الكتاب: رسالة في المهر
المؤلف: الشيخ المفيد
الجزء:
الوفاة: ٤١٣
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: الشيخ مهدي نجف
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤١٤ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: طبع بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد / سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد

رسالة في
المهر
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
تحقيق
الشيخ مهدي نجف
1

بسم الله الرحمن الرحيم
المهر - في اللغة -: ما يلتزم الزوج بأدائه إلى زوجته حين يتم عقد زواجه
بها، يقال: مهر المرأة: عين وسمى لها مهرا، ويقال: أمهرها: أعطاها المهر.
وتعيين المهر للزوجة سنة بشرية قديمة، لوحظ وجودها عند أكثر الأمم
والشعوب، وفي أقدم الحضارات البائدة والباقية.
ومهما كانت أهداف الالتزام به عند البشر:
- هل هو التعبير عن قدرة الزوج على إدارة الزوجة وإعاشتها، حيث يقدم
لها هذا المال، فيكشف عن امتلاكه (المهارة) التي تعني الدقة والحنكة والتدبير
الأمور؟ كي يحصل على الأموال؟!
- أو هو إبراز لمشاعر الحب والود والغرام الصادق، بتقديم أثمن ما يمتلكه
الإنسان، ليرمز إلى تضحيته به على طريق مشاعره تلك؟
- أو هو توفير مالي لمستقبل الزوجة حتى تطمئن عليه، يقدمه لها الزوج،
لتعيش معه بهدوء خاطر وراحة بال، حيث تجده يرفع اليد من أجلها عن أنفس
ما يتنافس عليه الناس؟
3

- أو هو ترفيع لحرمة الأعراض، أن لا يستهان بها، ولا تبتذل بأرخص
الأهواء والشهوات، بينما لها هذه العزة والكرامة؟
فمهما تكن من هذه الأسباب أو غيرها، فإن هذه العادة قد أصحبت من
الملتزمات والأعراف الطيبة المحمودة عند كافة الناس، سواء أصحاب الأديان
والشرائع، أم غيرهم.
والديانات السماوية أقرتها، ولم تعارضها كذلك، إلا أن الإسلام - دين
الحضارة والمدينة - قد نظمها، وأضاف عليها عنصر الأهداف السامية التي يبثها
في كل تعاليمه ومعاملاته...
فمثلا: نجد أن المهر ربما يكون في الشريعة من غير الأموال ولا الأعيان
والبضائع، وإنما مجرد أمر معنوي وفكري وأدبي مثل تعليم القرآن للمرأة!
وقد يكون إطلاق لفظ المهر على مثل هذا خاصا بالشريعة الإسلامية.
وكذلك تعليم معالم الدين، والمهارات والحرف، وغير ذلك مما يمكن
التراضي به، كما يمكن توفيق تلك الأهداف معه أيضا.
أما من حيث الكمية، فلم يحدد الإسلام للمهر حدا معينا من حيث
الكثرة والقلة، بل المدار فيه هو رضا الزوجين، فمتى تراضيا على شئ - مهما
كان - فهو المهر.
وجاءت هذه الحقيقة على لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام، بقولهم:
(إن المهر ما تراضى عليه الناس).
وهذا النص مطلق في ظاهر لفظه، يشمل جميع أنواع النكاح: الدائم منه
والمنقطع - الذي يسمى بالمتعة -.
وبالرغم من ظهوره في الإطلاق فإن بعض الفضلاء ممن عاصر الشيخ
4

المفيد خص هذا لنص بعقد المتعة، دون غيره من النكاح.
ولم يذكر في كلام الشيخ المفيد - ولا غيره - ما يعرف به هذا الشيخ
الفاضل، إلا أن الذي يظهر من كلام الشيخ المفيد هو مزيد العناية به، حيث قال
فيه: ذلك الشيخ الفاضل. وهذا غلط عظيم من أمثاله، مع ما يرجع إليه من
العلم والفهم... من تربى في رياض العلم، ويشار إليه فيما يفتيه من غوامض
المسائل في الحلال والحرام.
ويقول - في أخر الكلام -: ولا يخلو قوله من وجهين: إما أن يكون زلة
منه، فهذا يقع من العلماء، فقد قال الحكيم: (لكل جواد عثرة ولكل عالم هفوة)،
وأما أن يكون قد اشتبه عليه، ولو كان هذا من غيره ممن يتزيى بزي أهل العلم
لظننا أن غرضه مما أجاب وأفتى به خلاف أهل العلم والفقه، وقلنا: إن مثل هذا -
أكثره - يقع من جهة الاستنكاف من الرجوع فيما يشتبه عليه إلى أهل الفضل
والفقه، وحاشاه أن يكون بهذه الصفة!
إن تصدي الشيخ المفيد للاعتذار لذلك الفاضل بهذه العبارات يدل -
بلا ريب - على أنه معترف بفضله، ويكن له التقدير والاحترام.
كما أن الشيخ المفيد لم يذكر في هذا الكتاب الوجه الذي دعا هذا الشيخ
الفاضل إلى ذلك القول وتخصيصه ذلك الحديث بنكاح المتعة فقط.
وأظن أن الذي دعاه إلى ذلك ما وجده في بعض أحاديث الباب، من
رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: كم المهر - يعني في
المتعة؟ فقال: ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل.
رواه الشيخ الطوسي في التهذيب (ج 7 ص 260) الحديث (52).
فظاهر هذا الحديث أنه خاص بالمتعة، لقوله: (يعني في المتعة) ولذكره
5

(الأجل) الذي لا يكون مع النكاح الدائم.
فدل على أن كفاية ما يقع عليه التراضي في المهر خاص بعقد المتعة،
وبهذا الحديث تقيد الروايات المطلقة الواردة في الباب!
لكن هذا ليس صحيحا، لأن التقييد بالمتعة بقوله (يعني في المتعة) إنما
جاء في سؤال الراوي، ولازم ذلك أن يكون إنما خص سؤاله عن المهر في عقد
المتعة؟ فلذا أجابه الإمام عليه السلام بذكر الأجل.
ثم إن التقييد إنما يتحقق إذا صب الحكم - في مورد - على المقيد بحيث
يكون بيانا للمطلق، ومخرجا له عن شيوعه، بأن يظهر منه عدم إرادة غير المقيد
من أفراد المطلق.
وليس مجرد تطبيق الحكم على المقيد كافيا في التقييد، لأن ذلك هو
مقتضى الإطلاق أيضا، فلا ينافيه حتى يرفعه.
والأمر في المقام، من قبيل التطبيق، حيث أن الإمام عليه السلام إنما طبق
حكم المطلق، وهو كفاية ما وقع عليه التراضي، على مورد عقد المتعة الذي ورد
في سؤال الراوي، وأضاف إليه ما هو لازمه من ذكر الأجل
وقد ذكر الشيخ المفيد إطلاق الحديث، واستند لإثباته إلى رواية أخرى
جاء فيها التصريح بقوله: (الصداق كل ما تراضيا عليه في تمتع أو تزويج غير
متعة).
لكن لم يرد في كلامه ذكر عن ما افترضناه من احتمال التقييد،
ولا الجواب عنه.
ويظهر من مضمون كلام الشيخ المفيد: أن الشيخ الفاضل المذكور قال
بتحديد المهر بقدر معين من الدراهم.
6

فتصدى الشيخ المفيد لرده، منتهجا الطرق التالية:
أولا: النصوص الدالة على أن المهر ما تراضى عليه الزوجان، وهي مطلقة
لجميع أنواع النكاح.
وثانيا: الاستدلال بالمسلمات الفقهية، الدالة على عدم تحديد كمية المهر:
مثل: صحة عقد النكاح بمهر من غير الأموال - النقدين - كتعليم المرأة
القرآن أو معالم الدين مما لا يقدر بثمن محدد من الدراهم.
ومثل: الحكم بالزوجية لمن عقد على امرأة، ولم يفرض لها مهرا معينا،
ومات قبل الدخول.
وثالثا: الاستناد إلى قاعدة (الأخذ بما وافق القرآن) مدعيا أن عدم تحديد
المهر هو الموافق للآية (20) من سورة النساء.
ورابعا: الاستناد بما يقع عند العرف، من الاكتفاء في خطبة النكاح بذكر
(ما تراضيا عليه) من دون تحديد، وهو عرف ثابت منذ زمان النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، حيث حصل مثله في خطبة تزويجه صلى الله عليه وآله
وسلم بخديجة عليها السلام، فيما رواه الأئمة عليهم السلام فيكون هذا العرف
حجة باعتبار اتصاله بعصر المعصومين عليهم السلام.
وبعد أن يعتذر الشيخ المفيد لذلك الفاضل، ذكر أحاديث أخلاقية عن
الأئمة عليهم السلام ترشد إلى نبذ الاستنكاف عن السؤال عما لا يعلمه
الجاهل، وتحث على الطلب والتعلم، مثبتا لبعض النصوص النادرة المتون في هذا
الصدد.
فالكتاب يعتبر جهدا فقهيا رائعا، ويلقي أضواء على قدرات الشيخ المفيد
في محاولاته الفقهية، ويوقفنا على أدوات الاستنباط التي كانت تزاول في
7

طليعة عصر الاجتهاد عند الشيعة الإمامية، على يد مجلاد المذهب الإمام الشيخ
المفيد قدس الله سره. ونحمد الله على توفيقه، ونسأله الرضا عنا بفضله وإحسانه
وأن يتقبل منا بكرمه وجلاله، إنه ذو الجلال والإكرام.
وكتب
السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي
8

الصفحة الأولى من نسخة ش
9

صورة من النسخة المخطوطة
10

صورة من النسخة المخطوطة
11

صورة من النسخة المخطوطة
12

صورة من النسخة المخطوطة
13

صورة من النسخة المخطوطة
14

رسالة في
المهر
تأليف
الإمام الشيخ المفيد
محمد بن محمد النعمان ابن المعلم
أبي عبد الله العكبري البغدادي
(336 - 413 ه‍)
15

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت إعجابك - أيها الأخ الفاضل - بجواب ذلك الشيخ
الفاضل، حين سئل عن معنى قول الصادق عليه السلام: (إن المهر ما
تراضى عليه الناس) (1)؟ أنه ورد في حديث المتعة، ووجوب المهر فيها من
درهم إلى عشرة دراهم دون مهر النكاح. وهذا غلط عظيم من أمثاله، مع
ما يرجع إليه من العلم والفهم، إذ كان هذا القدر لا يشتبه على الجاهل
الغوي، والغافل الغبي، فكيف على من تربى في رياض العلم، ويشار
إليه فيما يفتيه من غوامض المسائل في الحلال والحرام.
وليس في هذا الخبر من لفظة غريبة، أو معنى بديع يحتاج معه إلى
تفسير، إذ كان ظاهر الخبر يدل على كلا المعنيين، فليس لأحد أن يحمله

(1) روى الشيخ الكليني في الكافي 5: 378 الحديث 1، والشيخ الطوسي في التهذيب 7:
354 الحديث 4 بسنده عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن المهر ما هو؟ قال: (ما تراضى عليه الناس).
17

على معنى واحد بلا حجة، يخطئ من حمله على المعنيين جميعا مع ورود
الأثر به، وهو مستغن عن إيراد الحجج والشواهد فيه:
حدثنا به الشريف الزاهد، أبو محمد، الحسن بن حمزة العلوي (1)
قال: حدثنا أحمد بن محمد الدينوري (2)، عن الحسين بن سعيد (3)، عن
النضر بن سويد (4)، عن موسى بن بكر (5)، عن زرارة (6)، عن أبي جعفر

(1) الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو محمد الطبري، ويعرف المرعش. كان من أجلاء
هذه الطائفة وفقهائها، قدم بغداد ولقيه شيوخنا في سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ومات
في سنة ثماني وخمسين وثلاثمائة. قاله النجاشي في رجاله: 64.
(2) أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري، أبو العباس، روى عن الحسين بن سعيد
الأهوازي وغيره، وعنه ابن عقده أحمد بن محمد بن سعيد، والحسن بن حمزة العلوي
وجماعة. كان حيا سنة ثلاثمائة للهجرة. أنظر النجاشي: 60 في ترجمة الحسين بن سعيد
الأهوازي.
(3) الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران مولى علي بن الحسين عليه السلام، الأهوازي.
شارك أخاه الحسن في كتبه الثلاثين المصنفة. وكتب بني سعيد كتب حسنة معمول
عليها، أخبرنا بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا من طرق مختلفة كثيرة منها: أخبرنا
الشريف أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي الحسيني الطبري فيما كتب إلينا أن أبا العباس
أحمد بن محمد الدينوري حدثهم عن الحسين بن سعيد بكتبه وجميع مصنفاته عند
منصرفه من زيارة الإمام الرضا عليه السلام أيام جعفر بن الحسن الناصر بآمل طبرستان
سنة ثلاثمائة. قاله النجاشي في رجاله: 58 - 60 بتصرف.
(4) النضر بن سويد الصيرفي، كوفي، وثقه كل من ترجم له، صحيح الحديث، انتقل إلى
بغداد. عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام. أنظر
النجاشي: 427، رجال الطوسي: 362.
(5) موسى بن بكر الواسطي، ممن روى عن الإمام أبي عبد الله الصادق وأبي الحسن موسى
عليهما السلام، له كتاب يرويه جماعة. قال الشيخ الطوسي أصله كوفي، واقفي. أنظر
النجاشي: 407، رجال الشيخ الطوسي: 307.
(6) زرارة بن أعين بن سنسن، أبو الحسن الشيباني، شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم،
وكان قارئا، فقيها، متكلما، شاعرا، أديبا، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين،
صادقا فيما يرويه. مات سنة خمسين ومائة. قاله النجاشي في رجاله: 175.
18

محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: (الصداق كل شئ تراضيا عليه في
تمتع أو تزويج غير متعة) (1).
وبإسناده عن الحسين (2)، عن فضالة (3)، عن محمد بن مسلم (4)،
عن أحدهما إنهما سئلا عن المهر ما هو؟ قال: (ما تراضى عليه الناس) (5).
وروي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الصداق ما تراضى عليه
الناس من قليل أو كثير فهو الصداق) (6).

(1) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 378 الحديث 4، ولفظه (الصداق كل شئ تراضى عليه الناس قل أو كثر في متعة أو تزويج غير متعة).
(2) الحسين: هو الحسين بن سعيد الأهوازي المتقدم. قال الشيخ النجاشي في رجاله في
ترجمة فضالة ما لفظه: قال لي أبو الحسن البغدادي السورائي البزاز قال لنا الحسين بن
يزيد السورائي: كل شئ تراه الحسين بن سعيد عن فضالة فهو غلط، إنما هو الحسين
عن أخيه الحسن عن فضالة، وكان يقول إن الحسين بن سعيد لم يلق فضالة، وإن أخاه
الحسن تفرد بفضالة دون الحسين. ورأيت الجماعة تروي بأسانيد مختلفة الطرق الحسين
ابن سعيد عن فضالة والله أعلم.
(3) فضالة بن أيوب الأزدي، عربي صميم، سكن الأهواز، روى عن الإمام موسى بن
جعفر عليه السلام، وكان ثقة في حديثه، مستقيما في دينه. قاله النجاشي: 310.
(4) محمد بن مسلم بن رباح، أبو جعفر الأوقص الطحان، مولى ثقيف الأعور، وجه
أصحابنا بالكوفة، فقيه ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام وروى
عنهما، وكان من أوثق الناس. مات سنة خمسين ومائة. قاله النجاشي: 323 - 324.
(5) روى الشيخ الطوسي في التهذيب 7: 260 الحديث 52 و ص: 264 الحديث 66
بسنده عن عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
كم المهر؟ - يعني في المتعة - فقال: (ما تراضيا عليه إلى ما شاء من الأجل).
(6) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 378 الحديث 3 بسنده عن فضيل بن يسار عن أبي
جعفر عليه السلام. ورواه الشيخ الطوسي أيضا في التهذيب 7: 354 الحديث 5
لفظه: (الصداق ما تراضى عليه الناس قليلا كان أو كثرا فهو الصداق).
19

فهذه الأخبار تنطق: بأن كل ما تراضى عليه الزوجان، من قليل
أو كثير فهو المهر، لأن كمية المهر تتعلق برضاهما كائنا ما كان، ولأن الله
تعالى فرض الصداق ولم يحد فيه حدا بقليل ولا كثير، فما وقع عليه رضاهما
كان ذلك يسمى مهرا.
أما القليل منه فهو معروف عندنا وعند من خالفنا.
أما عند المخالفين، فعند مالك بن أنس (1) قال: (لا أرى أن تنكح
المرأة بأقل من ربع دينار) (2). لأن ربع دينار يجب فيه القطع.
وعند غيره مثل الثوري (3)، وأبي حنيفة (4) وأصحابه، أنهم قالوا:
(لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم) (5).

(1) مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، أبو عبد الله الأصبحي،
الحميري، المدني، إمام دار الهجرة روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير ونعيم بن عبد
الله وزيد بن أسلم وغيرهم، وروى عنه الزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري ويزيد بن
عبد الله وجماعة آخرين. مات سنة 179 ه‍. قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب: 10:
5، وطبقات الفقهاء: 42.
(2) المدونة الكبرى، المجلد الثاني، الجزء الثالث: 223.
(3) أبو عبد الله، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، الكوفي، روى عن أبيه وأبي
إسحاق الشيباني، وأبي إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وغيرهم. وروى عنه
جمع كثير، منهم: جعفر بن برقان، وخصيف بن عبد الرحمن وابن إسحاق. مات سنة
161 هجرية. أنظر طبقات الفقهاء: 65، وتهذيب التهذيب 4: 111.
(4) أبو حنيفة، النعمان بن ثابت الكوفي، التيمي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، وقيل:
إنه من أبناء فارس. أحد الأئمة الأربعة. رأى أنس بن مالك، وروى عن عطاء بن
أبي رباح وعاصم بن أبي النجود، وعلقمة بن مرثد وغيرهم. وروى عنه زفر بن الهذيل
وأبو يوسف القاضي، مات سنة 150 هجرية. أنظر تهذيب التهذيب 10: 449 - 452.
(5) النتف في الفتاوى 1 / 295، والمبسوط للسرخسي 5: 66.
20

وهو أشبه بالحق، لموافقة قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (إني
لأكره أن يكون المهر أقل من عشرة دراهم، لكي لا يشبه مهر البغي) (1).
وقد صح عند مخالفينا أيضا أن المهر يكون من ثلاثة دراهم إلى
عشرة دراهم (2) [و] هو مهر التزويج لا مهر المتعة، لأنهم لا يرون المتعة
دينا، فكيف يثبتون مهر نكاح لا يرونه؟ فإذا كان الأمر هكذا فلا يبقى إلا
ما قلناه، والحمد لله.
دليل آخر على أن المهر يتعلق برضاهما كائنا ما كان، لا على كمية
المال ومبلغه، ولا على كثرته دون قلته، أنه يقع على غير أجناس المال:
الذهب والفضة والحلي، مثل أن تعلم المرأة القرآن ومعالم الدين، أو
تزوجها بخاتم، أو ثوب أو سوط، أو عبد، أو أمة، أو حيوان، أو بيت،
أو جهاز بيت، وما أشبه ذلك، مما هو مجهول القيمة، إذا رضيت المرأة
بذلك، فقد ثبت لها مهر النكاح، ويسمى مهرا.
بيان ذلك ما حدثنا به عن بريد (3)، عن أبي جعفر عليه السلام

(1) علل الشرائع 2: 501، وقرب الإسناد: 67.
(2) قال الجصاص في أحكام القرآن 2: 140: (واختلف الفقهاء في مقدار المهر، فروي
عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا مهر أقل من عشرة دراهم وهو قول الشعبي وإبراهيم
في آخرين من التابعين، وقول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد، وقال
أبو سعيد الخدري والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء: يجوز النكاح على قليل المهر
وكثيره، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، فقال بعض الرواة
قيمتها ثلاثة دراهم وثلث. وقال مالك: أقل المهر ربع دينار، وقال ابن أبي ليلى والليث
والثوري والحسن بن صالح والشافعي: يجوز بقليل من المال وكثيره ولو درهم).
(3) أبو القاسم، بريد بن معاوية العجلي، عربي، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما
السلام، ومات في حياة أبي عبد الله عليه السلام، وجه من وجوه أصحابنا، وفقيه
أيضا، له محل عند الأئمة، وعن علي بن الحسن بن فضال، قال: مات بريد بن معاوية
سنة مائة وخمسين. أنظر النجاشي: 112.
21

قال: سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من كتاب الله؟
فقال: (ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها شيئا. قلت:
أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال: لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما
كان) (1).
وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال في رجل تزوج امرأة
على سورة من كتاب الله ثم طلقها قبان أن يدخل بها [بم يرجع
عليها؟] (2)، قال: (يرجع عليها بنصف ما يعلم به مثل تلك السورة) (3)
وفي رواية العلاء بن رزين (4)، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقالت: زوجني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من لهذه
المرأة؟) فقال رجل: أنا يا رسول الله زوجنيها، فقال: (ما تعطيها؟)
فقال: ما لي شئ، فقال: (لا) فأعادت، فأعاد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الكلام، فلم يقم غير الرجل أحد، ثم أعادت. فقال رسول
الله عليه السلام في المرة الثالثة (أتحسن من القرآن شيئا؟) فقال: نعم،
قال: (قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن أن تعلمها إياه) (5).
وفي خبر آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: (أتحسن

(1) الكافي 5: 380 الحديث 4، وفي التهذيب 7: 367 الحديث 1487 (أو يعطيها).
(2) الزيادة من التهذيب.
(3) الكافي 5: 382 الحديث 14، والتهذيب 7: 364 الحديث 1475.
(4) العلاء بن رزين القلاء، ثقفي، مولى، قاله ابن فضال. وقال ابن عبدة الناسب: مولى
يشكر. كان يقلي السويق، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، وصحب محمد بن
مسلم وفقه عليه، وكان ثقة وجها. أنظر النجاشي: 298.
(5) رواه الكليني في الكافي 5: 380 الحديث 5، والشيخ الطوسي في التهذيب 7: 354
الحديث 1444 بألفاظ قريبة منه.
22

القرآن؟) قال: نعم سورة فقال عليه السلام: (علمها عشرين آية) (1).
حدثنا عن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال لرجل: (تزوجها ولو بخاتم من حديد) (2).
وروي عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل تزوج امرأة بألف درهم، فأعطاها عبدا له آبقا وبرد حبرة بالألف
التي أصدقها، فقال: (إن رضيت بالعبد، وكانت قد عرفته فلا بأس، إذا
هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد). قلت: فإن طلقها قبل أن يدخل
بها؟ قال: (لا مهر لها، وترد عليه خمسمائة درهم، ويكون العبد لها). (3)
وروي عن معلى بن خنيس (4)، قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام
- وأنا حاضر - عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة (5) قد عرفتها المرأة
وتقدمت على ذلك، فطلقها قبل أن يدخل بها؟ قال: (أرى أن للمرأة
نصف خدمة المدبرة، يكون للمرأة منها يوم وللمولى يوم في الخدمة، فإذا
مات الذي دبرها يكون للمرأة يوم في الخدمة، وللمدبرة يوم، فإذا ماتت
المرأة فقد صارت المدبرة حرة). قلت: فإن ماتت المدبرة قبل الحرة لمن

(1) سنن أبي داود 2: 236 حديث 2112 عن أبي هريرة نحوه.
(2) رواه البخاري في صحيحه 7: 8 و 17 و 24 و 26، ومسلم في صحيحه 2: 1040
باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير. وابن ماجة
في سننه 1: 608 الحديث 1889، وسنن الدارقطني 3: 250 الحديث 24. وغيرهم
من أصحاب السنن.
(3) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 380 الحديث 6، و 6: 107 الحديث 6. والتهذيب
7: 366 الحديث 1484.
(4) أبو عبد الله، معلى بن خنيس، مولى الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام،
ومن قبله كان مولى بني أسد، كوفي، بزاز. أنظر النجاشي: 417.
(5) المدبرة: هي التي يعلق عتقها بموت سيدها.
23

يكون ميراثها؟ قال: (يكون نصف ما تركت المدبرة للمرأة، لأنها ماتت
ونصفها مملوكة لها، ويكون لورثة مولاها الذي دبرها النصف الباقي) (9).
وروي عن السكوني (2)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي
عليهم السلام في الرجل يتزوج المرأة على وصيفة قال: (لا وكس ولا
شطط (3)) (4).
وعن رفاعة بن موسى (5)، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا
تزوج الرجل المرأة على الجارية أو الغنم، فإن أعطاها الغنم وهي حوامل،
أو الجارية وهي حبلى، فتولد الذي عندها (6)، ثم طلقها قبل أن يدخلها،
فله نصف الغنم والأولاد، وله نصف قيمة الجارية، ونصف قيمة ولدها.
فإن كان دفع إليها الغنم وليس بحوامل، فحملن عندها وتوالدن، فإنما له

(1) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 380 الحديث 3، والشيخ الطوسي في التهذيب 7:
367 الحديث 1486 مع اختلاف في اللفظ.
(2) إسماعيل بن أبي زياد مسلم، يعرف بالسكوني الشعيري، روى عنه النوفلي. ذكره
النجاشي في رجاله: 26، وذكره ابن إدريس الحلي في السرائر في فصل ميراث المجوسي
قائلا: السكوني بفتح السين منسوب إلى قبيلة من عرب اليمن وهو عامي المذهب بلا
خلاف، وشيخنا أبو جعفر موافق على ذلك. وقال بعاميته العلامة في الخلاصة أنظر
تنقيح المقال 1: 127.
(3) الوكس: النقص. والشطط: الجور والظلم والبعد عن الحق. النهاية مادة (وكس،
وشطط). ورواه ابن مسعود عن النبي أيضا.
(4) الجعفريات: 102 بسنده عن إسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن
أمير المؤمنين عليهم السلام.
(5) رفاعة بن موسى الأسدي النخاس، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام،
كان ثقة في حديثه، مسكونا إلى روايته، لا يعترض عليه بشئ من الغمز، حسن
الطريقة. له كتاب مبوب في الفرائض قاله النجاشي في رجاله: 166.
(6) في بعض النسخ: فتوالدت عندها.
24

قيمة [نصف] (9) الغنم، وليس له من الأولاد شئ. وإن كان دفع إليها
الجارية، وليس بها حمل، وحملت عندها، فولدت، فإنما له قيمة نصف
الجارية ولا شئ له من ولدها).
وروي عن عبيد بن زرارة (2)، عن الصادق عليه السلام في رجل
تزوج امرأة على رقيق أو غنم، وساقهن إليها، فولدت الرقيق والغنم
عندها، ثم طلقها قبل أن يدخلها، قال: فقال: (إن ساقهن إليها حين
ساقهن وهن حوامل فله نصف الأمهات) (3).
وروي عن أبي بصير (4)، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته
عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له، وله في تلك الدار شركاء؟ قال:
(جائز له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها) (5).
ومثل هذا أكثر من أن يحصى، وفيما ذكرناه كفاية.

(1) النسخ المعتمدة خالية منها، ولكن سياق الخبر يدل على سقوطها، إضافة إلى ذلك ما
عليه علماؤنا الأعلام من فتوى فلاحظ.
(2) عبيد بن زرارة بن أعين بن سنسن الشيباني، روى عن أبي عبد الله عليه السلام، ثقة
ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شك، له كتاب يرويه جماعة عنه. قاله النجاشي في رجاله:
233.
(3) رواه الشيخ الكليني في الكافي 6: 106 الحديث 4، والشيخ الطوسي في التهذيب 7:
368 الحديث 1491 مع اختلاف باللفظ.
(4) أبو بصير، يحيى بن القاسم الأسدي، وقيل: أبو محمد، ثقة، وجيه، روى عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقيل: يحيى بن أبي القاسم، واسم أبي القاسم
إسحاق وروى عن أبي الحسن موسى عليه السلام. مات أبو بصير سنة خمسين ومائة.
قاله النجاشي في رجاله: 440.
(5) رواه الشيخ الصدوق في الفقيه 3: 47 حديث 165، والشيخ الطوسي في التهذيب
7: 167 و 483 حديث 742 و 1943.
25

ودليل آخر على أن ليس للمهر حد يعقد عليه النكاح - إذا جاوزوا
ذلك الحد لا ينعقد المهر، أو عقد النكاح على شئ دون بلوغ ذلك الحد
لا ينعقد النكاح والمهر بخلاف السنة - إلا برضا الزوجين.
هو: أن الرجل إذا تزوج امرأة، ولم يفرض لها مهرا، فطلقها أو مات
عنها قبل أن يدخل بها، فلا مهر لها، وهي امرأته ترثه، ويرثها إن ماتت
هي. حدثنا به عن الصادق عليه السلام (1).
فلو كان للمهر حد معروف، لوجب على هذا الذي لم يفرض المهر
عند عقده النكاح توفير المهر المتعارف بين الناس، وإن لم يسمه عند
النكاح، كما يلزم المتمتعين شروط المتعة إذا نسوا ذكر بعضها عند عقد
النكاح، لأن شروط المتعة معروفة متعارفة بيننا وهذا دليل واضح.
والحديث الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: (ما تزوج
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدة من نسائه، ولا زوج واحدة من
بناته، على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش، الأوقية أربعون درهما، والنش
نصف الأوقية عشرون درهما) (2).
فكان ذلك خمسمائة درهم، هذا (3) فهو صحيح، واعتقادنا على
هذا، وبه نأخذ.
وهذا الحديث لا ينقض ما ذكرناه، لأن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فعله استحبابا، بل تواضعا لله تعالى، ورحمة على أمته، ليؤجر

(1) أنظر ذلك في دعائم الإسلام 2: الحديث.
(2) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 376 بسنده عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله
عليه السلام، والشيخ الصدوق في معاني الأخبار: 214، والحميري في قرب الإسناد:
10 عن حماد أيضا، باختلاف يسير في اللفظ.
(3) في المستدرك: بوزننا بدل هذا.
26

المقتدي به، متبعا له، على سبيل الفضل والثواب، لا على سبيل الفرض
والوجوب، ولو كان ذلك واجبا لما جاز المهر دون خمسمائة درهم.
أما ترى لو أن رجلا تزوج امرأة على صداق مائة درهم يلزمه أكثر
منه، وأنه تزوجها على السنة، ولو كان ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم
واجبا لما تزوجها هذا الذي أمهرها دون الخمسمائة على السنة، وللزمه
الخمسمائة.
ولما صح أن فوقه ودونه وبدله جائز كله، علمنا أنه هو على سبيل
الفضل والثواب، لا على سبيل الفرض والوجوب.
وجميع ما شرحناه وبيناه، من إثبات المهر قليلا كان أو كثيرا، ومن
أي صنف كان، بعد رضا المرأة، فهو جائز ويسمى مهرا.
فإذا لم ترض المرأة إلا بمهر كثير معدود بالغ ما بلغ، بعد رضا الزوج
وإلزامه نفسه، فلها ذلك. وللزوج أن يفعل في حاله ما شاء، فقد أباح الله
له ذلك في محكم كتابه.
وروي عن مجالد (1)، أن عمر بن الخطاب (2) خطب الناس، فقال:
لا تغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني أحد ساق أكثر مما ساق رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال، فلما

(1) مجالد بن سعيد بن عمير بن بسطام بن ذي مران بن شر حبيل، أبو عمرو، وقيل: أبو
سعيد الكوفي، روى عن الشعبي وقيس بن أبي حازم وجبر بن نوف وغيرهم، وعنه روى
ابنه إسماعيل، وإسماعيل بن أبي خالد، وجرير بن حازم وجماعة. مات سنة 144. أنظر
تهذيب التهذيب 9:
(2) عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح، روى عن النبي صلى الله عليه وآله
وعن أبي بكر وأبي بن كعب، وروى عنه أولاده وعثمان وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن
عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم، قتل سنة 23 للهجرة. أنظر تهذيب التهذيب
7: 438.
27

نزل عرضت له امرأة من قريش، فقالت: كتاب الله أحق أن يتبع أو
قولك؟ قال: بل كتاب الله، قالت: فإن الله يقول: (وآتيتم إحداهن
قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) (1) فجعل عمر
يقول: كل أحد أفقه من عمر، ألا فليفعل الرجل في ماله ما بدا له (2).
وهذا يوافق القرآن، وما يوافق القرآن فهو أولى بالاتباع، لقول
المصطفى عليه السلام: (أيها الناس قد كثر الكذابة علينا، فأي حديث
ذكر مخالف لكتاب الله فلا تأخذوا به فليس منا) حدثنا به عن أبي
عبد الله عليه السلام (3).
وقال الصادق عليه السلام: (ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه
كتاب الله فهو باطل) (4).
ولا أدري كيف نسي المسؤول قول الخطباء عند عقدة النكاح في آخر
الخطبة: أن المهر ما تراضيا عليه. ولا يظهرون كميته ومبلغه، وهو عادة أكثر

(1) النساء: 20.
(2) ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 4: 284، وعد الشيخ الأميني في الغدير 6: 95 لهذا
الخبر طرقا وألفاظا عديدة جاوزت حد التواتر فلاحظ. وذكر الزمخشري في الكشاف
1 / 491، و عبد الرزاق في المصنف 6: 160 هذا الخبر بسند آخر وبألفاظ قريبة منه.
(3) لم أعثر على لفظ الحديث في المصادر المتوفرة، وهناك أحاديث بألفاظ قريبة منها ما رواه
البرقي في المحاسن والعياشي في التفسير والكليني في الكافي لفظه: عن هشام بن الحكم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة بمنى:
يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن
فلم أقله.
أنظر المحاسن 1: 321 الحديث 130، وتفسير العياشي 1: 8 الحديث 1، والكافي.
(4) رواه البرقي في محاسنه 1: 221 الحديث 129، والعياشي في تفسيره 1: 9 حديث 5.
28

الناس، ولو كان ما قاله صحيحا لأوضحوا ذلك وبينوه.
أما قرع سمعه ما فعله أبو طالب حين خطب، لما تزوج النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بخديجة بنت خويلد بعد أن خطبها إلى أبيها - ومن
الناس من يقول إلى عمها - فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش
حضور، فقال:
الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم، ومن ذرية إسماعيل،
وجعل لنا بيتا محجوبا، وحرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شئ، وجعلنا
الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد
الله بن عبد المطلب، لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس بأحد
منهم إلا عظم عنه، وإن كان في المال قل فإن المال رزق حائل، وظل
زائل، وله في خديجة رغبة، ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم عاجله
وآجله من مالي، وله خطر عظيم، وشأن رفيع، ولسان شافع جسيم،
فزوجه ودخل بها من الغد (1).
وكذلك روي عن الصادق عليه السلام: أنه حضر وعمومته
ومشايخ آل أبي طالب حضروهم، يريدون أن يزوجوا مولى لهم، قال:
فجلس عليه السلام وقال:
المحمود الله، والمصطفى محمد، وأحق ما بدئ به كتاب الله، يقول
الله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم - إلى قوله
- واسع عليم) (2) ثم إن فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان، بذل من
الصداق ما تراضيا به، وقد زوجناه على ما أمر الله به: (إمساك بمعروف

(1) رواه الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 251 الحديث 1198، ومكارم الأخلاق: 234. وروى الكليني في الكافي 5: 374 الحديث 9 الخطبة بألفاظ قريبة
(2) النور: 32.
29

أو تسريح بإحسان) (1).
ولا يخلو قوله من وجهين اثنين:
إما أن يكون زلة منه، فهذا يقع من العلماء، فقد قال الحكيم:
لكل جواد عشرة ولكل عالم هفوة.
وإما أن يكون قد اشتبه عليه.
فالأولى أن يقف عند الشبهة فيما لا يتحققه، فقد قال مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام: (الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة،
وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه، إن على كل حق
حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوا به، وما خالف
كتاب الله فدعوه).
حدثنا به عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده،
عن علي عليه السلام وذكر الحديث (2).
ولو كان هذا من غيره ممن يتزيى بزي أهل العلم، لظننا أن غرضه
منه فيما أجاب وأفتى به خلاف أهل العلم والفقه، أو لم يتجه له في الوقت
ما يوافق جواب هذا الخبر؟ ونعوذ بالله من زلة اللسان بما لا يسوغ في
الشرع، ولم يرد به الأثر عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة
عليهم السلام.
وقلنا: إن مثل هذا أكثره يقع من جهة الاستنكاف، والرجوع فيما

(1) البقرة: 239.
(2) رواه البرقي في المحاسن 1: 215 حديث 102 و 226 الحديث 150، ورواه العياشي
في تفسيره 1: 8 حديث 2، والشيخ الصدوق في أماليه: 221، وروى الشيخ الكليني
في الكافي 1: 69 الحديث الأول بسنده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر الحديث.
30

يشتبه عليه إلى أهل الفضل والفقه، فإن الله تعالى قال في كتابه: (وفوق
كل ذي علم عليم) (1) وحاشاه أن يكون بهذه الصفة.
ولا ينبغي لنا أن نستنكف بالرجوع إلى من هو أعلم منا فيما اشتبه
علينا شريفا أو وضيعا، فإنه لا يعدله شئ إلا أربعة أشياء، وهذا
خامسه، فقد قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: (خمسة لو رحلتم في
طلبهن [بالإبل] لأنضيتموها ولن تصيبوا بمثلهن: (لا يخاف العبد إلا
ذنبه، ولا يرجو العبد إلا ربه، ولا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن
يقول لا أدري، ولا يستنكف الجاهل أن يتعلم، والصبر من الإيمان بمنزلة
الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له).
حدثنا به عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن علي عليه
السلام (2).
وقال عليه السلام: (قوام الدنيا بأربعة: بعالم مستعمل لعلمه،
وجواد لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وجاهل لا يستنكف
أن يتعلم، فإذا ضيع العالم علمه، وبخل الغني بمعروفه، وباع الفقير
آخرته بدنياه، واستنكف الجاهل أن يتعلم، فالويل لهم والثبور إلى سبعين
مرة) (3).
وقال عليه السلام: (لا يكون الرجل عالما حتى يضيف علم الناس

(1) يوسف: 76.
(2) رواه أحمد بن عامر الطائي في صحيفة الإمام الرضا عليه السلام: 75 الحديث 178،
والصدوق في الخصال 1: 315 الحديث 95، والعيون 2: 44 الحديث 155،
وأخرجه في نهج البلاغة باب الحكم: 82 بألفاظ قريبة منه.
(3) رواه الصدوق في الخصال 1: 197 الحديث 5، وكذا في نهج البلاغة: 541 (باب
الحكم) برقم: 372، بألفاظ قريبة منه.
31

إلى علمه) (1).
وقال عليه السلام: (لا يكون العالم عالما حتى لا يحسد من فوقه ولا
يستحقر من دونه) (2).
وفيما بيناه وشرحناه كفاية لمن ترك الهوى، وأنصف من نفسه.
تم الكتاب بحمد الله ومنه
* * *

(1) لم أقف على هذا الحديث في الكتب المتوفرة لكن روى البرقي في محاسنه 1:
230 حديث 173 عن علي بن سيف رفعه قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام من أعلم
الناس؟ قال: من جمع علم الناس إلى علمه.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
32