الكتاب: تذكرة الفقهاء (ط.ج)
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ١١
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ذي الحجة ١٤٢٠
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٣-٧ (٢٠ Vols.)

134
تذكرة الفقهاء
تأليف
العلامة الحلي
الحسن بن يوسف بن المطهر
المتوفى سنة 726 ه‍
الجزء الحادي عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
1

BP العلامة الحلي الحسن بن يوسف 648 - 726 ق
182 تذكرة الفقهاء / تأليف العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر،
4 ت 8 ع / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث. - قم: مؤسسة آل البيت
1374 عليهم السلام لاحياء التراث، 1416 ق = 1374 ش.
20 ج، نموذج
المصادر بالهوامش
1. الفقه الجعفري - القرن 8. ألف. مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لاحياء التراث. ب. العنوان
شابك (ردمك) 7 - 33 - 5503 - 694 احتمالا 20 جزءا
ISBN 964 - 5503 - 33 - 7 / 20 VOLS.
شابك (ردمك) 5 - 224 - 319 - 694 / ج 11
ISBN 964 - 319 - 224 - 5 / VOL. 11
الكتاب: تذكرة الفقهاء / ج 11
المؤلف: العلامة الحلي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث - قم
التصوير الفني (الزينگغراف): تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - ذي الحجة - 1420 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 8000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لاحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لاحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37158 - هاتف 4 - 730001
4

المقصد الثالث: في وثاقة عقد البيع وضعفه.
مقدمة: الأصل في البيع اللزوم; لأن الشارع وضعه مفيدا لنقل الملك
من البائع إلى المشتري، والأصل الاستصحاب، والغرض تمكن كل من
المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، وإنما يتم باللزوم ليأمن من نقض
صاحبه عليه. وإنما يخرج عن أصله بأمرين:
أحدهما: ثبوت الخيار إما لأحد المتعاقدين أو لهما من غير نقص
في أحد العوضين بل للتروي خاصة.
والثاني: ظهور عيب في أحد العوضين، فهنا فصلان:
5

الفصل الأول:
في الخيار.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في أقسامه، وهي سبعة، وينظمها مباحث:
الأول: خيار المجلس.
مسألة 225: ذهب علماؤنا إلى أن لكل من المتبايعين خيار الفسخ بعد
العقد ماداما في المجلس، ولا يلزم العقد بمجرده، إلا أن يشترطا أو
أحدهما سقوط الخيار - وهو قول علي (عليه السلام) وابن عمر وأبي هريرة
وأبي بردة من الصحابة، ومن التابعين: شريح والشعبي وسعيد بن المسيب
والحسن البصري وطاوس وعطاء والزهري. ومن الفقهاء: الأوزاعي وابن
أبي ذئب وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والشافعي (1) - لما رواه
الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه
بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " (2).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " البيعان بالخيار

(1) المغني 4: 7، الشرح الكبير 4: 69، مختصر اختلاف العلماء 3: 47 / 1125،
الاستذكار 20: 229 - 230 / 29957 - 29959، بداية المجتهد 2: 170، مختصر
المزني: 75، الحاوي الكبير 5: 30، حلية العلماء 4: 15، العزيز شرح الوجيز
4: 169، المجموع 9: 184، روضة الطالبين 3: 100.
(2) الموطأ 2: 671 / 79، سنن أبي داود 3: 272 - 273 / 3454، سنن النسائي 7:
248، سنن البيهقي 5: 268.
7

ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما " (1).
ولأنه عقد يحصل فيه التغابن، ويحتاج إلى التروي، فوجب أن
يشرع لاستدراك أمره بثبوت الخيار ليخلص من الغبن المؤدي إلى الضرر
المنفي شرعا. ولأنه عقد يقصد به تمليك المال، فلا يلزم بمجرد العقد،
كالهبة.
وقال أبو حنيفة ومالك: يلزم العقد بالإيجاب والقبول، ولا يثبت
خيار المجلس؛ لأن عمر قال: البيع صفقة أو خيار. معناه: صفقة لا خيار
فيها، أو صفقة فيها خيار. ولأنه عقد معاوضة، فلا يثبت فيه خيار، كالنكاح
والكتابة والخلع (2).
وقول عمر ليس حجة خصوصا مع معارضته لما ورد عن النبي وأهل
بيته (عليهم السلام). وقد روى الشعبي عن عمر (3) أيضا مثل قولنا، فسقط الاستدلال
بهذه الرواية بالكلية، أو تحمل " أو " بمعنى الواو.
ولأنا نقول بموجبه؛ فإن البيع إما صفقة لا خيار فيها بشرط إسقاط
الخيار، أو خيار بأصل العقد.
والنكاح يخالف البيع؛ فإنه لا يدخله خيار الشرط. ولأنه لا يعقد في
العادة إلا بعد التروي والفكر؛ لعدم تكثره، بخلاف البيع.

(1) الكافي 5: 170 / 6، الخصال 127 - 128 / 128، التهذيب 7: 20 / 85، الاستبصار 3:
72 / 240.
(2) مختصر اختلاف العلماء 3: 46 / 1125، الاستذكار 20: 226 - 227 / 29941
و 29942، الحاوي الكبير 5: 30، حلية العلماء 4: 15 - 16، التهذيب - للبغوي -
3: 290، العزيز شرح الوجيز 4: 169، المجموع 9: 184، بداية المجتهد 2:
170، المغني 4: 7، الشرح الكبير 4: 69.
(3) الحاوي الكبير 5: 37.
8

إذا ثبت هذا، فقد اختلفوا في قوله (عليه السلام): " إلا بيع الخيار ".
فقال أبو حنيفة ومالك: بيع الخيار ما يثبت فيه الخيار بالشرط إما
ثلاثة أيام، كما هو مذهب أبي حنيفة، أو ما تدعو الحاجة إليه، كقول
مالك (1).
وقال الشافعي: بيع الخيار ما قطع فيه الخيار وأسقط منه (2).
مسألة 226: ويثبت هذا خيار المجلس في جميع أقسام البيع،
كالسلف والنسيئة والمرئي والموصوف والصرف والتولية والمرابحة،
وبالجملة جميع ما يندرج تحت لفظ البيع مما لم يشترط فيه سقوطه؛
لعموم قوله: " البيعان بالخيار " (3) عند كل من أثبت الخيار إلا في صور وقع
فيها الخلاف:
أ - إذا باع مال نفسه من ولده الصغير أو بالعكس، فالأقرب ثبوت
الخيار هنا - وهو أصح وجهي الشافعية (4) - لأن الولي هنا قائم مقام
الشخصين في صحة العقد، فكذا في الخيار.
والثاني: لا يثبت؛ لأن لفظ الخبر " البيعان " وليس هنا اثنان (5).
والجواب: أنه ورد على الغالب.

(1) بداية المجتهد 2: 209، حلية العلماء 4: 19، الحاوي الكبير 5: 65، المغني
4: 98، الشرح الكبير 4: 74.
(2) المجموع 9: 190 - 191.
(3) صحيح البخاري 3: 84، سنن ابن ماجة 2: 736 / 2182 و 2183، سنن أبي داود
3: 274 / 3459، سنن الترمذي 3: 550 / 1247، سنن النسائي 7: 249، سنن
الدارمي 2: 250، سنن البيهقي 5: 269 - 271.
(4 و 5) الوسيط 3: 101، حلية العلماء 4: 18، العزيز شرح الوجيز 4: 170،
روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9: 176.
9

وعلى ما قلناه يثبت الخيار للولي وللطفل معا، والولي نائب عن
الطفل، فإن التزم لنفسه وللطفل، لزم. وإن التزم لنفسه، بقي الخيار للطفل.
وإن التزم للطفل، بقي لنفسه.
ولو فارق المجلس، لم يبطل الخيار؛ لأن مفارقة المجلس مع
الاصطحاب لا تعد مفارقة مؤثرة في زوال الخيار، والشخص لا يفارق نفسه
وإن فارق المجلس، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: أنه بمفارقته المجلس يلزم العقد (1). وليس بجيد.
وحينئذ إنما يلزم بإسقاط الخيار، أو اشتراط سقوطه في العقد، وإلا
يثبت دائما.
وكذا لو باع مال أحد ولديه على الآخر وهما صغيران، والبحث كما
تقدم.
ب - لو اشترى من ينعتق عليه بالملك كالأب والابن، لم يثبت خيار
المجلس فيه أيضا؛ لأنه ليس عقد مغابنة من جهة المشتري؛ لأنه وطن
نفسه على الغبن المالي، والمقصود من الخيار أن ينظر ويتروي لدفع الغبن
عن نفسه.
وأما من جهة البائع فهو وإن كان عقد معاوضة لكن النظر إلى جانب
العتق أقوى، وهو أحد قولي الشافعية.
وفي الآخر: يثبت؛ لقوله (عليه السلام): " لن يجزي (2) ولد والده إلا بأن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 170، روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9: 176.
(2) في المصادر: " لا يجزي... ".
10

يجده مملوكا فيشتريه (1) فيعتقه " (2) فإنه يقتضي إنشاء إعتاق بعد العقد (3).
وهو ممنوع.
وأكثر الشافعية بنوا الخيار هنا على أقوال الملك في زمن الخيار، فإن
كان للبائع، فلهما الخيار، ولا يحكم بالعتق إلا بعد مضي الخيار. وإن كان
موقوفا، فلهما الخيار أيضا، وإذا أمضيا العقد، ظهر أنه عتق بالشراء. وإن
كان للمشتري، فلا خيار له، ويثبت للبائع (4).
ومتى يعتق؟ فيه وجهان عندهم:
أظهرهما: أنه لا يحكم بالعتق حتى يمضي زمان الخيار ثم يحكم
بعتقه يوم الشراء.
والثاني: أنه يعتق في الحال.
وحينئذ هل يبطل خيار البائع؟ وجهان، كما إذا أعتق المشتري العبد
الأجنبي في زمن الخيار، فإن فيه الوجهين. وأقواهما: ثبوت الخيار للبائع
وإن كان المشتري مالكا في زمن الخيار، وأن العبد لا يعتق في الحال؛ لأنه
لم يوجد منه الرضا إلا بأصل العقد (5).
ج - إذا اشترى العبد نفسه من مولاه وقلنا بالصحة، فلا خيار له.
وللشافعية في خيار المجلس هنا وجهان (6).

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " يشتريه ". وما أثبتناه من المصادر.
(2) صحيح مسلم 2: 1148 / 1510، سنن ابن ماجة 2: 1207 / 3659، سنن أبي داود
4: 335 / 5137، سنن الترمذي 4: 315 / 1906، مسند أحمد 2: 458 / 7103،
و 517 / 7516، و 3: 72 / 8676 و 193 / 9452.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 171، المجموع 9: 176.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 171، روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9: 176.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 171 - 172، روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9:
176 - 177.
11

د - لو اشترى جمدا في شدة الحر، ففي الخيار إشكال. وللشافعية
وجهان؛ لتلفه بمضي الزمان (1).
ه‍ - لو شرطا نفي خيار المجلس في عقد البيع، صح الشرط وسقط
الخيار.
وللشافعية في صحة البيع والشرط قولان (2).
و - لو اشترى الغائب بوصف، يثبت عندنا خيار المجلس والرؤية
معا فيه.
وللشافعي في صحة البيع قولان، فإن قال بصحته، لم يثبت خيار
المجلس مع خيار الرؤية عنده (3). وليس بجيد.
مسألة 227: ولا يثبت خيار المجلس في شيء من العقود سوى البيع
عند علمائنا؛ عملا بأصالة اللزوم، وعروض الجواز، خرج عنه البيع؛
لقوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار " (4) فيبقى الباقي على اللزوم بمقتضى عموم
قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (5).
وأثبت الشافعي خيار المجلس فيما شابه البيع، كصلح المعاوضة (6).
وهو مبني على القياس الباطل عندنا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 172، روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9: 177.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 291، روضة الطالبين 3: 103 - 104، المجموع 9:
178 - 179.
(3) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 172، وروضة الطالبين 3: 101 - 102،
والمجموع 9: 177.
(4) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 9، الهامش (3).
(5) المائدة: 1.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 170، روضة الطالبين 3: 100، المجموع 9: 175.
12

إذا ثبت هذا، فاعلم أن العقد إما أن يكون جائزا من الطرفين
- كالشركة والوكالة والقراض والوديعة والعارية - أو جائزا من أحد الطرفين
لازما من الآخر، كالضمان والكتابة. ولا خيار في هذين القسمين.
أما الجائز من الطرفين: فلأنهما بالخيار أبدا، فلا معنى لخيار
المجلس.
وأما الجائز من أحدهما: فلهذا المعنى من حيث هو جائز في حقه،
والآخر دخل فيه موطنا نفسه على الغبن، ومقصود الخيار التروي لدفع
الغبن عن نفسه.
وكذا الرهن لا يثبت فيه خيار المجلس، إلا أن يكون مشروطا في بيع
وأقبضه قبل التفرق وأمكن فسخ الرهن بأن يفسخ البيع حتى ينفسخ الرهن
تبعا.
وقال بعض الشافعية: يثبت الخيار في الكتابة (1). وبعضهم أثبته في
الضمان (2). وهما غريبان.
أو يكون لازما من الطرفين، وهو قسمان: إما أن يكون عقدا واردا
على العين، وإما واردا على المنفعة.
فمن أنواع الأول: البيع، ويثبت خيار المجلس في جميع أنواعه إلا
ما استثني. ويثبت خيار الشرط في جميع أنواعه إلا السلف والصرف - وبه
قال الشافعي (3) - لافتقار العقد فيهما إلى التقابض في المجلس والتفرق من
غير علقة بينهما، وثبوت الخيار بعد التفرق يمنع لزوم القبض فيه، ويثبت

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 170، روضة الطالبين 3: 100، المجموع 9: 175.
(3) الوجيز 1: 141، العزيز شرح الوجيز 4: 170 و 193، التهذيب - للبغوي - 3:
292 و 293، روضة الطالبين 3: 111، المجموع 9: 192.
13

بينهما علقة بعد التفرق.
ولا يثبت خيار المجلس في الصلح؛ لاختصاص الخبر (1) بالبيع.
وقسم الشافعي الصلح إلى أقسام ثلاثة: صلح هو بيع، مثل أن يدعي
دارا فيقر المتشبث له بها ثم يصالحه منها على عوض. وصلح هو إجارة بأن
يدعي دارا فيقر له بها ثم يصالحه على أن يخدمه هو أو عبده أو يسكنه
داره سنة. وصلح هو هبة وحطيطة بأن يدعي عليه شيئا فيقر له ثم يبرئه من
بعضه إن كان دينا ويأخذ الباقي، أو يهب له بعضه إن كان عينا ويأخذ
الباقي. فالأول يدخله الخياران معا، والباقيان لا يدخلهما شيء من
الخيارين؛ لأنه شرع فيهما على يقين بأنه لاحظ له فيهما (2).
وأما الإقالة: فإنها فسخ عندنا، وهو أحد قولي الشافعي (3)، فلا يثبت
فيها الخيار.
وفي الثاني له: أنها بيع، فيثبت فيها الخيار (4).
والحوالة ليست بيعا عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.
وعند الشافعي قولان:
أحدهما: أنها ليست معاوضة، فلا خيار فيها.
والثاني: أنها معاوضة فوجهان، أظهرهما: أنه لا خيار أيضا؛ لأنها
ليست على قواعد المعاوضات؛ إذ لو كانت معاوضة، كانت باطلة؛
لاشتمالها على بيع دين بدين. ولأنهما بمنزلة الإبراء، ولهذا لا تصح بلفظ

(1) أي خبر " البيعان بالخيار " المتقدم في ص 9.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 170 و 172 و 193، روضة الطالبين 3: 100 و 102
و 110، المجموع 9: 175 و 192.
(3 و 4) التهذيب - للبغوي - 3: 293، العزيز شرح الوجيز 4: 172، روضة الطالبين
3: 102، المجموع 9: 177.
14

البيع، وتجوز في النقود من غير قبض (1).
والضمان ليس بيعا، فلا يدخله الخيار - وبه قال الشافعي (2) - لأن
الضامن دخل فيه مقطوعا به مع الرضا بالغبن.
وأما الشفعة: فليست بيعا عندنا، فلا يثبت فيها خيار المجلس لأحد،
ولا خيار الشرط؛ لأنها لا تقف على التراضي.
وقال الشافعي: لا يثبت فيها خيار الشرط. وأما خيار المجلس
فلا يثبت للمشتري؛ لأنه يؤخذ منه الشقص بغير اختياره.
وفي ثبوته للشفيع وجهان:
الثبوت؛ لأن سبيل الأخذ بالشفعة سبيل المعاوضات، ولهذا يثبت فيه
الرد بالعيب والرجوع بالعهدة.
والمنع؛ لأن المشتري لا خيار له، ويبعد اختصاص خيار المجلس
بأحد المتعاقدين (3).
فاختلف أصحابه - على تقدير الثبوت - في معناه.
فقال بعضهم: إن الشفيع بالخيار بين الأخذ والترك ما دام في
المجلس مع القول بالفور (4).
وغلط إمام الحرمين هذا القائل، وقال: إنه على الفور، ثم له الخيار

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 293، حلية العلماء 5: 35، العزيز شرح الوجيز 4:
172، روضة الطالبين 3: 102، المجموع 9: 177.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 292، العزيز شرح الوجيز 4: 170، روضة الطالبين 3:
102، المجموع 9: 175.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 172 و 193، روضة الطالبين 3: 102 و 111، المجموع
9: 177 و 192.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 172، روضة الطالبين 3: 102، المجموع 9: 177.
15

في أخذ الملك ورده (1).
وأما اختيار عين المال المبيع من المفلس: فليس ببيع عندنا،
فلا يثبت فيه خيار، بل يلزمه أخذه، ولا خيار له، وهو قول أكثر
الشافعية (2).
وقال بعضهم وجها: إنه بالخيار ما دام في المجلس (3).
وأما الوقف: فلا خيار فيه عندنا وعند الشافعي (4)؛ لأنه إزالة ملك
على وجه القربة، ويزول أيضا إلى غير ملك، فهو كالعتق.
وأما الهبة بنوعيها: فلا خيار فيها عندنا؛ لأنها ليست بيعا.
وأما الشافعي فقال: إنها غير لازمة قبل القبض، فلا خيار فيها (5).
وإذا قبض فإن لم يكن فيها ثواب، فلا خيار فيها؛ لأنه قصد التبرع،
فلا معنى لإثبات الخيار فيها.
وإن وهب بشرط الثواب أو مطلقا وقلنا: إنه يقتضي الثواب، فيه وجهان:
أظهرهما: أنه لا خيار فيها؛ لأنها لا تسمى بيعا، ولفظ الهبة لفظ
الإرفاق، فلا يثبت بمقتضاه الخيار.
والثاني: أنه يثبت فيها خيار المجلس وخيار الشرط (6).
وقال بعضهم: إنه لا يثبت خيار الشرط، وفي خيار المجلس

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 172، روضة الطالبين 3: 102، المجموع 9: 177.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 172، روضة الطالبين 3: 102، المجموع 9: 177.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 454، التهذيب - للبغوي - 4: 527، حلية العلماء 6:
48، العزيز شرح الوجيز 6: 318، روضة الطالبين 4: 437، المجموع 9: 177 -
178.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 293، العزيز شرح الوجيز 4: 172 - 173، روضة
الطالبين 3: 102، المجموع 9: 177.
16

قولان (1).
وأما الوصية: فلا خيار فيها؛ لأنه بالخيار إلى أن يموت، وإذا (2) مات
فات.
وأما القسمة: فلا خيار فيها، سواء تضمنت ردا أو لا؛ لأنها ليست
بيعا.
وقال الشافعي: يثبت الخيار إن تضمنت ردا. وإن لم تتضمن، فإن
جرت بالإجبار، فلا خيار فيها. وإن جرت بالتراضي، فإن قلنا: إنها إفراز
حق، لم يثبت خيار. وإن قلنا: إنها بيع، فكذلك في أصح الوجهين (3).
وأما النوع الثاني - وهو الوارد على المنفعة - فمنه النكاح، ولا يثبت فيه
خيار المجلس؛ للاستغناء عنه بسبق التأمل غالبا. ولأنه لا يقصد فيه العوض.
وأما الصداق: فلا يثبت فيه خيار المجلس عندنا؛ لأنه ليس ببيع.
وللشافعية قولان:
أحدهما: ما قلناه؛ لأنه أحد عوضي النكاح، وإذا لم يثبت في أحد
العوضين لم يثبت في الآخر. ولأن المال تبع [في] (4) النكاح، وإذا لم يثبت
الخيار في المتبوع لم يثبت في التابع.
والثاني: يثبت؛ لأن الصداق عقد مستقل.
ومنهم من قال: يثبت فيه خيار الشرط. فعلى هذا إن فسخ، وجب
مهر المثل.

(1) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 193.
(2) في " ق، ك ": " فإذا ".
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 293 - 294، العزيز شرح الوجيز 4: 173، روضة
الطالبين 3: 102، المجموع 9: 178.
(4) أضفناها من المصدر. وفي الطبعة الحجرية: " يتبع النكاح ".
17

وعلى هذين الوجهين ثبوت خيار المجلس في عوض الخلع،
أحدهما: الثبوت؛ لأنه معاوضة، وإذا فسخ، بقي الطلاق رجعيا. وعدمه؛
لأن القصد منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح (1).
وأما الإجارة: فلا يثبت فيها خيار المجلس بنوعيها، أعني المعينة،
وهي المتعلقة بالزمان، والتي في الذمة؛ لأنها ليست بيعا.
وقالت الشافعية: في ثبوت خيار المجلس فيها وجهان:
الثبوت؛ لأنها معاوضة لازمة، كالبيع، بل هي ضرب منه في الحقيقة.
وقال بعضهم بعدمه؛ لأن عقد الإجارة مشتمل على غرر؛ لأنه عقد
على معدوم والخيار غرر فلا يضم غرر إلى غرر (2).
وقال القفال: إن الخلاف في إجارة العين، أما الإجارة على الذمة
فيثبت فيها خيار المجلس لا محالة؛ لأنها ملحقة بالسلم حتى يجب فيها
قبض البدل في المجلس (3). وهو ممنوع.
وقال بعضهم: لا يثبت خيار الشرط، ويثبت خيار المجلس في إجارة
الذمة كالإجارة المعينة. ولأن الغرر يقل في خيار المجلس، بخلاف خيار
الشرط (4).

(1) المهذب - للشيرازي - 2: 58، الوسيط 3: 103، الوجيز 2: 27، العزيز شرح
الوجيز 4: 173 و 8: 255، المجموع 9: 178، روضة الطالبين 3: 102 - 103،
و 5: 590.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 407، المجموع 9: 178، التهذيب - للبغوي - 3:
294 - 295، العزيز شرح الوجيز 4: 173، روضة الطالبين 3: 103.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 295، العزيز شرح الوجيز 4: 173، روضة الطالبين 3:
103، المجموع 9: 178.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 407، حلية العلماء 5: 404 - 405، التهذيب
- للبغوي - 3: 295.
18

وعلى تقدير ثبوت الخيار في إجارة العين فابتداء المدة يحسب من
وقت انقضاء الخيار بالتفرق أو من وقت العقد؟ قولان:
أحدهما: من وقت انقضاء الخيار؛ لأن الاحتساب من وقت العقد
يعطل [المنافع] (1) على المكري أو المكتري، وعلى هذا لو أراد المكري أن
يكريه من غيره في مدة الخيار، لم يجز وإن كان محتملا في القياس.
والصحيح عندهم: أنه يحسب من وقت العقد؛ إذ لو حسب من
وقت انقضاء الخيار، لتأخر ابتداء مدة الإجارة عن العقد، فيكون بمنزلة
إجارة الدار السنة القابلة، وهي باطلة عندهم.
وعلى هذا فعلى من تحسب مدة الخيار؟ إن كان قبل تسليم العين
إلى المستأجر، فهي محسوبة على المكري. وإن كان بعد التسليم، فوجهان
مبنيان على أن المبيع إذا هلك في يد المشتري في زمن الخيار من ضمان
من يكون؟
أصحهما: أنه من ضمان المشتري، فعلى هذا فهي محسوبة على
المستأجر، وعليه تمام الاجرة.
والثاني: أنها من ضمان البائع، فعلى هذا تحسب على المكري،
ويحط من الاجرة بقدر ما يقابل تلك المدة (2).
وأما المساقاة: فلا خيار فيها عندنا للمجلس؛ لتعلقه بالبيع وليست به.
ولا يثبت فيها خيار الشرط عند الشافعي (3)، كالإجارة المعينة
المتعلقة بالزمان؛ لأنها عقد على منفعة تتلف بمضي الزمان، والمساقاة من

(1) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 174، روضة الطالبين 3: 103، المجموع 9: 178.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 399.
19

شرطها أن تكون مدتها معلومة عقيب العقد.
وهل يثبت في المساقاة خيار المجلس؟ للشافعي طريقان:
أظهرهما: أنه على الخلاف المذكور في الإجارة.
والثاني: القطع بالمنع؛ لأن الغرر فيه أعظم، فإن كل واحد من
المتعاقدين لا يدري ما يحصل له، فلا يضم إليه غرر آخر (1).
وأما المسابقة والمراماة: فقولان عند الشافعي، فإن قلنا: إنها لازمة،
فهي كالإجارة. وإن قلنا: إنها جائزة، فهي كالعقود الجائزة (2).
وعندنا لا خيار فيها مطلقا.
وأما العتق: فإنه إسقاط حق، وكذا التدبير؛ لأنه عتق معلق بشرط.
والكتابة لا خيار للسيد فيها؛ لأنه دخل على وجه القربة، وتحقق
الغبن في معاوضته؛ لأنه باع ماله بماله. وأما العبد فله الخيار أبدا؛ لأن
العقد جائز من جهته على ما اختاره الشيخ (3)، وبه قال الشافعي (4).
والطلاق إسقاط حق، فلا يثبت فيه خيار.
مسألة 228: مسقطات خيار المجلس أربعة:
أ - اشتراط سقوطه في متن العقد.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 399، المجموع 9: 178، حلية العلماء 5: 371،
التهذيب - للبغوي - 3: 295، العزيز شرح الوجيز 4: 174، روضة الطالبين 3:
103.
(2) الوسيط 3: 102، العزيز شرح الوجيز 4: 174، حلية العلماء 5: 462 - 463،
التهذيب - للبغوي - 3: 295، روضة الطالبين 3: 103، المجموع 9: 178.
(3) الخلاف 3: 18، المسألة 21.
(4) المهذب - للشيرازي - 2: 12، الوسيط 7: 526، الوجيز 2: 289، العزيز
شرح الوجيز 13: 513، الحاوي الكبير 18: 146 و 294، التهذيب - للبغوي -
8: 481، حلية العلماء 6: 201 - 202، روضة الطالبين 8: 505.
20

ب - الافتراق.
ج - التخاير.
د - التصرف، فإن كان من المشتري، سقط خياره في الرد؛ لأنه
بتصرفه التزم بالملك، واختار إبقاء العقد. وإن كان البائع، كان فسخا
للعقد.
أما الأول: فإذا تعاقدا وشرطا في متن العقد سقوط خيار المجلس أو
غيره، سقط؛ لأنه شرط سائغ، لتعلق الأغراض بلزوم العقد تارة وجوازه
اخرى، فيصح؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (1) وصحته تقتضي
الوفاء به.
ولو شرط أحدهما سقوطه عنه خاصة، سقط بالنسبة إليه دون
صاحبه، فليس له اختيار الفسخ، ولصاحبه اختياره.
وأما الثاني: فإنه مسقط للخيار إجماعا؛ لقوله (عليه السلام):
" ما لم يفترقا " (2) جعل مدة الخيار لهما دوامهما مصطحبين، سواء أقاما
كذلك في المجلس أو فارقاه، فيكون ما عداه خارجا عن هذا الحكم تحقيقا
لمسمى الغاية.
ويحصل بالتفرق بالأبدان لا بالمجلس خاصة؛ لانصراف الإطلاق إليه
عرفا، وحيث علق الشارع الحكم عليه ولم يبينه دل على حوالته فيه على
عرف الناس، كغيره من الألفاظ، كالقبض والحرز والإحياء.

(1) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(2) سنن ابن ماجة 2: 736 / 2181، سنن أبي داود 3: 272 - 273 / 3454 و 3456
و 3457، سنن الترمذي 3: 550 / 1247، سنن النسائي 7: 249 - 250، سنن
الدارمي 2: 250، سنن البيهقي 5: 268، الموطأ 2: 671 / 79.
21

ولما روي عن الباقر (عليه السلام) قال: " إني ابتعت أرضا فلما استوجبتها
قمت فمشيت خطا ثم رجعت فأردت أن يجب البيع " (1).
وأما الثالث: فإنه يقطع خيار المجلس إجماعا.
وصورته: أن يقولا: تخايرنا أو اخترنا إمضاء العقد، أو أمضيناه، أو
اخترناه، أو التزمنا به، وما أشبه ذلك، فإنه يدل على الرضا بلزوم البيع.
إذا ثبت هذا، فإن قالاه في نفس العقد بأن عقدا على أن لا يكون
بينهما خيار المجلس، فهو القسم الأول، وقد ذكرنا مذهبنا فيه، وأنه
يقتضي سقوط خيار المجلس؛ عملا بالشرط.
واختلفت الشافعية في ذلك على طريقين:
أحدهما: أن هذا الشرط لا يصح قولا واحدا؛ لأنه خيار يثبت بعد
تمام العقد، فلا يسقط بإسقاطه قبل تمام العقد، كخيار الشفعة.
والثاني: أنه يصح ويسقط الخيار؛ لقوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما
لم يتفرقا إلا بيع الخيار " (2) والاستثناء من الإثبات نفي، فيكون بيع
الخيار لا خيار فيه، ويريد ببيع الخيار ما اسقط فيه الخيار. ولأن الخيار حق
للمتعاقدين وفيه غرر أيضا، فإذا اتفقا على إسقاطه، جاز، كالأجل، وكما
لو أسقطاه بعد العقد.
وعلى القول ببطلان الشرط ففي بطلان البيع وجهان: البطلان؛ لأنه
شرط نافى مقتضاه فأفسده، كما لو شرط أن لا يبيعه أو لا يتصرف فيه.
والصحة؛ لأنه شرط لا يؤدي إلى جهالة العوض ولا المعوض (3).

(1) التهذيب 7: 20 / 84، الاستبصار 3: 72 / 239.
(2) صحيح مسلم 3: 1163 / 1531، صحيح البخاري 3: 84، سنن النسائي 7:
248، سنن البيهقي 5: 268، الموطأ 2: 671 / 79 بتفاوت يسير في غير الأول.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 265، المجموع 9: 178 - 179، حلية العلماء 4:
18 - 19، التهذيب - للبغوي - 3: 291، روضة الطالبين 3: 103 - 104.
22

فروع التفرق:
أ - قد عرفت أن الحوالة في التفرق على العادة، فلو تبايعا وأقاما سنة
في مجلسهما لم يتفرقا بأبدانهما، بقي الخيار. وكذا لو قاما وتماشيا
مصطحبين منازل كثيرة، لم ينقطع الخيار؛ لعدم تحقق التفرق، وبه قال أكثر
الشافعية (1).
ولباقيهم قولان غريبان:
أحدهما: أنه لا يزيد الخيار على ثلاثة أيام؛ لأنها نهاية الخيار
المشروط شرعا (2). وهو ممنوع.
والثاني: قال بعضهم: لو لم يتفرقا لكن شرعا في أمر آخر وأعرضا
عما يتعلق بالعقد وطال الفصل، انقطع الخيار (3). وليس بشيء.
ب - التفرق حقيقة في غير المتماسين، وهو يحصل بأن يكون كل
واحد منهما في مكان ثم يتبايعا. لكن ذلك غير مراد من قوله (عليه السلام): " ما
لم يتفرقا " (4) أي ما لم يجددا افتراقا بعد عقدهما، فيبقى المراد: ما لم
يفارق أحدهما مكانه، فإنه متى فارق تخللهما أجسام أكثر مما كان
يتخللهما أولا، فيثبت معنى الافتراق بأقل انتقال ولو بخطوة.
وفصل الشافعي هنا، فقال: إن كانا في دار صغيرة، لم يحصل التفرق
إلا بأن يخرج أحدهما من الدار، أو يصعد أحدهما إلى العلو والآخر في

(1) الوسيط 3: 104، العزيز شرح الوجيز 4: 175، التهذيب - للبغوي - 3: 307،
روضة الطالبين 3: 104، المجموع 9: 180.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 177 - 178، روضة الطالبين 3: 104 و 105،
المجموع 9: 180.
(4) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 22، الهامش (2).
23

السفل. وكذا المسجد الصغير والسفينة الصغيرة لا يحصل التفرق إلا
بالخروج منهما.
وإن كانا في دار كبيرة وكان أحدهما في البيت والآخر في الصفة،
حصل الافتراق، أو يخرج أحدهما من البيت إلى الصحن أو يدخل من
الصحن في بيت أو صفة. وكذا السفينة الكبيرة إذا صعد أحدهما إلى أعلاها
وبقي الآخر في أسفلها.
وإن كانا في صحراء أو سوق، قال الشافعي: يحصل التفرق بأن يوليه
ظهره.
قال أصحابه: لم يرد أنه يجعل ذلك بتفسير التولية، وإنما أراد إذا
ولاه ظهره ومشى قليلا.
وقال الإصطخري: يشترط أن يبعد بحيث إذا كلمه صاحبه على
الاعتياد من غير رفع الصوت، لم يسمع (1).
وكل هذه تخمينات، الأولى الإعراض عنها، والاعتماد على ما دل
عليه اللفظ لغة.
ج - لا يحصل التفرق ببقائهما في المجلس وضرب ساتر بينهما
كستر وشبهه، ويكون كما لو غمضا أعينهما. وكذا لو شق بينهما نهر
لا يتخطى. وكذا لو بني بينهما جدار من طين أو جص.
وفي الآخر للشافعية وجهان، أصحهما: عدم السقوط؛ لأنهما في
مجلس العقد (2).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 178، روضة الطالبين 3: 105، المجموع 9: 180.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 178، روضة الطالبين 3: 105، المجموع 9: 181.
24

وألحقه الجويني بما إذا حمل أحدهما واخرج (1).
وصحن الدار والبيت الواحد إذا تفاحش اتساعهما كالصحراء.
د - لو تباعدا كثيرا وتناديا وتبايعا، صح البيع إجماعا، ويثبت الخيار
ما داما في مجلس العقد وموضعهما، وبه قال جماعة من الشافعية (2).
وقال الجويني: لا خيار هنا؛ لأن التفرق الطارئ قاطع للخيار،
فالمقارن يمنع ثبوته (3). وليس بشيء.
ه‍ - لو فارق أحدهما موضعه وبقي الآخر، بطل خيار الأول قطعا.
وفي الثاني للجويني احتمالان:
سقوط خياره - وهو الأقوى عندي - لتحقق معنى الافتراق، فإنه
يحصل بقيام أحدهما عن مكانه.
وعدمه، بل يدوم إلى أن يفارق مكانه (4). وليس بشيء.
وكذا لو هرب أحدهما خاصة، سواء فعل ذلك حيلة في لزوم العقد
أو لا، وسواء كانا عالمين بالحكم أو بالتفريق أو جاهلين بهما أو بالتفريق؛
لتحقق الافتراق في الجميع.
و - لو مات أحد المتعاقدين في مجلس العقد، احتمل سقوط
الخيار؛ لأنه يسقط بمفارقة المكان فبمفارقة الدنيا أولى. وعدمه؛ لانتفاء
افتراق الأبدان، فيثبت للوارث ما دام الميت والآخر في المجلس، أو الآخر
والوارث على احتمال، كخيار الشرط والعيب.
وللشافعي قولان كالاحتمالين؛ لأنه قال في " المختصر " في " البيع ":
إن الخيار لوارثه. وقال في " المكاتب ": إذا باع ولم يتفرقا حتى مات

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 178.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 178، روضة الطالبين 3: 105، المجموع 9: 181.
25

المكاتب، وجب البيع.
واختلف أصحابه في القولين على ثلاثة طرق:
أظهرها: أنه قولان: لزوم البيع، وعدم لزومه، بل يثبت الخيار
للوارث والسيد.
والثاني: القطع بثبوت الخيار للوارث والسيد.
والثالث: ثبوته في الوارث دون السيد.
والفرق: أن الوارث خليفة المورث، فيقوم مقامه في الخيار، والسيد
ليس خليفة للمكاتب، بل يأخذ بحق الملك. وعلى هذا العبد المأذون إذا
باع أو اشترى ومات في المجلس، يجي فيه الخلاف (1). وقد عرفت ما
عندنا فيه.
ولو مات الوكيل بالشراء في المجلس، انتقل الخيار إلى الموكل.
هذا إذا فرعنا على أن الاعتبار بمجلس الوكيل في الابتداء، وهو
الوجه عند الشافعية (2).
ولهم آخر: أن الاعتبار بمجلس الموكل (3).
ز - إذا قلنا بلزوم البيع، انقطع خيار الميت. وأما الحي: فإن جعلنا
الموت تفريقا وأسقطنا الخيار للمقيم بعد مفارقة صاحبه، سقط هنا أيضا.
وللشافعية قول: إنه لا يسقط حتى يفارق ذلك المجلس (4).
وقال الجويني - تفريعا على هذا القول -: إنه يلزم العقد من
الجانبين؛ لأن الخيار لا يتبعض في السقوط، كما في الثبوت (5).
ح - إن قلنا بثبوت الخيار للوارث، فإن كان حاضرا في المجلس،

(1) الحاوي الكبير 5: 57، العزيز شرح الوجيز 4: 178، روضة الطالبين 3: 105،
المجموع 9: 207.
(2 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 179، روضة الطالبين 3: 106، المجموع 9: 207.
26

امتد الخيار بينه وبين العاقد الآخر حتى يتفرقا أو يتخايرا.
ويحتمل أن يمتد الخيار بينه وبين الآخر ما دام الميت والآخر في
المجلس.
وإن كان غائبا، فله الخيار إذا وصل الخبر إليه.
ثم هو على الفور أو يمتد بامتداد مجلس بلوغ الخبر إليه؟ للشافعية
وجهان: الفور؛ لأن المجلس قد انقضى وإنما أثبتنا له الخيار؛ لئلا يبطل
حقا كان للمورث. وعدمه؛ لأن الوارث خليفة المورث، فيثبت له على ما
يثبت للمورث (1).
والأول عندي أقرب.
وهذان الوجهان عند الشافعية كالوجهين في خيار الشرط إذا ورثه
الوارث وكان بلوغ الخبر إليه بعد انقضاء مدة الخيار. ففي وجه: هو على
الفور. وفي آخر: يدوم ويمتد ما كان يدوم للمورث لو لم يمت. هذا على
قول الأكثر.
وقال بعضهم: في كيفية ثبوت الخيار للوارث وجهان نقلوهما في
كيفية ثبوته للعاقد الباقي:
أحدهما: أن له الخيار ما دام في مجلس العقد، فإذا فارقه، بطل.
فعلى هذا يكون خيار الوارث الواحد في المجلس الذي يشاهد فيه المبيع
ليتأمل ويختار ما فيه الحظ.
والثاني: أن خياره يتأخر إلى أن يجتمع مع الوارث في مجلس. فعلى
هذا حينئذ يثبت الخيار للوارث (2).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 179، روضة الطالبين 3: 106، المجموع 9: 208.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 179 - 180، روضة الطالبين 3: 106، المجموع 9: 208.
27

ط - لو تعدد الوارث، فإن كانوا حضورا في مجلس العقد، فلهم
الخيار إلى أن يفارقوا العاقد الآخر، ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم - وهو
أصح قولي الشافعية (1) - لأنه لم يحصل تمام الافتراق، لأنهم ينوبون عن
الميت جميعهم.
وكذا إذا بلغهم وهم في مجالسهم ففارقوا مجالسهم إلا واحدا،
لم يلزم العقد.
وإن كانوا غيبا عن المجلس، فإن قلنا: في الوارث الواحد يثبت له
الخيار في مجلس مشاهدة المبيع، فلهم الخيار إذا اجتمعوا في مجلس
واحد. وإن قلنا: له الخيار إذا اجتمع مع العاقد، فكذلك لهم الخيار إذا
اجتمعوا معه.
ي - لو فسخ بعضهم وأجاز بعضهم، فالأقوى أنه ينفسخ في الكل،
كالمورث لو فسخ في حياته في البعض وأجاز في البعض. وهو أصح
وجهي الشافعية. وفي آخر: أنه لا ينفسخ في شيء (2).
يأ - لو اكرها على التفرق وترك التخاير، لم يسقط خيار المجلس
وكان الخيار باقيا إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضا باللزوم، وهو أظهر
الطريقين عند الشافعية.
والثاني: أن في انقطاعه وجهين، كالقولين في صورة الموت، وهذا
أولى ببقاء الخيار؛ لأن إبطال حقه قهرا مع بقائه بعيد (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 180، روضة الطالبين 3: 106 - 107، المجموع 9:
208.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 180، روضة الطالبين 3: 107، المجموع 9: 208.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 180 - 181، روضة الطالبين 3: 107، المجموع 9:
181 - 182.
28

وكذا لو حمل أحد المتعاقدين واخرج عن المجلس مكرها ومنع من
الفسخ بأن يسد فوه مثلا.
ولو لم يمنع من الفسخ، فطريقان للشافعية:
أظهرهما: أن في انقطاع الخيار وجهين:
أحدهما: ينقطع - وبه قال أبو إسحاق - لأن سكوته عن الفسخ مع
القدرة رضا بالإمضاء.
وأصحهما: أنه لا ينقطع؛ لأنه مكره في المفارقة، فكأنه لا مفارقة،
والسكوت عن الفسخ لا يبطل الخيار، كما في المجلس.
والثاني: القطع بالانقطاع، فإن قلنا به، انقطع خيار الماكث أيضا، وإلا
فله التصرف بالفسخ والإجازة إذا وجد التمكن (1).
وهل هو على الفور؟ فيه ما سبق من الخلاف، فإن قلنا بعدم الفور
وكان مستقرا حين زايله للإكراه في مجلس، امتد الخيار بامتداد ذلك
المجلس. وإن كان مارا، فإذا فارق في مروره مكان التمكن، انقطع خياره،
وليس عليه الانقلاب إلى مجلس العقد ليجتمع مع العاقد الآخر إن طال
الزمان. وإن لم يطل، ففيه احتمال عند الجويني (2).
وإذا لم يبطل خيار المخرج، لم يبطل خيار الماكث أيضا إن منع من
الخروج معه. وإن لم يمنع، بطل؛ لحصول التفرق باختياره؛ إذ لا يشترط
فيه مفارقة كل منهما المجلس، بل يكفي مفارقة أحدهما وبقاء الآخر فيه
باختياره، وهو أصح وجهي الشافعية (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 180 - 181، روضة الطالبين 3: 107، المجموع 9:
181 - 182.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 181، روضة الطالبين 3: 107.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 181، روضة الطالبين 3: 107، المجموع 9: 182.
29

يب - لو ضربا حتى تفرقا بأنفسهما، فالأقرب: عدم انقطاع الخيار؛
لأنه نوع إكراه. وللشافعي قولان (1).
ولو هرب أحدهما ولم يتبعه الآخر مع التمكن، بطل خيارهما. وإن
لم يتمكن، بطل خيار الهارب خاصة. وفي بطلان خيار الآخر وجهان
للشافعية (2).
والأقرب عندي: البطلان إن كان الهرب اختيارا؛ لأنه باختياره فارقه،
ولا يقف افتراقهما على تراضيهما جميعا؛ لأنه لما سكت عن الفسخ وفارقه
صاحبه، لزم.
يج - لو جن أحد المتعاقدين أو اغمي عليه قبل التفرق، لم ينقطع
الخيار، لكن يقوم وليه أو الحاكم مقامه، فيفعل ما فيه مصلحته من الفسخ
أو الإجازة، وهو أظهر وجهي الشافعية (3).
ولهم آخر مخرج من الموت: أنه ينقطع (4).
ولو فارق المجنون مجلس العقد، قال الجويني: يجوز أن يقال:
لا ينقطع الخيار؛ لأن التصرف انقلب إلى القيم عليه (5).
وعورض بأنه لو كان كذلك، لكان الجنون كالموت (6).
ولو خرس أحدهما قبل التفرق، فإن كان له إشارة مفهومة، قامت

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 307، العزيز شرح الوجيز 4: 181، روضة الطالبين 3:
107.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 307، العزيز شرح الوجيز 4: 181، روضة الطالبين 3:
107، المجموع 9: 182 - 183.
(3 و 4) الوسيط 3: 106، العزيز شرح الوجيز 4: 181، التهذيب - للبغوي - 3:
318، الحاوي الكبير 5: 58، روضة الطالبين 3: 108، المجموع 9: 209.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 181.
30

مقام لفظه. وإن لم يكن له إشارة مفهومة ولا خط، كان حكمه حكم
المغمى عليه ينوب عنه الحاكم.
يد - لو جاءا مصطحبين وتنازعا في التفرق بعد البيع فادعاه أحدهما
وأن البيع قد لزم، وأنكر الآخر، قدم قول المنكر مع اليمين؛ لأصالة دوام
الاجتماع، وهو أحد قولي الشافعية.
وفي الآخر: يبنى على الظاهر، فإن قصرت المدة، قدم قول المنكر
مع اليمين. وإن طالت، قدم قول المدعي؛ لندور الاجتماع المدة الطويلة،
فمدعيه يدعي خلاف الظاهر، فيقدم قول مدعي الفسخ بالتفرق بناء على
الظاهر (1).
ولو اتفقا على التفرق وقال أحدهما: فسخت قبله، وأنكر الآخر،
قدم قوله مع اليمين؛ لأن الأصل عدم الفسخ، وهو أحد قولي الشافعية.
وفي الآخر: يقدم قول مدعي الفسخ؛ لأنه أعرف بتصرفه (2). وليس
شيئا.
ولو اتفقا على عدم التفرق وادعى أحدهما الفسخ، احتمل أن تكون
دعواه فسخا.
يه - لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان، فالأقرب: تعلق
الخيار بهما وبالموكلين جميعا في المجلس، وإلا فبالوكيلين. فلو مات
الوكيل في المجلس والموكل غائب، انتقل الخيار إليه؛ لأن ملكه أقوى من

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 182، وفي روضة الطالبين 3: 108، والمجموع 9:
183 القول الأول.
(2) الوجيز 1: 141، العزيز شرح الوجيز 4: 182، روضة الطالبين 3: 108،
المجموع 9: 183.
31

ملك الوارث.
وللشافعية قولان، أحدهما: أن الخيار يتعلق بالموكل. والثاني: أنه
يتعلق بالوكيل (1).
فروع التخاير:
أ - لو قال أحد المتعاقدين: اخترت إمضاء العقد، سقط خياره قطعا؛
لرضاه بالتزام البيع، ولا يسقط خيار الآخر؛ عملا بأصالة الاستصحاب
السالم عن معارضة الإسقاط، وكما في خيار الشرط إذا أسقط أحدهما
الخيار، يبقى خيار الآخر، وهو أحد وجهي الشافعية.
وفي الآخر: أنه يسقط أيضا؛ لأن هذا الخيار لا يتبعض في الثبوت
فلا يتبعض في السقوط (2).
وهو ممنوع؛ لأن (3) اشتراط الخيار لأحدهما دون الآخر سائغ، فجاز
الافتراق في الإسقاط.
ب - لو قال أحدهما للآخر: اختر، أو خيرتك، فقال الآخر: اخترت
إمضاء العقد، انقطع خيارهما معا، وإن اختار الفسخ، انفسخ، وإن سكت
ولم يختر إمضاء العقد ولا فسخه، فهو على خياره لم يسقط. وأما الذي
خيره فإنه يسقط خياره؛ لأنه جعل له ما ملكه من الخيار، فسقط خياره؛
لأنه جعله لغيره، وهو أظهر قولي الشافعية.
وفي الثاني: لا يسقط؛ لأنه خيره، فإذا لم يختر، لم يسقط بذلك

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 179، روضة الطالبين 3: 106، المجموع 9: 207.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 174، روضة الطالبين 3: 104، المجموع 9: 179.
(3) في " ق، ك ": " فإن " بدل " لأن ".
32

حق المخير، كما أن الزوج إذا خير زوجته فسكتت ولم تختر، لم يسقط
بذلك حقه، كذا هنا (1).
والفرق: أنه ملك الزوجة - ما لا تملك، فإذا لم تقبل، سقط، وهنا
كل واحد منهما يملك الخيار، فلم يكن قوله تمليكا له، وإنما كان إسقاطا
لحقه من الخيار، فسقط.
ويدل عليه قوله (عليه السلام): " أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر " (2) فإنه
يقتضي أنه إذا قال لصاحبه: اختر، لا يكون الخيار لكل واحد منهما، كما
في قوله: " ما لم يتفرقا " (3).
هذا إذا قصد بقوله: " اختر " تمليك الخيار لصاحبه، ويسقط (4) حقه
منه. ولو لم يقصد، لم يسقط خياره، سواء اختار الآخر أو سكت.
والموت كالسكوت، فلو قال له: اختر، وقصد التمليك ثم مات
القائل، سقط خياره. ولو مات المأمور، فكسكوته.
ج - لو اختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ، قدم الفسخ على
الإجازة؛ إذ لا يمكن الجمع بينهما، ولا انتفاؤهما؛ لاشتماله الجمع بين
النقيضين، فتعين تقديم أحدهما، لكن الذي اختار الإمضاء قد دخل في
عقد ينفسخ باختيار صاحبه الفسخ ورضي به، فلا أثر لرضاه به لازما بعد
ذلك.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 265، المجموع 9: 179، العزيز شرح الوجيز 4:
175، روضة الطالبين 3: 104.
(2) صحيح البخاري 3: 84، سنن أبي داود 3: 273 / 3455، سنن البيهقي 5:
269.
(3) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 22، الهامش (2).
(4) في " ق، ك ": " سقط ".
33

د - لو تقابضا العوضين في المجلس ثم تبايعا العوضين معا ثانيا،
صح البيع الثاني؛ لأنه صادف الملك، وهو رضا منهما بالأول، وهو
المشهور عند الشافعية (1).
وعند بعضهم أنه مبني على أن الخيار هل يمنع انتقال الملك؟ إن
قلنا: يمنع، لم يصح (2).
ه‍ - لو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس، لزم العقد.
وإن أجازاه قبل التقابض، فكذلك، وعليهما التقابض. فإن تفرقا قبله،
انفسخ العقد.
ثم إن تفرقا عن تراض، لم يحكم بعصيانهما، فإن انفرد أحدهما
بالمفارقة، عصى، وهو أحد وجهي الشافعية. وفي الثاني: أن الإجازة قبل
التقابض لاغية؛ لأن القبض متعلق بالمجلس، وهو باق، فيبقى حكمه في
الخيار (3).
البحث الثاني: في خيار الحيوان.
مسألة 229: إذا كان المبيع حيوانا، يثبت (4) الخيار فيه للمشتري
خاصة ثلاثة أيام من حين العقد على رأي، فله الفسخ والإمضاء مدة ثلاثة
أيام عند علمائنا أجمع، خلافا للجمهور كافة.
لنا: الأخبار المتواترة عن أهل البيت (عليهم السلام) بذلك، وهم أعرف
بالأحكام حيث هم مظانها، ومهبط الوحي، وملازموا الرسول (صلى الله عليه وآله).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 175، روضة الطالبين 3: 104، المجموع 9: 180.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 175، روضة الطالبين 3: 104.
(4) في " ق، ك ": " ثبت ".
34

قال الصادق (عليه السلام): " الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام للمشتري، وهو
بالخيار اشترط أو لم يشترط " (1).
ولأن العيب في الحيوان قد يثبت خفيا غالبا، وفي الثلاثة يختبر
ويظهر أثره، فوجب أن يكون مشروعا؛ دفعا للضرر. ولأنه يثبت في الشاة
المصراة فكذا في غيرها؛ لأن المناط هو ظهور العيب الخفي. ولأن الحيوان
يغتذي ويأكل في حالتي صحته وسقمه ويتحول طبعه قلما ينفك (2) عن
عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج إلى إثبات الخيار ليندفع عنه هذا المحذور.
مسألة 230: هذا الخيار وخيار المجلس يثبتان بأصل الشرع، سواء
شرطاه في العقد أو أطلقا. أما لو شرطا سقوطه، فإنه يسقط إجماعا؛ لعموم
قوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (3).
إذا ثبت هذا، فإنما يثبت الخيار للمشتري لو لم يتصرف في الحيوان
في الثلاثة، فإن تصرف فيه، سقط خياره إجماعا؛ لأنه دليل على الرضا به.
ولقول الصادق (عليه السلام): " فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل
ثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط له " قيل: وما الحدث؟ قال: " إن لامس
أو قبل أو نظر منها إلى ما يحرم عليه قبل الشراء " (4).
ولا فرق بين أن يكون التصرف لازما كالبيع، أو غير لازم كالهبة قبل
القبض، والوصية، فإنه بأجمعه مسقط للخيار.

(1) الفقيه 3: 126 / 549، التهذيب 7: 24 / 101 بتفاوت.
(2) كذا في " ق، ك " والطبعة الحجرية. والظاهر: " وبتحول طبعه قلما ينفك ". أو:
و " يتحول طبعه وقلما ينفك ".
(3) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(4) الكافي 5: 169 / 2، التهذيب 7: 24 / 102.
35

مسألة 231: وكما يسقط هذا الخيار بالتصرف كيف كان فكذا يسقط
باشتراط سقوطه في العقد. وكذا بالتزامه واختيار الإمضاء بعد العقد.
ولا يسقط بالرضا بالعيب الموجود في الحيوان، ولا بالتبري من عهدة
العيب الحادث في الثلاثة. وكذا لا يسقط خيار العيب بإسقاط خيار الثلاثة.
نعم، لو أسقط خيار الثلاثة، سقط خيار العيب المتجدد فيها، وكان
من ضمان المشتري.
مسألة 232: وهذا الخيار يثبت للمشتري خاصة عند أكثر (1) علمائنا.
وقال السيد المرتضى (رحمه الله): يثبت للبائع (2) أيضا.
لنا: الأصل لزوم العقد، خرج عنه جانب المشتري، نظرا له لخفاء
العيب، فإن عيوب الحيوانات أكثرها باطنة لا تظهر (3) إلا بالاختبار والتراخي
والتروي المفتقر إلى طول الزمان، أما البائع فإنه المالك، وقل أن يخفى
عليه جودة حيوانه، وعيب الثمن ظاهر في الحال.
ولأن الصادق (عليه السلام) قال: " الشرط في الحيوان كله ثلاثة أيام
للمشتري " (4) والتخصيص بالوصف يدل على نفي الحكم عما عداه.
احتج السيد المرتضى (رحمه الله) بقول الصادق (عليه السلام): " المتبايعان بالخيار
ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا " (5).

(1) منهم: الشيخ الطوسي في النهاية: 386، وسلار في المراسم: 173، والقاضي
ابن البراج في المهذب 1: 353، وابن إدريس في السرائر 2: 243 - 244،
والمحقق الحلي في شرائع الإسلام 2: 22.
(2) الانتصار: 207.
(3) في الطبعة الحجرية: " لا تظهر له ".
(4) تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 35، الهامش (1).
(5) التهذيب 7: 23 - 24 / 99.
36

والجواب: ثبوته للمشتري يدل على ثبوته للمجموع، ولا يدل على
ثبوته للآخر.
وأيضا يحمل على ما إذا كان الثمن حيوانا إما في ثمن حيوان آخر أو
في ثوب أو غيرهما؛ جمعا بين الأدلة.
ولوجود المقتضي لثبوت الخيار للمشتري، وهو خفاء عيب الحيوان،
فإذا كان الثمن حيوانا، كان المقتضي لثبوت الخيار فيه متحققا، ولا يثبت إلا
للبائع.
ويؤيده قول الباقر (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): المتبايعان
بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاث " (1) وهو عام في البائع
والمشتري. فعلى هذا لو باع حيوانا بحيوان، يثبت (2) الخيار لهما معا،
وعلى ما اخترناه يكون الخيار للمشتري خاصة.
ولو كان الثمن حيوانا والمثمن ثوبا، فلا خيار. أما للمشتري: فلأنه
لم يشتر حيوانا. وأما البائع: فلأنه ليس بمشتر، والحديث إنما يقتضي
ثبوته للمشتري خاصة.
البحث الثالث: في خيار الشرط.
مسألة 233: لا خلاف بين العلماء في جواز اشتراط الخيار في البيع؛
للأصل. ولقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (3) فإذا وقع على شرط سائغ،

(1) الكافي 5: 170 / 4، وفيه: " البيعان... " التهذيب 7: 24 / 100، وفيه
" البائعان... ".
(2) في " ق، ك ": " ثبت ".
(3) المائدة: 1.
37

وجب الوفاء. وقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (1).
وإنما اختلفوا في أنه مقدر أم لا؟ فمن قدره اختلفوا في مدة تقديره،
فالذي عليه علماؤنا أجمع أنه لا يتقدر في أصل الشرع بقدر معين، بل
يجوز أن يشترط خيارا مهما أراد من الزمان، طال أو قصر بشرط ضبطه بما
لا يحتمل الزيادة والنقصان، كاليوم والشهر والسنة والسنين المعدودة
المعينة المضبوطة ابتداء وانتهاء - وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن
حنبل (2) - للعمومات السابقة.
وقول الصادق (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم إلا كل شرط خالف
كتاب الله عزوجل فلا يجوز " (3).
وسئل الصادق (عليه السلام) عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فجاء إلى
أخيه، فقال: أبيعك داري هذه وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك
على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي، فقال:
" لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه " قلت: فإنها كانت فيها غلة
كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة؟ قال: " الغلة للمشتري، ألا ترى أنها لو
احترقت لكانت من ماله " (4).
ولأنه لا فرق بين المدة القليلة والكثيرة، فإذا جاز في القليلة، جاز في

(1) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(2) النتف 1: 446، المبسوط - للسرخسي - 13: 41، مختصر اختلاف العلماء 3:
51 / 1128، تحفة الفقهاء 2: 66، الهداية - للمرغيناني - 3: 27، الاختيار لتعليل
المختار 2: 18، المغني 4: 97 - 98، الشرح الكبير 4: 73 - 74، الوسيط 3:
108، العزيز شرح الوجيز 4: 190، الحاوي الكبير 5: 65، الذخيرة 5: 24.
(3) الفقيه 3: 127 / 553، التهذيب 7: 22 / 93، وفيهما: " المسلمون... ".
(4) التهذيب 7: 23 / 96.
38

الكثيرة، بل هي أولى؛ لأن الخيار جعل إرفاقا بالمتعاقدين، فإذا زادت
المدة، كان الإرفاق المطلوب حصوله في نظر الشرع أزيد. ولأنها مدة
ملحقة بالعقد، فكانت إلى تقدير المتعاقدين.
وقال الشافعي: لا يجوز اشتراط مدة في العقد تزيد على ثلاثة أيام
- وبه قال أبو حنيفة - لقول عمر: ما أجد (1) لكم أوسع مما جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لحبان (2) بن منقذ جعل له عهدة ثلاثة أيام إن رضي أخذ، وإن سخط
ترك (3).
وعن ابن عمر أن حبان بن منقذ أصابته آمة (4) في رأسه، فكان يخدع
في البيع، فقال (صلى الله عليه وآله): " إذا بايعت فقل: لا خلابة " وجعل له الخيار ثلاثة
أيام (5).
وقوله: " لا خلابة " عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا إذا
أطلقاها عالمين بمعناها كان كالتصريح بالاشتراط.
ولأن الخيار غرر ينافي مقتضى البيع (6)، وإنما جوز لموضع الحاجة،
فجاز القليل منه الذي تدعو الحاجة إليه في الغالب، وآخر حد القلة الثلاثة؛
لقوله تعالى: (فيأخذكم عذاب قريب) (7) ثم قال: (تمتعوا في داركم

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " ما احل ". والظاهر أنها تصحيف ما أثبتناه من
المصدر.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لحنان ". وكذا في الموارد الآتية، وما أثبتناه
من المصدر، وكما في تهذيب الأسماء واللغات - للنووي - 1: 152 / 111.
(3) سنن الدارقطني 3: 54 / 216، سنن البيهقي 5: 274.
(4) الآمة: هي الشجة التي بلغت ام الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. لسان
العرب 12: 33 " أمم ".
(5) سنن ابن ماجة 2: 789 / 2355، سنن الدارقطني 3: 55 - 56 / 220.
(6) في الطبعة الحجرية: " العقد " بدل " البيع ".
(7) هود: 64.
39

ثلاثة أيام) (1) وأجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء
مناسكه ثلاثا (2) (3).
وقال مالك: يجوز في ذلك قدر ما يحتاج إليه، فإن كان البيع من
الفواكه التي لا تبقى أكثر من يوم، جاز الخيار فيها (4) يوما واحدا. وإن كان
ضيعة لا يمكنه أن يصل إليها إلا في أيام، جاز الخيار أكثر من ثلاث؛ لأن
الخيار إنما يثبت للحاجة إليه، فجاز حسب الحاجة (5).
والجواب: لا عبرة بتحريم عمر، فإنه ليس أهلا لأن يحلل أو يحرم.
وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحبان بن منقذ عهدة ثلاثة أيام لا يدل على المنع
عن الزائد. ولو كان الخيار مشتملا على غرر، لما ساغ التقدير بثلاثة أيام،
وإذا كان الضابط الحاجة، وجب أن يتقدر بقدرها، كما قاله مالك، والغالب

(1) هود: 65.
(2) صحيح مسلم 2: 985 / 442، و 986 / 444، سنن النسائي 3: 122، سنن
البيهقي 3: 147، مسند أحمد 6: 39 / 20002، المعجم الكبير - للطبراني - 18:
96 و 97 / 169 - 171.
(3) مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 5: 65، المهذب - للشيرازي - 1: 265،
المجموع 9: 190 و 225، الوجيز 1: 141، العزيز شرح الوجيز 4: 190،
الوسيط 3: 108، حلية العلماء 4: 21، التهذيب - للبغوي - 3: 318، روضة
الطالبين 3: 108، المبسوط - للسرخسي - 13: 41، الهداية - للمرغيناني - 3:
27، الاختيار لتعليل المختار 2: 18، مختصر اختلاف العلماء 3: 51 / 1128،
النتف 1: 446، تحفة الفقهاء 2: 65، بداية المجتهد 2: 209، الذخيرة 5: 24،
المغني 4: 98، الشرح الكبير 4: 74.
(4) كلمة " فيها " لم ترد في " ق، ك ".
(5) بداية المجتهد 2: 209، الحاوي الكبير 5: 65، الذخيرة 5: 23 - 24، حلية
العلماء 4: 19 - 21، العزيز شرح الوجيز 4: 190، المغني 4: 98، الشرح الكبير
4: 74.
40

الحاجة إلى الزيادة على الثلاثة، ولما كانت الحاجة تختلف باختلاف
الأشخاص وأحوالهم وجب الضبط بما يعرفه المتعاقدان من المدة التي
يحتاجان إليها.
مسألة 234: وإنما يصح شرط الخيار إذا كان مضبوطا محروسا من
الزيادة والنقصان، وأن يذكر في متن العقد، فلو جعل الخيار إلى مقدم (1)
الحاج أو إدراك الغلات أو إيناع الثمار أو حصاد الزرع أو دخول القوافل أو
زيادة الماء أو نقصانه أو نزول الغيث أو انقطاعه، بطل العقد؛ لأن للأجل
قسطا من الثمن، فيؤدي جهالته إلى جهالة العوض، ويؤدي إلى الغرر
المنهي عنه.
ولو ذكرا مثل هذا الخيار ثم أسقطاه بعد العقد أو اختارا الإمضاء،
لم ينقلب صحيحا؛ لأنه وقع فاسدا، فلا عبرة به، والأصل بقاء الملك على
بائعه ولم يوجد مزيل عنه فبقي على حاله.
وإذا ذكرا أجلا مضبوطا قبل العقد أو بعده، لم يعتد به؛ لأن العقد
وقع منجزا فلا يؤثر فيه السابق واللاحق، وإنما يعتد بالشرط لو وقع في
متن العقد بين الإيجاب والقبول، فيقول مثلا: بعتك كذا بكذا ولي الخيار
مدة كذا، فيقول: اشتريت.
مسألة 235: إذا اشترطا (2) مدة معينة أكثر من ثلاثة أيام في العقد،
صح على ما بيناه.
وقال الشافعي بناء على أصله: يبطل العقد. فإن أسقطا ما زاد على
الثلاث في مدة الخيار، لم يحكم بصحة العقد - وبه قال زفر - لأنه عقد وقع

(1) في هامش " ق ": " الأصل: قدوم ".
(2) في " ق، ك ": " شرطا ".
41

فاسدا، فلا يصح حتى يبتدأ، كما لو باع درهما بدرهمين وأسقطا
درهما (1).
وقال أبو حنيفة: يصح العقد بإسقاط ذلك؛ لأن المفسد ما زاد على
الثلاث، فإذا أسقطه، وجب أن يصح العقد. والدليل على جواز إسقاطه أنه
خيار مشروط في العقد، فإذا أسقطاه في الثلاث، سقط، كاليوم الثالث (2).
وهو ممنوع؛ لأن العقد غير قائم بينهما، والخيار لم يثبت فيسقط،
بخلاف الثالث؛ لأنه يثبت (3) فصح إسقاطه، بخلاف ما زاد عليه، فإنه
لم يثبت.
مسألة 236: إذا اشترى شيئا بشرط الخيار ولم يسم وقتا ولا أجلا، بل
أطلقه، بطل البيع - وبه قال الشافعي (4) - للجهالة المتضمنة لجهالة العوض.
وللشيخ (رحمه الله) قول: إنه يصح البيع، ويكون له الخيار ثلاثة أيام،
ولا خيار له بعد ذلك (5).
وهو محمول على إرادة خيار الحيوان.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 318 - 323، حلية العلماء 4: 22، الحاوي الكبير 5:
67، العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 108، المجموع 9: 190
و 194، المبسوط - للسرخسي - 13: 42، الاختيار لتعليل المختار 2: 19.
(2) المبسوط - للسرخسي - 13: 42، الاختيار لتعليل المختار 2: 19، الحاوي
الكبير 5: 67، حلية العلماء 4: 22، التهذيب - للبغوي - 3: 323، المغني 4:
125، الشرح الكبير 4: 74.
(3) في " ق، ك ": " ثبت ".
(4) الحاوي الكبير 5: 67، العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 109،
المجموع 9: 191 و 194، بداية المجتهد 2: 209 - 210، المغني 4: 124 -
126، الشرح الكبير 4: 74 - 75.
(5) الخلاف 3: 20، المسألة 25.
42

وقال أبو حنيفة: البيع فاسد، فإن أجازه في الثلاثة، جاز عنده
خاصة.
وإن لم يجز حتى مضت الثلاثة، بطل البيع (1).
وقال أبو يوسف ومحمد: له أن يجيز بعد الثلاثة (2).
وقال مالك: إن لم يجعل للخيار وقتا، جاز، وجعل له من الخيار مثل
ما يكون في تلك السلعة (3).
وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا لم يعين أجل الخيار، كان له
الخيار أبدا (4).
مسألة 237: قد ذكرنا أنه إذا قرن الخيار بمدة مجهولة، بطل البيع
- وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (5) - لما تقدم. ولأنها مدة ملحقة بالعقد،
فلا يجوز مع الجهالة، كالأجل.
وقال ابن أبي ليلى: الشرط باطل والبيع صحيح؛ لأن عائشة اشترت

(1) مختصر اختلاف العلماء 3: 55 / 1132، الهداية - للمرغيناني - 3: 27، النتف
1: 446، الاختيار لتعليل المختار 2: 19، بداية المجتهد 2: 209، الاستذكار
20: 253 / 30084، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 20، المسألة 25.
(2) الاستذكار 20: 253 / 30085، وحكاه عنهما أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 3:
20، المسألة 25.
(3) بداية المجتهد 2: 209، الاستذكار 20: 253 / 30083، العزيز شرح الوجيز 4:
190، وحكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 20، المسألة 25.
(4) المحلى 8: 373، بداية المجتهد 2: 209، الاستذكار 20: 254 / 30088،
مختصر اختلاف العلماء 3: 55 / 1132، وحكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في
الخلاف 3: 20، المسألة 25.
(5) الحاوي الكبير 5: 67، حلية العلماء 4: 30، العزيز شرح الوجيز 4: 190،
روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 191، المغني 4: 124 - 126، الشرح
الكبير 4: 74 - 75.
43

بريرة وشرط مواليها أن تجعل ولاءها لهم، فأجاز النبي (صلى الله عليه وآله) البيع ورد
الشرط (1). وهذا يدل على أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد (2).
وقال ابن شبرمة: الشرط والبيع صحيحان - وهو ظاهر ما روي عن
أحمد (3) - لما رواه جابر قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) ابتاع مني بعيرا بمكة فلما
نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة، فأجاز
النبي (صلى الله عليه وآله) الشرط والبيع (4)، فكذلك سائر الشروط.
وقال مالك: البيع صحيح، ويضرب له من الأجل ما يختبر في مثله
في العادة؛ لأن ذلك متقرر (5) في العادة، فإذا (6) أطلقا، حمل عليه (7).
والجواب: أن حديث عائشة قضية في عين. ويحتمل أن يكون
الشرط قد وقع قبل العقد أو بعده، فلا يكون معتبرا. وقد روي أنه أمرها أن
تشتري وتشترط الولاء (8)؛ ليبين فساده بيانا عاما.
وخبر جابر: نقول بموجبه؛ لأنه شرط بعد العقد ونقد الثمن؛ لدلالة
كلامه عليه، وذلك غير مانع من صحة العقد السابق.

(1) صحيح البخاري 3: 251، صحيح مسلم 2: 1141 / 1504.
(2) حلية العلماء 4: 30، المغني 4: 126، الشرح الكبير 4: 75.
(3) حلية العلماء 4: 30، المغني 4: 125، الشرح الكبير 4: 74.
(4) صحيح البخاري 3: 248، صحيح مسلم 3: 1223 / 113، سنن البيهقي 5:
337.
(5) في الشرح الكبير: " مقرر ". وفي المغني: " مقدر ". والأخير مناسب لما يأتي عند
الجواب عن قول مالك.
(6) في الطبعة الحجرية: " فإن " بدل " فإذا ".
(7) حلية العلماء 4: 31، العزيز شرح الوجيز 4: 190، المغني 4: 125، الشرح
الكبير 4: 74.
(8) صحيح البخاري 3: 251، صحيح مسلم 2: 1142 - 1143 / 8.
44

سلمنا لكن شرط الحمل إلى المدينة معلوم، فجاز اشتراطه في
العقد، وليس محل النزاع.
والعادة المقدرة ممنوعة؛ إذ لا عادة مضبوطة هنا؛ لأنه إنما يشرط
نادرا.
مسألة 238: قال الشيخ (رحمه الله): إذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى
ثلاث، فإن نقدتني الثمن إلى ثلاث، وإلا فلا بيع بيننا، صح البيع (1)، وبه
قال أبو حنيفة. ويكون في ذلك إثبات الخيار للمشتري وحده (2).
قال أبو حنيفة: ولو قال البائع: بعتك على أني إن رددت الثمن بعد
ثلاثة فلا بيع بيننا، صح. ويكون في ذلك إثبات الخيار للبائع وحده (3)؛
لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (4).
ولأنه نوع بيع، فجاز أن ينفسخ بتأخر القبض، كالصرف.
وقال الشافعي: إن ذلك ليس بشرط خيار، بل شرط فاسد يفسد
العقد؛ لأنه علق العقد على خطر فلا يصح، كما لو علقه بقدوم زيد. ولأن
عقده لا يتعلق فكذا فسخه (5).
لا يقال: ينتقض بالنكاح.
لأنا نقول: فسخه لا يتعلق بذلك، بل إنما يتعلق الطلاق وليس

(1) الخلاف 3: 40، المسألة 57.
(2) حلية العلماء 4: 28، المغني 4: 129، الشرح الكبير 4: 67.
(3) حلية العلماء 4: 28.
(4) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(5) حلية العلماء 4: 28، العزيز شرح الوجيز 4: 191، روضة الطالبين 3: 109،
المجموع 9: 193 و 379، المغني 4: 129، الشرح الكبير 4: 67.
45

بفسخ.
ويفارق الصرف؛ لأن القبض واجب فيه بالشرع، وهنا بخلافه.
ونحن في ذلك من المتوقفين.
مسألة 239: يجوز اشتراط أقل من الثلاثة عندنا وعند الباقين (1)
- خلافا لمالك - لأنه يجوز عندنا أكثر من ثلاثة، وعند الباقين يجوز ثلاثة،
فالناقص أولى.
أما مالك، فإنه اعتبر الحاجة، فإنها إن دعت إلى شهر أو أزيد، جاز
شرطه. وإن كان المبيع مما يسارع إليه الفساد أو يعرف حاله بالنظر إليه
ساعة أو يوما، لم تجز الزيادة (2).
وقالت الشافعية: فيما لو كان المبيع مما يسرع إليه الفساد عادة لو
شرط الثلاث، هل يبطل البيع أو يصح ويباع عند الإشراف على الفساد
ويقام ثمنه مقامه؟ وجهان (3).
مسألة 240: روى الجمهور أن حبان بن منقذ أصابته آمة في رأسه
فكان يخدع في البيع، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " إذا بايعت فقل: لا خلابة "

(1) المبسوط - للسرخسي - 13: 41، الهداية - للمرغيناني - 3: 27، الاختيار
لتعليل المختار 2: 18، الحاوي الكبير 5: 68 - 69، المهذب - للشيرازي - 1:
265، المجموع 9: 190، روضة الطالبين 3: 108، العزيز شرح الوجيز 4:
190.
(2) بداية المجتهد 2: 209، الذخيرة 5: 23 - 24، حلية العلماء 4: 19 - 21،
الحاوي الكبير 5: 65، العزيز شرح الوجيز 4: 190، المغني 4: 98، الشرح
الكبير 4: 74.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 108.
46

وجعل له الخيار ثلاثا (1).
وفي رواية " وجعل له بذلك خيار ثلاثة أيام " (2).
وفي رواية: " قل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثا " (3).
وهذه الروايات مسطورة في كتب فقههم دون مشهورات كتب أحاديثهم.
وهذه الكلمة في الشرع عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثا إذا أطلقاها
عالمين بمعناها، كان بمنزلة التصريح باشتراط الثلاثة. وإن كانا جاهلين،
لم يثبت الخيار.
وإن علم البائع دون المشتري، للشافعية فيه وجهان:
أحدهما: لا يثبت؛ لعدم التراضي، وهو لا يعلمه فلا يلزمه.
والثاني: يثبت؛ للخبر (4). ولا يعذر في جهله، كما إذا كان محجورا
عليه، لزمه حكم الحجر وإن كان جاهلا.
والأقرب أن نقول: إذا قال البائع: بعتك كذا بكذا ولا خلابة، وقصد
إثبات الخيار ثلاثا لنفسه وكان المشتري عالما، يثبت (5) الخيار، وإلا فلا.
مسألة 241: إذا اشترط الخيار مدة معينة وأطلقا مبدأها، قال الشيخ (رحمه الله):
المبدأ انقضاء خيار المجلس بالتفرق لا من حين العقد (6). وهو أحد قولي
الشافعية؛ لأنه لو جعل المبدأ العقد، لزم اجتماع الخيارين، وهما مثلان
والمثلان يمتنع اجتماعهما. ولأن الشارط يبغي بالشرط إثبات ما لولا الشرط
لما ثبت، وخيار المجلس ثابت وإن لم يوجد الشرط، فيكون المقصود ما بعده.

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 183.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 110، المجموع 9: 192 -
193.
(5) في " ق، ك ": " ثبت ".
(6) الخلاف 3: 33، المسألة 44.
47

واجيب: بأن الخيار واحد له جهتان: المجلس والشرط، ولا بعد
فيه، كما أنه قد يجتمع خيار المجلس والعيب.
ولو نزل الشرط على ما بعد المجلس، لزم الجهل بالشرط؛ لأن وقت
التفرق مجهول.
واجيب بأن جهالة المجلس كجهالة (1) العقد؛ لأن لهما فيه الزيادة
والنقصان، فكانت المدة بعده، كالعقد (2).
والأقرب: أن المبدأ من حين العقد؛ لأنها مدة ملحقة بالعقد، فكان
ابتداؤها من حين العقد، كالأجل، لا من حين التفرق ولا خروج الثلاثة في
الحيوان.
فروع:
أ - إذا شرطا مدة لتسليم الثمن، فابتداؤها من حين العقد.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: إن جعلنا الخيار من وقت العقد، فالأجل أولى.
والثاني: من حين التفرق.
والفرق: أن الأجل لا يثبت إلا بالشرط، فالنظر فيه إلى وقت الشرط،
والخيار قد يثبت من غير شرط، فمقصود الشرط إثبات ما لولاه لما ثبت.
وأيضا فإن الأجل وإن شارك الخيار في منع المطالبة بالثمن لكن يخالفه من

(1) في " ق، ك ": " كحالة ". وفي المغني والشرح الكبير: " حالة المجلس
كحالة... ".
(2) الوجيز 1: 141، العزيز شرح الوجيز 4: 192، المهذب - للشيرازي - 1:
265، المجموع 9: 198، روضة الطالبين 3: 110، المغني 4: 112 - 116،
الشرح الكبير 4: 76.
48

وجوه، واجتماع المختلفين ممكن (1).
ب - إن (2) قلنا: إن المبدأ هو العقد - كما اخترناه - فلو انقضت المدة
وهما مصطحبان، انقطع خيار الشرط بانقضاء مدته، وبقي خيار المجلس.
وإن تفرقا والمدة باقية، فالحكم بالعكس. وإن قلنا: المبدأ التفرق - كما قاله
الشيخ (3) - فإذا تفرقا، انقطع خيار المجلس، واستؤنف خيار الشرط.
ج - إن قلنا: إن ابتداء المدة من حين العقد فشرطا أن يكون ابتداؤها
من حين التفرق، لم يصح؛ لأنه يجعله مجهولا، ويقتضي زيادة على
الثلاثة، وهو ممنوع عند الشافعية (4).
وإن قلنا: ابتداؤها من حين التفرق فشرطا أن يكون ابتداؤه (5) من
حين العقد، صح عندنا - وهو أحد قولي الشافعية (6) - لأن ابتداء المدة
معلومة ولم يزد به على الثلاثة بل نقص فجاز، كما لو شرط يومين.
والثاني: لا يصح؛ لأنهما شرطا الخيار في المجلس، والخيار فيه
ثابت بالشرع، فلم يصح اشتراطه (7).
وهو ممنوع؛ فإنه يصح اشتراط القبض وغيره من مقتضيات العقد.
د - لو قلنا بأن مبدأ المدة العقد وأسقطا الخيار مطلقا قبل التفرق،

(1) حلية العلماء 4: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 192، روضة الطالبين 3: 110،
المجموع 9: 199.
(2) في الطبعة الحجرية: " إذا " بدل " إن ".
(3) الخلاف 3: 33، المسألة 44.
(4) انظر المصادر في الهامش (4) من ص 40.
(5) أي: ابتداء الخيار.
(6 و 7) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 199، روضة الطالبين 3:
110، العزيز شرح الوجيز 4: 192.
49

سقط الخياران: خيار المجلس والشرط. وإن قلنا بالتفرق، سقط خيار
المجلس دون خيار الشرط؛ لأنه غير ثابت بعد، وهو أصح وجهي
الشافعية (1).
مسألة 242: الأقرب عندي أنه لا يشترط اتصال مدة شرط الخيار (2)
بالعقد، فلو شرط خيار ثلاثة أو أزيد من آخر الشهر، صح العقد والشرط؛
عملا بالأصل، وبقوله (عليه السلام): " المسلمون عند شروطهم " (3) ولأنه عقد
تضمن شرطا لا يخالف الكتاب والسنة، فيجب الوفاء به؛ لقوله تعالى:
(أوفوا بالعقود) (4).
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأنه إذا تراخت المدة عن العقد، لزم، وإذا
لزم لم يعد جائزا (5).
وهو ممنوع؛ فإن خيار الرؤية لم يثبت قبلها، وكذا الخيار بعد
الثلاثة؛ لعدم التسليم.
فروع:
أ - لو قال: بعتك ولي الخيار عشرة أيام، مثلا وأطلق، اقتضى اتصال

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 192، روضة الطالبين 3: 110، المجموع 9: 199.
(2) في " ق، ك ": " اتصال مدة خيار شرط الخيار ".
(3) صحيح البخاري 3: 120، سنن الدارقطني 3: 27 / 98 و 99، سنن البيهقي 7:
249، معرفة السنن والآثار 10: 237 / 14349، و 238 / 14351، المستدرك
- للحاكم - 2: 49 و 50، المصنف - لابن أبي شيبة - 6: 568 / 2064، المعجم
الكبير - للطبراني - 4: 275 / 4404.
(4) المائدة: 1.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 191.
50

المدة بالعقد؛ للعرف.
ب - لو قال: عشرة أيام متى شئت، بطل؛ للجهالة.
ج - لو شرط خيار الغد دون اليوم، صح عندنا على ما تقدم، خلافا
للشافعي (1).
د - لو شرط خيار ثلاثة أيام ثم أسقطا اليوم الأول، سقط خاصة،
وبقي الخيار في الآخرين.
وقال الشافعي: يسقط الكل (2).
مسألة 243: إذا تبايعا وشرطا الخيار إلى الليل، لم يدخل الليل في
الشرط، وكذا لو تبايعا وشرطا الخيار إلى النهار، لم يدخل النهار - وبه قال
الشافعي (3) - لأن الغاية جعلت فاصلة بين ما قبلها وما بعدها تحقيقا للغاية،
فلو دخل ما بعدها في حكم ما قبلها، لم يكن غاية. ولأنها مدة ملحقة
بالعقد، فلا يدخل حدها في محدودها، كالأجل.
وقال أبو حنيفة: يدخل الليل والنهار معا إذا كانا غايتين؛ لأن " إلى "
قد تستعمل للغاية، وبمعنى " مع " ك‍ (إلى المرافق) (4) فإذا شرط الخيار،
لم ينتقل الملك فلا ينتقل (5) بالشك (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 191.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 330، العزيز شرح الوجيز 4: 190، روضة الطالبين 3:
110، المجموع 9: 192.
(3) الحاوي الكبير 5: 69، حلية العلماء 4: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 191،
المجموع 9: 191، روضة الطالبين 3: 109، المغني 4: 117.
(4) المائدة: 6.
(5) في " ق، ك ": " فلا ننقله ".
(6) المبسوط - للسرخسي - 13: 52، بدائع الصنائع 5: 267 - 268، الحاوي
الكبير 5: 69، حلية العلماء 4: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 191، المجموع 9:
191، المغني 4: 117.
51

ونمنع استعمالها بمعنى " مع " حقيقة؛ لأنها للحد حقيقة، فلا تكون
حقيقة في غيرها؛ دفعا للاشتراك. والاستعمال لا يدل عليه، والمجاز أولى
من الاشتراك، على أن البيع يوجب الملك وإنما الشرط منع، فما تحقق
منع، وما لم يتحقق منه وجب إنفاذ حكم العقد.
وقال أبو حنيفة: ولو شرط الخيار إلى الزوال أو إلى وقت العصر،
اتصل إلى الليل (1). وليس بجيد.
تذنيب: لو شرطا الخيار إلى وقت طلوع الشمس من الغد، صح؛
لأنه وقت معلوم محروس من الزيادة والنقصان.
ولو شرطا إلى طلوعها من الغد، قال الزبيري (2): لا يصح؛ لأن طلوع
الشمس مجهول؛ لأن السماء قد تتغيم فلا تطلع الشمس (3).
وهو خطأ؛ فإن التغيم إنما يمنع من الإشراق واتصال الشعاع لا من
الطلوع.
ولو شرطاه إلى الغروب أو إلى وقته، جاز قولا واحدا؛ لأن الغروب
سقوط القرص، ولا مانع لها من ذلك، كما يمنع الغيم من طلوعها.
والتحقيق عدم الفرق؛ لأن الطلوع ثابت في الأول لكنه قد يخفى،
وكذا الغروب قد يخفى.
مسألة 244: يجوز جعل خيار الشرط لكل واحد من المتعاقدين
ولأحدهما دون الآخر وأن يشرط لأحدهما الأكثر وللآخر الأقل؛ لأنه شرع

(1) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 34، المسألة 46.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " الزهري " بدل " الزبيري ". وما أثبتناه من
المصادر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 190 - 191، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9:
191.
52

للإرفاق بهما، فكيفما تراضيا به جاز.
ولدلالة حديث حبان بن منقذ على أنه (عليه السلام) جعل للمشتري
الخيار (1)، ولم يفرق أحد بينه وبين البائع.
وهل يجوز جعل الخيار للأجنبي؟ ذهب علماؤنا أجمع إلى جوازه،
وأنه يصح البيع والشرط - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في
أصح القولين (2) - لأنه خيار يثبت بالشرط للحاجة وقد تدعو الحاجة إلى
شرطه للأجنبي؛ لكونه أعرف بحال المعقود عليه. ولأن الخيار إلى
شرطهما؛ لأنه يصح أن يشترطاه لأحدهما دون الآخر فكذلك صح أن
يشترطاه للأجنبي.
وللشافعي قول: إنه لا يصح، ويبطل البيع والشرط معا؛ لأنه خيار
يثبت في العقد فلا يجوز شرطه لغير المتعاقدين، كخيار الرد بالعيب (3).
والفرق: أن خيار العيب يثبت لا من جهة الشرط، بخلاف المتنازع.
فروع:
أ - إذا شرط الخيار للأجنبي، صح سواء جعله وكيلا في الخيار أو لا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 183.
(2) مختصر اختلاف العلماء 3: 55 / 1134، المبسوط - للسرخسي - 13: 47،
الهداية - للمرغيناني - 3: 30، الاختيار لتعليل المختار 2: 21، بداية المجتهد 2:
212، المغني 4: 108، الشرح الكبير 4: 76، المهذب - للشيرازي - 1: 265،
المجموع 9: 196، روضة الطالبين 3: 111، العزيز شرح الوجيز 4: 194.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 265، المجموع 9: 196، روضة الطالبين 3: 111،
العزيز شرح الوجيز 4: 194، المغني 4: 106، الشرح الكبير 4: 76. بداية
المجتهد 2: 212.
53

وقال أبو حنيفة: إذا شرطه لأجنبي، صح، وكان الأجنبي وكيلا للذي
شرطه (1).
وللشافعي قول ثالث: إنه إن جعل فلانا وكيلا له في الخيار، صح.
وإن لم يجعله وكيلا، لم يصح (2). وما تقدم يبطله.
ب - لو جعل المتعاقدان خيار الشرط للموكل الذي وقع العقد له،
صح قولا واحدا؛ لأنه المشتري أو البائع في الحقيقة والوكيل نائب عنه.
ج - لا فرق في التسويغ بين أن يشترطا أو أحدهما الخيار لشخص
واحد وبين أن يشترط هذا الخيار لواحد وهذا الخيار لآخر.
وكذا عند الشافعي لا فرق بينهما على القولين (3).
وكذا يجوز أن يجعلا شرط الخيار لهما ولأجنبي أو اثنين أو جماعة،
ولأحدهما مع الأجنبي.
د - لو شرطه لفلان، لم يكن للشارط خيار، بل كان لمن جعله
خاصة، وهو أحد قولي الشافعي تفريعا على الجواز. وفي الآخر: أنه يكون
له وللآخر، ويكون الآخر وكيلا له - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - لأنه نائب
عنه في الاختيار، فإذا ثبت للنائب فثبوته للمنوب أولى (4).

(1) انظر: النتف 1: 447 - 448، والهداية - للمرغيناني - 3: 30، والاختيار لتعليل
المختار 2: 21، والمغني 4: 106، والشرح الكبير 4: 76، والعزيز شرح الوجيز
4: 194.
(2) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 194، وروضة الطالبين 3: 111، والمغني 4:
106، والشرح الكبير 4: 76.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 194، روضة الطالبين 3: 111، المجموع 9: 196.
(4) النتف 1: 447 - 448، المغني 4: 106، الشرح الكبير 4: 76، المهذب
- للشيرازي - 1: 265، المجموع 9: 197، روضة الطالبين 3: 111، العزيز شرح
الوجيز 4: 194.
54

وليس بجيد؛ اقتصارا على الشرط، كما لو شرطاه لأحدهما، لم يكن
للآخر شيء، وكما لو شرطاه لأجنبي دونهما.
ه‍ - قال محمد بن الحسن في جامعه الصغير: قال أبو حنيفة: لو
قال: بعتك على أن الخيار لفلان، كان الخيار له ولفلان (1).
وقال أبو العباس: جملة الفقه في هذا أنه إذا باعه وشرط الخيار
لفلان، نظرت فإن جعل فلانا وكيلا له في الإمضاء والرد، صح قولا واحدا.
وإن أطلق الخيار لفلان، أو قال: لفلان دوني، فعلى قولين: الصحة
وعدمها. وبه قال المزني (2).
و - لو شرطا الخيار للأجنبي دونهما، صح البيع والشرط عندنا،
ويثبت الخيار للأجنبي خاصة؛ عملا بالشرط، وهو أحد قولي الشافعي.
وعلى الثاني - أنه لا يختص بالأجنبي، بل يكون للشارط أيضا - لا يصح
هذا الشرط، ولا يختص بالأجنبي (3).
ز - لو شرطا الخيار لأجنبي، كان له خاصة دون العاقد، فإن مات
الأجنبي في زمن الخيار، ثبت الآن له؛ لأن الحق والرفق له في الحقيقة،
وهو أصح وجهي الشافعية على تقدير اختصاص الأجنبي بالخيار (4).
ح - لو شرطا الخيار لأحدهما وللأجنبي أولهما وللأجنبي، فلكل
واحد منهم الاستقلال بالفسخ؛ عملا بمقتضى الشرط. ولو فسخ أحدهما
وأجاز الآخر، فالفسخ أولى.

(1) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 35، المسألة 48.
(2) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 35 - 36، المسألة 48.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 194.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 331، العزيز شرح الوجيز 4: 194، روضة الطالبين 3:
111، المجموع 9: 197.
55

ط - لو باع عبدا وشرط الخيار للعبد، صح البيع والشرط معا عندنا
- وهو أحد قولي الشافعي (1) - لأن العبد بمنزلة الأجنبي.
ي - لا فرق بين جعل الخيار لأحد المتعاقدين وللأجنبي في اشتراط
ضبط مدته - وهو أصح قولي الشافعية (2) - لأنه مع عدم الضبط تتطرق
الجهالة إلى المبيع. والثاني: أنه يصح مع جهالة المدة في حق الأجنبي
خاصة؛ لأنه يجري مجرى خيار الرؤية فلا يتوقت. والصحيح عندهم الأول (3).
مسألة 245: إذا اشترى شيئا أو باع بشرط أن يستأمر فلانا، صح
عندنا؛ لأنه شرط سائغ يتعلق به غرض العقلاء، فيندرج تحت قوله (عليه السلام):
" المؤمنون (4) عند شروطهم " (5) وهو أحد قولي الشافعي بناء على أنه يصح
شرط الخيار للأجنبي. والثاني: المنع (6) على ما تقدم.
إذا تقرر هذا، فإنه ليس للشارط أن يفسخ حتى يستأمر فلانا ويأمره
بالرد؛ لأنه جعل الخيار له دون العاقد، وهو أحد قولي الشافعي (7).
والثاني: أنه يجوز له الرد من غير أن يستأمر، وذكر الاستئمار احتياطا (8).
والمعتمد: الأول.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 330، العزيز شرح الوجيز 4: 194، روضة الطالبين 3:
111، المجموع 9: 196.
(2 و 3) لم نعثر عليهما فيما بين أيدينا من المصادر. وانظر: التهذيب - للبغوي - 3: 331.
(4) في " ق، ك ": " المسلمون ".
(5) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 331، العزيز شرح الوجيز 4: 195، روضة الطالبين 3:
111، المجموع 9: 197.
(7) في " ق، ك ": " الشافعية ".
(8) التهذيب - للبغوي - 3: 331، العزيز شرح الوجيز 4: 195، روضة الطالبين 3:
111، المجموع 9: 197، المغني 4: 111، الشرح الكبير 4: 77.
56

فروع:
أ - لابد من ضبط مدة الاستئمار؛ لأن الجهالة فيه توجب تطرقها إلى
العقد، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني: أنه لا يشترط ضبطه، بل يجوز
من غير تحديد، كما في خيار الرؤية (1).
وإذا قلنا: لا بد من تحديده، لم ينحصر في مدة معينة، بل يجوز
اشتراط ما أراد من الزمان، قل أو كثر بشرط ضبطه - وهو أحد قولي
الشافعية - كخيار الرؤية.
والثاني: أنه لا يزيد على ثلاثة أيام، كخيار الشرط (2). وقد أبطلنا
ذلك فيما تقدم.
ب - يجوز للوكيل أن يشترط الخيار للموكل؛ لأنه يجوز جعله
للأجنبي فللموكل أولى - وهو أظهر وجهي الشافعية (3) - لأن ذلك لا يضره.
وهل له شرط الخيار لنفسه؟ عندنا يجوز ذلك؛ لأنه يجوز في الأجنبي
ففي الوكيل أولى، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني: ليس له ذلك (4).
ج - للوكيل أن يجعل شرط الخيار لغيره ولغير موكله حسبما تقتضيه
مصلحة الموكل، فلوكيل البيع شرط الخيار للمشتري، ولوكيل الشراء شرط
الخيار للبائع.
ومنع الشافعي من ذلك، وأبطل البيع (5). وليس بجيد.
د - لو شرط الخيار لنفسه أو أذن له الموكل فيه صريحا، ثبت له

(1 و 2) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 195، وروضة الطالبين 3: 111 - 112،
والمجموع 9: 197.
(3 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 195، روضة الطالبين 3: 112، المجموع 9: 194.
57

الخيار، ولا يفعل إلا ما فيه الحظ للموكل؛ لأنه مؤتمن. وكذا الأجنبي لو
جعل الخيار له.
وفرق الشافعي بينهما، فلم يوجب على الأجنبي رعاية الحظ (1).
وليس بجيد؛ لأن جعل الخيار له ائتمان له.
وهل يثبت الخيار للموكل في هذه الصورة مع ثبوته للوكيل؟ الوجه:
لا؛ اقتصارا بالشرط على مورده.
وللشافعي وجهان (2).
وحكى الجويني فيما إذا أطلق الوكيل شرط الخيار بالإذن المطلق من
الموكل ثلاثة أوجه: إن الخيار يثبت للوكيل أو للموكل أو لهما (3).
وقد عرفت مذهبنا فيه.
مسألة 246: يشترط تعيين محل الخيار المشترط وتعيين مستحقه،
فلو باعه عبدين وشرط الخيار في أحدهما لا بعينه، لم يصح الشرط
ولا العقد؛ لأنه خيار مجهول المحل، وغرر، فيكون منفيا، ويقدر بمنزلة
ما لو باعه أحدهما لا بعينه، وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يجوز في العبدين والثوبين والثلاثة، ولا يجوز في
الأربعة فما زاد (5).
وليس بشيء؛ لما بينا.

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 195، روضة الطالبين 3: 112، المجموع 9: 195.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 191، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 193.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 191.
58

ولو شرطه في أحدهما بعينه، صح البيع والشرط معا؛ للأصل،
وعموم (وأحل الله البيع) (1) و " المسلمون عند شروطهم " (2) - وهو أحد
قولي الشافعي (3) - ويثبت لكل مبيع حكمه، فيثبت الخيار فيما شرط فيه
الخيار، ويكون الآخر خاليا عن الخيار.
وفي القول الآخر: لا يصح؛ لأنه جمع بين عينين مختلفي الحكم
بعقد واحد (4).
وبطلانه ممنوع، كما لو جمع بين بيع وصرف، أو بيع وإجارة.
ولو شرط الخيار لأحد المتعاقدين لا بعينه أو لأحد الرجلين لا بعينه،
بطل البيع والشرط.
ولو شرط الخيار يوما في أحد العبدين بعينه، ويومين في الآخر،
صح عندنا. وللشافعي قولان (5).
مسألة 247: بيع الخيار جائز عندنا، وهو أن يبيعه شيئا عقارا أو
غيره، ويشترط البائع الخيار لنفسه سنة أو أقل أو أكثر إن جاء بالثمن الذي
قبضه من المشتري ورده إليه، كان أحق بالمبيع. وإن خرجت المدة
ولم يأت بالثمن، سقط خياره، ووجب البيع للمشتري؛ للأصل، وعموم

(1) البقرة: 275.
(2) صحيح البخاري 3: 120، سنن الدارقطني 3: 27 / 98 و 99، سنن البيهقي 7:
249، معرفة السنن والآثار 10: 237 / 14349، و 238 / 14351، المعجم الكبير
- للطبراني - 4: 275 / 4404، المستدرك - للحاكم - 2: 49 و 50، المصنف - لابن
أبي شيبة - 6: 568 / 2064.
(3 و 4) الوسيط 3: 110، حلية العلماء 4: 50، العزيز شرح الوجيز 4: 191،
روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 193.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 191، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 193.
59

قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (1) وقوله تعالى:
(وأحل الله البيع) (2).
وقوله (عليه السلام): " المسلمون عند شروطهم " (3).
وقول الباقر (عليه السلام): " إن بعت رجلا على شرط إن أتاك بمالك، وإلا
فالبيع لك " (4) وغيره من الأحاديث، وقد سبق.
أما الجمهور فإنه لا يصح إلا عند من جوز شرط الخيار.
والخلاف في تقديره بالثلاثة الأيام كما تقدم.
مسألة 248: إذا شرط الخيار ثلاثة أيام أو أزيد على مذهبنا ثم مضت
المدة ولم يفسخا ولا أجازا، تم العقد ولزم - وبه قال الشافعي (5) - لأن
شرط الخيار في المدة منع من لزوم العقد تلك المدة، فإذا انقضت، ثبت
موجب العقد، كالأجل في الدين إذا انقضى، ثبت الدين؛ لزوال المانع.
ولأن تركه للفسخ حتى يتعدى الأجل رضا منه بالعقد، فلزمه.
وقال مالك: لا يلزم بمضي المدة؛ لأن مدة الخيار ضربت لحق له
لا لحق عليه، فلم يلزمه الحكم بنفس مرور الزمان، كمضي الأجل في حق
المولي (6).
والفرق أن تقدم المدة ليست سببا لإيقاع الطلاق، بخلاف المتنازع.
مسألة 249: لو باعه عبدين وشرط الخيار فيهما، صح عندنا وعند

(1) النساء: 29.
(2) البقرة: 275.
(3) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 59 الهامش (2).
(4) التهذيب 7: 23 / 97.
(5 و 6) حلية العلماء 4: 26، المجموع 9: 195، المغني 4: 127، الشرح الكبير
4: 78.
60

الجمهور (1).
فإن أراد الفسخ في أحدهما خاصة، فالأقرب أن نقول: إن شرطه
فيهما على الجمع والتفريق، صح، وكان له الفسخ في أحدهما خاصة. وإن
لم يشترطه على الجمع والتفريق بل اشتراهما صفقة واحدة وأطلق شرط
الخيار، لم يكن له التفريق؛ لأنه عيب، فلا يجوز له رد المبيع معيبا.
والشافعي بناه على قولي تفريق الصفقة في الرد بالعيب (2).
ولو اشترى اثنان من واحد بستانا صفقة واحدة بشرط، فإن جعله
على الجمع والتفريق، كان لأحدهما الفسخ وإن لم يفسخ صاحبه. وإن
لم يجعله كذلك، فإشكال أقربه أن له ذلك أيضا - وبه قال الشافعي (3) - لأنه
بجعل الخيار قد سلطه على الرد في نصيبه، كما في الرد بالعيب.
والأصل عندنا ممنوع على ما يأتي.
ولو شرط الخيار لأحدهما دون الآخر، صح البيع والشرط، وهو
أصح قولي الشافعي. وفي الثاني: يبطلان معا (4).
مسألة 250: إذا شرطا الخيار فأراد أحدهما فسخ العقد، كان له ذلك،
سواء حضر صاحبه أو لم يحضر - وبه قال الشافعي وأبو يوسف وزفر
وأحمد بن حنبل (5) - لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا شخص، فلم يفتقر

(1) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 191، وروضة الطالبين 3: 109، والمجموع 9: 193.
(2 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 191، روضة الطالبين 3: 109، المجموع 9: 193.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 332، المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9:
200، روضة الطالبين 3: 110، العزيز شرح الوجيز 4: 192، مختصر اختلاف
العلماء 3: 54 / 1131، الهداية - للمرغيناني - 3: 29، تحفة الفقهاء 2: 79،
بدائع الصنائع 5: 273، المبسوط - للسرخسي - 13: 44، النتف 1: 448،
الاختيار لتعليل المختار 2: 19، المغني 4: 127، الشرح الكبير 4: 77.
61

إلى حضوره، كالطلاق.
ولقول الصادق (عليه السلام): " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل اشترى
ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه، قال: ليشهد أنه
رضيه واستوجبه، ثم ليبعه إن شاء، فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب
عليه " (1) ولا فرق بين الالتزام والفسخ.
ولأن الفسخ أحد طرفي الخيار، فلا يتوقف على حضور المتعاقدين،
كالإمضاء.
وقال أبو حنيفة: ليس له الفسخ إلا بحضور صاحبه - وبه قال محمد -
لأن العقد تعلق به [حق] (2) كل واحد من المتعاقدين، فلم يكن لأحدهما
فسخه بغير حضور الآخر، كالوديعة (3).
وينتقض بما إذا وطئ الجارية في مدة الخيار بغير حضور صاحبه.
والوديعة لا حق للمودع فيها، ويصح فسخها مع غيبته.
إذا عرفت هذا، فإن هذا الفسخ لا يفتقر إلى الحاكم؛ لأنه فسخ متفق
على ثبوته، فلا يفتقر إلى الحاكم.
وقال أبو حنيفة: يفتقر (4) كالعنة.

(1) الكافي 5: 173 / 17، التهذيب 7: 23 / 98.
(2) ما بين المعقوفين من المغني.
(3) تحفة الفقهاء 2: 79، بدائع الصنائع 5: 273، المبسوط - للسرخسي - 13:
44، الهداية - للمرغيناني - 3: 29، الاختيار لتعليل المختار 2: 19، النتف 1:
448، مختصر اختلاف العلماء 3: 54 / 1131، العزيز شرح الوجيز 4: 193،
التهذيب - للبغوي - 3: 332، المجموع 9: 200، المغني 4: 127، الشرح
الكبير 4: 77.
(4) الوجيز 1: 141.
62

والفرق ظاهر؛ لأن الفسخ بالعنة مختلف فيه.
ونقل الشيخ عن أبي حنيفة ومحمد أنه إذا اختار الفسخ في البيع مدة
خياره، لم يصح إلا بحضور صاحبه، وإذا كان حاضرا، لم يفتقر إلى رضاه،
والفسخ بخيار الشرط إن كان بعد القبض، فلا فسخ إلا بتراضيهما أو حكم
الحاكم (1).
تذنيب: إذا شرطا الخيار مدة لهما أو لأحدهما ثم التزما البيع قبل
انقضاء المدة، جاز؛ للحديث السابق (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام). ولأنه حقه
أسقطه، فسقط، كالدين وخيار (3) المجلس.
ولو شرطا الخيار لأجنبي، فإن قلنا: إنه وكيل لمن شرط له الخيار،
فالأقرب أن له الإسقاط مع المصلحة. ولو أراد الموكل الإسقاط أو اختار
الإمضاء أو الفسخ أو الصبر، فالأمر إليه. وإن قلنا: إنه مالك للخيار،
فالأقرب أن له الإسقاط مطلقا. ولا دخل لمن جعل له الخيار فيه.
مسألة 251: الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد معاوضة،
خلافا للجمهور على تفصيل، فالسلم يدخله خيار الشرط، وكذا الصرف
على إشكال فيه؛ للعموم (4).
وقال الشافعي: لا يدخلهما خيار الشرط وإن دخلهما خيار المجلس؛
لأن عقدهما يفتقر إلى التقابض في المجلس، فلا يحتمل التأجيل،
والمقصود من اشتراط القبض أن يتفرقا ولا علقة بينهما تحرزا من الربا أو

(1) الخلاف 3: 35، المسألة 47.
(2) في ص 61.
(3) في " ق، ك ": " وكخيار ".
(4) وهو قوله (صلى الله عليه وآله): " المسلمون عند شروطهم ". انظر: المصادر في الهامش (2) من
ص 59.
63

من بيع الكالئ بالكالئ. ولو أثبتنا الخيار، لبقيت العلقة بينهما بعد
التفرق (1). ونمنع الملازمة.
والصلح يصح دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم، وبه قال الشافعي إن
كان بيعا، كصلح المعاوضة. وإن كان هبة وحطيطة، لم يدخله خيار
الشرط. وإن اشتمل على الإجارة كأن يصالح مدعي العين على السكنى
سنة، لم يدخله خيار الشرط (2).
والوجه: دخول الشرط في جميع ذلك.
والرهن يدخله خيار الشرط؛ للعموم.
وقال الشافعي: لا يدخله (3).
والحوالة يصح فيها خيار الشرط.
وقال الشافعي: لا يدخلها (4).
والضمان يصح دخول خيار الشرط فيه؛ للعموم.
وقال الشافعي: لا يدخل (5).
وأما الوكالة والعارية والقراض والشركة والوديعة والجعالة: فقال
الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيها (6).

(1) الوجيز 1: 141، العزيز شرح الوجيز 4: 193، التنبيه في الفقه الشافعي: 97،
المهذب - للشيرازي - 1: 304، المجموع 9: 192، روضة الطالبين 3: 110 -
111، التهذيب - للبغوي - 3: 292، الحاوي الكبير 5: 30.
(2) التنبيه في الفقه الشافعي: 103، التهذيب - للبغوي - 3: 293.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 292، المجموع 9: 175.
(4) التنبيه في الفقه الشافعي: 105، المهذب - للشيرازي - 1: 345، المجموع 9:
192، الحاوي الكبير 5: 30، العزيز شرح الوجيز 4: 193، روضة الطالبين 3: 111.
(5) التنبيه في الفقه الشافعي: 106، المهذب - للشيرازي - 1: 348، المجموع 9:
175، التهذيب - للبغوي - 3: 292.
(6) الخلاف 3: 13، المسألة 12.
64

وقال الشافعي: لا يدخلها (1). ولا بأس به؛ لأنها عقود جائزة لكل
منهما فسخها، سواء كان هناك شرط خيار أو لا، فلا معنى لدخوله.
والشفعة لا يدخلها خيار الشرط؛ لأنها لا تقف على التراضي.
والمساقاة والإجارة المعينة قال الشيخ: يدخلهما خيار الشرط (2).
وهو جيد؛ للعموم.
ومنع الشافعي من دخوله فيهما؛ لأنهما عقد على منفعة تتلف بمضي
الزمان ومن شرط المساقاة أن تكون مدته معلومة عقيب العقد (3).
وأما الإجارة في الذمة كأن يستأجره ليبني له حائطا أو ليخيط له ثوبا:
فقال الشيخ بدخول خيار الشرط فيها (4)؛ للعموم.
واختلفت الشافعية، فقال أبو إسحاق وابن خيران: لا يدخلها خيار
الشرط ولا المجلس؛ لأن الإجارة عقد على ما لم يخلق، فقد دخلها الغرر،
فلا يدخلها بالخيار غرر آخر (5).
وقال الإصطخري: يدخلها الخياران؛ لأن مضي المدة لا ينقص من
المعقود عليه شيئا (6).
وقال آخرون منهم: لا يدخلها خيار الشرط، ويدخل خيار المجلس؛

(1) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 13، المسألة 12.
(2) الخلاف 3: 14 و 15، المسألتان 14 و 15.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 399 و 407، التنبيه في الفقه الشافعي: 123، الحاوي
الكبير 5: 30، حلية العلماء 5: 404 و 405، العزيز شرح الوجيز 4: 173 -
174، المجموع 9: 178 و 192.
(4) الخلاف 3: 15، المسألة 15.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 173، وحكاه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 15،
المسألة 15.
65

لقلة الغرر في خيار المجلس وكثرته في خيار الشرط (1).
والوقف لا يدخله خيار الشرط؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة إلى
غير ملك، فأشبه العتق.
وأما الهبة المقبوضة: فإن كانت لأجنبي غير معوض عنها ولا قصد بها
القربة ولا تصرف المتهب، يجوز للواهب الرجوع فيها. وإن اختل أحد
القيود، لزمت.
وهل يدخلها خيار الشرط؟ الأقرب: ذلك.
وقال الشافعي: إنها قبل القبض غير لازمة. وإذا قبض وقلنا:
لا تقتضي الثواب، لم يثبت فيها خيار. وإن قلنا: تقتضي الثواب، قال
أبو حامد: في ثبوت الخيارين وجهان، أحدهما: أنهما يثبتان؛ لأنها بمنزلة
البيع. والثاني: لا يثبتان؛ لأن لفظ الهبة لفظ الإرفاق، فلم يثبت بمقتضاه الخيار.
وقال أبو الطيب: لا يدخل خيار الشرط، وفي خيار المجلس وجهان (2).
والوصية لا يثبت فيها الخياران؛ لأنه بالخيار إلى أن يموت.
والنكاح لا يثبت فيه الخياران؛ لأنه لا يقصد فيه العوض، فإن
شرطه، بطل العقد.
وإن شرط الخيار في الصداق وحده، صح؛ للعموم.
وللشافعي قولان: عدم الدخول؛ لأنه أحد عوضي النكاح، فإذا
لم يثبت في أحدهما، لم يثبت في الآخر. والدخول (3).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 407، حلية العلماء 5: 405، التهذيب - للبغوي - 3: 295.
(2) انظر: الخلاف - للشيخ الطوسي - 3: 15، المسألة 16، والعزيز شرح الوجيز
4: 193، والمجموع 9: 177 - 178.
(3) المهذب - للشيرازي - 2: 58، التهذيب - للبغوي - 3: 294، الوسيط 3:
103، العزيز شرح الوجيز 8: 255 - 256، روضة الطالبين 5: 590، منهاج
الطالبين: 219، المجموع 9: 192.
66

والخلع لا يدخل فيه خيار الشرط - وبه قال الشافعي (1) - لأن القصد
منه الفرقة دون المال، فأشبه النكاح.
والسبق والرمي قال الشيخ: لا يمتنع دخول خيار الشرط فيهما (2)؛
لأنه لا مانع منه (3).
وللشافعي قولان مبنيان على أنهما إجارة أو جعالة (4).
وأما القسمة فإن خيار الشرط يدخلها، سواء اشتملت على رد أو لا؛
لعموم قوله (عليه السلام): " المؤمنون (5) عند شروطهم " (6).
وقال الشافعي: إن كان فيها رد، فهي بيع يدخلها الخياران. وإن
لم يكن فيها رد، فإن كان القاسم الحاكم، فلا خيار؛ لأنها قسمة إجبار. وإن
كان الشريكين (7)، فإن قلنا: إنها إفراز وتمييز، فلا خيار. وإن قلنا: بيع،
ثبت فيها الخياران (8).
والعتق لا يثبت فيه خيار؛ لأنه إسقاط حق، وكذا التدبير؛ لأنه عتق
معلق على شرط. ولأنه جائز للمولى الرجوع فيه متى شاء.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 294، الحاوي الكبير 5: 29.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " فيه ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) الخلاف 3: 19، المسألة 23.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 295، حلية العلماء 5: 462 - 463، العزيز شرح
الوجيز 4: 174، المجموع 9: 178.
(5) في " ق، ك ": " المسلمون " بدل " المؤمنون ".
(6) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(7) في " ق، م " والطبعة الحجرية: " الشريكان ". والصحيح ما أثبتناه.
(8) التهذيب - للبغوي - 3: 293 - 294، الوسيط 3: 102، العزيز شرح الوجيز 4:
173، المجموع 9: 178، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 18،
المسألة 20.
67

وأما الكتابة: فقال الشيخ: إن كانت مشروطة، لم يثبت للمولى خيار
المجلس، ولا يمتنع خيار الشرط؛ لعموم تسويغه. والعبد له الخياران معا،
له أن يفسخ أو يعجز نفسه، فينفسخ العقد. وإن كانت مطلقة، فإن أدى من
مكاتبته شيئا، فقد انعتق بحسابه، ولا خيار لواحد منهما بحال (1).
وفي ثبوت الخيارين للعبد عندي نظر.
وقال الشافعي: لا خيار للسيد فيها؛ لأنه دخل على وجه القربة
وتحقق الغبن؛ لأنه باع ماله بماله، وأما العبد فله الخيار أبدا؛ لأن العقد
جائز من جهته (2). وفيه نظر.
تذنيب: لا يصح اشتراط الخيار في شراء ما يستعقب العتق، كشراء
القريب، وشراء العبد نفسه إن سوغناه؛ لأنه مناف لمقتضاه.
البحث الرابع: في خيار الغبن.
مسألة 252: الغبن سبب ثبوت الخيار للمغبون عند علمائنا - وبه قال
مالك وأحمد (3) - لقوله (عليه السلام): " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " (4).
ولقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (5) ومعلوم
أن المغبون لو عرف الحال لم يرض.

(1) الخلاف 3: 18، المسألة 21.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 292، العزيز شرح الوجيز 4: 170، وحكاه عنه الشيخ
الطوسي في الخلاف 3: 19، المسألة 21.
(3) الذخيرة 5: 112، العزيز شرح الوجيز 4: 236، المغني 4: 92، الشرح الكبير
4: 88.
(4) المعجم الأوسط - للطبراني - 5: 382 / 5193.
(5) النساء: 29.
68

ولأن النبي (صلى الله عليه وآله) أثبت الخيار في تلقي الركبان (1)، وإنما أثبته للغبن.
وكذلك أيضا يثبت الخيار بالعيب، وذلك لحصول الغبن، فكذا هنا.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يثبت للمغبون خيار بحال؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
لم يثبت لحبان بن منقذ الخيار بالغبن، ولكن أرشده إلى شرط الخيار
ليتدارك عند الحاجة. ولأن نقص قيمة السلعة مع سلامتها لا يمنع لزوم
العقد، كالغبن اليسير (2).
والجواب: أن إرشاده (عليه السلام) إلى اشتراط الخيار لا ينافي ثبوت طريق
آخر له؛ لأن إثبات الخيار أنفع، لأن له الفسخ مع الغبن القليل والكثير
والعيب وعدمه، بخلاف الغبن، فلما كان أعم نفعا أرشده (عليه السلام) إليه، والغبن
اليسير لا يعده الناس عيبا فلا عبرة به.
مسألة 253: وإنما يثبت الغبن بشرطين:
الأول: عدم العلم بالقيمة وقت العقد سواء أمكنه أن يعرف القيمة
بالتوقيف أو لا، فلو عرف المغبون القيمة ثم زاد أو نقص مع علمه،
فلا غبن ولا خيار له إجماعا؛ لأنه أدخل الضرر على نفسه.
الثاني: الزيادة أو النقيصة الفاحشة التي لا يتغابن الناس بمثلها وقت
العقد، فلو باعه بعشرين وهو يساوي تسعة عشر أو أحد وعشرين،
فلا خيار؛ لجريان مثل هذا التغابن دائما بين الناس، وعدم ضبط الأثمان
الموازية للمثمنات؛ لعسره جدا، فلم يعتد بالخارج عنه قلة أو كثرة مع

(1) صحيح مسلم 3: 1157 / 17، سنن أبي داود 3: 269 / 3437، سنن الترمذي 3:
524 / 1221، سنن البيهقي 5: 348، مسند أحمد 3: 269 / 9951.
(2) المغني 4: 92 - 93، الشرح الكبير 4: 88، الوجيز 1: 143، العزيز شرح
الوجيز 4: 236 - 239، روضة الطالبين 3: 132.
69

القلة.
أما لو باعه بعشرين وهو يساوي أربعين أو عشرة، فإن الغبن هنا
يثبت قطعا مع جهله بالقيمة.
وإنما تؤثر الزيادة الفاحشة والنقيصة الفاحشة في تزلزل العقد وثبوت
الخيار فيه لو ثبتتا وقت العقد، ولو كانتا بعده، لم يعتد بهما إجماعا.
وقال أحمد: إن كان المشتري مسترسلا غير عارف بالمبيع وهو ممن
لو توقف لعرفه، لم يثبت له الخيار؛ لأن من يعرف السلعة أو يمكنه أن
يتعرفها فلم يفعل جعل كأنه رضي بالغبن وصار بمنزلة العالم بالعيب (1).
وهو ممنوع.
مسألة 254: لما لم يقدر الشارع للغبن حدا عرف أنه قد أحال الناس
فيه إلى العادات جريا على القاعدة المعهودة عند الشرع من رد الناس إلى
العرف بينهم فيما لم ينص فيه على شيء.
إذا تقرر هذا، فلا تقدير للغبن عندنا، بل الضابط ما قلناه من أن
ما لا يتغابن الناس بمثله يثبت معه الخيار، وما يتغابن الناس بمثله لا يثبت
فيه خيار.
وقال مالك: إن كان الغبن الثلث، لم يثبت الخيار. وإن كان أكثر من
الثلث. ثبت الخيار (2). وهو تخمين لم يشهد له أصل في الشرع.
مسألة 255: وإنما يثبت الخيار للمغبون خاصة دون الغابن إجماعا؛
لأن المقتضي لثبوت الخيار - وهو التضرر بعدمه - إنما يتحقق في طرف

(1) المغني 4: 92 - 93، الشرح الكبير 4: 88.
(2) الذخيرة 5: 113، العزيز شرح الوجيز 4: 236، المغني 4: 94، الشرح الكبير
4: 89.
70

المغبون فيختص بالحكم، ويثبت الخيار له بين الفسخ والإمضاء مجانا،
ولا يثبت به الأرش إجماعا.
ولو دفع الغابن التفاوت، احتمل سقوط خيار المغبون؛ لانتفاء موجبه
وهو النقص. وعدمه؛ لأنه ثبت له، فلا يزول عنه إلا بسبب شرعي
ولم يثبت.
ولا يسقط هذا الخيار بتصرف المغبون، لأصالة الاستصحاب، إلا أن
يخرج عن الملك ببيع وعتق وشبهه؛ لعدم التمكن من استدراكه. وكذا
لو منع مانع من الرد كاستيلاد الأمة ووقفها وكتابتها اللازمة. ولا يثبت (1)
الأرش هنا أيضا؛ لأصالة البراءة.
البحث الخامس: في خيار التأخير.
مسألة 256: من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري ولا قبض الثمن
ولا شرط تأخير الثمن ولو ساعة، لزمه البيع ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري
بالثمن في هذه الثلاثة، فهو أحق بالعين، ولا خيار للبائع. وإن مضت الثلاثة
ولم يأت بالثمن، تخير البائع بين فسخ العقد والصبر والمطالبة بالثمن عند
علمائنا أجمع؛ لأن الصبر أبدا مضر بالبائع وقد قال (عليه السلام): " لا ضرر
ولا ضرار " (2) فوجب أن يضرب له أجل يتمكن فيه من التخلص من
الضرر، فضرب له الثلاثة، كالحيوان.

(1) في " ق ": " ولم يثبت ".
(2) سنن ابن ماجة 2: 784 / 2341، سنن الدارقطني 3: 77 / 288، و 4: 227 / 83،
سنن البيهقي 6: 69 و 70 و 157، و 10: 133، مسند أحمد 1: 515 / 2862،
المستدرك - للحاكم - 2: 58، المعجم الكبير - للطبراني - 2: 86 / 1387، و 11:
302 / 11806، المعجم الأوسط - للطبراني - 5: 382 / 9351.
71

ولقول الكاظم (عليه السلام) وقد سئل عن الرجل يبيع البيع فلا يقبضه صاحبه
ولا يقبض الثمن، قال: " الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه، وإلا
فلا بيع بينهما " (1).
وسأل زرارة الباقر (عليه السلام) قلت: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم
يدعه عنده ويقول: حتى آتيك بثمنه، قال: " إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة
أيام، وإلا فلا بيع له " (2).
وخالف العامة في ذلك كافة، ولم يثبتوا للبائع خيارا؛ للانتقال
بالعقد، وسقوط حق البائع من العين، وانتقال حقه إلى الثمن. وهو ممنوع.
مسألة 257: لو كان المبيع مما يسرع إليه الفساد كالفواكه وشبهها مما
يفسد ليومه، فالخيار فيه إلى الليل؛ لأن الصبر أكثر من ذلك يؤدي إلى
تضرر المشتري لو ابقيت السلعة وطولب بالثمن، وإلى تضرر البائع
لو لم يطالب.
وما روي عن الصادق أو الكاظم (عليهما السلام) في الرجل يشتري الشيء
الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن، قال: " إن جاء ما بينه وبين
الليل بالثمن، وإلا فلا بيع له " (3).
تذنيب: لو كان مما يصبر يومين، احتمل أن يكون له الخيار إلى
الليل وإلى اليومين؛ عملا بأصالة العقد ولزومه.
مسألة 258: لو قبض المشتري السلعة ولم يقبض البائع الثمن،

(1) التهذيب 7: 22 / 92، الاستبصار 3: 78 / 259.
(2) الكافي 5: 171 / 11، الفقيه 3: 127 / 554، التهذيب 7: 21 / 88، الاستبصار
3: 77 - 78 / 258.
(3) الكافي 5: 172 / 15، التهذيب 7: 25 - 26 / 108، الاستبصار 3: 78 / 262.
72

فلا خيار للبائع؛ لأن ثبوت هذا الخيار على خلاف الأصل، فيقتصر في
ثبوته على ما ورد به النص، ويبقى ما عداه على الأصل من لزوم البيع.
ولأن البيع تأكد بالقبض. ولأن البائع قد رضي باللزوم حيث دفع المبيع إليه.
وكذا لو كان الثمن مؤجلا ولو لحظة، سقط الخيار، سواء تأخر عن
الأجل المضروب بسنة (1) مثلا أو لا؛ لما قلناه.
ولو قبض البائع بعض الثمن، لم يبطل الخيار؛ لأنه يصدق عليه
حينئذ أنه لم يقبض الثمن.
ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج، قال: اشتريت محملا وأعطيت
بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بائع المحمل
لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكت ثم قلت: لا والله لا أدعك أو أقاضيك،
فقال لي: ترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيناه فقصصنا عليه
قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تحب أن أقضي بينكما أبقول صاحبك أو
غيره؟ قال: قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: " من اشترى شيئا
فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له " (2).
فروع:
أ - لو قبض المشتري المبيع ثم دفعه وديعة عند بائعه أو رهنا حتى
يأتي بالثمن، فلا خيار للبائع؛ لأنه بإقباضه رضي بلزوم البيع، ويده الآن يد
نيابة عن المشتري، فكأنه في يد المشتري.
ب - لو مضى ثلاثة أيام فما زاد ولم يفسخ البائع البيع وأحضر

(1) في الطبعة الحجرية: " سنة ".
(2) الكافي 5: 172 - 173 / 16، التهذيب 7: 21 - 22 / 90.
73

المشتري الثمن ومكنه منه، سقط الخيار؛ لزوال المقتضي لثبوته، وهو
التضرر بالتأخير.
ج - لو مضت ثلاثة ثم طالب البائع المشتري بالثمن بعدها فوعده به،
لم يسقط خيار البائع بالطلب؛ لأنه حق ثبت شرعا، فلا يسقط إلا بوجه
شرعي.
د - لو سلم البائع بعض المبيع دون الباقي ثم مضت ثلاثة، كان له
الخيار في الجميع بين الفسخ فيه والصبر؛ لأنه يصدق عليه أنه لم يدفع
المبيع، وليس له فسخ البيع في غير المقبوض؛ لأن تفريق الصفقة عيب.
ه‍ - لو شرط تأخير بعض الثمن فأخر الباقي، فلا خيار؛ لأن الثمن
ليس حالا. ويحتمل ثبوته بعد تأخير العقد ثلاثة أيام، كالجميع. وكذا
لو شرط تأخير الثمن فأخره عن الأجل، فلا خيار.
مسألة 259: لو هلك المتاع في مدة ثلاثة أيام الخيار هنا، قال الشيخ:
يكون من ضمان المشتري؛ لأن المبيع انتقل إليه ولزمه (1)، ووجب عليه
دفع عوضه. ولو هلك بعدها، قال: يكون من مال البائع؛ لأن الخيار قد
ثبت له، فكأنه ملكه (2).
والمعتمد: أنه يكون من ضمان البائع على التقديرين؛ لقوله (عليه السلام):
" كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " (3) والتقدير أن المشتري
لم يقبض المبيع.
ولأن عقبة بن خالد سأل الصادق (عليه السلام) في رجل اشترى متاعا من

(1) في الطبعة الحجرية: " لزم ".
(2) النهاية: 386.
(3) لم نعثر عليه في المصادر الحديثية المتوفرة لدينا.
74

رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن
شاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: " من مال صاحب المتاع
الذي هو في بيته حتى يقبض المال ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته
فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله " (1).
البحث السادس: في خيار الرؤية.
مسألة 260: البيع على أقسام ثلاثة: بيع عين شخصية حاضرة.
ولا خلاف في صحته مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، وبدونها خلاف.
وبيع عين شخصية غائبة. وبيع عين غير شخصية بل مضمونة، كالسلم.
وشرط صحة بيع العين الشخصية الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند
علمائنا أجمع، وقد سبق الخلاف في ذلك.
ويجب فيه ذكر اللفظ الدال على الجنس، فيقول: بعتك عبدي، أو
حنطتي؛ دفعا للغرر.
وقال أبو حنيفة: لا يشترط ذلك، بل لو باعه ما في كمه من غير ذكر
جنسه، صح (2).
ويجب أيضا ذكر اللفظ الدال على المميز، وذلك بذكر جميع
الصفات التي تختلف الأثمان باختلافها وتتطرق الجهالة بترك بعضها،

(1) الكافي 5: 171 - 172 / 12، التهذيب 7: 21 / 89، و 230 / 1003.
(2) تحفة الفقهاء 2: 81، الهداية - للمرغيناني - 3: 32، الاختيار لتعليل المختار 2:
23، المحلى 8: 337، التهذيب - للبغوي - 3: 286، الحاوي الكبير 5: 14،
العزيز شرح الوجيز 4: 51، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 9: 301، المغني
4: 77، الشرح الكبير 4: 28، وحكاه عنه أيضا الشيخ الطوسي في الخلاف 3:
5، المسألة 1.
75

ولا يكفي ذكر الجنس عن الوصف، خلافا للشافعي في أحد قوليه (1).
ولا تشترط الرؤية، بل يكفي الوصف، سواء البائع والمشتري في
ذلك، خلافا للشافعي، فإنه تارة جوز بيع المجهول، وتارة لم يكتف
بالوصف، بل أوجب المشاهدة للبائع والمشتري، وتارة أوجب مشاهدة
البائع لسهولة دفع الغرر عنه، فإنه المالك المتصرف في المبيع، وتارة
أوجب مشاهدة المشتري؛ لأن البائع معرض عن الملك والمشتري محصل
له، فهو أجدر بالاحتياط (2).
مسألة 261: إذا وصفه ولم يجده المشتري على الوصف، تخير بين
الفسخ والإمضاء. ولو وجده أجود، لم يكن له خيار. أما لو وصفه وكيل
البائع فوجده (3) أجود، كان الخيار للبائع. ولو شاهد بعض الضيعة ووصف
له الباقي ثم وجدها على خلاف الوصف (4)، كان مخيرا بين الفسخ في
الجميع والإمضاء فيه لا في البعض.
مسألة 262: بيع العين الشخصية الموصوفة جائز عندنا، ويثبت الخيار
لو لم توجد على الوصف على ما تقدم.
ولما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من اشترى شيئا لم يره فهو
بالخيار إذا رآه " (5).
ومن طريق الخاصة أنهم (عليهم السلام) سئلوا عن بيع الجرب الهروية، فقالوا:

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 270، المجموع 9: 292، التهذيب - للبغوي - 3: 286،
الحاوي الكبير 5: 20، العزيز شرح الوجيز 4: 51 و 61، روضة الطالبين 3: 42.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 51، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 9: 290.
(3) في " ق، ك ": " فوجد ".
(4) في الطبعة الحجرية: " الأصل " بدل " الوصف ".
(5) سنن الدارقطني 3: 4 - 5 / 8 و 10، سنن البيهقي 5: 268.
76

" لا بأس به إذا كان لها بارنامج، فإن وجدها كما ذكرت وإلا ردها " (1).
وأراد بالبارنامج كتاب يذكر فيه صفات السلعة على الاستقصاء.
ولو وجد على الوصف، فلا خيار؛ لأصالة اللزوم، وعدم المقتضي
لثبوته.
وقال الشافعي: يثبت الخيار على كل حال (2).
مسألة 263: قد بينا أنه لابد من استقصاء الأوصاف مع الغيبة،
كالسلم، ولا يكفي ذكر الجنس ولا النوع ما لم يميزه بكل وصف تتطرق
الجهالة بتركه وتتفاوت القيمة بذكره؛ لأنه (عليه السلام) نهى عن الغرر (3)، خلافا
للشافعي وأبي حنيفة وغيرهما (4).
وإذا باع العين الغائبة على وجه الصحة كما إذا استقصى الأوصاف
عندنا ومطلقا عند الشافعي، يكون له الخيار عند الرؤية وظهور خلاف الوصف.
ويجوز أن يوكل البصير غيره بالرؤية [و] (5) بالفسخ والإجازة على
ما يستوصفه؛ للأصل، وكالتوكيل في خيار العيب، وهو أحد وجهي الشافعية.
وفي الثاني: لا يجوز التوكيل؛ لأن هذا الخيار مربوط بإرادة من له
الخيار [و] (6) لا تعلق له بغرض ولا وصف ظاهر، فأشبه ما لو أسلم الكافر

(1) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 6، المسألة 1.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 293، حلية العلماء 4: 86،
التهذيب - للبغوي - 3: 286، العزيز شرح الوجيز 4: 62، روضة الطالبين 3: 42.
(3) صحيح مسلم 3: 1153 / 1513، سنن ابن ماجة 2: 739 / 2194 و 2195، سنن
أبي داود 3: 254 / 3376، سنن الترمذي 3: 532 / 1230، سنن النسائي 7: 262،
سنن الدارمي 2: 254، الموطأ 2: 664 / 75، مسند أحمد 1: 497 / 2747،
وفيها " نهى (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر ".
(4) انظر: المصادر في الهامش (2) من ص 75، والهامش (1).
(5 و 6) أضفناهما من " العزيز شرح الوجيز ".
77

على عشرة (1)، ليس له أن يوكل بالاختيار (2).
والقياس ممنوع، وكذا حكم الأصل.
مسألة 264: قد بينا أنه يجوز بيع الغائب مع الوصف الرافع للجهالة
لا بدونه.
وللشافعي قول بالجواز بدونه (3).
وعلى قوله هذا هل يجوز بيع الأعمى وشراؤه؟ وجهان:
أظهرهما: أنه لا يجوز أيضا؛ لأن الغائب يثبت فيه خيار الرؤية وهنا
لا يمكن إثباته.
والثاني: الجواز، ويقوم وصف غيره له مقام رؤيته، كالإشارة القائمة
مقام النظر للأخرس، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد (4).
وعلى قول الشافعي بمنع بيع الأعمى وشرائه لا يصح (5) منه الإجارة
والرهن والهبة (6).
وعندنا أن ذلك كله جائز منه.

(1) أي: عشر نسوة.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 52، روضة الطالبين 3: 43، المجموع 9: 294.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 302، العزيز شرح الوجيز 4:
52، روضة الطالبين 3: 35.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 302 - 303، حلية العلماء 4:
97 - 98، العزيز شرح الوجيز 4: 52، روضة الطالبين 3: 35، الكافي في فقه
أهل المدينة: 360، الهداية - للمرغيناني - 3: 34، الاختيار لتعليل المختار 2:
15، المغني 4: 299، الشرح الكبير 4: 32.
(5) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " يمتنع بيع الأعمى وشراؤه ولا يصح... "
والصحيح ما أثبتناه.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 535، العزيز شرح الوجيز 4: 52، روضة الطالبين 3:
35، المجموع 9: 303.
78

وكذا له أن يكاتب عبده.
وفيه وجهان للشافعية على تقدير منع البيع: المنع، كالبيع. والجواز؛
تغليبا لجانب العتق (1).
ويجوز عندنا وعنده (2) أن يؤاجر نفسه، وأن يشتري نفسه، وأن
يقبل الكتابة على نفسه؛ لأنه لا يجهل نفسه، وأن ينكح وأن يزوج مولاته،
وبه قال الشافعي (3) تفريعا على أن العمى غير قادح في الولاية.
ولو باع سلما أو اشترى، صح مع ضبط الوصف.
وللشافعي تفصيل: إن كان قد عمي بعد سن التمييز، صح البيع؛ لأنه
يعتمد الأوصاف، وهو يميز بين الألوان ويعرف الأوصاف ثم يوكل من
يقبض عنه على الوصف المشروط. وإن كان أكمه أو عمي قبل بلوغ سن
التمييز، فوجهان: المنع؛ لأنه لا يعرف الألوان ولا يميز بينها، فلا يصح
سلمه. والصحة - كما اخترناه - لأنه يعرف الصفات والألوان بالسماع
ويتخيل الفرق بينها (4).
وكل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات فسبيله أن يوكل - وبه قال
الشافعي (5) - للضرورة.
تذنيب: لو باعه ثوبا على حف (6) نساج على أن ينسج له الباقي،
بطل؛ لأن بعضه بيع عين حاضرة وبعضه في الذمة مجهول.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 52، روضة الطالبين 3: 35، المجموع 9: 303.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 535، العزيز شرح الوجيز 4: 52، روضة الطالبين 3:
36.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 52 - 53، روضة الطالبين 3: 36، المجموع 9: 303.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 53، روضة الطالبين 3: 36، المجموع 9: 303.
(6) الحف: المنسج. الصحاح 4: 1344 " حفف ".
79

البحث السابع: في خيار العيب وما يتبعه.
مسألة 265: الأصل في البيع من الأعيان والأشخاص السلامة عن
العيوب، والصحة، فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في مقابلة تلك العين،
فإنما بنى إقدامه على غالب ظنه المستند إلى أصالة السلامة، فإذا ظهر عيب
سابق على العقد، وجب أن يتمكن من التدارك، وذلك بثبوت الخيار بين
إمضاء البيع وفسخه.
إذا عرفت هذا، فإطلاق العقد أو شرط السلامة يقتضيان السلامة، فإن
ظهر عيب سابق، كان للمشتري الخيار بين الفسخ والإمضاء.
والأصل فيه ما رواه الجمهور: أن رجلا اشترى غلاما في زمن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجد به (1).
ومن طريق الخاصة: قول أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو
المتاع فيجد فيه عيبا، قال: " إن كان الثوب قائما رده على صاحبه وأخذ
الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب " (2).
إذا ثبت هذا، فالعيب هو الخروج عن المجرى الطبيعي إما لزيادة أو
نقصان موجب لنقص المالية، كزيادة الإصبع ونقصانها.
مسألة 266: التدليس بما يختلف الثمن بسببه يوجب الخيار وإن
لم يكن عيبا، كتحمير الوجه ووصل الشعر والتصرية وأشباه ذلك؛ لما فيه
من الضرر الناشئ بفقد ما ظنه حاصلا.

(1) سنن ابن ماجة 2: 754 / 2243، سنن أبي داود 3: 284 / 3510، المستدرك
- للحاكم - 2: 15، مسند أحمد 7: 118 / 23993.
(2) الكافي 5: 207 / 2، التهذيب 7: 60 / 258.
80

وكذا لو شرط وصفا يتعلق به غرض معقول وإن كان ضده أجود من
المالية، فإن الخيار يثبت لو لم يخرج على الوصف، كما لو شرط العبد
كاتبا أو خياطا أو فحلا.
أما لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه ولا تزيد به المالية، فإنه لغو
لا يوجب الخيار، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
مسألة 267: إذا وجد المشتري بالمبيع عيبا سابقا على العقد
ولم يحدث عنده عيب ولا تصرف فيه، كان مخيرا بين فسخ البيع والإمضاء
بالأرش - وبه قال أحمد (1) - لأنه ظهر على عيب لم يقف على محله، فكان
له المطالبة بالأرش، كما لو حدث عنده عيب. ولأن الثمن في مقابلة
السليم، فإذا ظهر عيب، كان قد فات جزء من المبيع، فكان للمشتري
المطالبة بما يقابله من الثمن؛ لأن الأرش في الحقيقة جزء من الثمن.
وقال الشافعي: لا يثبت له الأرش، بل يتخير بين الرد والإمساك
بجميع الثمن؛ لحديث المصراة، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل له الخيار بين
الإمساك من غير أرش، أو الرد؛ لأنه قال: " إن رضيها أمسكها، وإن سخطها
ردها " (2) فثبت أنه إذا أمسك لم يستحق شيئا. ولأنه يملك رده فلم يكن له
المطالبة بجزء من الثمن، كما لو كان الخيار بالشرط (3).
وحديث المصراة نقول بموجبه؛ لأن التصرية ليست عيبا وإن كانت
تدليسا. والأرش عندنا يثبت في العيب لا التدليس.

(1) المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 96 - 97.
(2) سنن أبي داود 3: 270 / 3443.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 291، العزيز شرح الوجيز 4: 217 و 253، روضة الطالبين
3: 121 و 126 و 140، المغني 4: 259 - 260، الشرح الكبير 4: 97.
81

سلمنا، لكنه (عليه السلام) لم يسقط عنه الأرش كما لم يثبته، على أن الحق:
الأول. وخيار الشرط لا يوجب الأرش؛ لعدم فوات جزء من العين.
مسألة 268: لو تجدد العيب بعد القبض في يد المشتري من غير
تصرف، فإن كان حيوانا، كان من ضمان البائع إن تجدد في ثلاثة أيام
الخيار، وفي جذام الرقيق وبرصه وجنونه إن تجدد في السنة ما بين العقد
وظهوره. وإن كان غير حيوان، فلا ضمان على البائع - وبه قال مالك (1) -
لأن النبي (صلى الله عليه وآله) جعل عهدة البيع ثلاثة أيام (2)، وأنه إجماع أهل المدينة (3).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " إن حدث بالحيوان قبل
ثلاثة فهو من مال البائع " (4).
ولأن الحيوان قد يكون فيه العيوب ثم تظهر.
وأما عيوب السنة فقد وافقنا مالك (5) عليها؛ لأن الرضا (عليه السلام) قال:
" الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، وفي غير الحيوان أن يتفرقا،
وأحداث السنة ترد بعد السنة " قلت: وما أحداث السنة؟ قال: " الجنون
والجذام والبرص والقرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم
أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه " (6).

(1) التفريع 2: 177، حلية العلماء 4: 242، العزيز شرح الوجيز 4: 218، المغني
4: 262، الشرح الكبير 4: 101.
(2) سنن ابن ماجة 2: 754 / 2244، سنن أبي داود 3: 284 / 3506، سنن الدارمي
2: 251، سنن البيهقي 5: 324، المصنف - لابن أبي شيبة - 14: 227 / 18175،
مسند أحمد 5: 151 / 16934، وفيها " عهدة الرقيق " بدل " عهدة البيع ".
(3) كما في المغني 4: 262، والشرح الكبير 4: 101.
(4) الفقيه 3: 127 / 555، التهذيب 7: 67 / 288.
(5) انظر: المصادر في الهامش (1).
(6) الكافي 5: 216 - 217 / 16، التهذيب 7: 64 / 274.
82

وقال الشافعي: إذا حدث العيب بعد القبض، لم يثبت به الخيار
مطلقا - وبه قال أبو حنيفة - لأنه عيب ظهر في يد المشتري، فلا يثبت به
خيار، كما لو كان بعد الثلاث أو السنة (1).
والجواب: الفرق؛ فإن امتداد الخيار دائما مما يضر البائع، فلابد من
ضبطه لئلا يتضرر المشتري بإسقاطه.
مسألة 269: لو تجدد العيب بعد العقد وقبل القبض، كان للمشتري
رده؛ لأنه مضمون في يد البائع، فكما لو تلفت الجملة كانت من ضمانه،
كذا الأجزاء، وكما إذا كان العيب موجودا حالة العقد - وبه قال الشافعي (2) -
لأن المبيع في يد البائع مضمون بالثمن، فكان النقص الموجود فيه كالنقص
الموجود حالة العقد في إثبات الخيار.
وهل للمشتري الإمساك مع الأرش؟ منع الشيخ منه وقال: ليس له مع
اختيار الإمساك الأرش، بل إما أن يرده أو يمسكه بجميع الثمن (3). وبه قال
الشافعي (4)؛ لأنه جعل هذا العيب بمنزلة الموجود، فلا يثبت به أمران، فإذا
ثبت به الفسخ، لم يثبت به الأرش. وادعى الشيخ عدم الخلاف (5).
والأقوى عندي: أن للمشتري المطالبة بالأرش مع الإمساك؛ لأنه جزء
من الثمن مقابل لما تلف قبل قبضه من المبيع، فكان له المطالبة به،

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 291، حلية العلماء 4: 241، العزيز شرح الوجيز 4:
218، روضة الطالبين 3: 127، المغني 4: 262، الشرح الكبير 4: 101.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 291، العزيز شرح الوجيز 4: 217، روضة الطالبين
3: 126 - 127.
(3) الخلاف 3: 109، المسألة 178.
(4) روضة الطالبين 3: 140، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 97.
(5) انظر: الخلاف 3: 109، المسألة 178.
83

كالجميع.
مسألة 270: لو تراضى البائع والمشتري على أخذ الأرش والإمساك،
قال الشيخ: يجوز (1). وهو الحق عندنا؛ لأنه يثبت من غير الصلح فمعه
أولى. واحتج الشيخ بعموم قوله (عليه السلام): " الصلح جائز بين المسلمين إلا
ما أحل حراما أو حرم حلالا " (2) وهو أحد وجهي الشافعية، وبه قال
أبو حنيفة؛ لأنه إذا تعذر الرد يثبت الأرش، فجاز أن يثبت الأرش
بتراضيهما، كخيار ولي القصاص.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه خيار ثبت لفسخ البيع، فلا يجوز التراضي به
على مال، كخيار المجلس والشرط. وعلى تقدير الصحة يستحق الأرش،
ويسقط الرد، وعلى تقدير عدمها لا يجب الأرش (3).
وفي سقوط الرد له وجهان: السقوط؛ لأن صلحه تضمن رضاه
بالمبيع. وعدمه - وهو الصحيح عندهم - لأنه رضي بالمبيع لحصول
الأرش، فإذا لم يثبت له لم يسقط خياره (4).
وهذان الوجهان عندهم في خيار الشفعة إذا صالح عنه على
عوض (5).
مسألة 271: لو كان العيب بعد القبض لكن سببه سابق على العقد أو
على القبض، كما لو اشترى عبدا جانيا أو مرتدا أو محاربا، فإن قتل قبل

(1) الخلاف 3: 109، المسألة 178.
(2) سنن ابن ماجة 2: 788 / 2353، سنن أبي داود 3: 304 / 3594، سنن الترمذي
3: 635 / 1352، سنن البيهقي 6: 65.
(3 و 4) المهذب - للشيرازي - 1: 291، حلية العلماء 4: 239، روضة الطالبين 3:
140.
(5) حلية العلماء 4: 239.
84

القبض، انفسخ البيع إجماعا. وإن كان بعد القبض، فإن كان المشتري
جاهلا بحاله، فله الأرش؛ لأن القبض سلطة على التصرف، فيدخل المبيع
في ضمانه، وتعلق القتل برقبته كعيب من العيوب، فإذا هلك، رجع على
البائع بالأرش، وهو نسبته ما بين قيمته مستحقا للقتل وغير مستحق من
الثمن، وهو أحد قولي الشافعي.
وأصحهما: أنه من ضمان البائع - وبه قال أبو حنيفة - لأن التلف
حصل بسبب كان في يده، فأشبه ما لو باع عبدا مغصوبا فأخذه المستحق،
فحينئذ يرجع المشتري عليه بجميع الثمن (1).
والأول أولى. والفرق بينه وبين المغصوب ظاهر، وهو ثبوت الملك
في المتنازع دون صورة النقض. ويبتنى على الوجهين مؤونة تجهيزه (2) من
الكفن والدفن وغيرهما. فعلى ما قلناه يكون على المشتري، وعلى ما قاله
الشافعي وأبو حنيفة يكون على البائع (3).
ولو كان المشتري عالما بالحال أو تبين له بعد الشراء ولم يرد،
لم يرجع بشيء، كما في غيره من العيوب.
وعلى قول الشافعي وأبي حنيفة وجهان:
أحدهما: أنه يرجع بجميع الثمن إتماما للتشبيه بالاستحقاق.
وأصحهما عند جمهور الشافعية: أنه لا يرجع بشيء؛ لدخوله في
العقد على بصيرة، أو إمساكه مع العلم بحاله، وليس هو كظهور الاستحقاق
من كل وجه، ولو كان كذلك، لم يصح بيعه ألبتة (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 218، روضة الطالبين 3: 127.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " موته وتجهيزه ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 218، روضة الطالبين 3: 127.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 218 - 219، روضة الطالبين 3: 127.
85

وكذا لو اشترى عبدا وجب عليه القطع بسرقة أو قصاص، فإنه يصح
إجماعا، بخلاف صورة الجاني؛ فإن فيه خلافا، فإذا قبضه المشتري ثم
قطع في يده، فعلى ما اخترناه إذا كان المشتري جاهلا، لم يكن له الرد؛
لكون القطع من ضمانه، بل يرجع بالأرش، وهو ما بين قيمته مستحقا
للقطع وغير مستحق من الثمن، وهو أحد قولي الشافعي.
وعلى الثاني: له الرد واسترجاع جميع الثمن، كما لو قطع في يد
البائع. ولو تعذر الرد بسبب، فالنظر في الأرش على هذا الوجه إلى التفاوت
بين العبد السليم والأقطع (1).
وإن كان المشتري عالما، فليس له الرد ولا الأرش.
مسألة 272: يسقط الرد والأرش معا بعلم المشتري بالعيب قبل العقد
وكذا بعده بشرط إسقاطهما وتبري البائع من العيوب حالة العقد مجملة أو
مفصلة مع علمه بالعيب وجهله - ويسقط الرد خاصة بتصرف المشتري في
السلعة قبل العلم بالعيب أو بعده أو حدوث عيب آخر عند المشتري من
جهته أو من غير جهته إذا لم يكن حيوانا في مدة الخيار، ويثبت له الأرش
في هذه الصور خاصة. ولو كان العيب الحادث قبل القبض، لم يمنع الرد
مطلقا - لأن علمه بالعيب ورضاه به دليل على انتفاء الغرر، فيسقط الخيار.
وكذا إسقاط حكم العيب بعد العلم به.
وأما تبري البائع من العيوب فإنه مسقط للرد والأرش معا عند علمائنا
أجمع، سواء كان المبيع حيوانا أو لا، وسواء علم البائع بالعيب أو لا،
وسواء فصلها أو لا، وسواء كان العيب باطنا أو لا - وبه قال أبو حنيفة

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 219، روضة الطالبين 3: 128.
86

والشافعي في أحد أقواله (1) - لما رواه الجمهور عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" المؤمنون عند شروطهم " (2).
وعن ام سلمة أن رجلين اختصما في مواريث قد درست إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " استهما وتوخيا وليحلل أحدكما
صاحبه " (3) وهو يدل أن البراءة من المجهول جائزة.
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " المسلمون عند شروطهم
إلا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز " (4).
ولأنه إسقاط حق، فيصح في المجهول، كالطلاق والعتاق. ولأن خيار
العيب إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرح بالبراءة، فقد
ارتفع الإطلاق.
والقول الثاني للشافعي: أنة لا يبرأ البائع بالتبري من كل العيوب إلا
من عيب واحد، وهو العيب الباطن في الحيوان إذا لم يعلمه، فأما إذا علمه
أو كان ظاهرا علمه أو لم يعلمه، أو كان بغير الحيوان، فإنه لا يبرأ منه - وبه
قال مالك، وهو الصحيح عندهم - لأن عبد الله بن عمر باع عبدا من زيد بن

(1) المبسوط - للسرخسي - 13: 91، الهداية - للمرغيناني - 3: 41، الاختيار
لتعليل المختار 2: 31، مختصر اختلاف العلماء 3: 142 / 1215، الام 3: 70،
المهذب - للشيرازي - 1: 295، حلية العلماء 4: 282، التهذيب - للبغوي - 3:
474، الحاوي الكبير 5: 271 و 272، العزيز شرح الوجيز 4: 243، روضة
الطالبين 3: 133، المحلى 9: 41.
(2) الحاوي الكبير 5: 272، العزيز شرح الوجيز 4: 243، الذخيرة 5: 24، المغني
4: 384، الشرح الكبير 4: 54، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(3) مسند أحمد 7: 451 / 26177، المصنف - لابن أبي شيبة - 7: 233 -
234 / 3016، و 14: 269 / 18338، سنن البيهقي 6: 66، المغني 4: 280.
(4) الفقيه 3: 127 / 553، التهذيب 7: 22 / 93.
87

ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم (1) فأصاب به عيبا فأراد رده على ابن
عمر فلم يقبله، فارتفعا إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: أتحلف أنك
لم تعلم بهذا العيب؟ فقال: لا قدرة لي عليه، فرده عليه، فباعه ابن عمر
بألف درهم ولم ينكر عليه أحد (2).
وفعل عثمان لا حجة فيه.
والقول الثالث للشافعي: أنه لا يبرأ البائع من شيء من العيوب ألبتة
بالتبري - وهو إحدى الروايتين عن أحمد - لأنه خيار ثابت بالشرع،
فلا ينتفي بالشرط، كسائر مقتضيات العقد. ولأن البراءة من جملة المرافق
فلتكن معلومة، كالرهن والكفيل، والعيوب المطلقة مجهولة (3).
والكبرى في الأول ممنوعة. والفرق بين الرهن والكفيل وبين
المتنازع أن الحاجة تدعو إليه هنا، بخلاف الرهن والضمين.
وعن أحمد رواية اخرى: أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه في الحيوان
وغيره، ولا يبرأ من كل عيب يعلمه في الحيوان وغيره (4)؛ لأن كتمان
المعلوم تلبيس.
ولبعض الشافعية طريقة اخرى عن الشافعي: أنه يبرأ في الحيوان من

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " بمائتي درهم ". وما أثبتناه من بعض المصادر
في الهامش التالي.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 295، الحاوي الكبير 5: 272 و 273، التهذيب
- للبغوي - 3: 274، العزيز شرح الوجيز 4: 243، روضة الطالبين 3: 132 -
133، المدونة الكبرى 4: 349، المغني 4: 280، الشرح الكبير 4: 67، المحلى
9: 41 - 42، مختصر اختلاف العلماء 3: 142 / 1215.
(3) الحاوي الكبير 5: 272، التهذيب - للبغوي - 3: 274، العزيز شرح الوجيز 4:
243، روضة الطالبين 3: 133، المغني 4: 279، الشرح الكبير 4: 67.
(4) المغني 4: 280، الشرح الكبير 4: 67، العزيز شرح الوجيز 4: 243.
88

غير المعلوم دون المعلوم، ولا يبرأ في غير الحيوان من المعلوم، وفي غير
المعلوم قولان (1).
وأثبت بعضهم طريقة رابعة، وهي: ثلاثة أقوال في الحيوان وغيره،
ثالثها: الفرق بين المعلوم وغير المعلوم (2).
فروع:
أ - لو قال: بعتك بشرط أن لا ترد بالعيب، جرى فيه هذا الاختلاف.
وقال بعض الشافعية: إنه فاسد قطعا يفسد العقد (3).
والأقرب: أنه إن قصد إسقاط الخيار، لزم البيع.
ب - لو عين بعض العيوب وشرط البراءة عنه، صح، وبرئ مما عينه
خاصة.
وقال الشافعي: إن كان العيب خفيا لا يشاهد، مثل أن يشرط البراءة
من الزنا والسرقة والإباق، برئ منها إجماعا؛ لأن ذكرها إعلام واطلاع
عليها. وإن كان مما يشاهد كالبرص فإن أراه قدره وموضعه، برئ أيضا.
وإن لم يره، فهو كشرط البراءة مطلقا؛ لتفاوت الأغراض باختلاف قدره
وموضعه (4).
ج - ما لا يعرفه البائع ويريد البراءة عنه لو كان، يصح البراءة منه
على ما تقدم.
وللشافعي ما تقدم من الخلاف في الأقوال.
فعلى البطلان في العقد وجهان للشافعية: البطلان، كسائر الشروط

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 244، روضة الطالبين 3: 133.
89

الفاسدة. وأظهرهما عندهم: الصحة؛ لاشتهار القصة المذكورة بين الصحابة
في قضية ابن عمر. ولأنه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال، وهو
السلامة عن العيوب.
وعلى الصحة فذلك في العيوب الموجودة عند العقد، أما الحادث
بعده وقبل القبض فيجوز الرد به (1).
د - لو شرط البراءة عن العيوب الكائنة والتي تحدث، جاز عندنا؛
عملا بعموم " المؤمنون عند شروطهم " (2).
وللشافعية وجهان أصحهما عندهم: أنه فاسد (3).
فإن أفرد ما يستحدث بالشرط، فهو بالفساد أولى عندهم (4).
والأولى عندنا: الصحة.
لا يقال: التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب، وهو
باطل.
لأنا نقول: التبري إنما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد لا من
العيب.
ه‍ - ما مأكوله في جوفه من الجوز والبطيخ لو تبرأ من العيوب فيه،
صح عندنا؛ عملا بالشرط.
وهل يلحق بالحيوان؟ عند الشافعية قولان:
أحدهما: نعم، فيجوز التبري من عيوبه الخفية الباطنة غير المعلومة.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 244، روضة الطالبين 3: 133.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 244، روضة الطالبين 3: 133.
90

والثاني - وهو الأشهر بينهم -: لا، لتبدل أحوال الحيوان، فإنه يغتذي
في الصحة والسقم وتتحول (1) طباعه، فالغالب فيه وجود العيب في باطنه،
فلهذا جوز التبري من عيوبه، بخلاف البطيخ، فإن الأكثر فيه السلامة (2).
و - إذا شرط البراءة، صح، فإن حدث عند البائع فيه عيب قبل
القبض، فإن عمم التبري من العيوب التي يدخل فيها المتجدد، صح. وإن
خصص بالثابت، لم يبرأ. وإن أطلق، فالأقرب: الانصراف إلى الثابت حالة
العقد، وبه قال الشافعي (3).
وكذا لو عمم، لم يدخل عنده؛ لأنه إسقاط للحق قبل ثبوته، وإبراء
مما لا يجب عليه.
وقال أبو يوسف: يبرأ منه؛ لأن الشرط أسقط ذلك، وقد وجد في
حال سبب وجوب الحق، فصار كما لو وجد بعد ثبوته (4).
ز - ينبغي للبائع إعلام المشتري بالعيب إذا أراد التبري، أو ذكر
العيوب مفصلة والتبري منها؛ لأنه أبعد من الغش، فإن أجمل البراءة من كل
عيب، صح، ولزم على ما تقدم.
مسألة 273: تصرف المشتري كيف كان يسقط الرد بالعيب السابق
عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة (5) - لأن تصرفه فيه رضا منه به على
الإطلاق، ولولا ذلك كان ينبغي له الصبر والثبات حتى يعلم حال صحته
وعدمها.

(1) في الطبعة الحجرية: " فتتحول ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 244، روضة الطالبين 3: 133.
(3) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 244، وروضة الطالبين 3: 133.
(4) الاختيار لتعليل المختار 2: 31.
(5) بدائع الصنائع 5: 270، الشرح الكبير 4: 103.
91

ولقول الباقر (عليه السلام): " أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار لم يتبرأ
إليه ولم يبرأ فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العوار وبذلك العيب
أنه يمضي عليه البيع، ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من
ثمن ذلك لو لم يكن به " (1).
وقال الصادق (عليه السلام): " أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها
عيبا لم يردها، ورد البائع عليه قيمة العيب " (2).
وقال الشافعي: لا يسقط الرد؛ للأصل (3). وليس بشيء.
إذا ثبت هذا، فإن الأرش لا يسقط بتصرف المشتري، سواء تصرف
قبل العلم بالعيب أو بعده، وليس تصرفه فيه مؤذنا برضاه به مجانا. نعم،
يدل على رضاه بترك الرد، ولما تقدم من الأحاديث.
مسألة 274: إذا اشترى أمة ثيبا فوطئها قبل العلم بالعيب ثم علم به،
لم يكن له الرد، بل الأرش خاصة - وبه قال علي (عليه السلام) والزهري والثوري
وأبو حنيفة (4) - لما تقدم.
ولقول الصادق (عليه السلام) في رجل اشترى جارية فوقع عليها، قال: " إن
وجد بها عيبا فليس له أن يردها ولكن [يرد] (5) عليه بقدر ما نقصها العيب "
قال: قلت: هذا قول علي (عليه السلام)؟ قال: " نعم " (6).

(1) الكافي 5: 207 / 3، التهذيب 7: 60 / 257.
(2) التهذيب 7: 60 / 260.
(3) الحاوي الكبير 5: 261.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 276، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98، المحلى
9: 77، الحاوي الكبير 5: 246، المبسوط - للسرخسي - 13: 95، بداية
المجتهد 2: 182.
(5) أضفناها من المصدر.
(6) الكافي 5: 214 - 215 / 5، التهذيب 7: 61 / 262.
92

ولأن الوطء يجري مجرى الجناية؛ لأنه لا يخلو في ملك الغير من
عقوبة أو مال، فوجب أن يمنع الرد، كما لو كانت بكرا.
وقال الشافعي: يردها ولا يرد معها شيئا - وبه قال مالك وأبو ثور
وعثمان البتي وأحمد في إحدى الروايتين، ورواه أبو علي الطبري عن زيد
ابن ثابت - لأنه معنى لا ينقص من عينها ولا من قيمتها، ولا يتضمن الرضا
بالعيب، فلا يمنع الرد، كوطئ الزوج، والخدمة (1).
والجواب: المنع من ثبوت الحكم في الأصل ومن عدم النقص في
القيمة.
وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها مهر مثلها - وهو مروي عن عمر -
لأنه إذا فسخ العقد صار واطئا في ملك البائع، فلزمه المهر (2).
وهو باطل؛ لأن الرد بالعيب فسخ للعقد في الحال، ولهذا لا يجب رد
النماء ولا يبطل الشفعة، فيكون وطؤه قد صادف ملكه، فلا ضمان.
مسألة 275: ولو كانت الأمة بكرا فافتضها، لم يكن له ردها بالعيب
السابق، ويثبت له الأرش، وبه قال الشافعي أيضا وأبو حنيفة (3).
أما عندنا: فلما مر من أن التصرف يمنع الرد.
وأما عند الشافعي: فلأن البكارة قد ذهبت، وذلك نقصان من عينها،

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 292، الحاوي الكبير 5: 246، العزيز شرح الوجيز
4: 276، روضة الطالبين 3: 150، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98،
المحلى 9: 77، المبسوط - للسرخسي - 13: 95، بداية المجتهد 2: 182.
(2) الحاوي الكبير 5: 246، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98.
(3) مختصر المزني: 83، الحاوي الكبير 5: 247، العزيز شرح الوجيز 4: 277،
روضة الطالبين 3: 150، المبسوط - للسرخسي - 3: 95، المغني 4: 260،
الشرح الكبير 4: 99.
93

كما لو اشترى عبدا فخصاه ثم وجد به عيبا، فإنه لا يرده وإن زادت قيمته
بذلك لنقصان عينه. وكذا لو اشترى ذا إصبع زائدة فقطعها (1).
وقال مالك: يردها ويرد أرش البكارة. وهو إحدى الروايتين عن
أحمد (2)، بناء على أن العيب لا يمنع من الرد.
مسألة 276: قد بينا أن التصرف من المشتري يمنع من الرد بالعيب
السابق مطلقا، إلا في صورتين:
إحداهما: وطؤ المشتري الجارية الحامل قبل البيع، فإنه يردها ويرد
معها نصف عشر قيمتها، فلو تصرف في الحامل بالاستخدام وغيره من
العقود الناقلة وغيرها بدون الوطئ أو معه، لم يكن له الرد، وكان له الأرش.
ولو وطئ وكان العيب غير الحبل السابق (3)، لم يكن له الرد أيضا،
بل كان له الأرش، فالضابط اختصاص العيب بالحبل أو (4) التصرف
بالوطئ؛ لأن ابن سنان سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية ولم يعلم
بحبلها فوطئها، قال: " يردها على الذي ابتاعها منه، ويرد عليه نصف عشر
قيمتها لنكاحه إياها وقد قال علي (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها
صاحبها، ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها " (5).
فروع:
أ - نصف العشر يجب لو كانت ثيبا، أما لو حملت البكر من السحق

(1) انظر: الحاوي الكبير 5: 247، والعزيز شرح الوجيز 4: 277، والمغني 4:
260، والشرح الكبير 4: 99.
(2) المغني 4: 260، الشرح الكبير 4: 99.
(3) كلمة " السابق " لم ترد في " ق، ك ".
(4) في " ق، ك ": " و " بدل " أو ".
(5) الكافي 5: 214 / 2، التهذيب 7: 61 - 62 / 266.
94

ثم اشتراها ووطئها بكرا ثم ظهر سبق الحبل (1) على البيع، فإنه يردها أيضا.
والأقرب: أنه يرد معها عشر قيمتها؛ لأن الشارع قد ضبط أرش البكارة
بنصف العشر. وعليه تحمل الرواية عن عبد الملك بن عمرو عن الصادق (عليه السلام)
في الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيطؤها، قال: " يردها ويرد عشر
ثمنها إذا كانت حبلى " (2).
ويحتمل نصف العشر؛ لعموم الأحاديث الشاملة للثيب والبكر.
ويحتمل عدم الرد؛ لفوات جزء من العين وهو البكارة، وتعيب
الجارية بذهاب العذرة، وليس ذلك عيب الحبل (3).
ب - لا فرق بين الوطئ في القبل والدبر، فإن له الرد فيهما، ويرد
معها نصف العشر؛ لأن الوطء في الدبر مساو له في القبل في إيجاب جميع
المهر.
ج - لو وطئ البكر في الدبر ووجدها حاملا، كان له الرد هنا قطعا؛
لعدم الجناية بغير الوطئ، ويرد هنا نصف العشر؛ لسلامة البكارة.
الصورة الثانية: الشاة المصراة، فإذا اشترى شاة وحلبها ثم وجدها
مصراة، كان له الرد بعد ثلاثة أيام وحلب اللبن منها، فلو كان العيب غير
التصرية أو كان التصرف بغير الحلب، سقط الرد، ولا أرش؛ لأنه ليس عيبا.
مسألة 277: التصرية هي جمع اللبن في الضرع، مشتقة من الصري،
وهو الجمع، يقال: صري الماء في الحوض. وكذا قوله (عليه السلام): " من ابتاع
محفلة " (4) وهي أيضا من الجمع، ولهذا سمي اجتماع الناس محافل.

(1) في الطبعة الحجرية: " الحمل " بدل " الحبل ".
(2) التهذيب 7: 62 / 268، الاستبصار 3: 81 / 274.
(3) قوله: " ويحتمل عدم الرد... عيب الحمل " لم يرد في " ق ".
(4) سنن أبي داود 3: 271 / 3446، سنن النسائي 7: 254، مسند أحمد 2: 490 / 7333.
95

فإذا جمع الرجل اللبن في الضرع ليبيعها ويدلس بذلك كثرة لبنها،
لم يجز؛ لأنه غش، فإذا باعها (1) مصراة ثم ظهر المشتري على تصريتها،
ثبت له الخيار بين الرد والإمساك - وبه قال عبد الله بن مسعود وابن عمر
وأبو هريرة وأنس والشافعي ومالك والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق
وأبو يوسف وزفر (2) - لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا تصروا الإبل والغنم للبيع،
فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها،
وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " (3).
وقال أبو حنيفة: لا يثبت بذلك خيار؛ لأن نقصان اللبن ليس بعيب،
ولهذا لو وجدها ناقصة اللبن عن أمثالها، لم يثبت الخيار له، والتدليس
[بما ليس] (4) بعيب لا يثبت الخيار، كما لو علفها حتى انتفخ جوفها فظنها
المشتري حاملا (5).
ويبطل بالخبر، وأنه تدليس بما يختلف الثمن لاختلافه، فوجب به

(1) في الطبعة الحجرية: " باع " بدل " باعها ".
(2) المغني 4: 252 - 253، الشرح الكبير 4: 89، المحلى 9: 66 - 67، المهذب
- للشيرازي - 1: 289، التنبيه في الفقه الشافعي: 94، الحاوي الكبير 5: 236،
حلية العلماء 4: 226، التهذيب - للبغوي - 3: 421، العزيز شرح الوجيز 4:
229، روضة الطالبين 3: 129، بداية المجتهد 2: 175، الاستذكار 21:
86 / 30559 - 30561، مختصر اختلاف العلماء 3: 59 / 1139.
(3) صحيح البخاري 3: 92 - 93، صحيح مسلم 3: 1155 / 11، سنن أبي داود 3:
270 / 3443، سنن البيهقي 5: 318.
(4) أضفناها - لأجل السياق - من المغني والشرح الكبير.
(5) المغني 4: 253، الشرح الكبير 4: 89، حلية العلماء 4: 226، التهذيب
- للبغوي - 3: 421 - 422، الحاوي الكبير 5: 236 - 237، العزيز شرح الوجيز
4: 229، بداية المجتهد 2: 175.
96

الرد، كما لو كانت شمطاء (1) فسود شعرها. وما ذكره يبطل أيضا ببياض
الشعر، فإنه ليس بعيب ككبر السن إذا دلس بتسويده. وانتفاخ البطن
لا ينحصر في الحبل، فقد يكون لكثرة الأكل والشرب، فلا معنى لحمله
على الحمل.
إذا ثبت هذا، فإن التصرية تدليس يوجب الخيار عندنا، وليست
عيبا. وقال الشافعي: إنها عيب (2). ومنعهما معا أبو حنيفة (3).
مسألة 278: وتختبر التصرية بثلاثة أيام، ويمتد الخيار بامتدادها كما
في الحيوانات؛ للخبر (4)؛ لأن الشارع وضع هذه الثلاثة لمعرفة التصرية،
فإنه لا يعرف ذلك قبل مضيها؛ لجواز استناد كثرة اللبن إلى الأمكنة، فإنها
تتغير، أو إلى اختلاف العلف، فإذا مضت ثلاثة أيام، ظهر ذلك، ويثبت له
الخيار حينئذ على الفور.
ولا يثبت الخيار بالتصرية قبل انقضائها؛ لعدم العلم بالتصرية وإن
ثبت خيار الحيوان، وهو قول أبي إسحاق (5) من الشافعية.
وقال أبو علي بن أبي هريرة منهم: مدة الثلاثة المذكورة في الخبر
إنما تثبت بشرطه (6)، ولا تثبت بالتصرية، فإذا استبان، ثبت له الخيار

(1) الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. والمرأة: شمطاء. الصحاح 3: 1138
" شمط ".
(2) الام 3: 68، الحاوي الكبير 5: 237، بداية المجتهد 2: 175.
(3) انظر: المصادر في الهامش (1).
(4) صحيح مسلم 3: 1158 / 24 و 25، سنن أبي داود 3: 270 / 3444، سنن
الترمذي 3: 553 - 554 / 1252، سنن البيهقي 5: 320، سنن الدارقطني 3:
74 / 279، مسند أحمد 3: 304 / 10208.
(5) حلية العلماء 4: 226، الحاوي الكبير 5: 240.
(6) أي: بشرط الخيار.
97

على الفور (1).
ومنهم من قال: إذا وقف على التصرية فيما دون الثلاثة، ثبت
له الخيار فيها إلى تمامها (2). كما اخترناه نحن، وذكر القاضي
أبو حامد في جامعه أن الشافعي نص عليه في اختلاف أبي حنيفة وابن
أبي ليلى (3).
فروع:
أ - لو عرف التصرية قبل ثلاثة أيام بإقرار البائع أو بشهادة الشهود،
ثبت له الخيار إلى تمام الثلاثة أيام؛ لأنه كغيره من الحيوان. أما لو أسقط
خيار الحيوان، فإن خيار التصرية لا يسقط.
وهل يمتد إلى الثلاثة، أو يكون على الفور؟ إشكال. وللشافعية
وجهان (4).
ب - ابتداء هذه الثلاثة من حين العقد لا من حين التفرق، كما قلنا
في خيار المجلس. وللشافعية وجهان (5).
ج - لو عرف التصرية في آخر الثلاثة أو بعدها، فالأقرب:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 230.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 289، التهذيب - للبغوي - 3: 428، الحاوي الكبير
5: 240.
(3) انظر: الخلاف - للطوسي - 3: 103، المسألة 168، والمغني 4: 255،
والشرح الكبير 4: 94.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 428، العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 129.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 130.
98

ثبوت الخيار؛ لأنه عيب سابق. والتنصيص على الثلاثة بناء على
الغالب، وهو قول بعض الشافعية القائلين بامتداد الخيار إلى ثلاثة؛
لامتناع مجاوزة الثلاثة كما في خيار الشرط. وعلى القول الثاني يثبت على
الفور (1).
د - لو علم أنها مصراة فاشتراها كذلك، فلا خيار له؛ لإقدامه على
العيب، وانتفاء التدليس في طرفه، فلا وجه لثبوت الخيار له، كما في غيرها
من العيوب، وهو أحد قولي الشافعية.
والثاني: يثبت له الخيار؛ لظاهر الخبر (2). ولأن انقطاع اللبن لم يوجد
وقد يبقى على حاله فلم يجعل ذلك رضا به، كما إذا تزوجت بعنين ثم
طالبت بالفسخ، ثبت؛ لجواز أن لا يكون عنينا عليها (3).
وليس بشيء، والأصل ممنوع.
مسألة 279: وتثبت التصرية في الشاة إجماعا، والأقرب: ثبوتها في
البقرة والناقة - وبه قال الشافعي وغيره (4) ممن أثبت الخيار، إلا داود (5) -

(1) الحاوي الكبير 5: 240، العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 130.
(2) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 97، الهامش (5).
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 428، الحاوي الكبير 5: 240 - 241، حلية العلماء 4:
231، العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 130، المغني 4: 253،
الشرح الكبير 4: 90.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 289، التهذيب - للبغوي - 3: 421 و 428، حلية
العلماء 4: 225، الحاوي الكبير 5: 241، العزيز شرح الوجيز 4: 221، روضة
الطالبين 3: 129، المغني 4: 256، الشرح الكبير 4: 92.
(5) حلية العلماء 4: 226، المغني 4: 256، الشرح الكبير 4: 92.
99

لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا تصروا الإبل والغنم " (1) وفي رواية: " من باع
محفلة " (2) ولم يفصل. ولأنه تدليس بتصرية، فأشبه الإبل والغنم.
وقال داود: تثبت التصرية في الشاة والناقة، دون البقرة؛ لأن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا تصروا الإبل والغنم " (3) ولم يذكر البقرة (4).
وينتقض بالخبر الآخر (5)، وعدم الذكر لا يدل على العدم خصوصا
والبقر لبنها أغزر وأكثر نفعا من الإبل والغنم، فالخبر يدل عليها بالتنبيه.
مسألة 280: ولا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة في الخبر:
الإبل والبقر والغنم عند علمائنا؛ لأصالة لزوم البيع. ولأن لبن ما عداها غير
مقصود، وهو أحد وجهي الشافعية، والثاني لهم: أنه غير مختص بالأنعام،
بل هو ثابت في جميع الحيوانات المأكولة (6).
ولو اشترى أتانا فوجدها مصراة، فلا خيار له؛ لأنه ليس عيبا،
ولا يعد تدليسا؛ إذ المقصود لذاته ظهرها، ولا مبالاة بلبنها، وهو أضعف
وجهي الشافعية.

(1 و 3) صحيح البخاري 3: 92، صحيح مسلم 3: 1155 / 11، سنن أبي داود 3:
270 / 3443، سنن النسائي 7: 253، سنن الدارقطني 3: 75 / 283، سنن البيهقي
5: 320 - 321، مسند أحمد 3: 131 / 9055، المعجم الكبير - للطبراني - 12:
419 / 13545.
(2) سنن ابن ماجة 2: 753 / 2240، سنن البيهقي 5: 319.
(4) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 99، الهامش (6).
(5) وهو قوله (عليه السلام): " من باع محفلة " المتقدم آنفا.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 428، منهاج الطالبين: 102، الحاوي الكبير 5: 241 -
242، العزيز شرح الوجيز 4: 232، روضة الطالبين 3: 131.
100

والأصح عندهم: أنه يثبت له الرد؛ لأنه مقصود لتربية الجحش (1).
وهل يرد معها شيئا؟ مبني على طهارة لبنها.
فعلى قول أكثرهم هو نجس، ولا يرد معه شيئا.
وقال الإصطخري منهم: إنه طاهر، فيرد معها ما يرد مع الشاة (2).
ولو اشترى جارية فوجدها مصراة، فلا خيار له عندنا؛ لأن لبنها غير
مقصود غالبا إلا على ندور، فإن اللبن في الآدميات غير مقصود بالذات،
وهو أحد وجهي الشافعية.
وأصحهما عندهم: أنه يثبت به الخيار؛ لأن غزارة ألبان الجواري
مطلوبة في الحضانة، مؤثرة في القيمة، ويختلف ثمنها بذلك. ولأنه إذا كثر
لبنها حسن بدنها، فكان تدليسا (3).
وليس بشيء؛ لندوره.
وعلى تقدير الرد هل يرد معها شيئا؟ وجهان للشافعية:
أحدهما: يرد؛ لأن اللبن فيها مقصود، ولهذا يثبت الرد، فيرد صاعا
من تمر.
والثاني: لا يرد شيئا؛ لأن لبن الآدميات لا يباع عادة، ولا يعتاض عنه
غالبا (4).
مسألة 281: إذا رد المصراة، رد معها اللبن الذي احتلبه منها. فإن كان
قد تغير وصفه حتى الطراوة والحلاوة، دفع الأرش. ولو فقد ذلك اللبن،

(1 و 2) المهذب - للشيرازي - 1: 290، التهذيب - للبغوي - 3: 429، الحاوي
الكبير 5: 241 - 242، العزيز شرح الوجيز 4: 232، روضة الطالبين 3: 131.
(3 و 4) المهذب - للشيرازي - 1: 290، التهذيب - للبغوي - 3: 429، الحاوي
الكبير 5: 242، العزيز شرح الوجيز 4: 232، روضة الطالبين 3: 131.
101

دفع مثله؛ لأنه ملك البائع، لأن العقد وقع عليه؛ لأنه كان موجودا حال
العقد، فيجب رده عليه، وأقرب الأشياء إليه مثله، فينتقل إليه مع عدمه.
فإن تعذر المثل أيضا، فالقيمة وقت الدفع.
وكذا لو تغير تغيرا فاحشا بحيث يخرج عن حد الانتفاع، فهو كالتالف.
ولو ردها قبل الحلب، فلا شيء عليه؛ لأنه لم يتصرف.
وقالت الشافعية: إن كان ظهور التصرية قبل الحلب، ردها (1)،
ولا شيء عليه. وإن كان بعده، فاللبن إما أن يكون باقيا أو تالفا، فإن كان
باقيا، فلا يكلف المشتري رده مع المصراة؛ لأن ما حدث بعد البيع ملك له
وقد اختلط بالمبيع وتعذر التمييز، وإذا أمسكه، كان بمثابة ما لو تلف (2).
والوجه: أنه يكون شريكا، ويقضى بالصلح؛ لعدم التمكن من العلم
بالقدر.
ولو أراد رده، وجب على البائع أخذه؛ لأنه أقرب إلى استحقاقه من
بدله، وهو أحد وجهي الشافعية. والأصح عندهم: عدم الوجوب؛ لذهاب
طراوته بمضي الزمان (3).
واتفقوا على أنه لو حمض وتغير، لم يكلف أخذه (4).
والأقرب: ذلك إن خرج عن حد الانتفاع، وإلا وجب مع الأرش.
وإن تلف اللبن، دفع المصراة وصاعا من تمر (5)؛ للخبر (6).
والمعتمد: ما قلناه، ووجوب صاع التمر لو ثبت، لكان في صورة
تعذر اللبن ومثله ومساواته للقيمة.

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " رده ". وما أثبتناه يقتضيه سياق العبارة.
(2 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 130.
(6) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).
102

ولا يخرج ردها على الخلاف في تفريق الصفقة عند الشافعي؛ لتلف
بعض المبيع وهو اللبن؛ لأن الأخبار وردت بدفع صاع التمر مع دفع العين (1).
وهل يتعين للضم إليها جنس التمر؟ اختلفت الشافعية على طريقين:
قال أبو إسحاق وغيره: إنه يتعين التمر، ولا يعدل عنه؛ لقوله (عليه السلام):
" وصاعا من تمر " (2) فإن أعوز التمر أو كان في موضع يعز فيه التمر وكانت
قيمته قيمة الشاة أو أكثر من نصف قيمتها، دفع إليه قيمته بالحجاز حين
الدفع؛ لأنا لو دفعنا إليه قيمة التمر وكان أكثر من قيمة الشاة، دفعنا إليه
البدل والمبدل.
وعلى هذا لو كانت قيمته بالحجاز أكثر من قيمة الشاة ما حكمه؟
قال (3) بعض الشافعية: يدفع إليه التمر وإن كانت قيمته أكثر من قيمة الشاة؛
لأنه وجب بسبب آخر، وهو إتلاف اللبن، كما إذا زادت قيمة المبيع في
يده حتى تضاعفت ثم وجد بالثمن عيبا، فإنه يرده ويسترجع المبيع وقد
زادت قيمته.
والطريق الثاني: أنه لا يتعين التمر.
وعلى هذا القول للشافعية وجهان:
أحدهما: أن القائم مقامه الأقوات، كما في صدقة الفطر؛ لأنه قد رد
صاعا من تمر. وفي حديث أنه " إن ردها رد معها مثلي أو مثل لبنها
قمحا " (4) فالمراد أنه يرد صاعا من غالب قوت البلد، ولما كان غالب قوت
الحجاز التمر نص عليه، وهو الأصح عندهم، لكن لا يتعدى إلى الأقط،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 230، روضة الطالبين 3: 130.
(2) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " وقال ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) سنن ابن ماجة 2: 753 / 2940، سنن أبي داود 3: 271 / 3446.
103

بخلاف ما في صدقة الفطر.
وعلى هذا فوجهان:
أحدهما: أنه يتخير بين الأقوات؛ لأن في بعض الروايات ذكر التمر
وفي بعضها ذكر القمح، فأشعر بالتخيير.
وأصحهما: أن الاعتبار بغالب قوت البلد، كما في صدقة الفطر، وهو
قول مالك.
والثاني حكاه بعض الشافعية: أنه يقوم مقامه غير الأقوات حتى لو
عدل إلى مثل اللبن أو إلى قيمته عند إعواز المثل، اجبر البائع على القبول
اعتبارا بسائر المتلفات.
هذا كله فيما إذا لم يرض البائع، فإن تراضيا على غير التمر من قوت
أو غيره أو رد اللبن المحلوب عند بقائه، جاز إجماعا (1).
وحكى القاضي ابن كج من الشافعية وجهين في جواز إبدال التمر
بالبر عند اتفاقهما عليه (2).
مسألة 282: نحن لما أوجبنا رد العين أو المثل أو القيمة مع تعذرهما
سقط عنا التفريع الآتي.
أما من أوجب الصاع من التمر أو البر فللشافعية وجهان في القدر،
أصحهما: أن الواجب صاع قل اللبن أو كثر؛ لظاهر الخبر (3)، لأن اللبن
الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذر التمييز، فقطع الشارع
الخصومة بينهما بتعين بدل له، كما أوجب الغرة (4) في الجنين مع اختلاف

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 230 - 231، روضة الطالبين 3: 130.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 231، روضة الطالبين 3: 130.
(3) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).
(4) الغرة: العبد أو الأمة. الصحاح 2: 768 " غرر ".
104

الأجنة ذكورة وانوثة، وأرش الموضحة مع اختلافها صغرا وكبرا.
والثاني: أن الواجب يتقدر بقدر اللبن؛ لقوله (عليه السلام): " من ابتاع محفلة
فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " (1) وعلى
هذا فقد يزيد الواجب على الصاع وقد ينقص.
ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا زادت قيمة الصاع على نصف
قيمة الشاة، وقطع بوجوب الصاع فيما إذا نقصت عن النصف. ومنهم من
أطلقه إطلاقا (2).
وعلى القول بالوجه الثاني قال الجويني: تعتبر القيمة الوسطى للتمر
بالحجاز، وقيمة مثل ذلك الحيوان بالحجاز، فإذا كان اللبن عشر الشاة
مثلا، أوجبنا من الصاع عشر قيمة الشاة (3).
ولو اشترى شاة بصاع تمر فوجدها مصراة، فعلى الأصح عند
الشافعية أنه يردها وصاعا، ويسترد الصاع الذي هو ثمن (4).
وعلى الوجه الثاني لهم: تقوم مصراة وغير مصراة، ويجب بقدر
التفاوت من الصاع (5).
أما غير المصراة فإذا حلب لبنها ثم ردها بعيب، لم يكن له ذلك
عندنا، بل له الأرش؛ لأن التصرف مانع من الرد، والحلب تصرف.
وعند الشافعي يرد بدل اللبن كما في المصراة (6).
وله قول آخر: أنه لا يرده؛ لأنه قليل غير معني بجمعه، بخلاف
ما في المصراة (7).
والجويني خرج ذلك على أن اللبن هل يأخذ قسطا من الثمن أو لا؟

(1) تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 103، الهامش (4).
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 231، روضة الطالبين 3: 130.
(4 - 7) العزيز شرح الوجيز 4: 231، روضة الطالبين 3: 131.
105

والصحيح عندهم: الأخذ (1).
مسألة 283: لو لم يقصد البائع التصرية لكن ترك الحلب ناسيا أو
لشغل عرض أو تحفلت هي بنفسها، فالأقرب: ثبوت الخيار؛ لأن ضرر
المشتري لا يختلف، فكان بمنزلة ما لو وجد بالمبيع عيبا لم يعلمه البائع.
ويحتمل ضعيفا: سقوط الخيار؛ لعدم التدليس.
وللشافعية وجهان (2) كالاحتمالين.
مسألة 284: قد بينا أن التصرية إنما تثبت في الأنعام.
وقال الشافعي: تثبت في سائر الحيوانات المأكولة (3).
وهذا الخيار منوط بخصوص التصرية، وقد يلحق بها التدليس، فلو
حبس ماء القناة أو الرحى ثم أرسله عند البيع أو الإجارة فتخيل المشتري
كثرته ثم ظهر له الحال، فله الخيار.
وكذا لو حمر وجه الجارية أو سود شعرها أو جعده أو أرسل الزنبور
في وجهها فظنها المشتري سمينة ثم بان الخلاف، فله الخيار.
أما لو لطخ ثوب العبد بالمداد فتخيل المشتري كونه كاتبا، فلا خيار
فإن الذنب فيه للمشتري حيث اغتر بما ليس فيه كثير تغرير، وهو أحد
وجهي الشافعية. وفي الثاني: يثبت؛ لأنه تدليس (4).
وكذا لو علف (5) الدابة كثيرا فظنها المشتري حبلى، أو كانت الشاة

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 231، روضة الطالبين 3: 131.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 429، حلية العلماء 4: 231، العزيز شرح الوجيز 4:
232، روضة الطالبين 3: 131.
(3) الحاوي الكبير 5: 241 - 242، التهذيب - للبغوي - 3: 428، العزيز شرح
الوجيز 4: 232، روضة الطالبين 3: 131، منهاج الطالبين: 102.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 232، روضة الطالبين 3: 132.
(5) في " ق، ك ": " أعلف ".
106

عظيمة الضرع خلقة فظن كثرة اللبن؛ لأنه لا يتعين في الجهة التي يظنها،
فلا خيار.
وللشافعية وجهان (1).
مسألة 285: لو اشترى مصراة ورضي بها ثم وجد بها عيبا آخر، ثبت
له الرد إن لم يكن قد تصرف بالحلب. وأما إن تصرف به، فلا رد.
وعند الشافعية التصرف غير مسقط للرد، فيثبت له الرد كما لو وجد
بالمبيع عيبا فرضي به ثم وجد عيبا آخر، ثبت له الرد ويرد بدل اللبن (2).
وفيه وجه آخر: أنه كما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما وأراد رد
الآخر، فيخرج على تفريق الصفقة (3).
فإن قيل: فهلا قلتم: لا يثبت؛ لأن اللبن مبيع وقد تلف في يده،
ولا يجوز رد المبيع بعد (4) تلف شيء منه؟
أجابوا: بأن التلف هنا لاستعلام العيب، وهو لا يمنع الرد. وكذا لو
جز الشاة فوجدها معيبة، إن كان الجز للاستعلام، كان له الرد، وإلا فلا (5).
وعندنا أن ذلك يمنع الرد دون المصراة؛ للخبر (6).
مسألة 286: لو ظهرت التصرية لكن در اللبن على الحد الذي كان
يدر مع التصرية واستمر كذلك، فلا خيار؛ لزوال الموجب له.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 430، العزيز شرح الوجيز 4: 232 - 233، روضة
الطالبين 3: 132.
(2) الحاوي الكبير 5: 242، التهذيب - للبغوي - 3: 429، العزيز شرح الوجيز 4:
233، روضة الطالبين 3: 132.
(3) الحاوي الكبير 5: 242، العزيز شرح الوجيز 4: 233، روضة الطالبين 3: 132.
(4) في " ق، ك ": " مع " بدل " بعد ".
(5) لم نعثر على الإشكال والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
(6) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).
107

وللشافعي قولان، هذا أحدهما. والثاني: لا يسقط؛ لثبوته بمجرد
التصرية (1).
وكذا الوجهان إذا لم يعرف المشتري بالعيب القديم إلا بعد
زواله، وكذا لو اعتقت الأمة تحت العبد ولم يعرف بعتقها حتى عتق
الزوج (2).
مسألة 287: إذا اشترى شاة على أنها لبون، صح الشراء - وبه
قال الشافعي (3) - لأنه شرط لا يخالف الكتاب والسنة، وهو مقصود
للعقلاء.
وإن اشتراها على أنها تحلب كل يوم كذا رطلا، لم يصح؛ لأن اللبن
يختلف، فلا يصح الشرط.
ولو اشتراها على أنها حامل، فللشافعية وجهان:
أحدهما: أنه يصح؛ لأن الحمل يعلم في الظاهر ويتعلق به أحكام.
والثاني: لا يصح؛ لأنه لا يعلم (4). وليس بشيء.
مسألة 288: لو ماتت الشاة المصراة أو الأمة المدلسة، فلا شيء
للمشتري؛ لأن الرد امتنع بموتها، والأرش يتبع العيب ولا عيب هنا. ولو
زالت التصرية قبل انتهاء الثلاثة، فلا خيار. ولو زالت بعدها، ثبت.
المطلب الثاني: في الأحكام.
مسألة 289: خيار الشرط يثبت في كل عقد سوى الوقف والنكاح،

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 233، روضة الطالبين 3: 132.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 118، روضة الطالبين 3: 73، المجموع 9: 324.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 272، المجموع 9: 324، حلية العلماء 4: 112،
الوجيز 1: 139، العزيز شرح الوجيز 4: 117، روضة الطالبين 3: 73.
108

ولا يثبت في الطلاق ولا العتق ولا الإبراء، فإن تصرف المشتري، سقط
الخيار؛ لأن تصرفه قبل انقضاء مدة الشرط دليل على الرضا بلزوم العقد.
وكذا لو أسقط خياره.
ولو كان الخيار للبائع أو مشتركا فأسقط البائع خياره، سقط. ولو
تصرف البائع، فهو فسخ.
ولو أذن أحدهما للآخر في التصرف فتصرف، سقط الخياران. ولو
لم يتصرف، سقط خيار الآذن دون المأمور؛ لأنه لم يوجد منه تصرف
فعلي ولا قولي.
مسألة 290: لا يبطل الخيار بتلف العين، بل إن كان مثليا فاختار
صاحبه الفسخ، طالبه بالمثل. وإن لم يكن مثليا، طالب بالقيمة.
أما لو ظهر المشتري على عيب في العبد بعد موته، فلا رد؛ إذ
لا مردود.
وكذا لو قتل أو تلف الثوب أو اكل الطعام، فليس له الرد هنا قطعا.
وكذا لو خرجت العين عن قبول النقل من شخص إلى آخر، فلا رد،
كما لو أعتق العبد أو أولد الجارية أو وقف الضيعة ثم عرف كونه معيبا، فقد
تعذر الرد إما لتصرفه في العين، كما هو مذهبنا، أو لأنه لا يتمكن من نقل
العين إلى البائع بالرد، كما هو مذهب الشافعي (1).
نعم، يرجع على البائع بالأرش - وبه قال الشافعي وأحمد (2) - لأنه
عيب لم يرض به وجده بعد اليأس من الرد، فوجب أن يكون له الرجوع
بأرش العيب، كما لو أعتقه ثم وجد به عيبا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 245، روضة الطالبين 3: 134، المغني 4: 269.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 451، العزيز شرح الوجيز 4: 245، روضة الطالبين 3:
134، المغني 4: 269.
109

وقال أبو حنيفة: إذا قتله خاصة، لا يرجع بأرش العيب، كما لو
باعه (1).
وليس بجيد؛ لأن البيع لا يتعلق به الضمان، وإنما يتعلق بالتسليم.
ولأنه في البيع لم ييأس من الرد.
مسألة 291: والأرش جزء من الثمن نسبته إليه نسبة ما ينقص العيب
من قيمة المبيع لو كان سليما إلى تمام القيمة، وإنما كان الرجوع بجزء من
الثمن؛ لأنه لو بقي كل المبيع عند البائع، كان مضمونا عليه بالثمن، فإذا
احتبس جزء منه، كان مضمونا بجزء من الثمن، فلو كانت القيمة مائة دون
العيب وتسعين مع العيب، فالتفاوت بالعشر، فيكون الرجوع بعشر الثمن إن
كان مائتين، فبعشرين، وإن كان بخمسين، فبخمسة.
ومتى تعتبر قيمته؟ يحتمل أن يكون الاعتبار بقيمته يوم البيع؛ لأن
الثمن يومئذ قابل المبيع. وأن يكون الاعتبار بقيمته يوم القبض؛ لأنه يوم
دخول المبيع في ضمانه. وأن يكون الاعتبار بأقل الثمنين منهما؛ لأن القيمة
إن كانت يوم البيع أقل، فالزيادة حدثت في ملك المشتري. وإن كانت يوم
القبض أقل، فما نقص من ضمان البائع.
وللشافعية وجوه ثلاثة كالاحتمالات، وأكثرهم قطع باعتبار أقل
القيمتين (2).
ولو اختلف المقومون، اخذ بالأوسط.
وإذا ثبت الأرش، فإن كان الثمن بعد في ذمة المشتري، برئ عن قدر
الأرش عند طلبه، وهو أظهر وجهي الشافعية. والآخر: أنه لا يتوقف على

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 451، العزيز شرح الوجيز 4: 245، المغني 4: 269.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 452، العزيز شرح الوجيز 4: 246، روضة الطالبين 3:
134.
110

الطلب، بل يبرأ بمجرد الاطلاع على العيب (1).
وإن كان قد سلمه وهو باق في يد البائع، فالأقرب: أنه لا يتعين حق
المشتري فيه، بل للبائع إبداله؛ لأنه غرامة لحقته، وهو أحد وجهي
الشافعية. والأظهر عندهم: أنه يتعين لحق المشتري (2).
ولو كان المبيع باقيا والثمن تالفا، جاز الرد ويأخذ مثله إن كان مثليا،
وقيمته إن كان متقوما أقل ما كانت من يوم البيع إلى يوم القبض؛ لأنها إن
كانت يوم العقد أقل، فالزيادة حدثت في ملك البائع. وإن كانت يوم القبض
أقل، فالنقص من ضمان المشتري.
ويجوز الاستبدال عنه كما في القرض. وخروجه عن ملكه بالبيع
ونحوه كالتلف.
ولو خرج وعاد، فهل يتعين لأخذ المشتري أو للبائع إبداله؟ الأقرب:
الأول، وهو أحد قولي الشافعية. والثاني: أن للبائع إبداله (3).
وإن كان الثمن باقيا بحاله، فإن كان معينا في العقد، أخذه.
وإن كان في الذمة ونقده، ففي تعينه لأخذ المشتري للشافعية
وجهان (4). وإن كان ناقصا، نظر إن تلف بعضه، أخذ الباقي وبدل التالف.
وإن رجع النقصان إلى الصفة، كالشلل ونحوه، ففي غرامة الأرش
للشافعية وجهان، أصحهما: العدم، كما لو زاد زيادة متصلة، يأخذها
مجانا (5).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 246، روضة الطالبين 3: 134.
(3 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 247، روضة الطالبين 3: 135.
111

فروع:
أ - لو لم تنقص القيمة بالعيب، كما لو اشترى عبدا فخرج خصيا،
كان له الرد؛ لأنه نقص في الخلقة خارج عن المجرى الطبيعي، فكان له
الرد.
وفي الأرش إشكال ينشأ عن عدم تحققه؛ إذ لا نقص في المالية هنا.
وقالت الشافعية: لا أرش له ولا رد (1).
ب - لو اشترى عبدا بشرط العتق ثم وجد به عيبا، فإن كان قبل
العتق، لم يجب عليه أخذه، وكان له الرد. فإن أخذه، كان له ذلك
والمطالبة بالأرش؛ لأن الخيار له.
وإن ظهر على العيب بعد العتق، فلا سبيل إلى الرد؛ لأن العتق
صادف ملكا فغلب جانبه، ويثبت له الأرش، خلافا لبعض الشافعية؛ لأنه
وإن لم يكن معيبا لم يمسكه (2). وهذا ليس بشيء.
ج - لو اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبا، فالأقوى أن له الأرش
دون الرد؛ لخروجه بالعتق.
وللشافعية في الأرش قولان: الثبوت وعدمه (3).
مسألة 292: لو زال ملكه عن المبيع ثم عرف العيب، لم يكن له الرد
لا في الحال ولا فيما بعده وإن عاد إليه بفسخ أو بيع وغيره؛ لأنه قد تصرف
في المبيع، وقد بينا أن التصرف مبطل للرد، لكن له الأرش، سواء زال
الملك بعوض كالبيع والهبة بشرط الثواب، أو بغير عوض.

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 247، روضة الطالبين 3: 135.
112

وقالت الشافعية: إن زال الملك بعوض، فقولان:
أحدهما: له الأرش؛ لتعذر الرد، كما لو مات العبد أو أعتقه، وهذا
تخريج ابن سريج. وعلى هذا لو أخذ الأرش ثم رده عليه مشتريه بالعيب،
فهل يرده مع الأرش ويسترد الثمن؟ وجهان.
والثاني - وهو الصحيح عندهم، وهو منصوص الشافعي -: أنه
لا يرجع بالأرش. وفي تعليله خلاف (1).
قال أبو إسحاق وابن الحداد: لأنه استدرك الظلامة ببيعه وروج العيب
كما روج عليه (2).
وقال ابن أبي هريرة: لأنه ما أيس من الرد فربما يعود إليه ويتمكن
منه، فلم يكن له الرجوع بالأرش، كما لو قدر على رده في الحال.
وأجابوا عن الأول: بأنه لم يستدرك ظلامته، بل غبن المشتري في
البيع. ولأنه لم يحصل له استدراك الظلامة من جهة من ظلمه، فلا يسقط
حقه بذلك (3).
والصحيح عندنا ما قلناه من أن له الرجوع بالأرش - قال أصحاب
مالك: وهذا هو الصحيح من مذهب مالك (4) -؛ لأن البائع لم يغرمه ما
أوجبه العقد، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه أو كاتبه. ولأنه عندنا
يتخير المشتري مطلقا بين الرد والرجوع بالأرش مع عدم التصرف، ومعه
يثبت له الأرش لا غير.
وكونه لا ييأس من الرد، فأشبه ما إذا كان قادرا على الرد لا يسقط
حق المشتري من طلب الأرش عندنا.

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 247، روضة الطالبين 3: 135.
(4) بداية المجتهد 2: 179 - 180، التفريع 2: 174.
113

وإن زال الملك بغير عوض، فعلى تخريج ابن سريج يرجع بالأرش.
وعلى المنصوص وجهان مبنيان على التعليلين: إن عللنا باستدراك الظلامة،
يرجع؛ لأنه لم يستدرك الظلامة. وإن عللنا بعدم اليأس من الرد، فلا؛ لأنه
ربما يعود إليه (1).
مسألة 293: لو ظهر على العيب بعد بيعه على آخر، فقد قلنا: إنه
لا رد له، سواء رد عليه أو لا، بل له الأرش، فإن ظهر المشتري الثاني على
العيب فرده على الأول بالعيب، لم يكن للأول رده على البائع؛ لأنه ببيعه
قد تصرف فيه، والتصرف عندنا يسقط الرد، وإنما له الأرش خاصة.
وقال الشافعي: له الرد بناء منه على أن هذا التصرف لا يمنع الرد.
ولأنه زال التعذر الذي كان، وتبين أنه لم يستدرك (2) الظلامة، وليس
للمشتري الثاني رده على البائع الأول؛ لأنه ما تلقى الملك منه (3).
ولو حدث عيب في يد المشتري الثاني ثم ظهر عيب قديم، فعلى
التعليل بتعذر الرد: للمشتري الأول أخذ الأرش من بائعه، كما لو لم يحدث
عيب، ولا يخفى الحكم بينه وبين المشتري الثاني.
وعلى التعليل الآخر: إن قبله المشتري الأول مع العيب الحادث، خير
بائعه، إن قبله، فذاك، وإلا، أخذ الأرش منه (4).
وقال بعضهم: لا يأخذ الأرش، واسترداده رضا بالعيب (5).
وإن لم يقبله وغرم الأرش للثاني، ففي رجوعه بالأرش على بائعه

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 247، روضة الطالبين 3: 135.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " ولأنه زال للتعذر الذي كان ويئس أن - أنه -
يستدرك ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز " و " روضة الطالبين ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 247 - 248، روضة الطالبين 3: 135 - 136.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 248، روضة الطالبين 3: 136.
114

وجهان:
أحدهما: عدم الرجوع - وبه قال ابن الحداد - لأنه ربما قبله بائعه أو
قبله هو، فكان متبرعا بغرامة الأرش.
وأظهرهما: أنه يرجع؛ لأنه ربما لا يقبله بائعه فيتضرر (1).
وقال بعضهم: يمكن بناء هذين الوجهين على ما سبق من المعنيين:
إن عللنا بالأول، فإذا غرم الأرش، زال استدراك الظلامة، فيرجع. وإن عللنا
بالثاني، فلا يرجع؛ لأنه ربما يرتفع العيب الحادث فيعود إليه. وعلى
الوجهين معا لا يرجع ما لم يغرم للثاني، فإنه ربما لا يطالبه الثاني بشيء
فيبقى مستدركا للظلامة (2).
ولو كانت المسألة بحالها وتلف المبيع في يد المشتري الثاني أو كان
قد أعتقه ثم ظهر العيب القديم، رجع الثاني على الأول بالأرش، ورجع
الأول بالأرش على بائعه بلا خلاف؛ لحصول اليأس عن الرد، لكن هل
يرجع على بائعه قبل أن يغرم لمشتريه؟ فيه وجهان مبنيان على المعنيين،
إن عللنا باستدراك الظلامة، فلا يرجع ما لم يغرم، وإن عللنا بالثاني،
يرجع. ويجري الوجهان فيما لو أبرأه الثاني هل يرجع هو على بائعه؟ (3).
مسألة 294: لو باعه المشتري على آخر ثم ظهر له العيب، سقط الرد
عندنا دون الأرش على ما تقدم.
وعند الشافعي لا يسقط إذا عاد إليه بالرد بالعيب على ما قلناه في
المسألة السابقة.
وإن عاد إليه لا بالرد بالعيب، كما لو عاد بإرث أو اتهاب أو قبول
وصية أو إقالة، فلا رد له عندنا أيضا.

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 248، روضة الطالبين 3: 136.
115

وللشافعية وجهان من مأخذين:
أحدهما: البناء على المعنيين السابقين، فإن عللنا بالأول، لم يرد
- وبه قال ابن الحداد - لأن استدراك الظلامة قد حصل بالبيع ولم يبطل ذلك
الاستدراك، بخلاف ما لو رد عليه بالعيب. وإن عللنا بالثاني، يرد؛ لزوال (1)
العذر، وحصول القدرة على الرد، كما لو رد عليه بالعيب.
والثاني من المأخذين: أن الملك العائد هل ينزل منزلة غير الزائل؟
قيل: نعم؛ لأنه عين ذلك المال وعلى تلك الصفة. وقيل: لا؛ لأنه ملك
جديد، والرد نقض لذلك الملك (2).
ويتخرج على هذا فروع:
أ - لو أفلس بالثمن وقد زال ملكه عن المبيع وعاد، هل للبائع
الفسخ؟
ب - لو زال ملك المرأة عن الصداق وعاد ثم طلقها قبل المسيس،
هل يرجع في نصفه أو يبطل حقه من العين كما لو تعذر؟
ج - لو وهب من ولده وزال ملك الولد وعاد، هل للأب الرجوع؟ (3).
مسألة 295: لو عاد إليه بطريق الشراء ثم ظهر عيب قديم كان في يد
البائع الأول، فإن عللنا بالمعنى الأول، لم يرد على البائع الأول؛ لحصول
الاستدراك، ويرد على الثاني. وإن عللنا بالثاني، فإن شاء رد على الثاني،
وإن شاء رد على الأول. وإذا رد على الثاني، فله أن يرد عليه، وحينئد يرد

(1) في " ق، ك ": " فرد؛ لزوال ". وفي الطبعة الحجرية: " فرد بزوال ". والصحيح ما أثبتناه من
" العزيز شرح الوجيز " و " روضة الطالبين ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 248، روضة الطالبين 3: 136.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 248 - 249.
116

هو على الأول.
ويجئ وجه لهم: أنه لا يرد على الأول بناء على أن الزائل العائد
كالذي لم يعد.
ووجه: أنه لا يرد على الثاني؛ لأنه لو رد عليه لرد هو ثانيا عليه (1).
وهذا كله ساقط عندنا؛ لسقوط حق المشتري من الرد بتصرفه.
مسألة 296: إذا زال ملكه عن المبيع ثم عرف العيب وكان الزوال بغير
عوض، فلا رد له على ما اخترناه إذا عاد إليه مطلقا.
وقال الشافعي: إذا زال ملكه لا بعوض، نظر إن عاد لا بعوض أيضا،
فجواز الرد مبني على أنه هل يأخذ الأرش لو لم يعد؟ إن قلنا: لا، فله
الرد؛ لأن ذلك لتوقع العود. وإن قلنا: يأخذ، فينحصر الحق فيه أو يعود
إلى الرد عند القدرة؟ فيه وجهان.
وإن عاد بعوض، كما لو اشتراه، فإن قلنا: لا رد في الحالة الاولى،
فكذا هنا، ويرد على البائع الأخير (2). وإن قلنا: يرد، فهنا يرد على الأول
أو على الأخير أو يتخير؟ ثلاثة أوجه خارجة مما سبق (3).
مسألة 297: لو باع زيد شيئا من عمرو ثم اشتراه زيد منه فظهر فيه
عيب كان في يد زيد، فإن كانا عالمين بالحال، فلا رد.
وإن علم زيد خاصة، فلا رد له؛ لعلمه بالعيب، ولا لعمرو أيضا؛
لزوال ملكه وتصرفه فيه عندنا، وبه قال الشافعي؛ لزوال ملكه (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 249، روضة الطالبين 3: 136.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " الآخر ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز "
و " روضة الطالبين ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 249، روضة الطالبين 3: 137.
117

وهل يثبت لعمرو أرش؟ الأقرب: ذلك - وهو أحد قولي الشافعي (1) -
لوجود سببه، وهو سبق العيب مع تعذر الرد.
والصحيح عنده: أنه لا أرش له؛ لاستدراك الظلامة أو لتوقع
العود (2).
فإن تلفت في يد زيد، أخذ الأرش عندنا؛ لما تقدم، وعنده على
التعليل الثاني لا الأول (3).
وكذا الحكم لو باعه من غيره.
وإن كان عمرو عالما، فلا رد له، ولزيد الرد؛ لأنه اشترى معيبا مع
جهله بعيبه وعدم تصرفه.
ولو كانا جاهلين فلزيد الرد، وبه قال الشافعي إن اشتراه بغير جنس
ما باعه أو بأكثر منه (4). ثم لعمرو أن يرد عليه عند الشافعي (5). ونحن
لا نقول به؛ لأنه تصرف فيه.
وإن اشتراه بمثله، فلا رد لزيد في أحد وجهي الشافعي؛ لأن عمرا
يرده عليه، فلا فائدة فيه، وله ذلك (6) (7).
مسألة 298: لو اشترى المعيب جاهلا بعيبه ورهنه المشتري ثم عرفه
بالعيب، فلا رد له على قولنا من أن تصرفه يمنع الرد، ويثبت له الأرش.
وقال الشافعي: لا رد له في الحال. وهل يأخذ أرشه؟ إن عللنا
باستدراك الظلامة، فنعم. وإن عللنا بتوقع العود، فلا. وعلى هذا لو تمكن
من الرد، رد عنده. ولو حصل اليأس أخذ الأرش (8).
وإن كان المشتري قد آجره، فلا رد له؛ لتصرفه فيه، وله الأرش.

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 249، روضة الطالبين 3: 137.
(6) أي: ولزيد الرد، في الوجه الآخر.
(7 و 8) العزيز شرح الوجيز 4: 249، روضة الطالبين 3: 137.
118

وقال الشافعي: إن لم نجوز بيع المستأجر، فهو كالرهن. وإن
جوزناه، فإن رضي البائع به مسلوب المنفعة مدة الإجارة، رد عليه، وإلا
تعذر الرد. وفي الأرش الوجهان، ويجريان فيما لو تعذر الرد لغصب أو
إباق (1).
ولو عرف العيب بعد أن زوج الجارية أو العبد ولم يرض البائع
بالأخذ، قطع بعض الشافعية بثبوت الأرش للمشتري هنا. أما على الأول:
فظاهر. وأما على الثاني: فلأن النكاح يراد للدوام، واليأس حاصل (2).
وقال بعضهم بما تقدم (3).
ولو كاتب المشتري ثم عرف العيب، قال بعض الشافعية: إنه
كالتزويج (4).
وقال بعضهم: لا يأخذ الأرش على المعنيين، بل يصبر؛ لأنه قد
استدرك الظلامة بالنجوم، وقد يعود إليه بالعجز ورده (5).
والأظهر عندهم: أنه كالرهن، وأنه لا يحصل الاستدراك بالنجوم (6).
ولو وجد المشتري بالشقص عيبا بعد أخذ الشفيع، فله الأرش.
وللشافعي وجهان (7).
مسألة 299: الخيار إن كان موقتا، امتد بامتداد ذلك الوقت،
كالمجلس، والحيوان، والمشروط وقته.
وإن لم يكن موقتا - كخيار العيب - هل هو على الفور أم لا حتى لو

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 249 - 250، روضة الطالبين 3: 137.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 250، روضة الطالبين 3: 137.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 250، روضة الطالبين 3: 137 - 138.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 250، روضة الطالبين 3: 138.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 250.
119

علم بالعيب وأهمل المطالبة لحظة، هل يسقط الرد؟ الأقرب: أنه لا يسقط
الخيار، بل لو تطاول زمان سكوته بعد العلم بالعيب، كان له بعد ذلك
المطالبة بالأرش، أو الرد؛ لأن الأصل بقاء ما ثبت.
وقال الشافعي: إن الخيار على الفور، ويبطل بالتأخير من غير عذر؛
لأصالة لزوم البيع، فإذا أمكنه الرد وقصر، لزمه حكمه (1).
وأصالة اللزوم هنا ممنوعة؛ لأن التقدير ثبوت الخيار.
فروع:
أ - لو ركب الدابة ليردها سواء قصرت المسافة أو طالت، لم يكن
ذلك رضا بها، وبه قال الشافعي (2) أيضا.
ب - لو سقاها الماء أو ركبها ليسقيها ثم يردها، لم يكن ذلك رضا
منه بإمساكها.
ج - لو حلبها في طريقه، فالأقرب: أنه تصرف يؤذن بالرضا بها.
وقال بعض الشافعية: لا يكون رضا بإمساكها؛ لأن اللبن له وقد
استوفاه في حال الرد (3).
مسألة 300: لصاحب الخيار في العيب وغيره مطلقا أن يختار الفسخ
أو الإمضاء مع الأرش أو بدونه وعلى كل حال، سواء كان البائع له أو
المشتري منه حاضرا أو غائبا، ولا يشترط أيضا قضاء القاضي - وبه قال

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 250 - 251، روضة الطالبين 3: 138.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 291، وفي حلية العلماء 4: 240 - 241، والعزيز
شرح الوجيز 4: 254، وروضة الطالبين 3: 140 وجهان.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 254، روضة الطالبين 3: 140.
120

الشافعي وأبو يوسف وزفر وأحمد بن حنبل (1) - لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى
رضا شخص، فلم يفتقر إلى حضوره، كالطلاق.
وقال أبو حنيفة: إن كان قبل القبض، فلا بد من حضور الخصم. وإن
كان بعده، فلا بد من رضاه أو قضاء القاضي (2). وقد تقدم.
مسألة 301: الخيار ليس على الفور في العيب وغيره على ما تقدم،
خلافا للشافعي، فإنه اشترط الفورية والمبادرة بالعادة، فلا يؤمر بالعدو
والركض ليرد (3).
وإن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو قضاء حاجة، فله الخيار (4) إلى أن
يفرغ.
وكذا لو اطلع حين دخل وقت هذه الامور فاشتغل بها، فلا بأس
إجماعا. وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق بابا.
ولو وقف على العيب ليلا، فله التأخير إلى أن يصبح.
وإن لم يكن عذر، قال بعض الشافعية: إن كان البائع حاضرا، رده
عليه. وإن كان غائبا، تلفظ بالرد، وأشهد عليه شاهدين. وإن عجز، حضر
عند القاضي وأعلمه الرد (5).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 200، حلية العلماء 4: 237،
العزيز شرح الوجيز 4: 251، روضة الطالبين 3: 138، الاختيار لتعليل المختار
2: 19، النتف 1: 448، المغني 4: 266، الشرح الكبير 4: 106.
(2) المغني 4: 266، الشرح الكبير 4: 106، حلية العلماء 4: 237، العزيز شرح
الوجيز 4: 251، وانظر: النتف 1: 448، والاختيار لتعليل المختار 2: 19.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 266، العزيز شرح الوجيز 4: 250 - 251، روضة
الطالبين 3: 138، المغني 4: 258، الشرح الكبير 4: 106.
(4) الأنسب بالعبارة: " التأخير " بدل " الخيار ".
(5) الوسيط 3: 127 - 128، الوجيز 1: 143 - 144، العزيز شرح الوجيز 4:
251، روضة الطالبين 3: 138.
121

ولو رفع إلى القاضي والمردود عليه حاضر، قال بعض الشافعية: هو
مقصر يسقط خياره به، وهو الظاهر من مذهبهم (1).
وقال بعضهم: لا يقصر؛ لأن الشفيع لو ترك المشتري وابتدر إلى
القاضي واستعدى عليه، فهو فوق مطالبة المشتري؛ لأنه ربما يحوجه (2)
إلى المرافعة (3).
وكذا الوجهان لو تمكن من الإشهاد فتركه ورفع إلى القاضي (4).
وإن كان البائع غائبا عن البلد، رفع الأمر إلى مجلس الحكم، فيدعي
شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم، وأنه أقبضه الثمن ثم ظهر
العيب، وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة على ذلك، ويحلفه القاضي مع البينة
للغيبة، ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يد عدل، ويبقى الثمن دينا على
الغائب يقضيه القاضي من ماله، فإن لم يجد سوى المبيع، باعه فيه إلى أن
ينتهي إلى الخصم أو القاضي في الحالين.
ولو تمكن من الإشهاد على الفسخ، هل يلزمه؟ للشافعية وجهان (5).
ويجري الخلاف فيما لو أخر لعذر مرض وغيره (6).
ولو عجز في الحال عن الإشهاد، فهل عليه التلفظ بالفسخ؟ وجهان
للشافعية (7).

(1) الوسيط 3: 128، العزيز شرح الوجيز 4: 251.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " يخرجه " بدل " يحوجه ". والصحيح ما أثبتناه
من المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 251.
(4) الوسيط 3: 128، العزيز شرح الوجيز 4: 251.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 252، روضة الطالبين 3: 139.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 252 - 253، روضة الطالبين 3: 139.
122

ولو لقي البائع فسلم عليه، لم يضر. ولو اشتغل بمحادثته، بطل
حقه.
ولو أخر الرد مع العلم بالعيب ثم قال: أخرت لأني لم أعلم أن لي
حق الرد، قال الشافعي: يعذر إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في قرية
لا يعرفون الأحكام، وإلا فلا (1).
ولو قال: لم أعلم أن الخيار والرد يبطل بالتأخير، قبل قوله؛ لأنه مما
يخفى على العامة.
وإذا بطل حق الرد بالتقصير، يبطل حق الأرش عند الشافعية (2) أيضا.
وليس بجيد على ما عرفت.
ولمن له الرد أن يمسك المبيع ويطلب الأرش على ما اخترناه، وبه
قال أحمد (3)، خلافا للشافعي (4).
وليس للبائع أن يمنعه من الرد ليغرم له الأرش إلا برضاه، وبه قال
الشافعي (5). ولو تراضيا على ترك الرد بجزء من الثمن أو بغيره من
الأموال، صح عندنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك وابن سريج والشافعي في
أضعف القولين. وفي الأقوى: المنع. فعلى قوله يرد المشتري ما أخذ.
وفي بطلان حقه من الرد وجهان: البطلان؛ لأنه أخر الرد مع الإمكان،
وأسقط حقه. وأصحهما: المنع؛ لأنه ترك حقه على عوض ولم يسلم له

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 139.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 140.
(3) المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 97، العزيز شرح الوجيز 4: 253.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 140، المغني 4: 259،
الشرح الكبير 4: 97.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 140.
123

العوض، فيبقى على حقه (1).
وهذان الوجهان في حق من يظن صحة الصلح، أما من يعلم فساده
فإن حقه يبطل عند الشافعية كافة (2).
مسألة 302: لو انتفع المشتري بركوب الدابة أو استخدام العبد أو
حلب الشاة أو (3) شبهها، سقط حق الرد دون الأرش على ما تقدم.
ولو كان المبيع رقيقا فاستخدمه في مدة طلب الخصم أو القاضي،
بطل الرد، وبه قال الشافعي (4).
ولو كان بشيء خفيف، مثل: اسقني، أو: ناولني الثوب، أو: أغلق
الباب، سقط الرد أيضا.
وفي وجه للشافعية: أنه لا أثر له؛ لأن مثل هذا قد يؤمر به غير
المملوك (5).
وليس بشيء؛ لأن المسقط مطلق التصرف، وغير المملوك قد يؤمر
أيضا بالأفعال الكثيرة.
ولو ركب الدابة لا للرد، بطل رده.
ولو كان له أو للسقي، فللشافعية وجهان، أظهرهما: سقوط الرد؛
لأنه ضرب من الانتفاع، كما لو وقف على عيب الثوب فلبسه للرد،
ولو كانت جموحا يعسر قودها وسوقها، عذر في الركوب. والثاني - وبه
قال أبو حنيفة -: أنه لا يبطل؛ لأنه أسرع للرد. فعلى الأول لو كان قد ركبها
للانتفاع فاطلع على عيب بها، لم تجز استدامته وإن توجه للرد (6).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 140.
(3) في " ق، ك ": " و " بدل " أو ".
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 253، روضة الطالبين 3: 140.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 254، روضة الطالبين 3: 140، حلية العلماء 4: 240 -
241، بدائع الصنائع 5: 270.
124

وإن كان لابسا فاطلع على عيب الثوب في الطريق فتوجه للرد
ولم ينزع الثوب، فهو معذور؛ لعدم اعتياد نزع الثوب في الطريق.
ولو علف الدابة أو سقاها في الطريق، لم يضر؛ لأنه ليس تصرفا
ينفعه.
ولو كان عليها سرج أو أكاف فتركهما عليها، بطل حقه؛ لأنه استعمال
وانتفاع، ولولا ذلك لاحتاج إلى حمل أو تحميل.
ويعذر بترك العذار واللجام؛ لخفتهما، فلا يعدان انتفاعا، وللحاجة
إليهما في قودها.
ولو أنعلها في الطريق، فإن كانت تمشي بغير نعل، بطل حق الرد،
وإلا فلا.
مسألة 303: قد بينا أن حدوث عيب عند المشتري يمنع من الرد
بالعيب السابق على قبضه من البائع إلا في ثلاثة أيام الحيوان؛ لأنه لما قبضه
دخل في ضمانه، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع، فيكون
من ضمان المشتري فيسقط رده؛ للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس
تحمل البائع به للعيب السابق أولى من تحمل المشتري به للعيب الحادث.
ولما روي عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع
فيجد به عيبا، قال: " إن كان الثوب قائما بعينه، رده على صاحبه وأخذ
الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب " (1).
إذا ثبت هذا، فإن الأرش لا يسقط؛ دفعا لتضرر المشتري، فإنه دفع
الثمن في مقابلة العين الصحيحة.

(1) التهذيب 7: 60 / 258.
125

إذا عرفت هذا، فلو دفع المشتري إلى البائع العين ناقصة مع الأرش
ورضي البائع، أو دفع البائع الأرش ورضي المشتري، فلا بحث.
وإن رضي البائع به معيبا بالعيب المتجدد عند المشتري مجانا،
لم يجب على المشتري القبول، بل له المطالبة بالأرش؛ لأنه حقه.
وقال الشافعي: إما أن يرده المشتري، أو يقنع به معيبا مجانا (1).
وإن تنازعا فدعا أحدهما إلى الإمساك وغرامة أرش العيب القديم،
ودعا الآخر إلى الرد مع أرش العيب الحادث، اجبر المشتري على الإمساك
مع الأرش؛ لأن الأصل أن لا يلزم المشتري تمام الثمن إلا بمبيع سليم، فإذا
تعذر ذلك، الزم بالعين مع جبرها بعوض الجزء الفائت منها.
وللشافعية أقوال:
أحدها: أن المتبع رأي المشتري، ويجبر البائع على ما يقع له؛ لأن
الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلا بمبيع سليم، فإذا تعذر ذلك، فوضت
الخيرة إليه. ولأن البائع والمشتري قد استويا في حدوث العيب عندهما
ولا بد من إثبات الخيار لأحدهما، فإثباته للمشتري أولى؛ لأن البائع ملبس
بترويج المبيع، فكان رعاية جانب المشتري أولى، فيتخير المشتري حينئذ
بين أن يرده ويدفع أرش العيب الحادث عنده، وبين أن يمسكه ويأخذ
أرش العيب القديم، وبهذا الوجه قال مالك وأحمد، وهو قول الشافعي في
القديم.
الثاني: أن المتبع رأي البائع؛ لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد
عليه.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 255، روضة الطالبين 3: 141.
126

والثالث - وهو الأصح عندهم -: أن المتبع رأي من يدعو إلى
الإمساك والرجوع بأرش العيب القديم، سواء كان هو البائع أو المشتري؛
لما فيه من تقرير العقد. ولأن الرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل
العقد؛ لأن قضيته أن لا يستقر الثمن بكماله إلا في مقابلة السليم، وضم
أرش العيب الحادث إدخال شيء جديد لم يكن في العقد، فكان الأول
أولى.
فعلى هذا لو قال البائع: ترده مع أرش العيب الحادث، فللمشتري
الامتناع، ويأخذ أرش العيب القديم. ولو أراد المشتري أن يرده مع أرش
العيب الحادث، فللبائع الامتناع، ويغرم أرش القديم (1).
وقال أبو حنيفة والشافعي أيضا: إذا لم يرض البائع برده معيبا، كان
للمشتري المطالبة بأرش العيب. وإن رضي برده معيبا، لم يكن للمشتري
أرش؛ لأنه عيب حدث في ضمان أحد المتبايعين لا لاستعلام العيب،
فأثبت الخيار للآخر، كالعيب الحادث عند البائع (2).
وقال مالك وأحمد: يتخير المشتري بين أن يرده ويدفع أرش العيب
الحادث عنده، وبين أن يمسكه ويأخذ أرش العيب الحادث عند البائع (3)؛
لما تقدم.
وقال حماد وأبو ثور: يرده المشتري ويرد معه أرش العيب قياسا
على المصراة (4)؛ فإن النبي (عليه السلام) أمر بردها ورد صاع من تمر عوض

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 255 - 256، روضة الطالبين 3: 141.
(2) لم نعثر على قولهما في حدود المصادر المتوفرة لدينا، وانظر: حلية العلماء 4: 267.
(3) بداية المجتهد 2: 183 - 184، حلية العلماء 4: 267، المغني 4: 261،
الشرح الكبير 4: 99.
(4) حلية العلماء 4: 267، المغني 4: 261.
127

اللبن (1).
وهو ضعيف؛ لأن ذلك إنما كان لاستعلام العيب.
مسألة 304: قد بينا أن الخيار في الرد والأرش على التراخي. وقال
الشافعي: إنه على الفور على ما تقدم (2).
فعلى قوله يجب على المشتري إعلام البائع على الفور، فلو أخره من
غير عذر، بطل حقه من الرد والأرش، إلا أن يكون العيب الحادث قريب
الزوال غالبا، كالرمد والحمى، فلا يعتبر الفور في الإعلام على أحد
القولين، بل له انتظار زواله ليرده سليما عن العيب الحادث من غير
أرش (3).
وعندنا أن العيب المتجدد مانع من الرد بالسابق، سواء زال أو لا،
وللمشتري الأرش على التقديرين.
ولو زال العيب الحادث بعدما أخذ المشتري أرش العيب القديم،
لم يكن له الفسخ، ورد الأرش عندنا على ما تقدم.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما؛ لأن أخذ الأرش إسقاط. والثاني:
نعم، والأرش للحيلولة (4).
ولو لم يأخذه لكن قضى القاضي بثبوته، فوجهان للشافعية بالترتيب،
وأولى بجواز الفسخ (5).
ولو تراضيا ولا قضاء، فوجهان بالترتيب، وأولى بالفسخ في هذه

(1) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 96، الهامش (4).
(2) في ص 121، المسألة 301.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 141.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 141 - 142.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 256، وانظر: روضة الطالبين 3: 141 - 142.
128

الصورة، وهو الأصح في هذه الصورة عندهم، وأما بعد الأخذ، فالأصح:
المنع (1).
ولو عرف العيب القديم بعد زوال الحادث (2)، رد عند الشافعي (3)،
وفيه وجه ضعيف (4).
ولو زال العيب القديم قبل أخذ أرشه، لم يأخذه عندهم (5). ولو زال
بعد أخذه، رده.
ومنهم من جعله على وجهين، كما لو نبتت سن (6) المجني عليه بعد
أخذ الدية، هل [يرد] (7) الدية؟ (8).
مسألة 305: كل ما يثبت الرد به على البائع لو كان في يده يمنع الرد
إذا حدث في يد المشتري، وما لا رد به على البائع لا يمنع الرد إذا حدث
في يد المشتري إلا في الأقل، فلو خصى العبد ثم عرف عيبا قديما، لم يرد
وإن زادت قيمته.
ولو نسي القرآن أو الصنعة ثم عرف به عيبا قديما، فلا رد؛ لنقصان
القيمة.
وكذا لو زوجها ثم عرف [بها] عيبا قديما؛ لأنه بتصرفه أسقط الرد.
وقال بعض الشافعية: إلا أن يقول الزوج: إن ردك المشتري بعيب

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 142.
(2) في " ق، ك ": " العيب الحادث ".
(3 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 142.
(6) في الطبعة الحجرية: " كما لو ثبت سبق " بدل " كما لو نبتت سن ". وهي
تصحيف. وفي " ق، ك ": " نبت سن " والصحيح ما أثبتناه.
(7) ما بين المعقوفين من المصدر. وبدله في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " يأخذ ".
(8) التهذيب - للبغوي - 3: 457، العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 142.
129

فأنت طالق، وكان ذلك قبل الدخول، فله الرد؛ لزوال المانع بالرد (1).
مسألة 306: لو اشترى الأب من الابن جارية أو بالعكس ثم عرف
بعيبها بعد وطئها وهي ثيب، لم يكن له الرد عندنا؛ لتصرفه.
وقال الشافعي: لا يبطل الرد وإن حرمت على البائع؛ لأن المالية
لا تنقص بذلك. وكذا لو كانت الجارية رضيعة فأرضعتها ام البائع أو ابنته
في يد المشتري ثم عرف بها عيبا (2).
وهنا نحن نقول: إن كان الإرضاع بقول المشتري، كان تصرفا؛ لأنه
يخرج بذلك عن الإباحة، فلا رد. وإن لم يكن بقوله، كان له الرد؛ لأنه
لم يتصرف في المبيع.
وإقرار الرقيق على نفسه في يد المشتري بدين المعاملة أو بدين
الإتلاف مع تكذيب المولى لم يمنع من الرد بالعيب القديم. وإن صدقه
المولى على دين الإتلاف، منع؛ لأنه عيب تجدد في يد المشتري. فان عفا
المقر له بعدما أخذ المشتري الأرش، لم يكن له الفسخ، وهو أحد قولي
الشافعية. والثاني: يرده ويرد الأرش (3).
والوجهان جاريان فيما إذا أخذ الأرش لرهينة العبد أو كتابته أو إباقه
أو غصبه ونحوها إن مكن (4) من ذلك ثم زال المانع من الرد (5)، قال بعض
الشافعية: أصحهما أنه لا فسخ (6). وهو مقتضى مذهبنا.
تذنيب: لو اشترى عبدا وحدث في يد المشتري نكتة بياض بعينه (7)

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 142.
(4) في الطبعة الحجرية: " تمكن ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 256، روضة الطالبين 3: 142.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 457 - 458، العزيز شرح الوجيز 4: 256 - 257،
روضة الطالبين 3: 142.
(7) أي: بعين العبد.
130

ووجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما فاختلفا، فقال البائع: الزائلة القديمة
فلا رد ولا أرش، وقال المشتري: بل الحادثة ولي الرد، قال الشافعي:
يحلفان على ما يقولان، فإن حلف أحدهما دون الآخر، قضي بموجب
يمينه. وإن حلفا، استفاد البائع بيمينه دفع الرد، واستفاد المشتري بيمينه
أخذ الأرش، فإن اختلفا في الأرش، فله الأقل؛ لأنه المتيقن (1).
مسألة 307: لو كان المبيع من أحد النقدين كآنية من ذهب أو فضة
اشتراها بمثل وزنها وجنسها ثم اطلع على عيب قديم، كان له الرد دون
الأرش؛ لاشتماله على الربا، فإنه لو أخذ الأرش لنقص الثمن عن وزن
الآنية، فيصير الثمن المساوي لوزنها يقابله ما دونها (2)، وذلك عين الربا.
فإن حدث عند المشتري عيب آخر، لم يكن له الأرش؛ لما تقدم،
ولا الرد مجانا؛ إذ لا يجبر البائع على الضرر، ولا الرد مع الأرش؛ لاشتماله
على الربا، لأن المردود حينئذ يزيد على وزن الآنية. ولا يجب على
المشتري الصبر على المعيب مجانا. فطريق التخلص فسخ البيع؛ لتعذر
إمضائه، وإلزام المشتري بقيمته من غير الجنس معيبا بالقديم سليما عن
الجديد، ويجعل بمثابة التالف.
ويحتمل الفسخ مع رضا البائع، ويرد المشتري العين وأرشها،
ولا ربا، فإن الحلي في مقابلة الثمن، والأرش في مقابلة العيب المضمون،
كالمأخوذ بالسوم.
وللشافعية ثلاثة أوجه، اثنان منها هذان الاحتمالان، إلا أنهم
لم يشترطوا في الاحتمال الثاني رضا البائع بالرد.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 457، العزيز شرح الوجيز 4: 257، روضة الطالبين 3: 142.
(2) كذا في جميع النسخ الخطية والحجرية.
131

والثالث: أن يرجع المشتري بأرش العيب القديم، كما في غير هذه
الصورة، والمماثلة في مال الربا إنما تشترط في ابتداء العقد وقد حصلت،
والأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق (1).
وهذا الوجه عندي لا بأس به.
والوجهان الأولان [اتفقا] (2) على أنه لا يرجع بأرش العيب القديم،
وأنه يفسخ العقد، واختلفا في أنه يرد الحلي مع أرش النقص أو يمسكه
ويرد قيمته؟.
وقياس صاحب القول الثالث تجويز الرد مع الأرش أيضا، كما في
سائر الأموال.
وإذا أخذ الأرش، قيل: يجب أن يكون من غير جنس العوض؛
لئلا يلزم ربا الفضل (3).
والأقرب: أنه يجوز أن يكون من جنسهما؛ لأن الجنس لو امتنع أخذه؛
لامتنع أخذ غير الجنس؛ لأنه يكون بيع مال الربا بجنسه مع شيء آخر.
ولو تلفت الآنية ثم عرف المشتري العيب القديم، قالت الشافعية:
يفسخ العقد، ويسترد الثمن ويغرم قيمة التالف (4). وتلف المبيع لا يمنع
جواز الفسخ؛ لأن الشافعي جوز الإقامة بعد [التلف] (5) (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 257، روضة الطالبين 3: 143.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " أيضا ". وهي تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه بقرينة السياق.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 258، روضة الطالبين 3: 143.
(4) حلية العلماء 4: 261، العزيز شرح الوجيز 4: 258، روضة الطالبين 3: 143.
(5) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك "، والطبعة الحجرية: " الفسخ ". والصحيح ما
أثبتناه من المصدر.
(6) حلية العلماء 4: 261، التهذيب - للبغوي - 3: 493 - 494.
132

وكذا إذا اختلف المتبايعان بعد تلف المبيع، تحالفا وترادا.
ويخالف إذا كان المبيع من غير جنس الثمن الذي فيه الربا؛ لأنه
يمكنه أخذ الأرش، فلا يجوز له فسخ العقد مع حدوث النقص والتلف
عنده، وهنا لا يمكن ذلك، فلم يمكن إسقاط حقه بغير عوض، ولا يمكن
أخذ الأرش هنا؛ للربا.
ولهم وجه آخر: أنه يجوز أخذ الأرش (1). وحينئذ هل يشترط كونه
من غير الجنس؟ وجهان تقدما.
وهذه المسألة لا تختص بالحلي والنقدين، بل تجري في كل ربوي
بيع بجنسه.
مسألة 308: قد بينا أن تصرف المشتري يمنع من الرد قبل علمه
بالعيب وبعده.
وقال الشافعي: لا يمنع (2).
فلو اشترى دابة وأنعلها ثم وقف على العيب القديم، فلا رد عندنا،
بل له الأرش.
وقال الشافعي: إن كان نزع النعل لا يؤثر فيها عيبا، نزعه وردها. وإن
لم ينزع، لم يجب على البائع القبول. وإن كان النزع يخرم ثقب المسامير
ويتعيب الحافر به فنزع، بطل حقه من الرد والأرش عنده، وكان تعيبه (3)
بالاختيار قطعا للخيار (4) (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 258، روضة الطالبين 3: 143.
(2) الحاوي الكبير 5: 261.
(3) في " ق " والطبعة الحجرية: تعييبه.
(4) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " للاختيار ". وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 258 - 259، روضة الطالبين 3: 143.
133

وفيه احتمال عند بعضهم (1).
ولو ردها مع النعل، اجبر البائع على القبول عنده، وليس للمشتري
طلب قيمة النعل، فإنه حقير في معرض رد الدابة.
ثم ترك النعل من المشتري تمليك حتى يكون للبائع لو سقط (2)، أو
إعراض حتى يكون للمشتري؟ فيه لهم وجهان، أشبههما: الثاني (3).
وكل هذا ساقط عندنا.
مسألة 309: لو صبغ المشتري الثوب بما به تزيد قيمته ثم عرف عيبه
السابق، فلا رد عندنا، خلافا للشافعي (4).
فإن رضي بالرد من غير طلب شيء، قال الشافعي: يجب على البائع
قبوله، ويصير الصبغ ملكا [له] (5) لأنه صفة للثوب لا تزايله، بخلاف
النعل (6).
قال الجويني: ولم يذهب أحد إلى أنه يرد الثوب ويبقى شريكا
بالصبغ (7)، كما في المغصوب، فإنه يكون شريكا، والاحتمال يتطرق
إليه (8).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 143.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " أو إسقاط " بدل " لو سقط ". وما أثبتناه من
المصادر ما عدا التهذيب.
(3) الوسيط 3: 134، التهذيب - للبغوي - 3: 450، العزيز شرح الوجيز 4: 259،
روضة الطالبين 3: 143 - 144.
(4) الوسيط 3: 134، العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 144.
(5) في الطبعة الحجرية: " ويكون الصبغ ملكه " بدل ما أثبتناه من " ق، ك ".
(6) المصادر في الهامش (3).
(7) في الطبعة الحجرية: " في الصبغ ".
(8) العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 144.
134

وإن أراد الرد وأخذ قيمة الصبغ، ففي وجوب الإجابة على البائع
للشافعية وجهان، أظهرهما: العدم، لكن يأخذ المشتري الأرش (1).
ولو طلب المشتري أرش العيب وقال البائع: رد الثوب لأغرم لك
قيمة الصبغ، فوجهان لهم: القبول [و] (2) أن المجاب البائع، ولا أرش
للمشتري (3).
ولما حكى الجويني الخلاف في الطرفين ذكر أن الصبغ الزائد جرى
مجرى أرش العيب الحادث في طرفي المطالبة، ويريد به أنه إذا قال البائع:
رد مع الأرش، وقال المشتري: أمسك وآخذ الأرش، ففي من يجاب؟ وجهان.
وكذا إذا قال المشتري: أرده مع الأرش، وقال البائع: بل أغرم الأرش (4).
ووجه المشابهة بين الصبغ الزائد وأرش العيب الحادث أن إدخال
الصبغ في ملك البائع مع أنه دخيل في العقد كإدخال الأرش الدخيل.
ثم المجاب منهما في وجه من يدعو إلى فضل الأمر بالأرش
القديم (5).
أما لو قصر الثوب ثم ظهر على العيب بعد القصارة، فلا رد عندنا،
بل له الأرش.
وعند الشافعية (6) يبنى على أن القصارة عين أو أثر؟ إن قلنا بالأول،
فهي كالصبغ. وإن قلنا بالثاني، رد الثوب مجانا، كالزيادات المتصلة (7).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 144.
(2) أضفناها لأجل السياق.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 144.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 259.
(6) في الطبعة الحجرية: " الشافعي ".
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 259، روضة الطالبين 3: 144.
135

مسألة 310: إذا اشترى ما المقصود منه مستور بقشره - كالبطيخ
والنارنج والرمان والجوز واللوز والبندق والبيض - فكسره ثم وجده فاسدا،
نظر إن لم يكن [لفاسده] (1) قيمة - كالبيض الفاسد والبطيخ الأسود - رجع
بجميع الثمن؛ لأن العقد ورد على ما لا منفعة فيه، فلم يكن صحيحا، وبه
قال بعض الشافعية (2).
وقال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل إن الرد يثبت على سبيل
استدراك الظلامة (3).
وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع يرجع بكله
عند فوات كل المبيع.
وتظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن تختص حتى يكون
عليه تطهير الموضع عنها؟
وإن كان لفاسده قيمة - كالبطيخ الحامض أو المدود بعض الأطراف -
فله الأرش، ولا رد؛ لتصرفه.
وللشافعية تفصيل، قالوا: إن للكسر حالتين:
إحداهما: أن لا يوقف على ذلك الفساد إلا بمثله، فقولان:
أحدهما: لا رد - كما قلنا - وبه قال أبو حنيفة والمزني، كما لو عرف
بعيب الثوب بعد قطعه، وعلى هذا هو كسائر العيوب الحادثة، فيرجع
المشتري بأرش العيب القديم.

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لمكسوره ". وما أثبتناه
يقتضيه السياق.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 292 - 293، التهذيب - للبغوي - 3: 463، العزيز
شرح الوجيز 4: 260، روضة الطالبين 3: 144.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 260، روضة الطالبين 3: 144.
136

والثاني: له الرد - وبه قال مالك وأحمد في رواية - لأنه نقص
لا يعرف العيب إلا به، فلم يمنع الرد، كالمصراة.
فإن أثبتنا له الرد، فهل يغرم أرش الكسر؟ قولان، أحدهما: نعم،
كالمصراة. والثاني: لا؛ لأنه لا يعرف العيب إلا به، فهو معذور فيه، والبائع
بالبيع كأنه (1) سلطه عليه.
وإن قلنا بالأول، غرم ما بين قيمته صحيحا فاسد اللب ومكسورا
فاسد اللب، ولا ينظر إلى الثمن.
الحالة الثانية: أن يمكن الوقوف على ذلك الفساد بأقل من ذلك
الكسر، فلا رد، كما في سائر العيوب (2).
إذا عرفت هذا، فكسر الجوز ونحوه ونقب النارنج من صور الحالة
الاولى، وكسر النارنج من صور الحالة الثانية.
وكذا البطيخ الحامض إذا أمكن معرفة حموضته بغرز شيء فيه. وكذا
التقوير الكبير إذا أمكن معرفتها بالتقوير الصغير. والتدويد لا يعرف إلا
بالتقوير، وقد يحتاج إلى الشق ليعرف.
وليست الحموضة عيبا في الرمان، بخلاف البطيخ.
ولو شرط حلاوة الرمان فظهرت حموضته بالغرز، كان له الرد. وإن
كان بالكسر أو الشق، فالأرش لا غير.

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " فإنه " بدل " كأنه ". والصحيح ما أثبتناه من العزيز
شرح الوجيز.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 260 - 261، روضة الطالبين 3: 144 - 145، مختصر
المزني: 83، المهذب - للشيرازي - 1: 293، التهذيب - للبغوي - 3: 463 -
464، حلية العلماء 4: 262 - 264، بدائع الصنائع 5: 284، المغني 4: 273،
الشرح الكبير 4: 105.
137

مسألة 311: إذا باع الثوب المطوي، صح البيع إذا علم باطنه كظاهره.
ولو كان مطويا على طاقين، فكذلك؛ لأنه يرى جميع الثوب من
جانبيه إن تساوى الوجهان المطويان، وإلا فلا.
فلو اشترى ثوبا مطويا أو ثوبا ينتقص بالنشر فنشره ووقف على عيب
لا يوقف عليه إلا بالنشر، فلا رد؛ لانتقاصه بالنشر، بل له الأرش.
وللشافعي قولان (1) تقدما في البطيخ وشبهه.
مسألة 312: الفسخ يرفع العقد من حين وقوعه لا من أصله؛ لأن
العقد لا ينعطف حكمه على ما مضى، فكذا الفسخ، وهو أصح قولي
الشافعية.
وفي الثاني: إذا اتفق الفسخ قبل القبض، يرد العقد من أصله؛
لضعف العقد، فإذا فسخ، فكأنه لا عقد (2). وليس بشيء.
ولهم وجه آخر: أنه يرفع العقد من أصله مطلقا (3).
إذا عرفت هذا، فعندنا أن الاستخدام بل كل تصرف يصدر من
المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الرد، إلا في وطئ الجارية الحامل
وحلب المصراة خاصة.
وقال الشافعي: الاستخدام لا يمنع من الرد بالعيب، وكذا وطؤ
الثيب، فإذا ردها، لم يضم إليها مهرا عنده - وبه قال مالك وأحمد في رواية -
لأنه معنى لا يوجب نقصا ولا يشعر رضا، فأشبه الاستخدام (4).

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 464، العزيز شرح الوجيز 4: 261، روضة الطالبين 3:
146.
(2) الوسيط 3: 138، العزيز شرح الوجيز 4: 276، روضة الطالبين 3: 150.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 276، روضة الطالبين 3: 150.
(4) حلية العلماء 4: 256، العزيز شرح الوجيز 4: 276، روضة الطالبين 3: 150،
بداية المجتهد 2: 182، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98.
138

والأصل ممنوع.
وقال أبو حنيفة: إنه يمنع الرد (1)، كقولنا.
ولو وطئها البائع بشبهة، فكوطئ المشتري لا يمنع الرد. ووطؤها عن
رضا منها زنا، وهو عيب حادث.
هذا إذا وطئت بعد القبض، ولو وطئها المشتري قبل القبض، فلا رد
عندنا.
وقال الشافعي: له الرد، ولا يصير قابضا لها، ولا مهر عليه إن سلمت
وقبضها (2).
وإن تلفت قبل القبض، فلا مهر عليه؛ لأنه وطؤ صادف ملكا.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما. والثاني: أن عليه المهر للبائع.
وهما مبنيان على أن العقد إذا انفسخ بتلف قبل القبض، ينفسخ من أصله أو
من حينه؟ وأصحهما عندهم: الثاني (3).
وإن وطئها أجنبي وهي زانية، فهو عيب حدث قبل القبض. وإن
كانت مكرهة، فللمشتري المهر، ولا خيار له بهذا الوطئ. ووطؤ البائع
كوطئ الأجنبي، لكن لا مهر عليه إن قلنا: إن جناية البائع قبل القبض كالآفة
السماوية.
والوجه عندنا: أن عليه المهر.
وأما البكر فافتضاضها بعد [القبض] (4) نقص حادث، وقبله جناية

(1) حلية العلماء 4: 256، بداية المجتهد 2: 182، العزيز شرح الوجيز 4: 276،
المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 276، روضة الطالبين 3: 150.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 276 - 277، روضة الطالبين 3: 150.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " العقد ". والصحيح ما
أثبتناه.
139

على المبيع قبل القبض.
وإن افتضها الأجنبي بإصبعه، فعليه ما نقص من قيمتها.
وإن افتضها بالجماع، فعليه المهر وأرش البكارة، ولا تداخل، وهو
أحد وجهي الشافعية (1).
والثاني الأصح عندهم: الدخول، فعليه مهر مثلها بكرا، وعلى الأول
عليه أرش البكارة ومهر مثلها ثيبا (2).
ثم المشتري إن أجاز العقد، فالجميع له، وإلا فقدر (3) أرش البكارة
للبائع؛ لعودها إليه ناقصة، والباقي للمشتري.
وإن افتضها البائع، فإن أجاز المشتري، فلا شيء على البائع إن قلنا:
جنايته كالآفة السماوية. وإن قلنا: إنها كجناية الأجنبي، فالحكم كما في
الأجنبي. وإن فسخ المشتري، فليس على البائع أرش البكارة.
وهل عليه مهر مثلها [ثيبا] (4) إن افتض بالجماع؟ يبنى على أن جنايته
كالآفة السماوية أو لا.
وإن افتضها المشتري، استقر عليه من الثمن بقدر ما نقص من
قيمتها، فإن سلمت حتى قبضها، فعليه الثمن بكماله. وإن تلفت قبل
القبض، فعليه بقدر نقصان الافتضاض من الثمن. وهل عليه مهر مثل ثيب
إن افتضها بالجماع؟ يبنى على أن العقد ينفسخ من أصله أو من حينه؟ هذا
هو الصحيح عندهم (5).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 277، روضة الطالبين 3: 150 - 151.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " بقدر ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " هنا ". والصحيح ما
أثبتناه.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 277، روضة الطالبين 3: 151.
140

وفيه وجه: أن افتضاض المشتري قبل القبض كافتضاض الأجنبي (1).
مسألة 313: لو باع شيئا ثم ظهر المشتري على عيب ولم يتصرف،
كان له الرد أو الأرش، فإن اختار الرد، فلا يخلو إما أن تكون العين قائمة
بحالها فيردها، أو تنقص. وقد تنقص عند المشتري، وقد مضى حكمه. أو
تزيد، فلا يخلو إما أن تكون هذه الزيادة متصلة، كسمن الجارية، وتعلم
العبد الصنعة أو القرآن، وكبر الشجرة، فهذه الزيادة تابعة لرد الأصل،
ولا شيء على البائع بسببها، أو تكون منفصلة، كالولد والثمرة وكسب العبد
ومهر الجارية الموطوءة بالشبهة أو بالزنا إن أثبتنا فيه مهرا للأمة، واجرة
الدابة إذا ركبت من غير إذن المشتري عندنا وبإذنه عند الشافعي، فهذه
الزيادة لا تتبع الرد بالعيب، بل تسلم للمشتري، ويرد الأصل دون هذه
الزيادة - وبه قال الشافعي وأحمد (2) - لأن هذه حصلت في ملك المشتري.
ولأن مخلد بن خفاف (3) ابتاع غلاما فاستغله (4) ثم أصاب به عيبا،
فقضى له عمر بن عبد العزيز برده وغلته، فأخبره عروة عن عائشة أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قضى في مثل هذا أن الخراج بالضمان، فرد عمر قضاءه وقضى
لمخلد بالخراج (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 277، روضة الطالبين 3: 151.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 292، التهذيب - للبغوي - 3: 436، شرح السنة -
للبغوي - 5: 122، العزيز شرح الوجيز 4: 278، روضة الطالبين 3: 151، بداية
المجتهد 2: 182، المغني 4: 258 - 259، الشرح الكبير 4: 97 - 98.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " حداف ". وهي تصحيف.
(4) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " فاستعمله ". وما أثبتناه من المصادر.
(5) سنن البيهقي 5: 321 - 322، شرح السنة 5: 123، التهذيب - للبغوي - 3:
430 - 434، العزيز شرح الوجيز 4: 278.
141

ومعنى الحديث أن ما يخرج من المبيع من فائدة وغلة فهو للمشتري
في مقابلة أنه لو تلف، كان من ضمانه، بخلاف الغاصب؛ لأن المشتري
مالك للعين، والغاصب غير مالك.
وقال مالك: إن كان النماء ولدا، رده معها. وإن كان ثمرة، رد الأصل
دونها؛ لأنه حكم تعلق برقبة الام، فوجب أن يسري إلى الولد، كالكتابة (1).
وهو خطأ؛ لأن الرد ليس بمستقر، ومتى حدث عيب عند المشتري
منع الرد. ولأن الولد ليس بمبيع، فلا يمكن رده بحكم رد الام.
وقال أبو حنيفة: النماء يمنع من الرد بالعيب؛ لأن الرد في الأصل
تعذر؛ لأنه لا يمكن رده منفردا عن نمائه، لأن النماء موجبه، فلا يرفع
العقد مع بقاء موجبه، ولا يمكن رده معه؛ لأنه لم يتناوله العقد، وإذا (2)
تعذر الرجوع، فالأرش (3).
وليس بصحيح؛ لأن هذا إنما حدث في ملك المشتري، فلم يمنع
الرد، كما لو حدث في يد البائع، وكما لو كان كسبا. والنماء ليس موجبا
بالعقد، بل موجبه الملك، كالكسب، ولو أوجبه العقد، لوجب أن يعود
إلى البائع بفسخه.
وكذا يلحق بالنماء المنفصل ما يكسبه العبد بعمله أو يوهب له أو
يوصى له، فإن هذا يكون للمشتري.

(1) بداية المجتهد 2: 182 - 183، شرح السنة 5: 122، العزيز شرح الوجيز 4:
278، المغني 4: 259، الشرح الكبير 4: 98.
(2) في الطبعة الحجرية: " فإذا ".
(3) بدائع الصنائع 5: 302، شرح السنة 5: 122، التهذيب - للبغوي - 3: 436،
بداية المجتهد 2: 183، العزيز شرح الوجيز 4: 278، المغني 4: 259، الشرح
الكبير 4: 98.
142

مسألة 314: لا فرق بين الزوائد الحادثة قبل القبض والزوائد الحادثة
بعده إذا كان الرد بعد القبض. وإن كان الرد قبله، فكذلك عندنا.
وللشافعية في الزوائد وجهان بناء على أن الفسخ - والحال هذه - رفع
للعقد من أصله أو من حينه؟ والأصح عندهم: أنها تسلم للمشتري
أيضا (1).
ولو كان المبيع جارية فحبلت وولدت في يد المشتري، فإن نقصت
بالولادة، سقط الرد بالعيب القديم، وكان له الأرش - وبه قال الشافعي (2) -
لأنه حدث عنده عيب وإن لم يكن الولد مانعا.
وان لم تنقص، فالأولى جواز ردها وحدها من دون الولد - وهو أحد
قولي الشافعية وأكثرهم عليه (3) - لأن هذا التفريق موضع حاجة، كما لو
رهن جارية فولدت حرا، يباع الرهن دون الولد.
ومنهم من منع؛ لأن في ذلك تفريقا بين الام والولد فيتعين الأرش، إلا
أن يكون الوقوف على العيب بعد بلوغ الولد سنا لا يحرم بعده التفريق (4) (5).
وكذا حكم الدابة لو حملت عند المشتري وولدت، فإن نقصت
بالولادة، فلا رد، ويتعين (6) الأرش. وإن لم تنقص، ردها دون ولدها؛ لأنه
للمشتري.
مسألة 315: لو اشترى جارية حبلى أو دابة حاملا ثم وجد بها عيبا،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 278، روضة الطالبين 3: 151 - 152.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 278، روضة الطالبين 3: 152.
(4) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " بعد بلوغ الولد سنا فإنه لا يحرم بعده التفريق ".
وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 278، روضة الطالبين 3: 152.
(6) في الطبعة الحجرية: فيتعين.
143

فإن ظهر عليه قبل الوضع، ردها حاملا؛ لأن الزيادة حدثت عند البائع
والنماء (1) فيها كالمتصل.
وإن ظهر عليه بعد الوضع، فإن نقصت بالولادة، فلا رد - إلا أن تضع
في مدة الثلاثة، فإن العيب الحادث فيها من غير جهة المشتري لا يمنع من
الرد بالعيب السابق - ويتعين الأرش. وإن لم تنقص، ردها ورد الولد معها؛
لأنه جزء من المبيع، وله قسط من الثمن، وله حكم بانفراده، وهو أحد
قولي الشافعية (2).
وفي الآخر: لا يرد الولد، بناء على أن الحمل لا حكم له ولا يأخذ
قسطا من الثمن، فيكون بمنزلة ما لو تجدد الحبل عند المشتري (3). وليس
شيئا.
ويخرج على هذا الخلاف أنه هل للبائع حبس الولد إلى استيفاء
الثمن؟ وأنه لو هلك قبل القبض، هل يسقط من الثمن بحصته؟ وأنه هل
للمشتري بيع الولد قبل القبض؟ فإن قلنا: له قسط من الثمن، جاز الحبس،
وسقط الثمن، ولم يجز البيع، وإلا انعكس الحكم.
مسألة 316: لو اشترى نخلة عليها طلع غير مؤبر ووجد بها عيبا بعد
التأبير، ردها ورد الثمرة أيضا؛ لأن لها قسطا من الثمن، فإنها مشاهدة
مستيقنة.
وللشافعية طريقان، أظهرهما عندهم: أنها على القولين في الحمل،
تشبيها للثمرة في الكمام بالحمل في البطن. والثاني: القطع بأنها تأخذ قسطا
من الثمن (4).

(1) في " ق، ك ": " فالنماء ".
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 279، روضة الطالبين 3: 152.
144

مسألة 317: لو اشترى جارية حائلا أو (1) بهيمة حائلا فحبلت ثم
اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل، فلا رد إن كان الحمل في يد
المشتري، وبه قال الشافعي (2).
وإن لم تنقص أو كان الحمل في يد البائع، فله الرد، والحكم في
الولد كما تقدم من أنه للمشتري؛ لأنه نما على ملكه.
وللشافعية ما تقدم من الخلاف إن قلنا: إنه يأخذ قسطا من الثمن،
يبقى للمشتري، فيأخذه إذا انفصل.
وحكى بعضهم وجها آخر [أنه للبائع] (3) لاتصاله بالام عند الرد.
وإن قلنا: إنه لا يأخذ قسطا من الثمن، فهو للبائع ويكون تبعا للام
عند الفسخ كما يكون تبعا لها عند العقد (4).
وأطلق بعض الشافعية أن الحمل الحادث نقص، أما في الجواري:
فلأنه يؤثر في النشاط والجمال، وأما في البهائم: فلأنه ينقص لحم المأكول
وينقص الحمل (5) عليها والركوب (6).
ولو اشترى نخلة وأطلعت في يده ثم اطلع على عيب، فالأقرب: أن
الطلع [له؛ لأنه] (7) نماء منفصل (8) متميز عن الأصل، كالحبل لو تجدد عند

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو " والصحيح ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 279، روضة الطالبين 3: 152.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لأنه ". والصحيح ما
أثبتناه من المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 279 - 280، روضة الطالبين 3: 152.
(5) كذا، وفي المصدر: " ويخل بالحمل " بدل " وينقص الحمل ".
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3: 152 - 153.
(7) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " الآن ". والصحيح ما أثبتناه.
(8) في " ق، ك ": " مستفصل ".
145

المشتري.
وللشافعية وجهان (1).
ولو كان على ظهر الحيوان صوف عند البيع فجزه ثم عرف به عيبا،
فعندنا يسقط الرد بالتصرف، ويتعين له الأرش.
وقال الشافعي: له الرد ويرد الصوف معه (2).
فإن استجز ثانيا وجزه ثم عرف العيب القديم، لم يكن له الرد عندنا،
بل الأرش.
وقال الشافعي: له الرد، ويرد الصوف الأول لا الثاني؛ لحدوثه في
ملكه (3).
ولو لم يجزه، رده تبعا - وبه قال الشافعي (4) - لأنه كالمتصل.
ولو اشترى أرضا وبها اصول الكراث ونحوه، لم تدخل في المبيع.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما. والثاني: تدخل. فعلى الدخول إن
أنبتت في يد المشتري ثم ظهر على عيب في الأرض، يرد الأرض، ويبقى
النابت للمشتري، فإنها ليست تبعا في الأرض (5)، ولهذا لا يدخل الظاهر
منها في ابتداء البيع فيه (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3: 153.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 437، العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3:
153.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3: 153.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 437، العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3:
153.
(5) الظاهر: تبعا للأرض.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 437، العزيز شرح الوجيز 4: 280، روضة الطالبين 3: 153.
146

مسألة 318: الثمن المعين إذا خرج معيبا، يرده البائع بالعيب ما
لم يتصرف، كالمبيع، وبه قال الشافعي (1).
وإن لم يكن معينا، استبدل به، ولا يفسخ العقد، سواء خرج معيبا
بخشونة أو سواد أو ظهر أن سكته مخالفة لسكة النقد الذي تعاقدا عليه،
أو (2) خرج نحاسا أو رصاصا.
ولو تصارفا وتقابضا ثم وجد أحدهما بما قبض خللا، فإن كانا
معينين وخرج من غير الجنس، يبطل الصرف.
وللشافعية قولان هذا أحدهما. والثاني: أنه صحيح تغليبا للإشارة (3).
هذا إذا كان له قيمة، وإن لم يكن له قيمة، بطل إجماعا.
وإن خرج بعضه بهذه الصفة، بطل العقد فيه، وفي الباقي قولا تفريق
الصفقة للشافعية: إن لم يبطل، فله الخيار. وإن أجاز، فإن كان الجنس
مختلفا بأن يتبايعا فضة بذهب، فالقولان في أن الإجازة بجميع الثمن أو
بالحصة. وإن كان متفقا، فالإجازة بالحصة؛ لامتناع الفضل (4).
وإن خرج [أحدهما] (5) خشنا أو أسود، فلآخذه الخيار، ولا يجوز
الاستبدال.
فإن خرج بعضه [كذلك] (6) فله الخيار، وليس له فسخ المعيب
وإجازة الباقي.
وللشافعية قولا تفريق الصفقة، فإن جوزنا، فالإجازة بالحصة؛ لأن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 283، روضة الطالبين 3: 155.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لو " بدل " أو ". والصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) المصدر في الهامش (4).
(5 و 6) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
147

العقد صح في الكل، فإذا ارتفع، كان بالقسط (1).
وإن كانا غير معينين، فإن خرج أحدهما نحاسا وهما في المجلس،
استبدل. وإن تفرقا قبله، بطل العقد؛ لأن المقبوض غير ما ورد عليه
العقد.
وإن خرج خشنا أو أسود، فإن لم يتفرقا، تخير بين الرضا به
والاستبدال. وإن تفرقا، ففي أن له الاستبدال للشافعية قولان: أحدهما: لا؛
لأنه قبض بعد التفرق. وأصحهما: نعم، كالمسلم فيه إذا خرج معيبا (2).
والأصل فيه أن القبض الأول صحيح إذا رضي به جاز، والبدل
مأخوذ، فقام مقام الأول.
ويجب أخذ البدل قبل التفرق عن مجلس الرد.
وإن خرج البعض كذلك وتفرقا، فإن جوزنا الاستبدال، استبدل، وإلا
تخير بين فسخ الجميع والإجازة.
وفي أن له فسخ المعيب خاصة قولا تفريق الصفقة (3).
وحكم رأس مال السلم (4) حكم عوض الصرف.
ولو وجد أحد المتصارفين بما أخذ عيبا بعد تلفه، فإن كان العقد
على معينين فاختلف الجنس، فهو كبيع العرض بالنقد. وإن كان متفقا،
فالخلاف الذي سبق لهم في الحلي (5).
وان ورد على ما في الذمة ولم يتفرقا بعد، غرم ما تلف عنده،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 283، روضة الطالبين 3: 155 - 156.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 283 - 284، روضة الطالبين 3: 156.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 3: 156.
(4) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " المسلم ". والصحيح ما أثبتناه.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 3: 156.
148

ويستبدل. وكذا إن تفرقا وجوزنا الاستبدال.
ولو وجد المسلم إليه برأس مال السلم عيبا بعد تلفه عنده، فإن كان
معينا أو في الذمة وعين وقد تفرقا ولم نجوز الاستبدال، فيسقط من المسلم
فيه بقدر نقصان العيب من قيمة رأس المال. وإن كان في الذمة وهما في
المجلس، يغرم التالف ويستبدل. وكذا إن كان بعد التفرق وجوزنا الاستبدال.
مسألة 319: لو اشترى عبدا بمائة ثم دفع بالمائة ثوبا برضا البائع ثم
وجد المشتري بالعبد عيبا ورده، فالوجه: أنه يرجع بالمائة؛ لأن الثوب
ملك بعقد آخر، وهو أحد قولي الشافعية. والثاني: أنه يرجع بالثوب؛ لأنه
إنما ملك الثوب بالثمن، وإذا فسخ البيع، سقط الثمن عن ذمة المشتري،
فينفسخ بيع الثوب به (1).
ولو مات العبد قبل القبض وانفسخ البيع، قال ابن سريج: يرجع
بالألف دون الثوب؛ لأن الانفساخ بالتلف يقطع العقد ولا يرفعه من أصله.
وهو الأصح عندهم (2). وفيه وجه آخر لهم (3).
مسألة 320: لو باع عصيرا فوجد المشتري به عيبا بعد أن صار خمرا،
لم يمكن الرد فيتعين له الأرش، وبه قال الشافعي (4). فإن تخلل،
فللمشتري رده.
وهل للبائع أن يسترده ولا يدفع الأرش؟ قال الشافعي:
نعم (5).
وليس بجيد على ما تقدم.
ولو اشترى ذمي خمرا من ذمي ثم أسلما وعرف المشتري بالخمر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 3: 156.
(2 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 3: 157.
149

عيبا، فلا رد، بل يأخذ الأرش. ولو أسلم البائع وحده، فلا رد أيضا. ولو
أسلم المشتري وحده، فله الرد - قاله ابن سريج (1) - لأن المسلم لا يتملك
الخمر، بل يزيل يده عنه.
مسألة 321: الإقالة فسخ عندنا على ما يأتي (2)، وليست بيعا. فلو
اشترى سلعة ثم تقايلا فوجد بها عيبا حدث عند المشتري، كان له فسخ
الإقالة، ورده بالعيب؛ لأن هذا العيب من ضمان المشتري، فهو بمنزلة أن
يجد عيبا في المبيع.
مسألة 322: قد بينا أنه يصح بيع العين الغائبة الشخصية مع ذكر
الجنس وكل وصف تثبت الجهالة بفقده، وهو أحد قولي الشافعي. والآخر:
لا يشترط الوصف مطلقا (3)، فعلى هذا الثاني لو رآه، ثبت له الخيار عنده.
وعلى الأول إن وجده ناقصا عنها، كان له الخيار على وفق مذهبنا،
كما إذا دفع مال المسلم فيه ناقصا عن صفاته، إلا أن في السلم يلزمه إبداله؛
لأن المعقود عليه كلي يثبت (4) في الذمة، وهنا عين شخصية، فيكون له
الخيار في إمضاء العقد وفسخه؛ لأن العقد تعين به، ولا أرش له؛ للأصل.
وإن (5) وجده على الصفات المذكورة، لزمه البيع، ولا خيار له عندنا؛
لعدم موجبه، وهو أحد وجهي الشافعي، وبه قال أحمد؛ لأن المعقود عليه
سلم له بصفاته، فأشبه المسلم فيه (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 284، روضة الطالبين 3: 157.
(2) في ج 12، المسألة 628.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 270، الحاوي الكبير 5: 20، حلية العلماء 4: 85 -
86، العزيز شرح الوجيز 4: 61 - 62، روضة الطالبين 3: 42.
(4) في " ق، ك ": " ثبت ".
(5) في الطبعة الحجرية: " فإن ".
(6) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 293، حلية العلماء 4: 86،
الحاوي الكبير 5: 23، العزيز شرح الوجيز 4: 62، روضة الطالبين 3: 42،
المغني 4: 85، الشرح الكبير 4: 30.
150

والثاني - وهو ظاهر مذهبهم -: أنه يثبت له الخيار (1)؛ للإجماع على
تسميته بيع خيار الرؤية، فينبغي أن يثبت فيه الخيار. ولأن الرؤية تمام هذا
العقد؛ لأن العقد قائم قبله؛ لأنه موقوف على مشاهدته ووجود الصفات
فيه، فإذا كان عند الرؤية يتم العقد، يثبت الخيار عقيبه، كبيع العين
الحاضرة يثبت الخيار عقيب العقد في المجلس، بخلاف السلم؛ لأن العقد
قد تم قبل رؤيته؛ لأنه معقود على الموصوف دون العين.
وليس بشيء؛ فإن التسمية لا يجب عمومها. ووقوف العقد على
المشاهدة ظاهرا لا يوجب وقوفه في نفس الأمر؛ لأنه إذا كان على
الصفات، لم يكن موقوفا على شيء، بل يكون لازما.
وعلى قول الخيار هل يثبت على الفور أو على المجلس؟ للشافعي
وجهان: أحدهما: على المجلس؛ لأنه ثبت بمقتضى العقد، فكان على
المجلس، كخيار المجلس. والثاني: يكون على الفور؛ لأنه معلق بمشاهدة
المبيع، فكان على الفور، كخيار رد العيب؛ لأنه يتعلق بمشاهدة العيب (2).
وهذا ساقط عندنا.
مسألة 323: البائع إذا لم يشاهد المبيع، صح إن وصف له وصفا يرفع
الجهالة، وإلا فلا، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني: يصح، ويثبت له

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 293، حلية العلماء 4: 86،
الحاوي الكبير 5: 23، العزيز شرح الوجيز 4: 62، روضة الطالبين 3: 42،
المغني 4: 85، الشرح الكبير 4: 30.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 271، المجموع 9: 294، العزيز شرح الوجيز 4:
63، روضة الطالبين 3: 42.
151

الخيار؛ لأنه جاهل بصفة المعقود عليه، فأشبه المشتري (1).
وقال أبو حنيفة: لا خيار له في الرؤية [للرواية] (2) التي رجع إليها؛
لأن عثمان وطلحة تناقلا داريهما إحداهما بالكوفة والاخرى بالمدينة، فقيل
لعثمان: إنك غبنت، فقال: ما ابالي؛ لأني بعت ما لم أره، وقيل لطلحة،
فقال: لي الخيار؛ لأني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلى جبير بن مطعم،
فجعل الخيار لطلحة (3).
ولأنا لو جعلنا الخيار للبائع، لكنا قد أثبتنا له الخيار لتوهم الزيادة،
والزيادة في المبيع لا تثبت الخيار، فإنه لو باع شيئا على أنه معيب فبان
سليما، لم يثبت الخيار، بخلاف المشتري؛ لأنه يثبت الخيار له لتوهم
النقصان (4).
والخبر لا حجة فيه. والخيار لا يتعلق بالزيادة والنقصان، فإن
المشتري لو قال: هو أجود مما ظننته وقد اخترت الفسخ، كان له. وكذا
صاحب خيار المجلس والشرط له الفسخ، ولا يشترط زيادة ولا نقصان.
ويبطل أيضا بما لو باع ثوبا على أنه عشرة أذرع فظهر أحد عشر،
فإنه يثبت للبائع الخيار عنده (5).
ولو كان البائع شاهد المبيع ولم يشاهده المشتري، فلا خيار للبائع

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 286، حلية العلماء 4: 88 - 89، العزيز شرح الوجيز
4: 63، روضة الطالبين 3: 42، المغني 4: 82 - 83، الشرح الكبير 4: 29.
(2) أضفناها لأجل السياق.
(3) سنن البيهقي 5: 268، المغني 4: 77، الشرح الكبير 4: 28.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 286، حلية العلماء 4: 89، العزيز شرح الوجيز 4:
63، المغني 4: 82 - 83، الشرح الكبير 4: 29.
(5) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 63.
152

إذا لم يرد (1) - وهو قول الشافعي (2) - لأنه أحد المتبايعين، فلا يثبت له
خيار الرؤية مع تقدمها، كالمشتري.
وحكى أبو حامد وجها أنه يثبت للبائع أيضا؛ لأنه خيار ثبت بمطلق
العقد، فيشترك فيه البائع والمشتري، كخيار المجلس (3).
وليس بصحيح؛ لأن المشتري إنما يثبت (4) له؛ لعدم الرؤية، لا لأجل
العقد، بخلاف خيار المجلس.
مسألة 324: إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية ولم يوصف المبيع،
كان البيع باطلا. ويصح عند الشافعي (5). وحينئذ لو اختار الإمضاء،
لم يصح؛ لأن الخيار يتعلق بالرؤية. ولأنه يؤدي إلى أن يلزمه المبيع
المجهول الصفة. ولو فسخ قبل الرؤية، جاز؛ لجواز الفسخ في المجهول.
ولو تقدمت رؤيتهما على البيع وعرفاه ثم غاب عنهما، جاز بيعه؛
عملا بأصالة الاستصحاب. ولأنه مبيع معلوم عندهما حالة العقد، فأشبه ما
إذا شاهداه.
وقال بعض الشافعية: لا يصح البيع حتى يشاهداه حالة التبايع - وهو
محكي عن الحكم وحماد - لأن ما كان شرطا في صحة العقد يجب أن
يكون موجودا حالة العقد، كشهادة النكاح (6).

(1) كذا في " ق، ك " والطبعة الحجرية.
(2) حلية العلماء 4: 89، العزيز شرح الوجيز 4: 63، روضة الطالبين 3: 42،
المجموع 9: 293.
(3) حلية العلماء 4: 90، وانظر: العزيز شرح الوجيز 4: 63، وروضة الطالبين 3:
42، والمجموع 9: 293.
(4) في " ق، ك ": " ثبت ".
(5) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 51، والمجموع 9: 290.
(6) حلية العلماء 4: 94، الحاوي الكبير 5: 25 - 26، المغني 4: 89، الشرح
الكبير 4: 30.
153

والفرق: أن الشهادة تراد لتحمل العقد والاستيثاق عليه، فلهذا
اشترطت حال العقد.
وينتقض بما لو شاهدا دارا ثم وقفا في بعض بيوتها أو في صحنها
وتبايعاها، أو شاهدا أرضا ثم وقفا في طرفها وتبايعاها، وهو جائز بالإجماع
مع أن مشاهدة الكل لا توجد حال العقد.
مسألة 325: إذا كان المبيع مما لا يتغير - كالحديد والنحاس
والرصاص - وباعه بالوصف، أو كان قد شاهده، صح. فإن وجده بحاله،
لزم البيع. وإن كان ناقصا، ثبت الخيار؛ لأن ذلك كحدوث العيب، وبه قال
الشافعي (1).
ولو اختلفا فقال البائع: هو بحاله. وقال المشتري: قد نقص،
للشافعي قولان، أحدهما: تقديم قول المشتري؛ لأن الثمن يلزمه ولا يلزمه
إلا ما اعترف به (2).
ولو كان المبيع طعاما يفسد فعقدا عليه وقد مضى زمان يفسد في
مثله، لم يصح البيع، وبه قال الشافعي (3).
ولو كان الزمان مما يحتمل الفساد فيه والصحة، فالأقوى: الصحة؛
عملا باستصحاب الحال. ومنع الشافعي (4) منه.
ولو كان حيوانا، جاز بيعه؛ لأصالة البقاء، وهو أحد قولي

(1) الحاوي الكبير 5: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 54، روضة الطالبين 3: 36 -
37، المجموع 9: 296.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 3: 37، المجموع 9: 297.
(3) الحاوي الكبير 5: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 3: 37،
المجموع 9: 296 - 297.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 3: 37، المجموع 9: 297.
154

الشافعي (1).
وحكي عن المزني المنع (2).
وعن ابن أبي هريرة أنه إن طالت المدة، لم يجز؛ لأنه بيع الغرر (3).
وهو ممنوع؛ لأصالة السلامة والبقاء.
مسألة 326: المشهور عند علمائنا أن الملك ينتقل بنفس الإيجاب
والقبول إلى المشتري انتقالا غير لازم إن اشتمل على خيار، ويلزم
بانقضائه، والملك في الثمن للبائع - وهو أحد أقوال الشافعي، وبه قال
أحمد - لقوله (عليه السلام): " من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه
المبتاع " (4).
ولأنه عقد معاوضة يقتضي الملك، فلزمه بنفس العقد، كالنكاح.
والثاني للشافعي: أنه ينتقل بالعقد وانقضاء الخيار، فيكون في مدة
الخيار للبائع، والملك في الثمن للمشتري، وبه قال أبو حنيفة ومالك، إلا
أنهما قالا: لا يثبت خيار المجلس، فيكون ذلك في خيار الشرط؛ لأنه
إيجاب غير لازم مع سلامة المعقود عليه، فلم ينتقل الملك، كعقد الهبة.
والفرق ظاهر؛ فإن الهبة ليست عقد معاوضة، بل هي تبرع محض،
وعدم اللزوم لا يمنع الملك في المعاوضات، كما لو كان معيبا.
والثالث: أن الملك مراعى، فإن فسخا، تبينا أن الملك لم ينتقل
بالعقد، وإن أجازا، تبينا أنه انتقل بالعقد من حين العقد؛ لأن البيع سبب

(1) الحاوي الكبير 5: 26، العزيز شرح الوجيز 4: 55، روضة الطالبين 3: 37،
المجموع 9: 297.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 55، المجموع 9: 297.
(3) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 55، والمجموع 9: 297.
(4) سنن أبي داود 3: 268 / 3433، مسند أحمد 2: 73 / 4538، و 4: 231 / 13802.
155

الزوال، إلا أن شرط الخيار يشعر بأنه لم يرض بعد بالزوال جزما، فوجب
أن يتربص وينظر عاقبة الأمر. ولأن العقد لو أوجب الملك لأجاز التصرف،
ولا يجوز أن يتعلق الملك بالتفرق بالأبدان؛ لأن ذلك ليس من أسباب
الملك، فلم يبق إلا أنه يملك بالعقد ويتبين ذلك بالتفرق (1).
وهذا يلزم عليه البيع قبل القبض والرهن؛ فإن الملك حاصل فيه
والتصرف لا يجوز.
إذا ثبت هذا، فلا فرق عند الشافعي بين أن يكون الخيار لهما أو
لأحدهما - وبه قال مالك - لأنه بيع نقل ملك البائع، فوجب أن ينقله إلى
المشتري كما لو لم يكن لهما خيار (2).
وقال أبو حنيفة: إن كان الخيار لهما أو للبائع، لم ينتقل ملكه. وإذا
كان للمشتري وحده، خرج المبيع من ملك البائع، ولا يدخل في ملك
المشتري؛ لأنه شرط الخيار لنفسه، فلم يزل ملكه عن الثمن، ولا يجوز أن
يجتمع له الثمن والمثمن فيما يصح تمليكه (3).
وليس بجيد؛ لأن الخيار لا يمنع انتقال الملك، على أن هذا القول
يستلزم المحال، وهو ثبوت ملك لغير مالك.
إذا عرفت هذا، فللشافعية طرق في موضع الأقوال:

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 213، حلية العلماء 4: 16،
العزيز شرح الوجيز 4: 196، روضة الطالبين 3: 112، المغني 4: 28 - 30،
الشرح الكبير 4: 79.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 196، المجموع 9: 213، المغني 4: 28 - 32، الشرح
الكبير 4: 79.
(3) بدائع الصنائع 5: 264 - 265، العزيز شرح الوجيز 4: 196، المغني 4: 28 -
29، الشرح الكبير 4: 79.
156

أحدها: أن الخلاف فيما إذا كان الخيار لهما إما بالشرط أو في خيار
المجلس، أما إذا كان لأحدهما، فهو المالك للمبيع؛ لنفوذ تصرفه فيه.
والثاني: أنه لا خلاف في المسألة ولكن إن كان الخيار للبائع،
فالملك له. وإن كان للمشتري، فهو له. وإن كان لهما، فهو موقوف. وتنزل
الأقوال على هذه الأحوال.
والثالث: طرد الأقوال في الأحوال، وهو أظهر عند عامة الشافعية.
وإذا جرت الأقوال، فما الأظهر منها؟
قال أبو حامد: الأظهر: أن الملك للمشتري. وبه قال الجويني.
وقال بعضهم: الأظهر: الوقف.
والأشبه عندهم: أنه إن كان الخيار للبائع، فالأظهر بقاء الملك له.
وإن كان للمشتري، فالأظهر: انتقاله إليه. وإن كان لهما، فالأظهر:
الوقف (1).
مسألة 327: كسب العبد والجارية المبيعين في زمن الخيار للمشتري؛
لانتقال الملك إليه عندنا.
وقال الشافعي: إن قلنا: الملك للمشتري أو إنه موقوف، فالنماء له.
وإن قلنا: الملك للبائع، فوجهان:
قال الجمهور: الكسب للبائع؛ لأنه المالك حال حصوله.
وقال بعضهم: إنه للمشتري؛ لأن سبب ملكه موجود أولا وقد استقر
عليه آخرا فيكتفى به. وإن فسخ البيع، فهو للبائع إن قلنا: الملك للبائع أو
موقوف. وإن قلنا: للمشتري، فوجهان: أصحهما: أنه له.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 196، روضة الطالبين 3: 113، المجموع 9: 213 -
214.
157

وعن أبي إسحاق أنه للبائع؛ نظرا إلى المآل.
وقال بعضهم: الوجهان مبنيان على أن الفسخ رفع للعقد من حينه أو
من أصله؟ إن قلنا بالأول، فهو للمشتري. وإن قلنا بالثاني، فللبائع (1).
واللبن والبيض والثمرة ومهر الجارية بوطئ الشبهة كالكسب.
مسألة 328: فإذا حملت الجارية أو الدابة عند المشتري في زمان
الخيار لامتداد المجلس أو للشرط عندنا، فهو كالكسب، وهو عندنا
للمشتري، وعندهم على ما تقدم من الأقوال (2).
أما لو كانت الجارية أو الدابة حاملا (3) عند البيع وولدت في زمان
الخيار، فحكمه حكم النماء المتصل، كسمن الدابة.
وقال الشافعي: يبنى على أن الحمل هل يأخذ قسطا من الثمن؟ وفيه
قولان:
أحدهما: لا؛ لأن الحمل كالجزء منها، فأشبه سائر الأعضاء، فعلى
هذا هو كالكسب بلا فرق.
وأصحهما: نعم، كما لو بيع بعد الانفصال مع الام، فالحمل والام على
هذا عينان بيعتا معا، فإن فسخ البيع، فهما معا للبائع، وإلا فللمشتري (4).
مسألة 329: إذا كان المبيع رقيقا فأعتقه البائع في زمان الخيار
المشروط لهما أو للبائع، فالأقرب نفوذ عتقه، وبه قال الشافعي على كل

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 197، روضة الطالبين 3: 113، المجموع 9: 214،
المغني 4: 38 - 39، الشرح الكبير 4: 80.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 197، روضة الطالبين 3: 113، المجموع 9: 214.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " أما لو كانت الجارية والدابة حاملين ". وما
أثبتناه يقتضيه السياق.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 197، روضة الطالبين 3: 113، المجموع 9: 214 - 215.
158

قول.
أما إذا كان الملك له: فظاهر.
وأما على غير هذا القول: فلأنه بسبيل من فسخ، والإعتاق يتضمن
الفسخ، فينتقل الملك إليه قبيله (1).
ويحتمل أن يقال: لا يصح؛ لعدم مصادفة العتق الملك، لكن يبطل
البيع؛ لأن العتق وإن كان باطلا على هذا الاحتمال إلا أنه أبلغ في الفسخ.
وإن أعتقه المشتري، فإن كان الخيار له خاصة، نفذ العتق مطلقا؛ لأنه
إما مصادف للملك أو إجازة والتزام بالمبيع، وليس فيه إبطال حق البائع؛ إذ
لا خيار له.
وإن أعتقه البائع والخيار للمشتري، لم يصح؛ لأنه لم يصادف ملكا.
وعند الشافعي (2) لا ينفذ إن قال: إن الملك للمشتري، تم البيع أو
فسخ. ويجئ فيما لو فسخ الوجه الناظر إلى المآل. وإن قال بالوقف،
لم ينفذ إن تم البيع، وإلا نفذ. وإن قال: إنه للبائع، فإن اتفق الفسخ، نفذ،
وإلا فقد أعتق ملكه الذي تعلق به حق لازم، فصار كإعتاق الراهن.
وإن كان الخيار للبائع أو لهما فأعتقه المشتري، فالأقوى: النفوذ؛ لأنه
صادف ملكا. ثم إما أن يجعل العتق كالتلف أو يجعله موقوفا، كعتق
الراهن.
وقال الشافعي: إن قلنا: إن الملك للبائع، لم ينفذ إن فسخ البيع. وإن
تم، فكذلك في أصح الوجهين. والثاني: ينفذ اعتبارا بالمآل. وإن قلنا
بالوقف، فالعتق موقوف أيضا إن تم العقد، بان نفوذه، وإلا فلا.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 197، روضة الطالبين 3: 114، المجموع 9: 215.
159

وإن قلنا: الملك للمشتري، ففي نفوذ العتق وجهان:
أصحهما - وهو ظاهر النص -: أنه لا ينفذ، صيانة لحق البائع من
الإبطال (1).
وعن ابن سريج أنه ينفذ؛ لمصادفة الملك (2)، كما قلنا.
ثم اختلفوا، فبعضهم قال: ينفذ مطلقا، سواء كان موسرا أو معسرا.
وبعضهم فرق: إن كان موسرا، نفذ عتقه. وإن كان معسرا، فلا، كالراهن.
فإن قلنا: لا ينفذ فاختار البائع الإجازة، ففي الحكم بنفوذه الآن وجهان، إن
قلنا: ينفذ، فمن وقت الإجازة أو الإعتاق؟ وجهان، أظهرهما: الأول.
وإن قلنا بقول ابن سريج، ففي بطلان خيار البائع وجهان:
أحدهما: البطلان، وليس له إلا الثمن.
وأظهرهما: أنه لا يبطل، ولكن لا يرد العتق، بل يأخذ القيمة لو
فسخ، كما في نظيره في الرد بالعيب، فإنه لو اشترى عبدا بثوب وأعتق
المشتري العبد، ووجد البائع بالثوب عيبا، فإنه يرده ويرجع بقيمة العبد
خاصة، كذا هنا (3).
ولو اشترى من يعتق عليه - كأبيه وابنه - عتق عليه في الحال عندنا؛
لثبوت الملك للقريب.
وقال الشافعي: إنه كإعتاق المشتري في الخيار (4). وقد تقدم.
مسألة 330: إذا كان الخيار لهما أو للبائع، ففي إباحة وطي البائع

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 197، روضة الطالبين 3: 114، المجموع 9: 215.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 197 - 198، روضة الطالبين 3: 114، المجموع 9:
215.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 171، روضة الطالبين 3: 101، المجموع 9: 176.
160

إشكال ينشأ من انتقال الملك عنه، فيكون الوطؤ قد صادف ملك الغير،
فيكون محرما، ومن أنه أبلغ في التمسك بالمبيع وفسخ البيع من الفسخ.
وللشافعية طرق:
أحدها: إن جعلنا الملك له، فهو حلال، وإلا فوجهان: الحل؛ لأنه
يتضمن الفسخ على ما يأتي، وفي ذلك عود الملك إليه معه أو قبيله.
والثاني: أنا إن لم نجعل الملك له، فهو حرام. وإن جعلناه،
فوجهان: التحريم؛ لضعف الملك.
والثالث: القطع بالحل على الإطلاق (1).
والظاهر من هذا كله عندهم الحل إن جعلنا الملك له، والتحريم إن
لم نجعله له. ولا مهر عليه عندهم بحال.
وأما إن وطئ المشتري، فهو حرام عندهم. أما إن لم نثبت الملك له:
فظاهر. وأما إن أثبتناه، فهو ضعيف، كملك المكاتب.
ولا حد عليه على الأقوال؛ لوجود الملك أو شبهته.
وهل يلزمه المهر؟ إن تم البيع بينهما، فلا إن (2) قلنا: إن الملك
للمشتري أو موقوف. وإن قلنا: إنه للبائع، وجب المهر له.
وعن أبي إسحاق أنه لا يجب؛ نظرا إلى المآل (3).
وإن فسخ البيع، وجب المهر للبائع إن قلنا: الملك له أو موقوف.
وإن قلنا: إنه للمشتري، فلا مهر عليه في أصح الوجهين.
ولو أولدها، فالولد حر ونسيب على الأقوال.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 198، روضة الطالبين 3: 114، المجموع 9: 216.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " وإن ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " الحال " بدل " المآل ". وما أثبتناه هو الصحيح.
161

وهل يثبت الاستيلاد؟ إن قلنا: الملك للبائع، فلا.
ثم إن تم [البيع] (1) أو ملكها بعد ذلك، ففي ثبوته حينئذ قولان
كالقولين فيما إذا وطئ جارية الغير للشبهة ثم ملكها.
وعلى الوجه الناظر إلى المآل إذا تم البيع، نفذ الاستيلاد بلا خلاف.
وعلى قول الوقف إن تم البيع، ظهر ثبوت الاستيلاد، وإلا فلا. ولو ملكها
يوما، عاد القولان.
وعلى قولنا: إن الملك للمشتري، ففي ثبوت الاستيلاد الخلاف
المذكور في العتق. فإن لم يثبت في الحال وتم البيع، بان ثبوته.
ثم رتبوا الخلاف في الاستيلاد على الخلاف في العتق، واختلفوا في
كيفيته. قال بعضهم: الاستيلاد أولى بالثبوت. وعكسه آخرون. وقيل
بالتساوي؛ لتعارض الجهتين.
والقول في وجوب قيمة الولد على المشتري كالقول في المهر.
نعم، إن جعلنا الملك للبائع وفرضنا تمام البيع، فللوجه الناظر إلى
المآل مأخذ آخر، وهو القول بأن الحمل لا يعرف.
أما إذا كان الخيار للمشتري وحده، فحكم حل الوطئ كما في حل
الوطئ للبائع إذا كان الخيار له أو لهما. وأما البائع فيحرم عليه الوطؤ هنا.
ولو وطئ، فالقول في وجوب المهر وثبوت الاستيلاد ووجوب القيمة كما
قلنا في طرف المشتري إذا كان الخيار لهما أو للبائع (2).
إذا تقرر هذا، ظهر أن المشتري ليس له الوطؤ في مدة الخيار. فإن

(1) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 198 - 199، روضة الطالبين 3: 114 - 115، المجموع
9: 216 - 217.
162

وطئ، تعلق بوطئه أحكام ستة، ثلاثة منها لا تختلف باختلاف الأقاويل،
وثلاثة تختلف باختلاف الأقاويل.
فأما ما لا يختلف: فسقوط الحد، ونسب الولد، وحريته؛ لأن الوطء
صادف ملكا أو شبهة فدرأ الحد فثبت النسب والحرية.
وأما التي تختلف: فالمهر، وقيمة الولد، وكونها ام ولد. فإن أجاز
البائع البيع وقلنا: الملك يثبت بالعقد أو يكون مراعى، فقد صادف الوطؤ
الملك، فلا مهر ولا قيمة ولد، وتصير ام ولد. وإن قلنا: ينتقل بالبيع
وانقطاع الخيار، فقد وطئ في ملك البائع فيجب المهر.
وفي قيمة الولد وجهان بناء على القولين في أن الحمل هل له حكم؟
إن قلنا به، وجب؛ لأن العلوق كان في ملك البائع. وإن قلنا: لا حكم له،
لم يجب؛ لأن الوضع في ملك المشتري. وفي الاستيلاد وجهان.
وإن فسخ البائع العقد، فإن قلنا: إن الملك لا ينتقل بالعقد، أو قلنا:
مراعى، فقد صادف الوطؤ ملك البائع، فيجب المهر وقيمة الولد، ولا تصير
ام ولد، إلا أن ينتقل إلى المشتري بسبب آخر، فالقولان، فإن قلنا: إن
الملك ينتقل إلى المشتري بالعقد، فالأصح أنه لا يجب المهر.
وقال بعضهم: يجب؛ لأنها وإن كانت ملكه إلا أن حق البائع متعلق
بها (1).
وليس بصحيح؛ لأن وطأه صادف ملكه، ولو كان تعلق حقه يوجب
المهر لوجب وإن أجاز البائع؛ لأن حقه كان متعلقا بها حال الوطئ. وتجب
قيمة الولد؛ لأنها وضعته في ملك البائع.
وأما الاستيلاد: فقال الشافعي: لا يثبت في الحال (2).
وعلى قول أبي العباس تصير ام ولد. وبكم يضمنها؟ وجهان،

(1 و 2) المهذب - للشيرازي - 1: 267.
163

أحدهما بالثمن، والثاني بقيمتها (1).
مسألة 331: قد عرفت فيما سبق أن خيار المشتري يسقط بوطئه بل
وبكل تصرف حصل منه من بيع وغيره.
وللشافعي في سقوط خياره بوطئه وجهان:
أحدهما: لا يسقط؛ لأن وطأه لا يكون اختيارا، لأن الوطء لا يمنع
الرد بالعيب فكذا لا يبطل خيار الشرط، كما في الاستخدام.
والثاني: يبطل؛ لأن الوطء لو وجد من البائع كان دلالة على اختياره
المبيع (2).
فإذا وجد قبل العلم بالاختيار، لم يكن رضا بالمبيع. ولو كان بعد
العلم به، سقط خياره إجماعا، ويكون له الأرش عندنا.
قالت الشافعية: إذا قلنا: الوطؤ يسقط خياره، فكذا إذا باعها أو رهنها
وأقبضها أو وقفها، فإن ذلك يصح، ويسقط خياره. وإن قلنا: إن (3) الوطء
لا يسقط خياره، لم يسقط بهذه العقود أيضا (4).
مسألة 332: إذا وطئ المشتري في مدة خيار البائع ولم يعلم به
البائع، لم يسقط خياره، وبه قال الشافعي (5).
وإن صارت ام ولد، احتمل سقوطه، وعدمه. ففي أخذه الام وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ عملا بمقتضى أصالة الحق الذي كان ثابتا
واستصحابه.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 267.
(2) الحاوي الكبير 5: 55 - 56، المجموع 9: 203.
(3) كلمة " إن " لم ترد في " ق، ك ".
(4) لم نعثر عليه في مظانه.
(5) المجموع 9: 204.
164

والثاني: ليس له ذلك؛ للنهي عن بيع امهات الأولاد، فتنتقل إلى
القيمة إن اختار الفسخ (1).
وإن كان الوطؤ بعلمه فلم يمنعه ولم ينكره، فالأقرب: عدم سقوط
حق البائع؛ فإن السكوت لا يدل على الرضا، كما لو وطئ رجل أمة غيره
وهو ساكت، لم يسقط مهرها عنه، ولم يجعل سكوت مولاها رضا به،
وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني: يسقط خياره؛ لأن إقراره على ذلك
يدل على رضاه بإنفاذ البيع (2). وليس بشيء.
وكذا لو سكت عن وطئ أمته، لا يسقط به المهر.
ولو وطئ بإذن، حصلت الإجازة، ولا مهر على المشتري ولا قيمة
ولد، ويثبت الاستيلاد بلا خلاف.
مسألة 333: ولو وطئها البائع في مدة خياره، فإنه يكون فسخا للبيع؛
لأنه لا يجوز أن يكون مجيزا للبيع ويطؤها، بل ذلك دلالة على اختيارها
والرضا بفسخ العقد، وبه قال الشافعي (3).
وقال المزني: يدل على أنه إذا طلق إحدى امرأتيه ثم وطئ إحداهما،
يكون ذلك رضا بطلاق الاخرى (4).
أجاب بعض الشافعية بأن الطلاق إن كان معينا ثم أشكل، لم يكن
الوطؤ تعيينا. وإن كان مبهما، ففي كون الوطئ تعيينا للطلاق في الاخرى
وجهان للشافعية:

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 204، العزيز شرح الوجيز 4:
203.
(3) مختصر المزني: 75 - 76، العزيز شرح الوجيز 4: 202، المجموع 9: 202.
(4) مختصر المزني: 76.
165

أحدهما: أنه يكون تعيينا للطلاق، فتكون هذه المسألة كمسألة البيع.
والثاني: لا يكون تعيينا للطلاق (1).
والفرق بين هذا وبين وطئ البائع: أن النكاح والطلاق لا يقعان
بالفعل مع القدرة على القول فكذا اختياره، بخلاف الملك، فإنه يحصل
بالفعل كالسبي والاصطياد فكذا استصلاحه جاز أن يحصل بالفعل، ولهذا
منعوا من الرجعة بالفعل (2).
وأما إذا باع جارية وأفلس المشتري بالثمن [و] (3) ثبت للبائع
الرجوع فوطئها، فهل يكون ذلك فسخا للبيع؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: يكون فسخا، كما يكون فسخا في مدة الخيار.
والثاني: لا يكون فسخا؛ لأن ملك المشتري مستقر، فلا يزول
بالوطئ الدال على الفسخ، بخلاف ملك المشتري في مدة الخيار (4).
وكذا الوجهان لو اشترى ثوبا بجارية ثم وجد بالثوب عيبا فوطئ
الجارية، ففي كونه فسخا وجهان (5).
مسألة 334: لو تلف المبيع بآفة سماوية في زمن الخيار، فإن كان قبل
القبض، انفسخ البيع قطعا. وإن كان بعده، لم يبطل خيار المشتري
ولا البائع، وتجب القيمة على ما تقدم.
وقال الشافعي: إن تلف بعد القبض وقلنا: الملك للبائع، انفسخ
البيع؛ لأنا نحكم بالانفساخ عند بقاء يده فعند بقاء ملكه أولى،
فيسترد الثمن، ويغرم للبائع القيمة.

(1 و 2) انظر: المجموع 9: 203.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(4 و 5) لم نعثر عليه في مظانه.
166

وإن قلنا: الملك للمشتري أو موقوف، فوجهان أو قولان:
أحدهما: أنه ينفسخ أيضا؛ لحصول الهلاك قبل استقرار العقد.
وأصحهما: أنه لا ينفسخ؛ لدخوله في ضمان المشتري بالقبض،
ولا أثر لولاية الفسخ، كما في خيار العيب.
فإن قلنا بالفسخ، فعلى المشتري القيمة.
قال الجويني: وهنا يقطع باعتبار قيمته يوم التلف؛ لأن الملك قبل
ذلك للمشتري، وإنما يقدر انتقاله إليه قبل التلف.
وإن قلنا بعدم الفسخ، فهل ينقطع الخيار؟ وجهان:
أحدهما: نعم، كما ينقطع خيار الرد بالعيب بتلف المبيع.
وأصحهما: لا، كما لا يمتنع التخالف بتلف المبيع. ويخالف الرد
بالعيب؛ لأن الضرر هناك يندفع بالأرش.
فإن قلنا بالأول، استقر العقد، ولزم الثمن. وإن قلنا بالثاني، فإن تم
العقد، لزم الثمن، وإلا وجبت القيمة على المشتري، واسترد الثمن. فإن
تنازعا في تعيين القيمة، قدم قول المشتري (1).
ولبعض الشافعية طريقة اخرى هي القطع بعدم الانفساخ وإن قلنا: إن
الملك للبائع، وذكروا تفريعا عليه: أنه لو لم ينفسخ حتى انقضى زمان
الخيار، فعلى البائع رد الثمن، وعلى المشتري القيمة؛ لأن المبيع تلف على
ملك البائع، فلا يبقى الثمن على ملكه (2).
قال الجويني: هذا تخليط ظاهر (3).
مسألة 335: لو قبض المشتري المبيع في زمن الخيار وأتلفه متلف

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 199 - 200، روضة الطالبين 3: 115 - 116، المجموع
9: 220 - 221.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 200، روضة الطالبين 3: 116، المجموع 9: 221.
167

قبل انقضائه، لم ينفسخ البيع، ولا يبطل الخيار؛ لأصالتهما.
وقال الشافعي: إن قلنا: الملك للبائع، انفسخ، كما في صورة التلف؛
لأن نقل الملك بعد الهلاك لا يمكن.
وإن قلنا: إنه للمشتري أو موقوف، نظر إن أتلفه أجنبي، فيبنى على
ما لو تلف إن قلنا: ينفسخ العقد ثم، فهذا كإتلاف الأجنبي المبيع قبل
القبض، وسيأتي. وإن قلنا: لا ينفسخ - وهو الأصح - فكذا هنا، وعلى
الأجنبي القيمة، والخيار بحاله، فإن تم البيع، فهي للمشتري، وإلا
فللبائع (1).
ولو أتلفه المشتري، استقر الثمن عليه، فإن أتلفه في يد البائع
وجعلنا إتلافه قبضا، فهو كما لو تلف في يده.
وإن أتلفه البائع في يد المشتري، قال بعضهم: يبنى على أن إتلافه
كإتلاف الأجنبي أو كالتالف بآفة سماوية (2)، وسيأتي.
مسألة 336: لو تلف بعض المبيع في زمن الخيار بعد القبض كما لو
اشترى عبدين فمات أحدهما في يده، سقط الخيار، وكان له الأرش في
عيبهما معا، وليس له رد الباقي؛ لأن التشقيص عيب.
وقال الشافعية: لو مات أحدهما، ففي الانفساخ فيما تلف الخلاف
السابق، فإن قلنا بالفسخ، جاء في الانفساخ في الباقي قولا تفريق الصفقة.
وإن لم ينفسخ، بقي خياره في الباقي إن قلنا: يجوز رد أحد العبدين إذا
اشتراهما بشرط الخيار، وإلا ففي بقاء الخيار في الباقي الوجهان. وإذا بقي
الخيار فيه وفسخ، رده مع قيمة التالف (3).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 200، روضة الطالبين 3: 116، المجموع 9: 220.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 200، روضة الطالبين 3: 116، المجموع 9: 221.
168

ولو اشترى عبدين ووجد بهما عيبا، لم يكن له رد أحدهما خاصة،
بل يردهما أو يأخذ أرشهما. وكذا لو كان أحدهما معيبا، فإن مات أحدهما
في يده، لم يكن له رد الثاني؛ لأن التشقيص عيب.
وللشافعية قولان بناء على تفريق الصفقة، فإن قلنا: لا تفرق، رجع
بأرش العيب. وإن قلنا: تفرق، فإنه يرده بحصته من الثمن (1).
وقال بعض الشافعية: له فسخ العقد فيهما ثم يرد الباقي وقيمة التالف
ويسترجع الثمن (2).
ولا بأس بهذا القول عندي، والأصل فيه حديث المصراة، فإن
النبي (صلى الله عليه وآله) أمر برد الشاة وقيمة اللبن التالف (3).
مسألة 337: لو اختلفا في قيمة التالف من العبدين، فقال البائع: قيمته
عشرة وقيمة الموجود خمسة ليخص التالف ثلثا الثمن، وعكس القول
المشتري، فالباقي يمكن تقويمه.
وأما التالف فقد اختلف قول الشافعي فيه، فقال تارة: القول قول
البائع مع يمينه؛ لأن البائع ملك جميع الثمن، فلا يزيل ملكه إلا عن مقدار
يعترف به. وقال اخرى: القول قول المشتري؛ لأنه بمنزلة الغارم، لأن قيمة
التالف إذا زادت زاد قدر ما يغرمه، فهو بمنزلة المستعير والغاصب (4).
وقال بعض الشافعية: الأول أصح (5)؛ لأنه بمنزلة المشتري والشفيع،

(1) حلية العلماء 4: 245، العزيز شرح الوجيز 4: 142 - 144.
(2) حلية العلماء 4: 245، العزيز شرح الوجيز 4: 144.
(3) صحيح البخاري 3: 92 - 93، صحيح مسلم 3: 1155 / 11، سنن أبي داود 3:
270 / 3443، سنن الترمذي 3: 553 / 1251.
(4) حلية العلماء 4: 335، العزيز شرح الوجيز 4: 144.
(5) حلية العلماء 4: 335.
169

وإن القول قول المشتري وإن كان الغارم الشفيع؛ لأنه يريد إزالة ملك
المشتري عن الشقص الذي ملكه، كذا هنا يزيل ملك البائع عن الحق.
مسألة 338: لو اشترى عبدين من رجل بألف صفقة فوجد بأحدهما
عيبا، لم يكن له رد المعيب، بل إما أن يردهما معا أو يأخذ الأرش.
وللشافعي قولان مبنيان على تفريق الصفقة، فإن قلنا: الصفقة
لا تفرق، تخير بين رد الجميع والترك. وإن قلنا: تفرق، فله رد الكل، وله
رد المعيب خاصة (1).
وقال أبو حنيفة: له إمساك الصحيح ورد المعيب إذا كان ذلك بعد
القبض، فأما قبل القبض فليس له؛ لأن قبل القبض - عنده - يكون تبعيضا
للصفقة في الإتمام، وبعد القبض [يجوز] (2) تبعيض الصفقة إلا أن يكون
مما ينقص؛ لأنهما عينان، ولا ضرر في إفراد أحدهما عن الآخر، وقد وجد
سبب الرد في أحدهما بعد القبض، فجاز إفراده بالرد، كما لو شرط الخيار
في أحدهما (3).
قال الشافعية: ما لا يجوز تبعيض الصفقة فيه قبل القبض، لم يجز
بعده كزوجي خف ومصراعى باب (4)، وكذا قال أبو حنيفة: إذا كان المبيع
طعاما فأكل بعضه، لم يرد الباقي (5)؛ لأنه يجري مجرى العقد الواحد، لأن
العيب ببعضه عيب بجميعه، فلم يكن له، كما لو كان قبل القبض أو كان

(1) حلية العلماء 4: 243، الحاوي الكبير 5: 252، العزيز شرح الوجيز 4: 142 - 143.
(2) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.
(3) المغني 4: 268، الحاوي الكبير 5: 251، حلية العلماء 4: 244، التهذيب
- للبغوي - 3: 441، العزيز شرح الوجيز 4: 143.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 441، العزيز شرح الوجيز 4: 143.
(5) بدائع الصنائع 5: 290.
170

طعاما، وشرط الخيار يستوي فيه قبل القبض وبعده، ولأنه هناك رضي به
ولو رضي هنا بقبول بعضه، جاز.
ومن الشافعية من يقول: إن خيار الشرط أيضا مبني على تفريق
الصفقة، فعلى القول بالرد فإنه يقوم الصحيح ويقوم المعيب ويقسم الثمن
على قدر قيمتهما، فما يخص المعيب يسقط عنه (1).
إذا ثبت هذا، فلو أراد المشتري رد المعيب خاصة ورضي البائع،
جاز؛ لأن الحق لا يعدوهما، وهو أصح وجهي الشافعية (2).
ولو عرف بالعيب بعد بيع الصحيح، لم يكن له رد الباقي عندنا - وهو
أصح قولي الشافعي (3) - ويرجع بالأرش.
ولو كان المبيع جملة فظهر فيها عيب بعد أن باع بعضها، فلا رد
عندنا، وله الأرش في الباقي والخارج.
وللشافعي في الباقي وجهان، أصحهما: أنه يرجع؛ لتعذر الرد،
ولا ينتظر (4) عود الزائل ليرد الكل، كما لا ينتظر (5) زوال الحادث.
والوجهان جاريان في العبدين إذا باع أحدهما ثم عرف العيب ولم نجوز رد
الباقي، هل يرجع بالأرش؟ وأما التالف بالبيع فحكمه حكم الكل إذا
باعه (6).
مسألة 339: لو اشترى عبدا ثم مات المشتري وخلف وارثين فوجدا
به عيبا، لم يكن لأحدهما رد حصته خاصة؛ للتشقيص، وهو عيب حدث

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) الحاوي الكبير 5: 252، العزيز شرح الوجيز 4: 143.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 272.
(4 و 5) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لا ينظر ". والأولى ما أثبتناه من المصدر.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 272.
171

في يد المشتري، لأن الصفقة وقعت متحدة، فلا يجب على البائع أخذه،
بل له الأرش خاصة. ولو اتفقا على الرد، جاز قطعا، وهو أصح قولي
الشافعية (1).
وفيه وجه آخر لهم: أنه ينفرد؛ لأنه رد جميع ما ملك (2).
وليس بجيد؛ لما بينا من اتحاد الصفقة، ولهذا لو سلم أحد الابنين
نصف الثمن، لم يلزم البائع تسليم النصف إليه.
مسألة 340: لو اشترى رجلان عبدا من رجل صفقة واحدة ثم وجدا
به عيبا قبل أن يتصرفا، فالذي نذهب إليه أنه ليس لهما الافتراق في الرد
والأرش، بل إما أن يردا معا ويسترجعا الثمن، أو يأخذا الأرش معا، وليس
لأحدهما الرد وللآخر الأرش - وبه قال أبو حنيفة ومالك في رواية،
والشافعي في أحد القولين (3) - لأن العبد خرج عن ملك البائع دفعة كاملا
والآن يعود إليه بعضه، وبعض الشيء لا يشترى بما يخصه من الثمن لو بيع
كله، فلو رده إليه مشتركا فقد رده ناقصا؛ لأن الشركة عيب، فلم يكن له
ذلك، كما لو حدث عنده عيب.
وقال الشافعي في الثاني: له أن يرد حصته ويأخذ الآخر الأرش
- وهو أصح قوليه عندهم، وبه قال أبو يوسف ومحمد، والرواية الثانية عن
مالك - لأن النصف جميع ما ملكه بالعقد، فجاز له رده بالعيب، كجميع
العبد لو اشتراه واحد (4).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 272، روضة الطالبين 3: 147.
(3) المبسوط - للسرخسي - 13: 50، المغني 4: 268، الشرح الكبير 4: 106،
حلية العلماء 4: 242، الحاوي الكبير 5: 250، العزيز شرح الوجيز 4: 272،
روضة الطالبين 3: 147.
(4) حلية العلماء 4: 242، الحاوي الكبير 5: 250، العزيز شرح الوجيز 4: 273،
روضة الطالبين 3: 147، المبسوط - للسرخسي - 13: 50، بداية المجتهد 2:
179، المغني 4: 268، الشرح الكبير 4: 106.
172

وليس فيه عندي بعد، وقواه الشيخ (1) أيضا؛ إذ البائع أخرج العبد
إليهما مشقصا، فالشركة حصلت باختياره، فلم تمنع من الرد، بخلاف العيب.
مسألة 341: لو انعكس الفرض فاشترى رجل عبدا من رجلين وخرج
معيبا، فله أن يفرد نصيب أحدهما بالرد قطعا؛ لأن تعدد البائع يوجب تعدد
العقد. وأيضا فإنه لا يتشقص على المردود عليه ما خرج عن ملكه.
مسألة 342: لو جوزنا لكل من المشتريين من الواحد عبدا الانفراد
فانفرد أحدهما وطلب الرد وطلب الآخر الأرش، بطلت الشركة، ويخلص
للممسك ما أمسك وللراد ما استرد، وهو أصح وجهي الشافعية. وفي
الثاني: أن الشركة باقية بينهما فيما أمسكه الممسك واسترده الراد (2).
وإن منعنا الانفراد، فلا فرق بين ما ينتقص بالتبعيض وما لا ينتقص،
كالحيوان، فإنه ليس لأحدهما أن ينفرد بالرد والآخر بالأرش.
وللشافعية قولان مبنيان على أن المانع ضرر التبعيض أو اتحاد
الصفقة (3).
ولو أراد الممنوع من الرد الأرش، كان له ذلك، سواء حصل اليأس
من إمكان رد نصيب الآخر بعتقه - مثلا - وهو معسر أو لا.
وقالت الشافعية: إن حصل اليأس من إمكان رد نصيب الآخر، فله
أخذ الأرش. وإن لم يحصل، نظر إن رضي صاحبه بالعيب، فيبنى على أنه
لو اشترى نصيب صاحبه وضمه إلى نصيبه وأراد أن يرد الكل ويرجع

(1) الخلاف 3: 110، المسألة 179.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 273، روضة الطالبين 3: 147.
173

بنصف الثمن، هل يجبر على قبوله؟ وجهان: إن قلنا: لا، أخذ الأرش.
وإن قلنا: نعم، فكذلك في أصح الوجهين؛ لأنه توقع بعيد.
وإن كان صاحبه غائبا لا يعرف الحال، ففي الأرش وجهان من جهة
الحيلولة الناجزة (1) (2).
ولو تصرفا في العبد، لم يكن لهما الرد، وكان لهما الأرش. وكذا لو
تصرف أحدهما خاصة، كان لهما الأرش.
أما المتصرف: فبتصرفه أسقط حقه من الأرش.
وأما الآخر: فلأنه يبطل رده ببطلان رد الآخر.
ولو اشترى رجلان عبدا من رجلين، كان كل واحد منهما مشتريا ربع
العبد من كل واحد من البائعين، فلكل واحد رد الربع إلى أحدهما إن
جوزنا الانفراد.
ولو اشترى ثلاثة من ثلاثة، كان كل واحد منهم مشتريا تسع العبد من
كل واحد من البائعين.
ولو اشترى رجلان عبدين من رجلين، فقد اشترى كل واحد من كل
واحد ربع كل واحد، فلكل واحد رد جميع ما اشترى من كل واحد عليه.
ولو رد ربع أحد العبدين وحده، ففيه قولا تفريق الصفقة (3).
ولو اشترى بعض عبد في صفقة وباقيه في اخرى إما من البائع الأول
أو من غيره، فله رد أحد البعضين خاصة؛ لتعدد الصفقة. ولو علم بالعيب

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " النادرة " بدل " الناجزة " والصحيح ما أثبتناه من
المصدر.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 273، روضة الطالبين 3: 147 - 148.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 273، روضة الطالبين 3: 148.
174

بعد العقد الأول ولم يمكنه الرد فاشترى الباقي، فليس له رد الباقي، وله رد
الأول عند الإمكان.
مسألة 343: إذا أذن البائع للمشتري في التصرف في مدة الخيار
فتصرف، سقط خيارهما معا - وبه قال الشافعي (1) - إذ قد وجد من كل
منهما دلالة اللزوم وسقوط الخيار.
ثم التصرف إن كان عتقا، نفذ، وبطل خيارهما. وإن كان بيعا أو هبة
أو وقفا، فكذلك عندنا.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما؛ لأنه منع من التصرف بحق البائع،
فإذا أذن فيه، زال المانع، فصح التصرف. والثاني: لا يصح تصرفه؛ لأنه
ابتدأ به قبل أن يتم ملكه. وعلى الوجهين جميعا يلزم البيع ويسقط
الخيار (2).
مسألة 344: الخيار عندنا موروث؛ لأنه من الحقوق، كالشفعة
والقصاص في جميع أنواعه، وبه قال الشافعي إلا في خيار المجلس، فإنه
قال في البيوع: إذا مات أحد المتبايعين في مجلس العقد، فالخيار لوارثه.
وقال في المكاتب: إذا باع فلم يتفرقا حتى مات المكاتب، فقد وجب
البيع (3). وظاهره أن الخيار يبطل بموته.
واختلفت الشافعية في ذلك على ثلاثة طرق:

(1) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 203 - 204، روضة الطالبين 3: 118.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 203 - 204، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9:
304.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 206 - 207، التهذيب - للبغوي -
3: 315 - 317، الحاوي الكبير 5: 57، حلية العلماء 4: 34، العزيز شرح
الوجيز 4: 178، روضة الطالبين 3: 105.
175

منهم من قال: إن الخيار لا يبطل بموت المكاتب أيضا. وقوله: " فقد
وجب البيع " أراد أن البيع لم يبطل بموته، وإنما هو باق وإن كانت الكتابة
قد انفسخت بموته.
ومنهم من قال: إن موت المكاتب يسقط الخيار، وموت غيره من
الأحرار لا يبطله على ظاهر النصين. والفرق: أن السيد ليس بوارث
للمكاتب، وإنما يعود المكاتب رقيقا، وفسخه السيد لحق الملك،
فلا ينوب منابه في الخيار، بخلاف الحر.
ومنهم من قال: إنهما قولان، فنقل جواب كل واحدة من المسألتين
[إلى] (1) الاخرى.
أحد القولين: يبطل خيار المجلس بالموت؛ لأن ما بطل [بالتفرق] (2)
بطل بالموت، لأن الموت يحصل معه التفرق أزيد مما يحصل مع التباعد.
والثاني: لا يبطل؛ لأنه خيار ثابت في العقد، فلم يبطل بالموت،
كخيار الثلاث. ويخالف الموت التفرق؛ لأن الموت يكون بغير اختياره.
ولأن بدنه موجود فهو بمنزلة المغمى عليه والمجنون (3).
قالوا: فإن قلنا: يبطل بالموت، لزم العقد. وإن قلنا: لا يبطل، انتقل
إلى وارثه.
ثم ينظر إن كان حاضرا مع المتعاقدين، اعتبر التفرق، وقام مقام

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " بالتصرف ". والصحيح ما
أثبتناه.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 266، المجموع 9: 207، حلية العلماء 4: 35،
الحاوي الكبير 5: 57 - 58، التهذيب - للبغوي - 3: 317، العزيز شرح الوجيز
4: 179، روضة الطالبين 3: 105 - 106.
176

الميت في ذلك. وإن لم يكن حاضرا في مجلس العقد، فإنه إذا بلغه، اعتبر
مفارقة المجلس الذي هو فيه، فإن فارقه قبل أن يفسخ، لزم العقد، وبطل
خياره.
وقال بعض الشافعية: له الخيار إذا نظر إلى السلعة ليعرف الحظ في
الإجازة والفسخ (1).
مسألة 345: خيار الشرط موروث لا يبطل بالموت عند علمائنا - وبه
قال الشافعي ومالك (2) - لأنه حق للميت، فانتقل إلى الوارث، كغيره من
الحقوق. ولأنه خيار ثابت في فسخ معاوضة لا يبطل بالجنون، فلا يبطل
بالموت، كخيار الرد بالعيب.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأحمد: يبطل؛ لأنها مدة مضروبة في البيع،
فوجب أن تبطل بالموت، كالأجل (3).
والفرق ظاهر؛ فإن محل الأجل - وهو الذمة - قد بطل. ولأن الوارث
لا حكم له في تأخير ما يجب على الميت؛ لأنه يكون مرتهنا به، ويمنعون
من التصرف في التركة؛ لأن صاحب الحق لم يرض بذمة الوارث فلهذا
حل، بخلاف مدة الخيار؛ لأنها ضربت للتروي وطلب الحظ، والوارث

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 179 - 180، حلية العلماء 4: 35، روضة الطالبين 3:
106، المجموع 9: 207 - 208.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 315 - 316، حلية العلماء 4: 33، المجموع 9:
206، المدونة الكبرى 4: 172، بداية المجتهد 2: 211، مختصر اختلاف العلماء
3: 53 / 1129، الهداية - للمرغيناني - 3: 30، المغني 4: 72، الشرح الكبير 4:
86.
(3) مختصر اختلاف العلماء 3: 53 / 1129، الهداية - للمرغيناني - 3: 30، حلية
العلماء 4: 34، التهذيب - للبغوي - 3: 316، بداية المجتهد 2: 211، المغني
4: 71 - 72، الشرح الكبير 4: 86.
177

ينتفع بذلك، فانتقل إليه من الموروث.
تذنيب: الوارث إن كان حاضرا، ثبت له ما بقي من المدة. وإن كان
غائبا، فإن بلغه الخبر في مدة الخيار، ثبت له الخيار من حين ما علم إلى
انقضاء المدة. وإن بلغه بعد انقضائها، احتمل أن يكون له الخيار على
الفور، كخيار الرد بالعيب؛ لأن مدته قد سقطت. وسقوط الخيار، وهو
الذي عول عليه الشيخ (1)، وهو جيد؛ لأنه لو كان الموروث حيا، لسقط
خياره بانقضاء مدته فكذا الوارث الذي يثبت له ما يثبت لمورثه على حد ما
ثبت له.
وللشافعي وجهان، أحدهما: يكون له ما بقي من المدة من حين
موت مورثه. والثاني: أنه على الفور (2).
مسألة 346: يجوز نقد الثمن في مدة الخيار من غير كراهية - وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة (3) - لأن القبض حكم من أحكام العقد، فجاز في مدة
الخيار، كالإجارة.
وقال مالك: يكره؛ لأنه يصير في معنى بيع وسلف؛ لأنه إذا أنقده
الثمن ثم تفاسخا، صار كأنه أقرضه إياه، فيكون قد اشتمل على بيع وقرض
واجتمعا فيه (4).

(1) الخلاف 3: 28، المسألة 38.
(2) حلية العلماء 4: 34، العزيز شرح الوجيز 4: 180، روضة الطالبين 3: 106،
المجموع 9: 208.
(3) مختصر المزني: 76، الحاوي الكبير 5: 63، حلية العلماء 4: 29، المجموع
9: 223، المغني 4: 70، الشرح الكبير 4: 86.
(4) حلية العلماء 4: 29، الحاوي الكبير 5: 63، المغني 4: 70، الشرح الكبير 4:
86.
178

وهو غلط؛ لأن القرض لم يثبت أولا، بل صار في ذمته بعد الفسخ،
ولا منافاة بين البيع والقرض والسلف.
تذنيب: إذا دفع الثمن في مدة الخيار، جاز للمدفوع إليه التصرف
فيه؛ لأنه قد ملكه بالعقد، واستقر ملكه عليه بتعين الدافع أو بتعيينه في
العقد.
ومنع الشافعي من جواز التصرف فيه بعد قبضه (1). وليس بشيء.
مسألة 347: إذا تلف المبيع في زمن الخيار، فإن كان قبل قبض
المشتري له، بطل العقد؛ لأنه لو تلف حينئذ والبيع لازم، انفسخ، فكذا
حال جوازه. وإن تلف في يد المشتري، لم يبطل الخيار، وكان من ضمان
المشتري؛ لأصالة ثبوت الخيار، واستصحاب الحال.
واختلفت الشافعية هنا؛ لاختلاف قول الشافعي. قال أبو الطيب: إن
الشافعي قال في بعض كتبه: إن المبيع ينفسخ، ويجب على المشتري
القيمة. وقال في كتاب الصداق: يلزمه الثمن.
قال: ويحتمل أن يكون المراد بالثمن القيمة. ويحتمل أن يكون
المراد به إذا كان الخيار للمشتري وحده وقلنا: إن المبيع ينتقل إليه بنفس
العقد (2).
وحكى أبو حامد عن الشافعي أن الخيار لا يسقط، فإن فسخا العقد
أو أحدهما، وجبت القيمة. وإن أمضياه أو سكتا حتى انقضت المدة، بني
الأمر على الأقوال التي له، فإن قلنا: ينتقل بالعقد أو يكون مراعى، استقر
عليه الثمن. وإن قلنا: لا ينتقل بالعقد، أو قلنا: مراعى، استقر الثمن

(1) الحاوي الكبير 5: 63، المجموع 9: 224.
(2) لم نعثر عليه في مظانه.
179

عليه (1). وإن قلنا: لا ينتقل إلا بانقضاء الخيار، وجبت القيمة؛ لأنه تلف
وهو ملك البائع (2).
وقال أبو حامد: يضمن بالثمن؛ لأنه مسمى ثبت بالعقد، فلا يسقط
مع بقاء العقد، فإن القبض إذا وقع، استقر البيع، وإذا استقر، لم ينفسخ
بهلاك المبيع (3).
قالت الشافعية: والطريقة الاولى أصح؛ لأنه إذا قلنا: إن المبيع في
ملك البائع فتلف، لا يجوز أن ينتقل إلى المشتري بعد تلفه.
وما ذكره من أن العقد ثابت فيثبت به المسمى غير مسلم؛ لأن العقد
ينفسخ لما تعذر إمضاء أحكامه بتلفه، وأما إذا قلنا: إن المبيع في ملك
المالك، فلا يمكنه أن يثبت استقرار العقد بتلفه؛ لأن في ذلك إبطالا لخيار
البائع، فمتى شاء المشتري أتلفه وأبطل خياره، ولا يمكن بقاؤه على حكم
الخيار؛ لأنه إذا لم يتم حكم العقد بتلفه فلا يمكن إتمامه فيه بعد تلفه، كما
لا يمكن العقد عليه بعد ذلك (4).
وأما ما ذكره من أن العقد يستقر به فليس بصحيح؛ لأن القبض
لا يستقر به العقد مع بقاء الخيار، ولهذا لا يدخل الخيار في الصرف؛
لوجوب التقابض فيه.
وعند أبي حنيفة أنه إن كان الخيار للمشتري وحده، تم العقد. وإن
كان للبائع، انفسخ (5).

(1) كذا ورد قوله: " وإن قلنا: لا ينتقل... استقر الثمن عليه " في " ق، ك " والطبعة
الحجرية.
(2 - 4) لم نعثر عليه في مظانه.
(5) انظر: مختصر اختلاف العلماء 3: 53 / 1130.
180

فروع:
أ - قد عرفت أن المبيع إذا تلف قبل قبضه، فهو من مال بائعه،
فيرجع المشتري بالثمن لا غير. وإن تلف بعد قبضه وانقضاء الخيار، فهو
من مال المشتري. وإن كان في مدة الخيار من غير تفريط، فمن المشتري
إن كان الخيار للبائع أو لهما أو لأجنبي. وإن كان للمشتري خاصة، فمن
البائع.
ب - إذا قبض المبيع في زمن الخيار ثم أودعه عند البائع فتلف في
يده، فهو كما لو تلف في يد المشتري، وبه قال الشافعي حتى إذا فرع على
أن الملك للبائع، ينفسخ البيع ويسترد المشتري الثمن ويغرم القيمة (1).
ثم أبدى الجويني في وجوب القيمة احتمالا؛ لحصول التلف بعد
العود إلى يد المالك (2).
ج - لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم
الثمن في زمن الخيار. ولو تبرع أحدهما بالتسليم، لم يبطل خياره،
ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده، وله استرداد المدفوع قضية للخيار.
وقال بعض الشافعية: ليس له استرداده، وله أخذ ما عند صاحبه دون
رضاه، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع (3).
د - إذا اشترى زوجته بشرط الخيار، بطل النكاح؛ لانتقال الملك إليه
عندنا بالعقد.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 201، روضة الطالبين 3: 116 - 117، المجموع 9:
221.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 201، روضة الطالبين 3: 117، المجموع 9: 221.
181

وقال الشافعي: لا ينتقل، فلو خاطبها بالطلاق في زمن الخيار، فإن
تم العقد بينهما وقلنا: إن الملك للمشتري أو موقوف، لم يصح الطلاق.
وإن قلنا: إنه للبائع، وقع. وإن فسخ وقلنا: إنه للبائع أو موقوف، وقع. وإن
قلنا: للمشتري، فوجهان. وليس له الوطؤ في زمن الخيار؛ لأنه لا يدري
أيطأ بالملك أو بالزوجية؟ هذا قول الشافعي. وفيه لأصحابه وجه آخر (1).
مسألة 348: الفسخ قد يكون بالقول وقد يكون بالفعل. وكذا الإجازة.
فإن قال البائع: فسخت البيع، أو: استرجعت المبيع، أو: رددت
الثمن، كان فسخا إجماعا.
وقال بعض الشافعية: لو قال البائع في زمن الخيار: لا أبيع حتى تزيد
في الثمن، وقال المشتري: لا أفعل، كان اختيارا للفسخ. وكذا قول
المشتري: لا أشتري حتى تنقص لي من الثمن، وقول البائع: لا أفعل. وكذا
طلب البائع حلول الثمن المؤجل وطلب المشتري تأجيل الثمن الحال (2)،
على إشكال، إلا أن يقول: لا أبيع (3) حتى تعجل أو تؤجل.
وأما بالفعل: فكما لو وطئ البائع في مدة خياره، فإنه يكون فسخا
عندنا على ما تقدم.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما. والثاني: أنه لا يكون فسخا، بخلاف
الرجعة عنده، فإنها لا تحصل بالوطئ (4).
ونحن نقول: إنها تحصل به؛ لأنه أبلغ في التمسك من اللفظ.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 201، روضة الطالبين 3: 117، المجموع 9: 221 -
222.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 117، المجموع 9: 202.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لا أبع ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 117، المجموع 9: 202.
182

وفرق بأن الرجعة لتدارك النكاح، وابتداء النكاح لا يحصل بالفعل،
فكذا تداركه، والفسخ هنا لتدارك ملك اليمين، وابتداؤه يحصل تارة بالقول
واخرى بالفعل وهو السبي، فكذا تداركه جاز أن يحصل بالفعل (1).
والصغرى ممنوعة.
وقال بعضهم أيضا: إنه ليس بفسخ تخريجا على الخلاف في أن
الوطء يكون تعيينا للمملوكة والمنكوحة عند إبهام العتق والطلاق (2).
والأقوى عندنا: أنه تعيين.
وقال بعضهم: إنه يكون فسخا إذا نوى به الفسخ (3).
ولو قبل بشهوة أو باشر فيما دون الفرج أو لمس بشهوة، فالوجه
عندنا: أنه يكون فسخا؛ لأن الإسلام يصون صاحبه عن القبيح، فلو لم
يختر الإمساك، لكان مقدما على المعصية.
وللشافعية وجهان (4).
أما الاستخدام وركوب الدابة: فيهما للشافعية وجهان (5).
ولو أعتق البائع في زمن خياره، كان فسخا، وبه قال الشافعي (6)،
وقد سبق (7).
أما لو باع، فكذا عندنا - وهو أصح قولي الشافعية (8) - لدلالته على
ظهور الندم.

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 117، المجموع 9: 202.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 312، العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3:
117، المجموع 9: 202.
(7) في ص 160، المسألة 329.
(8) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 117 - 118، المجموع 9:
202.
183

وفي الثاني: لا يكون فسخا؛ لأصالة بقاء الملك، فيستصحب إلى أن
يوجد الفسخ صريحا، بخلاف العتق؛ لقوته (1).
وإذا كان البيع فسخا، كان صحيحا، كالعتق، وهو أصح وجهي
الشافعية (2).
والثاني: المنع؛ لأن الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد معا،
كما أن التكبيرة الثانية في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة،
ولا يشرع بها في الصلاة (3).
ويمنع عدم حصول الفسخ والعقد في الشيء الواحد بالنسبة إلى
شيئين.
ويجري الخلاف في الإجارة والتزويج والرهن والهبة إن (4) اتصل بها
القبض، سواء في ذلك هبة من لا يتمكن من الرجوع فيها أو (5) من
يتمكن؛ لزوال الملك في الصورتين، والرجوع إعادة لما زال (6).
وأما العرض على البيع والإذن فيه والتوكيل والرهن غير المقبوض إن
قلنا باشتراطه والهبة غير المقبوضة: فالأقرب أنها من البائع فسخ، ومن
المشتري إجازة؛ لدلالتها على طلب المبيع واستيفائه، ولهذا يحصل بها
الرجوع عن الوصية.
وللشافعية فيه وجهان، هذا أحدهما. وأظهرهما عندهم: أنها ليست

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 117 - 118، المجموع 9:
202.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9: 202.
(4) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " وإن " وما أثبتناه من المصادر.
(5) في " ق، ك ": " ومن ".
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 202، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9: 202.
184

فسخا من البائع ولا إجازة من المشتري، فإنها لا تقتضي إزالة ملك،
وليست بعقود لازمة، ويحتمل صدورها عمن يتردد في الفسخ والإجازة (1).
ولو باع البائع المبيع في زمن الخيار بشرط الخيار، قال الجويني: إن
قلنا: لا يزول ملك البائع، فهو قريب من الهبة غير المقبوضة. وإن قلنا:
يزول، ففيه احتمال؛ لأنه أبقى لنفسه مستدركا (2).
مسألة 349: لو أعتق المشتري بإذن البائع في مدة خيارهما أو خيار
البائع، نفذ، وحصلت الإجازة من الطرفين. وإن كان بغير إذنه، نفذ أيضا؛
لأنه مالك أعتق فنفذ عتقه كغيره.
ثم إما أن يجعل للبائع الخيار أو يبطله كالتالف، فإن أثبتناه، فالأقوى
أنه يرجع بالقيمة كالتالف.
ولو باع أو وقف أو وهب وأقبض بغير إذن البائع، فالأولى الوقوف
على الإجازة، ويكون ذلك إجازة.
وقالت الشافعية: لا ينفذ شيء من هذه العقود (3).
وهل يكون إجازة؟ قال أبو إسحاق منهم: لا يكون إجازة، لأن
الإجازة لو حصلت لحصلت ضمنا للتصرف، فإذا الغي التصرف فلا إجازة (4).
وقال بعضهم: يكون اجازة؛ لدلالته على الرضا والاختيار. وهو أصح
عندهم (5)، كما اخترناه.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 204، روضة الطالبين 3: 118 - 119، المجموع 9:
202.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 204، روضة الطالبين 3: 119، المجموع 9: 202.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 203، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9: 204.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 203، المجموع 9: 204.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 203، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9: 204.
185

ولو باشر هذه التصرفات بإذن البائع أو باع من البائع نفسه، صحت
التصرفات، وهو أصح قولي (1) الشافعية (2). وعلى الوجهين يلزم البيع
ويسقط الخيار (3).
ولو أذن له البائع في طحن الحنطة المبيعة فطحنها، كان مجيزا.
ومجرد الإذن في هذه التصرفات لا يكون إجازة من البائع حتى لو رجع قبل
التصرف، كان على خياره.
مسألة 350: إذا اشترى عبدا بجارية ثم [أعتقهما] (4) معا، فإن كان
الخيار لهما، عتقت الجارية خاصة؛ لأن إعتاق البائع مع تضمنه للفسخ
يكون نافذا على رأي، ولا يعتق العبد وإن كان الملك فيه لمشتريه؛ لما فيه
من إبطال حق الآخر، وهو أصح وجهي الشافعية. وعلى الوجه الذي قالوه
من نفوذ عتق المشتري - تفريعا على أن الملك للمشتري - يعتق العبد
ولا تعتق الجارية (5).
وإن كان الخيار لمشتري العبد خاصة، لم ينفذ عتق شيء منهما؛ لأن
عتق كل واحد منهما يمنع عتق الآخر، وليس أحدهما أولى من الآخر،
فيتدافعان، وهو أحد وجوه الشافعية.
وفي الآخر: أنه ينفذ عتق أحدهما خاصة، ولا ينعتقان معا؛ لأنه
لا ينفذ إعتاقهما على التعاقب فكذا دفعة واحدة (6).
وفيمن يعتق منهما؟ وجهان:

(1) الظاهر: " وجهي " بدل " قولي " بقرينة السياق.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 203، روضة الطالبين 3: 118، المجموع 9: 204.
(4) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " أعتقا ". والصحيح ما أثبتناه.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 205، روضة الطالبين 3: 119، المجموع 9: 217.
186

أحدهما: أنه ينفذ عتق الجارية؛ لأن تنفيذ العتق فيها فسخ، وفي
العبد إجازة، وإذا اجتمع الفسخ والإجازة، يقدم الفسخ، كما يقدم فسخ
أحد المتبايعين على إجازة الآخر.
وأصحهما عندهم: أنه يعتق العبد؛ لأن الإجازة إبقاء للعقد، والأصل
فيه الاستمرار (1).
وقال بعضهم: الوجهان مبنيان على أن الملك في زمن الخيار للبائع
أو للمشتري؟ إن قلنا: للبائع، فالعبد غير مملوك لمشتريه، وإنما ملكه
الجارية، فينفذ العتق فيها. وإن قلنا: للمشتري، فملكه العبد، فينفذ العتق
فيه (2).
وقال أبو حنيفة: إنهما يعتقان معا (3).
وإن كان الخيار لبائع العبد وحده، فالمعتق بالإضافة إلى العبد مشتر
والخيار لصاحبه، وبالإضافة إلى الجارية بائع والخيار لصاحبه، قاله بعض
الشافعية (4)، وقد سبق الخلاف في إعتاقهما في هذه الصورة.
والذي يخرج منه الفتوى عندهم أنه لا يحكم بنفوذ العتق في واحد
منهما في الحال، فإن فسخ صاحبه البيع، فهو نافذ في الجارية، وإلا ففي
العبد (5).
ولو كانت المسألة بحالها وأعتقهما معا مشتري الجارية، فالحكم
بينهم بما تقدم.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 205، المجموع 9: 217.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 205.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 205، روضة الطالبين 3: 119، المجموع 9: 217.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 205، روضة الطالبين 3: 119 - 120، المجموع 9:
217.
187

وقال بعض الشافعية: إن كان الخيار لهما، عتق العبد دون الجارية.
وإن كان الخيار للمعتق وحده، فعلى الوجوه الثلاثة: في الأول يعتق العبد،
وفي الثاني تعتق الجارية، وحكم الثالث ظاهر (1).
فروع:
أ - كل ما جعلناه فسخا من البائع إذا فعله يكون إجازة من المشتري
لو أوقعه.
ب - لو قبلت الجارية مشتريها، لم يكن ذلك تصرفا وإن كان مع
شهوة إن لم يأمرها. ولو قبلها، فهو تصرف وإن لم يكن عن شهوة.
ج - لو فسخ المشتري بخياره، فالعين في يده مضمونة. ولو فسخ
البائع، فهي في يد المشتري أمانة على إشكال ينشأ من أنه قبضها قبض
ضمان، فلا يزول إلا بالرد إلى مالكها.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 205، روضة الطالبين 3: 120، المجموع 9: 217 -
218.
188

الفصل الثاني:
في العيب
وفيه مطالب:
الأول: في حقيقته.
مسألة 351: العيب هو الخروج عن المجرى الطبيعي، كزيادة أو
نقصان، موجبة لنقص المالية.
روى السياري عن ابن أبي ليلى أنه قدم إليه رجل خصما له، فقال:
إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها (1) حين كشفتها شعرا
وزعمت أنه لم يكن لها قط، قال: فقال له ابن أبي ليلى: إن الناس ليحتالون
لهذا بالحيل حتى يذهبوه، فما الذي كرهت؟ فقال: أيها القاضي إن كان عيبا
فاقض لي به، قال: حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني، ثم دخل
وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن مسلم الثقفي، فقال: أي شيء تروون
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر؟ أيكون ذلك
عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم: أما هذا نصا فلا أعرفه، ولكن حدثني
أبو جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " كل ما كان في
أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب " فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثم
رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب (2).
إذا ثبت هذا، فإذا كان السلعة معيبة، لم يجب على البائع إظهار
العيب، لكن يكره له ذلك، سواء تبرأ من العيب أو لا؛ لأصالة براءة الذمة

(1) الركب: منبت العانة. الصحاح 1: 139 " ركب ".
(2) الكافي 5: 215 - 216 / 12، التهذيب 7: 65 - 66 / 282.
189

من وجوب وتحريم، وإنما كره كتمانه؛ لمشابهته الغش بنوع من الاعتبار.
وقال الشافعي: يجب على البائع أن يبينه للمشتري؛ لأن النبي (عليه السلام)
قال: " ليس منا من غشنا " (1) (2).
والغش ممنوع، بل إنما يثبت في كتمان العيب بعد سؤال المشتري له
وتبينه، والتقصير في ذلك من المشتري.
مسألة 352: إطلاق العقد واشتراط السلامة يقتضيان السلامة على ما
مر من أن القضاء العرفي يقتضي أن المشتري إنما بذل ماله بناء على أصالة
السلامة، فكأنها مشترطة في نفس العقد، فإذا اشترى عبدا مطلقا، اقتضى
سلامته من الخصاء والجب، فإن ظهر به أحدهما، كان له الرد عندنا - وبه
قال الشافعي (3) - لأن الغرض قد يتعلق بالفحولية غالبا، والفحل يصلح لما
لا يصلح له الخصي من الاستيلاد وغيره، وقد دخل المشتري في العقد
على ظن الفحولية؛ لأن الغالب سلامة الأعضاء، فإذا فات ما هو متعلق
الغرض، وجب ثبوت الرد وإن زادت قيمته باعتبار آخر.
مسألة 353: الزنا والسرقة عيبان في العبد والأمة عندنا - وبه قال
الشافعي (4) - لتأثيرهما في نقص القيمة وتعريضهما لإقامة الحد.

(1) المستدرك - للحاكم - 2: 9، مسند أحمد 4: 506 / 15406، و 635 -
636 / 16054، مشكل الآثار 2: 134.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 208، روضة الطالبين 3: 121.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 212، روضة الطالبين 3: 121.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 293، التنبيه في الفقه الشافعي: 95، الوسيط 3:
120، حلية العلماء 4: 270 - 271، الحاوي الكبير 5: 253، التهذيب - للبغوي -
3: 445، الوجيز 1: 142، العزيز شرح الوجيز 4: 212، روضة الطالبين 3:
121، منهاج الطالبين: 100، المغني 4: 263، الشرح الكبير 4: 95.
190

وقال أبو حنيفة: الزنا عيب في الإماء خاصة دون العبيد (1)؛ لأن
الجارية تفسد عليه فراشه. والسرقة تقتضي تفويت عضو منه فكان عيبا (2).
والجواب: إقامة الحد بالضرب يؤدي إلى تعطيل منافعه، وربما أدى
إلى إتلافه.
وكذا البحث إذا شرب العبد وسكر، كان عيبا؛ لأنه مستحق للحد،
وفيه تعريض للإتلاف.
ولو [ثبت] زنا العبد (3) عند الحاكم ولم يقم عليه الحد بعد، ثبت الرد
عنده (4).
واعلم أن الإباق من أفحش عيوب المماليك فينقص (5) المالية،
ولهذا لا يصح بيعه منفردا، لأنه في معرض التلف. ولأنه أبلغ في السرقة،
بل هو سرقة بنفسه في الحقيقة.
والإباق الذي يوجب الرد هو ما يحصل عند البائع وإن لم يأبق عند
المشتري. ولو تجدد في يد المشتري في الثلاث من غير تصرف،
فكذلك، وإلا فلا. والمرة الواحدة في الإباق تكفي في أبدية العيب،
كالوطئ في إبطال العنة.

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " العبد ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2) تحفة الفقهاء 2: 94، بدائع الصنائع 5: 274، الهداية - للمرغيناني - 3: 36،
الاختيار لتعليل المختار 2: 29، مختصر اختلاف العلماء 3: 156 / 1230،
التهذيب - للبغوي - 3: 445، حلية العلماء 4: 272، الحاوي الكبير 5: 253،
الوسيط 3: 120، العزيز شرح الوجيز 4: 212، المغني 4: 263، الشرح الكبير
4: 95.
(3) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " ولو زنى العبد ". وما أثبتناه من تصحيحنا.
(4) أي عند أبي حنيفة. انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 212.
(5) في " ق، ك ": " ينقص ". والظاهر: " ينقص به المالية ".
191

مسألة 354: البول في الفراش عيب في العبد والأمة إذا كانا كبيرين
- وبه قال الشافعي (1) - لأن ذلك خارج عن المجرى الطبيعي، وينقص به
المالية، فيثبت به الرد.
وأما إذا كانا صغيرين يبول مثلهما في الفراش، فإنه ليس بعيب؛
لجريان العادة به، فكان كالطبيعي.
وقال أبو حنيفة: ليس بول العبد الكبير في الفراش عيبا، أما بول الأمة
الكبيرة فإنه عيب ترد به الجارية؛ لأن ذلك يؤذي فراش السيد، بخلاف
العبد (2).
وليس بصحيح؛ لأن الغلام يفسد الثياب التي ينام فيها، فيكون ذلك
نقصا.
إذا عرفت هذا، فالضابط في الكبير والصغير العادة، ولا قدر له،
خلافا لبعض الشافعية حيث قدره بسبع سنين (3).
ولو كانا يبولان في اليقظة، فإن كان ذلك لضعف في المثانة أو
لسلس أو مرض، فإنه عيب إجماعا. وإن كان عن سلامة وإنما يفعلان ذلك
تعبثا، فليس بعيب، بل يؤدبان على فعله.
وأما الغائط فإن كانا يفعلانه في النوم، كان عيبا، إلا أن يكونا

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 293، الوجيز 1: 142، العزيز شرح الوجيز 4:
212، الوسيط 3: 120، حلية العلماء 4: 271، التهذيب - للبغوي - 3: 445،
روضة الطالبين 3: 122 - 123، منهاج الطالبين: 100.
(2) الوسيط 3: 120، التهذيب - للبغوي - 3: 445، حلية العلماء 4: 271، العزيز
شرح الوجيز 4: 213.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 445، العزيز شرح الوجيز 4: 212، روضة الطالبين 3:
123.
192

صغيرين تقضي العادة بصدوره عنهما، فإنه ليس بعيب.
مسألة 355: البخر عيب في العبد والأمة الصغيرين والكبيرين - وبه
قال الشافعي (1) - لأنه مؤذ عند المكالمة، وتنقص به القيمة.
وقال أبو حنيفة: إن ذلك عيب في الأمة دون العبد؛ لأنها تفسد عليه
فراشه، بخلاف العبد (2).
وليس بصحيح؛ فإن العبد قد يحتاج إلى أن يساره بحديث ويكالمه
فيؤذيه.
ولو كان البخر في فرج المرأة، كان له الرد؛ للتأذي به، وبه قال
الشافعي (3).
والبخر الذي يعد عيبا هو الذي يكون من تغير المعدة، دون ما يكون
لقلح (4) الأسنان، فإن ذلك يزول بتنظيف الفم.
وأما الصنان (5): فإن كان مستحكما يخالف العادة، فهو عيب في
العبد والأمة أيضا؛ لأنه مؤذ تنقص به القيمة المالية. وأما الذي يكون

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 293، التهذيب - للبغوي - 3: 445، الحاوي الكبير
5: 253، حلية العلماء 4: 270 - 271، الوسيط 3: 120، الوجيز 1: 142،
العزيز شرح الوجيز 4: 213، روضة الطالبين 3: 121، المغني 4: 263، الشرح
الكبير 4: 95.
(2) تحفة الفقهاء 2: 94، بدائع الصنائع 5: 274، الهداية - للمرغيناني - 3: 36،
الاختيار لتعليل المختار 2: 29، الوسيط 3: 120، حلية العلماء 4: 272،
التهذيب - للبغوي - 3: 445، الحاوي الكبير 5: 253، العزيز شرح الوجيز 4:
213.
(3) لم نعثر على قوله في مظانه مما بين أيدينا من المصادر.
(4) القلح: صفرة تعلو الأسنان. لسان العرب 2: 565 " قلح ".
(5) الصنان: ذفر الإبط وخبث الريح. لسان العرب 4: 306 - 307 " ذفر " و 13:
250 " صنن ".
193

لعارض من عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ فإنه ليس بعيب، وبه قال
الشافعي (1).
مسألة 356: من اشترى عبدا فوجده مخنثا أو ممكنا من نفسه، ثبت
له الخيار؛ لأنه ينقص المالية، ويثبت العار به على مالكه.
ولو وجده خنثى مشكلا أو غير مشكل، كان له الرد؛ لأن فيه زيادة
على المجرى الطبيعي، فكان كالإصبع الزائدة، وبه قال أكثر الشافعية (2).
وقال بعضهم: إن كان يبول من فرج الرجال، لم يرد (3). وليس
بصحيح.
ولو وجده غير مختون، فإن كان صغيرا، فلا خيار له؛ لقضاء العادة
به. وإن كان كبيرا، فله الخيار؛ لأنه يخاف عليه من ذلك، وبه قال
الشافعي (4).
وقال بعض أصحابه: لا رد (5).
وأما الجارية فلو كانت غير مختونة، لم يكن فيها خيار، صغيرة
كانت أو كبيرة؛ لأنه سليم فيها. ولأن الختان فيها غير واجب بل سنة،
بخلاف الذكر.
نعم، لو كان العبد الكبير مجلوبا من بلاد الشرك وعلم المشتري

(1) الوسيط 3: 120، العزيز شرح الوجيز 4: 213، روضة الطالبين 3: 122.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 444 - 445، الحاوي الكبير 5: 254، العزيز شرح
الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 123.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 123.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 293، التهذيب - للبغوي - 3: 445، العزيز شرح
الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 445، العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
194

جلبه، لم يكن له خيار قضاء للعادة.
مسألة 357: لو اشترى أمة فخرجت مزوجة، أو اشترى عبدا فبان له
زوجة، لم يكن له خيار في الرد ولا الأرش؛ لأنه ليس بعيب، وله الخيار
في إجازة النكاح وفسخه في طرف المرأة والرجل، سواء كانا عبدين أو
أحدهما، وسواء كانا لمالك واحد أو لمالكين. وحينئذ فلا وجه للرد؛ لأنه
إن رضي بالتزويج، فلا بحث. وإن لم يرض، كان له الفسخ، سواء حصل
دخول أو لا.
وقال الشافعي: يثبت له الخيار؛ لما فيه من نقص القيمة، لأنه ليس
له أن يطأ الأمة، فينقص تصرفه فيها، ويجب عليه نفقة الغلام، أو على
الغلام إن وجدها (1).
وهو ممنوع؛ لأن ذلك مبني على انتفاء خيار فسخه للنكاح، أما معه فلا.
وللشافعي قول آخر: إنه لا خيار له أيضا (2).
ولو ظهرت معتدة، فإن كان زمان العدة قصيرا جدا، فلا خيار له؛
لأنه لا يعد عيبا، ولا ينقص المالية ولا الانتفاع به.
وإن كان طويلا، احتمل ثبوت الخيار؛ لتفويت منفعة البضع هذه
المدة، فكان كالمبيع لو ظهر مستأجرا. ونفيه؛ لأن التزويج لا يعد عيبا،
فالعدة أولى.
ويحتمل أن يقال: إن استعقب فسخ التزويج عدة، كان التزويج عيبا،
وإلا فلا.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التهذيب - للبغوي - 3: 446، حلية العلماء 4:
266، الحاوي الكبير 5: 255، العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
(2) حلية العلماء 4: 266، العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
195

مسألة 358: لو اشترى أمة فوجد بينها وبينه ما يوجب التحريم،
كالرضاع والنسب وكونها موطوءة أبيه أو ابنه، لم يكن له الخيار - وبه قال
الشافعي (1) - لأن ذلك لا ينقص قيمتها، وإنما ذلك أمر يختص به،
ويخالف التزويج، عند الشافعي؛ لأنه يحرم به الاستمتاع على كل أحد،
فتنتقص بذلك قيمتها.
والعدة والإحرام كالتزويج يثبت به الرد عند الشافعي؛ لأن التحريم
فيه عام فيقلل الرغبات (2).
وقال بعض الشافعية: لا فرق بين التحريم المؤبد والإحرام والعدة (3).
ولو كانت صائمة، لم يكن له خيار الرد.
وللشافعية وجه آخر ضعيف (4).
ولو وجدها رتقاء أو مفضاة أو قرناء أو مستحاضة، فله الخيار؛ لأن
ذلك عيب، والاستحاضة مرض.
مسألة 359: لو وجد الجارية لا تحيض، فإن كانت صغيرة أو آيسة،
فلا رد؛ لقضاء العادة بذلك. ولأن المجرى الطبيعي على ذلك. وإن كانت
في سن من تحيض، فله الرد؛ لأن ذلك لا يكون إلا للخروج عن المجرى
الطبيعي. وكذا لو تباعد حيضها - وبه قال الشافعي (5) - لخروجه عن
المجرى الطبيعي.
ولقول الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن رجل اشترى جارية مدركة

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 447، الحاوي الكبير 5: 255، العزيز شرح الوجيز 4:
216، روضة الطالبين 3: 125.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 215 و 216، روضة الطالبين 3: 124 و 125.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 446، العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
196

فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل، قال: " إن كان
مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب ترد منه " (1).
مسألة 360: لو اشترى عبدا أو أمة فخرجا مرتدين، ثبت له الرد؛ لأنه
يوجب الإتلاف فكان أعظم العيوب، وبه قال الشافعي (2).
ولو خرجا كافرين أصليين، فلا رد فيهما معا، سواء كان ذلك الكفر
مانعا من الاستمتاع كالتمجس والتوثن، أو لم يكن كالتهود والتنصر - وبه
قال الشافعي (3) - لأن هذا نقص من جهة الدين، فلا يعد عيبا، كالفسق بما
لا يوجب حدا. ولأنه لا يؤثر في تقليل منافع العبد والجارية وتكثيرها،
فلا ينقص به المالية.
وقال أبو حنيفة: له الرد فيهما؛ لأن الكفر عيب؛ لقوله تعالى:
(ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) (4) (5).
وعدم الخيرية لا ينافي السلامة من العيوب.
ولبعض الشافعية قول: إنه لو وجد الجارية مجوسية أو وثنية، كان له
الرد؛ لنقص المنافع فيها؛ إذ لا يمكنه (6) الاستمتاع بها (7). وهو حسن.

(1) الكافي 5: 213 (باب من يشتري الرقيق...) الحديث 1، التهذيب 7:
65 / 281.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التهذيب - للبغوي - 3: 447، العزيز شرح
الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 294، حلية العلماء 4: 274، العزيز شرح الوجيز 4:
215، روضة الطالبين 3: 124، المغني 4: 264، الشرح الكبير 4: 96.
(4) البقرة: 221.
(5) تحفة الفقهاء 2: 95، بدائع الصنائع 5: 275، الهداية - للمرغيناني - 3: 36،
الاختيار لتعليل المختار 2: 29، المغني 4: 264، الشرح الكبير 4: 96.
(6) في الطبعة الحجرية: " لا يمكن ".
(7) التهذيب - للبغوي - 3: 447، العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
197

قال هذا: ولو وجد الأمة كتابية أو وجد العبد كافرا أي كفر كان،
فلا رد إن كان قريبا من بلاد الكفر بحيث لا تقل فيه الرغبات. وإن كان في
بلاد الإسلام حيث تقل الرغبات (1) في الكافر وتنقص قيمته، فله الرد (2).
والأول أقوى.
تذنيب: لو شرط إسلام العبد أو الأمة فبان كافرا، كان له الرد قطعا؛
لنقصانه عما شرط.
ولو شرط كفره فخرج مسلما، فالأقرب: أن له الرد - وهو أحد قولي
الشافعي (3) - لأن الراغب لبني الكفر أكثر، فإن المسلم والكافر معا يصح أن
يملكا الكافر، ولا يصح للكافر أن يملك المسلم، فحينئذ يستفيد المشتري
بهذا الشرط غرضا مقصودا عند العقلاء، فكان له الفسخ بعدمه، كغيره من
الشروط.
والقول الآخر للشافعي: إنه لا خيار له - وهو مذهب أبي حنيفة (4) -
لأن المسلم أفضل من الكافر (5).
مسألة 361: الأقوى عندي أنه لا يشترط رؤية شعر الجارية، بل يبنى
على العادة في سواده وبياضه دون غيره، فلو اشترى جارية ولم ير شعرها،
صح البيع؛ لأنه غير مقصود بالذات، فأشبه التابع في البيع. فإن كانت في

(1) في " ق، ك ": " الرغبة ".
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 447، العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التهذيب - للبغوي - 3: 447 - 448، حلية
العلماء 4: 273، العزيز شرح الوجيز 4: 206، روضة الطالبين 3: 120.
(4) الهداية - للمرغيناني - 3: 36، التهذيب - للبغوي - 3: 448، العزيز شرح
الوجيز 4: 206.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 448، العزيز شرح الوجيز 4: 206، روضة الطالبين 3: 120.
198

سن الكبر الذي يبيض الشعر فيه لو رآه أبيض أو أسود، فلا خيار له. وإن
كانت في سن أقل فوجده أبيض، كان له الخيار؛ لأنه نقص في اللون،
وخروج عما يقتضيه المزاج الطبيعي.
أما لو اشتراها بعد أن شاهد شعرها فوجده جعدا (1) ثم بعد ذلك صار
سبطا (2) وقد كان جعده بصنعة عملها، فلا خيار - وبه قال أبو حنيفة (3) -
لأصالة لزوم العقد، وكون هذا ليس عيبا.
وقال الشافعي: لا يصح الشراء حتى ينظر إلى شعرها؛ لأن الشعر
مقصود، ويختلف الثمن باختلافه، فإذا رآه جعدا ثم وجده سبطا، ثبت له
الخيار؛ لأنه تدليس يختلف الثمن باختلافه، فأشبه تسويد الشعر (4).
والفرق ظاهر.
قال أبو حنيفة: إن هذا تدليس بما ليس بعيب (5).
نعم، لو شرط كونها جعدة وكانت سبطة، كان له الخيار؛ تحقيقا
لفائدة الشرط.
وكذا لو أسلم في جارية جعدة فدفع إليه سبطة، لم يلزمه القبول؛
لأنه خلاف ما شرطه في السلم.
مسألة 362: إطلاق العقد في الأمة لا يقتضي البكارة ولا الثيوبة،
فلا يثبت الخيار بأحدهما مع الإطلاق.

(1) الجعد من الشعر خلاف السبط، أو القصير. لسان العرب 3: 121 " جعد ".
(2) شعر سبط: أي مسترسل غير جعد. الصحاح 3: 1129 " سبط ".
(3) الحاوي الكبير 5: 252، حلية العلماء 4: 233.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 285 و 449، العزيز شرح الوجيز 4: 58 و 207، المغني
4: 256، الشرح الكبير 4: 90.
(5) المغني 4: 256، الشرح الكبير 4: 90.
199

وقال بعض الشافعية: إلا أن تكون صغيرة وكان المعهود في مثلها
البكارة (1).
ولا بأس به عندي؛ لأن البكارة أمر مرغوب إليه، وإنما يبذل
المشتري المال بناء على بقائها على أصل الخلقة، فكان له الرد؛ قضاء
للعادة.
ولو شرط البكارة فكانت ثيبا، قال أصحابنا: إذا اشتراها على أنها بكر
فكانت ثيبا، لم يكن له الرد؛ لما رواه سماعة قال: سألته عن رجل باع
جارية على أنها بكر فلم يجدها على ذلك، قال: " لا ترد عليه، ولا يجب
عليه شيء، إنه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها " (2).
والأقوى عندي أنه إذا شرط البكارة فظهر أنها كانت ثيبا قبل
الإقباض، يكون له الرد أو الأرش، وهو نقص ما بينها بكرا وثيبا. وإن
تصرف، لم يكن له الرد، بل الأرش؛ لأنه شرط سائغ يرغب فيه العقلاء،
فكان لازما، فإذا فات، وجب أن يثبت له الخيار، كغيره.
وتحمل الرواية وفتوى الأصحاب على أنه اشتراها على ظاهر الحال
من شهادة الحال بالبكارة وغلبة ظنه من غير شرط. على أن الرواية
لم يسندها الراوي - وهو سماعة مع ضعفه - إلى إمام، وفي طريقها زرعة
وهو ضعيف أيضا.
وفي رواية يونس في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها
عذراء، قال: " يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق " (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
(2) التهذيب 7: 65 / 279، الاستبصار 3: 82 / 277.
(3) الكافي 5: 216 / 14، التهذيب 7: 64 / 278، الاستبصار 3: 82 / 278.
200

وهذه الرواية لم يسندها الراوي إلى إمام أيضا، وتحمل على ما إذا
شرط. وإيجاب الأرش لا ينافي التخيير بينه وبين الرد مع عدم التصرف،
ووجوبه عينا مع التصرف.
وقال الشافعي: إذا شرط البكارة فخرجت ثيبا، كان له الخيار (1). وهو
الذي اخترناه.
ولو شرط الثيوبة فخرجت بكرا، فالأقرب: أن له الخيار؛ لأنه ظهر
خلاف ما شرطه.
ويحتمل عدمه؛ لأن البكر أرفع قيمة وأفضل.
والثاني قول أكثر الشافعية، والأول قول أقلهم (2).
ولو ادعى الثيوبة قبل التصرف، لم يسمع؛ لجواز تجددها بعد
القبض؛ فإن البكارة قد تذهب بالطفرة والنزوة، وحمل الثقيل، والدودة.
أما لو ادعى حصولها قبل الإقباض وكان قد شرط البكارة، حكم
بشهادة أربع من النساء الثقاة.
مسألة 363: لو اشترى جارية فوجدها مغنية، لم يكن له الخيار - وبه
قال الشافعي (3) - لأن ذلك قد يكون طبيعيا. ولأنه لو كان صناعيا، لكان
بمنزلة تعلم صنعة حرام، وذلك ليس عيبا، بل هو زيادة في ثمنها من غير
نقصان في بدنها، كما لو كانت تعرف الخياطة.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التهذيب - للبغوي - 3: 448، الحاوي الكبير
5: 253، العزيز شرح الوجيز 4: 206، روضة الطالبين 3: 120.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التهذيب - للبغوي - 3: 448، الحاوي الكبير
5: 253، العزيز شرح الوجيز 4: 207، روضة الطالبين 3: 121.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 293، التهذيب - للبغوي - 3: 445، حلية العلماء 4:
272، الحاوي الكبير 5: 254، العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
201

وقال مالك: إنه يثبت له الخيار - نقله أصحاب الشافعي دون أصحاب
مالك - لأن الغناء حرام وهو ينقصها (1).
ونمنع النقص؛ فإن الغناء لهو ولعب وسخف، والحرام استعماله دون
معرفته بالطبع.
مسألة 364: لا خلاف في أن الجنون عيب يوجب الرد إلى سنة على
ما تقدم عندنا. ولو كان مخبلا أو أبله أو سفيها، ثبت له الرد.
ولا عبرة بالسهو السريع زواله إذا لم يعد عيبا.
أما الصرع: فإنه عيب، وكذا الجنون الآخذ أدوارا.
مسألة 365: الجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرن والفتق
والرتق والقرع والصمم والخرس عيوب إجماعا. وكذا أنواع المرض، سواء
استمر كما في الممراض أو كان عارضا ولو حمى يوم، والإصبع الزائدة،
والحول والحوص (2) والسبل - وهو زيادة في الأجفان - واستحقاق القتل في
الردة أو القصاص، والقطع بالسرقة أو الجناية، والاستسعاء في الدين
عيوب إجماعا، دون الصيام والإحرام والاعتداد، ومعرفة الغناء والنوح،
والعسر (3) على إشكال، ولا كونه ولد زنا ولا عدم المعرفة بالطبخ والخبز
وغيرهما.
وأما الشلل والبكم فإنهما عيبان. وكذا لو كان أرت (4) لا يفهم أو كان

(1) حلية العلماء 4: 272، الحاوي الكبير 5: 254، وكذا في المغني 4: 264،
والشرح الكبير 4: 96.
(2) الحوص - بالتحريك - ضيق في مؤخر العين. الصحاح 3: 1034 " حوص ".
(3) يقال: رجل أعسر بين العسر، للذي يعمل بيساره. الصحاح 2: 745 " عسر ".
(4) رجل أرت بين الأرت: الذي في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه
فلا يطاوعه لسانه. لسان العرب 2: 33 - 34 " رتت ".
202

فقد حاسة الذوق أو غيرها أو ناقص إصبع أو أنملة أو ظفر أو شعر أو زائد
سن أو فاقدها أو كونه ذا قروح أو ثآليل كثيرة أو بهق (1)، أو كون الحيوان
مريضا سواء المخوف وغيره، أو كونه أبيض الشعر في غير أوانه. ولا بأس
بحمرته.
وأما إذا كان نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات أو مقامرا أو تاركا
للصلاة أو شاربا للخمر: إشكال أقربه أنه ليست هذه عيوبا، وبه قال بعض
الشافعية (2).
مسألة 366: الحبل في الإماء عيب يوجب خيار الرد للمشتري؛
لاشتماله على تغرير بالنفس؛ لعدم يقين السلامة بالوضع، وبه قال
الشافعي (3).
أما في غير الإماء من الحيوانات: فإنه ليس بعيب ولا يوجب الرد،
بل ذلك زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل، كما هو مذهب الشيخ (4).
وقال بعض الشافعية: يرد به (5). وليس بشيء.
وكون الدابة جموحا (6) أو عضوضا أو رموحا (7) أو خشنة المشي
بحيث يخاف السقوط عيب، بخلاف كون الماء مشمسا، خلافا لبعض
الشافعية (8).

(1) البهق: بياض يعتري الجلد يخالف لونه، ليس من البرص. الصحاح 4: 1453
" بهق ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 123.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
(4) المبسوط - للطوسي - 2: 156.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124.
(6) جمح الفرس: إذا اعتز فارسه وغلبه. الصحاح 1: 360 " جمح ".
(7) هي التي تضرب برجلها. الصحاح 1: 367 " رمح ".
(8) العزيز شرح الوجيز 4: 215، روضة الطالبين 3: 124 - 125.
203

وكذا كون الرمل تحت الأرض إذا اريدت للبناء، والأحجار إن كانت
مما تطلب للزرع و [الغرس] (1) عيب، وبه قال الشافعي (2).
ولو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيء الأدب أو ولد
زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا، فلا رد. وترد الدابة بالزهادة.
وكون الأمة عقيما لا يوجب الرد؛ لعدم العلم بتحققه، فربما كان من
الزوج أو لعارض.
مسألة 367: لو كان العبد عنينا، كان للمشتري الرد؛ لأنه عيب. وترد
المرأة النكاح به، وهو قول بعض الشافعية (3).
وقال بعضهم: ليس بعيب (4). وهو غلط.
ولو كان ممن يعتق على المشتري، لم يرد به؛ لأنه ليس عيبا في حق
كل الناس، ولا تنقص ماليته عند غيره.
وكذا لو كان زوجا للمشترية أو زوجة له، وكون العبد مبيعا (5) في
جناية عمد وقد تاب عنها، فلا رد. ولو لم يتب، قال الشافعي: إنه
عيب (6).
والجناية خطأ ليست عيبا وإن كثر، خلافا للشافعي في الكثرة (7).
ومن العيوب كون المبيع نجسا ينقص بالغسل، أو لا يمكن تطهيره،
وكذا شرب البهيمة لبن نفسها، وبه قال الشافعي (8).
وروى الهيثم بن عبد العزيز عن شريح قال: أتى عليا (عليه السلام) خصمان،

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " والغرر ". والصحيح ما أثبتناه.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
(5) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " معيبا ". والظاهر ما أثبتناه.
(6 - 8) العزيز شرح الوجيز 4: 216، روضة الطالبين 3: 125.
204

فقال أحدهما: إن هذا باعني شاة تأكل الألبان (1)، فقال شريح: لبن طيب
بغير علف. قال: فلم يردها (2).
مسألة 368: لو اشترى شيئا ثم ظهر أن بائعه باعه وكالة أو وصاية أو
ولاية أو أمانة، ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال.
ومن العيوب: آثار الشجاج والقروح والكي وسواد الأسنان ونقص
بعض السن وزيادته وذهاب أشفار العين والكلف (3) المغير للبشرة وكون
إحدى الثديين في الجارية أكبر من الاخرى. وكذا طول إحدى اليدين في
الرجل والمرأة على الاخرى. وكذا طول إحدى الرجلين على الاخرى،
والحفر في الأسنان، وهو تراكم الوسخ الراسخ في اصولها.
والضابط أن الرد يثبت بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو
العين نقصا ما يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال
المبيع عدمه.
مسألة 369: لو كان المبيع حيوانا غير الأمة فحمل عند المشتري من
غير تصرف، لم يسقط الرد بالعيب السابق؛ لأن الحمل في غير الأمة
زيادة. وهذا الحمل للمشتري؛ لتجدده على ملكه. أما لو كانت حاملا
فولدت عنده ثم ردها، رد الولد أيضا.
ولو كان العبد كاتبا أو صانعا فنسيه عند المشتري، لم يكن له الرد
بالسابق؛ لتجدد عيب عنده.

(1) في المصدر: " الذبان " بدل " الألبان ".
(2) التهذيب 7: 75 / 322.
(3) الكلف: شيء يعلو الوجه كالسمسم. وكذا لون بين السواد والحمرة وهي حمرة
كدرة تعلو الوجه. الصحاح 4: 1423 " كلف ".
205

مسألة 370: لو باع الجاني خطأ، ضمن أقل الأمرين على رأي،
والأرش على رأي، وصح البيع إن كان موسرا، وإلا تخير المجني عليه.
وإن كان عمدا، وقف على إجازة المجني عليه، ويضمن الأقل من
الأرش والقيمة، لا الثمن معها، وللمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع
بالثمن أو الأرش، فإن استوعبت الجناية القيمة، فالأرش ثمنه أيضا، وإلا
فقدر الأرش، ولا يرجع لو كان عالما. وله أن يفديه كالمالك، ولا يرجع
به. ولو اقتص منه، فلا رد؛ للفرق بين كونه مستحقا للقطع وبين كونه
مقطوعا. فلو رده، رده معيبا، وله الأرش، وهو نسبة تفاوت ما بين كونه
جانيا وغير جان من الثمن.
وللشافعي قولان في صحة بيع الجاني: أحدهما: يصح، وبه قال
أبو حنيفة وأحمد. والثاني: لا يصح، وقد تقدما (1).
واختلفت الشافعية في موضع القولين على ثلاث طرق.
إحداها: أن القولين في العمد والخطأ.
والثانية: أنه في الخطأ، فأما جناية العمد فلا تمنع قولا واحدا؛ لأنها
ليست بمال وإنما تعلق القتل برقبته، فهو كالمرتد.
والثالثة: أن القولين في العمد، فأما جناية الخطأ فإنها تمنع البيع قولا
واحدا؛ لأنها آكد من الرهن، والرهن لا يباع قولا واحدا كذلك الجناية (2).
مسألة 371: كون الضيعة أو الدار منزل الجيوش عيب يثبت به الرد مع
جهل المشتري لا مع علمه؛ لأنه يقلل الرغبات، وتنقص المالية به، وبه

(1) في ج 10، ص 42 و 43، المسألة 23.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 294، التنبيه في الفقه الشافعي: 88، حلية العلماء 4:
278.
206

قال بعض الشافعية (1).
وقال بعضهم: إنما يكون كذلك إذا كان ما حواليها من الدور غير منزل
للجيوش، وإنما اختصت هذه الدار به، فأما إذا كان ما حواليها من الدور
بمثابتها، فلا رد به (2).
وكذا لو كانت الأرض أو البستان ثقيلة الخراج، فإنه عيب وإن كان
الخراج ظلما أو آخذه غير مستحق؛ لأنه ينقص المالية، وتتفاوت القيم
والرغبات.
والمراد بثقل الخراج أن يكون فوق المعتاد في أمثالها.
وقال بعض الشافعية: لا رد بثقل الخراج ولا بكونها منزل الجيوش؛
لأنه لا خلل في نفس المبيع (3).
وألحق بعض الشافعية بهاتين ما لو اشترى دارا وإلى جانبها قصار (4)
يؤذي بصوت الدق ويزعزع الأبنية، أو اشترى أرضا فوجد بقربها خنازير
تفسد الزرع (5).
وليس هذا عندي شيئا.
ولو اشترى أرضا يتوهم أنه لا خراج عليها فظهر خلافه، قال بعض
الشافعية: إن لم يكن على مثلها خراج، فله الرد. وإن كان، فلا رد (6).
والوجه عندي: عدم الرد ما لم يشترط عدم الخراج.

(1 و 2) التهذيب - للبغوي - 3: 446، العزيز شرح الوجيز 4: 213، روضة الطالبين
3: 122.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 213، روضة الطالبين 3: 122.
(4) في الطبعة الحجرية: " قصارا " بالنصب. ولعل في العبارة سقطت كلمة " وجد " كما
يؤيده سياق العبارة اللاحقة لها، فتكون العبارة هكذا: " ما لو اشترى دارا ووجد إلى
جانبها قصارا ".
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 213، روضة الطالبين 3: 122.
207

المطلب الثاني: في التدليس.
التدليس بكل ما يختلف الثمن بسببه يثبت به الخيار بين الفسخ والإمضاء
مع عدم التصرف، ومعه لا شيء؛ إذ ليس بعيب، ولا يثبت (1) به الأرش،
وذلك مثل تحمير الوجه ووصل الشعر وأشباه ذلك من طلاء الوجه بالأبيض
بحيث يستر السمرة، والتصرية في الأنعام.
ولو مات العبد المدلس أو الأمة المدلسة أو الشاة المصراة،
فلا شيء؛ إذ لا عيب. وكذا لو تعيب عنده قبل علمه بالتدليس أو بعده قبل
الرد.
ولو بيض وجهها بالطلاء ثم اسمر أو احمر خديها (2) ثم اصفر، قال
الشيخ: لا يكون له الخيار؛ لعدم الدليل عليه (3).
وقال الشافعي: يثبت الخيار (4). وهو أقرب.
وكل ما يشترطه المشتري من الصفات المقصودة مما لا يعد فقده
عيبا يثبت الخيار عند عدمه، كاشتراط الإسلام أو البكارة أو الجعودة في
الشعر والزجج (5) في الحواجب أو معرفة الصنعة أو كونها ذات لبن أو كون
الفهد صيودا.
ولو شرط ما ليس بمقصود وظهر (6) الخلاف، فلا خيار، كما لو

(1) في " ق، ك ": " فلا يثبت ".
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " خديه ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) الخلاف 3: 111، المسألة 183.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 290، التهذيب - للبغوي - 3: 468.
(5) الزجج: دقة الحاجبين وطولهما. الصحاح 1: 319، لسان العرب 2: 287 " زجج ".
(6) في " ق، ك ": " فظهر ".
208

شرط السبط أو الجهل.
ولو شرط الحلب كل يوم شيئا معلوما أو طحن الدابة قدرا معينا،
لم يصح. ولو شرطها حاملا، صح. وإن شرطها حائلا فظهر حملها، فإن
كانت أمة، تخير. وفي الدابة إشكال من حيث الزيادة والعجز عن حمل ما
يحتاج إليه.
المطلب الثالث: في اللواحق.
مسألة 372: لو ادعى البائع التبري من العيوب وأنكر المشتري، قدم
قول المشتري مع اليمين وعدم البينة؛ لأن الإنكار مقدم، لاعتضاده بالأصل،
فحينئذ يسترد الثمن، ويدفع المبيع إلى بائعه إن لم يتصرف إن شاء، وإن
شاء أخذ الأرش. وإن كان قد تصرف، فله الأرش خاصة.
مسألة 373: لو اختلفا في قدم العيب عند البائع وحدوثه عند المشتري
فيدعي البائع بعد ظهوره حدوثه عند المشتري ويدعي المشتري سبقه على
العقد أو القبض، فإن أمكن الاستعلام من شاهد الحال، عول عليه، وذلك
بأن يكون العيب - مثلا - إصبعا زائدة أو جراحة مندملة وزمان الابتياع يسير
لا يمكن تجدد هذه الأشياء بعده، قدم قول المشتري؛ عملا بشاهد الحال،
ولا حاجة هنا إلى اليمين؛ للعلم بصدقه.
وإن كان العيب مما لا يمكن قدمه، مثل أن يشتريه منذ عشر سنين
مثلا، ويظهر قطع اليد مع طراوة الدم أو جرح معه، فإنه يقدم قول البائع من
غير يمين أيضا؛ للعلم بصدقه.
وإن احتمل الأمران كالحرق والجرح الذي يمكن تجدده عند كل
منهما بحيث لا يمضي زمان يتيقن البرء فيه قبل العقد ولا يقصر الزمان
209

- المتخلل بين العقد وظهوره - عنه، فإن كان هناك بينة تشهد لأحدهما،
حكم له بها. وإن لم يكن هناك بينة تشهد بشيء، قدم قول البائع مع
يمينه؛ لأصالة السلامة في المبيع حالة العقد، وأصالة صحة العقد ولزومه،
وعدم تطرق التزلزل بالخيار إليه، فكان الظاهر معه.
ولو أقاما بينة، حكم لبينة المشتري؛ لأن القول قول البائع؛ لأنه منكر
والبينة (1) على المشتري. وإذا توجهت اليمين على البائع لعدم البينة، فإن
حلف، قضي له بالثمن ولزوم العقد. وإن نكل، فهل يقضى بمجرد نكوله،
أو يفتقر إلى يمين الخصم؟ الأقوى: الثاني.
وإذا حلف البائع، كيف يحلف؟
إن كان قال في جواب المشتري - لما ادعى أن بالمبيع عيبا كان قبل
البيع أو قبل القبض وأراد الرد -: ليس علي الرد بالعيب الذي يذكره، أو:
لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك، ولا يكلف التعرض لعدم العيب يوم
البيع ولا يوم القبض؛ لجواز أن يكون قد أقبضه معيبا والمشتري عالم به،
أو رضي به بعد البيع [لأنه] (2) لو نطق به لصار مدعيا وطولب بالبينة وليس
له بينة حاضرة.
وإن قال في الجواب: ما بعته إلا سليما أو ما أقبضته إلا سليما، فهل
يلزمه الحلف كذلك، أو يكفيه الاقتصار على أنه لا يستحق الرد أو:
لا يلزمني قبوله؟ لعلمائنا قولان:
أحدهما: أنه يكفيه الجواب المطلق، كما لو اقتصر عليه.
والثاني: أنه يلزمه التعرض، كما تعرض له في الجواب لتكون اليمين

(1) في " ق، ك " " فالبينة ".
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
210

مطابقة للجواب. ولو كان له غرض في الاقتصار على الجواب المطلق،
اقتصر عليه في الجواب.
وللشافعية (1) كالقولين.
وهذا يتأتى في جميع الدعاوي، كما لو ادعى أنه غصبه ثوبا معينا،
فأجاب بأنه لا يستحق عندي شيئا، سمع منه.
ولو قال: ما غصبته، فإن حلف عليه، صح. وإن حلف على عدم
الاستحقاق، فالوجهان.
وإذا حلف البائع فإنما يحلف على القطع والبت، فيقول: بعته
ولا عيب به، ولا يحلف على نفي العلم فيقول مثلا: بعته ولا أعلم به عيبا.
ويجوز الحلف هنا على القطع إذا كان قد اختبره حال العقد واطلع
على خفايا أمره، كما يجوز أن يشهد بالإعسار وعدالة الشاهد
وغيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار الظاهر. وعند عدم الاختبار (2) يجوز
الاعتماد على ظاهر السلامة إذا لم يعرف ولا ظن خلافه، قال به بعض
الشافعية (3).
وعندي فيه نظر أقربه: الاكتفاء باليمين على نفي العلم.
مسألة 374: لو ادعى المشتري أن بالمبيع عيبا، وأنكره البائع، فالقول
قوله؛ لأن الأصل دوام العقد والسلامة. ولو اختلفا في وصف من الأوصاف

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 274، روضة الطالبين 3: 148 - 149.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " الاعتبار " بدل " الاختبار " وما أثبتناه من " العزيز
شرح الوجيز " و " روضة الطالبين ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 275، روضة الطالبين 3: 149.
211

هل هو عيب أم لا؟ قدم قول البائع مع يمينه إذا لم يعرف الحال من الغير.
ولو قال واحد من أهل العلم به: إنه عيب يثبت الرد، لم يعتد به، بل
لا بد من اثنين عدلين.
وللشافعية قولان، أحدهما: أنه يكفي الواحد (1).
ولو ادعى البائع علم المشتري بالعيب أو تقصيره في الرد،
فالقول قول المشتري؛ لأصالة عدم العلم وعدم التقصير، وبه قال
الشافعي (2).
مسألة 375: لو كان معيبا عند البائع ثم زال العيب بعد البيع ثم قبضه
وقد زال عيبه، فلا رد لعدم موجبه. وسبق العيب لا يوجب خيارا، كما لو
سبق على العقد وزال قبله، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد،
سقط حق الرد.
ولو قبض بعض المبيع ثم حدث في الباقي عيب عند البائع قبل
قبضه، فهو من ضمان البائع؛ لأنه ضامن للجميع فالبعض أولى، فيثبت
للمشتري الخيار بين الأرش وبين رد الجميع، وليس له رد المعيب خاصة؛
لأن في ذلك تشقيصا، وهو عيب.
مسألة 376: لو باع الوكيل فوجد المشتري به عيبا يوجب الرد، رده
على الموكل؛ لأنه المالك والوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما امر به،
فلا عهدة عليه.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 458، العزيز شرح الوجيز 4: 275، روضة الطالبين 3:
149.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 275، روضة الطالبين 3: 149.
212

ولو تناكر الموكل والمشتري في قدم العيب وحدوثه، لم يقبل إقرار
الوكيل على موكله بقدم العيب مع إمكان حدوثه، فإن رده المشتري على
الوكيل لجهله بالوكالة، لم يملك الوكيل رده على الموكل؛ لبراءته باليمين.
ولو أنكر الوكيل، حلف، فإن نكل فرد عليه، احتمل عدم رده على
الموكل؛ لإجرائه مجرى الإقرار. وثبوته؛ لرجوعه قهرا، كما لو رجع
بالبينة.
مسألة 377: لو رد المشتري السلعة لعيب، فأنكر البائع أنها سلعته،
قدم قوله مع اليمين وعدم البينة؛ لأصالة براءة ذمته من المطالبات. ولو ردها
المشتري بخيار، فأنكر البائع أنها سلعته، احتمل المساواة؛ عملا بأصالة
البراءة. وتقديم قول المشتري مع اليمين وعدم البينة؛ لاتفاقهما على
استحقاق الفسخ، بخلاف العيب.
* * *
213

المقصد الرابع: في بقايا تقاسيم البيع.
وفيه فصلان:
الفصل الأول: في المرابحة وتوابعها.
البيع ينقسم باعتبار ذكر الثمن وعدمه إلى أقسام أربعة؛ لأن البائع إما
أن لا يذكر الثمن الذي اشتراه به، وهو المساومة. وإما أن يذكره، فإما أن
يزيد عليه، وهو المرابحة، أو ينقص منه، وهو المواضعة، أو يطلب
المساوي، وهو التولية.
وباعتبار التأخير والتقديم في أحد العوضين إلى أربعة أقسام: بيع
الحاضر بالحاضر، وهو النقد. وبيع المؤجل بالمؤجل، وهو بيع الكالئ
بالكالئ، وبيع الحاضر بالثمن المؤجل، وهو بيع النسيئة. وبيع المؤجل
بالثمن الحاضر، وهو السلف، فلنشرع في مسائل الفصل الأول بعون الله
تعالى ثم نتبعه بمسائل الفصل الثاني بتوفيقه تعالى.
وفي الفصل الأول بحثان:
الأول: في المرابحة.
مسألة 378: الأقسام الأربعة - وهي المساومة والمواضعة والمرابحة
والتولية - جائزة عندنا إجماعا؛ إذ لا يجب على البائع ذكر رأس ماله، بل له
أن يبيع بأزيد مما اشتراه أضعافا مضاعفة، أو أقل، ولا نعلم فيه خلافا.
وأما بيع المرابحة: فإن نسب الربح إلى المال، كان مكروها ليس
215

باطلا عند علمائنا، وذلك بأن يقول: شريت هذه السلعة بمائة وبعتكها
بمائة وربح كل عشرة درهم، فيكون الثمن مائة وعشرة دراهم. وهذا هو
المشهور عند الجمهور.
وبيع المرابحة - أعني نسبة الربح إلى الثمن - هو (1) جائز على كراهية
- وهو مروي عن عبد الله بن عباس وابن عمر (2) - لأنه قد لا يعلم قدر الثمن
حالة العقد، ويحتاج في معرفته إلى الحساب.
ولأن العلاء سأل الصادق (عليه السلام) في الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول:
[أبيعك] (3) ب‍ " ده دوازده " أو " ده يازده " فقال: " لا بأس إنما هذه المراوضة،
فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة " (4).
وقال الصادق (عليه السلام): " إني أكره بيع عشرة أحد عشر، وعشرة اثنا
عشر، ونحو ذلك من البيع، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة " وقال: " أتاني
متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي، فبعته مساومة " (5).
وقال الصادق (عليه السلام): " إني أكره بيع ده يازده وده دوازده، ولكن أبيعك
بكذا وكذا " (6) لما فيه من مشابهة الربا.
وإنما قلنا بانتفاء التحريم؛ لما تقدم، وبالأصل، وبقول علي بن
سعيد: سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل يبتاع ثوبا يطلب منه مرابحة، ترى ببيع

(1) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " وهو ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2) حلية العلماء 4: 290، الحاوي الكبير 5: 279، الكافي في فقه الإمام أحمد 2:
54، المغني 4: 280، الشرح الكبير 4: 111.
(3) ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر.
(4) التهذيب 7: 54 / 235.
(5) الكافي 5: 197 / 4، التهذيب 7: 54 - 55 / 236.
(6) الكافي 5: 197 / 3، التهذيب 7: 55 / 237.
216

المرابحة بأسا إذا صدق في المرابحة وسمى ربحا دانقين أو نصف درهم؟
فقال: " لا بأس " (1).
وقال إسحاق بن راهويه: هذا البيع لا يجوز؛ لأن الثمن مجهول حالة
العقد، فلا يجوز، كما لو باعه بما يخرج به الحساب (2).
وهو ممنوع؛ فإن رأس المال معلوم، والربح معلوم، فوجب أن
يجوز، كما لو قال: بعتك بمائة وربح عشرة دراهم.
وقوله ينتقض بما إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، وهي
مجهولة، فإنه يجوز عنده (3) لما كانت مجهولة الجملة معلومة عند
التفصيل، بخلاف ما يخرج به الحساب؛ لأنه مجهول في الجملة والتفصيل
معا.
وقال عامة الفقهاء: إنه ليس بمكروه؛ للعلم برأس المال وقدر الربح،
فكان جائزا (4).
والجواز لا ينافي الكراهية.
وحملوا ما روي (5) عن ابن عباس وابن عمر بأن الكراهية لما فيه من
أداء الأمانة وتحملها.

(1) التهذيب 7: 55 / 238.
(2) حلية العلماء 4: 290، الحاوي الكبير 5: 279، المغني 4: 280، الشرح الكبير
4: 112.
(3) انظر: المغني 4: 280، والشرح الكبير 4: 112، والحاوي الكبير 5: 279.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 295، التهذيب - للبغوي - 3: 480، الحاوي الكبير
5: 279، حلية العلماء 4: 290، العزيز شرح الوجيز 4: 319، روضة الطالبين
3: 185، الهداية - للمرغيناني - 3: 56، الكافي في فقه أهل المدينة: 344،
الكافي في فقه الإمام أحمد 2: 54، المغني 4: 280، الشرح الكبير 4: 111.
(5) في الطبعة الحجرية: " رووا " بدل " روي ".
217

مسألة 379: تزول الكراهة بنسبة الربح إلى السلعة بأن يقول: هذه
السلعة علي بعشرة وبعتكها بأحد عشر أو اثني عشر، فإنه جائز إجماعا؛ لما
تقدم من الأخبار، وزوال مقتضي الكراهة من تطرق الجهل ومن مشابهة
الربا.
إذا ثبت هذا، فلا بد وأن يخبر برأس المال، أو يكون معلوما عند
المشتري، فلو قال: بعتك بما اشتريته وربح عشرة، وكان المشتري جاهلا
بالثمن، بطل البيع إجماعا منا؛ لما فيه من الجهالة بالعوض، فكان باطلا،
كبيع غير المرابحة. وكذا لو كان البائع جاهلا برأس المال والمشتري عالم
به، أو كانا جاهلين، وهو أصح وجهي الشافعية (1).
فعلى ما قلناه من البطلان لو ازيلت الجهالة في مجلس العقد،
لم ينقلب العقد صحيحا؛ لفوات شرط الصحة في صلبه، وهو أصح وجهي
الشافعية. والثاني: أنه ينقلب صحيحا، وبه قال أبو حنيفة (2).
والثاني - وهو أن يكون أحدهما جاهلا بالقيمة - للشافعي: أنه يصح
البيع؛ لأن الثمن فيه مبني على الثمن في العقد الأول، والرجوع إليه سهل،
فصار كالشفيع يطلب الشفعة قبل الإحاطة بمبلغ الثمن يجوز؛ لسهولة
معرفته (3).
ويمنع حكم الأصل، وينتقض بما لو قال: بعتك بشيء، ثم بينه بعد
العقد في المجلس.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 321، روضة الطالبين 3: 187.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 321، روضة الطالبين 3: 187 - 188.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 321، روضة الطالبين 3: 188.
218

وعلى تقدير الصحة عندهم ففي اشتراط إزالة الجهالة في المجلس
وجهان (1).
ولو كان الثمن دراهم معينة غير معلومة الوزن، فالأقرب: المنع من
بيعه مرابحة؛ لجهالة الثمن، كغير المرابحة، وهو أصح وجهي الشافعية.
وفي الثاني: يجوز (2) وليس بشيء.
ولو جمع بين المكروه وغيره، لم تزل الكراهة، وكان العقد صحيحا،
مثل أن يقول: اشتريته بمائة وقد بعتكه بمائتين وربح كل عشرة درهم،
فيكون الثمن مائتين وعشرين.
مسألة 380: ولبيع المرابحة عبارات أكثرها دورانا على الألسنة ثلاثة:
أ - بعتك بما اشتريت، أو: بما بذلت من الثمن وربح كذا.
ب - بعتك بما قام علي وربح كذا، أو: بما هو علي وربح كذا.
ج - بعتك برأس المال وربح كذا.
فإذا قال بالصيغة الاولى، لم يدخل فيه إلا الثمن خاصة. وإذا قال
بالثانية، دخل فيه الثمن وما غرمه من اجرة الدلال والكيال والحمال
والحارس والقصار والرفاء والصباغ والخياط وقيمة الصبغ واجرة الختان
وتطيين الدار وسائر المؤن التي تلزم للاسترباح، واجرة البيت الذي يحفظ
فيه المتاع؛ لأن التربص ركن في التجارة وانتظار الأرزاق.
وأما المؤن التي يقصد بها استبقاء الملك دون الاسترباح - كنفقة العبد
وكسوته وعلف الدابة - فلا تدخل فيه، ويقع ذلك مقابلة المنافع والفوائد
المستوفاة من المبيع، وهو أشهر وجهي الشافعية (3). ولهم آخر: أنها

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 321، روضة الطالبين 3: 188.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 482، العزيز شرح الوجيز 4: 320، روضة الطالبين 3: 187.
219

تدخل (1).
أما العلف الزائد على المعتاد، المتخذ للتسمين فإنه يدخل.
وأما اجرة الطبيب إن كان مريضا (2) فكاجرة القصار، ونحوها، فإن
قيمته تزيد بزوال المرض، فإن حدث المرض في يده، فهي كالنفقة.
وأما مؤونة السائس فالأظهر إلحاقها بالعلف، وكذا قول الشافعية (3).
ولو قصر الثوب بنفسه أو كال أو حمل أو طين الدار بنفسه،
لم تدخل الاجرة فيه؛ لأن السلعة لا تعد قائمة عليه إلا بما بذل. وكذا لو
تطوع متطوع بالعمل.
ولو كان بيت الحفظ ملكه أو تطوع بإعارة البيت متطوع، لم يضف
الاجرة. فإن أراد استدراك ذلك، قال: اشتريته، أو: قام علي بكذا وعملت
فيه، أو: تطوع علي متطوع بما اجرته كذا وقد بعتك بهما وربح كذا.
وأما العبارة الثالثة: فالظاهر أنها بمنزلة الاولى. فإذا قال: رأس مالي
كذا، فهو بمنزلة: اشتريته بكذا؛ لأنه المتبادر إلى الفهم من رأس المال،
فيكون حقيقة فيه، وهو الأظهر من مذهب الشافعي (4).
وقال بعض أصحابه: إنه كالعبارة الثانية وهو " بما قام علي " (5).
وهل يدخل المكس (6) - الذي يأخذه السلطان - في لفظة القيام،

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 482، العزيز شرح الوجيز 4: 320، روضة الطالبين 3:
187.
(2) أي: إن كان المشترى عبدا مريضا.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 320، روضة الطالبين 3: 187.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 320، روضة الطالبين 3: 187.
(6) المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس، وهو العشار. وأصله الجباية. لسان
العرب 6: 220 " مكس ".
220

والفداء الذي يدفعه المولى في جناية العبد؟ إشكال، أقربه: عدم دخول
الفداء، ودخول المكس؛ لأنه من جملة المؤن.
وللشافعية وجهان فيهما (1).
ولو استرد المغصوب بشيء دفعه إلى الغاصب أو غيره ممن يساعده
على رده، لم يدخل.
وهذه العبارات الثلاثة تجري في المحاطة جريانها في المرابحة.
مسألة 381: والمرابحة نوع من البيع، فإيجابه كإيجابه، ويزيد: ضمه
الربح والإخبار بالثمن. ويجب العلم به قدرا وجنسا وبقدر الربح وجنسه،
فلو أبهم شيئا من ذلك، بطل؛ لتطرق الجهالة في أحد العوضين، فلو قال:
بعتك بما اشتريت وربح كذا، ولم يعلما أو أحدهما قدر الثمن، بطل.
وكذا لو عينا الثمن وجهلا الربح، مثل أن يقول: الثمن عشرة وقد
بعتك بعشرة ومهما شئت من الربح.
ويجب أيضا ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف.
وإذا كان المبيع لم يتغير ألبتة، صح أن يقول: اشتريته بكذا، أو: هو
علي، أو: ابتعته، أو: تقوم علي، أو: رأس مالي.
ولو عمل فيه ما له زيادة عوض، قال: اشتريته بكذا وعملت فيه
بكذا.
ولو استأجر في ذلك العمل، صح أن يقول: تقوم علي، ويضم
الاجرة وكل ما يلزمه من قصار وصباغ وغير ذلك مما تقدم مع علمه بقدر
ذلك كله.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 320، روضة الطالبين 3: 187.
221

مسألة 382: بيع المرابحة مبني على الأمانة؛ لاعتماد المشتري بنظر
البائع واستقصائه وما رضيه لنفسه، فيرضى المشتري بما رضيه البائع من
زيادة يبذلها، فيجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في الإخبار عما
اشترى به وعما قام به عليه إن باع بلفظ القيام، فلو اشترى بمائة ثم خرج
عن ملكه ثم اشتراه بخمسين، فرأس ماله خمسون، ولا يجوز ضم الثمن
الأول إليه.
ولو اشتراه بمائة وباعه بخمسين ثم اشتراه ثانيا بمائة، فرأس ماله
مائة، ولا يجوز أن يخبر بمائة وخمسين لأجل خسرانه الخمسين.
ولو اشتراه بمائة وباعه بمائة وخمسين ثم اشتراه بمائة، فإن أراد بيعه
مرابحة بلفظ رأس المال، أو بلفظ " ما اشتريت " أخبر بمائة. ولا يلزمه أن
يحط عنه ربح البيع الأول، كما لم يجز في الصورة الاولى ضم الخسران إلى
المائة - وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي (1) - لأن الثمن الذي يخبر به
هو الذي يلي بيع المرابحة، والذي يلي بيع المرابحة مائة، فجاز أن يخبر
بها، كما لو لم يربح فيها.
وقال أبو حنيفة وأحمد: يجب أن يحط ربح البيع الأول فيمن يخبر،
فيضم أحد العقدين إلى الآخر؛ لأن المرابحة تضم فيها العقود، فيخبر بما
يقوم عليه، كما تضم اجرة الخياط والقصار، فيخبر بما يقوم عليه، وقد
استفاد بهذا العقد الثاني تقرير الربح في العقد الأول؛ لأنه أمن به أن يرد
عليه بعيب، فلا ينقل بعض ما استفاد للعقد بجميع الثمن (2).

(1) بدائع الصنائع 5: 224، المغني 4: 284، الشرح الكبير 4: 116، التهذيب
- للبغوي - 3: 483، الحاوي الكبير 5: 281، حلية العلماء 4: 296، العزيز
شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 188.
(2) بدائع الصنائع 5: 224، المغني 4: 284، الشرح الكبير 4: 116 - 117،
الحاوي الكبير 5: 281 - 282، حلية العلماء 4: 296، العزيز شرح الوجيز 4:
322.
222

والفرق ظاهر؛ فإن الذمة لزمته في هذا البيع الذي يلي بيع المرابحة.
وتقرير الربح في الأول ليس بصحيح؛ لأن العقد الأول قد لزم ولم يظهر فيه
عيب، فلا يتعلق به حكم.
وإن باعه بلفظ " قام علي " فكذلك عندنا؛ لأن الإخبار إنما هو بالثمن
الأخير الذي يلي عقد المرابحة، والملك الأخير إنما قام عليه بمائة.
وللشافعية وجهان، أصحهما عندهم: ما قلناه. والثاني: أنه لا يخبر
إلا بخمسين، فإن أهل العرف يعدون السلعة - والحال هذه - قائمة عليه
بذلك (1).
مسألة 383: يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقصان حالا ومؤجلا
بعد القبض وقبله، إلا أن يكون موزونا أو مكيلا، فلا يجوز قبل القبض
مطلقا على رأي، ويكره على رأي، ويمنع في الطعام خاصة على رأي،
وقد سبق (2).
إذا تقرر هذا، فإذا باع شيئا وشرط الابتياع حال البيع، لم يجز؛
لاستلزامه الدور، ويجوز لو كان ذلك من قصدهما ولم يذكراه لفظا في
العقد، فإذا باع غلامه أو صاحبه أو ولده سلعة ثم اشتراها بزيادة من غير
شرط الابتياع، جاز. وإن قصد بذلك الإخبار بالزائد، كره.
وكذا يكره أن يواطئ وكيله فيبيع ما اشتراه منه ثم يشتريه بأكثر ليخبر
به في المرابحة؛ لأصالة صحة العقد، وهو قول أكثر الشافعية (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 188.
(2) في ج 10 ص 119 وما بعدها، المسألة 66.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 188.
223

وقال بعضهم: لا يجوز، ويثبت للمشتري الخيار؛ لأنه تدليس، وهو
محرم في الشرع، فإذا ظهر له ذلك، ثبت له الخيار (1).
وليس بجيد؛ لأصالة اللزوم والصحة، والتدليس ممنوع إذا لم يخبر
إلا بالواقع.
نعم، استعمل حيلة شرعية؛ لأن للإنسان نقل ملكه عنه وشراءه له.
مسألة 384: إذا اشترى شيئا من ولده أو أبيه، جاز أن يبيعه مرابحة
ويخبر بثمنه - وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد (2) - لأنه أخبر بما
اشتراه به عقدا صحيحا، فوجب أن يجوز، كما لو اشتراه من الأجانب.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز ذلك حتى يبين؛ لأن هؤلاء لا يثبت
لهم بشهادته كما لا يثبت لنفسه بقوله، فصار الشراء منهم كالشراء من
نفسه. ولأنه يحابيهم، فهم كعبده ومكاتبه (3).
ورد الشهادة ممنوع عندنا. ولو سلمنا، فإن هذا لا يشبه رد الشهادة؛
لأنه لم تقبل شهادته لهم للتهمة بتفضيلهم على الأجانب. والشراء لنفسه منه
لا تهمة فيه؛ لأن حظ نفسه عنده أوفر، فلا يتهم في ذلك، فجرى مجرى
الشهادة عليهم. وأما المكاتب فممنوع. وإن سلم، فإنه غير متميز من
ملكه، بخلاف الأب والابن.
مسألة 385: إذا حط البائع من الثمن بعد انقضاء العقد، جاز أن يخبر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 189.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 485، حلية العلماء 4: 297، العزيز شرح الوجيز 4:
324، روضة الطالبين 3: 190 - 191، بدائع الصنائع 5: 225، المغني 4:
283، الشرح الكبير 4: 114.
(3) بدائع الصنائع 5: 225، المغني 4: 283، الشرح الكبير 4: 114، الكافي في
فقه الإمام أحمد 2: 56، حلية العلماء 4: 297، العزيز شرح الوجيز 4: 324.
224

المشتري بالأصل، فلو اشتراه بمائة ثم حط البائع عنه عشرة، أخبر بالمائة،
سواء كان الحط في زمن الخيار لهما أو لأحدهما، أو لا في زمن الخيار،
وكذا الزيادة؛ لأن الذي وجب بالبيع إنما هو أصل الثمن، وعروض السقوط
بالإبراء لا يخرجه عن كونه من الثمن، والإخبار إنما هو بالثمن.
وقال الشافعي (1): إن كان الحط قبل استقرار العقد مثل أن يكون في
المجلس أو مدة الخيار، فإنه يلحق بالعقد، ويخبر بما بعد الحط. وإن كان
بعد لزوم العقد، لم يلحق بالعقد. وكذا الزيادة قبل الحط.
وقال أبو حنيفة: يلحق بالعقد (2).
ولو حط بعض الثمن بعد لزوم العقد وباع بلفظ " ما اشتريت "
لم يلزمه حط المحطوط، وبه قال الشافعي (3)، خلافا لأبي حنيفة (4).
وإن باعه بلفظ " قام علي " لم يخبر إلا بالباقي.
فإن حط الكل، لم يجز بيعه مرابحة بلفظ " قام ".
ولو حط عنه بعض الثمن بعد جريان المرابحة، لم يلحق الحط
المشتري، وبه قال بعض الشافعية (5).
وقال بعضهم: يلحق (6).
مسألة 386: لو اشترى عبدا بثوب قيمته عشرون وأراد بيعه مرابحة

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 296، حلية العلماء 4: 292 - 293، الحاوي الكبير
5: 281، المغني 4: 281.
(2) بدائع الصنائع 5: 222، حلية العلماء 4: 293، الحاوي الكبير 5: 281،
المغني 4: 281.
(3) حلية العلماء 4: 293، العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 189.
(4) بدائع الصنائع 5: 222، حلية العلماء 4: 293، العزيز شرح الوجيز 4: 322.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 189.
225

بلفظ الشراء أو بلفظ القيام، ذكر أنه اشتراه بثوب قيمته كذا، ولا يقتصر على
ذكر القيمة؛ لأن البائع بالثوب يشدد أكثر ما يشدد البائع بالنقد.
ولو كان قد اشترى الثوب بعشرين ثم اشترى به العبد، جاز أن
يقول: " قام علي بعشرين " ولا يقول: اشتريته بعشرين.
مسألة 387: لو اشتراه بدين له على البائع، لم يجب الإخبار عنه،
سواء كان مليا أو لا، مماطلا أو لا، قصد التخلص من الغريم بالتسامح أو
لا.
وقال الشافعي: إن كان مليا غير مماطل، لم يجب الإخبار عنه. وإن
كان مماطلا، وجب الإخبار عنه؛ لأنه يشتري من مثله بالزيادة للتخلص من
التقاضي (1). وليس بشيء.
وكذا لو سامح البائع بزيادة الثمن إما لغرض أو لا لغرض، لم يجب
الإعلام بالحال.
مسألة 388: إذا اشترى شيئين صفقة واحدة أو جملة كذلك ثم أراد
بيع بعضها مرابحة، لم يكن له ذلك مع تقسيط الثمن على الأبعاض، إلا أن
يخبر بصورة الحال، سواء اتفقت، كقفيزي حنطة، أو اختلفت، كقفيز
حنطة وقفيز شعير، أو عبدين، أو ثوبين، أو عبد وثوب، وسواء ساوى
بينهما في التقويم أو لا، وسواء باع خيارها بالأقل أو لا، إلا أن يخبر بصورة
الحال في ذلك كله؛ لتفاوت القيم والأغراض. ولأن توزيع الثمن على
القيمتين تخمين وحزر وظن يتطرق إليه الخطأ غالبا، فلم يجز.
وقال الشافعي: يجوز مطلقا، ويقسم الثمن على القيمتين، فما خص

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 485، العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3:
189.
226

كل واحد منهما فهو ثمنه؛ لأن الثمن ينقسم على المبيع على قدر قيمة
المبيع في نفسه، ولهذا لو باع شقصا وسيفا، فإن الشفيع يأخذ الشقص
بثمنه فيقومان ويقسم الثمن على قدر القيمتين، وكذا هنا (1).
وهو ممنوع؛ لأن أخذ الشفعة قهري، فالتجأ فيه إلى التقويم تخليصا
من إبطال حقه.
وقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز فيما يقسم الثمن على القيمة، وما
يتساوى يجوز، كالطعام (2).
أما لو أخبر بالحال فقال: اشتريت المجموع بكذا وقومته مع نفسي
فأصاب هذه القطعة من الثمن كذا، فإنه يجوز إجماعا.
مسألة 389: يجب الإخبار بالعيوب المتجددة في يد المشتري أو
الجناية مثل أن يشتري عبدا صحيحا بمائة ثم يقطع إصبعه، سواء حدث
العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي، أو اشتراه على أنه صحيح
- وبه قال الشافعي (3) - لأن المشتري يبني العقد على العقد الأول، ويتوهم
بقاء المبيع على حاله التي اشتراها البائع.
ولا فرق بين ما ينقص العين وما ينقص القيمة، كما في الرد، فلو
اشترى عبدا بعشرين ثم خصاه فزادت قيمته، فالأقوى وجوب الإخبار

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 295 - 296، التهذيب - للبغوي - 3: 485، حلية
العلماء 4: 290، العزيز شرح الوجيز 4: 322، روضة الطالبين 3: 189 - 190،
المغني 4: 283، الشرح الكبير 4: 114.
(2) مختصر اختلاف العلماء 3: 31 / 1102، التهذيب - للبغوي - 3: 485، حلية
العلماء 4: 291، العزيز شرح الوجيز 4: 323، المغني 4: 283، الشرح الكبير
4: 114.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 323، روضة الطالبين 3: 190، بدائع الصنائع 5: 223.
227

بالخصا وإن زادت به القيمة.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الإخبار عن العيب الحادث وإن نقصت
القيمة إذا كان بآفة سماوية (1).
مسألة 390: لو اطلع المشتري على عيب قديم فأسقط أرشه ورضي
به، لم يجب ذكره في المرابحة، كما لو تسامح معه.
وقال الشافعي: يجب (2). وليس بمعتمد.
ولو أخذ أرش العيب السابق، أسقطه من رأس المال، فلو اشتراه
بمائة فوجد به عيبا أخذ أرشه عشرة، أخبر بتسعين - وبه قال الشافعي (3) -
لأن ما رجع من أرش العيب نقصان من الثمن؛ لما عرفت أن الأرش جزء
من الثمن، بخلاف ما لو حط بعض الثمن أو وهبه إياه؛ لأن أخذ الأرش
قهري وذلك اختياري، فافترقا.
إذا عرفت هذا، فإنه يخبر بصيغة " رأس مالي " أو " تقوم علي " أو " هو
علي بتسعين " ولا يقول: " اشتريته " لأن الشراء كان بما سمي في العقد.
ولو قال بصيغة " اشتريته " وجب أن يخبر بالمائة، ويذكر العيب
واسترجاع قدر أرشه.
مسألة 391: لو اشترى عبدا بمائة فجني عليه في يده فأخذ الأرش،
لم يضعه في المرابحة إن باع بلفظ " اشتريته " وكذا إن قال: " بما قام علي "
ولا يجب ذكر الجناية فيهما.

(1) بدائع الصنائع 5: 223، العزيز شرح الوجيز 4: 323.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 323، روضة الطالبين 3: 190.
(3) انظر: التهذيب - للبغوي - 3: 484، والعزيز شرح الوجيز 4: 323، وروضة
الطالبين 3: 190.
228

وقال الشافعي: إن باع بلفظ الشراء، ذكر الثمن وأخبر بالجناية. وإن
باع بلفظ " قام علي " فوجهان:
أحدهما: أنه نازل منزلة الكسب والزيادات؛ لأنه من منافع العبد.
ولأنه لو جنى العبد ففداه، لم يضمه إلى الثمن، والمبيع قائم عليه بتمام
الثمن.
وأصحهما عنده: أنه يحط الأرش من الثمن، كأرش العيب (1).
وفيه (2) بعض القوة؛ لأن المشتري إنما أخلد إلى البائع وثوقا بنظره،
وهو إنما بذل الثمن الكثير في مقابلة السليم، فيكون المشتري كذلك.
إذا تقرر هذا، فالمراد من الأرش هنا على قولهم بوضعه قدر
النقصان، لا المأخوذ بتمامه، فإذا (3) قطعت يد العبد وقيمته مائة فنقص
ثلاثين (4)، يأخذ خمسين، ويحط من الثمن ثلاثين لا خمسين، وهو أحد
قولي الشافعية (5).
وحكى الجويني وجها آخر: أنه يحط جميع المأخوذ من الثمن (6).
وإن نقص من القيمة أكثر من الأرش المقدر، حط ما أخذ من الثمن،
وأخبر عن قيامه عليه بالباقي وأنه (7) نقص من قيمته كذا.
تذنيب: لو جنى العبد في يد المشتري ففداه، لم يضم الفداء إلى
رأس ماله، ويخبر به؛ لأن الفداء لزمه لتخليص ماله وتبقيته عنده، فجرى

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 323، روضة الطالبين 3: 190.
(2) أي: في الوجه الثاني.
(3) في الطبعة الحجرية: " فلو " بدل " فإذا ".
(4) الظاهر: ثلاثون.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 323، روضة الطالبين 3: 190.
(7) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " وأن ". والأنسب ما أثبتناه.
229

مجرى طعامه وشرابه.
مسألة 392: إذا كان قد اشتراه مغبونا فيه، لم يلزمه الإخبار بالغبن؛
لأنه باع ما اشترى بما اشترى، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني: يلزم؛
لأن المشتري اعتمد على نظره واعتقد أنه [لا يحتمل] (1) الغبن، فليخبره
ليكون على بصيرة في أمره.
ورجح أكثرهم الثاني؛ لأمرين:
أ - أنهم قالوا: لو اشتراه بدين من مماطل، وجب الإخبار عنه؛ لأن
الغالب أنه يشتري من مثله بالزيادة. وهو ممنوع.
ب - لو اشترى من ابنه الطفل، وجب الإخبار عنه؛ لأن الغالب في
مثله الزيادة في الثمن عنه نظرا للطفل واحترازا عن التهمة، فإذا وجب
الإخبار عند ظن الغبن فلأن يجب عند تيقنه كان أولى (2).
ولو اشتراه من ولده البالغ أو من أبيه، فالأصح عندهم: أنه لا يجب
الإخبار عنه، كما لو اشترى من زوجته أو مكاتبه (3).
وأوجب أبو حنيفة الإخبار عن البائع إذا كان ابنا أو أبا له (4).
والأصح أنه لا يجب. وكذا لو كان غلامه.
مسألة 393: لو اشتراه بثمن مؤجل، وجب الإخبار عنه؛ لاختلاف
الثمن بسببه، فإن الظاهر التفاوت في الثمن بين المعجل والمؤجل، فإن

(1) بدل ما بين المعقوفين في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " لا يجهل ". وما أثبتناه من
العزيز شرح الوجيز.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 323، روضة الطالبين 3: 190.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 485، العزيز شرح الوجيز 4: 324، روضة الطالبين 3:
190 - 191.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 324.
230

المعجل أقل ثمنا والمؤجل أكثر، وهو أظهر وجهي الشافعية (1).
فإن باعه وذكر الثمن وأهمل الأجل، تخير المشتري بين الرضا به
حالا وبين الفسخ - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد (2) - لأنه لم يرض
بذمة المشتري، وقد تكون ذمته دون ذمة البائع، فلا يلزم الرضا بذلك.
وقال الأوزاعي: يلزمه العقد، ويثبت في ذمة المشتري مؤجلا (3)؛
لأنه باعه بما اشتراه، فيثبت على المشتري مؤجلا.
ويمنع أنه باعه بما اشتراه في الوصف؛ إذ التقدير خلافه، وأنه باعه
حالا.
أما لو قال: اشتريته بمائة وبعتك بها على صفتها، كان للمشتري مثل
الأجل.
مسألة 394: إذا أثمر النخل في يد المشتري أو حملت الدابة أو الأمة
في يده أو تجدد لها لبن أو صوف وشبهه فاستوفاه المشتري، لم يحط
النماء المنفصل الذي استوفاه ولا قيمته من رأس المال، ويخبر بما اشتراه؛
لأن ذلك فائدة تجددت في ملكه، فإن اشتراها مثمرة وأخذ الثمرة أو
حاملا، سقط حصة الثمرة والولد من الثمن وأخبر (4) بالحال، كما لو اشترى
عينين وباع أحدهما مرابحة.
ولا يجب أن يخبر عن وطئ الثيب ولا عن مهرها الذي أخذه، وبه
قال الشافعي (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 324، روضة الطالبين 3: 191.
(2) المغني 4: 285، الشرح الكبير 4: 114.
(3) حلية العلماء 4: 295.
(4) في الطبعة الحجرية: " أخبره ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 324، روضة الطالبين 3: 191.
231

أما لو وطئ البكر، فإنه يخبر به؛ لأنه يوجب أرشا بالاقتضاض.
مسألة 395: إذا باعه بمائة هي رأس ماله وربح كل عشرة واحدا،
وكان قد أخبر بأن رأس المال مائة، ثم ظهر كذبه وأن الثمن تسعون،
لم يبطل البيع من أصله - وهو اظهر قولي الشافعي (1) - لأن سقوط جزء من
الثمن المسمى بضرب من التدليس لا يمنع من صحة العقد، ولا يقتضي
جهالة الثمن، كأرش المعيب (2). ولأنا لا نسقط شيئا من الثمن بل نخيره في
الفسخ والإمضاء بالجميع.
وقال الشافعي في الآخر: إن البيع باطل - وبه قال مالك - لأن الثمن
وقع مجهولا، لأنه غير المسمى، فلم يصح (3). وجوابه تقدم.
إذا ثبت أن البيع صحيح، فإن المشتري يتخير بين أخذه بجميع الثمن
الذي وقع عقد المرابحة عليه، وبين الرد - وبه قال أبو حنيفة ومحمد
والشافعي في أحد القولين (4) - لأن الثمن مسمى في العقد، وإنما كان فيه
تدليس وخيانة، وذلك يوجب الخيار دون الحطيطة، كما لو ظهر فيه عيب
دلسه البائع.
والقول الثاني للشافعي: إنه يأخذه بما ثبت أنه رأس المال وحصته

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 486، حلية العلماء 4: 298، العزيز شرح الوجيز 4:
324، روضة الطالبين 3: 191.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " البيع " بدل " المعيب ". والظاهر ما أثبتناه كما في
هامش " ق ".
(3) حلية العلماء 4: 298، العزيز شرح الوجيز 4: 324، روضة الطالبين 3: 191.
(4) حلية العلماء 4: 299، العزيز شرح الوجيز 4: 324، روضة الطالبين 3: 191،
بداية المجتهد 2: 215، بدائع الصنائع 5: 226، المغني 4: 281، الشرح الكبير
4: 112.
232

من الربح - وبه قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف وأحمد بن حنبل - لأنه باعه
إياه برأس ماله وما قدره من الربح، وإنما ذكر أكثر من رأس المال، فإذا كان
رأس المال قدرا، كان متعينا به وبالزيادة، بخلاف العيب (1)؛ لأنه لم يرض
إلا بالثمن المسمى، وهنا رضي برأس المال والربح المقرر (2).
ويمنع أن البيع برأس المال؛ لأنه عينه بالذكر.
قالت الشافعية: إذا قلنا بالصحة، فلا يخلو إما أن يكون كذبه في هذا
الإخبار خيانة أو غلطا.
فإن كان خيانة، فقولان منصوصان عن الشافعي في اختلاف
العراقيين:
أحدهما - وبه قال أحمد -: أنا نحكم بانحطاط الزيادة وحصتها من
الربح؛ لأنه يملك باعتبار الثمن الأول فينحط الزائد عليه، كما في الشفعة.
والثاني - وبه قال أبو حنيفة -: أنا لا نحكم به؛ لأنه سمى ثمنا
معلوما، وعقد به العقد فليجب.
وإن كان غلطا، فالمنصوص القول الأول. والثاني مخرج من مثله في
الحالة الاولى (3).
مسألة 396: قد بينا أنه إذا أخبر بالزائد، يتخير المشتري، وهو أحد
قولي الشافعي. وفي الثاني: أنه يحط الزائد وما يصيبه من الربح (4).

(1) وردت العبارة في المغني والشرح الكبير هكذا: " فإذا بان رأس المال قدرا، كان
مبيعا به وبالزيادة، بخلاف العيب ". فلاحظ.
(2) المصادر في الهامش (4) من ص 234.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 486، حلية العلماء 4: 299، العزيز شرح الوجيز 4:
324 - 325، روضة الطالبين 3: 191.
(4) انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 434.
233

فعلى الانحطاط هل للمشتري الخيار؟ للشافعي قولان:
أظهرهما: نفي الخيار؛ لأنه قد رضي بالأكثر فبالأقل أولى.
والثاني - وبه قال أبو حنيفة - أنه يثبت الخيار؛ لأنه إن بان كذبه
بالإقرار لم يؤمن كذبه ثانيا وثالثا. وإن بان بالبينة على الشراء أو بالبينة على
الإقرار، فقد يخالف الباطن الظاهر. ولأنه قد يكون له غرض في الشراء
بذلك المبلغ لتحلة قسم أو إنفاذ وصية ونحوها (1).
وللشافعية طريق آخر: أن القول الأول محمول على ما إذا تبين كذب
البائع بالبينة، والثاني على ما إذا تبين بالإقرار. والفرق: أنه إذا ظهر بالبينة
خيانته، لم تؤمن خيانته من وجه آخر، والإقرار يشعر بالأمانة وبذل النصح.
والطريقة الاولى أظهر عندهم (2).
فإن قلنا: لا خيار له، أو قلنا: له الخيار فأمسك بما يبقى بعد الحط،
فهل للبائع الخيار؟ للشافعية وجهان، وقيل: قولان:
أحدهما: نعم؛ لأنه لم يسلم له مسماه في العقد.
وأظهرهما: المنع؛ لاستبعاد أن يصير تلبيسه أو غلطه سببا لثبوت
الخيار له (3).
ومنهم من خص الوجهين بصورة الخيانة، وقطع بثبوت الخيار عند
الغلط (4).
مسألة 397: قد بينا مذهبنا في ظهور كذب إخبار البائع، وأن المشتري
يتخير ولا يحط شيئا، وهو أحد قولي الشافعي (5). وحينئذ إنما يثبت الخيار

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 297، العزيز شرح الوجيز 4: 325، روضة الطالبين
3: 191.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 325، روضة الطالبين 3: 191.
(5) انظر: المصادر في الهامش (4) من ص 234.
234

له؛ لأنه قد غره ودلس عليه، فلو كان المشتري عالما بكذب البائع،
لم يكن له خيار، ويكون بمنزلة ما لو اشترى معيبا وهو عالم بعيبه.
وإذا ثبت الخيار، فلو قال البائع: لا تفسخ فإني أحط الزيادة، سقط
الخيار.
وللشافعي وجهان (1).
ولا فرق بين أن يظهر الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو
حلوله أو قلة أجله.
مسألة 398: لو ظهر كذب البائع بعد هلاك السلعة، ففي سقوط خيار
المشتري إشكال ينشأ: من أنه ثبت بحق فلا يسقط بهلاك المعقود عليه،
كغيره من أنواع الخيار. ومن أن الخيار ثبت لإزالة الضرر، فلا يثبت مع
الضرر، كالبائع.
واختلفت الشافعية:
فقال بعضهم: تحط الخيانة وحصتها من الربح قولا واحدا.
وقال بعضهم بجريان القولين في الانحطاط، فإن قلنا بالانحطاط،
فلا خيار للمشتري؛ لأن البائع قد لا يريد القيمة، فالفسخ ورد القيمة يضر
به. وأما البائع فإن لم يثبت له الخيار عند بقاء السلعة، فكذا هاهنا. وإن
أثبتناه ثم، ثبت هنا أيضا، كما لو وجد بالعبد عيبا والثوب الذي هو عوضه
تالف (2). وإن قلنا بعدم الانحطاط، فهل للمشتري الفسخ؟ وجهان،
أظهرهما: لا، كما لو عرف بالعيب بعد تلف المبيع، ولكن يرجع بقدر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 325، روضة الطالبين 3: 192.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " بألف " بدل " تالف " والصحيح ما أثبتناه.
235

التفاوت وحصته من الثمن، كما يرجع بأرش العيب (1).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: سقط حقه، فلا يفسخ ولا يرجع
بشيء؛ لأن الخيار ثبت له من طريق الحكم لا لنقص، فيسقط بتلف
السلعة، كخيار الرؤية (2).
وحكي عن محمد أنه قال: يرد القيمة، ويرجع في الثمن (3). كما
قويناه نحن أولا.
وقول أبي حنيفة باطل؛ لأن الخيار ثبت له لتدليس البائع ونقص
الثمن عما حكاه، فهو بمنزلة العيب يستره عنه، ولا يشبه خيار الرؤية؛ لأنه
يثبت للاختبار، لا لأجل نقص أو خيانة تثبت. وأما الفسخ بعد التلف
فإضرار بالبائع، كما لا يثبت إذا تلف المبيع المعيب في يد المشتري.
مسألة 399: يجب عليه الإخبار بكل ما يتفاوت الثمن بسببه على
وجهه كالأجل وشبهه من عيب طرأ في يده فنقص أو جناية على ما تقدم.
فلو كذب، تخير المشتري، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني: تحط
الجناية وقدرها من الربح (4).
هذا في القدر، أما لو كذب في سلامة المبيع وكان معيبا، أو في
حلول الثمن وكان مؤجلا، هل يكون حكمه حكم القدر؟ قال بعض
الشافعية بذلك، فعلى قول الحط فالسبيل النظر إلى القيمة ويقسط الثمن
عليها (5). ونحن لا نقول بذلك.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 325، روضة الطالبين 3: 192.
(2) بدائع الصنائع 5: 226، حلية العلماء 4: 301، العزيز شرح الوجيز 4: 325.
(3) حلية العلماء 4: 301.
(4 و 5) الوجيز 1: 147، العزيز شرح الوجيز 4: 326، روضة الطالبين 3: 192.
236

مسألة 400: لو كذب بنقصان الثمن - بأن قال: كل الثمن أو رأس
المال أو ما قامت السلعة به علي مائة، وباع مرابحة لكل عشرة درهم، ثم
عاد وقال: غلطت والثمن مائة وعشرة - فإن صدقه المشتري، فالبيع
صحيح؛ لأنه عقد صدر من أهله في محله بثمن معلوم مسمى، فيكون
صحيحا، كغيره من العقود - وهو أحد وجهي الشافعية (1) - كما لو غلط
بالزيادة.
وقال بعضهم: البيع باطل؛ لأن العقد لا يحتمل الزيادة، وأما النقصان
فهو معهود عند الشرع بدليل الأرش (2).
وعلى ما اخترناه من صحة البيع لا تثبت الزيادة كما لا يثبت الحط،
لكن للبائع الخيار في فسخ البيع وإمضائه بلا شيء، وهو أحد وجهي
الشافعية القائلين به.
والثاني لهم: تثبت الزيادة مع ربحها، وللمشتري الخيار (3).
وإن كذبه المشتري، وهو قسمان:
أ - أن لا يبين للغلط وجها محتملا، فلا تسمع دعواه. ولو أقام بينة،
لم تسمع؛ لأنه أقر بأن الثمن مائة، وتعلق بذلك حق المشتري، فلا يقبل
رجوعه عنه ولا تسمع بينته؛ لأن إقراره يكذبها، بخلاف ما لو أقر بأن الثمن
أقل؛ لأنه اعترف فيها بما هو حق لغيره وضرر عليه. ولأن إقراره الثاني
يكذب قوله وبينته.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 326، روضة الطالبين 3: 192.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 167، العزيز شرح الوجيز 4: 326، روضة الطالبين 3:
192.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 326، روضة الطالبين 3: 192 - 193.
237

فإن ادعى علم المشتري بصدقه والتمس تحليفه على أنه لا يعرف
ذلك، اجيب إليه؛ لأنه ربما يقر عند عرض اليمين عليه، وهو أحد وجهي
الشافعية. والثاني: لا يجاب، كما لا تسمع بينته (1).
فإن نكل، ترد اليمين على المدعي، وهو أحد قولي الشافعية.
والثاني: لا ترد (2).
والوجهان مبنيان على أن اليمين المردودة بعد نكول المدعى عليه
كالإقرار من جهة المدعى عليه أو كالبينة من جهة المدعي؟ - وسيأتي
تحقيقه - فعلى الأول ترد، لا على الثاني؛ لأن بينته غير مقبولة.
وإذا (3) قلنا بتحليف المشتري، يحلف على نفي العلم. فإن حلف،
ثبت العقد على ما حلف عليه، فيثبت المبيع له بمائة وعشرة. وكذا إذا قلنا:
لا تعرض اليمين عليه. وإن نكل ورددنا اليمين على البائع، فإنه يحلف
على القطع أنه اشتراه بمائة وعشرة. وإذا حلف، فللمشتري الخيار بين
إمضاء العقد بما حلف عليه البائع فيكون الثمن عليه مائة وأحد وعشرين،
وبين الفسخ؛ لأنه دخل في العقد على أن يكون الثمن مائة وعشرة مع
الربح.
ب - أن يبين للغلط وجها محتملا، مثل أن يقول: ما كنت اشتريته
بنفسه، بل اشتراه وكيلي وأخبرني أن الثمن مائة فبان خلافه، أو ورد علي
كتابه فبان مزورا، أو يقول: كنت راجعت جريدتي فغلطت من [ثمن] (4)

(1) حلية العلماء 4: 302، العزيز شرح الوجيز 4: 327، روضة الطالبين 3: 193.
(2) حلية العلماء 4: 303، العزيز شرح الوجيز 4: 327، روضة الطالبين 3: 193.
(3) في الطبعة الحجرية: " فإذا ".
(4) أضفناها لأجل السياق.
238

متاع إلى غيره، فتسمع دعواه للتحليف؛ لأن بيان هذه الأعذار يجوز ظن
صدقه، وهو قول بعض الشافعية (1).
وبعضهم طرد الخلاف في التحليف، وسماع البينة يترتب على
التحليف، إن قلنا: لا تحليف، فالبينة أولى أن لا تسمع. وإن قلنا: له
التحليف، ففي البينة وجهان، الأظهر عندهم: سماعها (2).
وعندنا أنه يحلف المشتري، كما إذا أقر بإقباض الرهن ثم رجع عن
ذلك.
وقال أحمد بن حنبل: القول قول البائع مع يمينه؛ لأنه لما دخل معه
المشتري في بيع المرابحة فقد جعله أمينا، فالقول قوله مع يمينه، كالوكيل
والشريك والمضارب (3).
وهو خطأ؛ لأنه قبل قوله فيما أخبر به من الثمن، وذلك لا يصير به
أمينا له، كما لو أخبره بقدر المبيع، فإن قال: بعتك هذه الصبرة وهي عشرة
أقفزة، فقبل قوله ثم بانت تسعة وأنكر البائع ذلك، لم يقبل قوله. ويفارق
الوكيل والشريك؛ لأنه استنابه في التصرف عنه فقبل قوله عليه، بخلاف
المتنازع.
مسألة 401: إذا قال: رأس مالي مائة درهم بعتك بها وربح كل عشرة
واحدا، اقتضى أن يكون الربح من جنس الثمن الأول. وكذا لو قال: بعتك
بمائة وربح عشرة.
ويجوز أن يجعل الربح من غير جنس الأصل.
ولو قال: اشتريت بكذا وبعتك به وربح درهم على كل عشرة،

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 327، روضة الطالبين 3: 193.
(3) المغني 4: 286، الشرح الكبير 4: 113، حلية العلماء 4: 304.
239

فالربح يكون من جنس نقد البلد؛ لإطلاقه الدرهم، والأصل مثل الثمن،
سواء كان من نقد البلد أو غيره.
مسألة 402: لو انتقل إليه بغير عوض، كالهبة، لم يجز بيعه مرابحة،
سواء قومها بثمن مساو أو أزيد أو أنقص، إلا أن يبين الحال في ذلك،
ولا يكفي بيان قدر القيمة من غير تعريف الحال.
ولو اتهب بشرط الثواب فذكره وباع به مرابحة، فإن كان قد بين ذلك
للمشتري، جاز، وإلا فلا.
وقالت الشافعية: يجوز (1)، من غير تفصيل.
ولو آجر داره بعبد أو نكحت المرأة رجلا على عبد، أو خالع زوجته
عليه، أو صالح عن الدم عليه، لم يجز بيع العبد مرابحة بلفظ الشراء. ولو
أخبر بالحال، جاز " بما قام علي ".
ويذكر في الإجارة اجرة مثل الدار، وفي النكاح والخلع مهر المثل،
وفي الصلح عن الدم الدية.
واعلم أن الفقهاء أطبقوا على تجويز المرابحة فيما إذا قال: بعت بما
اشتريت وربح كذا، أو: بما قام علي وربح كذا، ولم يذكروا فيه خلافا،
واختلفوا فيما لو أوصى بنصيب ولده، فقال بعضهم: لا يصح بل يصح لو
قال: مثل نصيب ولدي (2).
والظاهر أنهم اقتصروا هنا على ما هو الأصح، وإلا فلا فرق بين
الأمرين.
مسألة 403: إذا دفع التاجر إلى الدلال ثوبا أو غيره وقومه عليه

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 328، روضة الطالبين 3: 194.
240

بعشرين درهما مثلا، وأمره بالبيع بذلك، فما زاد فهو للدلال، ولم يواجبه
البيع، جاز ذلك، لكن لا يخبر الدلال بالشراء بالعشرين؛ لأنه كذب؛ إذ
التقدير أنه لا بيع هنا فلا يبيعه مرابحة، وإن أخبر بالحال، جاز؛ لأن
الصادق (عليه السلام) سئل عن الرجل يحمل المتاع لأهل السوق وقد قوموا عليه
قيمة ويقولون: بع فما ازددت فلك، فقال: " لا بأس بذلك، ولكن لا يبيعهم
مرابحة " (1).
وإذا قال التاجر للدلال: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم، فما فضل فهو
لك، جاز على سبيل الجعالة، ولا يكون ذلك بيعا لازما، وللتاجر أن يفسخ
القول قبل العقد؛ لأن الصادق (عليه السلام) قال في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا
بعشرة دراهم، فما فضل فهو لك، قال: " ليس به بأس " (2).
واعلم أنه لا فرق بين أن يكون الدلال ابتدأه للتاجر أو بالعكس.
مسألة 404: قد بينا أنه إذا اشترى جملة أثواب لم يجز له بيع أفرادها
مرابحة بمجرد التقويم مع نفسه، إلا أن يخبر بالحال؛ لما رواه محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): في الرجل يشتري المتاع جميعا بثمن ثم يقوم
كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله يبيعه مرابحة ثوبا ثوبا؟ قال:
" لا، حتى يبين له إنما قومه " (3).
ولو باعه ثيابا معينة من الجملة التي اشتراها على أن يعطيه خيارها
بربح خمسة - مثلا - في كل ثوب من خيارها، لم يصح؛ للجهالة.
ولما رواه عيسى بن أبي منصور قال: سألت الصادق (عليه السلام): عن القوم

(1) الكافي 5: 195 / 3، الفقيه 3: 135 / 588، التهذيب 7: 54 / 233.
(2) الكافي 5: 195 / 2، التهذيب 7: 53 - 54 / 231.
(3) الفقيه 3: 136 / 590، التهذيب 7: 55 / 239.
241

يشترون الجراب الهروي أو المروي (1) أو القوهي، فيشتري الرجل منهم
عشرة أثواب ويشترط عليه خياره كل ثوب بربح خمسة دراهم أقل أو أكثر،
فقال: " ما احب هذا البيع، أرأيت إن لم يجد فيه خيارا غير خمسة أثواب
ووجد بقيته سواء؟ " (2).
مسألة 405: يجوز لمن اشترى شيئا بيعه قبل قبضه إذا لم يكن مكيلا
أو موزونا بربح وغيره؛ لأصالة الإباحة.
ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن
قوم اشتروا بزا (3) فاشتركوا فيه جميعا ولم يقسموه (4)، أيصلح لأحد منهم
بيع بزه قبل أن يقبضه؟ قال: " لا بأس به " وقال: " إن هذا ليس بمنزلة
الطعام، لأن الطعام يكال " (5).
وسأل منصور الصادق (عليه السلام): عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل
ولا وزن أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ فقال: " لا بأس
بذلك ما لم يكن كيل ولا وزن، فإن هو قبضه فهو أبرأ لنفسه " (6).
وسأل إسماعيل بن عبد الخالق الصادق (عليه السلام): إنا نبعث الدراهم لها
صرف إلى الأهواز فيشترى لنا بها المتاع ثم نلبث فإذا باعه وضع عليها
صرف، فإذا بعناه كان علينا أن نذكر له صرف الدراهم في المرابحة يجزئنا
عن ذلك؟ فقال: " لا، بل إذا كانت للمرابحة فأخبره بذلك، وإن كانت

(1) في المصدر: المروزي.
(2) الفقيه 3: 135 / 587، التهذيب 7: 57 / 246 بتفاوت يسير.
(3) البز: الثياب. الصحاح 3: 865 " بزز ".
(4) في " ق، ك " والفقيه: " ولم يقتسموه ".
(5) الفقيه 3: 136 / 594، التهذيب 7: 55 - 56 / 240.
(6) الفقيه 3: 136 / 593، التهذيب 7: 56 / 241.
242

مساومة فلا بأس " (1).
مسألة 406: إذا أمر الإنسان غيره بشراء متاع وبربحه كذا، فإن كان
الشراء للآمر، صح، ولزمه ما جعله له بعد الشراء؛ لأنها جعالة صحيحة.
وإن كان للمأمور، جاز ذلك، ولم يكن ما ذكره من الربح لازما له بل
ولا الشراء منه، وليس للمأمور أن يعقد البيع مع الأمر؛ لأنه بيع ما ليس
عنده، وهو منهي عنه.
وروى يحيى بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل
قال لي: اشتر هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها أربحك منها كذا وكذا، قال:
" لا بأس بذلك، اشترها، ولا تواجبه البيع قبل أن يستوجبها وتشتريها " (2).
مسألة 407: قد بينا الخلاف فيما إذا اشترى شيئا مؤجلا وأخفى الأجل
وأخبر برأس المال، وأن الوجه في ذلك: صحة البيع وتخير المشتري بين
الرضا بالثمن حالا وبين فسخ البيع.
وقال الأوزاعي: للمشتري من الأجل مثل ما كان له (3). وهو قول
الشيخ في النهاية (4)؛ لما روى الحسن بن محبوب عن أبي محمد الوابشي،
قال: سمعت رجلا سأل الصادق (عليه السلام): عن رجل اشترى من رجل متاعا
بتأخير إلى سنة ثم باعه من رجل آخر مرابحة، أله أن يأخذ منه ثمنه حالا
والربح؟ قال: " ليس عليه إلا مثل الذي اشترى، إن كان نقد شيئا فله مثل
ما نقد، وإن لم يكن نقد شيئا آخر فالمال عليه إلى الأجل الذي اشتراه إليه "
قلت له: فإن كان الذي اشتراه منه ليس بملي مثله؟ قال: " فليستوثق من حقه

(1) الكافي 5: 198 / 5، التهذيب 7: 58 / 249.
(2) الكافي 5: 198 / 6، التهذيب 7: 58 / 250 بتفاوت فيهما.
(3) حلية العلماء 4: 295.
(4) النهاية: 389.
243

إلى الأجل الذي اشتراه " (1).
وعلى ما اخترناه تكون هذه الرواية محمولة على ما إذا قال: بعتك
بما اشتريته من القدر والوصف.
مسألة 408: لو أسلم في ثوبين بصفة واحدة وقبضهما وأراد بيع
أحدهما مرابحة، لم يجز، كما تقدم، إلا أن يخبر بصورة الحال.
وقال الشافعي: يجوز في أحد القولين، فعلى هذا يخبر بحصته من
الثمن وهو النصف؛ لأن الثمن وقع عليهما متساويا؛ لتساوي الصفة في
الذمة، فكان بمنزلة شراء قفيزين، فإن حصل في أحدهما نقصان عن
الصفة، فذلك نقصان جار مجرى الحادث بعد الشراء، فلا يمنع من بيع
المرابحة. وبه قال أبو يوسف ومحمد (2).
وقال أبو حنيفة: لا يبيعه مرابحة؛ لأن الثوبين يختلفان حال التعيين،
فيصيرا بمنزلة العقد الواقع على ثوبين بأعيانهما (3).
البحث الثاني: في باقي الأقسام.
مسألة 409: التولية نوع من البيع، وهو أن يخبر برأس المال ويبيعه به
من غير زيادة ولا نقصان. ولا خلاف في جوازه.

(1) التهذيب 7: 59 / 254.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 485، حلية العلماء 4: 292، العزيز شرح الوجيز 4:
322، روضة الطالبين 3: 190، مختصر اختلاف العلماء 3: 31 / 1102، المغني
4: 283، الشرح الكبير 4: 114.
(3) مختصر اختلاف العلماء 3: 31 / 1102، التهذيب - للبغوي - 3: 485، حلية
العلماء 4: 292، العزيز شرح الوجيز 4: 323، المغني 4: 282 - 283، الشرح
الكبير 4: 114.
244

وعبارة الإيجاب: بعتك ووليتك، فيقول: قبلت. فإذا اشترى شيئا ثم
قال لغيره: وليتك هذا العقد، جاز.
ويشترط قبوله في المجلس على قاعدة التخاطب بأن يقول: قبلت،
أو: توليت. ويلزمه مثل الثمن الأول جنسا وقدرا ووصفا.
ويجب العلم به للمتعاقدين حالة العقد. وهو شرط في صحته،
لا ذكره، فلو لم يعلم برأس المال أحدهما أو كلاهما، بطل؛ لأن الجهالة في
الثمن أو المثمن مبطلة. ولو لم يعلمه المشتري، أعلمه البائع أولا ثم ولاه
العقد.
مسألة 410: قد بينا أن عقد التولية بيع يشترط فيه ما يشترط في مطلق
البيع من القدرة على التسليم والتقابض في المجلس إن كان صرفا وغيرهما.
ويلحق به ما يلحق به (1) من الشفعة وغيرها. فلو كان المبيع شقصا مشفوعا
وعفا الشفيع، تجددت الشفعة بالتولية. ويجوز قبل القبض وإن كان طعاما
على كراهية على رأي. والزوائد المنفصلة قبل التولية إذا تجددت بعد
الشراء للمشتري، وقبله للمتولي. ولو حط البائع بعد التولية بعض الثمن،
لم ينحط عن المولى أيضا، خلافا للشافعي (2). وكذا لو حط الكل.
وللشافعية قول آخر بجعل المشتري نائبا عن المولي، فتكون الزوائد
للمولى، ولا تتجدد الشفعة، ويلحق الحط للمولى (3).
وعلى قول آخر: تنعكس هذه الأحكام ونقول: إنها بيع جديد (4).

(1) بدل " به " في " ق، ك ": " بالبيع ".
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 489، العزيز شرح الوجيز 4: 317، روضة الطالبين 3:
184.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 317 - 318، روضة الطالبين 3: 184 - 185.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 318، روضة الطالبين 3: 185.
245

وهو الحق عندنا.
وعلى ظاهر مذهب الشافعية: الفرق بين الزوائد والشفعة وبين الحط.
وعلى هذا لو حط البعض قبل التولية، لم تجز التولية إلا بالباقي. ولو حط
الكل، لم تصح التولية (1).
مسألة 411: يشترط في التولية كون الثمن مثليا ليأخذ المولي مثل ما
بذله (2)، فلو اشتراه بعرض، لم تجز التولية، قال بعض الشافعية: إلا إذا
انتقل ذلك العرض من البائع إلى إنسان فولاه العقد. قال: ولو اشتراه بعرض
وقال: قام علي بكذا وقد وليتك العقد بما قام علي، أو أرادت المرأة عقد
التولية على صداقها بلفظ القيام، أو أراد الرجل التولية على ما أخذه من
عوض الخلع، ففي ذلك وجهان للشافعية (3).
وعندنا لا تجوز التولية في مثل هذه الأشياء.
مسألة 412: لو أخبر المولي عما اشترى به وكذب، فكالمرابحة
والكذب فيها، وقد تقدم، وهو أحد قولي الشافعية. والآخر: يحط قدر
الخيانة قولا واحدا (4).
ولو كان المشتري قد اشترى شيئا وأراد أن يشرك غيره فيه ليصير له
بعضه بقسطه من الثمن، جاز بلفظ البيع والتولية أو المرابحة أو المواضعة.
ثم إن نص على المناصفة أو غيرها، فذاك. وإن أطلق الاشتراك،
احتمل فساد العقد؛ للجهل بمقدار العوض، كما لو قال: بعتك بمائة ذهبا
وفضة. والصحة، ويحمل على المناصفة، كما لو أقر بشيء لاثنين.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 318، روضة الطالبين 3: 184 و 185.
(2) في " ق، ك ": بذل.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 318، روضة الطالبين 3: 185.
246

وللشافعية وجهان (1) كهذين.
والاشتراك في البعض كالتولية في الجميع في الأحكام السابقة.
مسألة 413: المواضعة هي المحاطة، مأخوذة من الوضع، وهو أن
يخبر برأس المال ثم يقول: بعتك به ووضيعة كذا. وكما يجوز البيع مرابحة
يجوز مواضعة، وليس في ذلك جهالة، كما لم يكن في الربح جهالة.
ويكره لو قال: بوضيعة درهم من كل عشرة، كما قلنا في المرابحة،
فلو قال: الثمن مائة بعتك برأس مالي ووضيعة درهم من كل عشرة، فالثمن
تسعون.
ولو قال: ووضيعة درهم من كل أحد عشر، كان الحط تسعة دراهم
وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم، فيبقى الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا
من أحد عشر جزءا من درهم.
ولو قال: بعت بما اشتريت بحط " ده يازده " جاز أيضا.
وفيه للشافعية وجهان:
أحدهما: أنه يحط من كل عشرة واحد، كما زيد في المرابحة على
كل عشرة واحد، فتكون الوضيعة عشرة، والثمن تسعين (2). وبه قال
أبو ثور، وحكاه الشافعية عن محمد بن الحسن، ولم يحكه أصحابه عنه.
والثاني - وهو الأصح عندهم -: أنه يحط من كل أحد عشر واحد،
فالحط تسعة وجزء من أحد عشر جزءا من درهم، والثمن تسعون وعشرة
أجزاء من أحد عشر [جزءا] (3) من درهم - وبه قال أبو حنيفة - لأن الربح

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 488، العزيز شرح الوجيز 4: 318، روضة الطالبين 3:
185.
(2) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " تسعون ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز " و " روضة الطالبين ".
247

في المرابحة جزء من أحد عشر، فليكن كذلك الحط في المحاطة، وليس
في حط واحد من العشرة رعاية لنسبة " ده يازده " (1).
ولو كان قد اشترى بمائة وعشرة، فالثمن على الوجه الأول تسعة
وتسعون، وعلى الثاني مائة. وعلى هذا القياس.
وأورد جماعة من فقهاء الشافعية صورة المسألة فيما إذا قال: بعت
بما اشتريت بحط درهم من كل عشرة. وأوردوا فيها الوجهين (2).
وهو خطأ؛ فإن في هذه الصيغة يصير الحط واحدا من كل عشرة،
وإنما موضع الخلاف لفظ " ده يازده ".
ولو قال: بحط درهم من كل (3) عشرة، فالمحطوط واحد من عشرة.
وقال بعض الشافعية: إنه يكون تسعة وجزءا من أحد عشر جزءا (4).
وهو خطأ؛ لأن هذا يكون حطا من كل أحد عشر، ولا وجه له.
ولو قال: بحط درهم لكل عشرة، فالمحطوط واحد من أحد عشر،
ويكون كأنه قال: ضع من كل أحد عشر درهما، فلو قال: بوضيعة " ده
دوازده " (5) كانت الوضيعة من كل اثني عشر درهما درهما (6). وبيانه: أن
تضيف قدر الوضيعة إلى الأحد عشر فيصير اثني عشر، فيسقط من كل اثني
عشر الوضيعة، وهي درهم.

(1) حلية العلماء 4: 297 - 298، العزيز شرح الوجيز 4: 319، روضة الطالبين 3:
186، المغني 4: 287، الشرح الكبير 4: 112.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 319، روضة الطالبين 3: 186.
(3) في " ق ": " لكل " بدل " من كل ".
(4) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 319، وروضة الطالبين 3: 186.
(5) كذا في " ق، ك " والطبعة الحجرية، والظاهر: " يازده دوازده ".
(6) في " ق، ك " والطبعة الحجرية: " درهم ". والصحيح بالنصب.
248

تم الجزء السابع (1) من كتاب " تذكرة الفقهاء " بحمد الله تعالى
(ويتلوه في الجزء الثامن بعون الله تعالى: الفصل الثاني: في بيع النقد
والنسيئة والسلف، وفيه مطلبان.
فرغت من تسويده سلخ ربيع الأول من سنة أربع عشر وسبعمائة
بالسلطانية. وكتب حسن بن يوسف بن مطهر الحلي مصنف الكتاب،
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين) (2) (3).

(1) حسب تجزئة المصنف (قدس سره).
(2) ما بين القوسين لم يرد في " ك ".
(3) ورد في آخر نسخة " ق ": " تم هذا الجزء المشار إليه يوم الثلاثاء خامس عشر
شوال - ختم بالخير والإقبال - من سنة أربع وسبعين وثمانمائة على يد العبد الفقير
إلى الله تعالى الغني، علي بن منصور بن حسين المزيدي عفا الله عنه. والحمد لله
رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ".
وورد في آخر نسخة " ك ". " تم ذلك في غرة ربيع الأول سنة 916 في دار السلام
بغداد، لأجل داعي المؤمنين كتبه حسب... ". ومكان النقاط كلمات ممسوحة.
249

بسم الله الرحمن الرحيم
وفق اللهم لإكماله بمحمد وكرام آله.
الفصل الثاني: في بيع النقد والنسيئة والسلف.
وفيه مطلبان:
الأول: في بيع النقد والنسيئة.
مسألة 414: من باع شيئا معينا بثمن، كان الثمن حالا مع الإطلاق
واشتراط التعجيل؛ لأن قضية البيع تقتضي انتقال كل من العوضين إلى
الآخر، فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها.
أما لو شرط تأجيل الثمن في صلب العقد، فإنه يصح، ويكون البيع
نسيئة؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى الانتفاع بالمبيع معجلا، واستغناء مالكه
عنه، وحاجته إلى الثمن مؤجلا، فوجب أن يكون مشروعا، تحصيلا لهذه
المصلحة الخالية عن المبطلات، ولا نعلم فيه خلافا.
مسألة 415: إذا شرط تأخير الثمن، وجب تعيين الأجل بما لا يحتمل
الزيادة والنقصان، بل يجب أن يكون محروسا عنهما، مضبوطا، فلو جعله
مؤجلا إلى قدوم الحاج أو إدراك الغلات أو جز الثمار أو العطاء، إلى غير
ذلك من الآجال المجهولة، بطل البيع؛ لتطرق الجهالة إلى الثمن، لأنه يزيد
عند التجار بزيادة الأجل وينقص بنقصانه. ولأنه مشتمل على غرر عظيم
251

منهي عنه.
وكذا لو قال: بعتك نسيئة، ولم يذكر الأجل أصلا، كان البيع باطلا.
ولو باعه بثمنين إلى أجلين، فالأظهر: البطلان، وقد سبق (1).
مسألة 416: لو باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها قبل قبض الثمن
بأقل من ذلك الثمن، جاز. وكذا لو باعها بثمن نقدا واشتراها بأكثر منه إلى
أجل، جاز، سواء كان قد قبض الثمن أو لم يقبض - وبه قال الشافعي (2) -
لأن البيع ناقل والعين قابلة للنقل دائما، والمتبايعان من أهل العقد، فكان
صحيحا؛ عملا بالمقتضي السالم عن المبطل. ولأنه ثمن يجوز بيع السلعة
به من غير بائعها، فجاز بيعها به من بائعها، كما لو كان باعه بسلعة أو بمثل
الثمن.
ولأن بشار بن يسار سأل الصادق (عليه السلام): عن الرجل يبيع المتاع بنسأ
فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه، قال: " نعم، لا بأس " فقلت له: اشترى
متاعي، قال: " ليس هو متاعك " (3).
وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز أن يشتريها بدون ذلك
الثمن قبل قبض الثمن. وقال أبو حنيفة: ويجوز أن يشتري بها سلعة قيمتها
أقل من قدر الثمن. فإن باعها بدراهم واشتراها بدنانير قيمتها أقل من قدر
الثمن، لم يجز استحسانا. ولو باعها بأجل ثم اشتراها بأكثر من ذلك
الأجل، لم يجز. ولو اشتراها وكيله له بأقل من الثمن، جاز. ولو اشتراها

(1) في ج 10 ص 224، المسألة 112.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 489، حلية العلماء 4: 287، العزيز شرح الوجيز 4: 135 -
137، روضة الطالبين 3: 85 - 86، المغني 4: 277، الشرح الكبير 4: 51.
(3) الكافي 5: 208 / 4، الفقيه 3: 134 / 585، التهذيب 7: 47 - 48 / 204.
252

والد البائع أو ولده أو من ترد شهادته له لنفسه، لم يجز بأقل من الثمن؛ لما
روى أبو إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها
قالت: دخلت أم ولد زيد (1) بن أرقم وامرأة على عائشة، فقالت أم ولد زيد
ابن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم
اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت،
أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن يتوب (2).
ولأن ذلك ذريعة إلى الربا فإنما أدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة
إلى أجل (3).
وخبر عائشة ليس حجة. على أنه لو كان عندها شيء عن النبي (عليه السلام)
روته، ولا يجوز أن تظلله باجتهادها وهو مخالف في ذلك. على أنا نقول
بموجبه؛ لأنها أنكرت شراءه إلى وقت العطاء وهو مجهول، والعقد الثاني
مبني عليه، فلهذا أنكرتهما.
وأبو حنيفة يجوز الذرائع، وهو أن يبيع تمرا جيدا بدرهم ثم يشتري
به أكثر منه (4).
مسألة 417: إذا باع نسيئة ثم اشتراه (5) قبل الأجل بزيادة أو نقيصة
حالا أو مؤجلا، جاز إذا لم يكن شرطه في العقد، فإن شرطه، بطل، وإلا

(1) في " س " والطبعة الحجرية: " لزيد ".
(2) سنن الدارقطني 3: 52 / 212، سنن البيهقي 5: 330 - 331، المغني 4: 277،
الشرح الكبير 4: 51.
(3) مختصر اختلاف العلماء 3: 113 - 114 / 1195، حلية العلماء 4: 288 - 289،
التهذيب - للبغوي - 3: 489، المغني 4: 277 - 278، الشرح الكبير 4: 51 - 52.
(4) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(5) في الطبعة الحجرية: " اشتراها ".
253

لزم الدور. ولو حل الأجل فابتاعه بغير الجنس، جاز مطلقا، سواء زاد عن
الثمن أو نقص. وإن ابتاعه بالجنس، فالأقوى عندي أنه كذلك.
وقال الشيخ في النهاية: لو باعه بأجل ثم حضر الأجل ولم يكن مع
المشتري ما يعطيه إياه، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إياه من غير نقصان
من ثمنه، فإن أخذه بنقصان من ثمنه، لم يكن ذلك صحيحا، ولزمه ثمنه
الذي كان أعطاه به، فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال،
لم يكن بذلك بأس (1).
والمعتمد: الأول؛ لما تقدم.
مسألة 418: العينة جائزة ليست منهيا عنها عندنا، وبه قال
الشافعي (2).
وهي - عندنا - عبارة عن الإقراض لعين ممن له عليه دين ليبيعها ثم
يقضي دينه منها؛ لأن ذلك يجوز في حق الغير فيجوز في حقه.
ولأن الصادق (عليه السلام) سئل عن رجل يعين عينة إلى أجل فإذا جاء
الأجل تقاضاه فيقول: لا والله ما عندي ولكن عيني أيضا حتى أقضيك،
قال: " لا بأس ببيعه " (3).
وقال الصادق (عليه السلام) في رجل يكون له على الرجل المال فإذا حل قال
له: بعني متاعا حتى أبيعه فأقضي الذي لك علي، قال: " لا بأس " (4).
وفسرها الشافعي بأن يبيع الرجل من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى

(1) النهاية: 388.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 135، روضة الطالبين 3: 85.
(3) التهذيب 7: 48 / 209، الاستبصار 3: 79 / 267.
(4) الفقيه 3: 183 / 826، التهذيب 7: 49 / 210، الاستبصار 3: 80 / 268.
254

المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك نقدا (1). وهو أيضا جائز
عندنا على ما تقدم.
مسألة 419: يجوز البيع نسيئة ونقدا بزيادة عن قيمة السلعة في الحال
وإن تضاعفت، أو نقصان مع علم المشتري؛ لأصالة الصحة، وعملا
بمقتضى العقد السالم عن معارضة الغبن. ولا فرق بين العينة وغيرها.
واعلم أن العينة جائزة كما قلناه.
ولا فرق بين أن يصير بيع العينة عادة غالبة في البلد أو لا يصير على
المشهور عند الشافعي (2).
وقال أبو إسحاق: إذا صار عادة، صار البيع الثاني كالمشروط في
الأول، فيبطلان جميعا (3).
مسألة 420: يجوز بيع الشيء غير المشخص حالا وإن لم يكن
حاضرا إذا كان عام الوجود، كالحنطة والشعير وغيرهما، ولا يجوز إذا
لم يمكن حصوله في الحال، كالفواكه والرطب والعنب في غير أوانها؛
لوجود المقتضي في الأول، وهو العقد جامعا لشرائط الصحة من إمكان
التسليم وغيره، وتعذر الشرط في الثاني.
وفي الصحيح عن الصادق (عليه السلام) وقد سئل عن الرجل يشتري الطعام
من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا، قال: " ليس به بأس " (4).
ولو ساومه عليه ولم يواجبه البيع ثم حصله وباعه بعد ذلك، كان
جائزا؛ لما روى ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا بأس

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 135 - 136، روضة الطالبين 3: 85 - 86.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 137، روضة الطالبين 3: 86.
(4) التهذيب 7: 49 / 211.
255

بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري له نحو الذي طلب ثم
توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد " (1).
ولو باعه قبل شرائه له، جاز؛ لما تقدم.
ولما رواه ابن سنان - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله عن
الرجل يأتيني يريد مني طعاما أو بيع نسيئة وليس عندي، أيصلح أن أبيعه
إياه وأقطع له سعره ثم أشتريه من مكان آخر فأدفعه إليه؟ قال: " لا بأس " (2).
إذا عرفت هذا، فإنما يجوز إذا كان المبيع غير مشخص، أما إذا كان
مشخصا بأن يكون - مثلا - لزيد عبد أو طعام، فيأتي خالد إلى بكر فيطلب
منه ذلك العبد أو الطعام بعينه فيشتريه منه ثم يذهب بكر إلى زيد فيشتريه
منه ليدفعه إلى خالد، فإنه لا يجوز؛ لنهيه (عليه السلام) عن بيع ما ليس عنده (3).
إذا ثبت هذا، فإن فعل، كان العقد الأول باطلا، ويكون الثاني
صحيحا، ثم يجدد العقد الباطل بعد العقد الصحيح.
وروى معاوية بن عمار - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت
له: يجيئني الرجل يطلب المبيع (4) الحرير وليس عندي منه شيء، فيقاولني
عليه فاقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شيء ثم أذهب فأشتري له
الحرير فأدعوه إليه، فقال: " أرأيت إن وجد بيعا هو أحب إليه مما عندك

(1) الكافي 5: 201 / 7، التهذيب 7: 49 / 212.
(2) التهذيب 7: 49 / 213.
(3) سنن ابن ماجة 2: 737 / 2187، سنن أبي داود 3: 283 / 3503، سنن الترمذي
3: 534 / 1232، سنن النسائي 7: 289، سنن البيهقي 5: 267 و 317 و 339،
مسند أحمد 4: 403 / 14887، و 455 / 15145، المصنف - لابن أبي شيبة - 6:
192 / 540، المعجم الكبير - للطبراني - 3: 217 - 218 / 3097 - 3099.
(4) في التهذيب: " البيع ". وفي الفقيه: " بيع ". وفي الكافي: " المتاع " بدل " المبيع ".
256

أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك؟ أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن
تنصرف إليه عنه وتدعه؟ " قلت: نعم، قال: " لا بأس " (1).
وينبغي حمله على المشخص.
مسألة 421: لو جاء إليه شخص يطلب متاعا بقدر معلوم ولم يكن
عنده فاستعاره من غيره ثم باعه إياه ثم اشتراه منه ودفعه إلى مالكه،
لم يجز؛ لأن بيعه له وهو غير مالك باطل، والاستعارة للبيع غير جائزة وإن
جازت للرهن، فيكون الشراء منه أولى بالبطلان.
وفي رواية ابن حديد (2) قال: قلت للصادق (عليه السلام): يجئ الرجل
يطلب مني المتاع بعشرة ألف أو أقل أو أكثر وليس عندي إلا بألف درهم
فأستعيره من جاري فآخذ من ذا وذا فأبيعه ثم أشتريه منه، أو آمر من
يشتريه، فأرده على أصحابه، قال: " لا بأس " (3).
وهذه الرواية ضعيفة؛ فإن ابن حديد ضعيف جدا، فلا تعويل عليها؛
لمنافاتها المذهب.
مسألة 422: يجوز تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه؛ لأنه إبراء، وهو
سائغ مطلقا، ولا يجوز تأخير المعجل بزيادة فيه.
نعم، يجوز اشتراط التأجيل في عقد لازم، كالبيع وشبهه، لا بزيادة
في الدين، بل بزيادة في ثمن ما يبيعه إياه، فلو كان عليه دين حال فطالبه
فسأل منه الصبر إلى وقت معلوم بشرط أن يشتري منه ما يساوي مائة
بثمانين، جاز؛ لأن التأخير أمر مطلوب للعقلاء لا يتضمن مفسدة، وهو غير

(1) الكافي 5: 200 / 5، الفقيه 3: 179 / 809، التهذيب 7: 50 - 51 / 219.
(2) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية. وفي المصدر: عن حديد.
(3) الكافي 5: 199 - 200 / 1، التهذيب 7: 49 - 50 / 214.
257

واجب على صاحب الحق، بل له المطالبة بالتعجيل، وبيع ما يزيد ثمنه
على قيمته جائز مطلقا، فلا وجه لمنعه مجتمعا.
ولأن محمد بن إسحاق بن عمار سأل الرضا (عليه السلام) عن الرجل يكون له
المال قد حل على صاحبه (1) يبيعه لؤلؤة تسوي مائة درهم بألف درهم
ويؤخر عنه المال إلى وقت، قال: " لا بأس " (2).
وسأل محمد بن إسحاق أيضا أبا الحسن (عليه السلام): يكون لي على الرجل
دراهم، فيقول: أخرني بها وأربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم
بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفا، وأؤخره بالمال، قال: " لا بأس " (3).
المطلب الثاني: في السلم.
والنظر في ماهيته وشرائطه وأحكامه.
النظر الأول: في الماهية:
مسألة 423: السلم والسلف عبارتان عن معنى واحد، وهو بيع شيء
موصوف في الذمة مؤجل بشيء حاضر. يقال: سلف، وأسلف، وأسلم.
ويجئ فيه: سلم، غير أن الفقهاء لم يستعملوه.
وذكر الفقهاء فيه عبارات متقاربة:
أ - أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا.
ب - إسلاف عرض حاضر في عرض موصوف في الذمة.

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " يكون له المال يدخل عليه صاحبه ". وفي
الفقيه: "... فيدخل على صاحبه ". وما أثبتناه من الكافي والتهذيب.
(2) الكافي 5: 205 / 10، الفقيه 3: 183 / 823، التهذيب 7: 53 / 228.
(3) الكافي 5: 205 / 11، التهذيب 7: 52 - 53 / 227.
258

ج - تسليم عاجل في عرض لا يجب تعجيله.
وهذه تعريفات رديئة.
وهو يشارك القرض في اللفظ، فيسمى كل منهما سلفا؛ لاشتراكهما
في معنى، وهو أن كل واحد منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال.
مسألة 424: وقد أجمع المسلمون على جوازه.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى فاكتبوه) (1).
قال ابن عباس: إن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله
تعالى في كتابه وأذن فيه، ثم قال: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى) (2) (3) مع أن اللفظ عام يشمل هذا.
وما رواه العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدم المدينة وهم يسلفون في
التمر السنة والسنتين، وربما قال: والثلاث، فقال: " من أسلف (4) فليسلف
في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (5).
ومن طريق الخاصة - في الحسن -: عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بأس في السلم بالمتاع إذا سميت الطول والعرض " (6).

(1 و 2) البقرة: 282.
(3) الام 3: 93 - 94، مختصر المزني: 385، الحاوي الكبير 5: 388، سنن البيهقي 6: 18،
المهذب - للشيرازي - 1: 303، المغني والشرح الكبير 4: 338.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " سلف ". وما أثبتناه من المصادر - ما عدا مسند
أحمد - وكما يأتي في ص 264 و 268 و 276.
(5) صحيح مسلم 3: 1226 - 1227 / 1604، سنن ابن ماجة 2: 765 / 2280، سنن
الترمذي 3: 602 - 603 / 1311، سنن أبي داود 3: 275 / 3463، سنن النسائي
7: 290، مسند أحمد 1: 367 / 1938، مختصر المزني: 90، المغني والشرح
الكبير 4: 338.
(6) التهذيب 7: 27 / 115.
259

ولأصالة (وأحل الله البيع) (1) السالم عن معارض.
مسألة 425: السلف نوع من البيوع لا بد فيه من إيجاب وقبول.
فالإيجاب إما قوله: بعتك كذا وصفته كذا إلى أجل كذا بكذا، وينعقد سلما،
لا بيعا مجردا، فيثبت له جميع شرائط البيع ويزيد قبض رأس المال قبل
التفرق نظرا إلى المعنى لا اللفظ، وإما: أسلمت، أو أسلفت، أو ما أدى
معناه، فيقول: قبلت.
ولو أسلم بلفظ الشراء، فقال: اشتريت منك ثوبا أو طعاما صفته كذا
إلى كذا بهذه الدراهم، فقال: بعته منك، انعقد؛ لأن كل سلم بيع، فإذا
استعمل لفظ البيع فيه، فقد استعمله في موضعه، وإذا انعقد، فهو سلم
اعتبارا بالمعنى كما قلناه، ولا يكون بيعا اعتبارا باللفظ.
وفيه للشافعية وجهان، أصحهما عندهم: الاعتبار باللفظ، فلا يجب
تسليم الدراهم في المجلس، ويثبت فيه خيار الشرط (2).
وهل يجوز الاعتياض عن الثوب؟ فيه لهم قولان، كما في الثمن (3).
ومنهم من قطع بالمنع؛ لأنه مقصود الجنس، كالمبيع (4) [و] (5) في
الأثمان [الغالب] (6) قصد المالية لا قصد الجنس (7).
والحق ما قلناه من أن الاعتبار بالقصد؛ إذ الألفاظ لا دلالة لها بمجرد
ذواتها ما لم ينضم القصد إليها، ولهذا لم يعتد بعبارة الساهي والغافل والنائم

(1) البقرة: 275.
(2 و 3) التهذيب - للبغوي - 3: 570، العزيز شرح الوجيز 4: 395، روضة الطالبين
3: 246.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " كالبيع ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(5 و 6) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
(7) التهذيب - للبغوي - 3: 570، العزيز شرح الوجيز 4: 395، روضة الطالبين 3:
246.
260

والسكران واللاعب والمكره.
وبعضهم قال بما قلناه، فيجب تسليم الدراهم في المجلس (1).
ولا يثبت فيه خيار الشرط عندهم (2). ولا يجوز الاعتياض عن الثوب
عندهم (3)، كغيره من السلف.
ولو قال: اشتريت ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي،
فإن جعلناه سلفا، وجب تعيين الدراهم وتسليمها في المجلس. وإن جعلناه
بيعا، لم يجب.
مسألة 426: وكما ينعقد السلم بلفظ البيع، كذا الأقرب: العكس، فلو
قال: أسلمت إليك هذا الثوب ويعينه في هذا الدينار، انعقد بيعا نظرا إلى
المعنى لا إلى لفظ السلم، فلا يجب التقابض في المجلس حينئذ،
ولا يكون هذا سلما إجماعا.
وللشافعية قولان في انعقاده بيعا نظرا إلى المعنى فينعقد. ويحتمل
عدم الانعقاد؛ لاختلال اللفظ (4).
ولو قال: بعتك بلا ثمن، أو على أن لا ثمن عليك، فقال: قبلت، أو
اشتريت، وقبضه، ففي انعقاده هبة نظر ينشأ: من الالتفات إلى المعنى،
واختلال اللفظ.
وهل يكون المقبوض مضمونا هنا على القابض؟ فيه نظر ينشأ: من
ثبوت الضمان في البيع الفاسد وهذا منه. ومن دلالة اللفظ على إسقاطه.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 395 - 396، روضة الطالبين 3: 246.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 396، روضة الطالبين 3: 246 - 247.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 396، روضة الطالبين 3: 247.
(4) الوسيط 3: 424، الوجيز 1: 154، العزيز شرح الوجيز 4: 395، حلية العلماء
4: 358، روضة الطالبين 3: 246، منهاج الطالبين: 110.
261

وللشافعية وجهان (1).
أما لو قال: بعت، ولم يتعرض للثمن، فإنه لا يكون تمليكا، ويجب
الضمان، وهو قول أكثر الشافعية (2).
وقال بعضهم: فيه الوجهان السابقان (3).
النظر الثاني: في الشرائط. وينظمها مباحث:
البحث الأول: الأجل.
مسألة 427: الأجل شرط في السلم، فلا يجوز حالا، فإن بيع حالا
بلفظ السلم، خرج اللفظ عن حقيقته إلى مجازه، وهو مطلق البيع،
ولم يكن سلما - وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي (4) - لما تقدم (5) من
رواية العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " من أسلف (6) فليسلف في كيل معلوم
ووزن معلوم وأجل معلوم ".
ومن طريق الخاصة: رواية سماعة، قال: سألته عن السلم وهو
السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه، قال: " نعم،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 395، روضة الطالبين 3: 246.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 395، روضة الطالبين 3: 246.
(4) مختصر اختلاف العلماء 3: 6 / 1070، الهداية - للمرغيناني - 3: 73، بدائع
الصنائع 5: 212، المبسوط - للسرخسي - 12: 125، بداية المجتهد 2: 203،
مقدمات ابن رشد: 515، المعونة 2: 988، الوسيط 3: 425، التهذيب - للبغوي -
3: 570، حلية العلماء 4: 359، العزيز شرح الوجيز 4: 396، المغني 4:
355، الشرح الكبير 4: 354.
(5) في ص 261.
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " سلف ". وما أثبتناه من المصادر المشار إليها في
الهامش (5) من ص 261 - ما عدا مسند أحمد - وكما سيأتي في ص 268 و 276.
262

إذا كان إلى أجل معلوم " (1).
ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه، فإنه سمي سلما وسلفا؛
لتعجيل أحد العوضين وتأجيل الآخر، ومعناه أنه وضع للرفق، والرفق
لا يحصل إلا بالأجل.
وقال الشافعي: السلم يجوز حالا ومؤجلا - وبه قال عطاء وأبو ثور
وابن المنذر - لأن الأجل غرر فيه؛ لأن التسليم قد يتعذر وقت الأجل، فإذا
أسقطه، لم يؤثر في صحة العقد، كبيوع الأعيان (2).
ولا ينتقض بالكتابة؛ لأن الغرر يحصل بإسقاط الأجل؛ لأن العبد
يتحقق عجزه عن العوض حال العقد، لأن ما في يده مال السيد إن كان في
يده شيء، ولا يلزم السلم في المعدوم؛ لأن المفسد تعذر القبض في محله
دون الأجل، والاسم حاصل؛ لأن رأس المال يجب قبضه في المجلس،
بخلاف المسلم فيه وإن كان حالا.
وأما الرفق فلحظ المتعاقدين، فإذا أسقطاه، لم يؤثر في العقد، كما
لو أسلم إليه وكان رأس المال أكثر مما يساوي حالا.
ونمنع كون الأجل غررا، وإلا لكان منهيا عنه وخصوصا وقد رويتم
تأويل الآية في الدين أنها عبارة عن السلف (3).

(1) الكافي 5: 199 / 2، التهذيب 7: 27 / 114.
(2) الام 3: 97، مختصر المزني: 90، الحاوي الكبير 5: 396 - 397، المهذب
- للشيرازي - 1: 304، التهذيب - للبغوي - 3: 570، الوسيط 3: 425، حلية
العلماء 4: 359، العزيز شرح الوجيز 4: 396، روضة الطالبين 3: 247، مختصر
اختلاف العلماء 3: 6 / 1070، الهداية - للمرغيناني - 3: 73، بدائع الصنائع 5:
212، المعونة 2: 988، المغني 4: 355، الشرح الكبير 4: 354.
(3) راجع ص 261، المسألة 424.
263

إذا ثبت هذا، فلو باعه سلفا ولم يرد مطلق البيع، كان باطلا عندنا؛
لفوات شرطه.
وعند الشافعي يصح، ويترتب عليه حكم السلف من وجوب قبض
الثمن في المجلس دون المثمن، ومن منع خيار الشرط فيه عندهم. وإذا
كان المسلم فيه معدوما، لم يجز حالا؛ لتعذر تسليمه.
مسألة 428: لو أطلق عقد السلم ولم يرد مطلق البيع، بل بيع السلم،
فإن قال: حالا، بطل عندنا، خلافا للشافعي على ما تقدم (1).
وإن شرط التأجيل، لزم إجماعا. وإن أطلق، بطل؛ لأن الحال باطل،
والمؤجل شرطه تعيين الأجل، ومع الإطلاق لا تعيين.
وللشافعي قولان:
أحدهما: أن العقد يبطل؛ لأن مطلق العقود يحمل على المعتاد،
والمعتاد في السلم التأجيل. ولأن ما يختلف الثمن باختلافه لا بد من
اشتراطه في السلم، كسائر الأوصاف، وإذا كان كذلك، فسد، ويكون كما لو
ذكر أجلا مجهولا.
والثاني: أن العقد يصح، ويكون الثمن حالا، كما في المثمن، وهو
الأصح عندهم (2).
مسألة 429: لو أطلقا العقد ولم يذكرا فيه أجلا، بطل عندنا على
ما تقدم (3) وعلى أحد قولي الشافعي (4)، فلو ألحقا بالعقد أجلا في مجلس

(1) في المسألة السابقة (427).
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 570 - 571، الوسيط 3: 425، العزيز شرح الوجيز 4:
396، روضة الطالبين 3: 247.
(3) في المسألة السابقة (428).
(4) نفس المصادر في الهامش (2).
264

العقد، لم يلحق عندنا؛ لأن العقد الباطل لا يصح بلحوق ما يلحق به في
المجلس، وكيف ينقلب الفاسد صحيحا!؟ وكيف يعتبر مجلسه!؟
وصرح الشافعي هنا بأن الأجل يلحق بالعقد (1).
ويجئ فيه الخلاف السابق في سائر الإلحاقات (2).
قال أصحابه: وهذا دليل على صحة العقد عند الإطلاق؛ إذ الفاسد
لا ينقلب صحيحا (3).
ولو صرحا بالتأجيل في نفس العقد وعيناه، صح العقد، فإن أسقطاه
في المجلس، لم يسقط إلا بالتقايل، ولا يصير العقد حالا.
وقال الشافعي: يسقط، ويصير حالا (4).
إذا ثبت هذا، فاعلم أن الشرط المبطل للعقد إذا حذفاه في المجلس،
لم ينحذف، ولم ينقلب العقد صحيحا، وهو ظاهر مذهب الشافعية (5).
وقال بعضهم: لو حذفا الأجل المجهول في المجلس، انحذف،
وصار العقد صحيحا (6).
واختلفت الشافعية في جريان هذا الوجه في سائر المبطلات، كالخيار
والرهن الفاسدين وغيرهما. فمنهم من أجراه مجرى الأجل (7).
وقال الجويني: الأصح تخصيصه بالأجل؛ لأن بين الأجل والمجلس
مناسبة لا توجد في سائر الامور، وهي أن البائع لا يملك مطالبة المشتري

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 396، روضة الطالبين 3: 247.
(2) كما في العزيز شرح الوجيز 4: 396، وروضة الطالبين 3: 247.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 396.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 396، روضة الطالبين 3: 247.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 396 - 397، روضة الطالبين 3: 247.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 397، روضة الطالبين 3: 247.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 397، روضة الطالبين 3: 247 - 248.
265

بالثمن في المجلس، كما لا يملكها في مدة الأجل، فلم يبعد إصلاح الأجل
في المجلس (1).
واختلفوا أيضا في أن زمان الخيار المشروط هل يلحق بالمجلس في
حذف الأجل المجهول؟ تفريعا على هذا الوجه. والأظهر عندهم: أنه
لا يلحق (2).
مسألة 430: يشترط في الأجل المشروط في عقد السلم أن يكون
معينا مضبوطا محروسا من الزيادة والنقصان، كالشهر والسنة المعينين، فلو
عينا أجلا يحتمل الزيادة والنقصان - كالحصاد وموسم الحاج والزائرين
وقدوم القوافل وطلوع الثريا وإدراك الغلات - لم يجز، وبطل العقد عندنا
- وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (3) - لما رواه العامة من قوله (صلى الله عليه وآله): " من
أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (4).
ومن طريق الخاصة: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا بأس بالسلم كيل
معلوم إلى أجل معلوم، لا يسلم إلى دياس ولا إلى حصاد " (5).
ولأن الأجل إذا كان مجهولا، تعذر القبض والمطالبة، فلم يصح.
وقال مالك: إذا أسلم إلى الحصاد أو الموسم أو ما أشبه ذلك، جاز؛
لأنه أجل تعلق بوقت من الزمان يعرف في العادة لا يتفاوت اختلافه اختلافا

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 397، روضة الطالبين 3: 248.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3: 572، حلية العلماء 4:
372 - 373، الوسيط 3: 426، العزيز شرح الوجيز 4: 397، روضة الطالبين 3:
248، مختصر اختلاف العلماء 3: 21 / 1090، بداية المجتهد 2: 203 - 204،
المغني 4: 356، الشرح الكبير 4: 358.
(4) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 261، الهامش (5).
(5) الكافي 5: 184 (باب السلم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 3: 167 / 740،
التهذيب 7: 27 / 116 بتفاوت يسير.
266

كثيرا، فأشبه ما إذا قال: إلى المهرجان. ولأن يهوديا بعث [إليه النبي (صلى الله عليه وآله)
- فيما روته] عائشة (1) - أن ابعث إلي ثوبين إلى الميسرة (2) (3).
والجواب: قد روى العامة عن ابن عباس أنه قال: لا تبايعوا إلى
الحصاد والدياس، ولا تبايعوا إلا إلى شهر معلوم (4). ونحوه روى الخاصة
عن أمير المؤمنين (5) (عليه السلام).
ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد، فلا يجوز أن يكون أجلا،
ولا يناط به ما يحتاج إلى التعيين من المطالبة والأخذ والعطاء واستحقاق
الحبس مع المنع.
والمهرجان معروف لا يختلف فيه.
ورواية عائشة لا دلالة فيها، مع أن راويها حرمي بن عمارة وكان فيه
غفلة. قال ابن المنذر: لا نتابعه عليه أخاف أن يكون من غفلاته (6).
فروع:
أ - المعلوم أن يسلم إلى شهر من شهور الأهلة، فيقول: إلى شهر

(1) وردت العبارة في " س، ي " والطبعة الحجرية هكذا: " ولأن يهوديا بعث إلى
عائشة " إلى آخره. وهو غلط واضح. وما أثبتناه مما بين المعقوفين موافق لما في
المصادر المشار إليها في الهامش التالي.
(2) سنن الترمذي 3: 518 / 1213، سنن النسائي 7: 294، سنن البيهقي 6: 25،
المستدرك - للحاكم - 2: 23 و 24.
(3) بداية المجتهد 2: 203 - 204، المعونة 2: 989، مختصر اختلاف العلماء 3:
22 / 1090، العزيز شرح الوجيز 4: 397، المغني 4: 356 - 357، الشرح الكبير
4: 358 - 359.
(4) المغني 4: 356، الشرح الكبير 4: 359.
(5) الكافي 5: 184 (باب السلم في الطعام) الحديث 1، الفقيه 3: 167 / 740،
التهذيب 7: 27 / 116.
(6) المغني 4: 357، الشرح الكبير 4: 359.
267

كذا؛ لقوله تعالى: (يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس
والحج) (1) فإذا ذكر هذا الأجل، جاز إجماعا. وكذا يجوز إلى سنة كذا
ويوم كذا بلا خلاف.
ب - يجوز التأقيت بشهور الفرس - ك‍ " تير ماه " و " مرداد ماه " - أو
بشهور الروم - ك‍ " حزيران " و " تموز " - كالتأقيت بشهور العرب؛ لأنها معلومة
مضبوطة عند العامة.
ج - يجوز التأقيت بالنيروز والمهرجان - وبه قال الشافعي (2) - لأنه
معلوم عند العامة.
ونقل عن بعض الشافعية وجه أنه لا يجوز التأقيت بهما؛ لأن النيروز
والمهرجان يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل
برجي الحمل والميزان، وقد يتفق ذلك ليلا ثم يختلس مسير الشمس كل
سنة بمقدار ربع يوم وليلة (3).
د - لو وقتاه بفصح النصارى - وهو عيد من أعيادهم - أو بعيد من
أعياد أهل الذمة، كالشعانين وعيد الفطير، قال الشافعي: لا يجوز (4).
واختلف أصحابه، فأخذ بعضهم بهذا الإطلاق؛ تجنبا عن التأقيت

(1) البقرة: 189.
(2) الوسيط 3: 426، المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3:
572، العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3: 248.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 306، العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين
3: 248 - 249.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 306، حلية العلماء 4: 374، العزيز شرح الوجيز 4:
398، روضة الطالبين 3: 249.
268

بمواقيت الكفار (1).
وأكثرهم فصلوا، فقالوا: إن اختص بمعرفة وقته الكفار ولم يكن
معلوما عندنا ألبتة، فالأمر كذلك؛ لأنه لا اعتماد على قولهم. ولأنهم
يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم، ولا يجوز الركون [إليهم] (2) قال الله
تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (3) وإن عرفه
المسلمون، جاز، كالنيروز والمهرجان (4). وهو المعتمد عندي.
وكذا لو أخبر الكثيرون البالغون مبلغ التواتر بحيث يؤمن عليهم
التواطؤ على الكذب؛ لانتشارهم في البلاد الكبار من الكفار.
وهل يعتبر معرفة المتعاقدين؟ قال بعض الشافعية: نعم (5).
وقال بعضهم: لا يعتبر، ويكتفى بمعرفة الناس، وسواء اعتبر
معرفتهما أو لا [فلو] (6) عرفا، كفى (7).
وفي وجه للشافعية: لا بد من معرفة عدلين من المسلمين سواهما؛
لأنهما قد يختلفان، فلا بد من مرجع (8).
ه‍ - لو أجله إلى عرفة أو الغدير عاشورا أو يوم المبعث، جاز؛ لأن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3: 249.
(2) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إليه ". وما أثبتناه يقتضيه
السياق.
(3) هود: 113.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3: 249.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 572، العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3: 249.
(6) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لو ". وما أثبتناه من المصدر.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3: 249.
(8) التهذيب - للبغوي - 3: 572، العزيز شرح الوجيز 4: 398، روضة الطالبين 3:
249.
269

ذلك معلوم.
ولو وقته بمولد النبي (صلى الله عليه وآله) وكانا يعرفانه أو يعتقدانه، جاز، وإلا فلا؛
لاختلاف الناس فيه، فعندنا أنه السابع عشر من شهر ربيع الأول، وعند
جماعة من العامة: الثاني عشر (1).
و - لو قال: إلى الظهر أو الزوال أو إلى العصر أو إلى الليل، جاز؛
لأنه معلوم، بخلاف الشتاء أو الصيف.
ز - لو وقت بنفير الحجيج، فإن أقته بالأول أو الثاني، جاز. وإن
أطلق، احتمل البطلان؛ لتردد المحل بين النفيرين.
وقال الشافعي: يحمل على الأول؛ لأنه أول ما يتناوله الاسم،
ولتحقق الاسم به. وكذا الخلاف لو قال: إلى " ربيع " أو " جمادى " أو العيد،
ولا يحتاج إلى تعيين السنة (2).
وقال بعض الشافعية: إن التوقيت بالنفر الأول أو الثاني لأهل مكة
جائز؛ لأنه معروف عندهم، ولغيرهم وجهان (3).
وإن عين التوقيت بيوم القر (4) لأهل مكة، وجهان أيضا؛ لأنه
لا يعرفه إلا خواصهم (5).
وقال بعضهم: هذا ليس بشيء؛ لأنا إن اعتبرنا علم المتعاقدين،

(1) انظر: السيرة النبوية - لابن هشام - 1: 167، والبدء والتاريخ 2: 44، ودلائل
النبوة - للبيهقي - 1: 74.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 306، الوجيز 1: 155، العزيز شرح الوجيز 4:
399، روضة الطالبين 3: 249.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 399، روضة الطالبين 3: 249.
(4) يوم القر: اليوم الذي يلي عيدالنحر؛ لأن الناس يقرون في منازلهم، أو يقرون
بمنى. لسان العرب 5: 87 " قرر ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 399، روضة الطالبين 3: 249.
270

فلا فرق، وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم (1).
ح - لو قال: إلى الجمعة، حمل على الأقرب في الجمع. وكذا غيره
من الأيام؛ قضية للعرف المتداول بين الناس، بخلاف " جمادى " و " ربيع ".
ط - لو أجله إلى الجمعة، حل بأول جزء منه؛ لتحقق الاسم، فإذا
طلع الفجر من يوم الجمعة، فقد حل.
ولو قال: إلى شهر رمضان، فإذا غربت الشمس من آخر شعبان، فقد
حل الشهر، ويحل الدين.
والفرق بينهما: أن اليوم اسم لبياض النهار، والشهر يشتمل على الليل
والنهار.
وربما يقال: يحل بانتهاء ليلة الجمعة وانتهاء شعبان (2). والمقصود
واحد.
ي - لو قال: محله في الجمعة، أو في رمضان، أو في سنة كذا
وكذا، فإن لم يعين أول ذلك أو آخره، بطل - وبه قال الشافعي (3) - لأنه
جعل اليوم ظرفا لحلوله ولم يبين. وكذا الشهر والسنة ولم يبين، فيكون
تقديره: أنه في وقت من أوقات يوم الجمعة.
وقال بعض الشافعية: يجوز، ويحمل على الأول، كما لو قال: أنت
طالق في يوم كذا (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 399، روضة الطالبين 3: 249.
(2) كما في العزيز شرح الوجيز 4: 400، وروضة الطالبين 3: 250.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 306 - 307، التهذيب - للبغوي - 3: 571، العزيز
شرح الوجيز 4: 400، روضة الطالبين 3: 250.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3: 571، العزيز شرح
الوجيز 4: 400، روضة الطالبين 3: 250.
271

وفرق الأولون بأن الطلاق يجوز تعليقه بالمجاهيل (1).
ولو قيل بجوازه على تقدير أن الأجل متى شاء البائع أو المشتري في
أي وقت كان من يوم الجمعة أو من الشهر أو من السنة المذكورة، كان
وجها، ويتخير من جعل المشيئة إليه في مبدأ الوقت إلى آخره أي وقت
طالب أو دفع اجبر الآخر على القبول، بخلاف المشيئة المطلقة.
يأ - لو أجله إلى أول الشهر أو آخره، صح، وحمل على أول جزء
من أول يوم من الشهر، أو على آخر جزء من الشهر، كما لو أجل إلى يوم
الجمعة، حمل على أوله وإن كان اسم اليوم عبارة عن جميع الأجزاء. ولأنه
لو قال: إلى شهر كذا، حمل على أول جزء منه، فقوله: " إلى أول شهر كذا "
أقرب إلى هذا المعنى مما إذا أطلق ذكر الشهر، وهو قول بعض الشافعية (2).
والمشهور عندهم: البطلان؛ لأن اسم الأول والآخر يقع على جميع
النصف، فلا بد من البيان، وإلا فهو مجهول (3).
وهو ممنوع؛ لأن الأول أغلب في العرف.
يب - لو أجله إلى سنة أو سنتين، صح، وحمل مطلقه على الهلالية؛
لأنها أغلب استعمالا وأظهر عند العرف؛ فإن قيد بالفارسية أو الرومية أو
الشمسية، تقيد بالمذكور. ولو قال بالعدد، فهو ثلاثمائة وستون يوما. وكذا
لو قال: إلى خمسة أو ستة أشهر، حملت الأشهر على الهلالية؛ لأنه
المتعارف.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 307، التهذيب - للبغوي - 3: 571، العزيز شرح
الوجيز 4: 400.
(2 و 3) التهذيب - للبغوي - 3: 571، العزيز شرح الوجيز 4: 400، روضة الطالبين
3: 251.
272

ثم إن وقع العقد في أول الشهر؛ اعتبر الجميع بالأهلة تامة كانت أو
ناقصة، فإن جرى في أثناء الشهر، عد ما بقي منه بالأيام، وعدت الأشهر
بعد ذلك بالأهلة، ثم يتمم المذكور بالعدد ثلاثين؛ لأن الشهر الشرعي هو
ما بين الهلالين إلا أن في الشهر المنكسر لا بد من الرجوع إلى العدد؛ لئلا
يؤخر أمد الأجل عن العقد، وهو أحد وجهي الشافعية (1).
والثاني: أنه إذا انكسر الشهر، انكسر الجميع، فيعتبر الكل بالعدد (2).
وهو قول أبي حنيفة (3).
وضرب الجويني مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع فرض الانكسار، فقال:
عقدا وقد بقي من صفر لحظة ونقص الربيعان وجمادى، فيحسب الربيعان
بالأهلة، ويضم جمادى إلى اللحظة الباقية من صفر، ويكملان بيوم من
جمادى الآخرة سوى لحظة (4).
وقطع بعض الشافعية بالحلول عند انسلاخ جمادى في الصورة
المذكورة، وأن العدد إنما يراعى لو جرى العقد في غير اليوم
الأخير (5).
مسألة 431: لا ضابط للأجل قلة وكثرة، بل مهما اتفقا عليه من الأجل
القليل أو الكثير إذا كان معينا، صح العقد عليه.
وقال الأوزاعي: أقل الأجل ثلاثة أيام (6). وليس بمعتمد.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 399، روضة الطالبين 3: 250.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 399.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 399، روضة الطالبين 3: 250.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 399 - 400، روضة الطالبين 3: 250.
(6) حلية العلماء 4: 360، مختصر اختلاف العلماء 3: 7 / 1070، المغني 4:
357، الشرح الكبير 4: 355.
273

مسألة 432: لو أسلم في جنس واحد إلى أجلين أو أسلم في جنسين
إلى أجل واحد - كما لو أسلم في قفيزي حنطة إلى شهرين يسلم أحدهما
في آخر الشهر الأول والباقي في آخر الثاني، أو أسلم في قفيز حنطة وقفيز
شعير إلى شهر يسلمهما في آخره - صح عندنا - وهو أصح قولي الشافعي (1) -
للأصل.
والثاني: البطلان في الصورتين؛ لأنه ربما يتعذر تسليم بعض
النجوم أو بعض الأجناس فيه، فيرتفع العقد فيه، ويتعدى إلى
الباقي (2).
وهو خطأ، وإلا لزم في القفيز الواحد ذلك؛ لجواز تعذر
بعضه.
مسألة 433: إذا جعل الأجل العطاء، فإن قصد فعله، بطل؛ لتقدمه
وتأخره، فلا ينضبط. وإن قصد وقته، صح إن كان معلوما، وإلا فلا. ولو
قال: إلى شهر، وأطلق، اقتضى اتصاله، ووقت العقد مبدأ الشهر فالأجل
آخره. وكذا إلى شهرين أو إلى ثلاثة أو إلى سنة أو سنتين، بخلاف المعين،
فإنه يحل بأوله.
ولا يشترط في الأجل أن يكون له وقع في الثمن، فلو قال: إلى
نصف يوم، صح؛ للعموم.

(1 و 2) المهذب - للشيرازي - 1: 307، التنبيه في الفقه الشافعي: 98، التهذيب
- للبغوي - 3: 572، حلية العلماء 4: 375، الحاوي الكبير 5: 399، العزيز
شرح الوجيز 4: 400 - 401، روضة الطالبين 3: 251.
274

البحث الثاني: العلم.
وفيه بابان:
الأول: الجنس.
مسألة 434: يجب أن يكون المسلم فيه معلوما عند المتعاقدين؛
لرواية العامة عنه (صلى الله عليه وآله) " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم
وأجل معلوم " (1).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " لا بأس بالسلم في المتاع
إذا وصفت الطول والعرض " (2) (3).
ولأن المسلم فيه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة، فلا بد من كونه
معلوما.
وإنما يتحقق العلم بالمسلم فيه بأمرين: ذكر اللفظ الدال على
الحقيقة، أعني لفظ الجنس، كالحنطة والشعير والارز والعبد والثوب وأشباه
ذلك. وذكر اللفظ المميز، وهو ما يوصف به مما يميزه عن جميع ما عداه
مما يشاركه في الجنس كثيرا برفع الجهالة، كصرابة (4) الحنطة وحمرتها
ودقتها وغلظها وغير ذلك من الأوصاف، فلو لم يذكر الجنس بل قال:
بعتك شيئا صريبا، أو ذكره ولم يذكر الوصف، بطل، سواء كان مما

(1) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 259، الهامش (5).
(2) الكافي 5: 199 / 3، التهذيب 7: 27 / 113.
(3) في " ي " زيادة: " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا بأس بالسلم بالمتاع إذا سميت الطول
والعرض ". انظر: التهذيب 7: 27 / 115.
(4) صربت الأرض واصرأب الشيء: املاس وصفا. لسان العرب 1: 523 " صرب ".
275

لا ينضبط بالوصف، أو كان وأهمل؛ لأن البيع لا يحتمل جهالة المعقود
عليه وهو عين فلأن لا يحتملها السلم وهو دين أولى.
مسألة 435: يجب أن يذكر كل وصف تختلف القيمة به اختلافا
ظاهرا لا يتغابن الناس بمثله في السلم؛ إذ بدونه يثبت الغرر المنهي عنه.
ويجب أن يأتي في ذكر الوصفين باللفظ الظاهر استعماله بين الناس
غير خفي الدلالة على المعنى عند أهل اللغة بحيث يرجعان إليه عند الاختلاف.
ولا يجب الاستقصاء في الأوصاف إلى أن يبلغ الغاية بحيث يعز
وجودها ويندر حصولها، فلو أفضى الإطناب إلى عزة الوجود، كاللآلي
الكبار التي يفتقر إلى التعرض فيها للحجم والشكل والوزن والصفاء،
واليواقيت الكبار والزبرجد والمرجان التي تفتقر إلى الحجم والوزن والشكل
والصفاء؛ لعظم تفاوت القيمة باختلاف هذه الأوصاف، واجتماعها نادر
جدا، فيكون بمنزلة السلف فيما يتعذر حصوله في الأجل.
أما اللآلي الصغار التي يعم وجودها ويمكن ضبطها بالوزن أو الكيل
وضبط أوصافها التي تختلف القيمة باختلافها فإنه يصح السلم فيها على
الأقوى؛ للأصل الجامع لشرائط الصحة من إمكان الضبط بالأوصاف
المطلوبة، الخالي عن المبطل.
مسألة 436: كل ما لا يمكن ضبط أوصافه المرغوب فيها المختلفة
الأثمان باختلافها لا يصح السلم فيه، وذلك كالخبز واللحم واللآلي والدرر
والجواهر التي لا يمكن ضبطها، وتختلف صغرا وكبرا (1) وصفاء وكدورة
وجودة ورداءة وحسن تدوير وضده، ولا في الجلود؛ لاختلافها، فالوركان

(1) في الطبعة الحجرية: " كبيرا وصغيرا ".
276

ثخين قوي والصدر ثخين رخو، والبطن رقيق ضعيف، والظهر أقوى، فإذا
كان مختلفا، احتاج كل موضع منه إلى وصف ولا يمكن ضبطه، ولا يمكن
ذرعه؛ لاختلاف أطرافه، فمنها داخل وخارج وزائد وناقص، ولا يمكن
ضبط ذلك بالوزن؛ لأن جلدين يتفقان في الوزن ويختلفان في القيمة؛
لخفة أحدهما وسعته، وثقل الآخر وضيقه.
وكذا الرق لا يجوز السلم فيه؛ لأنه جلد تختلف أوصافه على
ما تقدم.
وكذا لا يجوز السلف فيما يتخذ من الجلود، كالنعال المحدثة؛
لاختلاف الجلد. وكذا الخفاف؛ لما فيها من اختلاف الجلود والحشو الذي
لا يوقف عليه، واشتمالها على ظهارة وبطانة وحشو تضيق العبارة عن
ضبطها وذكر أطرافها وانعطافاتها.
وحكي عن ابن سريج جواز السلم فيها (1)، وبه قال أبو حنيفة (2).
تذنيب: ولا يجوز السلم في العقار؛ لاختلاف البقاع، وعدم إمكان
ضبطها، فلا يصح الإطلاق فيها، بل يفتقر إلى التعيين في موضع بعينه،
فيكون بيع عين موصوفة، ولا يكون سلما.
مسألة 437: المختلطات على أقسام أربعة:
أ - المقصودة الأركان التي يمكن ضبط أقدارها وصفاتها، كالثياب
العتابية والخزوز المركبة من الإبريسم والوبر.
وهذا القسم يصح السلم فيه عندنا - وهو أصح وجهي الشافعية؛

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 408.
(2) بدائع الصنائع 5: 309، العزيز شرح الوجيز 4: 408.
277

لسهولة ضبط أوصاف بسائطها، وهو منصوص الشافعي (1) - لقول
الصادق (عليه السلام): " لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض " (2).
والآخر: أنه لا يجوز كالسلم في الغالية والمعجونات (3).
ونمنع حكم الأصل، مع إمكان ضبط البسائط.
ولو كان الثوب مما يعمل عليه الطراز بالإبرة بعد النسج من غير
جنس الأصل، كالإبريسم على القطن أو الكتان، فإن أمكن معرفة تركيبها
وضبط أركانها، جاز، وإلا فلا.
ب - المختلطات التي لا يمكن ضبط أوصاف بسائطها - كالهرائس
والأمراق والحلاوات والمعاجين والجوارشات (4) والغالية المركبة من
المسك والعنبر والكافور - لا يصح السلم فيها؛ للجهل ببسائطها مع تعلق
الأغراض بها، وبه قال الشافعي (5). أما لو أمكن معرفة بسائطها وضبط
أوصافها، فإنه يصح السلم فيها، وكانت من القسم الأول.
ج - المختلطات التي لا يقصد منها إلا الخليط الواحد كالخل من
التمر والزبيب فيه الماء لكنه غير مقصود في نفسه، وإنما يطلب به إصلاح
الخل، ويجوز السلم فيه؛ لإمكان ضبطه بالوصف. واحتياجه إلى الماء؛ إذ

(1) حلية العلماء 4: 368، العزيز شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 257.
(2) الكافي 5: 199 / 1، التهذيب 7: 27 / 113.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 579، حلية العلماء 4: 368، العزيز شرح الوجيز 4:
409، روضة الطالبين 3: 257.
(4) الجوارش: نوع من الحلاوات. معرب. أقرب الموارد 2: 116 " جرش ".
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 305، التهذيب - للبغوي - 3: 581، العزيز شرح
الوجيز 4: 408، روضة الطالبين 3: 257.
278

لا يمكن قوامه بدونه لا يخرجه عن الجواز.
وللشافعية وجهان، هذا أظهرهما. والثاني: المنع؛ لاشتماله على
الماء، فأشبه المخيض (1). والأصل ممنوع.
وأما الخبز: فعندنا لا يجوز السلم فيه؛ لاختلاف أجزائه في النضج
وعدمه والخفة والغلظ، وهو أصح وجهي الشافعية، لا لما قلناه، بل
لأمرين: اختلاطه بالملح، ويختلف الغرض بحسب كثرة الملح وقلته.
والثاني (2): تأثير النار فيه (3).
ولا عبرة عندنا بالوجهين.
والثاني لهم: الجواز - وبه قال أحمد - لأن الملح فيه مستهلك، فصار
الخبز في حكم الشيء الواحد (4).
ونحن لم نعلل بالمزج، بل بالاختلاف الذي لا يمكن ضبطه.
والوجهان عند الشافعية جاريان في السمك الذي عليه شيء من
الملح (5).
ولا بأس به عندنا مع إمكان ضبطه.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 579، العزيز شرح الوجيز 4: 409 - 410، روضة
الطالبين 3: 257 - 258.
(2) أي: الأمر الثاني.
(3) المهذب - الشيرازي - 1: 304، التنبيه في الفقه الشافعي: 66 - 67، العزيز
شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 257 - 258.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 258، المغني 4: 340،
الشرح الكبير 4: 344.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 258.
279

والجبن يجوز السلم فيه أيضا مع إمكان ضبطه، وبه قال الشافعية (1).
واعترض بعضهم باشتماله على الإنفحة، وعندهم المختلط لا يجوز
السلم فيه.
وأجابه (2) بأنه ليس مقصودا، والممنوع منه إنما هو السلم في
الأخلاط المقصودة؛ لجهالة كل واحد منها (3).
وأما اللبن الحليب: فيجوز السلف فيه إجماعا مع وصفه المنضبط.
وأما المخيض فعندنا كذلك.
ومنع الشافعي منه؛ لاشتماله على الماء، فإنه لا يخرج الزبد منه إلا
به، بخلاف خل التمر؛ لأن الماء عماده وبه يكون، وهذا الماء فيه ليس من
مصلحته، فصار المقصود منه مجهولا (4).
ونمنع صيرورة المصلحة علة في المعرفة وعدمها علة في الجهالة.
وأما الأقط: فإنه يجوز السلم فيه؛ لإمكان ضبطه.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: أنه كالجبن يجوز السلم فيه.
والثاني: أنه كالمخيض لا يجوز؛ لما فيه من الدقيق (5).
وأما الأدهان الطيبة - كدهن البنفسج واللينوفر والبان والورد - فإنه
يجوز السلم فيها مع إمكان ضبطها.
وقالت الشافعية: إن خالطها شي من جرم الطيب، لم يجز السلم

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 258.
(2) في هامش الطبعة الحجرية: " وجوابه. خ ل ".
(3) لم نعثر على الاعتراض والجواب فيما بين أيدينا من المصادر.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 409 و 410، روضة الطالبين 3: 258.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 410، روضة الطالبين 3: 258.
280

فيها. وإن مزج السمسم بها ثم اعتصرها، جاز (1).
د - المختلطات في أصل الخلقة، كالشهد. ويجوز السلف فيه - وهو
أصح وجهي الشافعية (2) - لأن اختلاطه في أصل خلقته، فأشبه النوى في
التمر، وكما يجوز السلم في الشهد يجوز في كل واحد من ركنيه.
والثاني للشافعية: المنع؛ لأن أحد جزءيه الشمع، وقد يقل تارة
ويكثر اخرى، فلا يمكن ضبطه (3).
وهذه الكثرة والقلة لم يعتبرها الشارع، كما في صغر النواة وكبرها.
وأما اللبن: فإنه شيء واحد يجوز السلم فيه إجماعا وإن كان قد
يحصل منه شيئان مختلفان، كالزبد والمخيض.
مسألة 438: اللحم لا يجوز السلف فيه عند علمائنا - وبه قال
أبو حنيفة (4) - لأنه لا يضبط بالوصف، ففيه السمين والهزيل، والمشتمل
على العظم والخالي عنه، واللين والقوي.
ولأن جابرا سأل الباقر (عليه السلام) عن السلف في اللحم، قال: " لا تقربه
فإنه يعطيك مرة السمين، ومرة التاوي (5)، ومرة المهزول، اشتره معاينة يدا
بيد " (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 410، روضة الطالبين 3: 258.
(2 و 3) التهذيب - للبغوي - 3: 578، العزيز شرح الوجيز 4: 410، روضة الطالبين
3: 258.
(4) تحفة الفقهاء 2: 15، بدائع الصنائع 5: 210، الهداية - للمرغيناني - 3: 72،
مختصر اختلاف العلماء 3: 11 / 1077، فتاوى قاضيخان 2: 118، بداية المجتهد
2: 202، المغني والشرح الكبير 4: 342.
(5) في " ي " والطبعة الحجرية: " المساوي " بدل " التاوي ". والتاوي: الهالك. لسان
العرب 14: 106 " توا ".
(6) الفقيه 3: 167 / 738، التهذيب 7: 45 / 193.
281

وقال الشافعي: يجوز؛ لأنه يجوز في الحيوان فيجوز في اللحم (1).
والملازمة ممنوعة.
ولا فرق في المنع عندنا بين المطبوخ منه والنيء.
إذا ثبت هذا، فإن الشافعي حيث جوزه قال: يضبط بسبعة (2)
أوصاف: الجنس، كلحم الغنم. والنوع، كالضأن. والسن، فيقول: لحم
صغير أو كبير، فطيم أو رضيع. والذكر والانثى، والسمين والمهزول،
والمعلوف والراعي، وموضعه من البدن، كلحم الرقبة أو الكتف أو الذراع،
وفحل أو خصي، وتسليمه إليه مع العظام؛ لأن اللحم يدخر معه، فأشبه
النوى في التمر. ولأن العظم يلتصق باللحم ويتصل به أكثر من اتصال النوى
بالتمر. وإن أسلم في مشوي أو مطبوخ، لم يجز عنده؛ لأن النار تختلف
فيه. وكره اشتراط الأعجف وإن لم يكره المهزول؛ لأن العجف هزال مع
مرض. ولأن الحموضة في اللبن لا يجوز شرطها؛ لأنها تغير فالعجف
أولى (3).
وهذا كله عندنا باطل؛ للمنع من السلف في اللحم.
إذا ثبت هذا، فلا فرق بين لحم الأهلي ولحم الصيد في المنع عندنا

(1) الام 3: 110، التهذيب - للبغوي - 3: 578، العزيز شرح الوجيز 4: 416،
روضة الطالبين 3: 262، مختصر اختلاف العلماء 3: 11 / 1077، بداية المجتهد
2: 202، المغني والشرح الكبير 4: 342.
(2) كذا حيث إن المذكور هنا ثمانية أوصاف. وفي " العزيز شرح الوجيز " و " روضة
الطالبين " ذكرا الفحل أو الخصي من توابع الشرط الرابع الذي هو الذكورة والانوثة، لا
شرطا مستقلا.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 416 - 417، روضة الطالبين 3: 262 - 263.
282

والجواز عنده.
ويذكر - عنده - في لحم الصيد ستة (1) أوصاف: النوع، والذكر أو
الانثى، والسمن أو الهزال، والصغر أو الكبر، والجيد أو الرديء. وإن كان
يختلف بالآلة التي يصطاد بها، شرطه، فإن صيد الاحبولة أنظف وهو
سليم، وصيد الجارح مجروح متألم، ويقال: صيد الكلب أطيب من صيد
الفهد؛ لطيب نكهة الكلب وتغير فم الفهد، فإن كان ذلك يتباين ويختلف،
وجب شرطه. وإن كان اختلافا يسيرا، لم يجب. فإن كان الصيد يعم
وجوده في جميع الأزمان، أسلم فيه، وجعل محله مما يتفقان عليه. وإن
كان يوجد في وقت دون وقت، أسلم فيه متى شاء، وجعل محله الوقت
الذي يوجد فيه عاما (2).
وهذا كله عندنا ساقط؛ للمنع من السلف في اللحم، وهو قول
أبي حنيفة (3).
وأما لحم الطير فلا يجوز السلف فيه عندنا على ما تقدم (4)، وبه قال
أبو حنيفة (5).
وقال الشافعي: يجوز بناء على أصله من جواز السلف في اللحوم،
فيصف لحم الطير - عنده - بالنوع والصغر والكبر والسمن والهزال والجودة

(1) المذكور هنا خمسة أوصاف، ولعل السادس: الجنس، انظر: المصدر في الهامش
التالي.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 417، روضة الطالبين 3: 263.
(3) راجع المصادر في الهامش (4) من ص 283.
(4) في صدر المسألة.
(5) راجع المصادر في الهامش (4) من ص 283.
283

والرداءة. وإن كان كبيرا، يذكر موضع اللحم منه، ولا يأخذ في الوزن
الرأس والساق والرجل؛ لأن ذلك لا لحم عليه (1).
مسألة 439: قد بينا أن الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلى عزة
الوجود وعسر التحصيل مبطل للسلم؛ لما فيه من تعذر التسليم، الذي هو
مانع من صحة البيع. ولأن في عقد السلم نوع غرر، فلا يحصل إلا فيما
يوثق بتسليمه.
ثم الشيء قد يكون نادر الوجود من حيث جنسه، كلحم الصيد في
موضع العزة، وقد لا يكون كذلك إلا أنه بحيث إذا ذكرت أوصافه التي
يجب التعرض لها، عز وجوده؛ لندور اجتماعها، كاللآلئ الكبار واليواقيت
والزبرجد على ما بينا، وكجارية حسناء معها ولد صفته كذا، أو اخت أو
عمة بحيث يتعذر حصوله، فإنه لا يجوز. ولو لم يتعذر - كجارية معها ولد
أو شاة لها سخلة - فإنه يجوز عندنا.
وبالجملة، الضابط عزة الوجود وتعذره، فيبطل معه ويصح
بدونه.
واختلفت الشافعية، فقال بعضهم: يجب التعرض للأوصاف التي
تختلف بها الأغراض. وبعضهم اعتبر الأوصاف التي تختلف بها القيمة.
وبعضهم جمع بينهما (2).
وليست هذه الأقوال بشيء؛ لأن كون العبد كاتبا أو اميا، وكونه قويا
في العمل أو ضعيفا أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة، ولا يجب
التعرض لها.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 417، روضة الطالبين 3: 263.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 410، روضة الطالبين 3: 257.
284

إذا ثبت هذا، فإطلاق الشافعي المنع من السلف في الجارية
وولدها (1) ليس بشيء.
إذا ثبت هذا، فيجب ذكر الصفات المميزة في الولد المنضم إلى
الجارية أو الاخت أو العمة، كما في صفات الجارية.
مسألة 440: لو شرط كونها حبلى، فالأقرب: الجواز؛ لأنه وصف
مرغوب فيه عند العقلاء، وتختلف به الأغراض والأثمان، لا يوجب عزة
ولا تعذرا في التسليم، فكان جائزا، كغيره من الشروط.
وللشافعية طريقان: أظهرهما: المنع؛ لأن اجتماع الحمل مع الصفات
المشروطة نادر (2).
وهو ممنوع؛ لأنه شرط يمكن حصوله، فجاز انضمامه إلى الشروط
والصفات المشروطة، كما لو شرط كون العبد كاتبا، وكون الجارية ماشطة
مع الصفات المشروطة.
والثاني: قال أبو إسحاق وجماعة: إنه على قولين بناء على أن الحمل
هل له حكم أم لا؟ إن قلنا: له حكم، جاز، وإلا فلا؛ لأنه لا يعرف
حصوله (3).
وهو ممنوع؛ لإمكان المعرفة به.
ولو شرط كون الشاة لبونا، فالأقرب: الجواز. وللشافعية قولان (4).
مسألة 441: ولو أسلم في جارية وولد، جاز، وبه قال الشافعي (5)

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 411، روضة الطالبين 3: 259.
(2 و 3) حلية العلماء 4: 366، العزيز شرح الوجيز 4: 412، روضة الطالبين 3:
259.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 412، روضة الطالبين 3: 259.
(5) انظر: التهذيب - للبغوي - 3: 577.
285

حيث لم يشترط نسبة الولد إليها، ويكون ذلك شراء جارية كبيرة وعبد
صغير إذا لم يقل: ابنها.
ونحن قد بينا جواز ذلك أيضا.
ولو شرط في العبد أنه كاتب أو صانع أو غير ذلك من الصنائع، أو
كون الجارية ماشطة أو صانعة، جاز، ولزمه أدنى ما يقع عليه الاسم، وبه
قال الشافعي (1).
مسألة 442: يجوز السلم في الحيوان بسائر أنواعه عند علمائنا أجمع
- وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق (2) - لما رواه العامة عن
عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن اجهز جيشا
وليس عندنا ظهر، فأمره النبي (صلى الله عليه وآله) أن يبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى
خروج المصدق (3).
ومن طريق الخاصة: رواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)
قال: " لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه فوصفته، فإن
وفيته وإلا فأنت أحق بدراهمك " (4).
وعن زرارة - في الصحيح - عن الباقر (عليه السلام) قال: " لا بأس بالسلم في

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 411 - 412، روضة الطالبين 3: 259.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 576، شرح السنة - للبغوي - 5: 130، حلية العلماء
4: 362، الوسيط 3: 438، الحاوي الكبير 5: 399، العزيز شرح الوجيز 4:
412، روضة الطالبين 3: 259، بداية المجتهد 2: 201، الكافي في فقه أهل
المدينة: 338، المعونة 2: 985، الاستذكار 20: 92 / 29382، مختصر اختلاف
العلماء 3: 12 / 1082، المغني 4: 341، الشرح الكبير 4: 339.
(3) سنن البيهقي 5: 287 و 288، المصنف - لعبد الرزاق - 8: 22 - 23 / 14144.
(4) التهذيب 7: 41 / 174.
286

الحيوان والمتاع إذا وصفت الطول والعرض، وفي الحيوان إذا وصفت
أسنانها " (1).
ولأنه يثبت في الذمة صداقا فيثبت سلما، كالثياب.
وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا يجوز السلم في الحيوان؛ لأن
عمر بن الخطاب قال: إن من الربا أبوابا لا تحصى (2)، وإن منها السلف في
السن. ولأن الحيوان يختلف كثيرا، فلا يمكن ضبطه بالصفة، فأشبه رؤوس
الحيوان وكوارعه (3).
وحديث عمر ليس حجة، ولو كان فهو حديث لم يعرفه أصحاب
الاختلاف. وأي ربا فيه؟ مع أنه محمول على أنه أراد ما كانوا يسلمون فيه
ويشترطون من ضراب فحل بني فلان، على أنه قد روي أن أمير المؤمنين
عليا (عليه السلام) باع جملا له يدعى (4) عصيفيرا (5) بعشرين بعيرا إلى أجل (6).
واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة (7). وما ذكروه
من اختلافه يستلزم عليه الثياب. والأطراف لا تثبت صداقا، بخلاف

(1) التهذيب 7: 41 / 175.
(2) في المغني والشرح الكبير: " لا تخفى " بدل " لا تحصى ".
(3) المغني 4: 340، الشرح الكبير 4: 339، مختصر اختلاف العلماء 3:
82 / 1082، بدائع الصنائع 5: 209، الاستذكار 20: 92 / 29384، شرح السنة -
للبغوي - 5: 130، حلية العلماء 4: 362، التهذيب - للبغوي - 3: 576،
الحاوي الكبير 5: 399، الوسيط 3: 438، بداية المجتهد 2: 201.
(4) في الطبعة الحجرية: " يسمى " بدل " يدعى ".
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " عصفر ". وما أثبتناه من المصادر.
(6) الموطأ 2: 652 / 59، سنن البيهقي 5: 288، و 6: 22، معرفة السنن والآثار 8:
192 / 11602، شرح السنة - للبغوي - 5: 56.
(7) الموطأ 2: 652 / 60، سنن البيهقي 5: 288، و 6: 22، معرفة السنن والآثار 8:
192 / 11603، شرح السنة - للبغوي - 5: 56.
287

الحيوان.
مسألة 443: لا يجوز السلم في رؤوس الحيوانات المأكولة، سواء
كانت مطبوخة أو مشوية أو نية، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد
القولين في النية، أما المطبوخة والمشوية فلا يجوز قولا واحدا؛ لاختلاف
تأثير النار في ذلك، فلم يجز، كما لا يجوز السلم في اللحم المشوي
والمطبوخ. أما النية فوجه المنع: أن أكثر الرأس العظام والمشافر، فاللحم
فيه قليل يختلف، فإذا كان أكثره غير مقصود، لم يجز، بخلاف اللحم
- عنده - يكون فيه العظم؛ لقلة العظم فيه، فالأكثر مقصود - وعندنا أن اللحم
كالرأس في المنع - وبخلاف الحيوان، فإن المقصود جملة الحيوان من غير
التفات إلى آحاد الأعضاء.
والقول الثاني له: الجواز في النية - وبه قال مالك - لأن ذلك لحم فيه
عظم يجوز شراؤه، فجاز السلم فيه، كاللحم (1).
والملازمة ممنوعة، فليس كل ما جاز بيعه جاز السلف فيه.
وعلى تقدير الجواز إنما يجوز عنده بشروط:
أ - أن تكون منقاة من الصوف والشعر، فأما السلم فيها من غير تنقية
فلا يجوز؛ لستر المقصود بما ليس بمقصود.
ب - أن توزن، فإنها تختلف بالصغر والكبر اختلافا بينا، فلا يجزئ
العدد فيها.

(1) بدائع الصنائع 5: 209، مختصر اختلاف العلماء 3: 11 / 1078، فتاوى
قاضيخان 2: 118، المغني والشرح الكبير 4: 341 - 342، بداية المجتهد 2:
202، التهذيب - للبغوي - 3: 582، العزيز شرح الوجيز 4: 418، روضة
الطالبين 3: 263 و 264.
288

ج - أن تكون نية، فأما المطبوخة والمشوية فلا يجوز السلم فيها
بحال (1).
واعتبر بعضهم آخر: أن تكون المشافر والمناخر منحاة عنها (2).
ولم يعتمد عليه أكثرهم (3).
مسألة 444: لا يجوز السلم في الكوارع، سواء كانت مطبوخة أو
مشوية أو نية؛ لعدم انضباطها، فقد يكثر لحمها ويقل.
واختلفت الشافعية (4)، فقال بعضهم: لا يجوز السلم فيها قطعا،
ولم يحك فيها قولين. وبعضهم قال: إن فيها قولين. ولا فرق بينها وبين
الرؤوس؛ لأن الرؤوس والأكارع تختلف بالصغر والكبر، وأكثرها غير
مقصود، فإن جوزوا السلم فيها، اشترطوا الوزن.
وكذا لا يجوز السلف في غير ذلك من أعضاء الحيوان.
وقال بعضهم: يجوز السلف في الكوارع؛ لقلة الاختلاف في
أجزائها (5).
وبعضهم منع من الرؤوس؛ لأن الكبر فيها مقصود، فلا يجوز
اعتبارها بالوزن، فيلحق بالمعدودات (6)، لكن بيعها سلفا بالعدد باطل،
فلهذا لم يجز السلف في الرؤوس.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 418، روضة الطالبين 3: 264.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 418.
(4) انظر: التهذيب - للبغوي - 3: 582، والعزيز شرح الوجيز 4: 418، وروضة
الطالبين 3: 264.
(5) الغزالي في الوجيز 1: 157، وانظر: الوسيط 3: 442.
(6) انظر: الوسيط 3: 441 - 442، والعزيز شرح الوجيز 4: 419، وروضة الطالبين
3: 264.
289

مسألة 445: لا يجوز بيع الترياق ولا السلم فيه؛ لأنه يخالطه لحوم
الأفاعي، وهي حرام، ويمازجه الخمر، وهو نجس. وكذا جميع السموم
من الحيتان وغيرها لا يجوز بيعه ولا السلف فيه؛ لعدم الانتفاع به.
ولو كان مما يصلح قليله للدواء ويكون كثيره سما كالسقمونيا، فإنه
يجوز السلم فيه، ويصفه بما يحتاج إليه إذا أمكن ضبط أوصافه.
ولا فرق عندنا في جواز البيع بين قليله وكثيره، وهو قول أكثر
الشافعية (1).
وقال بعضهم: لا يجوز بيع كثيره؛ لأنه سم (2).
وهو خطأ؛ لأنه لم يبع كذلك، وإذا جاز قليله، جاز بيع جنسه؛ لأن
فيه منفعة بالجملة.
مسألة 446: يجوز السلم في الحيتان مع إمكان ضبطها - وبه قال
الشافعي (3) - لأنها نوع من الحيوان، وقد بينا جواز السلف في أنواعه.
ولا يجوز السلف في شيء من لحوم الطير؛ لأنا بينا بطلان السلم في
اللحوم مطلقا.
وقال الشافعي: يجوز، بناء على مذهبه من جواز السلم في مطلق
اللحم، ويصفه بذكر النوع والصغر والكبر والسمن والهزال والجيد والردي.
وإن كان كبيرا، ذكر موضع اللحم منه، ولا يأخذ في الوزن الرأس والساق
والرجل؛ لأنه لا لحم عليها (4).

(1 و 2) انظر: التهذيب - للبغوي - 3: 581، والعزيز شرح الوجيز 4: 29، وروضة
الطالبين 3: 20، والمجموع 9: 256.
(3) الام 3: 111.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 416 و 417، روضة الطالبين 3: 262 و 263.
290

وكل هذا عندنا باطل.
مسألة 447: يجوز السلف في اللبن والسمن والزبد واللبأ والأقط؛
لإمكان ضبطها بالوصف، وينصرف مطلق اللبن إلى الحلو.
ولو أسلم في اللبن الحامض، قال بعض الشافعية: لا يجوز؛ لأن
الحموضة عيب فيه (1).
والأولى عندي: الجواز؛ فإن العيوبة (2) لا تخرجه عن المالية
والتقويم.
ولو أسلم في لبن يومين أو ثلاثة، جاز إذا بقي حلوا في تلك المدة.
ولو تغير إلى الحموضة، لم يبرأ؛ لأنها عيب، إلا أن يكون حصولها
ضروريا في تلك المدة.
ويجوز السلم فيه كيلا ووزنا، ولا يكال حتى تسكن الرغوة، ويجوز
وزنه قبل سكونها.
ويجوز في السمن كيلا ووزنا، لكن إن كان جامدا يتجافى في
المكيال، تعين الوزن.
وليس في الزبد إلا الوزن، قاله الشافعي (3).
ولو قيل بجواز كيله، أمكن.
وأما اللبأ المجفف: فهو موزون عند الشافعي، وقبل تجفيفه كاللبن (4).
وهل يجوز السلف في المخيض؟ منع منه الشافعي إن كان فيه ماء (5).
والأولى عندي: الجواز مطلقا.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 419، روضة الطالبين 3: 265.
(2) كذا، ولعل الأولى: " الحموضة " بدل " العيوبة ".
(3 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 419، روضة الطالبين 3: 265.
291

ولو مخض اللبن من غير ماء، جاز السلف فيه، ويصح وصفه
بالحموضة، وبه قال الشافعي (1).
مسألة 448: يجوز السلف في الأثمان: الدراهم والدنانير إذا كان الثمن
غير النقدين - وبه قال الشافعي ومالك (2) - لأنه يثبت في الذمة صداقا فيثبت
سلما كغيره. ولأنه يمكن ضبطه بالوصف، وهو أقرب إلى الضبط من
غيره، فكان الجواز فيه أولى.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم فيها؛ لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمنا
فلا تكون مثمنة (3).
وهو ممنوع؛ فإنه يجوز بيع الذهب بمثله وبالفضة، والفضة بمثلها
وبالذهب، ولا [بد أن] (4) يكون كل واحد منهما مثمنا [و] (5) ثمنا كذا هنا.
وإنما لم يجز بالنقدين؛ لأنه يكون صرفا، ومن شرطه التقابض في
المجلس. ولو فرض امتداده حتى يخرج الأجل، فالأولى المنع أيضا.
ولو كان السلم حالا وقلنا به، جاز إذا تقابضا في المجلس، وهو قول
بعض (6) الشافعية.
وقال بعضهم (7): على تقدير جواز الحال لا يجوز هنا؛ لأن لفظ
السلم يقتضي تقديم أحد العوضين واستحقاق قبضه دون الآخر، والصرف

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 419، روضة الطالبين 3: 265.
(2) الام 3: 98، المهذب - للشيرازي - 1: 304، التهذيب - للبغوي - 3: 576،
حلية العلماء 4: 363، العزيز شرح الوجيز 4: 421، روضة الطالبين 3: 268،
المعونة 2: 968، المغني والشرح الكبير 4: 367.
(3) تحفة الفقهاء 2: 11، الهداية - للمرغيناني - 3: 71، النتف 1: 457، المغني
4: 366، الشرح الكبير 4: 367، حلية العلماء 4: 363، العزيز شرح الوجيز 4:
421 - 422.
(4 و 5) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(6 و 7) حلية العلماء 4: 363، روضة الطالبين 3: 268.
292

يقتضي تسليم العوضين جميعا، فلم ينعقد الصرف بلفظ السلم.
والمقدمتان ممنوعتان.
مسألة 449: يجوز السلف في جميع الثمار والفواكه؛ لإمكان ضبطها
بالوصف.
وقد روى ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا بأس بالسلم في
الفاكهة " (1).
وسأل عبد الله بن بكير الصادق (عليه السلام) عن رجل أسلف في شيء
يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها فلم يستوف سلفه، قال: " فليأخذ
رأس ماله أو لينظره " (2).
وكذا يجوز السلف في أصناف الطعام من الحنطة والشعير والدخن
والذرة، وأصناف الحبوب من العدس والسمسم والماش واللوبيا، وغير
ذلك من جميع الأشياء التي يمكن ضبط أوصافها، وعموم وجودها في
المحل، ولا نعلم فيه خلافا؛ للأصل.
ولما رواه محمد الحلبي - في الصحيح - أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن
السلم في الطعام بكيل معلوم إلى أجل معلوم، قال: " لا بأس
به " (3).
وكذا يجوز السلف في العسل والسكر والسيلان والدبس وإن خالطته
النار، خلافا للشافعي فيما خالطته النار (4).

(1) التهذيب 7: 44 / 187.
(2) الفقيه 3: 165 / 728، التهذيب 7: 31 / 131، الاستبصار 3: 74 / 247.
(3) الكافي 5: 185 / 2، التهذيب 7: 28 / 121.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 578 و 579، العزيز شرح الوجيز 4: 417 و 418،
وانظر: روضة الطالبين 3: 263.
293

مسألة 450: يجوز السلف (1) في الوبر والصوف والقطن والإبريسم
والغزل المصبوغ وغير المصبوغ والثياب والحطب والخشب والحديد
والصفر والرصاص والقير والنفط والبزر والشيرج والخضر والفواكه وما تنبته
الأرض والبيض والجوز واللوز والشحم والطيب والملبوس والأشربة
والأدوية والصفر والحديد والرصاص (2) والنحاس والزئبق والكحل
والزيت، وبالجملة سائر أصناف الأموال إذا جمعت الشرائط.
قال الصادق (عليه السلام): " لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول
والعرض " (3).
وسأله سماعة عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع الذي يصنع
في البلد الذي أنت فيه، قال: " نعم، إذا كان إلى أجل معلوم " (4).
وسأل الحلبي الصادق (5) (عليه السلام) عن الزعفران يسلم فيه الرجل دراهم
في عشرين مثقالا أو أقل من ذلك أو أكثر، قال: " لا بأس إن لم يقدر الذي
عليه الزعفران أن يعطيه جميع ما له أن يأخذ نصف حقه أو ثلثه أو ثلثيه
ويأخذ رأس مال ما بقي من حقه " (6).
وهذا الخبر كما دل على المطلوب فقد دل على مطلوب آخر، وهو:
أن الزعفران يجوز السلم فيه مع كثرته، مع أن الكثير منه قاتل.

(1) في " س ": " السلم " بدل " السلف ".
(2) قوله: " والصفر... الرصاص " قد تكرر هنا ذكرها في " س " والطبعة الحجرية.
ولم يرد ذكرها وكذا النحاس والزئبق في " ي ".
(3) الكافي 5: 199 (باب السلف في المتاع) الحديث 1، التهذيب 7: 27 / 113.
(4) التهذيب 7: 41 - 42 / 176.
(5) في المصادر: عن الحلبي، قال: سئل الصادق (عليه السلام).
(6) الكافي 5: 186 / 10، الفقيه 3: 166 / 735، التهذيب 7: 29 / 124.
294

وروى سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) قال: " والأكسية أيضا مثل
الحنطة والشعير والزعفران والغنم " (1) يعني بذلك جواز السلف فيها.
ويجوز السلف في أنواع العطر، العامة الوجود، كالمسك والعنبر
والكافور، وكذا جميع بسائط العطر، كالعود والزعفران والورس. وكذا
يجوز السلم في مركبات العطر، كالغالية (2) والند (3) والعود المطرى (4) إذا
عرف مقدار بسائطه.
ومنع الشافعي من المركب مطلقا؛ لأن كل بسيط منه مقصود
ولا يعرف قدره، ويكون سلما في المجهول (5).
ونمنع الجهالة؛ إذ التقدير المعرفة.
ويجوز السلم في الزجاج مع ضبطه بالوصف، والطين والجص
والنورة وحجارة الأرحية والأبنية والأواني مع الوصف.
وكذا يجوز في البرام المعمولة، والكيزان والحباب والطسوس
والسرج والمنائر والقماقم والطناجير مع ضبط هذه كلها بالوصف، خلافا
للشافعي؛ فإنه منع؛ لندرة اجتماع الوزن في الصفات المشروطة (6). وهو
ممنوع.

(1) التهذيب 7: 32 / 132، الاستبصار 3: 74 / 248.
(2) الغالية: نوع من الطيب مركب من مسك وعنبر وعود ودهن. لسان العرب 15:
134 " غلا ".
(3) الند: ضرب من الطيب يدخن به. لسان العرب 3: 421 " ندد ".
(4) طرى الطيب: فتقه بأخلاط وخلصه. لسان العرب 15: 6 " طرا ".
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 581، العزيز شرح الوجيز 4: 408، روضة الطالبين 3:
257.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3: 268.
295

وكذا يجوز السلم في الكاغذ عددا مع ضبطه بالوصف. وكذا يجوز
في العلس والارز، خلافا للشافعي حيث منع؛ لاستتارهما (1). وينتقض
بمثل الجوز.
ويجوز في الدقيق، خلافا لبعض الشافعية (2).
ولا يجوز السلم على المنافع، كتعليم القرآن وغيره - خلافا
للشافعي (3) - لأن مثل ذلك لا يعد بيعا.
مسألة 451: يجوز السلم في عيدان النبل قبل نحتها مع إمكان ضبطها
بالوصف - وبه قال الشافعي (4) - ويسلم فيه وزنا. وإن أمكن أن يقدر
عرضها وطولها بما يجوز التقدير به في السلم، جاز عددا.
وأما النبل بعد عمله فلا يجوز السلف فيه؛ لأنه يجمع أخلاطا غير
مقصودة (5)؛ لأن فيه خشبا وعصبا وريشا، وبه قال الشافعي، قال: ولأن فيه
ريش النسر. وهو نجس عنده (6).
وأما إذا كان منحوتا حسب، فالأقرب: المنع - وبه قال الشافعي (7) -
لعدم القدرة على معرفة ثخانتها، ويتفاضل في الثخن ويتباين فيه.
وفي موضع آخر قال: يجوز السلم في النشاب الذي لا ريش عليه إذا
أمكن أن يوصف (8).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3: 268.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 421، روضة الطالبين 3: 267.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 409، روضة الطالبين 3: 257.
(5) في " س، ي ": " لأنه يجمع أخلاطا مقصودة ".
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 408، روضة الطالبين 3: 257، المغني 4: 340،
الشرح الكبير 4: 343.
(7) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 408، وروضة الطالبين 3: 257.
(8) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
296

ومنع بعضهم من إمكان وصفه؛ لأن أطرافه خفيفة ووسطه ثخين،
ولا يمكن ضبط ذلك (1).
وأما القسي فلا يجوز السلم فيها؛ لاشتمالها على الخشب والعظم
والعصب، وكل واحد منها مجهول لا يعلم قدره ولا يمكن ضبطه، فإن
فرض إمكانه، جاز.
مسألة 452: لا يجوز السلف (2) في المشوي والمطبوخ - وبه قال
الشافعي (3) - لأنه لا يعلم قدر تأثير النار فيه عادة، وتختلف الأغراض
باختلاف تأثير النار فيه، ويتعذر الضبط في السلم فيه، فأشبه الخبز.
وللشافعية في الخبز وجهان (4).
ولو أمكن ضبط تأثير النار كالسمن والدبس والسكر حيث إن لتأثير
النار فيها نهاية مضبوطة، جاز.
وأما الماء ورد: فالأقرب: جواز السلم فيه.
وللشافعية فيه خلاف؛ لاختلاف تأثير النار فيما يتصعد ويقطر (5).
ولا عبرة بتأثير الشمس، بل يجوز السلم في العسل المصفى بالشمس
عند الشافعية (6).

(1) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 408 - 409.
(2) في " س ": " السلم ".
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 579، الوجيز 1: 157، العزيز شرح الوجيز 4: 117،
روضة الطالبين 3: 263.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 409 و 417، روضة الطالبين 3: 257 و 263.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 418، روضة الطالبين 3: 263.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 578، العزيز شرح الوجيز 4: 418، روضة الطالبين 3:
264.
297

وفي العسل المصفى بالنار عندهم وجهان، وكذا الدبس: أحدهما:
المنع؛ لاختلاف تأثير النار فيه. ولأن النار تعيبه وتسرع الفساد إليه.
والثاني: الجواز (1)، كما اخترناه نحن.
الباب الثاني: في ذكر أوصاف هذه الأجناس.
مسألة 453: يجب أن يذكر في مطلق الحيوان أربعة أوصاف: النوع،
واللون، والذكورة والانوثة، والسن؛ لاختلاف الأغراض باختلاف هذه
الصفات، واختلاف القيم بها.
فإن كان رقيقا، ذكر نوعه، كالتركي والرومي والزنجي، ولونه إن كان
النوع يختلف لونه، كالأبيض والأصفر والأسود. وهل يجب التعرض
لصنف النوع إن كان فيه اختلاف؟ الأولى الوجوب كالنوبي من الزنج.
وللشافعي قولان (2).
ويصف البياض بالسمرة أو الشقرة، والسواد بالصفاء أو الكدورة.
هذا إذا اختلف لون الصنف المذكور، فإن لم يقع فيه اختلاف، أغنى
ذكره عن اللون.
ويذكر الذكورة أو الانوثة؛ لاختلاف الرغبات فيهما.
ويذكر السن، فيقول: محتلم، أو ابن ست أو سبع.
ويبنى الأمر فيه على التقريب حتى لو شرط كونه ابن سبع - مثلا -
بلا زيادة ولا نقصان، لم يجز؛ لندور الظفر به.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 579، العزيز شرح الوجيز 4: 418، روضة الطالبين 3:
263.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 413، روضة الطالبين 3: 259.
298

والرجوع في الاحتلام إلى قول العبد. وفي السن إليه إن كان بالغا.
وإن كان صغيرا فإلى قول سيده إذا احتمل صدقه، وإن لم يعرف سيده،
رجع إلى أهل الخبرة، وعمل على ما يغلب عليه ظنونهم من سنه.
ويزيد في الرقيق وصفين آخرين:
أحدهما: القد، فيذكر أنه طويل أو قصير أو ربع (1)؛ لأن القيمة
تختلف بذلك وتتفاوت تفاوتا عظيما.
ولو قال: خماسي - يعني خمسة أشبار - أو سداسي - يعني ستة
أشبار - جاز.
وقال بعض الشافعية: المراد بالخماسي ابن خمس سنين،
وبالسداسي ابن ست (2).
وقال المسعودي: الخماسي والسداسي صنفان من عبيد النوبة
معروفان عندهم (3).
وقال بعض الشافعية: لا يعتبر ذكر القد عند العراقيين (4).
وكتبهم مملوءة من اعتباره.
الثاني: اشتراط الجودة أو الرداءة، وهو غير مختص بالرقيق
ولا بالحيوان، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة 454: لا يشترط وصف كل عضو على حياله (5) بأوصافه
المقصودة وإن تفاوت به الغرض والقيمة؛ لإفضائه إلى عزة الوجود، لكن

(1) الربع: ما بين الطويل والقصير. لسان العرب 8: 107 " ربع ".
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 414.
(4) الوسيط 3: 439، العزيز شرح الوجيز 4: 413، روضة الطالبين 3: 260.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " حاله ". والصحيح ما أثبتناه.
299

في التعرض للأوصاف التي يعتني بها أهل البصر، ويرغب فيها في الرقيق
- كالكحل (1) والدعج (2) وتكلثم (3) الوجه وسمن الجارية - إشكال ينشأ من
تسامح الناس بإهمالها، ويعدون ذكرها استقصاء، ومن أنها مقصودة
لا يورث ذكرها العزة.
وللشافعية وجهان، أظهرهما: عدم الوجوب (4).
وشرط بعض الشافعية الملاحة؛ لأنها من جملة المعاني؛ إذ المرجع
إلى ما يميل إليه طبع كل أحد (5).
والأظهر: عدم اعتبارها.
وكذا لا يجب التعرض لجعودة الشعر وسبوطته.
مسألة 455: لا يشترط في الجارية ذكر الثيوبة والبكارة إلا مع اختلاف
القيمة باختلافهما اختلافا بينا.
وللشافعية قولان.
أحدهما: عدم الوجوب.
والثاني: الوجوب بناء على اختلاف القيمة هل يتحقق بهما أو
لا؟ (6).
ولو شرط كون العبد يهوديا أو نصرانيا، جاز، كشرط الصنعة.
فإن دفع إليه مسلما، احتمل وجوب القبول؛ لأنه أجود ويجب قبول
الأجود. والعدم؛ لأنه قد يرغب إلى الكافر؛ لاتساع العاملين فيه.

(1) الكحل في العين: أن يعلو منابت الأجفان - الأشفار - سواد مثل الكحل من غير
كحل. لسان العرب 11: 584 " كحل ".
(2) الدعج: شدة سواد العين مع سعتها. لسان العرب 2: 271 " دعج ".
(3) الكلثمة: اجتماع لحم الوجه. لسان العرب 12: 525 " كلثم ".
(4 - 6) العزيز شرح الوجيز 4: 414، روضة الطالبين 3: 260.
300

ولو شرط كونه ذا زوجة أو كون الجارية ذات زوج، جاز إذا لم يندر
وجوده، وهو قول بعض الشافعية (1).
ولو شرط كونه سارقا أو زانيا، جاز قاله بعض الشافعية (2).
ولا بأس به، لكن الأقرب أنه لو أتاه بالسليم، وجب القبول.
ولو شرط كون الجارية مغنية أو عوادة (3)، لم يجز؛ لأنها صناعة
محظورة، والسرقة والزنا امور تحدث، كالعور وقطع اليد (4).
وفي الفرق إشكال.
مسألة 456: لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، جاز - وهو قول بعض
الشافعية (5) - لأنه حيوان يجوز السلم فيه، فجاز إسلاف بعضه في بعض،
كالإبل.
وقال أبو إسحاق من الشافعية: لا يجوز؛ لأنها قد تكبر في المحل
وهي بالصفة المشترطة، فيسلمها بعد أن يطأها، فتكون في معنى استقراض
الجواري (6).
وهو غلط؛ لأن الشيئين إذا اتفقا في إفادة معنى ما، لم يلزم
اتحادهما، على أنا نمنع حكم الأصل؛ فإن استقراض الجواري جائز عندنا
على ما يأتي، وإذا اشترى جارية ووطئها ثم وجد بها عيبا، ردها،
ولا يجري مجرى الاستقراض. ولأنه يجوز إسلاف صغار الإبل في كبارها،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 414، روضة الطالبين 3: 260 - 261.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 414 - 415، روضة الطالبين 3: 261.
(3) في العزيز شرح الوجيز 4: 415، وروضة الطالبين 3: 261: " قوادة ". والعوادة:
التي تضرب بالعود الذي هو آلة من المعازف. القاموس المحيط 1: 319 " عود ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 415، روضة الطالبين 3: 261.
(5 و 6) حلية العلماء 4: 367، العزيز شرح الوجيز 4: 415، روضة الطالبين 3: 261.
301

فجاز في الرقيق.
إذا تقرر هذا، فلو جاء بالجارية الصغيرة وقد كبرت على الصفات
المشترطة، وجب على المشتري القبول؛ لأن المثمن موصوف وهي
بصفته. ولأنه قد جاء بما عليه على الوجه الذي عليه، فيجب عليه قبوله،
كغيره من الأسلاف، وهو أحد قولي الشافعية (1).
والثاني: لا يجوز، وإلا لزم اتحاد الثمن والمثمن (2).
واستحالته هنا ممنوعة، ولم يتحد في أصل العقد، والمحال إنما هو
ذلك، وعلى هذا لا فرق بين أن تكون الجارية صغيرة أو كبيرة في كبيرة
بصفتها، وإذا وطئها، فلا مبالاة بالوطئ، كوطئ الثيب وردها بالعيب.
مسألة 457: ويجب في الإبل ما يجب [ذكره] في مطلق الحيوان من
النوع والذكورة والانوثة واللون، كالأحمر والأسود والأزرق، والسن، كابن
مخاض أو بنت لبون أو غير ذلك، ويزيد: من نتاج بني فلان ونعمهم إذا
كثر عددهم وعرف بهم نتاج، كطي وبني قيس.
ولو نسب إلى طائفة قليلة، لم يجز، كما لو نسب الثمرة إلى بستان
بعينه.
ولو اختلف نتاج بني فلان وكان فيها أرحبية (3) ومجيدية (4)، فلابد

(1 و 2) حلية العلماء 4: 367، العزيز شرح الوجيز 4: 415، روضة الطالبين 3:
261.
(3) أرحب: حي أو موضع ينسب إليه النجائب الأرحبية. لسان العرب 1: 416
" حرب ".
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: محدثة. والصحيح ما أثبتناه. قال الفيومي في
المصباح المنير: 564: الإبل المجيدية على لفظ التصغير. ونقل عن الأزهري أنها
من إبل اليمن كالأرحبية.
302

من التعيين - وهو أظهر قولي الشافعية (1) - لأن الأنواع مقصودة، فوجب
ذكرها. والآخر: لا يجب؛ لأن الإنتاج إذا كان واحدا، تقارب ولم يختلف (2).
مسألة 458: ويجب في الخيل ما يجب ذكره في مطلق الحيوان من
الامور الأربعة وما يجب في الإبل، فإن لها نتاجا كنتاج الإبل، ولا يجب ذكر
الشيات (3)، كالأغر والمحجل، فإن ذكرها، وجب له ذلك. ولو أهمل، جاز
وحمل قوله: " أشقر " أو " أدهم " على البهيم؛ لأن قوله: " أسود " أو " أشقر "
يقتضي كون اللون كله ذلك؛ لأنه الحقيقة.
مسألة 459: البغال والحمير لا نتاج لها، فلا يبين نوعهما بالإضافة إلى
قوم، بل يصفهما وينسبهما إلى بلادهما، ويصفهما بكل وصف تختلف به
الأثمان.
وأما الغنم فإن عرف لها نتاج، فهي كالإبل. وإن لم يعرف لها نتاج،
نسبت إلى بلادها. وكذا البقر.
ولو أسلم في شاة حامل أو معها ولدها أو بقرة كذلك، جاز، خلافا
للشافعي (4).
ولو أسلم في شاة لبون، صح؛ لأنه وصف مميز، فجاز كغيره.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما، ويكون ذلك شرطا يتميز به،
ولا يكون سلما في لبن. والثاني: لا يجوز؛ لأنه بمنزلة السلف في حيوان
معه لبن مجهول، فلا يجوز (5). وهو ممنوع.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 415، روضة الطالبين 3: 261.
(3) الشية: كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره. والجمع: شيات. الصحاح 6:
2524 " وشى ".
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 577، العزيز شرح الوجيز 4: 411، روضة الطالبين 3: 259.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 305، حلية العلماء 4: 367 - 368، العزيز شرح
الوجيز 4: 412، روضة الطالبين 3: 259.
303

إذا ثبت هذا، فإنه لا يلزمه تسليم اللبن، بل له أن يحلبها ويسلمها،
فإن الواجب ما من شأنه ذلك.
مسألة 460: هل يجوز السلم في الطيور؟ الأقرب: ذلك إن أمكن
ضبطها بالوصف كالنعم وغيرها.
وللشافعية فيه قولان، أحدهما: الجواز كالنعم. والثاني: المنع؛ لأنه
لا يمكن ضبط سنها، ولا يعرف قدرها بالذرع (1).
ويمنع اشتراطهما فيها.
وعلى ما قلناه من الجواز يذكر النوع، ويصفه بالصغر والكبر من
حيث الجثة، ولا يكاد يعرف سنها، فإن عرف، ذكره.
ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود،
ويوصف كل جنس من الحيوان بما يليق به.
مسألة 461: ويصف اللبن بما يميزه عن غيره من ذكر النوع أولا ومن
اللون، ونوع العلف، كالعوادي - وهي التي ترعى ما حلا من النبات -
والأوارك (2)، وهي التي تقم في الحمض، وهو كل نبات فيه ملوحة،
فتسمى حمضية، وتختلف ألبانها بذلك، فلابد من التعرض له، ويذكر
معلوفه أو راعيه؛ لاختلاف اللبن بهما. والإطلاق يقتضي الحلاوة والطراوة،
فلا يحتاج أن يقول: حليب يومه، أو حلوا.
وأما السمن فيجب أن يذكر جنس حيوانه، فيقول: سمن بقر أو ضأن

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 305، التهذيب - للبغوي - 3: 576، العزيز شرح
الوجيز 4: 416، روضة الطالبين 3: 262.
(2) في " س " والطبعة الحجرية: " والأوراك ". وفي " ي ": " والادراك ". والكل غلط،
والصحيح ما أثبتناه. والإبل الأوارك: التي اعتادت أكل الأراك. وهو شجر من
الحمض. لسان العرب 10: 389 " أرك ".
304

أو معز، وبمكة: سمن ضأن نجدية، وسمن ضأن تهامية، ويتباينان في
الطعم واللون والثمن، فيجب ذكره أبيض أو أصفر، وأنه حديث أو عتيق.
وإطلاقه يقتضي الحديث؛ لأن العتيق معيب.
وقيل (1): إن كان متغيرا، وإلا فلا، إنما يصلح للجراح.
ويذكر الجيد والردي والقدر وزنا.
وأما الزبد فيذكر فيه ما ذكر في السمن، وأنه زبد يومه أو أمسه؛ لأنه
يختلف بذلك. ولا يجوز أن يعطيه زبدا اعيد في السقا وطري، فإن أعطاه
ما فيه رقة، فإن كان لحر الزمان، قبل. وإن كان لعيب، لم يقبل.
وأما الجبن فيصفه بما تقدم ويقول: رطب، أو يابس، حديث، أو
عتيق. ويذكر بلده؛ لاختلافه باختلاف البلدان.
وأما اللبأ فيوصف بما يوصف به اللبن إلا أنه يوزن. ويجوز السلم
فيه قبل الطبخ إذا كان حليبا. ويذكر لونه؛ لأنه يختلف.
وأما إذا طبخ بالنار، فعندنا يجوز السلم فيه مع إمكان ضبطه، خلافا
لبعض الشافعية (2).
وقال بعضهم: يجوز؛ لأن النار التي تكون فيه لينة لا تعقد أجزاءه (3).
والأول أشهر عندهم (4)؛ لأن النار تختلف فيه ويختلف باختلافها.
مسألة 462: يجب أن يذكر في الثياب الجنس من قطن أو كتان،
والبلد الذي ينسج فيه، كبغدادي أو رازي أو مصري إن اختلف به الغرض،

(1) القائل هو القاضي أبو الطيب، كما في العزيز شرح الوجيز 4: 419، وروضة
الطالبين 3: 265، وانظر حلية العلماء 4: 370.
(2 و 3) المهذب - للشيرازي - 1: 304، التهذيب - للبغوي - 3: 579، حلية العلماء
4: 370.
(4) انظر: حلية العلماء 4: 370.
305

والطول والعرض، والصفاقة والرقة، والغلظ والدقة، والنعومة أو الخشونة،
والجودة والرداءة. وقد يغني (1) ذكر النوع عن البلد والجنس إن دل عليهما،
ولا يذكر مع هذه الأوصاف الوزن، فإن ذكره، جاز، وهو قول بعض
الشافعية (2).
وقال بعضهم: لا يجوز؛ لأن اشتراط الوزن مع هذه الأوصاف يوجب
العزة؛ لبعد اتفاقه (3).
وهو ممنوع؛ فإنه يجوز في الأواني.
وإن ذكر الخام أو المقصور، جاز. وإن أطلق، أعطاه ما شاء؛ لتناول
الاسم له، والاختلاف به يسير، وبه قال الشافعي (4).
وإن ذكر جديدا مغسولا، جاز. وإن ذكر لبيسا مغسولا، لم يجز؛
لاختلاف اللبس، فلا ينضبط.
ولو شرط أن يكون الثوب مصبوغا، جاز مع تعيين اللون مطلقا عندنا.
وقال الشافعي: إن كان يصبغ غزله، جاز؛ لأن ذلك من جملة صفات
الثوب. وإن صبغ بعد نسجه، لم يجز؛ لأنه يصير في معنى السلم في
الثوب والصبغ المجهول. ولأن صبغ الثوب يمنع من الوقوف على نعومته
وخشونته (5).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " مضى " بدل " يغني ". وذلك تصحيف.
والصحيح ما أثبتناه.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 306، حلية العلماء 4: 366.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3: 575، حلية العلماء 4:
366، العزيز شرح الوجيز 4: 405، روضة الطالبين 3: 255.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 420، روضة الطالبين 3: 266.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 305، التهذيب - للبغوي - 3: 579، حلية العلماء 4:
368، العزيز شرح الوجيز 4: 420، روضة الطالبين 3: 266.
306

والوجهان باطلان؛ لأن السلم في المجموع لا يستلزم انعقاده
بالتفصيل في الأجزاء، ولو كان السلم في مجموع الثوب والصبغ، لكان
كذلك وإن كان الصبغ في الغزل، وأي فرق بينهما؟ والنعومة والخشونة
تدركان مع الصبغ وعدمه؛ إذ ذلك ليس جوهرا قائما في المصبوغ مانعا من
إدراكه، ولو جاز ذلك، لما صح السلف في الغزل المصبوغ ولا في الغزل
المنسوج.
والأقرب: جواز السلف في الثياب المخيطة، كالقميص والسروال إذا
ضبط بالطول والعرض والسعة.
مسألة 463: ويصف الكرسف - وهو القطن - بنسبة (1) البلد،
كالبصري والموصلي، واللون، كالأبيض والأسمر، والنعومة والخشونة،
والجيد والردي، وكثرة لحمه وقلته، وطول العطب (2) وقصرها، وكونه
عتيقا أو حديثا إن اختلف الغرض به. ويصف القدر بالوزن، فإن شرط
منزوع الحب، جاز. وإن أطلق، كان له بحبه؛ لأن الحب فيه بمنزلة النوى
في التمر. والمطلق يحمل على الجاف.
ويجوز السلم في الحليج وفي حب القطن، ولا يجوز في القطن في
الجوزق (3) قبل التشقق؛ لعدم معرفته. ويجوز بعده.
وللشافعية قولان، هذا أحدهما، وأظهرهما عندهم: العدم؛ لاستتار
المقصود بما لا مصلحة فيه (4).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " نسبة ".
(2) العطب: القطن. لسان العرب 1: 610 " عطب ".
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الجوز ". ولم نعثر في اللغة على كلمة " الجوز "
بهذا المعنى، والصحيح ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 420، روضة الطالبين 3: 266.
307

ويجوز السلم في الغزل، ويصفه بما ذكرناه إلا الطول والقصر، ويزيد
فيه: دقيقا أو غليظا. ويجوز السلم في غزل (1) الكتان، ويجوز شرط كون
الغزل مصبوغا، وبه قال الشافعي وإن منع في الثوب (2).
مسألة 464: يذكر في الإبريسم البلد، فيقول: خوارزمي، أو بغدادي.
ويصف لونه، فيقول: أبيض أو أصفر. ويذكر الجودة أو الرداءة، والدقة أو
الغلظ. ولا يحتاج إلى ذكر النعومة أو الخشونة؛ لأنه لا يكون إلا ناعما.
وهل يجوز السلف في القز وفيه دوده؟ الأقرب عندي: ذلك،
ويكون الدود جاريا مجرى النوى في التمر.
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأنه إن كان حيا، لم يكن فيه مصلحة في
كونه فيه، فإنه يقرضه ويفسده. وإن كان ميتا، فلا يجوز بيعه، والقز دونه
مجهول. وإن كان قد خرج منه الدود، جاز السلم فيه (3).
مسألة 465: يجب أن يذكر في الصوف سبعة أوصاف: البلد،
كالحلواني والحلبي أو غير ذلك. واللون، كالأبيض والأسود والأحمر،
وطويل الطاقات أو قصيرها، وصوف الذكورة أو الإناث؛ لأن صوف الإناث
أنعم، فيستغنى بذلك عن ذكر النعومة والخشونة. ويذكر الزمان، فيقول:
خريفي أو ربيعي؛ لأن الصوف الخريفي أنظف؛ لأنه عقيب الصيف.
ويذكر الجودة أو الرداءة. ويذكر مقداره وزنا، ولا يقبل إلا نقيا من الشوك
والبعر. وإن شرط كونه مغسولا، جاز. فإن عابه الغسل، فالأقوى عندي:
الجواز، خلافا للشافعي (4).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " عود " بدل " غزل ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 420، روضة الطالبين 3: 266.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 419 - 420، روضة الطالبين 3: 265.
308

وكذا الوبر والشعر يجوز السلف فيهما كالصوف، ويضبط بالأوصاف
والوزن.
مسألة 466: الخشب أنواع، منه الحطب المتخذ للوقود، ويذكر نوعه
من الطرفاء والخلاف والأراك والعرعر وغير ذلك؛ لاختلاف الأغراض
بسببه، ويذكر الدقة والغلظ، أو الوسط، واليبوسة أو الرطوبة (1)، والجودة
أو الرداءة، ويذكر مقداره بالوزن، وأنه من نفس الشجر أو أغصانه،
ولا يجب التعرض للرطوبة والجفاف، فالمطلق يحمل على الجاف، ويجب
قبول المعوج والمستقيم؛ لأنهما واحد.
ومنه خشب البناء، فيذكر نوعه من التوت أو الساج، والطول،
والغلظ والدقة، والرطوبة أو اليبوسة، فإن كان يختلف لونه، ذكره، ويصف
طوله وعرضه إن كان له عرض، أو دوره أو سمكه، والجودة والرداءة، فإن
ذكر وزنه، جاز، ولا يحتاج إليه، خلافا لبعض الشافعية (2). وإن لم يذكر
سمحا، جاز، وليس له العقد؛ لأنه عيب، فإذا أسلم فيه، لزمه أن يدفعه
إليه من طرفه إلى طرفه بالعرض، أو الدور أو السمك الذي شرطه، فإن كان
أحد طرفيه أغلظ مما شرطه (3)، فقد زاده خيرا. وإن كان أدق، لم يجب
عليه أخذه.
وإن كان الخشب من الجذوع، وجب ذكر نوعها، فإن البادرايا
والإبراهيمي والفحل والدقل أصلب من غيرها (4).

(1) كذا، والظاهر زيادة جملة " واليبوسة أو الرطوبة " لأن المؤلف (قدس سره) سيذكر عدم
وجوب التعرض للرطوبة والجفاف.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 421، روضة الطالبين 3: 267.
(3) في الطبعة الحجرية: " شرط ".
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " غيره ". والصحيح ما أثبتناه.
309

ولا يجوز السلم في المخروط؛ لاختلاف أعلاه وأسفله.
ومنه: عيدان القسي والسهام. ويجب ذكر النوع من نبع (1) أو غيره،
والدقة أو (2) الغلظ.
وقال بعضهم: يجب أن يذكر أنها جبلية أو سهلية؛ لأن الجبلي أصلح
وأقوى لها (3).
وبعضهم أوجب فيه وفي خشب البناء التعرض للوزن (4) (5).
ويذكر قدم نباتها وحدوثه.
ومنه ما يصلح للنصب، فيذكر نوعه، كالآبنوس، ولونه، وغلظه أو
دقته، وسائر ما يحتاج إلى معرفته بحيث يخرج من حد الجهالة.
ومنه ما يطلب ليغرس، فيسلم فيه بالعدد، ويذكر النوع والطول
والغلظ.
مسألة 467: أقسام الأحجار ثلاثة (6):
منها: ما يتخذ للأرحية. ويجب أن يصفها بالبلد، فيقول: موصلي أو
تكريتي. وإن اختلف نوعه، ذكره. وكذا يذكر اللون إن اختلف. ويصف
دوره وثخانته، وجودته ورداءته. وإن ذكر وزنه، جاز، وكذا إن تركه.
وإن ذكره، شرط وزنه بالقبان إن أمكن. وإن تعذر، وزن بالسفينة،
فيترك فيها وينظر إلى أي حد تغوص ثم يخرج ويوضع مكانه رمل وشبهه

(1) النبع: شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسي. لسان العرب 8: 345 " نبع ".
(2) في الطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 421، روضة الطالبين 3: 267.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " للون " بدل " للوزن ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 421، روضة الطالبين 3: 267.
(6) أقسام الأحجار، المذكورة هنا أكثر من ثلاثة.
310

حتى تغوص السفينة إلى الحد الذي غاصت، ثم يخرج ذلك ويوزن فيعرف
وزن الحجارة.
ومنها: ما يتخذ للبناء، فيذكر نوعها ولونها من البياض أو الخضرة،
ويصف عظمها، فيقول: ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثا أو أربعا على
سبيل التقريب؛ لتعذر التحقيق. ويصف الوزن مع ذلك، والجودة والرداءة.
ويجوز السلم في الأحجار الصغار التي تصلح للمنجنيق، ولا يجوز
إلا وزنا، وينسبها إلى الصلابة، ولا يقبل المعيب.
ومنها: الرخام، ويذكر نوعه، ولونه وصفاءه، وجودته أو رداءته،
وطوله وعرضه إن كان له عرض، و (1) دوره إن كان مدورا، وثخانته. وإن
كان له خطوط مختلفة، ذكرها.
ومنها: حجارة الأواني، فيذكر نوعها، كبرام طوسي أو مكي،
وجودتها ورداءتها وجميع ما يختلف الثمن باختلافه وقدره وزنا.
ومنها: البلور، ويصفه بأوصافه.
ويجوز السلم (2) في الآنية المتخذة منها، فيصف طولها وعرضها
وعمقها وثخانتها وصنعتها إن اختلفت، فإن وزن مع ذلك، كان أولى.
ومنها: حجارة النورة والجص، وينسبها إلى أرضها، فإنها تختلف
بالبياض أو السمرة، ويذكر الجودة أو الرداءة.
وإن أسلف في النورة والجص، يذكر كيلا معلوما، ولا يجوز إجمالا.
وليس له أخذ الممطور منها وإن يبس؛ لأنه عيب.
ومنها: الآجر، ويصف طوله وعرضه وثخانته.

(1) في " ي " والطبعة الحجرية: " أو " بدل " و ".
(2) في " س ": " السلف " بدل " السلم ".
311

وفي وجه للشافعي: المنع من السلف فيه؛ لأن النار مسته (1).
ويصف اللبن بالطول والعرض والثخانة.
ولو أسلف (2) في اللبن وشرط طبخه، جاز. والمرجع في ذلك إلى
العادة.
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأنه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من
الحطب. ولأنه قد يتلهوج (3) ويفسد (4). وليس بشيء.
مسألة 468: ويصف أنواع العطر بما يميز كل واحد منها عن صاحبه،
فيذكر لون العنبر: أبيض أو أشهب أو أخضر. وإن اختلف في البلدان،
قال: عنبر بلد كذا. ويذكر الجودة أو الرداءة.
ويذكر قطعة وزنها كذا إن وجد من الأقطاع بذلك الوزن. فإن شرط
قطعة، لم يجبر على أخذ قطعتين. وإن أطلق، كان له أن يعطيه صغارا أو
كبارا.
وأما العود فيتفاوت نوعه، فيجب ذكره، كالهندي وغيره. ويذكر كل
ما يعرف به، والجودة أو الرداءة. وكذا الكافور، والمسك، ولا يجوز السلم
في فأره؛ لأن بيعه بالوزن.
مسألة 469: ويجوز السلم في اللبان (5) والمصطكي والصمغ العربي
وصمغ الشجر (6) كله، فإن كان منه في شجرة واحدة - كاللبان - وصفه بأنه

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3: 268.
(2) في " س ": " أسلم " بدل " أسلف ".
(3) أي: لم ينعم طبخه. لسان العرب 2: 360 " لهج ".
(4) لم نعثر عليه في مظانه.
(5) اللبان: الكندر. لسان العرب 13: 377 " لبن ".
(6) في الطبعة الحجرية: " الشجرة ".
312

أبيض، وأنه غير ذكر، فإن منه شيئا يعرفه أهل العلم به يقولون: إنه ذكر إذا
مضغ فسد.
وما كان منه في شجر شتى - كالغراء - وصف شجره.
ويوزن فيه شيء من الشجر، ولا يوزن الشجرة إلا محضة (1).
والطين الأرمني وطين البحيرة والمختوم يدخلان في الأدوية.
ويوصف جنسه ولونه وجودته أو رداءته، ويذكر الوزن.
وإن كانت معرفته عامة، جاز السلف فيه وإن خفي عن المسلمين إذا
عرفه غيرهم.
وقال الشافعي: إن لم يعرفه المسلمون، لم يجز. وأقلهم عدلان
يشهدان على تميز (2) الأرمني عن غيره من الطين الذي بالحجاز وشبهه (3).
مسألة 470: يصف الرصاص بالنوع، فيقول: قلعي أو اسرب،
والنعومة أو الخشونة، والجودة أو الرداءة، واللون إن كان يختلف، والوزن.
ويصف الصفر بالنوع من شبه وغيره، واللون، والخشونة أو النعومة،
والوزن.
وكذا يصف النحاس والحديد، ويزيد في الحديد: الذكر أو الانثى،
والذكر أكثر ثمنا؛ فإنه أحد وأمضى.
وأما الأواني المتخذة منها فيجوز السلم فيها - وبه قال الشافعي (4) -
فيسلم في طشت أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو

(1) كذا، والظاهر أن العبارة هكذا: " ولا يوزن فيه شيء من الشجر، ولا توزن
الصمغة إلا محضة ".
(2) في الطبعة الحجرية: " تمييز ".
(3) الام 3: 117.
(4) الام 3: 131.
313

حديد، ويذكر سعة معروفة، ويذكر معه الوزن.
ولو لم يذكره، قال الشافعي: يصح، كما يصح أن يبتاع ثوبا
بصفة (1) (2).
والأقرب: أنه شرط.
ومنع بعض الشافعية السلم في القماقم والسطول المقدرة (3)
والمراجل؛ لاختلافها، فإن القمقمة بدنها واسع وعنقها ضيق (4).
وقال آخرون منهم بجوازه؛ لإمكان وصفه، وعدم التفاحش في
اختلافه (5).
ولو ابتاع أواني من شجر معروف، صح مع إمكان ضبطه وسعته
وقدره من الكبر والصغر والعمق، ويصفه بأي عمل، وبالثخانة أو الرقة.
وإن شرط وزنه، كان أولى.
مسألة 471: التمر أنواع، فيجب في السلم فيه ذكر النوع، كالبرني
والمعقلي. وإن (6) اختلفت البلدان في الأنواع، وجب النسبة إليها، فيقال:
برني بغداد أحلى من برني البصرة، وآزاد الكوفة خير من آزاد بغداد.
ويذكر اللون إن اختلف النوع، كالمكتوم والطبرزد منه أحمر وأسود.
ويصفه بالصغر والكبر، والجودة والرداءة، والحداثة والعتق، فإن

(1) في " س، ي ": " يصفه ".
(2) الام 3: 131.
(3) كذا، والظاهر: " المدورة " بدل " المقدرة ".
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 580، العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3:
268، منهاج الطالبين: 112، وانظر: حلية العلماء 4: 370.
(5) حلية العلماء 4: 369.
(6) في " س، ي ": " فإن " بدل " وإن ".
314

قال: عتيق عام أو عامين، كان أحوط. وإن لم يذكر، جاز، ويعطيه ما يقع
عليه اسم العتيق غير متغير ولا مسوس، فيصف التمر بستة: النوع، والبلد،
واللون، والجودة أو الرداءة، والحداثة أو العتق، والصغر أو الكبر - وبه قال
الشافعي (1) - لاختلاف الأثمان باختلاف هذه الأوصاف.
وقال أصحاب أبي حنيفة: يكفي أن يذكر الجنس والنوع والجودة؛
لأن ذلك يشتمل على هذا (2).
مسألة 472: إذا أسلم في الرطب، وصفه بما يصف التمر إلا الحداثة
والعتق؛ فإن الرطب لا يكون عتيقا، فإذا أسلم في الرطب، لم يجبر على
أخذ المذنب (3) والبسر، وله أن يأخذ ما ارطب كله، ولا يأخذ مشدخا،
وهو ما لم يترطب فشدخ، ولا الناشف، وهو ما قارب أن يتمر؛ لخروجه
من كونه رطبا. وكذا ما جرى مجراه من العنب والفواكه.
وقال بعض الشافعية: يجب التعرض للحديث والعتيق في
الرطب (4).
نعم، يجوز أن يشترط لفظ " يومه " أو " أمسه " ويلزم ما شرط. وإن
أطلق، جازا معا.
وأما التمر فلا يأخذه إلا جافا؛ لأنه لا يكون تمرا حتى يجف. وليس
عليه أن يأخذه معيبا، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة. ولا يجب تقدير المدة

(1) حلية العلماء 4: 363، العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3: 264،
منهاج الطالبين: 112.
(2) حلية العلماء 4: 364.
(3) المذنب من البسر: الذي قد بدا فيه الإرطاب من قبل ذنبه. لسان العرب 1: 390
" ذنب ".
(4) الوسيط 3: 443، العزيز شرح الوجيز 4: 422، روضة الطالبين 3: 264.
315

التي مضت عليه. ويأخذه مكبوسا. ولا يأخذ ما عطش فأضر به العطش،
ولا الفطير الذي لا يتناهى تشميسه.
مسألة 473: يصف الحنطة بامور ستة: البلد، فيقول: شامية أو
عراقية، فإن أطلق، حمل على ما يقتضيه العرف إن اقتضى شيئا، وإلا بطل،
ويقول: محمولة أو مولدة، يعني محمولة من البلد الذي تنسب إليه، أو
تكون مولدة في غيره. ويذكر الحداثة والعتق، والجيد أو الرديء. واللون،
كالحمراء أو البيضاء أو الصفراء وإن اختلفت بالحدارة، وهو امتلاء الحب،
أو الدقة وصفائه، ويذكر الصرابة أو ضدها.
وينبغي أن يذكر القوي أو ضده، والانوثة أو ضدها، والحداثة أو
العتق (1).
وإذا أسلف في الدقيق، ضبطه بالوصف. ولو أسلم في طعام على أن
يطحنه، جاز، خلافا للشافعي (2).
والعلس قيل: إنه جنس من الحنطة، حبتان في كمام فيترك كذلك؛
لأنه أبقى له حتى يراد استعماله ليؤكل (3).
وحكمه حكم الحنطة في كمامها لا يجوز السلف فيه إلا ما يلقى (4)
عنه كمامه - عند الشافعية (5) - لاختلاف الكمام، ولغيبوبة الحب فلا يعرف.
والأولى: الجواز، ويبنى فيه على العادة. وله السليم.

(1) الظاهر زيادة جملة: " والحداثة أو العتق " حيث ذكرهما المصنف (قدس سره) آنفا.
(2) الام 3: 130.
(3) الام 3: 103.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إلا ما يتلف " بدل " إلا ما يلقى ". والظاهر ما أثبتناه.
(5) الام 3: 103.
316

وكذا حكم كل صنف من الحبوب من ارز أو دخن أو سلت يوصف
كما توصف الحنطة [ويطرح] (1) كمامه دون قشره عند الشافعية (2).
وعندنا الأقرب: جوازه.
وكذا يصف الشعير بما يصف به الحنطة.
مسألة 474: ويصف العسل بالبلد، كالجبلي والمكي والبلدي.
والزمان، كالربيعي والخريفي والصيفي. واللون، كالأبيض والأصفر.
والجودة والرداءة. وله عسل صاف من الشمع، سواء صفي بالنار أو بغيرها.
ويجب عليه قبوله.
وقال الشافعي: لا يجبر على قبول ما صفي بالنار؛ لأن النار تغير
طعمه فتنقصه، ولكن يصفيه بغير نار (3).
وقال بعضهم: إن صفي بنار لينة، لزمه أخذه (4).
وإن جاءه بعسل رقيق، رجع إلى أهل الخبرة، فإن أسندوا الرقة إلى
الحر، لزمه قبوله. وإن أسندوها إلى العيب، لم يجبر على قبوله.
ولو شرطه بشمعه غير صاف منه، جاز، وكان بمنزلة النوى.
مسألة 475: قد بينا أنه يجوز اشتراط الجودة والرداءة، بل يجب؛
لاختلاف (5) في القيمة بأعيانهما.

(1) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بطرح ". والظاهر ما
أثبتناه.
(2) الام 3: 104.
(3) الام 3: 106.
(4) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(5) كذا، والظاهر: للاختلاف.
317

ولا يجوز اشتراط الأجود إجماعا؛ لعدم انحصاره؛ فإنه ما من متاع
إلا ويمكن وجود ما هو أجود منه.
وفيه إشكال؛ لإمكان ضبطه في بعض الأمتعة، كالطعام، فإنه قد
تتناهى جودته.
وأما إن شرط الأردأ، فقال بعض (1) فقهائنا وبعض (2) الشافعية: إنه
يجوز؛ لأنه بأي طعام أتاه لزمه أخذه؛ لأنه إن كان أردأ (3)، وجب قبوله.
وإن كان غيره أردأ منه، وجب قبوله أيضا؛ لأنه إذا دفع فوق حقه في
الوصف، وجب عليه قبوله، فلا يؤدي إلى التنازع والاختلاف.
والحق: المنع أيضا هنا؛ لأن الأردأ غير مضبوط حالة العقد، والمبيع
يجب أن يكون مضبوطا حالة العقد، فينتفي شرط صحة البيع، فتنتفي
الصحة.
البحث الثالث: في شرط كون المسلم فيه دينا.
يشترط في المسلم فيه عندنا كونه دينا؛ لأن لفظ السلم والسلف
موضوع للدين، فلو قال: بعتك هذه السلعة سلما، وهي مشاهدة،
لم يصح؛ لاختلال اللفظ.
أما لو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس بسلم
أيضا، فإن قصد بلفظ السلم مطلق البيع، احتمل الانعقاد؛ لجواز إرادة

(1) لم نتحققه.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3: 578، العزيز شرح
الوجيز 4: 424، روضة الطالبين 3: 269.
(3) في " س ": " لأنه إن كان الواجب " بدل " لأنه إن كان أردأ ".
318

المجاز مع القرينة. والمنع؛ للاختلال، وقد سبق.
وكذا يشترط فيه كون المسلم فيه مؤجلا، فلا يجوز السلف الحال،
وقد تقدم (1).
البحث الرابع: إمكان وجود المسلم فيه عند الحلول.
مسألة 476: يشترط كون المسلم فيه موجودا وقت الأجل ليصح
إمكان التسليم فيه.
وهذا الشرط ليس من خواص السلم، بل هو شرط في كل مبيع،
وإنما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوب التسليم، سواء كان المبيع حالا
أو مؤجلا، فلو أسلم في منقطع عند المحل - كالرطب في الشتاء - لم يصح.
وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده ويقل وقت الأجل حصوله، كالرطب
في أول وقته أو آخره؛ لتعذر حصول الشرط.
ولو غلب على الظن وجوده وقت الأجل لكن لا يحصل إلا بمشقة
عظيمة، كالقدر الكثير من الباكورة (2)، فالأقرب: الجواز؛ لإمكان التحصيل
عند الأجل وقد التزمه المسلم إليه.
وقال أكثر الشافعية: لا يجوز؛ لأن السلم عقد غرر، فلا يحتمل فيه
معاناة المشاق العظيمة (3).
مسألة 477: يجوز أن يسلم في شيء ببلد لا يوجد ذلك الشيء فيه،

(1) في ص 264، المسألة 427.
(2) الباكورة من كل شيء: المعجل المجيء والإدرك. والانثى: باكورة. لسان العرب
4: 77 " بكر ".
(3) الوسيط 3: 429، العزيز شرح الوجيز 4: 401، روضة الطالبين 3: 251.
319

بل ينقل إليه من بلد آخر؛ لإمكان التسليم وقت الأجل، فكان سائغا كغيره.
ولا فرق بين أن يكون قريبا أو بعيدا، ولا أن يكون مما يعتاد نقله
إليه أو لا. ولا تعتبر مسافة القصر هنا، وهو قول بعض الشافعية (1).
وقال بعضهم: إن كان قريبا، صح، وإن كان بعيدا، لم يصح (2).
وقال آخرون: إن كان مما يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة، لا في
معرض التحف والهدايا والمصادرات، صح السلم، وإلا فلا (3).
أما لو أسلم في شيء يوجد غالبا في ذلك البلد وقت الحلول فاتفق
انقطاعه فيه وأمكن وجوده في غيره من البلاد، فهل يجب على البائع نقله؟
الأقرب: ذلك مع انتفاء المشقة وعدم البعد المفرط. ولا عبرة بمسافة
القصر ولا إمكان الرجوع من يومه.
مسألة 478: يجوز السلم في كل معدوم إذا كان مما يوجد غالبا في
محله، ويكون مأمون الانقطاع في أجله - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد
وإسحاق (4) - لما رواه العامة عن ابن عباس قال: أشهد أن السلف
المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى في كتابه وأذن فيه. ثم
تلا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل
مسمى) (5) الآية، وأنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين، والثمار لا تبقى

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 401، روضة الطالبين 3: 251.
(4) الوجيز 1: 155، العزيز شرح الوجيز 4: 401، المهذب - للشيرازي - 1:
305، حلية العلماء 4: 361، روضة الطالبين 3: 251 - 252، المنتقى - للباجي -
4: 300، مختصر اختلاف العلماء 3: 10، ذيل الرقم 1075، المغني 4: 360 -
361، الشرح الكبير 4: 361.
(5) الام 3: 93 - 94، مختصر المزني: 385، سنن البيهقي 6: 18، المهذب - للشيرازي -
1: 303، المغني والشرح الكبير 4: 338. والآية 282 من سورة البقرة.
320

هذه المدة، بل تنقطع.
ومن طريق الخاصة: رواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله عن
رجل باع بيعا ليس عنده إلى أجل وضمن البيع، قال: " لا بأس " (1).
ولأنه يثبت في الذمة مثله ويوجد في محله غالبا، فجاز عقد السلم
عليه، كما لو كان موجودا.
وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة: لا يجوز السلم في المعدوم، بل
يجب أن يكون جنسه موجودا حال العقد إلى حال المحل؛ لأن كل زمان
من ذلك يجوز أن يكون محلا للمسلم فيه بأن يموت المسلم إليه، فاعتبر
وجوده فيه، كالمحل (2).
وهو غلط؛ لأنه لو اعتبر ذلك، لأدى إلى أن تكون آجال العقد
مجهولة، والمحل جعله المتعاقدان محلا، بخلاف المتنازع حيث لم يجعلاه
محلا، فهو بمنزلة ما بعد المحل.
مسألة 479: إذا أسلم فيما يعم وجوده وقت الحلول ثم انقطع وجوده
لجائحة عند المحل، لم ينفسخ البيع - وبه قال أبو حنيفة، وهو أصح قولي
الشافعي (3) - لأن العقد صح أولا، وإنما تعذر التسليم، فأشبه ما لو اشترى
عبدا فأبق من يد البائع. ولأن المسلم فيه تعلق بالذمة، فأشبه ما إذا أفلس
المشتري بالثمن، لا ينفسخ العقد، كذا هنا.
والقول الثاني للشافعي: إنه ينفسخ؛ لأن المسلم فيه من ثمرة ذلك

(1) الكافي 5: 201 / 8، التهذيب 7: 28 / 118.
(2) المغني والشرح الكبير 4: 361، مختصر اختلاف العلماء 3: 9 / 1075، حلية
العلماء 4: 361، العزيز شرح الوجيز 4: 402.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252، المغني والشرح الكبير
4: 361.
321

العام، وإذا هلكت، انفسخ العقد، كما لو باع قفيزا من صبرة فتلفت. وإنما
قلنا: إن العقد تعلق بثمرة تلك السنة؛ لأنه يجبر على دفعه منها، وكما لو
تلف المبيع قبل القبض (1).
ويمنع تعيين المبيع في ثمرة تلك السنة؛ لأنهما لو تراضيا على دفع
ثمرة من غيرها، جاز. ولأن المسلم فيه لا يجوز تعيينه، وإنما اجبر على
دفعه؛ لتمكنه من دفع ما هو بصفة حقه.
مسألة 480: إذا انقطع المبيع عند الأجل، فقد قلنا: إن العقد
لا ينفسخ، بل يتخير المشتري بين الصبر إلى وقت إمكان الوجود
وبين الفسخ؛ لتضرره بالصبر. ولأنه شرط ما لم يسلم له، فكان له الخيار.
ولأن التأخير كالعيب، ولهذا يختلف الثمن باختلافه، فكان له الخيار، كما
لو دفع إليه المعيب.
ولما رواه عبد الله بن بكير عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله عن رجل أسلف
في شيء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه،
قال: " فليأخذ رأس ماله أو لينظره " (2).
إذا ثبت هذا، فإذا فسخ المشتري البيع، وجب على المسلم إليه رد
رأس المال إن كان باقيا. وإن كان تالفا، فمثله إن كان مثليا. وإن لم يكن له
مثل، رد قيمته. وكذا على قول الشافعي بالفسخ (3).
وإن اختار الصبر إلى مجيء المبيع، طالب به، فإن تعذر بعضه ووجد
بعضه، تخير المسلم بين الفسخ في الجميع؛ لتبعض حقه، وبين أخذ

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252.
(2) الفقيه 3: 165 / 728، التهذيب 7: 31 / 131، الاستبصار 3: 74 / 247.
(3) المغني والشرح الكبير 4: 361.
322

الموجود، ويرجع بحصة الباقي أو يصبر بالباقي.
وهل له أن يأخذ الموجود ويفسخ في المعدوم؟ الأقرب: ذلك.
وعند الشافعي أنه مبني على تفريق الصفقة (1).
وإذا جوزنا له الفسخ في المعدوم، أخذ الموجود بحصته من الثمن،
وهو أصح قولي الشافعي. والثاني: أنه يأخذه بجميع الثمن أو يرده (2).
وإذا أخذه بالكل، فلا خيار للبائع. وإن أخذه بالحصة، فالأقرب ذلك
أيضا؛ لأن التعيب بالتفريق حصل من البائع بترك دفع الجميع.
وللشافعي في خيار البائع وجهان (3).
إذا ثبت هذا، فإنه لا ينفسخ البيع لو قبض البعض من أصله، كما
لا ينفسخ لو لم يقبض شيئا؛ للأصل.
ولما رواه عبد الله بن سنان - في الحسن - عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله
أرأيت إن أوفاني بعضا وعجز عن بعض أيصلح لي أن آخذ بالباقي رأس
مالي؟ قال: " نعم، ما أحسن ذلك " (4).
مسألة 481: ولا فرق في الخيار بين الصبر والفسخ بين أن لا يوجد
المسلم فيه عند المحل أصلا وبين أن يكون موجودا ويؤخر البائع التسليم
حتى ينقطع، وهو أحد قولي الشافعية، وأن الخلاف في فسخ العقد من
أصله والخيار كما تقدم جار في الصورتين معا (5).
وفرق بعضهم، فقال: الخلاف في الفسخ والخيار إنما هو فيما إذا

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 142، روضة الطالبين 3: 90.
(3) لم نعثر عليه في مظانه.
(4) الكافي 5: 185 / 3، التهذيب 7: 28 / 122.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252.
323

لم يوجد المسلم فيه عند الأجل، أما إذا وجد وفرط البائع بالتسليم،
فلا ينفسخ العقد بحال؛ لوجود المسلم فيه وحصول القدرة (1).
وليس بشيء؛ لتضرر المشتري في الصورتين. ولأنه كالعيب المتجدد
في يد البائع، فإنه يوجب للمشتري الخيار.
مسألة 482: لو أجاز المشتري ثم بدا له في الفسخ، احتمل وجوب
الصبر، وعدم الالتفات إليه في طلب الفسخ؛ لأنه إسقاط حق، فأشبه إجازة
زوجة العنين، وهو أحد وجهي الشافعية (2).
ويحتمل أن له الفسخ، ولا يكون ذلك إسقاط حق، بل تكون هذه
الإجازة إنظارا، والإنظار تأجيل، والأجل لا يلحق العقد بعد وقوعه، فأشبه
زوجة المولي إذا رضيت بالمقام ثم ندمت، فإذا اشترط حق الفسخ، لا يسقط.
ولو قال المسلم إليه للمسلم: لا تصبر وخذ رأس مالك، فللمسلم (3)
أن لا يجيبه.
وللشافعية وجه: أنه يجب عليه الإجابة (4). وليس بشيء.
ولو حل الأجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة والمسلم فيه
منقطع، فالوجه: أنه لا ينفسخ العقد من أصله، بل يتخير المشتري كما
تقدم (5).
وللشافعية قولان: الفسخ من أصل العقد، وتخيير المشتري (6).
ولو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فللمسلم إليه ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 402، وانظر: روضة الطالبين 3: 252.
(5) في ص 324، المسألة 480.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252.
324

حضر والمسلم فيه منقطع، فكما تقدم من تخيير المشتري عندنا، ومن
الوجهين: الفسخ والتخيير عند الشافعية (1).
مسألة 483: لو أسلم في شيء عام الوجود عند الحلول ثم عرضت
آفة علم بها انقطاع الجنس عند المحل، احتمل تخيير المشتري في الحال
بين الصبر والفسخ؛ لتحقق العجز في الحال.
ويحتمل وجوب الصبر، ولا خيار في الحال؛ لأنه لم يأت وقت
وجوب التسليم.
وللشافعي قولان، أحدهما: أنه يتخير في الفسخ في الحال، أو
ينفسخ في الحال. والثاني: أنه لا يتخير ولا ينفسخ إلا في المحل.
وهذا الخلاف مأخوذ من الخلاف فيما إذا حلف ليأكلن هذا الطعام
غدا فتلف قبل الغد من فعله أنه يحنث في الحال أو يتأخر إلى الغد؟ (2).
ويحصل الانقطاع بأن لا يوجد المسلم فيه أصلا بأن يكون ذلك
الشيء ينشأ من تلك البلدة وقد أصابته جائحة مستأصلة، وهو انقطاع
حقيقي.
وفي معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة ولكن لو نقل إليها فسد.
وإذا لم يوجد إلا عند قوم مخصوصين وامتنعوا من بيعه، فهو
انقطاع. ولو كانوا يبيعونه بثمن غال، فليس انقطاعا، ووجب تحصيله ما
لم يتضرر المشتري به كثيرا. ولو أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة
إليها، وجب نقله مع عدم التضرر الكثير.
مسألة 484: إذا أسلم في شيء وقبض البعض عند الأجل وتعذر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 402، روضة الطالبين 3: 252.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 402 - 403، روضة الطالبين 3: 252.
325

الباقي، فقد قلنا: إنه يتخير المشتري بين الفسخ في الجميع وفي الباقي،
سواء باع ما أخذه منه بزائد أو لا؛ لما رواه سليمان بن خالد عن
الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يسلم في الزرع فيأخذ بعض طعامه ويبقى
بعض لا يجد وفاء، فيرد على صاحبه رأس ماله، قال: " فليأخذ فإنه حلال "
قلت: فإنه يبيع ما قبض من الطعام بضعف (1)، قال: " وإن فعل فإنه حلال " (2).
مسألة 485: وهل له أن يأخذ القيمة بسعر وقت الأجل أو المطالبة؟
الأقرب: ذلك؛ لأنه قد استحق مالا في ذمة البائع فجاز بيعه، كما يجوز بيع
سائر الديون، أو أن يعوضه عن العين (3) بالقيمة، كما لو قضى الدين من
غير جنسه.
ولما رواه أبان بن عثمان عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) في
الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول: ليس عندي
طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه، قال: " لا بأس بذلك " (4).
وقد روى علي بن جعفر قال: سألته عن رجل له على رجل آخر تمر
أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال: " إذا قومه دراهم فسد، لأن
الأصل الذي يشتري به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم " (5).
قال الشيخ (رحمه الله): الذي افتي به ما تضمنه هذا الخبر من أنه إذا كان
الذي أسلف فيه دراهم، لم يجز له أن يبيع عليه بدراهم؛ لأنه يكون قد باع

(1) في المصدر: " فيضعف ".
(2) الكافي 5: 185 / 4، التهذيب 7: 29 / 123.
(3) في الطبعة الحجرية: " الدين " بدل " العين ".
(4) الكافي 5: 185 - 186 / 6، التهذيب 7: 30 / 127، الاستبصار 3: 75 / 252.
(5) قرب الإسناد: 264 - 265 / 1051، التهذيب 7: 30 / 129، الاستبصار 3:
74 / 246.
326

دراهم بدراهم، وربما يكون فيه زيادة ونقصان وذلك ربا.
ثم تأول الخبر الأول بأن يكون قد أعطاه في وقت السلف ثمنا غير
الدراهم، فلا يؤدي ذلك إلى الربا؛ لاختلاف الجنسين (1)؛ لما رواه
العيص بن القاسم - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل
أسلف رجلا دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد
عنده دواب ورقيقا ومتاعا يحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال:
" نعم، يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعا " (2).
والوجه: ما اخترناه. ولا ربا هنا؛ لأن التقدير أنه اشترى متاعا بأحد
النقدين ثم باعه بذلك النقد، ومن شرط الربا بيع أحد المتماثلين جنسا
بصاحبه مع التفاضل.
البحث الخامس: في علم المقدار.
مسألة 486: المبيع إن كان مما يدخله الكيل أو الوزن، لم يصح بيعه
سلفا إلا بعد ذكر قدره بأحدهما؛ لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (3).
ومن طريق الخاصة: قال الصادق (عليه السلام): " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
لا بأس بالسلم كيل معلوم إلى أجل معلوم " (4).

(1) التهذيب 7: 30 - 31.
(2) التهذيب 7: 31 / 130.
(3) سنن الترمذي 3: 602 - 603 / 1311، سنن الدارقطني 3: 3 / 4، المعجم الكبير
- للطبراني - 11: 130 / 11263 و 11264.
(4) الفقيه 3: 167 / 740، وفي الكافي 5: 184 (باب السلم في الطعام) الحديث 1،
والتهذيب 7: 27 / 116 بتفاوت يسير في اللفظ.
327

ولأن السلم يشتمل على نوع غرر، فلا يحتمل من الغرر ما لا يحتمله
الحال. ولو باع الحال جزافا، لم يجز.
ويجب أن يكون المكيال متعارفا عند الناس، فلا يجوز تقديره بإناء
معين؛ لأنه قد يهلك فيتعذر معرفة المسلم فيه، وهو غرر لا يحتاج إليه.
ولأنه أيضا مجهول؛ لأنه لا يعلم بذلك قدر المبيع من المكيال المعروف
ولا هو مشاهد.
وكذا الصنجة إذا عينها، فإن كانت الصنجة المشهورة بين العامة،
جاز؛ لأنها إذا تلفت رجع إلى مثلها. وإن كانت مجهولة، لم يجز.
وإن عينه بمكيال رجل معروف أو ميزانه، فإن كان مكياله وصنجته (1)
معروفين، جاز، وإلا فلا. وإذا كان معروفا، لم يختص به.
وكذا لو أسلم في ثوب على صفة خرقة أحضرها حال العقد، لم
يصح؛ لجواز أن تهلك الخرقة فيكون ذلك غررا لا حاجة به إليه؛ لأنه
لا يمكنه أن يضبطه بالصفات الموجودة فيها.
مسألة 487: ليس المراد في الخبر (2) الجمع بين الكيل والوزن، بل قد
يكون الجمع بينهما مبطلا؛ لعزة الوجود، كما لو أسلم في ثوب ووصفه
بالذرع وقال: وزنه كذا، أو أسلم في مائة صاع حنطة على أن يكون وزنها
كذا.
نعم، لو ذكر في الخشب مع الصفات المشروطة الوزن، جاز؛ لأن
الزائد يمكن تعديله بالنحت.
لكن المراد الأمر بالكيل في الموزونات التي يتأتى فيها الكيل،

(1) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية. والظاهر: " وميزانه " بدل " وصنجته ".
(2) أي النبوي المتقدم في صدر المسألة 486.
328

بخلاف أعيان الربا حيث لم يجز بيع بعض الميكلات ببعض في الجنس
الواحد وزنا؛ لأن المعتبر فيها التساوي بالكيل، فإذا باعها وزنا، ربما
تفاضلت كيلا، فلم يجز.
والمراد هنا بالكيل معرفة المقدار والخروج (1) عن الجهالة، فبأي
شيء قدره جاز، فحينئذ يجوز أن يسلف فيما أصله الوزن كيلا وبالعكس
- وبه قال الشافعي (2) - لما رواه وهب عن الصادق (عليه السلام) عن الباقر (عليه السلام) عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: " لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال
فيما يوزن " (3).
ومنع بعض الشافعية من السلم كيلا في الموزونات (4).
أما لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا، لم يصح؛ لأن
القدر اليسير منه ماليته كثيرة، والكيل لا يعد ضابطا فيه.
مسألة 488: لا يكفي العدد في المعدودات التي تدخل تحت الوزن،
كالبطيخ والقثاء والرمان والسفرجل والباذنجان والنارنج والبيض، بل يجب
الوزن، ولا يعتبر الكيل؛ لأنها تتجافى في المكيال، ولا العدد؛ لتفاوتها كبرا
وصغرا، وإنما اكتفي بالعدد في العيان تعويلا على المشاهدة وتسامحا،
بخلاف السلم الذي لا مشاهدة فيه.
وكذا الجوز واللوز لا يجوز السلف فيهما عددا، بل لابد من الوزن.
وفي الكيل فيهما للشافعية وجهان، أحدهما: الجواز؛ لعدم تجافيهما

(1) في " س، ي ": " وخروجه ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 405، روضة الطالبين 3: 254، منهاج الطالبين: 111.
(3) الفقيه 3: 167 / 739، التهذيب 7: 44 - 45 / 192، الاستبصار 3: 79 / 265.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 405، روضة الطالبين 3: 254.
329

في المكيال (1).
وكذا الفستق والبندق.
وقال بعضهم: لا يجوز السلم في [قشور] (2) الجوز واللوز لا كيلا
ولا وزنا؛ لاختلافها (3) غلظة ورقة، والغرض يختلف باختلافها، فامتنع
السلف فيها بالوزن أيضا (4).
وليس بجيد؛ لأن القشور هنا كالنوى في التمر، فإنه يختلف صغرا
وكبرا ولم يعتبره الشارع، كذا هنا.
وقال أبو حنيفة: يجوز السلم في البيض عددا؛ لأن التفاوت فيه (5)
يسير (6). وليس بجيد.
مسألة 489: جميع البقول والخضراوات - كالقثاء والخيار والبطيخ -
لا يجوز السلف فيها عددا ولا كيلا، بل يجب الوزن.
ولا يجوز السلم في البقول (7) حزما؛ لعدم ضبطها.
ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة إلا مع

(1) التنبيه في الفقه الشافعي: 98، حلية العلماء 4: 372، العزيز شرح الوجيز 4:
406، روضة الطالبين 3: 255، منهاج الطالبين: 111.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لاختلاف قشورهما " بدل " لاختلافها ".
(4) فتح العزيز بهامش المجموع 9: 260 - 261. وفي العزيز شرح الوجيز 4: 406
سقط بعض العبارة.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فيها " بدل " فيه ". والظاهر ما أثبتناه.
(6) حلية العلماء 4: 372، العزيز شرح الوجيز 4: 406، المغني والشرح الكبير 4:
354.
(7) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " البقل " بدل " البقول ". والظاهر ما أثبتناه لأجل
السياق.
330

الوزن، فتكون عامة الوجود لا قليلة الوقوع، ولا في عدد منها؛ لأنه يحتاج
إلى ذكر حجمها ووزنها، وذلك يورث عزة الوجود.
أما اللبن فيجوز الجمع فيه بين العدد والوزن، بل هو الواجب،
فيقول: كذا كذا لبنة وزن كل واحدة كذا؛ لأنها تضرب عن اختيار، فالجمع
فيها بين الوزن والعدد لا يورث عزة الوجود، والأمر فيه على التقريب دون
التحديد.
مسألة 490: لو عين مكيالا غير معتاد كالكوز، فسد العقد. وإن كان
يعتاد، فسد الشرط وصح العقد؛ لأن ملأه مجهول القدر. ولأن فيه غررا
لا حاجة إلى احتماله، فإنه قد يتلف قبل المحل.
وفي البيع لو قال (1): بعتك ملء هذا الكوز من هذه الصبرة، بطل مع
جهالة قدر ملء الكوز.
وللشافعية وجهان، أصحهما عندهم: الصحة (2).
أما لو عين في البيع أو السلم مكيالا معتادا، فإنه يصح البيع ويلغو
الشرط، كسائر الشروط التي لا غرض فيها، وهو أصح وجهي الشافعية.
وفي الثاني: يفسد؛ لتعرضه للتلف (3).
وهل السلم الحال - على تقدير جوازه - كالمؤجل أو كالبيع؟
للشافعية (4) وجهان، أحدهما: أنه كالمؤجل؛ لأن الشافعي قال: لو أصدقها
ملء هذه الجرة خلا، لم يصح؛ لأنها قد تنكسر فلا يمكنه التسليم، كذا هنا (5).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " في البيع ولو قال ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) الوسيط 3: 434، العزيز شرح الوجيز 4: 407، روضة الطالبين 3: 256.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 407، روضة الطالبين 3: 256.
(4) في الطبعة الحجرية: " للشافعي ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 407، روضة الطالبين 3: 256.
331

ولو قال: أسلمت إليك في ثوب كهذا الثوب، أو في مائة صاع كهذه
الحنطة، لم يصح؛ لإمكان تلف الثوب المحال عليه أو الحنطة، وهو أحد
قولي الشافعية. وفي الثاني: يصح، ويقوم مقام الوصف (1).
ولو أسلم في ثوب ووصفه بصفات السلم ثم أسلم في آخر بتلك
الصفة، جاز.
مسألة 491: يجوز السلم في المذروع أذرعا كالثياب والحبال وشبهها؛
لأن ضبطها بذلك. ولا يجوز في القصب أطنانا، ولا الحطب حزما،
ولا الماء قربا، ولا المخروز خرزا (2)؛ لاختلافها، وعدم ضبطها بالصغر
والكبر. ولو ضبط بالوزن، جاز؛ لأن جابرا سأل الباقر (عليه السلام) عن السلف في
روايا الماء، فقال: " لا تبعها، فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة، ولكن
اشتر (3) معاينة، وهو أسلم لك وله " (4).
مسألة 492: وكما يجب العلم في المبيع بالقدر والوصف، كذا يجب
في الثمن. فنقول: إن كان الثمن في الذمة لم يعينه المتعاقدان، فلابد من
ضبط صفته وقدره، كما يضبط صفة المسلم فيه، إلا أن يكون من الأثمان
فيكفي إطلاقه إذا كان في البلد نقد غالب واحد.
ويجوز أن يكون رأس المال موصوفا في الذمة، ويعيناه في المجلس
قبل التفرق، فيجري ذلك مجرى تعيينه حال العقد.
وإن كان الثمن معينا حالة العقد، فإن كان مشاهدا، كفت الرؤية عن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 407، روضة الطالبين 3: 256.
(2) لعلها: المحزور حزرا.
(3) في المصدر: " اشتره ".
(4) التهذيب 7: 45 / 193.
332

وصفه. وإن لم يكن مشاهدا، فلابد من وصفه بما يرفع الجهالة - وبه قال
مالك وأحمد والشافعي في أحد القولين، وأبو إسحاق المروزي (1) - لأن
عقد السلم منتظر مترقب لا يمكن إتمامه في الحال، وإنما هو موقوف على
وجود المسلم فيه عند المحل لا يؤمن انفساخه، فوجب معرفة رأس المال
فيه ليؤديه له، كما في القرض وعقد الشركة.
والقول الثاني للشافعي: لا يجب تعيينه وضبطه بالوصف، وهو
اختيار المزني (2).
وقال أبو حنيفة: إن كان رأس المال مكيلا أو موزونا، وجب ضبط
صفاته. وإن كان مذروعا أو معدودا، لم يجب ضبط صفاته (3)؛ لأن المكيل
والموزون يتعلق العقد بقدره بدليل أنه لو باع صبرة على أنها عشرة أقفزة
فبانت أحد عشر، كان له أن يأخذ عشرة ويرد الباقي، ولو اشترى ثوبا على
أنه عشرة أذرع فبان أحد عشر ذراعا، تخير البائع إن شاء سلم الكل، وإن
شاء فسخ؛ لأن العقد تعلق بعينه.
واحتج الشافعي على عدم الحاجة إلى الوصف: بأنه عوض مشاهد،
فاستغني بمشاهدته عن معرفة قدره، كبيوع الأعيان (4)، وكما لو كان
مذروعا أو معدودا، ولا يلزم أعيان الربا؛ لأنه لا يحتاج إلى معرفة القدر،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 393 - 394، المهذب - للشيرازي - 1: 307، الحاوي
الكبير 5: 397، روضة الطالبين 3: 245، المغني 4: 365، الشرح الكبير 4: 366.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 307، الحاوي الكبير 5: 397، العزيز شرح الوجيز
4: 394، روضة الطالبين 3: 245.
(3) بدائع الصنائع 5: 201، الحاوي الكبير 5: 397، العزيز شرح الوجيز 4: 394.
(4) انظر: المهذب - للشيرازي - 1: 307، والمغني 4: 365، والشرح الكبير 4:
366.
333

وإنما يحتاج إلى معرفة التساوي فيها.
والجواب عما قاله أبو حنيفة: أنه خطأ؛ لأن المكيل والموزون يجوز
أن يكون جزافا في البيع والصداق، فلو تعلق بقدره، لم يجز. وما استشهد
به فإنما كان كذلك؛ لأن المكيل والموزون ينتقص ولا ضرر فيه، والثوب
ينتقص بقطعه، فلهذا اختلفا، لا لما ذكره.
وما قاله الشافعي ضعيف؛ لأنا نمنع الاكتفاء بالمشاهدة عن معرفة
القدر في بيع الأعيان، بخلاف المذروع، فإنه غير واجب العلم بقدر الذرع
وكذا العدد.
إذا ثبت ما قلناه، فلابد من ضبط صفات الثمن، فما لا يضبط
بالوصف - مثل الجواهر والأخلاط - لا يجوز أن يكون رأس مال السلم،
وإنما يجوز أن يكون رأس المال ما جاز أن يسلم فيه.
هذا إذا لم يكن مشاهدا، وأما إذا كان مشاهدا، فلا حاجة إلى
الوصف، بل تجب معرفة القدر، سواء كان مثليا أو لا. وبالجملة، كل
ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون رأس مال السلم، فإن لم يعرف صفاته،
عينه، فإن انفسخ السلم؛ لانقطاع المسلم فيه، رد رأس المال إن كان
موجودا، ومثله إن كان مفقودا وله مثل، وإن لم يكن له مثل، رد قيمته. ولو
اختلفا في قدره أو قيمته، فالقول قول المسلم إليه؛ لأنه غارم.
مسألة 493: لو كان رأس المال متقوما (1) وضبطت صفاته بالمعاينة،
لم يشترط معرفة قيمته، كثوب بعض صفاته مشاهدة، وجارية موصوفة،

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " مقبوضا " بدل " متقوما ". والظاهر ما أثبتناه.
334

وهو قول أكثر الشافعية (1).
وقال بعضهم: فيه قولان (2).
ولا فرق بين السلم الحال والمؤجل.
وبعض الشافعية خص القولين بالسلم المؤجل، وقطع في الحال
بالاكتفاء بالمعاينة فيه (3).
وموضع القولين لهم ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة، أما إذا
علما ثم تفرقا، فلا خلاف في الصحة (4).
وليس بجيد عندنا، بل القدر يجب أن يكون معلوما حالة العقد.
وبنى كثير من الشافعية على هذين القولين أنه هل يجوز أن يجعل
رأس مال السلم ما لا يجوز السلم فيه؟ إن قلنا بالأصح، جاز، وإلا فلا (5).
وإذا كان رأس المال جزافا عنده واتفق الفسخ وتنازعا في القدر، كان
القول قول المسلم إليه؛ لأنه غارم (6).
البحث السادس: قبض الثمن.
مسألة 494: يشترط في السلم قبض الثمن في المجلس، فلا يجوز
التفرق قبله، فإن تفرقا قبل القبض، بطل السلم عند علمائنا أجمع - وبه قال
أبو حنيفة والشافعي وأحمد (7) - لأنه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير العوض
المطلق، فلا يجوز فيه التفرق قبل القبض، كالصرف. ولأن المسلم فيه دين

(1 - 6) العزيز شرح الوجيز 4: 394، روضة الطالبين 3: 245.
(7) بدائع الصنائع 5: 202، المهذب - للشيرازي - 1: 307، التهذيب - للبغوي -
3: 573، العزيز شرح الوجيز 4: 391، روضة الطالبين 3: 242 - 243، بداية
المجتهد 2: 202، الذخيرة 5: 230، المغني 4: 362، الشرح الكبير 4: 363.
335

في الذمة، فلو أخر تسليم رأس المال عن المجلس، لكان ذلك في معنى
بيع الكالئ بالكالئ؛ لأن تأخير التسليم ينزل منزلة الدينية في الصرف
وغيره. ولأن الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة، فجبر ذلك بتأكيد
العوض الثاني بالتعجيل لئلا يعظم الغرر في الطرفين.
وقال مالك: يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن
يشترط أو تطول المدة؛ لأنه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون
سلما، فوجب أن لا يفسده، كما لو أخره وهما في المجلس (1).
والفرق ظاهر بين المفارقة قبل القبض في المجلس وفيه، كالصرف.
مسألة 495: لو قبض بعض الثمن في المجلس ثم تفارقا قبل قبض
الباقي، بطل السلم فيما لم يقبض، كالصرف، وسقط بقسطه من المسلم
فيه. والحكم في المقبوض كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما قبل
القبض.
ولو جاءه (2) المشتري ببعض الثمن في المجلس، كان للبائع الامتناع
من قبضه؛ للتعيب بالتشقيص، بخلاف الدين، فإن المديون لو دفع بعض
الدين، وجب على صاحب الدين قبضه.
ولو كان رأس المال منفعة عبد أو دار مدة معينة، صح، وكان تسليم
تلك المنفعة بتسليم العين.
مسألة 496: لا يشترط تعيين الثمن عند العقد، فلو قال: أسلمت إليك
دينارا في ذمتي في كذا، ثم عين وسلم في المجلس، جاز.

(1) بداية المجتهد 2: 202، الذخيرة 5: 230، العزيز شرح الوجيز 4: 391،
المغني 4: 362، الشرح الكبير 4: 363.
(2) في " ي " والطبعة الحجرية: " جاء ".
336

وكذا في الصرف لو باع دينارا بدينار أو بدراهم في الذمة ثم عين
وسلم في المجلس، جاز.
وهذا إذا كان الدينار المطلق منصرفا إلى نقد معلوم، أما لو تعدد،
وجب تعيينه.
ولو أسلم طعاما بطعام في الذمة ثم عين وسلم في المجلس، فإن
وصفه بما يرفع الجهالة، جاز.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: المنع؛ لأن الوصف فيه يطول، بخلاف الصرف، فإن الأمر
في النقود أهون، ولهذا يكفي فيها الإطلاق ولا يكفي في العروض.
والثاني: الجواز، ويصفه كما يصف المسلم فيه. وهذا أظهر عند
الشافعية (1).
مسألة 497: لا يشترط استمرار قبض الثمن، فلو سلمه المشتري إلى
البائع ثم رده البائع إليه وديعة قبل التفرق، جاز بلا خلاف.
ولو رده عليه بدين كان له عليه قبل التفرق، صح؛ لأنه قد ملكه
بالعقد، واستقر ملكه بالقبض.
وقال بعض الشافعية: لا يصح؛ لأنه تصرف فيه قبل انبرام (2) ملكه.
فإذا تفرقا، صح السلم؛ لحصول القبض وانبرام (3) الملك، ويستأنف إقباضه
للدين (4). وليس بشيء.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
(2 و 3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " والتزام " بدل " وانبرام ". وما أثبتناه من
المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
337

ولو كان له في ذمة غيره دراهم فقال: أسلمت إليك الدراهم التي في
ذمتك في كذا، صح؛ لأنه مقبوض في ذمة صاحبه على إشكال.
وقال بعض الشافعية: إن شرط الأجل، فهو باطل؛ لأنه بيع الدين
بالدين.
وإن كان حالا ولم يسلم المسلم فيه قبل التفرق، فكذلك.
وإن أحضره وسلم، فوجهان:
الصحة، كما لو صالح من تلك الدراهم على دينار وسلمه في
المجلس.
وأظهرهما: المنع؛ لأن قبض المسلم فيه ليس بشرط - أما لو لم يعين
الثمن من المال الذي عليه ثم حاسبه بعد العقد من دينه عليه، جاز قطعا -
ولو كان السلم حالا، فلو وجد، لكان متبرعا به، وأحكام البيع لا تبنى على
التبرعات، أفلا ترى أنه لو باع طعاما بطعام إلى أجل ثم تبرعا بالإحضار،
لم يجز (1).
وأطلق بعض الشافعية الوجهين في أن تسليم المسلم فيه (2) في
المجلس وهو حال هل يغني عن تسليم رأس المال؟ والأظهر عندهم:
المنع (3).
مسألة 498: لو أحال المشتري البائع بالثمن على غيره فقبل المحال
عليه وقبضه البائع منه في المجلس، صح؛ لحصول القبض في المجلس.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إليه " بدل " فيه ". والصحيح ما أثبتناه من
المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
338

وقال بعض الشافعية: لا يصح، سواء قبضه البائع في المجلس أو لا؛
لأنه بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه، فهو يؤديه من جهة نفسه
لا من جهة المسلم. ولو قبضه المشتري وسلم إلى البائع، جاز (1).
ولو قال [المشتري] (2) للمحال عليه: سلمه إليه (3) ففعل، لم يكف
في صحة السلم عندهم؛ لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا للغير
لكن يجعل البائع وكيلا عن (4) المشتري في قبض ذلك، ثم السلم يقتضي
قبضا، ولا يمكنه أن يقبض من نفسه (5).
والوجه: ما قلناه.
أما لو لم يقبض البائع في المجلس، فالأقوى: بطلان السلم؛ لعدم
القبض في المجلس الذي هو شرط صحة السلم. ويحتمل الصحة؛ لأن
الحوالة كالقبض.
ولو أحال البائع برأس المال على المشتري فتفرقا قبل التسليم،
احتمل البطلان وإن جعلنا الحوالة قبضا - وهو قول بعض الشافعية (6) - لأن
المعتبر في السلم القبض الحقيقي. والصحة؛ لأن الحوالة كالقبض.
ولو أحضر المشتري رأس المال، فقال البائع: سلمه إليه، ففعل،
صح، ويكون المحتال وكيلا عن البائع في القبض.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " البائع " بدل " المشتري ". والظاهر ما أثبتناه
كما هو ظاهر المصدر.
(3) في " س ": " لي " بدل " إليه ".
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " غير " بدل " عن ". والصحيح ما أثبتناه من
المصدر.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 392، روضة الطالبين 3: 243.
339

ولو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال، فالأقرب
عندي: الصحة.
وقال بعض الشافعية: لا يصح وإن قبض ما صالح عليه (1).
ولو كان الثمن عبدا فأعتقه البائع قبل القبض، صح.
وقال بعض الشافعية: لا يصح إن لم [نصحح] (2) إعتاق المشتري قبل
القبض، وإن صححناه، فوجهان.
ووجه الفرق: أنه لو نفذ، لصار قابضا من طريق الحكم، وأنه غير
كاف في السلم بدليل الحوالة، فعلى هذا إن تفرقا قبل قبضه، بطل العقد.
وإن تفرقا بعده، صح. وفي نفوذ العتق وجهان (3).
مسألة 499: إذا انفسخ السلم بسبب وكان رأس المال معينا في ابتداء
العقد وهو باق، رجع المشتري إليه. وإن كان تالفا، رجع إلى بدله إما المثل
إن كان مثليا، أو القيمة إن لم يكن.
وإن كان موصوفا في الذمة ثم عجل في المجلس وهو باق، فهل له
المطالبة بعينه أم للبائع الإتيان ببدله؟ الأقرب: الأول؛ لأن المعين في
المجلس كالمعين في العقد.
ويحتمل الثاني؛ لأن العقد لم يتناول تلك (4) العين.
وللشافعية وجهان (5) كهذين.
تذنيب: لو وجدنا رأس المال في يد البائع واختلفا، فقال المشتري:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 393، روضة الطالبين 3: 244.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: لم يصح. وما أثبتناه من المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 393، روضة الطالبين 3: 244.
(4) في العزيز شرح الوجيز: " ملك " بدل " تلك ".
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 393، روضة الطالبين 3: 244.
340

أقبضته بعد التفرق، وقال البائع: بل قبله، قدم قول البائع؛ تمسكا بصحة
البيع والقبض.
ولو أقاما بينة، قال بعض الشافعية: بينة المسلم إليه أولى؛ لأنها
نافلة (1) (2).
وعندي فيه نظر؛ لأن القول قوله فالبينة (3) بينة الآخر.
مسألة 500: لو وجد رأس المال معيبا، فإن كان معينا وكان من غير
الجنس، بطل السلم. وإن لم يكن معينا، فإن تقابضا الصحيح في المجلس
قبل التفرق، صح السلم، وإلا بطل.
وإن كان من الجنس، فالأقرب: الصحة إن افترقا بعد الإبدال، ولو
تفرقا قبله، بطل العقد على إشكال أقربه: الصحة.
ولو أسلم مائة في حنطة ومثلها في شعير ثم دفع مائتين قبل التفرق
فوجد بعضها (4) زيوفا من غير الجنس، وزع بالنسبة، وبطل من كل جنس
بنسبة حصته من الزيوف.
مسألة 501: لو شرط تعجيل نصف الثمن وتأخير الباقي، لم يصح
السلم مطلقا. أما في غير المقبوض: فلانتفاء القبض الذي هو شرط صحة
السلم. وأما المقبوض: فلزيادته على المؤجل، فيستدعي أن يكون في
مقابلته أكثر مما في مقابلة المؤجل، والزيادة مجهولة.

(1) في " ي " والطبعة الحجرية: " ناقلة " بالقاف.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 393، روضة الطالبين 3: 245.
(3) في " س ": " والبينة ".
(4) في الطبعة الحجرية: " بعدها " بدل " بعضها " والصحيح ما أثبتناه من " س، ي ".
341

النظر الثالث: في الأحكام.
مسألة 502: قال الشيخ: لا بد من ذكر موضع التسليم. وإن كان في
حمله مؤونة، فلا بد من ذكره أيضا (1).
والشافعية قالوا: السلم إما حال أو مؤجل.
أما الحال: فلا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم، كالبيع، ويتعين
مكان العقد، لكن لو عين موضعا آخر، جاز، بخلاف البيع عنده؛ لأن
السلم يقبل التأجيل فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم (2) بالإحصار (3)،
والأعيان لا تحتمل التأجيل فلا تحتمل شرطا يتضمن تأخير التسليم. وحكم
الثمن في الذمة حكم المسلم فيه. وإن كان معينا، فهو كالمبيع (4).
وعندنا لو شرط تعيين المكان في الأعيان، جاز.
ولا نريد بمكان العقد ذلك الموضع بعينه، بل تلك المحلة، إلا مع الشرط.
وإن كان السلم مؤجلا، فعن الشافعي اختلاف في أنه هل يجب
تعيين مكان التسليم فيه؟
وقد انقسم أصحابه إلى نفاة الخلاف ومثبتيه.
أما النفاة: فعن بعضهم أنه إن جرى العقد في موضع يصلح للتسليم
فيه، فلا حاجة إلى التعيين. وإن جرى في موضع غير صالح، فلا بد من

(1) الخلاف 3: 202، المسألة 9.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " السلم " بدل " التسليم ". والصحيح ما أثبتناه
من المصدر.
(3) في " س " والطبعة الحجرية: " بالاحضار " بالضاد المعجمة، وكلتاهما ساقطة في " ي "
وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 404، روضة الطالبين 3: 254.
342

التعيين. وحمل قولي الشافعي على الحالين.
وقال آخرون: إن المسلم فيه إن كان لحمله مؤونة، وجب التعيين،
وإلا فلا. وحمل القولين على الحالين. وبهذا قال أبو حنيفة.
وأما المثبتون: فلهم طرق:
أحدها: أن المسألة على قولين مطلقا.
والثاني: أنه إن لم يكن الموضع صالحا، وجب التعيين لا محالة. وإن
كان صالحا، فقولان.
والثالث: أنه إن لم يكن لحمله مؤونة، فلا حاجة إلى التعيين. وإن
كان له مؤونة، فقولان.
والرابع: إن كان لحمله مؤونة، فلا بد من التعيين، وإلا فقولان. وهذا
أصح عند بعضهم.
ووجه اشتراط التعيين: أن الأغراض تتفاوت بتفاوت الأمكنة، فلا بد
من التعيين قطعا للنزاع، كما لو باع بدراهم وتعددت نقود البلد.
ووجه عدم الاشتراط - وبه قال أحمد -: القياس على البيع، فإنه
لا حاجة فيه إلى تعيين مكان التسليم.
ووجه الفرق بين الموضع الصالح وغيره: اطراد العرف بالتسليم في
الموضع الصالح، واختلاف الأغراض في غيره.
ووجه الفرق بين ما لحمله مؤونة وغيره قريب من ذلك.
وفتوى الشافعية من هذا كله على وجوب التعيين إذا لم يكن الموضع
صالحا أو كان لحمله مؤونة، وعدم الاشتراط في غير هاتين الحالتين (1).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 403 - 404، فتح العزيز - بهامش المجموع - 9: 253،
روضة الطالبين 3: 253، وراجع: بدائع الصنائع 5: 213، والمغني 4: 367 -
368، والشرح الكبير 4: 369.
343

وهو عندي أقرب.
وإذا شرطنا التعيين، فلو لم يعين، فسد العقد. وإن لم نشترط، فإن
عين، تعين.
وعن أحمد رواية أن هذا الشرط يفسد السلم (1).
وإن لم يعين، حمل على مكان العقد.
وقال بعض الشافعية: إذا لم يكن في حمله مؤونة، يسلمه في أي
موضع صالح [شاء] (2) (3).
وفي وجه لهم: إذا لم يكن الموضع صالحا للتسليم، حمل على
أقرب موضع صالح (4).
ولو عين موضعا للتسليم فخرب وخرج عن صلاحية التسليم،
احتمل تعيين ذلك الموضع عملا بالشرط. ويحتمل أقرب موضع صالح.
وتخيير المشتري.
وللشافعية أقوال ثلاثة (5)، كالاحتمالات.
فقد ظهر أن موضع العقد إن أمكن فيه التسليم، لم يجب شرطه، وإلا
وجب كما لو كانا في مفازة، عند بعض الشافعية (6).
وقال بعضهم: فيه قولان: الوجوب، وعدمه. والأول أولى

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 404، وانظر: المغني 4: 368، والشرح الكبير 4:
369.
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 404، روضة الطالبين 3: 253.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 404، روضة الطالبين 3: 253 - 254.
(6) انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
344

عندهم (1).
وقال بعضهم: إن كان لحمله مؤونة، وجب ذكر الموضع، وإلا فلا.
وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجب ذكر موضع التسليم (3).
وقال أحمد: لا يجب، وإن ذكره، ففي فساد السلم روايتان،
إحداهما: الفساد؛ لأنه شرط ما لا يقتضيه الإطلاق، وفيه غرر؛ لأنه ربما
تعذر تسليمه في ذلك المكان، فأشبه ما إذا شرط مكيالا بعينه أو نخلة
بعينها (4).
وهو غلط؛ لأن القبض يجب بحلوله، ولا يعلم موضعهما في ذلك
الوقت، فوجب شرطه، وإلا كان مجهولا، وليس القبض يختص بحالة
العقد، فإنه يصح في غيرها، فلم يتعلق بها، بخلاف الحال؛ لأن القبض
يجب في هذه الحال، فانصرف إليها. وكونه غررا غلط، ولو كان تعيين
المكان غررا في العقد، لكان تعليقه بزمان غررا، إلا أن يكون موضعا
لا يمكن فيه التسليم، فإنه لا يجوز.
ويحتمل قويا أنه لا يشترط موضع التسليم وإن كان في حمله مؤونة،
فإن شرطاه، تعين.
ولو اتفقا على التسليم في غيره، جاز. ومع الإطلاق ينصرف وجوب
التسليم إلى موضع العقد.
ولو كانا في بلد غربة أو برية وقصدهما مفارقته قبل الحلول،

(1 و 2) انظر المصادر في الهامش (1) من ص 345.
(3) بدائع الصنائع 5: 213، المغني 4: 367، الشرح الكبير 4: 369.
(4) المغني 4: 367 - 369، الشرح الكبير 4: 369، حلية العلماء 4: 376.
345

فالأقرب: وجوب تعيين المكان.
مسألة 503: يجوز أخذ الرهن على المسلم فيه وكذا الضامن، ولا نعلم
فيه خلافا.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين) إلى آخر
الآية الثانية (1).
وروى العامة عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: لا بأس بالرهن
والحميل (2).
ومن طريق الخاصة: رواية محمد بن مسلم - الصحيحة - عن
أحدهما (عليهما السلام)، قال: سألته عن السلم في الحيوان وفي الطعام ويؤخذ
الرهن، قال: " نعم، استوثق من مالك ما استطعت " قال: وسألته عن الرهن
والكفيل في بيع النسيئة، فقال: " لا بأس به " (3).
ولأنه دين واجب مستقر في الذمة، فجاز أخذ الرهن والضمين به،
كالثمن.
مسألة 504: لا يجوز السلف في ثوب بشرط (4) أن يكون من غزل
امرأة بعينها أو نسج شخص بعينه، ولا في الثمرة بشرط أن تكون من نخلة
معينة أو بستان بعينه، أو في زرع بشرط أن يكون من أرض معينة أو قرية
صغيرة - وبه قال الشافعي (5) - لتطرق الموت إلى تلك المرأة أو النساج

(1) البقرة: 282 و 283.
(2) سنن البيهقي 6: 19.
(3) التهذيب 7: 42 / 178.
(4) في " س، ي ": " ويشترط ". وفي الطبعة الحجرية: " يشترط " بدون الواو.
والظاهر ما أثبتناه من حيث السياق.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 407، روضة الطالبين 3: 256، المغني والشرح الكبير
4: 360.
346

المعين أو تعذر غزلها ونسجه، وقد تصيب تلك النخلة أو البستان الجائحة
فتنقطع الثمرة.
وكذا الغلة فقد تصيب تلك الأرض المعينة أو القرية الصغيرة آفة
لا يخرج الزرع تلك السنة، فإذن في التعيين غرر لا ضرورة إلى احتماله.
ولأن التعيين ينافي المدينية (1) من حيث إنه يضيق مجال التحصيل (2)،
والمسلم فيه ينبغي أن يكون دينا مرسلا في المدينية (3) ليتيسر أداؤه.
أما لو أسلم في ثمرة ناحية أو قرية كبيرة، فإن أفاد أمرا زائدا،
كمعقلي البصرة ومعقلي بغداد، فإنهما صنف واحد، لكن كل واحد (4)
منهما يمتاز عن الآخر بصفات وخواص، فالإضافة إليها تفيد فائدة
الأوصاف، ويكون الشرط لازما.
وإن لم يفد أمرا زائدا، احتمل عدم الالتفات إليه، كتعيين المكيال؛
لخلوه عن الفائدة. والصحة؛ لأنه لا ينقطع غالبا، ولا يتضيق به المجال (5).
وكلاهما للشافعية، وأصحهما عندهم: الثاني (6)، وهو الأقوى عندي.
إذا تقرر هذا، فإذا نسب الغلة إلى قرية عظيمة تبعد الحيلولة فيها
فاتفق، كان بحكم انقطاع المسلم فيه يتخير المشتري بين الصبر والفسخ.

(1) كذا، والظاهر: الدينية.
(2) في الطبعة الحجرية: " من حيث إنه يصير محال التسليم " وفي هامشها:
" التحصيل خ ل " وفي " س " بدل " التسليم ": " التحصيل ". والعبارة في " ي "
ساقطة. والصحيح ما أثبتناه.
(3) كذا، والظاهر: " الذمة " بدل " المدينية ".
(4) في " س " والطبعة الحجرية: " لكن ذكر كل واحد ".
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " المحال " وهو خطأ.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 408، روضة الطالبين 3: 256.
347

وفي رواية زرارة - الصحيحة - عن الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل
اشترى طعام قرية بعينها، فقال: " لا بأس إن خرج فهو له، وإن لم يخرج
كان دينا عليه " (1).
مسألة 505: قد بينا أنه يجب اشتراط الجودة والرداءة في كل ما يسلم
فيه؛ لأن القيمة والأغراض تختلف بهما، وهو أحد قولي الشافعية. والقول
الثاني: لا يحتاج إليه، ويحمل المطلق على الجيد (2). وهو محتمل عندي.
وعلى كل تقدير إذا اشترطت الجودة أو قلنا: ينزل عليها المطلق،
ينزل على أقل مراتب الدرجات، كغيرها من الصفات، فإذا شرط الكتابة،
كفى أقل درجاتها، وكذا الخياطة وشبهها؛ لأن المراتب لا نهاية لها، فاكتفي
بأقل المراتب؛ لأصالة البراءة عما زاد.
ولو شرط الرداءة، جاز ويكتفى فيها بمهما كان من أنواعها.
وقال كثير من الشافعية: إن شرطا رداءة النوع، جاز؛ لانضباطه. وإن
شرطا رداءة العين أو الصفة، لم يجز؛ لأنها لا تنضبط، وما من رديء إلا
وهناك خير منه، وإن كان رديئا، فيفضي إلى النزاع (3).
واعلم أن نوع المسلم فيه لا بد من التعرض له، فإن لم ينص على
النوع وتعرض للرديء تعريفا للنوع، قالت الشافعية: فذلك محتمل
لا محالة. وإن نص على النوع، فذكر الرداءة حشو (4).
وأما رداءة الصفة فقال كثير منهم بجواز اشتراطه (5)؛ لأنهم ذكروها في
مقابلة الجودة، ولا شك أنهم لم يريدوا بها جودة النوع.

(1) الفقيه 3: 132 / 574، التهذيب 7: 39 / 162.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 423، روضة الطالبين 3: 269.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 423.
348

مسألة 506: الصفات المشترطة إن كانت مشهورة عند الناس،
فلا بحث.
وإن لم تكن مشهورة إما لغرابة الألفاظ المستعملة فيها أو لغيرها،
فلا بد من معرفة المتعاقدين بها. وإن جهلاها أو أحدهما، لم يصح العقد.
وهل تكفي معرفتهما؟ اشكال ينشأ من أنه لا بد من أن يعرفها
غيرهما ليرجعا إليه عند التنازع، ومن أنه عقد على معلوم عند المتعاقدين،
فكان جائزا، كالمقدار.
وإن جهله غيرهما، فإن شرطنا معرفة الغير، اكتفي بمعرفة عدلين،
ولا يفتقر إلى الاستفاضة.
وللشافعية قولان: الاكتفاء بالعدلين، واشتراط الاستفاضة (1).
وكذا يجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلا
عدلان (2).
مسألة 507: إذا دفع البائع من غير الجنس، كما إذا باع تمرا فدفع
زبيبا، أو أسلم في ثوب كتان فدفع ثوب قطن، لم يجب على المشتري
قبوله إجماعا؛ لأنه غير ما شرطه، فإن تراضيا عليه، جاز؛ للأصل.
ولقوله (عليه السلام): " الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حلل
حراما " (3).
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأنه اعتياض، وذلك غير جائز في
السلم (4).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 424، روضة الطالبين 3: 270.
(3) سنن ابن ماجة 2: 788 / 2353، سنن أبي داود 3: 304 / 3594، سنن الترمذي
3: 635 / 1352، سنن البيهقي 6: 65.
(4) الوجيز 1: 157، العزيز شرح الوجيز 4: 425، روضة الطالبين 3: 270.
349

وهو مصادرة على المطلوب.
ويؤيده ما رواه العيص بن القاسم - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)،
قال: سألته عن رجل أسلف رجلا دراهم بحنطة حتى إذا حضر الأجل
لم يكن عنده طعام ووجد عنده دواب أو رقيقا أو متاعا، يحل له أن يأخذ
من عروضه تلك بطعامه؟ قال: " نعم، يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعا " (1).
أما إن دفع من الجنس لكنه أجود مما شرط، وجب قبوله ولم يكن
حراما؛ لما رواه سليمان بن خالد قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل يسلم
في وصف (2) أسنان معلوم ولون معلوم ثم يعطى فوق شرطه، فقال: " إذا
كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به " (3).
ولو كان أكثر، لم يجب القبول؛ لما فيه من المنة.
ولو جاءه بالثوب المسلم فيه أجود مما شرط فأعطاه عوض الجودة
شيئا، جاز - وبه قال أبو حنيفة (4) - لأنه أخذ عوضا عن الزيادة، فأشبه ما لو
أسلم في عشرة أذرع فجاءه بأحد عشر ذراعا. ولأنها معاوضة على شيء
سائغ بشيء مملوك، فكان جائزا، كغيرها من المعاوضات.
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأن الجودة صفة، فلا يجوز إفرادها
بالعقد (5)، كما لو كان مكيلا أو موزونا، بخلاف الذرع؛ لأنه عين وليس
بصفة.

(1) الكافي 5: 186 / 7، الفقيه 3: 165 / 729، التهذيب 7: 31 / 130، الاستبصار
3: 76 / 254.
(2) في المصدر: وصيف.
(3) التهذيب 7: 41 / 173.
(4) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهندية - 2: 119.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 308.
350

ويمنع المنع من جواز إفرادها، والأصل فيه أن هذا نوع من الصلح،
وليس بيعا حقيقيا، فلم يكن به بأس.
وإن دفع أدون في الوصف مما عليه، لم يجب قبوله، لكن لو رضي
به، جاز؛ لأنه نوع إسقاط لما وجب له.
ولما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن السلم في
الحيوان، قال: " ليس به بأس " قلت: أرأيت إن أسلم في أسنان معلومة أو
شيء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه وفوقه بطيب نفس منهم؟ فقال:
" لا بأس به " (1).
وبه قال الشافعي (2).
ولو دفع عوضا عن الرداءة، فالأقرب: الجواز، كما في طرف
الجودة.
وأما إن جاءه (3) بنوع آخر، كما إذا أسلم في الزبيب الأبيض فجاءه
بالأسود، فالأقرب: الجواز؛ لأنه من جنسه، والمخالفة في الوصف لا غير،
لكن بشرط أن يتراضيا عليه.
وللشافعي قولان، أحدهما: المنع؛ لأنه يكون اعتياضا (4). وهو
ممنوع.
وللشافعي في قبول الأجود في الوصف مع اتحاد الجنس قولان:
أحدهما: المنع؛ لما فيه من المنة.

(1) الكافي 5: 220 / 1، الفقيه 3: 166 / 733، التهذيب 7: 46 / 198.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 425، روضة الطالبين 3: 270.
(3) في " س " والطبعة الحجرية: " جاء ".
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 308، حلية العلماء 4: 381 - 382، الوجيز 1:
157، العزيز شرح الوجيز 4: 425.
351

وأصحهما: الجواز - كما قلناه - لأن إتيانه به يشعر بأنه لا يجد سبيلا
إلى إبراء ذمته بغير ذلك، وهو يهون أمر المنة (1).
ولو اختلف النوع، كما لو أسلم في المعقلي فجاء بالبرني، أو في
الزبيب الأبيض فجاء بالأسود، أو في الثوب الهروي فجاء بالمروي،
لم يجب على المسلم قبوله؛ لاختلاف الأغراض باختلاف الأنواع.
وقال بعض الشافعية: يجب القبول (2).
والحق الأول.
فإن قبله، جاز - وهو أحد قولي الشافعي (3) - كما لو اختلفت الصفة.
والثاني: لا يجوز، كما لو اختلف الجنس (4).
وامتناعه باطل عندنا.
وللشافعية اختلاف في أن التفاوت بين التركي والهندي من العبيد
تفاوت جنس أو تفاوت نوع؟ والصحيح عندهم: الثاني، وفي (5) أن
التفاوت بين الرطب والتمر وبين ما يسقى بماء السماء وما يسقى بغيره
تفاوت نوع أو صفة؟ والأشبه: الأول (6).
تذنيب: لو دفع الأردأ أزيد من الحق، فإن لم يكن ربويا، جاز. وإن
كان ربويا وكانت المعاوضة على سبيل البيع، لم يجز؛ لأنه ربا. وإن
لم يكن على سبيل البيع، فالأقرب عندي: الجواز.
مسألة 508: للمشتري سلما أخذ الحنطة خالية من التبن وغيره ومن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 425.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 425، روضة الطالبين 3: 270.
(3 و 4) حلية العلماء 4: 382، العزيز شرح الوجيز 4: 425.
(5) في " س، ي ": " ومن " بدل " وفي ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 425، روضة الطالبين 3: 270.
352

الزائد على العادة من التراب، وأخذ التمر جافا، ولا يجب تناهي جفافه؛
لأنا قد بينا أن الواجب أقل ما يطلق عليه الاسم. ويجب تسليم الرطب
صحيحا غير مشدخ (1).
ولا يجوز قبض المكيل والموزون جزافا، فإن تراضيا به، فالأقوى
عندي: الجواز. وللمشتري ملء المكيال وما يحتمله، ولا يكون ممسوحا
ولا يدقه ولا يهزه ولا يزلزل المكيال ولا يوضع الكف على جوانبه، وليس
له قبض المكيل بالوزن ولا بالعكس إلا بالتراضي.
مسألة 509: ليس للمشتري المطالبة بالمسلم فيه قبل المحل إجماعا،
وإلا لبطل فائدة التأجيل. ولو أدى المسلم إليه قبل المحل، لم يجب على
المشتري قبوله، سواء كان له في الامتناع غرض، كما إذا كان وقت نهب،
أو كان المسلم فيه حيوانا يحذر من علفها (2)، أو كان ثمرة أو لحما يريد
أكله عند المحل طريا، أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤونة، كالحنطة
والقطن، أو لم يكن له غرض في الامتناع، وسواء كان للمؤدي غرض
سوى براءة الذمة، كما لو كان به رهن يريد فكاكه أو ضامن يريد براءته، أو
لا؛ لأن التعجيل كالتبرع بالزيادة، فلا يكلف تقليد المنة.
وقال الشافعي: إن كان له في الامتناع غرض، كالخوف من النهب أو
تكلف مؤونة الحيوان أو اجرة الدار أو عدم الطراوة، لم يجبر على القبول؛
لتضرره.
وإن لم يكن له غرض في الامتناع، فإن كان للمؤدي غرض سوى
براءة الذمة، اجبر على القبول، كالمكاتب يعجل النجوم ليعتق، فإنه يجبر

(1) الشدخ: الكسر في كل شيء رطب. لسان العرب 3: 28 " شدخ ".
(2) كذا، والظاهر: علفه.
353

السيد على قبولها.
وهل يلتحق بهذه الأعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول؟
وجهان، أحدهما: أنه يلحق؛ لما في التأخير من خطر انفساخ العقد، أو
ثبوت حق الفسخ.
وإن لم يكن للمؤدي غرض سوى البراءة، فقولان، أحدهما: أنه
لا يجبر المستحق على القبول. وأصحهما: أنه يجبر؛ لأن براءة الذمة غرض
ظاهر، وليس للمستحق غرض في الامتناع فيمنع من التعنت.
وإن تقابل غرض الممتنع والمؤدي، فطريقان، أحدهما: أنه
يتساقطان، ويجري القولان. وأصحهما: أن المراعى جانب المستحق (1).
وبعضهم طرد القولين فيما إذا كان للمعجل غرض في التعجيل
ولم يكن للممتنع غرض في الامتناع (2). وهو غريب.
وبعضهم راعى جانب المؤدي أولا، فقال: إن كان له غرض في
التعجيل، يجبر الممتنع على القبول، وإلا فإن كان له غرض في الامتناع،
فلا يجبر، وإلا فقولان (3).
وهذا كله ساقط عندنا. وحكم سائر الديون المؤجلة حكم المسلم
فيه.
مسألة 510: كل من عليه حق مالي حال أو مؤجل وقد حل إذا دفعه
إلى صاحبه، وجب عليه قبوله مطلقا؛ لأن له غرضا في إبراء ذمته.
وقالت الشافعية: إن كان للمعجل غرض سوى البراءة، اجبر على

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 426 - 427، روضة الطالبين 3: 271.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 427، روضة الطالبين 3: 271.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 427.
354

القبول، وإلا فطريقان، أحدهما: أنه على قولين: أحدهما: عدم الإجبار؛
لأن الحق له، فله أن يؤخره إلى متى شاء. والأصح: أنه يجبر على القبول،
فحينئذ لو أصر على الامتناع، أخذه الحاكم وحفظه له. فإن تلف، كان من
المالك (1).
أما لو دفعه إليه قبل وقته، فإنه لا يجب القبول، فإن تلف قبل
تسليمه، كان من مال الدافع.
ولو عين البائع المسلم فيه في مشخص أو المديون الدين في مال
بعينه ودفعه إلى صاحبه فامتنع من قبوله فتلف، فإن تعذر الحاكم، فهو
تالف من صاحب الدين والمسلم. وإن أمكن الوصول إلى الحاكم،
فالأقرب: أنه من مال الدافع؛ لأن التعيين يتم بقبض الحاكم، مع احتمال
الاكتفاء بتعيينه، فحينئد يكون من مال صاحبه أيضا ويبرأ الدافع.
مسألة 511: إذا تعين موضع التسليم بمطلق العقد إذا قلنا: يتعين به
في موضع العقد، أو تعين بالشرط، وجب التسليم فيه، فإن جاءه في غير
موضعه، لم يجبر على أخذه؛ لأنه يفوت عليه غرضه في ذلك الموضع.
ولو بذل له اجرة حمله إلى ذلك الموضع، لم يلزمه قبوله، لكن
يجوز له أخذه.
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأن بذل العوض في المسلم فيه لا يجوز
فكذا في تسليمه في موضع دون موضع (2).
والملازمة ممنوعة.
فإن جعله نائبا عنه في حمله، لم يكن قابضا، وكان للمسلم إليه،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 427، روضة الطالبين 3: 271.
(2) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 428.
355

واحتاج إلى أن يسلمه إليه إذا حصل في الموضع المستحق.
ولو ظفر المسلم به في غير ذلك المكان، فإن كان لنقله مؤونة،
لم يطالب به.
وهل يطالب بالقيمة للحيلولة؟ للشافعية وجهان: أحدهما: المنع؛
لأن أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز. والثاني: نعم؛
لوقوع الحيلولة بينه وبين حقه. فإن قلنا بالأول، فللمسلم الفسخ واسترداد
رأس ماله، كما لو انقطع المسلم فيه (1).
وإن لم يكن لنقله مؤونة، كالدراهم والدنانير، فله مطالبته به على
أحد القولين للشافعية (2).
أما لو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب والإتلاف، فله أن
يطالبه بالمثل.
وقال أكثر الشافعية: له أن يطالبه بالقيمة لا غير (3).
وهذه القيمة المأخوذة عن السلم ليست عوضا؛ إذ يبقى استحقاق
المطالبة بحاله حتى إذا عاد إلى مكان التسليم، يطالبه به ويرد القيمة.
ولو جاء المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم المشترط أو
الثابت بمطلق العقد وأبى المستحق قبوله، فقد قلنا: إنه لا يجبر على قبوله،
سواء كان لنقله مؤونة أو لم يكن، أو كان الموضع مخوفا أو لا.
وللشافعية (4) فيما إذا لم يكن لنقله مؤونة أو لم يكن مخوفا وجهان

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 428، روضة الطالبين 3: 271.
(2 و 3) الوجيز 1: 158، العزيز شرح الوجيز 4: 428، روضة الطالبين 3: 272.
(4) في " س " والطبعة الحجرية زيادة: " وجهان " والعبارة في " ي " ساقطة.
وحذفناها؛ لأنها زيادة.
356

بناء على القولين في التعجيل قبل المحل، فإن رضي وأخذه (1)، لم يكن له
أن يكلفه مؤونة النقل (2).
مسألة 512: إذا قبض المسلم المسلم فيه ثم وجد به عيبا، كان له أن
يرضي به، وله أن يرده، فإذا رده، انفسخ القبض، وكان له المطالبة بما
لا عيب فيه. وإن رضي به، لزمه. وإن حدث عنده عيب قبل الرد، لم يكن
له أن يرده، ورجع (3) بأرش العيب - وبه قال الشافعي (4) - لأنه عوض يجوز
رده بالعيب، فإذا سقط بحدوث عيب آخر، ثبت الرجوع بالأرش، كبيوع
الأعيان.
وقال أبو حنيفة: لا يرجع بالأرش؛ لأن الرجوع بالأرش أخذ عوض
الجزء الفائت، وبيع المسلم فيه قبل القبض لا يجوز (5).
وهو غلط؛ لأن بيع المعين قبل القبض لا يجوز وقد جاز أخذ
الأرش. ولأن ذلك فسخ العقد في الجزء الفائت وليس ببيع، ولهذا يكون
بحسب الثمن المسمى في العقد.
فأما إذا وجد العيب في رأس المال بعد التفرق، فالحكم فيه كما سبق
في المتصارفين إذا وجد أحدهما بما صار إليه عيبا، وقد سبق (6).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " واحد " بدل " وأخذه ". والصحيح ما أثبتناه
كما في المصدر.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 428، روضة الطالبين 3: 272.
(3) في " س ": " ويرجع ".
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 309، حلية العلماء 4: 384، مختصر اختلاف العلماء
3: 23 / 1091.
(5) مختصر اختلاف العلماء 3: 23 / 1091، حلية العلماء 4: 384.
(6) في ج 10، ص 428، المسألة 216.
357

تذنيب: إذا ضمن المسلم فيه ضامن فصالحه المسلم عنه، لم يجز؛
لأنه بيع المسلم فيه قبل القبض، هذا عند الشافعي (1).
وعندنا الصلح عقد مستقل قائم بنفسه ليس بيعا، فلا تجب مساواته
له في أحكامه.
قال: فإن صالح المسلم المسلم إليه، لم يجز أيضا، إلا أن يصالحه
على رأس المال بعينه، فيكون فسخا للعقد، ويصح (2).
والوجه عندي: جواز الأول أيضا.
مسألة 513: إذا تقايلا السلم، وجب رد رأس المال إن كان باقيا بعينه.
وإن كان تالفا، رد مثله إن كان مثليا، وإلا فالقيمة، فإن تراضيا أن يدفع إليه
بدله مع بقائه، جاز أن يدفع العوض.
وهل يجب تعيينه في المجلس؟ الأقرب: عدم الوجوب.
وقال الشافعي: يجب (3).
فإن كان رأس المال من جنس الأثمان والعوض منه أيضا، وجب
القبض في المجلس عند الشافعي (4).
والأقرب: أنه لا يجب؛ لأنه ليس بيعا، فلا يجب فيه ما يجب في
الصرف.
وإن كان أحدهما من غير جنس الأثمان، لم يجب القبض في
المجلس؛ لأنه ليس بيعا. وإن كان، فهو بيع عوض معين من غير جنس
الأثمان بثمن في الذمة، فجاز فيه التفرق قبل القبض، كما لو باع سلعة

(1 - 3) لم نعثر عليه في مظانه.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 309.
358

بثمن، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: يجب؛ لأنه لو تفرقا قبل القبض، كان الثمن والمثمن
مضمونين على البائع. ولأن المبيع في الذمة، فإذا كان المبيع في الذمة،
وجب قبض الثمن (1) في المجلس كما يجب قبض رأس مال السلم في
المجلس (2).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ استحسانا، فلو كان السلم
فاسدا، جاز أخذ عوض رأس المال؛ لقوله (عليه السلام): " من أسلم في شيء
فلا يصرفه إلى غيره " (3) [و] (4) لأنه مضمون على المسلم إليه بعقد السلم،
فلا يجوز له أن يدفع عوضه، كالمسلم فيه (5).
واحتج الشافعي: بأنه مال عاد إليه بفسخ العقد، فجاز أن يأخذ
عوضه، كالثمن في بيع الأعيان إذا فسخ، والمسلم فيه مضمون على المسلم
إليه بالعقد، وهذا بعد فسخ العقد، فهو بمنزلة الثمن الذي ذكرناه. والمراد
بالخبر المسلم فيه (6). وذلك إجماع.
مسألة 514: لا يجوز بيع السلف قبل حلوله، ويجوز بعده قبل القبض
على الغريم وغيره على كراهية.
ويجوز بيع بعضه وتوليته وتولية بعضه والشركة فيه - وبه قال

(1) في " س، ي ": " ثمنه " بدل " الثمن ".
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 309.
(3) سنن أبي داود 3: 276 / 3468، سنن الدارقطني 3: 85 / 187، المغني والشرح
الكبير 4: 373.
(4) أضفناها لأجل السياق، وكما في المغني والشرح الكبير.
(5) حلية العلماء 4: 388، المغني والشرح الكبير 4: 373.
(6) المغني والشرح الكبير 4: 373.
359

مالك (1)، وقد تقدم (2) أكثر ذلك - لأن العامة رووا عن النبي (عليه السلام) أنه نهى
عن بيع الطعام قبل قبضه، ورخص في الشركة والتولية (3).
ومن طريق الخاصة: ما روي أن معاوية بن وهب سأل الصادق (عليه السلام):
عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه، فقال: " ما لم يكن كيل أو وزن
فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن يوليه الذي قام عليه " (4).
ولأنهما يختصان بالثمن، فأشبها الإقالة.
وقال الشافعي: لا يجوز للمسلم أن يشرك غيره في المسلم فيه فيقول
له: شاركني في نصفه بنصف الثمن، ولا أن يوليه فيقول: ولني جميعه
بجميع الثمن أو نصفه بنصف الثمن؛ لأنها معاوضة في المسلم فيه قبل
قبضه، فلم يجز، كما لو كانت بلفظ البيع (5).
والملازمة ممنوعة.
مسألة 515: يجوز أن يسلف في شيء ويشترط السائغ، كالقرض
والبيع والاستسلاف والرهن والضمين؛ لأنه عقد قابل للشرط، وقد شرط
ما هو سائغ مما لا يوجب جهالة في أحد العوضين، فيجب أن يكون
جائزا؛ لقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (6).
وقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (7).

(1) المحلى 9: 2، حلية العلماء 4: 386، المغني والشرح الكبير 3: 370.
(2) في ج 10 ص 128، ذيل المسألة 68.
(3) المغني والشرح الكبير 4: 370.
(4) التهذيب 7: 35 / 146.
(5) حلية العلماء 4: 386، التنبيه في الفقه الشافعي: 99.
(6) المائدة: 1.
(7) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
360

ولو أسلم في غنم وشرط أصواف نعجات معينة، صح.
مسألة 516: الشركة والتولية بيع بلفظ الشركة والتولية حكمها حكم
البيع في جميع الأحكام، إلا أنها تقتضي (1) البيع بالثمن الأول خاصة.
ويلحق بهما جميع ما يلحق بالبيع من الخيار والشفعة وغيرهما على إشكال
في الشركة.
مسألة 517: لو اختلفا في المسلم فيه، فقال أحدهما: في حنطة،
وقال الآخر: في شعير، تحالفا، وانفسخ العقد؛ لأن كل واحد مدع ومنكر،
فيقدم قول المنكر مع يمينه في الدعويين.
ولو اختلفا في قدر المسلم فيه أو في قدر رأس المال أو قدر الأجل،
قدم قول منكر الزيادة في ذلك كله مع اليمين.
وقال الشافعي: يتحالفان، كما في بيع العين (2).
والأصل ممنوع.
ولو اتفقا على ذلك واختلفا في انقضاء الأجل بأن يختلفا في وقت
العقد، فيقول أحدهما: عقدنا في رجب، ويقول الآخر: في شعبان، فالقول
قول المسلم إليه في بقاء الأجل مع يمينه؛ لأصالة البقاء والمسلم يدعي
انقضاءه، والأصل أيضا عدم العقد في رجب.
ولو اختلفا في قبض رأس المال، فقال أحدهما: كان القبض قبل
التفرق فالعقد صحيح، وقال الآخر: كان بعد التفرق فالعقد فاسد، قدم قول
مدعي الصحة؛ لأصالتها.

(1) كذا وردت العبارة في " س، ي " والطبعة الحجرية. والظاهر هكذا: " حكمهما
حكم البيع في جميع الأحكام، إلا أنهما تقتضيان ".
(2) لم نعثر عليه في مظانه.
361

وإن أقاما بينة، قدمت بينة الصحة، قاله بعض الشافعية (1). وليس
بجيد.
وكذا إذا كان رأس المال في يد المسلم، فقال المسلم إليه: قبضته
منك قبل الافتراق ثم رددته إليك وديعة أو: غصبتنيه، فالقول قوله؛ لأصالة
صحة العقد. ولأنه انضم إلى الصحة الإثبات. وفيه نظر.
ولو اختلفا في اشتراط الأجل، فالأقرب: أن القول قول مدعيه إن
عقدا بلفظ السلم على إشكال.
وعلى القول بصحة الحال فالإشكال أقوى.
ولو اختلفا في أداء المسلم فيه، فالقول قول المنكر.
ولو اختلفا في قبض الثمن، فالقول قول البائع؛ لأنه منكر وإن تفرقا.
مسألة 518: لو وجد البائع بالثمن عيبا، فإن كان من غير الجنس،
بطل العقد إن تفرقا قبل التعويض أو كان الثمن معينا. وإن كان من الجنس،
فإن كان معينا، تخير بين الأرش والرد، فيبطل السلم. وإن لم يكن معينا،
كان له الأرش والمطالبة بالبدل وإن تفرقا على إشكال.
ولو كان الثمن مستحقا، فإن كان معينا، بطل العقد، وإلا فإن تفرقا
قبل قبض عوضه، بطل.
ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض،
بطل السلف، وللمشتري أخذ دراهمه؛ لتعذر العين عليه.
ويحتمل السقوط، والقيمة عند مستحليه.
مسألة 519: لو أسلم في شيئين صفقة واحدة بثمن واحد، صح،

(1) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 393، وروضة الطالبين 3: 245.
362

سواء تماثلا أو تخالفا، ويقسط الثمن على القيمتين مع التخالف، وعلى
القدر مع التماثل.
ولو شرط الأداء في أوقات متفرقة، صح إن عين ما يؤديه في كل
وقت، ولو لم يعين، بطل؛ للجهالة.
ولو شرط رهنا أو ضمينا، فإن عيناه، تعين، وإلا احتمل البطلان؛
للجهالة المفضية إلى التنازع. والصحة، فيحتمل رهن المثل وضمينا مليا
أمينا، وتخير من عليه الرهن والضمين.
ولو شرطا الرهن أو الضمين ثم تفاسخا، أو رد الثمن لعيب، بطل
الرهن، وبرئ الضمين.
ولو صالحه بعد الحلول على مال آخر غير مال السلم، سقط الرهن؛
لتعلقه بعوض مال الصلح لا به.
خاتمة تشتمل على مسائل تتعلق بالقبض سلف أكثرها:
مسألة 520: منع جماعة من علمائنا بيع ما لم يقبض في سائر
المبيعات، وقد تقدم (1) - وهو قول الشافعي، وبه قال ابن عباس ومحمد بن
الحسن (2) - لنهيه (عليه السلام) عن بيع ما لم يقبض (3).

(1) في ج 10 ص 120، ضمن المسألة 66.
(2) الام 3: 69 - 70، مختصر المزني: 82، الحاوي الكبير 5: 220، المهذب -
للشيرازي - 1: 269، المجموع 9: 264 و 270، حلية العلماء 4: 77، الوجيز
1: 146، العزيز شرح الوجيز 4: 293، روضة الطالبين 3: 166، مختصر
اختلاف العلماء 3: 29 / 1100، بداية المجتهد 2: 144، المغني 4: 239، الشرح
الكبير 4: 127.
(3) صحيح البخاري 3: 89، سنن النسائي 7: 285، المعجم الكبير - للطبراني -
11: 12 / 10875، وفيها النهي عن بيع الطعام قبل القبض.
363

وقال مالك: إن كل بيع لا يتعلق به حق توفيه على البائع يجوز بيعه
قبل القبض، سوى الطعام والشراب (1)؛ لقوله (عليه السلام): " من ابتاع طعاما
فلا يبيعه حتى يستوفيه " (2) وهو يدل على أن ما عدا الطعام بخلافه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ما لا ينقل ويحول يجوز بيعه قبل
القبض؛ لأنه مبيع لا يخشى انفساخ العقد بتلفه، فجاز بيعه، كالمقبوض (3).
وقال أحمد: ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود يجوز بيعه قبل
قبضه - وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيب - لأنه إذا لم يكن على
البائع توفيته، فإنه من ضمان المشتري؛ لأن الخراج له، وقد قال (عليه السلام):
" الخراج بالضمان " (4) وإذا كان من ضمان المشتري، لم يخش انفساخ العقد
بتلفه، فجاز التصرف فيه، كالثمن (5).
مسألة 521: لا يتعدى هذا الحكم إلى غير المبيع، فيجوز بيع الصداق

(1) بداية المجتهد 2: 144، الحاوي الكبير 5: 220، حلية العلماء 4: 79،
مختصر اختلاف العلماء 3: 29 - 30 / 1100، العزيز شرح الوجيز 4: 293،
المجموع 9: 270.
(2) صحيح البخاري 3: 90، صحيح مسلم 3: 1159 و 1160 / 29 و 32، سنن ابن
ماجة 2: 749 / 2226 و 2227، سنن النسائي 7: 285، سنن البيهقي 6: 31.
(3) المبسوط - للسرخسي - 13: 9، بدائع الصنائع 5: 181، مختصر اختلاف
العلماء 3: 29 / 1100، حلية العلماء 4: 78، الحاوي الكبير 5: 220، العزيز
شرح الوجيز 4: 293، المجموع 9: 270، بداية المجتهد 2: 144، المغني 4:
239، الشرح الكبير 4: 127 - 128.
(4) سنن ابن ماجة 2: 754 / 2243، سنن أبي داود 3: 284 / 3508 - 3510، سنن
البيهقي 5: 321 و 322، مسند أحمد 7: 74 / 23704، المستدرك - للحاكم - 2:
15.
(5) المغني 4: 239، الشرح الكبير 4: 127، الحاوي الكبير 5: 220، العزيز شرح
الوجيز 4: 294، المجموع 9: 270.
364

وعوض الخلع قبل قبضه - وبه قال أبو حنيفة (1) - لأنه لا يخشى انفساخ
العقد بتلفه.
وقال الشافعي: لا يجوز (2)؛ لما تقدم.
فأما الثمن فإن كان معينا، فهو بمنزلة المبيع. وإن كان في الذمة، جاز
التصرف فيه؛ لأن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ
الدراهم، آخذ هذه من هذه واعطي هذه من هذه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" لا بأس أن تأخذها ما لم تتفرقا وبينكما شيء " (3) وهذا أحد قولي
الشافعي. وفي الثاني: لا يجوز؛ لعموم الخبر (4) (5).
ولو ورث طعاما، كان له بيعه قبل قبضه - وبه قال الشافعي (6) - لأنه
غير مضمون بعقد معاوضة.
مسألة 522: لو كان لزيد على بكر طعام من سلم ولعمرو على زيد
طعام من سلف، فقال زيد لعمرو: اذهب واقبض من بكر لنفسك،
لم يصح قبضه؛ لأنه لا يجوز أن يقبض لنفسه مال غيره، ولا يدخل في
ملكه بالأمر.

(1) حلية العلماء 4: 78.
(2) الوجيز 1: 145، المهذب - للشيرازي - 1: 269، المجموع 9: 267، الحاوي
الكبير 5: 230، المحلى 8: 521، مختصر اختلاف العلماء 3: 29 / 1100.
(3) سنن أبي داود 3: 250 / 3354، سنن البيهقي 5: 284، مسند الطيالسي:
255 / 1868.
(4) تقدمت الإشارة إلى مصادره في ص 366، الهامش (2).
(5) حلية العلماء 4: 81، العزيز شرح الوجيز 4: 302، روضة الطالبين 3: 172 -
173، المجموع 9: 274.
(6) الوجيز 1: 145، العزيز شرح الوجيز 4: 297، روضة الطالبين 3: 169،
المجموع 9: 265، المغني 4: 240، الشرح الكبير 4: 130.
365

ولو قال لعمرو: احضر اكتيالي منه لأقبضه لك، فاكتاله، لم يصح؛
لأنه قبضه قبل أن يقبضه.
وإذا لم يصح القبض لعمرو، فهل يقع القبض للآمر في هاتين
المسألتين؟ للشافعي وجهان بناء على القولين إذا باع نجوم الكتابة وقبضها
المشتري من المكاتب، فإن (1) البيع لا يصح، ولا يصح القبض للمشتري،
وهل يقع القبض للسيد ويعتق المكاتب؟ قولان:
أحدهما: يكون قبضا له؛ لأنه أذن في القبض، فأشبه قبض وكيله.
والثاني: لا يكون قبضا له؛ لأنه أذن له في أن يقبض لنفسه،
ولم يجعله نائبا عنه في القبض، فلا يقع له، بخلاف الوكيل، فإنه استنابه
في القبض، كذا هنا (2).
فإذا قلنا: يصح القبض، يكون ملكا للمسلم. فإذا قلنا: لا يصح
القبض، يكون ملك المسلم إليه باقيا عليه؛ لأن المسلم فيه يتعين ملكه
بالقبض، فإذا لم يصح القبض، لم يصح الملك.
ولو قال له: احضر معي حتى أكتاله لنفسي ثم تأخذه بكيله، فإذا فعل
ذلك، صح قبضه لنفسه، ويصح قبض عمرو منه؛ لما رواه عبد الملك بن
عمرو أنه سأل الصادق (عليه السلام): أشتري الطعام فأكتاله ومعي من قد شهد
الكيل وإنما اكتلته لنفسي، فيقول: بعنيه، فأبيعه إياه بذلك الكيل الذي
اكتلته، قال: " لا بأس " (3).

(1) في الطبعة الحجرية: " لأن " بدل " فإن ".
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 308، حلية العلماء 4: 383، العزيز شرح الوجيز 4:
308.
(3) الكافي 5: 179 / 7، التهذيب 7: 38 / 161.
366

وقال الشافعي: يصح قبضه لنفسه، ولا يصح قبض عمرو منه؛ لأنه
قبضه (1) جزافا، والكيل الأول لم يكن له، فيحتاج أن يكيله عليه (2). وهو
ممنوع.
ولو اكتاله لنفسه ولم يفرغه من المكيال ويقول لعمرو: خذه بكيله
لنفسك، صح؛ لأن استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه. ولو كاله وفرغه ثم كاله
جاز، كذلك إذا استدامه، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني: لا يصح
القبض؛ لأنه لم يملكه (3).
مسألة 523: لو كان لزيد عند عمرو طعام من سلم، فقال عمرو لزيد:
خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي، لم يجز عند الشافعي؛ لأنه
بيع المسلم فيه قبل قبضه (4).
والأولى عندي: الجواز، وليس هذا بيعا، وإنما هو نوع معاوضة.
ولو قال: خذها فاشتر لنفسك بها طعاما مثل الطعام الذي لك عندي،
لم يجز؛ لأن الدراهم ملك المسلم إليه، فلا يجوز أن يكون عوضا للمسلم
- وبه قال الشافعي (5) - لما رواه الحلبي - في الصحيح - أنه سأل
الصادق (عليه السلام): عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث

(1) في " س ": " قبض ".
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 309، المجموع 9: 279، العزيز شرح الوجيز 4:
308، روضة الطالبين 3: 179.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 309، المجموع 9: 279 - 280، العزيز شرح الوجيز
4: 309، روضة الطالبين 3: 179، المغني 4: 241.
(4) انظر: المهذب - للشيرازي - 1: 309، والمجموع 9: 280، والعزيز شرح
الوجيز 4: 310، وروضة الطالبين 3: 180.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 310، روضة الطالبين 3: 179 و 180، المجموع 9:
280.
367

إلي بدراهم، فقال: اشتر لنفسك طعاما واستوف حقك، قال: " أرى أن
تولي ذلك غيرك أو تقوم معه حتى تقبض الذي لك ولا تتولى أنت
شراءه " (1).
إذا ثبت هذا، فإن اشترى بعين تلك الدراهم طعاما، لم يصح. وإن
اشترى في الذمة، صح الشراء، وكان عليه الثمن، والدراهم للمسلم إليه.
وإن قال: خذ هذه فاشتر بها طعاما ثم اقبضه لنفسك، فإن الشراء
يصح، والقبض لا يصح؛ لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه سأل
الصادق (عليه السلام): عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له، فأرسل إليه
بدراهم، فقال: اشتر طعاما واستوف حقك، هل ترى به بأسا؟ قال: " يكون
معه غيره يوفيه ذلك " (2).
وهل يصح للآمر؟ فيه وجهان للشافعية (3) سبقا (4).
ولو قال: اشتر لي بها طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك، فإن الشراء
يصح والقبض له، وقبضه لنفسه من نفسه لا يصح؛ لأنه لا يجوز أن يكون
وكيلا في حق لنفسه، وبه قال الشافعي (5).
والأقرب عندي: الجواز.
مسألة 524: لو كان له على رجل قفيز طعام سلما وعليه قفيز من
قرض، فأحال صاحب القرض بمال السلم، أو كان له قفيز من قرض وعليه

(1) الكافي 5: 185 / 5، الفقيه 3: 164 / 721، التهذيب 7: 29 / 125.
(2) الكافي 5: 186 / 9، التهذيب 7: 30 / 126.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 308 - 309، المجموع 9: 280، حلية العلماء 4:
383، العزيز شرح الوجيز 4: 310، روضة الطالبين 3: 179.
(4) في ص 368 ضمن المسألة 522.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 310، روضة الطالبين 3: 180، المجموع 9: 280.
368

قفيز من سلف، فأحال به على المقترض، فالوجه عندي: الجواز؛ إذ
الحوالة ليست بيعا.
ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه سأل الصادق (عليه السلام): عن
رجل عليه كر (1) من طعام فاشترى كرا من رجل آخر، فقال للرجل: انطلق
فاستوف كرك (2)، قال: " لا بأس به " (3).
وقال الشافعي: لا يصح بناء على أن الحوالة بيع (4). وهو ممنوع.
ولو كان القفيزان من القرض، جازت الحوالة؛ لأن القرض يستقر
ولم يملكه عن عقد معاوضة.
وبعض الشافعية قال: لا تجوز الحوالة؛ لأن الحوالة لا تصح إلا في
الأثمان (5). وليس بشيء.
مسألة 525: لو كان له على غيره طعام بكيل معلوم في ذمته فدفع إليه
الطعام جزافا، لم يكن له قبضه إلا بالكيل. فإن أخبره بكيله فصدقه عليه،
صح القبض؛ لما رواه محمد بن حمران عن الصادق (عليه السلام)، قال: اشترينا
طعاما فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله، فقال: " لا بأس "
قلت: أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: " لا، أما أنت فلا تبعه
حتى تكيله " (6).

(1) الكر: ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف، فهو على
هذا الحساب اثنا عشر وسقا، وكل وسق ستون صاعا. النهاية - لابن الأثير - 4:
162 " كرر ".
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " كري " وما أثبتناه من الكافي والتهذيب. وفي
الفقيه بدلها: " حقك ".
(3) الكافي 5: 179 / 5، الفقيه 3: 129 / 561، التهذيب 7: 37 / 156.
(4 و 5) حلية العلماء 4: 382.
(6) التهذيب 7: 37 / 157.
369

وقال الشافعي: لا يصح القبض؛ لأنه لم يكله عليه (1).
فإن كان الطعام بحاله، كيل عليه، فإن كان وفق حقه، فقد استوفاه.
وإن كان أقل من حقه، كان له الباقي. وإن كان أكثر من حقه، رد الفضل.
وإن استهلكه قبل أن يكال عليه فادعى أنه دون حقه، كان القول قوله
مع يمينه، سواء كان النقصان قليلا أو كثيرا؛ لأن الأصل عدم القبض وبقاء
الحق، فلا يبرأ منه إلا بإقراره بالقبض، وبه قال الشافعي (2).
واختلفت الشافعية في جواز التصرف في هذا الطعام المقبوض
جزافا:
فقال بعضهم: إنه يجوز أن يتصرف فيما يتحقق أنه مستحق له من
الطعام ويتحقق وجوده فيه، مثل أن يكون حقه قفيزا فيبيع نصف قفيز،
فلا يجوز أن يبيع جميعه؛ لاحتمال أن يكون أكثر من حقه.
وقال بعضهم: لا يجوز أن يبيع شيئا منه؛ لأن العلقة ثم باقية بينه
وبين الذي قبضه منه، فلم يجز التصرف فيه (3).
والأول أولى؛ لأن الضمان قد انتقل إليه بقبضه، فجاز التصرف فيما
هو حقه منه.
ولو كان له عنده قفيز فأحضره اكتياله عن رجل له عليه مثله ثم دفعه
إليه بكيله ولم يكله عليه فأتلفه ثم ادعى نقصانه، فإن كان مما يقع مثله في
الكيل، كان القول قوله مع يمينه فيه. وإن كان مما لا يقع مثله في الكيل،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 178.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 308، العزيز شرح الوجيز 4: 308، روضة الطالبين
3: 178.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 308، حلية العلماء 4: 381، العزيز شرح الوجيز 4:
307، روضة الطالبين 3: 177.
370

لم يقبل قوله؛ لأنه يعلم كذبه، وقد نص علماؤنا على أنه إذا ادعى النقص
في الكيل أو الوزن، فإن كان حاضرا، لم يقبل منه دعواه، وصدق الآخر
باليمين. وإن لم يحضر، كان القول قوله مع يمينه.
مسألة 526: لو كان لرجل على آخر طعام سلفا أو قرضا فأعطاه مالا،
فإن كان الذي أعطاه طعاما من جنس ما هو عليه، فهو نفس حقه. وإن
أعطاه من غير جنسه، فإن كان طعاما فإن عينه، جاز، ووجب قبضه في
المجلس، فإن تفرقا قبل القبض، بطل العقد عند الشافعي (1).
والوجه عندي: الجواز؛ لأنه قضاء دين لا بيع.
وإن كان في الذمة، صح، فإن عينه وقبضه إياه في المجلس، جاز.
وإن تفرقا قبل تعيينه أو قبضه، بطل عنده (2)؛ لأنه إذا لم يعينه، فقد
باعه الدين بالدين.
وإن تفرقا قبل القبض، لم يجز؛ لأن ما يجري في الربا بعلة لا يجوز
التفرق فيه قبل القبض.
وإن كان من غير جنس المطعومات، كالأثمان وغيرها، فإن كان غير
معين، وجب تعيينه في المجلس.
وإن تفرقا قبل تعيينه، بطل العقد - قاله الشافعي - لأنه بيع الدين
بالدين (3). وهو ممنوع.
وإن كان معينا بالعقد فتفرقا قبل قبضه، ففي إبطال العقد وجهان:
البطلان؛ لأن البيع في الذمة، فوجب قبض الثمن في المجلس، كرأس مال
المسلم. وعدمه، كما لو باع طعاما بثمن في الذمة مؤجل.

(1 - 3) لم نعثر عليه في مظانه.
371

هذا إذا كان القرض قد استقر في ذمته، وأما إذا كان القرض في يده،
فإنه لا يجوز أن يأخذ عوضه؛ لأنه قد زال ملكه عن العين، ولم يستقر في
ذمته؛ لأنه بمعرض أن يرجع في العين.
فأما إذا قلنا: إنه لا يملك إلا بالتصرف، فقال بعض الشافعية:
لا يجوز أخذ بدل القرض، فإنه وإن كان ملكه باقيا إلا أنه قد ضعف بتسليط
المستقرض عليه (1).
مسألة 527: لو كان عليه سلف في طعام، فقال للذي له الطعام: بعني طعاما
إلى أجل لأقبضك إياه، جاز، وهي العينة، وقد تقدمت (2)؛ للأصل.
ولما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: رجل
تعين ثم حل دينه فلم يجد ما يقضي أيتعين من صاحبه الذي عينه
ويقضيه؟ قال: " نعم " (3).
وعن بكار بن أبي بكر عن الصادق (عليه السلام) في رجل يكون له على
الرجل المال فإذا حل قال له: بعني متاعا حتى أبيعه فأقضي الذي لك علي،
قال: " لا بأس " (4).
وقال الشافعي: إنه باطل إن عقد البيع على ذلك؛ لأنه شرط في عقد
البيع أن يقبضه حقه، وذلك غير لازم له، فإذا لم يثبت الشرط، لم يصح
البيع. ولأنه شرط عليه أن لا يتصرف في المبيع، وذلك مفسد للعقد (5).
ويمنع عدم اللزوم مع الشرط، فكل الشروط غير لازمة إلا بالعقد،

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) في ص 256، المسألة 418.
(3) الكافي 5: 204 / 4، التهذيب 7: 48 / 208، الاستبصار 3: 79 / 266.
(4) الفقيه 3: 183 / 826، التهذيب 7: 49 / 210، الاستبصار 3: 80 / 268.
(5) لم نعثر عليه في مظانه.
372

ولم يشرط عليه عدم التصرف، بل شرط عليه التصرف، لكنه خاص
فجاز، كالعتق.
أما لو لم يشرطا ذلك، فإنه يصح قطعا وإن نوياه، وبه قال الشافعي.
ولو كان (1) له عنده طعام، فقال: اقضني (2) إياه على أن أبيعك إياه،
فقضاه، صح القبض، ولم يلزمه بيعه؛ لأنه وفاه حقه فصح. ولو زاده على
ما له بشرط أن لا يبيعه (3) منه، لم يصح القبض.
ولو باعه طعاما بمائة إلى سنة، فلما حل الأجل أعطاه بالثمن الذي
عليه طعاما، جاز، سواء كان مثل الأول أو أقل أو أكثر، وهو على المشهور
من قول الشافعي: إن بيع الثمن يجوز قبل القبض (4).
ومنع مالك؛ لأنه يصير كأنه بيع الطعام بالطعام (5).
وليس بصحيح؛ لأنه باع الطعام بالدراهم، واشترى بالدراهم طعاما،
فجاز، كما لو اشترى من غيره وباع منه.
مسألة 528: لو باعه طعاما بثمن على أن يقضيه طعاما له عليه أجود
مما عليه البيع، صح؛ لأنه شرط سائغ، وعموم قوله (عليه السلام): " المؤمنون عند
شروطهم " (6) يقتضيه.
وقال الشافعي: لا يجوز؛ لأن الجودة لا يصح أن تكون مبيعة
بانفرادها (7).

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) في الطبعة الحجرية: " اقبضني ".
(3) الظاهر: بشرط أن يبيعه، بدون كلمة " لا ".
(4 و 7) حلية العلماء 4: 384.
(6) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6: 33.
(7) المهذب - للشيرازي - 1: 306، التهذيب - للبغوي - 3: 577، حلية العلماء 4:
366، العزيز شرح الوجيز 4: 423، روضة الطالبين 3: 269.
373

وهو غلط؛ لأنها شرط لا بيع.
مسألة 529: لو اقترض طعاما بمصر، لم يكن له المطالبة به بمكة لو
وجد المقترض؛ لاختلاف قيمة الطعام بالبلدان.
ولو طالبه المقترض بأخذ بدله بمكة، لم يجب على المقرض قبوله؛
لأن عليه مؤونة وكلفة في حمله إلى مصر. ولو تراضيا على قبضه، جاز.
ولو طالب صاحب الطعام المقترض بقيمته بمصر، لزمه دفعها إليه؛
لأن الطعام الذي يلزمه دفعه إليه معدوم، فكان كما لو عدم الطعام بمصر.
أما إذا غصبه طعاما بمصر فوجده بمكة، كان له مطالبته به وإن غلا ثمنه.
وقال الشافعي: ليس له ذلك كالقرض (1). وليس بجيد.
ولو أسلم إليه في طعام بمصر فطالبه بمكة، لم يكن له ذلك، وليس
له المطالبة بقيمته؛ لأن المسلم إليه لا يجوز أخذ قيمته، قاله الشافعي (2).
وفيه ما تقدم.
مسألة 530: لو باع عبدا بعبد وقبض أحدهما من صاحبه، جاز له
التصرف فيه؛ لأن انفساخ العقد بتلفه قد أمن، فإن باعه فتلف العبد الذي
في يده قبل التسليم، بطل الأول؛ لتلف المبيع قبل القبض، ولم ينفسخ
الثاني؛ لأنه باعه قبل انفساخ العقد. ويجب عليه قيمته لبائعه؛ لتعذر رده
عليه، فهو كما لو تلف في يده.
فإن اشترى شقص دار بعبد وقبض الشقص ولم يسلم العبد فأخذه
الشفيع بالشفعة ثم تلف العبد في يده، انفسخ العقد، ولم يؤخذ الشقص
من يد الشفيع؛ لأنه ملكه قبل انفساخ العقد، فيجب على المشتري قيمة

(1 و 2) لم نعثر عليه في مظانه.
374

الشقص للبائع، ويجب (1) له على الشفيع قيمة العبد؛ لأنه بذلك يأخذ
الشقص.
ولو اشترى نخلا حائلا من رجل فأثمر في يد البائع، فالثمرة أمانة
في يده للمشتري؛ لأنه (2) حدثت في ملكه.
فإن هلكت الاصول في يده والثمرة (3)، انفسخ العقد، وسقط الثمن،
ولا ضمان عليه في الثمرة؛ لأنها أمانة، إلا أن يكون أتلفها أو طالبه
المشتري بالثمرة فمنعه، فإنه يصير ضامنا لها، وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: تدخل في العقد (5).
وإن هلكت الثمرة دون النخل، فلا ضمان عليه، ولا خيار للمشتري.
وإن هلكت الاصول دون الثمرة، انفسخ العقد، وكانت الثمرة
للمشتري، وسقط عنه الثمن.
ولو كسب العبد المبيع في يد البائع شيئا، كان حكمه حكم الثمرة.
مسألة 531: لو كان له في ذمة رجل مال وعنده وديعة له أو رهن
فاشتراه منه بالدين، جاز، وللمودع والمرتهن أن يقبضه بغير إذن البائع؛
لأنه قد استحق القبض، وقبضه بمضي زمان يمكن فيه القبض، وبه قال
الشافعي (6).
وهل يحتاج إلى نقله من مكانه أو يكفي مضي زمان النقل؟ للشافعي
وجهان:

(1) في الطبعة الحجرية: " فيجب ".
(2) في الطبعة الحجرية: " فإنه ".
(3) في " س، ي ": " والثمر ".
(4 و 5) لم نعثر عليه في مظانه.
(6) انظر: المجموع 9: 281.
375

أحدهما: أنه يحتاج؛ لأنه مما ينقل ويحول، فلا يحصل قبضه إلا
بالتحويل.
والثاني: لا يحتاج - وهو الأقوى عندي - لأن المراد من النقل حصوله
في يده، وهو حاصل في يده (1).
وإن باعه الوديعة بثمن ولم يقبض الثمن، لم يكن للمودع نقل
الوديعة إلا بإذن البائع، وإذا نقلها بغير إذنه، لم تصر مقبوضة قبضا يملك به
التصرف.
مسألة 532: قد تقدم (2) الخلاف في أن بيع المبيع قبل القبض هل
يصح أم لا؟ وكذا هبته ورهنه من غير البائع.
وأما رهنه من البائع فالأقرب عندي: الصحة؛ عملا بالأصل. ولأن
الرهن غير مضمون على المرتهن، وما لا يقتضي نقل الضمان فليس من
شرط صحته قبضه، وهو أحد قولي الشافعية (3).
وقال بعضهم: لا يصح؛ لأنه عقد يفتقر إلى القبض، فأشبه الهبة (4).
ويصح نكاح الأمة قبل قبضها؛ لأن نكاح المغصوبة يصح.
والأقوى صحة إجارة العين قبل قبضها.
وللشافعية وجهان (5).
وتصح كتابة العبد قبل قبضه، خلافا للشافعي؛ لأن الكتابة تفتقر إلى
تخليته للتصرف، وهو ممنوع حالة العقد (6).

(1) انظر: المجموع 9: 281.
(2) في ج 10 ص 119 وما بعدها، المسألة 66.
(3 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 297، روضة الطالبين 3: 168، المجموع 9: 266.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 296، روضة الطالبين 3: 168، المجموع 9: 265.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 295، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 264.
376

والعتق قبل القبض يصح، لأن العتق لا يفتقر إلى القبض.
ويصح في المغصوب - وقال بعض الشافعية: لا يصح (1) - لأنه إزالة
ملك.
مسألة 533: فضول الموازين لا بأس به إذا جرت العادة به ولم يكن
فيه تعد (2)؛ لرواية عبد الرحمن بن الحجاج - الصحيحة - عن الصادق (عليه السلام)
أنه سأله عن فضول الكيل والموازين، فقال: " إذا لم يكن به تعد (3)
فلا بأس " (4).
وكذا يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقصان. ولو كان
مما يزيد دائما أو ينقص دائما، لم يجز؛ لأن حنان قال: كنت جالسا عند
الصادق (عليه السلام)، فقال له معمر الزيات: إنا نشتري الزيت بأزقاقه (5) فيحسب
لنا نقصان منه لمكان الأزقاق، فقال له: " إن كان يزيد وينقص فلا بأس،
وإن كان (6) يزيد ولا ينقص فلا تقربه " (7).
وينبغي التعويل في الكيل بصاع المصر؛ لما رواه الحلبي - في
الحسن - عن الصادق (عليه السلام)، قال: " لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع
المصر " (8).

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2 و 3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بعد " بدل " تعد ". والصحيح ما أثبتناه.
وفي المصدر بالنسبة إلى الرواية هكذا: " إذا لم يكن تعديا ".
(4) الكافي 5: 182 / 2، التهذيب 7: 40 / 167.
(5) الزق: السقاء، وجمع القلة أزقاق. الصحاح 4: 1491 " زقق ".
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية زيادة: " مما ".
(7) التهذيب 7: 40 / 168، وفي الكافي 5: 183 / 4 بتفاوت في بعض الألفاظ.
(8) الكافي 5: 184 (باب لا يصلح البيع إلا بمكيال البلد) الحديث 1، الفقيه 3:
130 / 565، التهذيب 7: 40 / 169.
377

وعن الحلبي عن الصادق (عليه السلام)، قال: " لا يحل للرجل أن يبيع بصاع
سوى صاع المصر، فإن الرجل يستأجر الجمال (1) فيكيل له بمد بيته لعله
يكون أصغر من مد السوق، ولو قال: هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ
به، ولكنه يحمله ذلك ويجعله في أمانته " وقال: " لا يصلح إلا مدا واحدا،
والأمناء (2) بهذه المنزلة " (3).
مسألة 534: لا يجوز أن يدفع إلى الطحان طعاما ليأخذ منه الدقيق
بزيادة، ولا السمسم إلى العصار ليعطيه بكل صاع أرطالا معلومة؛ لأن ذلك
ليس معاملة شرعية ولا معاوضة على عين موجودة ولا مضمونة؛ لتعلقها
بالعين.
ولما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الباقر (عليه السلام)، قال:
سألته عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه
لكل عشرة اثني عشر دقيقا، قال: " لا " قلت: فالرجل يدفع السمسم إلى
العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة، قال: " لا " (4).
مسألة 535: إذا تلف المبيع قبل القبض بآفة سماوية، فهو من ضمان
البائع على ما تقدم (5). ويتجدد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء
لا يتجزأ من الزمان، فالزوائد الحادثة في يد البائع من الولد واللبن والصوف
والبيض والكسب للمشتري.

(1) في " ي " والطبعة الحجرية وكذا في التهذيب: " الحمال " بدل " الجمال ".
(2) المنا والمناة: كيل أو ميزان، ويثنى منوان ومنيان، والجمع: أمناء. القاموس
المحيط 4: 392.
(3) الكافي 5: 184 / 2، التهذيب 7: 40 / 170 بتفاوت في بعض الألفاظ.
(4) الكافي 5: 189 / 11، التهذيب 7: 45 - 46 / 197.
(5) في ج 10 ص 114، المسألة 64.
378

وللشافعي وجهان (1).
وكذا الإقالة إذا جعلناها فسخا.
والأصح فيها (2) جميعا أنها للمشتري، وتكون أمانة في يد البائع.
ولو هلكت والأصل باق [فالبيع باق] (3) بحاله، ولا خيار للبائع (4).
وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد، وما وهب منه فقبله
وقبضه، وما اوصي له به فقبله.
ولو أتلفه المشتري، فهو قبض منه، وبه قال الشافعي (5).
وله وجه: أنه لا يكون قبضا (6).
هذا إذا كان المشتري عالما، أما إذا كان جاهلا بأن قدم البائع الطعام
المبيع إلى المشتري فأكله، فهل يجعل قابضا؟ الأقرب: أنه ليس قابضا،
ويكون بمنزلة إتلاف البائع، وهو أحد قولي الشافعي (7).
وكذا لو قدم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا، هل
يبرأ الغاصب؟ وجهان للشافعي (8).
والوجه عندنا: أنه لا يبرأ.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 287 - 288، روضة الطالبين 3: 160.
(2) في " س " والطبعة الحجرية وظاهر " ي ": " فيهما ". والظاهر ما أثبتناه. والضمير
راجع إلى الزوائد.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق. ويحتمل أن تكون العبارة هكذا: " ولو
هلكت والأصل باق، فلا خيار... ".
(4) كذا، والظاهر " للمشتري " بدل " للبائع ".
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 303، التهذيب - للبغوي - 3: 395، العزيز شرح
الوجيز 4: 288، المجموع 9: 281، روضة الطالبين 3: 161، منهاج الطالبين: 102.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 288، روضة الطالبين 3: 161.
(7 و 8) العزيز شرح الوجيز 4: 288، روضة الطالبين 3: 161، منهاج الطالبين:
102.
379

وإن أتلفه أجنبي، فقد تقدم (1) قولنا فيه.
وللشافعي طريقان:
أظهرهما: أنه على قولين، أحدهما: أنه كالتالف بآفة سماوية؛ لتعذر
التسليم. وأصحهما - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - أنه ليس كذلك،
ولا ينفسخ البيع؛ لقيام القيمة مقام المبيع، لكن للمشتري الخيار في الفسخ
فيغرمه البائع، ومطالبة الأجنبي.
والثاني: القطع بالقول الثاني.
وإن قلنا به، فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن؟ وجهان:
أحدهما: نعم، كما يحبس المرتهن قيمة المرهون.
[وأظهرهما: لا؛ لأن الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى
البدل، بخلاف الرهن، ولهذا لو أتلف الراهن، غرم القيمة] (2) وإذا أتلف
المشتري المبيع، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع.
وعلى الأول لو تلفت القيمة بآفة سماوية، فهل ينفسخ البيع؛ لأنها
بدل المبيع؟ وجهان، أظهرهما: لا (3).
وإن أتلفه البائع، قال الشيخ: ينفسخ البيع، كما لو تلف بآفة
سماوية (4). وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: لا ينفسخ، كإتلاف الأجنبي؛ لأنه جنى على ملك غيره،
وعلى هذا إن شاء المشتري فسخ البيع، وسقط الثمن. وإن شاء أجاز وغرم

(1) انظر: ج 10 ص 115، ضمن المسألة 64.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 288 - 289، روضة الطالبين 3: 161 - 162.
(4) المبسوط - للطوسي - 2: 117.
380

القيمة للبائع، وأدى الثمن. والثاني (1): القطع بالقول الأول، فإن لم نحكم
بالانفساخ، عاد الخلاف في حبس القيمة (2).
وقطع بعضهم بأنه لا حبس هنا؛ لتعديه بإتلاف العين (3).
وإن باع شقصا من عبد وأعتق باقيه قبل القبض وهو موسر، عتق
كله، وانفسخ البيع، وسقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماوية.
وإن جعلناه كإتلاف الأجنبي، فللمشتري الخيار.
وإتلاف الصبي - الذي لا يميز - بأمر البائع أو المشتري كإتلافهما،
وإتلاف المميز بأمرهما كإتلاف الأجنبي.
وقال بعض الشافعية: إذن المشتري للأجنبي في الإتلاف لغو. وإذا
أتلف، فله الخيار، ويلزمه لو أذن البائع في الأكل والإحراق ففعل، كان
التلف من ضمان البائع، بخلاف ما إذا أذن للغاصب (4) ففعل، يبرأ؛ لأن
الملك مستقيم (5).
وقال بعض الشافعية: إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبي، وكذا إتلاف
عبد المشتري بغير إذنه، فإن اختار، جعل قابضا، كما لو أتلفه بنفسه. وإن
فسخ، اتبع البائع الجاني. ولو كان المبيع علفا فاعتلفه حمار المشتري
بالنهار، ينفسخ البيع. وإن اعتلفه بالليل، لا ينفسخ، وللمشتري الخيار، فإن
أجاز، فهو قابض، وإلا طالبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. وأطلق القول بأن

(1) أي الطريق الثاني. والطريق الأول على قولين مضيا آنفا.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 289، روضة الطالبين 3: 162.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الغاصب ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 290، روضة الطالبين 3: 162 - 163، وفيهما: " لأن
الملك ثم - هناك - مستقر ".
381

بهيمة البائع إتلافها كالآفة السماوية (1).
ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقتله دفعا، قال
بعض الشافعية: لا يستقر الثمن عليه (2).
وقال بعضهم: إنه يستقر؛ لأنه أتلفه في غرض نفسه (3).
والأول عندي أصح.
مسألة 536: لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع، فللبائع الاسترداد
إذا ثبت له حق الحبس. وإن أتلفه في يد المشتري، فعليه القيمة، ولا خيار
للمشتري؛ لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالما فيه، قاله بعض
الشافعية (4).
وقال بعضهم: إنه يجعل مستردا بالإتلاف، كما أن المشتري قابض
بالإتلاف، وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري (5).
والأخير عندي أقوى.
ووقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع، وكذا
انفلات الطير والصيد المتوحش.
ولو غرق البحر الأرض المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبل
أو كبسها رمل، فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار؟ للشافعية وجهان (6)،
أقربهما: الثاني.
ولو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر، لم ينفسخ
البيع؛ لبقاء المالية، ورجاء العود.

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 290، روضة الطالبين 3: 163.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 394، العزيز شرح الوجيز 4: 290 - 291، روضة
الطالبين 3: 163.
382

وفيه للشافعية وجه: أنه ينفسخ كما في التلف (1).
مسألة 537: لو غصب المبيع غاصب، فليس للمشتري إلا الخيار، فإن
اختار، لم يلزمه تسليم الثمن.
وإن سلمه، قال بعض الشافعية: ليس له الاسترداد؛ لتمكنه من
الفسخ (2).
وإن أجاز ثم أراد الفسخ، فله ذلك، كما لو انقطع المسلم فيه فأجاز
ثم أراد الفسخ؛ لأنه يتضرر كل ساعة.
وكذا لو أتلف الأجنبي المبيع قبل القبض وأجاز المشتري ليتبع
الجاني ثم أراد الفسخ.
وقال بعضهم في هذه الصورة: وجب أن لا يمكن من الرجوع؛ لأنه
رضي بما في ذمة الأجنبي، فأشبه الحوالة (3).
ولو جحد البائع العين قبل القبض، فللمشتري الفسخ؛ لحصول
التعذر.
مسألة 538: لو باع عبدا من رجل ثم باعه من آخر وسلمه إليه وعجز
عن انتزاعه وتسليمه إلى الأول، فهذا جناية منه على المبيع فينزل منزلة
الجناية الحسية حتى ينفسخ البيع في قول للشافعية، ويثبت للمشتري
الخيار - في الثاني (4) - بين أن يفسخ وبين أن يأخذ القيمة من البائع (5).

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 395، العزيز شرح الوجيز 4: 291، روضة الطالبين 3: 163.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 395، العزيز شرح الوجيز 4: 291، روضة الطالبين 3:
164.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 291، روضة الطالبين 3: 164.
(4) أي القول الثاني للشافعية.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 291، روضة الطالبين 3: 164.
383

والثاني عندي أقوى.
ولو طالب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع: أنا عاجز،
حلف عليه، فإن نكل، حلف المدعي على أنه قادر، وحبس إلى أن يسلم
أو يقيم بينة على عجزه.
ولو ادعى المشتري الأول على الثاني العلم بالحال فأنكر، حلفه، فإن
نكل، حلف هو وأخذه منه.
مسألة 539: لو تعيب المبيع بآفة سماوية قبل القبض كعمى العبد
وشلل يده أو سقوطها، تخير المشتري بين الفسخ والإجازة بجميع الثمن
عند بعض علمائنا - وبه قال الشافعي (1) - وبالأرش عندنا، وقد تقدم (2).
مسألة 540: قد بينا حكم البيع قبل القبض وما فيه من الخلاف.
وفي العتق للشافعي قولان، أصحهما: النفوذ (3). وهو الحق عندي.
هذا إذا لم يكن للبائع حق الحبس، كما إذا كان الثمن مؤجلا أو حالا
وقد أداه المشتري، أما إذا ثبت له حق الحبس، فالأقوى عندي: النفوذ
أيضا.
وللشافعية قولان، أحدهما هذا. والثاني: أنه كإعتاق الراهن (4).
وهو ممنوع؛ لأن الراهن حجر على نفسه بالرهن، والرهن جعل
ليحبسه المرتهن.
وأما الوقف فيجوز للمشتري وقفه قبل القبض؛ لما تقدم.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 303، الحاوي الكبير 5: 225، العزيز شرح الوجيز
4: 292، روضة الطالبين 3: 164.
(2) في ج 10 ص 117، ضمن المسألة 65.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 294 - 295، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 264.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 295، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 264.
384

والشافعي بناه على أن الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ إن قلنا: نعم،
فهو كالبيع. وإن قلنا: لا، فهو كالإعتاق (1).
وكذا في إباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافا.
والكتابة كالبيع في أصح وجهي الشافعية؛ إذ ليس لها قوة العتق (2).
والاستيلاد كالعتق.
وأما هبة المبيع قبل قبضه، ورهنه فإنهما صحيحان عندنا.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما؛ لأن التسليم غير لازم فيهما، بخلاف
البيع. وأصحهما عندهم: المنع؛ لضعف الملك، فإنه كما يمنع البيع يمنع
الهبة، ولهذا لا يصح رهن المكاتب وهبته، كما لا يصح بيعه (3).
وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوسا بالثمن (4).
وعلى تقدير صحتهما فليس العقد قبضا، بل يقبضه المشتري من
البائع ثم يسلمه من المتهب أو المرتهن (5).
ولو أذن للمتهب أو المرتهن حتى قبضه، قال بعض الشافعية: يكفي
ذلك، ويتم به البيع والهبة أو الرهن بعده (6).
وقال آخرون: [لا] (7) يكفي ذلك للبيع وما بعده، ولكن ينظر إن
قصد قبضه للمشتري، صح قبض البيع، ولا بد من استئناف قبض الهبة (8)،

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 295، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 264.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 295.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 295، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 265.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 405، العزيز شرح الوجيز 4: 295، روضة الطالبين 3:
167، المجموع 9: 265.
(7) ما بين المعقوفين من المصادر.
(8) في المصادر: " للبهة " بدل " الهبة ".
385

ولا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه. وإن قصد قبضه لنفسه،
لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة، فإن قبضها يجب أن يتأخر عن تمام
البيع (1).
والإقراض والتصدق كالهبة والرهن، ففيهما خلاف عند الشافعي (2).
والأقوى عندي: النفوذ.
وأما تزويج الأمة قبل القبض فإنه جائز عندنا، وهو أصح وجهي
الشافعية (3).
وبعضهم فرق فأبدى قولا ثالثا، وهو أن يقال: إما أن يكون للبائع
حق الحبس فلا يصح التزويج؛ لأنه منقص، وإما أن لا يكون فيصح (4).
وطرد بعضهم التفصيل في الإجارة، فإن كانت منقصة، لم تصح، وإلا
صحت (5).
ولو باع من البائع، فللشافعية وجهان (6) سبقا.
ولو وهب منه أو رهن فطريقان: أحدهما: القطع بالمنع؛ لأنه
لا يجوز أن يكون نائبا عن المشتري في القبض. وأصحهما عندهم: أنه
على القولين. فإن جوزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففعل، أجزأ،
ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن، بل إذا تلف ينفسخ العقد (7).
ولو رهنه من البائع بالثمن، جاز عندنا.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 296، روضة الطالبين 3: 167، المجموع 9: 265.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 405، العزيز شرح الوجيز 4: 296، روضة الطالبين 3:
168، المجموع 9: 265.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 296، روضة الطالبين 3: 168، المجموع 9: 265.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 296، روضة الطالبين 3: 168.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 297، روضة الطالبين 3: 168.
386

تذنيب: لو باع عبدا بثوب وقبض الثوب ولم يسلم العبد، له بيع
الثوب وللآخر بيع العبد عندنا.
ومن منع من البيع قبل القبض منع من بيع العبد.
فلو باع الثوب وهلك العبد في يده، بطل العقد في العبد، ولا يبطل
في الثوب، ويغرم قيمته لبائعه.
ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله؛
لخروجه عن ملكه بالبيع.
ولو تلف العبد والثوب في يده، غرم لبائع الثوب القيمة، و [رد] (1)
على مشتريه الثمن.
مسألة 541: قد بينا أن المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه، فلو
اشترى من مورثه شيئا ومات المورث قبل التسليم، فله بيعه، سواء كان
على المورث دين أو لم يكن. وحق الغريم يتعلق بالثمن.
وإن كان له وارث آخر، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى
يقبضه عند المانعين (2).
ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام، وفي يد المشتري
والمتهب في البيع والهبة الفاسدين، وكذا بيع المغصوب من الغاصب.
والأرزاق من السلطان لا تملك إلا بالقبض، فليس له بيعها قبل
قبضها، خلافا للشافعي؛ فإنه جوزه، فبعض أصحابه قال: هذا إذا أفرزه
السلطان، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له، ويكفي ذلك لصحة
البيع. ومنهم من لم يكتف بذلك، وحمل قوله على ما إذا وكل وكيلا

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 298، روضة الطالبين 3: 169.
387

يقبضه فقبضه الوكيل ثم باعه الموكل، وإلا فهو بيع شيء غير مملوك (1).
ولو وهب الأجنبي شيئا ثم رجع، كان له بيعه قبل استرداده.
والشفيع إذا تملك الشقص بالشفعة، له بيعه قبل القبض، وبه قال
بعض الشافعية (2).
وقال بعضهم: ليس له ذلك؛ لأن الأخذ بالشفعة معاوضة (3).
وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل
أخذها.
ولو استأجر صباغا لصبغ ثوب وسلمه إليه، كان للمالك بيعه قبل
الصبغ.
وقال الشافعي: ليس له بيعه ما لم يصبغ؛ لأن له أن يحبسه إلى أن
يعمل ما يستحق به العوض، وإذا صبغه، فله بيعه قبل الاسترداد إن وفى
الاجرة، وإلا فلا؛ لأنه يستحق حبسه إلى استيفاء الاجرة (4).
ولو استأجر قصارا لقصارة الثوب وسلمه إليه، جاز له بيعه قبل
القصر.
ومنع الشافعي من بيعه ما لم يقصر. وإذا قصر فمبني عنده على أن
القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ، أو أثر فله البيع؛ إذ ليس للقصار
الحبس (5).

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 412، العزيز شرح الوجيز 4: 298 - 299، روضة
الطالبين 3: 170، المجموع 9: 267.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 299، روضة الطالبين 3: 170 - 171، المجموع 9: 268.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 299، روضة الطالبين 3: 171، المجموع 9: 268.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 412، العزيز شرح الوجيز 4: 299، روضة الطالبين 3:
171، المجموع 9: 268.
388

وكذا صياغة الذهب ورياضة الدابة ونسج الغزل.
وإذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك، صح
البيع.
وقال الشافعي: يبنى على أن القسمة بيع أو إفراز؟ (1).
ولو أثبت صيدا في احبولة أو سمكة في شبكة (2)، فله بيعه وإن
لم يأخذه.
مسألة 542: تصرف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض - كالولد
والثمرة - جائز عندنا.
وقال الشافعي: يبنى على أنها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ، أو
لا تعود؟ إن عادت، لم يتصرف فيها كما في الأصل، وإلا كان له
التصرف (3).
ولو كانت الجارية حبلى عند البائع وولدت قبل القبض، كان له
التصرف في الولد.
وقال الشافعي: إن قلنا: الحمل يقابله قسط من الثمن، لم يتصرف
فيه، وإلا فهو كالولد الحادث بعد البيع (4).
مسألة 543: لو باع متاعا بنقد معين مشخص من ذهب أو فضة، جاز
للبائع التصرف فيهما قبل القبض.
وقال الشافعي: ليس للبائع التصرف فيهما قبل القبض؛ لأن الدراهم

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 299، روضة الطالبين 3: 171، المجموع 9: 268.
(2) في الطبعة الحجرية: " شبكته ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 300، روضة الطالبين 3: 171، المجموع 9: 269.
389

والدنانير تتعينان بالتعيين كالمبيع، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها. ولو
تلفت قبل القبض، انفسخ البيع. وإن وجد البائع بها عيبا، لم يستبدلها، بل
يرضي بها أو يفسخ العقد. وبه قال أحمد (1).
وقال أبو حنيفة: لا تتعين، ويجوز إبدالها بمثلها. وإذا تلفت قبل
القبض، لا ينفسخ العقد. وإذا وجد بها عيبا، فله الاستبدال (2). وقد
تقدم (3).
مسألة 544: الدين في ذمة الغير قد يكون ثمنا ومثمنا، أو (4) لا ثمنا
ولا مثمنا.
ونعني بالثمن ما الصق به الباء؛ لأن هذه الباء تسمى " باء التثمين "
على قول (5). أو النقد؛ لإطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره.
والمثمن ما قابل ذلك على الوجهين على قول (6). فإن لم يكن في العقد نقد
أو كان العوضان نقدين، فالثمن ما الصق به الباء، والمثمن ما قابله.
فلو باع أحد النقدين بالآخر، فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه.
ولو باع عرضا بعرض، فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه، وإنما هو
مقابضة.
ولو قال: بعتك هذه الدراهم بهذا العبد، فعلى الأول العبد ثمن،
والمثمن الدراهم. وعلى الثاني في صحة العقد وجهان (7)، كالسلم في

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 300، روضة الطالبين 3: 171 - 172، المجموع 9: 269.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 300.
(3) في ص 148، المسألة 318.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". والأنسب ما أثبتناه.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 301، روضة الطالبين 3: 172.
(7) الوجهان للشافعية، انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 301، وروضة الطالبين 3:
172، والمجموع 9: 273.
390

الدراهم والدنانير؛ لأنه جعل الثمن مثمنا. وإن صح، فالعبد ثمن.
ولو قال: بعتك هذا الثوب بعبد، ووصفه، صح العقد، فإن (1) قلنا:
الثمن ما الصق به الباء، فالعبد ثمن، ولا يجب تسليم الثوب في المجلس.
وإن لم نقل بذلك، ففي وجوب تسليم الثوب للشافعية وجهان: في وجه:
لا يجب؛ إذ (2) لم يجر بينهما لفظ السلم. وفي وجه: يجب؛ اعتبارا
بالمعنى (3).
إذا عرفت هذا، فالضرب الأول: المثمن، وهو المسلم فيه لا يجوز
الاستبدال عنه ولا بيعه من غيره عند الشافعي (4).
وهل الحوالة تدخل في المسلم فيه إما به بأن يحيل المسلم إليه
المسلم بحقه على من له عليه دين قرض أو إتلاف، وإما عليه بأن يحيل
المسلم من له عليه دين قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه
للشافعية، أصحها: لا؛ لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره، والثاني: نعم،
تخريجا على أن الحوالة استيفاء وإيفاء لا اعتياض. والثالث: أنه لا تجوز
الحوالة عليه؛ لأنها بيع سلم بدين، وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه؛
لأن الواجب على المسلم إليه توفية (5) الحق على المسلم وقد فعل (6).
الضرب الثاني: الثمن. وإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمة، ففي

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إن ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إذا ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز " وهو
الموافق لما في " روضة الطالبين " و " المجموع ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 301، روضة الطالبين 3: 172، المجموع 9: 273.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 301، روضة الطالبين 3: 172، المجموع 9: 272.
(5) في " العزيز شرح الوجيز ": " توفير " بدل " توفية ".
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 302، روضة الطالبين 3: 172، المجموع 9: 274.
391

الاستبدال عنها قولان للشافعي:
القديم: أنه لا يجوز؛ لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنه
عوض في معاوضة، فأشبه المسلم فيه.
والجديد: الجواز (1). وهو الأقوى عندي.
الضرب الثالث: ما ليس بمثمن ولا ثمن، كدين القرض والإتلاف،
فيجوز الاستبدال عنه إجماعا، كما لو كان في يده عين مال بغصب أو
عارية، يجوز بيعه منه. ويفارق المسلم فيه؛ لأنه غير مستقر؛ لجواز أن
يطرأ ما يقتضي انفساخ السلم.
وقال بعض الشافعية: إنما يستبدل عن القرض إذا استهلكه، أما إذا
بقي في يده، فلا؛ لأنا إن قلنا: إن القرض يملك بالقبض، فبدله غير مستقر
في الذمة؛ لأن للمقرض أن يرجع في عينه. وإن قلنا: يملك بالتصرف،
فالمستقرض مسلط عليه، وذلك يوجب ضعف ملك المقرض، فلا يجوز
الاعتياض عنه (2).
ونحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين.
واعلم أن الاستبدال عند الشافعي بيع ممن عليه الدين، ولا يجوز
استبدال المؤجل عن الحال، ويجوز العكس، وكان من عليه الدين قد
عجله (3).
مسألة 545: القبض فيما لا ينقل - كالدور والأراضي - هو التخلية بينه

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 302، روضة الطالبين 3: 172 - 173، المجموع 9:
274.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 304، روضة الطالبين 3: 174، المجموع 9: 274.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 304، روضة الطالبين 3: 174، المجموع 9: 276.
392

وبين المشتري، ويمكنه من اليد والتصرف بتسليم المفتاح إليه. ولا يعتبر
دخوله وتصرفه فيه.
والأقرب: أنه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البائع، خلافا
للشافعي (1).
ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلى بين المشتري وبين
الدار، حصل القبض في الدار كلها عندنا، وعنده يحصل في غير البيت (2).
ولو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة
وخلى البائع بينه وبينها، حصل القبض في الصبرة عند الشافعي (3).
ولو جاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري من قبضه، أجبره الحاكم
عليه. فإن أصر، أمر الحاكم من يقبضه عنه، كالغائب.
ولو أحضره البائع فوضعه بين يدي المشتري ولم يقل المشترى
شيئا، أو قال: لا اريده، فوجهان للشافعية (4)، أضعفهما: أنه لا يحصل
القبض، كما لا يحصل به الإيداع. وأصحهما عندهم: أنه يحصل؛ لوجود
التسليم، فعلى هذا للمشتري التصرف فيه. ولو تلف، فهو من ضمانه،
لكن لو خرج مستحقا ولم يجر (5) إلا وضعه بين يديه، فليس للمستحق
مطالبة المشتري بالضمان - وبه قال الشافعي (6) - لأن هذا القدر لا يكفي
لضمان الغصب.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 305، روضة الطالبين 3: 175، المجموع 9: 276.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 306، روضة الطالبين 3: 176، المجموع 9: 277.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 177، المجموع 9: 277.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " ولم يجز " بالزاي المعجمة. والظاهر أن
الصحيح ما أثبتناه.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 177، المجموع 9: 278.
393

ولو وضع المديون الدين بين يدي مستحقه، ففي حصول التسليم
خلاف بين الشافعية مرتب على المبيع. وهذه الصورة أولى بعدم الحصول؛
لعدم تعين الملك (1).
وفيه نظر؛ لأن الملك يتعين بتعيين (2) المديون، وبالدفع قد عينه.
ولو دفع ظرفا إلى البائع وقال: اجعل المبيع فيه، ففعل، لا يحصل
التسليم؛ إذ لم يوجد من المشتري ما هو قبض. والظرف غير مضمون
عليه؛ لأنه استعمله في ملك المشتري بإذنه، وفي مثله في السلم يكون
الظرف مضمونا على المسلم إليه؛ لأنه استعمله في ملك نفسه.
ولو قال البائع: أعرني ظرفك واجعل المبيع فيه، ففعل، لم يصر
المشتري قابضا أيضا.
ولو قبض بالوزن ما اشتراه كيلا أو بالعكس، فهو كما لو قبضه جزافا
إن تيقن حصول الحق فيه، صح، وإلا فلا.
وللشافعية قولان فيما لو علم حصول الحق (3)، تقدما (4).
ولو قال البائع: خذه فإنه كذا، فأخذه مصدقا له، صح القبض.
وقال الشافعي: لا يصح حتى يجري الكيل الصحيح، فإن زاد، رد
الزيادة. وإن نقص، أخذ الباقي (5).
ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنه كان قدر حقه أو أكثر، وزعم

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 177، المجموع 9: 278.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بتعين " والصحيح ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 177، المجموع 9: 278.
(4) في ص 372، ضمن المسألة 525، وكذا في ج 10 ص 104 - 105، الفرع (أ) من
المسألة 60.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 307، روضة الطالبين 3: 178، المجموع 9: 278.
394

المدفوع إليه أنه كان دون حقه أو قدره، فالقول قوله.
ومعنى التصديق أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناء (1) عليه،
أما لو أقر بجريان الكيل، لم يسمع منه خلافه.
مسألة 546: إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن، لم يكن على البائع
الرضا بكيل المشتري ووزنه، ولا على المشتري الرضا بكيل البائع، بل
يتفقان على كيال أو وزان. ولو اختلفا، نصب الحاكم أمينا يتولاه.
ولو كان لزيد طعام على رجل سلما (2) ولآخر مثله على زيد، فأراد
زيد أن يوفي ما عليه مما له على الآخر، فقال: اذهب إلى فلان واقبض
لنفسك ما لي عليه، فالقبض فاسد، والمقبوض مضمون على القابض.
وهل تبرأ ذمة الدافع عن حق زيد؟ للشافعي وجهان أصحهما: نعم.
وهما مبنيان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري هل
يعتق المكاتب؟ فإن قلنا: لا يبرأ، فعلى القابض رد المقبوض إلى الدافع (3).
والوجه: البراءة.
ولو قال زيد: اقبضه لي ثم اقبضه مني لنفسك بذلك الكيل، أو قال:
احضر معي لأقبضه لنفسي ثم تأخذ أنت بذلك الكيل، ففعل، فقبضه لزيد
في الصورة الاولى وقبض زيد لنفسه في الثانية صحيح (4)، وتبرأ ذمة البائع

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " منا " بدل " بناء ". والظاهر أن الصحيح ما
أثبتناه.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " سلم " والصحيح ما أثبتناه. ويحتمل: " من
سلم ".
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 413، العزيز شرح الوجيز 4: 308، روضة الطالبين 3:
178، المجموع 9: 279.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " صح " بدل " صحيح " وما أثبتناه يقتضيه
السياق.
395

عن حقه. والقبض الآخر فاسد عند الشافعية (1)، والمقبوض مضمون عليه.
وفي قبضه لنفسه في الصورة الاولى وجه آخر: أنه صحيح (2).
ولو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثم كاله على مشتريه وأقبضه، فقد جرى
الصاعان، وصح القبضان، ولا رجوع له. وإن زاد كثيرا، تبين أن الكيل
الأول وقع غلطا، فيرد زيد الزيادة، ويرجع بالنقصان.
تذنيب: مؤونة الكيل - الذي يفتقر إليه القبض - على البائع، كمؤونة
إحضار المبيع الغائب، ومؤونة وزن الثمن على المشتري؛ لتوقف التسليم
عليه، ومؤونة نقد الثمن على المشتري أيضا، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: أنه على البائع (3).
مسألة 547: للمشتري أن يوكل في القبض وإن وكل من يده كيد
البائع، كعبده، خلافا للشافعي (4).
ولا بأس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتبه عنده (5).
وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان له، أصحهما عنده: أنه
لا يجوز (6).
ولو قال للبائع: وكل من يقبض لي عنك، ففعل، جاز، ويكون وكيل
المشتري. وكذا لو وكل البائع بأن يأمر من يشتري منه للموكل.
ولو كان القابض والمقبض واحدا، لم يجز عند الشافعي (7).
والأولى عندي: الجواز.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 308، روضة الطالبين 3: 179، المجموع 9: 279.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 308 - 309، روضة الطالبين 3: 179، المجموع 9:
279.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 309، روضة الطالبين 3: 178، المجموع 9: 279.
(4 - 7) العزيز شرح الوجيز 4: 310، روضة الطالبين 3: 179، المجموع 9: 280.
396

ولو اشترى الأب لابنه الصغير من مال لنفسه أو لنفسه من مال
الصغير، فإنه يتولى طرفي القبض، كما يتولى طرفي البيع.
وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول؟ الأقرب: العدم، وهو
أحد وجهي الشافعية. والثاني: احتياجه (1).
وإتلاف المشتري المبيع قبض. وقبض الجزء المشاع إنما يحصل
بتسليم الجميع، ويكون ما عدا المبيع أمانة في يده.
ولو طلب القسمة قبل القبض، اجيب إليها، وبه قال الشافعي (2).
أما إذا جعلنا القسمة إفرازا: فظاهر.
وأما إذا جعلناها بيعا: فإن الرضا غير معتبر فيه؛ لأن الشريك يجبر
عليه، وإذا لم يعتبر الرضا، جاز أن لا يعتبر القبض، كما في الشفعة.
مسألة 548: قد بينا (3) وجوب تسليم ما على كل من البائع
والمشتري، فلو اختلفا في التقديم، فأحد أقوال الشافعي: إجبارهما معا
على التسليم، فيأمر (4) كل واحد منهما بإحضار ما عليه، فإذا أحضرا، سلم
الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري بأيهما بدأ جاز، أو يأمرهما بالوضع
عند عدل ليفعل العدل ذلك - وهو المعتمد عندي - لأن كل واحد منهما
يستحق قبض ما عند الآخر، فيؤمر بإيفائه، كما لو كان لكل منهما وديعة
عند الآخر وتنازعا هكذا.
والثاني: أنهما لا يجبران، بل يمنعهما من التنازع، فإذا سلم أحدهما

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 310 - 311، روضة الطالبين 3: 180، المجموع 9:
280.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 311، روضة الطالبين 3: 180، المجموع 9: 281.
(3) في ج 10 ص 108 " النظر الثاني في وجوب القبض ".
(4) أي الحاكم.
397

ما عليه، أجبر الآخر؛ لأن على كل واحد إيفاء واستيفاء، فلا سبيل إلى
تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.
والثالث - وبه قال مالك وأبو حنيفة -: أنه يجبر المشتري على تسليم
الثمن أولا؛ لأن حقه متعين في المبيع، وحق البائع غير متعين في الثمن،
فيؤمر بالتعيين.
والرابع - وبه قال الشيخ (1) -: أنه يجبر البائع أولا على التسليم - وبه
قال أحمد - لأنه لا يخاف هلاك الثمن، فملكه مستقر فيه، وتصرفه فيه
بالحوالة والاعتياض نافذ، وملك المشتري في المبيع غير مستقر، فعلى
البائع التسليم ليستقر (2).
وفي المسألة طريقة اخرى للشافعي، وهي: القطع بالرابع، وحمل
الأول والثاني على حكاية مذهب الغير، والثالث من تخريج بعضهم (3).
هذا إذا كان الثمن في الذمة، وأما إذا كان معينا، فإنه يسقط القول
الثالث (4).
وإن تبايعا عرضا بعرض، سقط القول الرابع أيضا، وبقي قولان:
إنهما يجبران، ولا يجبران. والأول أظهر، وبه قال أحمد (5).

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 147 - 148، الخلاف 3: 151، المسألة 239.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 302، التهذيب - للبغوي - 3: 511 - 512، حلية
العلماء 4: 336 - 337، الحاوي الكبير 5: 307 - 308، العزيز شرح الوجيز 4:
312، روضة الطالبين 3: 181، المغني 4: 292، الشرح الكبير 4: 122.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 312.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 512، العزيز شرح الوجيز 4: 312، روضة الطالبين 3:
181.
(5) التهذيب - للبغوي - 3: 512، العزيز شرح الوجيز 4: 312 - 313، روضة
الطالبين 3: 181 - 182.
398

فإن قلنا: يجبر البائع على تسليم المبيع أولا أو قلنا: لا يجبر لكنه
تبرع وابتدأ بالتسليم، أجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان
حاضرا في المجلس، وإلا فإن كان المشتري موسرا، فإن كان ماله في البلد،
حجر عليه إلى أن يسلم الثمن لئلا يتصرف في أملاكه بما يفوت حق
البائع (1).
وللشافعية وجه آخر: أنه لا يحجر عليه، ويمهل إلى أن يأتي
بالثمن (2). وهو الوجه عندي.
وعلى تقدير الحجر قيل: يحجر عليه في المبيع وسائر أمواله (3).
وقال بعضهم: لا حجر عليه في سائر أمواله إن كان ماله وافيا، بل
يتبعه به (4).
وهل يدخل المبيع في الاحتساب؟ للشافعية وجهان، أشبههما
عندهم: الدخول (5).
وإن كان غائبا، لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره؛ لتضرره، بل في
وجه: يباع في حقه ويؤدى في ثمنه.
والأظهر: أنه يفسخ؛ لتعذر تحصيل الثمن، كالمفلس. فإن فسخ،
فذاك، وإن صبر إلى الإحضار، فالحجر على ما سبق (6).
وحكي عن بعضهم أنه لا فسخ، لكن يرد المبيع إلى البائع، ويحجر
على المشتري، ويمهل إلى الإحضار (7).
وإن كان دون مسافة القصر، فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 313، روضة الطالبين 3: 182.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 313 - 314، روضة الطالبين 3: 182.
(6 و 7) العزيز شرح الوجيز 4: 314، روضة الطالبين 3: 182.
399

على مسافة القصر؟ للشافعية وجهان (1).
وعندنا أن للبائع الفسخ بعد ثلاثة أيام.
وإن كان معسرا، فهو مفلس، فإن حجر عليه الحاكم، تخير البائع بين
الفسخ والضرب مع الغرماء.
وقال الشافعي: إذا كان مفلسا، فالبائع أحق بمتاعه في وجه. وفي
آخر: لا فسخ، لكن يباع ويوفى من الثمن حق البائع، فإن فضل شيء،
فهو للمشتري (2).
وهذا التفريع جار فيما إذا اختلف المتواجران (3) في البدأة بالتسليم
بغير فرق.
مسألة 549: توهم قوم أن الخلاف في البدأة بالتسليم خلاف في أن
البائع هل له حق الحبس أم لا؟ إن قلنا: البدأة بالبائع، فليس له حبس
المبيع إلى استيفاء الثمن، وإلا فله ذلك (4).
ونازع أكثر الشافعية فيه، وقالوا: هذا الخلاف مفروض فيما إذا كان
نزاعهما في مجرد البدأة، وكان كل واحد منهما يبذل ما عليه ولا يخاف
فوت ما عند صاحبه، فأما إذا لم يبذل البائع المبيع وأراد حبسه خوفا من
تعذر تحصيل الثمن، فله ذلك بلا خلاف. وكذا للمشتري حبس الثمن
خوفا من تعذر تحصيل المبيع، وأن يحبس بالثمن الحال، أما المؤجل
فلا وإن حل الأجل (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 314، روضة الطالبين 3: 182.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 314، روضة الطالبين 3: 183.
(3) أي: المكري والمكتري.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 315، روضة الطالبين 3: 183.
400

ولو تبرع بالتسليم، لم يكن له رده إلى حبسه. وكذا لو أعاره من
المشتري في أصح وجهي الشافعية (1).
ولو أودعه إياه، فله ذلك. ولو صالح من الثمن على مال، لم يسقط
حق الحبس لاستيفاء العوض.
ولو اشترى بوكالة اثنين شيئا ووفى نصف الثمن عن أحدهما، وجب
عليه تسليم النصف.
وقال الشافعي: لا يجب، بناء على أن الاعتبار بالعاقد (2).
ولو باع بوكالة اثنين، فإذا أخذ نصيب أحدهما من الثمن، فعليه
تسليم النصف، وبه قال الشافعي (3).

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 315، روضة الطالبين 3: 183.
401