الكفارة مع
المخالفة عمدا اختيارا، ولو خالف ناسيا أو مكرها لم تجب الكفارة.
5950. الرابع: قد بينا أن نذر المعصية لا ينعقد، فلو نذر أن يذبح ولده كان
لاغيا، ولا يجب به كفارة، وكذا لو نذر أن يذبح نفسه أو أجنبيا أو قريبا، وما روي
عن الباقر (عليه السلام) (4) من تحقق كفارة اليمين في النذر لغير الله، فمحمول على
الاستحباب، مع أن في الرواية ضعفا [في السند] وفي حديث السكوني: ذبح
كبش يتصدق لحمه على المساكين فيمن نذر نحر ولده. (5) وهي محمولة
على الاستحباب.
5951. الخامس: روي (6) أن من نذر أن لا يتزوج حتى يحج، ثم تزوج قبل
الحج، وجب عليه الوفاء بالنذر، سواء كانت حجته حجة الإسلام أو حجة
التطوع، لأنه عدل عن طاعة إلى مباح.

1. هو خيرة الصدوق في الفقيه: 3 / 232، في ذيل الحديث 1095.
2. الوسائل: 15 / 575، الباب 23 من أبواب الكفارات، الحديث 4.
3. ذهب إليه المفيد في المقنعة: 569، والشيخ الطوسي في النهاية: 570، المبسوط: 6 / 207
وابن البراج في المهذب: 2 / 421، والحلبي في الكافي في الفقه: 225، وابن حمزة في
الوسيلة: 353.
4. الوسائل: 15 / 575، الباب 23 من أبواب الكفارات، الحديث 6. وضعف الرواية لأبي الجوزاء
فإنه كان عاميا.
5. الوسائل: 16 / 206، الباب 24 من كتاب النذر والعهد، الحديث 2.
6. الوسائل: 16 / 191، الباب 7 من كتاب النذر والعهد، الحديث 1.
364

5952. السادس: إذا أطلق النذر لم يجب الفور فيه، سواء كان حجا أو صوما أو
غيرهما، لكنه تستحب المبادرة.
وإن عينه بوقت لم يجز له التأخير عنه، فإن أخره وجب عليه القضاء
وكفارة خلف النذر.
5953. السابع: من نذر أنه متى رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات الناذر،
وجب أن يحج بالولد أو عنه من صلب ماله.
ولو نذر ترك بيع ما الأولى ترك بيعه فباعه، ففي صحة البيع إشكال، فإن
قلنا بانعقاده وجبت الكفارة، وإلا فلا.
365

المقصد الخامس: في الكفارات
وفيه فصول
[الفصل] الأول: في أقسامها
وفيه اثنا عشر بحثا:
5954. الأول: الكفارة إما مخيرة أو مرتبة أو كفارة الجمع.
فالمخيرة: كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان مع وجوبه بما تقدم من
موجبات التكفير، وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين
مسكينا، وكفارة من أفطر يوما نذر صومه على الأقوى، وهي كفارة رمضان، وكذا
كفارة الحنث في العهد على الأقوى.
واختلف في كفارة الحنث في النذر غير الصوم، فالأقوى عندي أنها
كفارة يمين.
وكفارة اليمين هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن
عجز عن ذلك كله صام ثلاثة أيام متتابعات.
367

والمرتبة كفارة الظهار، وهي عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين،
فإن عجز أطعم ستين مسكينا، وكذا كفارة قتل الخطاء.
وكفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال، إطعام عشرة
مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات، ولا كفارة في قضاء النذر المعين ولا
غيره من قضاء الواجبات.
وكفارة الجمع كفارة قتل العمد ظلما للمؤمن، وهي عتق رقبة وصوم
شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينا.
واختلف علماؤنا في كفارة الإحرام، هل هي مرتبة أو مخيرة؟ عدا كفارة
الحلق، وقد سبق البحث في ذلك كله (1).
5955. الثاني: قال الشيخ (رحمه الله): من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من
أحد الأئمة (عليهم السلام)، كان عليه كفارة ظهار، فإن عجز كان عليه كفارة يمين (2) وقال
ابن إدريس: يأثم ولا كفارة عليه (3)، وروى ابن بابويه قال كتب محمد بن
الحسن [الصفار] إلى العسكري (عليه السلام) في رجل حلف بالبراءة من الله أو من رسوله
فحنث ما توبته وكفارته؟ فوقع (عليه السلام): يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد،
ويستغفر الله عز وجل. (4) وعلى هذه الرواية أعمل.
5956. الثالث: لو جزت المرأة شعرها في المصاب، قال الشيخ: كان عليها

1. انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب: ص 38، فيما يجب على المحرم من الكفارات.
2. النهاية: 570.
3. السرائر: 3 / 40.
4. الفقيه: 3 / 237 برقم 1127. ولاحظ الوسائل: 16 / 126، الباب 7 من كتاب الأيمان، الحديث 3.
368

كفارة قتل الخطاء: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين
مسكينا (1) مع أنه أفتى بالترتيب في كفارة القتل، فيحتمل إرادته هنا وإرادة
المقدار مع التخيير، والرواية دلت على التخيير مع ضعف سندها (2) فقيل: تأثم
ولا كفارة. (3) وعلى تقدير الكفارة لو جزته في غير المصاب بغير ضرورة ففي
إلحاقه بالمصاب نظر.
أما لو جزته للحاجة فلا كفارة.
ولو جزت بعضه ففي إلحاقه بالجميع إشكال.
والجز هو القص، فلو نتفته أجمع لم يلحق بالجز على إشكال.
ولو حلقته فالأقرب إلحاقه بالجز.
ولا فرق بين أن تفعل ذلك مباشرة أو تأمر بفعله على إشكال.
5957. الرابع: لو نتفت المرأة شعرها في المصاب، وجب عليها كفارة يمين،
ويتساوى جميع الشعر وبعضه على إشكال، فالبحث في النتف بغير
المصاب كالجز.
5958. الخامس: لو خدشت وجهها في المصاب وجب عليها كفارة اليمين،
ولا يشترط استيعاب الوجه بالخدش ولا إخراج الدم، وفي الرواية دلالة على

1. النهاية: 573.
2. الوسائل: 15 / 583، الباب 31 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
3. كما في الشرائع: 3 / 68، وفي جواهر الكلام: 33 / 185: «وأما ما في المتن من أنه قيل:
تأثم ولا كفارة استضعافا للرواية وتمسكا بالأصل، فلم نتحققه قبل المصنف، كما عن جماعة
الاعتراف به أيضا».
369

اشتراط الدم (1) ولا قطع الجلد بأسره، بل لو قطعت ظاهره تعلق به الحكم.
ولو لطمت خدها من غير خدش لم يجب عليها كفارة.
ولو خدشت غير الوجه من سائر جسدها لم يتعلق به حكم.
ولا كفارة على الرجل بالجز والخدش والنتف.
5959. السادس: لو شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته، وجب عليه
كفارة يمين، ولا كفارة عليه لو شقه على غيرهما من الأب والأخ وغيرهما وإن
كان أجنبيا، بل يستغفر الله تعالى، وفي إلحاق أم الولد والسرية بالزوجة إشكال،
أما المتمتع بها فإنها زوجة، وكذا المطلقة رجعيا.
ولا تتعلق الكفارة بشق العمامة وغيرها.
ولا كفارة على المرأة بالشق على من كان، بل تستغفر الله تعالى.
ولا فرق بين شق الثوب أجمع أو بعضه، ولا بين كون الولد للصلب أو ولد
الولد ذكرا كان أو أنثى لذكر كان أو لأنثى على إشكال.
5960. السابع: من تزوج امرأة في عدتها، فارقها وكفر بخمسة أصوع من
دقيق، وقال ابن إدريس: إنه مستحب، (2) ولا فرق بين عدة الموت والطلاق، ولا
بين كون الطلاق رجعيا أو بائنا، ولا بين كونه عالما بالتحريم والعدة أو جاهلا
بهما أو بأحدهما على إشكال، ولا بين كون المرأة حرة أو أمة، ولا بين كون
التزويج دائما أو منقطعا، ولا بين كون العدة للنكاح الدائم أو المنقطع، ولا بين

1. الوسائل: 15 / 583، الباب 31 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
2. السرائر: 3 / 77.
370

كون الفرقة بالطلاق أو غيره كاللعان والارتداد والفسخ بالعيب، ولا بين كون
التزويج منضما إلى الدخول أو لا.
ولو اشترى المدخول بها ففسخ أو لم يفسخ، ثم وطئ بالملك مع الجهل،
لم يجب عليه الكفارة، وكذا مع العلم.
ولو زنى بذات العدة فلا كفارة، عالما كان أو جاهلا، وفي رواية أبي بصير
عن الصادق (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة ولها زوج فقال: إذا لم يرفع خبره إلى الإمام
فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا (1) هذا بعد أن يفارقها، وفي هذه الرواية
دلالة على وجوب الكفارة على من تزوج بذات البعل.
وقال السيد المرتضى: من تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم بذلك، فعليه
أن يفارقها ويتصدق بخمسة دراهم. (2) ولا يجزئ غير الدقيق من الحنطة
والشعير وغيرهما، ويجزئ الدقيق من الحنطة والشعير والذرة والدخن،
والأقرب إجزاء الخمسة من الخبز.
5961. الثامن: من نام عن العشاء ولم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل،
قضاها وأصبح صائما كفارة عن ذلك الفعل، أفتى به الشيخ. (3) والرواية به
مقطوعة. (4) وقال ابن إدريس: إنه مستحب (5).

1. الوسائل: 15 / 585، الباب 36 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
2. الانتصار: 366، المسألة 208.
3. النهاية: 572.
4. الوسائل: 3 / 157، الباب 29 من أبواب المواقيت، الحديث 8.
5. السرائر: 3 / 77.
371

والأقرب عدم إلحاق غير النائم به، ولا يجب الصوم على العامد ولا على
السكران ولا على الناسي.
ومع القول بوجوب الصوم فالأقرب اختصاص النائم عمدا به، سواء نوى
الصلاة بعد الانتباه أو لا.
أما ناسي الصلاة إذا استوعب النوم الوقت، فلا صوم عليه، وكذا لا صوم
على النائم من غير العتمة.
5962. التاسع: قال الشيخ: من وجب عليه صوم يوم نذره، فعجز عن صيامه،
أطعم مسكينا مدين من طعام كفارة لذلك اليوم، وقد أجزأه (1) وفي رواية
محمد بن منصور عن الكاظم (عليه السلام) في رجل نذر صياما فثقل الصوم عليه، قال:
تصدق كل يوم بمد من حنطة (2).
وقال ابن إدريس: إن كان عجزه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه كالعطاش
الذي لا يرجى برؤه، فقول الشيخ صحيح، وإن كان لمرض يرجى برؤه
كالحمى، وجب عليه الإفطار والقضاء من غير إطعام. (3)
5963. العاشر: قال الصادق (عليه السلام): كفارة الضحك اللهم لا تمقتني (4).
وقال (عليه السلام): كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان (5).

1. النهاية: 571.
2. الوسائل: 15 / 195، الباب 12 من كتاب النذر والعهد، الحديث 2.
3. السرائر: 3 / 75.
4. الوسائل: 15 / 584، الباب 34 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
5. الوسائل: 15 / 584، الباب 33 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
372

وقال (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كفارة الاغتياب؟ قال: تستغفر لمن
اغتبته كلما ذكرته (1).
وقال الصادق (عليه السلام): كفارات المجالس أن تقول عند قيامك منها سبحان
ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. (2)
5964. الحادي عشر: روى ابن بابويه في حديث صحيح عن الرضا (عليه السلام) انه
سئل يا بن رسول الله قد روي لنا عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو
أفطر فيه، ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا كفارة واحدة، فبأي الخبرين نأخذ؟
فقال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو فطر على حرام في شهر رمضان
فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينا
وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا، أو أفطر على حلال، فعليه كفارة واحدة،
وقضاء ذلك اليوم وإن كان ناسيا فلا شئ عليه. (3)
5965. الثاني عشر: من ضرب مملوكه فوق الحد استحب التكفير بعتقه.

1. الوسائل: 15 / 583، الباب 32 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
2. الوسائل: 15 / 585، الباب 37 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
3. الفقيه: 3 / 238 برقم 1128، ولاحظ الوسائل: 7 / 35، الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الحديث 1.
373

الفصل الثاني: في خصالها
وهي خمسة: العتق والصيام والإطعام والكسوة والاستغفار.
فالنظر يتعلق هنا بأمور خمسة:
النظر الأول: في العتق
وفيه اثنا عشر بحثا:
5966. الأول: يشترط في الرقبة الإيمان والسلامة وكمال الرق والخلو
عن العوض.
وقد أجمع علماؤنا على اعتبار الإيمان في كفارة القتل، واختلفوا في
اعتباره في غيرها من الكفارات، فقال السيد المرتضى (1) وأكثر علمائنا:
باعتباره وهو الأقوى عندي، وخالف فيه الشيخ. (2) والمراد بالإيمان الإسلام
فيجزئ عتق المخالف عدا الناصب والغلاة.
5967. الثاني: يجزئ في الرقبة الذكر والأنثى والكبير والصغير وإن كان بعد
سقوطه حيا بلا فصل، وفي رواية حسين بن سعيد عن رجاله عن الصادق (عليه السلام):
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله

1. الانتصار: 372، المسألة 216، كتاب العتق والتدبير والمكاتبة.
2. المبسوط: 6 / 212; الخلاف: 4 / 542، المسألة 27 من كتاب الظهار.
374

تعالى يقول: (فتحرير رقبة مؤمنة) (1) يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث،
ويجزئ في الظهار صبي ممن ولد في الإسلام (2).
ومضمون الرواية جيد، ويحكم بإسلام الصبي بإسلام أحد أبويه.
5968. الثالث: يجب كون الرقبة منفصلة فلا يجزئ الحمل وإن كان أبواه
مسلمين، ولا قبل كمال انفصاله، ولو أعتقه حين الولادة ثم مات أجزأ إن كان
تحرك بعد الولادة حركة الأحياء.
5969. الرابع: يجزئ الأخرس إذا كان قد سبق منه الإسلام أو كان أحد أبويه
مسلما، ولو كانا كافرين فبلغ وأسلم بالإشارة أجزأ، سواء صلى أو لا.
والمسبي من أطفال الكفار لا يجزئ وإن انفرد به السابي المسلم عن
أبويه الكافرين.
ولو أسلم المراهق فالوجه عدم الإجزاء، نعم ينبغي أن يفرق بينه وبين
أبويه، لئلا يمنعاه عن عزم الإسلام.
5970. الخامس: يكفي في الإسلام الإقرار بالشهادتين، ولا يشترط في الإجزاء
الصلاة ولا التبري مما عدا الإسلام.
ويجزئ في ولد الزنا إذا كان مسلما، وحكم بعض علمائنا
بكفره (3) ضعيف.

1. النساء: 92.
2. الوسائل: 15 / 556، الباب 7 من أبواب الكفارات، الحديث 6.
3. وهو السيد المرتضى (قدس سره). انظر الانتصار: 367، المسألة 209 - كتاب الكفارات -.
375

ولو كانت أعجمية وعرف مولاها أو الحاكم لغتها أجزأت، وإلا افتقرت
إلى مترجمين عدلين يشهدان بالإسلام.
5971. السادس: يشترط السلامة من العيوب الموجبة للعتق، وهي: العمى،
والجذام، والبرص، والإقعاد، وتنكيل المولى به، ولا يشترط السلامة عن غير
ذلك، فيجزئ الأصم، والخصي، وأقطع اليدين، أو إحدى الرجلين، لا
مقطوعهما، والأقرع، والأعرج، والأعور وأقطع الأذنين، والرتقاء، والهرم،
والعاجز، والمريض، سواء رجي برؤه أو لا، وسواء مات في مرضه ذلك أو
لا، والأبرص.
وفي إجزاء المجنون المطبق عندي إشكال إذا لم يسبق منه الإسلام ولا
ولد عليه.
ولو أعتق المرتد حال ردته لم يجز على ما اخترناه، سواء كان عن فطرة
أو لا، ولو أعتقه بعد رجوعه إلى الإسلام، فإن كان عن غير فطرة أجزأ، وإن كان
عن فطرة فالوجه عدم الإجزاء، وكذا لو أعتق من وجب قتله حدا مع التوبة، ولو
قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ قولان أقواهما عدم الجواز (1)، وكذا
القولان في الخطاء، والأقرب الإجزاء (2)، ويضمن المولى الدية.
ولو عفا الولي صح عتقه في الموضعين، ولا بد من تجديد العتق في

1. وهو خيرة الشيخ في الخلاف: 4 / 546، المسألة 33 من كتاب الظهار وأما القول بالجواز
فذهب إليه في المبسوط: 5 / 161.
2. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 4 / 546، المسألة 33 من كتاب الظهار، وأما القول بعدم
الجواز فخيرته في المبسوط: 5 / 161.
376

العمد لو سبق العتق على ما اخترناه، وكذا لا يجزئ لو جنى ما يجب العتق
بالقصاص فيه، كالعينين، ويجزئ لو جنى غير ذلك، ولو جنى دون النفس على
عبد عمدا، فالوجه الإجزاء، وإن تعذر القصاص ويضمن المولى حينئذ.
5972. السابع: المكاتب المطلق إذا أدى من كتابته شيئا لم يجز عتقه لنقصان
الملك، ولو لم يؤد شيئا أو كان مشروطا، فالوجه الإجزاء، ولو كانت الكتابة
فاسدة أجزأ إجماعا.
أما المدبر فإن أعتقه بعد نقض التدبير أجزأ إجماعا، وإن أعتقه قبله،
فالأقوى الإجزاء خلافا للشيخ في نهايته (1). ويجزئ عتق أم الولد، سواء كان
ولدها حيا أو ميتا، وولدها المولود بعد كونها أم ولد، ولا يجزئ منذور العتق،
سواء استقر الوجوب فيه بأن يكون مطلقا أو مقيدا بشرط حصل، أو لم يستقر
بأن تعلق شرط يتوقع وجوده، ولو فات الشرط أجزأ.
ويجزئ الآبق والغائب إذا لم يعرف موته وإن انقطع خبره، ولو ظهرت
وفاته قبل العتق لم يجزئه.
ولو كان في ظهار ووطئ ففي تكرير الكفارة حينئذ إشكال.
ولو أعتق المرهون صح إن أجاز المرتهن وإلا فلا، وقال الشيخ: يصح مع
عدم الإجازة إذا كان موسرا فيطالب بالمال إن كان حالا، ويرهن عوضه إن
كان مؤجلا (2).

1. النهاية: 554.
2. المبسوط: 5 / 160 - 161. ولاحظ الخلاف: 4 / 545، المسألة 32 من كتاب الظهار.
377

ولو أعتق المغصوب صح عتقه وأجزأ عن الكفارة.
5973. الثامن: لو أعتق جزءا من عبده المختص، ونوى به التكفير، صح
وسرى العتق إليه أجمع، ولو نوى إعتاق الجزء الذي باشره بالإعتاق عن الكفارة
دون غيره، ففي الإجزاء إشكال.
ولو كان مشتركا فأعتق نصيبه عن الكفارة وهو موسر أجزأ.
وإن قلنا بعتقه أجمع بالإعتاق إذا نوى إعتاق جميعه عن الكفارة (فالأقرب
الإجزاء) (1).
ولو نوى عتق نصيبه خاصة ففي الإجزاء إشكال وإن قلنا يعتق بأداء قيمة
حصة الشريك عتق نصيبه (2)، فإن نواه عن الكفارة ثم دفع قيمته ونوى الإعتاق
عن الكفارة، فالأقرب الإجزاء.
ولو نوى عتق الجميع عند الإعتاق ولم ينو عند الأداء، ففي الإجزاء نظر.
ولو كان معسرا صح العتق في نصيبه ولم يجز عن الكفارة وإن نواه، ولا
يسري العتق إلى نصيب الشريك، وإن أيسر بعد ذلك.
ولو ملك النصيب فنوى إعتاقه عن الكفارة فالأقرب الإجزاء، لتحقق عتق
الرقبة، وإن كان متفرقا.
ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين لم يجزئه، لعدم تحقق النسمة،
وكذا لو كان نصف الرقيق حرا.

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. أي عتق ولكن لا يحسب عن الكفارة إلا إذا نوى كما في العبارة التالية.
378

ولو اشترى من يعتق عليه، ونوى إعتاقه عن الكفارة، فالوجه عدم
الإجزاء، لأن النسمة لم يصادف ملكا قبل الشراء ولا بعده، وللشيخ قولان
أحدهما الإجزاء (1).
5974. التاسع: لو قال له: أنت حر وعليك كذا، لم يجز عن الكفارة، لاشتماله
على العوض، فلم تتمحض القربة، وكذا لا يجزئ لو قيل له: أعتق عبدك عن
كفارتك وعلي كذا، فأعتقه على ذلك، وفي وقوع العتق حينئذ إشكال، فإن قلنا
بوقوعه، وجب له العوض على الجاعل فإن رد المالك العوض لم يجزئ عن
الكفارة، وهل يقع العتق عن باذل العوض؟ الأقرب أنه يقع
عن المالك.
ولا فرق بين تقدم ذكر العوض وتأخره، مثل [أن يقول:] أعتقت عبدي
على أن عليك كذا عن كفارتي، أو أعتقت عبدي عن كفارتي على أن عليك كذا،
ولا فرق بين أن يقول عقيب الاستدعاء: أعتقته عن كفارتي على أن عليك كذا،
أو أعتقته عن كفارتي، لابتناء الجواب على الاستدعاء.
فإن قال: رددت عليك العوض ليجزئ عن كفارته لم يجزئه.
ولو قصد العتق مجردا عن العوض صح.
ولو قال: أعتق مستولدتك على ألف، فأعتق صح، واستحق العوض، ولا
يجزئ عن الكفارة.

1. حكاه عنه المحقق في الشرائع: 3 / 74 عن المبسوط، ولم نعثر عليه، ولاحظ المسالك: 10 /
74، والجواهر: 33 / 243، والقول الآخر عدم الإجزاء، وهو خيرته في المبسوط: 5 / 162،
والخلاف: 4 / 547، المسألة 35 من كتاب الظهار.
379

5975. العاشر: لو أعتق عنه غيره بمسألته، صح وأجزأ عن الكفارة، سواء
شرط عليه عوضا أو لم يشرط، (1) ومع شرط العوض يلزمه العوض عن العتق
عنه (2) ولو لم يشترط أو شرط عدمه لم يلزمه.
ولو أعتق عنه متبرعا، صح عن المعتق لا عن المعتق عنه لفقد النية.
ولو أعتق عن ميت فإن كان وصيا فيه صح، وكذا إن كان وارثا، سواء أعتق
من مال الميت أو من ماله عنه، وإن كان أجنبيا لم يجزئ على إشكال.
ولا فرق بين الكفارة المخيرة والمرتبة في ذلك.
ولو قال: أعتق مستولدتك عني على ألف، فأعتق، فالأقرب الإجزاء، لأن
ذلك ليس بيعا.
ولو قال: إذا جاء الغد فأعتق عبدك عني بألف، وأعتق في الغد
صح، واستحق.
ولو قال عبدي عنك (2) حر بألف إذا جاء الغد، فقال: قبلت لم يصح.
ولو قال له: أعتقه عني على خمر أو خنزير فأعتق، ففي نفوذ العتق
إشكال، فإن قلنا بوقوعه، ففي نفوذه عن الآمر نظر، ومع النفوذ هل يستحق
المالك عوض الخمر قيمته عند مستحليه أو قيمة العبد، لفساد العوض، أو لا
يستحق شيئا؟ إشكال.
5976. الحادي عشر: إذا أعتق عنه بمسألته، قيل: يملكه الآمر بشروع المالك

1. في «أ»: أو لم يشترط.
2. في «ب»: مع العوض عنه.
3. في «أ»: عبدي عندك.
380

في الإعتاق، وقيل: يظهر مع الإعتاق أنه ملك بالسؤال، والأقرب أنه يملكه بعد
الإعتاق ثم ينعتق عنه، كما لو اشترى أباه، فإنه يملكه بالشراء ثم ينعتق في
ثاني الحال (1).
وكذا لو أباحه في أكل طعام قيل: يملكه المتناول بأخذه، فيجوز له أن
يلقم غيره، وقيل: يملكه بوضعه في فيه، وقيل: يملكه بالابتلاع، وقوى الشيخ
الأول (2) والوجه أنه أذن في الإتلاف لا تمليك.
5977. الثاني عشر: لو اشتراه بشرط العتق، فأعتقه عن الكفارة صح وأجزأ
عنه، لعدم تحقق أخذ العوض هنا، قال الشيخ: لا يجزئ لأنا إما أن نجبره على
العتق، فلا إجزاء، لوجوبه عن غير الكفارة، وإما أن يجعل للبائع الخيار، فيكون
عتقه مستحقا بسبب متقدم (3).
ولو اشترى عبدا ينوي إعتاقه عن كفارته، فوجد به عيبا لا يمنع من
الإجزاء في الكفارة، فأخذ أرشه وأعتقه عن الكفارة، أجزأه وكان الأرش له.
ولو أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر عليه، فله أخذ الأرش أيضا، ولا
يصرف الأرش في الرقاب.
النظر الثاني: الصوم
ويجب مع العجز عن العتق في الظهار وقتل الخطاء صوم شهرين
متتابعين على الحر، وعلى العبد صوم شهر واحد.
ومعنى التتابع: أن يوالي بين صوم أيامهما، فلا يفطر فيهما، ولا يصوم

1. لاحظ في تفصيل الأقوال المسالك: 10 / 58 - 60.
2. المبسوط: 5 / 165.
3. المبسوط: 6 / 213.
381

عن غير الكفارة، فإن أفطر في الشهر الأول لعذر بنى عند زوال العذر، سواء كان
العذر حيضا، أو مرضا، أو سفرا مضطرا إليه، أو إغماء، أو جنونا.
وخوف الحامل والمرضع على أنفسهما عذر وكذا خوفهما على الولد،
خلافا للشيخ في أحد قوليه (1).
ولو أكره بأن وجر الماء في حلقه، كان عذرا، ولو ضرب حتى أكل
فكذلك، خلافا للشيخ في بعض أقواله (2).
وهل تجب المبادرة إلى الإتمام بعد زوال العذر؟ فيه نظر.
وإن كان لغير عذر استأنف، فلو تمكن من العتق قبل الشروع في
الاستئناف تعين العتق، وكذا لو أفطر بعد الأول ولم يصم من الثاني شيئا.
ولو صام الأول ومن الثاني ولو يوما واحدا، ثم أفطر جاز البناء، سواء

1. قال الشيخ في المبسوط: 5 / 172: أما الحامل والمرضع إذا أفطرتا، فإن أفطرتا خوفا على
أنفسهما فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، وإن أفطرتا خوفا على الولد، منهم من قال: هو
مثل المريض، ومنهم من قال: يقطع التتابع على كل حال، وهو الذي يقوى في نفسي.
وقال في الخلاف: 4 / 555، المسألة 50 من كتاب الظهار: الحامل والمرضع إذا أفطرتا في
الشهر الأول، فحكمهما حكم المريض بلا خلاف، وإن أفطرتا خوفا على ولديهما، لم يقطع
التتابع عندنا، وجاز البناء.
2. قال في المبسوط: 5 / 172: وأما العذر من قبل غيره، فهو أن يكرهه الغير على الفطر، فإنه
ينظر فيه، فإن صب الماء في حلقه وأوجر الطعام بغير اختياره، لم يفطر بلا خلاف، وإن
ضرب حتى أكل أو شرب، قال قوم: يفطر، وقال آخرون: لا يفطر، والأول أقوى.
وقال في الخلاف: 4 / 555، المسألة 51 من كتاب الظهار: إذا أدخل الطعام أو الشراب في
حلقه بالإكراه لم يفطر بلا خلاف، وإن ضرب حتى أكل أو شرب فعندنا لا يفطر، ولا يقطع
التتابع.
382

كان لعذر أولا إجماعا منا، وهل يأثم لو كان إفطاره لغير عذر؟ قولان.
ولو عرض في الشهر الأول ما لا يصح صومه عن الكفارة، كرمضان أو
عيد الأضحى، أو أيام التشريق بمنى، بطل التتابع، ووجب الاستئناف بعد
انقضاء هذه الأيام، هذا مع العمد.
أما المحبوس بحيث لا يعلم الشهور، لو توخى شهرين فعرض في أثناء
الأول مثل هذه الأيام، فالأقرب عدم انقطاع التتابع.
ولو نوى في الشهر الأول الصوم عن غير الكفارة، وقع عما نواه، ولم
يحصل بالتتابع.
ولو صام شعبان ورمضان عن الكفارة لم يجزئه شعبان إلا أن يسبق منه
ولو يوما في رجب ليزيد على الشهر، ولا رمضان عن الكفارة ويجزئه عن
رمضان، ولا يجب عليه أن ينوي التتابع، بل الواجب فعله.
وإذا صام من أول الشهر اعتبر بالهلالين، تامين كانا أو ناقصين، ولو ابتدأ
بالصوم بعد مضي بعض الشهر، سقط اعتبار الهلال فيه، وصام تمام الشهر، فإذا
أهل الثاني وصامه أجمع، احتسب له عن شهر وإن كان ناقصا، ثم يصوم ما فات
من أيام الأول، ويكمله ثلاثين وإن كان ناقصا وقيل: يتم ما فات من الأول.
ولا بد فيه من نية الكفارة منضمة إلى نية الصوم، ولا يجب تعيين
جهة الكفارة.
ولا ينقطع التتابع بوطء المظاهر ليلا، لكن يعصي.
ولو وطئ بعد عتق النصف من المشترك لم يجزئه لو أعتق الباقي.
383

والأقرب أن نسيان النية لا يقطع التتابع.
وبصوم (1) خمسة عشر يوما، للعبد يحصل تتابع الشهر، وكذا لو كان
الشهر على حر; قاله الشيخ. (2) قال: ولو كان التتابع في ثلاثة فصام يومين بنى. (3)
النظر الثالث: الإطعام
إذا عجز من وجب عليه المرتبة عن الصيام، وجب عليه الإطعام، ففي
الظهار، وقتل الخطأ، والعمد إطعام ستين مسكينا، كل مسكين مد من طعام على
أقوى القولين (2) وكذا يجب إطعام الستين في كفارة إفطار رمضان أو
النذر المعين.
ويجب في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد.
ويجوز إخراج الخبز والدقيق والسويق والحب لا السنبل، من كل ما
يسمى طعاما في جميع الكفارات، إلا كفارة اليمين، فإن الواجب فيها الإطعام
من أوسط ما يطعم أهله، ولو أطعم مما يغلب على قوت البلد جاز.
ويستحب ضم الأدام إليه، وليس واجبا، وأعلاه اللحم، وأوسطه الخل،
وأدونه الملح.
ويجب صرف الكفارة إلى العدد أجمع مع المكنة، فلو دفعها ستين يوما

1. في «ب»: يصوم.
2. المبسوط: 6 / 214.
3. المبسوط: 6 / 214.
4. والقول الآخر مدان لكل مسكين ذهب إليه الشيخ في كتبه الثلاثة الفروعية: النهاية: 569;
المبسوط: 5 / 177; الخلاف: 4 / 560، المسألة 62 من كتاب الظهار.
384

إلى مسكين واحد لم يجز، ولا يجوز التكرار على ما دون العدد مع التمكن
من الكفارة الواحدة، فإن لم يحصل العدد جاز أن يكرر عليهم حتى
يستوفي الواجب.
ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد، بل يطعم إطعام عشرة مساكين في
عشرة أيام، وإطعام ستين في ستين يوما.
ولو وجد بعض العدد لم يجز له الاقتصار على أقل منه، فلو وجد خمسة
أطعمهم يومين، ولو وجد أربعة فكذلك، وخصص بالمدين في الثالث أي
اثنين شاء، والوجه أنه ليس له دفعها إلى الأربعة، كما ليس له إطعام ما زاد على
العدد من المقدار العدد (1) ولا يجب الجمع بل يجوز إعطاء العدد مجتمعين
ومتفرقين.
والمد رطلان وربع بالعراقي، فإن دفع مد الحب أجزأ، والوجه الإجزاء لو
طحنه وخبزه وإن نقص وزنه، وفي إجزاء المد من الدقيق كيلا نظر ينشأ من
انتشار أجزائه في المكيل بخلاف الحب.
ويجوز إطعامهم والتسليم إليهم، وأن يكون بعضهم صغارا، ولا يجوز أن
يكونوا أجمع كذلك، ولو كانوا كذلك احتسب الاثنان بواحد.
ولا يجوز صرفها إلى غير المؤمنين وأولادهم، قال الشيخ: فإن لم يجد
أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم، أطعم المستضعفين ممن خالفهم (2)

1. في «ب»: من امداد العدد.
2. النهاية: 570 - باب الكفارات -.
385

ومنع ابن إدريس ذلك (1) وقد وقع الاتفاق على منع الكافر والناصب.
والأقرب جواز إطعام المؤمن الفاسق، ولو دفعها إلى من يظنه فقيرا، فبان
غنيا، فإن أمكن الارتجاع وجب وإلا أجزأه، وكذا لو بان كافرا أو عبدا، ولا فرق
بين أن يكون الدافع الإمام أو غيره.
ويجوز أن يطعم واحدا في يوم واحد من كفارتين.
ولا يجوز للمظاهر المسيس قبل التكفير، سواء في ذلك العتق والصيام
والإطعام، ولو وطئ في حال الإطعام لم يلزمه الاستئناف، ولا يعدل في المرتبة
إلى الإطعام إلا بعد العجز عن الصوم.
والشبق (2) عذر إذا حصل منه المشقة بالترك.
النظر الرابع: في الكسوة
ولا تجب في غير كفارة اليمين، ويتخير الحانث بينها وبين العتق
والإطعام، وتجب كسوة العدد، وهو عشرة نفر لكل واحد ما يسمى ثوبا إزارا أو
سراويل أو قميصا، ولو تعذر العدد كرر عليهم كالإطعام، والأقرب أنه يكفي ما
يواري الرضيع إن أخذ الولي له، وإن أخذ لنفسه، فالأقرب عدم الإجزاء.

1. السرائر: 3 / 74. قال في المسالك: 10 / 99: «للأصحاب في اشتراط الإيمان في المستحق
للكفارة أقوال» ثم أنهاها إلى خمسة مع التصريح بأسماء قائليها فلا حظ.
2. قال الطريحي في مجمع البحرين: الشبق - بالتحريك - شدة الميل إلى الجماع، يقال: شبق
الرجل شبقا من باب تعب، فهو شبق: هاجت به شهوة الجماع.
386

ولا يشترط المخيط ولا الجديد بل يجزئ المستعمل إلا إذا تخرق
بالاستعمال، أو قارب الانمحاق.
ويجزئ الثوب من الصوف والكتان والأبريسم، ولا يجزئ الشمشك (1)
ولا القلنسوة ولا الخف ولا النعل ولا المنطقة، وفي الدرع إشكال.
النظر الخامس: في الاستغفار
ومن عجز عن الكفارة وأبعاضها كان فرضه الاستغفار، ويسقط عنه مع
الإتيان به وان تجددت له القدرة.
وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز، صام ثمانية عشر يوما،
فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن عجز استغفر الله تعالى، ولا
شئ عليه.
وهل يدخل في ذلك ذو الكفارات المرتبة؟ الأقرب ذلك، لكن لا ينتقل
إلى صوم ثمانية عشر يوما إلا بعد العجز عن الإطعام.
وفي رواية لا شئ في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة (2)
وهو يؤذن بالوجوب.

1. الشمشك بضم الشين الأول وكسر الميم أو ضمها وسكون الشين الثاني، ذكره الشيخ في
النهاية: 98 والخلاف: 2 / 296 المسألة 76 من كتاب الحج، وقال ثاني الشهيدين في المسالك:
1 / 165 في شرح كلام المحقق: انه نعل مخصوص. وفسره المحقق السيد البروجردي (قدس سره) بأنه
معرب «چمشك» أو «چمش» وهما على ما حكاه بعض نوع من الأحذية له رأس مانع عن
وصول الأصابع إلى الأرض. لاحظ نهاية التقرير في مباحث الصلاة: 1 / 397، وقال الطريحي
في مجمع البحرين: قيل إنها المشاية البغدادية وليس فيه نص من أهل اللغة.
2. الوسائل: 15 / 583، الباب 31 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
387

وروى عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال: كل من
عجز عن الكفارة التي تجب عليه من عتق أو صوم أو صدقة في يمين أو نذر أو
قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا
يمين الظهار، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها، وفرق بينهما
إلا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها (1).
وعن محمد بن أحمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن الطيالسي،
عن أحمد بن محمد عن داود بن فرقد عن الصادق (عليه السلام) في كفارة الطمث أنه
يتصدق إذا كان في أوله بدينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار،
قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفر به؟ قال: فليتصدق على مسكين واحد، وإلا
استغفر الله ولا يعود، فإن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى
شئ من الكفارة (2).
وهذا عام في المظاهر وغيره.
وروى محمد بن يعقوب عن [علي بن إبراهيم] عن أبيه، عن صفوان بن
يحيى عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام): ان الظهار إذا عجز صاحبه
عن الكفارة فليستغفر ربه ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع، وقد
أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من
الأيام فليكفر، وإن تصدق بكفه وأطعم نفسه وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا،

1. الوسائل: 15 / 554، الباب 6 من أبواب الكفارات، الحديث 1.
2. الوسائل: 2 / 574، الباب 28 من أبواب الحيض، الحديث 1، وصدر الحديث نقله في
الوسائل: 15 / 573، الباب 22 من أبواب الكفارات، الحديث 1، وذيله في الباب 6 من
أبواب الكفارات، الحديث 3.
388

وإلا يجد ذلك فليستغفر الله ربه وينوي أن لا يعود، فحسبه ذلك (1) - والله -
كفارة. (2)
وهذا الحديث وان كان جيد السند لكن فيه بحث ذكرناه في كتاب
استقصاء الاعتبار (3).
وفيه دلالة على الاكتفاء في الاستغفار للمظاهر وحل الوطء له، وبعض
علمائنا حرم عليه الوطء (4) عملا بالحديث الأول، (5) والأقرب عندي الجواز.
الفصل الثالث: في الأحكام
وفيه أحد عشر بحثا:
5978. الأول: من ملك رقبة أو ملك ثمنها وأمكنه الشراء، فهو واجد للعتق، لا
ينتقل فرضه مع الترتيب، ولو ملك رقبة يفتقر إلى خدمتها لمرض أو منصبه
الذي لا يليق به مباشرة الأعمال، فله الصوم، وكذا لو وجد الثمن ولم يتمكن من
الشراء، أو اضطر إليه (6) لنفقته وكسوته.

1. في النسختين: بذلك.
2. الوسائل: 15 / 555، الباب 6 من أبواب الكفارات، الحديث 4.
3. هذا الكتاب من تآليفاته الثمينة القيمة، قال المصنف في الخلاصة: «إنه كتاب لم يعمل مثله»
وقال في الذريعة: 2 / 30: ذكر فيه المصنف كل خبر وصل إليه، وبحث في أحوال سنده صحة
وغيرها ودلالة متنه ظهورا وإجمالا مع بيان ما فيه من المباحث الأدبية والمسائل الأصولية وما
يستنبط منه من الأحكام الشرعية.
وقال المصنف في المختلف: 1 / 65 في مسألة سؤر ما لا يؤكل لحمه بعد كلام أنيق مشبع
طويل «هذا خلاصة ما أوردناه في كتاب استقصاء الاعتبار في تحقيق معاني الأخبار».
4. وهو خيرة الشيخ في النهاية: 525، والمبسوط: 5 / 155، والمفيد في المقنعة: 524.
5. وهو رواية عاصم بن حميد عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام). تقدم آنفا.
6. في «أ»: «لو اضطر».
389

ولا يباع دار سكناه ولا ثياب الجسد، ولو كان في المسكن زيادة عن قدر
الحاجة بيع الزائد، ولو كان العبد نفيسا، أو الدار كذلك، وأمكن الاستبدال
بالأدون فيهما، فالوجه عدم الوجوب.
أما لو كان له رأس مال (1) أو ضيعة إذا بيعا التحق بالمساكين الذين
يأخذون الصدقة، فالوجه وجوب بيعهما، وقيل: حد العجز عن الإطعام أن لا
يكون معه ما يفضل عن قوته وعن قوت عياله ليوم وليلة. (2)
5979. الثاني: لو كان له مال غائب لم يجز له العدول إلى الصوم في المرتبة،
بل يجب الصبر حتى يصل أو يتحقق اليأس من وصوله، فيجوز له الانتقال.
ولو كان الصبر يتضمن مشقة كما في الظهار، ففي وجوب التأخير إشكال.
5980. الثالث: الاعتبار في المرتبة بحال الأداء لا حال الوجوب، فلو وجد
العتق حال الوجوب ثم أعسر قبل الإخراج انتقل إلى الصوم، ولم يستقر العتق
في ذمته، ولا يعد عاصيا، لعدم الفورية.
ولو كان عاجزا عن العتق فشرع في الصوم، لم يجب العدول عنه
إلى العتق.
ولو صام يوما واحدا، لكن يستحب العدول، وكذا البحث لو عجز عن
الصوم فشرع في الإطعام ثم أمكن الصوم.
5981. الرابع: لو ملك الكفارة وعليه دين مثلها وهو مطالب به، فهو عاجز،
ولو لم يكن مطالبا به، فالوجه أنه كذلك، وكذا لو ملك دابة يضطر إلى ركوبها.
ولو تكلف المعسر العتق أجزأه.

1. في «أ»: رأس المال.
2. هو خيرة الخرقي في متن المغني وابن قدامة. لاحظ المغني لابن قدامة: 11 / 277.
390

5982. الخامس: لا تدفع الكفارة إلى الطفل بل إلى وليه، ولا تدفع إلى من
تجب نفقته على الدافع، كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا، أو الزوجة
والمملوكة، ولو قيل: يجوز دفعها إليهم إذا كان الدافع فقيرا كان وجها.
ويجوز دفعها إلى غير هؤلاء من الأقارب، وللزوجة الدفع إلى زوجها.
وبالجملة كل من يمنع الزكاة من الأقارب والأغنياء والكفار والرقيق يمنع من
الكفارة، والأقرب منع بني هاشم منها.
ولو دفع إلى من ظاهره الفقر فبان غنيا أجزأه، ومنع الشيخ رحمه الله من
إعطاء المكاتب (1) والأقرب تسويغه كما يجوز صرف الزكاة إليه، قال: ولو عتق
بعضه وهو فقير جاز إعطاؤه (2) قال: والغازي والغارم وابن السبيل الذين
يأخذون الزكاة مع الغنى يمنعون من الكفارة (3).
5983. السادس: لا يجوز إخراج القيمة في الكفارة وإن دفع أضعافها، ولا
تلفيقها بأن يعتق نصف عبد ويصوم شهرا، أو يتصدق على ثلاثين مسكينا أو
يطعم خمسة، ويكسو خمسة، سواء كانت الكفارة مخيرة أو مرتبة، وسواء في
ذلك العتق وغيره.
وكذا لا يجوز إطعام المسكين بعض الطعام وكسوته بعض
الكسوة إجماعا.
ولو أطعم بعض المساكين برا وبعضهم تمرا، فالوجه عندي الإجزاء،
وكذا لو كسى بعضهم كتانا، وبعضهم صوفا أو شعرا.

1. المبسوط: 5 / 178، الخلاف: 4 / 560، المسألة 60 من كتاب الظهار.
2. المبسوط: 5 / 178.
3. المبسوط: 6 / 208.
391

ولا يجزئ إخراج المعيب، فلو كان الحب مسوسا (1) أو متغير الطعم أو
فيه تراب خارج عن العادة، أو زوان (2) لم يجز، ويجيء على القول بالمنع عن
القيمة عدم إجزاء دفع المعيب مع الأرش.
5984. السابع: كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز، صام ثمانية
عشر يوما، فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن عجز استغفر الله
سبحانه ولا شئ عليه.
ولو قدر على صوم شهر، فالوجه وجوبه، ولو قدر على صومها متفرقا،
فالوجه وجوب الشهرين، وإن عجز، فالوجه التتابع في الثمانية عشر.
5985. الثامن: يشترط في التكفير النية، فلو أعتق أو أطعم أو صام أو كسا من
غير نية لم يكن مجزئا.
ويشترط نية القربة، فلا يصح عتق الكافر أصليا كان أو مرتدا، حربيا أو
ذميا، وكذا إطعامه وصومه.
ويشترط نية التكفير، فلو نوى العتق متقربا إلى الله تعالى ولم ينو عن
الكفارة لم يجزئه.
وهل يشترط تعيين الكفارة؟ الأقرب العدم إن لم تتعدد أو تعددت من

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: السوسة والسوس: دود يقع في الصوف والطعام، ومنه
قولهم: حنطة مسوسة.
2. قال الفيومي في المصباح المنير: 1 / 316: الزوان: حب يخالط البر فيكسبه الرداءة، وفيه
لغات: ضم الزاء مع الهمز وتركه، فيكون وزان «غراب» وكسر الزاء مع الواو الواحدة «زوانة»
وأهل الشام يسمونه «الشيلم».
392

جنس واحد كظهارين، والاشتراط إن اختلف السبب كظهار وقتل، خلافا للشيخ
في بعض أقواله (1) فلو كان عليه ظهاران فأعتق عن أحدهما ولم يعين، ثم أعتق
عن الآخر كذلك أجزأه، أما لو كان عليه ظهار وقتل فأعتق عن أحدهما ولم
يعين، ثم أعتق عن الآخر من غير تعيين أجزأه عند الشيخ، وكذلك لو أعتق
ونوى الكفارة مطلقا، ثم عجز فصام شهرين متتابعين بنية الكفارة من غير تعيين،
وكذا لو أعتق عبديه ونوى إعتاق نصف كل منهما عن كفارة صح، لسراية العتق
في الجميع عند عتق النصف، وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفارة معينة.
ولو كان عليه كفارة وجهل سببها من ظهار أو قتل، فأعتق ونوى التكفير
صح، ولو شك بين النذر والظهار فأعتق ونوى التكفير لم يجزئه، ولو نوى إبراء
ذمته أجزأه، ولو نوى العتق مطلقا لم يجزئه، لأن احتمال إرادة التطوع أظهر عند
الإطلاق، وكذا لو نوى الوجوب مطلقا، وقوى الشيخ هنا الإجزاء (2).
ولو كان عليه كفارتان فأعتق عبديه ونوى عتق كل منهما عنهما معا لم
يجزئه، كما لو أعتق في الواحدة نصفي عبدين.
ولو أعتق أحدهما عن إحداهما لا بعينهما ثم أعتق الآخر عن معينة تعين
الأول في الأخرى، ولو أعتق الأول عن معينة وأطلق الثاني، وقع عن الأخرى،
ولو أطلق الأول ثم عينه تعين، ولو أراد بعد ذلك جعله عن الأخرى لم يصح،
وكذا لو عينه وقت العتق، ثم أراد نقله إلى الأخرى.

1. قال الشيخ في المبسوط: 6 / 209: - بعد التصريح بعدم لزوم التعيين إن كانت الكفارات من
جنس واحد - ما هذا نصه: «وأما إن كانت أجناسا مثل أن حنث وقتل وظاهر عن زوجته، ووطأ
في رمضان، فالحكم فيها كلها كما لو كان الجنس واحدا، وأنه لا يفتقر إلى تعيين النية».
2. المبسوط: 5 / 167.
393

ووقت النية وقت التكفير، فلا تصح قبله، ولو أعتق ونوى سببا وأخطأ
فيه، لكون السبب غيره، لم يجزئه (1).
5986. التاسع: العبد لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه على الأقوى، فهو عاجز
ففرضه في الكفارات مخيرها ومرتبها الصوم، فإن كفر بغيره من دون إذن المولى
لم يجزئه، ولو أذن له المولى فالأقوى الجواز، وكذا يجزئه لو أعتق عنه مولاه.
ولا تنعقد يمينه إلا بإذن مولاه، فإن حلف من دون إذن لم تلزمه الكفارة
وإن حنث بإذن مولاه، خلافا للشيخ (رحمه الله) (2).
ولو أعتق قبل الحنث، ففي لزوم حكم اليمين إشكال، وفي انعقاد يمينه
فيما لا يبطل حق السيد نظر، فإن قلنا بالانعقاد وأذن له السيد في الحنث جاز له
الصوم من دون إذنه، وإن حنث من دون إذنه لم يكن له الصوم إلا بإذنه.
ولو حلف بإذن السيد انعقدت يمينه، فإن حنث بإذنه كفر بالصوم ولم
يكن للمولى منعه، وإن حنث من غير إذنه قيل: كان له منعه من الصوم وإن لم
يكن مضرا (2) وفيه نظر.
ولو حلف بإذن مولاه وأعتق وأيسر قبل الشروع في الصوم، وجب عليه
العتق، ولو حنث قبل الإعتاق ثم أعتق قبل الشروع في الصوم، اعتبر بحال
الأداء، فإن كان موسرا، وجب العتق، ويلتحق من المعتق نصفه بالأحرار، فإن
كان موسرا بما فيه من الحرية وجب عليه العتق أو الإطعام أو الكسوة، وإلا كان
عليه الصيام.

1. في «أ»: لم يجزه.
2. المبسوط: 6 / 217.
3. نقله الشيخ في المبسوط عن بعض العامة. لاحظ المبسوط: 6 / 217 - 218.
394

5987. العاشر: من مات وعليه كفارة واجبة مرتبة، أخرجت أقل قيمة رقبة
مجزئة من أصل المال.
ولو أوصى بما يزيد عن ذلك، ولم تجز الورثة، أخرج الزائد من الثلث
بعد إخراج المجزئ من الأصل.
وإن كانت مخيرة أخرج أقل الخصال قيمة من الأصل.
وإن أوصى بالأزيد ولم تجز الورثة، أخرج الزائد من الثلث، فإن قامت (1)
الخصلة الدنيا وما حصل من الوصية، بالعليا أخرجت، (2) وإلا بطلت الوصية
بالزائد وأخرجت الدنيا من الأصل.
5988. الحادي عشر: قد بينا وجوب نية القربة في التكفير، وإنما يتحقق ذلك
من إباحة السبب، فلا يجزئ لو كان السبب محرما، بأن نكل بعبده مثل أن يقلع
عينيه، أو يقطع رجليه، وينوي به التكفير، فإنه ينعتق ولا يجزئ عن الكفارة.

1. في «أ»: فإن أقامت.
2. لخص المصنف عبارة الشيخ في المبسوط وإليك نصه: «وإن كانت الكفارة على التخيير مثل
كفارة الأيمان وغيرها نظرت فإن مات من غير وصية فالواجب الإطعام، لأنه أقل ما يكفر به
عن نفسه حال حياته، فإن أطعموا أو كسوا جاز.
وأما إن مات عن وصية فلا فصل بين أن يقول: أعتقوا من صلب مالي أو من الثلث أو يطلق،
فإنها من الثلث، لأن الواجب الإطعام، فإذا عدل إلى غيره علم أنه أراد أن يكون من الثلث، فإن
خرجت من الثلث أعتق عنه، وإن كان الثلث لا يفي أفرد من التركة قدر الطعام وأخرج ثلث ما
بقي، وضم الثلث إلى قيمة الإطعام، ونظرت فإن لم يف برقبة تجزئ عنه سقطت وأطعم عنه،
وإن كان يفي برقبة تجزئ عنه، قال قوم: تعتق عنه الرقبة، وقال بعضهم: الوصية تسقط ويطعم
عنه، والأول أصح عندي» المبسوط: 6 / 216.
وعلى هذا فقول المصنف: «بالعليا» متعلق بقوله: «قامت»، والضمير في «أخرجت» يرجع إلى
«العليا».
395

كتاب الإقرار
397

وفيه مطالب
[المطلب] الأول: في الإقرار بالمال
وفيه مقاصد
[المقصد] الأول: في المقر
يعتبر فيه البلوغ والعقل والحرية والاختيار والقصد وجواز التصرف، فلا
اعتبار بإقرار الصبي وإن أذن وليه، وإن كان مميزا.
ولو أقر المراهق فادعى المقر له البلوغ وأنكر، فالقول قوله، ولا يمين إلا
أن يختلفا بعد البلوغ، فيحلف أنه حين أقر لم يكن بالغا.
ومن سوغ من علمائنا وصيته وصدقته سوغ إقراره بها.
ولو ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت إمكانه، صدق من غير بينة ولا يمين،
وإلا لزم الدور.
ولو ادعاه بالسن كلف البينة.
399

والمجنون مسلوب القول مطلقا.
والمملوك لا ينفذ إقراره في حق مولاه، فلو أقر بمال تبع به بعد العتق، ولا
يطالب به ما دام مملوكا، نعم لو كان مأذونا له (1) في التجارة، فإن أقر بما يتعلق
بها قبل ويؤخذ ما أقر به مما في يده، ولو كان أكثر، لم يضمنه المولى بل يتبع به
بعد العتق، وكذا لو أقر بعد الحجر بدين أسنده إلى حالة الإذن.
ولا ينفذ إقرار المولى عليه بالمال، ولو أقر عليه بجناية توجب مالا قبل،
ولو أوجبت قصاصا لم يجب، نعم يقضى بالمال فيباع أو يفديه أو يستعبده
المجني عليه.
ولو أقر برقبته لغير مولاه، لم يقبل. وكذا لو أقر به مولاه لرجل وأقر هو
برقبته لآخر.
ولو أقر بجناية توجب أرشا أو قصاصا تبع به بعد العتق أيضا. ولا يقبل
إقراره بالحد ولا ينفذ إقرار المكره بمال ولا حد أكره على الإقرار بهما.
وكذا غير القاصد كالساهي والنائم والسكران، ولا يمضى إقرار المحجور
عليه له لسفه بالمال، ويقبل بما عداه كالخلع والطلاق والحد وموجب القصاص.
ولو أقر بالسرقة قبل في الحد لا المال، ولو زال الحجر، لم يحكم بما أقر
به حال السفه.
ويقبل إقرار المريض بالمال مع التهمة من الثلث للأجنبي والوارث، ومن
الأصل لهما مع انتفائها على الأقوى.

1. في «أ»: مأذونا.
400

وأما المفلس فإنه يمضى إقراره، وفي مشاركة المقر له الغرماء نظر.
ولا تعتبر عدالة المقر، فلو أقر الفاسق، حكم عليه بمقتضى إقراره.
وكل من لا يتمكن من الإنشاء لا ينفذ إقراره.
ولو أقر المريض بأنه وهب حالة الصحة، لم ينفذ من الأصل.
ولو أقر بدين مستغرق ومات وأقر (1) وارثه بدين مستغرق، فإن جوزنا
الإقرار من الأصل أو لم يكن متهما، قدم إقرار الموروث، لوقوع إقرار الوراث
بعد الحجر.
ولو كان متهما، فالوجه نفوذ إقراره في الثلث، وإقرار الوراث في الباقي.
ولو أقر بعين ماله لشخص، ثم أقر بدين مستغرق، لم يكن للثاني شئ،
وكذا لو أقر بالعين أخيرا، لم يكن للأول شئ.
ولو ادعى المقر الإكراه، لم يقبل إلا ببينة، ولو كان هناك أمارة، كقيد أو
حبس أو توكيل، ففي قبول قوله مع اليمين نظر.
ولو ادعى الجنون حال الإقرار، افتقر إلى البينة.
والمكاتب المشروط حكمه حكم القن، وكذا المطلق، إذا لم يتحرر منه،
ولو تحرر منه شئ، قبل بإزاء ما تحرر منه وكان الباقي موقوفا على العتق.

1. في «ب»: فأقر.
401

المقصد الثاني: في المقر له
ويشترط فيه أمران: أهلية التملك وعدم التكذيب، فلو أقر للدابة بطل،
ولو قال: بسببها، صح للمالك، وحمل على الاستيجار، ولو فسره بغير ذلك
قبل، كما لو قصد أرش الجناية بالركوب، وعندي فيه نظر، والأقرب بطلان
الإقرار، لأنه لم يذكر لمن هو.
وشرط صحة الإقرار ذكر المقر له، نعم لو قال: بسببها لمالكها أو لزيد علي
بسببها، صح.
ولو أقر لعبد، لزمه الحق لمولاه.
ولو أقر للحمل، صح أطلق السبب أو فصله كالإرث أو الوصية.
ولو أسنده إلى سبب باطل، كالجناية عليه، لم يبطل الإقرار، ويملك
الحمل ما أقر له إن خرج حيا لدون ستة أشهر من حين الإقرار، وإن سقط ميتا،
وكان المقر قد فسره بالميراث، رجع إلى باقي الورثة، وإن فسر بالوصية. رجع
إلى ورثة الموصي، وإن كان قد أطلق طولب بالتفسير، فإن تعذر بموت أو غيره
بطل، كمن أقر لرجل لا يعرف.
وإن ولدته بعد الإقرار بما يزيد عن أكثر مدة الحمل بطل، وإن وضعته فيما
بين الأكثر والأقل، ولم يكن لها زوج ولا مالك، حكم له به.
403

ولو كان لها زوج أو مالك، لم يحكم له لإمكان تجدده بعد الإقرار،
ويمكن القول بالحكم بناء على العادة.
ولو تعدد الحمل تساويا سواء كانا ذكرين أو ذكرا وأنثى إن أسنده إلى
الوصية المطلقة، وإن أسنده إلى الميراث أو الوصية المفصلة تفاوتا.
ولو سقط أحدهما ميتا استحق الآخر جميع ما أقر به.
ولو قال: للمسجد أو لمقبرة المولى علي كذا، قبل إن أضاف إلى من وقف
عليه أو أطلق، وكذا إن أسنده إلى السبب الباطل على إشكال، ولو كذب المقر له،
لم يسلم إليه، ويترك في يد المقر أو يحتفظه الحاكم.
ولو رجع المقر له عن الإنكار سلم إليه، ولو رجع المقر في حال إنكار
المقر له، فالوجه أنه لا يقبل، لأنه أثبت الحق لغيره، بخلاف المقر له، فإنه اقتصر
على الإنكار.
404

المقصد الثالث: في المقر به:
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
5989. الأول: لا يشترط تعيين المقر به، بل يصح الإقرار بالمجهول، كما يصح
بالمعلوم، ولا أن يكون ملكا للمقر بل لو كان ملكا له بطل إقراره، كما لو قال:
داري أو مالي لفلان.
ولو قال الشاهد: إنه أقر له بدار وكانت ملكه إلى أن أقر، بطلت الشهادة.
ولو قال: هذه الدار لفلان، وكانت ملكي إلى وقت الإقرار، حكم عليه بأول
إقراره، لكن يشترط كون المقر به تحت تصرفه، فلو أقر بما في يد غيره،
لم ينفذ.
ولو أقر بحرية عبد غيره، لم يقبل، فلو اشتراه، صح وعتق عليه، وكان فداء
من جانبه وبيعا من جهة البائع، ولا يثبت هنا خيار الشرط والمجلس، كما لا
يثبت في بيع العبد على من ينعتق عليه. ولا ولاء للمشتري عليه ولا للبائع.
فإن مات العبد وله كسب، فللمشتري أخذ قدر الثمن من تركته، لأنه إن
كذب فالتركة له، وإن صدق فللبائع من حيث الولاء، وقد استعاد ما ظلمه
البائع به.
5990. الثاني: إذا عين المقر به ألزم بما عينه، وإن أبهم فقال: له علي مال ألزم
405

التفسير بما يتمول، ويقبل بما يفسره وإن قل، ولو فسر بما لا يملك عادة كالحبة
من الحنطة، وقشر الجوزة، والسرجين النجس، وكلب العقور، ورد السلام، لم
يقبل وألزم ببيان آخر.
وكذا لو فسره بما لا يملك المسلم، كالخمر، والخنزير، وجلد الميتة،
ويقبل ذلك من الكافر لمثله.
ولو فسره بكلب الصيد، أو الزرع، أو الماشية، أو الحائط قبل.
أما لو قال: له علي شئ وفسره بجلد الميتة، أو السرجين النجس، أو
الخمر، لم يقبل.
لعدم ثبوته في الذمة، وكذا لو فسر بحبة الحنطة.
ولو فسره بحد قذف أو حق شفعة قبل.
ولو قال: غصبتك أو غبنتك لم يلزمه شئ، لأنه قد يغصبه نفسه ويغبنه
في غير المال.
ولو قال: غصبتك شيئا وفسره بنفسه، لم يقبل، لتغاير المفعول الأول
والثاني، ولو فسره بمال قبل وإن قل.
ولو فسره بكلب أو سرجين، احتمل القبول، ولو فسره بما لا نفع فيه أو لا
يباح الانتفاع به، لم يقبل.
5991. الثالث: إذا عين الوزن، انصرف إلى ما عينه، وإن أطلق انصرف إلى
ميزان البلد، وكذا الكيل والنقد، ولو تعدد انصرف إلى الغالب.
ولو تساوى النقدان أو الوزنان في الاستعمال رجع إليه في التفسير.
406

ولو قال: له علي مال جليل، أو عظيم، أو نفيس، أو خطير، أو مال أي مال،
أو عظيم جدا، قبل تفسيره بالقليل.
ولو قال: مال كثير، قال الشيخ: يكون ثمانين. (1) وليس بمعتمد بل يرجع
إليه بالتفسير وإن قل.
ولو قال: غصبت شيئا لم يقبل تفسيره بالخمر والخنزير ونفس المقر له
على إشكال.
ولو قال: له علي أكثر مما لفلان ألزم بقدر ما لفلان وزيادة، ويرجع إليه في
تعيين الزيادة.
وكذا يرجع إليه في ظنه مقدار مال فلان، فلو قال: كنت أظنه عشرة قبل
وإن كان أزيد، وكذا لو قال: أكثر مما شهد به الشهود على فلان، (2) ولو قال: لم
أرد الكثرة في المقدار بل أن الدين أكثر بقاء من العين، والحلال أكثر بقاء من
الحرام، قبل وله التفسير بالأقل مما لفلان ومما يشهد به الشهود في المقدار.
5992. الرابع: إذا امتنع من تفسير المبهم، حبس حتى يبين، ولو مات فسر
الوارث. ولو قال: أنسيت احتمل الرجوع إلى المدعي مع اليمين، ولو فسر
بدرهم، فقال المدعي: بل أردت عشرة، لم يقبل دعوى الإرادة بل عليه أن
يدعي نفس (3) العشرة، والقول قول المقر في عدم الإرادة وعدم اللزوم، ولو
فسر بالمستولدة، فالوجه القبول.

1. المبسوط: 3 / 6; الخلاف: 3 / 359، المسألة 1 من كتاب الإقرار.
2. في «أ»: أكثر مما يشهد به الشهود على فلان.
3. في «أ» «تفسير» بدل «نفس».
407

5993. الخامس: لو قال: له علي درهم من نقد الإسلام ألزم بدرهم فيه ستة
دوانيق، عشرة منه تساوي سبعة مثاقيل، ولو أطلق ألزم ما يتعامل به الناس، زاد أو
نقص. ويقبل تفسيره لغيره.
ولو قال: له درهم درهم، لزمه واحد، ولو قال: له درهم ودرهم أو فدرهم
أو ثم درهم، لزمه درهمان، ولو قال، في «فدرهم:» أردت فدرهم لازم له لا يلزمه
أكثر من واحد.
ولو قال: له درهم ودرهمان لزمه ثلاثة.
ولو قال: له درهم ودرهم ودرهم، لزمه ثلاثة، فإن قال: أردت بالثالث تأكيد
الثاني قبل منه، ولو قال: أردت تأكيد الأول، لم يقبل للفصل، وكذا لا يقبل
التأكيد. ولو غاير في حروف العطف، مثل: له درهم فدرهم ثم درهم.
ولو قال: درهم مع درهم أو تحت درهم أو فوق درهم، لزمه واحد
لاحتمال مع درهم لي.
ولو قال: درهم قبل درهم أو بعد درهم، احتمل الدرهم والدرهمان، لأن
التقدم والتأخر لا يحتمل إلا في الوجوب.
ولو قال: له درهم قبله درهم وبعده درهم، لزمه الثلاثة مع احتمال
الواحد. (1)
5994. السادس: لو قال: له درهم بل درهم لزمه واحد، ويحتمل إيجاب
درهمين لتغاير ما بعد الإضراب وما قبله، فيجبان، كما لو قال: بل دينار.

1. في «أ»: مع احتمال للواحد.
408

ولو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير، لزمه القفيزان.
ولو قال: درهم بل درهمان، لزمه درهمان لا غير، وكذا لو قال: قفيز شعير
بل قفيزان.
أما لو قال: قفيز شعير بل قفيزان حنطة، لزمه ثلاثة، والأصل أن الإضراب
إن كان إلى ما يدخل فيه الأول لزمه الثاني، وإن كان إلى المخالف لزمه الأول
والثاني، فلو قال: له هذا الدرهم بل هذان لزمه الثلاثة، لأن الأول ليس
بعض الثاني.
ولو قال: له درهمان بل درهم، لزمه الدرهمان بخلاف الاستثناء.
5995. السابع: لو قال: له علي من واحد إلى عشرة، فإن قلنا بدخول الغاية في
الغاية لزمته عشرة، وإلا تسعة، ويحتمل ثمانية (1)، ولو قال: أردت مجموع
الأعداد، لزمته خمسة وخمسون، واختصار حسابه أن يزيد الواحد على العشرة
[فيصير أحد عشرة] ثم يضربها في نصف العشرة.
ولو قال: درهم في عشرة ولم يرد الضرب، لزمه واحد.
ولو قال: درهم ناقص ووصل، قبل، ويرجع إليه في قدر النقصان، ولو
فصل لم يقبل، وكذا لو كان التعامل بالناقص غالبا احتمل القبول، وكذا لو فسر
الدراهم بالمغشوشة، ولو فسر بالفلس لم يقبل.
ولو قال: علي دريهمات أو دراهم صغار وفسر بالناقص لم يقبل.
ولو قال: ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية.

1. وذلك لأن الأول والعاشر حدان فلا يدخل في الإقرار.
409

5996. الثامن: يحمل الجمع المنكر والمعرف على أقل مراتبه وهو الثلاثة،
فلو قال: له عندي دراهم أو الدارهم لزمته ثلاثة، ولو قال: أردت بالجمع معنى
الاجتماع، احتمل القبول.
ولو قال: له علي ثلاثة آلاف، ولم يعين طولب بتفسر الجنس، فإن فسر بما
يملك قبل، ولا فرق بين جمع القلة والكثرة في ذلك كله.
5997. التاسع: لو قال: له عندي زيت في جرة، أو سيف في غمد، أو غصبته
ثوبا في منديل، أو حنطة في سفينة، لم يدخل الظرف في الإقرار (1) ولو قال: له
عندي عبد عليه عمامة، كان إقرارا بالعمامة أيضا مع احتمال ضعيف، أما لو قال:
له عندي دابة عليها سرج، لم يكن مقرا بالسرج، لأن للعبد أهلية اليد
بخلاف الدابة.
ولو قال: له عندي جرة فيها زيت، أو غمد فيه سيف، فالوجه عدم
دخول المظروف.
ولو قال: له دابة بسرجها أو سفينة بطعامها، دخل الظرف والمظروف. (2)
ولو قال: له عندي خاتم، وجاء به وفيه فص، وقال: ما أردت الفص،
ففي قبول قوله إشكال، وكذا الإشكال لو أقر بجارية، فجاء بها وهي حامل
استثنى الحمل.
ولو قال: له ألف في هذا الكيس، ولم يكن فيه شئ، لزمه الألف، ولو

1. لأنه يمكن ان يكون الظرف للمقر.
2. لأن الباء تعلق الثاني بالأول.
410

كان الألف ناقصا، ففي لزومه الإتمام إشكال، ولو قال: الألف التي في الكيس، لم
يلزمه الإتمام، فإن لم يكن فيه شئ، احتمل لزومه وعدمه.
ولو قال: له في هذا العبد ألف درهم، فإن فسره بأرش الجناية قبل، وإن
فسر بكون العبد مرهونا بالألف، فالوجه القبول.
ولو قال: وزن في شراء عشرة ألفا واشتريت جميع الباقي بألف قبل سواء
وافق القيمة أو خالفها ولم يلزمه أكثر من عشر العبد (1).
ولو قال: نقد عني ألفا في ثمنه كان قرضا.
ولو قال: أوصي له بألف من ثمنه، بيع وصرف إليه من ثمنه ألف، ولو أراد
أن يعطيه ألفا من ماله من غير ثمن العبد لم يلزمه القبول.
وإن قال جنى العبد بألف تعلقت برقبته قبل.
ولو أنكر المقر له شيئا من تفسيره، كان القول قول المقر مع يمينه.
ولو قال: له في هذا المال ألف أو في ميراث أبي (أو من ميراث أبي) (2)
ألف، قبل.
ولو قال: له في مالي، أو في ميراثي من أبي، أو من ميراثي من أبي، ألف،
لم يلزمه، للتناقض.
ولو قال في هذه المسائل: بحق واجب أو بسبب صحيح أو ما جرى
مجراه، صح في الجميع.

1. في «أ»: من عشرة العبد.
2. ما بين القوسين يوجد في «ب».
411

5998. العاشر: لو قال: له عشرة ودرهم ألزم بدرهم، ورجع في تفسير العشرة
إليه، ويقبل ما يفسره وإن قل مما يتمول من العشرات، وكذا عشرة ودرهمان.
ولو قال: عشرة وثلاثة دراهم، أو خمسة عشر درهما، أو مائة وخمسة
عشر درهما، أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما، أو خمسون وألف درهم،
أو خمسون ومائة درهم، فالجميع دراهم.
ولو قال: أردت بالألف وما بعدها غير الدراهم وميزت بالدرهم العدد
الأخير، فالوجه قبول قوله مع الاحتمال.
ولو قال: علي درهم وألف، أو ثلاثة دراهم وألف، كانت الألف مجهولة.
ولو قال: درهم ونصف، ففي النصف احتمال ضعيف للإجمال.
ولو قال: له علي معظم ألف، أو جل ألف، أو قريب من ألف، أو أكثر
الألف، لزمه أكثر من النصف.
5999. الحادي عشر: إذا أقر بالدراهم وأطلق، ألزم الوافية الجيدة الحالة، ولو
فسر بأضداد ذلك متصلا قبل إلا في التأجيل، وإن كان منفصلا لم يقبل وإن كان
وديعة أو غصبا، ولو قيل بمساواة التأجيل لغيره كان وجها، وإلا لزم سد باب
الإقرار بها على صفتها لو كانت ثابتة على هذه الصفة.
ولو أطلق الإقرار في بلد دراهمه ناقصة أو مغشوشة، فالأقرب الحمل
على دراهم البلد، ولو فسر بسكة غير البلد، وهي أجود قبل، وكذا مساويه
أو أدون.
ولو قال: له عشرة معدودة لزمه وزنه، ولو كان في بلد يتعاملون به عددا
حمل قوله عليه.
412

6000. الثاني عشر: إذا قال: له علي كذا درهم بالرفع، لزمه درهم، وتقديره:
شئ وهو درهم، وبالجر يلزمه جزء درهم يرجع إليه في قدره، وقيل: يلزمه
مائة درهم (1) وبالنصب يلزمه درهم، ونصب على التمييز. وقيل: يلزمه عشرون
درهما، (2) ولو لم يعربه قبل تفسيره بجزء الدرهم.
وكذا البحث لو قال: كذا كذا، كأنه قال: شئ (شئ) (3) هو درهم،
وتقديره بالجر جزء درهم.
وقيل: لو قال: كذا كذا درهما، لزمه أحد عشر (4).
ولو قال: كذا [و] كذا درهم بالرفع، لزمه واحد، لأنه ذكر شيئين وأبدل
منهما درهما تقديرهما درهم، وكذا لو نصب، لأن كذا يحتمل أقل من درهم،
فإذا عطف مثله ثم فسرها بدرهم جاز. وقيل: يلزمه أحد وعشرون. (5)
6001. الثالث عشر: لو قال: له هذا الثوب، أو هذا العبد، ألزم بالبيان، ويقبل
قوله، فإن أنكر المقر له كان القول قول المقر مع اليمين، وللحاكم انتزاع ما أقر به
وحفظه عنده، وله إقراره في يد المقر، ولا يدفعه إلى المقر له، فلو عاد المقر له
إلى تصديق المقر ففي القبول نظر.
ولو امتنع المقر من التعيين فعينه المقر له، طولب بالجواب، فإن أنكر
حلف، وإن نكل عن اليمين قضي عليه مع يمين المدعي.

1. القائل هو الشيخ في المبسوط: 3 / 13.
2. نسبة الشيخ إلى بعض العامة. لاحظ المبسوط: 3 / 13.
3. ما بين القوسين يوجد في «ب».
4. المغني لابن قدامة: 5 / 319.
5. المصدر السابق.
413

المقصد الرابع: في الصيغة
وهي اللفظ الدال على الإخبار عن حق ثابت، مثل لك عندي، أو علي، أو
في ذمتي، أو قبلي أو لك عندي فيما أعلم أو في علمي، وما أشبه ذلك بأي
لسان كان.
ولو قال المدعي: لي عليك ألف فقال: نعم، أو أجل، أو بلى، أو صدقت،
أو أنا مقر به أو بدعواك أو بما ادعيت، أو لست منكرا له، فهو إقرار على إشكال
في الأخير، لاحتمال السكوت المتوسط بين الإقرار والإنكار.
ولو قال المدعي: لي عليك ألف، فقال: زنها، أو خذها، أو زن، أو خذ، لم
يكن إقرارا، وكذا لو قال: أنا مقر، ولم يقل به.
ولو قال: أنا أقر، فالوجه أنه وعد وليس بإقرار.
ولو قال: أليس عليك ألف لي؟ فقال: بلى لزمه، ولو قال: نعم، قيل لا
يلزمه، والوجه اللزوم.
ولو قال: اشتر مني هذا العبد أو استوهب، فقال: نعم: فهو إقرار.
ولو قال: لي عليك ألف، فقال: قبضتها أو رددتها أو أبرأتني منها، كان
إقرارا، ولو علق الإقرار بشرط، بطل، فلو قال: لك كذا إن شئت أو شاء زيد، أو
415

إن شاء الله إلا أن يقصد هنا التبرك، لم يكن إقرارا، وكذا لو قال: إن قدم زيد أو
رضي فلان أو شهد، أو إذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا.
ولو قال: لك علي كذا إذا جاء رأس الشهر لزمه، وكذا يلزمه لو قال: إن
شهد لك فلان فهو صادق في الحال وإن لم يشهد، بخلاف ما لو قال: إن شهد
لك فلان صدقته، لأنه قد يصدق الكاذب.
ولو قال: ملكت هذه الدار من فلان، أو غصبتها منه، أو قبضتها منه، كان
إقرارا له بالدار بخلاف تملكتها على يده، لاحتمال المعونة.
ولو قال: كان لفلان علي ألف، ألزم به، وكذا إن قال: كان له علي ألف
وقضيته، وله اليمين، وكذا لو قال: وقضيته منها مائة.
ولو قال: لي عليك مائة، فقال: قضيتك منها خمسين، ألزم بالخمسين بعد
اليمين، ولا يلزمه الخمسون الأخرى، لاحتمال رجوع الضمير إلى المائة
التي يدعيها.
ولو قال: له علي ألف وقضيته إياها، ألزم، والوجه عدم توجه اليمين في
القضاء، لاعترافه في الحال، وكذا لو قال: وقضيته بعضها، والإقرار بالإقرار إقرار.
416

المقصد الخامس: في الاستثناء
وفيه ثمانية مباحث:
6002. الأول: الاستثناء متصل ومنفصل، فالأول يخرج ما بعد الاستثناء عما
قبله بشرطين: الاتصال لفظا عادة، وبقاء شئ بعد الاستثناء، وشرط بقاء الأكثر
ليس بجيد. والثاني يخرج قيمته المستثنى من المستثنى منه بالشرطين، وإن كان
غير مكيل أو موزون منهما (1) كما لو قال: له عندي عشرة أقفزة إلا ثوبا، أو
عشرون دينارا إلا عبدا.
فإذا أقر بشئ واستثني منه كان مقرا بالباقي بعد الاستثناء، وإذا قال: له
علي مائة إلا عشرة، كان مقرا بتسعين.
ولا فرق بين أدوات الاستثناء، مثل له عشرة سوى درهم، أو ليس درهما،
أو خلا، أو عدا، أو ما خلا، أو ما عدا، أو لا يكون، أو غيره.
ولو قال: له عشرة غير درهم، برفع غير، لزمته عشرة، ولو لم يكن من أهل
العربية ألزم بتسعة.
6003. الثاني: إنما يصح الاستثناء لو اتصل، فلو سكت للتنفس كان متصلا،

1. في «ب»: منها.
417

ولو سكت سكوتا يمكنه الكلام فيه، أو فصل بأجنبي بين المستثنى والمستثنى
منه، بطل الاستثناء.
فلو قال: له علي كر شعير إلا كر حنطة وقفيز شعير، بطل استثناء الكر،
لاستيعابه، وبطل أيضا استثناء القفيز، للفصل بالاستثناء الأول.
ولو قال: له كر حنطة وكر شعير إلا قفيز حنطة، قبل، لأن الفصل هنا ليس
بأجنبي على إشكال.
6004. الثالث: لا يصح الاستثناء المستوعب، فلو قال: له عشرة إلا عشرة بطل
الاستثناء ولزمته عشرة.
ويصح استثناء الأكثر، فلو قال: له عشرة إلا تسعة لزمه واحد.
وكذا لو قال: عشرة إلا ثوبا، وفسر قيمة الثوب بعشرة، فإنه يبطل، ولو فسر
بتسعة صح ولزمه واحد.
ولو قال: له عشرة إلا درهم بالرفع، كان صفة، فتلزمه العشرة.
6005. الرابع: الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات، فإذا قال: له عشرة
إلا واحدا لزمته تسعة، ولو قال: ما له عندي شئ إلا درهم، أو ماله عشرة إلا
درهم لزمه الدرهم، ولو نصب هنا فقال: إلا درهما، لم يلزمه شئ.
6006. الخامس: إذا كرر الاستثناء فان كان بحرف العطف خرجا معا من
المستثنى منه، فإذا قال: له عشرة إلا ثلاثة وإلا ثلاثة لزمته أربعة، وكذا لو كان
الثاني مساويا للأول أو أكثر، مثل: له عشرة إلا ثلاثة وإلا ثلاثة، أو إلا ثلاثة وإلا
أربعة، فيلزمه في الأول أربعة، وفي الثاني ثلاثة، ولو كان الثاني أقل من الأول
418

خرج منه لا من المستثنى منه أولا، فإذا قال: له عشرة إلا اثنين إلا واحدا
لزمته تسعة.
6007. السادس: يصح الاستثناء من العين، فلو قال: له هذه الدار إلا هذا البيت،
أو الخاتم إلا الفص، وكذا: له هذه الدار إلا ثلثها أو (إلا) (1) ربعها، وكذا لو قال: له
هذه الدار، وهذا البيت لي صح، لأنه في معنى الاستثناء إذا اتصل كلامه.
ولو قال: له هذه العبيد إلا واحدا، صح استثناؤه المجهول كما يصح إقراره
به، ويرجع إليه في تعيين المستثنى، فإن أنكر المقر له، كان القول قول المقر مع
يمينه، ولو عين من عدا المستثنى (2) صح، وكان الباقي له.
ولو هلك العبيد إلا واحدا فذكر أنه المستثنى قبل، وكذا لو قال: غصبتك
هؤلاء العبيد إلا واحدا فهلكوا، إلا واحدا قبل تفسيره به.
ولو قال: له علي ثلاثة إلا ثلاثة إلا درهمين، احتمل بطلانهما، لأن الأول
مستوعب والثاني فرعه، وصحتهما، ويكون مقرا بدرهمين، لأنه استثنى من
ثلاثة الاستثناء درهمين، فبقي منها درهم مستثنى من الإقرار، وصحة الاستثناء
الثاني من الإقرار، لأن الأول باطل، لاستيعابه، والثاني راجع إلى الأول لبطلان
ما بينهما.
6008. السابع: الظاهر أن المتصل حقيقة دون المنفصل، فيحمل المطلق
عليه، فإذا قال: له ألف إلا درهما، فالجميع دراهم، ولو فسره بالمنفصل، قبل إذا
بقي شئ بعد وضع الدرهم، ولو استوعبت قيمة الدرهم الألف، احتمل بطلان
الاستثناء وصحته، فيكلف تفسيرا يبقى معه شئ.

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
2. وحاصله: أنه تارة يعين المستثنى، وقد أشار إليه بقوله: «وإليه يرجع في تعيين المستثنى»
وأخرى يعين المستثنى منه، ويكون الباقي له، وإليه أشار بقوله: «ولو عين من عدا المستثنى».
419

ولو قال: له ألف درهم إلا خمسين، فالاستثناء دراهم، ولو قال: له ألف
درهم إلا ثوبا، فالاستثناء منقطع، يطالب بالبيان لقيمة الثوب، فإن بقي بعد القيمة
شئ صح الاستثناء، وإلا احتمل الوجهان.
ولو قال: له ألف إلا شيئا، كلف بيان المستثنى والمستثنى منه، ويصح
التفسير إن بقي بعد الاستثناء شئ وإلا فلا.
6009. الثامن: الحق أن الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة إلا أن يكون هناك
قرينة تصرفه إليهما، فإذا قال: له عشرة دنانير وعشرة دراهم إلا واحدا، رجع
الواحد إلى الدراهم، ولو قال: أردت الاستثناء من الدنانير، لم يقبل، للفصل، ولو
قال: إلا اثنين فكذلك، ولو قال: أردت الاستثناء منهما، فالوجه القبول.
ولو قال: له درهم ودرهم إلا درهما، قبل، فإن جعلنا الاستثناء راجعا إلى
الجملتين، لزمه درهم، وإن قلنا انه راجع إلى الأخيرة، لزمه الدرهمان، والحق
عندي بطلان الاستثناء على التقديرين.
420

المقصد السادس: في اللواحق
وفيه واحد وعشرون بحثا:
6010. الأول: إذا أقر لميت دفع إلى ورثته، فإن قال: لا وارث له سوى هذا ولم
يعرف له غيره، أمر بالتسليم إليه. ولو أقر لغائب وقال: هذا وكيله لم يؤمر
بالتسليم إليه.
6011. الثاني: إذا ادعى مالك العبد بيعه على من ينعتق عليه فأنكر، فالقول
قول المنكر مع يمينه، فإذا حلف سقط الثمن (1) عنه وعتق العبد.
6012. الثالث: لو أقر بما في يده للمجهول، صح، فإذا قال: هذه الدار غصبتها
من أحد هذين، أو قال: هي لأحدهما قبل، ثم يطالب بالبيان، فإن عين أحدهما
دفعت إليه. ولو ادعاها الآخر كانا خصمين، فإن ادعى علم المقر فاعترف له غرم
له، وإن أنكر فله اليمين عليه، ولا غرم.
ولو قال: لا أعرفه عينا فصدقاه نزعت من يده وكانا خصمين، وإن كذباه
حلف على عدم العلم، ونزعت من يده وكانا خصمين، ولو تبين بعد ذلك
مالكها، قبل منه، كما لو بينه ابتداء.

1. في «أ»: «سقط اليمين» والصحيح ما في المتن.
421

ويحتمل أنه إذا ادعى كل منهما أنه المغصوب منه توجهت عليه اليمين
لكل واحد منهما، فإن حلف لأحدهما، لزمه دفعها (1) إلى الآخر، لأنه يجري
مجرى تعينه، وإن نكل عن اليمين لهما معا، فسلمت إلى أحدهما بقرعة أو
غيرها غرمها للآخر، لأنه نكل عن يمين توجهت عليه فقضي عليه.
ولو أقر للمجهول مطلقا مثل أن يقول: هذا العبد لرجل أو لامرأة، حكم
عليه بانتفاء ملكه، فإن حضر المدعي وأنكر المقر إرادته، فالقول قوله مع
اليمين، فإن نكل وحلف المدعي ثم حضر آخر وادعاه وصدقه ففي التغريم نظر.
6013. الرابع: إذا قال: له عندي دراهم ثم فسر إقراره بأنها وديعة، قبل تفسيره،
سواء فسر، بمتصل أو منفصل، فيثبت فيها أحكام الوديعة، من قبول ادعاء التلف
والرد وكذا لو فسره بدين.
ولو قال: له عندي وديعة رددتها إليه أو تلفت، لزمه الضمان لمناقضة
الإقرار، فإن المردود والتالف ليس عنده ولا هو وديعة.
أما لو قال: كان له عندي وديعة وتلفت، فإنه يقبل قوله إجماعا.
ولو قال: له علي دراهم وديعة، لم يقبل قوله، فلو ادعى تلفها لم يقبل.
ولو قال: لك علي مائة درهم ثم أحضرها وقال: هذه التي أقررت بها وهي
وديعة كانت لك عندي، فقال المقر له: هذه وديعة والتي أقررت بها غيرها، وهي
دين عليك، احتمل تقديم قول المقر والمقر له، والثاني أقوى.
ولو قال: في إقراره: لك علي مائة في ذمتي، فإن القول قول المقر له، ولو
وصل كلامه الأول فقال: لك علي مائة وديعة قبل.

1. في «ب»: لزمه ودفعها.
422

ولو قال: لك في ذمتي ألف وجاء بها وقال: هي وديعة، وهذه بدلها،
قبل قوله.
ولو قال: له علي ألف درهم، ودفعها وقال: كانت وديعة كنت أظنها باقية
فبانت تالفة، لم يقبل، لتكذيب إقراره، أما لو ادعى تلفها بعد الإقرار، قبل.
ولو قال: له علي مائة وديعة دينا أو مائة مضاربة صح، ولزمه ضمانها، لأنه
قد يتعدى فيهما فيكون دينا، ولو قال: أردت أنه شرط علي ضمانها، لم يقبل،
لأنها لا تصير بذلك دينا.
ولو قال: له عندي مائة وديعة شرط ضمانها علي، لم يلزمه الضمان، لأنها
لا تصير بالشرط مضمونة.
ولو قال: أودعني مائة فلم أقبضها، أو أقرضني مائة فلم آخذها، قبل
متصلا لا منفصلا.
6014. الخامس: لا يقبل رجوع المقر عن إقراره إلا في حد الرجم، أما حقوق
الآدميين وحقوق الله تعالى، كالزكاة، والكفارة، فلا يقبل رجوعه، فإذا كان في
يده دار وقال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو حكم، بها لزيد وغرم لعمرو القيمة، إلا
أن يصدقه زيد، وكذا لو ادعى على ميت بعين فصدقه الوارث، ثم ادعاها آخر
فصدقه، أو قال: غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو، أو لو قال: غصبتها
من زيد وغصبها زيد من عمرو، ولا فرق بين اتصال الكلام وانفصاله.
أما لو قال: غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو، فإنها تدفع إلى زيد
ولا يغرم لعمرو، لعدم تعارض الإقرارين، ولو قال: ملكها لعمرو وغصبتها من
زيد، فالأقرب دفعها إلى عمرو ويغرم لزيد.
423

وكذا البحث لو قال: هذه الألف دفعها إلى زيد وهي لعمرو أو هي لعمرو
دفعها إلى زيد.
ولو قال: هذه لزيد وغصبها زيد من عمرو، دفعت إلى زيد، وفي الغرم
لعمرو احتمال. ولو قال: دفع إلي ألف درهم ولم أقبض، أو نقد لي ولم أقبض،
فالوجه القبول.
6015. السادس: لو أقر لزيد بعبد في يده فأنكر المقر له، قال الشيخ: يعتق. (1)
وليس بمعتمد، بل يبقى على الرقية (2) المجهول المالك.
ولو أقر أن المولى أعتق عبده، فالقول قول المولى، ولا يمين إلا أن يدعي
العبد، فلو اشتراه المقر، صح في طرف البائع وعتق على المشتري، فإن مات هذا
العبد، فللمشتري قدر الثمن من تركته، لأنه مع صدقه يكون الولاء للمولى إذا لم
يكن وارث سواه، ومع كذبه يكون المال للمشتري.
6016. السابع: لو عقب إقراره بما يقتضي السقوط، لم يؤثر في الإقرار، فإذا
قال: له علي عشرة من ثمن خمر، أو خنزير، أو ثمن مبيع فاسد، لم أقبضه،
وجب العشرة، وكذا له علي ألف من ثمن عبد إن سلم سلمت، أو له علي ألف
لا يلزمني.
ولو قال: له علي ألف، وقطع، ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه، لزمه
الألف، وكذا لو وصل على الأقوى، سواء كان المبيع معينا أو مطلقا.
ولو قال: له علي ألف قضيتها، ألزم، ولو قال: ألف مؤجل من جهة

1. المبسوط: 3 / 23.
2. في «ب»: على الرقبة.
424

العقل (1) قبل، ولو قال من جهة القرض، لم يقبل، ولو أطلق، فالوجه
قبول التأجيل.
ولو قال: ابتعت بخيار، أو ضمنت بخيار، قبل إقراره بالعقد، ولم يثبت
الخيار، ولو قدم الشرط، بطل الإقرار، وفي تأخيره إشكال.
ولو قال: له عشرة لا بل تسعة، ألزم بعشرة بخلاف عشرة إلا واحدا.
ولو أقر ثم ادعى أنه أشهد مواطأة للمقر له تبعا للعادة، توجهت اليمين
على المقر له، وكذا لو أقر بالبيع وقبض الثمن، ثم ادعى أن الإشهاد بقبض الثمن
مواطأة، وليس هذا تكذيبا لإقراره على ما توهمه بعض الناس.
أما لو شهد الشاهدان بالإقباض مشاهدة، لم يقبل إنكاره، ولا تثبت له
اليمين، وكذا لو أقيمت البينة عليه بالإقرار فأنكر الإقرار، لم يلتفت إليه ولا
يمين له.
ولو أقر الأعجمي غير الفاهم وقال: لقنت بالعربية، قبل دعواه بلا خلاف.
6017. الثامن: إنما يبطل إقرار المكره إذا كان الإكراه على الإقرار لا على غيره،
فإذا أكره على الإقرار لزيد بشئ فأقر به لعمرو، صح إقراره، أو أقر لزيد بغيره،
ولو أكره على أداء مال فباع متاعه ليؤدي ذلك، صح البيع، لأنه لم يكره
على البيع.
6018. التاسع: يصح الإقرار لكل من يثبت له الحق، فلو أقر للعبد بتعزير
القذف، قبل سواء صدقه المولى أو كذبه، وللعبد المطالبة بذلك والعفو، دون
السيد، ولو كذبه العبد، لم يقبل.

1. في مجمع البحرين: العقل: الدية.
425

6019. العاشر: لو قال: له هذه الدار سكنى، أو هبة، أو عارية، احتمل الحكم
بالإقرار بالدار و (إلغاء) (1) الضمائم. لأنها رافعة ما أثبته، والأقرب الحكم
بالإقرار بالبدل، ولا يكون إقرارا بالدار، لأن البدل سائغ في كلام العرب، فيثبت
فيها حكم ذلك، وله أن لا يسكنه إياها، وأن يعود في العارية والهبة غير
المعوض عنها.
6020. الحادي عشر: لو أقر بدرهم، ثم أقر به في مجلس آخر، فإن أطلق فيهما،
أو وصفهما بصفة واحدة، أو بصفتين مختلفتين يمكن اجتماعهما، أو أطلق
أحدهما ووصف الآخر، أو أسندهما إلى سبب واحد، فهما واحد.
ولو ادعى المقر له التغاير، فله اليمين، ولو كان أحدهما أكثر، دخل الأقل
في الأكثر.
ولو وصفهما بصفتين متضادتين، أو أسندهما إلى سببين مختلفين تغايرا،
مثل أن يقول: له درهم أبيض، ثم يقول في وقت آخر: له درهم أسود، أو له علي
درهم من ثمن مبيع، ثم يقول: له علي درهم من قرض، ولا يدخل الأقل
هنا الأكثر.
6021. الثاني عشر: إذا قال: له علي درهمان في عشرة، وقال: أردت الحساب،
لزمه عشرون، وإن قال: أردت درهمين مع عشرة على ما يستعمله العامة، لزمه
اثنا عشر وإن كان من أهل الحساب، ولو قال: أردت درهمين في عشرة لي قبل.

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
426

ولو قال: درهمان في دينار، لم يحتمل الحساب، وسئل عن مراده، فإن
عنى العطف لزمه الدرهمان والدينار، وإن قال: أسلمتهما في دينار، فصدقه المقر
له، بطل إقراره، لبطلان السلم في الصرف، وإن كذبه، فالقول قول المقر له
مع اليمين.
ولو قال: له علي إما درهم أو دينار، أو له علي درهم أو دينار، كان مقرا
بأحدهما، ويرجع في التفسير إليه.
ولو قال: له إما درهم وإما درهمان، كان مقرا بدرهم، والثاني مشكوك فيه،
لا يلزم به.
6022. الثالث عشر: لو قال: داري هذه لفلان، كان متناقضا، ويحتمل
الصحة، لأن الإضافة قد يكون مع الاختصاص من دون التملك كقوله
تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (1) (لا تخرجوهن من بيوتهن) (2) (وقرن
في بيوتكن)، (2)
وكذا لو قال: له في داري نصفها أو من داري بعضها.
ولو قال: له في هذا العبد شركة صح، وقبل تفسيره بأقل من النصف.
6023. الرابع عشر: إذا أقر الوارث بدين على الميت قبل إقراره إجماعا،
وتعلق الدين بالتركة، فإن لم يخلف تركة، لم يلزم الوارث شئ، وإن خلف تخير
الوارث بين القضاء من عين التركة (4) أو من ماله، ويلزمه أقل الأمرين من القيمة
أو قدر الدين.

1. النساء: 5.
2. الطلاق: 1.
3. الأحزاب: 33.
4. في «ب»: من غير التركة.
427

وكذا البحث لو تعدد الوارث، ويثبت الدين بإقرار الميت، أو بالبينة، أو
بإقرار جميع الورثة، فإن اختار الورثة قضاء الدين من مالهم ألزم كل واحد من
الدين بقدر نصيبه من التركة.
ولو أقر أحدهم وأنكر الباقون، ألزم من الدين بقدر ميراثه، وتخير في
القضاء، فلو كانا اثنين، لزمه نصف الدين أو يؤدي نصف ما في يده، ولا يلزمه
أداء الدين أجمع أو جميع ميراثه.
6024. الخامس عشر: لو ادعى اثنان عينا بسبب يوجب الشركة، كالميراث، أو
الابتياع معا، فأقر بنصفها لأحدهما، فذلك لهما جميعا، وإن لم يقتض السبب
الاشتراك، لم يشاركه الآخر، وكان على خصومة.
ولو أقر لأحدهما بالجميع، وكان المقر له يعترف للآخر بالنصف،
سلمه إليه.
وكذا إن كان قد تقدم إقراره بذلك، وإن لم يكن اعترف للآخر، وادعى
الجميع أو أكثر من النصف، فله ما ادعاه، ولو لم يدعه ولم يعترف به للآخر،
احتمل دفعه إلى مدعيه أو إلى الحاكم حتى يثبت مدعيه.
6025. السادس عشر: قد بينا أن إقرار المريض من الأصل مع انتفاء التهمة
ومن الثلث معها، ولا يبطل بالكلية.
فلو أقر لزوجته بمهر مثلها أو دونه، لزمه، لانتفاء التهمة من حيث إنه أقر
لحق وجد سببه ولم يعلم البراءة منه، وكذا لو اشترى من وارث شيئا وأقر له
بالثمن المثلي.
428

ولو أقر بإقرار واحد لمن يتهم في طرفه ولمن لا يتهم، مضى في حق غير
المتهم من الأصل وفي حق المتهم من الثلث.
ولو أقر لوارث، فالأقرب القبول، ويرث من الأصل، ولو أقر بعتق أخيه
المملوك له، وهو أقرب الوارث إليه، فالوجه اعتبار التهمة، فإن انتفت، صح
العتق، وورث المال، وإن وجدت عتق من الثلث، فإن قصر الثلث عتق ما
يحتمله الثلث، وورث من الباقي منه ومن التركة بقدر ما فيه من الحرية، وكان
الباقي للأبعد منه.
6026. السابع عشر: لو خلف ألفا فادعى شخص إيداعها، وادعى الآخر ألفا
دينا، فقال الوارث: صدقتما، فالأقرب أن صاحب الوديعة أحق.
ولو ادعى العبد العتق وآخر دينا، ولا تركة سواه، فقال الوارث صدقتما،
فالأقرب عتق العبد.
6027. الثامن عشر: لو قال: علي وعلى زيد كذا، قبل قوله في نصيبه، سواء
فسره بالنصف أو أقل أو أكثر، ولو قال: له علي أو على زيد كذا، لم يكن إقرارا،
ولو قال: له علي وعلى الحائط كذا، فالوجه وجوب الجميع عليه، وكذا لو قال:
أو على الحائط.
6028. التاسع عشر: لو أقر بسبق يد الغير على ما يملكه، لم يخرج عن ملكه،
مثل أن يقول: فلان خاط ثوبي هذا بدرهم، ثم قبضته منه، أو أعرت فلانا ثوبي
هذا ثم استعدته، أو أسكنته داري هذه، ثم استرجعتها، وادعى الآخر الثوب
والدار، وكذا لو قال: غصبني هذا العبد ثم استخلصته، وادعى الآخر ملكيته.
429

أما لو قال: أخذت منك ألف درهم وكانت وديعة لي عندك، فأنكر
الإيداع وادعى الملكية، فالقول قول المقر له.
6029. العشرون: لو أقرت بنكاح رجل وماتت، ثم صدقها الزوج بعد الموت،
جاز تصديقه، وعليه المهر، وله الميراث.
ولو ادعى غلام في يد رجل أنه ابن فلان وأمه أم ولد له، فصدقه المقر له
وكذبه ذو اليد، فالقول قول الغلام إذا جهلت رقيته.
ولو قال: ماتت أختك أو بنتك وتركت هذا المال الذي في يدي بيننا
نصفين أو أرباعا، فأنكر الأخ الزوجية افتقر الزوج (1) إلى البينة.
6030. الواحد والعشرون: لو أقر للحربي بعد إسلامه فقال: أخذت من مالك
ألفا حالة الحرب، فقال الحربي: بل بعد الإسلام، فالوجه سقوط الضمان، وكذا لو
أعتق عبده ثم قال: قطعت يدك، أو استهلكت مالك قبل العتق، فقال: بل بعده، أو
قال للذمي بعد إسلامه: أتلفت عليك خمرا أو خنزيرا حالة الكفر، فقال: بل
بعد الإسلام.
ولو تزوج مجهولة النسب، فأقرت أنها أمة فلان، جاز إقرارها على نفسها
لا في إبطال حق الزوج في النكاح، فإن ولدت بعد ذلك لأكثر من ستة أشهر،
فالأقرب أن الولد حر.

1. في «أ»: الزوجية.
430

المطلب الثاني: في الإقرار بالنسب
وفيه أحد عشر بحثا:
6031. الأول: إذا أقر بابن له ثبت نسبه بشروط أربعة:
أن يكون المقر به مجهول النسب، فلو عرف نسبه لم يصح الإقرار.
وأن لا يتنازعه غيره، فلو نازعه منازع، لم يثبت النسب إلا بالبينة أو القرعة.
وأن تكون البنوة ممكنة، فلو أقر ببنوة من هو مثله في السن أو أكبر منه أو
أصغر بما لم تجر العادة بمثله، لم يلتفت إليه، ولو كان مملوكا لم يعتق عليه.
وأن يكون الولد ممن لا قول له، كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن
كان ذا قول، أما غير الولد من الأنساب، فلا يثبت نسبه إلا بتصديق المقر به.
فإذا أقر بنسب غير الولد للصلب، ولا وارث له، وصدقه المقر به، توارثا
بينهما، ولا يتعدى التوارث إلى غيرهما إلا إلى أولادهما، ولو كان له ورثة
مشهورون لم يقبل إقراره في النسب.
6032. الثاني: إذا أقر بالولد الصغير فكبر وأنكر، لم يلتفت إلى إنكاره، لثبوت
نسبه أولا، ولو طلب إحلافه لم يستحلف، لأن الأب لو جحد بعد إقراره، لم
يقبل منه، وكذا لو أقر بالمجنون، ثم زال جنونه وأنكر.
ولو مات مجهول النسب فأقر إنسان ببنوته، ثبت نسبه، صغيرا كان أم
431

كبيرا، ويسقط هنا اعتبار التصديق، سواء كان له مال أو لم يكن، ويكون
ميراثه للمقر.
ولو أقر بابن ابنه، وابنه ميت، اعتبر فيه الشروط الأربعة مع التصديق.
6033. الثالث: إذا خلف ابنا فأقر بآخر، ثم أقر بثالث، فإن كانا عدلين، ثبت
نسب الثالث، وإلا شاركهما من غير ثبوت النسب، فلو أنكر الثالث الثاني، لم
يثبت نسب الثاني، ويأخذ الثالث نصف التركة والأول الثلث والثاني السدس،
وهو تتمة نصيب الأول.
ولو خلف اثنين معلومي النسب، فأقر بثالث، ثبت نسبه مع العدالة، ولو
أنكر الثالث أحدهما لم يلتفت إليه، وتساووا في التركة.
ولو كان المقر أحدهما وأنكر الآخر لم يثبت نسبه، لكن يشارك في
الميراث، فيأخذ فضل ما في يد المقر عن ميراثه، فللمنكر النصف، وللمقر
الثلث، وله السدس، وليس له نصف ما في يد المقر.
وأصل ذلك أن الوراث إذا أقر بدين لم يجب عليه دفع جميعه بل قدر
حصته، فلو مات المنكر وورثه المقر خاصة، شاركه الآخر.
6034. الرابع: لا يثبت النسب إلا بشاهدين ذكرين عدلين، ولا يثبت بشهادة
رجل وامرأتين، ولا بشهادة النساء وإن كثرن، ولا بشهادة رجل ويمين، ولا
بشهادة فاسقين وإن كانا وارثين، ولا بإقرار جميع الورثة، إذا لم يكن فيهم عدلان.
ولو شهد اثنان من الورثة وكانا عدلين، يثبت النسب في حق باقي الورثة،
ولا يشترط تصديق باقيهم.
432

6035. الخامس: إذا أقر الوارث في الظاهر بمن يحجبه، دفع إليه ما في يده،
فلو خلف الميت أخا فأقر بابن دفع إليه التركة، وكذا الأخ من الأب إذا أقر بأخ من
الأبوين، أو ابن الابن إذا أقر بابن الصلب.
ولو شهد الأخوان وكانا عدلين بابن للميت، ثبت نسبه وأخذ الميراث، ولا
يكون ذلك دورا، (1) ولو كانا فاسقين، أخذ الميراث ولم يثبت النسب.
ولو أقر أحد الأخوين (2) وأنكر الآخر، دفع المقر جميع ما في يده، وكان
النصف للآخر.
ولو كانت معهما زوجة، فأقرت بالابن، فإن صدقاها أخذت الثمن ودفع
الباقي إلى الولد، وإن كذباها دفع إليها ثمن وإلى الولد باقي نصيبها وهو ثمن
الآخر، وإلى الأخوين الباقي، فكل وارث في الظاهر أقر بمن هو أولى منه، دفع
إليه جميع ما في يده.
ولو أقر بمساو له دفع إليه من نصيبه بنسبة نصيبه، ولو أقر الأخ بولدين
دفعة فصدقاه، تقاسما التركة، ومنع الأخ، ويثبت النسب.
ولو صدقه كل واحد عن نفسه، لم يثبت النسب، ويثبت الميراث، ودفع
إليهما ما في يده.
ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى إنكارهما، ولو صدق أحدهما صاحبه دون
الآخر، فالتركة بينهما نصفين.

1. نبه بقوله: «ولا يكون ذلك دورا» على ما حكاه الشيخ في المبسوط من توجه الدور. لاحظ
المبسوط: 3 / 39.
2. في «أ»: «أحد الأبوين» والصحيح ما في المتن.
433

ولو كانا توأمين، لم يلتفت إلى إنكار المنكر منهما، سواء تجاحدا معا أو
جحد أحدهما صاحبه، ولو أقر الأخ بنسب واحد منهما، ثبت نسب الآخر إن
صدقه وإلا شارك في الميراث.
6036. السادس: لو أقر العم بأخ للميت ثم أقر بابن، فإن صدقه الآخر دفع
المال إلى الولد، وإن كذبه أخذ الأخ المال وغرم العم للابن مثله، ولو كان الثاني
مساويا للثالث، بأن أقر العم بأخ آخر، فإن صدقه الأخ الأول دفعت التركة إليهما
بالسوية، وإن كذبه دفعت التركة إلى الأول وغرم العم للأخ الثاني نصف التركة.
ولو أقر الوراث بزوج للميتة ولم يكن لها ولد، أعطاه نصف ما في يده،
وان كان لها ولد أعطاه ربع ما في يده، ولو أقر بزوج آخر لم يقبل، ولو أكذب
إقراره الأول لم يقبل في حق الأول، ويغرم للثاني مثل ما حصل للأول.
ولو أقر بزوجة للميت وليس له ولد، أعطاها ربع ما في يده، وإن كان لها
ولد أعطاها ثمن ما في يده.
ولو أقر بثانية أعطاها نصف الربع أو نصف الثمن، ولو أقر بثالثة أعطاها
ثلث أحدهما، ولو أقر برابعة أعطاها ربع أحدهما، هذا مع تكذيبهن له، فإن
صدقته الأولى في الثانية، كان الربع أو الثمن بينهما، ولا يغرم شيئا، ثم إن صدقتاه
على الثالثة دفعتا إليها نصيبها، ثم إن صدقته على الرابعة اقتسمن في نصيب
الزوجية بالسوية من غير غرم.
ولو أقر بهن دفعة واحدة ثبت لهن الربع أو الثمن بالسوية من غير غرم،
ولو أقر بخامسة، لم يلتف إليه، فإن، أنكر إحدى الأول، لم يلتفت إلى إنكاره
وغرم لها ربع أحد النصيبين.
434

ولو كان للميت زوجة فأقر الوراث بأخرى فإن صدقته الأولى اقتسمتا
نصيب الزوجية، وإن كذبته لم يكن للثانية شئ، لأن الفضل الذي تستحقه في
يد غير المقر.
وكذا ما يكون مثل ذلك: كأن يخلف أخا من أب وأخا من أم، فيقر الأخ
من الأم بأخ للميت، فإن صدقه الآخر شاركه، وإلا فلا شئ له، سواء أقر بأنه
أخاه من أبوين أو من أب أو من أم، لأن ميراثه في يد غير المقر.
ولو أقر بأخوين من أم دفع إليهما ثلث ما في يده، لاعترافه باشتراكهم في
الثلث، فلكل واحد تسع وفي يده سدس، وهو تسع ونصف تسع، فيفضل في
يده نصف تسع، وهو ثلث ما في يده.
6037. السابع: لو ادعى نسب المكلف، فأنكر لم يثبت النسب، فإن مات
المقر ثم صدقه المنكر ثبت نسبه وورث.
ولو أقر رجل بزوجية امرأة، أو أقرت امرأة بزوجية رجل فلم يصدقه
المقر به إلا بعد موته ورثه على إشكال.
وإذا ثبت النسب بالإقرار والتصديق في حق البالغ، أو بالإقرار في حق
الطفل، ثم أنكر المقر له، لم يقبل إنكاره، ولو اتفقا على الرجوع عنه، لم
يسقط النسب.
ولو أقرت المرأة بولد قبل إقرارها، سواء كانت ذات زوج أو لا، فإذا أقر
ببنوة صغير لم يكن إقرارا بزوجية أمه وإن كانت مشهورة بالحرية، ولو أقر ببنوة
ولد أمته، وليس لها زوج، لحق به، وحكم بحريته.
435

6038. الثامن: لو كانت له أمتان لكل منهما ولد، فقال: أحد هذين ولدي من
أمتي، فإن كان لكل منهما زوج يمكن إلحاق الولد به، لم يصح إقراره، ولحق
الولد بالزوجين ولو كان لإحداهما زوج دون الأخرى انصرف الإقرار إلى ولد
الأخرى لأنه الذي يمكن إلحاقه به.
وإن لم يكن لواحدة منهما زوج، وأقر السيد بوطئهما معا، لحق الولدان به
إذا أمكن أن يولدا بعد وطئه، ولو أمكن في إحداهما دون الأخرى انصرف
الإقرار إلى من أمكن، وإن لم يكن أقر بوطئها صح إقراره، وثبت (1) حرية المقر
به، فيكلف البيان، ويقبل بيانه.
ولو ادعت الأخرى أن ولدها هو الذي أقر به، فالقول قوله مع اليمين.
ولو مات قبل التعيين، قال الشيخ: يعين الوارث. فان امتنع أقرع بينهما (2).
ولو كانت له أمة لها ثلاثة أولاد، ولا زوج لها، ولا أقر بوطئها، فقال: أحد
هؤلاء ولدي، صح وطولب بالبيان، فإن عين أحدهم، ثبت نسبه وحريته،
والآخران رق، ولو اشتبه المعين ومات، استخرج بالقرعة، وكذا لو لم يعين هو
ولا الوارث.
6039. التاسع: إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بثالث وأنكر الآخر، لم يثبت
النسب، وأخذ المقر به ثلث ما في يد المقر، فلو مات المنكر وخلف ابنا وصدق
عمه على إقراره، ثبت النسب إذا كانا عدلين، ودفع ثلث ما أخذه أبوه.

1. في «أ»: ويثبت.
2. المبسوط: 3 / 46.
436

ولو أقر بشخص (1) فأنكر المقر له نسب المقر من الميت، استحق المقر
له الكل إلا أن يقيم المقر البينة بالنسب.
6040. العاشر: إذا أقر بنسب البالغ شاركه في الميراث، ولم يثبت النسب، ولو
مات المقر ورثه المقر له، ولو مات المقر له لم يرثه المقر إلا أن يكون قد صدقه،
فيثبت نسبه ويرثه، ولا يتعدى إلى غيرهما إلا إلى أولادهما دون غيرهم من ذوي
النسب إلا مع التصديق لهما.
6041. الحادي عشر: لو أقر بعتق عبديه، تثبت حريتهما، فلو ادعى آخر
غصبهما وأنهما عبداه، فشهدا له، لم تقبل شهادتهما (2) وإلا لبطل العتق، فتبقى
الشهادة على المولى، فتبطل، وذلك دور.

1. في «أ»: لشخص.
2. وفي المبسوط: 3 / 43: لا تقبل شهادتهما، لأنا لو قبلناها لرجعا رقين، وتكون شهادتهما على
المولى، وشهادة العبد لا تقبل على مولاه، فلذلك بطل.
437

كتاب الجعالة
439

وصورتها: أن يقول: من رد عبدي مثلا (فلانا) (1) فله درهم.
وصيغتها اللفظ الدال على الإذن في الفعل بشرط عوض، فلو رده إنسان
ابتداء من غير جعل فهو متبرع لا شئ له، وكذا إذا رد من لم يسمع نداه، فإنه
قصد التبرع.
ولو كذب الفضولي فقال: قال فلان: من رد فله درهم، لم يستحق الراد
على المالك ولا على الفضولي شيئا، لأنه لم يضمن، أما لو قال الفضولي: من رد
عبد فلان فله درهم، لزمه لأنه الجاعل.
ولا تفتقر إلى القبول، وتصح على كل عمل مقصود محلل، سواء كان
معلوما مثل من خاط ثوبي أو حج عني فله دينار، أو مجهولا مثل من رد عبدي،
فإن مسافة الرد مجهولة.
ويشترط في الجاعل أهلية الاستئجار.
ولا يشترط تعيين العامل، أما العوض فلا بد وأن يكون معلوما بالكيل، أو
الوزن، أو العدد إن كان من أحدها (2) ولو كان مجهولا مثل من رد عبدي فله
شئ، أو ثوب، أو عبد، ثبت بالرد أجرة المثل، ولو قيل بجواز الجعل المجهول
إذا لم يمنع الجهالة التسليم، مثل من رد عبدي فله نصفه، ومن رد ضالتي فله
ثلثها، كان حسنا.

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
2. في «أ»: من أحدهما.
441

ولو قال: من رد من بلد كذا فله دينار، فرد من نصف الطريق، استحق
النصف، ولو رد من أبعد من البلد لم يستحق عن الزيادة شيئا.
ولو عين الجعالة لواحد فرده غيره، لم يستحق جعلا.
ولو قال: من رد فله دينار، فرده اثنان، تشاركا في الجعل.
ولو عين واحدا فعاونه غيره لقصد معاونة العامل، احتمل أن يكون الكل
للعامل، وأن يكون النصف، ولا شئ للمعاون، وإن قصد طلب أجرة فلا شئ
له، وللعامل النصف.
ولو جعل لكل من الثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا، فلكل
واحد ثلث ما جعل له، ولو كانوا أربعة فلكل واحد الربع، وعلى هذا، وكذا لو
ساوى بينهم في الجعل.
ولو جعل لبعضهم معينا ولبعضهم مجهولا، فجاءوا به أجمع، فلصاحب
المعلوم ثلث جعله، وللمجهول ثلث أجرة المثل.
ولو جعل على فعل يصدر عن كل واحد منهم استحق كل منهم جعلا
كاملا، مثل أن يقول: من دخل داري فله درهم، فدخلها جماعة استحق كل
واحد درهما، بخلاف من رد عبدي.
ويستحق العامل الجعل بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد فهرب، لم
يستحق الجعل.
وإنما يستحق الجعل إذا بذله الجاعل أولا، فلو حصلت الضالة في يد
إنسان قبل الجعل، لزمه التسليم ولا أجرة له، وكذا لو تبرع.
442

والجعالة جائزة قبل التلبس وبعده، فإن تلبس العامل وجب على الجاعل
دفع أجرة ما عمل، فلو أتم العامل العمل بعد رجوع الجاعل وعلمه به، لم
يستحق أجرة على التمام، سواء دفع الجاعل إليه أجرة ما عمل أو لا، ولو لم يعلم
بالرجوع استحق الجعل كملا مع الفعل.
ولو رجع العامل عن العمل قبل إتمامه لم يستحق أجرة على ما عمل، ولو
رجع الجاعل عن الجعالة الأولى إلى جعالة أزيد أو أنقص، عمل بالأخيرة.
وإذا بذل جعلا، فإن عينه، لزمه دفعه مع العمل، وإن لم يعينه، لزمه مع الرد
أجرة المثل.
وقد روي في رد الآبق إذا لم يعين المالك أربعة دنانير إن رد من غير
المصر ودينار إن رد من المصر (1) وكذا قيل في البعير، (2) ولو نقصت قيمة العبد
عن المقدر الشرعي وجب من غير نقصان درهم عن القيمة، سواء كان الراد
معروفا برد الإباق أو لم يكن.
وقال الشيخ (رحمه الله): إنه على الأفضل (3) وهو حسن.
ولو استدعى المالك الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ لتبرعه، وكذا
لو رد العامل من غير جعل مطلق أو مقيد من المالك، سواء في ذلك
العبد وغيره.

1. التهذيب: 6 / 398 برقم 1203.
2. القائل هو الشيخ في النهاية: 323 - 324.
3. المبسوط: 3 / 333.
443

والأمة ليست كالعبد، فلو أطلق المالك الجعل فيها (1)، ثبتت أجرة المثل لا
المقدر الشرعي، أما البعير فشامل للذكر والأنثى.
ويقف استحقاق الأجرة على تمام العمل، فلا يستحق بالبعض البعض
حتى لو مات العبد على باب الدار أو هرب قبل التسليم فلا أجرة.
ولو أنكر المالك شرط الأجرة، أو شرطه في عبد معين، أو سعي العامل
في الرد، بأن يقول العامل: حصل في يدي بعد الجعل، وقال المالك بل قبله،
فالقول قوله.
ولو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه، فالقول قول الجاعل أيضا مع يمينه.
ويثبت للعامل أقل الأمرين من أجرة المثل ومدعاه، وقال الشيخ: تثبت له أجرة
المثل. (2) ويحلف الجاعل على نفي ما ادعاه العامل لا على ثبوت ما ادعاه.
ولو قرن الجعالة بمدة صح، مثل من رد عبدي اليوم فله كذا، أو من بنى
هذا الحائط في شهر فله كذا، بخلاف الإجارة. ولو قال: من رد عبدي فله دينار،
فرد أحدهما استحق نصف الدينار.
ولو قال: من رد عبدي من بلد كذا فله دينار، فرده من غير ذلك البلد لم
يستحق شيئا، ولو رده من بلد الشرط إلى نصف الطريق، ومات العبد، لم
يستحق عوضا.
ولو قال: من وجد لقطتي (2) فله كذا، استحق العامل العوض بالرد لا
بمجرد الوجدان، عملا بقرينة الحال.

1. في «ب»: الجعل منها.
2. المبسوط: 3 / 333.
3. في «أ»: ضالتي.
444

القاعدة الرابعة: في الأحكام
وفيها كتب
كتاب اللقطة
445

وفيه فصول:
[الفصل] الأول: في اللقيط
وفيه أربعة عشر بحثا:
6042. الأول: اللقيط والملقوط والمنبوذ واحد، وهو كل صبي ضائع لا كافل
له، فلا يتعلق الحكم بالتقاط البالغ العاقل، ولا بمن له كافل كالأب أو الجد أو
الأم، فلو كان أحد هؤلاء موجودا أجبر على أخذه، وإنما يتعلق الحكم بالصبي
غير المميز على إشكال، أقربه جواز التقاطه، لعجزه عن القيام بدفع ضرورته.
6043. الثاني: لو التقط الصبي اثنان على التعاقب ألزم الأول بأخذه، ولو
التقطاه دفعة ألزما معا بأخذه إن تساويا، وتحتمل القرعة، ولو ترك أحدهما
لصاحبه جاز وإن لم يأذن الحاكم، لاختصاص ملك الحضانة بهما.
6044. الثالث: لو كان اللقيط مملوكا وجب حفظه وإيصاله إلى المالك صغيرا
كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، فإن أبق أو ضاع أو هلك من غير تفريط فلا
ضمان على الملتقط، وإن كان بتفريط يضمن، والقول قول الملتقط مع اليمين
في عدم التفريط، وفي القيمة معه، وله الرجوع بما أنفق عليه، ولو تعذر استيفاء
النفقة بيع فيها.
447

ويجوز أخذ الآبق لمن وجده، فإن وجد صاحبه دفعه إليه مع البينة أو
اعتراف العبد بأنه سيده، ولو لم يجد سيده، دفعه إلى الإمام أو نائبه، فيحفظه
لسيده أو يبيعه مع المصلحة.
وليس للملتقط بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه، فهو
كضوال الإبل، فإن باعه فالبيع فاسد، ولو باعه الإمام للمصلحة صح، ولو جاء
صاحبه واعترف أنه كان قد أعتقه، فالوجه عدم القبول، وليس للسيد أخذ الثمن،
ويصرف إلى بيت المال، ولو عاد السيد وأنكر العتق وطلب، دفع إليه، إذ لا
منازع له.
قال الشيخ (رحمه الله): لا يجوز أخذ البالغ والمراهق، لأنهما كالضالة الممتنعة،
ويجوز أخذ الصغير لأنه معرض للتلف. (1)
6045. الرابع: يشترط في ملتقط اللقيط البلوغ والعقل والحرية والإسلام، فلا
اعتبار بالتقاط الصبي ولا المجنون ولا العبد، فلو التقطه انتزع منه إلا أن يأذن له
المولى، ولو أذن له في التقاطه جاز.
فإن رجع في الإذن بعد الالتقاط لم يجز، وإن كان قبله لم يلتقطه، وحكم
المدبر والمكاتب وأم الولد والمعتق بعضه كذلك.
ولو لم يجد العبد أحدا يلتقطه سواه، فالوجه وجوب التقاطه.
وليس للكافر التقاط المحكوم (2) بإسلامه ظاهرا، فلو التقطه انتزع من
يده، ولو كان الطفل محكوما بكفره، كان له التقاطه.

1. المبسوط: 3 / 328.
2. في «أ»: التقاط للمحكوم.
448

وهل تعتبر عدالة الملتقط؟ قيل: نعم، لأن الحضانة استئمان ولا يؤمن من
ادعاء رقه، فينتزعه الحاكم ويدفعه إلى ثقة.
6046. الخامس: أخذ اللقيط واجب على الكفاية، ولا يجب الإشهاد عند
أخذه، ولا نفقته على الملتقط، نعم يجب عليه الحضانة، وينفق الملتقط عليه من
ماله إذا كان ذا مال مع إذن الحاكم، فإن بادر وأنفق من مال اللقيط من دون إذن
الحاكم، ضمن إلا عند الضرورة كأن يتعذر الوصول إلى الحاكم مثلا، فينفق ولا
ضمان، ولو لم يكن ذا مال أنفق عليه السلطان من بيت المال، فإن تعذر استعان
الملتقط بالمسلمين.
ويجب عليهم دفع النفقة على الكفاية، فإن تعذر ذلك أيضا أنفق الملتقط
عليه، ورجع عليه إذا أيسر إن نوى الرجوع، ولو لم ينو كان متبرعا لا رجوع له،
وكذا لو نوى الرجوع ووجد المعين ولم يستعن به، وكذا لو أنفق غير الملتقط مع
نية الرجوع فله ذلك.
وهل يشترط الإشهاد؟ فيه نظر. ومنع ابن إدريس من الرجوع وإن
أشهد ونواه. (1)
6047. السادس: لو التقط مستور الحال غير معروف بعدالة ولا ضدها، فالأولى
إقراره في يده بناء على الظاهر من حال المسلم، ولو أراد السفر به احتمل منعه
لما لا يؤمن من ضياع نسبه، فإنه إنما يطلب موضع التقاطه فينتزعه الحاكم،
والجواز لأنه أمين.

1. السرائر: 2 / 107.
449

وكذا لو التقطه بدوي لا استقرار له، احتمل الوجهان، ولو التقطه في
البادية، جاز النقل إلى الحضر، لما فيه من الرفاهية.
وكل موضع قلنا بانتزاعه، فإنما ينتزع مع وجود من هو أولى من الملتقط.
6048. السابع: لو التقطه مسلم وكافر دفعة، فإن كان محكوما بإسلامه،
فالمسلم أولى، وكذا البحث في العدل والفاسق، ولو كان محكوما بكفره احتمل
تساويهما، فالقرعة، وأولوية المسلم، وكذا الاحتمال لو كان كل منهما يقر في
يده لو انفرد إلا أن أحدهما أنفع للقيط من الآخر، كالموسر والمعسر.
والرجل والمرأة سواء، ولا تترجح المرأة كما رجحت في ولدها.
ولو رأياه معا فسبق أحدهما إلى أخذه، فهو أولى، وكذا لو رآه أحدهما
قبل صاحبه فسبق الآخر إلى أخذه، فهو أولى من السابق في الرؤية.
ولو قال أحدهما للآخر: ناولنيه، فناوله إياه، فإن نوى أخذه لنفسه فهو
أولى، وإن نوى النيابة، احتمل الوجهان في نيابة تملك المباح.
ولو اختلفا في سبق التقاطه، حكم لمن هو في يده مع اليمين، ولو كان في
يدهما أقرع بينهما فيحلف من خرجت له، ويحتمل عدم اليمين، وكذا لو لم
يكن في يدهما، مع احتمال أن يسلم الحاكم هناك إلى من شاء من الأمناء.
ولو وصف أحدهما شيئا مستورا فيه، كشامة في جسده لم يكن أولى، كما
لو وصف مدعي المتاع، ويحتمل تقديمه كما لو وصف اللقطة.
ولو اختص أحدهما بالبينة، حكم له، ولو أقاما بينة قدم سابق التاريخ، ولو
تعارضتا، أقرع، ولو كانت يد أحدهما عليه وأقاما بينة، حكم للخارج.
450

6049. الثامن: اللقيط حر ويحكم بإسلامه إن التقط في دار الإسلام، أو في دار
الكفر إذا كان فيها مسلم، ولو كان واحدا، ولو لم يكن في دار الكفر مسلم أصلا،
حكم بكفره فيسترق، وكذا لو وجد في دار الإسلام بعد استيلاء الكفار عليها،
ولم يبق فيها مسلم واحد، ولو وجد في قرية ليس فيها مسلم، احتمل الحكم
بكفره.
وإنما يحكم بإسلامه ظاهرا في الموضع الذي حكمنا فيه بالإسلام، فلو
ادعى كافر بنوته وأقام بينة، حكم بكفره.
وإذا بلغ اللقيط وأسلم، فهو مسلم، سواء كان ممن حكم بإسلامه أو
بكفره، وإن اعتقد الكفر وهو ممن حكم بإسلامه فهو مرتد يستتاب، فإن تاب
وإلا قتل إلا أن يوجد في دار الحرب، وفيها مسلم، واحتمال إلحاقه بالكافر
الأصلي متجه. ولو كان صبيا مميزا ووصف الإسلام، حيل بينه وبين الكافر.
والصبي غير المميز المجنون لا يتصور إسلامهما إلا تبعا، وللتبعية ثلاث
جهات: إسلام الأبوين، فكل من ولد عن مسلم أو مسلمة فهو مسلم وإن طرأ
إسلام أحدهما، حكم بإسلامه في الحال.
وكذا لو أسلم أحد الأجداد أو الجدات، إذا لم يكن الأقرب حيا. ولو كان
حيا ففي التبعية نظر.
وإسلام السابي (1) إذا كان منفردا عن الأبوين عند الشيخ، (2) ولو استرقه

1. هذه هي الجهة الثانية للتبعية.
2. المبسوط: 3 / 342.
451

المسلم ومعه أبواه لم يحكم بإسلامه، ولو باعه الكافر من مسلم، لم يحكم
بإسلامه، لأن الأثر إنما هو في ابتداء الملك.
وتبعية الدار، (1) فمن وجد في دار الإسلام حكم بإسلامه.
واللقيط لا ولاء عليه لأحد من المسلمين، بل هو سائبة يتولى من شاء،
فإن مات ولا وارث له، فميراثه للإمام.
6050. التاسع: اللقيط إن لم يتوال أحدا فعاقلته الإمام، فإذا جنى خطأ فديته
على الإمام، وكذا لو كانت عمدا وهو صغير، ولو كان كبيرا وجب عليه القصاص،
ولو جنى شبيه العمد، فالدية في ماله.
ولو قتل خطأ فالدية للإمام، ولو قتل عمدا تخير الإمام بين القصاص وأخذ
الدية مع بذل الجاني لها.
ولو جني عليه في الطرف عمدا، فإن كان بالغا اقتص أو عفا على مال أو
مطلقا، وإن كان صغيرا، قال الشيخ: لا يقتص الإمام ولا يأخذ الدية، لعدم معرفة
مراده وقت بلوغه كالطفل، ولا يقتص له أبوه ولا الحاكم. (2) والوجه عندي جواز
استيفاء الإمام ما هو أصلح له من القصاص أو الدية مع بذل الجاني، وكذا
ولي الطفل.
وإن كانت الجناية خطأ وهو صغير، أخذ الإمام الدية له، ولا يتولى ذلك
الملتقط إذ ولايته مختصة بالحضانة، وعلى قول الشيخ (رحمه الله): ينبغي حبس الجاني
إلى وقت بلوغه.

1. هذه هي الجهة الثالثة للتبعية.
2. المبسوط: 3 / 346.
452

ولو بلغ فاسد العقل تولى الإمام استيفاء حقه إجماعا.
6051. العاشر: اللقيط يملك كغيره ويده قاضية (1) بالملك، فكلما وقف
عليه، (2)، أو أوصي له، وقبله الحاكم، أو وهب له، فهو ملكه، وكذا ما كان متصلا
به، أو كان متعلقا بمنفعته فيده عليه، كثوبه الملبوس، وما هو مشدود فيه، أو في
بدنه، أو مجعول فيه، كالسرير والسفط (3) والبسط، وما فيه من فرش، أو دراهم،
والثياب التي تحته وعليه، والدابة المشدودة في ثيابه، أو المشدود عليها، أو
الخيمة، أو الدار الموجودة فيهما، وما وجد فيهما.
أما ما يوجد بعيدا منه في غير داره أو خيمته، أو كان مدفونا تحته، - وإن
كان معه رقعة مكتوبة بأنه له على إشكال - فلا يد له عليه، وفي القريب منه، مثل
ما يوجد بين يديه أو إلى جانبه نظر، وكلما حكم بأنه ليس له، فهو كاللقطة.
6052. الحادي عشر: إذا بلغ رشيدا فأقر على نفسه بالرق، حكم عليه به إذا لم
يعرف حريته، ولا كان مدعيا لها، ولو لم يقر بذلك حكم له بالحرية.
فلو قذفه قاذف بعد بلوغه حد ثمانين، فلو ادعى القاذف أنه رق وادعى
المقذوف الحرية، فللشيخ قولان (4): أحدهما الحد للحكم بحريته ظاهرا، وهو
الأقرب، ولهذا وجب القصاص له من الحر والتعزير لحصول الشبهة.
ولو قطع حر طرفه وتنازعا، وجب القصاص.

1. في «أ»: «ماضية» بدل «قاضية».
2. في «أ»: أوقف عليه.
3. قال الطريحي في مجمع البحرين: السفط محركة واحد الأسفاط التي يعبى فيه الطيب ونحوه،
ويستعار للتابوت الصغير.
4. المبسوط: 3 / 347.
453

ولو قذف اللقيط حرا، وادعى الرقية فمن أوجب من علمائنا كمال الحد
على العبد، فلا بحث، ومن أوجب نصفه، فالوجه سقوط نصف الحد.
6053. الثاني عشر: إذا ادعى واحد بنوته وهو صغير، ألحق به، فإن كان حرا
مسلما دفع إليه وألزم بالنفقة عليه، وإن كان عبدا لحق به ولا حضانة له، ولا نفقة
عليه ولا على مولاه، ولا يحكم برقه، وإن كان ذميا لحق به ولا حضانة له، وعليه
نفقته ولا يحكم بكفره، نعم لو أقام الكافر بينة، فالأقرب الحكم بكفره.
وكل موضع حكمنا بثبوت نسبه للرجل، فلا يثبت في طرف زوجته وإن
عزاه إليها إلا أن تصدقه المرأة.
ولو كان المدعي امرأة، لم يثبت نسبه منها إلا أن يبلغ ويصدقها، أو
تقيم البينة.
ولو ادعى بنوته مسلم وكافر، أو حر وعبد، ولا بينة، قال الشيخ: يحكم به
للمسلم وللحر. (1) وفيه نظر.
ولو تساويا وأقام أحدهما بينة، حكم له، وإن أقاما بينة أقرع بينهما.
وكذا لو عريت دعواهما عن بينة.
ولو كان الملتقط أحدهما، لم يحكم له به بمجرد اليد، إذ الترجيح لليد إنما
هو في المال، ولو كان المدعي واحدا، فألحق به، ثم جاء آخر فادعاه، لم يزل
نسبه عن الأول.

1. المبسوط: 3 / 350.
454

وقيل: لو ادعت الأم بنوته، ثبت نسبه بها، فلا يلحق بزوجها. (1)
ولو ادعتاه امرأتان حكم لذي البينة، فإن سقطتا أو تعارضتا،
احتمل القرعة.
ولو ادعاه رجل وامرأة، فلا تعارض، وألحق بهما، لاحتمال حصوله منهما
عن نكاح بينهما.
ولو قال الرجل: هذا ابني من زوجتي، وصدقته الزوجة، وقالت امرأة
أخرى: إنه ابني فهو ابن الرجل. ولا تترجح (2) دعوى الزوجة.
6054. الثالث عشر: لو ادعى رق اللقيط مدع، افتقر إلى البينة، فإن فقدت،
سقطت دعواه، والبينة إن شهدت بالملك أو باليد، لم يثبت إلا بشهادة رجلين أو
رجل وامرأتين أو رجل ويمين، وإن شهدت بالولادة، سمعت فيه شهادة أربع
نساء، فإن شهدت باليد، فإن كان للملتقط، لم تسمع، لعلمنا بسبب يده. وتسمع
إن كانت لغيره.
وإن ادعى الرقية مدع بعد بلوغه، كلف البينة، فإن أقامها، بطلت تصرفات
اللقيط، وإن فقدت وصدقه اللقيط، حكم عليه بالرقية إذا لم يكن ادعى الحرية
أولا، ولا تبطل تصرفاته السابقة على الإقرار.
ولو أقر اللقيط بالرقية لرجل فكذبه، انتفت الرقية عنه، فإن عاد أقر بها
لآخر، فالوجه الحكم عليه بذلك إذا لم يكذبه الثاني.

1. المبسوط: 3 / 350.
2. في «ب»: ولا يرجح.
455

ولو أقر بالرقية بعد النكاح، فإن كان ذكرا قبل الدخول فسد (1) النكاح في
حقه، وعليه نصف المهر، وإن كان بعد الدخول، فسد وعليه المهر كملا، وولده
حر كأمه، وهل يتبع بالمهر أو يتعلق برقبته؟ (2) فيه نظر.
ولو كان في يده مال استوفي المهر منه، لأنه لم يثبت إقراره به لسيده
بالنسبة إليها.
ولو كان اللقيط أنثى، فالنكاح صحيح في حقه، فإن كان قبل الدخول، فلا
مهر وإن دخل، فللسيد أقل الأمرين من المسمى والعشر أو نصفه.
وإن طلقها بعد الدخول اعتدت عدة الحرة، لأن العدة حق الزوج في
الطلاق، ولهذا لا تجب إلا بالدخول، وإن مات اعتدت عدة الأمة، لأن المغلب
فيها، حق الله تعالى، ولهذا وجبت قبل الدخول، والأولاد أحرار ولا
يجب قيمتهم. (3)
وإن جنى ما يوجب القصاص، فعليه القود حرا كان المجني عليه أو عبدا،
لأن اعترافه بالرق، يوجب القود، وإن كانت خطأ، تعلقت برقبته، فإن كان الأرش
أكثر من القيمة والجناية سابقة على الإقرار، استوفي مما في يده إن كان ذا مال،
وإن جني عليه وكان الجاني حرا، سقط القصاص، وإن أوجبت مالا يقل بالرق،
وجب أقل الأمرين.

1. في «أ»: فسخ.
2. في «ب»: «برقيته» والصحيح ما في المتن. قال الشيخ في المبسوط: 3 / 354: ويلزمه المهر،
ومن أين؟ قيل فيه قولان: أحدهما في ذمته يتبع به إذا أعتق، والثاني يكون في رقبته يباع فيه
كالجناية.
3. في «ب»: قسمتهم.
456

6055. الرابع عشر: لو اختلف اللقيط والملتقط في أصل الإنفاق، فالقول قول
الملتقط، لأنه أمينه، وكذا لو اختلفا في قدره ولم تزد دعوى الملتقط على
المعروف، ولو زادت فالقول قول اللقيط في نفي الزائد.
ولو كان للقيط مال وأنكر الإنفاق منه، فالقول قول الملتقط، لأنه أمين،
والوجه أن الملتقط لا يستقل بحفظ مال اللقيط إلا بإذن الحاكم مع القدرة.
الفصل الثاني: في الملتقط من الحيوان
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
6056. الأول: الملقوط من الحيوان، يسمى ضالة، وأخذه في صور الجواز
مكروه، إلا مع تحقق التلف فيصير طلقا.
ولا يجب الإشهاد به عند أخذه، نعم يستحب لجواز تطرق الموت
على الملتقط.
6057. الثاني: البعير إذا وجده في كلأ وماء، لم يجز أخذه، وكذا لو وجد في
غيرهما إذا كان صحيحا، فإن أخذه ضمنه ويبرأ بالتسليم إلى مالكه إن وجده، ولو
لم يجد سلم إلى الحاكم، ليرسله في الحمى إن كان، وإلا باعه الحاكم وحفظ
ثمنه لمالكه.
ولا يبرأ الملتقط لو أرسله في موضع التقاطه أو في غيره.
457

ولو وجده في غير كلأ ولا ماء، وتركه صاحبه من جهد، جاز أخذه
ويملكه الآخذ ولا ضمان، لأنه كالتالف، وليس لصاحبه المطالبة به.
6058. الثالث: الأقرب أن حكم الدابة والبقرة، حكم البعير، فإن وجدها (1) في
كلأ وماء، أو كانت صحيحة لم يجز له أخذها، لأنها تمتنع من صغار السباع، وإن
وجدها في غير كلأ ولا ماء، وتركها صاحبها من جهد، جاز أخذها وتملكها ولا
ضمان.
وفي الحمير إشكال من حيث عدم صبرها عن الماء وعدم امتناعها من
الذئب، فأشبهت الشاة وفارقت البعير، فالوجه جواز أخذها.
6059. الرابع: الشاة إن وجدت في الفلاة، جاز أخذها، لأنها لا تمتنع من
صغار السباع، فهي معرضة للتلف، ويتخير الواجد بين التملك والضمان، وبين
احتفاظها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان، وبين الدفع إلى الحاكم ليحفظها أو
يبيعها على مالكها، ويوصل ثمنها إلى صاحبها ولا ضمان.
6060. الخامس: حكم صغار الإبل والبقر والدابة والحمير، حكم الشاة لوجود
المعنى المسوغ لأخذ الشاة فيها، أما ما يمتنع من صغار السباع لطيرانه، كالطيور،
أو لسرعته كالظباء والصيود إذا ملكت ثم ضلت، أو لنابه كالكلاب والفهود، فلا
يجوز أخذها لمشاركتها ما يمتنع لكبر جثته كالإبل في الامتناع.
ولو كانت الصيود مستوحشة، إذا تركت رجعت إلى الصحراء وعجز عنها
صاحبها، فالوجه جواز التقاطها.

1. في «أ»: «فإن وجدهما» وما في المتن يناسب لما يأتي من الضمائر.
458

6061. السادس: للإمام أو نائبه أخذ الضالة على وجه الحفظ لصاحبها، ولا
يلزمه التعريف، بل يعرف الملتقط، ولو كان الملتقط هو الإمام أو نائبه، فالوجه
لزوم التعريف لهما مع احتمال العدم، لأن الضوال تطلب عندهم، أما لو أخذها
غير الإمام أو غير نائبه ليحفظها لصاحبها، فإنه يضمنها، لانتفاء الولاية له
عن صاحبها.
أما لو وجدها في موضع يخاف عليها منه، مثل أن يجدها في أرض
مسبعة يغلب على ظنه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها، أو قريبا من دار
الحرب يخاف عليها منهم، أو في برية لا ماء لها ولا مرعى، فالوجه جواز أخذها
للحفظ ولا ضمان، فإذا حصلت في يده دفعها إلى الإمام أو نائبه ولا يملكها
بالتعريف، لعدم ورود الشرع بذلك فيها.
وكل ما يحصل من الضوال عند الإمام، فإنه يشهد عليها ويسمها بأنها
ضالة، فإن كان له حمى تركها فيه، وإن رأى المصلحة في بيعها، باعها وحفظ
ثمنها بعد أن يحليها (1) ويحفظ صفاتها.
6062. السابع: إذا وجد الضوال في العمران لم يجز أخذها، سواء كانت
ممتنعة أو لا، ولو أخذها تخير بين إمساكها لصاحبها أمانة، وعليه نفقتها من غير
رجوع بها على المالك، وبين دفعها إلى الحاكم، فإن لم يجد الحاكم أنفق
ورجع بالنفقة.
ولو كان شاة حبسها ثلاثة أيام، فإن جاء صاحبها دفعها إليه، وإن لم يأت

1. في «أ»: «يجليها» وهو مصحف، والصحيح ما في المتن، قال الطريحي في مجمع البحرين:
حلاه تحلية: وصفه ونعته.
459

باعها وتصدق بثمنها، والوجه عندي جواز إبقائها في يده، والإنفاق عليها من
غير رجوع، وعلى تقدير البيع فالوجه جواز احتفاظ الثمن لصاحبها، ومع
الصدقة فالوجه الضمان.
6063. الثامن: يجوز التقاط الكلب المنتفع به، ويلزمه التعريف سنة، فإن
لم يجد صاحبه، انتفع به إن شاء مع الضمان، وإن شاء احتفظه أمانة من
غير ضمان.
6064. التاسع: يجوز لكل أحد أخذ الضالة في موضع الجواز من بالغ وغيره،
وعاقل وغيره، وحر وغيره، مسلم وكافر، وينتزع ولي الطفل والمجنون منهما ما
يجدانه ويتولى التعريف منهما سنة، فإن لم يأت المالك فعل المصلحة من
الإبقاء أمانة أو التمليك لهما.
6065. العاشر: إذا وجد الشاة في فلاة، جاز له أكلها في الحال بإجماع العلماء،
لقوله (عليه السلام): خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب (1) ويلزمه حينئذ الضمان،
وجاز إمساكها على صاحبها، وينفق عليها من ماله، أو يبيعها ويحتفظ ثمنها
لصاحبها، وله أن يتولى البيع بنفسه من غير إذن الحاكم، لأنه أولى من أكلها،
والوجه وجوب التعريف كغيرها.
6066. الحادي عشر: إذا وجد آخذ الضالة سلطانا، رفع أمره إليه لينفق عليها أو
يبيعها، وإن لم يجده أنفق من نفسه، وهل يرجع به؟ قيل: لا (2) لأن الحفظ

1. الوسائل: 17 / 365، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 5 و 7 باختلاف قليل.
2. القائل هو الحلي في السرائر: 2 / 110.
460

واجب عليه ولا يتم إلا بالنفقة، ولأنه ربما تكررت النفقة إلى أن يستغرق ثمنها،
وقيل: نعم (1) دفعا للضرر الحاصل بالالتقاط.
ولو كان للضالة نفع كالظهر واللبن والخدمة، قال الشيخ: يكون بإزاء
النفقة. (2) والوجه التقاص. (3)
6067. الثاني عشر: لا يضمن الواجد للضالة بعد الحول والتعريف إلا أن
يقصد التملك، ولو قصد الحفظ لم يضمن إلا مع التفريط أو التعدي، ولو قصد
التملك ضمن، ولو نوى بعد ذلك الاحتفاظ لم يزل الضمان، ولو قصد الحفظ ثم
نوى التملك، ضمن.
6068. الثالث عشر: إذا أكل ثمن الضالة أو نفسها، لزمه الضمان لصاحبها، ولا
يجب عزل ثمنها، ولو عزل عوضها شيئا ثم أفلس، كان صاحب الضالة أسوة (4)
للغرماء في المعزول.
أما لو باعها وحفظ ثمنها فجاء صاحبها، كان الثمن مختصا به من
غير مشاركة.

1. وهو خيرة الشيخ في النهاية: 324. والمحقق في الشرائع: 3 / 290.
2. النهاية: 324.
3. وعلى هذا فيرجع ذو الفضل بفضل ماله.
4. قال الطريحي في مجمع البحرين: المال أسوة بين الغرماء: أي شركة ومساهمة بين غرماء
المفلس، لا ينفرد به أحدهم دون الآخر.
461

الفصل الثالث:
في الملتقط من المال ويسمى لقطة، قال الخليل (1): اللقطة بسكون القاف
المال الملقوط، وبالتحريك الملتقط (2) وقال غيره: هما سواء في أنه المال.
وفيه أربعة وعشرون بحثا:
6069. الأول: يكره أخذ اللقطة مطلقا قلت أو كثرت، فقد روي عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) قال:
«إياكم واللقطة فإنها ضالة المؤمن وهي حريق من حريق جهنم». (3)
وقال الباقر (عليه السلام):
«لا يأكل من الضالة إلا الضالون» (4).
وقال الصادق (عليه السلام):
«أفضل ما يستعمله الإنسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها، ولا

1. هو الخليل بن أحمد من أئمة اللغة والأدب، وواضع علم العروض، وهو أستاذ سيبويه
النحوي، وله كتاب العين في اللغة، ولد سنة 100 وتوفي سنة 175، لاحظ ترجمته في الأعلام
للزركلي: 2 / 314.
2. كتاب العين: 5 / 100.
3. الوسائل: 17 / 349، الباب 1 من أبواب اللقطة، الحديث 8; الفقيه: 3 / 186 برقم 839.
4. الفقيه: 3 / 186 برقم 838، باب اللقطة والضالة; لاحظ الوسائل: 17 / 348، الباب 1 من
أبواب اللقطة، الحديث 5.
462

يتعرض لها، فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه» (1).
وتشتد الكراهية للفاسق وبالخصوص للمعسر. (2)
6070. الثاني: اللقطة قسمان: أحدهما يجوز أخذها ولا يلزمه التعريف، وهو
ما كانت قيمته أقل من درهم، وكذا ما يجده في كل موضع خرب قد باد أهله
واستنكر رسمه، فإن ظهر صاحبه وأقام بينة، كان له الرجوع به إن كان موجودا،
وبمثله (3) أو قيمته إن كان تالفا، سواء في ذلك ما قلت قيمته عن الدرهم وما
يجده في المواضع الخربة.
6071. الثاني: ما تزيد قيمته على ذلك، فإن وجده في الحرم. قيل: يحرم
التقاطه (3) وقيل: يكره (4) وعلى التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنية
الإنشاد، ولا يجوز له أخذه بنية التملك قبل الحول ولا بعده، فإن أخذه على هذا
الوجه كان ضامنا، وإن أخذه بنية الإنشاد وجب عليه التعريف سنة، فإن جاء
صاحبه، وإلا تخير بين احتفاظه دائما وبين الصدقة به.
ولا يجوز له تملكه، فإن تصدق به، ففي الضمان قولان: أقربهما ثبوته.
وإن وجده في غير الحرم، وجب عليه التعريف سنة، فإن جاء المالك، وإلا
تخير الملتقط بعد التعريف حولا بين ثلاثة أشياء: التملك، والاحتفاظ لمالكها،
والصدقة بها، فإن تملكها أو تصدق بها، وجب عليه الضمان، وإن احتفظها أمانة،
فلا ضمان.

1. الفقيه: 3 / 190 برقم 855، باب اللقطة والضالة.
2. في «ب»: المعسر.
3. في «أ»: أو مثله.
4. وهو خيرة المحقق في الشرائع: 1 / 318، ولاحظ الأقوال في المسالك: 12 / 510 - 511.
5. ذهب إليه الشيخ في الخلاف: 3 / 579، المسألة 3 من كتاب اللقطة.
463

6072. الثالث: التعريف حولا إنما يجب فيما يبقى، كالثياب والأمتعة
والأثمان، أما ما لا بقاء له كالطعام، فإنه يتخير بين التقويم على نفسه، ثم ينتفع به،
فإن جاء صاحبه، دفع إليه قيمته مع التلف، وبين دفعه إلى الحاكم ليبيعه ويحفظ
ثمنه لصاحبه، ولا ضمان.
ولو كان بقاء اللقطة يفتقر إلى علاج كالرطب المفتقر إلى التجفيف، تخير
الواجد بين فعل ذلك وبين الدفع إلى الحاكم ليبيع بعضها، ويصرف ثمنها في
إصلاح الباقي، أو يبيعها أجمع، ويعرف الثمن ولا ضمان.
6073. الرابع: يكره أخذ ما تقل قيمته وتكثر منفعته كالعصا والشظاظ (1)
والعقال والوتد والحبل. وكذا يكره التقاط النعلين والإدواة (2) والسوط،
وقيل: يحرم. (3)
6074. الخامس: من وجد في داره أو صندوقه شيئا لا يعرفه، فإن كان ممن
يتصرف فيهما غيره، كان لقطة، وإلا كان له.
ومن وجد مالا مدفونا في أرض لا مالك لها، فهو له، يخرج خمسه إن بلغ
النصاب، ولو كان لها مالك أو بائع عرفهما، فإن عرفاه فهو لهما، وإلا فهو للواجد
بعد الخمس إن بلغ نصاب الزكاة.
وكذا لو وجد شيئا في جوف دابة يعرف البائع، فإن لم يعرفه، أخرج
خمسه بعد إخراج مؤنة السنة، لأنه من جملة الفوائد، وكان الباقي له.

1. الشظاظ بالكسر: عود يشد به الجوالق. مجمع البحرين.
2. الإدواة بالكسر: المطهرة. المصباح المنير: 1 / 14.
3. وهو خيرة أبي الصلاح في الكافي في الفقه: 350، والصدوق في الفقيه: 3 / 188 برقم 846.
464

أما لو وجد شيئا في جوف سمكة، فهو لواجده، ولم ينص أكثر علمائنا
على تعريف البائع هنا، وهو يعطي افتقار تملك المباح إلى النية.
وسلار (1) وابن إدريس (2) أوجبا تعريف البائع كالشاة.
ولو أودعه لص مالا، فإن علم أنه ملكه أو جهل حاله، وجب رده عليه،
ولو علم أنه ليس له، لم يرده عليه مع القدرة، فإن رده حينئذ ضمن، سواء كان
المودع مسلما أو كافرا، ثم المستودع إن عرف المالك، وجب عليه رده إليه، وإن
جهله، كان حكمه حكم اللقطة.
6075. السادس: لو عرف أن اللقطة تتلف بترك أخذها، فالوجه استحباب
أخذها لا وجوبه، ولو لم يعلم ذلك وعلم من نفسه الأمانة، لم تزل كراهية
الالتقاط، ولو علم الخيانة من نفسه، فالأقرب شدة الكراهية لا التحريم.
ويستحب لآخذ اللقطة الإشهاد عليها، ويعرف الشهود بعض أوصاف
اللقطة لتظهر فائدة الإشهاد، ولو ترك الإشهاد، لم يضمن.
6076. السابع: كل من له أهلية الاكتساب، جاز التقاطه، فلو التقط الصبي أو
المجنون صح، وتولى التعريف عنهما وليهما، وكذا يصح التقاط الكافر، ولا
يجوز لهؤلاء الثلاثة الالتقاط من الحرم، لأنهم ليسوا أهلا للأمانة (2) وفي
الفاسق إشكال.

1. المراسم: 206.
2. السرائر: 2 / 106.
3. في «أ»: لأنهم ليس لهم أهلية للأمانة.
465

أما العبد، فيجوز له أخذ اللقطتين (1) معا، وفي رواية عن الصادق (عليه السلام): لا
يعرض المملوك لها (2).
وكذا المدبر وأم الولد، وأولى بالجواز المكاتب، ولم أقف لعلمائنا على
نص في انتزاع اللقطتين من يد الفاسق أو ضم حافظ إليه مدة التعريف.
6077. الثامن: إذا التقط العبد بغير إذن مولاه، تخير للمولى مع علمه بين الأخذ
لها والتعريف، فإذا مضى الحول تملكها (3) إن شاء وعليه الضمان، وإن أراد
حفظها لصاحبها ولا ضمان، وبين إبقائها في يد العبد ولا ضمان على المولى،
وقيل (4): عليه الضمان لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا. والوجه الأول.
فإذا عرفها العبد حولا وتخير مولاه التملك، فله ذلك وعليه الضمان، ولو
نوى العبد التملك لم يصح، والوجه أنه حينئذ يكون ضامنا يتبع بها بعد العتق.
ولو أتلفها العبد من غير علم مولاه، تعلق الضمان بذمة العبد، وللمولى
الخيار إن شاء عرف بنفسه، وإن شاء عرف العبد ويملك، ومن جوز تمليك
العبد (5) مع إذن المولى، لو أذن له مولاه في التملك بعد الحول، ملك العبد
وضمن السيد، وإن شاء المالك بيع العبد.

1. أي لقطة الحرم ولقطة الحل.
2. الوسائل: 17 / 370، الباب 20 من أبواب اللقطة، الحديث 1 (وفيه: فلا يعرض لها
المملوك).
3. في «ب»: ملكها.
4. القائل هو الشيخ في المبسوط: 3 / 325.
5. كذا في النسختين، ولعل الصحيح «تملك العبد».
466

ولو تلفت اللقطة في يد العبد قبل الحول، فلا ضمان إلا مع التفريط فيتبع
بها حينئذ، وكذا لو تلفت بعد الحول إذا لم ينو السيد التملك.
6078. التاسع: إذا التقط الصبي انتزعه الولي من يده، ويتملك له بعد مدة
التعريف، ولو أتلف الصبي ضمن، وإن تلف من يده، احتمل الضمان، لأنه ليس
أهلا للأمانة، ولم يسلطه المالك عليه بخلاف الإيداع.
فان قصر الولي ولم ينتزعه من يد الصبي حتى أتلفه، أو تلف في يده،
فالضمان على الولي، وكذا البحث في المجنون.
6079. العاشر: لو أعتق السيد عبده بعد الالتقاط، كان له انتزاعها من يده، لأنه
اكتساب، والأقرب أنه لا يشترط في التقاط العبد إذن المولى.
ولو علم العبد الخيانة من مولاه سترها عنه، وسلمها إلى الحاكم ليعرفها،
ثم يدفعها إلى سيده بعد الحول بشرط الضمان.
ولو أعلم سيده الخائن بها، فلم يأخذها، أو أخذها منه وعرفها حولا ثم
تلفت من غير تفريط من أحدهما، فلا ضمان.
وإن خان المولى في التعريف، تعلق الضمان بمن شاء المالك منهما.
والمكاتب المشروط إذا عجز بعد التقاطه، فحكمه حكم العبد القن، أما
قبل العجز، فحكمه حكم الحر، وكذا المطلق حكمه حكم الحر مطلقا.
ومن انعتق بعضه إن كان بينه وبين مولاه مهاياة (1) دخلت في

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: المهاياة في كسب العبد أنهما يقسمان الزمان بحسب ما
يتفقان عليه، ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له القسمة.
467

المهاياة، فتكون لمن التقطت في يومه، وإن لم تكن مهاياة، فهي بينهما.
ولو كان العبد مشتركا بين اثنين. فلقطته لهما.
6080. الحادي عشر: لا يملك [الملتقط] اللقطة قبل الحول وإن نوى التملك،
وعليه الضمان مع النية ولا يبرأ بالرجوع إلى نية الحفظ، نعم لو نوى قبل الحول
التملك بعده، فلا ضمان قبل الحول، وعليه الضمان بعده.
وهل يدخل في ملكه بعد الحول بمجرد هذه النية السابقة أو يفتقر إلى نية
أخرى؟ الأقوى الأول، ولو لم ينو قبل الحول ثم حال الحول، ففي دخول اللقطة
في ملكه من غير نية التملك قولان: أقواهما عندي عدم الدخول، فلا ضمان
حينئذ ما لم يفرط أو ينوي التملك.
والنماء الحاصل قبل النية وبعد الحول للمالك، ولا زكاة على المالك ولا
على الملتقط.
ويثبت ضد هذه الأحكام، لو قلنا بالدخول بغير اختياره.
6081. الثاني عشر: إذا عرفها حولا جاز له أن يتملكها، سواء كان غنيا أو فقيرا.
ولا تجب الصدقة بها، ولا يفتقر في تملكها إلى قوله: اخترت تملكها، بل تكفي
النية، ولا يفتقر إلى التصرف أيضا.
ويملك الملتقط اللقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها، فإن وجدها
المالك، كان أحق بها، وليس للملتقط دفع القيمة أو المثل إلا برضاه على إشكال.
ولو وجدها المالك معيبة، فإن كان الملتقط نوى التملك، وجب عليه
الأرش، سواء كان من قبله أو قبل غيره.
468

ولو طلب المالك المثل أو القيمة، فالوجه عدم الوجوب على الملتقط،
وإن لم يكن نوى التملك لم يجب عليه أرش إلا أن يكون بتفريطه.
ولو تعذر رد اللقطة بعد التملك، وجب على الملتقط المثل إن كان مثليا
وإلا القيمة، والوجه أن القيمة المعتبرة هي قيمة وقت التملك.
وهل يملك الملتقط اللقطة بعد التعريف والنية بغير عوض ثبت في ذمته،
وإنما يتجدد العوض في ذمته بمطالبة المالك، كما يتجدد ملك الزوج لنصف
الصداق بالطلاق، أو بعوض ثابت في ذمته لصاحبها؟ فيه احتمال، قال الشيخ في
بعض كتبه (1): يضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك وفي أكثر كتبه: الضمان
يتعلق به مع النية. (2)
ولو مات الملتقط بعد التعريف ونية التملك، انتقلت إلى ورثته كذلك،
ولو كان قبل التعريف عرفوها وتعلقت الأحكام بهم كتعلقها بالمورث.
6082. الثالث عشر: التعريف واجب على الملتقط سواء نوى التملك بعد
الحول أو الاحتفاظ، لعموم الأمر به، ولأن فائدة الحفظ وصولها إلى المالك،
وإنما يتم بالتعريف، ومدة التعريف حول.
ويجب أن يكون الحول عقيب الالتقاط بلا فصل، لقولهم (عليهم السلام): فإن ابتليت
فعرفها سنة (3) عقب بالفاء.

1. المبسوط: 3 / 330 - 331.
2. لاحظ النهاية: 320; الخلاف: 3 / 581، المسألة 5 من كتاب اللقطة.
3. الوسائل: 17 / 350، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
469

ووقته النهار دون الليل، وينبغي أن يكثر من التعريف في يوم الوجدان،
وبعده على التدريج، ولا يجب التوالي في السنة، ولو فرق التعريف جاز، قيل (1):
وأقل ما يعرف في الأسبوع دفعة.
وإيقاعه بالغدوات والعشيات عند اجتماع الناس في أيام المواسم والأعياد
وأيام الجمع ومجتمعات الناس.
ومكانه الأسواق وأبواب المساجد والجوامع ومجامع الناس، كالمشاهد
وغيرها.
وينبغي أن يكون في موضع الالتقاط إن كان في بلده، (2) ولو سافر به لزمه
التعريف في السفر في أي بلد أراد، وكذا لو وجده في الصحراء، ويكره
داخل المسجد.
وكيفيته أن يذكر الجنس خاصة، فيقول: من ضاع له ذهب أو فضة، ولو
أبهم أزيد كان أولى، فيقول من ضاع له مال أو شئ.
وله أن يتولى التعريف بنفسه وبنائبه، فإن وجد متبرعا، وإلا استأجر من
مال الملتقط، ولا يرجع به على المالك، سواء قصد الحفظ [لصاحبها] أو
التملك بعد التعريف، وكذا لقطة ما لا يصح تملكه بعد التعريف.
ولو دفع الملتقط من اللقطة شيئا إلى من يعرفها، لزمه ضمانه للمالك.
6083. الرابع عشر: تأخير التعريف حرام، فلو أخره عن الحول الأول مع

1. القائل هو الحلي في السرائر: 2 / 112.
2. في «ب»: في بلد.
470

إمكانه، أثم، ولا يسقط التعريف عنه بالتأخير، ولو تركه بعض الحول عرف باقيه
وفي الحول الثاني ما ترك من الأول.
وعلى كل التقديرين له التملك بعد التعريف حولا، وكذا إذا صار ضامنا
وعرف سنة تملكها إن شاء، وقيل: لا يجب التعريف إلا مع نيته التملك. (1)
وليس بجيد، لما فيه من خفاء حالها عن المالك.
ولا يجوز تملكها إلا بعد التعريف وإن بقيت أحوالا، وهي في مدة الحول
أمانة لا يضمنها الملتقط إلا مع التعدي أو نية التملك، ولو أخر التعريف لا بنية
التملك، ففي الضمان إشكال، أقربه العدم.
ولو تلفت في حول التعريف من غير تفريط، فهي من المالك، ولو زادت
فيه فهي للمالك أيضا، سواء كانت الزيادة متصلة أو منفصلة وبعد التعريف حولا
إن نوى التملك ضمن.
ولو جاء المالك [بعد نية التملك] فهل له الانتزاع؟ قيل: لا، بل له المثل أو
القيمة إن لم تكن مثلية. (2) وعندي فيه نظر، أما الزيادة المنفصلة فإنها للملتقط
إذا حصلت بعد الحول، والمتصلة للمالك، ولو لم ينو التملك، فالزيادة المنفصلة
بعد الحول للمالك أيضا، فإن جدد نية التملك بعد النماء، ملك النماء، فإذا جاء
المالك طالبه كالأصل.
6084. الخامس عشر: لو كان الملتقط اثنين فعرفاها حولا، ملكاها جميعا عند

1. وهو خيرة الشيخ في المبسوط: 3 / 322.
2. وهو خيرة المحقق في الشرائع: 3 / 295.
471

بعض علمائنا. (1) وعندي أنهما يملكان بالاختيار والنية، فلو اختار أحدهما
التملك دون الآخر ملك نصفها وضمنه، ولا ضمان على صاحبه.
والاعتبار بالأخذ، فلو رأياها معا فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما
فأعلم بها صاحبه فأخذها، فهي للآخذ.
ولو أمره بإعطائه إياها فأخذها، فإن كان قد أخذها لنفسه، فهي له دون
الآمر، وإن كان قد أخذها للآمر فهي للآمر على إشكال.
6085. السادس عشر: كلما جاز التقاطه في غير الحرام جاز تملكه، سواء كان
من الأثمان أو العروض، وإذا التقط عازما على تملكها بغير تعريف، فعل محرما
وضمن، سواء كان عرفها أو لا، ويملك مع التعريف حولا.
6086. السابع عشر: لو جاء المالك وعرفها ووصف الأوصاف الخفية كالقدر
والنقد، والوكاء (2)، والعفاص (3)، لم يجب على الملتقط دفعها إليه، ولو أقام بينة
وجب، فإن تبرع الملتقط بالدفع إلى الواصف لم يمنع منه، ولو امتنع لم يجبر
على التسليم، فإن دفعها بالوصف، فأقام آخر بينة بها، سلمت إليه، فإن كانت
تالفة تخير في مطالبة أيهما شاء، فإن رجع على الملتقط، رجع الملتقط على
الآخذ ما لم يكن قد اعترف له بالملك، وإن رجع على الآخذ لم يرجع الآخذ
على الملتقط.
ولو أقاما بينتين ولا ترجيح، فالقرعة، فإن خرجت للثاني، انتزعت من

1. الشيخ في المبسوط: 3 / 323.
2. قال الطريحي في مجمع البحرين: الوكاء - بالكسر والمد - خيط يشد به السرة والكيس
والقربة ونحوها.
3. في المصباح المنير: 2 / 79: العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة أو غير
ذلك.
472

الأول، ولو كانت تالفة لم يضمن الملتقط إن كان دفع بحكم الحاكم، ويضمن إن
كان باجتهاده.
ولو أقام الأول بينة بعد تملك الملتقط، فدفع العوض إليه ضمن الملتقط
للثاني مطلقا، لأن الحق في ذمته لم يتعين بالدفع إلى الأول، ويرجع الملتقط
على الأول لتحقق فساد الحكم، ما لم يكن قد اعترف له بالملكية، وليس للثاني
الرجوع على الأول، لأن مقبوضه مال الملتقط لا اللقطة.
ولو وصفها الأول من غير بينة فدفعت إليه، ثم وصفها الثاني بغير بينة،
أقرت في يد الأول، ولا ضمان.
ولو جاء مدع لها من غير وصف ولا بينة، لم يجز دفعها إليه، سواء ظن
كذبه أو صدقه، لأنها أمانة فلا تدفع إلى غير مالكها، فإن دفعها إليه الملتقط
ضمن، وله استعادتها.
ولو أقام آخر بينة انتزعت له، فإن هلكت رجع على من شاء، فإن رجع
على الدافع رجع على الآخذ، وإن رجع على الآخذ لم يرجع على الدافع.
6087. الثامن عشر: إذا جوزنا للمالك أخذ العين الملتقط بعد التملك قهرا،
فوجدها قد خرجت منه ببيع أو هبة أو غيرهما، لم يكن له الرجوع فيها، وله
البدل: المثل أو القيمة، ولو رجعت إلى الملتقط بفسخ أو شراء أو غيرهما
فللمالك أخذها إن لم يكن أخذ البدل، وإن كان قد أخذه استقر ملك الملتقط.
وإذا اختلف المالك والملتقط في المثل أو القيمة، فالقول قول الملتقط
مع يمينه.
473

6088. التاسع عشر: لو أخذ اللقطة (1) ثم ردها إلى موضعها ضمنها، ولو دفعها
إلى الحاكم فلا ضمان، ونقل ابن إدريس وجوب الضمان إذا دفع الحيوان إلى
الحاكم. (2) ولقطة الحرم كذلك إذا ردها إلى موضعها لم يبرأ.
ولو ضاعت اللقطة من ملتقطها بغير تعريف فلا ضمان عليه، فإن التقطها
آخر وعرف أنها ضاعت من الأول وجب عليه ردها إليه، وان لم يعرف فعرفها
حولا كان له تملكها، فإن تملكها لم يكن للأول نزعها منه، وإن لم ينو التملك،
احتمل رجوع الأول بها على ضعف، فإن جاء صاحبها أخذها من الثاني، وليس
له مطالبة الأول، لعدم تفريطه.
ولو دفعها الثاني إلى الأول فامتنع وقال: عرفها أنت، فعرفها حولا ملكها،
لأن الأول ترك حقه، ولو قال: عرفها و [يكون] ملكها لي، كان نائبا
فيملكها الأول.
ولو قال: عرفها وتكون بيننا صح، لأنه أسقط حقه من النصف، ووكله
في الباقي.
ولو قصد الثاني بالتعريف تملكها لنفسه، احتمل أن يملكها الثاني أو
الأول، وكذا لو علم الثاني بالأول فعرفها ولم يعلمه بها.
ولو غصبها غاصب من الملتقط فعرفها لم يملكها، لأنه لم يوجد منه
سبب الملك وهو الالتقاط، بخلاف الملتقط الثاني.

1. في «أ»: «اللقيط» والصحيح ما في المتن.
2. لاحظ السرائر: 2 / 100.
474

6089. العشرون: لو اصطاد سمكة فوجد فيها درة فهي له، فإن باعها الصياد
ولم يعلم، فقولان: أحدهما يعرفها البائع، فإن طلبها، كان له أخذها، وهو الوجه
عندي، والثاني للمشتري، وكذا لو وجد في جوفها عنبرة أو شيئا مما يخلق في
البحر، ولو وجد دراهم أو دنانير، فالوجه أنها لقطة، لأنها لا تخلق في البحر،
وكذا الدرة المثقوبة أو المتصلة بذهب أو فضة فهي لآدمي، فإن وجدها الصياد
لزمه التعريف، لأنه الملتقط، وإن وجدها المشتري فعليه التعريف.
وأطلق علماؤنا القول في ذلك، فأوجبوا تعريف البائع، فإن عرفها فهي
له، وإلا أخرج الخمس وحل له الباقي ولم يجعلوه كاللقطة.
ولو اصطاد غزالا فوجده مخضوبا، أو في عنقه حرزا، أو في أذنه قرطا،
أو نحو ذلك، فهو لقطة.
ولو ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة، فجذبت الشبكة فمرت بها
في البحر، فصادها رجل، فالسمكة له والشبكة يعرفها، وكذا لو نصب فخا فوقع
فيها صيد، فأخذه فذهب به وصاده آخر، فهو لمن صاده والآلة لقطة.
ولو ذهب الكلب أو الفهد أو الصقر عن صاحبه، فدعاه فلم يجبه، ومشى
في الأرض أياما فسقط في دار رجل، فدعاه فأجابه، رده إلى مالكه، وكذا لو دعاه
فلم يجبه فصاده بشبكة.
ولو أخذت ثيابه من الحمام فوجد بدلها، لم يكن له أخذها، فإن أخذها
كانت لقطة، ولو وجد قرينة تدل على أن صاحبها تركها عوضا عما أخذه، بأن
كانت المأخوذة أجود ولم يقع اشتباه، احتمل القول بإباحة التصرف من غير
تعريف، لأن مقصود التعريف إعلام صاحبها بها.
475

ولو دلت القرينة على الاشتباه، بأن كانت المتروكة أجود، عرفها، فإن
باعها بعد الحول ملك من ثمنها قدر قيمة ثيابه، وكان الباقي لقطة يملكها ويغرمه
للمالك، ولا فرق بين أن يبيعها بعد الحول بإذن الحاكم أو بدون إذنه، أما لو باع
قبل الحول بإذن الحاكم، فالحكم فيه كذلك، وإن باعها بدون إذنه، لم يصح البيع
وكان لصاحبها فسخه وإلزام من شاء بأرش النقص بالاستعمال والأجرة.
ولو التقط في دار الحرب وليس فيها مسلم، فالوجه أنها له من غير
تعريف، بناء على الظاهر إلا أن يكون دخل دارهم بأمان، فيلزمه التعريف، وكذا
لو كان فيها مسلم، ويملكها دون الجيش.
6090. الواحد والعشرون: إذا مات الملتقط قبل تمام التعريف، عرفها الوارث
باقي الحول. ولا يفتقر إلى الاستئناف، ثم يتخير في التملك والاحتفاظ، وإن
مات بعده وبعد التملك، ورثها الوارث، فإن جاء صاحبها أخذها من الوارث،
ويحتمل وجوب القيمة أو المثل لا العين.
ولو كانت معدومة فالمالك غريم للميت بمثلها أو بالقيمة،
ويشارك الغرماء.
ولو لم ينو التملك، كان للوارث نية ذلك، ويكون الغريم هو دون الميت.
ولو لم ينو الوارث التملك أيضا، فهي أمانة لا يضمنها إلا بالتعدي.
ولو لم يعلم تلفها ولم توجد في تركة الميت، فالمالك غريم، لأن الأصل
البقاء، ويحتمل عدم اللزوم، لأن الأصل براءة الذمة مع احتمال التلف بغير
تفريط، وكذا البحث في الوديعة.
476

6091. الثاني والعشرون: لو عرف اللقطة، أو الضالة، أو المنبوذ، أو العبد
المغصوب أو الآبق في غير بلده، فأقام بينة تشهد على شهوده بالصفة، لم تدفع
إليه، لاحتمال التساوي في الأوصاف مع اختلاف الأعيان، ويكلف إحضار
الشهود ليشهدوا بالعين.
ولا يجب حمل العبد إلى بلد الشهود، سواء تعذر حمل الشهود أو لا، ولا
بيعه على من يحمله، ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز، فإن تلف العبد قبل
الوصول أو بعده ولم يثبت دعواه، ضمن المدعي القيمة والأجرة.
6092. الثالث والعشرون: لو ترك دابة بمملكة من جهد، ملكها الآخذ لها، ولو
تركها ليرجع إليها أو ضلت عنه، فهي لمالكها، وعليه النفقة إذا نوى الآخذ
الرجوع به، ولو ترك متاعا، لم يملكه آخذه، لأنه لا يخشى عليه التلف كالحيوان،
وكذا العبد للعادة بإمكان تخلصه، ولو أخذ العبد أو المتاع ردهما إلى المالك.
وهل يستحق أجرة تخلصهما؟ فيه نظر، أقربه الثبوت إن كان قد جعل المالك له
جعلا، وإلا فلا.
وما ألقاه ركاب البحر فيه لتسلم السفينة، فالأقرب أنه لمخرجه إن أهملوه،
وإن رموه بنية الإخراج له، فالوجه أنه لهم، ولا أجرة لمخرجه مع التبرع.
ولو انكسرت السفينة فأخرج بعض المتاع بالغوص وأخرج البحر بعض
ما غرق فيها، ففي رواية عن الصادق (عليه السلام): إن ما أخرجه البحر لأهله، وما أخرج
بالغوص، فهو لمخرجه (1). وادعى ابن إدريس الإجماع على هذا الحديث. (2)

1. الوسائل: 17 / 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
2. السرائر: 2 / 195 - كتاب القضايا والأحكام، باب النوادر -.
477

6093. الرابع والعشرون: إذا وجد ما دون الدرهم حل له التصرف فيه من غير
تعريف، فإن أقام صاحبه البينة دفعه الملتقط إليه، وإن كان تالفا ضمن القيمة،
وكذا ما يجده في المواضع الخربة.
ولو وجد ما زاد على الدرهم فاشترى به جارية، ثم جاء المالك، كان له
المطالبة بالمال، ولا يجب عليه أخذ البنت (1)، فإن أجاز شراءه [لها] انعتقت
بعد ذلك ولم يجز له بيعها.
والتحقيق أن الملتقط إن اشترى بعين المال قبل السنة (2)، كان الحكم ما
قاله الشيخ (رحمه الله) وإن اشترى في الذمة أو بعد الحول لنفسه، كانت الجارية للملتقط
وعليه المال.
ومن وجد كنزا في دار انتقلت إليه بميراث، كان له ولشركائه في الميراث،
وإن انتقلت إليه بالبيع، عرف البائع، فإن عرفه وإلا أخرج خمسه إن بلغ النصاب،
وكان الباقي له.
وإذا وجد الطعام فأكله لم يسقط عنه التعريف، ولا فرق في إباحة الطعام
بين وجدانه في الصحراء أو البلدان، فلا يجب بيعه في البلد.

1. كلام الشيخ في النهاية أوضح من كلام المصنف: قال (رضي الله عنه): ومتى اشترى بمال اللقطة جارية،
ثم جاء صاحبها، فوجدها بنته، لم يلزمه أخذها، وكان له أن يطالبه بالمال الذي اشترى به ابنته،
ولا تحصل هذه البنت في ملكه، فتكون قد انعتقت به، بل هي حاصلة في ملك الغير، وهو
ضامن لماله الذي وجده، فإن أجاز شراءه لها انعتقت بعد ذلك ولم يجز له بيعها. النهاية: 321.
2. في «أ»: قبل البينة.
478

كتاب
إحياء الموات
479

المشتركات أربعة: الأراضي، والمعادن، والمياه، والمنافع
فها هنا فصول (1)
الفصل الأول: في أقسام الأراضي
وفيه أحد عشر بحثا:
6094. الأول: قسم علماؤنا الأرضين أربعة أقسام:
الأول: أرض من أسلم عليها أهلها طوعا من غير قتال، كأرض المدينة،
وهي إما عامرة وإما موات، فالعامر لأربابه ملك لهم يصح لهم بيعه ووقفه وسائر
أنواع التصرفات. قال الشيخ (رحمه الله): فإن تركوها خرابا، أخذها الإمام وقبلها من
يعمرها، وأعطى صاحبها طسقها، (2) وأعطى المتقبل حصته، والباقي يترك في
بيت مال المسلمين لمصالحهم. (3) ومنع ابن إدريس ذلك وجعل الأرض
لمالكها لا يتصرف أحد فيها من غير إذنه. (4) وأما الموات فهي للإمام خاصة لا

1. في «ب»: وفيه فصول.
2. قال الطريحي في مجمع البحرين: الطسق - كفلس -: الوظيفة من خراج الأرض المقررة عليها.
قال الحلي في السرائر: 1 / 477: الطسق: الوضيعة توضع على صنف من الزرع، لكل جريب،
وهو بالفارسية: تنسك، وهو كالأجرة للإنسان، فهذا حقيقة الطسق.
3. لاحظ المبسوط: 1 / 235، كتاب الزكاة; النهاية: 194، كتاب الزكاة.
4. السرائر: 1 / 477، كتاب الزكاة، باب أحكام الأرضين.
481

يملكه أحد بالإحياء ما لم يأذن له الإمام، وإذنه شرط، ومع الإذن يملكه المحيي.
الثاني: ما أخذ بالسيف عنوة، وهي إما عامرة وقت الفتح، وإما موات،
فالعامرة للمسلمين قاطبة المقاتلة وغيرهم، والإمام يقبلها لمن يقوم بعمارتها بما
يراه من النصف أو الثلث أو الربع أو غير ذلك، وعلى المتقبل إخراج ما قبل به،
يخرج منه الإمام الخمس لأربابه والباقي يضعه في بيت مال المسلمين (1)
يصرف في مصالحهم من سد الثغور، وتجهيز العساكر، وبناء القناطر، وغير ذلك
من المصالح.
ولا زكاة فيما يؤخذ من حق الرقبة، لأن نصيب كل واحد من المسلمين لا
يبلغ النصاب، وما يبقى بعد ذلك للمتقبل، يخرج منه الزكاة إن بلغ نصابا.
وليس لأحد بيع شئ من رقبة هذه الأرض ولا وقفها ولا هبتها ولا غير
ذلك، لاشتراك المسلمين فيها قاطبة، وللإمام أن يقبلها من متقبل إلى غيره عند
انقضاء المدة.
ولو ماتت لم يصح إحياؤها، لأن المالك لها معروف، وهو المسلمون
قاطبة.
وأما الموات منها وقت الفتح فإنها للإمام خاصة.
الثالث: أرض الصلح، وهي أرض الجزية، صالح أهلها عليها، ويلزمهم ما
صالح الإمام عليه من النصف أو الثلث أو غير ذلك، وليس عليهم غيره.
فإذا أسلموا، كان حكم أرضهم حكم أرض من أسلم أهلها عليها طوعا،

1. في «أ»: في بيت المال.
482

ويسقط عنهم الصلح، لأنه يؤخذ جزية، ولو باعوا أرضهم من مسلم انتقلت
الجزية إلى رؤوسهم، ولو صولحوا على أن الأرض للمسلمين، كان حكمها
حكم المفتوح عنوة.
وهؤلاء يملكون أرضهم، ويصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء
وغيرهما من أنواع التصرفات.
وللإمام أن يزيد وينقص في مال الصلح بعد انقضاء مدة الصلح بحسب ما
يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
الرابع: كل أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، فإنها للإمام
خاصة، وله التصرف فيها بالبيع والهبة والشراء وغير ذلك حسب ما يراه، وكان له
أن يقبلها من شاء بما شاء، ونقلها بعد مدة القبالة من متقبل إلى غيره إلا الأرض
التي أحييت بعد مواتها، فان المحيي أولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها غيره بما
يتقبلها، فإن امتنع، كان للإمام نقلها عنه، وعلى المتقبل الزكاة إن بلغ نصيبه
النصاب، وكذا الإمام.
وتلخيص هذا: أن البلاد ضربان: بلاد الإسلام وبلاد الشرك، فبلاد الإسلام
إما عامرة، وهي لأربابها خاصة، وإما موات، فإن لم يجر عليها ملك مسلم، فهي
للإمام خاصة، وإن جرى عليها ملك ثم عطلت، فإن كان المالك أو وارثه معلوما،
فهو أحق بها.
ولا تخرج بخرابها عن التملك لصاحبها، ولا يصح لغيره إحياؤها، وإن لم
يكن صاحبها معينا، فهي للإمام خاصة لا يملكها المحيي من دون إذن الإمام.
483

وبلاد الشرك عامرها لهم ومواتها للإمام إن لم يجر عليها ملك أحدهم،
وإن جرى عليها ملك أحد، فإن تعين فهي له، وإن لم يكن معلوما، فهي للإمام.
ولا فرق بين القسمين إلا في شئ واحد، وهو أن بلاد الشرك تملك
بالقهر وبلاد المسلمين لا تملك بذلك.
6095. الثاني: الموات هو ما لا ينتفع به لعطلته، إما لانقطاع الماء عنه، أو
لاستيلاء الماء عليه، أو لاستيجامه، أو لغير ذلك، وبالجملة الأرض الخراب
الدارسة يقال لها موات، وتسمى ميتة وموتانا بفتح الميم والواو، وأما الموتان
بضم الميم وسكون الواو، فهو الموت الذريع، ورجل موتان القلب بفتح الميم
وسكون الواو فهو الذي لا يفهم.
ويتعلق بها أحكام ثلاثة: إحياء وحمى وإقطاع، وقد بينا أن هذه الأرض
للإمام خاصة ليس لأحد إحياؤها إلا بإذنه، وإذنه شرط في الإحياء، سواء كان
قريبا من العمران أو لم يكن.
والذمي لا يملك بالإحياء، ولو أذن له الإمام فالوجه أنه يملكه وإن كان في
بلاد الإسلام، ولو بادر مبادر فأحياها، لم يملكها من دون إذنه.
ولو كان الإمام غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها
فزالت آثاره فأحياها غيره، كان الثاني أحق، فإذا ظهر الإمام، كان له رفع يده عنها.
وما هو بقرب العامر يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقا له.
6096. الثالث: المرجع في الإحياء إلى العادة لعدم تنصيص الشارع عليه،
ويختلف باختلاف الغايات، فما يطلب سكناه يفتقر إلى الحائط، ولو بخشب، أو
484

قصب، والسقف في بعضه، وما يطلب حظيرة يفتقر إلى الحائط خاصة، ولا
يشترط فيه السقف ولا تغليق الباب.
وما يطلب للزراعة يفتقر إلى التحجير بالمرز أو المسناة وسوق الماء إليها
بساقية وشبهها، ولا يشترط الحرث ولا الزرع، ولو زرع أو غرس وساق الماء،
تحقق الإحياء.
ولو عضد الشجر في المستأجمة أو قطع الماء عن المغارق. (1) وهيأها
للعمارة كان إحياء.
ولو نزل منزلا فنصب فيه شعرا أو خيمة لم يكن إحياء، وأما التحجير
فيكون بنصب المروز أو حفر الخندق.
6097. الرابع: يشترط في التملك بالإحياء أمور ستة:
[الأول:] أن لا يكون مملوكا لمسلم، فإن ذلك يمنع من مباشرة الإحياء،
والموات إذا ذب عنها الكفار في أرضهم فاستولى عليها طائفة، لم يملكوا
بالاستيلاء، ولا تحصل لهم الأولوية من دون الإحياء.
الثاني: أن لا يكون حريما للعامر، كالطريق، والشرب، وحريم البئر،
والعين، والحائط.
الثالث: أن لا يضعه الشارع موطنا للعبادة، كعرفة، والمشعر، ومنى، ولو
عمر مالا يتضرر به المتعبدون كاليسير، ففي الجواز نظر أقربه العدم.

1. وفي الشرائع: 3 / 276 مكان تلك الجملة: «وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة، وهيأها للعمارة»
وعلى هذا فالمراد الأراضي التي يغلب عليها الماء، فتجفف للعمارة.
485

الرابع: أن لا يكون محجرا، فلو سبق المحجر لم يجز إحياؤه، وللمحجر
منعه من الإحياء، فإن قهره فأحياها، لم يملك.
الخامس: أن لا يكون مقطعا من إمام الأصل، كما أقطع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلال بن
الحرث العقيق، وأقطع الزبير حضر (1) فرسه يعني عدوه فأجرى فرسه حتى قام
[الفرس] ورمى بسوطه، فقال: «أعطوه من حيث وقع السوط» (2) وحكمه قبل
الإحياء، حكم المتحجر فليس لأحد إحياؤه.
السادس: أن لا يكون قد حماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا إمام الأصل مع بقاء الحاجة،
فإن ذلك يفيد المنع من المشاركة.
6098. الخامس: التحجير لا يفيد ملكا بل أولوية واختصاصا، فإن نقله إلى
غيره كان الثاني بمنزلته، ولو مات فوارثه أحق به، ولو باعه لم يصح، لأنه
لم يملكه.
وإذا اقتصر على التحجير وأهمل العمارة ألزمه الإمام بالإحياء أو التخلية
بينها وبين غيره، فإن امتنع أخرجها من يده، ولو سئل الإمهال لعذر أنظر.
ولو أحياه غيره في مدة الإنظار لم يملكه، وإن أحياه بعد المدة
ملكه المحيي.
6099. السادس: حد الطريق في المواضع المبتكرة في أرض المباحة خمس

1. الحضر بضم الحاء: العدو. تهذيب اللغة: 4 / 200، والمراد من حضر فرسه: أي قدر ما يعدو
عدوة واحدة، ونصبه على تقدير مضاف، أي قدر حضر فرسه.
2. لاحظ سنن أبي داود: 3 / 173 - 178، باب إقطاع الأرضين; والمبسوط للشيخ الطوسي: 3 /
274; والمسالك: 12 / 418; ومستدرك الوسائل: 17 / 122، الباب 12 من أبواب كتاب
إحياء الموات، الحديث 4; والمغني لابن قدامة: 6 / 164 - 165.
486

أذرع، وقيل: سبع أذرع (1) وهو الأقوى فيتباعد الثاني عن الأول بهذا القدر.
وحريم الشرب مطرح ترابه والمجاز على جانبيه (2) ولو كان النهر في
ملك آخر فتنازعا في حريمه، قضي به لصاحب النهر بناء على الظاهر
على إشكال.
وحريم بئر المعطن وهي التي يستقى منها لشرب الإبل أربعون ذراعا،
فلو أراد الثاني حفر بئر أخرى ليستقي إبله تباعد هذا القدر.
وحريم الناضح وهي التي يسقى منها بالناضح وهو الجمل لسقي الزرع
ستون ذراعا، فيتباعد الثاني في بئر ناضحة هذا القدر.
وحد ما بين العين إلى العين خمسمائة ذراعا في الأرض الصلبة، وألف
ذراع في الرخوة.
وروى محمد بن علي بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في رجل
كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى فوقه فما يكون (3) بينهما
في البعد حتى لا تضر بالأخرى في أرض إذا كانت صعبة أو رخوة؟ فوقع (عليه السلام):
على حسب أن لا يضر أحدهما بالآخر (4).

1. وهو خيرة الشيخ في النهاية: 418.
2. قال في المسالك: 12 / 410: المراد بالشرب هنا النهر والقناة ونحوهما مما يجري فيه الماء
فإن حريمه مقدار ما يطرح فيه ترابه إذا احتيج إلى إخراجه منه، ومشي مالكه على حافتيه،
للانتفاع به لإصلاحه.
3. في المصدر: كم يكون.
4. التهذيب: 7 / 146 برقم 647; ولاحظ الوسائل: 17 / 342 - 343، الباب 14 من أبواب إحياء
الموات، الحديث 1.
487

وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أن يكون بين القناتين في العرض إذا كانت أرضا
رخوة ألف ذراع. وإن كانت أرضا صلبة يكون خمسمائة ذراع (1).
وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه للحاجة عند الاستهدام
وللدار مقدار مطرح ترابها، ومصب مياهها، ومسلك الدخول والخروج.
وهذه التقديرات كلها إنما هي في الأرض المباحة الموات، أما في الأملاك
المعمورة فلا حريم لها، ولكل واحد أن يتصرف في ملكه بحسب العادة وإن
تضرر صاحبه ولا ضمان، ولو اتخذه حماما أو موطنا للقصار والحداد لم يمنع،
وكذا لو كان يتأذى الجار بالريح كالمدبغ.
ولو حفر إنسان في داره بئرا وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا في ملكه
بقرب تلك البئر لم يمنع منه، وكذا لو حفر بئرا في ملكه وأراد جاره أن يحفر في
ملكه بالوعة أو كنيفا، لم يمنع منه وإن كان ماء البالوعة والكنيف يتعدى إلى بئر
جاره، ولو حفر أحدهما في داره بئرا، وحفر الجار أعمق منها بحيث يسري ماء
جاره إليه لم يمنع من ذلك.
ومن كان له مصنع فأراد جاره غرس شجرة تسري عروقها فتشق حائط
المصنع لم يمنع منه إن لم تدخل العروق في الحائط.
6100. السابع: ما كان يتعلق بمصالح القرى كمرعى ماشيتها ومحتطبها
ومسيل مائها ومطرح قمامتها وترابها وآلاتها لا يجوز إحياؤه.

1. الوسائل: 17 / 338، الباب 11 من أبواب إحياء الموات، ذيل الحديث 3، ولاحظ الفقيه: 3 /
58 برقم 207; والتهذيب: 7 / 145 برقم 644.
488

ولو كان لإنسان شجرة في موات، فله حريمها قدر ما تمد إليه أغصانها
حواليها، وفي النخل مدى جرائدها.
ولو أحيا أرضا وغرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه إلى المباح أو تسري
عروقه إليه لم يكن لغيره إحياؤه، ولو طلب الإحياء كان للغارس منعه، ولو سبق
إلى شجر مباح فسقاه وأصلحه فهو أحق به.
6101. الثامن: ما به صلاح العامر، كالطرق وغيرها مما ذكرنا أنه حريم العامر،
الأقرب أنه مملوك لصاحب العامر.
6102. التاسع: الحمى أن يمنع الناس من رعي الشجر والكلاء في أرض
موات، وقد كان العزيز في الجاهلية (1) إذا انتجع (2) بلدا مخصبا أصعد كلبا على
جبل أو مرتفع، ثم استعوى الكلب، ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته
بالعواء، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ويرعى مع العامة فيما
سواه، فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك لما فيه من التضييق على الناس، وقال: لا
حمى إلا لله ولرسوله. (3)
إذا ثبت هذا، فإن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحمي لنفسه وللمسلمين كما حمى (عليه السلام)

1. كذا في النسختين وفي المسالك: 12 / 421 «لأن العزيز من العرب» وفي المغني لابن قدامة
6: 166 «وكانت العرب في الجاهلية...».
2. قال الطريحي في مجمع البحرين: النجعة - بضم النون -: طلب الكلاء.
3. صحيح البخاري: 3 / 148 - باب لا حمى إلا لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) -; مسند أحمد بن حنبل: 4 /
38 و 71 و 73; سنن البيهقي: 6 / 146; سنن الدارقطني: 4 / 238; سنن أبي داود: 3 / 180
برقم 3083; مجمع الزوائد: 4 / 158; البحر الزخار: 4 / 77، كتاب الإحياء والتحجير.
489

النقيع لخيل المهاجرين بالنقيع (1) بالنون، وليس لآحاد المسلمين أن يحموا
لأنفسهم ولا لغيرهم إجماعا، وأما إمام الأصل فإن له أن يحمي لنفسه
وللمسلمين عندنا.
6103. العاشر: وللإمام أن يحمي لخيل المجاهدين وإبل الصدقة ونعم
الضوال والجزية، ولا يضيق على المسلمين في حماه، فإذا حمى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو
الإمام لمصلحة فزالت، جاز نقض الحمى، ولو نبت في ملك الإنسان كلاء جاز
له منع غيره منه.
6104. الحادي عشر: للإمام أن يقطع آحاد الناس قطائع من الموات، وهو يفيد
الاختصاص لا التملك، فإن أحياه المقطع ملكه بالإحياء، وإلا كان أولى من غيره
بالإقطاع، ثم إن أحياه ملكه وإلا كان للإمام استرجاعه، ولو طلب الإمهال لعذر
أمهل بقدر زواله، ولو سبق سابق فأحياه لم يملكه إلا أن يكون بإذن الإمام.
ولا ينبغي للإمام أن يقطع أحدا من الموات ما لا يمكنه عمارته (2) لما فيه
من التضييق على الناس في مشترك بما لا فائدة فيه، وليس له أن يقطع مالا يجوز
إحياؤه كالمعادن الظاهرة، ويجوز أن يقطع المعادن الباطنة.

1. في المصباح المنير: 2 / 332: النقيع موضع بقرب مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، في صدر وادي
العقيق.
2. في «أ»: يمكنه عمارته.
490

الفصل الثاني: في المعادن
وفيه ستة مباحث:
6105. الأول: المعادن قسمان: ظاهرة وباطنة، فالظاهرة مالا يفتقر تحصيلها إلى
طلب واستنباط، ويوصل إلى ما فيها من غير مؤنة، كالملح، والنفط، والكبريت،
والقير، والمومياء والكحل، والبرام (1) والياقوت، وأحجار الرحى، ومقاطع
الطين، وأشباه ذلك.
والباطنة مالا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤنة، كمعادن الذهب، والفضة،
والحديد، والنحاس، والرصاص، والبلور والفيروزج، وغير ذلك مما يكون في
بطون الأرض والجبال، ولا يظهر إلا بالعمل والمؤنة عليها.
وقد اختلف علماؤنا في المعادن ظاهرها وباطنها، فقيل: إنها للإمام
خاصة (2) ويجعلها من الأنفال، وعلى هذا القول لا يملك بالإحياء من دون
إذن الإمام.
وقال آخرون (3): إنها للمسلمين، لا يختص الإمام منها إلا بما يكون

1. قال الطريحي في مجمع البحرين: البرمة: القدر من الحجر، والجمع برم - كغرفة وغرف -
وبرام ككتاب.
2. وهو خيرة المفيد في المقنعة: 278، باب الأنفال; وسلار في المراسم: 140.
3. قال الشهيد (قدس سره): وأكثر الأصحاب على أن المعادن مطلقا للناس شرع. المسالك: 12 / 441.
491

في الأودية التي هي ملكه، وأما ما كان في أرض المسلمين ويد مسلم عليه، فلا
يستحقه، وهذا عندي أقرب.
6106. الثاني: المعادن الظاهرة لا تملك بالإحياء، ولا يختص بها أحد
بإحيائها، ولا بالتحويط حولها، ولا بالتحجير، ولا بإقطاع السلطان، بل هي مباحة
كالمياه الجارية، فمن سبق إلى موضع منه لم يزعج قيل قضاء وطره، ولو أقام
يريد أخذ فوق حاجته، فالوجه أنه لا يمنع.
ولو سبق إليه اثنان، أقرع بينهما إن لم يمكن الجمع بينهما، ويحتمل
تمكينهما، ويقسم الحاصل بينهما، وكل من أخذ شيئا من المعدن ملكه، ويجب
عليه الخمس فيه.
6107. الثالث: المعادن الباطنة تملك بالإحياء، ويجوز للإمام إقطاعها لمن
شاء، ولو كانت ظاهرة، كان حكمها حكم المعادن الظاهرة.
وإنما تملك وتحيى إذا كانت باطنة لا تظهر إلا بالعمل.
وإحياؤها يكون بالحفر عليها حتى يبلغ نيلها ويظهرها ويملكها المحيي
بذلك، ويجوز للإمام إقطاعها، ولا ينبغي له أن يقطع إلا ما يقدر المقطع على
عمله، لئلا يضيق على الناس من غير فائدة.
ولو سبق إليها أحد كان أولى، فإن أحياها ملكها وليس للإمام بعد ذلك
إقطاعها لغيره، وإن عمل فيها عملا لا يبلغ به النيل فهو تحجير يفيد أولوية لا
تمليكا، فإن أهمل أجبره الإمام على إتمام العمل أو التخلية، ويمهل لو ذكر عذرا
بقدر زواله ثم يطلب بأحد الأمرين.
492

6108. الرابع: الأرض الموات إذا أحياها إنسان ملكها، فإن ظهر فيها معدن
ملكه تبعا لها، لأنه من أجزائها، سواء كان ظاهرا أو باطنا، بخلاف ما لو كان ظاهرا
قبل إحيائه، وكذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن فهو له دون البائع، بخلاف
الكنز. ولو حجر أرضا، أو أقطعها وظهر فيها معدن قبل إحيائها، كان له إحياؤها
ويملكها ويملك المعدن أيضا.
ولو كان له إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق (1) إليه
الماء، وصار ملحا صح تملكها بالإحياء، ولو حجرها إنسان كان أولى بها من
غيره، وكذا لو أقطعه إياها الإمام كان أولى.
6109. الخامس: لو شرع إنسان في حفر معدن ولم يصل إلى المنتهى، كان
أولى به، وليس للإمام إقطاعه لغيره، ولو حفر آخر من ناحية أخرى لم يكن
للأول منعه، ولو وصل إلى ذلك العرق لم يكن له منعه، لأنه إنما يملك المكان
الذي حفره، والعرق الذي في الأرض لا يملكه بذلك، فإذا وصل إليه غيره من
جهة أخرى فله أخذه.
أما لو وصل الأول إلى العرق، فهل للثاني الأخذ منه من جهة أخرى؟
الوجه المنع، وان (2) الأول يملك حريم المعدن.
ولو ظهر في ملكه معدن بحيث يخرج النيل عن أرضه، فحفر إنسان من
خارج أرضه، فهل له الأخذ مما خرج عن أرضه؟ فيه إشكال (3) ينشأ من أن
الأول إنما يملك ما هو من أجزاء أرضه.

1. في «أ»: «وسبق».
2. في النسختين: بالواو وفي الجواهر: 38 / 113 «بالفاء» وهو الأصح.
3. في «ب»: مما خرج عن أرضه منه إشكال.
493

ولو عمل جاهلي في أرض المشركين حتى وصل إلى المعدن ثم فتح
البلد المسلمون، لم يكن المعدن غنيمة، ولا يملكه الغانمون، ويكون على
الإباحة كالموات، لأنه لا يعلم هل قصد الجاهلي التملك فيغنم، أو لا، فيبقى
على أصل الإباحة.
6110. السادس: لو ملك انسان معدنا، فعمل فيه غيره بغير إذنه، فالحاصل
للمالك ولا أجر للعامل لتبرعه بالعمل، ولو عمل بإذن المالك على أن ما يخرجه
للعامل، قال الشيخ: لا يصح، لأنها هبة مجهولة، والمجهول لا يصح تملكه إلا أن
يجدد عقد الهبة بعد الإخراج ويقبضه إياه، ولا أجرة للعامل لأنه عمل لنفسه،
وإنما يثبت الأجر إذا عمل لغيره بعمل صحيح أو فاسد، وينزل ذلك منزلة من
وهب زرعه المجهول لغيره فنقله (1) الموهوب له وصفاه، ولا شئ له من
الزرع، ولا أجرة على عمله، وإن عمل بإذن المالك للمالك، ولم يعين أجرة، ثبت
له أجرة المثل إذا كان العمل مما يستحق عليه أجرة، وإن عين أجرة معينة، صح،
وكذا الجعالة إن كانت مجهولة، ثبت أجرة المثل ولا يثبت ما جعل له (2).
والوجه عندي أن المالك إذا أذن له في العمل لنفسه، كان إباحة وله
الرجوع فيما أخذه العامل ما دامت العين باقية، ولا أجرة له لو رجع المالك.
ولو قال: اعمل فيه كذا ولك الحاصل بشرط أن يعطيني ألفا لم يصح.
ولو استأجره لحفر عشرة أذرع في دور كذا بدينار، صح لأنها إجارة
معلومة، فإن ظهر عرق ذهب فقال: استأجرتك لتخرجه بدينار لم يصح لجهالة

1. في «أ»: فقبله.
2. المبسوط: 3 / 279 - 280، نقله المصنف بتلخيص.
494

العمل، ولو قال: إن استخرجته فلك دينار صح جعالة لصحة الجعالة مع جهالة
العمل إذا كان العوض معلوما.
الفصل الثالث: في المياه
وفيه تسعة مباحث:
6111. الأول: أقسام الماء ثلاثة:
محرز في الأواني فهو ملك لمحرزه بإجماع العلماء.
وماء الأنهار.
وماء الآبار.
والأول (1) قسمان: إما نهر مملوك أو غيره; والثاني إما أن يكون عظيما
كالنيل والفرات والدجلة وغيرها مما يشاركها في عدم التضرر بالسقي منها، فهذا
لا تزاحم فيه، ولكل أحد أن يسقي كيف شاء، أو يكون صغيرا يزدحم فيه الناس
ويقع فيه التشاح، أو يكون سيلا يتشاجر أهل الأرض الشاربة منه، ويقصر عن
كفايتهم، فيبدأ بمن في أول النهر، وهو الذي يلي فوهته (2) ويحبس عليه الماء

1. المراد: ماء الأنهار.
2. في المصباح المنير: 2 / 162: فوهة الطريق - بضم الفاء وتشديد الواو مفتوحة: فمه وهو
أعلاه، وفوهة النهر: فمه.
495

للزرع إلى الشراك، وللشجر إلى القدم، وللنخل إلى الساق، ثم يرسل إلى الذي
يليه، فيصنع كذلك إلى أن تنتهي الأراضي التي تليه. (1)
فإن (2) لم يفضل عن الأول شئ أو عن الثاني أو عمن يليهم، فلا شئ
للباقين، لأنهم ليس لهم إلا ما فضل، ولا يجب إرساله قبل ذلك، وإن أدى إلى
تلف الأخير.
والأصل في ذلك قصة (3) الزبير مع الأنصاري في شراج الحرة. (4)
ولو كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة بالعلو والسفل سقي كل واحد
على حدته.
ولو استوى اثنان من القرب من الفوهة اقتسما الماء بينهما إن أمكن، وإلا
أقرع فيقدم من تقع له، ولو كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقي من تقع له
القرعة بقدر حقه (5) من الماء ثم تركه للآخر، وليس له السقي بجميع الماء،

1. في النسختين «عليه» ولعله مصحف، والصحيح بالنظر إلى سياق العبارة ما أثبتناه.
2. في «أ»: وإن.
3. في «ب»: قضية.
4. أخرجها البخاري في صحيحه: 3 / 145 - باب سكر الأنهار - والبيهقي في سننه الكبرى: 6 /
153 - 154، قال الكرماني في شرح الرواية: الشرج مسيل الماء من الحزن إلى السهل، والجمع
شراج «والحرة» بفتح المهملة خارج المدينة، وهي لغة أرض ذات حجارة سود. قوله
«الأنصاري» قيل: هو حاطب بن بلتعة، وأطلق عليه الأنصاري، لأنه كان حليفا للأنصار، وقيل:
هو ثعلبة بن حاطب، وقيل: حميد. صحيح البخاري بشرح الكرماني: 10 / 175 برقم 2205،
ولاحظ فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 5 / 26 - 29. ونقلها الشيخ الطوسي (قدس سره) في
المبسوط: 3 / 283.
5. في «أ»: بقدر حصته.
496

لمساواة الآخر له في الاستحقاق، والقرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصله،
بخلاف الأعلى والأسفل، فإن الأسفل لا حق له إلا في فاضل الأعلى.
ولو زادت أرض أحدهما قسم الماء على قدر الأرض، لمساواة الزائد من
الأرض في القرب، فاستحق جزءا من الماء.
ولو كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل، فجاء آخر
ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم، لم يكن له أن يسقي قبلهم، لأنهم
أسبق، ومن ملك أرضا ملك حقوقها ومرافقها، فلا يملك غيره إبطال حقها،
والأقرب أنه ليس لهم منعه من إحياء ذلك الموات، لأن جهة حقهم في النهر لا
في الموات، فلو سبق إنسان إلى مسيل ماء (1) أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله
مواتا، ثم أحيا آخر فوقه، ثم أحيا ثالث فوقهما، كان للأول وهو الأسفل السقي
أولا، ثم الثاني، ثم الثالث.
وأما النهر المملوك، فإن كان منبع الماء مملوكا: كأن يشترك جماعة في
استنباط عين وإجرائها، فإنهم يملكونها، لأن ذلك إحياء لها، فإن معنى الإحياء أن
تنتهي العمارة إلى قصدها بحيث يتكرر الانتفاع بها على صورتها، ويشتركون
فيها و في ساقيتها على قدر نفقتهم عليها، ويملكون الماء، وليس لأحد التصرف
فيه إلا بإذنهم صريحا أو عرفا، كالوضوء منه، والشرب، والغسل، وغسل الثوب،
بخلاف شرب الماشية الكثيرة مع قلة الماء، فإنه ضرر على المالك.
وإن كان النهر يأخذ من الماء المباح، (2) بأن يأخذ من نهر كبير، فما لم

1. في «ب»: إلى سيل ماء.
2. في «ب»: يأخذ الماء المباح.
497

يتصل الحفر لا يملكه، وإنما هو تحجير وشروع في الإحياء، فإذا اتصل الحفر
كمل الإحياء، وملكه وإن لم يجر الماء فيه، لأن الإحياء يحصل بالتهيئة للانتفاع،
ويصير مالكا لقرار النهر من كل جانب ولحريمه أيضا، والماء الحاصل في هذا
النهر لمالكه لأولويته على غيره، ولا يملكونه بجريانه، بل يكونون أولى من
غيرهم، قاله الشيخ (رحمه الله). (1)
6112. الثاني: لو كان النهر المملوك لجماعة، كان ماؤه بينهم على قدر النفقة
على عمله وكذا أصله، فإن كفى الجميع فلا بحث، وإلا فإن تراضوا على قسمته
بالمهاياة أو غيرها صح، وإن تشاحوا [في قسمته] قسمه الحاكم على قدر
حقوقهم فيه، فتوضع خشبة صلبة أو حجر مستوي الطرفين والوسط، فيوضع
على موضع مستو من الأرض في مقدم الماء فيه ثقوب متساوية في السعة على
قدر حقوقهم، يخرج من كل ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم، فإذا حصل
الماء في ساقيته انفرد به، فإن اختلفت الحقوق بأن يكون لأحدهم نصفه وللآخر
ثلثه وللثالث سدسه، جعل فيه ستة ثقوب، لصاحب النصف ثلاثة نصب في
ساقيته، ولصاحب الثلث اثنان، ولصاحب السدس واحد.
ولو كان لواحد الخمسان، والباقي لاثنين متساويين، جعل فيه عشرة
ثقوب، لصاحب الخمسين أربعة نصب في ساقيته، ولكل واحد من الآخرين
ثلاثة نصب في ساقية له.
ولو كان [النهر] لعشرة لخمسة منهم أراض قريبة، ولخمسة بعيدة، جعل
لأصحاب القريبة خمسة ثقوب لكل واحد ثقب، وللباقين خمسة تجري في
النهر إلى أن يصل إلى أرضهم ثم تقسم بينهم قسمة أخرى.

1. المبسوط: 3 / 284 - 285.
498

ولو أراد أحدهم أن يجري ماؤه في ساقية آخر ليقاسمه في موضع آخر لم
يجز إلا برضاه. ولو قلنا بمقالة الشيخ (رحمه الله) في أن هذا الماء غير مملوك لأرباب
النهر، بل يكونون أولى من غيرهم (1) يحتمل أن يكون الماء في هذا النهر حكمه
في نهر غير مملوك، وأن الأسبق أحق بالسقي منه، ثم الذي يليه، لأنه غير مملوك،
فكان السابق أولى.
6113. الثالث: إذا حصل نصيب إنسان في ساقيته (2)، كان له أن يسقي به ما
شاء، سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن، وله أن يعطيه من
يسقى به.
وكذا لو كان له داران إحداهما إلى درب غير نافذ وظهر إحداهما إلى ظهر
الأخرى، جاز له فتح باب بينهما.
وكذا لو كان يسقي من هذا النهر بدولاب جاز له أن يسقي بذلك الماء
أرضا لا رسم لها فيه، وكذا لو كان الدولاب يغرف من نهر غير مملوك جاز أن
يسقي بنصيبه من الماء أرضا لا رسم لها فيه.
6114. الرابع: لكل واحد من المشتركين في النهر المملوك أن يتصرف في
ساقيته المختصة به بما أحب من إجراء غير هذا الماء فيها أو عمل رحى عليها أو
دولاب أو عبارة (2) وغير ذلك من التصرفات. أما النهر المشترك فلا يتصرف
أحد منهم فيه بشئ من ذلك إلا برضا أربابه أجمع.

1. المبسوط: 3 / 284 - 285.
2. في «ب»: في ساقية.
3. وهي خشبة تمد على طرفي النهر، أو قنطرة يعبر الماء فيها. كما في المغني لابن قدامة:
6 / 175.
499

ولو أراد أحد الشركاء أن يأخذ من ماء النهر قبل حقه (1) شيئا يسقي به
أرضا في أول النهر أو غيره، أو أراد غير الشركاء ذلك لم يجز.
ولو فاض ماء النهر المملوك إلى ملك إنسان فهو مباح إذا كان منبع الماء
مباحا، كالطائر يعشش في ملك إنسان، فإنه لا يملكه بذلك.
6115. الخامس: إذا قسم الشركاء ماء النهر المشترك بالمهاياة صح إذا جعل حق
كل واحد منهم معلوما، كأن يجعلوا لكل واحد يومين أو أقل أو أكثر، وكذا لو
قسموا النهار بالساعات إذا ضبطت. ولو أراد أحدهم أن يسقي أرضا لا حق لها
في النهر في نوبته أو يؤثر به غيره أو يقرضه إياه جاز إذا لم يضر بحافة النهر.
ولو أراد أن يجري مع مائه في هذا النهر ماء آخر له في نوبته مع عدم
الضرر، فالوجه الجواز.
6116. السادس: إذا احتاج النهر المملوك إلى كري أو سد بثق (2) فيه أو إصلاح
حاشيته أو شئ منه فعلى أربابه بحسب ملكهم فيه، فيشترك الجميع في الإنفاق
إلى أن يصلوا إلى الأول، ثم لا شئ على الأول، ويشترك الباقون إلى أن يصلوا
إلى الثاني، ثم يشترك من بعده، كذلك إلى آخره، كل ما انتهى العمل من أوله إلى
موضع واحد منهم لم يكن عليه فيما بعده شئ، لأن الأول إنما ينتفع في موضع
شربه، ثم يختص بالانتفاع من دونه بما بعده.
ويحتمل اشتراك الجميع في الأجرة والإنفاق، فإن الأول ينتفع بالسقي
بالحد الواصل إليه وبمصب مائه بما بعده.

1. كذا في النسختين ولعل الصحيح «قبل قسمه» كما في المغني لابن قدامة: 6 / 174.
2. في المصباح المنير: 1 / 47: بثقت الماء بثقا - من بابي ضرب وقتل -: إذا خرقته.
500

ولو فضل عن جميعهم ما يحتاج إلى مصرف، فنفقته على الجميع.
6117. السابع: أقسام الآبار ثلاثة: ما يحفر في ملك.
وما يحفر في الموات للتملك، وفي هذين القسمين يملك الحافر البئر
وماءها، ويجوز بيعه إذا أحرزه في آنية، وعينه بالقدر، ولو باع ماء البئر، لم يجز
لعدم التميز.
وما يحفر في الموات لا للتملك، قال الشيخ: إن الحافر لا يملكه، لأنه لم
يقصد به التملك (1). وإنما يملك بالإحياء ما يقصد تملكه به، نعم يكون أولى
من غيره مدة مقامه، فإذا رحل كان السابق أولى فإن عاد المالك، فالوجه عدم
أولويته.
قال الشيخ (رحمه الله): وكل موضع قلنا إنه يملك البئر فإنه أحق من مائها بقدر
حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقي زرعه، فإن فضل بعد ذلك شئ، وجب
عليه بذله بلا عوض للمحتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من السابلة (2) وغيرهم،
ولا يجبل لسقي زرعه بل يستحب. (3) والوجه عندي عدم الوجوب
في الجميع.
6118. الثامن: إحياء البئر حفرها إلى أن يظهر الماء، فإن لم يصل إليه فهو
كالمحجر، والبئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون وليست ملكا لأحد فلا يجوز

1. المبسوط: 3 / 281.
2. قال الفيومي: السابلة: الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم. المصباح المنير:
1 / 321.
3. المبسوط: 3 / 281.
501

لأحد الاختصاص بها، وكذا العيون النابعة في المباحة، وماء الغيوث وكل ما لم
يظهر بعمل ولا جرى بحفر نهر، بل لكل أحد أخذ ساقية منه فيجري الماء
إلى أرضه.
6119. التاسع: القناة المشتركة كالنهر المملوك، يملكه الحافرون لها بحسب
الاشتراك في العمل، ولهم القسمة بنصب خشبة فيها ثقب متساوية، وتصح
المهاياة، والوجه عدم لزومها.
الفصل الرابع: في المنافع
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
6120. الأول: منفعة الطرق الاستطراق فيها، والناس فيها شرع سواء، ولا يجوز
الانتفاع فيها بغير الاستطراق مما يضر المارة، ويجوز بما لا يفوت فيه منفعة
الاستطراق، كالجلوس الذي لا ضيق فيه، ثم السابق إلى الجلوس في المباح
أولى، فلا يجوز (له) (1) إزعاجه، فإن قام بطل حقه، فإن عاد بعد أن سبق إلى
مكانه، لم يكن له الدفع، ولو قام قبل استيفاء غرضه بعزم العود، فالوجه عدم
الاختصاص.
ولو جلس للبيع والشراء احتمل المنع إلى المواضع المتسعة كالرحاب،

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
502

وفي موضع الجواز (1) لو قام ورحله باق فهو أولى من غيره، ولو رفعه بنية
العود فالوجه عدم الأولوية وإن استضر بتفريق معامليه.
ولو سافر أو قعد في موضع آخر، أو ترك الحرفة، أو طال مرضه، زال
اختصاصه قطعا.
ولا يجوز إقطاع مثل هذه المواضع، إذ الملك ليس مطلوبا منه، وكذا لا
يجوز تحجيره ولا إحياؤه.
6121. الثاني: منفعة المساجد الكون للعبادة، ويجوز الجلوس فيها لغيرها،
فمن سبق إلى مكان من مسجد، فهو أحق به مدة جلوسه، فإن قام بطل
اختصاصه، ولو عاد كان كغيره.
ولو قام بنية العود، فإن كان رحله باقيا فيه، فهو أولى، وإلا فلا، سواء قام
لتجديد طهارة، أو إزالة نجاسة، أو غيرهما.
ولو سبق اثنان إلى موضع، فإن أمكن الاجتماع، وإلا أقرع.
ولو جلس في موضع منه ليقرأ عليه القرآن أو العلم ويألفه (2) أصحابه،
فهو كمقاعد الأسواق.
6122. الثالث: منفعة المدارس والربط الاستيطان فيها كما اشترطه الواقف،
فمن سكن بيتا ممن له السكنى، فهو أحق به وإن طالت المدة، ولو شرط
الواقف سكنى مدة لم يتجاوزها، ولو شرط الاشتغال بالعلم لزم، فإن أهمل
أخرج، وإلا لم يجز إزعاجه.

1. في «ب»: وفي مواضع الجواز.
2. في «أ»: وتألفه.
503

ولو شرط الواقف في سكنى البيت عددا لم تجز الزيادة عليه، وإلا كان له
المنع من المشاركة في السكنى ما دام متصفا بما يستحق به السكنى، ولو فارق
لعذر ففي الأولوية مع عوده إشكال.
ولو طال الاستيطان على هذه الانتفاعات المشتركة، وصار كالتملك الذي
أبطل أثر الاشتراك، ففي الإزعاج إشكال.
6123. الرابع: الطرق النافذة هواؤها كالموات فيما لا يضر بالمارة، فلكل أحد
(1) أن يتصرف في هوائه بما لا ضرر فيه على المارة، كإخراج الرواشن
والأجنحة والساباط إذا كانت عالية، ولو عارض فيه مسلم فالوجه عدم قلعه.
ثم الضرر يحصل بمنع المحمل مع الكنيسة، ولو كانت مضرة وجب
إزالتها إجماعا، وهل يجب لو أظلم بها الطريق؟ الوجه ذلك.
ويجوز فتح الأبواب والروازن والشبابيك فيها، ولو علا الدرب بعد
الوضع، وجب إزالته.
ولو أخرج بعض روشنا لم يكن لمقابله معارضته وإن استوعب عرض
الدرب، فإن سقط ذلك الروشن جاز لمقابله إخراج روشن، فإن سبق لم يكن
للأول منعه، ولو سبق الأول إلى إعادة روشنه، لم يكن لمقابله منعه.
ولا يجوز غرس شجرة ولا بناء دكة في الطرق النافذة وإن لم يضيق
الطريق، نعم لو بنى في الزائد عن المقدار الذي حددناه لم أستبعد جوازه.
ولا يجوز أن يحفر في النافذة بئرا لنفسه، سواء جعلها لماء المطر أو
ليستخرج منها ما ينتفع به.

1. في «أ»: ولكل واحد.
504

ولو أراد حفرها للمسلمين ونفعهم، أو نفع الطريق مثل أن يحفرها
ليستقي الناس من مائها ويشرب منه المارة، أو لينزل فيها ماء المطر عن الطريق،
فإن كان مما يضر بالمارة لم يجز، وإن حفرها في زاوية من طريق واسع،
ويجعل عليها ما يمنع السقوط فيها، ولا يضيق الممر على المسلمين جاز.
ويجوز نصب الميازيب إلى الطريق الأعظم لقضاء العادة به، وقد نصب
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ميزاب العباس، وقلعه عمر فمنعه علي (عليه السلام)، وأخبره بأنه فعل
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرده كما كان. (1)
6124. الخامس: الطرق المرفوعة لا يجوز لأحد إحداث باب فيها متجددا إلا
بإذن جميع أربابها، وكذا لا يجوز إخراج روشن، ولا ساباط، ولا إخراج جناح،
ولا بناء دكان، ولا حفر بالوعة، ولا نصب ميزاب فيها إلا بإذن جميع أربابها،
سواء كان فاعل ذلك من أرباب الدرب أو من غيرهم، ويجوز جميع ذلك بإذن
أربابه، ولو صالحهم من ذلك على عوض معلوم، جاز بشرط كون ما يخرجه
معلوم المقدار في الخروج والعلو، وكذا البحث فيما يخرجه إلى ملك إنسان
معين، ولا فرق في الدرب المرفوع بين إحداث ما يضر وما لا يضر (2).
ولو أراد فتح باب لا يستطرق فيه منع دفعا للشبهة، ويجوز فتح الروازن
والشبابيك من غير إذنهم، ولو أذنوا في الممنوع جاز، ولم يكن لغيرهم المنع،

1. قصة ميزاب العباس مشهورة طويلة نقلها العلامة المجلسي (رضي الله عنه) في بحار الأنوار: 30 / 362 -
365، وسفينة البحار: 2 / 149 (مادة عبس) و في مستدرك سفينة البحار: 7 / 72 - 73،
ولاحظ المغني لابن قدامة: 5 / 35.
2. في «أ»: ما يضره وما لا يضره.
505

ولو أراد حفر البالوعة في الدرب المرفوع كان لأربابه المنع، سواء كان لنفعه
أو لنفعهم.
ولو أحدث في الطريق المرفوع حدثا بغير إذن أربابه، جاز لكل أحد له
فيه حق إزالته، ولو أذنوا في فتح الباب، أو حفر البالوعة، أو إخراج روشن أو
جناح أو ميزاب، فالأقرب جواز الرجوع لهم بعد الوضع ما لم يكن بعقد صلح
لازم، أما قبل الفعل فإنه يجوز قطعا، وعلى تقدير الرجوع بعد الفعل، ففي لزوم
الأرش لهم نظر، أقربه أنه عارية.
6125. السادس: إذا كان لاثنين بابان في درب مرفوع أحدهما أقرب إلى رأسه،
فهما مشتركان فيه إلى باب الأول، وينفرد الثاني بما بين البابين، ولو كان في
الزقاق فاضل (1) إلى صدره وتداعياه، فهما سواء فيه.
ويجوز لكل منهما أن يقدم بابه إلى رأس الدرب، ولو أراد بعد النقل
الرجوع إلى موضعه الأول جاز.
ولو أراد كل منهما نقل بابه إلى داخل الدرب، لم يكن له ذلك، ويحتمل
ذلك، لأن له جعل بابه في أول البناء في أي موضع شاء، والأول أولى، ولو قيل
للثاني الدخول إلى صدر الدرب كان قويا، لأنه على ما اخترناه أولا لا منازع له
فيه، وعلى الاحتمال لكل منهما ذلك.
ولو أراد كل منهما أن يفتح في داره بابا آخر، أو يجعل داره دارين يفتح
لكل واحدة بابا، جاز إذا وضع البابين في موضع استطراقه.

1. في «أ»: فاصل.
506

ولو كان ظهر دار أحدهما إلى شارع نافذ ففتح في حائطه بابا إليه جاز، أما
لو كان بابه في الشارع وظهر داره في الزقاق المرفوع، فأراد أن يفتح بابا في
المرفوع، لم يكن له ذلك.
ولو كان له داران ظهر كل واحد منهما إلى ظهر الآخر، ولكل منهما باب
في زقاق مرفوع جاز له فتح باب في الحائط الفاصل (1) بينهما.
6126. السابع: الحائط المشترك لا يجوز فتح باب منه ولا طاق إلا بإذن
شريكه، وكذا لا يغرز فيه وتدا، ولا يبني عليه حائطا، ولا ستره ولا فتح روزنة
ولا شباك، ولا يتصرف فيه بشئ إلا بإذن شريكه، ولو فعل شيئا من ذلك بغير
إذنه كان للشريك إزالة ما أحدثه، وإلزامه بالأرش، وكذا لا يجوز فعل شئ من
ذلك في حائط الجار إلا بإذنه، وأما الاستناد إليه أو استناد ما لا يضر به فلا بأس،
لعدم التحرز منه، فصار كالاستظلال.
ولا يجوز وضع خشبة على الحائط المشترك ولا على حائط الجار إلا
بإذن الشريك والمالك ولو كان خشبة واحدة، ولو التمس ذلك من الجار لم
يجب عليه إجابته لكن يستحب، سواء كان مضرا بالحائط أو لم يكن، وسواء
مع عدم الضرر الاحتياج إلى الوضع وعدمه ولو لم يمكن التسقيف إلا به مع
الحاجة إليه.
ولو أذن الجار في الوضع، جاز له الرجوع قبل الوضع إجماعا، وبعد
الوضع الجواز أولى مع الأرش، ولو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف،

1. في «ب»: الفاضل.
507

ويجوز له أن يصالحه ابتداء على الوضع، بشرط ذكر عدد الخشب
ووزنه وطوله.
ولا يجوز وضعه على جدار المسجد أيضا، سواء كان مضرا به أو نافعا له.
ولو إذن الجار في الوضع فوضعه أو صالحه على وضعه، ثم سقط، أو
قلعه، أو أسقط الحائط ثم أعيد لم يكن له إعادة خشبة إلا أن يكون الصلح لمدة
باقية، فله الوضع إلى انتهائها.
ومن استحق وضع خشبة على [حائط] جاره (1) فأراد إعارته أو إجارته
لذلك، جاز إذا لم يكن الضرر أكثر، ولو أراد صاحب الحائط إعارة حائطه أو
إجارته على وجه يمنع هذا المستحق عن وضع خشبة لم يكن له ذلك، ولو أراد
هدم الحائط لغير حاجة لم يملك ذلك، ولو أراد هدمه للخوف من سقوطه، كان
له ذلك وعليه إعادته، ولو أراد تحويل الحائط لم يملك ذلك إلا بإذن
صاحب الخشبة.
ولو أعاره الحائط لوضع الخشب، فوضعه، ثم أراد صاحب الحائط هدمه
بغير حاجة، فالوجه أنه ليس له ذلك إلا مع الأرش، أما لو انهدم أو استهدم
فنقضه، لم يجب عليه الإعادة، فإن أعاده لم يملك المستعير رد خشبته إلا بإذن
مستأنف، وكذا لو انقلعت خشبة المستعير، لم يكن له إعادتها إلا بإذن جديد،
وكذا لو أزالها أجنبي عدوانا.
ولو آجره الحائط مدة من الزمان ليبني عليه، جاز بشرط أن يكون البناء

1. في «ب»: على جادة، والصحيح ما في المتن.
508

معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن والآجر، وإذا زال قبل
المدة، فله إعادته، سواء زال بسقوطه أو سقوط الحائط.
ولو سقط الحائط سقوطا لا يعود، انفسخت الإجارة في الباقي، ورجع
من الأجرة بنسبة ما يخلف من المدة، ولو صالحه المالك على رفع بنائه أو
خشبته جاز، كما يصح على الوضع، وكذا لو كان له مسيل ماء في أرض غيره،
أو ميزاب، فصالح صاحب الأرض مستحق ذلك على إزالته بعوض جاز.
ولو سقط الخشب أو الحائط، فصالحه على أن لا يعيده بشئ جاز.
ولو وجد بناءه أو خشبته على حائط مشترك أو على حائط جاره، أو
وجد ميزابه يقذف في ملك غيره، أو مجازه (1) فيه، ولم يعلم سببه، ففي
استحقاقه الاستمرار نظر، وكذا الإشكال في إعادته بعد زواله.
ولو اختلفا في استحقاق ذلك، احتمل تقديم صاحب الخشب والبناء
والميزاب والمسيل، لأن الظاهر أنه بحق (2) وعدمه، لأن الأصل
عدم الاستحقاق.
6127. الثامن: لو تداعيا جدارا وكان متصلا ببناء أحدهما، فهو أولى مع اليمين
وعدم البينة، ولو كان متصلا بهما أو غير متصل بأحدهما ولا بينة، قضي للحالف
منهما، فإن حلفا أو نكلا، فهو لهما.
ولو كان لأحدهما عليه بناء، أو عقد معتمد عليه (3) أو قبة، أو سترة، أو

1. الظاهر أن «مجازه» عطف على «ميزابه» والضمير في الظرف «فيه» يرجع إلى ملك الغير،
والمراد: وجد مسير ماء الميزاب في ملك الغير.
2. في «أ»: يجوز.
3. في «أ»: أو عقد عليه أو معتمد.
509

كان في أصل الحائط خشبة طرفها الآخر تحت حائطه ينفرد به، فهو أولى، وكذا
لو كان لأحدهما عليه خشب موضوع، فإنه أرجح من الآخر ولو كان
خشبة واحدة.
ولا اعتبار بالخوارج ووجوه الآجر ولا كون الآجرة الصحيحة مما يلي
[ملك] أحدهما، ولا التزويق، ولا التحسين، ولا الروازن.
فلو اختلفا في خص (1)، قضي لمن إليه معاقد قمطه على رواية (2).
ولو تنازع صاحب العلو والسفل في جدران البيت، فهي لصاحب السفل.
ولو تنازعا في جدران الغرفة، فهي لصاحب العلو.
ولو تنازعا في سقف الغرفة، فهو لصاحبها، وكذا لو تنازعا في سطحها.
ولو تنازعا في الدرجة، فهي لصاحب العلو.
ولو تنازعا في الخزانة التي تحت الدرجة، فهي لهما والعرصة التي عليها
الدرجة لصاحب العلو.
ولو تنازع صاحب السفل في الخان، وصاحب العلو في الصحن، قضي
بما يسلك فيه إلى العلو بينهما، واختص صاحب السفل بالباقي.
ولو تنازعا مسناة (3) بين نهر أحدهما وصحراء الآخر، فهي لهما
بعد التحالف.

1. قال الطريحي (قدس سره) في مجمع البحرين: الخص - بالضم والتشديد - البيت من القصب، ومنه
الحديث: الخص لمن إليه القمط. يعني شد الحبل.
2. الوسائل: 13 / 173، الباب 14 من أبواب الصلح، الحديث 2.
3. في «أ»: في مسناة.
510

ولو تنازع راكب الدابة وقابض لجامها، قيل (1): هي لهما والأقوى الحكم
بها للراكب مع اليمين.
ويتساويان لو تنازعا في ثوب في يد أحدهما أكثر، أو في عبد ولأحدهما
عليه ثياب.
أما لو تنازعا دابة ولأحدهما عليه حمل، فإنه يحكم بها لصاحب الحمل
مع يمينه.
ولو تداعيا غرفة على بيت أحدهما، وبابها إلى غرفة الآخر، حكم بها
لصاحب البيت.
6128. التاسع: لو انهدم الحائط المشترك لم يجبر الممتنع من الإعادة عليها،
ولو طلب شريكه البناء لم يكن له منعه، وله بناؤه بإنقاضه أو بآلات من عنده،
فإن بناه بإنقاضه، فالحائط على الشركة، وإن بناه بآلات من عنده، فالحائط
للباني.
ولو أراد الشريك منعه من بنائه بآلات من عنده، فالوجه ذلك، فإذا بناه
بإنقاضه، لم يكن للشريك نقضه ولا للباني، وإن بناه بآلات من عنده فللباني
نقضه وليس للشريك ذلك، ولا له وضع خشبته ورسومه عليه.
ولو أراد الباني النقض، فقال للشريك: أنا أدفع نصف قيمة البناء ولا
تنقضه، لم يجبر.

1. القائل هو الشيخ في الخلاف: 3 / 295، المسألة 4 من كتاب الصلح، والحلي في السرائر:
2 / 67.
511

ولو قال: إما أن تأخذ نصف قيمته لأنتفع بوضع خشبي، أو تقلعه لنعيد
البناء بيننا، لزمته الإجابة.
ولو لم يرد الشريك الانتفاع، فطالبه الباني بالغرامة أو القيمة، لم يلزمه
ذلك، ولو كان قد أذن له في الإنفاق وضمنه، كان له المطالبة.
ولو لم يكن بين ملكيهما حائط، وطلب أحدهما من الآخر بناء حاجز، لم
يجبر الممتنع، ولو أراد البناء وحده، لم يكن له البناء إلا في ملكه.
ولو كان العلو لرجل والسفل لآخر، فانهدم السقف، وطلب أحدهما
المباناة من الآخر، لم يجبر الممتنع، ولو انهدمت حيطان السفل، لم يكن
لصاحب العلو مطالبته بإعادتها.
ولو طلب صاحب العلو بنائه، لم يكن لصاحب السفل منعه، فإن بناه
صاحب العلو بالإنقاض، فهو كما كان، وإن بناه بآلة من عنده لم يكن لصاحب
السفل الانتفاع به من طرح الخشب ورسم الوتد، وله السكنى في السفل.
ولو طلب صاحب السفل البناء، فإن امتنع صاحب العلو لم يجبر
على البناء.
6129. العاشر: لو انهدم الحائط المشترك بفعل أحدهما، فإن كان قد خيف
سقوطه، وجب هدمه، فلا شئ على الهادم، وإن كان لغير ذلك، وجب عليه
إعادتها، سواء هدمه لحاجة أو غيرها.
والشريك في الحائط لا يجوز له التصرف فيه ببناء وغيره إلا بإذن شريكه،
سواء قل الضرر أو كثر، ولو هدمه بإذن شريكه، وشرط إعادته، وجب
عليه الإعادة.
512

ولو أذن في الهدم ولم يشترط الإعادة، لم يلزم الهادم، ولو قيل بلزوم
الأرش مع الهدم بغير الإذن لا الإعادة كان وجها.
ولو كان الحائط نصفين فاتفقا على بنائه على الثلث جاز، ولو اصطلحا
على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء، بطل الصلح للجهالة.
6130. الحادي عشر: لو كان بينهما نهر، أو قناة، أو دولاب، أو ناعورة، أو عين
، فاحتاج إلى عمارة لم يجبر الممتنع، ولو أنفق أحدهما عليه، لم يكن له منع
شريكه من الانتفاع بالماء.
ولو كان بينهما عرصة جدار فاتفقا على قسمتها، جاز طولا وعرضا.
ولو اختلفا فطلب أحدهما القسمة طولا والآخر عرضا، أجبر الممتنع على
مالا ضرر فيه، ولو كان فيهما ضرر لم تجز القسمة.
ولو طلب القسمة عرضا ولا يفي العرض بحائطين، لم يجبر الممتنع،
وإن وفى بهما احتمل الإجبار، لانتفاء الضرر، وعدمه، لانتفاء القرعة [في هذه
القسمة]، إذ معها ربما يحصل لكل منهما ما يلي ملك جاره، فلا ينتفع به، فلو
أجبرناه [على القسمة] لأجبرناه على أخذ ما يليه من غير قرعة، ولا مثل
لذلك (1) في الشرع.
ولو اقتسماه عرضا فبنى كل منهما حائطا وبقيت بينهما فرجة لم يجبر
أحدهما على سدها، ولا يمنع منه لو أراده.
ولو كان بينهما حائط فاتفقا على قسمته طولا جاز، ويعلم بين نصيبهما

1. في «ب»: «كذلك».
513

بعلامة، ولو اتفقا على القسمة عرضا، احتمل جوازه، لانحصار الحق فيهما،
وعدمه، لعدم تميز نصيب أحدهما من الآخر، بحيث يمكنه الانتفاع بنصيبه
دون صاحبه، فإنه لو وضع خشبة على أحد جانبيه، كان ثقله على الحائط
أجمع، ولو طلبا (1) قسمة الحائط لم يجبر الممتنع.
6131. الثاني عشر: للرجل أن يتصرف في ملكه وإن استضر جاره، فله أن
يبني حماما بين الدور، ويفتح خبازا بين العطارين، ويجعله دكان قصارة،
ويحفر بئرا إلى جانب بئر جاره، ولو كان سطح أحدهما أعلى من سطح الآخر
لم يجب على صاحب الأعلى بناء سترة، نعم يحرم عليه الشرف. (2)
ولو حصلت أغصان شجرته في هواء ملك غيره، أو هواء جدار له فيه
شركة، أو على نفس الجدار، وجب على مالك الشجرة إزالة تلك الأغصان إما
بردها إلى ناحية أخرى، أو بالقلع، ولو امتنع من إزالته أجبر، ولو تلف بها شئ
بعد الأمر بالإزالة ضمنه، ولصاحب الهواء إزالته إما بالقطع أو بالعطف، وليس له
القطع مع إمكان العطف، فإن أتلفها مع إمكان عدولها عنه بغيره ضمن، ولا
يفتقر في ذلك إلى إذن الحاكم.
ولو صالحه على إبقائه على الجدار أو في الهواء صح، سواء كان الغصن
رطبا أو يابسا، بشرط تقدير الزيادة وانتهائها والعوض.
ولو صالحه على ذلك بجزء من ثمرها أو بجميعه لم يجز، وكذا الحكم لو

1. كذا في النسختين ولعل الصواب «ولو طلب أحدهما».
2. في «ب»: التشرف.
514

امتد من عروق شجرة إنسان إلى أرض جاره، سواء أثرت ضررا أولا، أو مال
حائطه إلى ملك جاره، أو زلق من أخشابه إليه.
6132. الثالث عشر: لو صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها ماء، وبينا
موضعها وعرضها وطولها جاز، ولا حاجة إلى بيان العمق، لأن ملك الموضع
يستلزم ملكه إلى تخومه، فله أن ينزل ما شاء، وإن صالحه على إجراء الماء في
ساقية من أرض مالك الأرض مع بقاء ملكه عليها، جاز مع تقدير المدة والعلم
بالموضع الذي يجري الماء منه، وكذا لو كانت الأرض التي فيها الساقية
مستأجرة مع المصالح إذا لم يزد على مدته، وكذا لو كانت الأرض وقفا على
المصالح، وسواء كانت الساقية محفورة أولا.
ولو مات الموقوف عليه، كان لمن انتقل الوقف إليه فسخ رد الصلح، فإذا
فسخه، رجع المصالح على ورثة الميت بقسط ما بقي من المدة.
ولو صالحه على إجراء ماء سطحه من المطر على سطحه، أو في أرضه
عن سطحه، أو في أرضه عن أرضه، جاز إذا علما مقدار جريان الماء
بالمشاهدة أو المساحة، لاختلاف الماء بصغر السطح وكبره، بشرط ذكر المدة،
ولا يملك صاحب الماء المجرى ولو كان السطح معه مستأجرا أو عارية لم يكن
له المصالحة على إجراء الماء فيه، لأنه يستضر بذلك، بخلاف الساقية في
الأرض المستأجرة.
ولو أراد أن يجري ماء في أرض غيره بغير إذنه لم يجز، وإن انتفى الضرر،
سواء كان هناك ضرورة أولا.
ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره أو من عينه مدة معلومة جاز.
515

ولا يجوز بيع حق الهواء لإشراع جناح من غير أصل يعتمده البناء، وكذا
بيع حق مسيل الماء ومجراه، وحق الممر، وكل الحقوق المقصودة على التأبيد،
وإن جاز الصلح عليها، لأن الجهالة لا يمنع من الصلح بخلاف البيع، فلو صالحه
على حق البناء على أرض، وجب ذكر قدر البناء وكيفية الجدار لاختلاف
الأغراض (1) في تثاقله. (2)

1. في «أ»: لاختلاف الأعراض.
2. ولا يخفى أن البحث في أحكام النزاع في الأملاك وتزاحم الحقوق قد عنونه أكثر الفقهاء في
آخر كتاب الصلح، وقد تعرض له المصنف في كتاب إحياء الموات، نعم في الدروس جعله
كتابا، مستقلا سماه ب‍ «كتاب تزاحم الحقوق» والأمر في ذلك سهل.
516

كتاب الغصب
517

وفيه مقصدان
[المقصد] الأول: في أسباب الضمان
وفيه خمسة عشر بحثا:
6133. الأول: أسباب الضمان ثلاثة:
مباشرة الإتلاف، وهو إيجاد علة التلف، كالقتل والأكل والإحراق.
والتسبب، وهو إيجاد ملازم العلة، بأن يوجد ما يحصل الهلاك عنده بعلة
أخرى، إذا كان السبب يقصد لتوقع تلك العلة، كالحافر في محل العدوان
فيتردى فيه إنسان.
وإثبات اليد، إما مع العدوان كالغصب، أو بدونه كاللقطة.
6134. الثاني: الغصب هو الاستيلاء على مال الغير بغير حق، وهو محرم
بالنص والإجماع، قال الله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (1) وقال
الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) (2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قضى مناسكه ووقف بمنى في حجة الوداع:
أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم في هذا

1. البقرة: 188.
2. النساء: 29.
519

الموقف بعد عامنا هذا، ثم قال: أي يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم. ثم قال:
أي شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر. ثم قال: أي بلدة أعظم حرمة؟ قالوا:
هذه البلدة. قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في
شهركم هذا إلى يوم تلقونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم يا
رسول الله، قال: اللهم اشهد، ألا ومن كانت عنده أمانة فليردها إلى من ائتمنه
عليها، فإنه لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، فلا تظلموا أنفسكم
ولا ترجعوا بعدي كفارا. (1)
وقال (عليه السلام): من غصب شبرا من الأرض بغير حقه طوق به يوم القيامة من
سبع أرضين (2). وقد أجمع العقلاء كافة على تحريم الغصب.
6135. الثالث: لا يكفي في الغصب رفع يد المالك بل لا بد من إثبات يد
الغاصب، فلو منع المالك عن إمساك دابته المرسلة فتلفت، أو من القعود على
بساطه فتلف، أو من بيع متاعه فتلف، أو نقصت قيمته السوقية، أو تعيبت، لم
يضمن، وكذا لو مد بمقود دابة عليها مالكها فتلفت بغير المد.
ولو حبس صانعا مدة عن عمله، فكذلك لا يضمن أجرته، ولا يضمن
الحر لو غصبه وإن كان صغيرا، ولو تلف بسبب كالحرق، ولدغ الحية والعقرب،
ووقوع الحائط، قال الشيخ (رحمه الله) يضمنه الغاصب إذا كان صغيرا، وإن لم
يكن بسببه (3).

1. دعائم الإسلام: 2 / 484 برقم 1729، مستدرك الوسائل: 17 / 87، الباب 1 من أبواب كتاب
الغصب، الحديث 1.
2. جامع أحاديث الشيعة: 19 / 72، الباب امن أبواب الغصب، الحديث 2، (عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)).
3. المبسوط: 7 / 18، كتاب الجراح; ولاحظ الخلاف: 3 / 421، المسألة 40 من كتاب
الغصب - ذيل المسألة -.
520

ولو استأجر الحر ومنعه عن العمل، لم تستقر الأجرة.
ولو سكن الضعيف عن مقاومة المالك معه لم يضمن، ولو كان المالك
خارجا عن الدار، ضمن الضعيف.
ولو قعد على بساط غيره، أو ركب دابته ضمن وإن لم يسر بها، وكذا لو
مد بمقودها فقادها، إذا لم يكن المالك عليها، أو كان عليها، وتلفت
بذلك الفعل.
6136. الرابع: يمكن غصب العقار كالدار والمزارع وغير ذلك من الأراضي،
فيضمنها الغاصب، ولو أتلفها ضمنها إجماعا، كهدم حيطانها، وتفريق أجزائها،
وكشط ترابها، وإلقاء الحجارة فيها، ونقص ما يحصل بغرسه أو بنائه.
ولو دخل أرض إنسان أو داره، والمالك غائب، ضمنها، سواء قصد ذلك
أو ظن أنها داره أو دار من أذن له في الدخول إليها على إشكال، أقربه عدم
الضمان إلا مع قصد الاستيلاء، ليتحقق معنى الغصب (فيه) (1) الذي هو
الاستقلال بإثبات اليد عليه من دون إذن المالك.
وقد يتحقق الغصب بأن يسكن غيره فيه، ولو سكن مع المالك قهرا،
فالوجه أنه يضمن النصف.
6137. الخامس: لو غصب الأمة الحامل، كان غاصبا للحمل، فلو تلف الحمل
ألزم بقيمته، بأن تقوم الأمة حاملا أو غير حامل (2) ويلزم بالتفاوت، ولو

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. كذا في النسختين ولعل الصواب «وغير حامل».
521

تلف بعد الوضع ألزم بالأكثر من قيمته وقت الولادة إلى يوم التلف، وكذا البحث في
الدابة الحامل.
ولو اشترى بالبيع الفاسد الأمة الحامل أو الدابة الحامل، ضمن الأصل
والحمل معا.
6138. السادس: لو استخدم الحر لزمته الأجرة، وكذا لو استأجر دابة
فحبسها مدة الانتفاع، أو حبسها من غير إجارة.
6139. السابع: الخمر والخنزير إن غصبا من مسلم لم يضمنا، سواء كان
الغاصب مسلما أو كافرا، ولو غصبا من ذمي مستتر بهما، ضمنهما الغاصب
مسلما كان أو كافرا، ولو لم يكن الذمي مستترا بهما لم يضمنا، ويضمنان في
موضعه بالقيمة لا بالمثل وإن كان المتلف ذميا، ولو كانت الخمر باقية ردها على
الذمي لا المسلم.
ولو أمسكها حتى صارت خلا ردها على مالكها، فإن تلفت ضمنها له،
ولو أراقها فجمعها غيره فتخللت عنده لم يلزمه رد الخل، لأنه أخذها بعد زوال
اليد عنها.
ولو غصب كلبا يجوز اقتناؤه، وجب رده، ولو أتلفه ضمنه بالتقدير
الشرعي، ولو حبسه كان عليه أجرته.
ولو غصب جلد ميتة لم يجب رده لو أتلفه، أو أتلف الميتة بجلدها لم
يكن عليه شئ.
ولو كسر صنما، أو صليبا، أو مزمارا، أو طنبورا، لم يضمن، ويحتمل إن
522

كان إذا فصل صلح لمباح وإذا كسر لم يصلح، لزمه ما بين قيمته مفصلا ومكسرا.
ولو كسر آنية ذهب أو فضة لم يضمن، ولو كسر آنية الخمر ضمنها.
6140. الثامن: لا يثبت الغصب فيما ليس بمال كالحر، ولا يضمن بالغصب،
وإنما يضمن بالإتلاف، فلو أخذ حرا فحبسه فمات عنده لم يضمنه، ولو
استعمله مكرها لزمته أجرة مثله.
ولو حبس الحر وعليه ثياب لم يضمنها، صغيرا كان أو كبيرا.
وأم الولد مضمونة بالغصب، وكذا ماله قيمة من الكلاب دون كلب
الهراش، ويضمن منفعة الكلب.
ولو اصطاد الغاصب ملك الصيد وعليه الأجرة، ولو اصطاد العبد، فالصيد
للمالك، وحينئذ فالوجه دخول أجرته تحته، ولو ضمن العبد المغصوب بعد
إباقه ففي سقوط أجرته بعد الضمان احتمال.
6141. التاسع: كل فعل يحصل به التلف فهو موجب للضمان، وإن لم يكن
غصبا، كمن باشر الإتلاف لعين فقتل حيوانا مملوكا، أو خرق الثوب، أو لمنفعة
كمن سكن الدار، أو ركب الدابة، وكالمسبب بأن يحفر بئرا في غير ملكه
عدوانا، أو يطرح المعاثر في الطرق، وأشباه ذلك.
ولو اجتمع المباشر والسبب، فالضمان على المباشر، كمن أوقع غيره في
بئر حفرها ثالث متعديا، فالضمان على الدافع.
ولو كان متلف المال مكرها فالضمان على المكره لضعف المباشرة
بالإكراه من السبب. (1)

1. في «ب»: عن السبب.
523

6142. العاشر: لو فتح قفصا عن طائر أو حل دابة فذهبا، ضمنهما، سواء
أهاجهما حتى ذهبا أولا، وسواء ذهبا عقيب الفتح والحل، أو مكثا ثم ذهبا، وكذا
لو فك قيدا عن عبد مجنون فأبق، أما لو كان العبد عاقلا، أو فتح بابا على مال
فسرق، فلا ضمان.
ولو فتح القفص وحل الدابة، فوقفا، فجاء آخر فنفرهما، فالضمان على
المنفر، لأن سببه أخص، فاختص به الضمان كالدافع مع الحافر.
ولو وقع طائر انسان على جدار فنفره آخر فطار، لم يضمنه، لأن تنفيره
لم يكن سبب فواته، لأنه كان ممتنعا قبل ذلك، ولو رماه فقتله ضمنه وإن كان
في داره، لإمكان تنفيره بغير قتله.
6143. الحادي عشر: لو حل زقا فيه مائع فاندفق ضمنه، سواء خرج في الحال
أو على التدريج، أو خرج بعضه فبل أسفله فسقط، أو ثقل أحد جانبيه فمال
على التدريج حتى سقط، أما لو قلبته الريح أو زلزلة الأرض أو كان جامدا فذاب
بالشمس، ففي الضمان إشكال، من حيث حصول المباشر
وضعف السبب.
ولو قرب آخر منه نارا فأذابه فسال، فالضمان على المقرب، فإن سببه
اختص بحصول التلف عقيبه.
ولو أذابه أحدهما أولا ثم فتح الثاني راسه فاندفق، فالضمان على الثاني.
ولو فتح زقا مستعلى الرأس، فخرج بعضه، واستمر خروجه على
التدريج فنكسه آخر فاندفق، فضمان ما بعد التنكيس على الثاني، وما قبله
على الأول.
524

ولو دل السراق على المال ضمنه على إشكال، وكذا لو حل رباط سفينة
فذهبت أو غرقت.
6144. الثاني عشر: لو أوقد في ملكه نارا أو في موات فطارت شرارة إلى دار
جاره فأحرقتها، أو سقى أرضه فسال الماء إلى [أرض] جاره فغرقها، لم
يضمن إن لم يفرط بخروج فعله عن العادة.
ولو علم أو غلب على ظنه التعدي إلى الإضرار اختيارا ضمن، بأن أجج
نارا تسري في العادة لكثرتها أو في ريح شديدة تحملها، أو فتح الماء في أرض
غيره، أو أوقد في دار غيره، ولو سرى إلى غير الدار التي أوقد فيها والأرض التي
فتح الماء فيها ضمن، لأنها سراية عدوان.
ولو أرسل الماء في ملكه بقدر حاجته وهو يعلم أنه ينزل إلى ملك غيره،
وأنه لا حاجز يمنعه ضمن، وكذا لو طرح نارا في زرعه، وهو يعلم اتصال زرعه
بزرع غيره وأن النار تسري إليه ضمن.
6145. الثالث عشر: لو ألقى صبيا في مسبعة، أو حيوانا يضعف عن الفرار،
فأكله السبع ضمنه، ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا ففي الضمان إشكال،
وكذا لو غصب دابة فتبعها الولد، أو حبس مالك الماشية عن حراستها
فاتفق التلف.
ولو ألقت الريح إلى داره ثوب غيره، لزمه حفظه، لأنه أمانة حصلت
تحت يده على إشكال، وإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة، ولو عرف صاحبه لزمه
إعلامه، فإن لم يفعل ضمنه.
525

ولو سقط طائر في داره لم يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه، لأنه محفوظ
بنفسه، ولو دخل برجه فأغلق عليه بنية إمساكه لنفسه، ضمنه، ولو لم ينو ذلك
لم يضمنه، لأن له التصرف في برجه كيف شاء.
6146. الرابع عشر: المقبوض بالبيع الفاسد مضمون وكذا المقبوض
بالسوم (1)، ولو استوفى المنفعة بالإجارة الفاسدة ضمن أجرة المثل.
ولو أكلت الدابة حشيش غيره ضمن صاحب الدابة مع تفريطه في
حفظها، ولو استعار دابة غيره فأكلت ضمن المستعير مع تفريطه، سواء أتلفت
لمالكها أو لغيره.
ولو كانت البهيمة في يد الراعي ضمن الراعي مع تفريطه دون المالك،
وإذا جحد المودع فهو غاصب من وقت الجحود، ولو غصب آخر من الغاصب،
تخير المالك في الرجوع على أيهما شاء، وله إلزامهما بالبدل الواحد.
6147. الخامس عشر: قال الشيخ (رحمه الله): لو خشي سقوط حائط جاز أن يسند
بجذع الغير بغير إذنه، واحتج عليه بالإجماع (2). وفيه نظر.

1. وهو أن يقبضه ليشتريه.
2. المبسوط: 3 / 86.
526

المقصد الثاني: في الأحكام
وفيه عشرون بحثا:
6148. الأول: يجب رد المغصوب مع بقاء عينه، ولو أخرجه من بلد الغصب،
وجب عليه رده بعينه، وإن غرم عليه أضعاف قيمته، ولو دفع الغاصب أجرة الرد
ومكنه منه في موضعه، أو بذل له أكثر من قيمته، لم يجب على المالك القبول،
ولو رضي المالك في موضعه بغير أجرة الرد، أو طلب رده إلى بعض الطريق،
وجب على الغاصب الإجابة، بخلاف ما لو طلب حمله إلى مكان آخر في غير
طريق الرد، وإن كان أقرب، أو طلب أجرة الرد.
ولو تعسر الرد وجب مع إمكانه، كاللوح ترقع به السفينة، وهي على
الساحل، أو في اللجة واللوح في أعلاها، ولو خيف الغرق لم يجب، وللمالك
أخذ القيمة، فإذا أمكن رد اللوح استرجعه، ورد القيمة، ولو خيف غرق مال
الغاصب خاصة قلعت.
ولو استدخل الخشبة في بنائه، وجب ردها بعينها، وإن أدى إلى خراب
البناء، وكذا لو غصب حجرا فبنى عليه، أو خيطا فخاط به ثوبا، ولو بلي الخيط،
أو انكسر الحجر، أو تلفت الخشبة، رد القيمة، ولو أمكن نزع الخيط من الثوب
527

وجب، وضمن النقص، ولو خشي تلفه بانتزاعه، ضمن القيمة، ولو خاط به
جرح حيوان لا حرمة له كالمرتد والكلب العقور، والخنزير، وجب رده، ولو
كان له حرمة وخشي من نزعه تلف الحيوان أو الشين (1) أو بطؤ البرء وجبت
القيمة، ولو كان الحيوان مأكول اللحم، فالأقرب أنه كذلك.
وكل موضع يجب فيه رد العين لو دفع الغاصب القيمة لم يجب القبول،
وكذا لو طلبها المالك.
6149. الثاني: لو مزج المغصوب بما يمكن تمييزه كلف التمييز وإن شق،
كالحنطة بالشعير، أو الدخن بالذرة، أو السمسم بالعدس، أو صغار الحب
بكباره، أو أسود الزبيب بأحمره، وأجرة المميز على الغاصب. ولو لم يمكن
تمييز الجميع وجب تمييز ما أمكن.
وإن لم يمكن تمييزه (2) فإن خلطه بمثله كان شريكا، ولو مزجه بأدون أو
أجود أو بغير جنسه، كالزيت بالشيرج، ألزم الغاصب بالمثل، لاستهلاك العين،
ولو بذل الغاصب مع المزج بالأجود حقه منه، وجب القبول، وكذا لو رضي
المالك مع المزج بالأدون بقدر حقه منه، لزم الغاصب دفعه، ولو اتفقا على أن
يأخذ أكثر من حقه من الردئ أو دون حقه من الجيد لم يجز، لأنه ربا، ويجوز
العكس، فيأخذ دون حقه من الردئ، وأكثر من حقه من الجيد، إذ لا مقابل
للزيادة، وإنما هي تبرع، والوجه عندي المنع في الجميع مع البيع والجواز في
الجميع مع الصلح.

1. في مجمع البحرين: الشين خلاف الزين، يقال: شانه: أي عابه.
2. فهو على خمسة أقسام: الأول ما أشار إليه بقوله: «فإن خلط بمثله» وأشار إلى القسم الثاني
والثالث والرابع بقوله: «ولو مزجه بأدون أو أجود أو بغير جنسه». وأما القسم الخامس فهو
قوله: «ولو مزجه بما لا قيمة له».
528

ولو مزجه بما لا قيمة له كاللبن بالماء، فإن أمكن تخليصه وجب، وإن لم
يمكن فإن كان المزج يفسده رجع بمثله، وإلا بالعين وأرش النقصان.
6150. الثالث: لو حدث في المغصوب عيب ضمن الغاصب الأرش، سواء
كان النقص من الغاصب، أو من غيره، أو من قبل الله تعالى، إذا كان النقص
مستقرا، كتخريق الثوب، وتكسير الإناء، وتسويس الطعام، وخراب البناء،
وتمزيق الثوب، سواء مزقه قليلا أو كثيرا.
ولو كان النقص غير مستقر، كعفن الحنطة، قال الشيخ (رحمه الله): يضمن قيمة
المغصوب (1) والوجه أنه يضمن النقص، وكلما تجدد نقص ضمنه، والأرش
قدر نقص القيمة في جميع الأعيان، وروى علماؤنا في عين الدابة ربع
القيمة (2)، وقال الشيخ: في عين الدابة نصف قيمته وفي العينين كمال القيمة،
وكذا كل ما في البدن منه اثنان (3) وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش.
6151. الرابع: لو تلف المغصوب أو تعذر رده، فإن كان مثليا - وهو ما يتماثل
أجزاؤه وتتفاوت صفاته، كالحبوب والأدهان - وجب رد مثله، فإن تعذر المثل،
ضمن قيمته يوم الرد لا يوم الإعواز، سواء حكم الحاكم بالقيمة عند الإعواز
فزادت قيمته أو نقصت، أو لم يحكم.
ولو قدر على المثل بعد دفع القيمة، لم يرد عليه، ولو وجد المثل بأكثر
من ثمن المثل، فالوجه وجوب الشراء، وإن لم يكن مثليا وجبت قيمته، فإن لم
يختلف من حين الغصب إلى حين الدفع فلا بحث.

1. المبسوط: 3 / 82 - 83.
2. لاحظ النهاية: 781، والوسائل: 19 / 271، الباب 4 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 3.
3. المبسوط: 3 / 62; الخلاف: 3 / 397، المسألة 4 من كتاب الغصب.
529

وإن اختلف فإن كان لمعنى (1) في المغصوب من صغير وكبير وسمن
وهزال وتعلم ونسيان ونحوه، وجبت القيمة أكثر ما كانت، وإن كان الاختلاف
فيها لتغيير الأسعار، فالأكثر على ضمان القيمة يوم الغصب، لأنه الوقت الذي
أزال يده عنه.
والوجه عندي ضمان القيمة يوم التلف، لأن الواجب بالذمة مع بقاء العين
ردها وإنما يصار إلى القيمة مع تعذر الرد وهو يوم التلف.
وقال الشيخ (رحمه الله): يضمن أعلا القيمة من حين يوم الغصب إلى حين التلف،
ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك (2).
والذهب والفضة يضمنان بالمثل، وقال الشيخ: بالقيمة بنقد البلد، كما لا
مثل له (2) ولو تعذر المثل وكان نقد البلد بخلاف المضمون في الجنس، ضمنه
بالنقد، وإن كان من الجنس ويساوي المضمون والنقد وزنا جاز، وإن تفاوتا قوم
بغير جنسه.
6152. الخامس: القيمة السوقية لا يضمن نقصانها بتفاوت الأسعار مع رد العين
، ويضمن الصنعة كالأصل، فلو غصبه حليا فكسره وجب عليه أرشه، وكذا لو
غصب آنية فكسرها.
ولو أتلف المعمول من الحديد والرصاص والنحاس من الأواني وغيرها،
والحلي من الذهب والفضة، والمنسوج من الحرير والكتان والقطن، والمغزول
من ذلك وشبهه، ضمن الأصل بمثله وقيمة الصنعة، وإن زادت على الأصل،

1. في «أ»: بمعنى.
2. المبسوط: 3 / 72 و 75.
3. المبسوط: 3 / 61.
530

ربويا كان أو غير ربوي، بخلاف البيع، لأن الصناعة لا يقابلها العوض
في العقود، ويقابلها (العوض) (1) في الإتلاف، ولهذا لا ينفرد بالعقد
وينفرد بالإتلاف.
ولو كانت الصنعة محرمة، لم تكن مضمونة، سواء أتلفها خاصة أو أتلفها
مع الأصل.
6153. السادس: لو غصب عبدا فمات في يده، ضمن قيمته وإن تجاوزت دية
الحر، ولو قتله الغاصب، قيل: عليه قيمته ما لم تتجاوز دية الحر، فلا يضمن
الزائد (2) والوجه عندي ضمانه بسبب الغصب.
ولو قتله غير الغاصب، فعليه القيمة ما لم تتجاوز دية الحر، فلا يضمن
الزائد، بل يكون الزائد على الغاصب، والأصل على القاتل.
ولو جنى عليه الغاصب بما دون النفس، فإن كانت مقدرة في الحر، فهي
كذلك في العبد بالنسبة إلى قيمته، وإلا ففيها الحكومة، والأقرب عندي إلزام
الغاصب بأكثر الأمرين من أرش النقص أو دية العضو، لأن سبب ضمان كل
واحد منهما قد وجد، فعليه أكثرهما، فلو كان يساوي ألفا ثم زادت قيمته
فساوى ألفين، ثم قطع يده فنقص ألفا، لزمه الألف ورد العبد، لأن زيادة السوق
مضمونة مع تلف العين، ويد العبد كنصفه، وإن نقص ألفا وخمسمائة فعلى ما
اخترناه يضمن ألفا وخمسمائة، ويرد العبد، وعلى القول الآخر يرد ألفا والعبد،
وإن نقص خمسمائة وجب عليه الألف والعبد معا.

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 3 / 62; الخلاف: 3 / 398، المسألة 5 من كتاب الغصب.
531

ولو جنى عليه غيره ضمن ما فيه مقدر في الحر بقدره من القيمة، فإن زاد
الأرش، فالزائد على الغاصب، وما لا تقدير فيه، فالأرش على الجاني.
ولو مثل الغاصب به، قال الشيخ (رحمه الله): عتق وعليه القيمة (1) والأقرب
اختصاص العتق بالتمثيل بالمولى.
ولو جنى الغاصب عليه بكمال قيمته، قال الشيخ: يتخير المالك بين دفعه
وأخذ القيمة، وبين إمساكه بغير شئ (2) تسوية بين الغاصب وغيره، وليس
بمعتمد، بل يجب دفعه مع القيمة.
ولو قطع غير الغاصب يده، تخير المالك في الرجوع على أيهما شاء، فإن
رجع على الجاني فله عليه نصف قيمته، ولا يرجع على أحد، ويضمن
الغاصب الزيادة إن زاد الأرش، ولا يرجع على أحد، وإن رجع على الغاصب
لزمه الأكثر من الأرش ونصف القيمة على ما اخترناه، فإن تساويا أو كان الأرش
أقل، رجع الغاصب على الجاني، لأن التلف حصل بفعله، فاستقر الضمان عليه،
وإن زاد الأرش رجع الغاصب على الجاني بنصف القيمة، لأنه أرش جنايته، فلا
يجب عليه الأكثر.
ولو جنى العبد المغصوب عمدا فقتل، ضمن الغاصب القيمة، وإن طلب
ولي الدم الدية ألزم الغاصب بأقل الأمرين من قيمته والدية.
ولو جنى على الطرف عمدا فاقتص، ضمن الغاصب الأرش، وهو ما
ينقص من قيمة العبد دون أرش العضو، لأنه ذهب بسبب غير مضمون، فأشبه

1. المبسوط: 3 / 62.
2. المبسوط: 3 / 62.
532

سقوطه بغير جناية، وإن طلب منه الأرش تعلق أرش العضو برقبته، وضمن
الغاصب أقل الأمرين.
ولو جنى على سيده، فجنايته مضمونة على الغاصب أيضا، لأنها من
جملة جناياته الموجبة للنقص.
ولو زادت جناية العبد على قيمته ثم مات، فعلى الغاصب قيمته، يدفعها
إلى سيده، فإذا أخذها تعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذ ولي الجناية القيمة من
المالك رجع المالك على الغاصب بقيمة أخرى، لأن المأخوذة أولا استحقت
بسبب وجد في يده، فكانت من ضمانه.
أما لو كان العبد وديعة فجنى بما يستغرق قيمته، ثم قتله المستودع،
وجب عليه قيمته، وتعلق بها أرش الجناية، فإذا أخذها ولي الجناية، لم يرجع
المالك على المستودع، لأنه جنى وهو غير مضمون.
ولو جنى العبد في يد المالك بما يستغرق قيمته، ثم غصبه غاصب فجنى
في يده بالمستغرق أيضا، بيع في الجنايتين، وقسم ثمنه بينهما، ورجع المالك
على الغاصب بما أخذه الثاني، لأن الجناية في يده، وكان للمجني عليه أولا
أخذه دون الثاني، لأن الذي أخذه المالك من الغاصب، هو عوض ما أخذه
المجني عليه ثانيا، فلا يتعلق به حقه، ويتعلق به حق الأول، لأنه بدل عن
قيمة الجاني.
ولو مات العبد في يد الغاصب، فعليه قيمته بينهما، ويرجع المالك على
الغاصب بنصف القيمة، لأنه ضامن للجناية الثانية، ويكون للمجني عليه أولا أن
يأخذه كما قلناه.
533

6154. السابع: لو نقصت عين المغصوب دون قيمته، فإن كان الذاهب جزءا
مقدر البدل، كعبد خصاه وزيت أغلاه، ضمن نقص العبد بقيمته، وهو دية ما
أتلفه، ونقص الزيت بمثله، مع رد العبد والزيت، وإن كانت الجناية تستغرق
قيمة العبد، ولو سقط ذلك العضو بآفة، فلا شئ له، لأنه يزيد به قيمته.
وإن لم يكن مقدرا كالسمن المفرط إذا ذهب ولم تنقص قيمته، فالواجب
رده ولا شئ عليه، ولو كان النقص في مقدر البدل (1) لكن الذاهب منه أجزاء
غير مقصودة كعصير أغلاه حتى ذهب ثلثاه، فنقصت عينه دون قيمته، قال
الشيخ (رحمه الله): لا يضمن شيئا، ويرد الباقي، لأن الأجزاء الذاهبة لا قيمة لها، ويقصد
إذهابها (2) والوجه عندي وجوب الضمان.
ولو نقصت العين والقيمة معا، وجب ضمان النقصين، كرطل زيت قيمته
دراهم، أغلاه فنقص ثلثه وصارت قيمة الباقي نصف درهم (3) وجب عليه ثلث
رطل وسدس درهم، ولو كانت قيمة الباقي ثلثي درهم، فليس عليه أكثر من
ثلث رطل.
ولو خصى العبد فنقصت قيمته، لم يكن عليه أكثر من ضمان خصيه، ولو
سمن العبد في يد الغاصب سمنا تنقص به القيمة، أو كان شابا فصار شيخا، أو
كانت الجارية ناهدا فسقط ثدياها، وجب أرش النقص إجماعا.
ولو كان العبد أمردا فنتبت لحيته فنقصت قيمته، ضمن النقصان،

1. في «أ»: في مقدار البدل.
2. المبسوط: 3 / 82.
3. في «أ»: في نصف درهم.
534

ويحتمل عدم الضمان، لأن النابت لا يقصد قصدا صحيحا فكان كالصناعة
المحرمة.
والبحث في المدبر والمكاتب المطلق الذي لم يؤد شيئا والمشروط وأم
الولد كالبحث في القن، ولو تحرر بعض العبد كان حكم ذلك البعض
حكم الأحرار.
6155. الثامن: لو تعذر رد العين كعبد أبق، أو دابة شردت، وجب على
الغاصب قيمته، ويملكها المغصوب منه، ولا يملك الغاصب العين، بل متى
قدر عليها، وجب ردها ويسترد القيمة، وله حبسها إلى أن يأخذ القيمة، ويجب
عليه رد نماء المغصوب المتصل والمنفصل وأجرة مثله إلى حين دفع البدل إن
كان ذا أجرة، وهل يجب عليه أجرة ما بين دفع بدله إلى رده؟ قيل (1): نعم،
والأقرب عدم الوجوب.
ويجب على المالك رد ما أخذه بدلا إلى الغاصب إن كان باقيا بعينه، ورد
زيادته المتصلة كالسمن دون المنفصلة.
ولو غصب عصيرا فصار خمرا، وجب عليه قيمة العصير إن تعذر المثل،
فإن صار خلا وجب رده وما نقص من قيمة العصير، ويسترجع ما أداه من بدله.
ولو غصب شيئين فتلف أحدهما فنقصت قيمة الباقي بالتفريق،
كالخفين، رد الباقي وقيمة التالف مجتمعا وأرش النقص، فلو ساويا ستة دراهم،
وصار الباقي يساوي درهمين، رده ورد أربعة دراهم، وكذا لو شق ثوبا بنصفين،

1. ذهب إليه الشيخ في أحد قوليه لاحظ المبسوط: 3 / 96.
535

فنقصت قيمة كل منهما بالشق، ثم تلف أحدهما ولو كانا باقيين ردهما مع أرش
الشق، ولو لم ينقصه الشق ردهما بغير شئ، ولو تلف أحدهما رد الباقي
وقيمة التالف (1).
ولو أخذ أحد الخفين فأتلفه ونقصت قيمة الآخر في يد المالك بسبب
الانفراد، ضمن التالف مجتمعا، وفي ضمان نقص قيمة الآخر نظر.
6156. التاسع: تصرفات الغاصب لا تخرج العين عن ملك المالك، سواء بقي
الاسم والصفة أو زالا وسواء حصل التغير من الغاصب أو من غيره، فلو غصب
حنطة فطحنها، أو كتانا فغزله أو نسجه، لم يملكه الغاصب، وللمالك أخذه
وأرش نقصه إن نقص، ولا شئ للغاصب في زيادته.
ولو استأجر الغاصب على عمل شئ من ذلك، فالأجرة عليه، فإن حصل
نقص كذبح الشاة تخير المالك في أرش النقص بين الرجوع على الغاصب أو
على الذابح، فإن كان الذابح عالما بالغصب، استقر الضمان عليه، وإلا استقر
الضمان على الغاصب، لغروره.
ولو غصب ثوبا فلبسه فأبلاه فذهب نصف قيمته، ثم غلت الثياب فعادت
قيمته، وجب رده ورد الأرش، فلو كان يساوي عشرة ونقص بالاستعمال
خمسة ثم تغير سعره فساوى عشرة، رد الثوب وخمسة، وكذا لو رخصت الثياب
فصارت قيمته ثلاثة، رد الثوب وخمسة لا غير.
ولو غصب الثوب ونقص بعض أجزائه فعليه أرش النقص، فإن أقام عنده

1. في «أ»: وقيمة التلف.
536

مدة لمثلها أجرة لزمته الأجرة أيضا، ولم يتداخلا، سواء استعمله أو تركه،
وسواء كان ذهاب بعض الأجزاء بالاستعمال أو بغيره.
ولو نقصت العين عند الغاصب ثم باعه فتلف عند المشتري، تخير في
تضمين من شاء، فإن ضمن الغاصب، وجب أكثر ما كانت قيمته من حين
الغصب إلى حين التلف، وإن ضمن المشتري، ضمن أكثر ما كانت قيمته من
حين قبضه إلى حين التلف.
وإن كان له أجرة، فله الرجوع على الغاصب بالجميع، وإن شاء رجع على
المشتري بأجرة مقامه في يده، وبالباقي على الغاصب، ويرجع المشتري على
الغاصب بما غرمه مع الجهل لامع العلم.
ولو غصب طعاما فأطعمه غير المالك، تخير المالك في تضمين من شاء،
فإن رجع على الآكل لم يرجع على الغاصب مع علمه، ويرجع مع الجهل، وإن
رجع على الغاصب، رجع الغاصب على الآكل مع علمه، ولا يرجع مع الجهل.
ولو أطعمه المالك فأكله عالما بأنه طعامه، برئ الغاصب، وإن لم يعلم
فالضمان على الغاصب.
فلو وهب المغصوب لمالكه، أو أهداه إليه، فالوجه براءة ذمته، وكذا إن
باعه إياه أو أقرضه.
أما لو أودعه إياه، أو آجره، أو رهنه، أو أعاره، لم يبرأ من الضمان إلا أن
يكون المالك عالما، لأنه لم يعد إليه سلطانه، وإنما قبضه أمانة.
ولو زوج الجارية من المالك فاستولدها مع الجهل، نفذ الاستيلاد،
وبرئ الغاصب.
537

ولو قال الغاصب المعير لمالك العبد: هو عبدي فأعتقه، فالوجه عدم
نفوذ العتق لغروره، ولو قيل بنفوذه، فالأقرب الرجوع بالغرم.
ولو غصب حبا فزرعه، أو بيضا فاحتضنه، فالزرع والفرخ لمالك الحب
والبيض، ولا شئ للغاصب عن العلف (1) والسقي.
ولو غصب شاة فأنزا عليها فحلا، فالولد لصاحب الشاة، ولو غصب فحلا
فأنزاه على شاته، فالولد له، وعليه أجرة الضراب لصاحب الفحل وأرش ما
نقص من الفحل إن نقص، وقال الشيخ (رحمه الله): لا يضمن أجرة الضراب (2).
وليس بمعتمد.
6157. العاشر: إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب، فإن كانت أثرا،
كتعليم الصنعة، وخياطة الثوب، ونسج الغزل، رده بغير أجرة، ولو نقصت
قيمته بشئ من ذلك، ضمن الأرش.
ولو صاغ النقرة حليا ردها كذلك، فلو كسره، ضمن الصنعة وإن كانت من
جهته، لأنها صارت تابعة للنقرة، فإن أجبره المالك على رده إلى النقرة وجب،
ولا يضمن أرش الصنعة، ويضمن ما نقص من قيمة أصل النقرة بالكسر، وإن
كانت عينا مثل أن صبغ الثوب بصبغ منه، كان له قلع الصبغ، وعليه أرش ما
نقص من الثوب بالقلع، وللمالك قلع الصبغ عن الثوب، لأنه في ملكه
بغير حق.

1. الإطعام على وجه اللف والنشر غير المرتب.
2. المبسوط: 3 / 96.
538

ولو أراد صاحب الثوب أخذ الصبغ بقيمته، أو الغاصب أخذ الثوب
بقيمته، لم يجبر الآخر، ولو اتفقا على التبقية، فإن لم تتغير قيمة أحدهما
بالاجتماع، كانا شريكين، فإن باعاه كان الثمن بينهما على النسبة، وإن زادت
قيمتهما لزيادة الثياب في السوق، فالزيادة للمالك، وإن كانت لزيادة الصبغ في
السوق، فالزيادة للغاصب، وإن كانت لزيادتهما معا، فهي بينهما على نسبة زيادة
كل منهما.
وإن كانت الزيادة بالعمل، فهي بينهما، لأن زيادة الغاصب بالأثر
للمغصوب منه، ولو نقصت القيمة لغير الأسعار، لم يضمن الغاصب، وإن
نقصت للعمل، ضمن الغاصب إن نقص المجموع عن قيمة الثوب، ولو زاد كان
الزائد للغاصب ولا شئ على المالك بنقص الصبغ.
ولو كانت قيمة الثوب خمسة، والصبغ كذلك، ثم زادت قيمة الثوب في
السوق، فساوى سبعة، ونقص الصبغ فساوى ثلاثة، وساوى المجموع عشرة،
فلصاحب الثوب سبعة، والباقي للغاصب.
ولو ساوى اثني عشر، فلصاحب الثوب نصفها وخمسها، وللغاصب
خمسها وعشرها.
ولو صار قيمة الثوب في السوق ثلاثة، والصبغ سبعة انعكس الحال، ولو
أراد المالك بيع الثوب لم يملك الغاصب منعه، ولو أراد الغاصب بيع الثوب،
كان للمالك منعه.
ولو كانا لمالك ولم ينقص أحدهما بالاجتماع رده ولا شئ عليه، وإن
نقص بالصبغ، ضمن الغاصب، ولو نقص السعر لم يضمنه.
539

ولو كانا لمالكين ولم تنقص القيمة، فهما شريكان، ولو زادت فالزيادة
لهما، وإن نقصت للصبغ، فالضمان على الغاصب، وإن نقصت قيمة أحدهما
للسعر لم يضمنه.
ولو أراد صاحب الصبغ قلعه، أو المالك أجبر الممتنع، وعلى الغاصب
أرش النقص من كل منهما.
6158. الحادي عشر: زوائد المغصوب وفوائده مضمونة في يد الغاصب، فلو
غصب عبدا أو أمة قيمته مائة، فسمن أو تعلم صنعة، فساوى مائتين [ثم نقص]
ضمن الغاصب ما ينقص من الزيادة، سواء طالب المالك بردها زائدة أو لم
يطالب، وكذا يضمن الغاصب ما يتجدد من لبن، وولد، وثمر، ومنافع كسكنى
الدار، وركوب الدابة، وكل منفعة لها أجرة بالعادة، سواء تلف منفردا أو مع
الأصل، وسواء تجدد في يد الغاصب، أو غصبها زائدة، ثم نقصت عنده.
ولو غصبها وقيمتها مائة، فسمنت فبلغت ألفا، ثم تعلمت صنعة، فبلغت
ألفين، ثم هزلت ونسيت، فبلغت مائة، ردها ورد ألفا، وتسعمائة، ولو بلغت
بالسمن ألفا، ثم هزلت فبلغت مائة ثم تعلمت فبلغت ألفا، ثم نسيت فعادت
إلى مائة، ردها ورد ألفا وثمانمائة، لأنها نقصت بالهزال تسعمائة
وبالنسيان تسعمائة.
ولو سمنت فبلغت ألفا، ثم هزلت فعادت إلى مائة، ثم تعلمت فعادت إلى
ألف، ردها وتسعمائة.
أما لو سمنت فبلغت ألفا، ثم هزلت فعادت إلى مائة، ثم سمنت فعادت
إلى الألف، ردها ولا شئ عليه، لأنه عاد ما ذهب، ويحتمل وجوب ردها زائدة
540

مع ضمان نقص الزيادة الأولى، كما لو كانا من جنسين، فإن ملك الإنسان لا
ينجبر بملكه، والزيادة الثانية غير الأولى.
أما لو تعلمت فبلغت ألفا، ثم نسيت، ثم تعلمت ما نسيته، وبلغت الألف
مائة فإنه يردها بغير شئ، لأن العلم الثاني هو الأول.
ولو تعلمت علما آخر غير الأول، أو صنعة غير الصنعة التي نسيتها أولا،
ففي التغاير نظر.
ولو مرض المغصوب ثم برأ، أو ابيضت عينه ثم ذهب بياضها، رده ولا
شئ عليه، وكذا لو حملت (1) فنقصت، ثم وضعت وزال نقصها.
ولو رد المغصوب ناقصا بمرض أو عيب، فعليه ارشه، فإن زال عيبه في
يد مالكه، لم يلزمه رد ما أخذ من أرشه، وكذا إن أخذ المغصوب دون أرشه، ثم
زال العيب قبل أخذ أرشه، لم يسقط ضمانه.
ولو زادت القيمة لزيادة الصفة، ثم زالت الصفة، ثم عادت الصفة ناقصة
عن قيمة الأولى، ضمن التفاوت.
6159. الثاني عشر: لو باع الغاصب فالأقرب أنه كان كالفضولي، يقف على
الإجازة، ويضمن المشتري العين والمنافع، ولا يرجع على الغاصب مع علمه،
ويرجع مع الجهل.
ويتخير المالك في الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على الغاصب
رجع الغاصب على المشتري العالم لا الجاهل.

1. في «ب»: لو حبلت.
541

وإن رجع على المشتري، رجع المشتري على الغاصب بما دفعه من
الثمن إن كان المشتري جاهلا، وإلا فلا، وللمالك مطالبته بالمثل أو القيمة، ولا
يرجع بذلك على الغاصب.
وما يغرمه المشتري ما لم يحصل له في مقابلته نفع كالنفقة والعمارة، فله
الرجوع على البائع، وما يحصل له نفع في مقابلته، كسكنى الدار، وثمرة
الشجرة، والصوف، واللبن، ففيه قولان:
أحدهما أن الضمان على الغاصب خاصة، لأنه سبب، والمباشرة
ضعيفة بالغرور.
والثاني التخيير، فإن رجع على الغاصب لمكان الحيلولة، رجع على
المشتري، وإن رجع على المشتري لاستقرار التلف في يده، لم يرجع
على الغاصب.
ولو وطئها المشتري فعليه العشر مع البكارة ونصفه مع الثيوبة، وأرش ما
ينقص بالولادة، وينعقد الولد حرا وعليه فداؤه يوم سقوطه حيا لا يوم المطالبة،
ويفديه بقيمته لا بمثله، ويرجع بذلك كله على البائع.
ولو أقامت عنده مدة لمثلها أجرة، فعليه الأجرة.
وكل ضمان يجب على المشتري فللمالك الرجوع على من شاء منهما،
فإن رجع على المشتري وكان عالما بالغصب، لم يرجع على الغاصب على ما
بيناه، وإن كان جاهلا، فأقسامه ثلاثة:
قيمتها وأرش بكارتها وبدل جزء من أجزائها، فهذا لا يرجع به، لأنه
542

دخل مع البائع على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن، فإذا ضمنه لم يرجع به.
وبدل الولد، فهذا يرجع به، لأنه دخل على أن لا يكون الولد مضمونا
عليه، ولم يحصل من جهته إتلاف، وإنما الشرع أتلفه بحكم بيع الغاصب، وكذا
نقص الولادة.
والثالث مهر مثلها وأجر نفعها، ففي الرجوع به قولان: أحدهما يرجع به،
لأنه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض. والثاني لا يرجع به، لأنه غرم ما
استوفى بدله، كقيمة الجارية، وإن رجع بذلك كله على الغاصب، فكل ما لو
رجع به على المشتري لم يرجع به على الغاصب، يرجع به الغاصب، وكل ما لو
رجع على المشتري رجع به على الغاصب، لا يرجع به الغاصب، وقد تقدم بيان
ذلك كله ولو ردها حاملا فماتت من الوضع، ضمن الغاصب.
ولا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، سواء كان البائع المالك أو
الغاصب أو غيرهما، ويضمنه وما يتجدد من نمائه وما يزداد (1) به قيمته لزيادة
صفته (2) فإن تلف عنده ضمن العين بأعلا القيم من حين قبضه إلى حين تلفه إن
لم يكن مثليا، والوجه عندي أنه يضمنه بقيمته يوم التلف.
6160. الثالث عشر: لو وطئها الغاصب جاهلين بالتحريم لزمه مهر المثل، وقيل
: العشر مع البكارة ونصفه مع عدمها، ولا يجب إلا مهر واحد وإن تعدد الوطء،
ولا حد عليه.
ولو افتضها بإصبعه لزمه أرش البكارة، فإن وطئها بعد ذلك لزمه الأمران.

1. في «أ»: وما يزاد.
2. في «أ»: كزيادة صفة.
543

ولو ذهبت البكارة بالوطء لم يجب عليه أكثر من المهر أو العشر، وإن
حملت فالولد حر لاحق به للشبهة.
فإن وضعته ميتا لم يضمنه، لأن التقويم إنما يجب للحيلولة ولم تحصل
هنا، وإن وضعته حيا فعليه قيمته يوم الولادة وأرش ما ينقص منها بالولادة
وأجرتها مدة بقائها في يده.
ولو ضربها الغاصب فألقته ميتا، ضمن لمولاها دية جنين أمة.
ولو ضربها أجنبي فألقته ميتا، ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر،
وضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة.
ولو كانا عالمين بالتحريم، فإن طاوعته حدا معا، ولا مهر، وقيل: يجب
عوض الوطء للمالك، لأنه حقه، فلا يسقط برضا الأمة.
ولو كانت بكرا لزمه أرش البكارة على القولين، ولو أكرهها على الوطء
اختص الحد به، ووجب المهر للمالك.
وهل يتعدد المهر بتعدد الوطء بالإكراه؟ نظر، فإن حملت فالولد رق
لمولاها، ولا يلحق بالواطئ، فإن وضعته حيا وجب رده معها، وإن أسقطته ميتا،
لم يضمن، لعدم العلم بحياته، ولو وضعته حيا ضمنه الغاصب لو مات بقيمته،
وعليه أرش ما نقص بالولادة، ولا يتخير بالولد.
ولو ضربها الغاصب فألقته ميتا ضمن عشر قيمة أمه، وإن ضربها أجنبي
فكذلك، وللمالك تضمين من شاء منهما، ويرجع الغاصب على الضارب إن
يرجع عليه.
544

ولو كان الغاصب عالما وهي جاهلة، فعليه الحد والمهر، ولا يلحق به
الولد، ولو كان بالعكس لحق به الولد، وسقط عنه الحد والمهر، وحدت هي.
6161. الرابع عشر: لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها، فالزرع والغرس
للغارس والزارع، وعليه أجرة الأرض للمالك وإزالة الغرس والزرع وطم الحفر
وأرش الأرض إن نقصت، ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع، لم
يجب على الغاصب القبول، وكذا لو بذل الغاصب قيمة الأرض للمالك.
ولو وهب (1) الغاصب الزرع والغرس لم يجب على المالك قبوله، سواء
كان في قلعه غرض صحيح أو لم يكن.
ولو غصب الأرض والغرس من واحد، فغرسها في الأرض، أجبر على
قلعه إن طالبه المالك، وعليه تسوية الأرض وأرش النقصان ونقص الغرس
والأجرة، وإن لم يكن في قلعه غرض صحيح، فالوجه أنه كذلك أيضا.
ولو أراد الغاصب قلعه ومنعه المالك، لم يكن له القلع، وكذا البحث لو
بنى في الأرض.
ولو جصص الدار وزوقها كان للمالك مطالبته بإزالة ذلك، سواء كان له
فيه غرض صحيح أو لم يكن، وعلى الغاصب أرش النقصان، ولو طلب
الغاصب قلعه، فله ذلك، سواء كان له قيمة بعد الكشط (2) أو لم يكن.

1. في «أ»: ولو وهبه.
2. قال الفيومي في المصباح المنير: 2 / 222: كشطت البعير كشطا من باب ضرب مثل سلخت
الشاة إذا نحيت جلده، وكشطت الشئ كشطا: نحيته.
545

ولو كشط تراب الأرض، لزمه رده وفرشه على ما كان، ولو منعه المالك
وكان في رده غرض من إزالة ضرر أو ضمان (1) فله فرشه ورده.
ولو ضرب التراب لبنا، لم يكن له أجرة، ولو جعل فيه تبنا، كان له حله
وأخذ تبنه، ولو جعله آجرا أو فخارا لزمه رده بغير أجرة، وللمالك إجباره على
كسره، ويحتمل عدمه، لأنه سفه.
ولو حفر في الأرض المغصوبة بئرا لزمه طمها، ولو منعه المالك لم يكن
له الطم، وضمان سقوط الغير فيها يزول برضا المالك، وعلى الغاصب أجرة
الأرض منذ غصبها إلى وقت تسليمها، وكذا كل ماله أجرة، سواء استوفى
المنفعة أو تركها.
ولو بناها من آلاته ضمن أجرة الأرض خاصة، ولو بناها من الآلات
المغصوب منه، ضمن أجرة دار مبنية.
ولو غصب دارا فنقصها فعليه أجرة دار إلى حين نقصها وأجرة مهدومة
إلى حين ردها وأرش النقص.
ولو لم يزرع الغاصب الأرض فنقصت لترك الزرع، كأرض البصرة،
ضمن النقصان.
ولو أخذ المالك الأرض وهي مزروعة، كان له إجبار الغاصب على قلعه
كالغرس، ولو أراد المالك إبقاء الزرع إلى وقت حصاده بأجرة، ورضي الغاصب
صح، ولو أراد أخذ الزرع ودفع القيمة لم يجبر الغاصب على القبول.

1. في «أ»: وضمان.
546

ولو أثمرت الشجرة، كانت الثمرة للغاصب، وللمالك قلعها قبل إدراكها،
وليس للمالك شئ من الثمرة، وإن كانت موجودة في النخل، بل له الأجرة
والإلزام بقلع الغرس وطم الحفر وأرش النقص.
ولو غصب شجرا فالثمرة للمالك، وعلى الغاصب أرش ما ينقص من
الثمرة بالتجفيف، وليس عليه أجرة الشجرة، إذ لا أجرة له.
6162. الخامس عشر: لو آجر الغاصب العين، فالإجارة باطلة، وللمالك إلزام
من شاء بأجرة المثل، فإن ضمن المستأجر لم يرجع (المستأجر به) (1)، لأنه
دخل في العقد على أنه يضمن المنفعة ويسقط عنه المسمى، فإن كان دفعه إلى
الغاصب رجع به إن كان جاهلا بالغصب، ولو تلفت العين في يده فإن غرمه
المالك، رجع على الغاصب، وإن كان عالما لم يرجع على أحد.
ولو غرم الغاصب الأجر والقيمة، رجع بالأجر على المستأجر مطلقا،
وبالقيمة مع العلم.
ولو أودع المغصوب أو وكل وكيلا في بيعه فتلف، ضمن المالك من
شاء، فإن ضمن الغاصب رجع على المستودع والوكيل إن كانا عالمين، ولا
يرجع أحدهما لو ضمنه المالك، وإن كانا جاهلين، ورجع على الغاصب، لم
يرجع عليهما بقيمة ولا أجرة وإن رجع عليهما رجعا على الغاصب.
ولو أعاره فتلفت عند المستعير، تخير المالك، فإن غرم المستعير مع
علمه لم يرجع، وإن غرم الغاصب رجع، وإن كان جاهلا رجع بقيمة العين على

1. ما بين القوسين يوجد في «ب».
547

الغاصب إن غرمه، ولا يرجع الغاصب عليه بها إن رجع المالك عليه، وهل
يرجع المستعير على الغاصب بالأجرة لو غرمها للمالك؟ فيه احتمال من حيث
إنه دخل على أن المنافع له غير مضمونة، ومن حيث إنه انتفع بما غرمه، وكذا
البحث فيما يتلف من الأجزاء بالاستعمال.
ولو ردها المستعير أو المستودع على الغاصب، فللمالك تضمينه،
ويستقر الضمان على الغاصب.
ولو وهبه لعالم بالغصب استقر الضمان على المتهب، ولو كان جاهلا
تخير المالك، فإن ضمن المتهب، رجع على الغاصب بالقيمة والأجر، لأنه
غيره، وإن ضمن الواهب لم يرجع على المتهب، وفيه احتمال.
ولو اتجر بالمغصوب، فالربح للمالك إن اشترى بالعين وإلا فله وعليه
الضمان، ولو ضارب به فكذلك، وعليه أجرة العامل إن كان العامل جاهلا.
ولو غصبه في بلد فطالبه في آخر، لزمه دفعه إليه، سواء كان أثمانا أو
عروضا، وسواء كانت القيمة في البلدين واحدة أو اختلفت، بأن كانت أزيد في
بلد الغصب أو أنقص، وسواء كان في حمله مؤنة أو لم يكن.
والمتزوج (1) من الغاصب لا يرجع بالمهر (2).
6163. السادس عشر: لو غصب أمة حاملا، فالولد مضمون، وكذا الدابة، ولو
غصبها حائلا فحملت عند الغاصب وولدت، ضمن ولدها، فإن أسقطته

1. في «ب»: والتزوج.
2. في «ب»: به المهر.
548

ميتا لم يضمنه، لعدم العلم بحياته على إشكال، نعم يجب ما نقص من الأم
بالولادة، سواء ولدته حيا أو ميتا.
6164. السابع عشر: لو غصب فصيلا فكبر في داره ولم يخرج من الباب،
وجب نقضه ورد الفصيل ولا ضمان على صاحبه، وكذا لو دخلت دابة دار آخر
بسبب من صاحب الدار، ولم يمكن إخراجها إلا بالنقض، وإن كان بسبب من
صاحب الدابة، أو لم يكن منهما تفريط، ضمن صاحب الدابة النقض، وكذا لو
غصب خشبة ولم يمكن إخراجها إلا بالنقض، سواء كان النقض أقل ضررا من
كسر الخشبة أو أكثر.
ولو غصب دارا فأدخلها فصيلا له أو خشبة ولم يمكن إخراجها إلا
بالنقض أو الكسر، ذبح الفصيل وأخرج لحمه وكسرت الخشبة.
ولو أدخلت دابة رأسها في قدر ولم يمكن إخراجه إلا بكسرها، كسرت،
وضمن صاحب الدابة إن كانت يده عليها أو فرط في حفظها، ولو لم تكن يده
عليها، وفرط صاحب القدر بأن جعلها في الطريق، فلا ضمان، ولو لم يفرط
أحدهما ولم يكن المالك معها، ضمن صاحب الدابة، لأن ذلك لمصلحته.
ولو باع دارا وفيها حيوان أو أوان (1) لا يخرج إلا بنقض الباب، نقض
وضمن البائع.
ولو غصب جوهرة فابتلعتها دابة ذبحت ودفعت الجوهرة إلى مالكها،
وضمن الغاصب قيمة الدابة، ولو كان الحيوان آدميا ضمن الغاصب
قيمة الجوهرة.

1. في «ب»: أو أواني.
549

ولو ابتلعت شاة رجل جوهرة غير مغصوبة، ذبحت وضمن صاحب
الجوهرة النقص، إلا ان يكون التفريط من صاحب الشاة، ولو قال من عليه
الضمان: أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا فله ذلك.
6165. الثامن عشر: لو اختلف المالك والغاصب في القيمة بعد التلف ولا بينة،
فالقول قول الغاصب، لأنه الغارم مع يمينه، وقال أكثر علمائنا: القول قول
المالك مع اليمين (1).
ولو ادعى الغاصب ما يعلم كذبه بأن يدعي: أن ثمن العبد حبة، لم يلتفت
إليه، ويطالب بالمحتمل.
ولو ادعى المالك بعد تلفه صفة تزيد بها القيمة، كتعلم صنعة، وأنكر
الغاصب، فالقول قول الغاصب مع يمينه، إذا لم يكن للمدعي بينة.
ولو ادعى الغاصب عيبا، فأنكر المالك ولا بينة، فالقول قول المالك
مع اليمين.
ولو اختلفا بعد زيادة قيمة المغصوب في وقت زيادته، فقال المالك:
زادت قبل تلفه، وقال الغاصب: بعد التلف، فالقول قول الغاصب.
ولو وجد معيبا، فقال الغاصب: كان معيبا قبل غصبه، وقال المالك:
تعيب عندك، فالقول قول المالك، لأن الأصل الصحة، ويحتمل تقديم قول

1. قال المحقق في الشرائع: 3 / 249. إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة، فالقول قول
المالك مع يمينه، وهو قول الأكثر، وقيل: القول قول الغاصب، وهو الأشبه. لاحظ المسالك:
12 / 248، وجواهر الكلام: 37 / 223.
550

الغاصب، عملا بالبراءة، وبأن الظاهر عدم التغير. ولو غصب خمرا، فقال
المالك: تخلل عندك، وأنكر الغاصب، فالقول قوله، لأن الأصل بقاؤه
على حاله.
ولو اختلفا في رد المغصوب أو رد مثله أو رد قيمته. فالقول قول المالك
مع يمينه.
ولو اختلفا في التلف، فالقول قول الغاصب، فإذا خلف طالبه المالك
بالبدل، لتعذر العين.
ولو مات العبد، فقال المالك: رددته بعد موته، وقال الغاصب: قبل موته،
فالقول قول المالك مع يمينه، وقال في الخلاف: لو عملنا في هذه بالقرعة
كان جائزا (1).
ولو اختلفا فيما على العبد من ثوب أو خاتم، فالقول قول الغاصب مع
يمينه، لأن يده على الجميع.
ولو باع شيئا ثم ادعى أنه كان غاصبا له وقت بيعه، وأنه انتقل إليه بعد ذلك
بسبب صحيح، إما ميراث أو بيع أو غيرهما، وأقام بينة، قيل: لا تسمع، لتكذيبه
إياها بمباشرة البيع، وقيل (2): تسمع بينته إن لم يضم إلى لفظ البيع ما يدل على
الملكية، وإلا ردت، وكذا لو قال بعد البيع ما يدل على ذلك، كأن يقول: قبضت
ثمن ملكي، أو اقبضته ملكي، أو نحو ذلك، وهو حسن.

1. الخلاف: 3 / 418، المسألة 34 من كتاب الغصب.
2. القائل هو الشيخ في المبسوط: 3 / 100.
551

6166. التاسع عشر: لو باع عبدا فادعى ثالث أن البائع غصبه، وأقام بينة، بطل
البيع، ورجع المشتري على البائع بالثمن، ولو لم تكن بينة، فأقر له البائع
والمشتري فكذلك، وإن أقر البائع وحده، لم يقبل في حق المشتري، وغرم
القيمة، وللبائع إحلافه، فإن لم يكن قبض الثمن، فليس له المطالبة به، لأنه لا
يدعيه، والوجه المطالبة بأقل الأمرين من الثمن وقيمة العبد، وإن كان قبضه، لم
يكن للمشتري استرجاعه.
فإن عاد العبد إلى البائع بفسخ أو غيره، وجب رده على المالك،
ويسترجع ما أعطاه، ولو كان إقرار البائع في مدة خياره انفسخ البيع.
ولو أقر المشتري وحده لم يقبل في حق البائع، ورد العبد، فإن كان قد
دفع الثمن لم يكن له استرجاعه، وإن لم يكن دفعه، وجب رده عليه.
ولو ضم البائع وقت البيع إلى لفظه ما يدل على الملكية، لم تسمع بينته،
فإن أقامها المدعي قبلت، ولا تقبل شهادة البائع، ولو أنكراه جميعا، كان له
إحلافهما، وإن كان المشتري قد أعتق العبد لم يقبل إقرارهما.
ولو وافقهم العبد، احتمل القبول، لأنه مجهول النسب أقر بالرق لمن
يدعيه، وعدمه لأن الحرية حق الله تعالى، ولهذا لو اعترف بالحرية إنسان ثم أقر
بالرق لم يقبل، وكذا لو شهد شاهدان بالعتق مع اعتراف العبد والسيد بالرق
سمعت، والأول أقوى.
وإذا حكم بالحرية فللمالك تضمين أيهما شاء بقيمة يوم العتق، فإن
ضمن البائع، رجع على المشتري، لأنه أتلفه، وإن رجع على المشتري رجع
على البائع بالثمن خاصة.
552

ولو مات العبد وخلف مالا، فهو للمدعي إن لم يخلف وارثا، ولا
ولاء عليه.
ولو شهد بالغصب اثنان واختلفا، فشهد أحدهما أنه غصبه يوم الخميس،
والآخر يوم الجمعة، لم تتم البينة، وحلف مع من شاء منهما (1).
أما لو شهد أحدهما أنه أقر بالغصب يوم الخميس، وشهد الآخر أنه أقر به
يوم الجمعة (2) تثبت البينة (3).
(ولو شهد أحدهما أنه أقر أنه غصبه يوم الخميس، وشهد الآخر أنه أقر
انه غصبه يوم الجمعة، لم تثبت البينة) (4).
6167. العشرون: لو بنى المشتري مع جهله بالغصب، فقلع بناءه، فالأقرب
أنه يرجع بأرش نقص الآلات على البائع، ولو تعيب المبيع في يده، احتمل
الرجوع على البائع بما يغرمه، لأن العقد لا يوجب ضمان الأجزاء
بخلاف الجملة.

1. في «ب»: وحلف على من شاء منهما.
2. كذا في «ب» ولكن في «أ»: وشهد الآخر أنه غصبه يوم الجمعة.
3. واستدل الشيخ في المبسوط على الصحة بأن المقر به واحد ولكن وقع الإقرار به في وقتين.
لاحظ المبسوط: 3 / 101.
4. ما بين القوسين يوجد في «ب» وليس بموجود في «أ».
553

كتاب الشفعة
555

وفصوله ثلاثة
[الفصل] الأول: [في] المحل
وفيه ستة مباحث:
6168. الأول: الشفعة استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه في عقار ثابت
للقسمة بسبب انتقالها بالبيع، وإنما تثبت في الأرضين: كالبساتين، والدور،
والعراص (1) وأشباه ذلك.
وهل تثبت في المنقول؟ قولان: أقربهما السقوط، نعم تثبت في الشجر،
والنخل، والأبنية، والأخشاب، تبعا للأرض، ولو بيع ذلك منفردا يبنى
على القولين.
ومن علمائنا من أوجب الشفعة في العبد دون غيره من الحيوان (2).
وكذا لا شفعة في حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل،
لأنه لا أرض لها، فلا ثبات، ولو كان السقف للشريكين في العلو احتمل الشفعة
وعدمها، لأن السقف في الهواء، فلا ثبات له.

1. العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء، والجمع: العراص والعرصات. الصحاح: 3
/ 1044.
2. وهو خيرة المصنف في المختلف قال: «والمعتمد أن الشفعة إنما تثبت فيما تصح قسمته
خاصة إلا المملوك» مختلف الشيعة: 5 / 349.
557

6169. الثاني: لا شفعة فيما لا يقبل القسمة إلا بإبطال منفعته المقصودة،
كالنهر، والحمام، والطريق، والطاحونة، وبئر الماء، ولو كان الحمام، أو الطريق،
أو النهر مما لا تبطل منفعته بعد القسمة تثبت الشفعة، وكذا لو كان مع البئر بياض
أرض بحيث يسلم البئر لأحدهما، أو كانت البئر متسعة يمكن أن يقسم بئرين،
يرتقي الماء منهما، أو كان للرحى حصن يمكن قسمته، بحيث يحصل
الحجران في أحد القسمين، أو كان فيها أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل
منهما بحجرين.
6170. الثالث: لا تثبت الشفعة في الزرع، والثمرة الظاهرة، وإن بيع مع الأرض،
أما الدولاب والناعورة، فالأقرب دخوله في الشفعة إذا بيع مع
الأرض، ولا تدخل الحبال التي تركب (1) عليها الدلاء في الشفعة إلا عند
القائلين بالتعميم.
ولو بيعت الشجرة مع قرارها من الأرض، مفردة عما يتخللها من الأرض،
فحكمها حكم ما لا ينقسم من العقارات.
6171. الرابع: تثبت الشفعة في الأرض المقسومة بالاشتراك في الطريق أو
الساقية، إذا بيع معها، ولو بيعت الأرض منفردة عن الطريق أو الشرب فلا شفعة،
وتثبت في الطريق والشرب خاصة إن كانا قابلين للقسمة وإلا فلا.
ولا تثبت للجار (2) إلا بالاشتراك في الطريق والشرب إذا بيع مع أحدهما،
ولو باع المقسوم والمشترك بثمن واحد تثبت الشفعة في المشترك خاصة
بحصته من الثمن.

1. في «ب»: «تركت» وهو مصحف.
2. في «ب»: فله تثبت الشفعة للجار.
558

6172. الخامس: إنما تثبت الشفعة إذا انتقلت الحصة بالبيع، فلا تثبت فيما
انتقلت بغيره من العقود، سواء كان بعوض معلوم كالصداق، وعوض الخلع
والصلح وغيرها من العقود، أو بغير عوض كالهبة، والصدقة، وغيرهما.
6173. السادس: لو كان الشقص مشتركا مع الوقف، وبيع، لم يكن للموقوف
عليه شفعة، وإن كان واحدا إن قلنا انه غير مالك على الخصوص، وإن قلنا انه
يملك الرقبة تثبت الشفعة، وهو اختيار السيد المرتضى (1) وهو جيد.
ولو بيع الوقف لوقوع الخلف الموجب للخراب على ما اختاره بعض
علمائنا (2) كان للشريك أخذه بالشفعة.
الفصل الثاني: في المستحق
وفيه ثمانية مباحث:
6174. الأول: إنما يستحق الشفعة الشريك بالحصة المشاعة القادر على الثمن،
فلا تثبت الشفعة بالجوار، ولا فيما قسم وميز إلا مع الاشتراك بالطريق والشرب،
ولا مع عجز الشفيع عن الثمن، ولو ماطل أو هرب بطلت شفعته.
ولو ادعى غيبة الثمن أنظر ثلاثة أيام، فإن لم يحضره بطلت شفعته، ولو

1. الانتصار: 457، كتاب الشفعة، المسألة 260.
2. وهو خيرة الشيخ في المبسوط: 3 / 287 و 300 كتاب الوقف.
559

قال: إن الثمن في بلد آخر، أنظر بقدر وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام ما لم
يتضرر المشتري.
ولو دفع العاجز عن الثمن رهنا أو ضمينا، لم يجب على المشتري القبول،
وكذا لو بذل عوضا عنه.
وإذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن،
وإذا أجل مدة، ولم يحضر الشفيع الثمن فيها، فسخ الحاكم الأخذ، وكذا لو
هرب الشفيع بعد الأخذ، وللمشتري الفسخ من غير حكم حاكم.
6175. الثاني: لا تثبت الشفعة للذمي على المسلم، وكذا الحربي، وتثبت
للمسلم على الذمي وللذمي على مثله وعلى غيره من الكفار، وكذا لغير الذمي
على مثله وعلى الذمي، فإن تبايعاه بخمر أو خنزير، وكان الشفيع مسلما، أخذ
بالقيمة عندهم، وإن كان منهم وأخذ الشفيع المثل، لم ينقض ما فعلوه.
وإن تقابض المتبايعان دون الشفيع، وترافعوا إلينا، فالوجه ثبوت الشفعة،
ويأخذ بالقيمة لا المثل.
وتثبت لكل مسلم، وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب، وتثبت للبدوي
على القروي وبالعكس.
6176. الثالث: تثبت الشفعة للغائب، سواء قربت غيبته أو بعدت، فإن لم يعلم
بالبيع إلا وقت قدومه، فله المطالبة، وإن طالت غيبته، وكذا لو علم ولم يتمكن
من المطالبة في الغيبة ولا من التوكيل، ولو تمكن بطلت شفعته.
وحكم المريض وكل من لم يعلم بالبيع لعذر حكم الغائب.
560

ولو قدر الغائب على الإشهاد على المطالبة، فلم يفعل، لم تبطل شفعته،
سواء سافر عقيب العلم أو أقام لعذر، ولا خلاف أنه إذا عجز عن الإشهاد لا
تبطل شفعته، وكذا لو قدر على إشهاد من لا يقبل قوله خاصة، أو على من لا
يقدم معه إلى بلد المطالبة على الأولى، وكذا لو لم يقدر إلا على إشهاد واحد أو
على إشهاد من يفتقر إلى التزكية، لما فيه من المشقة.
ولو أشهد على المطالبة ثم أخر القدوم مع إمكانه، فالوجه بطلان شفعته،
وكذا لو لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل فترك، ولو عجز عن القدوم أو
لحقه به ضرر لم تبطل شفعته بترك القدوم.
ولو لم يقدر على الإشهاد وتمكن من القدوم أو التوكيل فلم يفعل،
بطلت شفعته.
ولو كان المرض لا يمنعه من الطلب، كالصداع اليسير، فهو كالصحيح،
ولو منعه من الطلب كالحمى، فهو كالغائب في الإشهاد والتوكيل.
والمحبوس إن كان ظلما أو بدين يعجز عنه، فهو كالغائب، وإن كان
محبوسا بحق يقدر عليه، فهو كالمطلق.
ولو كان للغائب وكيل عام الوكالة، فله الأخذ بالشفعة مع المصلحة
للغائب، وكذا لو كان وكيلا في الأخذ وإن لم يكن مصلحة.
ولو ترك هذا الوكيل الأخذ كان للغائب المطالبة بها مع قدومه، سواء ترك
الوكيل لمصلحة أو لا.
6177. الرابع: تثبت الشفعة للصبي، ويتولى الأخذ الولي، فإن ترك الولي
561

الأخذ، فإن كان الغبطة في الترك، بطلت الشفعة، ولم يكن للصبي بعد بلوغه
المطالبة بها، وإن كانت الغبطة في الأخذ لم تبطل الشفعة بترك الولي، وكان
للصبي بعد بلوغه المطالبة بها، ولا غرم على الولي.
ولو أخذ الولي مع الغبطة بالأخذ، لم يكن للصبي بعد بلوغه النقض، وإن
كانت الغبطة في الترك لم يصح الأخذ، ويكون الملك باقيا على المشتري دون
الصبي والولي.
ولو كان وصيا لاثنين فباع لأحدهما نصيبا في شركة الآخر، كان له الأخذ
للآخر بالشفعة.
ولو كان الوصي شريكا، فباع حصة الصغير، كان له الأخذ بالشفعة
على الأقوى.
ولو باع الوصي نصيبه، كان له الأخذ للصغير بالشفعة مع الغبطة، وكذا
الأب لو باع شقص الصبي المشترك معه كان له الأخذ بالشفعة.
ولو بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه أن يأخذ له بالشفعة، لأنه لا
يمكن تمليكه بغير الوصية والميراث، فإذا ولد الحمل ثم كبر احتمل أن يأخذ
بالشفعة كالصبي إذا أكبر.
ولو عفا ولي الصبي عن الشفعة، وكانت الغبطة في الأخذ لم يصح العفو،
وكان للولي الأخذ بها، أما لو كانت الغبطة في الترك فعفا، ثم صار الحظ في
الأخذ لم يكن له الأخذ ولا للطفل إذا بلغ.
6178. الخامس: حكم المجنون وحكم الصبي سواء، وكذا السفيه،
562

وأما المغمى عليه فلا ولاية عليه، وحكمه حكم الغائب تنتظر إفاقته.
وأما المفلس فله الأخذ بالشفعة والترك، وليس لغرمائه الأخذ بها ولا
إجباره على الأخذ، ولا على العفو، لأنه إسقاط حق، سواء كان الحظ في الأخذ
أو الترك، لأنه يأخذ في ذمته، وليس بمحجور عليه في ذمته، ولهم منعه من دفع
ماله في ثمنها، وإذا ملك الشقص بالشفعة تعلق حقوق الغرماء به، سواء أخذه
برضاهم أو بدونه.
وللمكاتب الأخذ والترك، وليس لسيده الاعتراض، وللمأذون له الأخذ
بالشفعة، فإن أسقطها السيد، سقطت، وإن كره العبد، وإن عفا العبد لم
ينفذ عفوه.
وإذا بيع شقص في شركة مال المضاربة، فللعامل الأخذ بها مع الغبطة، فإن
عفا فللمالك الأخذ.
ولو اشترى المضارب بمال القراض شقصا في شركة رب المال، فليس
لرب المال فيه شفعة على الأقوى، لأن الملك له، ولو كان فيه ربح فكذلك،
سواء قلنا إن العامل يملك بالظهور أو بالإنضاض، لأنه شراء مأذون فيه، وإن لم
يكن ظهر فيه ربح لم يكن للعامل اعتراض، وكان له الأجرة من عمله.
ولو كان المضارب شفيعه ولا ربح في المال، فله الأخذ بها، لأن الملك
لغيره، فإن كان فيه ربح، وقلنا لا يملك بالظهور فكذلك وإن قلنا يملك بالظهور،
احتمل الشفعة وعدمها كرب المال.
563

وإن باع المضارب شقصا في شركته (1) لم يكن له الأخذ بالشفعة، لأنه
متهم على إشكال.
6179. السادس: تثبت الشفعة بين شريكين باع أحدهما فيأخذ الآخر إجماعا،
ولو زاد الشركاء على اثنين، قال أكثر علمائنا: تبطل الشفعة. (2) وقال بعضهم:
تثبت مطلقا على عدد الرؤوس. (3) وقال آخرون: تثبت في الأراضي، ولا تثبت
في العبد إلا للواحد. (4) والأقوى عندي الأول.
وعلى القول بثبوتها مع الكثرة إنما تثبت على عدد الرؤوس، لأن كل
واحد لو انفرد لاستحق الجميع، فأشبه بالمعتقين في السراية، وخير ابن الجنيد
أخذها على عدد الرؤوس أو على قدر السهام (5).
وإذا كان الشفعاء أربعة، فباع أحدهم وعفا الآخر، فللباقين أخذ المبيع
أجمع، وليس لهما الاقتصار على حقهما وقال ابن الجنيد: لهما ذلك (6).
ولو كانوا غائبين فحضر واحد أخذ الجميع أو ترك، فإن حضر الآخر أخذ
النصف أو ترك، فإن حضر ثالث أخذ منهما الثلث أو ترك، فإن حضر الرابع أخذ
الربع أو ترك.

1. في «ب»: في شركة.
2. هو خيرة المفيد في المقنعة: 618; والشيخ في النهاية: 424، والمبسوط: 3 / 107، والخلاف:
3 / 435 المسألة 11 من كتاب الشفعة; وابن إدريس في السرائر: 2 / 386; وأبو الصلاح في
الكافي في الفقه: 361; والقاضي في المهذب: 1 / 453; والسيد المرتضى في الانتصار: 450،
المسألة 257; وقطب الدين الكيدري في إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: 254.
3. وهو خيرة ابن الجنيد على ما حكاه عنه المصنف في المختلف: 5 / 355.
4. ذهب إليه الصدوق في غير الحيوان في الفقيه: 3 / 46 في ذيل الحديث 162.
5. لاحظ المختلف: 5 / 357.
6. نقله عنه المصنف في المختلف: 5 / 375 في تذنيب الثاني من المسألة 328.
564

ولو نما الشقص في يد الأول نماء منفصلا، ثم حضر الثاني لم يشاركه في
النماء، وكذا لو نما ما أخذ الثاني في يده، ثم حضر الثالث لم يشاركه
في المنفصل.
ولو وهب بعضهم حصته من الشفعة لبعض لم يصح، لأن ذلك عفو، فلا
يصح لغير من هو عليه، كالقصاص.
ولو امتنع الحاضر من الأخذ حتى يحضر الغائب، لم تبطل شفعته على
إشكال، ولو عفا لم تبطل الشفعة، وكذا لو حضر ثلاثة وعفوا كان للرابع أخذ
الجميع أو الترك.
ولو قال الحاضر: لا آخذ إلا قدر حقي، احتمل بطلان شفعته، لقدرته
على أخذ الجميع وتركه، فكان كالمنفرد، وثبوتها لأن الترك لعذر، وهو
قدوم الغائب.
فعلى هذا لو كانوا ثلاثة، فأخذ الأول الشقص كله بالشفعة، فقدم الثاني
وأخذ نصيبه وهو الثلث، فإذا قدم الثالث أخذ من الثاني ثلث ما في يده، فيضيفه
إلى ما في يد الأول ويقتسمانه نصفين، فيقسم الشقص على ثمانية عشر، لأن
الثالث أخذ من الثاني ثلث الثلث، ومخرجه تسعة، فضمه إلى الثلثين (1)، وهي
ستة، صارت سبعة، ثم قسما السبعة نصفين، ولا نصف لها، فتضرب اثنين في
تسعة تكون ثمانية عشر، للثاني أربعة أسهم، ولكل من الشريكين سبعة، لأن
الثاني ترك سدسا كان له أخذه، وحقه منه ثلثاه، وهو التسع، فتوفره على شريكه

1. في «أ»: «إلى الثلث» والصحيح ما في المتن.
565

في الشفعة، والأول والثالث سواء في الاستحقاق، ولم يترك أحدهما شيئا من
حقه، فيجمع ما معهما فيقسمه، فيكون كما قلنا.
ولو حضر واحد وأخذ الجميع، ثم حضر الثاني قاسمه، فإن حضر الثالث
وطالبه، فسخت القسمة، ولو رده الأول بعيب، كان للثاني الأخذ.
ولو ورث أخوان دارا أو اشترياها بينهما نصفين أو غير ذلك، فمات
أحدهما عن اثنين، فباع أحدهما نصيبه، فالشفعة بين أخيه وعمه، ولا يختص
بها الأخ، ولو أخذ الحاضر الجميع دفع الثمن، وليس له التأخير بحصص
الغائبين من الثمن، فإذا دفع ثم حضر الثاني وطلب أخذ النصف، ودفع إلى
الأول نصف الثمن، فإن خرج الشقص مستحقا، كان دركه على المشتري دون
الشفيع الأول، لأنه كالنائب عنه في الأخذ، فيرجعان معا على المشتري، ولا
يرجع أحدهما على الآخر.
وإذا اقتسم الحاضران نصفين، فحضر الغائب وأحد الشريكين غائب،
أخذ من الحاضر ثلث ما في يده، ويأخذ له الحاكم من حصة الغائب الثلث، ولو
لم يكن حاكم انتظر حتى يقدم الغائب، لأنه موضع عذر.
ولو باع أحد الثلاثة من شريكه، استحق الشفعة الثالث خاصة، لأن
المشتري لا يستحق على نفسه شيئا، ويحتمل استحقاقه، لأنه شريك، ولا نقول
يأخذ من نفسه بل يمنع الشريك من أخذ حقه، وحينئذ يثبت لشريك المشتري
قدر نصيبه لا غير أو العفو، وإن قال له المشتري: قد أسقطت شفعتي فخذ
الجميع أو اترك، لم يصح، لاستقرار ملكه على قدر حقه، فجرى مجرى
566

مجرى الشفيعين إذا أخذا بالشفعة، ثم عفا أحدهما عن حقه، وكذا إذا أخذ
الحاضر الجميع، ثم حضر الآخر فقال له الأول: خذ الكل أو دع، فقد أسقطت
شفعتي، لم يكن له ذلك، وليس للمشتري هنا خيار تبعيض الصفقة لو أخذ
الشريك البعض.
ولو باع الشريك من ثلاثة صفقة، فللشفيع أخذ الجميع والأخذ من
الاثنين ومن واحد، لأنها بمنزلة عقود، فإذا أخذ نصيب واحد، لم يكن
للآخرين مشاركته في الشفعة.
ولو باعه من ثلاثة في عقود متفرقة، ثم علم الشفيع، فله أخذ الجميع
(وأن يأخذ ما شاء، فإن أخذ نصيب الأول لم يكن للآخرين مشاركته في
الشفعة) (1) وإن أخذ نصيب الثاني وعفا عن الأول شاركه الأول في الشفعة، وإن
أخذ من الثالث وعفا عن الأولين شاركاه، وإن أخذ من الثلاثة (2) لم يشاركه
أحد منهم، لأن أملاكهم قد استحقها بالشفعة، فلا يستحق عليه بها شفعة.
ويحتمل شركة الثاني في شفعة الثالث، لأن الشفعة تستحق بالملك لا
بالعفو، ويشاركه الأول في شفعة الثاني والثالث.
ولو باع اثنان من اثنين، فهو بمنزلة عقود أربعة، فللشفيع (3) أخذ الجميع
والربع والنصف وثلاثة الأرباع، وليس لبعضهم شفعة، لانتقال المبيع إليهم دفعة،
فيتساوى الآخذ والمأخوذ منه.

1. ما بين القوسين سقط من نسخة «أ».
2. في «ب»: وإذا أخذ الثلاثة.
3. في «أ»: وللشفيع.
567

ولو وكل أحد الثلاثة شريكه في بيع نصيبه مع نصيبه، فباعهما لواحد
فلشريكهما الشفعة فيهما وفي أحدهما، وهذه الفروع إنما تأتي على القول
بثبوت الشفعة مع الكثرة.
6180. السابع: لو باع الشريك الواحد نصف حصته لواحد، ثم باع الباقي عليه
أو على غيره، ثم علم الشفيع، كان له أخذ الجميع والأول خاصة، والثاني خاصة
، وكذا لو باعه من أكثر من اثنين
6181. الثامن: قال السيد المرتضى: إن لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة
بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين أو على المساجد ومصالح
المسلمين، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من ولي ووصي، له أن يطالب
بشفعته (1)، مع أنه قال: إن الشفعة لا تثبت مع الكثرة. (2)
قال ابن إدريس: إن كان الوقف على جماعة المسلمين، أو على جماعة،
فمتى باع صاحب الطلق، فليس لأصحاب الوقف الشفعة، ولا لوليه ذلك،
لزيادة الشركاء على اثنين، وإن كان [الوقف] على واحد صح ذلك. (3)

1. الانتصار: 457، المسألة 260.
2. الانتصار: 450 المسألة 257.
3. السرائر: 2 / 397.
568

الفصل الثالث: في كيفية الأخذ
وفيه تسعة عشر بحثا:
6182. الأول: يملك الشفيع الشقص بأخذه وبكل لفظ دل على أخذه، مثل:
أخذته بالثمن، أو تملكته، أو نحو ذلك، وهل يملك بالمطالبة؟ الأقرب أنه لا
يملك، وإلا لم يسقط الشفعة بالعفو بعد المطالبة.
ولا يفتقر التملك إلى حكم الحاكم، نعم يفتقر إلى أن يكون الثمن
والشقص معلومين، ولو كان أحدهما مجهولا، فقال: أخذت الشقص بمهما
كان، أو أخذت الشقص بالثمن مهما كان، لم يصح، وله المطالبة بالشفعة، ثم
يتعرف قدر الثمن والمبيع فيأخذه بثمنه.
6183. الثاني: إنما يستحق الشفيع الأخذ بالشفعة بعد العقد لا قبله إجماعا،
وهل يتوقف على انقضاء الخيار الذي للبائع؟ قال الشيخ (رحمه الله): نعم. (1) وفيه قوة
من حيث إن في الأخذ إسقاط حق البائع من الفسخ وإلزام البيع في حقه بغير
رضاه، وقال آخرون: لا يتوقف. (2) لأن الملك انتقل بالعقد، ونحن في ذلك
من المتوقفين.
أما لو كان الخيار للمشتري خاصة، فإن الشفعة تثبت، فإن باع الشفيع

1. المبسوط: 3 / 123، والخلاف: 3 / 445 المسألة 21 من كتاب الشفعة.
2. وهو خيرة الحلي في السرائر: 2 / 386.
569

حصته في مدة خيار البائع عالما بالبيع الأول، سقطت شفعته، وتثبت الشفعة
فيما باعه للمشتري الأول، ويتخرج على قول الشيخ ثبوتها للبائع، لعدم الانتقال
عنده، ولو باعه قبل علمه بالبيع الأول، سقطت الشفعة أيضا إن قلنا بسقوطها في
حق من نقل ملكه جهلا على ما يأتي، وإلا كان له الشفعة على المشتري الأول،
وللمشتري الأول الشفعة فيما باعه الشريك.
6184. الثالث: اختلف علماؤنا في اشتراط الفور في الشفعة للعالم المتمكن،
فقال الشيخ (رحمه الله): إنه شرط (1) فلو أخر المطالبة مع علمه وتمكنه من المطالبة
بطلت شفعته، وإلا لتضرر المشتري، لعدم استقرار ملكه ومنعه من
التصرف بالعمارة.
وقال السيد المرتضى (رحمه الله) (2) وابن الجنيد (3) وابن إدريس (4): لا تبطل
الشفعة إلا بالإسقاط، وإن تطاول الزمان، لأنه حق مالي فلا يسقط بترك طلبه
كغيره من الحقوق، ثم أجاب السيد بأن المشتري يبذل للشفيع تسليم المبيع فإما
أن يتسلم أو يترك شفعته، فيزول الضرر عن المشتري. (5) ونحن في ذلك
من المتوقفين.
فعلى قول الشيخ (رحمه الله) لو أخر الطلب مع إمكانه بطلت شفعته وإن كانا في
المجلس، ولو أخرها لعذر مثل أن يعلم ليلا فيؤخره إلى الصبح، أو لشدة جوع

1. النهاية: 424; المبسوط: 3 / 108; الخلاف: 3 / 430، المسألة 4 من كتاب الشفعة.
2. الانتصار: 454، المسألة 259.
3. نقله عنه المصنف في المختلف: 5 / 361.
4. السرائر: 2 / 386 - 388.
5. الانتصار: 457 في ذيل المسألة 259.
570

أو عطش حتى يأكل أو يشرب، أو لطهارة، أو إغلاق باب، أو للخروج من
الحمام، أو ليؤذن ويقيم ويصلي متئدا (1) أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها،
لم تبطل الشفعة، وكذا كل عذر يمنعه عن مباشرة الطلب وعن التوكيل.
ولا يجب أن يتجاوز عادته في المشي، ولا قطع العبادة الواجبة أو
المندوبة، وجاز الصبر حتى يتمها، ولو دخل الوقت صبر حتى يتطهر ويصلي
الصلاة بسنتها.
ولو علم بالشفعة مسافرا، وقدر على السعي أو التوكيل، فأهمل بطلت
شفعته، ولو عجز عنهما لم تبطل، وإن لم يشهد بالمطالبة.
ولو كان المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال وأمكنه مطالبته من غير
اشتغال عن إشغاله بطلت شفعته إن لم يطلب.
وإن كان المشتري غائبا، وفرغ من حوائجه مشى على عادته، فإذا لقيه
بدأه بالسلام، ودعا له عقيبه بمجرى العادة [ثم طالبه] ولو اشتغل بكلام آخر أو
سكت لغير حاجة، بطلت شفعته.
ولو أخبره مخبر بالبيع وصدقه لقرائن دلت على صدقه، ولم يطالبه،

1. وهو بمعنى المتثبت من غير عجلة. قال الطريحي في مجمع البحرين: التؤدة من الوئيد وهي
السكون والرزانة والتأني والمشي بثقل، ويقال: اتئد في أمرك: أي تثبت. وفي النسختين
«متايدا».
قال في المسالك: 12 / 319 - 320: «والمراد بالمتئد: المتثبت من غير عجلة» ثم نقل كلاما عن
نهاية ابن الأثير وقال: «وعلى هذا فيجب كتابة قوله: «متئدا» بالتاء المثناة المشددة ثم الهمزة،
وتكتب بالياء لكونها مكسورة، وفي كثير من النسخ مكتوب بألف بين التاء والياء، وهو غلط.
571

بطلت شفعته، ولو قال: لم أصدقه، وكان [المخبر] ممن يحكم بشهادته،
كرجلين عدلين، بطلت شفعته، وإن كان ممن لا يعمل بقوله، كالصبي،
والفاسق، والواحد العدل، لم تبطل.
ولو وجده في غير بلده ولم يطالبه، وقال: إنما تركت لأطالبه في البلد
الذي فيه البيع أو المبيع، أو لأخذ الشقص في موضع الشفعة، بطلت شفعته، إذ
ليس ذلك عذرا.
ولو قال: نسيت فلم أذكر المطالبة، أو نسيت البيع، بطلت، لأنه خيار على
الفور، إذا أخره نسيانا بطل، ويحتمل عدم البطلان، لأنه عذر، وكذا التردد لو
قال: جهلت استحقاق الشفعة، مع إمكانه في حقه.
6185. الرابع: لو أظهر المشتري له أن الثمن أكثر مما وقع عليه العقد، فترك،
لم تبطل شفعته، ولا يفتقر إلى اليمين بأنه لم يترك إلا لكثرة الثمن، وكذا لو أظهر
أن المبيع سهام قليلة فبانت كثيرة أو بالعكس، أو أن الثمن دراهم فبان دنانير أو
بالعكس، سواء تساوت قيمتهما أولا، أو أن الثمن نقد فبان عرضا، أو بالعكس،
أو نوع من العرض فبان غيره، أو أن المشتري اشتراه لنفسه فبان لغيره، أو
بالعكس، أو أن الشراء لواحد فبان لاثنين، أو بالعكس، أو أنه اشتراه لشخص
فبان لآخر، أو أنه اشترى الجميع بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه، أو أنه
اشترى نصفه بثمن، فبان أنه اشتراه أجمع بضعفه، أو أنه اشترى الشقص وحده،
فظهر أنه اشتراه هو وغيره، أو بالعكس.
ولو أظهر أنه اشتراه بثمن فترك، فبان بأكثر، أو أنه اشترى الجميع بثمن
فترك، فبان شراء البعض به، بطلت شفعته.
572

6186. الخامس: الشفيع يأخذ الشقص بالثمن الذي وقع عليه العقد، ويسلمه
أولا، فإن امتنع لم يجب على المشتري التسليم حتى يقبض، فإن كان الثمن
مثليا كالذهب والفضة وغيرهما أعطاه الشفيع مثله، وإن لم يكن مثليا اختلف
علماؤنا، فالأكثر على ثبوت الشفعة (1) وقال بعضهم: تسقط (2)، وعليه دلت
رواية علي بن رئاب الصحيحة عن الصادق (عليه السلام) (3) ولأنها تجب بمثل الثمن
وهذا لا مثل له.
وعلى القول الأول يأخذه بقيمة الثمن وقت العقد، وليس للشفيع تبعيض
حقه، بل يأخذ الجميع بكل الثمن أو يدع، ولا يلزمه ما يغرم المشتري من
دلالة، أو وكالة، أو أجرة حافظ، أو غير ذلك من المؤن، ويأخذ الثمن الذي وقع
عليه العقد، سواء كانت قيمة الشقص أكثر أو أقل.
ولو كان البائع مريضا، وباع بثمن المثل صح، سواء باع للوارث أو لغيره.
ولو باع بالمحاباة صح ما قابل الثمن، وكان الزائد من الثلث، فإن خرج
صح البيع في الجميع، وللشفيع أخذه بالشفعة بذلك الثمن، ولا يمنعها كونه
مسترخصا، وكذا إن لم يخرج وأجاز الورثة، وإن لم يجز صح بقدر الثلث،
وبطل الزائد، فيتخير المشتري، فإن أخذه كان للشفيع أخذ ما حصل له بالبيع

1. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 3 / 108 و 131، والمفيد في المقنعة: 619، وأبو الصلاح في
الكافي في الفقه: 361، والحلي في السرائر: 385 - 386.
2. وهو خيرة ابن حمزة في الوسيلة: 258، والشيخ في الخلاف: 3 / 432، المسألة 7 من كتاب
الشفعة.
3. الوسائل: 17 / 324، الباب 11 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
573

والمحاباة بالشفعة بمثل الثمن، وإن فسخ لتبعيض الصفقة، كان للشفيع الأخذ،
كما لو رد المشتري بالعيب.
ولو زاد المشتري في الثمن أو نقصه البائع بعد العقد وانقضاء الخيار، فهو
هبة، أو إبراء لا يثبت في حق الشفيع، بل يدفع كمال الثمن من غير زيادة ولا
نقصان، وكذا لو كانت الزيادة في وقت الخيار أو النقيصة وقال الشيخ (رحمه الله): يلحق
بالعقد بناء على أن الانتقال بانقضاء الخيار (1) وليس بمعتمد، وينسحب على
قول الشيخ - لو كان الثمن غير مثلي - وجوب القيمة يوم انقضاء الخيار.
ولو كان الثمن مؤجلا فللشيخ قولان: أحدهما تخير الشفيع بين دفع
الثمن عاجلا وأخذ الشقص، وبين الصبر إلى الأجل وأخذه بالثمن في محله،
ودفع الثمن بعد الأجل (2) والثاني أخذ الشقص عاجلا وإقامة كفيل بالمال
ليدفعه عند الأجل إن لم يكن مليا (3) وهو الأقوى عندي.
وإذا أخذه الشفيع بالأجل، فمات الشفيع أو المشتري حل الدين على
الميت منهما دون صاحبه.
ولا يجب على المشتري دفع الشقص ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع
عليه العقد.
ولو باع شقصا مشفوعا منضما إلى ما لا شفعة فيه، صفقة، تثبت الشفعة

1. المبسوط: 3 / 127.
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 3 / 112.
3. وهو خيرة الشيخ في النهاية: 425.
574

في الشقص بحصته (1) من الثمن، ولا تثبت في الآخر، ولا خيار للمشتري هنا،
لأن تبعيض الصفقة تجدد في ملكه باستحقاق الشفعة.
ولو باع شقصين من موضعين، تجب فيهما الشفعة لو أخذ صفقة،
وشريك أحدهما غير شريك الآخر، فلهما أن يأخذا، ويقسم الثمن على قدر
القيمتين، ولو أخذ أحدهما دون الآخر صح، وليس له أخذ الحصتين، ولو كان
الشريك واحدا فله أخذهما وتركهما، وأخذ أحدهما دون الآخر.
ولو اشتراه بمائة ودفع عرضا يساوي عشرة، لزم الشفيع مائة أو يترك.
6187. السادس: تصرف المشتري في المبيع قبل الأخذ بالشفعة صحيح، فان
باعه تخير الشفيع بين فسخ البيع وأخذه بالبيع الأول بثمنه، وبين إمضائه والأخذ
من الثاني، فلا ينفسخ الأول، وكذا لو باعه الثاني على ثالث، إن أخذ من الأول
انفسخ الآخران، وإن أخذ من الثاني، انفسخ الثالث خاصة، وإن أخذ من الثالث
لم ينفسخ شئ.
فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به، ولم يرجع على أحد.
وإن أخذه من الثاني، دفع إليه الثمن الذي اشترى به، ورجع الثالث عليه
بما أعطاه، لانفساخ عقده.
ولو تصرف المشتري بما لا تجب فيه الشفعة (2) كالوقف، والهبة،
والرهن، وجعله مسجدا، فللشفيع فسخ ذلك، ويأخذه بالثمن الذي وقع عليه

1. في «ب»: بحصة.
2. في «ب»: بما لا يجب في الشفعة.
575

العقد، ويأخذ الشفيع الشقص ممن هو في يده، ويفسخ عقده، ويدفع الثمن
إلى المشتري لا الموهوب.
ولو تقايل المتبايعان، لم تسقط الشفعة، وللشفيع فسخ الإقالة والدرك
باق على المشتري، وكذا لو رد المشتري بعيب.
ولو رضي الشفيع بالبيع ثم تقايلا، لم يكن له بالإقالة شفعة، لأنها فسخ
لا بيع.
ولو سأل البائع الشفيع الإقالة فأقاله لم تصح، لأنها إنما تثبت بين
المتعاقدين، نعم لو باعه إياه صح.
6188. السابع: الشفيع إنما يأخذ من المشتري ودركه عليه، فلو ظهر الشقص
مستحقا، رجع بالثمن على المشتري، ويرجع المشتري على البائع، وإن
أخذه (1) معيبا، فله رده على المشتري، أو أخذ أرشه منه، والمشتري يرد على
البائع، أو يأخذ منه الأرش، سواء كان الشفيع أخذ من البائع أو
من المشتري.
وحكم الشفيع حكم المشتري في الرد بالعيب، فإن علم المشتري بالعيب
دونه، فللشفيع رده على المشتري، ويسقط الأرش، لأنه يأخذ بالثمن الذي
استقر عليه العقد.
وإن علم الشفيع دون المشتري، فلا أرش لأحدهما ولا رد، لأن الشفيع
أخذه عالما بعيبه، والمشتري زال ملكه عنه بأخذ الشفيع، فلا رد ولا أرش له،

1. في «ب»: وإن وجده.
576

لأنه استرجع جميع ثمنه، فأشبه بما لو رده على البائع، ويحتمل الأرش، لأنه
عوض الجزء الغائب، فان أخذ الأرش، سقط عن الشفيع من الثمن بقدره.
ولو علما معا فلا أرش لأحدهما ولا رد، ولو جهلا، فإن رده الشفيع تخير
المشتري بين الأرش والرد، وإن أخذه الشفيع بالأرش فلا رد للمشتري، وله
الأرش، ولو أخذه الشفيع بغير أرش، فالوجه أن للمشتري أخذ الأرش
من البائع.
ثم إن كان الشفيع أسقطه عن المشتري، توفر عليه، وإلا سقط من الثمن
عن الشفيع بقدره، لأنه الثمن الذي استقر عليه البيع وسكوته لا يسقط حقه.
ولو اشتراه المشتري بالبراءة من العيوب، فان علم الشفيع بالشرط،
فحكمه حكم المشتري، وإلا فحكمه حكم ما لو علم المشتري دون الشفيع.
وإذا كان الشقص في يد المشتري أخذه الشفيع، وإن كان في يد البائع،
قيل له: خذ من البائع أو دع.
ولا يكلف المشتري القبض من البائع لو امتنع، سواء طلبه الشفيع أو لا،
ويكون قبض الشفيع من البائع كقبض المشتري، والدرك مع ذلك
على المشتري.
وليس للشفيع فسخ البيع، ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع لم يصح.
6189. الثامن: لو غرس المشتري أو بنى بأن يظهر للشفيع أنه موهوب، أو
اشتراه بأكثر من ثمن المثل، فيقاسمه، ثم يظهر الخلاف بعد الغرس والبناء، أو
يكون غائبا فيقاسمه وكيله، أو مجنونا أو صبيا، فيقاسمه الولي، ثم يقدم أو
577

يعقل، أو يبلغ بعد البناء والغرس، فإذا طلب الشفيع بالشفعة، كان للمشتري قلع
بنائه وغرسه، وليس عليه تسوية الحفر ولا أرش النقص، لأنه تصرف في ملكه،
فلا يقابله ثمن، وللشفيع أن يأخذ بجميع الثمن أو يدع.
ولو امتنع المشتري من الإزالة، كان للشفيع قلعه ويضمن ما نقص من
الغرس والبناء بالقلع، ولو بذل قيمة الغرس والبناء، كانا له مع اختيار المشتري،
ولو قيل بوجوب إلزام المشتري بالقلع ولا شئ له كان وجها.
وعلى قول أصحابنا لا تجب قيمة الغرس مستحقا للبقاء في الأرض، لأنه
لا يستحق ذلك ولا قيمته مقلوعا، لأنه لو وجبت قيمته مقلوعا، لملك قلعه من
غير أرش، ولأنه قد لا يكون له قيمة بعد القلع.
وإنما طريق ذلك أن تقوم الأرض وفيها الغرس والبناء، ثم تقوم خالية
عنهما، فيكون بينهما قيمة الغرس والبناء، فيدفعه الشفيع إلى المشتري إن اتفقا،
أو ما نقص منه إن اختار القلع، ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك
بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.
ولو كان للغرس وقت يقلع فيه، لو قلع قبله لم يكن له قيمة، أو تكون
قيمته قليلة، جاز للشفيع قلعه، لأنه يؤدي الأرش.
ولو غرس أو بنى مع الشفيع أو وكيله، ثم أخذه الشفيع، فالحكم في أخذ
نصيبه من ذلك كالحكم في الجميع.
ولو زرع المشتري، فللشفيع الأخذ، وليس له قلع الزرع، لقلة لبثه
في الأرض، ولا أجرة له، لأن المشتري زرعه في ملكه، وقيل يتخير الشفيع بين
الأخذ في الحال، والصبر إلى الحصاد (1) وليس بمعتمد.

1. وهو خيرة المحقق في الشرائع: 3 / 262.
578

وكذا لو أثمر النخل في ملك المشتري ثم أخذ الشفيع، كان عليه التبقية
إلى أوان أخذه.
وإذا نما الشقص في يد المشتري نماء متصلا كالشجر يكبر، فللشفيع
أخذه مع الزيادة، ولو كان النماء منفصلا، كالغلة والأجرة والثمرة، فهي
للمشتري ويجب بقاؤها إلى حين أخذها.
ولو اشتراه وفيه طلع غير مؤبر، فأبره المشتري، ثم أخذه الشفيع، فالثمرة
للمشتري، ويأخذ الأرض والنخل بحصتهما (1) من الثمن.
ولو تجدد الطلع في يد المشتري، فأخذه الشفيع قبل التأبير، قال الشيخ:
الطلع للشفيع، لأنه بمنزلة السعف (2) وليس بمعتمد.
6190. التاسع: لو تلف المبيع في يد المشتري سقطت الشفعة - سواء كان
بفعله أو لم يكن - قبل المطالبة، أما لو أتلفه بعد المطالبة، فإنه يكون مضمونا
عليه، ولو تلف بعضه كانهدام المبيع أو تعيب، فان كان بغير فعل المشتري أو
بفعله قبل المطالبة، تخير الشفيع بين الأخذ بكل الثمن، وبين الترك لا
بحصته (2) الموجود من الثمن (3)، وإن كان بفعل المشتري بعد المطالبة، ضمن
المشتري النقص، ويحتمل ضمانه إذا فعل ذلك قبل المطالبة، فيأخذ الشفيع
بحصته من الثمن، وكذا إن كان بفعل آدمي غير المشتري، لأنه يرجع بدله إلى
المشتري فلا يتضرر، والأنقاض (4) على التقديرات كلها للشفيع سواء كانت في
المبيع أو منقولة عنه.

1. في «ب»: بحصتها.
2. المبسوط: 3 / 119.
3. في «ب»: لا بحصة.
4. رد لما يقوله بعض العامة، قال ابن قدامة في المغني: 5 / 503: «ثم إن إراد الشفيع الأخذ بعد
تلف بعضه، أخذ الموجود بحصته من الثمن» وعلى ذلك ففي العبارة حزازة. ولاحظ
المبسوط: 3 / 116.
5. الأنقاض: هي آلات البناء من الخشب والحجارة. كذا فسره الشهيد في المسالك: 12 / 325.
579

ولو ظهر عيب سابق فأخذ المشتري أرشه، فللشفيع أخذه بما بعد
الأرش، ولو أمسكه المشتري بغير أرش، أخذه الشفيع بغير أرش أو ترك.
6191. العاشر: لو اشترى بثمن فظهر مستحقا، فإن كان الشراء بالعين بطل
البيع، ولا شفعة، ولو أجاز مالك الثمن الشراء صح البيع، وثبتت الشفعة، وعلى
تقدير عدم الإجازة لو كان الشفيع قد أخذ بالشفعة، لزمه رد ما أخذ على البائع،
وإن كان قد اشترى بثمن في الذمة، ثم نقد الثمن فبان مستحقا، ثبتت الشفعة،
فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لإعسار أو غيره، فللبائع فسخ البيع ويقدم
حق الشفيع (1).
ولو دفع الشفيع الثمن فبان مستحقا، لم تبطل شفعته، ووجب عليه
دفع عوضه.
وإنما تثبت غصبية ما دفعه المشتري بالبينة أو بإقرار الشفيع والمتبايعين،
فلو أقر المتبايعان وأنكر الشفيع، لم يقبل قولهما عليه، ويأخذ بالشفعة ويدفع
الثمن إلى صاحبه، ويرجع البائع على المشتري بعوضه، إن كان الثمن في الذمة،
وإن كان بالعين رجع بقيمة الشقص.
ولو أقر الشفيع والمشتري دون البائع بطلت الشفعة، ووجب على
المشتري رد مثل الثمن الذي دفعه إلى البائع أو قيمته، ويبقى الشقص معه
بزعم (2) أنه للبائع، فيشتري الشقص منه ويتبارآن.

1. في «ب»: وتقديم حق الشفيع.
2. في «ب»: يزعم.
580

ولو أقر الشفيع والبائع وأنكر المشتري، رد البائع الثمن على صاحبه،
وبطلت الشفعة، وليس للبائع مطالبة المشتري بشئ.
وإن أقر الشفيع خاصة بطلت شفعته، ولا ينفذ في حق المتعاقدين، ولو
كان الثمن غير مثلي فوجد البائع به عيبا، فرده قبل أخذ الشفيع، احتمل تقديم
حقه، لأن في أخذ الشفعة إبطال حق البائع من الشقص، والشفعة تثبت لإزالة
الضرر، فلا تزال (1) بالضرر، وتقديم حق الشفيع، لسبق حقه.
والأقرب الأول، لأن حق البائع أسبق، لاستناده إلى وجود العيب، وهو
متحقق حال البيع والشفعة تثبت بالبيع، فإن لم يرد البائع المعيب حتى أخذ
الشفيع، كان له رد الثمن، وليس له استرجاع المبيع، لأن الشفيع ملكه بالأخذ،
فلم يملك البائع إبطال ملكه، ولكن يرجع بقيمة الشقص، ويرجع بقيمته.
وهل يتراجعان؟ يحتمل ذلك، لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر
عليه العقد، وذلك قيمة الشقص، فأيهما كان دفع أكثر، رجع بالفضل
على صاحبه.
ولو لم يرد البائع الثمن، ولكن أخذ أرشه، فإن كان الشفيع دفع قيمة
الثمن معيبا، رجع المشتري عليه بما أدى من أرشه، وإن كان دفع قيمته
صحيحا، لم يرجع المشتري على الشفيع بشئ، لأنه دفع ما وقع العقد
عليه صحيحا.
ولو عفا البائع عن الأرش لم يرجع الشفيع على المشتري، لأنه بمنزلة
إسقاط بعض الثمن.

1. في «أ»: فلا يزال.
581

ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك مستأنف، كبيع، أو هبة، أو غيرهما،
لم يكن للبائع أخذه، وليس للمشتري رده على البائع بدون اختياره.
ولو تلف الثمن المعين قبل القبض، احتمل ثبوت الشفعة مطلقا، ورجوع
البائع بقيمة الشقص، وسقوطها إن لم يكن الشفيع قبض الشقص، لبطلان البيع،
حيث تعذر التسليم، فتبطل الشفعة المتفرعة عليه.
6192. الحادي عشر: لو ادعى بيع نصيب نفسه على أجنبي فأنكر، حلف
الأجنبي مع عدم البينة، وهل يثبت للشريك الشفعة؟ قال الشيخ (رحمه الله): نعم، لأن
البائع أقر بحقين فلا يسقط أحدهما بإنكار الآخر حقه (1). ويحتمل سقوطها،
لأنها فرع البيع ولم يثبت.
وعلى الأول يأخذ الشفيع من البائع، ويسلم الثمن إليه، ودركه على
البائع، ويحتمل مع إنكار الأجنبي انتفاء استحقاق محاكمة الشفيع والبائع
للمشتري، ليثبت البيع في حقه والعهدة عليه، لأن مقصود البائع الثمن وقد
حصل من الشفيع، ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة، وقد حصل
من البائع، فلا فائدة في المحاكمة، ولكن الأقوى عندي الأول، فإن أقر البائع
بقبض الثمن من المشتري، بقي الثمن الذي على الشفيع لا يدعيه أحد، فيأخذه
الحاكم، فإن ادعاه البائع أو المشتري دفع إليه، وإن تداعياه فأقر المشتري بالبيع،
وأنكر البائع القبض، فهو للمشتري، لإقرار البائع له، ولأن البائع لا يدعي هذا
الثمن إنما يستحق على المشتري، وقد اعترف بالقبض منه.

1. الخلاف: 3 / 451، المسألة 34 من كتاب الشفعة.
582

6193. الثاني عشر: لو ادعى تأخير شراء شريكه عنه، طلب منه تحرير
الدعوى بتعيين المكان الذي فيه الشفعة، وقدر الشقص والثمن، ويدعى
الشفعة فيه، فإذا فعل سئل المدعى عليه، فإن اعترف لزمه، وإن أنكر وقال: إنما
اتهبته أو ورثته، فلا شفعة علي، فالقول قوله مع اليمين وعدم البينة، ولو نكل
قضي عليه، إما مع يمين المدعي أو بدونها.
ولو قال: لا يستحق علي شفعة، فالقول قوله مع اليمين، ويكفيه الحلف
على قوله، ولا يكلف اليمين على أنه لم يشتر بعده، ولو نكل قضي عليه
بالشفعة، ويعرض عليه الثمن، فإن أخذه دفع إليه، وإلا احتمل بقاؤه في يد
الشفيع إلى أن يدعيه فيدفع إليه، وأخذ الحاكم له، فمتى ادعاه المشتري
دفع إليه.
ولو اعترف بالشراء وأنكر التأخير (1)، فالقول قوله مع اليمين.
ولو قال اشتريته لفلان وكان حاضرا، فإن صدقه تثبت الشفعة عليه، ولو
قال: هذا ملكي لم أشتره انتقلت الحكومة إليه، وان كذبه حكم بالشراء للمقر،
وأخذ منه بالشفعة، وإن كان غائبا أخذه الحاكم ودفعه إلى الشفيع، وكان الغائب
على حجته، ويحتمل عدم الأخذ إلى أن يحضر الغائب.
ولو قال: اشتريته لولدي الصغير، أو لمن له عليه ولاية، احتمل عدم
الشفعة لثبوت الملك للطفل، ولا تجب الشفعة بإقرار الولي، وثبوتها لأنه ملك
الشراء له، فصح إقراره فيه، والأقرب الأول.

1. في «ب»: التأخر.
583

أما لو أقر بعد اعترافه لهما بشرائه لنفسه، لم تثبت فيه الشفعة إلا بالبينة، أو
بإقرار الغائب بعد حضوره والصبي بعد بلوغه.
ولو كان الشريك غائبا فادعى الحاضر على من حصة الغائب في يده أنه
اشتراه من الغائب، فصدقه، احتمل أخذه بالشفعة، لأن من العين في يده
يصدق في تصرفه، وعدمه لأنه إقرار على غيره، والأول أقوى، وكذا لو باع
القابض وادعى الشفيع إذن الغائب، فإن أوجبنا الشفعة وقدم الغائب فأنكر البيع
أو الاذن، قدم قوله مع اليمين، ويأخذ الشقص، ويطالب بالأجرة من شاء منهما،
فإن طالب الوكيل، رجع على الشفيع، لتلف المنافع في يده، وإن طالب الشفيع
لم يرجع على أحد.
أما لو ادعى الوكيل الإذن، وباع فأخذ الشريك بالشفعة، استقر الضمان
على الوكيل، لأنه عاد، فإن رجع الغائب على الشفيع، رجع الشفيع على الوكيل،
وإن رجع على الوكيل، لم يرجع على الشفيع.
ولو ادعى على الوكيل أنه اشترى الشقص الذي في يده، فقال: إنما أنا
وكيل، أو مستودع، قدم قوله مع اليمين، ولو كان للمدعي بينة حكم بها، ولو
نكل احتمل القضاء عليه، لأنه لو أقر يقضى عليه.
ولو ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه، فأنكر المشتري ملكية
المدعي، فالوجه عدم الاكتفاء باليد، ويفتقر إلى البينة، فإن ادعى علم المشتري
حلف المشتري على نفي العلم، ولو نكل قضي عليه.
ولو ادعى على شريكه شراء نصيبه من زيد فصدقه زيد، وأنكر الشريك،
وقال: بل ورثته من أبي، فأقام المدعي بينة لسبق ملك زيد، لم تثبت
584

الشفعة، لأنها لم تشهد بالبيع، وإقرار زيد على المنكر للبيع لا يقبل.
ولو ادعى كل من الشريكين الشفعة على صاحبه، سئلا عن زمن التملك،
فإن قالا: دفعة فلا شفعة، إنما تثبت بملك سابق في ملك متجدد، وإن ادعى كل
منهما السبق، حكم لمن أقام البينة.
ولو أقاما بينة تعارضتا، فيحتمل القرعة وسقوط البينتين، فيبقى الملك
مشتركا، وإن لم يكن لهما بينة قدمنا دعوى السابق، وسألنا خصمه، فإن أنكر
حلف وسقطت دعوى الأول، ثم تسمع دعوى الثاني، فإن أنكر الأول وحلف،
سقطت دعواه أيضا، ولو نكل الثاني عقيب دعوى الأول عن اليمين، قضي عليه
إما مع يمين صاحبه أو بدونها على الخلاف، ولم تسمع دعواه، لأن خصمه قد
استحق ملكه، ولو حلف الثاني ونكل الأول قضي عليه.
ولو أقام أحدهما بينة بالشراء مطلقا، لم يحكم بها، لعدم الفائدة.
ولو أقام بينة على شريكه بالابتياع، فأقام الشريك بينة بالإرث، قال
الشيخ: يقرع بينهما (1) ولو ادعى الشريك الإيداع، قدمت بينة الشفيع، لعدم
التنافي بين الإيداع والابتياع.
ولو شهدت بالابتياع مطلقا، وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو
ملكه في تاريخ متأخر، قال الشيخ (رحمه الله): قدمت بينة الإيداع، لتفردها بالملك،
ويكاتب المودع، فإن صدق، قضي ببينته، وسقطت الشفعة، وإن أنكر
قضي بالشفعة (2).

1. المبسوط: 3 / 129.
2. المبسوط: 3 / 129.
585

ولو شهدت بينة الشفيع أن البائع باع وهو ملكه، وشهدت بينة الإيداع
مطلقا، قضي بالشفعة من غير مراجعة المودع.
6194. الثالث عشر: لو اختلف المتبايعان في الثمن، فقال البائع: ألفان، وقال
المشتري: ألف، قدم قول البائع مع اليمين إذا لم تكن هناك بينة، فيأخذ الألفين
من المشتري، وللشفيع أخذه بألف، سواء حكم الحاكم بألفين أو لا، وكذا
البحث لو أقام البائع بينة.
ولو قال المشتري: صدقت البينة وكنت أنا كاذبا أو ناسيا، لم
يقبل رجوعه.
ولو اختلف المشتري والشفيع، فالقول قول المشتري، لأنه الذي ينتزع
الشئ من يده.
ولو أقام أحدهما بينة، حكم له، ولا تقبل شهادة البائع لأحدهما.
ولو أقاما بينة، فالوجه القضاء ببينة الشفيع، لأنه الخارج.
ولو كان الاختلاف بين المتبايعين، وأقام كل منهما بينة، قال الشيخ:
يقرع (1). وليس بجيد لأن القول قول البائع مع يمينه إذا كانت السلعة موجودة،
فالبينة بينة المشتري.
ولو اشترى شقصا بعوض واختلفا في قيمته وتعذر إحضاره، فالقول قول
المشتري، كما لو اختلف في قدر الثمن، ولو قال: لا أعلم قيمته، فالقول قوله مع
اليمين، فإذا حلف سقطت الشفعة.

1. المبسوط: 3 / 110.
586

6195. الرابع عشر: الشفعة تورث كالأموال قاله السيد (رحمه الله) (1) وكذا اختيار
المفيد (2) وقال الشيخ (3): لا تورث لرواية طلحة بن زيد (4) وهو بتري (5)
الأول أقوى، سواء كان الميت قد طلب بها أولا.
وعلى ما اخترناه ينتقل الحق إلى جميع الورثة على حسب مواريثهم،
فللزوجة الثمن مع الولد، فإن ترك بعض الورثة حقه قدم الحق على سائر الورثة،
ولم يكن لهم إلا أخذ الجميع أو الترك.
ولو مات مفلس وله شقص قد باع شريكه، كان لورثته المطالبة بالشفعة.
ولو كان للميت دار فبيع بعضها في قضاء دينه، لم يكن لوارثه الشفعة،
لأنه لا يستحق الشفعة على نفسه، ولو كان الوارث شريكا للمورث فبيع نصيب
المورث في الدين، لم يكن للوارث شفعة، لأن نصيب المورث انتقل إلى
الوارث، فلا يستحق على نفسه الشفعة.
ولو اشترى شقصا مشفوعا، ووصى به، ثم مات، فللشفيع أخذه، لتقدم

1. المقنعة: 619.
2. الانتصار: 451، المسألة 257.
3. النهاية: 425 - 426; الخلاف: 3 / 436، المسألة 12.
4. الوسائل: 17 / 325، الباب 12 من أبواب الشفعة، الحديث 1.
5. قال الطريحي: البترية - بضم الموحدة فالسكون -: فرق من الزيدية، قيل: نسبوا إلى
المغيرة بن سعد، ولقبه الأبتر.
وقيل: البترية: هم أصحاب كثير النوا الحسن بن أبي صالح وسالم بن أبي حفصة والحكم بن
عيينة وسلمة بن كهل وأبو المقدام ثابت الحداد، وهم الذين دعوا إلى ولاية علي (عليه السلام) فخلطوها
بولاية أبي بكر وعمر، ويثبتون لهم الإمامة ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة، ويرون
الخروج مع ولد علي (عليه السلام). مجمع البحرين مادة (بتر).
587

حقه، ويدفع الثمن إلى الورثة، فتبطل الوصية حينئذ، لتلف الموصى به.
ولو أوصى رجل بشقص ثم مات، فباع الشريك قبل قبول الموصى له،
فالوجه أن للوارث الشفعة لا للموصى له، لعدم الانتقال قبل القبول، ولو كان قد
قبل الوصية في حياة الموصي كان له المطالبة، وعند من يقول من علمائنا
بانتقال الوصية بالموت خاصة، فالشفعة للموصى له، فإذا قبل استحق المطالبة،
ولا يستحق المطالبة قبل القبول، لعدم العلم بانتقال الملك إليه، وإنما يعلم
بقبوله، فإذا قبل عرف تملكه، وإن رد تبين أنه للوارث، وحينئذ فالأقرب أنه
للوارث المطالبة، لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق لهم، فإذا طالب الوارث ثم
قبل الموصى له فالشفعة له، فلا بد من طلب من الموصى له، لأن الطلب الأول
قد ظهر أنه من غير المستحق.
وعلى القول الأول، لو طالب الوارث بالشفعة، فلهم الأخذ فإذا قبل
الموصى له أخذ الشقص الموصى به دون المشفوع، ولو لم يطالب الوارث حتى
قبل الموصى له، فلا شفعة للموصى له، لثبوت البيع قبل تملكه، وهل يستحقها
الوارث؟ يبتني على ما لو باع الشريك قبل علمه ببيع الأول.
والمرتد عن فطرة تنتقل أمواله إلى ورثته، فلو اشترى شقصا لم يصح،
ولا شفعة للشريك، أما لو كان عن غير فطرة، فإن تصرفاته صحيحة، فلو
اشترى ثبت لشريكه الشفعة، ولو بيع شقص في شركة المرتد، وكان المشتري
كافرا، فله الشفعة.
ولو ارتد الشفيع المسلم عن فطرة قبل تمكنه من الطلب، فالوجه انتقال
الشفعة إلى وارثه، أما لو تمكن ولم يطلب ثم مات، ابتني على الفورية، ولو كان
588

عن غير فطرة، كان له المطالبة من الشريك الكافر لا المسلم، ولو كان قد طالب
بالشفعة قبل ارتداده، فالوجه أنه يأخذ في الموضعين.
وإذا مات المسلم قبل المطالبة، فإن لم يتمكن من الطلب، انتقلت الشفعة
إلى ورثته، وإن كان قد تمكن، فإن كان قد رضي بالبيع فلا شفعة، وإن لم يعلم
حاله ابتني على الفورية.
ولو لم يخلف الشفيع وارثا طالب الإمام، فلو انتقلت الشفعة إلى وارثين
فعفا أحدهما ثم طالب الآخر بها، ثم مات الطالب فورثه العافي، فله أخذ
الشقص بها.
6196. الخامس عشر: لو باع الشفيع نصيبه مع علمه ببيع شريكه بطلت شفعته،
وكذا لو باع البعض إن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة، وان أثبتناها احتمل البطلان
أيضا، لأنه أسقط ما يتعلق بذلك البعض، فيسقط الجميع، لأن الشفعة لا تتبعض
، والصحة لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد،
وكذا لو بقي (1) وحينئذ للمشتري الأول على المشتري الثاني الشفعة في
المسألتين (2) على تقدير سقوط شفعة البائع الثاني.
وإن قلنا بعدم السقوط فله أخذ الشقص من المشتري الأول، وهل
للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه احتمال من حيث إنه شريكه،

1. فلو كان الشريك مالكا بمقدار ما بقي، من أول الأمر، كان له الشفعة، فهكذا إذا بقي له هذا
المقدار بواسطة بيع شئ منه.
2. إذا باع نصيبه كله أو بعضه.
589

وإن ملكه (1) يؤخذ بالشفعة فلا تؤخذ الشفعة به، وعلى تقدير الثبوت،
له (2) الأخذ، سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لا، وللبائع الثاني الأخذ من
المشتري الأول.
أما لو باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول، قال الشيخ (رحمه الله): لا يسقط
شفعته (3). ويحتمل سقوطها لزوال السبب وهو الملك الذي يخاف الضرر
بسببه، وعلى قوله (رحمه الله) للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول، فإن عفا
عنه، فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني، فإن أخذ منه، فهل
للمشتري الأول الأخذ من الثاني؟ فيه احتمال.
ولو باع الشريك وشرط الخيار للمشتري، ثم باع الشفيع نصيبه، تثبت
الشفعة للمشتري الأول، لتحقق الانتقال بالعقد.
ولو كان الخيار للبائع أو لهما، فالشفعة للبائع الأول، بناء على أن الانتقال
إنما يحصل بانقضاء الخيار.
6197. السادس عشر: لو قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت، أو هبني، أو
ملكني، أو قاسمني، بطلت شفعته، ولو قال: صالحني عن الشفعة على مال،
فالوجه أنها لا تسقط، لأنه لم يرض بإسقاطها، وإنما رضي بالمعاوضة عنها.
ولو صالحه عنها بعوض صح، وبطلت الشفعة، لأنه من الحقوق المالية،
فصحت المعاوضة عليه.

1. وجه سقوط شفعة المشتري الأول.
2. أي للمشتري الأول.
3. المبسوط: 3 / 132.
590

ولو قال: آخذ نصف الشقص بطلت شفعته، لأنه ترك البعض فسقطت.
ولو قال الشريك قبل البيع: قد أذنت في البيع، أو أسقطت شفعتي، وما
أشبه ذلك، لم تسقط شفعته، وله المطالبة بها متى وجد البيع.
ولو توكل الشفيع (1) في البيع لم تسقط شفعته أيضا سواء كان وكيلا
للبائع أو للمشتري على إشكال، منشؤه الرضا، بالبيع.
ولو قال لشريكه: بع نصف نصيبي مع نصف نصيبك ففعل، ثبتت الشفعة
لكل منهما في المبيع من نصف نصيب صاحبه.
ولو ضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري، أو شرطا له الخيار
فاختار إمضاء البيع، لم تسقط شفعته على إشكال، منشؤه تمام العقد به،
فأشبه البائع.
ولو شهد على البيع، أو بارك للمشتري فيما اشترى، أو للبائع فيما باع، أو
أذن للمشتري في الشراء، أو للبائع في البيع، لم تبطل شفعته على إشكال.
ولو جهلا قدر الثمن بطلت الشفعة، لتعذر تسليم الثمن.
ولو قال المشتري: نسيت الثمن ولا بينة، فالقول قوله مع اليمين،
وبطلت الشفعة.
ولو قال: لم أعلم كمية الثمن لم يكن جوابا صحيحا، وكلف جوابا غيره،
وقال الشيخ (رحمه الله): ترد اليمين على الشفيع (2).

1. في «أ»: توكل للشفيع.
2. لم نعثر عليه، ولكن نسبه إليه المحقق في الشرائع: 3 / 266، ولاحظ جواهر الكلام: 37 /
443، والمسالك: 12 / 370، ومفتاح الكرامة: 6 / 417، والمبسوط: 3 / 151 - 152.
591

ولو كان المبيع في بلد ناء، فأخر المطالبة توقعا للوصول، بطلت الشفعة،
وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه، لبطلان البيع.
6198. السابع عشر: يجوز الاحتيال لإسقاط الشفعة، وتسقط الشفعة به،
وذلك مثل أن يشتري بألف ويبرئه من تسعمائة، فيبقى الذي يزنه المشتري
مائة، أو يدفع عوضا عنه يساوي مائة، فللشفيع الأخذ بألف أو الترك، أو يشتري
البائع من المشتري عبدا قيمته مائة بألف ثم يبيعه الشقص بالألف، أو يشتري
جزءا من الشقص بمائة ثم يهبه البائع الباقي أو يهب الشقص للمشتري،
ويعوضه المشتري عن الهبة بالثمن، فإن خالف أحدهما ما تواطآ عليه، وطالب
صاحبه بما أظهر له، لزمه في ظاهر الحكم، ويحرم عليه في الباطن، لأن صاحبه
إنما رضي بالعقد للتواطؤ.
ولو تعاقدا في الباطن بثمن وأظهر [ا] أكثر منه لإسقاط الشفعة لم يجز
إجماعا، وكذا لو باعه في الباطن وأظهر الانتقال بغير البيع، كصلح، أو هبة، أو
إقرار لم يجز.
6199. الثامن عشر: قد بينا أن الشفعة تسقط مع كثرة الشفعاء عند أكثر علمائنا
وأثبتها آخرون (1)، فلو اشترى شقصا له شفيعان، فادعى عفو أحدهما، وشهد
له الآخر، لم تقبل، لأنه يطلب توفر (2) الشفعة عليه، فإن عفا الشاهد بعد رد
شهادته ثم شهد، لم تقبل، لأنها ردت للتهمة، فصار كالفاسق إذا ردت شهادته
ثم تاب وأعادها، ولو عفا قبل الشهادة ثم شهد، قبلت.

1. قد تقدم نقل الأقوال في المسألة نفيا وإثباتا في المسألة السادسة من الفصل الثاني برقم
6179.
2. في «أ»: توفير.
592

ولو ادعى عليهما فأنكرا وحلفا بقيت الشفعة، وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر، فإن صدق الحالف الناكل على عدم العفو، لم يفتقر إلى يمين، وكانت
الشفعة بينهما، ولو ادعى عفوه فنكل، قضي له بالشفعة، سواء ورثا الشفعة أو
كانا شريكين.
ولو شهد أجنبي بعفو أحدهما، حلف الآخر معه، وأخذ الجميع، وإن عفا
الآخر حلف المشتري.
ولو كانوا ثلاثة، فشهد اثنان بعد عفوهما بعفو الثالث قبلت، ولو شهد
البائع بعفو الشفيع قبلت بعد قبض الثمن لا قبله، لاحتمال قصد استرجاع المبيع
لو ثبت فلس المشتري.
ولو شهد لمدبره أو مكاتبه المشروط بعفو شفعته، أو بشراء شئ لمكاتبه
فيه شفعة لم تقبل، ولو كان مطلقا قبلت.
ولو باع اثنان لواحد، كان للشفيع أخذ نصيب أحدهما.
ولو قارض أحد الثلاثة الآخر فاشترى نصف حصة الثالث، لم يكن لهما
شفعة، لأن أحدهما رب المال، والآخر العامل، فهما كالشريكين.
ولو باع الثالث باقي حصته على أجنبي ثبتت لهما الشفعة.
ولو باع أحد الثلاثة حقه على أجنبي فطالب أحد الشريكين، فقال
المشتري: إنما اشتريته لشريكك لم يؤثر في استحقاق الطالب لثبوت الشفعة
بينهما، سواء اشترى الأجنبي لنفسه أو لأحدهما، فإن ترك المطالبة بناء على
ذلك، ثم ظهر الكذب لم تبطل شفعته.
593

ولو أخذ نصف المبيع للخبر ثم تبين الكذب، وعفا الشريك، كان له أخذ
الباقي، لأن اقتصاره على أخذ النصف مبني على الخبر.
ولو امتنع من أخذ الباقي، احتمل سقوط حقه من الذي أخذه، لأنه لا
يملك (1) تبعيض صفقة المشتري، وعدم السقوط، لإقرار المشتري بما
يتضمن استحقاقه للنصف، فلا يبطل برجوعه عن إقراره.
ولو أنكر الشريك كون الشراء له، وعفا عن شفعته، وأصر المشتري على
الإقرار للشريك، فللشفيع أخذ الجميع لعدم المنازع، والاقتصار على النصف،
لإقرار المشتري.
ولو قال أحد الشريكين للمشتري: شراؤك باطل، وقال الآخر: إنه
صحيح، فالشفعة كلها للمعترف، وكذا لو قال: لم تشتره بل اتهبته، وصدقه
الآخر على الشراء.
ولو عفا أحد الشفيعين قبل البيع، أو ضمن عهدة الثمن، أو توكل في البيع
أو الشراء، وقال: لا شفعة لي لذلك، توفرت على الآخر.
ولو اعتقد أن له شفعة فترافعا إلى حاكم فحكم بسقوط الشفعة، توفرت
على الآخر، لأنها سقطت بحكم الحاكم.
فلو باع أحد الثلاثة نصيبه على الثاني، ثم باعه الثاني على أجنبي، ثم علم
الثالث، فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه، لأنه لا شريك له في

1. في «أ»: «يملك» بدل «لا يملك» والصحيح ما في المتن.
594

شفعته، وإن أخذ بالأول (1) أخذ نصف المبيع، وهو السدس، لأن المشتري
شريكه، فيأخذ نصف السدس من المشتري الأول، ونصفه من الثاني، لأن
الأول اشترى الثلث فكان بينهما نصفين، فلما باع الثلث وفي يده ثلثان فقد باع
نصف ما في يده، والشفيع يستحق ربع ما في يده، وهو السدس، فصار منقسما
في يديهما نصفين، فيأخذ من كل منهما نصف السدس، ويدفع ثمنه إلى الأول،
ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن، فيصح من اثني عشر، وترجع
إلى أربعة، للشفيع النصف، ولكل منهما الربع.
ولو أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول، فله
ثلاثة أرباع الدار، ولشريكه الربع، ويدفع إلى الأول نصف الثمن الأول، ويدفع
إلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن، ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الأول، لأنه
يأخذ نصف مشتري الأول (2) وهو السدس، فيدفع إليه نصف الثمن، وقد صار
نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده، فيأخذه منه، ويرجع الثاني
على الأول بثمنه، وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه، فأخذها منه
ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن، وإن كان المشتري الثاني هو البائع الأول لم
يختلف الحكم.
ولو كانت الدار بين الثلاثة، لأحدهم النصف، وللآخرين النصف،
فاشترى صاحب النصف من أحدهما حقه (3)، ثم باع ربعا مما في يده لأجنبي،
ثم علم الشريك، فإن أخذ بالبيع الثاني، أخذ جميعه، ودفع إلى المشتري ثمنه،

1. أي بالعقد الأول.
2. أي نصف ما اشتراه الأول.
3. وهو الربع.
595

وإن أخذ بالأول [وحده] فله ثلث المبيع، وهو نصف سدس، لأن المبيع كله
ربع، فثلثه نصف سدس، يأخذ ثلثيه (1) من المشتري الأول وثلثه من الثاني.
ومخرج ذلك من ستة وثلاثين، النصف ثمانية عشر، ولكل واحد منهما
تسعة، فلما اشترى صاحب النصف تسعة، تثبت الشفعة بينه وبين شريكه أثلاثا،
لشريكه ثلثها ثلاثة، فلما باع صاحب النصف ثلث ما في يده حصل في المبيع
من الثلاثة ثلثها وهو سهم بقي في يد البائع منهما سهمان، ورد الثلاثة إلى
الشريك يصير في يده اثنا عشر، وهي الثلث، ويبقى في يد المشتري الثاني
ثمانية وهي تسعان، وفي يد صاحب النصف ستة عشر، وهي أربعة أتساع،
ويدفع الشريك الثمن إلى المشتري الأول، ويرجع المشتري الثاني عليه بتسع
الثمن الذي اشترى به، لأنه قد أخذ منه تسع مبيعه.
وإن أخذ بالعقدين أخذ من الثاني جميع ما في يده وأخذ من الأول نصف
التسع وهي سهمان من ستة وثلاثين، فيصير في يده عشرون سهما، وهي
خمسة أتساع، ويبقى في يد الأول ستة عشر سهما، وهي أربعة أتساع، ويدفع
إليه ثلث الثمن الأول، ويدفع إلى الثاني ثمانية أتساع الثمن الثاني، ويرجع الثاني
على الأول بتسع الثمن الثاني، وهذا البحث على قول من يجعل الشفعة على
قدر الأنصباء.
ولو باع أحد الأربعة نصيبه على اثنين منهم، استحق الرابع الشفعة
عليهما، واستحق كل من المشتريين الشفعة على صاحبه، فإن طلب كل واحد،
قسم المبيع بينهم أثلاثا، وصارت الدار بينهم كذلك. وإن عفا الرابع وحده،

1. في بعض الكتب: يأخذ ثلثه.
596

قسم المبيع بين المشتريين نصفين، وكذلك إن عفا الجميع عن شفعتهم، فيصير
لهما ثلاثة أرباع الدار، وللرابع الربع بحاله.
وإن طالب الرابع وحده أخذ منهما نصف المبيع، لأن كل واحد منهما له
من الملك مثل ما للمطالب، فشفعة مبيعه بينه وبين شفيعه نصفين، فيحصل
للرابع ثلاثة أثمان الدار، وباقيها بينهما نصفين (1)، وتصح من ستة عشر، (وإن
طالب الرابع وحده أحدهما دون الآخر، قاسمه الثمن نصفين، فيحصل للمعفو
عنه ثلاثة أثمان والباقي بين الرابع والآخر نصفين، وتصح من ستة عشر) (2).
وإن عفا أحد المشتريين ولم يعف الآخر ولا الرابع، قسم مبيع المعفو عنه
بينه وبين الرابع نصفين، ومبيع الآخر بينهم أثلاثا، فيحصل للذي لم يعف عنه
ربع وثلث ثمن وذلك سدس وثمن، والباقي بين الآخرين نصفان، وتصح من
ثمانية وأربعين.
وإن عفا الرابع عن أحدهما ولم يعف أحدهما عن صاحبه، أخذ ممن لم
يعف عنه ثلث الثمن والباقي بينهما نصفين، ويكون الرابع كالعافي في الفرض
المتقدم، وتصح من ثمانية وأربعين.
وإن عفا الرابع وأحدهما من الآخر ولم يعف الآخر، فلغير العافي ربع
وسدس، والباقي بين العافيين نصفين لكل واحد منهما سدس وثمن، فتصح
من أربعة وعشرين.

1. في «ب»: فيحصل للرابع ثلاثة أثمان والباقي بين الرابع والآخر نصفين.
2. ما بين القوسين من نسخة «أ».
597

ولو كان لزيد النصف، ولعمرو الثلث، ولبكر السدس، فاشترى بكر من
زيد ثلث الدار، ثم باع عمرو سدسها، ولم يعلم عمرو بشرائه للثلث، ثم علم،
فله المطالبة بحقه من شفعة الثلث وهو ثلثاه، وذلك تسعا الدار، فيأخذ من بكر
ثلثي ذلك، وقد حصل ثلثه الباقي في يده بشرائه للسدس، فينفسخ بيعه فيه،
ويأخذه بشفعة البيع الأول، ويبقى من مبيعه خمسة اتساعه، لزيد ثلث شفعته،
فيقسم بينهما أثلاثا، وتصح المسألة من مائة واثنين وستين، ثلث المبيع (1)
أربعة وخمسون، لعمرو ثلثاها بشفعته ستة وثلاثون، يأخذ ثلثيها من بكر وهي
أربعة وعشرون، وثلثها في يده اثنا عشر بينهما، والسدس الذي اشتراه سبعة
وعشرون، قد أخذ منها اثني عشر بالشفعة بقي منها (2) خمسة عشر، له ثلثاها
عشرة، ويأخذ منها زيد خمسة، فحصل لزيد اثنان وثلاثون ولبكر ثلاثون
[سهما] ولعمرو مائة، وذلك نصف الدار وتسعها ونصف تسع تسعها، ويدفع
عمرو إلى بكر ثلثي الثمن في البيع الأول (3) وعليه وعلى زيد خمسة أتساع
الثمن الثاني (4) بينهما أثلاثا.
وإن عفا عمرو عن شفعة الثلث، فشفعة السدس الذي اشتراه بينه وبين
زيد أثلاثا، ويحصل لعمرو أربعة أتساع الدار، ولزيد تسعاها ولبكر ثلثها،
وتصح من تسعة.
وإن باع بكر السدس لأجنبي، فهو كبيعه إياه لعمرو إلا أن لعمرو العفو عن

1. في «ب»: الثلث المبيع.
2. في «أ»: «منهما» والصحيح ما في المتن.
3. في «ب»: في المبيع الأول.
4. كذا في النسختين ولعل الصواب «الثمن الباقي».
598

شفعته في السدس بخلاف ما إذا كان هو المشتري، فإنه لا يصح عفوه عن
نصيبه منها.
وإن باع بكر الثلث لأجنبي فلعمرو ثلثا شفعة المبيع الأول وهو التسعان،
يأخذ ثلثهما من بكر وثلثيهما (1) من المشتري الثاني، وذلك تسع وثلث تسع،
ويبقى في يد الثاني سدس وسدس تسع [وهو عشرة] من أربعة وخمسين بين
زيد وعمرو أثلاثا وتصح من مائة واثنين وستين، ويدفع عمرو إلى بكر ثلثي
ثمن مبيعه، ويدفع هو وزيد إلى المشتري الثاني ثمن خمسة أتساع مبيعه بينهما
أثلاثا، ويرجع المشتري الثاني على بكر بثمن أربعة أتساع مبيعه.
وإن لم يعلم عمرو حتى باع مما في يديه سدسا لم تبطل شفعته في
أحد الوجهين.
وهذه الفروع نقلناها من المخالفين (2)، ولا تتأتى (3) على ما اخترناه
نحن من بطلان الشفعة مع الكثرة.
6200. التاسع عشر: لو باع المكاتب المشروط شقصا على مولاه بنجومه، ثم
عجز، فالأقرب ثبوت الشفعة، مع احتمال بطلانها، لخروجه عن كونه مبيعا.
والأخذ بالشفعة ليس بيعا، فلا يثبت فيه خيار المجلس.

1. هكذا في النسختين، ولعل الصحيح «وثلثهما».
2. لاحظ المغنى لابن قدامة: 5 / 543 - 549.
3. في «أ»: «ولا ينافي» و ما في المتن هو الصحيح أي لا موضوع لهذه الفروع على الأصل الذي
اخترناه و هو بطلان الشفعة مع الكثرة.
599

كتاب
الصيد والذبائح
601

وفيه فصول
[الفصل] الأول: في الآلة
وفيه ستة مباحث:
6201. الأول: الاصطياد، إماتة الصيد بآلة، وهو كل جرح مقصود حصل به
الموت، وأقسام الآلة ثلاثة: جوارح الحيوان، وجوارح الأسلحة والمثقلات،
وإنما يؤكل ما مات بالصيد مقتول الكلب المعلم من جوارح السباع والنصل،
وإن أصاب معترضا أو بالمعراض إذا خرق اللحم، وكذا السهم الخالي من النصل
إذا كان حادا، وخرق اللحم.
ولا يحل أكل ما مات بغير ذلك كالفهد، والنمر، وغيرهما من جوارح
السباع والطير، فلو اصطاد بالفهد، أو النمر، أو غيرهما من السباع، أو البازي،
والعقاب، والباشق، وغير ذلك من جوارح الطير، لم يحل إلا ما يدرك ذكاته
ويذكيه، سواء كان شئ من ذلك معلما أو غير معلم.
6202. الثاني: كلما يقتله السيف والسهم والرمح وكل ما فيه نصل حلال مع
الشروط الآتية، ولا يفتقر إلى التذكية، سواء قتل بحده أو معترضا، أما المعراض
603

الخالي من الحديد، فإنه يؤكل ما يخرق اللحم منه، وكذا السهم الحاد الخالي من
الحديد، ولو قتل شئ من ذلك معترضا لم يحل.
6203. الثالث: كلما مات بالمثقلات حرام، كما لو رمى الطير ببندقية، أو
حجارة، أو خشبة غير محددة، ولا خرقت.
ويجوز الاصطياد بجميع آلات الصيد من الشرك (1) والحبالة والشباك
وغير ذلك، لكن لا يحل منه إلا ما يدرك ذكاته ولو كان فيه سلاح، وكذا الكلب
غير المعلم.
وهل يحرم أن يرمى الصيد بما هو أكثر منه؟ قال الشيخ (رحمه الله): نعم (2)
وقيل: مكروه (3).
6204. الرابع: يشترط في إباحة ما يقتله الكلب أن يكون الكلب معلما، بأن
يسترسل إذا أرسله، وينزجر إذا زجره، ويمتنع من أكل ما يمسكه إلا نادرا،
وجرحه للصيد، وإسلام المرسل. وإرساله للاصطياد، والتسمية عند الإرسال،
وعدم غيبوبة الصيد ذي الحياة المستقرة. (4)
6205. الخامس: التعليم يتحقق بالاسترسال عند الإرسال والانزجار عند الزجر
وعدم الأكل عند الإمساك، فيتكرر منه ذلك مرة بعد أخرى، والأقوى عندي
الحوالة في ذلك على العرف بأن يتكرر الصيد متصفا بهذه الشرائط،

1. في مجمع البحرين: الشرك - بالتحريك - حبالة الصائد.
2. النهاية: 580.
3. وهو خيرة المحقق في الشرائع: 3 / 201.
4. في «أ»: ذوي الحياة المستقرة.
604

ليتحقق حصولها فيه من غير تقدير المرات، والانزجار بالزجر إنما يعتبر قبل
إرساله على الصيد أو رؤيته، أما بعد ذلك فإنه لا ينزجر بحال.
وإذا كان الكلب معتادا لأكل ما يصيده لم يحل مقتوله وإن أمسك عليه، أما
لو كان ممتنعا من الأكل غالبا، فأكل نادرا لم يقدح في إباحة ما يقتله، وكذا لو
شرب دم الصيد واقتصر، وكذا لا يحرم ما تقدم (1) من صيوده، ولا يخرج عن
أن يكون معلما بالندرة، فلو صاد بعد الصيد الذي أكل منه لم يحرم ولم يخرج
عن أن يكون معلما.
ولو أكل الكلب المعلم واعتاده، حرمت الفريسة التي بها ظهر عادته،
والأقرب أنه لا يحرم ما أكل منه قبلها.
6206. السادس: يشترط في المرسل أن يكون من أهل التذكية، بأن يكون
مسلما أو في حكمه، كالصبي، رجلا كان أو امرأة، ولو أرسله المجوسي، أو
الوثني أو الذمي، لم يحل، وكذا المرتد والمجنون، وفي الأعمى إشكال، إذ لا
يتمكن من قصد عين الصيد، وأن يسمي المرسل عند إرساله، فلو ترك التسمية
عمدا لم يحل ما يقتله، ولو تركها نسيانا حل، وأن يرسل الكلب للاصطياد، فلو
استرسل من نفسه فقتل، لم يحل، سواء سمى عند إرساله أو لم يسم.
ولو زجره عقيب الاسترسال فوقف، ثم أغراه حلت فريسته، لانقطاع
الاسترسال بالوقوف عند الانزجار، والإغراء إرسال مبتكر.

1. أي ما صاده من ذي قبل ما ذكره إشارة إلى فتوى أبي حنيفة حيث حكم بتحريم ما صاده قبل
ذلك معللا بأنه لو كان معلما ما أكل. (لاحظ المغني: 11 / 8).
605

ولو استرسل فأغراه فازداد عدوا، فالوجه أنه لا يحل، وكذا لو أرسله بغير
تسمية ثم أغراه ثم سمى، وزاد في عدوه.
ولو أرسله لا للاصطياد فاصطاد، لم يحل.
الفصل الثاني: في أحكام الصيد
وفيه خمسة عشر بحثا:
6207. الأول: لو أرسله واحد وسمى آخر لم يحل الصيد إذا قتله، وكذا لو
سمى وأرسل كلبه، وأرسل آخر كلبه ولم يسم، واشتركا في قتل الصيد، فان
كان الآخر ترك التسمية عمدا لم يحل، وإن كان سهوا حل، لأنه يحل مع انفراده
فمع المسمي أولى.
ولو أرسل كلبه وأرسل مجوسي كلبه فقتلا صيدا لم يحل، وكذا لو
اختلف الآلة، بأن يرسل أحدهما كلبا والآخر سهما، أو يرمياه بسهميهما فمات،
سواء وقعت سهماهما دفعة أو على التعاقب، إلا أن يكون المسلم أولا قد ذبحه
أو جعله في حكم المذبوح، ولو انعكس الحال حرم، وكذا لو اشتبه.
ولو أرسل المسلم والكافر كلبا واحدا فقتل صيدا، لم يبح، وكذا لو أرسله
مسلمان سمى أحدهما دون الآخر، أو أرسل المسلم كلبين أحدهما معلم
والآخر غير معلم، أو أرسل المعلم واسترسل معلم آخر.
606

ولو أرسل مسلم كلبه وكافر كلبه، فرد كلب الكافر الصيد إلى كلب
المسلم فقتله، حل، ولو أرسل المسلم كلبه فأثبت الصيد، ثم أرسل الكافر كلبه
فقتله، حرم وضمن الكافر قيمة الصيد.
ولو أرسل جماعة كلابا وسموا، فوجدوا الصيد قتيلا، لا يدرون من قتله،
حل أكله، فإن اختلفوا [في قاتله] وكانت الكلاب متعلقة به، فهو للجميع، وإن
كان البعض متعلقا به، فهو لصاحبه، وفي الصورتين لا بد من اليمين، ولو كانت
الكلاب ناحية، فالوجه القرعة.
6208. الثاني: التسمية المعتبرة في الصيد والذبح، ذكر الله تعالى، فلا يجب
الزائد، فلو قال: الله، وسكت كفاه، ولا يجب بسم الله والله أكبر وشبهه، ويحتمل
وجوب ما يفهم منه التعظيم مثل بسم الله، أو الله أكبر، أو سبحان الله، أو لا إله إلا
الله (والله أكبر) (1) أو الحمد لله، لأنه المفهوم من الذكر، ولو قال: اللهم اغفر لي،
كفاه وإن كان فيه طلب حاجة.
ولا تشترط العربية، بل لو سمى بغيرها أجزأه وإن قدر عليها.
وتشترط التسمية عند إرسال الكلب أو السهم، ولو تركها وسمى عند
عض الكلب، فالوجه الجواز.
6209. الثالث: لو غاب الصيد وحياته مستقرة، ثم وجد مقتولا أو ميتا بعد
الغيبة، لم يحل، لجواز استناد القتل إلى غير الكلب، سواء وجد الكلب واقفا
عليه، أو بعيدا عنه، وكذا لو غاب الصيد ثم وجده مقتولا وفيه سهمه، سواء كان

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
607

نهارا أو ليلا، وسواء تشاغل عنه وترك طلبه، أو لم يترك طلبه، وسواء وجد فيه
أثرا غير سهمه (1) أولا.
ولو رمى الصيد فتردى من جبل، أو وقع في الماء فمات، لم يحل،
لاحتمال استناد الموت إلى غير الآلة، نعم لو صير حياته غير مستقرة حل، لأنه
يجري مجرى المذبوح، وكذا لو كان الوقوع في الماء غير قاتل، بأن يكون
الحيوان من طير الماء، أو كان التردي غير قاتل.
ولو رمى سهما فأرسله الريح إلى الصيد فقتله حل، وإن كان لولا الريح لم
يصل، وكذا لو أصاب السهم الأرض ثم وثب فقتل.
ولو أصاب الطير في الهواء، أو على شجرة، أو جبل فوقع في الأرض
فمات، فالوجه أنه إن كان لولا السقوط (2) لم يمت لم يحل، وإن كان بحيث
يموت وإن لم يسقط على الأرض حل.
6210. الرابع: الاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا المعلم، فلو علمه الكافر
وأرسله المسلم حل مقتوله، ولو علمه المسلم وأرسله الكافر لم يحل، لأن
الكلب آلة كالسكين.
والتسمية شرط عند إرسال الكلب، ورمي السهم، وطعن الرمح، وقطع
المذبوح ونحره، ولو تقدمت بزمن يسير جاز، ولو سمى على سهم ثم ألقاه
ورمى بغيره حل.
ولا بد من قصد الصيد، فلو رمى هدفا وسمى، فأصاب صيدا لم يحل،

1. في «أ»: غير سهم.
2. في «ب»: لولا السقطة.
608

وكذا لو قصد رمي إنسان، أو صيد غير محلل، أو عبثا، ولو قصد صيدا فأصابه
وغيره حلا معا، وكذا لو أرسل كلبه على صيد فأخذ آخر في طريقه حل، وكذا لو
عدل عن طريقه إليه أو أرسله على صيود كبار فتفرقت عن صغار ممتنعة فقتلها
حلت، ولا فرق في ذلك بين السهم والكلب.
ولو لم ير صيدا ولا علمه، فرمى سهمه، أو أرسل كلبه فصاد، لم يحل وإن
قصد الصيد، لأن القصد إنما يتحقق مع العلم.
ولو رأى سوادا، أو سمع صوتا فظنه آدميا، أو بهيمة، أو حجرا، فرماه فبان
صيدا لم يحل، سواء أرسل سهما أو كلبا، وكذا لو ظنه كلبا أو خنزيرا، ولو ظن أنه
صيد حل، ولو شك أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد لم يحل.
ولو رمى حجرا بظنه (1) صيدا فقتل صيدا، احتمل الحل، لأن صحة
القصد يبتني على الظن، وعدمه لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة.
6211. الخامس: يشترط في الكلب أن يجرح الصيد فيقتله، فلو خنقه، أو مات
بصدمه، أو إتعابه، أو مات تحت الكلب غما لم يحل، بل إنما يحل لو مات بعقر
الكلب.
وإذا عض الكلب صيدا، كان موضع العضة نجسا يجب غسله، وقول
الشيخ في الخلاف (2)، ضعيف.

1. في «أ»: ولو رمى حجرا فرماه بظنه.
2. الخلاف: 6 / 12، المسألة 8 من كتاب الصيد والذبائح.
609

ويحل أكل صيد الكلب البهيم. (1)
6212. السادس: الصيد الذي يباح بعقر الكلب، أو السهم، في غير موضع
التذكية، هو كل ممتنع، سواء كان وحشيا أو إنسيا، وكذا ما يصول من البهائم، أو
يسقط في بئر وشبهها، ولا يمكن تذكيته، فإنه يكفي عقره، سواء كان العقر في
موضع التذكية أو غيرها، ويحل بذلك.
ولو كان رأس المتردي في الماء، فالوجه التحريم لما فيه من إعانة الماء
على القتل، فاجتمع المبيح والمحرم.
ولو رمى فرخا لم ينهض بسهم، لم يحل، وكذا لو رمى طائرا وفرخا لم
ينهض، فقتلهما، حل الطائر دون الفرخ.
ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه لم يحرم.
ولو أخذ الصيد جماعة فتناهبوه ووزعوه قطعة قطعة، حل أكله (2) إن
كانوا جميعا قد صيروه في حكم المذبوح أو أولهم، فإن كان الأول لم يصيره في
حكم المذبوح، بل أثبته، وصار غير ممتنع، وفيه حياة مستقرة، وجب أن يذكوه
في موضع التذكية، فإن يوزعوه قبل ذلك حرم.
ولو أقطعت الآلة منه شيئا، كان المقطوع ميتة، ويذكى الباقي إن كانت
حياته مستقرة.

1. البهيم: الذي لا يخالط لونه شئ سوى لونه، ومنه الأسود البهيم. مجمع البحرين. والمقصود
في المقام هو الكلب الأسود الذي قال أحمد بحرمة صيده. لاحظ المغني لابن قدامة:
11 / 11 - 12.
2. في «ب»: جاز أكله.
610

ولو قطعته بنصفين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما حل خاصة (1)،
والأقرب عندي أنهما يؤكلان إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة، وإن كان
فيه حياة مستقرة - وهو الذي يمكن أن يعيش مثله اليوم واليومين ونصف اليوم -
وجب تذكية ما فيه الحياة، وحرم الباقي، في رواية يؤكل ما فيه الرأس (2) وفي
أخرى يؤكل الأكبر (3) وكلاهما شاذ.
ولو نصب منجلا (4) للصيد فعقرت صيدا لم يحل، كما لو نصب سكينا
فذبحت شاة، فكذا يحرم ما قتله الشباك والحبالة.
6213. السابع: يحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة، ولا يحرم الصيد، بل يملكه
الصائد دون مالك الآلة، وعليه الأجرة لصاحبها، سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا.
أما السهم المسموم فيحرم مقتوله، لإعانة السم على قتله، ولو علم أن
السم لم يعن على قتله، لكون السهم أوحى (5) منه، حل.
ولو أرسل كلبه على صيد فوجده ميتا، ووجد مع كلبه كلبا لا يعرف حاله،
هل سمي عليها أم لا، ولم يعلم القاتل منهما، حرم، وكذا لو غاب الصيد عن
العين، ثم وجد مقتولا، إلا أن يكون الكلب قد عقره وصير حياته غير مستقرة إما
بأن أخرج حشوته، أو فلق قلبه، أو قطع الحلقوم والمري والودجين، ثم غاب
بعد ذلك، وكذا السهم.

1. وهو قول الشيخ في النهاية: 581.
2. الوسائل: 16 / 243، الباب 35 من كتاب الصيد والذبائح، الحديث 2.
3. الوسائل: 16 / 244، الباب 35 من كتاب الصيد والذبائح، الحديث 4.
4. المنجل: بكسر الميم: ما يحصد به الزرع. مجمع البحرين.
5. أي أسرع ذكاة، وحية أي سريعة. مجمع البحرين.
611

6214. الثامن: إذا أرسل الكلب أو الآلة فجرحه، وأدركه المرسل حيا، فإن لم
تكن حياته مستقرة، فهو بحكم المذبوح، وفي الرواية أدنى ما يدرك ذكاته أن
يجده تطرف عينه أو يركض رجله أو يحرك ذنبه أو يده (1).
وإن كانت مستقرة، والزمان يتسع لذبحه، لم يحل أكله حتى يذبح، وإن لم
يتسع لذبحه، فالوجه عندي أنه لا يحل، وقيل: يحل (2)، وكذا لا يحل لو وجده
ممتنعا، فجعل يعدو خلفه فوقف له، وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه.
وقال الشيخ (رحمه الله): إذا أخذ الكلب المعلم صيدا فأدركه صاحبه حيا، وجب
أن يذكيه، فإن لم يكن معه ما يذكيه به، فليتركه حتى يقتله ثم ليأكل إن شاء (3)
وقال ابن إدريس: يجب التذكية، ولا يحل قتيل الكلب، لأنه بعد القدرة عليه غير
ممتنع (4)، وهو حسن، وكذا البحث لو ذبحه كافر ثم ذبحه مسلم، فإن كان الأول
صير حياته غير مستقرة حرم، وإلا حل، وبالعكس لو انعكس الفرض.
وعلى قول الشيخ لو كان به حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي به منزله، لم يبح
إلا بالذكاة، لأنه مقدور على تذكيته.
6215. التاسع: إذا رماه فأثبته وصار غير ممتنع، ملكه وإن لم يقبضه، فإن أخذه
غيره وجب عليه رده إلى الأول، ولو رماه فجرحه ولم يثبته، ورماه آخر فأثبته، ثم
رماه الثالث فقتله، فليس على الأول شئ ولا له، ومالكه الثاني، فإن

1. الوسائل: 16 / 220، الباب 9 من كتاب الصيد والذبائح، الحديث 4.
2. وهو خيرة المحقق في الشرائع: 3 / 203.
3. النهاية: 580 - 581.
4. السرائر: 3 / 93.
612

كان بإثباته صيره في حكم المذبوح حل، ولا شئ على الثالث إذا لم يفسد من
أجزائه شئ بسببه.
وإن لم يصيره الأول في حكم المذبوح، فإن كان الثالث قد أصاب
(بذبحه) (1) فذبحه، حل وعليه أرش ذبحه، وإن أصاب غير المذبح (2) لم يحل،
وضمنه مجروحا بجرحين.
ولو رماه الأول فأثبته، ثم رماه الثاني، فإن كان الأول موحيا بأن يذبحه أو
يقع في قلبه، فالثاني لا ضمان عليه، إلا أن ينقصه برميه شيئا، فيضمن
نقصه، ويحل.
وإن كان الأول غير موح، فالثاني إن وحاه حرم، إلا أن يكون قد ذبحه، وإن
لم يوحه، فإن ذكى بعد ذلك حل، وإن لم يدرك ذكاته، فإن كان الأول لم يقدر
عليها، فعلى الثاني كمال قيمته معيبا بالعيب الأول، لأن جرحه هو الذي حرمه،
فكان الضمان عليه، وإن قدر على ذكاته، وأهمل حتى مات بالجرحين، فعلى
الثاني نصف قيمته معيبا للأول.
ولو كانت الجناية على حيوان مملوك لغيرهما فكذلك، وفي تقسيط
الضمان ستة أوجه:
أحدهما: أن على كل واحد أرش جنايته ونصف قيمة الصيد بعد
الجنايتين، فإذا كانت قيمته عشرة، ونقص بجناية الأول درهما وكذا بجناية

1. ما بين القوسين يوجد في «أ».
2. في «أ»: وإن أصاب غير المذبوح.
613

الثاني، فعلى كل واحد خمسة، ولو نقص بالأول درهمين وبالثاني درهما فعلى
الأول خمسة ونصف وعلى الثاني أربعة ونصف، وبالعكس لو انعكس الفرض.
ويشكل بأن الثاني جنى عليه وقيمته دون قيمة ما جنى عليه الأول، وأنه
لم يدخل أرش الجناية في بدل النفس.
وجوابه أن كل واحد منهما قد انفرد بإتلاف ما قيمته درهم، وتساويا في
إتلاف الباقي بالسراية، فتساويا في الضمان، والدخول (1) إنما يكون في بدل
نفس لا ينقص بدلها بإتلاف بعضها، كالآدمي أما البهائم فلا، فإنه لو جني عليها ما
أرشه درهم، نقص ذلك من قيمتها، فإذا سرى إلى النفس أوجبنا ما بقي من قيمة
النفس، ولا يدخل الأرش [فيها].
الثاني: أن يدخل نصف جناية كل منهما فيما ضمنه من نفسه، لأن الجناية
إذا صارت نفسا سقط حكمها، فكل منهما قد أتلف بجنايته نصف نفس، فدخل
نصف جنايته فيها، فعلى الأول نصف درهم ونصف قيمته يوم جنايته، فعليه
خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة دراهم، ثم يرجع الأول على الثاني بنصف
أرش جنايته، لأنه جنى على النصف الذي ضمنه الأول وقومناه عليه بقيمته قبل
جناية الثاني، وهو نصف درهم، فيحصل على الأول خمسة، وعلى
الثاني خمسة.
الثالث: على الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ولا رجوع، بل
يقسم عشرة ونصف على عشرة، فما يخص خمسة ونصف على الأول، وما
يخص خمسة على الثاني، فتضرب خمسة ونصف في عشرة يكون خمسة

1. أي دخول أرش الجناية.
614

وخمسين يقسمها على عشرة ونصف يخصها خمسة وسبع وثلثا سبع، لأن
خمسة في عشرة ونصف اثنان وخمسون ونصف، ويبقى اثنان ونصف، وهي
سبع وثلثا سبع من عشرة ونصف، لأن سبعها واحد ونصف ثم يضرب ما على
الثاني وهو خمسة في عشرة يكون خمسين يقسمها على عشرة ونصف، يكون
أربعة وخمسة أسباع وثلث سبع.
الرابع: لا يدخل أرش جناية الأول في بدل النفس، ويدخل الثاني، لأن
الأول انفرد بالجناية، والثاني وجدت جنايته مع جناية الأول، فعلى الأول أرش
جنايته درهم ونصف قيمته بعدها، وهو أربعة ونصف، وعلى الثاني نصف قيمته
أربعة ونصف خاصة.
الخامس: يدخل أرش جناية كل منهما في بدل النفس، فعلى الأول نصف
قيمته يوم جنى عليه وهو خمسة، وعلى الثاني نصف قيمته يوم جنى عليه، وهو
أربعة ونصف، لأن الجناية صارت نفسا وسقط اعتبارها.
السادس: يدخل جناية كل منهما في بدل النفس ويضم قيمته صحيحا
ومعيبا بالأول، وتبسط القيمة عليها، فالأول جنى عليه وقيمته عشرة، فيفرض
كأنه انفرد بقتله، والثاني جنى عليه وقيمته تسعة، فيفرض انفراده بقتله،
ويضم (1) المجموع يكون تسعة عشرة، فتقسم على قيمة الصيد وهي عشرة،
فعلى الأول عشرة أجزاء من تسعة عشر من عشرة، وعلى الثاني تسعة من تسعة
عشر من عشرة.
وهذه الوجوه لا تخلو من ضعف، فإن الأول سوي فيه بين الجنايتين، مع
أن الثاني جنى وقيمته أقل، ولم يدخل أرش الجناية في بدل النفس، والثاني

1. في «ب»: «ويضمه» ولعل الأصح «وبضم».
615

لهذين أيضا، والثالث للثاني، فإنه أوجب نصف أرش جنايته، والرابع فاسد
لإسقاط حكم جناية الثاني، لأنها صارت نفسا، وأوجب أرش جناية الأول، وقد
صار نفسا، والخامس فاسد، لأنه لم يوجب لصاحب الصيد كمال قيمته.
وأقربها السادس، ويرد عليه أنه أوجب على كلمنهما أكثر من قيمة نصف
الصيد، وإنما أتلف نصفه.
ولو جنى (1) ثلاثة، نقص بجناية كل واحد درهمان، ومات فعلى الوجه
الأول يجب على كل واحد أرش جنايته وثلث قيمته بعد الجنايات، وقيمته
أربعة، فعلى كل واحد ثلاثة وثلث، وكذا على الوجه الثاني إلا أنه يدخل فيه ثلث
جناية كل واحد منهم في النفس، فعلى الأول درهم وثلث أرش جنايته وثلاثة
دراهم وثلث قيمة الثلث، وعلى الثاني درهم وثلث أرش جنايته ودرهمان وثلثا
قيمة ثلثه، وعلى الثالث درهم وثلث أرش جنايته ودرهمان قيمة ثلثه، فعلى
الأول أربعة وثلثان، وعلى الثاني أربعة، وعلى الثالث ثلاثة وثلث، ويرجع الأول
على الثاني بثلثي درهم وعلى الثالث بثلثي درهم، فيبقى عليه ثلاثة وثلث،
ويرجع الثاني على الثالث بثلثي درهم، ويبقى عليه ثلاثة وثلث، منها ثلثان مما
كان على الأول، وعلى الثالث ثلاثة وثلث، منها ثلثان مما كان على الأول، وثلثان
مما كان على الثاني.
وعلى الوجه الثالث على الأول أربعة وثلثان، وعلى الثاني أربعة، وعلى
الثالث ثلاثة وثلث، يكون اثني عشر، يقسط على عشرة، فيسقط من نصيب كل
واحد السدس.

1. في «ب»: فلو جنى.
616

وعلى الوجه الرابع على الأول أرش جنايته درهمان، ويكون الباقي بين
الثلاثة، فعلى الأول أربعة دراهم وثلثان، وعلى كل منهما درهمان وثلثان.
وعلى الوجه الخامس يدخل أرش الجنايات في النفس، فعلى الأول ثلاثة
وثلث، وعلى الثاني درهمان وثلثان، وعلى الثالث درهمان، فذلك ثمانية،
ويسقط درهمان.
وعلى السادس على الأول عشرة، وعلى الثاني ثمانية، وعلى الثالث ستة،
يكون أربعة وعشرين، يقسم على عشرة، فمن عليه عشرة، فهي من أربعة
وعشرين ربع وسدس، فعليه ربع قيمة الصيد وسدسها أربعة وسدس، ومن
عليه ثمانية، فهو ثلثها، فعليه ثلث قيمة الصيد ثلاثة وثلث وعلى الثالث ستة هي
ربعها، فعليه ربع القيمة درهمان ونصف.
ولو كان الصيد مباحا فرماه الأول فأثبته، ثم رماه الثاني، وأدرك الأول ذكاته
ولم يذكه، فلا ضمان على الأول، وعلى الثاني للأول ما أوجبناه لو كانا
ضامنين (1) وقد تقدم، وكذا لو كانت الجنايتان على حيوان مملوك لأحدهما،
سقط ما قابل جناية المالك، وكان له مطالبة الآخر بنصيب جنايته.
6216. العاشر: ما يثبت من الصيود في آلات الصيد كالحبالة والشبكة والشرك،
يملكه ناصبها، وكذا كل ما يعتاد الاصطياد به، فإن أخذه آخذ رده عليه، وإن لم
تمسكه الشبكة بل انفلت منها، لم يملكه، لأنه لم يثبته، وكذا إن أخذ الشبكة
وانفلت بها، فإن صاده غيره ملكه، ورد الشبكة على الأول.

1. في «أ»: ولو كانا ضامنين.
617

ولو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع، فهو لصاحبها، لأنها
أزالت امتناعه، ولو انفلت بعد إثباته لم يخرج عن ملكه، وكذا لو أمسكه الصائد
بيده، ثم انفلت منه، لأنه امتنع منه بعد ثبوت يده عليه، فلم يزل ملكه عنه.
ولو أطلقه من يده لم يخرج ملكه عنه، ولو نوى إطلاقه وقطع نيته عن
تملكه، فالأقرب أنه لا يملكه غيره، ولا يخرج عن ملكه، وقيل: يخرج (1)، كما
لو وقع منه شئ حقير وأهمله، فإنه يكون كالمبيح له.
ولو رماه فأصابه ولم يخرجه عن الامتناع، فدخل دار قوم، فأخذه
صاحبها، ملكه بأخذه لا بدخوله الدار، وكذا لو رماه فتحامل طائرا أو عاديا،
بحيث لا يقدر عليه إلا بسرعة العدو، لم يملكه، وكان لمن أمسكه.
ولو رماه الأول ولم يثبته، فرماه الثاني فأثبته، فهو للثاني، فإن رماه بعد
ذلك الأول فقتله، فإن أصاب محل الذكاة حل، وعليه ما نقص بذلك، وإن أصاب
غير محل الذكاة حرم، وعليه كمال قيمته مجروحا بجرحين، لأن الجرح الأول
كان مباحا، والثاني من المالك.
ولو رمياه معا فقتلاه حل وملكاه، سواء تساوى الجرحان أولا، ولو سبق
جرح أحدهما فأثبته فهو له، ولو كان مما يمتنع بأمرين كرجله وجناحه، فكسر
الأول رجله، وكسر الثاني جناحه، احتمل التسوية بينهما فيه، لأن إثباته بهما،
واختصاص الثاني به، لأنه المثبت، وهو الأجود عندي.
6217. الحادي عشر: لو رمى الصيد اثنان فعقراه على التعاقب، ووجد ميتا،

1. نسبه في المسالك إلى الشيخ في المبسوط ولكن لم نعثر عليه، لاحظ المسالك: 11 / 524.
618

ولم يعلم السابق، فإن صادفا مذبحه فذبحاه، فهو حلال، وكذا لو أدرك ذكاته
وذكى، ولو لم يدرك ذكاته لم يحل، لاحتمال أن يكون الأول أثبته ولم يصيره
في حكم المذبوح ثم قتله الثاني.
فلو قال كل منهما: أنا أثبته أولا وأنت قتلته، فعليك ضمانه، حلف كل
منهما للآخر، ولم يثبت لأحدهما على الآخر شئ، وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر، حلف مع نكوله على ما ادعاه واستحقه.
ولو قال الأول: أنا رميته أولا فأثبته وأنت قتلته، فقال الآخر: إنك أصبته
ولم تثبته، وبقي على امتناعه، وأنا أثبته، فإن كان يعلم أنه لا يبقى معها امتناع،
كأنها كسرت جناح ما يمتنع بالطيران، فالقول قول الأول، وإن كان مما يجوز أن
يمتنع معها، فالقول قول الثاني مع يمينه، لأن الأصل الامتناع، فلا يزول
بجرح الأول.
ولو أصابا صيدا دفعة، فإن أثبتاه معا فهو لهما، ولو كان المثبت أحدهما
خاصة فهو له، ولا ضمان على الجارح، لأن جنايته صادفت مباحا لا مملوكا.
ولو جهل المثبت منهما، فالصيد بينهما، ويحتمل القرعة.
6218. الثاني عشر: لو توحل الصيد في أرض إنسان لم يملكه بذلك، ولو
اتخذ موحلة للصيد، فتوحل بحيث لا يمكنه التخلص لم يملكه أيضا، لأنها
ليست آلة معتادة للصيد، على إشكال، وكذا لا يملك الصيد بتعشيشه في داره.
ولو وثبت سمكة إلى سفينة لم يملكها صاحب السفينة ما لم يقبضها، ولو
وثبت سمكة فسقطت في حجر إنسان فهي له دون صاحب السفينة، ولو قصد
صاحب السفينة الصيد بها، بأن جعل في السفينة ضوءا بالليل ودق بشئ
619

كالجرس، ليثبت السمك فيها، فوثبت في السفينة، فالوجه أنه يملكها، ولو
وقعت في حجر إنسان فكذلك دون من وقعت في حجره على إشكال.
ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له، ففي تملكه بذلك نظر، وكذا لو ألجأه إلى
مضيق لا يمكنه الخروج منه، والوجه عندي أنه لا يملكه ما لم يقبضه باليد
أو بالآلة.
6219. الثالث عشر: لو صاد طيرا وعليه أثر ملك بأن كان مقصوصا لم يملكه
الصائد، وكذا لو صاد غيره وعليه أثر ملك بأن وجد في عنق الصيد قلادة أو في
أذنه قرطا، سواء كان ممتنعا أولا.
ولو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني.
6220. الرابع عشر: يكره صيد الوحش والطير ليلا، وصيد السمك يوم الجمعة
قبل الصلاة، وأخذ الفراخ من أعشاشهن، وليس ذلك بمحظور.
6221. الخامس عشر: صيد السمك إخراجه من الماء حيا، سواء كان المخرج
له مسلما أو كافرا، ومن أي أجناس الكفار كان، لكن يشترط في الكافر مشاهدة
إخراجه حيا سواء مات في يده بعد إخراجه قبل أخذ المسلم له منه، أو لم يمت
إلا بعد أخذ المسلم.
وللشيخ (رحمه الله) قول في الاستبصار يقتضي اشتراط أخذه منه حيا (1). وليس
بجيد، ولا يشترط في المسلم ذلك، بل لو وجد في يده ميتا حل أكله، سواء كان
عدلا أو فاسقا.

1. الاستبصار: 4 / 64 في ذيل الحديث 228.
620

ولو وثب فأخذه قبل موته حل، وكذا لو حرز (1) الماء عنه فأخذه حيا من
الجدة (2) أو نبذه البحر إلى الساحل فأخذه حيا.
ولا يكفي مشاهدته له دون أخذه بيده أو بآلته، وقيل، يكفي إدراكه
بنظره (3). وليس بجيد.
ولا يشترط فيه التسمية، ولو وجد ميتا في يد كافر لم يحل، وإن أخبر
بإخراجه حيا، ما لم يعلم أنه مات بعد إخراجه حيا.
ولو أخذ السمك حيا ثم أعيد في الماء فمات فيه، لم يحل وإن كان
ناشبا (4) في الآلة، لأنه مات فيما فيه حياته.
قال الشيخ (رحمه الله): لو نصب شبكة في الماء، فاجتمع فيها سمك كثير، ومات
بعضه في الماء واشتبه، حل أكل الجميع، وكذا ما يصاد في الحظائر ويجتمع
فيها جاز أكل الجميع مع فقد الطريق إلى تمييز الميت من الحي. (5) والحق
عندي تحريم الجميع.
وإذا صيد السمك وجعل في شئ وأعيد في الماء، فمات فيه، حرم، وإن
أعيد إلى غير الماء حتى مات حل.
وهل يحل أكل السمك حيا؟ قيل: لا (6)، والأقرب الجواز، لأنه مذكى.

1. كذا في النسختين، ولعل الصواب «لو حسر».
2. الجدة والجد والجد: شاطئ النهر: المنجد: 80.
3. ذهب إليه المحقق في نكت النهاية لاحظ النهاية ونكتها: 3 / 80.
4. قال في مجمع البحرين: نشب الشئ في الشئ: علق به، فهو ناشب.
5. النهاية: 578.
6. القائل هو الشيخ في المبسوط: 6 / 277.
621

وما يقطع من السمك بعد إخراجه من الماء ذكي، سواء ماتت أو وقعت
في الماء مستقرة الحياة، لأنه قطع بعد التذكية.
ولا يحرم السمك لو صيد بشئ نجس يأكله السمك فيصاد به، سواء كان
مما يتفرق كالدم، أو لا كالميتة.
الفصل الثالث: في الذباحة
وفيه ثلاثة عشر بحثا:
6222. الأول: يشترط في الذابح الإسلام أو حكمه كالصبي، فلو ذبح
الوثني كان ميتة، سواء سمعت منه التسمية أو لا، وفي أكل ذبيحة اليهود
والنصارى روايتان (1) أصحهما المنع، سواء سمعت تسميته أولا، وفي رواية
ثالثة يؤكل ما سمعت تسميته عليه (2).
ويحرم أكل ما ذبحه الناصب وهو المعلن بالعداوة لأهل البيت (عليهم السلام)،
كالخوارج سمى أولا وإن أظهر الإسلام، وذبيحة أطفال المشركين وإن
أحسنوا وسموا.
واشترط ابن إدريس (رحمه الله) أن لا يكون مخالفا للحق، وجوز أكل ذبيحة
المستضعف الذي لا يعرف الحق، ولا يعتقد ضده (3).

1. لاحظ الوسائل: 16 / 282، الباب 27 من أبواب الذبائح.
2. لاحظ الوسائل: 16 / 284، الباب 27 من أبواب الصيد والذبائح، الحديث 11 و 14 و 18.
3. السرائر: 3 / 106.
622

ويؤكل ذبيحة الصبي ولد المسلم المميز إذا أحسن، والمرأة المسلمة،
والخصي، والخنثى، والجنب، والحائض، والأعمى، والأخرس إن أشار
بالتسمية، والعدل، والفاسق، والأغلف، وولد الزنا، وما يذبحه المسلم لكنائس
أهل الكتاب وأعيادهم مع التسمية، والمجنون الذي بحكم المسلم.
ولو اشترك في الذبح مسلم وغيره لم يحل، وكذا لا يحل أكل ما ذبحه
الصبي غير المميز، وعندي في المجنون نظر، أقربه المنع، وكذا السكران الذي
لا يحصل (1) شيئا.
6223. الثاني: لا تصح التذكية إلا بالحديد، فإن ذبح بغيره مع التمكن منه لم
يحل، ويجوز في حال الضرورة الذبح بكل ما يفري الأوداج وباقي الأعضاء من
زجاج وليطة وقصب (2) وخشب ومروة (3) حادة وغير ذلك.
وهل يجوز مع الضرورة الذبح بالسن والظفر؟ قال الشيخ (رحمه الله): لا، ويحرم
لو فعل، (4) وجوزه ابن إدريس، (5) وهو الأقوى، سواء كانا منفصلين أو
متصلين وكذا ما عداهما من العظام وغيرها إذا حصل به قطع الأعضاء.
6224. الثالث: يجب نحر الإبل خاصة وذبح باقي الحيوانات، والنحر هو
الطعن بحربة وشبهها في وهدة اللبة التي بين أصل عنق البعير وصدره، والذبح

1. أي لا يميز كما في تهذيب اللغة: 4 / 241.
2. قال الحلي: الليط هو القشر اللاصق بها الحاد، مشتق من لاط الشئ بقلبه إذا لصق به، والقصبة
واحدة القصب. السرائر: 3 / 107.
3. قال الطريحي في مجمع البحرين: المرو: حجارة بيضاء براقة تقدح منها النار، الواحد منها
مروة.
4. المبسوط: 6 / 263; والخلاف: 6 / 22، المسألة 22 من كتاب الصيد والذبائح.
5. السرائر: 3 / 86 - 87.
623

في الحلق تحت اللحيين، بأن يقطع أعضاء الذبح، فلو نحر المذبوح، أو ذبح
المنحور مختارا لم يحل إذا مات بذلك، ولو أدرك ذكاته فذكاه، قيل: حل (1)
وفيه نظر، من حيث عدم استقرار الحياة.
ويجب في التذكية قطع الأعضاء الأربعة: المرئ وهو مجرى الطعام
والشراب، والحلقوم وهو مجرى النفس، والودجان وهما العرقان المحيطان
بالحلقوم، ولو قطع البعض لم يحل، ويجب قطع كل واحد بكماله.
6225. الرابع: يجب في التذكية استقبال القبلة بالذبح والنحر مع الإمكان، فلو
أخل بذلك عامدا، كان ميتة، ولو كان ناسيا حل، ولو لم يتمكن من استقبال القبلة
إما للجهل بها، أو لسقوط المذبوح والمنحور في بئر مثلا، حل الذبح والنحر إلى
غير القبلة.
ويجب فيها التسمية، وهي ذكر الله تعالى عند التذكية، فلو أهمل عامدا كان
ميتة، وإن كان ناسيا حل، ولو قال: بسم محمد، أو بسم الله ومحمد لم يحل، ولو
قال بسم الله ومحمد رسول الله جاز.
6226. الخامس: اشترط الشيخ المفيد (رحمه الله) في إباحة المذكى أمرين: الحركة
القوية إما بيده أو رجله أو شئ من أعضائه، وخروج الدم المسفوح لا
المتثاقل، (2) والأقرب الاكتفاء بأحدهما أيهما كان، ولو خرج الدم متثاقلا ولم
يتحرك حركة تدل على الحياة لم يحل إجماعا.
6227. السادس: يكره إبانة الرأس من الجسد في التذكية قبل الموت عامدا،

1. القائل هو الشيخ في النهاية: 583.
2. المقنعة: 580.
624

قال الشيخ في بعض كتبه: يحرم، فإن فعل حرمت الذبيحة. (1) وليس بجيد،
وكذا يكره قطع النخاع، وهو العرق الأبيض الذي ينظم الخرز من الرقبة إلى
الذنب وقيل: يحرم، (2) وكذا يكره قطع شئ منها قبل الموت، ولو فعل لم
يحرم المقطوع، وكذا يكره سلخ الذبيحة قبل موتها، وقال الشيخ: يحرم. ولو
سلخت قبل البرد لم يحل أكلها، (2) وليس بجيد.
ولو انفلت الطير قبل التذكية جاز أن يرميه بنشاب أو رمح أو سيف، فان
صير حياته غير مستقرة حل وإلا ذبحه.
6228. السابع: لو قطع رقبة المذبوح من قفاه وبقيت أعضاء الذبح، فان كانت
حياته مستقرة، ذبحت وحلت، وإن لم تبق حياته مستقرة لم يحل، وكذا البحث
لو عقرها السبع.
وكلما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه، أو لوقوعه
في مضيق لا يمكن معه التذكية في موضعها، وخيف موته، جاز عقره
بالسيوف وغيرها مما يجرح، ويحل، وإن لم يتفق العقر في موضع التذكية ولا
استقبال القبلة.
6229. الثامن: يكره أن يقلب السكين فيذبح إلى فوق، بل ينبغي أن يبتدئ من
فوق إلى أن يقطع الأعضاء.
ويستحب ربط يدي الغنم ورجله، وإطلاق الأخرى، وأن يمسك على

1. النهاية: 584.
2. لاحظ النهاية: 584.
3. النهاية: 584.
625

صوفه أو شعره إلى أن يبرد، ولا يمسك على شئ من أعضائه، وعقل يدي البقر
ورجليه، وإطلاق ذنبه، وشد أخفاف يدي الإبل إلى آباطه (1)، وإطلاق رجليه،
وإرسال الطير بعد الذبح من غير إمساك ولا عقل.
ويكره الذبح صبرا، وهو أن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه، والذبح ليلا إلا
لضرورة، ويوم الجمعة قبل الزوال.
6230. التاسع: ما يباع في أسواق المسلمين، من الذبائح واللحوم، حلال،
يجوز شراؤه وأكله، ولا يجب التفتيش عن حاله، سواء كان البائع مؤمنا أو مخالفا
يعتقد إباحة ذبائح أهل الكتاب على إشكال، وكذا ما يوجد في يد المخالف من
الجلود وإن كان يعتقد إباحة استعمال جلد الميتة بعد الدبغ على إشكال، أقربه
عندي المنع في الموضعين.
ولو وجد ذبيحة مطروحة لم يحل له أكلها ما لم يعلم أنها تذكية مسلم، أو
توجد في يده.
6231. العاشر: تجب متابعة الذبح حتى يقطع الأعضاء الأربعة، فلو قطع
بعض الأعضاء، ثم أرسله، فصارت حياته غير مستقرة، ثم قطع الباقي، ففي
إباحته نظر، من حيث إن حياته غير مستقرة، وإن إزهاق الروح حصل بالتذكية
لا غير.
ولو شرع الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته، أو فعل مالا يستقر معه
الحياة معا، لم يحل.
وإذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح، فهو حلال، وإن تيقن الموت قبله، فهو

1. قال الشهيد في المسالك: 11 / 487: والمراد بتشديد أخفافه إلى آباطه: أن يجمع يديه
ويربطهما فيما بين الخف والركبة.
626

حرام، وإن اشتبه، اعتبر بالحركة القوية أو خروج الدم المسفوح المعتدل لا
المتثاقل، فإن لم يعلم ذلك حرم.
وإذا قطع الأعضاء فوقع المذبوح في الماء قبل خروج الروح أو وطئه بما
خرج الروح به لم يحرم.
6232. الحادي عشر: ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا على ما تقدم، وكذا إن
وجده على الجدة (1) فأخذه بيده أو آلته، ولا تكفي مشاهدته.
وذكاة الجراد أخذه حيا، سواء كان آخذه مسلما أو كافرا، ولا يراعى فيه
التسمية، ولو مات قبل أخذه لم يحل.
ولو احترق أجمة واحترق الجراد فيها لم يحل، سواء قصد ذلك أو لا.
ويحرم من الجراد ما مات في الماء أو الصحراء قبل أخذه، ويحرم الدبا (2)
منه، وهو الذي لم يستقل بالطيران بعد، فإن أخذ لم يحل أكله، ويباح أكل الجراد
حيا وأكله بما فيه.
6233. الثاني عشر: ذكاة الجنين ذكاة أمه بشرطين: أحدهما تمام خلقته، بأن
يشعر أو يوبر. والثاني أن لا تلجه الروح، فلو لم تتم خلقته لم يحل أصلا، ولو
تمت خلقته وولجته الروح لم يكن بد من تذكيته، وقيل: إذا لم يشعر أو يوبر

1. الجدة: شاطئ النهر.
2. الدبا - بفتح الدال المهملة وتخفيف الباء الموحدة والقصر -: الجراد قبل أن يطير، الواحدة
دباة. مجمع البحرين.
627

وولجته الروح لم يحل إلا بالتذكية، (1) وفيه بعد، وقيل أيضا، لو خرج حيا ولم
يتسع الزمان للتذكية حل. (2) وفيه إشكال.
6234. الثالث عشر: كل حيوان مأكول تقع عليه التذكية على معنى أنه يصير
بعد الذبح طاهرا، وتقع من غير مأكول اللحم على السباع، كالأسد والنمر والفهد
والثعلب، ولا يشترط في استعمال جلدها بعد التذكية الدباغ، خلافا للشيخ. (3)
وفي المسوخ كالفيل والدب والقرد، قولان أقواهما قول المرتضى (رحمه الله)،
وهو الوقوع (4).
والأقوى في الحشرات كالفأر وابن عرس والضب عدم الوقوع، أما الآدمي
وكل نجس العين، كالكلب والخنزير فلا تقع عليه الذكاة إجماعا.

1. القائل هو الشيخ في النهاية: 584 - 585.
2. ذهب إليه الشيخ في المبسوط: 6 / 282 - كتاب الأطعمة -.
3. النهاية: 586 - 587.
4. لم نعثر عليه، ولكن نسبه إليه المحقق في الشرائع: 3 / 210; والشهيد في المسالك: 11 /
516، وفخر المحققين في الإيضاح: 4 / 130.
628

كتاب
الأطعمة والأشربة
629

وفيه مطلبان
[المطلب] الأول: في حال الاختيار
وفيه فصلان
[الفصل] الأول: في الحيوان وأقسامه ثلاثة
الأول: في البهائم
وفيه أربعة مباحث:
6235. الأول: يباح من حيوان الحضر الإبل والبقر والغنم، ويكره الخيل وأشد
منه كراهة الحمر الأهلية، وأشد منها كراهة البغل، وقيل: إن الحمار أشد
كراهة، (1) ويحرم ما سوى ذلك مثل الكلب والخنزير والسنور.

1. القائل هو القاضي ابن البراج على ما نسبه إليه في الجواهر، لاحظ جواهر الكلام: 36 / 269،
وقال الشهيد في المسالك: 12 / 24: وقيل: إن الحمار آكد كراهة من البغال، لأنه متولد من
مكروهين قويي الكراهة، بخلاف البغل فإنه متولد من ضعيف وقوي.
631

ويباح من حيوان البر البقر الوحشية، والكباش الجبلية، (1) والغزلان،
واليحامير، والحمار الوحشي، على كراهة.
ويحرم السباع أجمع سواء كانت ذوات أنياب قوية تعدو على الناس
كالسبع والنمر والذئب والفهد، أو ذوات أنياب ضعيفة لا تعدو على الناس،
كالضبع والثعلب والأرنب وابن آوى.
ويحرم اليربوع، والضب، والقنفذ، والسنور بريا وإنسيا، والوبر - بفتح الواو
وسكون الباء - فهي دويبة سوداء أكبر من السنور دون الأرنب لا أذناب لها،
والخز وهي دابة صغيرة تخرج من البحر تشبه الثعلب، ترعى في البر وتنزل
البحر، لها وبر يعمل منه ثياب، والفنك، والسمور، والسنجاب، والعظاءة، (2)
واللحكة (3) وهي دويبة كالسمكة تسكن الرمل، فإذا رأت الإنسان غاصت
وتغيبت فيه، وهي صقيلة تشبه بها أنامل العذارى (4) والوزغ والحرباء. (5)

1. في الجواهر: 36 / 293: التي هي على ما قيل الضأن والمعز الجبليان.
2. في مجمع البحرين: العظاء ممدود: دويبة أكبر من الوزغة، الواحدة عظاءة وعظاية.
3. وفي التلخيص لأبي هلال العسكري (المتوفى 395 ه‍) ص 391: الحلكاء: دويبة تغوص في
الرمل كما يغوص الطير في الماء، وفي كتاب سيبويه: اللحكاء ممدودة.
وقال الجوهري في الصحاح: 4 / 1606: اللحكة: دويبة أظنها مقلوبة من الحلكة، وقال ابن
السكيت: اللحكة: دويبة شبيهة بالعظاية تبرق زرقاء، وليس لها ذنب طويل مثل ذنب العظاية،
وقوائمها خفية.
وقال: الحلكة - مثال همزة -: ضرب من العظاء ويقال: دويبة تغوص في الرمل. وكذلك الحلكاء
مثل العنقاء.
4. في المبسوط: 6 / 281: وهي صقيلة ولهذا تشبه أنامل العذارى بها، وفي الجواهر: 36 / 297:
يشبه بها أصابع العذارى.
5. قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 391: الحرباء: دابة تستقبل الشمس وتدور معها حيث
دارت، وهي فارسية معربة، وأصلها خوربا أي حافظ الشمس.
632

والحشار كلها حرام، كالحية والفأرة (1) والعقارب والجرذان والخنافس
والصراصر وبنات وردان والقمل والبراغيث والديدان والجعلان.
والمسوخ كلها حرام كالفيل والدب والقردة.
6236. الثاني: الحيوان المحلل قد يعرض له التحريم بالجلل، وهو أن يتغذى
عذرة الإنسان لا غير، فإن كان مختلطا بأكل العذرة وغيرها، كان مكروها
لا محظورا.
ويحل الجلال بالاستبراء، فتستبرأ الناقة بأربعين يوما، بأن تربط وتطعم
علفا طاهرا هذه المدة، والبقرة بعشرين يوما، والشاة بعشرة أيام.
ولو جل أحد البهائم غير هذه الثلاثة، حرم ووجب استبراؤه بمدة يخرجه
عن اسم الجلل، بأن يصير غذاؤه أجمع مما يجوز أكله.
6237. الثالث: لو شرب الحيوان المحلل لبن خنزيرة واشتد، حرم لحمه
ولحم نسله، ولو رضع دفعة أو دفعتين فما زاد بحيث لا يشتد لحمه كان مكروها
غير محظور، ويستحب استبراؤه بسبعة أيام، فإن كان مما يأكل العلف كبشا
وغيره أطعم ذلك، وإلا سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيام.
ولو شرب خمرا لم يحرم لحمه بل يغسل ويؤكل، (2) ولا يؤكل ما في
جوفه، وقوى ابن إدريس الكراهية (3).

1. قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 288: يقال للفأرة الغفة، وأصل الغفة القوت، وسميت
الفأرة بذلك، لأنها قوت السنور.
2. في «أ»: ويطهر بالغسل ويؤكل.
3. السرائر: 3 / 97.
633

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في بطنه وأكل.
ولو شرب لبن امرأة واشتد، كره لحمه ولم يكن محظورا.
6238. الرابع: لو وطئ الإنسان حيوانا حرم أكل لحمه ولحم نسله، ووجب
إحراقه بالنار، فإن اشتبه بغيره، قسمه قسمين، وأقرع وهكذا حتى تبقى واحدة.
الثاني: في الطيور
وفيه تسعة مباحث:
6239. الأول: يحرم من الطيور كل ذي مخلاب قوي به على الطائر، كالبازي
والصقر والعقاب والشاهين والباشق، أو ضعف كالنسر والحدأة (1) والرخمة (2)
والبغاث (3) والغداف من الغربان، وهو الكبير الأسود الذي يأكل الجيف،
ويفرس، ويسكن الخربان، وكذا الأغبر الكبير الذي يفرس ويصيد الدراج، وكذا
الأبقع طويل الذنب، وأما الزاغ وهو غراب الزرع الصغير الأسود، ففيه قولان
أقربهما الكراهية.
ويحرم الخفاش والطاووس، وفي الخطاف روايتان. (4) وجزم ابن
إدريس بتحريمه. (5)

1. في مجمع البحرين: الحدأة: طائر خبيث.
2. في المصباح المنير: 1 / 271: الرخمة: طائر يأكل العذرة وهو من الخبائث، وليس من
الصيد.
3. في مجمع البحرين: البغاث - بالباء الموحدة المثلثة -: طائر أبيض، بطيء الطيران أصغر من
الحدأة.
4. الوسائل: 16 / 343، الباب 17 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1 و 2 (والحديث الأول
يدل على الحرمة والثاني يدل على الحل).
5. السرائر: 3 / 104.
634

6240. الثاني: يحرم من الطير كل ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، ولو تساويا، أو
كان الدفيف أكثر حل، ويحرم أيضا ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية،
ويحل ما وجد فيه أحدها ما لم ينص على تحريمه.
6241. الثالث: يكره الهدهد والفاختة، والقبرة، والحبارى، على رواية شاذة (1)
والشقراق - بكسر الشين والقاف -، والصرد والصوام - بضم الصاد - وهو أغبر
اللون طويل الرقبة أكثر ما يبيت في النخل.
6242. الرابع: الحمام كله حلال كالقماري، والدباسي، والورشان، والحجل،
والدراج، والقبج، والقطا، والطيهوج، والكروان، والكركي، وكذا جميع الدجاج
حبشيا كان أو غير حبشي، والصعو (2)، والعصافير، والقنابر، والزرازير.
6243. الخامس: يعتبر في طير الماء ما يعتبر في طير المجهول، فإن غلب
دفيفه، أو ساوى الصفيف، أو كان له قانصة أو حوصلة أو صيصية، حل، سواء
كان يأكل السمك أو لا، وإن لم يكن فيه شئ من ذلك كان حراما.
6244. السادس: لو كان الطير جلالا، حرم حتى يستبرأ، فالبطة وشبهها بخمسة
أيام، والدجاجة وشبهها بثلاثة أيام، وما عدا ذلك يستبرأ بما يزيل
حكم الجلل.

1. وكذا في السرائر: 3 / 103، لاحظ الوسائل: 16 / 350، الباب 21 من أبواب الأطعمة
المحرمة، الحديث 1 و 2 و 3 - قال في الجواهر: 36 / 315 بعد نقل الروايات: وهي غير دالة
على الكراهة بل لعل صحيح كردين دال على الندب.
وقال في المسالك: 12 / 47: وأما الحبارى فما وقفت على ما يقتضي كراهتها، وفي التحرير: «ان
به رواية شاذة». ثم نقل الحديث الأول من الباب 21 من أبواب الأطعمة المحرمة وقال: وكأن
نفي البأس يشعر بالكراهة.
2. في «أ»: والصعوة.
635

6245. السابع: يحرم الزنابير، والذباب، والبق، والبراغيث، وغير ذلك
من المستخبثات.
6246. الثامن: البيض تابع، فكل طير يؤكل لحمه حل أكل بيضه، ويحرم بيض
ما يحرم أكله، فإن اشتبه، أكل ما اختلف طرفاه، واجتنب ما اتفق.
6247. التاسع: المجثمة حرام، وهي الدابة أو الطير تجعل غرضا وترمى
بالنشاب حتى تموت، وكذا المصبورة، وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت.
الثالث: حيوان البحر
وفيه خمسة مباحث:
6248. الأول: إنما يحل من حيوان البحر السمك الذي له فلس خاصة، وهو
القشر، ويحرم ما عدا ذلك، سواء كان سمكا ليس له فلس أو لم يكن سمكا،
والجري بكسر الجيم حرام، وكذا الجريث، وفي الزمار والمارماهي والزهو
روايتان: إحداهما التحريم وهو قول ابن إدريس، (1) والآخر الكراهية، وهو قول
الشيخ (رحمه الله) (2).
ويحرم السلحفاة والضفادع والرقاق (2) والسرطان (3) وجميع حيوان

1. السرائر: 3 / 99.
2. النهاية: 576.
3. قال أبو هلال العسكري في التلخيص: 392: السلحفاة، بفتح اللام وسكون الحاء، والجمع
سلاحف، وهي فارسية معربة، وأصلها سولاح با; وفي لسان العرب: 5 / 288: الرق: ضرب
من دواب الماء شبه التمساح.
4. قال في المسالك: 12 / 16: والسرطان بفتح أوله وثانيه، ويسمى عقرب الماء.
636

البحر، كخنزيرة وكلبة، وما عدا غير السمك ذي الفلس على ما تقدم.
6249. الثاني: يجوز أكل الكنعت (1) والربيثا بفتح الراء، والإربيان بكسر
الألف، وهو أبيض كالدود والجراد، والطمر - بكسر الطاء وتسكين الميم -،
والطبراني - بفتح الطاء -، والإبلامي - بكسر الهمزة -، لأنها أسماك ذات فلوس.
6250. الثالث: يحرم الجلال من السمك إلا بعد استبرائه يوما إلى الليل في ماء
طاهر، يطعم شيئا طاهرا، ويحرم ما نضب (2) عنه الماء ومات قبل أخذه،
والطافي وهو ما يموت في الماء، سواء مات بسبب كضرب العلق (3) وحرارة
الماء، أو بغير سبب، أو يموت في شبكة الصائد أو حظيرته.
ولو اختلط الميت بالحي ولم يتميز، فالصحيح تحريم الجميع.
ولو وجد سمكة على الساحل ولم يعلم أذكية أم ميتة، فليرمها في الماء،
فإن طفت على ظهرها، فهي ميتة، وإن طفت على وجهها فهي ذكية.
6251. الرابع: إذا شق جوف سمكة فوجد فيها أخرى، حلت إن كانت
ذات فلس، وإلا فلا، واشترط ابن إدريس حياتها وقت الأخذ (4) وهو جيد، أما لو
شق جوف حية فوجد فيها سمكة ذات فلس، قال الشيخ: إن لم تكن منسلخة
حل أكلها وإلا فلا (5) وقال ابن إدريس: إنما تحل لو كانت حية، سواء انسلخت

1. في مجمع البحرين: «الكنعد بالدال المهملة: ضرب من سمك البحر.
وفي السرائر: 3 / 99: ولا بأس بأكل الكنعت، ويقال أيضا: الكنعد، بالدال غير المعجمة.
2. نضب الماء نضوبا من باب قعد: غار في الأرض. المصباح المنير: 2 / 316.
3. العلق: دويبة حمراء تكون في الماء، تعلق بالبدن وتمص الدم. النهاية لابن الأثير: 3 / 290.
4. السرائر: 3 / 100.
5. النهاية: 576.
637

أو لم تنسلخ، ولو كانت ميتة فإنها لا تحل على التقديرين (1) وهو جيد.
6252. الخامس: بيض السمك تابع، فما كان مباحا فبيضه مباح، وما كان حراما
فبيضه حرام، ولو اشتبه، أكل الخشن لا الأملس.
الفصل الثاني: في غير الحيوان
فهو إما جامد أو مائع
النظر الأول: في الجامد
ويحرم منه خمسة أشياء:
6253. الأول: الأعيان النجسة إما بالذات كالعذرات، وإما بالامتزاج كالأعيان
الطاهرة إذا عرض لها التنجيس بملاقاة النجاسة، فإن قبلت الطهارة حلت بعد
التطهير، وإلا فلا.
ولو باشر الكافر طعاما برطوبة، نجس وحرم استعماله، حربيا كان أو ذميا.
6254. الثاني: الميتة وفي حكمها كل ما أبين من حي يحرم أكله واستعماله
والاستصباح به مطلقا، أما الدهن إذا عرض له التنجيس فإنه يجوز الاستصباح به
تحت السماء خاصة.

1. السرائر: 3 / 100.
638

ويحل من الميتة ما لا تحل له الحياة، كالصوف، والشعر، والوبر،
والريش، بشرط الجز أو غسل موضع الاتصال، وكالقرن، والعظم، والظلف،
والسن، والبيض إن اكتسى القشر الأعلى، والإنفحة مستثناة مما تحله الحياة
من الميتة.
وسوغ الشيخ (رحمه الله) استعمال لبس الميتة (1) للرواية. (2) والوجه المنع.
ولو امتزج الذكي بالميت اجتنب الجميع حتى يعلم الذكي منه، ولو بيع
على مستحل الميتة، جاز مع قصد بيع الذكي، والرواية الحسنة (3) دالة
على الإطلاق.
ولو وجد لحما لا يدري أذكي هو أو ميتة، قال الشيخ: يطرح في النار، فإن
انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميتة للرواية. (4)
6255. الثالث: يحرم من الذبائح تسعة أشياء: الدم، والفرث، والقضيب،
والفرج ظاهره وباطنه، والطحال، والأنثيان، والمثانة، والمرارة، والمشيمة،
وأضاف أكثر علمائنا (5) النخاع، وهو الخيط الأبيض الذي ينظم الخرز ممتدا من

1. النهاية: 585.
2. الوسائل: 16 / 365 - 366، الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 3 و 9 و 10.
3. الوسائل: 16 / 370، الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث 1 و 2.
4. التهذيب: 9 / 48 برقم 200، ولاحظ الوسائل: 16 / 370، الباب 37 من أبواب الأطعمة
المحرمة، ذيل الحديث الأول.
5. منهم الشيخ في النهاية: 585، وابن إدريس في السرائر: 3 / 111، والقاضي في المهذب:
2 / 441.
639

الرقبة إلى الذنب، والعلباء، وهي عصبتان عريضتان صفراوان، ممدودتان من
الرقبة على الظهر إلى الذنب، والغدد، وذات الأشاجع، وهي أصول الأصابع التي
تتصل بعصب ظاهر الكف، والحدق الذي هو السواد، والخرزة التي في وسط
الدماغ الذي هو المخ، ولونها يخالف لونه، وهي بقدر الحمصة، إلى الغبرة
ما يكون» (1).
وتكره الكلى، وأذنا القلب، والعروق، وإذا شوي الطحال مثقوبا حرم ما
تحته من اللحم وغيره، ولو كان اللحم فوقه، حل خاصة، ولو لم يكن مثقوبا لم
يحرم ما تحته.
6256. الرابع: الطين، وكله حرام، طاهرا كان أو نجسا، ويجوز أكل الطين
الأرمني (2) للمنفعة، وكذا يجوز تناول قدر الحمصة من تربة الحسين (عليه السلام)
للاستشفاء.
6257. الخامس: السموم القاتلة قليلها، حرام، أما ما لا يقتل قليله ويقتل كثيره
كالأفيون والسقمونيا وشحم الحنظل، فإنه يجوز تناول القليل الذي يؤمن معه
التلف، أما ما يخاف التلف كالمثقال من السقمونيا، فإنه يحرم استعماله، وكذا لو
خيف تغير المزاج.

1. هكذا أيضا في السرائر: 3 / 111، وفي المسالك: 12 / 62 مكان تلك الجملة: «تميل
إلى الغبرة».
2. قال الشهيد الثاني (رحمه الله): وهو طين مخصوص يجلب من إرمينية يترتب عليه منافع، خصوصا
في زمن الوباء والإسهال وغيره مما هو مذكور في كتب الطب. المسالك: 12 / 69.
640

النظر الثاني: في المائعات
ويحرم منها خمسة أشياء:
6258. الأول: المسكرات أجمع، كالخمر، والنبيذ، والبتع وهو المتخذ من
العسل، والنقيع وهو المتخذ من الزبيب، والمزر المتخذ من الذرة، والفضيخ
المتخذ من التمر والبسر، وكل ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام، وحكم الفقاع
حكم المسكر بالإجماع.
ويحرم العصير إذا غلى، بأن يصير أسفله أعلاه، سواء غلى من نفسه
أو بالنار، فإن غلى بالنار وذهب ثلثاه حل، ولا يحل لو ذهب أقل، ولو انقلب
خلا، حل الجميع مطلقا، وكذا الخمر يحل لو انقلب خلا، سواء انقلب بعلاج
أو بغير علاج، وإن كان العلاج مكروها، ولا فرق بين استهلاك (1) ما يعالج به
أو لا، ولو عولج بنجاسة، أو بشئ نجس، أو باشره كافر لم يطهر بالانقلاب.
ولو ألقى في الخمر خلا حتى استهلكه الخل أو بالعكس، لم يحل ولم
يطهر، وقول الشيخ (رحمه الله): إذا وقع قليل خمر في خل لم يجز استعماله حتى يصير
ذلك الخمر خلا، (2) ليس بجيد.
ولا يعول على قول من يستحل شرب العصير مع الغليان في ذهاب
ثلثيه (2) من المسلمين، والوجه الكراهة، ويقبل قول من لا يستحل شربه إلا بعد
ذهابهما فيه.
وبصاق شارب المسكر وغيره من النجاسات طاهر ما لم يكن متغيرا بها،
وكذا دمع المكتحل بالنجس طاهر ما لم يتلون به.

1. في «أ»: بين استهلاكه.
2. النهاية: 592 - 593.
3. مقول قول من يستحل.
641

وأواني الخمر طاهرة بعد الاستطهار بالغسل حتى يزول العين، سواء
كانت خشبا، أو قرعا، أو خزفا غير مغضور، أو كانت مدهونة، والمنع الوارد (1)
في ذلك [يحمل] على الكراهية.
والذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثم أسلم حل له قبض الثمن.
ولا يحرم شئ من الربوبات والأشربة وإن شم منها رائحة المسكر، كرب
الرمان والأترج والسكنجبين وغيرها، لأنه لا يسكر كثيره.
ويكره الإسلاف في العصير، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة، وأكل ما
باشره الجنب والحائض المتهمان، وما يعالجه غير المتوقي (2) من النجاسات،
وسقي الدواب المسكر.
6259. الثاني: الدم المسفوح حرام نجس، سواء كان المذبوح مأكولا أو لم
يكن، وغير المسفوح كدم الضفادع والبراغيث كذلك، إلا ما يستخلف في لحم
المأكول المذكى مما لا يدفعه الحيوان، فإنه طاهر سائغ.
ولو وقع شئ من الدم المسفوح في غيره حرم، وقيل: لو وقع يسير الدم
في قدر تغلي على النار، حل المرق إذا ذهب الدم بالغليان. (3) وليس بمعتمد،
والحق تحريمه، وغسل اللحم والتوابل (4).

1. لاحظ الوسائل: 2 / 1075، الباب 52 من أبواب النجاسات، الحديث 2; والتهذيب: 9 / 115
برقم 499.
2. في «ب»: «غير المستولي» وهو مصحف والصحيح ما في المتن.
3. القائل هو الشيخ المفيد في المقنعة: 582، والشيخ الطوسي في النهاية: 588.
4. قال الفيومي في المصباح المنير: 1 / 90: التابل، بفتح الباء وقد تكسر، هو الابزار، ويقال: انه
معرب، يقال: توبلت القدر: إذا أصلحته بالتابل، والجمع التوابل.
642

ولو وقع غير الدم من النجاسات أريق المائع، وغسل الجامد إجماعا.
6260. الثالث: البول، وهو حرام من كل حيوان يحرم أكله، كالكلب،
والخنزير، والأسد، أو يحل أكله، كبول الشاة، وسوغ بول الإبل خاصة
للاستشفاء، وقيل: يحل بول كل مأكول اللحم، (1) وليس بمعتمد، وكذا يحرم
المني وغيره من الأعيان النجسة.
ويحرم استعمال شعر الخنزير، فإن اضطر استعمل مالا دسم فيه،
وغسل يده.
ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة (2).
6261. الرابع: لبن محرم الأكل حرام، كلبن الهرة والذئبة، ويحل لبن كل
مأكول اللحم، ويكره لبن مكروه اللحم كالأتن، وليس محرما.
6262. الخامس: كل مائع عرض له التنجيس بملاقاة النجاسة، حرام أكله، ولا
يقبل التطهير، ويجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت السماء، ويحرم تحت
الظلال، لا لنجاسة الدخان، فإن دخان النجس طاهر، (3) وكذا ما أحالته النار من
الأعيان النجسة إلى الرماد والدخان.
ويجوز بيع الدهن النجس، ويجب الإعلام بالنجاسة.

1. ذهب إليه السيد المرتضى في الانتصار: 424، المسألة 242، وابن إدريس في السرائر: 3 /
125.
2. قال الشيخ في النهاية: 587: ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء
الصلاة والشرب، وتجنبه أفضل.
3. لم يذكر وجه التحريم ولعله من باب التعبد كما صرح به الشهيد في المسالك، لاحظ
المسالك: 12 / 84.
643

ولو وقعت النجاسة في الجامد، كالسمن والدبس حال جمودهما، ألقيت
النجاسة وما يحيط بها، وحل الباقي.
ولو عجن الخمير (1) بماء نجس لم يطهر إلا أن يصير رمادا.
المطلب الثاني: في حال الاضطرار
وفيه سبعة مباحث:
6263. الأول: المضطر هو الذي يخاف التلف أو المرض أو الضعف المؤدي
إلى التخلف عن الرفقة مع خوف العطب بدونها، أو ضعف الركوب المؤدي إلى
ظن التلف، وهذا يحل له تناول ما حكمنا بتحريمه، ولا يشترط أن يصبر حتى
يشرف على الموت، لعدم انتفاعه بالأكل حينئذ، ثم إذا جاز الأكل وجب.
ولا يترخص الباغي، وهو الخارج على الإمام العادل، وقيل: طالب
الميتة (2) ولا العادي وهو القاطع الطريق، وقيل الذي يعدو شبعه (3).
6264. الثاني: المأذون فيه للمضطر تناول ما يسد به الرمق من المحرمات،
فلو تجاوز حرم إلا أن يكون في بادية ويخاف إن لم يشبع أن لا يتقوى على
المشي ويهلك، فيشبع، ويجب قصد الحفظ بالتناول، فلو قصد التنزه حرم،

1. وفي الشرائع: «العجين» مكان «الخمير» لاحظ الشرائع: 3 / 226.
2. القائل على ما في الجواهر: الحسن وقتادة ومجاهد. لاحظ جواهر الكلام: 36 / 428 - 429.
3. نفس المصدر.
644

والأقرب تسويغ التزود من الميتة، فإن وجد مضطرا آخر لم يجز له بيعه عليه،
فإن استويا في الضرورة، فهو أحق، وإلا وجب عليه دفع الفاضل عنه
إلى المضطر.
6265. الثالث: يباح الخمر لتسكين العطش، وللشيخ قولان (1) ولا يجوز
التداوي به ولا بشئ من المسكرات، سواء مازجها غيرها أو لا.
ولا يحل تناول الترياق للتداوي، ويجوز عند الضرورة التداوي بالمسكر
مطلقا للعين.
6266. الرابع: يباح للمضطر أكل كل حرام إلا ما فيه سفك دم معصوم، فليس
له قتل ذمي، ولا معاهد، ولا قتل عبد وولده، وتحل له الميتة من الآدمي وغيره
مطلقا، وله قتل مباح الدم كالمرتد والزاني المحصن وإن كان ذلك منوطا بالإمام،
وقتل الحربية وولد الحربي.
ولو لم يجد إلا نفسه، قيل: يقطع من فخذه وشبهه، (2) والوجه المنع.
6267. الخامس: لو وجد خمرا وبولا، تناول البول.
ولو وجد طعام من ليس بمضطر ولا ثمن له، وجب على مالكه بذله
ولا عوض له، ولو وجد الثمن، فإن طلب المالك ثمن مثله، وجب دفعه
إليه، ولم تحل له الميتة، ولا يجب على صاحب الطعام بذله بدونه، وإن طلب

1. أحدهما الجواز، ذهب إليه في النهاية: 591 - 592، والثاني عدم الجواز، وهو خيرته في
المبسوط: 6 / 288.
2. ذهب إليه بعض أصحاب الشافعي. لاحظ المغني لابن قدامة: 11 / 79.
645

أكثر، فالوجه وجوب الدفع مع حصوله، وقال الشيخ: لا تجب الزيادة (1).
ولو امتنع المالك من بذله بالأكثر من ثمن المثل، حل للمضطر قتاله، وكان
دم المالك هدرا ودم المضطر مضمونا.
ولو كان قادرا على سلبه فاشتراه من المالك بأكثر من ثمن المثل، وجب
عليه المسمى على قولنا وهو ظاهر وعلى ما اختاره الشيخ أيضا، لأنه
صار مختارا.
6268. السادس: لو وجد طعام الغير فله أخذه لكن الوجه أنه يستأذن المالك
أولا، فإن منعه قهره عليه، ولو أوجر المالك المضطر الطعام، ففي استحقاق
القيمة عليه إشكال.
ولو واطأه فاشتراه بأزيد من ثمن المثل كراهة لإراقة الدماء، قال الشيخ (رحمه الله):
لا تلزمه الزيادة، لأنه مكره في بذلها. (2)
6269. السابع: لو وجد الميتة وطعام الغير، فإن بذل الغير طعامه بغير عوض
أو بعوض مقدور عليه، لم تحل الميتة، ولو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا
وامتنع من بذله، وقوي على دفع المضطر أكل الميتة، وإن ضعف المالك عن
المنع أكله المضطر وضمن، ولا تحل له الميتة.
والصيد في حق المحرم كطعام الغير، ولو كان الصيد مذبوحا فهو أولى من
الميتة، لعموم تحريم الميتة.

1. المبسوط: 6 / 286.
2. المبسوط: 6 / 286.
646

تتمة:
لا يجوز تناول مال الغير إلا بإذنه، ويجوز مع عدم الإذن الأكل من بيت
تضمنته الآية (1) إلا إذا عرف منه الكراهية فيحرم عليه الأكل حينئذ، وليس له أن
يحمل منه شيئا وإن لم يعلم الكراهية.
وهل يحل أكل ما يمر به الإنسان من ثمر النخل والزرع والشجر؟
فيه روايتان. (2)
ويستحب للآكل غسل يده قبل الأكل وبعده، ومسح اليد بالمنديل،
والتسمية عند الشروع، فإن تعددت الألوان سمى عند تناول كل واحد منها، وإن
قال بسم الله على أوله وآخره، أجزأه، والحمد عند الفراغ، والأكل والشرب
باليمين اختيارا، ويكره باليسار إلا لضرورة.
وينبغي أن يبدأ صاحب الطعام بالأكل وأن يكف أخيرا، ويبدأ بغسل يد
من على يمينه، ثم يدور حتى ينتهي إليه، وتجمع غسالة الأيدي في إناء واحد،
فإذا فرغ استلقى على قفاه، ووضع رجله اليمنى على اليسرى، والتخلل، ولفظ
فتات (3) الخبز، والبدأة بالصلاة إلا مع انتظار غيره له.
ويكره الاتكاء عند الأكل، والتملي، وربما حرم، والأكل على الشبع،

1. النور: 61.
2. إحداهما تدل على الجواز، والأخرى على المنع. لاحظ الوسائل: 13 / 14 - 15، الباب 8 من
أبواب بيع الثمار.
3. قال الطريحي في مجمع البحرين: فتات الشئ: ما تكسر منه، فت الرجل الخبز فتا من باب
قتل: كسره بالأصابع.
647

والأكل ماشيا، والشرب بنفس واحد، بل ينبغي أن يكون بثلاثة أنفاس، والأكل
من طعام لم يدع إليه، وقطع الخبز بالسكين، والشرب من عروة الكوز ومن
ثلمته، والتخلل بعود ريحان أو قصب.
* * *
قال المحقق: تم الجزء الرابع من الكتاب - حسب تجزئتنا - ويتلوه الجزء
الخامس أوله كتاب الميراث.
سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
* * *
648