الكتاب: شرائع الإسلام
المؤلف: المحقق الحلي
الجزء: ٤
الوفاة: ٦٧٦
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: مع تعليقات : السيد صادق الشيرازي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة: أمير - قم
الناشر: انتشارات استقلال - طهران
ردمك:
ملاحظات: أفست من الطبعة الثالثة ١٤٠٣ هـ - ١٩٨٣ م ، طبع بموافقة مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان

شرائع الإسلام
في
مسائل الحلال والحرام
732

القسم الرابع
في الأحكام وهي اثنا عشر كتابا
733

كتاب الصيد والذباحة
والنظر في الصيد يستدعي بيان أمور ثلاثة
الأول
في ما يؤكل صيده وإن قتل ويختص من الحيوان، بالكلب المعلم (1) دون غيره من
جوارح السباع والطير.
فلو اصطاد بغيره، كالفهد والنمر، أو غيرهما من السباع، لم يحل منه إلا ما يدرك
ذكاته (2). وكذا لو اصطاد، بالبازي والعقاب والباشق، وغير ذلك من جوارح الطير، معلما
كان أو غير معلم.
ويجوز الاصطياد: بالسيف، والرمح (3)، والسهام، وكل ما فيه نصل. ولو أصاب
معترضا فقتل، حل. ويؤكل ما قتله المعراض، إذا خرق اللحم. وكذا السهم الذي لا نصل
فيه، إذا كان حادا، فخرق اللحم.
ويشترط في الكلب، لإباحة ما يقتله، أن يكون معلما.
ويتحقق ذلك بشروط ثلاثة: أن يسترسل إذا أرسله (4).. وينزجر إذا زجره.. وألا يأكل
ما يمسكه.
فإن أكل نادرا، لم يقدح في إباحة ما يقتله. وكذا لو شرب دم الصيد واقتصر.

كتاب الصيد والذباحة
(1) أي: المدرب على الصيد.
(2) أي يدركه حيا ويذبحه بشروط الذبح الشرعي مع الحديد، وتجاه القبلة، فري الأوداج الأربعة، ويكون الذابح مسلما، والحركة بعد
الذبح، والحياة المستقرة قبل الذبح، وتسمية اسم الله تعالى. (وكذا) فإنه يحرم إلا إذا أدرك ذكاته.
(3): برميها على الصيد وقتل الصيد بهما أينما وقع عليه ولو على ظهره فقتله (نصل) أي: حديدة حادة (مقرضا) أي: لا عمقا.
(4): أي: أمره بالسير، وهناك أصوات خاصة يعرفها أهل الصيد يصوتون بها فيقف الكلب أو يسير (واقتصر) أي: اعتاد شرب دمه ولم
يأكل لحمه.
735

ولا بد من تكرار الاصطياد به، متصفا بهذه الشرائط، ليتحقق حصولها فيه. ولا يكفي
إنفاقها مرة (5).
ويشترط في المرسل شروط أربعة:
الأول: أن يكون مسلما أو بحكمه كالصبي. فلو أرسله المجوسي أو الوثني، لم يحل أكل
ما يقتله. وإن أرسله اليهودي أو النصراني فيه خلاف، أظهره أنه لا يحل.
الثاني: أن يرسله للاصطياد فلو استرسل من نفسه (6)، لم يحل مقتوله. نعم، لو زجره
عقيب الاسترسال فوقف، ثم أغراه صح، لأن الاسترسال انقطع بوقوفه، وصار الإغراء
إرسالا مستأنفا. ولا كذلك لو استرسل فأغراه.
الثالث: أن يسمي عند إرساله فلو ترك التسمية عمدا، لم يحل ما يقتله، ولا يضر لو كان
نسيانا ولو أرسل واحد، وسمى به آخر، لم يحل الصيد مع قتله له (7).
ولو سمى فأرسل آخر كلبه ولم يسم، فاشتركا في قتل الصيد، لم يحل.
الرابع: أن لا يغيب الصيد وحياته مستقرة فلو وجد مقتولا أو ميتا بعد غيبته (8) لم يحل،
لاحتمال أن يكون القتل لا منه، سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه.
ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة والشباك (9)، لكن لا يحل منه إلا ما يدرك ذكاته، ولو
كان فيه سلاح. وكذا السهم، إذا لم يكن فيه نصل ولا يخرق، وقيل: يحرم أن يرمي الصيد بما
هو أكبر منه، وقيل: بل يكره، وهو أولى.
الثاني
في أحكام الاصطياد: ولو أرسل المسلم والوثني آلتهما فقتلاه لم يحل، سواء اتفقت آلتهما

(5) فلو أرسل كلبا كان من عادته الأكل من الصيد، فلم يأكل هذه المرة، مات الصيد لم يحل إلا إذا أدركه وذبحه بشرائط الذبح.
(6): أي: الكلب بنفسه رأى صيدا وأخذه وقتله بدون أن يرسله صاحبه (أغراه) أي: شجعه على الذهاب بالأصوات الخاصة.
(7): أي: قتل الكلب للصيد (وأرسل آخر) يعني: أحدهما سمى وأرسل كلبه، وآخر لم يسم وأرسل كلبه واشترك الكلبان في قتل
الصيد لم يحل.
(8): أي: غاب عن غير الصائد، خلف جبل، أو حجر، أو شجر، أو في حفرة، أو غير ذلك (لا منه) أي: لا من الكلب بل
بسبب سقوط، أو اصطدام أو نحوهما.
(9): أنواع مختلفة للصيد يراجع صورها في (المنجد) (ولو كان فيه سلاح) أي: حتى إذا كان في الشبكة مثلا حديدة سقطت على الصيد
فقتلته، فلا يحل (أكبر منه) كان يرمي سيفا كبيرا على عصفور فيقتله.
736

مثل أن يرسلا كلبين أو سهمين، أو اختلفا كأن يرسل أحدهما كلبا والآخر سهما، وسواء اتفقت
الإصابة في وقت واحد أو وقتين، إذا كان أثر كل واحدة من الآلتين قاتلا.
ولو أثخنه (10) المسلم، فلم تعد حياته مستقرة، ثم وقف عليه الآخر حل، لأن القاتل
المسلم.
ولو انعكس الفرض لم يحل. ولو اشتبه الحالان حرم تغليبا للحرمة.
ولو كان مع المسلم كلبان. أرسل أحدهما، واسترسل الآخر، فقتلا لم يحل.
ولو رمى سهما، فأوصلته الريح إلى الصيد فقتله حل، وإن كان لولا الريح لم يصل.
وكذا لو أصاب السهم الأرض ثم وثب فقتل.
والاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا بالمعلم (11) فإن كان المرسل مسلما فقتل، حل، ولو
كان المعلم مجوسيا أو وثنيا. ولو كان المرسل غير مسلم، لم يحل. ولو كان المعلم مسلما.
ولو أرسل كلبه على صيد وسمى، فقتل غيره (12)، حل. وكذا لو أرسله على صيود
كبار، فتفرقت عن صغار فقتلها، حلت إذا كانت ممتنعة. وكذلك الحكم في الآلة. أما لو أرسله
ولم يشاهد صيدا، فاتفق إصابة الصيد، لم يحل ولو سمى، سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا،
لأنه لم يقصد الصيد، فجرى مجرى استرسال الكلب.
والصيد الذي يحل بقتل الكلب له، أو الآلة، في غير موضع الذكاة، وهو كل ما كان
ممتنعا، وحشيا (13) كان أو إنسيا. وكذلك ما يصول من البهائم، أو يتردى في البئر وشبهها،
ويتعذر ذبحه أو نحره، فإنه يكفي عقرها في استباحتها. ولا يختص العقر حينئذ بموضع من
جسدها.

(10): أي: جرحه جرحا لا يبقى معه (تغليبا لحرمة) أي: لأصالة حرمة كل لحم إلا ما ثبت حله (واسترسل) أي: ذهب بنفسه دون أن
يرسله صاحبه.
(11): الذي درب الكلب على الصيد.
(12): أي: قتل صيدا آخر (فتفرقت) أي: انهزمت الكبار وبقي هناك صغارها (ممتنعة) أي: كانت تلك الصغار قادرة على الفرار، فلم
تفر، أو فرت ولحقها الكلب (في الآلة) فلو رمى بها صيدا وأصاب آخر فقتله حل: وكذا لو رمى الكبير فانهزم ووقع الرمي على
الصغير الممتنع فقتله حل أيضا (فجرى مجرى) أي: كان مثل.
(13): الوحش ما يعيش في الصحراء، كالغزال: والأنس ما يأنس بالإنسان في البلدان كالنعم الثلاث الإبل والبقر والغنم (يصول) أي: يغير
من غير التفات فيصطدم بحجر أو شجر (ويتعذر) لعدم إمكان الوصول إليه عاجلا فيخشى موته قبل الوصول إليه (عقرها) أي:
رميها بحديدة (في استباحتها) أي: حلها إذا ماتت بالعقد.
737

ولو رمى فرخا (14) لم ينهض فقتل، لم يحل. وكذا لو رمى طائرا وفرخا لم ينهض، فقتلهما،
حل الطائر دون الفرخ.
ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه، لم يحرم.
ولو رمى صيدا فتردى من جبل، أو وقع في الماء فمات، لم يحل لاحتمال أن يكون موته من
السقطة. نعم لو صير حياته غير مستقرة حل لأنه يجري مجرى المذبوح.
ولو قطعت الآلة منه شيئا، كان ما قطعته ميتة، ويذكى ما بقي إن كانت حياته
مستقرة (15).
ولو قطعه بنصفين، فلم يتحركا، فهما حلال.
فلو تحرك أحدهما، فالحلال هو دون الآخر. وقيل يؤكلان، إن لم يكن في المتحرك حياة
مستقرة، وهو أشبه. وفي رواية يؤكل ما فيه الرأس. وفي أخرى، يؤكل الأكبر دون الأصغر،
وكلاهما شاذ.
الثالث
في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى الاصطياد بالآلة المغصوبة حرام، ولا يحرم الصيد ويملكه الصائد دون صاحب
الآلة، وعليه أجرة مثلها (16)، سواء كانت كلبا أو سلاحا.
الثانية: إذا عض الكلب صيدا، كان موضع العضة نجسا، يجب غسله على الأصح.
الثالثة: إذا أرسل كلبه أو سلاحه فجرحه ثم أدركه حيا فإن لم تكن حياته مستقرة، فهو
بحكم المذبوح. وفي الأخبار أدنى ما يدرك ذكاته، أن يجده يركض برجله، أو تطرف عينه، أو
يتحرك ذنبه. وإن كانت مستقرة، والزمان يتسع لذبحه، لم يحل أكله حتى يذكي. وقيل: إن لم
يكن معه ما يذبح به، ترك الكلب حتى يقتله، ثم يأكله إن شاء. أما إذا لم يتسع الزمان لذبحه،
فهو حلال، ولو كانت حياته مستقرة. وإن صيره الرامي، غير ممتنع (17) ملكه وإن لم يقبضه.

(14): الفرخ ولد الحيوان (لم ينهض) أي: بعد لم يقدر على الفرار (تقاطعت) أي جعلوه قطعة قطعة (غير مستقرة) أي: صار مشرفا
على الموت ثم سقط.
(15): بأن يبقى حيا مدة لو ترك ولم يذبح (ولو قده) أي: قطعه.
(16): أي: الصائد أن يعطي لصاحب الآلة الأجرة التي تدفع لمثل استعمال هذه الآلة في هكذا صيد عرفا.
(17): بأن ضعف عن الفرار بالجراحة والضربة.
738

فلو أخذه غيره لم يملكه الثاني، ووجب دفعه إلى الأول.
وأما الذباحة: فالنظر فيها، أما في الأركان، وأما في اللواحق.
أما الأركان فثلاثة: الذابح، والآلة، وكيفية الذبح.
أما الذابح: فيشترط فيه: الإسلام أو حكمه. فلا يتولاه الوثني. فلو ذبح كان المذبوح
ميتة. وفي الكتابي روايتان: أشهرهما المنع. فلا تؤكل ذباحة اليهودي، ولا النصراني، ولا
المجوسي. وفي رواية ثالثة، تؤكل ذباحة الذمي، إذا سمعت تسميته (18)، وهي مطروحة.
وتذبح: المسلمة، والخصي، والجنب، والحائض، وولد المسلم وإن كان طفلا إذا
أحسن.
ولا يشترط الإيمان، وفيه قول بعيد باشتراطه. نعم، لا يصح ذباحة المعلن بالعداوة
لأهل البيت عليهم السلام، كالخارجي (19) وإن أظهر الإسلام.
وأما الآلة: فلا يصح التذكية إلا بالحديد. ولو لم يوجد، وخيف فوت الذبيحة جاز بما
يفري أعضاء الذبح، ولو كان ليطة (20) أو خشبة أو مروة حادة أو زجاجة. وهل تقع الذكاة
بالظفر، أو السن مع الضرورة؟ قيل: نعم لأن المقصود يحصل، وقيل: لا، لمكان النهي
ولو كان منفصلا.
وأما الكيفية: فالواجب قطع الأعضاء الأربعة: المري وهو مجرى الطعام.. والحلقوم
وهو مجرى النفس.. والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم (21).
ولا يجزي قطع بعضهما مع الإمكان، هذا في قول مشهور. وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم،
وخرج الدم، فلا بأس.
ويكفي في المنحور (22)، طعنه في ثغرة النحر، وهي وهدة اللبة.

(18): أي: سمع أنه يذكر اسم الله تعالى عند الذبح (إذا أحسن) أي: أثم شرائط الذبح (الإيمان) وهو كونه مؤمنا بالأئمة الاثني عشر
عليهم الصلاة والسلام.
(19): الذي خرج على إمام زمانه، مثل أهل النهروان، والجمل، وصفين، وأهل الكوفة، ونحوهم فإنهم في حكم الكفار.
(20): بفتح اللام هي القشرة الظاهرة من القصب (مروة) هي الحجر الحاد الذي يقدح النار (يحصل) وهو قطع الأوداج الأربعة
(منفصلا) أي: الظفر والسن كانا منفصلين عن الإنسان والحيوان.
(21): مجريان للدم (وفي الرواية) فلا يحتاج إلى قطع الأوداج الأربعة كلها كما عن بعضهم.
(22): وهو الإبل (ثغرة النحر) هي الحفرة الواقعة في آخر العنق المتصل بالصدر.
739

ويشترط فيها شروط أربعة:
الأول: أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان فإن أخل عامدا، كانت ميتة. وإن كان ناسيا،
صح. وكذا لو لم يعلم جهة القبلة.
الثاني: التسمية وهي أن يذكر الله سبحانه، فلو تركها عامدا لم يحل، ولو نسي لم يحرم.
الثالث: اختصاص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح في الحلق، تحت اللحيين. فإن نحر
المذبوح (23)، أو ذبح المنحور، فمات لم يحل. ولو أدركت ذكاته فذكي حل، وفيه تردد، إذ لا
استقرار لحياته بعد الذبح أو النحر. وفي إبانة الرأس (24) عامدا خلاف أظهره الكراهية. وكذا سلخ
الذبيحة قبل بردها أو قطع شئ منها. ولو انفلت الطير، جاز أن يرميه بنشاب أو رمح أو سيف، فإن
سقط وأدرك ذكاته ذبحه، وإلا كان حلالا.
الرابع: الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة وقال بعض الأصحاب: لا بد مع ذلك من خروج
الدم، وقيل: يجزي أحدهما، وهو أشبه. ولا يجزي خروج الدم متثاقلا، إذا انفرد (25) عن الحركة
الدالة على الحياة.
ويستحب في ذبح الغنم: أن تربط يداه ورجل واحدة، ويطلق الأخرى (26)، ويمسك صوفه
أو شعره حتى يبرد.. وفي البقر: تعقل يداه ورجلاه، ويطلق ذنبه.. وفي الإبل: تربط أخفافه إلى
آباطه، وتطلق رجلاه.. وفي الطير: أن يرسل بعد الذباحة.
ووقت ذبح الأضحية: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.
وتكره الذباحة (27): ليلا إلا مع الضرورة.. وبالنهار يوم الجمعة إلى الزوال.. وأن تنخع
الذبيحة.. وأن يقلب السكين فيذبح إلى فوق، وقيل: فيهما يحرم، والأول أشبه.. وأن يذبح.

(23): أي: نحر في الثغرة ما يجب ذبحه كالبقر والغنم أو ذبح وفري أوداج ما يجب نحره كالبعير (أدركت ذكاته) أي: قبل أن يموت لو
ذبح بعد النحر ما يجب ذبحه، أو نحر بعد الفري ما يجب نحره.
(24): أي: فصله عن الجسد حال الذبح، بأن لا يرفع السكين حتى يفصل الرأس (أظهره) وقول بالحرمة.
(25): أي كان بدون الحركة.
(26): ليرفس بها (أو شعره) كالمعز لأنه داخل في الغنم (ويطلق ذنبه) ليحركه (أخفافه) جمع خف، وهو للبعير مثل القدم (يرسل)
أي: يترك ليضطرب وهذه التعاليم الإسلامية توجب خفة خروج الروح عن هذه الحيوانات.
(27): مطلقا لا في الأضحية، فإنها لا تصح أضحية (تنخع) أي: أصابة نخاعها حين الذبح بأن يقطع من الرقبة إلا أن يصل السكين إلى
النخاع فيقطعها، والنخاع خيط أبيض ممتد من خلف الرقبة إلى الذنب (إلى فوق) بأنه بعد فري الأوداج بقلب السكين في الحلق
فيسحبه نحو الرأس.
740

حيوان وآخر ينظر إليه.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: ما يباع في أسواق المسلمين، من الذبائح واللحوم، يجوز شراؤه، ولا
يلزم التفحص عن حاله (28).
الثانية: كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان، إما لاستعصائه (29)، أو لحصوله
في موضع لا يتمكن المذكي من الوصول إلى موضع الذكاة منه، وخيف قوته، جاز أن
يعقر بالسيوف، أو غيرها مما يجرح، ويحل، وإن لم يصادف العقر موضع التذكية.
الثالثة: إذا قطعت رقبة الذبيحة (30)، وبقيت أعضاء الذباحة، فإن كانت حياتها
مستقرة، ذبحت وحلت بالذبح، وإلا كانت ميتة. ومعنى المستقرة، التي يمكن أن تعيش
مثلها اليوم والأيام. وكذا لو عقرها السبع. ولو كانت الحياة غير مستقرة، وهي التي
يقضي بموتها عاجلا، لم تحل بالذباحة، لأن حركتها كحركة المذبوحة.
الرابعة: إذا نذر أضحية معينة (31)، زال ملكه عنها. ولو أتلفها كان عليه
قيمتها. ولو نذرها أضحية وهي سليمة، فعابت، نحرها على ما بها وأجزأته. ولو
ضلت أو عطبت أو ضاعت، من غير تفريط، لم يضمن.
الخامسة: إذا نذر الأضحية (32)، فذبحها يوم النحر غيره، ولم ينو عن صاحبها،
لم يجز عنه. ولو نوى عنه، أجزأته وإن لم يأمره.
السادسة: إذا نذر الأضحية، وصارت واجبة، لم يسقط استحباب الأكل
منها (33).
السابعة: ذكاة السمك إخراجه من الماء حيا. ولو وثب (34)، فأخذه قبل موته،

(28): في الجواهر: إنه جامع لشرائط الحل أم لا، بل لا يستحب بل لعله مكروه للنهي عنه الخ.
(29): أي: كونه عاصيا لا يمكن أخذه وذبحه (في موضع) كسقوطه في أعلى الجبل بحيث يخشى موته قبل الوصول إليه (يعقر) أي:
يضرب في أي مكان من جسد صادف الضرب.
(30): من القفا مثلا، وبقيت الأوداج الأربعة معلقة غير مقطعة (عقرها السبع) أي: جرحها أو أكل منها شيئا.
(31): أي: نذر حيوانا معينا للأضحية (وأجزأته) أي: كفت (أو عطبت) أي: هلكت وماتت.
(32): أي: حيوانا معينا (غيره) أي: غير المالك الناذر (لم يأمره) يعني: حتى ولو لم يكن الذبح بأمر المالك.
(33): خلافا لبعض العامة حيث يقع من آكل صاحبها منها قياسا على الزكاة الواجبة.
(34): أي: وثب السمك من الماء فطرح نفسه خارج الماء (بنظره) أي: لم يأخذه بل نظر إليه شخص فقط (ولو أخرجه مجوس) لأنه لا
يشترط كونه مسلما (في يده) أي: يد غير المسلم (ناشبا) أي: معلقا في الآلة أو في الشبك (لأنه مذكى) فإخراجه حيا ذكاته، ولذا
حل أكله حيا، ويقال إن السمكة الصغيرة التي لا تزال حية مفيدة للمعدة بلعها.
741

حل. ولو أدركه بنظره، فيه خلاف، أشبهه أنه لا يحل. ولا يحل أكل ما يوجد في يده، حتى يعلم أنه
مات بعد إخراجه من الماء.
ولو أخذ وأعيد في الماء فمات، لم يحل وإن كان ناشبا في الآلة لأنه مات فيما فيه
حياته. وهل يحل أكل السمك حيا؟ قيل: لا، والوجه الجواز لأنه مذكى. ولو نصبت
شبكة، فمات بعض ما حصل فيها، واشتبه الحي بالميت، قيل: حل الجميع حتى يعلم
الميت بعينه، وقيل: يحرم الجميع تغليبا للحرمة، والأول حسن.
الثامنة: ذكاة الجراد أخذه (35)، ولا يشترط في أخذه الإسلام. ولو مات قبل أخذه
لم يحل. وكذا لو وقع في أجمة نار، فأحرقتها وفيها جراد، لم يحل وإن قصده المحرق،
ولا يحل الدبى حتى يستقل بالطيران. فلو أخذ قبل استقلاله، لم يؤكل.
التاسعة: ذكاة الجنين ذكاة أمه (36) إن تمت خلقته، وقيل: ولم تلجه الروح. ولو
ولجته، لم يكن بد من تذكيته، وفيه إشكال. ولو لم يتم خلقته، لم يحل أصلا. ومع
الشرطين، يحل بذكاة أمه. وقيل لو خرج حيا، ولم يتسع الزمان لتذكيته، حل أكله،
والأول أشبه.
خاتمة: تشتمل على أقسام.
الأول: في مسائل من أحكام الذباحة وهي ثلاثة:
الأولى: يجب متابعة الذبح، حتى يستوفي الأعضاء الأربعة. فلو قطع بعض
الأعضاء، وأرسله، فانتهى إلى حركة المذبوح، ثم استأنف قطع الباقي حرم، لأنه لم
يبق فيه حياة مستقرة. ويمكن أن يقال: يحل، لأن إزهاق روحه بالذبح لا غير، وهو
أولى.

(35): حيا (الإسلام) فلو أخذه الكافر حل أيضا (أجمة) مجمع القصب (الدبا) الجراد الصغير قبل أن يطير (استقلاله) أي: قدرته على
الطيران بنفسه.
(36): فلو بحث النعجة في جوفها جنينا معينا حل أكل الجنين، ولا يجب كون الجنين حيا ويذبح أيضا (ومع الشرطين) أي: تمام الخلقة
وخروجه ميتا بعد شق بطن الحيوان.
742

الثانية: لو أخذ الذابح في الذبح، فانتزع آخر حشوته معا (37) كان ميتة. وكذا
كل فعل لا يستقر معه الحياة.
الثالثة: إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح، فهو حلال، وإن تيقن الموت قبله فهو
حرام. وإن اشتبه الحال، ولم يعلم حركة المذبوح ولا خروج الدم المعتدل، فالوجه
تغليب الحرمة.
الثاني: فيما تقع عليه الذكاة وهي تقع على كل حيوان مأكول، بمعنى أنه يكون
طاهرا بعد الذبح. ولا تقع على حيوان نجس العين، كالكلب والخنزير، بمعنى أنه يكون
باقيا على نجاسته بعد الذبح.
وما خرج عن القسمين فهو أربعة أقسام:
الأول: المسوخ ولا تقع عليها الذكاة، كالفيل والدب والقرد (38). وقال المرتضى
رحمه الله: تقع.
الثاني: الحشرات كالفأرة وابن عرس والضب. وفي وقوع الذكاة عليها تردد،
أشبهه أنه لا يقع.
الثالث: الآدمي لا يقع عليه الذكاة لحرمته (39)، ويكون ميتة ولو ذكي.
الرابع: السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب، وفي وقوع الذكاة عليها تردد،
والوقوع أشبه، وتطهر بمجرد الذكاة. وقيل: لا تستعمل مع الذكاة حتى تدبغ.
الثالث: في مسائل من أحكام الصيد وهي عشرة:

(37): أي: شق آخر بطنه وأخرج أمعاءه وقلبه وكبده ونحوها في حال الذبح.
(38): في المسالك إن أجمع الروايات لتعداد المسوخ خبر محمد بن الحسن الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (الفيل مسخ كان
ملكا ذاتيا، والذئب مسخ كان أعرابيا ديوثا والأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها، والوطواط مسخ كان
يسرق تمور الناس، والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت - يعني: جعل يصيدون السمك يوم السبت بعدما كان الله تعالى
قد حرمه عليهم - والجريث والضب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى - عليه السلام - لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة
في البحر وفرقة في البر، والفأرة هي الفويسقة - يعني: امرأة فاسقة مسخها الله فأرة - والعقرب كان نماما، والدب والوزغ والزنبور
كان لحاما يسرق في الميزان (قال) عليه السلام وهذه المسوخ كلها هلكت وهذه الحيوانات على صورتها).
وما ذكر في بعض آخر من الأخبار أو ذكره بعض الفقهاء كالصدوق (قده) ما يلي (الوبر) على وزن فلس رويبة كالسنور لا ذنب
لها (والورك) بالتحريك دابة كالضب العظيم، وهكذا (الكلب، والطاووس) والمار ما هي والزمير والد عموص، وسهيل والقنفذ
والزهرة والعنكبوت، والقملة والبعوض، والنعامة والسلحفاة والسرطان والثعلب واليربوع.
(39): لأنه بين محترم فلا يذكي كالمسلم، وبين نجس العين كالكافر.
743

الأولى: ما يثبت في آلة الصياد، كالحبالة والشبكة، يملكه ناصبها. وكذا كل ما
يعتاد الاصطياد به، ولا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته. نعم، لا يملكه بتوحله في
أرضه (40)، ولا بتعشيشه في داره، ولا بوثوب السمك إلى سفينته. ولو اتخذ موحلة
للصيد، فنشب بحيث لا يمكنه التخلص، لم يملكه بذلك، لأنها ليست آلة معتادة، وفيه
تردد. ولو أغلق عليه (41) بابا ولا مخرج له، أو في مضيق لا يتعذر قبضه! ملكه وفيه
أيضا إشكال، ولعل الأشبه أنه لا يملك هنا، إلا مع القبض باليد أو الآلة. ولو أطلق.
الصيد من يده، لم يخرج عن ملكه. فإن نوى إطلاقه وقطع نيته عن ملكه، هل يملكه
غيره باصطياده؟ الأشبه لا، لأنه لا يخرج عن ملكه بنية الإخراج، وقيل: يخرج، كما
لو وقع منه شئ حقير فأهمله، فإنه يكون كالمبيح له، ولعل بين الحالين فرقا.
الثانية: إذا أمكن الصيد، التحامل (42) طايرا أو عاديا، بحيث لا يقدر عليه إلا
بالاتباع المتضمن للإسراع، لم يملكه الأول، وكان لمن أمسكه.
الثالثة: إذا رمى الأول صيدا فأثبته (43)، وصيره في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو له
دون الأول. وليس على الأول ضمان شئ مما جناه (44). ولو أثبته الأول، ولم يصيره في حكم
المذوبح، فقتله الثاني فهو ملف، فإن كان أصاب محل الذكاة فذكاه على الوجه، فهو للأول،
وعلى الثاني الأرش. وإن أصابه في غير المذبح، فعليه قيمته إن لم تكن لميته قيمة وإلا كان
له الأرش. وإن جرحه الثاني ولم يقتله، فإن أدرك ذكاته، فهو حلال للأول. وإن لم
يدرك ذكاته فهو ميتة. لأنه تلف من فعلين أحدهما مباح والآخر محظور، كما لو قتله كلب

(40): بأن جاء حيوان إلى أرض زيد وكانت وحلا - أي: طينا لينا - فنفذت أيديه وأرجله في الوحل ولم يقدر على الفرار (تعشيشه) أي:
وضع الطائر عشه ومنزله في دار (موحلة) أي: جعل أرضه وحلة لكي يعيد به الحيوانات فإذا دخلوا لم يستطيعوا الهروب (وفيه تردد)
لاحتمال حصول الملكية بذلك.
(41): كما لو دخلت الطيور والعصافير حجرة فأغلق عليها الباب (وقطع نيته) أي: أعرض عنه (الحالين) أي: الصيد والشئ الحقير.
(42): أي: الفرار، إما بالطيران، أو العدو والركض، كما لو ضرب الطائر وكسر بعض جناحه ولكنه مع ذلك قادر على الطيران
والهروب، أو كسر رجل الغزال ولكن الكسر لم يمنعه عن الهروب.
(43): أي: أسقطه عن الفرار (مما جناه) لأنه كان مباحا حينذاك (على الوجه) الصحيح الشرعي (الأرش) وهو فرق قيمته حيا ومذبوحا
(فعليه قيمته) أي: تمام قيمته.
(44): كالأسد الذي يمته قيمته ينتفع بجلده وعظمه وأسنانه وشعره ونحوها (أحدهما مباح) وهو جرح الأول له لأنه في حالة الامتناع
(محظور) وهو جرح الثاني له لأنه في حالة عدم الامتناع.
744

مسلم ومجوسي. وما الذي يجب على الجارح؟ فالذي يظهر لي: أن الأول إن لم يقدر
على ذكاته، فعلى الثاني قيمته بتمامها، معيبا بالعيب الأول (45). وإن قدر فأهمل، فعلى
الثاني نصف قيمته معيبا. ولعل فقه هذه المسألة ينكشف، باعتبار فرض نفرضه. وهي
دابة قيمتها عشرة، جني عليها فصارت تساوي تسعة ثم جنى آخر فصارت إلى ثمانية،
ثم سرت الجنايتان. ففيها احتمالات خمسة: لا يخلو أحدها من خلل، وهو (1) إما إلزام
الثاني بكمال قيمته معيبا (46)، لأن جناية الأول غير مضمونة، وبتقدير أن يكون
مباحا (47) وهو ضعيف، لأنه مع إهمال التذكية (48). جرى مجرى المشارك في جنايته (2). وأما
التسوية في الضمان (49)، وهو حيف على الثاني (3) أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني
بخمسة (50)، وهو حيف أيضا (51). (4) أو إلزام الأول بخمسة (52)، والثاني بأربعة ونصف،
وهو
تضييع على المالك. (5) أو إلزام (53) كل واحد منهما بنسبة قيمته، يوم جنى عليه، وضم القيمتين
وبسط العشرة عليهما (54) فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر من عشرة، وهو أيضا إلزام

(45): فلو كان الأول كسر رجل الغزال، فينظر غزال مكسور الرجل لم قيمته؟ (نصف قيمته معيبا) أي: في المثال نصف قيمته غزال
مكسور الرجل، لأنه تلف بفعلين جرح الثاني وإهمال الأول ذبحه (فقه هذه المسألة) أي: فهمها ووضوحها (احتمالات خمسة) بل مع
قول المصنف (والأقرب أن يقال) تكون ستة، ومع ما ذكره الشراح وسنذكره إن شاء الله عند رقم 57 تكن الاحتمالات سبعة.
(46): أي: تسعة.
(47): لأن الأول لم يحق على حق أحد بل كانت الدابة مباحة.
(48): أي: الثاني كان قادرا على ذبحها حتى لا تتلف، وأهمل فكأنه كان شريكا في التلف.
(49): بأن يكون كل واحد منهما خمسة (حيف) أي: ظلم، لأن الثاني اشترك مع الأول - بإهماله - في الجناية على دابة قيمتها تسعة لا
عشرة: فعليه نصف التسعة، لا نصف العشرة.
(50): الأول خمسة ونصف، الخمسة نصف قيمة العبد حال الجناية، والنصف الزائد لأنه أولا جنى بما نقصه درهما واحدا، فلما انتهت
الجناية إلى الموت دخل الأرش في النفس، فيسقط نصف الأرش عن كل منهما ويبقى نصفه الآخر، لأن جناية كل واحد منهما ليست
على تمام النفس حتى يسقط كل الأرش بل على نصف النفس (وأما الثاني فخمسة) أربعة ونصف لأنها القيمة حال جنى عليه
الثاني، والنصف الآخر لسقوط نصف الأرش بدخوله في الجناية على النفس.
(51): أي: ظلم لزيادة الواجب على القيمة.
(52): لأنه نصف قيمة العبد حال الجناية، والثاني أربعة ونصف لأنه نصف قيمة العبد حال جناية الثاني إذ بجناية الأول صارت قيمة العبد
تسعة، وبهذا يسقط الأرش كلا عن كليهما (تضييع على المالك) لأن عبدا قيمته عشرة أتلفه هذان، وقد أعطياه تسعة ونصف فأين
نصف الآخر؟
(53): هذا الاحتمال الخامس.
(54): فيلاحظ أن القيمة كانت عند جناية الأول (عشرة) وعند جناية الثاني (تسعة) فتجمعان إلى (تسعة عشر) فتقسم القيمة
الأصلية وهي عشرة دنانير مثلا إلى (تسعة عشر) جزءا، على الأول عشرة منها، وعلى الثاني تسعة منها.
(مثال) قيمة العبد كانت عشرة دنانير، وكل دينار (20) درهما، فقيمة العبد (200) درهم نقسم (200) درهم على (19)
جزءا، يكون كل جزء (10 / 19، 10) عشرة دراهم وعشرة أجزاء من تسعة جزءا من الدرهم.
فعلى الأول عشرة من تسعة عشر يعني مأة درهم، وعشرة أجزاء من تسعة عشر جزءا من الدرهم (10 / 19 / 100) أي: أكثر من
خمسة دنانير ونصف.
وعلى الثاني تسعة من تسعة عشر، يعني: تسعون درهما وتسعة أجزاء من تسعة عشر جزءا من الدرهم، 9 / 19، 90) أي:
أكثر من أربعة دنانير ونصف، لأن أربعة دنانير ونصف يساوي (90): درهما فقط.
745

الثاني بزيادة لا وجه لها (55).
والأقرب أن يقال: يلزم خمسة ونصف، والثاني أربعة ونصف لأن الأرش
يدخل في قيمة النفس، فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف، ويبقى عليه
نصف الأرش مضافا إلى ضمان نصف القيمة. وهذا أيضا لا يخلو من ضعف (56). ولو
كانت إحدى الجنايتين من المالك (57)، سقط ما قابل جنايته، وكان له مطالبة الآخر
نصيب جنايته.
الرابعة: إذا كان الصيد يمتنع بأمرين، كالدراج والقبج، يمتنع بجناحه وعدوه،
فكسر الرامي جناحه ثم كسر آخر رجله، قيل: هو لهما وقيل: للأخير لأن يفعله تحقق
الإثبات (58)، والأخير قوي.
الخامسة: لو رمى الصيد اثنان فعقراه، ثم وجد ميتا، فإن صادف مذبحه فذبحه
فهو حلال. وكذا إن أدركاه، أو أحدهما فذكاه (59). فإن لم يدرك ذكاته، ووجد ميتا لم
يحل، لاحتمال أن يكون الأول أثبته ولم يصيره في حكم المذبوح، فقتله الآخر وهو غير
ممتنع.
السادسة: ما يقتله الكلب بالعقر (60) يؤكل ولا يؤكل ما يقتله بصدمه أو غمه أو إتعابه.

(55): وإلزام للأول أيضا بأكثر من خمسة - وهي نصف القيمة وقت جناية الأول - قال في المسالك (فالحيف واقع عليهما معا وإن كان
المصنف قد خصه بالثاني واعتذر عن هذا بأن المطلوب حفظ قيمة المجني عليه فلو ألزمناهما بنصف القيمتين ضاع عليه نصف فقط
عليهما على نسبة المالين).
(56): لأن الأرش على فرض دخوله في النفس يدخل كله لا نصفه، فيكون على الأول خمسة بلا أرش النصف، وعلى الثاني أربعة ونصف
بلا أرش النصف، فيكون المجموع تسعة ونصفا، وهذا ظلم على المالك بالنصف.
(57): كما لو كان الجاني الأول هو المالك - كما هو فرض أصل المسألة إذا أهمل الأول ذبح الحيوان - أو كان الجاني الثاني هو المالك.
(وهنا) احتمال سابع ذكره الجواهر وهو أن على الأول خمسة ونصف وعلى الثاني أربعة ونصف، وليس النصف الزائد على الخمسة
الذي على الأول نصف أرش، بل الأرش كله دخل في النفس، وإنما النصف الزائد على الخمسة من حيث إن الأول حيث جرح
بحيث لو سرى الجرح وقتله كان عليه كل القيمة، الآن أيضا عليه كل القيمة إلا ما على الثاني، والمفروض أن الثاني ليس عليه سوى
نصف القيمة وقت الجناية، والقيمة وقت الجناية كانت تسعة فعلى الثاني أربعة ونصف، تنقص عن العشرة يبقى خمسة ونصفا على
الأول.
(58): أي: السقوط عن القدرة على الفرار.
(59): أي: ذبحه على الوجه الشرعي (وهو غير ممتنع) أي ليست له قدرة على الفرار، أن يشترط في الحل بالرمي أن يكون ممتنعا كما مر.
(60): وهو النص والكسر ونحوهما (بصدمه) وهو ضربه ضربا مميتا على رأسه أو قلبه أو
غيرهما (غمه) بأن يجلس عليه فيخنقه بثقله أو
ضفطه عليه، أو إتعابه بأن يركض خلفه حتى يتعب من العدو فيسقط ميتا من العدو.
746

السابعة: لو رأى صيدا، فظنه خنزيرا أو كلبا أو غيره، مما لا يؤكل فقتله، لم
يحل (61). وكذا لو رمى سهما إلى فوق فأصاب صيدا وكذا لو مر بحجر ثم عاد فرماه،
ظانا بقاءه فبان صيدا. وكذا لو أرسل كلبا ليلا فقتل، لأنه لم يقصد الإرسال، فجرى
مجرى الاسترسال.
الثامنة: الطير إذا صيد مقصوصا لم يملكه الصائد (62). وكذا مع كل أثر يدل على
الملك. وإن كان مالكا جناحه، فهو لصائده إلا أن يكون له مالك. وعلى هذا لو
انتقلت الطيور من برج إلى آخر، لم يملكها الثاني.
التاسعة: ما يقطع من السمك بعد إخراجه من الماء ذكي (63)، سواء ماتت أو
وقعت في الماء مستقرة الحياة، لأنه مقطوع بعد تذكيتها.
العاشرة: إذا أصابا صيدا دفعة، فإن أثبتاه فهو لهما. ولو كان أحدهما جارحا
والآخر مثبتا، فهو للمثبت، ولا ضمان على الجارح، لأن جنايته لم تصادف ملكا لغيره
ولو جهل المثبت منهما، فالصيد بينهما. ولو قيل: يستخرج بالقرعة، كان حسنا.

(61): للزوم قصد الصيد المحلل (وكذا) لأنه لم يقصد الصيد أصلا (فرماه) باعتقاد أنه حجر (الإرسال) للصيد (الاسترسال) أي:
كان مثل أن يذهب الكلب بنفسه بدون إرسال.
(62): لأنه علامة مسبق ملك شخص آخر (كل أثر) كالمصبوغ ونحوه (مالكا جناحه) أي: ليس به أثر ملك (لم يملكها الثاني) على
فرض ملكية صاحب البرج الأول لها.
(63): فلو أخرج من الماء سمكة حية ثم قدها نصفين فسقط نصف في الماء حل أيضا، لأن ذكاتها إخراجها حية من الماء.
747

كتاب الأطعمة والأشربة
والنظر فيه: يستدعي بيان: أقسام ستة (1)
الأول
في حيوان البحر ولا يؤكل منه، إلا ما كان سمكا له فلس، سواء بقي عليه
كالشبوط والبياح، أو لم يبق كالكنعت (2). أما ما ليس له فلس في الأصل كالجري، ففيه
روايتان، أشهرهما التحريم. وكذا الزمار والمارماهي والزهو (3)، لكن أشهر الروايتين
هنا الكراهية.
ويؤكل الربيثا والأربيان والطمر والطبراني والابلامي (4).
ولا يؤكل: السلحفاة ولا الضفادع، ولا السرطان، ولا شئ من حيوان البحر
ككلبه وخنزيره.
ولو وجد - في جوف سمكة - أخرى (5)، حلت إن كانت من جنس ما يحل، وإلا
فهي حرام، وبهذا روايتان طريق إحداهما السكوني، والأخرى مرسلة. ومن المتأخرين
من منع، استنادا إلى عدم اليقين بخروجها من الماء حية. وربما كانت الرواية أرجح،
استصحابا لحال الحياة.

كتاب الأطعمة والأشربة
(1) حيوان البحر، والبهائم، والطير، والجامدات، والمائعات واللواحق.
(2): نوع من السمك له فلس صغير يحك جسمه بأرض البحر فيزول الفلس ثم يعود بعد مدة.
(3): ثلاثة أقسام من السمك الذي لا فلس له (الكراهية) لكن الشهرة القطعية والإجماعات المتكررة على التحريم مطلقا.
(4): أقسام من السمك لها فلس.
(5): أي: سمكة صغيرة أخرى (وبهذا) يعني: حلية السمكة التي في جوف أخرى (منع) لأنه لا يعلم هل بلعتها وهي حية، أم لعلها
كانت حية طافية على الماء فبلعتها (استصحابا) يعني: السمكة المبتلعة كانت يوما ما حية قطعا، فلا نعلم هل ماتت قبل بلعها، فلا
ننقض اليقين بالحياة بالشك في الموت (وفيه) أنه تقرر في الأصول أن الحادثتين لا يستصحب أحدهما ليفيد التقدم أو التأخر إلا على
حجية الأصل المثبت.
748

ولو وجدت في جوف حية سمكة، أكلت إن لم تكن تسلخت (6) ولو تسلخت لم
تحل، والوجه أنها لا تحل إلا أن تقذفها والسمكة تضطرب. ولو اعتبر مع ذلك، أخذها
حية، ليتحقق الذكاة، كان حسنا.
ولا يؤكل الطافي: وهو ما يموت في الماء (7)، سواء مات بسبب كضرب العلق، أو
حرارة الماء، أو بغير سبب، وكذا ما يموت في شبكة الصائد في الماء، أو في حظيرته.
ولو اختلط الميت بالحي بحيث لا يتميز، قيل: حل الجميع، واجتنابه (8) أشبه.
ولا يؤكل الجلال من السمك حتى يستبرئ، بأن يجعل في الماء يوما وليلة،
ويطعم علفا طاهرا.
وبيض السمك المحلل حلال، وكذا بيض المحرم حرام. ومع الاشتباه يؤكل ما كان خشنا،
لا ما كان أملس.
الثاني
في البهائم: ويؤكل من الأنسية الإبل، والبقر، والغنم.
ويكره: الخيل والبغال والحمير - الأهلية - على تفاوت بينها في الكراهية (9).
وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه:
أحدهما: الجلل وهو أن يتغذى عذرة الإنسان لا غير، فيحرم حتى يستبرئ.
وقيل: يكره والتحريم أظهر. وفي الاستبراء خلاف، والمشهور استبراء الناقة بأربعين
يوما، والبقرة بعشرين، وقيل: تستوي البقرة والناقة في الأربعين، والأول أظهر.
والشاة بعشرة. وقيل: بسبعة والأول أظهر. وكيفيته أن يربط، ويعلف معلفا طاهرا
هذه المدة.

(6): أي: ذهب جلد السمكة (لا تحل) مطلقا تسلخت أو لا (تضطرب) علامة لحياة السمكة ثم موتها خارج جوف الحية (أخذها) بأن
يأخذها إنسان.
(7): فيطفو فوق الماء (العلق) دودة في البحر تلدغ الأسماك الصغار فتميتها (أو بغير سبب) معين لنا، وإلا فالموت لا يكون بغير سبب
(وكذا ما يموت) إذا عرف ما هو الميت.
(8): ولا يكون إلا باجتماع الجميع للعلم الإجمالي (الجلال) وهو الذي اعتاد أكل عذرة الإنسان فقط (يستبرأ) أي: يصير مبرءا عن
الجلل (علفا) أي: طعاما، لا بخصوص العلف.
(9): فبعضها أشد كراهة من بعض، وفي إذا يها أشد خلاف محله المفصلات.
749

الثاني: أن يشرب لبن خنزيرة، فإن لم يشتد (10) كره. ويستحب استبراؤه بسبعة
أيام. وإن اشتد حرم لحمه ولحم نسله.
الثالث: إذا وطأ الإنسان حيوانا مأكولا حرم لحمه ولحم نسله. ولو اشتبه
بغيره، قسم فريقين، وأقرع عليه مرة بعد أخرى، حتى تبقى واحدة. ولو شرب شئ
من هذه الحيوانات خمرا، لم يحرم لحمه، بل يغسل (11) ويؤكل، ولا يؤكل ما في
جوفه ولو شرب بولا، لم يحرم، ويغسل ما في بطنه ويؤكل. ويحرم الكلب والسنور
أهليا كان أو وحشيا، ويكره أن يذبح بيده من رباه من الغنم. ويؤكل من الوحشية البقر،
والكباش (12) الجبلية والحمر والغزلان واليحامير. ويحرم منها ما كان سبعا، وهو ما كان له ظفر أو
ناب، يفرس به، قويا كان كالأسد والنمر والفهد والذئب، أو ضعيفا كالثعلب والضبع وابن آوى.
ويحرم: الأرنب. والضب. والحشار كلها، كالحية والفأرة والعقرب والجرذان والخنافس
والصراصير وبنات وردان والبراغيث والقمل. وكذا يحرم: اليربوع والقنفذ والوبر والخز والفنك
والسمور والسنجاب والعضاء واللحكة وهي دويبة تغوص في الرمل تشبه بها أصابع العذارى (13).
الثالث
في الطير: والحرام منه أصناف:
الأول: ما كان ذا مخلاب (14) قوي، يعدو به على الطير، كالبازي والصقر
والعقاب والشاهين والباشق، أو ضعيف كالنسر والرخمة والبغاث. وفي الغراب روايتان.
وقيل: يحرم الأبقع والكبير، والذي يسكن الجبال. ويحل الزاغ وهو غراب الزرع،
والغداق وهو أصغر منه، يميل إلى الغبرة ما هو (15).

(10): عظمة من لبن الخنزيرة بأن كان شربه قليلا (حرم لحمه) أبدا ولا يحل بالاستبراء.
(11): لحمه بعد الذبح (ما في جوفه) من القلب والكلية والكبد والأمعاء (من النعم) الإبل والبقر والغنم.
(12): كباش جمع كبش، وهو الخروف الكبير (الحمر) جمع حمار (غزلان) جمع غزال (يحامير) جمع يحمور وهو حمار الوحش (ويحرم
منها) أي: من الحيوانات الوحشية (ناب) سن أمامي طويل اثنان من فوق واثنان من تحت (الحشار) يعني: الحشرات.
(13): أي: النبات، وهذه الأسماء يمكن العثور على صورها في كتاب (المنجد). (14): أي: أظافر أقوى من أظافر الديك.
(15): (ما هو) يعني: يسيرا، يعني ميلا يسيرا إلى الغبرة، ويسمى الرمادي أيضا في الجواهر نقلا عن بعضهم: العزبان أربعة أقسام
(الأول) انعذاق وهو يأكل الجيف ويسكن الخربات ويفترس الطيور (الثاني) الأغبر اللون الكبير، وهو يفترس الدراج وهو من
سجاع الطير (الثالث) العتق، ويسمى الأبقع، وله ذنب طويل يحركه دائما (الرابع) غراب الزرع الصغير الأسود الذي يسمى
الزاغ.
750

الثاني: ما كان صفيفه (16) أكثر من دفيفه، فإنه يحرم. ولو تساويا، أو كان
الدفيف أكثر، لم يحرم.
الثالث: ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية، فهو حرام، وما له أحدهما
فهو حلال، مال لم ينص على تحريمه.
الرابع: ما يتناوله التحريم عينا (17) كالخشاف والطاووس. ويكره: الهدهد. وفي
الخطاف روايتان، والكراهية أشبه. وتكره الفاختة والقبرة والحبارى. وأغلظ منه
كراهية، الصرد والصوام، والشقراق، وإن لم يحرم. ولا بأس بالحمام كله، كالقماري
والدباسي والورشان. وكذا لا بأس بالحجل، والدراج، والقبج والقطا، والطيهوج،
والدجاج، والكروان، والكركي، والصعوة (18). ويعتبر في طير الماء، ما يعتبر في الطير
المجهول، من غلبة الدفيف أو مساواته للصفيف، أو حصول أحد الأمور الثلاثة:
القانصة أو الحوصلة أو الصيصية. فيؤكل مع هذه العلامات، وإن كان يأكل السمك.
ولو اعتلف أحد هذه عذرة الإنسان محضا، لحقه حكم الجلل. ولم يحل حتى يستبرئ.
فتستبرأ البطة وما أشبهها (19) بخمسة أيام، والدجاجة وما أشبهها بثلاثة أيام، وما خرج
عن ذلك يستبرأ بما يزول عنه حكم الجلل، إذ ليس فيه شئ موظف. وتحرم:
الزنابير، والذباب، والبق. وبيض ما يؤكل حلال. وكذا بي ما يحرم حرام. ومع
الاشتباه، يؤكل ما اختلف طرفاه (20) لا ما اتفق. والمجثمة حرام، وهي التي تجعل غرضا
وترمى بالنشاب (21) حتى تموت، والمصبورة: وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت.
الرابع
في الجامدات: ولا حصر للمحلل منها، فلنضبط المحرم. وقد سلف منه شطر
في كتاب المكاسب. ونذكر هنا خمسة أنواع:

(16): صفيف يعني يسير في الجو مبسوط الجناحين لا يحركهما غالبا، دفيف تحريك الجناحين (قانصة) للطير بمنزلة الأمعاء لغيره (حوصلة)
مجمع الطعام، كالمعدة لغير الطير (صيصية) شوكة خلف رجل الطائر.
(17): أي مانعي على تحريمه.
(18): تطلب أشكال هذه الطيور من (المنجد) (طير الماء) وهو الذي يعيش قريب الماء ويأكل الأسماك الصغيرة.
(19): في الحجم (يزول) بأن لا يسمى جلالا عرفا (موظف) أي: معين قبل الشرع.
(20): يعني: كان أحد طرفي البيض أضخم من الطرف الآخر (اتفق) أي: تساوى طرفاه.
(21): أي: بالنبال، كانت هذه عادة جاهلية يضعون طائرا يشدونه في مكان ثم يرمونه بالسهام حتى يموت (والمصبورة) وهذه عادة جاهلية
أخرى.
751

الأول: الميتات وهي محرمة إجماعا: نعم، قد يحل منها ما لا تحله الحياة، فلا
يصدق عليه الموت.
وهو: الصوف والشعر والوبر والريش. وهل يعتبر فيها الجز؟ الوجه أنها إن جزت
فهي طاهرة، وإن استلت (22) غسل منها موضع الاتصال. وقيل: لا يحل منها ما
يقلع، والأول أشبه. والقرن، والظلف، والسن، والبيض (23) إذا اكتسى القشر
الأعلى، والإنفحة. وفي اللبن (24) روايتان إحداهما: الحل، وهي أصحهما طريقا،
والأشبه التحريم لنجاسته بملاقاة الميتة.
وإذا اختلط الذكي بالميتة (25)، وجب الامتناع منه حتى يعلم الذكي بعينه. وهل
يباع ممن يستحل الميتة؟ قيل: نعم وربما كان حسنا إن قصد بيع المذكى حسب.
وكل ما أبين من حي، فهو ميتة، يحرم أكله واستعماله. وكذا ما يقطع من أليات
الغنم، فإنه لا يؤكل، ولا يجوز الاستصباح به، بخلاف الدهن النجس بوقوع
النجاسة.
الثاني: المحرمات من الذبيحة خمسة: الطحال، والقضيب، والفرث (26)، والدم
والأنثيان. وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه التحريم، لما فيها من الاستخباث.
أما الفرج، والنخاع، والعلباء، والغدد ذات الأشاجع، وخرزة الدماغ،
والحدق، فمن الأصحاب من حرمها، والوجه الكراهية.
ويكره: الكلأ (27)، وأذنا القلب، والعروق.

(22): أي: أخرجت من الجلد.
(23): الذي يوجد في جوف الدجاجة الميتة مثلا (إلا على) القوى (الإنفحة) ويسمى عند عوالم الناس (المجبنة) وهي مادة صفراء اللون
يستخرج من بطن الجدي الراضع فيعصر في صوفه فيغلط كالجبن، ثم يجعل شئ منها في اللبن ليصير جبنا.
(24): الموجود في ضرع الدابة الميتة.
(25): أي: اشتبه لحم مذكى بلحم ميتة (يباع) كلاهما (أليات الغنم) الحي (الاستصباح به) أي: جعل الألية المحرمة دهنا للحريق
(بوقوع) الذي كان ذاتا طاهرا ولكنه تنجس بسبب وقوع النجاسة فيه فإنه يجوز الاستصباح به.
(26): كالغائط للإنسان (الأنثيان) البيضتان (القضيب) الذكر (المشمة) بمنزلة الرحم للمرأة (الفرج) محل خروج الولد، أو خروج
الفرث (النخاع) عصب صغير غليظ طويل ممتد من طلق العنق إلى المقعد (العلباء) ويقال
العلباءان وهما عصبان أبيضان في طرفي
فقار الظهر (القود) هي مواد صلبة توجد في ثنايا اللحم تشبه الحمصة وأكبر منها في مثل الغنم، وغالبا تكون مستطيلة قليلا، ويقال
لها ذات الأشاجع لارتباط العروق بها غالبا، والأشاجع يقال لأصول الأصابع المتصلة بالكف (وخرزة الدماغ) غدة صغيرة في المخ
(والحدق) أي: خرزة بيضاء صلبة داخل سواد العين.
(27): جمع (كلية) وهي مجمع البول.
752

ولو شوي الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا (28)، لم يحرم اللحم. وكذا لو كان
اللحم فوقه، أما لو كان مثقوبا، وكان اللحم تحته، حرم.
الثالث: الأعيان النجسة كالعذرات النجسة (29). وكذا كل طعام: مزج بالخمر،
أو النبيذ أو المسكر، أو الفقاع، وإن قل.. أو وقعت فيه نجاسة وهو مائع كالبول. أو
باشره الكفار، وإن كانوا أهل ذمة، على الأصح (30).
الرابع: الطين فلا يحل شئ منه، عدا تربة الحسين عليه السلام (31)، فإنه يجوز
للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة، وفي الأرمني رواية بالجواز، وهي حسنة لما فيها من
المنفعة للمضطر إليها.
الخامس: السموم القاتلة قليلها وكثيرها. أما ما لا يقتل القليل منها، كالإفيون
والسقمونيا في تناول القيراط والقيراطين إلى ربع الدينار، في جملة حوائج المسهل، فهذا
لا بأس به لغلبة الظن بالسلامة. ولا يجوز التخطي إلى موضع المخاطرة منه، كالمثقال من
السقمونيا، والكثير من شحم الحنظل أو الشوكران (32)، فإنه لا يجوز لما يتضمن من ثقل
المزاج وإفساده.
الخامس
في المائعات: والمحرم منها خمسة.
الأول: الخمر وكل مسكر كالنبيذ، والبتع والفضيخ، والنقيع، والمزر (33) والفقاع،
قليله وكثيره.
ويحرم: العصير (34) إذا غلا سواء غلا من قبل نفسه أو بالنار، ولا يحل حتى يذهب

(28): أي: لم يكن الطحال مثقوبا (لم يحرم اللحم) لأن الطحال في غشاء فلا يسيل منه على اللحم شيء.
(29): وهي عذرة الإنسان، وكل حيوان حرام اللحم إذا كان له دم دافق عند الذبح.
(30): ومقابل الأصح قول بطهارة أهل الكتاب إذا لم تكن عليهم نجاسة عرضية كالخمر والبول ونحوهما.
(31): وفي قول تراب قبور النبي والبتول وكل الأئمة عليهم الصلاة والسلام (وفي الأرض) قال الشهيد: " طين معروف يجلب من
أرمينية يضرب لونه إلى الصفرة، ينسحق بسهولة: يقطع الدم عن النزيف ويمسك المعدة عن الإسهال ".
(32): نبت يستعمل للدواء وله سمية كثيرة قاتل (ثقل المزاج وإفساده) لعل المراد به البالغين المنتهين إلى الموت الذي هو حرام بالإجماع.
(33): هذه أقسام من النبيذ المكسر، والنبيذ هو أن ينبذ في الماء شئ من الحنطة، أو الشعير، أو التمر، أو التفاح، أو غير ذلك من
الثمار، ويبقى مدة حتى يتحمض ويصير مسكرا (والفقاع) في الحديث الشريف: (هو خمر استصغره الناس) والناس يعني العامة
لأن الفقاع عندهم مباح.
(34): أي: عصير العنب - لأكل عصير (مزج بها) أي: بهذه الأنواع المحرمة فالمزوج أيضا يكون حراما.
753

ثلثاه، أو ينقلب خلا. وما مزج بها، أو بإحدهما. أو ما وقعت فيه من المائعات.
الثاني: الدم المسفوح (35) نجس، فلا يحل تناوله. وما ليس بمسفوح، كدم
الضفادع والقراد، وإن لم يكن نجسا، فهو حرام لاستخباثه. وما لا يدفعه الحيوان
المذبوح، ويستخلف في اللحم (36)، طاهر ليس بنجس ولا حرام.
ولو وقع قليل من دم، كالأوقية (37) فما دون، في قدر وهي تغلي على النار، قيل:
حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان، ومن الأصحاب من منع الرواية وهو حسن.
أما ما هو جامد كاللحم والتوابل (38)، فلا بأس به إذا غسل.
الثالث: كل ما حصل فيه شئ من النجاسات كالدم أو البول أو العذرة، فإن كان
مائعا (39) حرم وإن كثر، ولا طريق إلى تطهيره، وإن كان له حالة جمود، فوقعت
النجاسة فيه جامدا، كالدبس الجامد، والسمن، والعسل، ألقيت النجاسة وكشط ما
يكتنفها، والباقي حل.
ولو كان المائع دهنا، جاز الاستصباح به تحت السماء، ولا يجوز تحت الأظلة. وهل
ذلك لنجاسة دخانه الأقرب؟ لا بل هو تعبد.
ودواخن (40) الأعيان النجسة عندنا طاهرة، وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو
دخانا، على تردد.
ويجوز بيع الأدهان النجسة، ويحل ثمنها، لكن يجب إعلام المشتري بنجاستها. وكذا

(35): الخارج عن العروق الذي طبيعته أن يقفز عند خروجه (القراد) قمل كبير يتكون من بدن البعير ونحوه (حرام لاستخباثه) أي:
حرام شربه لأنه خبيث، وكل خبيث حرام لقوله تعالى من وصف رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) " يحل لهم الطيبات
ويحرم عليهم الخبائث ".
(36): أي: بعد ذبح الحيوان كالغنم، الدم الذي لا يخرج عن نحره بل يبقى في ثنايا اللحم أو حول الكبد والكلى والقلب، والدم
الموجود في القلب ويقال " المهجة ".
(37): الأوقية تساوي تقريبا أربعين غراما، قال في مجمع البحرين " والأوقية عند الأطباء تزن عشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم " (ذهب
الدم) أي: استحال وانتشر (منع الرواية) الدالة على حل المرق لضعف سندها - كما قيل - والعمدة إعراض المشهور عنها وإلا فسند
واحد من الروايتين صحيح جامع كما صرح به الجواهر وغيره.
(38): والتوابل يعني المقليات والمشويات كالباذنجان، والفلافل ونحوهما.
(39): كالدهن المائع، والشربت، واللبن، ونحوها (وكشط) أي: أخذ (الأظلة) أي: السقوف (تعبد) أي: حكم شرعي خاص
أمرنا به ونحن لأنا عبيد يجب علينا الإطاعة.
(40): جمع دخان.
754

ما يموت فيه حيوان له نفس سائلة (41).
أما ما لا نفس له كالذباب والخنافس، فلا ينجس بموته، ولا ينجس ما يقع فيه.
والكفار أنجاس ينجس المائع بمباشرتهم له، سواء كانوا أهل الحرب أو أهل الذمة،
على أشهر الروايتين.
وكذا لا يجوز استعمال أوانيهم التي استعملوها في المائعات. وروي إذا أراد مواكلة
المجوسي، أمره بغسل يده وهي شاذة.
ولو وقعت ميتة لها نفس، في قدر، نجس ما فيها، وأريق المائع وغسل الجامد (42)
وأكل.
ولو عجن بالماء النجس عجين، لم يطهر بالنار، إذا خبز على الأشهر.
الرابع: الأعيان النجسة كالبول مما لا يؤكل لحمه (43)، نجسا كان الحيوان كالكلب
والخنزير أو طاهرا كالأسد والنمر. وهل يحرم مما يؤكل؟ قيل: نعم، إلا أبوال الإبل،
فإنه يجوز الاستسقاء بها، وقيل: يحل الجميع لمكان طهارته، والأشبه التحريم لمكان
استخباثها.
الخامس: ألبان الحيوان المحرم كلبن اللبوة (44) والذئبة والهرة. ويكره: لبن ما كان
لحمه مكروها، كلبن الأتن، مائعه وجامده، وليس بمحرم.
السادس
في اللواحق وفيه مسائل:
الأول: لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا، فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه،
وغسل يده. ويجوز الاستسقاء بجلد الميتة (45)، وإن كان نجسا. ولا يصلي من مائها،
وترك الاستسقاء أفضل.

(41): أي: دمه دافق عند الذبح، فإن ميتته نجسة (ما لا نفس له) أي: دم دافق له.
(42): لو كان في المرق لحم، أو شلغم، أو بطاطا أو سفرجل، أو نحوها غسل وجاز أكله لأن ظاهره كما تنجس كذلك يطهر بالماء.
(43): أي: من كل حيوان لحمه حرام (مما يؤكل) كبول البقر، والغنم، والغزال، والحمار، والفرس، وغيرها (استخباثها) أي:
حرمة أبوالها لأنها خبيثة وكل خبيث حرام.
(44): أنثى الأسد. (الأتن) جمع أتان أنثى الحمار.
(45): بأن يجعل جلد الميتة دلوا (ولا يصلي من مائها) أي: لا يجوز التوضأ به لنجاسته.
755

الثانية: إذا وجد لحم ولا يدري، أذكي هو أم ميت؟ قيل: يطرح في النار، فإن
انقبض فهو ذكي، وإن انبسط فهو ميت (46).
الثالثة: لا يجوز أن يأكل الإنسان من مال غيره إلا بإذنه.
وقد رخص - مع عدم الإذن - في التناول من بيوت من تضمنته الآية (47) إذا لم يعلم
منه الكراهية، ولا يحمل منه. وكذا ما يمر به الإنسان من النخل. وكذا الزرع والشجر على
تردد.
الرابعة: من تناول خمرا، أو شيئا نجسا، فبصاقه طاهر، ما لم يكن متلونا
بالنجاسة. وكذا لو اكتحل بدواء نجس، فدمعه طاهر، ما لم يتلون بالنجاسة.. ولو
جهل تلونه، فهو على أصل الطهارة (48).
الخامسة: الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا، ثم أسلم ولم يقبض الثمن، فله قبضه.
السادسة: تطهر الخمر إذا انقلبت خلا، سواء كان انقلابها بعلاج (49)، أو من قبل
نفسها، وسواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة وإن كان يكره العلاج، ولا كراهية
فيما ينقلب من قبل نفسه. ولو ألقي في الخمر خل حتى تستهلكه، لم تحل ولم تطهر (50).
وكذا لو ألقي في الخل خمر فاستهلكه الخل، وقيل: يحل إذا ترك حتى تصير الخمر خلا،
ولا وجه له.
السابعة: أواني الخمر من الخشب والقرع (51) والخزف غير المغضور لا يجوز استعماله
لاستبعاد تخلصه، والأقرب الجواز بعد إزالة عين النجاسة وغسلها ثلاثا.

(46): وكأن المصنف لتردده لم يرد ولم يثبت هذا القول.
(47): وهي في سورة النور آية (61) (ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت
أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم، أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم، أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم
جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) (الكراهية) أي: يكره الأكل من بيته (ولا يحمل منه) أي لا يخرج من دورهم شيئا بل يأكل هناك
فقط (وكذا ما يمر) فإنه يجوز الأكل له بدون أن يحمل معه ويسمى (حق المارة).
(48): أي: قاعدة (كل شئ لك طاهر حتى تعلم إنه قذر).
(49): أي: بعمل شئ أو إلقاء شيء فيه.
(50): لصيرورة الخل نجسا كلما لاقي منه شيء الخمر.
(51): القرع هو اليقطين الكبير يفرغ داخله، ويجعل آنية للدهن، والخل، وغيرهما (المنضود) ما إذا لطخ داخله بالقار، أو الشمع
ونحوهما مما يمنع نفوذ الخمر فيها، فينجس ظاهرها، ويطهر كما ينجس (تخلصها) من الخمر النافذ في أجوافها بمجرد وصول الماء
إليها.
756

الثامنة: لا يحرم شئ من الربوبات (52) والأشربة، وإن شم منه رائحة المسكر،
كرب الرمان والتفاح، لأنه لا يسكر كثيره.
التاسعة يكره: أكل ما باشره الجنب والحائض، إذا كانا غير مأمونين (53). وكذا
يكره: أكل ما يعالجه، من لا يتوقى النجاسات، وأن يسقي الدواب شيئا من المسكرات.
ويكره الإسلاف في العصير، وأن يستأمن على طبخه من يستحل شربه، قبل أن يذهب
ثلثاه، إذا كان مسلما، وقيل: لا يجوز مطلقا، والأول أشبه، ويكره: الاستشفاء بمياه
الجبال (54) الحارة.
ومن اللواحق النظر في حال الاضطرار وكل ما قلناه بالمنع من تناوله، فالبحث (55) فيه
مع الاختيار. ومع الضرورة يسوغ التناول، لقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم
عليه) (56) وقوله: (فمن اضطر في مخمصة متجانف لإثم) (57) وقوله: (وقد فصل لكم ما حرم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (58).
فليكن النظر في المضطر، وكيفية الاستباحة.
أما المضطر فهو الذي يخاف التلف، ولو لم يتناول. وكذا لو خاف المرض بالترك.
وكذا لو خشي الضعف، المؤدي إلى التخلف عن الرفقة، مع ظهور إمارة العطب (59)، أو
ضعف الركوب المؤدي إلى خوف التلف، فحينئذ يحل له تناول ما يزيل تلك الضرورة.
ولا يختص ذلك نوعا من المحرمات، إلا ما سنذكره. ولا يترخص الباغي، وهو

(52): الرب هو جعل عصير فاكهة على النار أو في الشمس أو غيرهما حتى يثخن.
(53): أي: لا يباليان بالطهارة والنجاسة (يعالجه) أي: يعمله (الاستسلاف) أي: بيده سلفا بأن يأخذ الثمن حالا ويسلم العصير في
وقت بعد ذلك (ليستأمن) أي: يسلم العصير ليطبخه من يحل عنده شرب العصير المغلي من المسلمين (لا يجوز مطلقا) أي: حرام
ولو كان مسلما (أشبه لحمل فعل المسلم على الصحة مطلقا.
(54): العيون في الجبال التي يخرج منها ماء حار، ففي الحديث إنه من قيح جهنم.
(55): أي: الحرمة.
(56): البقرة / 174 (باغ) أي: الخارج على إمام زمانه مثل أهل النهروان، والجمل، وصفين الخارجين على أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام وكأهل الكوفة الخارجين على الإمام الحسين عليه السلام وغيرهم (عاد) هو قاطع الطريق على الناس وسيأتي قريبا
تفسيرها عن المصنف قدس سره.
(57): المائدة / 4 (مخمصة) أي: مجاعة (متجانف) أي: مائل إلى الحرام متعمد له.
(58): الأنعام / 120 (في المضطر) يعني: من هو المضطر وما هو حدود الاضطرار.
(59): أي الهلاك، يعني: يخشى الهلاك لو ضعف وتأخر عن الناس، كما لو كان ليل وكانت صحراء وكان وحده فلا يأمن كيد بعض
السباع وهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
757

الخارج عن الإمام، وقيل: الذي يستحل الميتة (60) ولا العادي وهو: قاطع الطريق،
وقيل: الذي يعدو شبعه.
وأما كيفية الاستباحة فالمأذون فيه حفظ الرمق (61)، والتجاوز حرام، لأن القصد
حفظ النفس وهل يجب التناول للحفظ؟ قيل: نعم، وهو الحق. فلو أراد التنزه والحال
حالة خوف التلف، لم يجز.
ولو اضطر إلى طعام الغير، وليس له الثمن، وجب على صاحبه بذله، لأن في
الامتناع إعانة على قتل المسلم. وهل له المطالبة بالثمن؟ قيل: لا، لأن بذله واجب، فلا
يلزم له العوض. وإن كان الثمن موجودا (62)، وطلب ثمن مثله، وجب دفع الثمن.
ولا يجب على صاحب الطعام بذله، ولو امتنع من بذل العوض، لأن الضرورة
المبيحة لاقتساره مجانا، زالت بالتمكن من البذل.
وإن طلب زيادة عن الثمن، قال الشيخ: لا تجب الزيادة. ولو قيل: تجب، كان
حسنا، لارتفاع الضرورة بالتمكن.
ولو امتنع صاحب الطعام والحال هذه، جاز له قتاله، دفعا لضرورة العطب.
ولو واطأه فاشتراه بأزيد من الثمن، كراهية لإراقة الدماء، قال الشيخ: لا يلزمه إلا
ثمن المثل، لأن الزيادة لم يبذلها اختيارا، وفيه إشكال، لأن الضرورة المبيحة للإكراه ترتفع
بإمكان الاختيار.
ولو وجد ميتة وطعام الغير، فإن بذل له الغير طعامه بغير عوض أو بعوض هو قادر
عليه، لم يحل الميتة.
ولو كان صاحب الطعام غائبا، أو حاضرا ولم يبذل، وقوي صاحبه على دفعه عن
طعامه، أكل الميتة. وإن كان صاحب الطعام، ضعيفا لا يمنع، أكل الطعام وضمنه، ولم
تحل الميتة، وفيه تردد (63).

(60): أي: يرى إن أكل الميتة حلال (ويعدو شبعه) أي: يأكل أكثر من الشبع، إذ الاضطرار يجوز للإنسان الأكل بقدر يرفع الاضطرار
لا أكثر.
(61): أي: حفظ البنية عن الموت والهلاك (والتجاوز) أي: الأكل والشرب أكثر من حفظ الرمق (التنزه) أي: ترك التناول.
(62): عند المضطر (لو امتنع) المضطر (لإقتاره) أي: تحصيله (زيادة عن الثمن) كما لو كان ثمن الطعام دينارا فطلب دينارين.
(63): لاحتمال حلية الميتة في هذه الحال، لأن الميتة وطعام الغير بغير رضا كلاهما محرمان في الأصل، جائزان للضرورة.
758

وإذا لم يجد المضطر، إلا آدميا ميتا، حل له إمساك الرمق من لحمه (64). ولو كان
حيا، محقون الدم، لم يحل. ولو كان مباح الدم، حل له منه ما يحل من الميتة. ولو لم يجد
المضطر، ما يمسك رمقه سوى نفسه، قيل: يأكل من المواضع اللحمة (65) كالفخذ،
وليس شيئا، إذ فيه دفع الضرر بالضرر. ولا كذلك جواز قطع الأكلة، لأن الجواز هناك
إنما هو لقطع السراية الحاصلة، وهنا إحداث سراية.
لو اضطر إلى خمر وبول، تناول البول (66). ولو لم يجد إلا الخمر، قال الشيخ في
المبسوط: لا يجوز دفع الضرورة بها، وفي النهاية: يجوز وهو أشبه.
ولا يجوز التداوي بها (67)، ولا بشئ من الأنبذة ولا بشئ من الأدوية معها شئ
من المسكر، أكلا ولا شربا. ويجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين.
خاتمة: في الآداب: يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده. ومسح اليد
بالمنديل (68). والتسمية عند الشروع. والحمد عند الفراغ. وأن يسمي على كل لون على
انفراده (69)، ولو قال: بسم الله على أوله وآخره أجرأ.
ويستحب الأكل: باليمين مع الاختيار. وأن يبدأ صاحب الطعام (70). وأن يكون
آخر من يمتنع وأن يبدأ في غسل اليد بمن على يمينه، ثم يدور عليهم إلى الأخير. وأن
يجمع غسالة الأيدي في إناء واحد. وأن يستلقي الآكل بعد الأكل. ويجعل رجله اليمنى
على رجله اليسرى.
ويكره: الأكل متكئا. والتملي (71) من المأكل، وربما كان الإفراط حراما لما يتضمن

(64): بأن يأكل كل من لحمه بقدر حفظ الرمق وعدم الهلاك (محقون الدم) أي: لا يجوز قتله كالمسلم، والكافر الذمي والمعاهد، أما
مهدور الدم فكالكافر المحارب.
(65): أي: الكثير اللحم (بالضرر) لأن الأكل من الفخذ ضرر وقد يمكن أن يسري هذا الأكل فيؤدي إلى هلاكه (قطع الأكلة) أي:
قطع العضو الذي أصيب بالجذام.
(66): إذ البول أخف من الخمر، إذ لم يدل دليل على حرمة البول حتى في الضرورة، ودل في الخمر.
(67): أي: بالخمر (إلا نبذة) جمع نبيذ، يعني المسكرات (للعين) بأن يقطر منها في العين.
(68): بعد الطعام، وأما قبل الطعام إذا غسل يده فلا يمسحه بالمنديل.
(69): فعند أكل الخبز يسمى، وعند الأرز يسمى، وعند أكل اللحم يسمي، أكل كل فاكهة يسمي وهكذا (أجزأ) يعني لا
يحتاج إلى تسميته على كل لون.
(70): أي: يبدأ بالأكل قبل الضيف (يمتنع) أي: يكف عن الأكل (وأن يبدأ) صاحب المنزل (يستلقي) أي: ينام على ظهره (رجله اليمنى)
أي: قدمه اليمنى على ركبته اليسرى - كما عن بعضهم -.
(71): أي: إملاء البطن بالأكل، بل يستحب أن يجعل بطنه ثلاثة ثلث للطعام وثلث للشرب وثلث للتنفس (الإفراط) أي كثرة الأكل
(من الإضرار) البالغ الكثير المؤدي إلى الموت أو تلف بعض الأعضاء أو القوى.
759

من الإضرار.
ويكره: الأكل على الشبع.. والأكل باليسار.
ويحرم: الكل على مائدة، يشرب عليها شئ من المسكرات (72)، والفقاع.

(72): خمرا كان أو غيرها (والفقاع) لأنه شرعا نوع من الخمر وإن لم يسمه البعض خمرا.
760

كتاب الغصب
والنظر في السبب والحكم واللواحق
أما الأول (1)
فالغصب: هو الاستقلال بإثبات اليد، على مال الغير عدوانا. ولا يكفي
رفع يد المالك، ما لم يثبت الغاصب يده، فلو منع غيره، من إمساك دابته المرسلة
فتلفت، لم يضمن. وكذا لو منعه من القعود على بساطه، أو منعه من بيع متاعه،
فنقصت قيمته السوقية، أو تلفت عينه.
أما لو قعد على بساط غيره، أو ركب دابته، ضمن.
ويصح (2) غصب العقار، ويضمنه الغاصب. ويتحقق غصبه، بإثبات اليد عليه
مستقلا، دون إذن المالك. وكذا لو أسكن غيره.
فلو سكن الدار، مع مالكها قهرا، لم يضمن الأصل. وقال الشيخ: يضمن
النصف، وفيه تردد، منشأه عدم الاستقلال من دون المالك (3).
ولو كان الساكن ضعيفا عن مقاومة المالك، لم يضمن. ولو كان المالك غائبا ضمن،
وكذا لو مد بمقود (4) دابة فقادها، ضمن. ولا يضمن لو كان صاحبها راكبا لها.
وغصب الأمة الحامل غصب لولدها، لثبوت يده عليهما. وكذا يضمن حمل الأمة.
المبتاعة (5) بالبيع الفاسد.

كتاب الغصب
(1): أي: سبب الغصب (الاستقلال) أي: الاستيلاء بغير إذن المالك (عدوانا) يعني: بغير حق، فالتقاص أو نحوه ليس بغصب.
(2): أي: يقع لا إنه يجوز (العقار) الأراضي والبيوت والبساتين ونحوها (أسكن غيره) أي: غصب الدار زيد وأسكن فيها عمرو، فزيد
يكون غاصبا أيضا، والمقصود أنه لا يشترط في تحقق الغصب أن يكون المتصرف هو الغاصب نفسه.
(3): أي: لم يكن الغاصب وحده مستقلا في الاستيلاء على الدار (مقاومة المالك) بحيث كان يمكن للمالك إخراجه متى شاء (لم يضمن)
أي: لو تلف والحال هذه فلا ضامنا.
(4): الحبل الذي يقاد به الدابة.
(5): أي المشتراة بالبيع الفاسد، إذ البيع حيث يكون ضمان لو كان صحيحا يكون ضمان أيضا لو كان فاسدا إلا أن الفرق أن ضمان
البيع الصحيح بالثمن المسمى في العقد، وضمان الفاسد بثمن المثل، أو أقل الثمنين من المثل أو المسمى.
761

ولو تعاقبت الأيدي الغاصبة على المغصوب (6)، تخير المالك في إلزام أيهم شاء، أو
إلزام الجميع بدلا واحدا.
والحر لا يضمن بالغصب (7)، ولو كان صغيرا. ولو أصابه حرق أو غرق أو موت في
يد غاصب، من غير تسبيبه، لم يضمنه. وقال في كتاب (الجراح) (8) يضمنه الغاصب، إذا
كان صغيرا، وتلف بسبب كلدغ الحية والعقرب ووقوع الحائط.
ولو استخدم الحر، لزمه الأجرة.
ولو حبس صانعا، لم يضمن أجرته، ما لم ينتفع به، لأن منافعه (9) في قبضته.
ولو استأجره في عمل، فاعتقله ولم يستعمله (10)، فيه تردد. والأقرب أن الأجرة لا
تستقر لمثل ما قلناه. ولا كذلك لو استأجر دابة، فحبسها بقدر الانتفاع.
ولا يضمن الخمر، إذا غصبت من مسلم (11)، ولو غصبها الكافر. وتضمن إذا
غصبت من ذمي، مستترا، ولو غصبها المسلم. وكذا الخنزير. ويضمن الخمر، بالقيمة
عند المستحل (12)، لا بالمثل، ولو كان المتلف ذميا على ذمي، وفي هذا تردد.
وهنا أسباب آخر يجب معها الضمان:
الأول: مباشرة الاتلاف سواء كان المتلف عينا، كقتل الحيوان المملوك، وتخريق

(6): فلو غصب عمرو كتاب زيد، وباعه إلى محمد ومحمد إلى علي وعلي إلى حسن وحسن إلى حسين وهكذا جاز لزيد أن يطالب كل واحد
دون الآخرين بالكتاب، وجاز له أن يطالب جميعهم معا بالكتاب.
(7): يعني: لو غصب زيد عمرو وحبسه مثلا شهرا كاملا فلا يضمن الغاصب المنافع التي فاتت من عمرو المغصوب قالوا: لأن الحر ليس
ثمنا وعمله كذلك.
(8): كتاب الجراح من المبسوط للشيخ الطوسي، وعلل بأن الغاصب قربه من سبب الاتلاف بحيث لا يمكنه الاحتراز منه (ولو استخدم)
أي: أجبر الحر على عمل كالخياطة والكتابة والبناء أو غيرهما.
(9) أي: منافع الحر في قبضة الحر، فالغاصب لم يستفد من تلك المنافع شيئا حتى يضمن.
(10): مثلا قال للحر استأجرتك لبناء داري هذا اليوم فقيل وجاء فحبسه ولم يدعه يبني ولا أطلقه ليذهب حيث يريد (لمثل ما قلناه) من أن
الحر غير مضمون منافعه غير المستوفاة (دابة) لأن منافع الدابة مضمونة مطلقا.
(11): لأنها لا قيمة لها (مستترا) أي: حال كونه مستترا بالخمر، لأن من شرائط الذمة الاستتار بالمحرمات، وفي الجواهر: (أما المتظاهر فلا
ضمان ولو كان الغاصب كافرا قولا واحدا).
(12): يعني: إذا غصبت الخمر من ذمي مستتر بها لا يدفع له المثل - وإن كان المثلي يضمن بالمثل مع وجود المثل ثم إذا لم يوجد
الممثل ينتقل إلى القيمة - بل القيمة رأسا (وفي هذا تردد) لاحتمال أن يجب على الذمي لذمي آخر إعطاء مثل الخمر، لأنها حلال في شريعتهم، ويجوز شرعا عندنا الحكم لهم بما في شريعتهم.
762

الثوب. أو منفعة، كسكنى الدار، وركوب الدابة، وإن لم يكن هناك غصب (13).
الثاني: التسبيب وهو كل فعل يحصل التلف بسببه، كحفر البئر في غير الملك (14).
وكطرح المعاثر في المسالك.
لكن إذا اجتمع السبب والمباشر، قدم المباشر في الضمان على ذي السبب، كمن
حفر بئرا في ملك غيره عدوانا، فدفع غيره فيها إنسانا، فضمان ما يجنيه الدفع على
الدافع.
ولا يضمن المكره المال، وإن باشر الاتلاف (15)، والضمان على من أكرهه، لأن
المباشرة ضعفت مع الإكراه، فكان ذو السبب هنا أقوى.
ولو أرسل في ملكه ماء، فأغرق مال غيره، أو أجج نارا فيه فأحرق، لم يضمن ما لم
يتجاوز قدر حاجته (16) اختيار مع علمه، أو غلبة ظنه إن ذلك موجب للتعدي إلى
الأضرار.
ويتفرع على السبب فروع:
الأول: لو ألقى صبيا في مسبعة (17)، أو حيوانا يضعف عن الفرار ضمن لو قتله
السبع.
الثاني: لو غصب شاة، فمات ولدها جوعا (18)، ففي الضمان تردد. وكذا لو
حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها. وكذا التردد لو غصب دابة، فتبعها الولد.

(13): أمثلته: قتل خروفا بظن أنه له، خرق الثوب بظن أن صاحبه أذن له في ذلك، سكن الدار بظن إنها داره، ركب الدابة بظن أنها وقف عام
فتبين الخلاف في كلها.
(14): فسقط فيه شخص فمات أو جرح (المعاثر) أي: ما يوجب العثرة أو الزلة أو السقوط للناس كالحجر في وسط الطريق، أو
قشور الفواكه في وسط الطريق مما يكون سببا لتعثر شخص بها.
(15): كما لو أكره الظالم زيدا أن يسقط عمرا في بئر، فالضمان على الظالم لا على زيد.
(16): أي: لم يرسل ماء أكثر من قدر حاجته، ولا أشعل نارا أكثر من حاجته (مع علمه) أي: حتى مع علمه بأن هذا الماء
يغرق أو النار تحرق، هذا ظاهر المصنف كما فسره به الجواهر لكنه محل إشكال من بعض.
(17): أي: محل السباع (أو حيوانا) أي: ألقى حيوانا في مسبعه.
(18): أي: فلم يعلفها (مالك) أي: حبس شخص مالك الماشية، والماشية يعني البقر والإبل والغنم (فتبعها الولد) أي: ولد
الدابة تبع أمه بنفسه من دون أن يغصب الولد قال في المسالك: لا منشأ للتردد في هذه الثلاثة (من) عدم الاستقلال بإثبات
اليد على الولد والماشية فلا يتحقق الغصب فينتفي الضمان (ومن) إنه سبب في الاتلاف إذ لولاه لم يحصل التلف والضمان
ليس بمحض في الغصب كما مر فإن مباشرة الاتلاف ومسبباته من جملة مقتضياته وإن لم يكن غصبا).
763

الثالث: لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو عن العبد المجنون فأبق، ضمن لأنه
فعل يقصد به الاتلاف. وكذا لو فتح قفصا عن طائر فطار، مبادرا أو بعد مكث (19). ولا
كذا لو فتح بابا على مال فسرق، أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق، لأن التلف بالمباشرة لا
بالسبب، وكذا لو دل السارق. ولو أزال وكاء (20) الظرف، فسال ما فيه، ضمن إذا لم
يكن يحبسه إلا الوكاء. وكذا لو سال منه ما ألان الأرض تحته (21)، فاندفع ما فيه، ضمن
لأن فعله سبب مستقل بالإتلاف. أما لو فتح رأس الظرف، فقلبته الريح أو ذاب
بالشمس، ففي الضمان تردد ولعل الأشبه أنه لا يضمن، لأن الريح والشمس كالمباشر،
فيبطل حكم السبب.
ومن الأسباب: القبض بالعقد الفاسد (22). والقبض بالسوم، فإن القابض
يضمن. وكذا استيفاء المنفعة بالإجارة الفاسدة، سبب لضمان أجرة المثل.
النظر الثاني
في الحكم: يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر، كالخشبة (23) تستدخل في
البناء أو اللوح في السفينة، ولا يلزم المالك أخذ القيمة. وكذا لو مزجه مزجا يشق تميزه،
كمزج الحنطة بالشعير، أو الدخن بالذرة، وكلف تميزه وإعادته.
ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن أمكن نزعها، ألزم ذلك، وضمن ما يحدث من
نقص (24). ولو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة. وكذا لو خاط بها جرح حيوان له حرمة لم
لم ينتزع إلا مع الأمن عليه، تلفا وشينا وضمنها

(19): (مبادرا) أي: طار بمجرد فتح القفص (بعد مكث) أي: بعد فترة (لو دل السراق) أي: أخبرهم أن في المكان الفلاني مالا
فإنه فعل حراما لكنه لا يضمن المال.
(20): الوكاء: الحبل الذي يشد به القربة والكيس وغيرهما.
(21): كما لو كان سمن موضوعا في قربة مفتوحة، فحفر الأرض تحت القربة فمالت وسال السمن.
(22): كأنه يضمنه لو تلف لقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) (بالسوم) أي: قبضه للشراء قبل عقد البيع (بالإجارة
الفاسدة) كمن استأجر دارا مجهولة، أو ثمن مجهول فإن الإجارة فاسدة فإذا استفاد من الدار كان عليه أجرة المثل.
(23): أي: الخشبة المغصوبة تجعل في أساس أو وسط البناء، فيجب ردها ولو استلزم خراب البناء وكذا في السفينة (ولا يلزم
المالك) فلو قالوا للمالك نعطيك قيمة الخشبة فله الحق أن لا يقبل ويطلب عين خشبته (الدخن)، بالفارسية ارزن (الذرة)
بالفارسية زرت، لأن حياتهما متشابهة ومتقاربة الحجم.
(24): نقص في الخيوط، كما لو استلزم تقطعا قليلا فيها (تلفها) أي: تقطعا كثيرا بحيث لا يستفاد منها (له حرمة) مثل له
بعضهم بغير المأكول الذي إذا ذبح لأجل إخراج الخيوط لا يستفاد من لحمه، أو المأكول الذي ليس للغاصب، وأما إذا كان
للغاصب فيجب عليه ذبحه وإخراج الخيوط منه (تلفا وشينا) أي: موتا وأذية.
764

ولو حدث في المغصوب عيب، مثل تسويس (25) التمر أو تخريق الثوب رده مع
الأرش.
ولو كان العيب غير مستقر كعفن الحنطة، قال الشيخ: يضمن قيمة المغصوب. ولو
قيل: برد العين مع أرش العيب الحاصل، ثم كلما ازداد عيبا دفع أرش الزيادة، كان
حسنا. ولو كان بحاله (26) رده، ولا يضمن تفاوت القيمة السوقية.
فإن تلف المغصوب، ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا، وهو ما يتساوى قيمة
أجزائه (27). فإن تعذر المثل، ضمن قيمته يوم الإقباض، لا يوم الإعواز (28). ولو أعوز،
فحكم الحاكم بالقيمة، فزادت أو نقصت (29)، لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم بالقيمة
وقت تسليمها، لأن الثابت في الذمة ليس إلا المثل.
وإن لم يكن مثليا، ضمن قيمته يوم غصبه، وهو اختيار الأكثر وقال في المبسوط
والخلاف: يضمن أعلى القيم، من حين الغصب إلى حين التلف (30)، وهو حسن. ولا
عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك على تردد.

(25): أي: حدوث الدود أو نحوه في التمر (غير مستقر) بل في ازدياد حتى يتلف (كعفن الحنطة) لأن الحنطة إذا تعفنت لا
تصلح بل تفسد شيئا فشيئا.
(26): يعني: لو كان المغصوب لم يتغير ولكن تغيرت قيمته السوقية، كالذهب غصبه حيث كانت قيمته ألف دينار ورده حي كانت قيمته مئة دينار.
(27): هذا تعريف للمثلي ومعنى ذلك: أن تكون نسبة قيمة الجزء إلى قيمة الكل كنسبة نفس الجزء إلى نفس الكل، مثلا:
الحنطة مثلية، لأن قيمة كيس منها إذا كانت دينارا، تكون قيمة نصف كيسها نصف دينار، وقيمة ربع كيسها ربع دينار،
وقيمة ثلث كيسها ثلث دينار وقيمة عشر كيسها عشر دينار وهكذا (بخلاف) الكتاب فإنه قيمي لا مثلي، لأن قيمة كتاب إذا
كان دينارا، فليس قيمة نصف ذاك الكتاب نصف دينار، وقيمة ربع ذاك الكتاب ربع دينار، فلا تتساوى قيمة الجزء مع
نفس الجزء.
(28): يوم (الإقباض) أي: إعطاء قيمة المغصوب إلى المالك (الإعواز) أي: تعذر وجود المثل، مثلا لو غصب زيد كيس حنطة
من عمرو أول شعبان، وقد تعذر وجود الحنطة في نصف شعبان، وأراد إعطاء القيمة لعمرو آخر شعبان، سمى أول
شعبان يوم الغصب، ونصف شعبان يوم الإعواز، وآخر شعبان يوم الإقباض. فيجب على زيد إعطاء قيمة كيس حنطة في
آخر شعبان، سواء كانت قيمته آخر شعبان أكثر أو أقل من قيمته نصف شعبان.
(29): أي: زادت القيمة أو نقصت بعد حكم الحاكم وقيل الإقباض (لأن الثابت) يعني: ما دام لم يدفع الغاصب القيمة ففي
ذمته مثل الحنطة لا قيمتها، وأنها ينتقل إلى القيمة عند إعطاء القيمة، فيجب مراعاة قيمة ذاك الوقت.
(30): مثلا: لو غصب خروفا أول الشهر وذبحه ثالث الشهر، وكانت قيمته أول الشهر عشرة وثاني الشهر خمسة عشر، وثالث
الشهر عشرين، ضمن العشرين، أو صارت قيمته ثاني الشهر ثمانية وثالث الشهر خمسة ضمن عشرة، أو كانت قيمته ثاني
الشهر خمسة عشر ثالث الشهر ثلاثة عشر ضمن خمسة عشر وهكذا (بعد ذلك) أي: بعد الثلث وقيل دفع القيمة، لأن
القيمة استقرت في الذمة فلا تزيد ولا تنقص.
765

والذهب والفضة يضمنان بمثلهما (31)، وقال الشيخ: يضمنان بنقد البلد كما لو أتلف
ما لا مثل له. ولو تعذر المثل، فإن كان نقد البلد مخالفا للمضمون في الجنس، ضمنه
بالنقد. وإن كان من جنسه، اتفق المضمون والنقد وزنا، صح، وإن كان أحدهما
أكثر (32)، قوم بغير جنسه ليسلم من الربا. ولا تظنن أن الربا يختص بالبيع، بل هو ثابت
في كل معاوضة على ربوبيين (33)، متفقي الجنس.
ولو كان في المغصوب صنعة، لها قيمة غالبا (34)، كان على الغاصب مثل الأصل
وقيمة الصنعة. وإن زاد عن الأصل، ربويا كان أو غير ربوي، لأن للصنعة قيمة تظهر لو
أزيلت عدوانا، ولو من غير غصب وإن كانت الصنعة محرمة، لم يضمن.
ولو كان المغصوب دابة، فجنى عليها الغاصب أو غيره، أو عابت من قبل الله
سبحانه، ردها مع أرش النقصان (35). وتتساوى بهيمة القاضي وغيره في الأرش، ولا
تقدير في قيمة شئ من أعضاء الدابة، بل يرجع إلى الأرش السوقي.
وروي: في عين الدابة (36) ربع قيمتها. وحكى الشيخ في المبسوط والخلاف عن
الأصحاب، في عين الدابة نصف قيمتها، وفي العينين كمال قيمتها. وكذا كل ما في البدن
منه اثنان، والرجوع إلى الأرش السوقي أشبه.
ولو غصب عبدا أو أمة فقتله، أو قتله قاتل، ضمن قيمته، ما لم تتجاوز قيمته دية

(31): فإنهما مثليان، لأن نسبه أجزاء قيمتها إلى الكل نسبة واحدة، فلو كانت قيمة الذهب أربعة دنانير فنصف
مثقال منه ديناران، وربعه دينار واحد، وهكذا الفضة (ولو تعذر المثل) كما لو أتلف مثقال ذهب لشخص ثم لم يكن ذهب
ليعطيه (في الجنس) كهذه الأزمان التي نقد البلاد فيها غالبا أوراق مالية.
(32): كما لو أتلف مثقال ذهب قيمته أربعة دنانير ونقد البلد ذهب مسكوك أقل من مثقاله أربعة دنانير، فلو أعطاه ما يعادل
أربعة دنانير كان ذهبه أقل فيلزم الربا، وإن أعطاه بوزن المتلف كانت قيمته أربعة دنانير ولا يجب عليه إلا دفع قيمته لا
أكثر (بغير جنسه) أي: أعطى من غير الذهب من الفضة أو العروض أو غيرها بما يعادل أربعة دنانير.
(33): مما يكون بيعهم بالكيل أو الوزن، مع زيادة أحدهما على الآخر.
(34): كما لو كان ذهبا مصاغا بحيث كان عين الذهب فيه قيمتها أربعة دنانير ودينار آخر لصياغته، وجب عليه - على رأي
المصنف دفع خمسة دنانير، أو ما يعادل الخمسة دنانير من الذهب وإن كان ذهبا أكثر من المغصوب (ولو من غير غصب)
يعني: الإزالة لم تكن بغصب بل بمباشرة الاتلاف، أو التسبيب (محرمة) كما لو كان الذهب آنية (لم يضمن) قيمة صياغة
الآنية فلو أتلف آنية ذهب وكانت قيمة ذهبها عشرين دينارا وقيمة صياغة آنية ثلاثين والمجموع خمسون ضمن العشرين
فقط.
(35): أي: قيمة النقصان، فلو انكسرت رجلها، وكانت قيمتها صحيحة مئة وقيمتها مكسورة الرجل ثمانين ضمن عشرين
(بهيمة القاضي) فليس وصف كونها بهيمة القاضي موجبا لزيادة أرشها وإن كانت الرغبة فيها أكثر.
(36): أي: عين واحدة (اثنان) كالرجل، واليد، والبضعة، والكتف، والأذن ونحوها ففي واحدتها نصف القيمة، وفي كليهما
القيمة كاملة.
766

الحر (37)، ولو تجاوزت لم يضمن الزيادة ولو قيل: يضمن الزائد بسبب الغصب، كان
حسنا. ولا يضمن القاتل غير الغاصب سوى قيمته ما لم يتجاوز عن دية الحر. ولو
تجاوزت عن دية الحر، ردت إليه. فإن زاد الأرش عن الجناية، طولب الغاصب بالزيادة
دون الجاني.
أما لو مات في يده (38)، ضمن قيمته، ولو تجاوزت دية الحر. ولو جنى
الغاصب عليه، بما دون النفس، فإن كانت تمثيلا، قال الشيخ: عتق وعليه قيمته، وفيه
تردد ينشأ من الاقتصار بالعتق في التمثيل على مباشرة المولى.
وكل جناية ديتها مقدرة في الحر (39)، فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته. وما
ليست بمقدرة في الحر، ففيها الحكومة. ولو قيل: يلزم الغاصب أكثر الأمرين، من المقدر
والأرش، كان حسنا. أما لو استغرقت ديته قيمته، قال الشيخ: كان المالك مخيرا، بين
تسليمه وأخذ القيمة وبين إمساكه ولا شئ له، تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره (40)،
وفيه تردد.
ولو زادت قيمة المملوك بالجناية، كالخصاء (41) أو قطع الأصبع الزائدة رده مع دية
الجناية، لأنها مقدرة.

(37): دية الحر ألف دينار ذهب، أو عشرة آلاف درهم فضة، أو ألف غنم، أو مئة بعير، أو مئتا بقرة، أو مئتا حلة، (ولا
يضمن القاتل) كمن قتل خطأ أو نحوه (ردت إليه) أي: إلى الحر (وإن زاد الأرش عن الجناية) كما لو قلع عينيه وقطع
يده - على قول بتمام القيمة في العينين ونصفها في يد واحدة - فالمجموع قيمة ونصف (طولب الغاصب) يعني: لو كان
غاصبا أخذت منه تمام القيمة ونصفها معا، وإلا أخذ النقص القيمي الحاصل بسبب ذلك.
(38): أي: مات العبد أو الأمة في يد الغاصب (ولو تجاوزت) يعني: حتى ولو كانت قيمته أكثر من دية الحر (بما دون النفس)
أي: بجناية لم يمت منها (تمثيلا) كقطع أنفه، أو صلم أذنه ونحوهما (على مباشرة المولى) يعني: إذا كان المثل هو المولى عتق
وإلا فلا يعتق بتمثيل غير المولى.
(39): فكما أن في يد الحر نصف ديته كذلك في يد العبد نصف قيمته، فإن كانت قيمته ثمانين ففي يده أربعين، وكما أن في
إصبع واحدة من الحر عشر ديته كذلك في إصبع العبد عشر قيمته، فالثمانين عشرها ثمانية، وهكذا (بمقدرة في الحر) كقلع
أصغره، أو كسر يده، أو نحوهما (والأرش) مقدار نقص قيمته في العبد أو الأمة، فلو قلع عيني العبد فإن نقص قيمته أكثر
من النصف فعليه نقص القيمة، وإن نقص أقل من النصف فعليه نصف القيمة.
(40): فإن غير الغاصب لو جنى جناية مستوعبة للقيمة كان على مالك العبد أو الأمة ذلك لكي لا يجتمع بين العوض والمعوض كما
قالوا (وفيه تردد) لاحتمال أن يؤخذ الغاصب بأشق الأحوال فتؤخذ منه الأرش المستوعب للقيمة ولا يدفع له العبد.
(41): وهو قطع البيضتين، لأنه يؤمن معه من حمل المرأة بدخوله عليها، وكان بعض الملوك سابقا يرغب في مثل هذا العبد أكثر
لأنه كان يرسله في حرمه ولا يخشى الفضيحة أن تجاوز على الحرم، كما إنه يقوى بالخصاء أيضا فيكون أقدر في محل الأثقال
ونحوه (لأنها مقدرة ففي قطع البيضتين تمام القيمة، وفي الأصبع الزائدة ثلث قيمة الأصبع الصحيحة.
767

والبحث في المدبر (42) والمكاتب المشروط وأم الولد كالبحث في القن.
وإذا تعذر تسليم المغصوب (43)، دفع الغاصب البدل، ويملكه المغصوب منه، ولا
يملك الغاصب العين المغصوبة. ولو عادت، كان لكل منهما الرجوع، وعلى الغاصب
الأجرة، إن كان مما له أجرة في العادة، من حين الغصب إلى حين دفع البدل. وقيل: إلى
حين إعادة المغصوب، والأول أشبه.
ولو غصب شيئين، ينقص قيمة كل واحد منهما إذا انفرد عن صاحبه، كالخفين فتلف
أحدهما يضمن التالف بقيمته مجتمعا (44)، ورد الباقي وما نقص عن قيمته بالانفراد.
وكذا لو شق ثوبا نصفين، فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق، ثم تلف أحدهما. إما لو
أخذ فردا من خفين يساويان عشرة، فتلف في يده وبقي الآخر في يد المالك، ناقصا عن
قيمته بسبب الانفراد، رد قيمته التالف لو كان منضما إلى صاحبه (45). وفي ضمان ما نقص
عن قيمة الآخر تردد.
ولا يملك العين المغصوبة بتغيرها وإخراجها عن الاسم والمنفعة، سواء كان ذلك بفعل
الغاصب أو فعل غيره، كالحنطة تطحن والكتان يغزل وينسج.
ولو غصب مأكولا فأطعمه المالك، أو شاة فاستدعاه ذبحها (46) مع جهل المالك،
ضمن الغاصب. وإن أطعمه غيره، قيل: يغرم أيهما شاء لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع
إلى الأكل، وأن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب لغروره، وقيل: بل يضمن

(42): هو العبد أو الأمة الذي قال له المولى (أنت حر بعد وفاتي) (المكاتب المشروط) هو الذي قرر معه المولى أن يدفع للمولى
تمام قيمة نفسه ثم بعد دفع التمام يتحرر، بحيث لو دفع أكثر القيمة وبقي الأقل لا يتحرر ربعه وهكذا - (وأم الولد) وهي
التي وطأها المولى فحملت منه حيث أنها تتحرر بعد وفاة المولى من نصيب ولدها (كالبحث في القن) يعني حكم هؤلاء
الثلاثة حكم العبد الخالص في الأرش والقيمة والجناية عليه.
(43): كما لو سقط المغصوب في البحر (ويملكه) أي: يملك البدل (ولو عادت) كما لو خرجت العين من البحر اتفاقا (كان لكل
منهما) فللغاصب استرجاع البدل، وللمالك استرجاع المغصوب (الأجرة) كما لو كان المغصوب إبريقا وكانت أجرته كل يوم
درهما، واستمر خمسة أيام - إلى حين دفع البدل وإلى حين إخراجه من البحر على الخلاف - فعلى الغاصب خمسة دراهم.
(44): مثلا قيمة الخفين معا دينار، فكل واحدة نصف دينار إذا كانتا معا، وقيمة كل واحدة وحدها بدون الآخر ربع دينار،
فيجب عليه - لو غصبهما وتلفت واحدة - أن يعطي للمالك نصف دينار عن الفردة التالفة، وربع دينار مع الفردة الأخرى
وهذا المبلغ قيمة نقص الثانية بتلف الأولى.
(45): في مثالنا الألف نصف دينار (ما نقص) وهو ربع دينار في مثالنا الأنف (تردد) وجه التردد احتمال الضمان لأن بسببه
حصل هذا النقص، واحتمال عدم الضمان لأنه لم يغصب سوى فردة واحدة وليس عليه ما لم يغصبه.
(46): أي: طلب من المالك أن يذبحها (لغروره) أي: لكون الأكل جاهدا بالغصب، لقاعدة (المغرور يرجع إلى من غره)
(بمظانة) أي: في محل.
768

الغاصب من رأس، ولا ضمان على الآكل، لأن فعل المباشر ضعيف عن التضمين بمظانة
الاغترار، وكان السبب أقوى.
ولو غصب فحلا، فأنزاه على الأنثى، كان الولد لصاحب الأنثى وإن كانت
للغاصب (47). ولو نقص الفحل بالضراب، ضمن الغاصب النقص وعليه أجرة
الضراب. وقال الشيخ في المبسوط: لا يضمن الأجرة، والأول أشبه لأنها عندنا ليست
محرمة.
ولو غصب ماله أجرة، وبقي في يده حتى نقص، كالثوب يخلق والدابة تهزل، لزمه
الأجرة والأرش ولم يتداخلا، سواء كان النقصان بسبب الاستعمال أو لم يكن (48).
ولو أغلا الزيت فنقص ضمن النقصان.
ولو أغلا عصيرا فنقص وزنه، قال الشيخ: لا يلزمه ضمان النقيصة لأنها نقيصة
الرطوبة التي لا قيمة لها، بخلاف الأولى وفي الفرق تردد.
النظر الثالث
في اللواحق وهي نوعان
النوع الأول: في لواحق الأحكام وهي مسائل:
الأولى: إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب، فإن كانت أثرا (49) كتعليم الصنعة وخياطة
الثوب ونسج الغزل وطحن الطعام، رده ولا شئ له. ولو نقصت قيمته بشئ من ذلك، ضمن
الأرش.
وإن كان عينا (50)، كان له أخذها وإعادة المغصوب وأرشه لو نقص. ولو صبغ
الثوب كان له إزالة الصبغ، بشرط ضمان الأرش إن نقص الثوب. ولصاحب الثوب إزالته

(47): يعني: حتى وإن كانت الأنثى للغاصب (ولو نقص) أي: أصابه ضعف أو هزال أو غيرهما (الضراب) أي: الجماع (لأنها)
أي: أجرة الضراب (عندنا) نحن الشيعة.
(48): بل كان بسبب البقاء مدة، أو بهبوب الرياح وحرارة الشمس وقلة الأكل في الدابة أو تمرضها أو غير ذلك (فنقص) وزنه،
أو نقصت قيمته (بخلاف الأولى) يعني الزيت.
(49): أي لا عينا (كتعليم الصنعة) للعبد أو الأمة اللذين غصبهما (من ذلك) كتعليمه السباب القبيحة والعادات السيئة مما تنقص
قيمته، أو إذا نقصت قيمة الطعام بالطحن وهكذا (الأرش) أي: الفرق بين القيمة التامة والقيمة الناقصة.
(50): كالأرض غصبها وغرس فيها غرسا (لو نقص) كما لو نقصت قيمة الأرض لأجل الغرس فيها.
769

أيضا، لأنه في ملكه بغير حق. ولو أراد أحدهما ما لصاحبه بقيمته (51)، لم يجب على
أحدهما إجابة الآخر. وكذا لو وهب أحدهما لصاحبه لم يجب على الموهوب له القبول. ثم
يشتركان، فإن لم ينقص قيمة مالهما فالحاصل لهما وإن زادت فكذلك (52). ولو زادت قيمة
أحدهما كانت الزيادة لصاحبها. وإن نقصت قيمة الثوب بالصبغ، لزم الغاصب الأرش،
ولا يلزم المالك ما ينقص من قيمة الصبغ (53) ولو بيع مصبوغا بنقصان عن قيمة
الصبغ (54)، لم يستحق الغاصب شيئا، إلا بعد توفية المغصوب منه قيمة ثوبه على الكمال.
ولو بيع مصبوغا بنقصان عن قيمة الثوب، لزم الغاصب إتمام قيمته.
الثانية: إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن، فخلطه بمثله، فهما شريكان. وإن
خلطه بأدون أو أجود، قيل: يضمن المثل، لتعذر تسليم العين، وقيل: يكون شريكا في
فضل الجودة، ويضمن المثل في فضل الرداءة، إلا أن يرضى المالك بأخذ العين. أما لو
خلطه بغير جنسه (55) لكان مستهلكا، وضمن المثل.
الثالثة: فوائد المغصوب مضمونة بالغصب، وهي مملوكة للمغصوب منه، وإن
تجددت في يد الغاصب، أعيانا كانت كاللبن والشعير والوبر والثمر، أو منافع كسكنى الدار
وركوب الدابة. وكذا منفعة كل ماله أجرة بالعادة. ولو سمنت الدابة في يد الغاصب أو
تعلم المملوك صنعة أو علما فزادت قيمته، ضمن الغاصب تلك الزيادة، فلو هزلت أو نسي
الصنعة، أو ما علمه، فنقصت القيمة لذلك، ضمن الأرش وإن رد العين (56). وإن
تلف، ضمن قيمة الأصل والزيادة.
فرعان:
الأول: لو زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت الصفة، ثم عادت الصفة والقيمة، لم

(51): كما لو قال صاحب الأرض لصاحب الغرس بعين الغرس، أو بالعكس (القبول) كما لو وهب صاحب الغرس غرسه
لصاحب الأرض لم يجب عليه قبول الهبة، بل كان له الحق في أن يلزمه بنزع غرسه وعليه أرش الأرض لسبب هذا
النزع.
(52): أي: الزيادة لهما أيضا، كما لو زادت قيمة الأرض بسبب وجود الزرع فيها، وزادت قيمة الزرع بسبب وجوده في هذه
الأرض - مثلا: كانت تلك أرضا متبركا بها -
(53): لأن مالك الثوب لم يكن السبب في هذا النقص حتى يضمنه.
(54): كما لو كانت قيمة الثوب وحده عشرة، وقيمة الصبغ وحده خمسة، فبيع الثوب مع الصبغ بإثني عشر، فالثلاثة خسارة على
صاحب الصبغ (عن قيمة الثوب) كما لو بيع - في المثال - بثمانية.
(55): كما لو خلط الدهن بالشيرج.
(56): يعني: حتى وإن رد العين.
770

يضمن قيمة الزيادة التالفة، لأنها انجبرت بالثانية. ولو نقصت الثانية عن قيمة الأولى،
ضمن التفاوت. أما لو تجددت صفة غيرها، مثل إن سمنت فزادت قيمتها، ردها وما
نقص بغوات الأولى.
الثاني: لا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد بها القيمة، كالسمن المفرط إذا زال،
والقيمة على حالها أو زائدة (57).
المسألة الرابعة: لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، ويضمنه. ما يتجدد من
منافعه، وما يزداد من قيمته، لزيادة صفة فيه فإن تلفت في يده، ضمن العين بأعلى
القيم، من حين قبضه إلى حين تلفه إن لم يكن مثليا (58). ولو اشترى من غاصب، ضمن
العين والمنافع، ولا يرجع على الغاصب إن كان عالما (59) وللمالك الرجوع على أيهما
شاء على الغاصب، رجع الغاصب على المشتري وإن رجع على المشتري، لم يرجع على
الغاصب لاستقرار التلف في يده (60). وإن كان المشتري جاهلا بالغصب، رجع على البائع
بما دفع من الثمن، وللمالك المطالبة بالدرك (61)، إما مثلا أو قيمة، ولا يرجع المشتري
بذلك على الغاصب، لأنه قبض ذلك مضمونا. ولو طالب الغاصب بذلك، رجع
الغاصب على المشتري. ولو طالب المشتري لم يرجع على الغاصب وما يغترمه المشتري، مما
لم يحصل له في مقابلته نفع، كالنفقة والعمارة (62)، فله الرجوع به على البائع. ولو أولدها
المشتري كان حرا، وغرم قيمة الولد (63)، ويرجع بها على البائع وقيل: في هذه: له

(57): أي: أو كانت القيمة بالهزال زائدة عن القيمة وقت تلك السمنة.
(58): كالسكر والحنطة، والأرز ونحوها من المثليات وإلا ضمن مثلها.
(59): يعني: لو اشترى كتابا مغصوبا وهو يعلم بأنه مغصوب، فجاء المالك وأخذ الكتاب منه، فليس له أن يرجع إلى الغاصب
ويأخذ ثمن الكتاب منه، لأنه سلط الغاصب على ماله مجانا.
(60): أي: في يد المشتري (بما دفع من الثمن) للمالك، سواء كان مساويا أو أقل أو أكثر من الثمن الذي دفعه للبائع
الغاصب، فلو اشترى الخروف المغصوب - جاهلا بالغصب - بدينار وأكله ثم جاء المالك الواقعي للخروف وأخذ منه نصف
دينار، أو دينارا، أو دينارين أخذ ذلك من الغاصب البائع.
(61): الدرك بدل التلف، يعني: لو كان المغصوب قد تلف عند المشتري أو نقص فللمالك مطالبته ببدل التالف وبدل النقص
وإن كان المشتري جاهلا بالغصب، وليس للمشتري الرجوع على الغاصب بأزيد مما دفعه إلى الغاصب، لا بشيئين: ما
دفعه، والدرك، لأن المشتري حصل في مقابل ذلك شيئا بعد المغصوب الذي تلف عنده أو نقص عنده (رجع الغاصب على
المشتري) لأن الغاصب ليس عليه أن يخسر ما ربحه المشتري أو أتلفه.
(62): كنفقة العبد أو الدابة. وعمارة البيت والبستان والأرض ونحوهما.
(63): أي: أعطى قيمة الولد للمالك، وقيمة الولد الحر هو أن يعتبر قنا ويقوم (في هذه) وهي مسألة لاستيلاد (وفيه احتمال
آخر) وهو كما في المسالك: إلحاق الاستيلاد بما حصل المشتري في مقابلة نفع لأن حرية الولد نفع للمشتري. وما حصل
المشتري في مقابلته نفعا فيه قولان كما سيأتي عند رقم (64).
771

مطالبة أيهما شاء. لكن لو طالب المشتري، رجع على البائع. ولو طالب البائع، لم يرجع
على المشتري، وفيه احتمال آخر. أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع، كسكنى الدار
وثمرة الشجرة والصوف واللبن، فقد قيل: يضمنه الغاصب لا غير، لأنه سبب الاتلاف.
ومباشرة المشتري مع الغرور ضعيفة، فيكون السبب أقوى كما لو غصب طعاما وأطعمه
المالك. وقيل: له (64) إلزام أيهما شاء، أما الغاصب فلمكان الحيلولة، وأما المشتري
فلمباشرة الاتلاف. فإن رجع على الغاصب، رجع على المشتري، لاستقرار التلف في يده.
وإن رجع على المشتري، لم يرجع على الغاصب والأول أشبه.
الخامسة: لو غصب مملوكة فوطأها فإن كانا (65) جاهلين بالتحريم لزمه مهر أمثالها
للشبهة. وقيل: عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا. وربما قصر بعض
الأصحاب هذا الحكم، على الوطء بعقد الشبهة. فلو افتضها (66) بإصبعه، لزمه دية
البكارة ولو وطأها مع ذلك، لزمه الأمران، وعليه أجرة مثلها (67)، من حين غصبها إلى
حين عودها ولو أحبلها، لحق به الولد، وعليه قيمته يوم سقط حيا، وأرش ما ينقص من
الأمة بالولادة. ولو سقط ميتا، قال الشيخ: " لم يضمنه لعدم العلم بحياته (68)، وفيه
إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي. وفرق الشيخ: بين وقوعه بالجناية، وبين وقوعه بغير
جناية (69). ولو ضربها أجنبي فسقط، ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر (70)، وضمن

(64): أي: للمالك (الحيلولة) لأن الغاصب حال بين المالك وملكه بالغصب (والأول أشبه) وهو ضمان الغاصب لا غير مطلقا.
(65): الغاصب والأمة.
(66): أي: أدخل إصبعه في فرجها وخرق بكارتها بإصبعه، والمقصود بالأصبع ليس خصوصها بل مطلق إزالة البكارة بغير
الوطء (دية البكارة) وهي إما عشر قيمتها، أو التفاوت بين قيمتها باكرة أو ثيبة، أو أكثر الأمرين - على الخلاف - (لزمه
الأمران) دية البكارة، مع مهر أمثالها، أو العشر ونصف العشر، فإن عدت باكرة فالعشر، وإن عدت ثيبا بالاقتصاص بغير
الوطء فنصف العشر.
(67): أي: مثل هذه الأمة كل يوم كم تكون أجرتها؟ وكم يوما كانت مغصوبة؟ (لحق به) بالغاصب الواطئ (ما ينقص من
الأمة بالولادة) لأنها تصنفت، أو تنزف دما كثيرا وتمرض أو تجرح بالولادة فتقل قيمتها.
(68): يعني: لأنه لا يعلم هل كان حيا ومات، أو كان ميتا (تضمين الأجنبي) يعني: لو جنى أجنبي عليها فسقط ميتا هنا أيضا
لا يعلم حياته، فكيف يقال بضمان الأجنبي الجاني، فكذلك هنا.
(69): فإن وقع الولد ميتا بدون جناية على أمه لم يضمن الغاصب قيمة الولد، وإن جنى الغاصب عليها بضرب أو غيره فسقط
الولد ميتا ضمن قيمته (فسقط) أي: ميتا.
(70): وهي: إن كان قد نفخ فيه الروح فألف دينار - دية كاملة - وقبله فمئة بعد كمال الخلق وقبل نفخ الروح - وثمانون إذا كان
عظاما، وستون إذا كان مضغة، وأربعون إذا كان علقة، وعشرون إذا كان بعد نطفة، وفيها أقوال أخرى يأتي تفاصيلها
في كتاب الديات، في النظر الرابع في اللواحق وهي أربعة، الأول دية الجنين فراجع هناك.
ودية جنين أمه عشر قيمة أمه على المشهور كما سيأتي في كتاب الديات في نفس الموضع أيضا.
772

الغاصب للمالك دية جنين أمه. ولو كان الغاصب والأمة عالمين بالتحريم (71)، فللمولى
المهر إن أكرهها الغاصب على الوطء، وعليه الحد. وإن طاوعته، حد الواطئ ولا مهر،
وقيل: يلزمه عوض الوطء (72) لأنه للمالك، والأول أشبه إلا أن تكون بكرا فيلزمه أرش
البكارة. ولو حملت لم يلحق به الولد، وكان رقا لمولاها، ويضمن الغاصب ما ينقص
بالولادة. ولو مات ولدها في يد الغاصب، ضمنه. ولو وضعته ميتا، قيل: لا يضمن،
لأنا لا نعلم حياته قبل ذلك، وفيه تردد (73). ولو كان سقوطه بجناية جان، لزمه دية جنين
الأمة على ما نذكر في الجنايات. ولو كان الغاصب عالما، وهي جاهلة، لم يلحق
الولد (74)، ووجب الحد والمهر. ولو كان بالعكس لحق به الولد، وسقط عنه الحد والمهر،
وعليها الحد.
السادسة: إذا غصب حبا فزرعه، أو بيضا فاستفرخه (75)، قيل: الزرع والفرخ
للغاصب، وقيل: للمغصوب منه، وهو الأشبه. ولو غصب عصيرا فصار خمرا، ثم صار
خلا، كان للمالك. ولو نقصت قيمة الخل عن قيمة العصير، ضمن الأرش.
السابعة: لو غصب أرضا، فزرعها أو غرسها، فالزرع ونماؤه للزارع، وعليه أجرة
الأرض وإزالة غرسه وزرعه وطم الحفر (76)، وأرش الأرض إن نقصت. ولو بذل
صاحب الأرض قيمة الغرس، لم يجب على الغاصب إجابته. وكذا لو بذل الغاصب، لم
يجب على صاحب الأرض قبوله، ولو هبة. ولو حفر الغاصب في الأرض بئرا، كان عليه
طمها. وهل له طمها مع كراهية المالك (77)؟ قيل: نعم، لتحفظها من درك التردي ولو
قيل: للمالك منعه، كان حسنا، والضمان يسقط عنه برضا المالك باستبقائها.

(71): أي: بأن الوطء بالغصب حرام (وعليه الحد) أي: حد الزنا مئة سوط (طاوعته) أي: رضيت الأمة بوطئها بالغصب
عالمة بالتحريم.
(72): ولعله نصف عشر قيمتها.
(73): يعني ما تقدم من الماتن بعد رقم (68) مباشرة (دية جنين الأمة) وهي عشر قيمة أمه على المشهور.
(74): أي: لم يكن حرا، بل قنا لمولى الأمة (بالعكس) بأن كان الغاصب جاهلا بالتحريم والأمة عالمة بالتحريم.
(75): أي: جعل البيض فرخا.
(76): أي: الحفرات الحاصلة بسبب قلع الأشجار والزروع (وأرش الأرض) أي: نقص قيمة الأرض بسبب الحفر ونحوها
(إجابته) أي: بيع الغرس لصاحب الأرض (بذل الغاصب) قيمة الأرض (ولو هبة) أي: حتى لو وهب الغاصب زرعه
للمالك لا يجب على المالك قبول الهبة.
(77): أي: إذا كره المالك طم الحفرة (من درك التردي) أي: من فساد إبقاء الحفر لكي يؤدي إلى انحطاط الأرض (منعه) لأن
طم الحفر نوع من التصرف فإذا لم يأذن المالك لم يجز.
773

الثامنة: إذا حصلت دابة في دار لا تخرج إلا بهدم (78)، فإن كان حصولها بسبب من
صاحب الدار، ألزم الهدم والإخراج، ولا ضمان على صاحب الدابة. وإن كان من
صاحب الدابة، ضمن الهدم، وكذا إن لم يكن من أحدهما تفريط (79)، ضمن صاحب
الدابة الهدم، لأنه لمصلحته. ولو أدخلت دابة رأسها في قدر، وافتقر إخراجها إلى كسر
القدر، فإن كانت يد مالك الدابة عليها (80)، أو فرط في حفظها ضمن. وإن لم يكن يده
عليها، وكان صاحب القدر مفرطا، مثل إن يجعل قدره في الطريق، كسرت القدر عنها،
ولا ضمان في الكسر وإن لم يكن من أحدهما تفريط، ولم يكن المالك معها، وكانت القدر
في ملك صاحبها، كسرت وضمن صاحب الدابة لأن ذلك لمصلحته.
التاسعة: قال الشيخ في المبسوط إذا خشي على حائط، جاز أن يستند بجذع (81)،
بغير إذن مالك الجذع، مدعيا للإجماع، وفي دعوى الإجماع نظر.
العاشرة: إذا جنى العبد المغصوب عمدا فقتل (82)، ضمن الغاصب قيمته. وإن
طلب ولي الدم الدية، لزم الغاصب أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية. وإن أوجبت
قصاصا فيما دون النفس فاقتص منه (83)، ضمن الغاصب الأرش. وإن عفا على مال،
ضمن الغاصب أقل الأمرين.
الحادية عشرة: إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب، لزمه إعادته. ولو طلب
المالك الأجرة عن إعادته (84)، لم يلزم الغاصب، لأن الحق هو النقل. ولو رضي المالك به
هناك، لم يكن للغاصب قهره على الإعادة.

(78): الدار، كما لو أدخلت الدابة صغيرة ثم كبرت بحيث لا يمكن خروجها عن باب الدار أو كانت كبيرة ودخلت ثم وضعوا
للدار بابا صغيرة لا يمكن خروج تلك الدابة منها.
(79): كما لو أدخل المستأجر في الدار دابة فكبرت اتفاقا كبرا غير ملحوظ سابقا.
(80): كما لو كان مع الدابة، أو راكبا لها (أو فرط) كما لو ترك دابته تدخل البيوت ولم يشدها بحبل ونحوه.
(81): أي: عودة قوية، بأن يوضع الجذع خلف الحائط لكي لا يسقط الحائط.
(82): كما لو غصب زيد عبدا، فقتل ذاك العبد شخصا وقتل العبد قصاصا، فزيد ضامن لقيمة العبد بدفعها لمالك العبد (أقل
الأمرين) مثلا لو كانت قيمة العبد أربعمئة دينار وقطع العبد يد رجل حر، فديته خمسمئة فإن طلب صاحب اليد الدية دفع
غاصب العبد إليه أربعمئة قيمة العبد، وإن كان العبد قطع إصبع حر فديته مئة، يدفعها غاصب العبد لصاحب الأصبع.
(83): كما لو قطع يد العبد قصاصا، ضمن الغاصب نقصان قيمة العبد بقطع يده (وإن عفى على مال) أي وقال المجني عليه أعفي
العبد ولا اقتص منه بشرط أن يدفع لي كذا من المال (أقل الأمرين) من ذاك المال ومن قيمة العبد.
(84): أي: قال المالك للغاصب لا تعده وأعطني أجرة إعادته (هناك) أي: رضي بعدم الإعادة إلى بلد غصبه فيه.
774

النوع الثاني: في مسائل النزاع وهي ستة:
الأولى: إذا تلف المغصوب واختلفا في القيمة، فالقول قول المالك مع يمينه، وهو
قول الأكثر، وقيل: القول قول الغاصب، وهو أشبه، أما لو ادعى ما يعلم كذبه فيه،
مثل أن يقول: ثمن الجارية حبة (85) أو درهم، لم يقبل.
الثانية: إذا تلف وادعى المالك صفة يزيد به الثمن، كمعرفة الصنعة، فالقول قول
الغاصب مع يمينه، لأن الأصل يشهد له. أما لو ادعى الغاصب عينا، كالعور وشبهه،
فأنكر المالك، فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل الصحة، سواء كان المغصوب موجودا أو
معدوما (86).
الثالثة: إذا باع الغاصب شيئا، ثم انتقل إليه بسبب صحيح فقال للمشتري (87):
بعتك ما لا أملك وأقام بينة، هل تسمع بينته؟ قيل: لا، لأنه مكذب لها بمباشرة البيع،
وقيل: إن اقتصر على لفظ البيع، ولم يضم إليه من الألفاظ ما يتضمن ادعاء الملكية، قبلت
وإلا ردت.
الرابعة: إذا مات العبد، فقال الغاصب: رددته قبل موته (88) وقال المالك بعد
موته، فالقول قول المالك مع يمينه، وقال في الخلاف: ولو عملنا في هذه القرعة، كان
جائزا.
الخامسة: إذا اختلفا في تلف المغصوب (89)، فالقول قول الغاصب مع يمينه. فإذا
حلف، طالبه المالك بالقيمة لتعذر العين.
السادسة: إذا اختلفا فيما على العبد، من ثوب أو خاتم (90)، فالقول قول الغاصب
مع يمينه، لأن يده على الجميع.

(85): يعني: حبة حنطة أو شعير مثلا.
(86): هذا في الفرع الثاني وهو قوله " أما لو ادعى الغاصب عيبا ".
(87): لكي يبطل البيع ويسترد ما باعه للمشتري (بمباشرة البيع) أي: بيعه ظاهر في الملكية، وهذا الظاهر يكذب البينة (قبلت) أي: البينة
ومثال ما يتضمن ادعاء الملكية أن يقول حال المبيع: هذا ملك لي وأبيعه لك.
(88): حتى لا يكون موته في ضمان الغاصب (كان جائزا) أي: نافذا العمل بالقرعة.
(89): فقال الغاصب تلف المغصوب، وقال المالك: لا لم يتلف وهو عندك.
(90): فقال المالك مثلا كان في يد العبد خاتم، أو كان عليه ثوب كذا، وأنكر الغاصب (على الجميع) أي: نفس العبد وما عليه.
775

كتاب الشفعة
وهي: استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه، بسبب انتقالها بالبيع (1).
والنظر في ذلك يعتمد خمسة مقاصد:
الأول
ما تثبت فيه الشفعة: وتثبت في الأرضين: كالمساكن، والعراص (2)، والبساتين
إجماعا. وهل تثبت فيما ينقل كالثياب والآلات والسفن والحيوان؟ قيل: نعم، دفعا لكلفة
القسمة، واستنادا إلى رواية يونس، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقيل: لا، اقتصارا في التسلط على مال المسلم بموضع الإجماع (3)، واستضعافا للرواية
المشار إليها، وهو أشبه.
أما الشجر والنخل والأبنية، فتثبت فيه الشفعة تبعا للأرض (4). ولو أفرد بالبيع،
نزل على القولين. ومن الأصحاب من أوجب الشفعة في العبد، دون غيره من الحيوان.
وفي ثبوتها في النهر والطريق والحمام وما تضر قسمته (5) تردد، أشبهه أنها لا تثبت.
ونعني بالضرر، ألا ينتفع به بعد قسمته، فالمتضرر لا يجبر على القسمة.
ولو كان الحمام أو الطريق أو النهر، مما لا يبطل منفعته بعد القسمة أجبر الممتنع
وتثبت الشفعة. وكذا لو كان مع البئر بياض أرض (6)، بحيث تسلم البئر لأحدهما.

كتاب الشفعة
(1): فلو كان زيد وعمرو شريكين في أرض، فباع زيد حصته لشخص ثالث كان لعمرو الحق
في انتزاع المبيع لنفسه.
(2): جمع عرضه، يعني الأرض الخالية من زراعة وبناء.
(3): فالشفعة تسلط على مال باعه الشريك الثالث، فيقتص على مورد الإجماع (واستضعافا) أي: لأن الرواية ضعيفة السند لجهل
الشخص الراوي عن الإمام ليونس.
(4): أي: إذا بيعت مع الأرض التي هي عليها (أفرد) أي: بيع وحدها بدون الأرض التي تحتها (على القولين) القول بالشفعة في كل
شئ، والقول بالشفعة في الأرض فقط.
(5): كالكتاب، والخاتم، والفرش الواحد ونحو ذلك (مما لا يبطل منفعته) لكبرها وسعتها.
(6): بحيث تصير البئر لأحدهما، والأرض لآخر.
776

وفي دخول الدولاب والناعورة (7) في الشفعة، إذا بيع مع الأرض تردد، إذ ليس من
عادته أن ينقل. ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء في الشفعة، إلا على القول
بعموم الشفعة في المبيعات. ولا تثبت الشفعة في الثمرة، وإن بيعت على رؤوس النخل.
والشجر منضمة إلى الأصل والأرض (8).
وتثبت في الأرض المقسومة (9)، بالاشتراك في الطريق أو الشرب، إذا بيع معها. ولو
أفردت الأرض المقسومة بالبيع، لم تثبت الشفعة في الأرض وتثبت في الطريق أو الشرب،
إن كان واسعا يمكن قسمته. ولو باع عرصة مقسومة وشقصا من أخرى صفقة (10).
فالشفعة في الشقص خاصة بحصة من الثمن.
ويشترط (11) انتقال الشقص بالبيع، فلو جعله صداقا أو صدقة أو هبة أو صلحا،
فلا شفعة. ولو كانت الدار وقفا (12)، وبعضها طلقا فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليه
شفعة ولو كان واحد، لأنه ليس مالكا للرقبة على الخصوص. وقال المرتضى رحمه الله:
تثبت الشفعة.
الثاني
في الشفيع: وهو كل شريك بحصة مشاعة (13)، قادر على الثمن. ويشترط فيه
الإسلام، إذا كان المشتري مسلما. فلا تثبت الشفعة للجار بالجوار، ولا فيما قسم وميز،
إلا مع الشركة في طريقه أو نهره، وتثبت بين الشريكن.
وهل يثبت لما زاد عن شفيع (14) واحد؟ فيه أقوال: أحدهما نعم، وتثبت مطلقا على

(7): (الدولاب) مجموعة دلاء مترابطة يستخرج بها الماء (الناعورة) خشية تشد بدابة تديرها وهي مرتبطة بالدولاب (إذا بيع مع الأرض)
إشارة إلى أنه لا إشكال في عدم ثبوت الشفعة لو بيع منفردا وحده، بناء على عدم ثبوت الشفعة فيما ينقل.
(8): الأصل أي الشجر والنخل.
(9): اشترط المشهور للشفعة أن تكون الأرض مشتركة غير مفرزة حصة أحدهما عن الأخرى، فلو كانت مفرزة فباع أحدهما حصة لا تثبت
الشفعة للآخر، فلو باع حصته المفرزة من الأرض مع الطريق والشرب المشترك تثبت الشفعة في الجميع (الطريق) اصطلاحا يقال
للطريق المشترك إلى الدار أو البستان ونحوهما (والشرب) يقال للطريق المشترك إلى الماء.
(10): أي: في معاملة واحدة (بحصة من الثمن) نسبتها إلى الثمن المسمى كنسبة الحصة إلى الثمن السوقي.
(11): في تحقق حق الشفعة (طلقا) أي: ملكا طلقا، مقابل الوقف على شخص الذي هو ملك له ولكن لا يجوز له التصرف فيه مطلقا إلا
التصرف الخاص الذي عينه الواقف فليس ملكه مطلق.
(12): أي: بعضها وقفا وبعضها ملكا طلقا (ليس مالكا للرقبة) فالموقوف عليه هو ومن يأتي بعده، لا هو وحده.
(13): مقابل الحصة المفرزة (إذا كان المشتري مسلما) لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا).
(14): أي: شريك، كما لو كانت الدار لثلاثة أشخاص فباع أحدهم حصة هل يحق للشريكين الأخذ بالشفعة (على عدد الرؤوس)
أي: عدد الشركاء، فلكل شريك حق كامل للأخذ بالشفعة (مع الكثرة) أي: تعدد الشركاء.
777

عدد الرؤوس. والثاني تثبت في الأرض مع الكثرة، ولا تثبت في العبد إلا للواحد.
والثالث لا تثبت في شئ، مع الزيادة عن الواحد، وهو أظهر.
وتبطل الشفعة: بعجز الشفيع عن الثمن، وبالمماطلة (15)، وكذا لو هرب. ولو
ادعى غيبة الثمن، أجل ثلاثة أيام. فإن لم يحضره، بطلت شفعته. فإن ذكر أن المال في
بلد آخر. أجل بمقدار وصوله إليه وزيادة ثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.
وتثبت للغائب والسفيه (16)، وكذا للمجنون والصبي، ويتولى الأخذ وليهما مع
الغبطة. ولو ترك الولي المطالبة. فبلغ الصبي أو أفاق المجنون فله الأخذ، لأن التأخير
لعذر. وإن لم يكن في الأخذ غبطة، فأخذ المولى لم يصح.
وتثبت الشفعة للكافر على مثله، ولا تثبت له على المسلم (17)، ولو اشتراه من ذمي.
وتثبت للمسلم على المسلم والكافر.
وإذا باع الأب أو الجد عن اليتيم، شقصه المشترك معه (18)، جاز أن يشفعه وترتفع
التهمة، لأنه لا يزيد عن بيع ماله من نفسه. وهل ذلك للوصي؟ قال الشيخ: لا، لمكان
التهمة. ولو قيل بالجواز، كان أشبه كالوكيل (19).
وللمكاتب الأخذ بالشفعة، ولا اعتراض لمولاه.
ولو أبتاع العامل في القراض شقصا (20)، وصاحب المال شفيعه، فقد ملكه بالشراء

(15): العجز: هو عدم تمكنه من أداء الثمن (المماطلة) تأخير إعطائه الثمن مع تمكنه وقدرته على الاعطاء (غيبة الثمن) أي: قال عندي
مال ولكنه غائب في مكان آخر حتى يأتي المال (ما لم يتضرر المشتري) كما لو قال عندي مال في بلاد الحرب ولا يمكن تحصيله إلا بعد
سنوات مثلا، فإنه ضرر على المشتري إن يصبر على ماله سنوات.
(16): فإذا كان شريك غائبا، أو سفيها فباع شريكه الآخر حصته كان لهما حق الشفعة متى علما بالبيع (مع الغبطة) أي: المصلحة
للمجنون والصبي في الأخذ بالشفعة (لم يصح) أي: لا يبطل بيع الشريك حصته حينئذ.
(17): كقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (من ذمي) أي: ولو كان الشريكان كافرين فاشترى المسلم من الكافر
الذمي.
(18): الشقص يعني الحصة، أي: إذا كان الأب أو الجد شريكا مع الصبي في أرض، فباع الأب أو الجد حصة الصبي لثالث، ثم هو
أخذ تلك الحصة بالشفعة، صح، ولا يتهم بأن البيع لم يكن لمصلحة الصبي (بيع ماله من نفسه) أي: بيع الأب أو الجد مال
الصبي لنفسه.
(19): أي: كما أن الوكيل في بيع شئ يجوز له أن يبيعه لنفسه، فكذلك الوصي (وللمكاتب) هو العبد الذي قرر معه مولاه على أن يتجر
ويدفع كذا من المال ليتحرر، فلو اشترى المكاتب أرض مشتركا مع شخص، فباع ذلك الشخص حصته جاز للمكاتب الأخذ
بالشفعة، ولا حق لمولاه في منعه.
(20): ابتاع اشترى، القراض: المضاربة، شقصا: حصة، شفيعه: شريكه، يعني: لو عمل زيد مع عمرو عقد المضاربة على أن
يكون المال من عمرو والتجارة من زيد والربح يقسم بينهما، فاشترى زيد بمال عمرو أرضا من شخص كان عمرو شريكه فيها، فلا
يحتاج عمرو إلى الأخذ بالشفعة، بل بمجرد الشراء تكون الحصة له لأنها مشتراة بماله، وليس لزيد - العامل - أن يقرض على عمرو -
المالك - إذا لم يظهر ربح في الأرض، لأن للمالك الحق في فسخ المضاربة متى شاء وإنما للعامل أن يطالب بأجرة عمله عند فسخ المالك
(نعم) إذا ظهر ربح في الأرض كان لزيد - العامل - الحق في الاعتراض وأخذ حصته من الربح.
778

لا بالشفعة. ولا اعتراض للعامل، إن لم يكن ظهر فيه ربح، وله المطالبة بأجرة عمله.
فروع: على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء وهي عشر:
الأول: لو كان الشفعاء أربعة، فباع أحدهما وعفى آخر، فللأخرين أخذ المبيع.
ولو اقتصرا في الأخذ على حقهما لم يكن لهما (21)، لأن الشفعة لإزالة الضرر، وبأخذ البعض
يتأكد. ولو كان الشفعاء غيبا فالشفعة لهم. فإذا حضر واحد وطالب، فأما أن يأخذ الجميع
أو يترك، لأنه لا شفيع الآن غيره ولو حضر آخر، أخذ من الآخر النصف أو ترك فإن حضر
الثالث، أخذ الثلث أو ترك. وإن حضر الرابع، أخذ الربع أو ترك (22).
الثاني: لو امتنع الحاضر أو عفى، لم تبطل الشفعة، وكان للغائب أخذ الجميع.
وكذا لو امتنع ثلاثة أو عفوا، كانت الشفعة بأجمعها للرابع إن شاء.
الثالث: إذا حضر أحد الشركاء فأخذ بالشفعة وقاسم (23)، ثم حضر الآخر
فطالب، فسخ القسمة وشارك الأول. وكذا لو رده الشفيع الأول بعيب ثم، حضر
الآخر، كان له الأخذ لأن الرد كالعفو.
الرابع: لو استغلها الأول (24)، ثم حضر الثاني، شاركه في الشقص دون الغلة.
الخامس: ولو قال الحاضر لا آخذ حتى يحضر الغائب، لم تبطل شفعته لأن التأخير
لغرض لا يتضمن الترك وفيه تردد (25).

(21): إذ يجب أما أخذ كل المبيع أو ترك الكل (حقهما) أي: ثلثي المبيع (يتأكد) ضرر الشريك الجديد، أو يتأكد الضرر على البائع،
لأن للمشتري خيار ينقص الصفقة فيرد المبيع على البائع، وقد أخذا هذان الشريكان ثلثيه وبقي في يده ثلثه، فلعل من لا يرغب في
هذا المقدار القليل.
(22): هذا المثال مبني على أن يكون الشركاء خمسة، باع أحدهم حصته. والمثال السابق مبني على أن الشركاء أربعة باع أحدهم حصته، وعفى
آخر، وأخذ بالشفعة الآخران.
(23): مثاله: محمد وعلي وحسن وحسين شركاء في دار، محمد غائب، علي باع حصته فأخذ حسن بالشفعة وقسم حصته مع حسين،
وحسين عفى يعني جعل الحسن لحصته حدودا مع حسين، ثم جاء محمد وأخذ بالشفعة فسخ تلك القسمة بين حسن وحسين.
(24): في الجواهر: أي: ظهرت الثمرة بعد الأخذ بالشفعة ظهورا تخرج به عن تبعية الأصل (دون الغلة) أي: دون الثمرة، لأن
الثمرة وجدت في ملك الأول.
(25): وجهة الإجماع المحكي على الفورية التي قد ينافها التأخير الاختياري مثل هذا.
779

السادس: لو أخذ الحاضر ودفع الثمن، ثم حضر الغائب فشاركه ودفع إليه النصف
مما دفع إلى البائع، ثم خرج الشقص مستحقا (26)، وكان دركه على المشتري دون الشفيع
الأول، لأنه كالنائب عنه في الأخذ.
السابع: لو كانت الدار بين ثلاثة، فباع أحدهم من شريكه، استحق الشفعة
الثالث دون المشتري لأنه لا يستحق شيئا على نفسه وقيل: يكون بينهما، ولعله أقرب.
الثامن: لو باع اثنان من ثلاثة صفقة (27)، فللشفيع أخذ الجميع، وأن يأخذ من
اثنين ومن واحد، لأن هذه الصفقة بمنزلة عقود متعددة ولو كان البائع واحدا من اثنين، كان
له أن يأخذ منهما ومن أحدهما. ولو باع اثنان من اثنين، كان ذلك بمنزلة عقود أربعة،
فللشفيع أن يأخذ الكل، وأن يعفو، وأن يأخذ الرابع أو النصف أو ثلاثة الأرباع. وليس
لبعضهم (28) مع الشفيع شفعة، لانتقال الملك إليهم دفعة فيتساوى الآخذ والمأخوذ منه ولو
باع الشريك حصته من ثلاثة، في عقود متعاقبة، فله أن يأخذ الكل، وأن يعفو، وأن
يأخذ من البعض فإن أخذ من الأول، يشاركه الثاني والثالث (29). وكذا لو أخذ من الأول والثاني
لم يشاركه الثالث ولو عفى عن الأول أخذ من الثاني، شاركه الأول والثاني لاستقرار ملكهما بالعفو (30).
التاسع: لو باع أحد الحاضرين شيئا ولهما شريكان غائبان، فالحاضر هو الشفيع في
الحال إذ ليس غيره. فإذا أخذ وقدم أحد الغائبين، شارك فيما أخذ الحاضر بالسوية. ولو
قدم الآخر، شاركهما فيما أخذاه، فيكون له ثلث ما حصل لكل واحد منهما.
العاشر: لو كانت الدار بين أخوين، فمات أحدهما وورثه ابنان، فباع أحد
الوارثين، كانت الشفعة بين العم وابن الأخ، لتساويهما في الاستحقاق (31). وكذا لو كان
وارث الميت جماعة.

(26): أي: تبين كون الحصة التي أخذها الغائب هي ملك للغير (دركه) أي: خسارته وضمانه (على المشتري) أي: الغائب الذي
حضر وأخذ من الشريك الأول (لأنه) أي: الشريك الأول.
(27): أي: باع اثنان من الشركاء حصتيهما إلى ثلاثة أشخاص في بيع واحد (واحدا من اثنين) أي: أحد الشركاء باع حصته لشخصين.
(28): أي: للاثنين اللذين اشتريا من الشركاء (متعاقبة) أي: جعل حصته ثلاثة أقسام وباع كل قسم منها لشخص في عقود بعضها عقب
بعض لا مع بعض.
(29): لأنهما لم يكونا شركاء للأول عندما ملك الأول وحق للشفيع للأول بالشفعة منه.
(30): قوله شاركت الأول: لأن الأول كان شريكا للثاني عندما ملك الثاني وحق للشفيع لأن بالشفعة منه.
قوله بالعفو: أي: بعفو الشفيع الأول والثاني عند شرائهما وعدم أخذه منهما بالشفعة.
(31): أي: لاشتراكهما في الملك (جماعة) إذ على القول بتعدد الشركاء لا فرق بين الواحد وجماعة.
780

المقصد الثالث
في كيفية الأخذ: ويستحق الشفيع الأخذ بالعقد وانقضاء الخيار (32)، لأنه وقت
اللزوم، وقيل: بنفس العقد وإن لم ينقض الخيار، بناء على أن الانتقال يحصل بالعقد،
وهو أشبه. أما لو كان الخيار للمشتري خاصة، فإنه يستحق بنفس العقد، لتحقق
الانتقال.
وليس للشفيع تبعيض حقه، بل يأخذ الجميع أو يدع، ويأخذ بالثمن الذي وقع
عليه العقد، وإن كانت قيمة الشقص أكثر أو أقل. ولا يلزمه ما يغرم المشتري من
دلالة، أو وكالة، أو غير ذلك من المؤن (33).
ولو زاد المشتري في الثمن بعد العقد وانقضاء الخيار، لم يلحق الزيادة، بل كانت
هبة، ولا يجب على الشفيع دفعها. ولو كانت الزيادة في زمان الخيار، قال الشيخ:
يلحق بالعقد، لأنها بمنزلة ما يفعل في العقد، وهو يشكل على القول بانتقال الملك
بالعقد. وكذا لو حط البائع من الثمن، لم يلحق بالعقد (34).
ولا يلزم المشتري دفع الشقص، ما لم يبذل الشفيع الثمن الذي وقع عليه العقد.
ولو اشترى شقصا عرضا في صفقة، أخذ الشقص بحصة من الثمن. ولا يثبت بذلك
للمشتري خيار (35)، لأن استحقاق الشفعة تجدد في ملك المشتري، ويدفع الشفيع مثل
الثمن إن كان مثليا، كالذهب والفضة وإن لم يكن له مثل، كالحيوان والثوب والجوهر،
قيل: يسقط تعذر المثلية، ولرواية علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل:
يأخذها بقيمة العرض وقت العقد، وهو أشبه.
وإذا علم بالشفعة، فله المطالبة في الحال، فإن أخر لعذر عن مباشرة الطلب وعن
التوكيل فيه (36)، لم تبطل شفعته. وكذا لو ترك لتوهمه كثرة الثمن فبان قليلا، أو لتوهم

(32): أي: تمام مدة كل الخيارات التي للبائع أو للمشتري أو لكليهما، كخيار المجلس، وخيار الحيوان، وخيار الشرط، وخيار الرؤية
وغيرها (للمشتري خاصة) كخيار الرؤية، وخيار الحيوان على أحد القولين، وخيار الشرط على أن يكون للمشتري فقط ونحوها
(33): جمع مؤنة، وهي المصروفات التي صرفها لأجل الشراء غير نفس القيمة.
(34): فلو اشتراه بألف ثم بعد انقضاء مدة الخيارات رأى المشتري قلة القيمة فدفع إليه ألفا ومئة، فليس على الشفيع الألف فقط، ولذا لو
رأى البائع كثرة القيمة فأخذ من المشتري تسعمئة فقط فعلى الشفيع ألف لا تسعمئة وهكذا.
(35): أي: خيار تبعض الصفقة (والجواهر) يعني: المعادن الكريمة والمعادن الكريمة كالألماس والعقيق والفيروزج ونحوها.
(36): بأن يؤكل شخصا في الأخذ بالشفعة كما لو كان في بلد آخر، أو كان مسجونا أو مريضا فيؤكل شخصا في ذلك (محبوسا) أما لو كان
قادرا على أداء الحق والخروج عن السجن والأخذ بالشفعة فلم يفعل فقد أخر الأخذ بالشفعة اختيارا لأن ما بالاختيار لا ينافي
الاختيار.
781

الثمن ذهبا فبان فضة، أو حيوانا فبان قماشا وكذا لو كان محبوسا لحق هو عاجز عنه،
وعجز عن الوكالة.
وتجب المبادرة إلى المطالبة عند العلم، لكن على ما جرت العادة به غير متجاوز
عادته في مشيه. ولو كان متشاغلا بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها، وجاز
الصبر حتى يتمها. وكذا لو دخل عليه وقت الصلاة، صبر حتى يتطهر ويصلي
متأيدا (37). ولو علم بالشفعة مسافرا، فإن قدر على السعي أو التوكيل فأهمل، بطلت
شفعته. ولو عجز عنهما لم يسقط وإن لم يشهد بالمطالبة.
ولا تسقط الشفعة بتقايل المتبايعين (38)، لأن الاستحقاق حصل بالعقد فليس
للمتبايعين إسقاطه، والدرك باق على المشتري. نعم، لو رضي بالبيع ثم تقابلا، لم
يكن له شفعة، لأنها فسخ وليست بيعا. ولو باع المشتري، كان للشفيع فسخ البيع،
والأخذ من المشتري الأول، وله أن يأخذ من الثاني. وكذا لو وقفه المشتري، أو جعله
مسجدا، فللشفيع إزالة ذلك كله، وأخذه بالشفعة.
والشفيع يأخذ من المشتري، ودركه عليه (39)، ولا يأخذ من البائع. لكن لو
طالب والشقص في يد البائع، قيل له: خذ من البائع أو دع. ولا يكلف المشتري
القبض من البائع مع امتناعه، وإن التمس ذلك الشفيع. ويقوم قبض الشفيع مقام
قبضه، ويكون الدرك مع ذلك على المشتري.
وليس للشفيع فسخ البيع (40). ولو نوى الفسخ والأخذ من البائع، لم يصح.
ولو انهدم المبيع أو عاب، فإن كان بغير فعل المشتري (41)، أو بفعله قبل مطالبة
الشفيع فهو بالخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك والأنقاض للشفيع باقية، كانت في

(37): أي: متوانيا غير مستعجل (على السعي) أي: الحضور إلى البلد (وإن لم يشهد) أي: لم يتخذ شهودا ولم يعلمهم بأني مطالب
بالحق.
(38): أي: بإبطال البيع اختيارا منهما بعد لزومه (والدرك) أي: التلف والنقص الواردين على المبيع (لأنها) أي: الشفعة (فسخ) فما
دام لم يقع بعد البيع فلا معنى لفسخه.
(39): أي: كل نقص أو تلف للمبيع فهو على المشتري (مع امتناعه) أي: امتناع المشتري من قبض المبيع من البائع (مقام قبضه) أي:
قبض الشفيع من البائع يكون بحكم قبض المشتري، فله أحكام قبض المشتري.
(40): إذ الشفيع لم يكن طرفا في العقد حتى يحق له فسخه.
(41): بل بآفة سماوية ونحوها سواء قبل مطالبة الشفيع أو بعدها (والأنقاض) أي الآلات.
782

المبيع أو منقولة عنه. لأن لها نصيبا من الثمن. وإن كان العيب بفعل المشتري بعد
المطالبة، ضمنها المشتري، وقيل: لا يضمنها، لأنه لا يملك بنفس المطالبة بل بالأخذ،
والأول أشبه.
لو غرس المشتري أو بنى، فطالب الشفيع بحقه (42)، فإن رضي المشتري بقلع
غراسه أو بنائه فله ذلك، ولا يجب إصلاح الأرض، وللشفيع أن يأخذ بكل الثمن أو
يدع.
وإن امتنع المشتري من الإزالة، كان الشفيع مخيرا بين إزالته ودفع الأرش (43) وبين
بذل قيمة الغراس والبناء، ويكون له مع رضا المشتري، وبين النزول عن الشفعة.
وإذا زاد ما يدخل في الشفعة تبعا، كالودي (44) المبتاع مع الأرض فيصير نخلة، أو
الغرس من الشجرة يعظم، فالزيادة للشفيع. أما النماء المنفصل، كسكنى الدار وثمرة
النخل، فهو للمشتري. ولو حمل النخل (45) بعد الابتياع، وأخذ الشفيع قبل التأبير،
قال الشيخ رحمه الله: الطلع للشفيع لأنه بحكم السعف، والأشبه اختصاص هذا
الحكم بالبيع.
ولو باع شقصين (46) من دارين، فإن كان الشفيع واحدا، فأخذ منهما أو ترك،
جاز وكذا إن أخذ من أحدهما، وعفى عن شفعته من الأخرى. وليس كذلك لو عفى
عن بعض شفعته من الدار الواحدة (47). ولو بان الثمن مستحقا، فإن كان الشراء
بالعين، فلا شفعة لتحقق البطلان. وإن كان في الذمة، تثبت الشفعة، لثبوت
الابتياع. ولو دفع الشفيع الثمن، فبان مستحقا، لم تبطل شفعته على التقديرين.

(42): أي: أخذ بالشفعة.
(43): أي: دفع خسارة الزرع والبناء للمشتري (ويكون له) أي: إن رضي المشتري يكون الزرع والبناء للشفيع.
(44): الفسيل يعني النخلة الصغيرة (كسكنى الدار وثمرة النخل) بأن اشترى وسكن الدار سنة وأكل ثمرة نخيلها ثم جاء الشفيع وأخذ
بالشفعة، فليس على المشتري إعطاؤه أجرة الدار وقيمة الثمر.
(45): أي: صار ذا طلع (والتأبير) هو وضع طلع الفحل في طلع الأنثى ليصير ثمرا ناضجا (اختصاص) يعني: ليس هذا الحكم في
الشفعة، بل في البيع، بمعنى إن من باع نخلا فيه طلع فالطلع يدخل في البيع تبعا.
(46): أي: حصتين، بأن كانت داران، زيد وعمرو فيهما شريكان، فباع زيد حصته منهما.
(47): لأنه إما يأخذ بالشفعة أو يترك (البطلان) أي: بطلان البيع (في الذمة) بأنه اشترى المشتري دينا ثم دفع من ثمن مستحق للغير،
فإنه لا يتعين للثمنية بمجرد دفعه عن ذمته، فيصح البيع، وتيقن ذمة المشتري مشغولة للبائع، وتصح الشفعة، ويبطل إعطاء الثمن
المستحق المعين (على التقديرين) يعني: سواء أخذ الشفيع بثمن معين، أو في الذمة، بأن قال الشفيع: أخذت الحصة بالشفعة
بهذه الدنانير فبانت مستحقة، أو قال: بعشرة دنانير، ثم أعطى عشرة مستحقة.
783

ولو ظهر في المبيع عيب، فأخذ المشتري أرشه، أخذه الشفيع بما بعد الأرش (48).
وإن أمسكه المشتري معيبا، ولم يطالب بالأرش أخذه الشفيع بالثمن أو ترك.
مسائل ست:
الأولى: لو قال: اشتريت النصف بمئة فترك (49)، ثم بان أنه اشترى الربع
بخمسين، لم تبطل الشفعة. وكذا لو قال: اشتريت الربع بخمسين فترك، ثم بان أنه
اشترى النصف بمئة، لم تبطل شفعته، لأنه قد لا يكون معه الثمن الزائد، وقد لا
يرغب في المبيع الناقص.
الثانية: إذا بلغه البيع فقال: أخذت بالشفعة، فإن كان عالما بالثمن صح، وإن
كان جاهلا لم يصح. وكذا لو قال: أخذت بالثمن بالغا ما بلغ، لم يصح مع الجهالة
تفصيا (50) من الغرر.
الثالثة: يجب تسليم الثمن أولا، فإن امتنع الشفيع، لم يجب على المشتري التسليم
حتى يقبض.
الرابعة: لو بلغة أن المشتري اثنان، فترك فبان واحدا، أو واحد فبان اثنين، أو
بلغه أنه اشترى لنفسه فبان لغيره، أو بالعكس، لم تبطل الشفعة لاختلاف الغرض في ذلك.
الخامسة: إذا كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته (51)، فالشفيع بالخيار بين
الأخذ بالشفعة في الحال، وبين الصبر حتى يحصد، لأن له في ذلك غرضا، وهو الانتفاع
بالمال، وتعذر الانتفاع بالأرض المشغولة، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة، تردد.
السادسة: إذا سأل البائع من الشفيع الإقالة فأقاله، لم يصح. لأنها إنما تصح من
المتعاقدين. (52)

(48): أي: بنقص الأرش عن أصل القيمة، فلو كان المشتري اشتراه بعشرة ثم أخذ أرشا ثلاثة، أخذ الشفيع بسبعة (بالثمن) أي إذا لم
يأخذ المشتري ثلاثة الأرش أخذه الشفيع بعشرة أو ترك الأخذ بالشفعة.
(49): أي: فترك الشفيع الأخذ بالشفعة لأنه ما أراد النصف بمئة (لم تبطل الشفعة) بل له الحق في أن يأخذ بالشفعة الربع بخمسين، لأن
تركه للنصف ليس معناه تركه للربع أيضا، وكذا العكس (لا يكون معه) أي: ليس عنده.
(50): أي: ابتعادا من الضرر والجهالة.
(51): يجب وصف لزرع، بأن كان الوجوب بشرط في ضمن عقد أو نحو ذلك (في ذلك) أي: تأخير الأخذ بالشفعة (تردد) لاحتمال
فورية الأخذ بالشفعة حتى في فعل الأرض المشغولة المسلوبة الانتفاع.
(52): والشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع، والمتعاقدان البائع والمشتري.
784

المقصد الرابع
في لواحق الأخذ بالشفعة وفيه مسائل:
الأولى: إذا اشترى بثمن مؤجل، قال في المبسوط: للشفيع أخذه بالثمن عاجلا
وله التأخير (53) وأخذه بالثمن في محله، وفي النهاية يأخذه عاجلا ويكون الثمن عليه (54)
ويلزم كفيلا بالمال إن لم يكن مليا وهو أشبه.
الثانية قال المفيد والمرتضى قدس الله روحهما: الشفعة تورث وقال الشيخ رحمه
الله: لا تورث تعويلا على رواية طلحة بن زيد وهو بتري (55)، والأول أشبه، تمسكا
بعموم الآية.
الثالثة: وهي تورث كالمال (56)، فلو ترك زوجة وولدا، فللزوجة الثمن وللولد
الباقي. ولو عفا أحد الوراث عن نصيبه لم يسقط، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع،
وفيه تردد ضعيف.
الرابعة: إذا باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة، قال الشيخ: سقطت
شفعته، لأن الاستحقاق بسبب النصيب. أما لو باع قبل العلم لم تسقط، لأن
الاستحقاق سابق على البيع. ولو قيل: ليس له الأخذ في الصورتين، كان حسنا.
تفريع: على قوله (57) رحمه الله: لو باع الشريك وشرط الخيار للمشتري، ثم

(53): أي: تأخير الأخذ بالشفعة (من محله) أي: بعد تمام الأجل.
(54): أي: فيدفعه مؤجلا (مليا) أي: غنيا، إذ لو لم يكن غنيا أمكن أن لا يقدر على المال عند حلول الأجل، وشرعا يجب الانتظار
بالمعسر إلى يساره، فتخلصا من ذلك يلزم الكفيل.
(55): قال في مجمع البحرين: (والتبرية بضم الموحدة والسكون فرق من الزيدية (قيل) بسند إلى المغيرة بن سعد ولقبه الأبتر (وقيل)
التبرية هم أصحاب كثير التوا السجن بن أبي صالح وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل وأبي المقدام ثابت الجواد وهم
الذين دعوا إلى ولاية علي فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهم الإمامة ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ويرون الخروج
مع ولد علي عليه السلام (بعموم الآية) أي: آية الإرث كقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) الخ
وغيره من آيات الإرث فكل ما للميت من حق يقتضي أن يرثه ورثته إلا ما خرج بدليل خاص.
(56): أي: يكون إرث الشفعة في التقسيم كإرث المال (فللزوجة الثمن وللولد الباقي) فلو أخذ بالشفعة كان ثمنه للزوجة بثمن الثمن،
وللولد سبعة أثمان بسبعة أثمان الثمن (تردد ضعيف) أي: وجه التردد ضعيف، وهو لو أن المورث كان يأخذ بعض حصة الشريك
لم يكن له الأخذ بالشفعة، كذلك الحكم لو أخذ بعض الورثة بالشفعة وترك بعض آخر منهم، ووجه ضعفه هو أنهم كالشركاء
المتعددين الذين إذا عفى بعضهم لم يسقط حتى الآخرين.
(57): أي: قول الشيخ الطوسي في المسألة الرابعة الآنفة (ثم باع الشفيع) أي الشريك الآخر فصار المشتريان هما الشريكين (تحقق
بالعقد) فالمالك هو المشتري الأول، لا البائع وحتى الشفعة للمالك الشريك (بانقضاء الخيار) لأن قبله - على هذا القول - الملك
للبائع.
785

باع الشفيع نصيبه. قال الشيخ: الشفعة للمشتري الأول، لأن الانتقال تحقق بالعقد.
ولو كان الخيار للبائع أولهما. فالشفعة للبائع الأول، بناء على أن الانتقال لا يحصل إلا
بانقضاء الخيار.
الخامسة: لو باع شقصا في مرض الموت من وارث وحابى (58) فيه، فإن خرج من
الثلث صح، وكان للشريك أخذه بالشفعة. وإن لم يخرج صح منه ما قابل الثمن، وما
يحتمله الثلث من المحاباة إن لم تجز الورثة، وقيل: يمضي في الجميع من الأصل.
ويأخذه الشفيع بناء على أن منجزات المريض ماضية من الأصل.
السادسة: إذا صالح الشفيع على ترك الشفعة (59) صح وبطلت الشفعة لأنه حق
مالي فينفذ فيه الصلح.
السابعة: إذا تبايعا شقصا (60)، فضمن الشفيع الدرك عن البائع أو عن المشتري،
أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع، لم يسقط بذلك الشفعة. وكذا لو كان وكيلا لأحدهما،
وفيه تردد، لما فيه من إمارة الرضا بالبيع.
الثامنة: إذا أخذ بالشفعة فوجد فيه عيبا سابقا على البيع، فإن كان الشفيع
والمشتري عالمين فلا خيار لأحدهما (61). وإن كانا جاهلين، فإن رده الشفيع، كان المشتري
بالخيار في الرد والأرش. وإن اختار الأخذ (62) لم يكن للمشتري الفسخ لخروج الشقص
عن يده. قال الشيخ رحمه الله: وليس للمشتري المطالبة بالأرش. ولو قيل: له
الأرش، كان حسنا. وكذا (63) لو علم الشفيع بالعيب دون المشتري. ولو علم المشتري
دون الشفيع كان للشفيع الرد (64).

(58): المحاباة: هي البيع بأقل من ثمن المثل عمدا وعلما لا غبنا وغفلة (فإن خرج من الثلث) كله يعني: كان كل الثمن أقل من الثلث
(إن لم تجز الورثة) وإن أجاز الورثة فصح الجميع (من الأصل) يعني: لا من خصوص الثلث.
(59): مثاله: زيد وعمرو شريكان في أرض، فأراد محمد شراء حصة عمرو، وصالح مع زيد بأن يعطيه مئة دينار على أن لا يأخذ
بالشفعة.
(60): أي: باع الشريك لشخص حصته، فالشريك الآخر صار ضامنا من قبل البائع للمشتري أي نقص في المبيع أو من قبل المشتري
للبائع أي نقص في الثمن (لم يسقط) لأن ذلك ليس معناه الاعفاء عن الأخذ بالشفعة.
(61): لا للشفيع الخيار ليرد على المشتري، ولا للمشتري الخيار ليرد على البائع، لأن خيار العيب إنما هو للجاهل بالعيب.
(62): يعني: اختار الشفيع عدم الرد بسبب العيب.
(63): فليس للمشتري المطالبة بالأرش، ولو قيل له الأرش كان حسنا.
(64): على المشتري لأن الشفيع جاهل بالعيب، وليس للمشتري الرد على البائع لكونه عالما بالعيب.
786

التاسعة: إذا باع الشقص بعوض معين، لا مثل له (65) كالعبد فإن قلنا لا شفعة
فلا بحث. وإن أوجبنا الشفعة بالقيمة، فأخذ الشفيع وظهر في الثمن (66) عيب، كان
للبائع رده والمطالبة بقيمة الشقص، إذا لم يحدث عنده ما يمنع الرد. ولا يرتجع الشقص،
لأن الفسخ المتعقب للبيع الصحيح لا يبطل الشفعة. ولو عاد الشقص إلى المشتري بملك
مستأنف، كالهبة أو الميراث، لم يملك رده على البائع. ولو طلبه البائع، لم يجب على
المشتري إجابته، ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد هل يرجع
الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد، والأشبه لا، لأنه الثمن الذي اقتضاه العقد. ولو كان
الشقص في يد المشتري، فرد البائع الثمن بالعيب لم يملك منع الشفيع، لأن حقه
أسبق (67)، ويأخذه بقيمة الثمن، لأنه الذي اقتضاه العقد، وللبائع قيمة الشقص، وإن
زادت عن قيمة الثمن. ولو حدث عند البائع ما يمنع رد الثمن (68)، رجع بالأرش على
المشتري، ولا يرجع على الشفيع بالأرش، إن كان أخذه بقيمة العوض الصحيح.
العاشرة: لو كانت دار لحاضر وغائب، وحصة الغائب في يد آخر، فباع
الحصة (69) وادعى أن ذلك بإذن الغائب، قال في الخلاف تثبت الشفعة، ولعل المنع
أشبه، لأن الشفعة تابعة لثبوت البيع. فلو قضى بها وحضر الغائب، فإن صدقه فلا
بحث، وإن أنكر فالقول قوله (70) مع يمينه وينتزع الشقص وله أجرته، من حين قبضه إلى
حين رده، ويرجع بالأجرة على البائع إن شاء، لأنه سبب الاتلاف، أو على الشفيع لأنه
المباشر للاتلاف. فإن رجع على مدعي الوكالة (71)، لم يرجع الوكيل على الشفيع. وإن

(65): أي: ليس مثليا بل هو قيمي (لا شفعة) أي: لا يثبت حق الشفعة في العبد كما اختاره المصنف قدس سره في أول كتاب الشفعة عند
رقمي (4 - 5).
(66): أي ظهر في العبد عيب (ما يمنع الرد) من تصرفات في العبد على خلاف في نوع التصرف المانع من الرد، وقد مضى تفصيل الكلام
عنه في كتاب البيع خيار العيب (ولا يرتجع الشقص) بل يأخذ قيمته (مستأنف) أي: جديد (لم يملك رده) أي: لا يجوز للمشتري
إجبار البائع بأخذ نفس الشقص في هذه الحال.
(67): لثبوت حق الشفيع بمجرد عقد البيع كما مر عند رقم (32) حيث قال المصنف (وهو أشبه).
(68): وهو العبد لأجل التصرف فيه تصرفا مانعا عن الرد (بالأرش) أي: أخذ البائع من المشتري قيمة نقص العبد بالعيب (ولا يرجع
على الشفيع) يعني: المشتري لا يرجع على الشفيع ليأخذ منه الأرش الذي دفعه للبائع مقابل نقص العبد، هذا إذا كان المشتري قد
أخذ من الشفيع قيمة العبد الصحيح، أما إذا كان أخذ منه قيمته عبد معيب أخذ من الشفيع الأرش.
(69): فباع ذاك الآخر الوصي بيده حصة الغائب (لثبوت البيع) ولم يثبت بمجرد ادعاء إذن الغائب له في البيع (فلو قضى بها) أي:
بالشفعة على رأس الشيخ (ره) في الخلاف.
(70): أي: قول الغائب مالك الشقص (له أجرته) أي: للغائب أجرة شقصه.
(71): وهو من كان بيده حصة الغائب (لم يرجع الوكيل) لأنه سبب الضرر فعليه الضمان (وفيه قول آخر) محكي عن مبسوط الشيخ
الطوسي قده وهو رجوع الوكيل على الشفيع لأنه المباشر للاتلاف (هذا أشبه) يعني: عدم رجوع الوكيل عن الشفيع.
787

رجع على الشفيع، رجع الشفيع على الوكيل لأنه غره، وفيه قول آخر هذا أشبه. ولو
اشترى شقصا بمئة، ودفع إليه عرضا (72) يساوي عشرة، لزم الشفيع تسليم مئة أو يدع،
لأنه يأخذ بما تضمنه العقد.
ومن اللواحق البحث فيما تبطل به الشفعة:
وتبطل بترك المطالبة مع العلم وعدم العذر (73)، وقيل: لا تبطل إلا أن يصرح
بالإسقاط ولو تطاولت المدة، والأول أظهر. ولو نزل عن الشفعة قبل البيع (74)، لم تبطل
مع البيع، لأنه إسقاط ما لم يثبت، وفيه تردد. وكذا لو شهد على البيع، أو بارك
للمشتري أو للبائع، أو أذن للمشتري في الابتياع، فيه تردد، لأن ذلك ليس بأبلغ من
الإسقاط قبل البيع.
ولو بلغه البيع بما يمكن إثباته به، كالتواتر أو شهادة شاهدي عدل فلم يطالب وقال
لم أصدق، بطلت شفعته، ولم يقبل عذره.
ولو أخبره صبي أو فاسق لم تبطل وصدق (75). وكذا لو أخبره واحد عدل، لم
تبطل شفعته وقبل عذره، لأن الواحد ليس حجة.
ولو جهلا (76) قدر الثمن، بطلت الشفعة لتعذر تسليم الثمن. ولو كان المبيع في
بلد ناء فأخر المطالبة توقعا للوصول، بطلت الشفعة (77) ولو بان الثمن مستحقا، بطلت
الشفعة لبطلان العقد. وكذا لو تصادق الشفيع والمشتري غصبية الثمن، أو أقر الشفيع
بغصبيته، منع من المطالبة. وكذا لو تلف الثمن المتعين قبل قبضه، لتحقق البطلان على
تردد (78) في هذا.

(72): أي: متاعا (يساوي عشرة) صلحا، أو إبراء للباقي أو نحوهما.
(73): يعني: علم ببيع شريكه لحصته ولم يكن معذورا في ترك مطالبة الحصة بحيث لم يمكنه المطالبة من سفر، أو مرض أو حبس أو
نحوهما.
(74): أي: قال لا أريد الأخذ بالشفعة (وفيه تردد) لاحتمال سقوطه بالإسقاط قبل البيع (شهد على البيع) أي: صار شاهدا (أو
بارك) أي قال بيعكم مبارك (في الابتياع) يعني: في الشراء.
(75): يعني: يقبل قوله في إنه لم يصدق.
(76): الشفيع الأخذ بالشفعة والمشتري من الشفيع الآخر (قدر الثمن) لنسيان، أو كون البيع بواسطة وكيل أو ولي قد مات، أو نسي
ونحو ذلك (بلد ناء) أي: بعيد.
(77): لأن الأخذ بالشفعة القولي يجب فيه الفورية (بان الثمن) الذي اشترى به المشتري (لو تصادق) أي: اعترفا وإن كان اعترافهما لا
يبطل البيع لعدم نفوذه على البائع.
(78): وجه التردد احتمال صحة البيع وانتقال الثمن من المعين إلى مثله إن كان مثليا كالحنطة والأرز والسكر ونحوها وإلى قيمته إن كان قيميا
كالعقيق، والأرض، ونحوها.
788

ومن حيل الإسقاط: أن يبيع بزيادة عن الثمن، ويدفع بالثمن عوضا قليلا (79).
فإن أخذ الشفيع، لزمه الثمن الذي تضمنه العقد. وكذا لو باع بثمن زائد، فقبض
بعضا، وأبرأه من الباقي. وكذا لو نقل الشقص بغير البيع، كالهبة أو الصلح.
ولو ادعى عليه الابتياع (80)، فصدقه وقال: أنسيت الثمن، فالقول قوله مع
يمينه، فإذا حلفه بطلت الشفعة. أما لو قال: لم أعلم كمية الثمن، لم يكن جوابا
صحيحا، وكلف جوابا غيره. وقال الشيخ: ترد اليمين على الشفيع.
المقصد الخامس
في التنازع وفيه مسائل:
الأولى: إذا اختلفا (81) في الثمن ولا بينة، فالقول قول المشتري مع يمينه، لأنه
الذي ينتزع الشئ من يده. وإن أقام أحدهما بينة، قضي له. ولا تقبل شهادة البائع
لأحدهما (82). ولو أقام كل واحد منهما بينة، حكم ببينة المشتري، وفيه احتمال للقضاء
ببينة الشفيع لأنه الخارج. ولو كان الاختلاف بين المتبايعين (83)، ولأحدهما بينة حكم
بها. ولو كان لكل منهما بينة، قال الشيخ: الحكم فيها بالقرعة، وفيه إشكال،
لاختصاص القرعة بموضع اشتباه الحكم. ولا اشتباه مع الفتوى، بأن القول قول البائع
مع يمينه، مع بقاء السلعة، فتكون البينة بينة المشتري. وإذا قضي بالثمن (84)، تخير
الشفيع في الأخذ بذلك وفي الترك.
الثانية قال في الخلاف إذا ادعى (85) أنه باع نصيبه من أجنبي فأنكر الأجنبي،
قضي بالشفعة للشريك بظاهر الإقرار، وفيه تردد، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع،

(79): مثاله: باع الأرض التي قيمتها مئة بألف، ثم أخذ البائع عوضا عن الألف متاعا يساوي مئة.
(80): أي: ادعى الشفيع على شخص أنه اشترى حصة شريكه الآخر (ما لو قال) أي: المشتري (ترد اليمين) عندما يقول المشتري لم
أعلم الثمن (على الشفيع) فيحلف بأنه اشتراه بكذا وينفذ على المشتري.
(81): المشتري والشفيع فقال المشتري مثلا: اشتريته بمئة وقال الشفيع بل بخمسين.
(82): سواء وحده، منضما إلى شاهد آخر (بينة المشتري) لأنه داخل (لأنه الخارج) وخلاف في أن تعارض بينة الداخل والخارج
أيتهما تقدم.
(83): في قدر الثمن فقال البائع مثلا بعت أنا بمئة وقال المشتري بل بخمسين (بقاء السلعة) أي المبيع.
(84): سواء بصالح البائع أو المشتري (بذلك) الثمن.
(85): أحد الشريكين (من أجنبي) يعني: من ليس شريكا وكلمة الأجنبي لأن البيع إلى أحد الشركاء لا يستوجب حق الشفعة لبقية
الشركاء (ولعل الأول) وهو ثبوت حق الشفعة بإقرار الشريك البيع.
789

ولعل الأول أشبه.
الثالثة: إذا ادعى أن شريكه أبتاع بعده (86) فأنكر، فالقول قول المنكر مع يمينه، فإن حلف أنه
لا يستحق عليه شفعة جاز، ولا يكلف اليمين بأنه لم يشتر بعده. ولو قال كل منهما: أنا أسبق فلي
الشفعة فكل منهما مدع، ومع عدم البينة بحلف كل واحد منهما لصاحبه، ويثبت الدار بينهما (87). ولو
كان لأحدهما بينة بالشراء مطلقا لم يحكم بها إذ لا فائدة فيها ولو شهدت لأحدهما بالتقدم على صاحبه،
قضي بها. ولو كان لهما بينتان بالابتياع مطلقا، أو تاريخ واحد، فلا ترجيح. ولو شهدت بينة كل
واحد منهما بالتقدم، قيل: يستعمل القرعة، وقيل: سقطتا وبقي الملك على الشركة.
الرابعة: إذا ادعى الابتياع (88) وزعم الشريك إنه ورث، وأقاما بينة، قال الشيخ: يقرع
بينهما لتحقق التعارض. ولو ادعى الشريك الإيداع، قدمت بينة الشفيع، لأن الإيداع لا ينافي
الابتياع (89) ولو شهدت بابتياع مطلقا، وشهدت الأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تاريخ
متأخر، قال الشيخ: قدمت بينة الإيداع لأنها انفردت بالملك. ويكاتب المودع (90)، فإن صدق
قضي ببينته وسقطت الشفعة. وإن أنكر، قضي ببينة الشفيع. ولو شهدت بينة الشفيع (91)، أن
البائع باع ما هو ملكه، وشهدت بينة الإيداع مطلقا، قضي ببينة الشفيع ولم يراسل المودع، لأنه لا
معنى للمراسلة هنا.
الخامسة: إذا تصادق البائع والمشتري، إن الثمن غصب (92)، وأنكر الشفيع، فالقول قوله
ولا يمين عليه إلا أن يدعي عليه العلم.

(86): يعني قال محمد مثلا: إن عليا اشترى بعدما أنا اشتريت وصرت شريكا فلي حق الشفعة على علي (فأنكر) على ذلك.
(87): ويسقط حق الشفعة منهما (مطلقا) بدون قيد القبلية والبعدية (على الشركة) بينهما فلا شفعة لأحدهما على الآخر.
(88): مثلا اشترك زيد وعمرو في أرض فادعى زيد على عمرو أنك اشتريت حصة شريكي السابق وصرت أنت شريكا لي؟ فلي حق الشفعة
عليك، وقال عمرو، بل أني ورثت هذه الحصة ولم اشترها.
(89): في المسالك: لاحتمال أن يكون قد أودعه ثم باعه (مطلقا) أي: شهدت إحدى البينتين بالشراء تذكر البينة أن البائع باع ما هو ملك
له، بل شهدت بالبيع فقط في شهر رجب مثلا (فتأخر) وشهدت البينة الثانية: على أن المودع أودعه ما هو ملكه في شعبان (انفردت
بالملك) أي شهدت بالملك ولم تشهد بينة البيع بملكه للبائع.
(90): أي يكتب إليه إن لم يكن حاضرا.
(91): هذا عكس الفرع السابق، فبينة الإيداع مطلقة لا اسم للملك فيها، و بينة البيع زادت أن البائع باع ملكه (لا معنى للمراسلة)
لأن بينة الإيداع كانت مطلقة، لم تذكر الملك حتى يعيد المودع أو لا يصدق.
(92): يعني: كان ثمن البيع معينا وغصب حتى يبطل البيع فينتفي حق الشفعة (قوله) أي: قول الشفيع في إنكار الغصب وعدم بطلان
البيع فله حق الشفعة (يدعي) بصيغة المجهول (عليه) على الشفيع المنكر (العلم) بغصب الثمن المعين.
790

كتاب إحياء الموات
والنظر في أطراف أربعة
الأول
في الأرضين: وهي: إما عامرة (1)، وإما موات.
فالعامرة: ملك لمالكه، لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنه. وكذا ما به صلاح العامر،
كالطريق والشرب والقناة. ويستوي في ذلك، ما كان من بلاد الإسلام وما كان من بلاد
الشرك، غير أن ما كان من بلاد الإسلام لا يغنم، وما في بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه.
وأما الموات: هو الذي لا ينتفع به لعطلته، إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه،
أو لاستيجامه (2)، أو غير ذلك من موانع الانتفاع، فهو للإمام عليه السلام لا يملكه أحد وإن
أحياه، ما لم يأذن له الإمام.
وإذنه شرط، فمتى أذن، ملكه المحي له إذا كان مسلما، ولا يملكه الكافر. ولو قيل:
يملكه مع إذن الإمام عليه السلام، كان حسنا.
والأرض المفتوحة عنوة (3)، للمسلمين قاطبة، لا يملك أحد رقبتها، ولا يصح بيعها ولا
رهنها.
ولو ماتت لم يصح إحياؤها (4)، لأن المالك لها معروف، وهو المسلمون قاطبة.

كتاب إحياء الموات
(1): بالبناء، أو الزرع، أو الأشجار والنخيل أو المعامل والمصانع ونحو ذلك (والموات) ما كانت خالية من كل ذلك.
(2): أي: صيرورة الأرض أجمة، وهي ذات الشجر الكثير الملتف بعضه ببعض أو ذات القصب الكثير وتسمى ذلك كله ب‍ (الغابة) أو -
كما في الروضة - التي صارت محلا للسباع.
(3): بفتح العين: الغلبة والقوة والحرب، وفي المسالك: كمكة والشام وأكثر بلاد الإسلام (رقبتها) أي: عينها بل يملك الانتفاع منها
وغير الأرض لعامة المسلمين (ولا رهنها) لأنه لا بيع إلا في ملك، ولا رهن إلا في ملك. وكذا لا يصح كل ما يتوقف على الملك
كالهبة، والصدقة وغيرهما.
(4): إلا بإذن ولي المسلمين وهو الإمام عليه السلام، أو نائبه الخاص، أو العام هو الفقيه العادل.
791

وما كان مواتا في وقت الفتح، فهو للإمام عليه السلام. وكذا كل أرض لم يجر عليها
ملك لمسلم.
وكل أرض جرى عليها ملك لمسلم، فهي له أو لورثته بعده. وإن لم يكن لها مالك
معروف معين (5)، فهي للإمام عليه السلام. ولا يجوز إحياؤها إلا بإذنه. فلو بادر مبادر فأحياه بدون
إذنه. لم يملك. وإن كان الإمام عليه السلام غائبا (6)، كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها. فلو
تركها، فبادت آثارها، فأحياها غيره، ملكها.
ومع ظهور الإمام عليه السلام، يكون له رفع يده عنها.
وما هو بقرب العامر من الموات، يصح إحياؤه إذا لم يكن مرفقا للعامر، ولا حريما له (7).
ويشترط في التملك بالأحياء شروط خمسة:
الأول: أن لا يكون عليها يد لمسلم فإن ذلك يمنع من مباشرة الإحياء، لغير المتصرف.
الثاني: أن لا يكون حريما (8) لعامر كالطريق، والشرب، وحريم البئر، والعين
والحائط.
وحد الطريق: لمن ابتكر (9) ما يحتاج إليه في الأرض المباحة، خمس أذرع، وقيل: سبع
أذرع، فالثاني يتباعد هذا المقدار.
وحريم الشرب: بمقدار مطرح ترابه (10)، والمجاز على حافتيه ولو كان النهر في ملك
الغير (11)، فادعى الحريم، قضي به له مع يمينه، لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر، وفيه تردد.

(5): حتى ولو كان لها مالك ولكنه غير معين كالنبطية، أو غير معروف كآل خرنوب.
(6): كهذه الأيام التي هي سوداء بغيبته عليه الصلاة والسلام رزقنا الله تعالى رضاه ووفقنا للقائه والجهاد بين يديه.
(7): يأتي تفصيل البحث عن الحريم للعامر بعد قليل عند شروط الإحياء، والمرفق والحريم بمعنى واحد.
(8): حريم يعني: محترم، أي: لا يكون محترما من أجل مكان معمور عنده بحيث يحتاج ذاك المعمور إلى هذا (كالطريق) يعني طريق
مرور الناس (والشرب) يعني النهر والقناة ونحوهما.
(9): أي: ابتدأ عمارة أرض، ومقابله من اشترى دارا ملصقة بدار أخرى فليس للمشتري حريم أصلا (المباحة) ومقابلها الأرض غير
المباحة فمن ابتكر فيها شيئا فلا حريم له لعدم الحرمة لعمله (يتباعد) يعني: لو أحدث شخص بناء فعلى إنسان ثان يريد إحداث بناء
قريبا منه أن يتباعد بناؤه عن الأول بخمس أو سبع أذرع على الأقل لأجل الطريق.
(10): من الطرفين عندما يحتاج إلى كريه وإخراج ترابه (والمجاز) أي: عبور الناس.
(11): يعني: كان نهر لزيد في أرض لعمرو، فادعى زيد أن حريم النهر لنفسه لا لعمرو (الظاهر) أي: ظاهر كون النهر له أن حريمه أيضا
له (وفيه تردد) لأن هذا الظاهر منقوص بظاهر كون الأرض لعمرو أن كلها لعمرو حتى حريم نهر زيد.
792

وحريم البئر المعطن (12): أربعون ذراعا. وبئر الناضح: ستون. وللعين: ألف ذراع
في الأرض الرخوة (13)، وفي الصلبة خمسمائة ذراع، وقيل: حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول،
والأول أشهر.
وحريم الحائط (14) في المباح: مقدار مطرح ترابه، نظرا إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم
وقيل للدار: مقدار مطرح ترابها، ومصب مياهها ومسلك الدخول والخروج.
وكل ذلك إنما يثبت له حريم، إذا ابتكر في الموات. أما ما يعمل في الأملاك المعمورة،
فلا.
فرع: لو أحيا أرضا، وغرس في جانبها غرسا تبرز (15) أغصانه إلى المباح، أو تسرى
عروقه إليه، لم يكن لغيره إحياؤها. ولو حاول الإحياء، كان للغارس منعه.
الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا (16) للعبادة كعرفة ومنى والمشعر، فإن الشرع
دل على اختصاصها موطنا للعبادة فالتعرض لتملكها تفويت لتلك المصلحة أما لو عمر فيها ما لا
يضر، ولا يؤدي إلى ضيقها، عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير، لم امنع منه (17).
الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل (18) ولو كان مواتا خاليا من تحجير، كما أقطع
النبي - صلى الله عليه وآله - الدور، وأرضا بحضر موت، وحضر فرس الزبير فإنه يفيد
اختصاصا مانعا من المزاحمة، فلا يصح دفع (19) هذا الاختصاص بالأحياء.

(12): أي: البئر التي يسقي منها الماء لشرب الإبل، والموطن: محل جلوس الإبل عند الماء للشرب (أربعون) من جوانبها الأربعة،
فليس لأحد عمارتها أو زراعتها، ولا حفر بئر أو نهر فيها (الناضح) اسم للبعير الذي يستقى عليه الزرع أو لشرب الناس أو غسلها
ونحو ذلك، يعني: البئر التي يخرج منها الماء بسبب البعير لحاجات الإنسان.
(13): فليس لأحد إحداث غير ماء أخرى في هذه المسافة (لا يضر الثاني) أي: لا يصير الثاني سببا لقلة ماء الأول.
(14): أي: الدار، والبستان ونحوهما (في المباح) احترازا عن الأبنية المتجاورة فلا حريم لها كما مر هنا وسيأتي قريبا (مطرح ترابه) لو
استهدم، وكذا غير التراب من آلات البناء كالحجر والحديد والاسمنت والجص والشبابيك ونحو ذلك.
(15): أي: تبرز في المستقبل مع بقائها.
(16): أي: محل شعائر الله تعالى (كعرفة) وكذلك المساجد ومشاهد أهل البيت عليهم السلام ومقابر الأنبياء، بل لعله والأولياء والعلماء
المتقون إذا صارت الأخيرة مشعرا عرفا (فتأمل).
(17): كمن يبني دارا صغيرة في منى لنفسه فإنه يملكها على رأي المصنف، لكنه خلاف المشهور وتفصيل الكلام في الكتب المفصلة.
(18): أي: الإمام المعصوم عليه السلام أعطاها قطعة معينة لشخص (الدور) موضع بالمدينة أقطعه النبي (صلى الله عليه وآله) لعبد الله بن مسعود
(بحضرموت) اسم بلد في الحجاز، أقطع النبي (صلى الله عليه وآله) فيه أرضا لوائل بن حجر (وحضر فرس) أي: مقدار عدوه، فأجرى
الزبير فرسه حتى عجز ووقف فرمى الزبير بسوطه طلبا للزيادة فأعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) من حيث وقع السوط (وفي الجواهر) وأقطع
(صلى الله عليه وآله) بلال بن الحارث أرض العقيق. وفي المسالك: (الإقطاع المذكور لا يفيد الملك بل الاختصاص المانع لغيره من الإحياء).
(19): لأن كلا من النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام المعصوم (عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
793

الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير (20) فإن التحجير يفيد الأولوية. لا ملكا للرقبة.
وإن ملك به التصرف حتى لو هجم عليه من يروم الإحياء كان له منعه. ولو قاهره (21) فأحياها لم
يملكه.
والتحجير: هو أن ينصب عليها المروز، أو يحوطها بحائط. ولو اقتصر على
التحجير وأهمل العمارة، أجبره الإمام على أحد الأمرين، إما الإحياء وإما التخلية بينها وبين
غيره، ولو امتنع أخرجها السلطان (22) من يده، لئلا يعطلها.
ولو بادر إليها من أحياها لم يصح، ما لم يرفع السلطان يده، أو يأذن في الإحياء.
وللنبي صلى الله عليه وآله، أن يحمي (23) لنفسه ولغيره من المصالح كالحمى لنعم الصدقة. وكذا
عندنا لإمام الأصل. وليس لغيرهما من المسلمين، أن يحمي لنفسه. فلو أحياه محي لم يملكه، ما
دام الحمى مستمرا.
وما حماه النبي صلى الله عليه وآله، أو الإمام عليه السلام لمصلحة فزالت جاز
نقضه (24)، وقيل: ما يحميه النبي صلى الله عليه وآله خاصة، لا يجوز نقضه لأن حماه كالنص.
الطرف الثاني
في كيفية الإحياء: والمرجع فيه إلى العرف، لعدم التنصيص شرعا ولغة.
وقد عرف إنه ذا قصد سكنى أرض، فأحاط (25) ولو بخشب أو قصب أو سقف، مما يمكن
سكناه، سمي إحياء. وكذا لو قصد الحظيرة، فاقتصر على الحائط من دون السقف. وليس
تعليق الباب شرطا.

(20): هو وضع أحجار في أطراف أرض مقدمة للبناء أو الزرع أو نحوهما.
(21): أي: بالقهر والقوة أحيى شخص أرضا محجرة من شخص آخر لم يملكها المحيي (المروز) يعني: العلامات في أطراف الأرض
(22): أي: الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله لا السلطان الجائر.
(23): في المسالك: المراد بالحمى أن يحمي بقعة من الموات لمواشي بعينها ويمنع سائر الناس من الرعي فيها (لنعم الصدقة) أي: الزكاة،
وفي المسالك: (حمى النبي (صلى الله عليه وآله) البقيع بالنون لإبل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين في سبيل الله (قال) (وكان يجوز
ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لخاصة نفسه لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ولكنه لم يفعل) (لإمام الأصل) أي: الإمام المعصوم عليه
السلام لأنه بمنزلة النبي (صلى الله عليه وآله) في كل شئ سوى النبوة.
(24): كما لو حمى أرضا للصدقة فانتهت الصدقات.
(25): أي: بنى حائطا في أطراف تلك الأرض (الحظيرة) محل بيات الأغنام، أو جمع الأحطاب، أو تخزين الثمار ونحو ذلك، ويسمى
اليوم المخزن (مرز) هو جمع التراب حوله بحيث يكون فاصلا بين هذه الأرض وغيرها (والمسناة) تشبه المرز ولعلها تشمل ما كان من
الطين أو الحجر المبني وفي الجواهر: (المسناة نحو المرز وربما كانت أكثر ترابا منه).
794

ولو قصد الزراعة، كفى في تمليكها التحجير بمرز أو مسناة وسوق الماء إليها بساقية أو ما
شابهها. ولا يشترط حراثتها ولا زراعتها، لأن ذلك انتفاع كالسكنى.
ولو غرس أرضا فنبت فيها الغرس، وساق إليها الماء، تحقق الإحياء وكذا لو كانت مستأجمة (26)
فعضد شجرها أو أصلحها. وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة، وهيأها للعمارة، فإن العادة قاضية
بتسمية ذلك كله إحياءا، لأنه إخراجها بذلك إلى حد الانتفاع، الذي هو ضد الموت. ومن فقهائنا
الآن من يسمي التحجير إحياء، وهو بعيد.
الطرف الثالث
في المنافع المشتركة: وهي: الطرق، والمساجد، والوقوف المطلقة كالمدارس
والمساكن.
أما الطرق: ففائدتها الاستطراق. والناس فيها شرع (27)، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره،
إلا ما لا يفوت به منفعة الاستطراق، كالجلوس غير المضر بالمارة. وإذا قام بطل حقه. ولو عاد
بعد أن سبق إلى مقعده (28)، لم يكن له الدفع.
أما لو قام قبل استيفاء غرضه، لحاجة ينوي معها العود، قيل: كان أحق بمكانه.
ولو جلس للبيع أو الشراء، فالوجه المنع، إلا في المواضع المتسعة كالرحاب نظرا إلى
العادة. ولو كان كذلك، فقام ورحله باق، فهو أحق به. ولو رفعه ناويا للعود فعاد، قيل:
كان أحق به، لئلا يتفرق معاملوه فيستضر، وقيل: يبطل حقه، إذ لا سبب للاختصاص،
وهو أولى. وليس للسلطان أن يقطع ذلك، كما لا يجوز إحياؤه ولا تحجيره.
وأما المسجد: فمن سبق إلى مكان منه، فهو أحق به ما دام جالسا. فلو قام مفارقا (29)،
بطل حقه ولو عاد. وإن قام ناويا للعود، فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به وإلا كان مع غيره

(26): أي: كانت غابة من القصب الكثر أو الشجر الكثير الملتف (عضد) أي: قطع (وأصلحها) بطم الحفر، ونحو ذلك (الغالبة
أي: المستولية على الأرض (ومن فقهائنا) في الجواهر: هو شيخه ابن فما قدس سره.
(27): أي: متساوون لا تقدم لأحد على آخر.
(28): أي: قعد غيره مكانه (لحاجة) كما لو قام إلى الخلاء، أو شرب الماء ونحو ذلك (كالرحاب) أي: الساحات (ورحله) أي:
أدوات البيع والشراء (يقطع ذلك) أي: يخصص الطرق بشخص معين.
(29): أي: بدون قصد العود (ولو عاد) أي: حتى ولو عاد فلا حق له إذا كان غيره قد سبق إليه (رجله) كقرآنه، وكتب أدعيته وسجادته
وسبحته مترتبة ونحوها.
795

سواء. وقيل: إن قام لتجديد طهارة (30)، أو إزالة نجاسة وما أشبهه، لم يبطل حقه، ولو
استبق اثنان فتوافيا، فإن أمكن الاجتماع جاز، وإن تعاسرا أقرع بينهما.
أما المدارس والربط (31): فمن سكن بيتا ممن له السكنى، فهو أحق به وإن تطاولت
المدة (32)، ما لم يشترط الواقف أمدا، فيلزمه الخروج عند انقضائه. ولو اشترط مع السكنى
التشاغل بالعلم فأهمل ألزم الخروج. فإن استمر على الشرط لم يجز إزعاجه، وله أن يمنع من
يساكنه، ما دام متصفا بما به يستحق السكنى. ولو فارق لعذر (33)، قيل: هو أولى عند العود
وفيه تردد، ولعل الأقرب سقوط الأولوية.
الطرف الرابع
في المعادن الظاهرة: وهي التي لا تفتقر إلى إظهار، كالملح والنفط والقار، لا تملك
بالإحياء ولا يختص بها الحجر، وفي جواز إقطاع السلطان المعادن والمياه، تردد. وكذا في
اختصاص المقطع بها (34). ومن سبق إليها، فله أخذ حاجته. ولو تسابق اثنان، فالسابق
أولى. ولو توافيا، وأمكن أن يأخذ كل منهما بغيته في بحث، وإلا أقرع بينهما مع التعاسر،
وقيل: يقسم وهو حسن. ومن فقهائنا من يخص المعادن بالإمام عليه السلام، فهي عنده من
الأنفال. وعلى هذا لا يملك ما ظهر منهما وما بطن (35). ولو صح تملكها بالإحياء، لزم من قوله
اشتراط إذن الإمام. وكل ذلك لم يثبت. ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات، إذا حفر فيها
بئر، وسيق إليها الماء صار ملحا، صح تملكها بالإحياء، واختص بها المحجر. ولو أقطعها
الإمام، صح. والمعادن الباطنة، هي التي لا تظهر إلا بالعمل، كمعادن الذهب والفضة
والنحاس، فهي تملك بالإحياء. ويجوز للإمام إقطاعها قبل أن تملك. وحقيقة إحيائها أن يبلغ
نيلها (36). ولو حجرها، وهو أن يعمل فيها عملا لا يبلغ به نيلها، كان أحق بها ولم يملكها. ولو

(30): من الوضوء والتيمم وإعادة غسل مستحب إذا كان قد أحدث ونحو ذلك (إزالة نجاسته) عن المسجد، أو عن لباسه وبدنه عاف أو
غيره (فتوافيا) أي: وصلا معا.
(31): جمع رباط، لكتب وكتاب هي الخانات الموقوفة على النزال والغرباء والفقراء وأشباههم (بيتا) يقال بيت للحجرة التي على الأرض،
أو تحت الأرض، دون الحجرة التي في طابق علوي فإنها (غرفة).
(32): كمن يبقى في حجرة مدرسة عشر سنوات وعشرين وثلاثين (يساكنه) أي: يسكن معه في الحجرة، إذا كان الوقف مطلقا وغير
منصرف إلى المساكنة ولم يأمر بذلك المتولي الشرعي وإلا فلا.
(33): أي: ترك الحجرة لسفر، أو علاج، أو خوف ظالم ونحوها.
(34): أي: لو قطع السلطان العادل لشخص معدنا، (ونهر ماء أو عين، فهل يختص به فيه تردد للمصنف (توافيا) أي: وصلا من إلى
المعدن والماء (مع التعاسر) أي: التشاجر والنزاع.
(35): أي: كان معدنا ظاهرا كالملح، أو باطنا يحتاج إلى الاستخراج كالنفط آبار النفط.
(36): أي: يخرجها ويحوزها (عذرا) لإهماله الإتمام (أنظره) أمهله (زواله) العذر.
796

أهمل أجبر على إتمام العمل، أو رفع يده عنها. ولو ذكر عذرا، أنظره السلطان بقدر زواله، ثم
ألزمه أحد الأمرين.
فرع: لو أحيا أرضا، وظهر فيها معدن (37)، ملكه تبعا لها، لأنه من أجزائها.
وأما الماء فمن حفر بئرا في ملكه، أو مباح لتملكها (38)، فقد اختص بها كالمحجر. فإذا
بلغ الماء، فقد ملك البئر والماء، ولم يجز لغيره التخطي إليه، ولو أخذه منه أعاده ويجوز بيعه كيلا
ووزنا، ولا يجوز بيعه أجمع، لتعذر تسليمه لاختلاطه بما يستخلف.
ولو حفرها لا للتملك بل للانتفاع، فهو أحق بها مدة مقامه عليها، وقيل: يجب عليه بذل
الفائض من مائها عن حاجته (39) وكذا قيل: في ماء العين والنهر، ولو قيل لا يجب، كان حسنا. وإذا
فارق فمن سبق إليها، فهو أحق بالانتفاع بها.
وأما مياه العيون والآبار والغيوث (40)، فالناس فيها سواء. ومن اغترف منها شيئا بإناء،
أو حازة في حوضه أو مصنعه فقد ملكه.
وهنا مسائل:
الأولى: ما يفيضه النهر المملوك من الماء المباح. قال الشيخ: لا يملكه الحافر، كما إذا
جرى السيل إلى أرض مملوكة، بل الحافر أولى بمائة من غيره، لأن يده عليه. فإذا كان فيه
جماعة، فإن وسعهم أو تراضوا فيه فلا بحث. وإن تعاسروا قسم بينهم على سعة الضياع (41).
ولو قيل: يقسم على قدر انصبائهم من النهر، كان حسنا.
الثانية: إذا استجد (42) جماعة نهرا. فبالحفر يصيرون أولى به، فإذا وصلوا منتزع الماء ملكوه.

(37): قد يقال بتخصص الحكم بما كان معدنا صغيرا مناسبا للأرض وللمحيي كما كان في عصر المعصومين عليهم السلام وعدم احتياج
العامة إليه، لا مثل النفط في هذا الزمان، ولتفصيل البحث مقام آخر.
(38): أي: مباح التصرف فيه وإدخاله في ملكه (التخطي) أي: الدخول في البئر أو الأخذ من الماء (بما يستخلف أي: الماء الذي يحل
مكان الماء المأخوذ.
(39): يعني يجوز له أخذ ما يحتاجه من الماء للشرب ولزرعه ودوابه ونحو ذلك، ويحرم عليه احتكار الزائد عن ذلك بل يجب عليه إعطاؤه
لمن يحتاجه (وإذا فارق) أي: ترك البئر والماء.
(40): جمع غيث يعني المطر.
(41): جمع: صنيعة: يعني: على مقدار أراضيهم، فلو كانت الأرض عشرة هكتارات لعشرة أشخاص لكل واحد منهم هكتار واحد،
قسم الماء عشرة أقسام لكل واحد منهم قسم (انصبائهم) جمع نصيب أي: نصيبهم من النهر، يعني: مقدار عملهم في النهر مثلا:
لو حصلت البئر بعمل مئة ساعة فعمل أحدهم خمسين ساعة منها كان له نصف البئر وإن كانت أرضه عشر الأرض. وبالعكس
العكس، وهكذا.
(42): أي: أوجدوا وحفروا (على قدر النفقة) أي: مقدار عملهم.
797

وكان بينهم على قدر النفقة على عمله.
الثالثة: إذا لم يف النهر المباح (43)، أو سيل الوادي، بسقي ما عليه دفعه بدئ بالأول
وهو الذي يلي فوهته، فأطلق إليه للزرع إلى الشراك وللشجر إلى القدم، وللنخل إلى الساق، ثم
يرسل إلى ما دونه (44) ولا يجب إرساله قبل ذلك، ولو أدى إلى تلف الأخير.
الرابعة: لو أحيا إنسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي (45)، ولم يشارك السابقين، وقسم
له مما يفضل عن كفايتهم، وفيه تردد.

(43): أي: غير المملوك لشخص خاص (فوهته) أي: رأسه وابتداؤه الشراك) هو حبل النعل الذي يشد على ظهر القدم (القدم)
المكان الذي حوله قبتان في طرفيه (الساق) فوق ذلك بقليل يعني: إلى أن يقف الماء ويصعد إلى أن يبلغ الشراك والقدم والساق
(وللنخل) يعني: نخل الثمر.
(44): من بعده (الأخير) أي: تلف زرعه وشجره ونخله من قلة أو عدم الماء.
(45): يعني: هذه الصحراء التي سبق إلى إحيائها غيره ويقسم ماءها بينهم (لم يشارك السابقين) في مائها وغيره (وفيه تردد) لاحتمال
شركته معهم في الماء وغيره أيضا. وفي الجواهر: (لم نجد هذا التردد الأخير غير المحقق قدس سره).
798

كتاب اللقطة
الملقوط أما إنسان أو حيوان أو غيرهما (1)
يسمى لقيطا، وملقوطا، ومنبوذا، وينحصر النظر فيه في ثلاثة مقاصد:
فالقسم الأول
في اللقيط: وهو كل صبي ضائع، لا كافل له.
ولا ريب في تعلق الحكم، بالتقاط الطفل غير المميز. وسقوطه في طرف البالغ العاقل،
وفي الطفل المميز تردد، أشبهه جواز التقاطع لصغره وعجزه عن دفع ضرورته (2).
ولو كان له أب أو جد أو أم، أجبر الموجود منهم على أخذه. وكذا لو سبق إليه ملتقط (3).
ثم نبذه فأخذه آخر، ألزم الأول أخذه.
ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى، لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه. ولو أبق منه أوضاع،
من غير تفريط، لم يضمن. ولو كان بتفريط ضمن. ولو اختلفا في التفريط (4) ولا بينة، فالقول
قول الملتقط مع يمينه. ولو أنفق عليه، باعه في النفقة إذا تعذر استيفاؤها.
الثاني
في الملتقط: ويراعي فيه: البلوغ والعقل، والحرية.
فلا حكم لالتقاط: الصبي ولا المجنون ولا العبد، لأنه مشغول باستيلاء المولى على
منافعه. ولو أذن له المولى صح، كما لو أخذه (5) المولى ودفعه إليه. وهل يراعى الإسلام؟ قيل:

كتاب اللقطة
(1): كالفرش: والخاتم، والكتاب وغيرها.
(2): الذي يتوجه عليه من سوء قصد الناس به اقتصاديا، وجنسيا، وغيرهما.
(3): أي: أخذه شخص وتركه.
(4): فقال الملتقط لم أفرط، وقال صاحبه فرطت أنت حتى ضاع (استيفاؤها) أي: تحصيل النفقة؟.
(5): أي: أخذ لقيطا (المحكوم بإسلامه) لأن اللقيط في بلاد الإسلام يحكم بكونه مسلما في الظاهر (مخادعته) أي: يخدعه فيجعله
كافرا.
799

نعم، لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط، المحكوم بإسلامه ظاهرا، أو لأنه لا يؤمن مخادعته عن
الدين.
ولو كان الملتقط فاسقا، قيل: ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه إلى عدل، لأن حضانته
استئمان (6)، ولا أمانة للفاسق، والأشبه أنه لا ينتزع.
ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه (7)، أو حضري يريد السفر به، قيل:
ينتزع من يده، لما لا يؤمن من ضياع نسبه، فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه. والوجه الجواز.
ولا ولاء للملتقط عليه (8)، بل هو سائبة يتولى من شاء. وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق
عليه استعان به وإلا استعان بالمسلمين.
وبذل النفقة عليهم (9) واجب على الكفاية، لأنه دفع ضرورة مع التمكن وفيه تردد. فإن
تعذر الأمران (10)، أنفق عليه الملتقط، ويرجع بما أنفق إذا أيسر، إذا نوى الرجوع. ولو أنفق
مع إمكان الاستعانة بغيره، أو تبرع، لم يرجع.
الثالث
في أحكامه وهي مسائل:
الأولى: قال الشيخ: أخذ اللقيط واجب على الكفاية، لأنه تعاون على البر، ولأنه دفع
لضرورة المضطر، والوجه الاستحباب (11).
الثانية: اللقيط يملك كالكبير، ويده دالة على الملك كيد البالغ لأن له أهلية التملك، فإذا
وجد عليه ثوب قضي به له. وكذا ما يوجد تحته أو فوقه. وكذا ما يكون مشدودا في ثيابه. ولو

(6): أي: كون اللقيط في يده نوع من اعتباره أمينا، ولا يجوز ذلك الشرع لأنه لا أمانة لفاسق.
(7): أي: بدوي يجول من هنا إلى هناك ولا مكان معين له يستقر فيه (حضري) أي: من أهل بلد والبدوي هو ساكن الصحراء.
(8): أي: على اللقيط، يعني: الملتقط لا يكون واليا على اللقيط فإذا كبر فهو حر توجه أينما شاء وسكن مع أي من أراد (سائبة) يعني:
مطلق العنان، والتاء فيه مبالغة (استعان به) إذ الواجب على الملتقط حفظ اللقيط بالإنفاق عليه، ولا يجب أن يكون من ماله.
(9): أي: على المسلمين، فلو امتنع الجميع أتموا وعصوا جميعا، وإن قام بها أحدهم سقط الوجوب عن الباقين مثل كل واجب كفائي آخر،
كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجهيز الأموات المسلمين ونحوها (وفيه تردد) لاحتمال جواز الإنفاق قرضا على اللقيط حتى إذا كبر
أو صار صاحب مال أخذ منه ما أنفق عليه.
(10): وهما إنفاق السلطان، وإنفاق المسلمين عليه (إذا اليسر) أي: صار الطفل ذا يساره يعني صاحب مال سواء في صغره بإرث ونحوه،
أو عندما يكبر.
(11): في المسالك: (المصنف ذهب إلى استحبابه عملا بالأصل وهو أنها يتصور مع عدم الخوف عليه من الضرر وإلا لم يكن له وجه).
800

كان على دابة أو جمل، أو وجد في خيمة أو فسطاطا قضي له بذلك وبما في الخيمة والفسطاط.
وكذا لو وجد في دار لا مالك لها، وفيما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه (12) تردد، أشبهه إنه لا يقضي
له. وكذا البحث، لو كان على دكة وعليها متاع، وعدم القضاء له هنا أوضح، خصوصا إذا
كان هناك يد متصرفة.
الثالثة: لا يجب الإشهاد (13) عند أخذ اللقيط، لأنه أمانة فهو كالاستيداع.
الرابعة: إذا كان المنبوذ (14) مال، افتقر الملتقط في الإنفاق عليه إلى إذن الحاكم، لأنه لا
ولاية له في ماله. فإن بادر فأنفق عليه منه، ضمن لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة. ولو
تعذر الحاكم، جاز الإنفاق ولا ضمان، لتحقق الضرورة.
الخامسة: الملقوط في دار الإسلام، يحكم بإسلامه، ولو ملكها أهل الكفر (15)، إذا كان
فيها مسلم، نظرا إلى الاحتمال وإن بعد، تغليبا لحكم الإسلام. وإن لم يكن فيها مسلم، فهو
رق. وكذا إن وجد في دار الشرك، ولا مستوطن هناك من المسلمين.
السادسة: عاقلة اللقيط الإمام (16)، إذا لم يظهر له نسب، ولم يتوال أحدا، سواء جنى
عمدا أو خطأ، ما دام صغيرا (17). فإذا بلغ وجنى بعده، ففي عمده القصاص، وفي خطأه
الدية على الإمام. وفي شبيه العمد الدية في ماله. ولو جنى عليه وهو صغير، فإن كانت على
النفس (18) فالدية إن كانت خطأ، والقصاص إن كانت عمدا. وإن كانت على الطرف قال

(12): بدون أن يكون في بيت يضم أو خيمة هو تحتها (يد متصرفة) أي: شخص آخر ذاك تحت يده.
(13): أي: أخذ شاهدين عادلين يشهدان إن هذا لقيط وليس ابنا أو بنتا لهذا الشخص خلافا لبعض العامة (كالاستيداع) أي: التقاط
الإنسان شيئا من الجمادات وجعله وديعة عنده حيث لا يحتاج إلى الإشهاد.
(14): أي: الصبي اللقيط (لا لضرورة) لوجود الحاكم الشرعي الذي هو ولي من لا ولي له.
(15): أي: حتى ولو أخذه الكفار (الاحتمال) أي: احتمال كونه مسلما (فيها مسلم) أي: في بلاد الإسلام وعدم وجود مسلم في بلاد
الإسلام إما لفرارهم من عدو، أو مرض، أو لغلبة الكفر عليهم ودخولهم بلاد الإسلام (دار الشرك) أي: بلاد الكفار (ولا
مستوطن) أي: ليس هناك مسلم مقيم.
قال في المسالك: (وفي التذكرة: إن دار الإسلام قسمان: دار خطها المسلمون كبغداد والبصرة والكوفة فلقيط هذه محكوم
بإسلامه وإن كان فيها مسلم واحد حكم بإسلام لقيطها وإلا فهو كافر، ودار الكفر قسمان فلو كان للمسلمين فغلب الكفار عليه
كالساحل فهذا إن كان فيه ولو مسلم واحد حكم بإسلام لقيطه وإن لم يكن فيه مسلم فهو كافر ويحتمل أن يكون مسلما لاحتمال أن
يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه وبلد لا يكون للمسلمين أصلا كبلاد الهند والروم فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر لأن الدار لهم وأهلها
منهم وإن كان فيها مسلمون كالتجار وغيرهم ساكنون فهو مسلم لقيام الاحتمال تغليبا للإسلام).
(16): في المسالك: لأن ميراثه له، فإنه وارث من لا وارث له (لم يظهر) أي: لم يعلم، (ولم يتوال) أي: لم ينيب نفسه إلى أحد بعد
الكبر، أما إذا بلغ ووالى أحدا وقال هذا ابني، أو أخي، أو عمي أخذ بمقدار إقراره والتفصيل في المفصلات.
(17): أما الخطأ فهو على العاقلة، مطلقا، وأما العمد فلان عمد العين خطأ تحمله العاقلة.
(18): أي: قتلوا اللقيط وهو صغير (فالدية) للإمام عليه السلام (والقصاص) وليه الإمام عليه السلام.
801

الشيخ: لا يقتص له ولا يأخذ الدية، لأنه لا يدري مراده عند بلوغه، فهو (19) كالصبي لا
يقتص له أبوه ولا الحاكم، ويؤخر حقه إلى بلوغه. ولو قيل: يجوز استيفاء الدية للمولى (20) مع
الغبطة، إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا، كان حسنا، إذ لا معنى للتأخير مع وجود
السبب. ولا يتولى ذلك الملتقط (21)، إذ لا ولاية له في غير الحضانة.
السابعة: إذا بلغ فقذفه قاذف، وقال أنت رق، فقال: بل حر، للشيخ فيه قولان
أحدهما لا حد عليه، لأن الحكم بالحرية غير متيقن، بل على الظاهر وهو محتمل، فيتحقق
الاشتباه الموجب لسقوط الحد، والثاني عليه الحد، تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا. والأمور
الشرعية منوطة بالظاهر، فيثبت الحد كثبوت القصاص (22)، والأخير أشبه.
الثامنة: يقبل إقرار اللقيط على نفسه بالرق، إذا كان بالغا رشيدا، ولم تعرف حريته،
ولا كان مدعيا لها (23).
التاسعة: إذا ادعى أجنبي (24) بنوته، قبل إذا كان المدعي أبا، وإن لم يقم بينة، لأنه
مجهول النسب فكان أحق به، حرا كان المدعي أو عبدا، مسلما كان أو كافرا. وكذا لو كان أما.
ولو قيل: لا يثبت نسبه إلا مع التصديق، كان حسنا. ولا يحكم برقة ولا بكفره إذا وجد في دار
الإسلام (25). وقيل: يحكم بكفره إن أقام الكافر بينة ببنوته، وإلا حكم بإسلامه لمكان الدار،
وإن لحق نسبه بالكافر، والأول أولى.
ويلحق بذلك أحكام النزاع ومسائله خمس:
الأولى: لو اختلفا في الإنفاق (26)، فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف. فإن

(19): أي: اللقيط ما دام صغيرا حكمه حكم الصبي الذي أب أو جد.
(20): وهو هنا الإمام عليه السلام أو نائبه حاكم الشرع.
(21): الذي وجد اللقيط (الحضانة) وهي حفظه والإنفاق عليه ونحوهما.
(22): أي: كما إنه يقتص من الحر إذا قتل اللقيط عمدا تعويلا على الظاهر من كونه حرا مع إنه إن لم يكن اللقيط حرا فلا قصاص كذلك في
القذف.
(23): أي: سابقا مدعيا للحرية.
(24): أي: غير الملتقط، وفي الجواهر: (حتى الملتقط عندنا) (أبا) مقابل كونه أما وسيأتي الكلام عنه بعد قليل (مع
التصديق): أي: تصديق اللقيط بعد بلوغه ورشده، سواء كان المدعي رجلا يدعي بنوة اللقيط له، أو كانت امرأة تدعي
كونها أما له.
(25): أو ما فيها مسلم يحتمل تولده منه على ما مر من التذكرة قبل قليل (بالكافر) أي: الكافر أبوه لكنه محكوم بالإسلام (أولي) لأنه بعد
الحكم بإسلامه لا معنى للحكم بأبوة الكافر له.
(26): فقال الملتقط أنفقت عليه كذا، وقال اللقيط: لا (المعروف) المتعارف إنفاقه على مثله (أمينه) أي: الملتقط أمين من قبل الشرع
على الطفل وليس على الأمين إلا اليمين.
802

ادعى زيادة، فالقول قول الملقوط في الزيادة. ولو أنكر أصل الإنفاق، فالقول قول الملتقط. ولو
كان له مال، فأنكر اللقيط إنفاقه عليه، فالقول قول الملتقط مع يمينه، لأنه أمينه.
الثانية: لو تشاح ملتقطان (27)، مع تساويهما في الشرائط أقرع بينهما، إذ لا رجحان،
وربما انقدح الاشتراك. ولو نزل أحدهما للآخر صح، ولم يفتقر النزول إلى إذن الحاكم، لأن
ملك الحضانة لا يعدوهما.
الثالثة: إذا التقطه اثنان، فكل واحد منهما لو انفرد (28)، أقر في يده. وإن تشاحا فيه
أقرع بينهما، سواء كانا موسرين أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما. وكذا إن كان أحد الملتقطين
كافرا، إذا كان الملقوط كافرا. ولو وصف أحدهما فيه علامة، لم يحكم له (29).
الرابعة: إذا ادعى بنوته اثنان، فإن كان لأحدهما بينة، حكم بها. وإن أقام كل واحد
منهما بينة، أقرع بينهما. وكذا (30) لو لم يكن لأحدهما بينة. ولو كان الملتقط أحدهما، فلا ترجيح
باليد، إذا لا حكم لها في النسب، بخلاف المال لأن لليد فيه أثرا.
الخامسة: إذا اختلف كافر ومسلم، أو حر وعبد، في دعوى بنوته قال الشيخ: يرجح
المسلم على الكافر، والحر على العبد، وفيه تردد (31).
القسم الثاني
في الملتقط من الحيوان: والنظر في المأخوذ، والآخذ، والحكم.
أما الأول: فهو كل حيوان مملوك ضائع أخذ ولا يد عليه (32)، ويسمى ضالة.

(27): على تربية الصبي اللقيط (في الشرائط) فكل منهما بالغ عاقل حر، وعادل وحضري على قول وقد مر الشروط عند أرقام
" 5 - 10 " فراجع (الاشتراك) هذا قول بعضهم وهو إنهما يشتركان في حفظ وتربية الصبي اللقيط (لا يعدوهما) أي: ليس
فيه غيرهما، ولا غائب هناك حتى يتدخل الحاكم الشرعي وليا على الغائب.
(28): أي: تركه الآخر (حاضرين) أي: من الحضر مقابل الصحراء، وقد مر عن المصنف اختيار عن اشتراط كون الملتقط من
أهل المدن عند رقم " 7 " (الملقوط كافرا) أي: محكوما بالكفر، لالتقاطه من أرض الكفر التي لا مسلم فيها، ولو كان
الملقوط محكوما بالإسلام لم تفريد الكافر عليه كما مر بعد رقم (5).
(29): لأن وصف علامة في الصبي - كأن يقول هو مختون، أو على صرته شامة أو غير ذلك - لا يدل على كونه فقط الملتقط دون
الآخر، فلعله سمع ذلك عنه، أو رآه مرة من دون أخذه.
(30): أي: أقرع بينهما.
(31): لعدم الدلالة في الإسلام والحرية على الرجحان من هذه الجهة.
(32): فغير الحيوان لا يسمى ضالة بل مجهول المالك، وغير المملوك كالغزلان ونحوها لا تسمى ضالة، وغير الضائع كالحيوان الذي ألف الرجوع إلى
صاحبه لا يسمى ضالة وهكذا في (صورة الجواز) إذ مثل البعير الصحيح الذي في كلاء وماء لا يجوز أخذه - كما في المسالك - (طلق) أي:
ليس بمكروه (تجدده على الملتقط) من طمع، أو موت أو غيرهما (التهمة، لكيلا يتهم بأنه يأكل أموال الناس.
803

وأخذه في صورة الجواز مكروه، إلا بحيث يتحقق التلف فإنه طلق. والإشهاد.
مستحب لما لا يؤمن تجدده على الملتقط، ولنفي التهمة.
فالبعير لا يؤخذ، إذا وجد في كلا وماء، أو كان صحيحا، لقوله صلى الله عليه وآله:
(خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه، فلا تهجه) فلو أخذه ضمنه، ولا يبرأ لو أرسله، ويبرأ لو سلمه
إلى صاحبه. ولو فقده (33) سلمه إلى الحاكم، لأنه منصوب للمصالح. فإن كان له حمى أرسله
فيه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه. وكذا حكم الدابة (34). وفي البقرة والحمار تردد، أظهره
المساواة، لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير. أما لو ترك البعير من جهد (35)، في غير
كلا وماء جاز أخذه، لأنه كالتالف ويملكه الآخذ، ولا ضمان لأنه كالمباح. وكذا حكم الدابة
والبقرة والحمار، إذا ترك من جهد في غير كلا وماء.
والشاة إن وجدت في الفلاة (36)، أخذها الواجد، لأنها لا تمتنع من صغير السباع، فهي
معرضة للتلف، والآخذ بالخيار إن شاء ملكها ويضمن على تردد، وإن شاء احتبسها أمانة في يديه
لصاحبها ولا ضمان، وإن شاء دفعها إلى الحاكم ليحفظها أو يبيعها ويوصل ثمنها إلى المالك.
وفي حكمها (37): كل ما لا يمتنع من صغير السباع، كأطفال الإبل والبقر والخيل
والحمير، على تردد.
ولا تؤخذ الغزلان واليحامير (38) إذا ملكا ثم ضلا، إلتفاتا إلى عصمة مال المسلم، ولأنهما
يمتنعان عن السباع بسرعة العدو.
ولو وجد الضوال في العمران (39)، لم يحل أخذها، ممتنعة كانت كالإبل، أو لم تكن

(33): أي: فقد صاحبه فلم يجده (كان له حمى) أي: للحاكم الشرعي مكان حفظ الضوال.
(34): يعني: الفرس - كما في الجواهر وغيره - (المساواة) في الحكم مع البعير فلا يأخذها إذا وجدت في كلاء وماء.
(35): أي: تركه صاحبه لكسر أو إعياء أو مرض أو نحو ذلك.
(36): أي: الصحراء (لا تمتنع) أي: لا تستطيع الفرار (صغير السباع) كالضبع، والذئب ونحوهما فكيف بكبير السباع كالأسد
(ملكها) أي: قصد تملكها حين الأخذ (على تردد) الاحتمال عدم الضمان لأنه في معرض التلف.
(37): أي: في حكم الشاة، فالأخذ مخير بين التملك، والحفظ لصاحبها إلى حاكم الشرع (على تردد) لاحتمال الضمان
لصاحبها مطلقا أو تسليمها إلى حاكم الشرع، أما التملك فلا.
(38): جمع يحمور هو حمار الوحشي الصحراوي (بسرعة العدو) أي: الركض السريع فليست معرضة للتلف.
(39): وهو الأماكن القريبة من البيوت، التي لا تقربها السباع غالبا وعادة، وفي الجواهر: (الذي هو المأهول).
804

كالصغير من الإبل والبقر. ولو أخذها، كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانة، وعليه نفقتها
من غير رجوع بها، وبين دفعها إلى الحاكم. ولو لم يجد حاكما، أنفق ورجع بالنفقة (40). وإن
كان شاة حبسها ثلاثة أيام، فإن لم يأت صاحبها، باعها الواجد وتصدق بثمنها.
ويجوز التقاط كلب الصيد، ويلزم تعريفه سنة، ثم ينتفع به إذا شاء، ويضمن
قيمته (41).
الثاني: في الواجد ويصح أخذ الضالة لكل عاقل بالغ أما الصبي والمجنون، فقطع الشيخ
فيهما بالجواز (42)، لأنه اكتساب.
وينتزع ذلك الولي، ويتولى التعريف عنهما سنة، فإن لم يأت مالك فإن كان الغبطة في
تمليكه وتضمينه إياها فعل (43)، وإلا أبقاها أمانة.
وفي العبد تردد أشبهه الجواز، لأن له أهلية الحفظ، وهل يشترط الإسلام؟ الأشبه لا،
وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة.
الثالث: في الأحكام وهي مسائل:
الأولى: إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة، أنفق من نفسه ورجع به. وقيل: لا
يرجع، لأن عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق. والوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر
بالالتقاط (44).
الثانية: إذا كان للقطة نفع، كالظهر واللبن والخدمة (45)، قال في النهاية: كان ذلك
بإزاء ما أنفق، وقيل: ينظر في النفقة، وقيمة المنفعة، ويتقاصان وهو أشبه.
الثالثة: لا تضمن الضالة بعد الحول (46)، إلا مع قصد التملك. ولو قصد حفظها لم

(40): على صاحبها متى وجده، وإن لم يجد صاحبها باعها وأخذ ما أنفق عليها من ثمنها.
(41): إذا تلف عن تفريط.
(42): أي: قال: يجوز قطعا.
(43): أي: أخذ الضالة بملك وضمان الصبي والمجنون.
(44): أي: لكي لا يتضرر بأخذ الضالة التي أجاز الشارع له أخذها.
(45): أي: ما يستفاد من ظهره كالخيل، أو لبنه كالبقرة، أو خدمته كالعبد والأمة (بإزاء ما أنفق) مطلقا أيهما كان أقل من الآخر
(ويتقاصان) أي: إن كان ما أنفقه أكثر أخذ الزائد من المالك، وإن كان الظهر واللبن والخدمة أكثر دفع الزائد إلى المالك.
(46): إذا تلفت (التفريط) هو التقصير في الحفظ حتى تتلف، والتعدي هو إتلافها بالذبح والأكل وغيره (لم يزل الضمان) أي:
يبقى الضمان.
805

يضمن، إلا مع التفريط أو التعدي. ولو قصد التملك ثم نوى الاحتفاظ. لم يزل الضمان.
ولو قصد الحفظ، ثم نوى التملك لزم الضمان.
الرابعة: قال الشيخ: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان كالضالة
الممتنعة (47). ولو كان صغيرا، جاز أخذه وهذا حسن لأنه مال معرض للتلف.
الخامسة: من وجد عبده في غير مصره، فأحضر من شهد على شهوده بصفته (48)، لم
يدفع إليه، لاحتمال التساوي في الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين. ولو
تعذر إحضارهم، لم يجب حمل العبد إلى بلدهم، ولا بيعه على من يحمله ولو رأى الحاكم ذلك
صلاحا، جاز، ولو تلف قبل الوصول أو بعده، ولم يثبت دعواه، ضمن المدعي قيمة العبد
وأجرته (49).
القسم الثالث
في اللقطة وهو يعتمد على بيان أمور ثلاثة.
الأول: اللقطة كل مال ضائع، أخذ ولا يد عليه. فما كان دون الردهم (50) جاز
أخذه والانتفاع به، بغير تعريف، وما كان أزيد من ذلك، فإن وجد في الحرم، قيل: يحرم
أخذه، وقيل: يكره وهو أشبه، ولا يحل إلا مع نية الإنشاد.
ويجب تعريفها حولا، فإن جاء صاحبها، وإلا تصدق بها أو استبقاها أمانة، وليس له تملكها
ولو تصدق بها بعد الحول. فكره المالك، فيه قولان (51): أرجحهما أنه لا يضمن، لأنها أمانة وقد
دفعها دفعا مشروعا.
وإن وجدها في غير الحرم، عرفها حولا إن كانت مما يبقى، كالثياب والأمتعة والأثمان.
ثم هو مخير، بين تملكها وعليه ضمانها. وبين الصدقة بها عن مالكها - ولو حضر المالك فكره

(47): أي: كالدابة الضائعة التي تستطيع الفرار عن السباع، والمراهق هو غير البالغ القريب من البلوغ.
(48): يعني: شهد اعتمادا على الشهود الذين يعرفون هذا العبد بهذه الأوصاف، أي قالوا: لا نعلم هذا الشخص عبدا له،
ولكنه كما شهد الشهود العبد بهذه الصفات في الطول والشكل والكلام وغير ذلك.
(49): قيمته للتلف، وأجرته من يوم حمله إلى ذلك البلد إلى حين التلف.
(50): أي: كانت قيمته أقل من قيمة الدرهم، والدرهم هو اثنا عشر حمصة وستة أعشار الحمصة يعني يعادل غرامين ونصفا تقريبا
من الفضة الخالصة (في الحرم) الذي فيه مكة المكرمة، وهو أربعة فراسخ في أربعة فراسخ (الإنشاد) أي: البحث عن
صاحبه (ويجب تعريفها) أي: إعلان اللقطة.
(51): القول الثاني: إنه عليه ضمانها.
806

الصدقة لزم الملتقط ضمانها إما مثلا وإما قيمة (52). وبين إبقائها في يد الملتقط أمانة لمالكها من
غير ضمان.
ولو كانت مما لا يبقى كالطعام، قومه على نفسه (53) وانتفع به، وإن شاء دفعه إلى الحاكم
ولا ضمان.
ولو كان بقاؤها يفتقر إلى العلاج، كالرطب المفتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى
الحاكم (54)، ليبيع بعضها وينفقه في إصلاح الباقي. وإن رأى الحاكم، الحظ في بيعه وتعريف
ثمنه، جاز.
وفي جواز التقاط، النعلين والإدارة (55) والسوط، خلاف أظهره الجواز مع كراهية.
وكذا العصا والشظاظ والحبل والوتد والعقال، وأشباهه من الآلات، التي يعظم نفعها وتصغر
قيمتها. ويكره أخذ اللقطة مطلقا، وخصوصا للفاسق، ويتأكد فيه مع العسر (56). ويستحب
الإشهاد عليها.
مسائل خمس:
الأولى: ما يوجد في المفاوز (57)، أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا
تعريف. وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها. ولو كان لها مالك أو بائع، عرفه (58). فإن
عرفه فهو أحق به، وإلا فهو لواجده. وكذا لو وجده في جوف دابة، ولم يعرفه البائع. أما لو
وجده في جوف سمكة فهو لواجده.

(52): مثلا إن كان مثليا كالأرز، والسكر، والدينار، ونحوها، وقيمة إن كان قيميا كالثوب، والكتاب المخطوط، ونحو ذلك
(من غير ضمان) فلو تلف بلا تفريط فليس عليه ضمانه (53): أي: قدر قيمته في ذمته.
(54): أي: يخبر الحاكم بذلك (الحظ) أي: المصلحة.
(55): وهي إناء يتطهر به تشبه الإبريق كما قيل، أي: أخذ هذه الأمور إذا وجدها في الطريق (والشظاظ) خشبة محدودة الطرفين
تدخل في عروة الجوالقين لتجمع بينهما عند حملهما على البعير، والجوالقين مثنى مفرده جوالق وهو العدل المعمول من صوف أو
غيره (والوتد) المسمار (والصقال) وهو حبل يشد به قائمة البعير.
(56): أي: ويتأكد الكراهة في الفاسق إذا كان معسرا فقيرا.
(57): أي: الصحاري.
(58): أي: أخبره بأنه وجد في هذه الأرض شيئا فإن ذكر أوصافه بحيث يطمئن إلى أنه له دفعه إليه (وكذا) يكون لواجده (ولم
يعرفه) أي: أخبره ومع ذلك لم يعرفه (فهو لواجده) لأن ما في بطن السمكة إنما جاء من البحر لا من البائع، والبائع لم
يقصد حيازة ما في بطنها بناء على اشتراط النية في الحيازة.
807

الثانية: من أودعه لص مالا، وهو يعلم أنه ليس للمودع (59)، لم يرده عليه، مسلما كان
أو كافرا. فإن عرف مالكه دفعه إليه، وإلا كان حكمه حكم اللقطة.
الثالثة: من وجد في داره أو في صندوقه مالا ولا يعرفه، فإن كان يدخل الدار غيره أو يتصرف في
الصندوق سواه فهو لقطة (60)، وإلا فهو له.
الرابعة: لا تملك اللقطة قبل الحول، ولو نوى ذلك (61)، ولا بعد الحول، ما لم يقصد
التمليك، وقيل يملكها بعد التعريف حولا، وإن لم يقصد، وهو بعيد.
الخامسة: قال الشيخ رحمه الله: اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية التملك (62)، وهو
بعيد لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق.
الأمر الثاني في الملتقط: وهو من له أهلية الاكتساب، أو الاحتفاظ. فلو التقط الصبي جاز
ويتولى الولي التعريف عنه. وكذا المجنون. وكذا يصح الالتقاط من الكافر (63) لأن له أهلية
الاكتساب. وفي أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردد، ينشأ من كونهم ليسوا أهلا للاستئمان. وللعبد
أخذ كل واحدة من اللقطتين، وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا يعرض
لها المملوك) (64). واختار الشيخ الجواز، وهو أشبه، لأن له أهلية الاستئمان والاكتساب.
وكذا المدبر وأم الولد، والجواز أظهر في طرف المكاتب لأن له أهلية التملك.
الأمر الثالث: في الأحكام وهي مسائل:
الأولى: ليس التوالي (65) شرطا في التعريف، فلو فرق جاز. وإيقاعه عند اجتماع الناس
وبروزهم، كالغدوات والعشيات. وكيفيته أن يقول: من ضاع له ذهب، أو فضة أو ثوب، أو

(59): أي: ليس للص (لم يرده) أي: لم يجز بمعنى لا يجوز (حكم اللقطة) يكون له إذا كان أقل من درهم ولم يكن يعلم أنه من
الحرم. ويعرفه حولا إذا كان من الحرم، وهكذا كما مر بالتفصيل تحت رقم (50) وما بعده.
(60): وله أحكام اللقطة، التي مرت عند رقم (50) وما بعده.
(61): يعني: حتى ولو نوى التملك (التعريف) أي: الإعلان.
(62): فقيل مطالبة المالك ليست مضمونة، ولا ذمة الملتقط مشغولة.
(63): بأن يرى الكافر شيئا فيأخذه وعليه أحكام اللقطة من التعريف والتملك وغيرهما. (لقطة الحرم) أي: ما يوجد في الحرم
(لهؤلاء) الصبي والمجنون والكافر (للاستئمان) أي: أن يجعلهم الشارع أمناء على اللقطة، أما الصبي والمجنون فلعدم
التكليف فيهما، وأما الكافر فلكفره (اللقطتين) لقطة ولقطة الحل.
(64): أي: لا يأخذ المملوك اللقطة.
(65): بأن يعرفه كل يوم (وبروزهم) أي: خروجهم من البيوت (كالغدوات) الصباح (والعشيات) بعد العصر (أوغل) أكثر
(بالتخمين) من دون علم.
808

ما شاكل ذلك من الألفاظ. ولو أوغل في الإبهام كان أحوط، كأن يقول: من ضاع له مال أو
شئ، فإنه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين. وزمانه أيام المواسم والمجتمعات كالأعياد وأيام
الجمع. ومواضعه مواطن الاجتماع، كالمشاهد (66) وأبواب المساجد والجوامع والأسواق.
ويكره داخل المساجد. ويجوز أن يعرف بنفسه وبمن يستنيبه أو يستأجره.
الثانية: إذا دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها، فإن وجد مالكها، دفع الثمن إليه، وإلا ردها
على الملتقط، لأن له ولاية الصدقة أو التملك (67).
الثالثة: قيل: لا يجب التعريف: إلا مع نية التملك (68)، وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها
عن المالك، ولا يجوز تملكها إلا بعد التعريف ولو بقيت في يده أحوالا. وهي أمانة في يد الملتقط
في مدة الحول، لا يضمنها إلا بالتفريط أو التعدي، فتلفها من المالك وزيادتها له، متصلة كانت
الزيادة أو منفصلة (69). وبعد التعريف يضمن إن نوى التملك، ولا يضمن إن نوى الأمانة. ولو
نوى التملك، فجاز المالك لم يكن له الانتزاع، وطالب بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثلية. ولو رد
الملتقط العين جاز، وله (70) النماء المنفصل. ولو عابت بعد التملك، فأراد ردها مع الأرش
جاز، وفيه إشكال، لأن الحق تعلق بغير العين، فلم يلزمه أخذها معيبة.
الرابعة: إذا التقط العبد ولم يعلم المولى، فعرف حولا ثم أتلفها، تعلق الضمان
برقبته (71)، يتبع بذلك إذا أعتق، كالقرض الفاسد. ولو علم المولى قبل التعريف، ولم ينتزعها
منه، ضمنه لتفريطه بالإهمال إذا لم يكن أمينا (72)، وفيه تردد. ولو عرفها العبد، ملكها المولى
إن شاء وضمن. ولو نزعها المولى. لزمه التعريف، وله التملك بعد الحول أو الصدقة مع
الضمان. أو إبقائها أمانة.

(66): إما المقصود بها المشاهد المشرفة للنبي وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام، أو مطلق الأماكن التي يشهدها الناس، كالندوات
والتعزيات، والمظاهرات، ومجالس الدروس الدينية، واجتماع الأحزاب وغير ذلك (والجوامع) جمع جامعة، وهي المكان
الذي يجتمع فيه الناس، مسجدا كان أو غيره.
(67): في الجواهر: (بلا إشكال ولا خلاف في الأخير - أي التملك - بل وفي الأول الذي فيه نفع للمالك مع ذلك بالضمان إذا
جاء ولم يرحت بالصدقة).
(68): فلو لم يكن نية الملتقط التملك لا يجب عليه تعريف اللقطة.
(69): الزيادة المتصلة كنمو الشجر، والمنفصلة كالثمرة الساقطة منه (وبعد التعريف يضمن) حتى مع عدم التفريط (الانتزاع)
أي: أخذ عين اللقطة مع وجودها.
(70): أي: للملتقط (النماء المنفصل) الحادث بعد قصد التملك (لأن الحق) أي: حق المالك.
(71): لا بذمة المولى (كالقرض الفاسد) وهو ما كان بدون إذن المولى. (72): أي: إذا لم يكن العبد أمينا (وفيه تردد) لاحتمال عدم ضمان المولى بترك الانتزاع حتى ولو كان العبد خائنا (وله التملك)
أي: يجوز للمولى.
809

الخامسة: لا تدفع اللقطة إلا بالبينة (73)، ولا يكفي الوصف.
ولو وصف صفات لا يطلع عليها إلا المالك غالبا مثل أن يصف وكاءها وعقاصها ووزنها
ونقدها. فإن تبرع الملتقط بالتسليم (74) لم يمنع، وإن امتنع لم يجبر.
فرعان:
الأول: لو ردها بالوصف، ثم أقام آخر البينة بها انتزعها (75). فإن كانت تالفة، كان له
مطالبة الأخذ بالعوض لفساد القبض، وله مطالبة الملتقط لمكان الحيلولة لكن لو طولب الملتقط،
رجع على الآخذ، ما لم يكن اعترف له بالملك (76). ولو طالب الآخذ، لم يرجع على الملتقط.
الثاني: لو أقام واحد بينة بها، فدفعت إليه، ثم أقام آخر بينة بها أيضا، فإن لم يكن
ترجيح (77) أقرع بينهما. فإن خرجت للثاني، انتزعت من الأول وسلمت إليه. ولو تلفت، لم
يضمن الملتقط إن كان دفعها بحكم الحاكم. ولو كان دفعها باجتهاده، ضمن. أما لو قامت
البينة بعد الحول، وتملك الملتقط ودفع العوض إلى الأول، ضمن الملتقط للثاني على كل حال،
لأن الحق ثابت في ذمته، لم يتعين بالدفع إلى الأول، ورجع الملتقط على الأول لتحقق بطلان
الحكم.

(73): بأن يقيم الذي يدعي الملكية البينة - شاهدين عادلين - على أن هذا الشئ ملك له (ولا يكفي الوصف) في سقوط تكليف
الملتقط (وكائها) أي: وكاء القربة وهو الخيط الذي يربط به فم القربة (عقاصها) الوعاء الذي تجعل القربة فيه (ووزنها)
إذا كانت اللقطة ثمنا، كأن يقول ديناران وزن أحدهما كذا، ووزن الآخر كذا (ونقدها) بأن يقول من دنانير كذا، أو دنانير
كذا.
(74): أي: تسليم اللقطة لمن وصفها ولم يقم بينة عليها (لم يمنع) أي: لا يحرم عليه (امتنع) وطلب البينة (لم يجبر) حتى مع تمام
الأوصاف.
(75): أي: أخذها صاحب البينة من الواصف (لمكان الحيلولة) أي: أن الملتقط بإعطائه اللقطة للواصف صار حائلا بين اللقطة
وصاحب البينة.
(76): أما لو اعترف الملتقط للواصف بالملك فيؤخذ باعترافه.
(77): بالعدالة أو العدد، بناء على الترجيح كما هو الأصح.
810

كتاب الفرائض
والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق. والمقدمات: أربع (1).
الأولى
في موجبات الإرث: وهي: إما نسب، وإما سبب. فالنسب: مراتب ثلاث
الأولى: الأبوان، والولد وإن نزل (2).
الثانية: الأخوة وأولادهم وإن نزلوا، والأجداد وإن علوا.
الثالثة: الأخوال، والأعمام،
والسبب: اثنان زوجية وولاء (3). والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن
الجريرة، ثم ولاء الإمامة.
وينقسم الوراث: فمنهم من لا يرث إلا بالفرض (4)، وهم الأم من بين الأنساب إلا على
الرد، والزوج والزوجة من بين الأسباب إلا نادرا. ومنهم من يرث تارة بالفرض وأخرى
بالقرابة (5)، وهم الأب والبنت، أو البنات والأخت، أو الأخوات وكلالة الأم. ومن عدا

كتاب الفرائض
يعني: المواريث، والفرائض جمع فريضة من الفريضة بمعنى التقدير والقطع ومنه قوله تعالى (نصيبا مفروضا).
(1): وهي: موجبات الإرث، وموانع الإرث، والحجب، ومقادير السهام.
(2): أي: أولاد الأولاد وهكذا كلهم يعتبرون في المرتبة الأولى (الأخوال والأعمام) وأولادهم وأولاد أولادهم وهكذا.
(3): الولاء يقصد به هنا نوع تقرب شرعي اعتباري على وجه يوجب الإرث من غير زوجية ولا نسب (ولاء العتق) أي: المعتق لو مات
عبده بعد ما أعتقه وليس له وارث آخر فالمولى يرثه كما سيأتي (الجريرة) أي: الجناية، يعني: شخصان يشترطان إن جنى أحدهما
جناية يتحمل الثاني عنه الدية فلو مات أحدهما ولا وارث أقرب له ورثه ضامن الجريرة (ولاء الإمامة) أي: الإمام وارث من لا وارث
له وسيأتي أحكام هذه الأقسام الثلاثة في المقصد الثالث من رقم (151) إلى رقم (182).
(4): يعني: ذكر له سهم معين في كتاب الله تعالى (الأم) لأن إرثها في القرآن، إما الثلث أو السدس (إلا على الرد) وذلك فيما لو لم يكن
للميت في المرتبة الأولى سوى الأم فقط فإنها تعطى الثلث فرضا، والثلثين ردا، فيكون جميع المال لها (إلا نادرا) وهو ما إذا لم يكن غير
الزوج وارث نسبي ولا سببي ولا ولائي إلا الإمام عليه السلام وسيأتي القول بالإرث كله للزوج.
(5): القرابة أي عدم ذكر مقدار معين له (والأب) يرث السدس إذا كان للميت أولاد، وإن لم يكن أولاد فللأب كل المال، فلا فرض له حينئذ
(والبنت) ترث النصف إن كانت مع الأبوين، ولا فرض لها إذا كانت مع إخوة (والبنات) لهن الثلثان إذا كن مع الأبوين، وإن
كن مع الأخوة فلا فرض معين لهن (والأخت) حكمها حكم البنت (والأخوات) حكمهن حكم البنات (وكلالة الأم) أي:
الأخوة للميت من أمه فقط دون أبيه، إن كان واجدا فله السدس، أو كان أكثر فلهم الثلث يقسم بينهم بالسوية ذكرانا أو إناثا،
ويرد عليهم الزائد أيضا في بعض الفروض على ما اختاره المصنف - قدس سره - فيما سيأتي عند رقم (118) قبل خاتمة المرتبة الثانية إن
شاء الله.
811

هؤلاء (6) لا يرث إلا بالقرابة.
فإذا كان الوارث لا فرض له، ولم يشاركه آخر (7) فالمال له، مناسبا كان أو مساببا، وإن
شاركه من لا فرض له، فالمال لهما. فإن اختلفت الوصلة، فلكل طائفة نصيب من يتقرب به،
كالخال أو الأخوال مع العم أو الأعمام، فللأخوال نصيب الأم وهو الثلث، وللأعمام نصيب
الأب وهو الثلثان (8).
فإن كان الوارث ذا فرض، أخذ نصيبه (9).
فإن لم يكن معه مساو، كان الرد عليه، مثل بنت مع أخ أو أخت مع عم، فلكل
واحدة نصيبها والباقي يرد عليها، لأنها أقرب. ولا يرد على الزوجة مطلقا (10) ولا على الزوج مع
وجود وارث عدا الإمام عليه السلام.
وإن كان معه مساو ذو فرض، وكانت الترك بقدر السهام، قسمت على
الفريضة (11). وإن زادت، كان الزائد ردا عليهم على قدر السهام ما لم يكن حاجب
لأحدهم (12)، أو ينفرد بزيادة في الوصلة (13). ولو نقصت التركة، كان النقص داخلا، على
البنت أو البنات أو الأب، أو من يتقرب به (14)، دون من يتقرب بالأم.

(6): كالأخوة والأعمام والأخوال والأجداد وغيرهم (بالقرابة) أي: بما يناسب حسبما قرر الله تعالى ولم يفرض الله مقداره على التعيين.
(7): أي: ليس وارث آخر (مناسبا) كالأب أو الابن، أو البنت (أو حسابيا) كالمعتق بلا إشكال (من لا فرض له) كالأب والابن، وللأب
فرض السدس، وللابن بقية المال لأنه لا فرض له.
(8): إذ لو كان الوارث أب وأم فقط فالثلث للأم والثلثان للأب.
(9): أولا (مساو) أي في رتبته بحيث يرث مع ذاك (بنت مع أخ) مثال فالأخ من المرتبة الثانية والبنت من الأولى، ولا يرث الأخ مع وجود
البنت (أخت مع عم) الأخت من المرتبة الثانية، والعم من الثالثة، ولا يرث العم مع وجود الأخت.
(10): أي: حتى لو لم يكن للميت وارث غير الإمام عليه السلام أعطى الزوجة الربع وأعطى الإمام عليه السلام الثلاثة الأرباع (مع وجود
وارث) حتى المعتق وضامن الجريرة.
(11): أي: قسمت التركة حسب حصص الورثة.
(12): تفاصيل الحجب تأتي في المقدمة الثالثة (في الحجب) عند رقم (57) وما بعده.
(13): أي: زيادة الاتصال بالميت حتى يكون الرد عليه وحده دون بقية الورثة وحيث إن المصنف لم يذكر مثالا لذلك نذكره عن المسالك وهو
لو كان للميت أخت للأبوين، وكلالة للأم، فلكلاكة الأم الثلث، وللأخت النصف، فيزيد السدس يرد على الأخت لأنها تتصل
بالميت من الأب والأم جميعا، وكلالة الأم متصلة من الأم فقط، المقصود بكلالة الأم اثنان أو أكثر من الأخوة للأم وحدها، سواء كانوا ذكرانا أو
إناثا أو مختلفين، وفي مسألة زيادة الوصلة كلام لا يليق بهذا المختص.
(14): أي: يتقرب إلى الميت بسبب الأب، كالعم للأب، والأخ للأب وهكذا.
812

مثال الأول (15): أبوان وبنتان فصاعدا، أو اثنان من ولد الأم مع أختين للأب والأم، أو
للأب أو زوج وأخت لأب.
ومثال الثاني (16): أبوان وبيت وأخوة.
ومثال الثالث: (17) أبوان وزوج وبنتان، أو أبوان وزوج وبنت زوج، أو زوجة واثنان
من ولد الأم مع أختين للأب والأم أو للأب.

(15): وهو كون التركة بقدر حصص الورثة، وقد ذكر المصنف له ثلاثة أمثلة (الأول) أبوان وبنتان فصاعدا أي ثلاث أو أربع بنات
وهكذا، فللأبوين الثلث - لكل واحد منهما السدس - وللبنتين الثلثان (والثاني) اثنان من ولد الأم، مع أختين للأب والأم - أو أختين
فلكلالة شئ للمرتبة الثانية موجود المرتبة الأولى فيبقى السدس من التركة زائدا.
(16): هذا مثال لزيادة التركة، أبوان لهما الثلث لكل واحد السدس، وبنت لها النصف، والأخوة لا شئ لهم لأنهم من المرتبة الثانية ولا
شئ للمرتبة الثانية مع موجود المرتبة الأولى فيبقى السدس من التركة زائدا.
(17): وهو نقص التركة عن حصص الورثة، وقد ذكر المصنف له ثلاثة أمثلة (أحدها) أبوان وزوج وبنتان، للأبوين الثلث، وللبنتين
الثلثان، وللزوج الربع، فلو كانت التركة اثني عشر فللأبوين أربعة لكل منهما اثنان - السدس - وللبنتين ثمانية، وللزوج ثلاثة، فالمجموع
خمسة عشر تنقص التركة ثلاثة (ثانيها) أبوان وزوج وبنت، للأبوين الثلث، وللزوج الربع، وللبنت النصف، فلو كانت التركة اثني
عشر كان للأبوين أربعة، وللزوج ثلاثة، وللبنت ستة، فالمجموع ثلاثة عشر تنقص التركة واحدا (ثالثها) زوج أو زوجة، واثنان من ولد
الأم - أي: أخوات الميت لأمه فقط - مع أختين الأب والأم، أو للأب فقط، فللزوج الربع - من اثني عشر - ثلاثة، ولكلالة الأم الثلث
أربعة، وللأختين الثلثان ثمانية فالمجموع خمسة عشر: وإن بدلنا الزوج بالزوجة كان لها الثمن واحدا ونصفا فالمجموع ثلاثة عشر ونصف.
في هذه الأمثلة الثلاثة: يعطى الزوج والزوجة والأم، وكلالة الأم نصيبهم الكامل، ويدخل النقص على الأب، والبنت،
والبنات، أو كلالة الأبوين، أو كلالة الأب خاصة.
ففي المثال الأول (أبوان وزوج وبنتان) يأخذ الزوج نصيبه الربع، والأم نصيبها السدس، فلو قسمنا التركة إلى ستين حصة، يأخذ الزوج
ربعها (15) والأم سدسها (10) ويبقى (35) للبنتين الثلثان (40) وللأب السدس (10) فهذا خمسون فينقص (15) يوزع هذا
النقص على الأب والبنتين بحسب حصصهم، وحيث إن نسبة حصة الأب (10) إلى حصة البنتين (40). نسبة الخمس والأربعة
أخماس، فينقص من (15) الناقصة للأب خمسها (3) وللبنتين أخماسها (12) فيعطي الأب (7) من ستين وتعطى البنات (28)
من الستين.
وفي المثال الثاني: (أبوان وزوج وبنت) نقسم التركة إلى ثمانية وأربعين، للأم سدسها (8) وللزوج ربعها (12) يبقى (28)
للأب السدس (8) وللبنت النصف (24) والمجموع (32) يكون الناقص أربعة، وحيث إن نسبة حصة الأب إلى حصة البنت نسبة
الربع والثلاثة أرباع، فيحذف من الأب ربع الأربعة وهو واحد ومن البنت ثلاثة أرباع الأربعة (3) فيعطى الأب (7) والبنت
(21).
وفي المثال الثالث: وهو فرضان (أحدهما) زوج وأختان للأم فقط، وأختان للأبوين أو للأب فقط - لأن حكم الأبوين والابن
فقط سواء، وما دام الأبوين فلا يرث الابن أصلا، فإذا لم يكن الأبوين ورث الابن، أما الأمي فيرث مع الأبوين، ومع الابن - نقسم
التركة إلى أربعة وعشرين حصة، للزوج النصف (12) ولكلالة الأم الثلث (8) ويبقى السدس فقط (4) لكلالة الأبوين، أو كلالة
الأب، وقد كانت حصتهم - لولا النقص - الثلثين يعني (16) فورد النقص عليهم دون الزوج وكلالة الأبوين أو الأب (ثانيهما)
زوجة وأختان للأم فقط، وأختان للأبوين أو للأب فقط، نقسم التركة إلى أربعة وعشرين حصة، للزوجة ربعها (6) ولكلالة الأم
ثلثها (8) يبقى (10) لكلالة الأبوين أو كلالة الأب، ولولا النقص كانت حصتهم (16) فورد النقص عليهم.
813

وإن لم يكن المساوي ذا فرض (18) كان له ما بقي، مثال: أبوان أو أحدهما وابن (19) أو أب وزوج
أو زوجة (20)، أو ابن وزوج أو زوجة (21) أو أخ وزوج أو زوجة (22).
المقدمة الثانية
في موانع الإرث: وهي ثلاثة: الكفر. والقتل. والرق (23).
والكفر المانع: هو ما يخرج به معتقده عن سمة الإسلام. فلا يرث ذمي ولا حربي ولا
مرتد مسلما. ويرث المسلم الكافر، أصليا أو مرتدا (24).
ولو مات كافر وله ورثة كفار ووارث مسلم، كان ميراثه للمسلم ولو كان مولى نعمة أو
ضامن جريرة، دون الكافر وإن قرب (25). ولو لم يخلف الكافر مسلما، ورثه الكافر إذا كان
أصليا.
ولو كان الميت مرتدا، ورثه الإمام مع عدم الوارث المسلم. وفي رواية يرثه الكافر، وهي
شاذة.
ولو كان للمسلم وراث كفار لم يرثوه، وورثة الإمام عليه السلام مع عدم الوارث المسلم.

(18): أي: ليس له ذكر حصة معينة في القرآن الكريم.
(19): للأبوين السدسين، والباقي للابن، وللأب وجده مع الابن، أو الأم وحدها مع الابن السدس والباقي للابن.
(20): للزوج النصف، وللزوجة الربع، والباقي للأب.
(21): للزوج الربع، وللزوجة الثمن، والباقي للابن.
(22): للزوج النصف وللزوجة الربع، والباقي للأخ وهكذا غير هذه الأمثلة، ولم استحضر سببا خاصا لتعدد الأمثلة سوى شحذ الذهن
باختلاف الفروض والله العالم.
(23): الكافر لا يرث المسلم، والقاتل لا يرث المقتول، والرق لا يرث لا الحر ولا العبد إلا فيما يأتي.
(24): يعني: إذا كان الميت كافرا ورثه المسلم.
(25): فلو مات كافر وله أولاد وأخوة وأعمام وأخوال ومولى معتق وضامن جريرة، وكان كلهم كفار، إلا أحدهم كان مسلما ورث ذاك
المسلم جميع الإرث سواء كان من أولاده أو أخوته أو أعمامه وأخواله أو معتقه، أو ضامن جريرته، وحرم الباقون كلهم عن الإرث
(أصليا) أي: الميت لم يكن كافرا مرتدا بل كافرا أصليا.
814

وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته، شارك أهله إن كان مساويا في الدرجة، وانفرد
به إن كان أولى (26). ولو أسلم بعد القسمة، أو كان الوارث واحدا، لم يكن له نصيب. أما لو
لم يكن له وارث سوى الإمام عليه السلام، فأسلم الوراث، فهو أولى من الإمام لرواية أبي
بصير. وقيل: إن كان قبل نقل التركة إلى بيت مال الإمام ورث، وإن كان بعده لم يرث،
وقيل: لا يرث لأن الإمام كالوارث والواحد.
ولو كان الوارث زوجا أو زوجة وآخر كافرا، فإن أسلم أخذ ما فضل عن نصيب
الزوجية، وفيه إشكال ينشأ من عدم إمكان القسمة (27). ولو قيل: يشارك مع الزوجة دون
الزوج كان وجها، لأن مع فريضة الزوجة يمكن القسمة مع الإمام، والزوج يرد عليه ما فضل،
فلا يتقدر في فريضته قسمة، فيكون كبنت مسلمة وأب كافر (28)، أو أخت مسلمة وأخ كافر.
مسائل أربع:
الأولى: إذا كان أحد أبوي الطفل مسلما، حكم بإسلامه. وكذا لو أسلم أحد الأبوين
وهو طفل (29). ولو بلغ فامتنع عن الإسلام، قهر عليه. ولو أصر، كان مرتدا.
الثانية: لو خلف نصراني أولاد صغارا وابن أخ وابن أخت مسلمين، كان لابن الأخ ثلثا
التركة، ولابن الأخت ثلثه، وينفق الاثنان على الأولاد بنسبة حقهما. فإن بلغ الأولاد
مسلمين، فهم أحق بالتركة على رواية مالك بن أعين. وإن اختاروا الكفر، استقر ملك
الوارثين على ما ورثاه ومنع الأولاد، وفيه إشكال ينشأ من إجراء الطفل مجرى أبويه في
الكفر (30)، وسبق القسمة على الإسلام يمنع الاستحقاق.
الثالثة: المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب (31)، والكفار يتوارثون وإن اختلفوا

(26): مثال المساوي: كان أخ كافر وأخوة مسلمون، فأسلم الأخ الكافر قبل تقسيم الإرث ومثال الأولى، لو كان الابن كافرا، فأسلم
قبل تقسيم الأخوة الإرث.
(27): لأنه وارث واحد (القسمة مع الإمام) إذ الزوجة لا تعطي كل المال، بل لو لم يكن غيرها فالإمام له ثلاثة أرباع، فيجب القسمة
بينها وبين الإمام، فقبل القسمة لو أسلم الكافر ورث (ما فضل) فهو وارث (فلا يتقدر) أي: لا يفرض.
(28): فبمجرد موت الميت يكون كل المال للبنت المسلمة، فإذا أسلم الأب الكافر فلا شئ له، وكذا الأخت والأخ.
(29): أي: بعد غير بالغ (قهر) أي: أجبر (مرتدا) إذ المرتد هو كفر المحكوم بالإسلام، ولا يجب كونه معتقدا سابقا بالإسلام بل يكفي
الحكم بالإسلام.
(30): فهم محكومون بالكفر شرعا للتبعية.
(31): فالشيعة، والأحناف، والحنابلة، والموالك، والشوافع، والزيدية والإسماعيلية وغيرهم يرث بعضهم بعضا، وكذا اليهود
والنصارى، والمجوس، والمشركون، وعبدة الأصنام، ونحوهم يرث بعضهم بعضا (النحل) أي: الأديان.
815

في النحل.
الرابعة: تقسم تركة المرتد عن فطرة (32) حين ارتداده، وتبين زوجته، وتعتد عدة
الوفاة، سواء قتل أو بقي، ولا يستتاب، والمرأة لا تقتل وتحبس، وتضرب أوقات الصلوات،
ولا تقسم تركتها حتى تموت. ولو كان المرتد لا عن فطرة استتيب، فإن تاب وإلا قتل. ولا يقسم
ماله حتى يقتل أو يموت. وتعتد زوجته من حين اختلاف دينهما (33)، فإن عاد قبل خروجها من
العدة فهو أحق بها، وإن خرجت العدة ولم يعد، فلا سبيل له عليها.
وأما القتل: فيمنع القاتل من الإرث إذا كان عمدا ظلما. ولو كان بحق، لم يمنع (34).
ولو كان القتل خطأ، ورث على الأشهر. وخرج المفيد رحمه الله وجها آخر، وهو المنع من
الدية (35) وهو حسن، والأول أشبه. ويستوي في ذلك الأب والولد وغيرهما، من ذوي
الأنساب والأسباب.
ولو لم يكن وارث سوى القاتل، كان الميراث لبيت المال، ولو قتل أباه، وللقاتل ولد،
ورث جده إذا لم يكن هناك ولد (36) للصلب، ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه. ولو كان للقاتل
وارث كافر منعا جمعا، وكان الميراث للإمام. ولو أسلم الكافر، كان الميراث له والمطالبة
إليه (37)، وفيه قول آخر.
وهنا مسائل:
الأولى: إذا لم يكن المقتول وارث سوى الإمام، فله المطالبة بالقود (38) أو الدية مع
التراضي، وليس له العفو.
الثانية: الدية في حكم مال المقتول، يقضي منها دينه ويخرج منها وصاياه، سواء قتل

(32): وهو الذي ولد مسلما ثم ارتد (ولا يستتاب) يعني: لا ينفع التوبة في ترك تقسيم أمواله، وعدم فراق زوجته (والمرأة) المرتدة فطرة
(لا عن فطرة) وهو الذي ولد كافرا، ثم أسلم، ثم ارتد.
(33): أي: من حين الارتداد (من العدة) وهي أربعة أشهر وعشرة أيام من حين الارتداد (أحق بها) أي: زوجها من غير تجديد عقد
(فلا سبيل) أي: تصير زوجته سائبة لا زوج لها، فلها أن تتزوج ولا تحتاج إلى طلاق.
(34): كمن قتل أباه أو أخاه وهما مشركان محاربان، أو باغيان على الإمام عليه السلام ونحو ذلك.
(35): أي لا يرث القاتل من أموال المقتول ولا يرث من الدية التي دفعها القاتل نفسه (الأنساب) كالأخ والأخت، والأعمام
والأخوال وأولادهم (والأسباب) كالزوجة، وولاء العتق، والجريرة.
(36): أي: ولد آخر للمقتول غير القاتل (منعا) القاتل والكافر، القاتل لقتله والكافر لكفره.
(37): أي: المطالبة بدم المقتول (قول آخر) مع قول ثالث مضى كلاهما بعد رقم (26) مباشرة فراجع المتن.
(38): أي: القصاص إن كان القتل عمدا (مع التراضي) مع القاتل، إذ للقاتل أن لا يدفع الدية ويتعرض القصاص.
816

عمدا فأخذت الدية أو خطأ.
الثالثة: يرث الدية كل مناسب أو مسابب، عدا من يتقرب بالأم فإن فيهم خلافا (39).
ولا يرث أحد الزوجين القصاص. ولو وقع التراضي بالدية، ورثا نصيبهما منها.
وأما الرق: فيمنع في الوارث والموروث. فمن مات وله وارث حر وآخر مملوك فالميراث
للحر وإن بعد، دون الرق وإن قرب (40). ولو كان الوراث رقا، وله ولد حر، لم يمنع الولد برق
أبيه. ولو كان الوارث اثنين فصاعدا فعتق المملوك قبل القسمة، شارك إن كان مساويا، انفرد
إن كان أولى (41). لو كان عتقه بعد القسمة، لم يكن له نصيب. وكذا لو كان المستحق للتركة
واحدا، لم يستحق العبد بعتقه نصيبا (42). وإذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك، اشترى
المملوك من التركة واعتق، وأعطى بقية المال. ويقهر المالك على بيعه. ولو قصر المال عن
ثمنه (43)، قيل: يفك بما وجد ويسعى في الباقي، وقيل: لا يفك ويكون الميراث للإمام، وهو
الأظهر. وكذا لو ترك وارثين أو أكثر، وقصر نصيب كل واحد منهم، أو نصيب بعضهم عن
قيمته، لم يفك أحدهم (44) وكان الميراث للإمام. ولو كان العبد قد انعتق بعضه، ورث من
نصيبه بقدر حريته (45)، ومنع بقدر رقيته. وكذا يورث منه (46). وحكم الأمة كذلك (47).
مسألتان:
الأولى: يفك الأبوان للإرث إجماعا (48)، وفي الأولاد تردد، أظهره أنهم يفكون. وهل

(39): والمشهور عدم الإرث (القصاص) فلو قتل الزوج فليس لزوجته المطالبة بالقصاص، أو قتلت الزوجة فليس لزوجها المطالبة
بالقصاص (التراضي) بين القاتل وأولياء المقتول (نصيبهما منها) أي: حصتهما من الدية فالزوج يرث نصف الدية إذا لم يكن للمقتولة
ولد، وربعها إذا كان لها ولد، والزوجة ربع الدية أو ثمنها مع الولد للمقتول وعدمه.
(40): كما لو كان الحر ابن عم، والمملوك ابنا (برق أبيه) كما لو مات زيد وله ولد عبد وللعبد ولد، فيرث فيرث ولد العبد جده، ولا يمنع
وجود الأب الرق إرث الابن من جده.
(41): مثال المساوي: مات زيد وله أخوة أحرار، وأخ رق، فتحرر الرق قبل قسمة الإرث فيشترك معهم، ومثال الأولى: وكان للميت
ولد رق تحرر قبل القسمة فالمال كله له.
(42): إذ بمجرد الموت ينتقل المال إلى الوارث الواحد، فانعتاق وارث مساو أو أولى لا يجدي.
(43): كما لو كان الإرث ثمانون درهما وقيمة المملوك مئة درهم.
(44): الذي ينقص نصيبه عن قيمته، وينفك الذي نصيبه بقدر قيمته أو أكثر -.
(45): إذا كان معه وارث آخر، وإلا اشترى مقدار رقبته إن وفى الإرث بقيمته، ومثال المتن هكذا شخص نصفه حر ونصفه رق، فمات
أبوه وله أخ فللرق ربع التركة، إذ نصفها له على تقدير حريته، وحيث إن نصفه حر، فله نصف النصف وهو الربع.
(46): فلو مات هذا الذي نصفه حر، ورثت زوجته الربع أو الثمن من مالكه في حصة حريته، ورثت بنته الواحدة النصف من مقدار
حريته، وهكذا، مثلا لو كان الميت قد قسم أيامه بين نفسه وبين المولى، فله يوم وللمولى يوم، فما جمعه في يوم نفسه نصفه لبنته،
وربعه أو ثمنه لزوجته، وهكذا.
(47): في كل ما مر من الأحكام بلا استثناء.
(48): فلو مات حر وله أب أو أم رق، وليس له وارث غيره، اشترى بالإرث وأعتق.
817

يفك من عدا الآباء والأولاد؟ الأظهر، لا. وقيل: يفك كل وارث، ولو كان زوجا أو زوجة،
والأول أولى.
الثانية: أم الولد لا ترث، وكذا المدبر، ولو كان وارثا من مدبره (49). وكذا المكاتب
المشروط، والمطلق الذي لم يؤد شيئا (50).
ومن لواحق أسباب المنع: أربعة
الأول: اللعان سبب لسقوط نسب الولد (51). نعم، لو اعترف بعد اللعان، ألحق به
ويرثه الولد، وهو لا يرثه.
الثاني: الغائب غيبة منقطعة لا يورث (52) حتى يتحقق موته، أو ينقضي مدة لا يعيش
مثله إليها غالبا، فيحكم لورثته الموجودين في وقت الحكم. وقيل: يورث بعد انقضاء عشر
سنين من غيبته، وقيل: يدفع ماله إلى وارثه الملي (53)، والأول أولى.
الثالث: الحمل يرث بشرط انفصاله حيا (54). ولو سقط ميتا، لم يكن له نصيب. ولو
مات بعد وجوده حيا. كان نصيبه لوارثه. ولو سقط بجناية، اعتبر بالحركة التي لا تصدر إلا من
حي (55)، دون التقلص الذي يحصل طبعا لا اختيارا.
الرابع: إذا مات وعليه دين يستوعب التركة، لم ينتقل إلى الوارث، وكانت على حكم

(49): يعني: ولو كان وارثا لو كان حرا، كما لو كان المدبر أخا للميت، وكان مملوكا له، وله ورثة آخرين أخوة للميت، فإنه لا يرث.
(50): وأما الذي أدى شيئا فقد مر عند رقم (45) أنه يرث بقدر حريته.
(51): فلو مات زيد وله ولد ملاعن، وله أخوة انتقل المال إلى الأخوة (لو اعترف) بالنبوة (وهو لا يرثه) فلو مات هذا الأب ورثه هذا
الابن، وأما لو مات هذا الابن لا يرثه أبوه.
(52): أي: لا يقسم أمواله (لا يعيش) كما لو غاب وعمره سبعين سنة وطالت غيبته ثلاثين سنة، فإنه لا يعيش في هذا الزمان غالب
الناس أكثر من مئة سنة.
(53): أي: الغني: حتى إذا وجد الغائب كان قادرا على استرجاع المال منه.
(54): فلو مات زيد وله ورثة، وله حمل في بطن أمه فسقط حيا ثم مات، ورث هذا الحمل نصيبه من أبيه ثم ينتقل هذا النصيب كله إلى أمه، لأنها
وريثته الوحيدة وأما لو سقط ميتا فليس له نصيب حتى ينتقل إلى أمه، بل ما كان يمكن أن يكون نصيبه يوزع على كل الورثة ومنهم أمه في هذا
المثال، وفي بعض الفروض لا تحصل الأم على شئ إطلاقا، مثاله: مات أخ من أب للحمل - وليس للميت أخ من أبوين - وكان ورثة الميت
إخوان وأخوات، فلو سقط الحمل ميتا لم يعد شئ إلى أمه، بل يوزع على إخوانه وأخواته، ولو سقط حيا ورث نصيبه ثم انتقل كله إلى أمه،
لأنها في المرتبة الأولى، والأخوة في المرتبة الثانية.
(55): فإن تحرك حركة الحي - والعرف يحكم في ذلك - ورث ثم انتقل إرثه إلى وارثه، وإن لم يتحرك تحرك الأحياء كان قد سقط ميتا.
818

مال الميت (56). وإن لم يكن مستوعبا، انتقل إلى الورثة ما فضل، وما قابل الدين باق على حكم
مال الميت.
المقدمة الثالثة
في الحجب: الحجب قد يكون عن أصل الإرث وقد يكون عن بعض الفرض.
فالأول: ضابطه مراعاة القرب. فلا ميراث لولد ولد مع ولد (57)، ذكرا كان أو أنثى،
حتى إنه لا ميراث لابن ابن مع بنت، ومتى اجتمع أولاد الأولاد - وإن سفلوا - فالأقرب منهم يمنع
الأبعد.
ويمنع الولد من يتقرب (58) بالأبوين أو بأحدهما، كالأخوة وبنيهم، والأجداد وآبائهم،
والأعمام والأخوال وأولادهم.
ولا يشارك الأولاد في الإرث، سوى الأبوين والزوج أو الزوجة، فإذا عدم الآباء
والأولاد، فالأخوة والأجداد، ويمنع الأخ ولد الأخ. ولو اجتمعوا بطونا متنازلة، فالأقرب أولى
من الأبعد (59). ويمنع الأخوة وأولادهم وإن نزلوا، من يتقرب بالأجداد، من الأعمام
والأخوال وأولادهم، ولا يمنعون آباء الأجداد، فإن الجد وإن علا جد، لكن لو اجتمعوا بطونا
متصاعدة (60) فالأدنى إلى الميت أولى من الأبعد.
والأعمام والأخوال وأولادهم، وإن نزلوا، يمنعون أعمام الأب وأخواله. وكذا أولاد
أعمام الأب وأخواله، يمنعون أعمام الجد وأخواله. ويسقط من يتقرب بالأب وحده، مع من
يتقرب بالأب والأم، مع التساوي في الدرج (61)، والمناسب. وإن بعد (62)، يمنع مولى

(56): أي: بمنزلة مال الميت، وإنما قال (على حكم) لأن الميت لا مال له، ومن جهة أخرى لا ينتقل إلى الديان حتى يوزع عليهم، ولا يكون
مال بلا مالك - كما هو المعروف بينهم - فعبر ب‍ (حكم مال الميت).
(57): فلو كان للميت ولد، لم يرث ولد الولد (مع بنت) فلو كان للميت بنت، لم يرث ابن الابن (يمنع الأبعد) فلو كان ولد الولد، لم
يرث ولد ولد الولد، وهكذا.
(58): أي: يتقرب إلى الميت.
(59): فمع وجود ولد الأخ لا يرث حفيد الأخ، ومع وجود حفيد الأخ لا يرث أولاد حفيد الأخ وهكذا.
(60): كأب الجد، وجد الجد، وأب جد الجد، فمع وجود الأول لا يرث الثاني، ومع وجود الثاني لا يرث الثالث وهكذا.
(61): أي: في المرتبة مثاله: للميت عم لأبوية، وعم لأبيه فقط، فالإرث كله للعم لأبويه، لأنهما متساويان في المرتبة، ولا يرث الذي للأب فقط
مع وجود الذي للأبوين، ومثال الاختلاف في المرتبة للميت عم أب للأب فقط، وعم جد للأبوين، فالإرث كله لعم أبيه للأب فقط، لأنه
أقرب من عم الجد، وهكذا وهلم جرا.
(62): أي: من يربط النسب بالميت من المراتب الثلاث (مولى النعمة) أي: المولى للميت الذي كان قد أعتقه (أو من قام مقامه) كأولاد
المعتق، أو أخوته، أو أعمامه وأخواله وأولادهم.
819

النعمة، وكذا ولي النعمة، أو من قام مقامه في ميراث المعتق، يمنع ضامن الجريرة. وضامن
الجريرة، يمنع الإمام.
وأما الحجب عن بعض الفرض: فاثنان: حجب الولد، وحجب الأخوة.
أما الولد: فإنه وإن نزل (63)، ذكرا كان أو أنثى، يمنع الأبوين عما زاد عن السدسين،
إلا مع البنت أو البنتين فصاعدا مع أحد الأبوين.
ويحجب أيضا الزوج والزوجة (64)، عن النصيب الأعلى إلى الأخفض.
وللزوج والزوجة ثلاثة أحوال:
الأولى: أن يكون في الفريضة ولد وإن سفل، للزوج الربع، وللزوجة الثمن.
الثانية: أن لا يكون هناك ولد، ولا ولد ولد وإن نزل، فللزوج النصف، وللزوجة
الربع، ولا يعال نصيبهما (65) لأن العول عندنا باطل.
الثالثة: أن لا يكون هناك وارث أصلا، من مناسب ولا مسابب، فالنصف للزوج
والباقي رد عليه، وللزوجة الربع، وهل يرد عليها؟ فيه أقوال ثلاثة: أحدها يرد والآخر لا
يرد، والثالث يرد مع عدم الإمام، لا مع وجوده، والحق أنه لا يرد (66).
وأما حجب الأخوة: فإنهم يمنعون الأم عما زاد عن السدس بشروط أربعة:
الأول: أن يكونوا رجلين فصاعدا، أو رجلا وامرأتين، أو أربع نساء.
الثاني: ألا يكونوا كفرة، ولا رقا (67)، وهل يحجب القاتل؟ فيه تردد، والظاهر أنه لا
يحجب.
الثالث: أن يكون الأب (68) موجودا.

(63): يعني: ولد الولد، ولد ولد الولد، وهكذا (إلا مع البنت الخ) يعني: لو كان الولد بنتا واحدة، أو بنتين (فصاعدا) أي: أكثر
ثلاث بنات أربع وهكذا، وكان للميت أحد الأبوين - لا كلاهما - فإن الولد في هذا الفرض لا يمنع أحد الأبوين عن الأكثر من
السدس، بل يأخذ أحد الأبوين الثلث، والبنتان الثلثان، والبنت الواحدة النصف.
(64): الزوج والزوجة مفعول، وفاعل يحجب ضمير الولد (وإن سفل) أي: نزل.
(65): أي: لا ينقص نصيبهما سواء كان ولد أم لا، ولمزيد الملاحظة راجع رقم (17) (لأن العول عندنا) نحن الشيعة.
(66): ويدفع الثلاثة أرباع للإمام عليه السلام إن كان حاضرا، وإن كان غائبا فيعامل معها معاملة سهم الإمام عليه السلام يدفع إلى
المجتهد العادل على الأحوط، أو يصرف في شؤون الدين وإقامة أمور الشرع وهداية الناس إلى الحق ونحو ذلك.
(67): ولا أحدهم (لا يحجب) فلو قتل زيد أخاه، وكان زيد له أخ آخر، حجبا أمهما عن الزائد عن السدس.
(68): أي: أب الميت.
820

الرابع: أن يكونوا للأب والأم، أو للأب. وفي اشتراط وجودهم منفصلين لا حملا
تردد. أظهره أنه شرط. ولا يحجبها أولاده الأخوة، ولا من الخناثى أقل من أربعة، لاحتمال
أن يكونوا إناثا.
المقدمة الرابعة
في مقادير السهام واجتماعها
السهام ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
فالنصف: نصيب الزوج، مع عدم الولد وإن نزل. وسهم البنت. والأخت للأب
والأم، أو الأخت للأب.
والربع سهم الزوج مع الولد وإن نزل. والزوجة مع عدمه.
والثمن: سهم الزوجة مع الولد، وإن نزل (69).
والثلثان: سهم البنتين فصاعدا، والأختين فصاعدا، للأب والأم أو للأب.
والثلث: سهم الأم مع عدم من يحجبها من الولد وإن نزل. والأخوة (70). وسهم
الاثنين فصاعدا من ولد الأم.
والسدس: سهم كل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل. وسهم الأم مع الأخوة للأب
والأم، أو للأب مع وجود الأب (71). وسهم الواحد من ولد الأم، ذكرا كان أو أنثى.
وهذه الفروض: منهما ما يصح أن يجتمع، ومنها ما يمتنع.
فالنصف: يجتمع مع مثله (72)، ومع الربع، ومع الثمن. ولا يجتمع مع الثلثين (73)،

(69): فلو مات شخص وكان له حفيد الحفيد، أعطى لزوجته الثمن.
(70): إذ لو كان للميت ولد، أو أخوة - بالشروط الأربعة الآنفة - (ولد الأم) أي: أخوة الميت من أمه فقط.
(71): توفر بقية الشروط من كون الأخوة أحرارا، ومسلمين وكونهم أختين أو أخا وأختين أو أربع أخوات.
(72): كزوج وأخت، لكل منهما نصف المال (ومع الربع) زوجته وأخته، للزوجة الربع، وللأخت النصف (ومع الثمن) بنت
وزوجة، للبنت النصف، وللزوجة الثمن.
(73): إذ نصف الاثني عشر - مثلا - مع ثلثيه يكون أربعة عشر، ولا يجعل الله تعالى العالم بكل شئ نصيبا يوجب النقص، لأن مرجع ذلك إلى
جهل في التشريع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (لبطلان العول) أي: النقص في الإرث. والعامة قائلون بالعول، فينقصون من جميع
الورثة، مثاله أختان وزوج، نصيب الأختين الثلثان، ونصيب الزوج النصف، العامة في هذه الحال ينقصون من نصيب الجميع فيعطون
الأختين أقل من الثلثين، ويعطون الزوج أقل من النصف، أما الشيعة تبعا لأئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام الذين أمر الله تعالى
باتباعهم فيقولون إن الله تعالى في هذه الحال لم يجعل نصيب الأختين الثلثين، بل جعل نصيبهما النصف فلا نقص في التشريع، والتفصيل في
المفصلات.
821

لبطلان العول، بل يكون النقص داخلا على الأختين دون الزوج.
ويجتمع النصف: مع الثلث (74)، ومع السدس. الربع والثمن.
ويجتمع الربع: مع الثلثين (75)، ومع الثلث، ومع السدس.
ويجتمع الثمن: مع الثلثين (76)، والسدس. ولا يجتمع مع الثلث.
ولا يجتمع: الثلث مع السدس (77)، تسمية.
ويلحق بذلك مسألتان:
الأولى: لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب (78)، وإذا أبقت الفريضة، فإن كان هناك مساو
لا فرض له، فالفاضل له بالقرابة، مثل: أبوين وزوج أو زوجة، للأم ثلث الأصل، وللزوج

(74): كزوج وأم مع عدم الحاجب (ومع السدس) كزوج وواحد من كلالة الأم (ولا يجتمع الربع مع الثمن) إذا الربع سهم الزوج مع الولد،
والزوجة بلا ولد، والثمن سهم الزوجة مع الولد، فلا يجتمع زوج وزوجة، لأن الميت أحدهما لا محالة، ولا تجتمع الزوجة مع الولد معها بلا
ولد للتناقض.
(75): كزوج وبنتين (مع الثلثين) كزوجة والمتعدد من كلالة الأم (ومع السدس) كزوجة واحد من كلالة الأم.
(76): كزوجة وبنتين (ومع السدس) كزوجة وأحد الأبوين إذا كان للميت ولد (ولا يجتمع مع الثلث) إذا لثلث سهم لكلالة الأم إذا كانوا
متعددين ولا يرث كلالة الأم إلا مع عدم الولد، ومع الولد الزوجة ترث الربع لا الثمن، فلا يجتمع ثمن الزوجة مع كلالة الأم.
والثلث أيضا سهم للأم مع عدم الولد، ومع عدم الولد لا تأخذ الزوجة الثمن.
(77): إذ الثلث سهم ل‍ (1) الأم مع عدم الولد وعدم الحاجب من الأخوة (2) وسهم المتعدد من كلالة الأم، والسدس سهم لثلاثة
(1) كل واحد من الأبوين مع وجود الولد (2) وسهم الأم مع الحاجب من الأخوة (3) وسهم الواحد من كلالة الأم، وعليك
بالملاحظة لتعرف عدم اجتماع الثلث مع السدس (تسمية) أي: امتناع اجتماع ما ذكر عند رقم (73) وما بعده إنما هو بالتسمية
والفرض: أي: لم يعين الله تعالى هذه السهام بعضها مع بعض بتعيين لها، وأما عندما يدخل النقص على بعض الورثة بحيث يكون
لبعضهم في بعض الحالات ما يبقى من التركة، لا نصيبا معينا، فيمكن اجتماع كل هذه الممتنعات وإليك على ذلك أمثلة:
1 - اجتماع الثلث مع السدس: زوج وأبوان، للزوج النصف، وللأم مع عدم الحاجب - الأخوة - الثلث والباقي للأب وهو
السدس. وإن كان للأم حاجب فلها السدس، والباقي وهو الثلث للأب.
2 - اجتماع الربع مع الربع في بنتين مع ابن، للابن النصف، ولكل من البنتين الربع.
3 - اجتماع الربع مع الثمن والثمن مع الثمن أيضا في زوجة وثلاثة بنين وبنت واحدة، للزوجة الثمن، ثم يوزع الباقي سبع
حصص للبنت حصة واحدة، ولكل من الذكور حصتان، فللبنت الثمن، وللبنتين لكل منهم الربع (مثاله) أربعة وعشرون دينارا
تركة الميت، لزوجته الثمن (3) يبقى (21) دينارا يوزع سبع حصص كل حصة (3) دنانير للبنت واحدة، وللذكور كل واحد حصتان
تكونان (6) دنانير. وستة دنانير تكون ربع الأربعة والعشرين. وهكذا دواليك.
(78): التعصيب هو إعطاء الزائد من سهام الورثة للعصبية، وهم المتقربون بالأب ومن المراتب الأخرى، كما لو كان الوارث بنتا واحدة،
أو بنتين فقط، فيعطى الزائد وهو النصف، أو الثلث لإخوة الميت، أو أعمامه، أو بني عمه، قال في الجواهر: (أجمع أصحابنا
وتواترت أخبارنا عن ساداتنا عليهم السلام بل هو من ضروريات مذهبنا أنه لا يثبت الميراث عندنا بالتعصيب الخ).
822

أو الزوجة نصيبهما (79) وللأب الباقي. ولو كان أخوة، كان للأم السدس، وللزوج النصف،
وللأب الباقي. وكذا أبوان وابن وزوج (80). وكذا زوج وإخوان من أم، وأخ أو إخوة من أب
وأم، أو من أب. وإن كان بعيدا (81) لم يرث، ورد الفاضل على ذوي الفروض، عدا الزوج
والزوجة مثل أبوين أو إحداهما وبنت وأخ أو عم.
الثانية: العول (82) عندنا باطل، لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يقوم به.
ولا يكون العول إلا بمزاحمة الزوج أو الزوجة (83)، فيكون النقص داخلا على الأب أو البنت أو
البنتين، أو من يتقرب بالأب والأم أو بالأب من الأخت أو الأخوات (84)، دون من يتقرب
بالأم، مثل زوج وأبوين وبنت (85)، أو زوج وأحد الأبوين وبنتين فصاعدا أو زوجة وأبوين
وبنتين، أو زوج مع كلالة الأم وأخت أو أخوات لأب وأم أو لأب.
وأما المقاصد فثلاثة:
الأول
في ميراث الأنساب وهم ثلاث مراتب.
الأولى: الأبوان والأولاد فإن انفرد الأب (86)، فالمال له، وإن انفردت الأم، فلها
الثلث، والباقي رد عليها (87).

(79): للزوج النصف، وللزوجة الربع (ولو كان أخوة) للميت بشرائط الحجب التي مرت عند رقم (67) وقبله وبعده.
(80): للزوج الربع، وللأبوين السدسين، والباقي - وهو خمسة من اثني عشر - للابن لأنه لا فرض معين له (وكذا زوج) للزوج
النصف، ولإخوة الأم الثلث، والباقي للأخوة من الأبوين أو لإخوة من الأب لأنهم لا فرض معين لهم.
(81): أي: من مرتبة أخرى لا تشارك هذه المرتبة في الإرث (عدا الزوج والزوجة) فإنهما لا يرد عليهما من الزائد شئ في حال وجود غيرهما
(مثل أبوين) للبنت النصف، وللأبوين السدسين، يبقى سدس زائد لا يعطى للأخ ولا العم بل يرد على البنت والأبوين أخماسا،
بنسبة حصصهم للبنت ثلاثة أخماس، وللأبوين خمسان، مثاله: نقسم التركة ثلاثين قسما للبنت خمسة عشر، ولكل واحد من
الأبوين خمسة، فالمجموع خمسة وعشرون يزيد خمسة، للبنت منها ثلاثة، لأن حصتها ثلاثة أضعاف حصة كل واحد من الأبوين.
(82): وهو أن تكون حصص الورثة أكثر من التركة (عندنا) نحن الشيعة.
(83): ففي غير صورة وجود زوج للمرأة الميتة، أو زوجة للرجل الميت لا يتحقق عول (فيكون النقص داخلا) يعني: تشريع الله تعالى
لهؤلاء في حال وجود أحد الزوجين أقل من تشريع الله لهم في حال عدم الزوجين، لا أن تشريع الله تعالى لهم في الحالتين واحد، وإنما
حوت النقص، معاذ الله من قول ذلك.
(84): أو العمة والعمات، وأما الأخ والإخوان، والعم والأعمام من الأبوين أو من الأب خاصة فليس لهم نصيب مفروض معين بل
الزائد يكون لهم دائما (دون من يتقرب بالأم) إلى الميت فلا يدخل النقص عليهم كالأخوة من الأم.
(85): هذه أربعة أمثلة ذكرنا توضيحا لثلاثة منها تحت رقم (17): عند ذكر المصنف لها، ولكن مثالا واحدا من هذه الأربعة لم يذكرها
المصنف هناك وهو " زوجة وأبوين وبنتين " للزوجة الثمن، وللأبوين سدسين، فإذا أعطينا البنتين الثلثين نقصت الفريضة - ثمن
الأربعة العشرين - 3 - وسدسها - 8 - وثلثاها - 16 - لو جمعناها 3 + 8 + 16 = 27 - لذا يدخل النقص على البنتين في هذا المثال.
(86): يعني: مات شخص ولم يخلف أما، ولا أولادا، ولا أولاد أولاد، وإنما خلف أبا فقط من هذه المرتبة (فالمال) كله
(له).
(87): يعني: فريضتها الثلث مع وجود الأب ولا حاجب أما مع العدم فكل المال لها، ثلثه بالتسمية والفرض، والباقي لأنها أقرب إلى
الميت من غيرها.
823

ولو اجتمع الأبوان، فللأم الثلث، وللأب الباقي. ولو كان هناك إخوة (88)، كان لها
السدس وللأب الباقي، ولا يرث الأخوة شيئا.
ولو انفرد الابن، فالمال له. ولو كانوا أكثر من واحد، فهم سواء في المال (89).
ولو انفردت البنت، فلها النصف، والباقي رد عليها. ولو كانت بنتان فصاعدا، فلهما
أولهن الثلثان، والباقي رد عليهما أو عليهن.
وإذا اجتمع الذكران والإناث، فالمال لهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.
ولو اجتمع الأبوان أو أحدهما، مع الأولاد، فلكل واحد من الأبوين السدس، والباقي
للأولاد بالسوية إن كانوا ذكورا وإن كان معهم أنثى أو إناث، فللذكر مثل حظ الأنثيين. ولو
كان معهم زوج أو زوجة أخذ حصته الدنيا (90). وكذا الأبوان، والباقي للأولاد. ولو كان مع
الأبوين بنت، فللأبوين السدسان، وللبنت النصف، والباقي رد عليهم أخماسا (91). ولو كان
أخوة للأب، كان الرد على الأب والبنت أرباعا. ولو دخل معهم زوج، كان له نصيبه
الأدنى (92)، وللأبوين كذلك، والباقي للبنت، ولو كانت له زوجة، أخذ كل ذي فرض
فرضه (93)، والباقي يرد على البنت والأبوين، دون الزوجة.
ومع الأخوة، يرد الباقي على البنت والأب، أرباعا.
ولو انفرد أحد الأبوين معها (94)، كان المال بينهما أرباعا.

(88): أي: أخوة للميت بشرائط الحجب الخمسة التي مرت عند رقم (67) وقبله وبعده.
(89): أي: يقسم بينهم بالسوية (فصاعدا) أو أكثر كثلاث بنات، أو أربع وهكذا.
(90): أي: حصة الدانية القليلة وهي ربع للزوج وثمن للزوجة (وكذا الأبوان) يأخذان حصتهما القليلة وهي السدس لكل واحد
منهما.
(91): ذكرنا الرد أخماسا عند رقم (81) (أرباعا) أي: يقسم الزائد أربعة أقسام للبنت فيها ثلاثة وللأب واحد، وليس للأم رد، لأن وجود إخوة
للميت بشرائط الحجب الخمسة التي مرت عند رقم (67) يمنع عن الرد على الأم من الزائد، مثلا نقسم التركة إلى أربعة وعشرين قسما،
السدس - 4 - وللأب السدس - 4 - وللبنت النصف - 12 - هذا عشرون يزيد أربعة توزع على البنت والأب بنسبة حصتيهما للبنت ثلاثة،
وللأب واحد.
(92): أي: الأقل وهو الربع لوجود البنت (وللأبوين كذلك) أي: نصيبهما الأدنى وهو السدسان.
(93): للزوجة الثمن - من أربعة وعشرين وهو - 3 - وللأبوين السدسان - 8 - وللبنت النصف - 12 - فالمجموع - 23 - يبقى واحد يوزع
على البنت والأبوين أخماسا إن لم يكن أخوة يحجبون الأم.
(94): أي: مع البنت، بأن كان وارث الميت بنتا أحد الأبوين (أرباعا) ثلاثة أرباع للبنت وربع لأحد الأبوين، بالفرض والرد جميعا
هكذا مثلا نقسم المال إلى اثنى عشر قسما، نصفه - 6 - للبنت، وسدسه - 2 - لأحد الأبوين، يبقى أربعة ثلاثة منها للبنت،
وواحد لأحد الأبوين، يكون الحاصل للبنت - 9 - وهي ثلاثة أرباع اثنى عشر، ولأحد الأبوين - 3 - وهو ربع اثني عشر.
824

ولو دخل معهما (95) زوج أو زوجة، كان الفاضل ردا على البنت واحد الأبوين دون الزوج
أو الزوجة. ولو كان (96) بنتان فصاعاد فللأبوين السدسان وللبنتين فصاعدا الثلثان بالسوية،
ولو كان معهم زوج أو زوجة، كان لكل واحد منهما نصيبه الأدنى (97)، وللأبوين السدسان،
والباقي للبنتين فصاعدا. ولو كان أحد الأبوين، كان له السدس، وللبنتين فصاعدا الثلثان،
والباقي رد عليهم أخماسا (98). ولو كان زوج، كان النقص داخلا على البنتين فصاعدا. ولو
كانت زوجة، كان لها نصيبها وهو الثمن، والباقي بين أحد الأبوين والبنات أخماسا.
ولو كان مع الأبوين زوج، فله النصف، وللأم ثلث الأصل، والباقي للأب. ومع
الأخوة (99)، للأم السدس، والباقي للأب.
ولو كان معها زوجة، فلها الربع، وللأم ثلث الأصل، إن لم يكن أخوة، والباقي
للأب. ومع الأخوة، لها السدس، والباقي للأب.
مسائل:
الأولى: أولاد الأولاد، يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين. وشرط ابن بابويه رحمه
الله في توريثهم عدم الأبوين، وهو متروك (100). ويمنع الأولاد، من يتقرب بهم، ومن يتقرب
بالأبوين من الأخوة وأولادهم والأجداد وآبائهم، والأعمام والأخوال وأولادهم ويترتبون
الأقرب فالأقرب، فلا يرث بطن مع من هو أقرب منه إلى الميت. ويرث كل واحد منهم نصيب
من يتقرب به، فيرث ولد البنت نصيب أمه، ذكرا كان أو أنثى، وهو النصف إن انفرد أو كان مع
الأبوين، ويرد عليه كما يرد على أمه لو كانت موجودة، ويرث ولد الابن نصيب أبيه، ذكرا كان
أو أنثى، جميع المال إن انفرد، وما فضل عن حصص الفريضة إن كان معه وراث، كالأبوين أو
أحدهما، والزوج أو الزوجة. ولو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت، كان لأولاد الابن الثلثان،
ولأولاد البنت الثلث على الأظهر (101). ولو كان زوج أو زوجة، كان له نصيبه الأدنى، والباقي
بينهم لأولاد البنت الثلث، ولأولاد الابن الثلثان.

(95): أي: مع أحد الأبوين والبنت (دون الزوج والزوجة) لعدم الرد عليهما إذا كان معهما وارث آخر غير الإمام عليه السلام
(96): مع الأبوين.
(97): الربع للزوج والثمن للزوجة.
(98): يقسم الباقي خمسة أقسام أربعة للبنتين فصاعدا، وواحد لأحد الأبوين كما مر عند رقم (93):
(99): بشرائط الحجب التي مرت عند وبعد وقبل رقم (67):
(100): لم يعمل به أحد من فقهائنا.
(101): سواء كان أولاد الابن إناثا أو ذكورا، وهكذا كان أولاد البنت ذكورا أو إناثا (ولو كان) أي: مع أولاد الابن وأولاد البنت.
825

الثانية: أولاد البنت يقتسمون نصيبهم للذكر مثل حظ الأنثيين، كما يقتسم أولاد الابن وقيل:
يقتسمونه (102) بالسوية، وهو متروك.
الثالثة: يحبى الولد الأكبر (103) من تركة أبيه، بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه،
وعليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام. ومن شرط اختصاصه، أن لا يكون سفيها، ولا فاسد
الرأي على قول مشهور، وأن يخلف الميت مالا غير ذلك. فلو لم يخلف سواه، لم يخص بشئ
منه. ولو كان الأكبر أنثى، لم تحب، وأعطي الأكبر من الذكور.
الرابعة: لا يرث الجد ولا الجدة مع أحد الأبوين شيئا، لكن يستحب أن يطعما سدس
الأصل، إذا زاد نصيبه (104) عن ذلك، مثل أن يخلف أبويه، وجدا وجدة لأب، وجدا وجدة
لأم، فللأم الثلث، وتطعم نصف نصيبها جده وجدته بالسوية. ولو كان واحدا كان السدس
له، وللأب الثلثان، ويطعم جده وجدته سدس أصل التركة بالسوية. ولو كان واحدا، كان
السدس له ولو حصل لأحدهما السدس من غير زيادة، وحصل للآخر الزيادة، استحب
له الطعمة دون صاحب السدس فلو خلف أبوين وأخوة استحب للأب الطعمة دون الأم (105) ولو
خلف أبوين وزوجا، استحب للأم الطعمة دون الأب. ولا يطعم الجد للأب (106)، ولا الجدة له،
إلا مع وجوده. ولا الجد للأم ولا جدتها، إلا مع وجودها.
المرتبة الثانية: الأخوة والأجداد إذا انفرد الأخ للأب والأم، فالمال له. فإن كان معه أخ
أو أخوة فالمال بينهم بالسوية. ولو كان أنثى أو إناثا، فللذكر سهمان وللأنثى سهم. ولو كان
المنفرد أختا لهما (107)، كان لها النصف والباقي يرد عليها.
ولو كان أختان فصاعدا، كان لهما أو لهن الثلثان، والباقي يرد عليهما أو عليهن.
ويقوم مقام كلالة الأب والأم مع عدمهم، كلالة الأب. ويكون حكمهم في الانفراد

(102): أي: أولاد البنت.
(103): أي: يعطي حصة يعني هدية مختصة به دون بقية الورثة (وعليه قضى ما عليه) أي: على الولد الأكبر قضى ما على أبيه
(فاسد الرأي) في الجواهر: مخالفا في المذهب.
(104): أي: حصة أحد الأبوين (عن ذلك) عن السدس، (يخلف أبويه) وللأم الثلث وللأب الثلثان (ولو كان واحدا) أي: الجد
وجده، أو الجدة وجدها.
(105): لأنها محجوبة عن الأكثر من السدس لوجود أخوة الميت - ولكن بشرائط الحجب التي مرت - (دون الأب) لأنه يحصل على
السدس، إذ الأم تأخذ الثلث، والزوج النصف، فلا يبقى سوى السدس للأب.
(106) أي: أب الأب لا يستحب إطعامه إلا إذا كان الأب - ابنه - موجودا.
(107): أي: أختا للأب والأم.
826

والاجتماع، حكم كلالة الأب والأم. ولا يرث أخ ولا أخت من أب (108)، مع أحد من الأخوة
للأب والأم، لاجتماع السببين.
ولو انفرد الواحد من ولد الأم، كان له السدس، والباقي رد عليه ذكرا كان أو أنثى.
وللأنثيين فصاعدا، الثلث بينهم بالسوية، ذكرانا كانوا أو إناثا، أو ذكرانا وإناثا.
ولو كان الأخوة متفرقين (109)، كان لمن يتقرب بالأم السدس، إن كان واحدا، والثلث
إن كانوا أكثر، بينهم بالسوية. والثلثان لمن يتقرب بالأب والأم، واحدا كان أو أكثر. لكن لو
كان أنثى، كان لها النصف بالتسمية، والباقي بالرد. وإن كانتا اثنتين، فلهما الثلثان. فإن
أبقت الفريضة (110)، فلهما الفاضل. وإن كانوا ذكورا وإناثا، فالباقي بينهم، للذكر سهمان
وللأنثى سهمان وللأنثى سهم.
والجد إذا انفرد، فالمال له، لأب كان أو لأم. وكذا الجدة. ولو كان جدا أو جدة أو هما
لأم (111)، وجدا وجدة أو هما لأب، كان لمن يتقرب منهم بالأم الثلث بالسوية، ولمن يتقرب
بالأب الثلثان، للذكر مثل حظ الأنثيين.
وإذا اجتمع مع الأخوة للأم جد وجدة، أو أحدهما من قبلها (112)، كان الجد كالأخ
والجدة كالأخت، وكان الثلث بينهم بالسوية. وكذا إذا كان اجتمع مع الأخت أو مع الأختين
فصاعدا للأب والأم، أو للأب جد وجدة أو أحدهما (113)، كان الجد كالأخ من قبله والجدة
كالأخت. وينقسم الباقي بعد كلالة الأم بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.
والزوج والزوجة يأخذان نصيبهما الأعلى (114) مع الأخوة، اتفقت وصلتهم أو اختلفت.
وبأخذ من يتقرب بالأم، نصيبه المسمى (115) من أصل التركة، وما يفضل فلا كلالة الأب

(108): يعني: ما دام واحد من كلالة الأب والأم معا موجود لا يصل شئ من الإرث إلى كلالة الأب وحده (السببين) الأب والأم معا.
(109): بعضهم للأبوين، وبعضهم للأم فقط (بينهم بالسوية) للذكر والأنثى سواء.
(110): كما لو كان المتقرب بالأم واحدا فأخذ السدس، والمتقرب بالأبوين أخذ الثلثين فزاد سدس (وإن كانوا ذكورا) كلهم، أو كلهم
كانوا إناثا.
(111): يعني: أبوي أمه.
(112): أي: من قبل الأم، يعني أبويها، أو أحدهما، (فكان الثلث بينهم بالسوية) فلو كان ثلاثة أخوة لأم، وثلاث أخوات لأم وجد
وجدة لأم، قسم الثلث بينهم بالسوية فيعطي الجد والأخ والجدة والأخت سواء.
(113): للأب (من قبله) أي: من قبل الأب (مثل حظ الأنثيين) للأخ والجد سواء، وللأخت والجدة سواء.
(114): النصف للزوج والربع للزوجة (انقضت وصلتهم) أي: كان الأخوة كلهم لأبوين، أو لأب، أو لأم، أو كانوا مختلفين بعضهم
لأبوين أو لأب، وبعضهم لأم.
(115): وهو السدس إذا كان واحدا، والثلث إذا كان أكثر (كما في زوج) للزوج النصف، وللواحد من كلالة الأم السدس، يبقى
ثلث للأخت للأب، مع أن نصيبها النصف في غير هذه الحال فدخل النقص عليها، يعني: تشريع الله تعالى لها في هذه الحال هو ما
تبقى لا النصف.
827

والأم. ومع عدمهم، فلكلالة الأب، ويكون النقص داخلا على من يتقرب بالأب والأم، أو
بالأب، كما في زوج مع واحد من كلالة الأم، مع أخت للأب.
وإن فرضت الزيادة، كما في واحد من كلالة الأم، مع أخت لأب وأم (116)، كان
الفاضل للأخت خاصة. وإن كانت للأب (117)، فهل تخص بما فضل عن السهام؟ قيل:
نعم، لأن النقص يدخل عليها بمزاحمة الزوج أو الزوجة. ولما روي عن أبي جعفر عليه السلام:
في ابن أخت لأب وابن أخت لأم، قال: " لابن الأخت للأم السدس، والباقي لابن الأخت
للأب ". وفي طريقها علي بن فضال، وفيه ضعف. وقيل: بل يرد على من يتقرب بالأم وعلى
الأخت أو الأخوات للأب، أرباعا أو أخماسا للتساوي في الدرجة (118)، وهو أولى.
مسائل ثلاث:
الأولى: الجد وإن علا يقاسم الأخوة، مع عدم الأدنى (119)، ولو اجتمعا مع الأخوة،
شاركهم الأدنى وسقط الأبعد.

(116): لكلالة الأم السدس، والخمسة أسداس الباقية كلها للأخت لأم وأم، مع أن نصيبها في غير هذه الحال النصف، فالزائد وهو
الثلث يكون أيضا لها.
(117): أي: الأخت للأب فقط، لا للأب والأم جميعا (وفيه ضعف) لأنه فطحي قائل بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه
السلام، ولا يقول بإمامة موسى بن جعفر عليه السلام (على من يتقرب بالأم) إنما فرق المصنف في التعبير بين كلالة الأم فسماهم من
يتقرب، وكلالة الأب فسماهم الأخت أو الأخوات. لأن فريضة كلالة الأم لا يفرق فيها بين أن يكونوا ذكورا أو إناثا فحصتهم
السدس إذا كان واحدا والثلث إذا كان أكثر، ذكورا وحدهم، أو إناثا وحدهن، أو ذكرانا وإناثا معا، أما كلالة الأب إنما يكون لهم
فريضة خاصة النصف، أو الثلثان إذا كانوا إناثا، أما في صورة كونهم ذكورا، أو ذكرانا وإناثا معا فباقي المال لهم قل أو كثر ولا فرض
معين لهم (أرباعا أو أخماسا) أرباعا في صورة كون كلالة الأم واحدا وله السدس، وكلالة الأب واحدة ولها النصف، فالمجموع
أربعة أسداس، فالنسبة الأرباع، يقيم الباقي وهو الثلث أربعة أقسام واحدة لكلالة الأم، وثلاثة لكلالة الأب، وأخماسا في صورتين
(1) كون كلالة الأم واحدا له السدس، وكلالة الأب اثنتين لهما الثلثان، والمجموع خمسة أسداس، فالنسبة الأخماس، ويقسم
الباقي وهو السدس خمسة أقسام لكلالة الأم واحد، ولكلالة الأب أربعة (2): كون كلالة الأم أكثر من واحد لهم الثلث وكلالة
الأب واحدة لها النصف، فالمجموع خمسة أسداس، يبقى سدس واحد، يقسم خمسة أقسام اثنان لكلالة الأم، وثلاثة لكلالة
الأب (وأما) صورة كون كلالة الأم متعددا، وكلالة الأب عدة نساء، فلا زيادة في المال، لذا لكلالة الأم، ولكلالة الأب
الثلثان.
(118): هذا تعليل لكون الرد على كلالة الأم وكلالة الأب جميعا، لأن كل واحد منهما ينتسب إلى الميت بسبب واحد أحدهما بالأم فقط..
والآخر بالأب فقط.
(119): أي: الجد الأقرب إلى الميت (اجتمعا) أي: الجد الأعلى والجد الأدنى.
828

الثانية: إذا ترك جد أبيه (120)، وجدته لأبيه، وجده وجدته لأمه (121) ومثلهم للأم،
كان لأجدادها الثلث بينهم أرباعا، ولأجداد الأب الثلثان بينهم أثلاثا ثلثا ذلك لجده وجدته
لأبيه بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، والثلث الآخر لجده وجدته لأمه أثلاثا (122) على ما ذكره
الشيخ. فيكون أصل الفريضة ثلاثة (123)، تنكسر على الفريقين، فتضرب أربعة من تسعة،
ثم تضرب المجتمع في ثلاثة، فيكون مئة وثمانية.

(120): هذه مسألة الأجداد الثمانية، إذ الأجداد في المرتبة الأولى أربعة، وهم أب الأب وأم الأب، وأب الأم وأم الأم، وفي المرتبة
الثانية ثمانية، وهم أبوا أب الأب، وأبوا أم الأب وأبوا أب الأم، وأبوا أم الأم، وفي المرتبة الثالثة ستة عشر وهكذا، وقلما يتفق موت
شخص وكون أجداده الثمانية أحياء، فكيف بالأجداد الستة عشر، ولذا لا يطرحون مسألة الأجداد الستة عشر.
(121): أي: لأم أبيه (أرباعا) أي: بالسوية أبوي أب الأم، وأبوي أم الأم.
(122): أي: للذكر مثل حظ الأنثيين، فالأجداد الأربعة للأب حكمهم للذكر ضعف الأنثى، سواء كانوا أبوي أب الأب، أو أبوي أم
الأب.
(123): لأن بين ثلثين لأجداد الأب، وثلث لأجداد الأم (الفريقين) أجداد الأب وأجداد الأم، إذ الثلث يجب تقسيمه أربعة أقسام بين
أجداد الأم بالسوية، والثلثان يقسم تسعة أقسام لأنه ينقسم إلى ثلثين، وثلث، وكل منهما ينقسم إلى ثلاثة اثنان للذكر وواحد للأنثى
(فتضرب أربعة في تسعة) للتباين بيع العددين فيكون (36) ولا يصح بلا كسر تقسيمها على الأجداد الثمانية، إذ ثلثان منها وهو
(24): للأجداد الأربعة لأب الميت، وثلثان من (24) وهو (16) لأبوي أب الأب ولثلث منه هو (8) لأبوي أم الأب، وكل من
(16) و (8) يقسم ثلاثة أقسام للذكر ضعف الأنثى، ومع إنه لا يمكن تقسيم (16) ولا (8) ثلاثة أقسام بلا كسر ولذا قال المصنف
(ثم تضرب المجتمع) وهو 36 (في ثلاثة) وهي أصل الفريضة (فيكون مئة وثمانية) 72 منها للأجداد الأربعة للأب الميت، و 32
للأجداد لأم الميت هكذا بهذه الصورة:
الميت
أبوه - أمه
أبوه أمه - أمها أبوها
أبوه أمه أبوها أمها - أبوه أمه أبوها أمها
(32) + (16) + (16) + (8) (9) + (9) + (9) + (9)
الأجداد الأربعة للأب = 72 الأجداد الأربعة للأم = 36
72 + 36 = 108
829

الثالثة: أخ من أم، مع ابن أخ لأب وأم، الميراث كله للأخ من الأم، لأنه أقرب. وقال
ابن شاذان: له السدس، (124) والباقي لابن الأخ للأب والأم، لأنه يجتمع السببين، وهو
ضعيف، لأن كثرة الأسباب أثرها مع التساوي في الدرجة لا مع التفاوت.
خاتمة: أولاد الأخوة والأخوات، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم، ويرث كل واحد
منهم نصيب من يتقرب به (125). فإن كان واحدا، كان النصيب له. وإن كانوا جماعة،
اقتسموا ذلك النصيب بينهم بالسوية، إن كانوا ذكرانا أو إناثا، وإن اجتمعوا، فللذكر مثل حظ
الأنثيين.
وإن كانوا أولاد أخوة من أم، كانت القسمة بينهم بالسوية (126)، ويأخذ أولاد الأخ
الباقي كأبيهم، وأولاد الأخت للأب والأم النصف - نصيب أمهم - إلا على سبيل الرد. وأولاد
الأختين فصاعدا الثلثين، إلا أن يقصر المال بدخول الزوج أو الزوجة، فيكون لهم الباقي، كما
يكون لمن يتقربون به.
ولو لم يكن أولاد كلالة الأب والأم، قام مقامهم أولاد كلالة الأب (127).
ولأولاد الأخ أو الأخت من الأم السدس. ولو كانوا أولاد اثنين كان لهم الثلث، لكل
فريق نصيب من يتقربون به (128)، بينهم بالسوية.
ولو اجتمع أولاد الكلالات، كان لأولاد كلالة الأم الثلث ولأولاد كلالة الأب والأم
الثلثان، وسقط أولاد كلالة الأب.
ولو دخل عليهم زوج أو زوجة، كان له نصيبه الأعلى (129)، ولمن يتقرب بالأم ثلث

(124): باعتباره واحدا من كلالة الأم (لا مع التفاوت) فإن الأقرب يمنع الأبعد، كما أن الابن يمنع ابن الابن.
(125): فأولاد الأخ يأخذون حصة الأخ، وأولاد الأخت يأخذون حصة الأخت (كان النصيب) أي: حصة الأخت
(ذكرانا) فقط (أو إناثا) فقط (وإن اجتمعوا) له: الذكران والإناث.
(126): للذكر مثل حصة الأنثى (أولاد الأخ) للأبوين أو للأب فقط (إلا على سبيل الرد) أي: إذا زاد الإرث ورد عليهم الزائد (لمن
يتقربون به) وهم الأختان، فإن نصيبهما الثلثان إلا مع النقص بدخول أحد الزوجين.
(127): فأولاد كلالة الأم، وأولاد كلالة الأبوين يرثان على كل حال مع وجودهما، وأما أولاد كلالة الأب فلا يرث إلا مع عدم وجود كلالة
الأبوين.
(168): فلو كان للميت أختان لأمه فقط (فاطمة - وزينب) يوزع الثلث عليهما، فإن كانتا غير موجودتين ورث أولادهما حصتهما، فإن كان
عشرة أولاد، ولزينب بنت واحدة، ورثت زينب السدس كله لها وحدها نصيب أمها، وورث العشرة من أولاد فاطمة نصيب أمهم يوزع
بينهم بالسوية.
(129): للزوج النصف، وللزوجة الربع (ثلث الأصل) يعني: لا ثلث الباقي بعد إعطاء حصة أحد الزوجين (لأكثر من واحد) وإن
كان الوارث واحدا، كما لو كان زيد ابن أخ الميت ويرثه من جهة أبيه، وعمه معا، إذا لم يكن لعمه وارث أقرب منه (إن كانوا
لواحد) وإن كانوا هم كثيرين.
830

الأصل، إن كانوا لأكثر من واحد، والسدس إن كانوا لواحد والباقي لأولاد كلالة الأب والأم،
زائدا كان أو ناقصا.
ولو لم يكونوا (130)، فلأولاد كلالة الأب خاصة، وفي طرف الزيادة يحصل التردد على ما
مضى.
ولو اجتمع معهم الأجداد، قاسموهم كما تقاسمهم الأخوة، وقد بيناه.
المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال: العم يرث المال إذا انفرد. وكذا العمان والأعمام،
ويقتسمون المال بينهم بالسوية، وكذا العمة والعمتان والعمات.
وإن اجتمعوا، فللذكر مثل حظ الأنثيين. ولو كانوا متفرقين (131)، فللعمة أو العم من الأم
السدس، ولما زاد على الواحد الثلث، ويستوي فيه الذكر والأنثى، والباقي للعم أو العمين أو
الأعمام، من الأب والأم، بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ويسقط الأعمام للأب بالأعمام للأب والأم، ويقومون مقامهم عند عدمهم.
ولا يرث ابن عم مع عم، ولا من هو أبعد مع أقرب، إلا في مسألة واحدة، وهي ابن عم لأب
وأم مع عم الأب. فابن العم أولى (132) ما دامت الصورة على حالها. فلو انضم إليهما ولو خال تغيرت
الحال وسقط ابن العم.
ولو انفرد الخال، كان المال له. وكذا الخالان والأخوال. وكذا الخالة والخالتان والخالات.
ولو اجتمعوا، فالذكر والأنثى سواء. ولو افترقوا، كان لمن يتقرب بالأم السدس إن كان
واحدا، والثلث إن كان أكثر، الذكر فيه والأنثى سواء، والباقي للخؤولة من الأب والأم، بينهم
للذكر مثل حظ الأنثى.
وتسقط الخؤولة من الأب، إلا مع عدم الخؤولة من الأب والأم. ولو اجتمع الأخوال

(130): أي: أولاد كلالة الأبوين (ومن طرف الزيادة) أي: لو زاد من التركة شئ، فهل يرد على أولاد كلالة الأب فقط، أو عليهم
وعلى أولاد كلالة الأم جميعا (على ما مضى) عند رقم (118) (ولد اجتمع معهم) أي: مع أولاد الأخوة (قاسموهم) أي: ورث
الأجداد، وورث أولاد الأخوة في عرض الأجداد، (وقد بيناه) عند رقم (119) وما بعده.
(131): أي: أعمام هم أخوة من الأبوين لأب الميت وأعمام من الأم فقط أخوة لأب الميت، وأعمام من الأب فقط أخوة لأب الميت.
(132): والمال كله له ولا شئ للعم أبدا للأخبار الخاصة والإجماع المحقق عندنا نحن الشيعة (على حالها) أي: لم يتغير فيها شئ، بوجود
وارث آخر، أو كون الوارث بدل ابن العم، أو ابن العمة، أو كون الآخر عمة، أو خالة، أو خالا، ونحو ذلك مما
نجده في المفصلات.
831

والأعمام، كان للأخوال الثلث (133). وكذا لو كان واحدا، ذكرا كان أو أنثى.
وللأعمام الثلثان. وكذا لو كان واحدا، ذ؟ كرا كان أو أنثى. فإن كان الأخوال مجتمعين،
فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثى.
وإن كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالأم سدس الثلث إن كان واحدا وثلثه إن كان أكثر، بينهم
بالسوية، والباقي (134) لمن تقرب منهم بالأب والأم، وللأعمام ما بقي.
فإن كانوا (135) من جهة واحدة، فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وإن كانوا متفرقين،
فلمن تقرب منهم بالأم السدس (136) إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بينهم بالسوية، والباقي
للأعمام من قبل الأب والأم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. ويسقط من تقرب بالأب منفردا، إلا مع
عدم من يتقرب بالأب والأم.
ولو اجتمع عم الأب وعمته، وخاله وخالته، وعم الأم وعمتها، وخالها وخالتها، قال في
النهاية: كان لمن يتقرب بالأم (137) الثلث، بينهم بالسوية، ولمن تقرب بالأب الثلثان، ثلثه
لخال الأب وخالته بينهما بالسوية، وثلثاه بين العم والعمة، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين،
فيكون أصل الفريضة ثلاثة، تنكسر على الفريقين، فتضرب أربعة في تسعة فتصير ستة
وثلاثين، ثم في ثلاثة فتصير مئة وثمانية.
مسائل خمس:
الأولى: عمومة الميت وعماته وأولادهم وإن نزلوا، وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن

(133): لأنهم بمنزلة الأم (وللأعمام الثلثان) لأنهم بمنزلة الأب (مجتمعين) أي من جهة واحدة، من جهة الأم فقط، يعني هم وأم الميت
من أم واحدة وآباء متعددين، أو من جهة الأب فقط، أو من جهة الأبوين.
(134): من الثلث وهو ثلثا ثلث التركة، أو خمسة أسداس ثلث التركة (بالأب والأم) وإن لم يكن فلمن تقرب بالأب فقط (وللأعمام ما
بقي) وهو ثلثا التركة.
(135): أي: الأعمام (من جهة واحدة) أي: كلهم أخوة مع أب الميت من الأبوين، أو كلهم أخوة أب الميت من الأب فقط، أو من
الأم فقط.
(136): أي: سدس الثلثين.
(137): وهم عمها وعمتها وخالها وخالتها (تنكسر) أي: لا تنقسم بدون كسر (أربعة في تسعة) الأربعة هي عدد سهام أقرباء الأم إذ
توزع حصتهم أربعة أقسام متساوية لكل واحد منهم قسم ذكرا أم أنثى، وتسعة هي نصف سهام أقرباء الأب لأنها ثمانية عشر،
وبين الأربعة والثمانية عشر وفق في النصف، لأن اثنين وهو مخرج النصف يعني كليهما، لذا تضرب الأربعة في نصف الثمانية عشر،
أو بالعكس تضرب ثمانية عشر في نصف الأربعة، فتصير (36) (ثم تضربها في ثلاثة) لأنها أصل الفريضة، إذ تنقسم إلى ثلثين لمن
يقرب بالأب، وثلث لمن يقرب بالأم (فتصير مئة وثمانية) ثلثها (36) لعم وخالة أم الميت بينهم بالسوية لكل واحد منهم تسعة،
يبقى ثلثا التركة (72) ثلثه وهو (24) لخال وخالة الأب بينهما بالسوية لكل واحد منهما اثنى عشر، وثلثاه وهو (48) لعم وعمة الأب
ثلثاه (32) للعم، وثلثه (16) للعمة.
832

نزلوا، أحق بالميراث من عمومة الأب وعماته وخؤولته وخالاته، وأحق من عمومة الأم وعماتها
وخؤولتها وخالاتها، لأن عمومة الميت وخؤولته أقرب، والأولاد يقومون مقام آبائهم عند
عدمهم. فإذا عدم عمومة الميت وعماته، وخؤولته وخالاته، وأولادهم وإن نزلوا قام مقامهم
عمومة الأب وعماته وخؤولته وخالته، وعمومة أمه وعماتها وخؤولتها وخالاتها، وأولادهم
وإن نزلوا. وهكذا كل بطن منهم وإن نزل أولى من البطن الأعلى.
الثانية: أولاد العمومة المتفرقين (138)، يأخذون نصيب آبائهم. فبنو العم للأم، لهم
السدس. ولو كانوا بني عمين للأم، كان لهم الثلث، والباقي لبني العم أو العمة، أو لبني
العمومة أو العمات للأب والأم. وكذا البحث في بني الخؤولة (139).
الثالثة: إذا اجتمع للوارث سببان، فإن لم يمنع أحدهما الآخر (140) ورث بهما. مثل: ابن
عم لأب، هو ابن خالة لأم. ومثل: ابن عم هو زوج، أو بنت عم هي زوجة (141). ومثل:
عمة لأب هي خالة لأم. وإن منع أحدهما الآخر، ورث من جهة المانع. مثل: ابن عم وهو
أخ (142) فإنه يرث بالأخوة خاصة.
الرابعة: إذا دخل الزوج أو الزوجة، على الخؤولة والخالات والعمومة والعمات، كان
للزوج أو الزوجة النصيب الأعلى (143). ولمن تقرب بالأم نصيبه الأصلي من أصل التركة، وما
بقي فهو لقرابة الأب والأم، وإن لم يكونوا فلقرابة الأب.
الخامسة: حكم أولاد الخؤولة مع الزوج والزوجة حكم الخؤولة فإن كان زوج، أو زوجة
وبنو أخوال مع بني أعمام، فللزوج أو الزوجة نصيب الزوجية، ولبني الأخوال ثلث

(138): أي: العمومة المتفرقين، بعضهم للأبوين وبعضهم للأم (بين عمين) أي: عمين، أو عمتين، أو عم وعمة (كان لهم الثلث)
يقسم بينهم للذكر والأنثى سواء (للأب والأم) للذكر ضعف الأنثى.
(139): وقد مضى تفصيله في المتن قريبا قبل رقم (133) فلا نكرر.
(140): أي: كانا في رتبة واحدة (ورث بهما) حصتين (ابن عم الأب وهو ابن خال الأم) مثاله: زيد له أخ من أبيه فقط، وأخت من أمه
فقط، فتزوج هذا الأخ بتلك الأخت، فولد لهما عمرو، فيكون زيد عما لعمرو من الأب، وخالا لعمرو من الأم، وابن زيد يكون
ابن عمه من أم لأب وابن خاله لأم، فيرث ابن زيد من عمرو حصتين حصة مع أبناء عمه، وحصة مع أبناء خاله.
(141): فيرث حصة الزوج ويرث حصة ابن العم، وكذا بنت العم (عمة لأب هي خالة لأم) أي: أختا مع أب الميت من أب واحد
وأمين وأختا مع أم الميت من أم واحدة وآباء اثنين، فترث حصة العمة في كلالة الأب، وحصة الخالة في كلالة الأم.
(142): أي: أخ لأم كما في الجواهر، وذلك بأن تزوج عم زيد أمه بعد طلاق أبيه لها، أو بعد وفاة أبيه، فولدت أمه من
عمه ولدا، هذا الولد يكون ابن عم زيد وأخاه من الأم.
(143): النصف للزوج والربع للزوجة (نصيبه الأصلي) السدس إذا كان واحدا، والثلث إذا كان أكثر (من أصل التركة) أي: سدس أو
ثلث الأصل، لا سدس أو ثلث الباقي بعد إعطاء حصة الزوج أو الزوجة.
833

الأصل (144)، والباقي لبني الأعمام.
المقصد الثاني
في مسائل من أحكام الأزواج.
الأولى: الزوجة ترث ما دامت في حبال الزوج (145)، وإن لم يدخل بها، وكذا يرثها
الزوج، ولو طلقت رجعية، توارثا إذا مات أحدهما في العدة، لأنها بحكم الزوجة. ولا ترث
البائن ولا تورث، كالمطلقة ثلاثا، والتي لم يدخل بها، واليائسة وليس في سنها من تحيص (146)،
والمختلعة، والمبارأة، والمعتدة عن وطأ الشبهة أو الفسخ.
الثانية: للزوجة مع عدم الولد (147) الربع. ولو كن أكثر من واحدة، كن شركاء فيه
بالسوية. ولو كان له ولد، كان لهن الثمن بالسوية. وكذا لو كانت واحدة، لا يزدن عليه
شيئا.
الثالثة: إذا طلق واحدة من أربع، وتزوج أخرى، (148) ثم اشتبهت المطلقة في الأول،
كان للأخيرة ربع الثمن من الولد، والباقي من الثمن بين الأربع بالسوية.
الرابعة: إذا زوج الصبية أبوها أو جدها لأبيها، ورثها الزوج وورثته، وكذا لو زوج
الصغيرين أبواهما، أو جداهما لأبويهما، توارثا. ولو زوجهما غير الأب أو الجد، كان العقد
موقوفا على رضاهما عند البلوغ والرشد. ولو مات أحدهما قبل ذلك، بطل العقد ولا ميراث.

(144): إذا كانوا أبناء عدة أخوال، أما إذا كانوا أبناء خال واحد، أو خالة واحدة فلهم السدس (لبني الأعمام) سواء كان واحدا أو أكثر، أولاد
عم واحد أو أعمام متعددين.
(145): أي: عقد عليها ولم يطلقها (توارثا) أي: ورث كل منهما الآخر (البائن) هو الطلاق الذي ليس للزوج الرجوع في العدة (ثالثة)
أي: للمرة الثالثة، وهي هكذا: أن يطلق الرجل زوجته طلاق للعدة، وقبل تمام العدة يرجع عليها ويدخل بها، ويدعها تخرج من
طهر المواقعة إلى طهر آخر لم يواقعها فيه ثم يطلقها مرة ثانية وقبل تمام العدة يرجع عليها ويدخل بها، ويدعها تخرج من هذا الطهر إلى
طهر آخر لم يواقعها فيه فإن طلقها صارت ثالثة ولا يجوز له الرجوع عليها، ولا العقد عليها بعد تمام عدتها حتى يتزوجها رجل آخر -
يسمى المحلل - ويدخل بها ثم يطلقها فيجوز للزوج الأول العقد عليها (والتي لم يدخل بها) أي. طلقها قبل الدخول وبعد العقد.
(146): أي: لا يفيد في اليأس مجرد عدم حيضها هي، وإنما المفيد في اليأس أن تكون في عمر لا تحيض النساء في مثل هذا
العمر، وهو ستون سنة في القرشية والنبطية، وخمسون في سائر النساء (والمختلعة والمباراة) هما في طلاق الخلع المباراة،
والخلع إذا كان الطلاق نتيجة كراهة الزوجة لزوجها والمباراة نتيجة لكراهة كل منهما الآخر، وفي كليهما تدفع الزوجة مالا
للزوج مقابل الطلاق، إلا أن في الخلع يجوز أن يكون المال أكثر من المهر الذي أعطاه الزوج لها، وفي المباراة لا يجوز
(وطء الشبهة) وهو ما إذا وطأ رجل امرأة بظن إنها زوجته، أو تزوجها ثم تبين - ولو بعد عشر سنين - إنها حرام عليه،
إما لكونها محرما كأم الزوجة، أو أختها جمعا، أو أخته نسبا أو رضاعا، أو عمته أو خالته أو نحو ذلك، ففي هذه المدة
يكون الفراق بائنا، فلو مات أحدهما لا يرثه الآخر (أو الفسخ) أي: فسخ العقد ولو بعد الدخول بالأسباب الموجبة
للفسخ من عنن الرجل - أو نحوه، وقرن المرأة أو نحوه.
(147): المراد بالولد ما يشمل ولد الولد فما نزل أيضا.
(148): ثم مات الزوج (في الأول) جمع أولي، أي اشتبهت المطلقة بالثلاث الأخر، وكانت الأخيرة معلومة، بأن لم نعلم أن الزوج طلق
أية واحدة من الأربع والأول (مع الولد) أي: إذا كان للميت ولد.
834

وكذا لو بلغ أحدهما فرضي ثم مات الآخر قبل البلوغ. ولو مات الذي رضي عزل نصيب الآخر
من تركة الميت. وتربص (149) بالحي، فإن بلغ وأنكر فقد بطل العقد ولا ميراث. وإن جاز،
صح وأحلف أنه لم يدعه إلى الرضا الرغبة في الميراث.
الخامسة: إذا كان للزوجة من الميت ولد، ورثت من جميع ما ترك. ولو لم يكن، لم ترث
من الأرض شيئا، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والأبنية (150). وقيل: لا تمنع إلا من الدور
والمساكن. وخرج المرتضى رحمه الله قولا ثالثا: وهو تقويم الأرض، وتسليم حصتها من
القيمة، والقول الأول أظهر.
السادسة: نكاح المريض مشروط بالدخول، فإن مات في مرضه ولم يدخل، بطل العقد
ولا مهر لها ولا ميراث وهي رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام.
المقصد الثالث
في الميراث بالولاء وهو ثلاثة أقسام:
الأول: ولاء العتق إنما يرث المنع (151) إذا كان متبرعا، ولم يتبرأ من ضمان جريرته،
ولم يكن للمعتق وارث مناسب.
فلو أعتق في واجب، كالكفارات والنذور، لم يثبت للمنعم ميراث. وكذا لو تبرع
واشترط سقوط الضمان. وهل يشترط في سقوطه الإشهاد بالبراءة؟ الوجه: لا. ولو نكل به
فانعتق، كان سائبة.
ولو كان للمعتق (152) وارث مناسب، قريبا كان أو بعيدا، ذا فرض أو غيره، لم يرث
المنعم. أما لو كان زوج أو زوجة، كان سهم الزوجية لصاحبه، والباقي للمنعم، أو من يقوم
مقامه عند عدمه.
وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم، إن كان واحدا. وإن كانوا أكثر، فهم شركاء في
الولاء بالحصص، رجالا كان المعتقون أو نساء أو رجالا ونساء.

(149): أي: انتظر به (وأنكر) أي: قال لا أرضى بهذا الزواج.
(150): لا من عينها (إلا من الدور والمساكن) أما غيرهما من الأثاث والآلات ونحوهما فترث من أعيانها.
(151): أي: المولى المعتق (مناسب) أي نسبي (سقوط الضمان) أي: ضمان الجريرة بأن قال له (أنت حر وليس على من جريرتك
شيء) (الإشهاد) أي: يشهد عدلين بأنه غير ضامن لجريرة العبد (نكل به) بأن قطع أنف العبد أو أذنه أو نحو ذلك (سائبة)
أي: لا يكون المولى وارثه أصلا.
(152): بالفتح أي: العبد (من يقوم مقامه) من ورثة المولى المعتق (بالحصص) فلو كان له ثلاثة موالي أعتقوه نصفه لأحدهم وثلثه للثاني
وسدسه للثالث. يوزع إرثه بهذه النسبة نصف الإرث للأول، وثلث الإرث للثاني وسدس الإرث للثالث.
835

ولو عدم المنعم، قال ابن بابويه رحمه الله: يكون الولاء للأولاد الذكور والإناث وهو
حسن. ومثله في الخلاف إذا كان (153) رجلا.
وقال المفيد رحمه الله: الولاء للأولاد الذكور دون الإناث، رجلا كان المنعم أو امرأة.
وقال الشيخ رحمه الله في النهاية: يكون للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا.
ولو كان امرأة كان الولاء لعصبتها (154)، وبقوله: تشهد الروايات.
ويرث الولاء الأبوان والأولاد (155). ومع الانفراد لا يشتركهما أحد من الأقارب. ويقوم
أولاد الأولاد مقام آبائهم عند عدمهم.
ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به (156)، كالميراث في غير الولاء. ومع عدم الأبوين
والولد، يرثه الأخوة. وهل ترث الأخوات؟ على تردد، أظهره نعم، لأن الولاء لحمة كلحمة
النسب.
ويشترك الأخوة الأجداد والجدات (157). ومع عدمهم الأعمام والعمات وبنوهم.
ويترتبون الأقرب بالأقرب. ولا يرث الولاء من يتقرب بالأم (158) من الأخوة والأخوات
والأخوال والخالات والأجداد والجدات. ومع عدم قرابة المنعم، يرثه مولى المولى (159)، فإن
عدم فقرابة مولى المولى لأبيه دون أمه.
والمنعم لا يرثه المعتق (160)، ولو لم يخلف وارثا، ويكون ميراثه للإمام دون المحرر ولا
يصح بيع الولاء، ولا هبته، ولا اشتراطه في بيع.
مسائل ثمان:

(153): أي: إذا كان المولى المعتق رجلا لا امرأة.
(154): وهم المتقربون إليها بسبب الأب كاخوتها من أبويها، أو أبيها، وأعمامها، وبين أعمامها وهكذا.
(155): يعني: لو مات العبد ولم يكن المولى المعتق حيا، وكان المولى هو القاتل حيث لا يرث (ومع الانفراد) أي: كون الموجود أب المنعم
فقط، أو أمه، أو ابنه، أو بنته.
(156): فبنت الابن ترث نصيب الابن، وابن البنت يرث نصيب البنت (يرثه الأخوة) أي: أخوة المولى المعتق (لحمة) أي: ارتباط
(157): أي: يشترك الأخوة مع الأجداد والجدات، لأنهم جميعا في طبقة واحدة.
(158): أي: كلالة الأم، وهم أخوة المولى وأخواته من أمه فقط، وأخوال المولى وخالاته، وأبوا أم المولى.
(159): إذا كان المولى سابقا عبدا وقد أعتقه مولاه بالشروط المذكورة للولاء عند رقم (151): (فقرابة مولى المولى) وهم أبواه، وأولاده، ثم أخوته
وأجداده لأبيه ثم أعمامه دون أخواله.
(160): أي: لو مات المولى المعتق، فلا يرثه العبد المعتق - بالفتح - (بيع الولاء) بأن يبيع المولى المعتق ولأنه لزيد، ليكون زيد وارثا للعبد
إذا مات.
836

الأولى: ميراث ولد المعتقة لمن أعتقهم (161)، ولو أعتقوا حملا مع أمهم، ولا ينجر
ولاؤهم. ولو حملت بهم بعد العتق، كان ولاؤهم لمولى أمهم، إذا كان أبوهم رقا (162). ولو
كان حرا في الأصل لم يكن لمولى أمهم ولاء. وإن كان أبوهم معتقا، فولاؤهم لمولى الأب (163).
وكذا لو أعتق أبوهم بعد ولادتهم، انجر ولاؤهم من مولى أمهم إلى مولى الأب.
الثانية: لو تزوج مملوك بمعتقة فأولدها، فولاء الولد لمولاها (164). فلو مات الأب وأعتق
الجد، قال الشيخ: ينجر الولاء إلى معتق الجد، لأنه قائم مقام الأب. وكذا لو كان الأب
باقيا. ولو أعتق الأب بعد ذلك انجر الولاء من مولى الجد إلى مولى الأب، لأنه أقرب.
الثالثة: لو أنكر المعتق ولد زوجته المعتقة (165)، فلاعنته، فإن مات الولد ولا مناسب
له، كان ولاؤه لمولى أمه. ولو اعترف به الأب بعد ذلك، لم يرثه الأب ولا المنعم على الأب،
لأن النسب وإن عاد فإن الأب لا يرثه، ولا من يتقرب به.
الرابعة: ينجر الولاء (166) من مولى الأم إلى مولى الأب. فإن لم يكن، فلعصبة المولى.
فإن لم يكن عصبته، فلمولى عصبة مولى الأب ولا يرجع إلى مولى الأم، فإن فقد الموالي
وعصباتهم، وكان هناك ضامن جريرة، كان له، وإلا كان الولاء للإمام.
الخامسة: امرأة أعتقت مملوكا، فأعتق المعتق آخر، فإن مات الأول (167)، ولا مناسب
له، فميراثه لمولاته. وإن مات الثاني، ولا مناسب له، فميراثه لمعتقه. فإن لم يكن الأول، ولا

(161): لا لمن أعتق أمهم (ولو أعتقوا) أي: حتى ولو أعتق الأولاد حال كونهم أخيه في بطون أمهاتهم، إذ الحمل ينعتق بعتق
الحامل - كما مر في كتاب العتق عند رقم (53) - ولكن قد يصح استثناء الحمل عن العتق على قول وقد مال إليه المصنف
قدس سره وقد مضى أيضا عند رقم (53) فعليه الذي أعتق الحمل - إذا كان غير معتق الأم - له ولاء النعمة، لا لمن
أعتق الأم.
(162): لأنهم يتبعونها في الحرية - إذ الأولاد يتبعون أشرف الأبوين - فولائهم لمولى أمهم الذي بسبب عتقه لها صار هؤلاء الأولاد
أحرارا أيضا (ولو كان حرا) أي: كان أبوهم حرا من الولادة، فلم يكن يوما ما عبدا قد أعتق، فلا ولاء على الأولاد
أصلا، إذ الأب أشرف من الأم لكونه حرا في الأصل وكونها حرة بالعتق، والولد يتبع الأشرف.
(163): دون مولى الأم، لانتساب الولد إلى أبيه عرفا والأم وعاء - كما في الجواهر وغيره -
(164): لا لمولى الأب - لأنها أشرف بالحرية (باقيا) في الحياة ومملوكا، أو معتقا بغير شروط تستوجب الولاء كما لو أعتق في كفارة أو نذرا و
غير ذلك.
(165): توضيحه: لو كان الأبوان معتقين، كان ولاء الولد لمولى الأب، أما إذا انتفى الولد عن أبيه باللعان فلا أب شرعا له، فيكون
الولاء لمولى أمه.
(166): فيما يخبر كما في رقم (164) (فإنه لم يكن) مولى الأب موجودا بأن كان ميتا، (ولا يرجع) للأصل وغيره.
(167): وهو المملوك الذي أعتقته المرأة (الثاني) وهو الآخر الذي أعتقه المملوك بعد عتقه.
837

مناسبوه، وكان ولاء الثاني لمولاة مولاه، ولو اشترت أباها، فانعتق، ثم أعتق أبوها آخر،
ومات أبوها، ثم مات المعتق ولا وارث له سواها، كان ميراث المعتق لها، النصف
بالتسمية (168)، والباقي بالرد لا بالتعصيب، إن قلنا يرث الولاء ولد المعتق، وإن كن إناثا، وإلا
كان الميراث لها بالولاء.
السادسة: إن أولد العبد بنتين من معتقة (169)، فاشترتا أباهما، انعتق عليهما. فلو مات
الأب، كان ميراثه لهما بالتسمية والرد، لا بالولاء لأنه لا يجتمع الميراث بالولاء مع النسب. ولو
ماتتا أو إحداهما، والأب موجود، كان الميراث لأبيهما (170). ولو لم يكن موجودا كان ميراث
السابقة (171) لأختها، بالتسمية والرد، ولا ميراث للمولاة لوجود المناسب. ولو ماتت
الأخرى، ولا وارث لها، هل يرثها مولى أمها؟ فيه تردد، منشأه هل انجر الولاء إليهما بعتق
الأب أم لا (172)؟ ولعل الأقرب أنه لا ينجر هنا، إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب والعتق.
السابعة: لو اشترى أحد الوالدين مع أبيه (173) مملوكا فأعتقاه، فمات الأب، ثم مات
المعتق، كان لمن اشتراه مع أبيه ثلاثة أرباع تركته (174)، ولأخيه الربع.
الثامنة: إذا أولد العبد من معتقه ابنا، فولاء الابن لمعتق (175) أمه فلو اشترى الابن عبدا

(168): إذ المال كله لأبيها، ومن أبيها يرجع إليها، نصفه بالتسمية لأن حصة البنت الواحدة النصف (بالرد) من حيث كونها
وارثة أبيها الواحدة (لا بالتعصيب) من جهة ولاء المنعم (وإلا) بأن قلها لا يرث الإناث من ولد المعتق الولاء، بل الذكور فقط
(كان الميراث لها بالولاء) باعتبارها مولاة المولى، بناء على أن الانعتاق القهري يعتبر نعمة أيضا ويحدث ولاء.
(169): أي: تزوج عبد بأمة معتقة، فصار لهما بنتان، هاتان البنتان حرتان لأنهما تتبعان أشرف الأبوين وهي الأم الحرة (بالتسمية والرد)
ثلثان من التركة بالتسمية، والباقي بالرد (لا بالولاء) أي: لا لأنهما سببان لعتق الأب (مع النسب) إذ مرتبة الولاء بعد عدم وجود
النسب.
(170): أما إذا ماتتا فلا وارث غير الأب، وأما إذا ماتت إحديهما فلأن الأخت مرتبة ثانية في الإرث والأب مرتبة أولى، فكل المال
للأب، ولا ترث الأخت شيئا مع وجود الأب.
(171): أي: الأخت التي ماتت أولا (بالتسمية والرد) نصف الإرث بالتسمية لأن حصة الأخت الواحدة النصف، والنصف الآخر رد
عليها من جهة عدم وجود وارث آخر في مرتبتها (للمولاة) أي: للأخت باعتبار الولاء إذ الأخت مولاة أب الأخت الأخرى، لأنها
مشتركة في عتق أبيها (لوجود المناسب) إذ الأخت هي ترث بالنسب، فلا ترث بالولاء.
(172): إذ سبق عند رقم (166) أن الأب إذا أعتق بعد الأم يخبر الولاء من مولى الأم إلى مولى الأم، وإذا رجع إلى مولى
الأب فلا يعود إلى مولى الأم، والحاصل أن انعتاق الأب بسبب شراء البنتين له هل أحدث ولاء أم لا؟ إذ سبق أيضا
التردد في الانعتاق القهري هل يحدث أولاء أم لا؟
(173): أي أب حر وولدان له حران، اشترك الأب مع أحد ولديه في شراء مملوك وعتقه (فمات الإرث) ورثه أولاده بلا إشكال (ثم
مات المعتق) بالفتح.
(174): نصف بالولاء، لأن نصف الولاء للابن ونصفه الآخر للأب، ويشترك الولدان في النصف الآخر من الولاء.
(175): فلو مات الابن ولا وارث نسبي له، ورثه معتق أمه (كان ولاؤه له) أي: ولاء العبد للابن (ابن المنعم) وهو العبد المذكور في أول المسألة
" إذا ولد العبد من معتقه ابنا ". (إلى مولى الأب) وهو عبد الابن (كل واحد منهما) الابن ومعتقه، أما الابن فلأنه معتق للعبد، وأما العبد
المعتق فلأنه أعتق أب الابن (وفيه تردد) للإشكال في أن الولاء هل يعود إلى مولى الأم أم ينتقل الميراث إلى مرتبة أخرى من ضامن جريرة أو
الإمام عليه الصلاة والسلام.
838

فأعتقه، كان ولاؤه له. فلو اشترى معتقه أب المنعم فأعتقه، أنجر الولاء من مولى الأم إلى مولى
الأب. وكان كل واحد منهما مولى الآخر. فإن مات الأب، فميراثه لابنه. فإن مات الابن،
ولا مناسب له، فولاؤه لمعتق أبيه. وإن مات المعتق، والمناسب له، فولاؤه للابن الذي باشر
عتقه. ولو ماتا، ولم يكن لهما مناسب، قال الشيخ: يرجع الولاء إلى مولى الأم، وفيه تردد.
القسم الثاني: ولاء تضمن الجريرة (176) ومن توالى إلى أحد، يضمن حدثه ويكون ولاؤه
له، صح ذلك ويثبت به الميراث، لكن لا يتعدى الضامن (177). ولا يضمن إلا سائبة لا ولاء
عليه، كالمعتق في الكفارات والنذور، أو من لا وارث له أصلا. ولا يرث هذا، إلا مع فقد كل
مناسب، ومع فقد المعتق، وهو أولى من الإمام. ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى.
فإذا عدم الضامن، كان الإمام وارث من لا وارث له، وهو القسم الثالث من الولاء.
فإن كان موجودا، فالمال له يصنع به ما يشاء.
وكان علي عليه السلام يعطيه فقراء بلده (178)، وضعفاء جيرانه، تبرعا وإن كان غائبا
قسم في الفقراء والمساكين.
ولا يدفع إلى غير سلطان الحق، إلا مع الخوف أو التغلب (179).
مسائل ثلاث:
الأولى: ما يؤخذ من أموال المشركين. في حال الحرب فهو للمقاتلة (180) بعد

(176): وهو أن يركن شخص إلى آخر - يعني بينهما نسب ولا سبب - ويتعاهدان أن يضمن كل منهما جناية الآخر، ويكون إرث كل منهما
للآخر، وقد كان ذلك في الجاهلية، فأمره الله تعالى بعد تقديم الأنساب والأسباب عليه (توالى إلى أحد) أي: ركن ومال (حدثه)
أي: جنايته التي هي على العاقلة بأن يقول: (عاقدتك على أن تضمن جنايتي وترثني) فيقول الآخر: (ثبت)، وإذا كان في
الطرفين يقول: (على أن تضمن جنايتي وأضمن جنايتك وأن ترثني وارثك) فيقول الآخر (قبلت).
(177): إلى أبويه أو أولاده، أو غيرهما (سائبة) أي: من لا وارث له من النسب والسبب، والمولى المعتق (هو أولى) أي: ضامن
الجريرة إذا كان موجودا لا يرث الإمام عليه السلام (إلا على) النصف للزوج، والربع للزوجة، والباقي لضامن الجريرة.
(178): بلد الميت وجيران الميت، تفضلا من علي عليه الصلاة والسلام، لا لزوما عليه (غائبا) مثل هذا الزمان المظلم بغيبة المهدي
صلوات الله عليه وعجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أنصاره والمجاهدين بين يديه طائعين غير مكرهين يا ولي كل ذلك يا مجيب
الدعوات (قسم) أو أعطى إلى المجتهد العادل لأنه سهم الإمام عليه السلام يعطى لحجته على الناس كما يعطى سهم الله تعالى لحجة
الله وهو الإمام عليه السلام.
(179): التغلب هو أخذ الظالم، والخوف هو إعطاء الإنسان للظالم خوفا من أن يحدث عدم الاعطاء عليه مشكلة.
(180): أي: للمجاهدين (سرية) أي: مجموعة من الجيش (فزعا) أي: خوفا من المسلمين (صلحا) أي: بعنوان الصلح بأن لا تقع
حرب (جزية) هي المال الذي يأخذه المسلمون من الكفار سنويا، على عدد أفرادهم، أو مقادير أراضيهم وأشجارهم في ضمن شرائط
الذمة، والجزية التي تؤخذ من الكفار في مقابل الزكاة التي تؤخذ من المسلمين، وفي مقابل كليهما توفر الحكومة الإسلامية لهما
الحماية، وتفصيل ذلك في المفصلات (ومع عدمهم) أي: حال الصلح أو الجزية الذي يؤخذ في غير وقت جهاد.
839

الخمس. وما يأخذه سرية بغير إذن الإمام، فهو للإمام عليه السلام. وما يتركه المشركون فزعا،
ويفارقونه من غير حرب، فهو للإمام أيضا. وما يؤخذ صلحا أو جزية، فهو للمجاهدين.
ومع عدمهم يقسم في الفقراء من المسلمين.
الثانية: ما يؤخذ غيلة (181) من أهل الحرب، إن كان في زمان الهدنة، أعيد عليهم.
وإن لم يكن، كان لآخذه، وفيه الخمس.
الثالثة: من مات من أهل الحرب، وخلف مالا فماله للإمام إذا لم يكن له وارث (182).
وأما اللواحق فأربعة فصول
الفصل الأول: في ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا.
يرث ولد الملاعنة، ولده وأمه، للأم السدس، والباقي للولد، للذكر سهمان وللأنثى
سهم. ولو لم يكن ولد، كان المال لأمه، الثلث بالتسمية، والباقي بالرد. وفي رواية ترث
الثلث، والباقي للإمام (183)، لأنه الذي يعقل عنه، والأول أشهر.
ومع عدم الأم والولد، يرثه الأخوة للأم وأولادهم، والأجداد لها وإن علوا، ويترتبون
الأقرب فالأقرب (184).
ومع عدمهم، يرثه الأخوال والخالات وأولادهم، على ترتب الإرث (185). وفي كل هذه
المراتب، يرث الذكر والأنثى سواء. فإن عدم قرابة الأم أصلا، حتى لا يبقى لها وارث وإن
بعد، فميراثه للإمام.
والزوج والزوجة يرثان نصيبهما، مع كل درجة من هذه الدرجات النصف للزوجة والربع
للزوجة، مع عدم الولد، ونصف ذلك معه (186).

(181): أي: خدعة.
(182): لأن الإمام عليه السلام وارث من لا وارث له سواء كان من أهل الحرب أم من غيرهم.
(183): إذا لم يكن مولى معتق، أو ضامن جريرة.
(184): والأخوة والأجداد أولا، ثم أولاد الأخوة، ثم أحفاد الأخوة وهكذا الجد أولا ثم أب الجد، ثم جد الجد.
(185): فالخؤولة للميت أولا، ثم أولاد الخؤولة، ثم أحفاد الخؤولة، وهكذا، فإن عدموا، فخؤولة أمه - لا أبيه - ثم أولاد
خؤولة أمه وهكذا (سواء) لأنهم أقرباء الأم، ويرثونه بالسوية للذكر والأنثى سواء (فميراثه للإمام) عليه السلام إذا لم
يكن مولى معتق أو ضامن جريرة.
(186): أي: الربع للزوج والثمن للزوجة مع الولد.
840

وهل يرث هو قرابة أمه (187)؟ قيل: نعم، لأن نسبه من الأم ثابت. وقيل: لا يرث إلا
أن يعترف به الأب، وهو متروك.
ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به (188) فإن اعترف به بعد اللعان، ورث هو أباه ولا يرثه
الأب. وهل يرث أقارب أبيه مع الاعتراف؟ قيل: نعم، والوجه أنه لا يرثهم ولا يرثونه،
لانقطاع النسب باللعان، واختصاص حكم الإقرار بالمقر (189) حسب.
مسائل:
الأولى: لا عبرة بنسب الأب هنا، فلو خلف أخوين، أحدهما لأبيه وأمه والآخر لأمه،
فهما سواء وكذا لو كانا أختين، أو أخا وأختا وأحدهما للأب والأم. وكذا لو خلف: ابن أخيه
لأبيه وأمه وابن أخيه لأمه، أو خلف أخا وأختا لأبويه مع جد أو جدة، المال بينهم أثلاثا (190)،
وسقط اعتبار نسب الأب.
الثانية: إذا ماتت أمه ولا وارث لها سواه (191)، فميراثها له. ولو كان معه أبوان أو
أحدهما، فلهما السدسان، أو لأحدهما السدس، والباقي له إن كان ذكرا، وإن كان أنثى
فالنصف لها، والباقي يرد بموجب السهام.
الثالثة: لو أنكر الحمل (192) وتلاعنا، فولدت توأمين، توارثا بالأمومة دون الأبوة.
الرابعة: لو تبرأ عند السلطان، من جريرة ولده ومن ميراثه (193) ثم مات الولد، قال
الشيخ رحمه الله في النهاية: كان ميراثه لعصبة أبيه دون أبيه، وهو قول شاذ.
وأما ولد الزنا: فلا نسب له، ولا يرثه الزاني، ولا التي ولدته، ولا أحد من
أنسابهما (194) ولا يرثهم هو، وميراثه لولده ومع عدمهم للإمام.

: (187): كأخواله وأولاد أخواله وأجداده لأمه.
(188): من إخوته لأبيه فقط، وأولاد إخوته، وعمومته وأولادهم، وأجداده لأبيه.
(189): وهو الأب الذي أقر به بعد اللعان.
(190): ثلث للأخ وثلث للأخت، والثلث الآخر للجد أو الجدة.
(191): أي: غير ولد الزنا (أو أحدهما) أي: أحد الأبوين (إن كان) ولد الزنا (ذكرا).
(192): أي: لو أنكر الزوج محل زوجته (توأمين) أي: اثنين (توارثا بالأمومة) يعني: إذا مات أحد التوأمين وصلت النوبة إلى إرث
الأخوة، ورثت الأم حصة الأخ للأم فقط، السدس سواء كان أخا أو أختا.
(193): أي: قال الأب: أنا برئ من جناية ابني ومن إرثه، يعني لا آخذ ميراثه لو مات، ولا أعطي الدية عنه لو جنى جناية تكون على
عاقلته الدية، وهذا الكلام كناية عن إنه ليس ابني (شاء) والمشهور بطلان التبري، فيعقله الأب ويرثه.
(194): من الأخوة والأجداد والأعمام والأخوال (للإمام) عليه السلام مع عدم مولى معتق ولا ضامن جريرة (مطرحة) أي: لم يعمل بها
الفقهاء حملها بعضهم على التقية.
841

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى مع الولد، والأدنى مع عدمه.
وفي رواية ترثه أمه، ومن يتقرب بها، مثل ابن الملاعنة، وهي مطرحة.
الثاني في الميراث الخنثى.
من له فرج الرجال والنساء، يرث على الفرج الذي يسبق منه البول (195). فإن جاء
منهما، اعتبر الذي ينقطع منه أخيرا، فيورث عليه.
فإن تساويا في السبق والتأخر: قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة محتجا بالإجماع
والأخبار.
وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط (196): يعطي نصف ميراث رجل، ونصف ميراث
امرأة. وعليه دلت رواية هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قضاء علي عليه
الصلاة والسلام.
وقال المفيد والمرتضى رحمهما الله: تعد أضلاعه، فإن استوى جنباه فهو امرأة، وإن
اختلفا فهو ذكر، وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي عليه السلام، واحتجا بالإجماع.
والرواية ضعيفة، والإجماع لم يتحقق.
إذا عرفت ذلك، فإذا انفرد أخذ المال. وإن كانوا أكثر، فعلى القرعة ويقرع.
فإن كانوا (197) ذكورا أو إناثا، فالمال سواء. وإن كان بعضهم إناثا، فلكل ذكر مثل حظ
الأنثيين. وكذا يعتبر، لو قيل: بعد الأضلاع، وعلى ما اخترناه، يكونون سوءا في المال، ولو
كانوا مئة لتساويهم، في الاستحقاق.
ولو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين، قيل: يكون للذكر أربعة أسهم وللخنثى ثلاثة. ولو
كان معهما أنثى، كان لها سهمان. وقيل بل يقسم الفريضة مرتين، ويفرض في مرة ذكرا،
وفي الأخرى أنثى، ويعطى نصف النصيبين.
وطريق ذلك: أن ينظر في أقل عدد، يمكن قسم فريضتهما منه، ويضرب مخرج أحد

(195): فإن كان ابتداء خروج البول من ذكره ورث حصة الرجال، وإن كان ابتداؤه من فرجه ورث حصة النساء (أخيرا)
فإن انقطع البول أولا من فرجه ورث حصة الرجال، وإن انقطع البول أولا من ذكره ورث حصة النساء (تساويا) أي:
كان ابتداء البول وانتهائه من كليهما معا بلا تقدم وتأخر.
(196): كلها للشيخ الطوسي قده.
(197): بعد اختيارهم.
842

الفريضتين في الآخر. مثال ذلك: خنثى وذكر، فتفرضهما ذكرين، فتطلب مالا له نصف،
ولنصفه نصف (198) وهو أربعة. ثم تفرضهما ذكرا وأنثى، فتطلب مالا له ثلث، ولثلثه نصف
وهو ستة وهما متفقان بالنصف، فتضرب نصف أحد المخرجين في الآخر فيكون اثني عشر
فيحصل للخنثى تارة النصف وهو ستة، وتارة الثلث وهو أربعة فيكون عشرة. ونصفه خمسة،
وهو نصيب الخنثى، ويبقى سبعة للذكر.
وكذا لو كان بدل الذكر أنثى (199) فإنها تصح من اثني عشر أيضا فيكون للخنثى سبعة
وللأنثى خمسة.
ولو كان مع الخنثى ابن وبنت (200)، فإذا فرضت ذكرين وبنتا، كان المال أخماسا. وإذا
فرضت ذكرا وبنتين، كان أرباعا. فتضرب أربعة في خمسة (201) يكون عشرين، لكن لا يقوم
لحاصل الخنثى نصف صحيح، فتضرب مخرج النصف وهو اثنان في عشرين فيكون أربعين،
فيصح الفريضة بغير كسرة.
فإن اتفق معهم زوج أو زوجة، صححت مسألة الخناثى ومشاركيهم أولا، دون الزوج أو
الزوجة، ثم ضربت مخرج نصيب الزوج أو الزوجة فيما اجتمع. مثاله: إن يجتمع ابن وبنت،
وخنثى وزوج. وقد عرفت أن سهام الخنثى ومشاركيه أربعون، فتضرب مخرج سهم الزوج وهو
أربعة في أربعين، فيكون مئة وستين، يعطى الزوج الربع أربعين ويبقى مئة وعشرون. فكل
من حصل له أولا سهم، ضربته في ثلاثة، فما أجتمع فهو نصيبه من مئة وستين (202).
وإن كان أبوان أو أحدهما مع خنثى، فللأبوين السدسان تارة، ولهما الخمسان

(198): وإنما قال لنصفه نصف لكي يعطى للخنثى نصف حصة الذكر (وهما متفقان) أي: الأربعة والستة (بالنصف) لأن مخرج النصف
وهو اثنان يعني الأربعة والستة جميعا.
(199): فتفرض الخنثى مرة ذكرا فحصتها ثمانية من اثني عشر، ومرة أنثى فحصتها ستة من اثني عشر، ونصف الثمانية والستة سبعة.
(200): أي: أخ وأخت، أو عم وعمة، أو ابن أخ وبنت أخ، وهكذا.
(201): لأن بينهما تباين، لا ينفيهما إلا الواحد (نصف صحيح) لأن حصة الخنثى في فرض ذكوريته ثمانية، وفي فرض أنوثيته
خمسة، ونصفهما ستة ونصف (بغير كسر) للذكر ثمانية عشر، وللخنثى ثلاثة عشر، وللأنثى تسعة، إذ على فرض الذكورية يكون
للابن والخنثى كل واحد ستة عشر، وللأنثى ثمانية، وعلى فرض الأنوثية يكون للابن عشرين، ولكل واحدة من الخنثى والأنثى
عشرة، ونصف الستة عشر والعشرة، يكون ثلاثة عشر، يبقى من الأربعين سبعة وعشرين للذكر ضعف الأنثى، ثمانية عشر
وتسعة.
(202): وقد كان نصيب البنت من الأربعين تسعة، فنضربها في ثلاثة الحاصل - 27 ونصيب الابن من الأربعين - 18 - نضربها في ثلاثة
الحاصل - 54 - ونصيب الخنثى من الأربعين - 13 - نضربها في ثلاثة يكون - 39 -، ومجموع مئة وستون 40 + 27 + 54 + 39 =
160
843

أخرى (203). فتضرب خمسة في ستة، فيكون للأبوين أحد عشر، وللخنثى تسعة عشر (204).
ولو كان مع الأبوين خنثيان فصاعدا، كان للأبوين السدسان والباقي للخنثيين، لأنه لا
رد هنا (205).
ولو كان أحد الأبوين (206)، كان الرد عليهم أخماسا، وافتقرت إلى عدد يصح منه
ذلك (207). والعمل في سهم الخناثى، من الأخوة والعمومة كما ذكرناه في الأولاد (208). أما
الأخوة من الأم، فلا حاجة في حسابهم إلى هذه الكلفة، لأن ذكرهم وأنثاهم سواء في
الميراث (209)، وكذا الأخوال.
وفي كون الآباء أو الأجداد خناثى بعد لأن الولادة تنكشف عن حال الخنثى (210)، إلا أن
يبنى على ما روي عن شريح في المرأة التي ولدت وأولدت.
وقال الشيخ رحمه الله: ولو كان الخنثى زوجا أو زوجة، كان له نصف ميراث الزوج،
ونصف ميراث الزوجة.
مسائل ثمان:
الأولى: من ليس له فرج الرجال ولا النساء (211)، يورث بالقرعة بأن يكتب على سهم

(203): سدسان عند فرض الخنثى ذكرا، والخمسان عند فرضها أنثى، إذ لو كان الخنثى ذكرا كان لها بقية الإرث وهو الثلثان، ولو كانت
الخنثى أنثى كان لها النصف، فيزيد سدس يوزع أخماسا على الأبوين والخنثى، فيصير لكل من الأبوين الخمس، وللخنثى ثلاثة
أخماس مثاله: ثلاثون، أعطينا السدسين عشرة للأبوين، والنصف خمس الثلاثين، والثلاثة الباقية للخنثى فيصير ثمانية عشر،
وثمانية عشر ثلاثة أخماس الثلاثين.
(204): تسعة عشر نصف جمع العشرين - حصة الذكر - مع ثمانية عشر - حصة الأنثى -، والباقي بالفرض والرد جميعا أحد عشر
للأبوين، كل ذلك من تقسيم التركة ثلاثين سهما.
(205): إذ لو كانتا ذكرين فلهما الباقي من غير فرض، أو كانتا أنثيين فلهما الثلثان فلا زائد في البين.
(206): أي: لو كان مع الخنثيين أحد الأبوين فقط (أخماسا) إذ حصة أحد الأبوين السدس إذا كانت الخناثى ذكرين، أو ذكرا وأنثى،
وحصة الخمس إذا كانت الخناثى أنثيين، لأن له السدس بالفرض، وللبنتين الثلثان، يبقى سدس يوزع عليهم أخماسا.
(207): فنضرب ستة في خمسة الحاصل ثلاثون، ثم ثلاثين في اثنين يصبح ستين، فللأب تارة الخمس اثني عشر من ستين، وتارة السدس
عشرة من ثلاثين ونصفهما أحد عشر، والباقي وهو تسعة وأربعين للخناثى بالسوية.
(208): قال في المسالك: " فلو فرضنا أخا لأب خنثى وجدا له، فعلى تقدير ذكوريته المال بينهما نصفان، وعلى تقدير أنوثيته فالمال أثلاثا،
يضرب اثنين في ثلاثة، ثم المرتفع في اثنين يبلغ اثنى عشر فللجد سبعة وللخنثى خمسة، ولو كانت جدة فبالعكس، على نحو ما تقرر
في الابن مع الخنثى أو البنت معه، وكذا لو فرضنا عما لأب خنثى مع عمة ".
(209): فيوزع عليهم الثلث بالسوية، وإن كان واحدا فله السدس سواء كان ذكرا أو أنثى.
(210): لأنها إن ولدت فهي أنثى، وإن أولد فهو ذكر (كان له نصف) ويستوي الإرث للزوج والزوجة، إذ مع الولد يكون للخنثى نصف
الربع، ونصف الثمن، يعني ثلاثة من ستة عشر، وبدون الولد يكون للخنثى نصف النصف، ونصف الربع، يعني: ثلاثة من
ثمانية.
(211): في الجواهر: " ولا غيرهما مما يتشخص به كل منهما كما نقل عن شخص وجد ليس في قلبه إلا لحمة ناتئة كالربوة يرشح منها البول
رشحا وليس له قبل، وعن آخر ليس له إلا مخرج واحد بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول، وعن آخر ليس له مخرج لا قبل ولا دبر
وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه) نعوذ بالله من كل بلاء (بعد الدعاء) وهو كما في مصحح فضيل عن الصادق عليه السلام: (اللهم أنت
الله لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا هذا المولود حتى يورث ما فرضت في الكتاب)
الحديث.
844

(عبد الله) وعلى آخر (أمة الله)، ويستخرج بعد الدعاء فما خرج عمل عليه.
الثانية: من له رأسان أو بدنان على حقو (212) واحد، يوقظ أحدهما، فإن انتبها فهما
واحد، وإن انتبه أحدهما فهما اثنان.
الثالثة: الحمل يرث إن ولد حيا. وكذا لو سقط بجناية، أو غير جناية، فتحرك حركة
الأحياء. ولو خرج نصفه حيا والباقي ميتا، لم يرث، وكذا (213) لو تحرك حركة لا تدل على
استقرار الحياة، كحركة المذبوح. وفي رواية ربعي عن أبي جعفر عليه السلام (إذا تحرك تحركا
بينا يرث ويورث). وكذا في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، ولا يشترط كونه حيا
عند موت المورث، حتى إنه لو ولده لستة أشهر (214)، من موت الواطئ ورث، أو لتسعة ولم
تتزوج.
الرابعة: إذا ترك أبوين أو أحدهما، أو زوجا أو زوجة، وترك حملا، أعطي ذووا الفروض
نصيبهم الأدنى (215)، واحتبس الباقي. فإن سقط ميتا، أكمل لكل منهم نصيبه.
الخامسة: قال الشيخ: لو كان للميت ابن موجود وحمل، أعطي الموجود الثلث، ووقف
للحمل ثلثان (215)، لأنه الأغلب في الكثرة، وما زاد نادر. ولو كان الموجد أنثى، أعطيت
الخمس حتى يتبين الحمل وهو حسن.
السادسة: دية الجنين (217) يرثها أبواه. ومن تدلى بهما جميعا، أو بالأب بالنسب أو

(212): الحقو مجمع الفخذين عند الظهر (اثنان) وعليه فيرث حصتين.
(213): لا يرث.
(214): أي: عند ستة أشهر (ولم تتزوج) أمه.
(215): أي: الأقل وهو سدسان للأبوين، وثمن للزوجة لاحتمال ولادة الحمل حيا، فإن ولد حيا فإن كان ذكرا أعطى كل الباقي، وإن
كان ذكرين أو أنثيين قسم بينهما بالسوية، أو ذكرا أو أنثى فللذكر ضعف الأنثى، (أكمل) فأعطى الأم سدس مع عدم الحاجب من
الأخوة والزوجة ثمن آخر، والباقي للأب الخ (ولا يخفى) أن كلمة (أو زوجا) كأنها سهو من الكاتب قدس سره نسخ
الشرائع والجواهر والمسالك إذ لا معنى لموت الزوجة وتركها زوجا وحملا.
(216): لاحتمال كونه ذكرين توأمين (أعطيت الخمس) وأربعة أخماس تحبس لاحتمال ذكرين.
(217): لو سقط بجناية (تدنى بهما) أي: كان قريبا للجنين بسبب الأبوين، كالأخوة والأعمام من الأبوين أو الأب فقط وأعمام الأب،
وإخوانه من طرف الأب (أو السبب) كمعتق الأب. ولا يرث أقرباء الأم فقط كالأخوة من الأم فقط، والأخوال، وأعمام الأم
وأجدادها وهكذا.
845

السبب.
السابعة: إذا تعارف اثنان (218)، ورث بعضهم من بعض، ولا يكلفان البينة. ولو كانا
معروفين بغير ذلك النسب، لم يقبل قولهما.
الثامنة: المفقود يتربص بماله (219)، وفي قدر التربص أقوال، قيل: أربع سنين، وهي
رواية عثمان بن عيسى، عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي الرواية ضعف.
وقيل: تباع داره بعد عشر سنين، وهو اختيار المفيد رحمه الله، وهي رواية علي بن مهزيار، عن
أبي جعفر عليه السلام (في بيع قطعة من داره)، والاستدلال بمثل هذه تعسف. وقال الشيخ:
إن دفع إلى الحاضرين وكفلوا به جاز. وفي رواية إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
(إذا كان الورثة ملاء اقتسموه، فإن جاء، ردوه عليه) وفي إسحاق قول، وفي طريقها سهل بن
زياد، وهو ضعيف. وقال في الخلاف: لا يقسم حتى تمضي مدة، لا يعيش مثله إليها بمجرى
العادة، وهذا أولى.
الثالث: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم (220).
وهؤلاء يرث بعضهم من بعض (221)، إذا كان لهم أو لأحدهم مال، وكانوا يتوارثون،
واشتبهت الحال في تقدم موت بعض على بعض.
فلو لم يكن لهم مال، أو لم يكن بينهم موارثة، وكان أحدهما يرث دون صاحبه، كأخوين
لأحدهما ولد، سقط هذا الحكم.
وكذا لو كان الموت لا عن سبب (222)، أو علم اقتران موتهما، أو تقدم أحدهما على
الآخر.

(218): بأن يعرف أحدهما الآخر بالأخوة، أو البنوة، أو الزوجية، أو غير ذلك.
(219): أي: لا يقسم ماله (تعسف) أي: قول بلا دليل، إذ لا يلزم من بيع بعض الدار الحكم بموته (وكفلوا به) أي: تكلفوا رد المال
عليه إن ظهر كونه حيا (ملاء) أي: افتياء أصحاب أموال (قول) لعل المراد به مذهبه وهو كونه فطحيا قائلا بإمامة عبد الله الأفطح
ابن الإمام الصادق (عليه السلام) عوضا عن موسى بن جعفر (عليه السلام) (لا يعيش مثله) كما لو فقد وعمره خمسون سنة ومضى خمسون سنة
أخرى.
(220): هدم عليهم بيت، أو حائط، أو شجرة، أو نخلة أو غيرها فماتوا.
(221): يرثون بثلاثة شروط (موارثة) كأخوين عرفا ولهما أولاد، فلا موارثة بين الأخوين مع وجود المرتبة السابقة (لأحدهما ولد) فذو
الولد يرث أخاه، هو أو أولاده يرثون عمهم، وأما الأخ الذي لا ولد له فلا يرث أخاه صاحب أولاد.
(222): بأن كان حتف الأنف من الطرفين، أو من طرف واحد، فإنهما لا يتوارثان أصلا، بل يعطي إرث كل واحد منهما لورثة الآخرين دون
هذا الميت معه، وهكذا في الميت الآخر (فتأمل) (اقتران) فلا توارث بينهما أيضا (أو تقدم أحدهما) فيرث المتأخر من المتقدم.
846

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الهدم والغرق، مما يحصل معه الاشتباه تردد. وكلام
الشيخ في النهاية، يؤذن بطرده (223) مع أسباب الاشتباه.
إذا ثبت هذا، فمع حصول الشرائط، يورث بعضهم من بعض، ولا يورث الثاني مما
ورث منه (224). وقال المفيد رحمه الله: يرث مما ورث منه، والأول أصح، لأنه إنما يفرض الممكن.
والتوريث مما ورث، يستدعي الحياة بعد فرض الموت، وهو غير ممكن عادة. ولما روي أنه لو كان
لأحدهما مال، صار المال لمن لا مال له.
وفي وجوب تقديم الأضعف (225) في التوريث تردد، قال في الإيجاز: لا يجب. وقال في
المبسوط: لا يتغير به حكم، غير أنا نتبع الأثر في ذلك. وعلى قول المفيد رحمه الله، تظهر فائدة
التقديم. وما ذكره في الإيجاز أشبه بالصواب. ولو ثبت الوجوب، كان تعبدا.
فلو غرق زوج وزوجة، فرض موت الزوج أولا وتعطى الزوجة ثم يفرض موت الزوجة،
ويعطى الزوج نصيبه من تركتها الأصلية (226) لا مما ورثته.
وكذا لو غرق أب وابن، يورث الأب (227) ثم يورث الابن. ثم إن كان كل واحد منهما
أولى من بقية الوراث، انتقل مال كل واحد منهما إلى الآخر، ومنه إلى ورثته، كابن له أخوة من
أم، وأب له أخوة، فمال الولد ينتقل إلى الوالد. وكذا مال الوالد الأصلي (228) ينتقل إلى الولد
ثم ينتقل ما صار إلى كل واحد منهما إلى إخوته.
وإن كان لأحدهما أو لكل واحد منهما شريك في الإرث، كابن وأب، وللأب أولاد غير من
غرق وللولد أولاد، فإن الأب يرث مع الأولاد السدس، ثم يفرض موت الأب، فيرث الابن

(223): أي: اطراد هذا الحكم وثبوته وأسباب الاشتباه كالحرق، أو القتل في حرب أو نحوهما.
(224): أي: مما ورث منه الأول، مثلا لو مات زيد وعمرو معا، وكان عند الموت لزيد ألف، ولعمرو مئة، يرث عمرو من ألف زيد
فقط، لا من الألف وما وصل لزيد من مئة عمرو، ويرث زيد من مئة عمرو فقط، لا من المئة ومما وصل لعمرو من ألف زيد.
(225): أي: الأقل نصيبا (في الإيجاز) هو للشيخ الطوسي قدس سره (لا يتغير) إذا أي فرق في أن يعطي مال زيد لعمرو أولا، أو بالعكس
(فائدة التقديم) بأن يفرض أولا موت الذي يأخذ نصيبا أكثر فيعطي من إرثه للأقل نصيبا، ثم يفرض موت الأقل نصيبا فيعطي من
إرثه للأكثر نصيبا، فعلى قول المفيد قدس سره - مثلا في زوجين ماتا، بفرض أولا موت الزوج فيعطي سهم الزوجة، ويزاد سهم
الزوجة على أموالها، ثم يؤخذ من مجموعهما سهم الزوج (كان تعبدا) إذ لا أثر له على المشهور.
(226):: فقط وفقط (لا مما ورثته) من الزوج أيضا مثاله: مات زوجان معا بالهدم، وكان للزوج ألف دينار، وللزوجة مئة دينار، ولم يكن
لهما أولاد، أعطى ربع ألف الزوج لزوجته ثم نصف مئة الزوجة لزوجها، فصار للزوجة خمسمئة وخمسين، وللزوج خمسمئة
وخمسين، صرف كل ورثته الآخرين من أبوين، أو أخوة الخ.
(227): أي: يفرض موت الابن فيعطى من إرثه لأبيه.
(228): أي: غير ما حصله بالإرث الوالد من ولده (إلى الولد) لأن الأخوة لا يرثون لامع الوالد، ولا مع الولد، لأنهم مرتبة ثانية،
والأب والولد من المرتبة الأولى.
847

مع إخوته نصيبه وينتقل ما بقي من تركته مع هذا النصيب إلى أولاده.
ولو كان الوارثان متساويان في الاستحقاق كالأخوين (229)، لم يقدم أحدهما على الآخر،
وكانا سواء في الاستحقاق، وينتقل مال كل واحد منهما إلى الآخر. فإن لم يكن لها وارث (230)،
فميراثهما للإمام عليه السلام، وإن كان لأحدهما وارث، انتقل ما صار إليه إلى ورثته. وما صار
إلى الآخر إلى الإمام.
الرابع: في ميراث المجوسي (231).
المجوسي قد ينكح المحرمات بشبهة دينه، فيحصل له النسب الصحيح والفاسد،
والسبب الصحيح والفاسد.
ونعني بالفاسد: ما يكون عن نكاح محرم عندنا لا عندهم، كما إذا أنكح أمه فأولدها
ولدا، فنسب الولد فاسد وسبب زوجيتها فاسد (232).
فمن الأصحاب من لا يورثه إلا بالصحيح من النسب والسبب، وهو المحكي عن
يونس بن عبد الرحمن ومتابعيه.
ومنهم من يورثه بالنسب، صحيحه وفاسده، وبالسبب الصحيح لا الفاسد، وهو
اختيار الفضل بن شاذان من القدماء ومن تابعه، ومذهب شيخنا المفيد رحمه الله، وهو
حسن.
والشيخ أبو جعفر رحمه الله: يورث بالأمرين، صحيحهما وفاسدهما. وعلى هذا
القول: لو اجتمع الأمران لواحد ورث بهما، مثل أم هي زوجة، لها نصيب الزوجية -
وهو الربع - مع عدم الولد، والثلث نصيب الأمومة من الأصل. فإن لم يكن مشارك

(229): حيث لا وارث آخر في مرتبتهما.
(230): حتى المولى المعتق، والضامن للجريرة.
(231): في الحديث الشريف: أن المجوس كان لهم كتاب فأحرقوه اسمه (جاماسب) ونبي فقتلوه، وإن النبي - صلى الله عليه وآله
وسلم - قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وإنما دخل هذا البحث فقهنا لأنهم قد يترافعون إلى المسلمين في إرثهم، وقد يسلمون بعد
الموت أحدهم وقبل تقسيم إرثه.
(232): إذ ليس الولد ولدا له، ولا الزوجة زوجته له عندنا (بالصحيح من النسب والسبب) فلو نكح أمه فأولدها، فلا يعطى
للولد شئ، ولا للأم إرث الزوجة، بل تعطى إرث الأم فقط (لا الفاسد) ففي هذا المثال يعطى الإرث للولد، ولا
يعطى للأم باعتبارها زوجة (بالأمرين صحيحهما وفاسدهما). ففي مثالنا يكون الولد ولده وأخاه لأمه، وحيث أن الولد
يحجب الأخ يرث إرث الولد فقط، وأمه ترث إرثين لأنها والدة، ولأنها زوجة.
848

كالأب (233)، فالباقي يرد عليها بالأمومة.
وكذا بنت هي زوجة، لها الثمن والنصف، والباقي يرد عليها بالقرابة، إذا لم يكن
مشارك. ولو كان أبوان، كان لهما السدسان، ولهما الثمن والنصف، وما فضل يرد عليها
بالقرابة وعلى الأبوين (234).
وكذا أخت هي زوجة، لها الربع والنصف، والباقي يرد عليها بالقرابة، إذا لم يكن
مشارك.
ولو اجتمع سببان، وأحدهما يمنع الآخر، ورث من جهة المانع، مثل بنت هي أخت
من أم (235)، فلها نصيب البنت دون الأخت، لأنه لا ميراث عندنا لأخت مع بنت.
وكذا بنت هي بنت بنت (236)، لها نصيب البنت دون بنت البنت.
وكذا عمة هي أخت من أب، لها نصيب الأخت دون العمة. وكذا عمة هي بنت
عمة، لها نصيب العمة.
مسألتان:
الأولى: المسلم لا يرث بالسبب الفاسد، فلو تزوج محرمة لم يتوارثا، سواء كان تحريمها متفقا
عليه كالأم من الرضاع، أو مختلفا فيه كأم المزني بها، أو المتخلقة من ماء الزاني (237)، وسواء كان
الزوج معتقدا للتحليل أو لم يكن.
الثانية: المسلم يرث بالنسب الصحيح والفاسد (238)، لأن الشبهة كالعقد الصحيح
في التحاق النسب.

(233): إذ لو كان أب فالباقي للأب.
(234): نقسم الفريضة إلى (144): سهما لكي لا يبقى كسر، سدسه - 24 للأب وسدسه - 24 - للأم، ونصفه - 72 - مع ثمنه - 18 -
يكون - 90 - للزوجة التي هي بنت، يبقى ستة يرد عليهم سدسان - 2 - للأبوين والباقي - 4 - للزوجة البنت.
(235): كما لو نكح أمه فأتت ببنت، فهي ابنته لأنها من صلبه، وأخته لأمه لأنها من أمه (عندنا) لأن التعصب جاز عند معظم العامة.
(236): كما لو نكح بنته فأتت منه ببنت، فهي بنته لصلبه وبنت بنته (عمة هي أخت من أب) كما لو نكح زيد أمه فولدت بنتا، هذه البنت
عمة لابن زيد لأنها أخت أبيه لأمه، وأخت له من أبيه (وعمة هي بنت عمة) كما لو نكح جد زيد بنته فولدت بنتا، فهذه البنت
المولودة عمة لزيد لأنها بنت جده من صلبه، وبنت عمة زيد لأنها بنت بنت جده.
(237): أي: تزوج الزاني للبنت المخلوقة من زناه هو (معتقدا) إذا كان الميت الزوج والوارثة الزوجة التي تعتقد عدم الحلية، وأما لو كان
العكس فلا يبعد صحة الإرث والمسألة سيالة في مختلف أبواب الفقه وفيها أقوال عديدة قد فصلنا بعض الكلام عنها في شرح العروة
الوثقى باب التقليد.
(238): إذا كان فساد شبهة، يعني: الفاسد واقعا لا مع العلم والعمد، فلو وطأ شخص بعض محارمه شبهة فأولدها، فالولد ابنهما
فيوارثون وأولادهما إخوته وإخوة الأب أعمامه، وإخوة الأم أخوالها، وآباء الأب والأم أجداده وهكذا.
849

خاتمة: في حساب الفرائض وهي تشتمل على مقاصد:
الأول: في مخارج الفروض الستة (239) وطريق الحساب.
ونعني بالمخرج: أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا، فهي إذا خمسة: النصف
من اثنين. والربع من أربعة. والثمن من ثمانية. والثلث والثلثان من ثلاثة. والسدس
من ستة.
وكل فريضة حصل فيها نصفان (240)، أو نصف وما بقي فهي من اثنين. وإن
اشتملت على ربع ونصف، أو ربع وما بقي فهي من أربعة. وإن اشتملت على ثمن
ونصف، أو ثمن وما بقي، فهي من ثمانية. وإن اشتملت على ثلث وثلثين، أو ثلث وما
بقي، أو ثلثين وما بقي، فهي من ثلاثة. وإن اشتملت على سدس وثلث (241)، أو سدس
وثلثين، أو سدس وما بقي، فمن ستة. والنصف مع الثلث (242)، أو الثلثين والسدس،
أو مع أحدهما، من ستة.
ولو كان بدل النصف ربع (243)، كانت الفريضة من اثني عشر. ولو كان بدله ثمن،
كانت من أربعة وعشرين.
إذا عرفت هذا:
فالفريضة: أما وفق السهام، أو ناقصة، أو زائدة.
القسم الأول: أن تكون الفريضة بقدر السهام.

(239): المذكورة في القرآن الحكيم النصف والربع والثلث والثلثان، والسدس، والثمن.
(240): مثل زوج وأخت (أو نصف وما بقي) مثل زوج وأخ (ربع ونصف) كزوج وبنت (ربع وما بقي) زوج وابن (ثمن ونصف)
زوجة مع بنت واحدة (ثمن وما بقي) زوجة مع ابن (ثلثا وثلثين) كأخوة من طرف الأم فقط، وأخوات من طرف الأب فقط، أو
من طرف الأبوين (ثلث وما بقي) كأبوين فقط، مع عدم الحاجب، للأم الثلث، والباقي للأب (ثلثين وما بقي) أخوات
لأبوين، أو لأب، مع جد.
(241): وهذا القرض لا يكون تسمية كما سبق من المصنف عند رقم (77) قوله " ولا يجتمع الثلث مع السدس تسمية " نعم، ذكرنا هناك
وإنما يجتمعان قرابة كزوج وأبوين، للزوج النصف وللأم مع عدم الحاجب الثلث، والباقي وهو السدس للأب. (أو سدس وثلثين)
كأحد الأبوين مع بنتين (أو سدس وما بقي) واحد من كلالة الأم مع أخ للأبوين أو الأب فقط.
(242): الزوج له النصف، والأم لها الثلث بلا ولد ولا حاجب (أو الثلثين) أي: الثلثين مع السدس كالبنتين مع الأبوين، للبنتين
الثلثان وللأبوين لكل منهما السدس (أحدهما) أي النصف مع الثلثين، أو النصف مع السدس هذا ظاهر العبارة إلا أن النصف لا
يجتمع الثلثين عندنا لبطلان القول عند أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ولعل مقصود الماتن غير ذلك والله أعلم.
(243): أي: ربع وثلثان مثلا، كزوج وبنتين، أو ربع وثلث كزوج وأبوين للزوج الربع، وللأم الثلث - مع عدم الحاجب - والباقي
للأب (بدله) أي: بدل النصف (ثمن) أي: ثمن وثلثان، وكزوجة وبنتين.
850

فإن انقسمت من غير كسر فلا بحث، مثل أخت لأب مع زوج (244)، فالفريضة من
اثنين. أو بنتين وأبوين، أو أبوين وزوج، فالفريضة من ستة. وتنقسم بغير كسر.
وإن انكسرت الفريضة، فإما على فريق واحد أو أكثر. فالأول (245): تضرب عددهم في
أصل الفريضة، إن لم يكن بين نصيبهم وعددهم وفق. مثل: أبوين وخمس بنات،
فريضتهم ستة، نصيب البنات أربعة ولا وفق (246). فيضرب، عددهن - وهو خمسة - في
ستة، فما ارتفع فمنه الفريضة.
وكل من حصل له من الوارث من الفريضة سهم قبل الضرب، فاضربه في خمسة،
وذلك قدر نصيبه.
وإن كان بين النصيب والعدد وفق، فاضرب الوفق من عددهن - لا من النصيب - في
الفريضة، مثل أبوين وست بنات. للبنات أربعة لا تنقسم عليهن على صحة (247)،
والنصيب يوافق عددهن بالنصف، فتضرب نصف عددهن وهو ثلاثة، في الفريضة وهي
ستة، فتبلغ ثمانية عشر. وقد كان للأبوين من الأصل سهمان، ضربتهما في ثلاثة فكان
لهما ستة، وللبنات من الأصل أربعة، فضربتها في ثلاثة، فاجتمع لهم اثنا عشر، لكل
بنت سهما.
وإن انكسرت على أكثر من فريق، فإما أن يكون بين سهام كل فريق وعدده وفق،
وإما أن لا يكون للجميع وفق (248)، أو يكون لبعض دون بعض.
ففي الأولى: يرد كل فريق إلى جزء الوفق.
وفي الثاني: يجعل كل عدد بحاله.

(244): لكل منهما نصف المال (أو بنتين وأبوين) للبنتين الثلثان من التركة، وللأبوين جميعا ثلثها (أو أبوين وزوج) للزوج النصف،
وللأم الثلث - مع عدم الحاجب من الأخوة - والسدس الباقي للأب.
(245): وهو ما إذا لزم الكسر على فريق واحد (وفق) العددان المتوافقان - كما سيأتي - هما اللذان يفنيهما غير الواحد من سائر الأعداد،
كالأربعة والستة يفنيهما الاثنان، والستة والتسعة تفنيهما الثلاثة، والعشرة مع الخمسة والعشرين تفنيهما الخمسة وهكذا، وغير ذلك
مثل أربعة مع خمسة لا يفنيهما إلا الواحد.
(246): بين الأربعة والخمسة (فما ارتفع) يعني: حاصل الضرب وهو في مثالنا ثلاثون (فاضربه في خمسة) لكل من الأبوين كان سهم
من ستة أسهم، فيكون لكل منهما خمسة أسهم من ثلاثين سهما يبقى عشرون سهما، وكان للبنات الخمس كلهن أربعة أسهم من
ستة، فيضرب أربعة في خمسة، والحاصل عشرين يوزع على البنات الخمس كل واحدة منهن أربعة أسهم من العشرين.
(247): أي: بدون كسر (فالنصيب) وهو أربعة (يوافق عددهن بالنصف) إذ مخرج النصف - وهو اثنان - يعني الأربعة والستة جميعا.
(248): أي: لا يكون وفق في البين أصلا (ففي الأول) وهو ما كان الوفق بين سهام كل جماعة وعددهم (جزء الوفق) مثلا الأربعة والستة
يرد أحدهما إلى النصف إما يرد الأربعة إلى اثنين، أو الستة إلى ثلاثة (وفي الثاني) وهو ما لم يكن فرق بين أعداد طائفة وسهامهم
851

وفي الثالث: ترد الطائفة التي لها الوفق إلى جزء الوفق، وتبقى الأخرى بحالها.
ثم بعد ذلك: إما أن تبقى الأعداد متماثلة (249)، أو متداخلة، أو متوافقة أو
متباينة.
فإن كان الأول (250): اقتصرت على أحدهما، وضربته في أصل الفريضة مثل أخوين
لأب وأم ومثلهما لأم، فريضتهم من ثلاثة، لا ينقسم على صحة، ضربت أحد العددين
وهو اثنان في الفريضة، وهي ثلاثة فصار ستة للأخوين، للأم سهمان بينهما، وللأخوين
للأب والأم أربعة.
وإن تداخل العددان: فاطرح الأقل واضرب الأكثر في الفريضة وهي ثلاثة فصار ستة للأخوين
للأم سهمان بينهما وللأخوية للأب والأم أربعة وإن تداخل العددان فاطرح الأقل واضرب الآخر في
الفريضة مثل: إخوة ثلاثة لأم وستة لأب، فريضتهم ثلاثة، لا ينقسم على صحة، وأحد الفريقين
نصف الآخر (251)، فالعددان متداخلان. فاضرب الستة في الفريضة تبلغ ثمانية عشر، ومنه
يصح.
وإن توافق العددان: فاضرب وفق أحدهما في عدد الآخر، فما ارتفع (252) فاضربه في
أصل الفريضة، مثل أربع زوجات وستة إخوة، فريضتهم أربعة لا ينقسم صحاحا، وبين
الأربعة والستة وفق وهو النصف. فتضرب نصف أحدهما وهو اثنان، في الآخر وهو ستة (253)، تبلغ
اثني عشر. فتضرب ذلك في أصل الفريضة وهي أربعة، فما أرتفع صحت منه القسمة
وإن تباين العددان: فاضرب أحدهما في الآخر، فما اجتمع فاضربه في الفريضة،
مثل: أخوين من أم وخمسة من أب، فريضتهم ثلاثة (254)، لا ينقسم على صحة، ولا

(249): (متماثلة) كإثني عشر مع اثني عشر بأن كان اثني عشر سهما، وكان عدد الورثة اثنى عشر شخصا (متداخلة) كإثني عشر وأربعة
وعشرون، حيث إن الأول داخل في الثاني (متوافقة) كإثني عشر مع تسعة لهما وفق في الثلث لأن ثلاثة - وهي مخرج الثلث - تفني كليهما
(متباينة) كإثني عشر مع أحد عشر.
(250): أي: متماثلة (على صحة) أي: بدون كسر (أحد العددين) وهما أخوان لأبوين، وإخوان لأم فقط.
(251): لأن فريق الأم نصف فريق الأب (في الفريضة) وهي ثلاثة (ومنه يصح) فتقسم الثمانية عشر ثلاثة أقسام، ثلث لفريق الأم
الثلاثة لكل منهم سهمان، وثلثان - وهو اثني عشر - لفريق الأب، لكل منهم سهمان أيضا.
(252): أي: حاصل الضرب (فريضتهم أربعة) لأن الزوجة بلا ولد لها الربع، والأخوة لهم الباقي (الأربعة) عدد الزوجات
(والستة) عدد الأخوة (وهو النصف) إذ الاثنين - وهو مخرج النصف - يعني الأربعة والستة.
(253): أو تضرب نصف الستة وهو ثلاثة في أربعة = 12 (فما ارتفع) أي: حاصل الضرب وهو ثمانية وأربعون، والتقسيم هكذا:
الربع هو اثني عشر للزوجات الأربع لكل واحدة ثلاثة، والباقي وهو ستة وثلاثون للأخوة الستة، لكل منهم ستة إن كان كلهم
ذكور، أو كان كلهم إناث، وإن كانوا ذكورا وإناثا فللأخ ضعف الأخت.
(254): لأن الثلثين من التركة لكلالة الأب، وثلث لكلالة الأم (أحدهما في الآخر) أي: عدد كلالة الأم وهو اثنان في عدد كلالة الأب
وهو خمسة (فما ارتفع) أي: حاصل الضرب وهو ثلاثون، والتقسيم كما يلي: ثلث وهو عشرة لكلالة الأم لكل واحد منهما خمسة
وثلثان وهو عشرون لكلالة الأب الخمسة لكل واحد منهم أربعة. ويسمى - في الاصطلاح الرياضي - متماثلان.
852

وفق بين العددين ولا تداخل. فاضرب أحدهما في الآخر يكن عشرة، ثم اضرب العشرة في
أصل الفريضة - وهي ثلاثة - فما ارتفع، فمنه يصح.
تتمة: العددان: إما متساويان، أو مختلفان.
والمختلفان: إما متداخلان، أو متوافقان، أو متباينان.
فالمتداخلان: هما اللذان يفني أقلهما الكثر، إما مرتين أو مرارا، ولا يتجاوز الأقل
نصف الأكثر. وإن شئت سميتهما بالمتناسبين، كالثلاثة بالقياس إلى الستة والتسعة،
وكالأربعة بالقياس إلى الثمانية والاثني عشر.
والمتوافقان: هما اللذان إذا أسقط أقلهما من الأكثر، مرة أو مرارا، بقي أكثر من
واحد، كالعشرة والاثني عشر. فإنك إذا أسقطت العشرة بقي اثنان، فإذا اسقطتهما (255)
من العشرة مرارا فنيت بهما، فإذا فضل بعد الإسقاط اثنان، فهما يتوافقان بالنصف. ولو
بقي ثلاثة (256)، فالموافقة بالثلث. وكذا إلى العشرة. ولو بقي أحد عشر، فالموافقة بالجزء
منها (257).
والمتباينان: هما اللذان إذا سقط الأقل من الأكثر، مرة أو مرارا بقي واحد. مثل:
ثلاثة عشر وعشرين. فإنك إذا أسقطت ثلاثة عشر، بقي سبعة. فإذا أسقطت سبعة من
ثلاثة عشر، بقي ستة. فإذا أسقطت ستة من سبعة بقي واحد

(255): أي: الاثنين (فنيت) العشرة (بهما) بالاثنين، فبين العشرة والاثني عشر توافق، وبين الاثنين والعشرة تداخل.
(256): كالستة والتسعة، ومثل الاثني عشر والخمسة عشر (وكذا إلى العشرة) فإن بقي أربعة الموافقة بالربع كالثمانية والاثني عشر،
وإن بقي خمسة فالموافقة بالخمس كالعشرة والخمسة عشر، وإن بقي ستة فالموافقة بالسدس كالاثني عشر والثمانية، فتضرب سدس
إحداهما في جميع الآخر، وإن بقي سبعة فالموافقة بالسبع كالأربعة عشر والواحد والعشرين، فتضرب سبع أحدهما في الآخر، وإن
بقي ثمانية فالموافقة بالثمن، كالستة عشر مع الأربعة والعشرين، وإن بقي تسعة فالموافقة بالتسع كالثمانية عشر مع السبعة
والعشرين، وإن بقي عشرة فالموافقة بالعشر كالعشرين مع الثلاثين.
(257): أي: جزء من أحد عشر، لأن بعد العشر ليس اسم خاص للكسر إلا بإضافة الجزء إلى نفس العدد، فيقال جزء من أحد عشر
جزءا، وجزء من اثني عشر جزءا وهكذا مثل الاثنين والعشرين مع الثلاثة والثلاثين، متوافقان بالجزء من أحد عشر، فيضرب جزء
من أحد عشر من أحدهما في تمام الآخر، مثلا 2 * 33 = 66 أو 3 * 22 = 66 الحاصل في كليهما واحد.
ولو بقي عشرون فهما متوافقان في جزء من عشرين مثل ثمانين مع مئة، فيضرب جزء من عشرين من أحدهما في تمام الآخر هكذا
4 * 100 = 400 أو 5 * 80 = 400.
853

القسم الثاني (258): أن تكون الفريضة قاصرة على السهام.
ولن تقصر إلا بدخول الزوج أو الزوجة. مثل: أبوين وبنتين فصاعدا، مع زوج أو
زوجة، أو أبوين وبنت وزوج، أو أحد الأبوين وبنتين فصاعدا مع زوج. فللزوج أو
الزوجة في هذه المسائل نصيبهما الأدنى، ولكل واحد من الأبوين السدس، وما بقي فللبنت
أو البنتين فصاعدا. ولا تعول الفريضة أبدا.
وكذا إخوان لأم، وأختان فصاعدا لأب وأم، أو لأب مع زوج أو زوجة، أو أحد
كلالة الأم مع أخت وزوج (259)، ففي هذه المسائل يأخذ الزوج أو الزوجة نصيبهما
الأعلى، ويدخل النقص على الأخت، أو الأخوات للأب والأم، أو للأب خاصة
فإن انقسمت الفريضة على صحة (260)، وإلا ضربت سهما من انكسر عليهن النصيب في
أصل الفريضة.
مثال الأول: أبوان وزوج وخمس بنات، فريضتهم اثنا عشر (261) للزوج ثلاثة،
وللأبوين أربعة، ويبقى خمسة للبنات بالسوية.
ومثال الثاني (262): كانت البنات ثلاثا، فلم تنقسم الخمسة عليهن، ضربت ثلاثة
في أصل الفريضة، فما بلغت صحت منه المسألة.
القسم الثالث: أن تزيد الفريضة عن السهام.
فترد على ذوي السهام، عدا الزوج والزوجة، والأم مع الأخوة، على ما

(258): مضى القسم الأول قبيل رقم (244) (مثل أبوين وبنتين الخ) مضت عين هذه الأمثلة من المصنف، قدس سره - مع بعض
توضيح منا عند رقم (82) وما بعده.
(259): للواحد من كلالة الأم السدس، وللزوج النصف، وللأخت - لأبوين أو لأب فقط - الباقي إذ في هذه الحال لا سهم خاص
للأخت حتى يلزم النقص بل للأخت في هذه الحال الباقي أيا كان.
(260): أي: بدون كسر (عليهن) من الأخت أو الأخوات، للأبوين أو لأب فقط لأنهن يدخل النقص عليهن فقط، إذ الأخ أو الأخوة لا
نصيب معين لهم حتى في أي حال حتى يقال إنه يدخل النقص عليهم (مثال الأول) ما انقسمت الفريضة على صحة.
(261): حاصلة من ضرب وفق الأربعة في الستة، لأن حصة الزوج الربع، وحصة كل واحد من الأبوين السدس، وبين الأربعة
والستة - مخرجي الربع والسدس - وفق بالنصف لأن مخرج النصف - وهو الاثنان - يعني: الأربعة والستة جميعا، متكررة مرتين
وثلاث.
(262): وهو إذا انكسرت الفريضة على الورثة (ضربت ثلاثة) عدد البنات (في أصل الفريضة) وهو اثنا عشر (فما بلغت) أي: حاصل
الضرب وهو ستة وثلاثون للزوج الربع من الستة والثلاثين وهو تسعة، وللأبوين السدسين منها وهو اثنا عشر لكليهما، يبقى خمسة
عشر للبنات الثلاث كل واحدة لها خمسة.
854

سبق (263).
أو يجتمع من له سببان (264)، مع من له سبب واحد، فذو السببين أحق بالرد.
مثل: أبوين وبنت (265)، فإذا لم يكن إخوة، فالرد أخماسا. وإن كان إخوة، فالرد
أرباعا، تضرب مخرج سهام الرد في أصل الفريضة.
ومثل أحد الأبوين وبنتين فصاعدا، فالفاضل يرد أخماسا، فتضرب خمسة في أصل
الفريضة (266).
ومثل: واحد من كلالة الأم مع أخت لأب، فالرد عليهما على الأصح أرباعا (267).
ومثل اثنين من كلالة الأم مع أخت لأب (268)، فإن الرد يكون أخماسا تضرب خمسة
في أصل الفريضة، فما ارتفع صحت منه القسمة.
المقصد الثاني: في المناسخات (269) ونعني به: أن يموت إنسان فلا تقسم تركته، ثم
يموت بعض وراثه، ويتعلق الفرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.
فطريق ذلك: أن تصحح مسألة الأول، ويجعل للثاني من ذلك نصيب، إذا قسم

(263): من الماتن - قدس سره - ومنها تعليقا عند رقم (78) وما بعده.
(264): أي: يرتبط مع الميت بسببين كالأخت من الأبوين، مع الأخوة للأم فقط.
(265): للأبوين السدسين، وللبنت النصف، يبقى سدس، يرد على الأبوين والبنت إذا لم يكن للميت إخوة يحجبون الأم وإن كان إخوة
فيرد على الأب والبنت فقط (مخرج سهام الرد) أربعة (في أصل الفريضة) وهو ستة يكون - 24 - هكذا: للأبوين السدسين
ثمانية، وللبنت النصف اثني عشر، يبقى أربعة واحد للأب، وثلاثة للبنت، لأن حصة البنت ثلاثة أضعاف حصة الأب، وهذا
مع وجود الأخوة للحجب عن الأم (أما) إذا لم يكن إخوة يحجبون الأم فالرد أخماسا، يكون الفريضة من ثلاثين ضربا للخمسة -
وهي مخرج سهام الرد - في الستة أصل الفريضة، للأبوين السدسين عشرة، وللبنت النصف خمسة عشر، يبقى خمسة للأبوين
اثنان، وللبنت ثلاثة، لأن البنت كان فرضها ثلاثة أضعاف فرض كل واحد من الأبوين.
(266): وهو ستة يبلغ ثلاثين، لأحد الأبوين السدس خمسة، وللبنتين الثلثان عشرون يبقى خمسة، واحد لأحد الأبوين، وأربعة للبنتين
ردا، إذ حصة البنتين أربعة أضعاف حصة أحد الأبوين.
(267): لواحد من كلالة الأم السدس، وللأخت لأب النصف، يبقى ثلث والتقسيم من أربعة وعشرين هكذا، للواحد من كلالة الأم
السدس أربعة، وللأخت لأب النصف اثني عشر، يبقى ثمانية، لكلالة الأم اثنان، وستة للأخت لأب، إذ حصة الأخت لأب
ثلاثة أضعاف حصة كلالة الأم (على الأصح) مقابل قول آخر بأنه لا يرد على كلالة الأم أبدا، بل الزائد كله للأخت لأب.
(268): لكلالة الأم الثلث، وللأخت النصف يبقى سدس يوزع عليهم على خمسة أقسام اثنان لكلالة الأم - وثلاثة للأخت (في أصل
الفريضة) وهو ستة حاصلة من ضرب ثلاثة - مخرج الثلث لكلالة الأم - في اثنين - مخرج النصف للأخت لأب -، والحاصل ثلاثون
عشرة لكلالة الأم، وخمسة عشر للأخت لأب، والخمسة الباقية اثنان لكلالة الأم ردا، وثلاثة للأخت لأب ردا.
(269): مأخوذ من النسخ بمعنى الإبطال أو التغيير، إذ الورثة، والحصص تنسخ وتتغير (الفريضتين) أي الإرثين (أصل واحد) مال
واحد (مسألة الأول) أي إرث الميت الأول.
855

على ورثته صح من غير كسر.
فإن كان ورثة الثاني هم ورثة الأول، من غير اختلاف في القسمة كان كالفريضة
الواحدة. مثل إخوة ثلاثة وأخوات ثلاث، من جهة واحدة (270) مات أحد الأخوة ثم
مات الآخر، ثم ماتت إحدى الأخوات، ثم ماتت أخرى، وبقي أخ وأخت، فمال الموتى
بينهما أثلاثا أو بالسوية.
ولو اختلف الاستحقاق (271)، أو الوراث أو هما، فانظر نصيب الثاني. فإن نهض
بالقسمة على الصحة، فلا كلام.
مثل: أن يموت إنسان، ويترك زوجة وابنا وأبا وبنتا، فللزوجة الثمن ثلاثة من أربعة
وعشرين، ثم تموت الزوجة فتترك ابنا وبنتا (272)، فإن لم ينقسم نصيبه على وراثه على
صحة، فهنا صورتان:
الأولى: أن يكون بين نصيب الميت الثاني من الفريضة الأولى، وبين الفريضة الثانية
وفق، فتضرب وفق الفريضة الثانية - لا وفق نصيب الميت الثاني في الفريضة الأولى، فما
بلغ صحت منه الفريضتان (273). مثل: أخوين من أم ومثلهما من أب وزوج، ثم مات
الزوج وخلف ابنا وبنتين، فالفريضة الأولى ستة، تنكسر فتصير إلى اثني عشر، نصيب
الزوج ستة لا تنقسم على أربعة، ولكن توافق الفريضة الثانية بالنصف، فتضرب جزء
الوفق من الفريضة الثانية وهو اثنان - لا من النصيب في الفريضة الأولى وهي اثني عشر فما
بلغت (274) صحت منه الفريضتان وكل من كان له من الفريضة الأولى شئ، أخذه
مضروبا في اثنين.

(270): أي: كلهم لأبوين، أو كلهم لأب فقط، أو كلهم لأم فقط (أثلاثا) ثلثان للأخ وثلث للأخت، إذا كانوا لأبوين، أو لأب فقط
(أو بالسوية) إذا كانوا لأم فقط.
(271): أي زاد نصيب الوارث بموت الثاني (أو الوارث) أي: عدد الورثة زاد من دون زيادة حصة أحد منهم (على الصحة)
أي: بلا كسر.
(272): فيرث الابن والبنت نصيب أمهما أيضا فيزيد استحقاقهما، ويعطي من الثلاثة نصيب اثنان للابن وواحد للبنت.
(273): أي: الإرثين (مثل أخوين) يعني: مات شخص وكان ورثته أخوين من أم الخ (ستة) لأن حصة الأخوين من الأم ثلث
لكل منهما سدس (تنكسر) إذ اثنان من الستة للأخوين من أم، وثلاثة من الستة للزوج، يبقى واحد ينكسر عند التقسيم على
الأخوين من أب (لا تنقسم على أربعة) ابنه وبنتيه.
(274): وهو أربعة وعشرون، للأخوين لأم ثلث وهو ثمانية لكل منهما أربعة وللزوج النصف اثني عشر، يقسم على ابنه وبنتيه، ستة
للابن، ولكل بنت ثلاثة، والباقي وهو أربعة للأخوين من أب لكل واحد اثنان.
856

الصورة الثانية: أن يتباين النصيب والفريضة، فتضرب الفريضة الثانية في الأولى،
فما بلغ صحت منه الفريضتان، وكل من كان له من الفريضة الأولى شئ، أخذه مضروبا
في الثانية. مثل زوج واثنين من كلالة الأم وأخ من أب، ثم مات الزوج وترك ابنين وبنتا،
فريضة الأول من ستة (275)، نصيب الزوج ثلاثة، لا تنقسم على خمسة ولا توافق، فاضرب
الخمسة في الفريضة الأولى، فما بلغ صحت منه الفريضتان.
ولو كانت المناسخات أكثر من فريضتين (276)، نظرت في الثالثة. فإن انقسم نصيب
الثالث على ورثته على صحة، وإلا عملت في فريضته مع الفريضتين ما عملت في فريضة
الثاني مع الأول (277). وكذا لو فرض موت رابع أو ما زاد على ذلك.
المقصد الثالث: في معرفة سهام الوارث من التركة وللناس في ذلك طرق. أقربها:
أن تنسب سهام كل وارث من الفريضة، وتأخذ له من التركة بتلك النسبة. فما كان فهو
نصيبه منها (278).
وإن شئت قسمت التركة على الفريضة، فما خرج بالقسمة ضربته في سهام كل
واحد، فما بلغ فهو نصيبه (279).
ولك طريق آخر: وهو أنه إذا كانت التركة صحاحا لا كسر فيها فجرد العدد الذي
منه تصح الفريضة، ثم خذ ما حصل لكل وارث، واضربه في التركة. فما حصل،

(275): إذ الكل واحد من كلالة الأم السدس (في الفريضة الأولى) سنة الحاصل ثلاثون نصفه خمسة عشر للزوج، يقسم خمسة أقسام
قسم للبنت، وأربعة للأبتين، وثلثه عشرة لأخوين من أم لكل منهما خمسة، والباقي وهو خمسة للأخ من أب.
(276): بأن مات شخص ولم تقسم تركته فمات أحد الوراث، ولم تقسم التركة حتى مات ثالث منهم وهكذا.
(277): قال في الجواهر: " ويمكن فرض ذلك بأقسامه في المثال السابق بأن يموت أحد ولدي الزوج فإن نصيب الولد المذكور من نصيب
أبيه ستة من خمسة عشر فهذه مناسخة ثالثة، فإن خلف ابنين وبنتين، أو ستة أولاد متساوين ذكورية وأنوثية ونحو ذلك [كما لو خلف
ابنين فقط، أو ثلاثة أبناء، أو بنتين، أو ثلاث بنات] انقسمت فريضته من سهمه من غير كسر.
وإن خلف ابنا وبنتين كانت فريضته من أربعة وهي توافق نصيبه بالنصف فتضرب نصف فريضته وهو اثنان في ما اجتمع من
المسألتين وهو ثلاثون تبلغ ستين ويكمل العمل، وكل من كان له شئ من الفريضة الثانية يأخذه مضروبا في اثنين.
وإن خلف ابنين وبنتا، باينت فريضته وهي خمسة، نصيبه وهو ستة، فتضرب فريضته في ثلاثين تبلغ مئة وخمسين، ومن كان له
شئ من الفريضة الثانية أخذه مضروبا في خمسة.
ولو فرض موت آخر من هذه الأولاد فهي أربعة فتعتبر فريضته ونصيبه وتعمل كل ما عملت سابقا وهكذا والله العالم والموفق.
(278): مثاله: زوجة وأبوان ولا حاجب، فالفريضة من اثني عشر، للزوجة ثلاثة ربع الفريضة، وللأم أربعة هي ثلث الفريضة،
وللأب خمسة هي ربع وسدس الفريضة.
(279): فلو كانت الفريضة من اثني عشر والتركة ست دراهم فلكل سهم نصف درهم فصاحب الربع يأخذ ثلاثة أنصاف وهكذا.
857

فاقسمه على العدد الذي صححت منه الفريضة فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث (280).
وإن كان فيها (281) كسر، فابسط التركة من جنس ذلك الكسر، بأن تضرب مخرج ذلك
الكسر في التركة، فما ارتفع أضفت إليه الكسر، عملت فيه ما عملت في الصحاح. فما
اجتمع للوارث، قسمته على ذلك المخرج.
فإن كان الكسر نصفا، قسمته على اثنين. وإن كان ثلثا، قسمته على ثلاثة (282).
وعلى هذا إلى العشر تقسمه على عشرة، فما اجتمع فهو نصيبه.
ولو كانت المسألة عدد أصم (283)، فاقسم التركة عليه. فإن بقي ما لا يبلغ

(280): مثلا ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين وبنتا، فالعدد الذي يصح منه هذه الفريضة هو اثنا عشر، للزوج ربعه ثلاثة، وللأبوين
ثلثه أربعة، وللبنت الباقي خمسة، فإن كانت تركة الميت عشرة دنانير، خذ ثلاثة الزوج، واضربها في التركة وهي عشرة 3 * 10 =
30 الحاصل ثلاثون، ثم قسم الثلاثين على اثني عشر - العدد الذي صحت الفريضة منه - 30 / 12 = 5, 2 فيكون نصيب الزوج
من عشر دنانير ديناران ونصف دينار.
وللأبوين أربعة، تضربها في التركة عشرة 4 * 10 = 40 ثم تقسم الأربعين على اثني عشر 40 / 12 = 1 / 33 ثلاثة دنانير وثلث
دينار حصة الأبوين جميعا.
وللبنت خمسة تضربها في التركة عشرة 5 * 10 = 50 ثم تقسم الخمسين على اثني عشر 50 / 12 = 1 / 46 أربعة دنانير وسدس
دينار حصة البنت.
فإذا جمعنا نصيب الزوج 1 / 22 مع نصيب الأبوين 1 / 33 مع نصيب البنت 1 / 46، 1 / 22 + 1 / 33 + 1 / 46 =
10 يكون المجموع عشرة
(281): في التركة، كعشرة ونصفا مثلا (بأن تضرب) ففي مثالنا تضرب اثنين في عشرة يكون عشرين ثم تضيف إليه النصف يصير واحدا
وعشرين نصفا (وعملت فيه) في الواحد والعشرين في المثال (ما عملت في الصحاح) ما مر في رقم (281) (على ذلك المخرج) وهو
النصف في مثالنا الأنف.
ولنضرب لذلك نفس المثل الأنف عند رقم (281) بإضافة الكسر إليه.
ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين وبنتا، وتركتها عشرة دنانير ونصف دينار، فالعدد الذي يصح تقسيمه بلا كسر على هؤلاء الورثة
الأربعة هو اثنا عشر، للزوج ربعه ثلاثة، وللأبوين ثلثه أربعة، والباقي للبنت وهو خمسة.
الزوج: خذ ثلاثة، واضربها في 21 - الحاصل من ضرب اثنين في عشرة وإضافة الكسر إليه، الذي هو التركة - 3 * 21 = 63
ثم قسمها على اثني عشر 63 / 12 = 3 / 512 أي: 1 / 54 يعني خمسة وربع نصفا من الدينار.
الأبوان: خذ الأربعة واضربها في 21 - الذي هو التركة بعد الضرب - 4 * 21 = 84 ثم قسمها على اثني عشر 84 / 12 = 7
يعني سبعة أنصاف دينار.
البنت: خذ الخمسة واضربها في 21 - الذي هو التركة بعد الضرب - 5 * 21 = 105 ثم قسمها على اثني عشر 105 / 12 =
9 / 812 أي: 3 / 84 يعني ثمانية أنصاف دينار، وثلاثة أرباع نصف دينار.
فإذا جمعنا هذه 1 / 54 + 7 + 3 / 84 = 21 يكون الحاصل واحدا وعشرين نصفا.
(282): كما لو كانت التركة في مثالنا الآنف عشرة دنانير وثلث دينار، تضرب ثلاثة في عشرة، وتضيف إليه الكسر وهو واحد يكون - 31 -
واحدا وثلاثين ثلثا من الدينار، " ولو كانت التركة عشرة دنانير وثلاثة أخماس الدينار - مثلا - ضربت الخمسة - وهي مخرج الكسر -
في عشرة وأضفت إليها الثلاثة كان (53) ثلاثة وخمسين خمسا من الدينار، وهكذا.
(283): أي الذي لا كسر عشري له من النصف إلى العشر، كأحد عشر، وثلاثة عشر، أما أربعة عشر فلها نصف سبعة، وخمسة عشر لها
ثلث خمسة، ولها خمس ثلاثة، وهكذا (فاقسم التركة عليه) مثلا لو كانت الورثة أربعة بنين وثلاث بنات كانت الفريضة أحد عشر،
ثمانية للبنين الأربعة، وثلاثة للبنات الثلاث، فلو كانت التركة اثني عشر دينارا - مثلا - أعطى كل سهم دينار وجزء من أحد عشر
جزءا من الدينار.
858

دينارا (284)، فابسط قراريط واقسمه، فإن بقي مالا يبلغ قيراطا، فابسطه حبات واقسمه.
فإن بقي مالا يبلغ حبة، فابسطه أرزات واقسمه. فإن بقي مالا يبلغ أرزة، فانسبه
بالأجزاء إليها (285). وقد يغلط الحاسب، فاجمع ما يحصل للوراث، فإن ساوى التركة
فالقسمة صواب، وإلا فهي خطأ.

(284): كما لو كانت التركة اثني عشر دينارا وثلاثة أرباع الدينار (قراريط) كل دينار عشرون قيراطا، وكل قيراط ثلاث حبات، والحبة
أربع أرزات، وليس بعد الأرزة اسم خاص.
(285): أي: إلى الأرزة (فاجمع) كما فعلنا نحن في أرقام (281) (282) فلاحظ ولا يخفى أن التدقيق في حسابات الإرث خصوصا بالنسبة
للمناسخات ونحوها يحتاج إلى جمع الفكر وارتياح البال وإلا فقد يغلط في التصحيح أيضا " نعم " في الآلات المخترعة في هذا الزمان
المسماة بالحاسبات الألكترونية أكثر اطمئنانا وأسرع والله العاصم.
859

كتاب القضاء
والنظر في صفات القاضي وآدابه وكيفية الحكم وأحكام الدعاوى
الأول
في الصفات ويشترط فيه: البلوغ، وكمال العقل، والإيمان، والعدالة، وطهارة
المولد، والعلم، والذكورة.
فلا ينعقد القضاء: لصبي، ولا مراهق ولا كافر لأنه ليس أهلا للأمانة، وكذا
الفاسق.
ويدخل في ضمن العدالة، اشتراط الأمانة، والمحافظة على فعل الواجبات.
ولا ينعقد القضاء: لولد الزنا، مع تحقق حاله (1)، كما لا تصح إمامته ولا شهادته
في الأشياء الجليلة. وكذا لا ينعقد لغير العالم، والمستقل بأهلية الفتوى (2)، ولا يكفيه فتوى
العلماء، ولا بد أن يكون عالما بجميع ما وليه، ويدخل فيه أن يكون ضابطا، فلو غلب
عليه النسيان لم يجز نصبه.
وهل يشترط علمه بالكتابة؟ فيه ترد، نظرا إلى اختصاص النبي صلى الله عليه وآله
بالرئاسة العامة، مع خلوه في أول أمره من الكتابة (3) والأقرب اشتراط ذلك، لما يضطره إليه
من الأمور التي لا تتيسر لغير النبي صلى الله عليه وآله بدون الكتابة.
ولا ينعقد القضاء: للمرأة، وإن استكملت الشرائط (4).

كتاب القضاء
(1): أي إذا ثبت شرعا كونه ولد الزنا (في الأشياء الجليلة) هناك قول بقبول شهادة ولد الزنا في الأشياء اليسيرة - كما يأتي نقله في كتاب
الشهادات -.
(2): أي: المجتهد الذي يعني اعتمادا على نظره لا على نظر شخص آخر (بجميع ما وليه) فسره في المسالك بأن يكون مجتهدا مطلقا لا
متجزيا - بناء على صحته -.
(3): إذ لم يكن هو يكتب لقوله تعالى (ولا تخطه بيمينك) ولا كان له كاتب أول الأمر (لغير النبي) إذ هو مصون بالعصمة الإلهية.
(4): الأخرى من الاجتهاد والعدالة وغيرهما.
860

وفي انعقاد قضاء الأعمى تردد، أظهره أنه لا ينعقد، لافتقاره إلى التمييز بين
الخصوم، وتعذر ذلك مع العمى إلا فيما يقل.
وهل يشترط الحرية؟ قال في المبسوط: نعم، والأقرب إنه ليس شرطا.
وهنا مسائل:
الأولى: يشترط في ثبوت الولاية إذن الإمام عليه السلام، أو من فوض إليه الإمام (5). ولو
استقضى أهل البلد قاضيا، لم يثبت ولايته. نعم، لو تراضى خصمان بواحد من الرعية، وترافعا
إليه، فحكم بينهما لزمهما الحكم، ولا يشترط رضاهما بعد الحكم. ويشترط فيه (6) ما يشترط في
القاضي المنصوب عن الإمام، ويعم الجواز كل الأحكام. ومع عدم الإمام، ينفذ قضاء الفقيه من
فقهاء أهل البيت عليهم السلام، الجامع للصفات المشروطة في الفتوى، لقول أبي عبد الله عليه
السلام (7): " فاجعلوه قاضيا، فإني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه "، ولو عدل - والحال هذه - إلى
قضاة الجور، كان مخطئا.
الثانية: تولي القضاء مستحب (8)، لمن يثق من نفسه بالقيام بشرائطه، وربما
وجب. ووجوبه على الكفاية، وإذا علم الإمام، أن بلدا خال من قاض، لزمه أن يبعث
له. ويأثم أهل البلد بالاتفاق على منعه، ويحل قتالهم طلبا للإجابة (9). ولو وجد من هو
بالشرائط فامتنع لم يجبر مع وجود مثله (10). ولو ألزمه الإمام، قال في الخلاف: لم يكن له
الامتناع، لأن ما يلزم به الإمام واجب. ونحن نمنع الإلزام، إذ الإمام لا يلزم بما ليس
لازما. أما لو لم يوجد غيره، تعين هو، ولزمه الإجابة. ولو لم يعلم به الإمام (11)، وجب

(5): أي: ولاية القضاء وتوابعه (من فوض) من وإلى الإمام، أو نائبه الخاص كمالك الأشتر، أو العام كالفقهاء العدول في عصرنا هذا
(استقضى) أي: طلبوا من شخص أن يكون قاضيا على أهل البلد.
(6): من الاجتهاد والعدالة والرجولة وغيرها (ويعم الجواز) أي: جواز حكم قاضي التحكيم.
(7): هو خبر أبي خديجة وفيه: (إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه
بينكم قاضيا فإني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه) (والحال هذه) أي: يمكن مراجعة قضاة العدل (مخطئا) وآثما قطعا بلا إشكال.
(8): لما فيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل - كما في الأحاديث الشريفة - (بشرائطه) من الحكم بالحق، وعدم الميل إلى الهوى، وعدم
أخذ الرشوة ونحو ذلك (وربما وجب) كهذه الأيام التي قل فيها القضاة العدول فيجب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وإقامة حدود الله ونحو ذلك (على الكتابة) فإن قام من فيه الكفاية سقط الوجوب عن بقية المجتهدين العدول، وإن كان نقص في
القضاة أثم كل قادر عليه.
(9): أي: أجابه الإمام عليه السلام في قبول القاضي المرسل إليهم.
(10): وكفاية لخصومات الناس وحاجاتهم.
(11): أي: لم يظهر الإمام عليه السلام علمه به (من باب) أي: من جزئياته ومصاديقه.
861

أن يعرف نفسه، لأن القضاء من باب الأمر بالمعروف. وهل يجوز أن يبذل مالا ليلي
القضاء (12)؟ قيل: لا، لأنه كالرشوة.
الثالثة: إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة (13)، مع استكمال الشرائط المعتبرة
فيهما، فإن قلد الأفضل جاز. وهل يجوز العدول إلى المفضول؟ فيه تردد، والوجه الجواز،
لأن خلله ينجبر بنظر الإمام.
الرابعة: إذا أذن له الإمام في الاستخلاف (14)، جاز. ولو منع لم يجز. ومع إطلاق
التولية، إن كان هناك إمارة تدل على الإذن، مثل سعة الولاية التي لا تضبطها اليد
الواحدة، جاز الاستنابة وإلا فلا، استنادا إلى أن القضاء موقوف على الإذن.
الخامسة: إذا ولي من لا يتعين عليه القضاء (15)، فإن كان له كفاية من ماله،
فالأفضل أن لا يطلب الرزق من بيت المال. ولو طلب جاز، لأنه من المصالح، وإن تعين
للقضاء، ولم يكن له كفاية، جاز له أخذ الرزق. وإن كان له كفاية، قيل: لا يجوز له
أخذ الرزق، لأنه يؤدي فرضا. أما لو أخذ الجعل من المتحاكمين، ففيه خلاف، والوجه
التفصيل. فمع عدم التعيين، وحصول الضرورة، قيل: يجوز، والأولى المنع، ولو اختل
أحد الشرطين، لم يجز. وأما الشاهد فلا يجوز له أخذ الأجرة (16)، لتعين الإقامة عليه مع
التمكن. ويجوز للمؤذن والقاسم وكاتب القاضي والمترجم وصاحب الديوان ووالي بيت
المال، أن يأخذوا الرزق من بيت المال، لأنه من المصالح. وكذا من يكيل للناس ويزن،
ومن يعلم القرآن والآداب (17).
السادسة: تثبت ولاية القاضي بالاستفاضة (18). وكذا يثبت بالاستفاضة: النسب،

(12): أي: من له أهلية القضاء يبذل للسلطان مالا حتى يعينوه قاضيا.
(13): أي: أحدهما أعلم من الآخر بأحكام الله تعالى (فإن قلد) الإمام (الأفضل) أي عينه قاضيا.
(14): أي: يعين القاضي خليفة لنفسه عند غيابه أو موته (سعة الولاية) كالولاية على البلاد الكبيرة الواسعة.
(15): أي: لا يجب عينا عليه أن يكون قاضيا لوجود مثله مع الكفاءة (يعني للقضاء) إما لعدم وجود غيره أو لتعيين الإمام إياه (الجعل)
أي: ما يجعله المتخاصمان للقاضي باختيارهما (الضرورة) إلى المال (أحد الشرطين) بأن وجب عليه القضاء عينا، أو لم تكن
ضرورة له إلى المال.
(16): على أداء الشهادة (للمؤذن) أذان الإعلام (القاسم) الذي يقسم الأموال من قبل الإمام (الديوان) يعني: الدفتر الذي فيه أسماء والجيش
والقضاة وغير ذلك (والي بيت المال) أي: حارسه.
(17): من العلوم النافعة للدنيا أو الدين.
(18): فسرها في الجواهر بالشياع الذي يحصل غالبا منه سكون النفس واطمئنانها بمضمونه وفي المسالك: بأخبار جماعة يحصل من قولهم
العلم، ولعل الأول أصح بل لعله أوسع من الأول أيضا (النسب) كهذا ابن فلان، وتلك أم فلان وهكذا (الملك المطلق) يعني:
أصل الملك، أن أسبابه كالإرث، أو البيع أو نحوهما فلا.
862

والملك المطلق، والموت، والنكاح، والوقف، والعتق. ولو لم يستفض إما لبعد موضع
ولايته عن موضع عقد القضاء له، أو لغيره من الأسباب، أشهد الإمام - أو من نصبه
الإمام - على ولايته شاهدين، بصورة ما عهد إليه، وسيرهما معه ليشهدا له بالولاية. ولا
يجب على أهل الولاية قبول دعواه، مع عدم البينة، وإن شهدت له الأمارات، ما لم يحصل
اليقين.
السابعة: يجوز نصب قاضيين في البلد الواحد، لكل منهما جهة على انفراده (19)،
وهل يجوز التشريك بينهما في الولاية الواحدة؟ قيل: بالمنع حسما لمادة اختلاف الغريمين
في الاختيار. والوجه الجواز، لأن القضاء نيابة تتبع اختيار المنصوب.
الثامنة: إذا حدث به ما يمنع الانعقاد (20)، انعزل وإن لم يشهد الإمام بعزله،
كالجنون أو الفسق. ولو حكم، لم ينفذ حكمه، وهل يجوز أن يعزل اقتراحا؟ الوجه:
لا، لأن ولايته استقرت شرعا، فلا تزول تشهيا. أما لو رأى الإمام أو النائب عزله، لوجه
من وجوه المصالح، أو لوجود من هو أتم منه نظرا، فإنه جائز مراعاة للمصلحة.
التاسعة: إذا مات الإمام عليه السلام، قال الشيخ رحمه الله: الذي يقتضيه مذهبنا
انعزال القضاة أجمع. وقال في المبسوط: لا ينعزلون لأن ولايتهم تثبت شرعا، فلا تزول بموته
عليه السلام، والأول أشبه. ولو مات القاضي الأصلي (21)، لم ينعزل النائب عنه، لأن
الاستنابة مشروطة بإذن الإمام عليه السلام، فالنائب عنه كالنائب عن الإمام، فلا ينعزل
بموت الواسطة، والقول بانعزاله أشبه.
العاشرة: إذا اقتضت المصلحة تولية من لم يستكمل الشرائط، انعقدت ولايته،
مراعاة للمصلحة في نظر الإمام، كما اتفق لبعض القضاة (22) في زمان علي عليه السلام.
وربما منع من ذلك، فإنه عليه السلام لم يكن يفوض إلى من يستقضيه ولا يرتضيه، بل

(19): بأن يعين كل منهما لجهة من البلد، أو أحدهما في الأموال والآخر في الفروج والنفوس، أو أحدهما لقبل الظهر والثاني لبعده،
وهكذا (الولاية الواحدة) أي: تولي أمر واحد (في الاختيار) بأن يختار أحد الخصمين حكم هذا، ويختار ذاك حكمه (المنوب) وهو
إما الإمام عليه السلام أو الخصمان.
(20): أي: انعقاد الولاية له من أول الأمر (تشهيا) حيث إن الإمام عندنا معصوم فلا يفعل تشهيا، وكل ما يفعله لا بد وأن يكون عن
مصلحة وإن لم نعرفها، ولعل الماتن - قدس سره - ذكر ذلك في مقابل العامة الذين لا يشترطون حتى العدالة في الإمام.
(21): وهو من عينه الإمام بتعيين القضاة.
(22): وهو شريح القاضي الذي كان فاسقا لمخالفته للإمام عليه السلام الموجبة للفسق (منع من ذلك) أي: من أن الإمام عين شريحا
للقضاء.
863

يشاركه فيما ينفذه، فيكون هو عليه السلام الحاكم في الواقعة لا المنصوب.
الحادية عشر: كل من لا تقبل شهادته، لا ينفذ حكمه، كالولد على الوالد،
والعبد على مولاه، والخصم على خصمه. ويجوز حكم الأب على ولده وله، والأخ على
أخيه وله، كما تجوز شهادته.
النظر الثاني
في الآداب: وهي قسمان: مستحبة ومكروهة.
فالمستحبة: أن يطلب من أهل ولايته (23)، من يسأله عما يحتاج إليه في أمور بلده.
وأن يسكن عند وصوله في وسط البلد لترد الخصوم عليه ورودا متساويا.
وأن ينادى بقدومه إن كان البلد واسعا، لا ينتشر خبره فيه إلا بالنداء.
وأن يجلس للقضاء في موضع بارز، مثل رحبة أو فضاء، ليسهل الوصول إليه.
وأن يبدأ بأخذ ما في يد الحاكم المعزول من حجج الناس وودائعهم (24) لأن نظر الأول
سقط بولايته.
ولو حكم في المسجد، صلى عند دخوله تحية المسجد. ثم يجلس مستدبر القبلة
ليكون وجوه الخصوم إليها، وقيل: يستقبل القبلة لقوله صلى الله عليه وآله: " خير
المجالس ما استقبل به القبلة "، والأول أظهر.
ثم يسأل عن أهل السجون، ويثبت أسماءهم، وينادي في البلد بذلك (25) ليحضر
الخصوم، ويجعل لذلك وقتا، فإذا اجتمعوا أخرج اسم واحد واحد ويسأله عن موجب
حبسه، وعرض قوله على خصمه، فإن ثبت لحبسه موجب أعاده، وإلا أشاع حاله،
بحيث إن لم يظهر له خصم أطلقه.

(23): أي: أهل البلد الذي هو وال عليه (عما يحتاج إليه) من معرفة العدول والعلماء وشرفاء البلد وعاداتهم، وسيرهم مع القضاة
السابقين ليكون على بصيرة تامة (في وسط البلد) لا في أطرافه ليصعب على من في الأطراف الأخرى الوصول إليه (ينادي بقدومه)
وفي هذا الزمان يتم هذا الأمر بالجرائد والإذاعة والتلفزيون.
(24): حج يعني أدلة المتخاصمين على ادعاءاتهم (بولاية) أي: الثاني (تحية المسجد) أي: صلى ركعتين أو أكثر صلاة تحية المسجد
المستحبة لكل داخل في المسجد.
(25): أي: بأنه ينظر في أمر المحبوسين (أشاع حاله) أي: أعلن عنه.
864

وكذا لو أحضر محبوسا فقال: لا خصم لي، فإنه ينادي في البلد فإن لم يظهر له خصم
أطلقه، وقيل: يحلفه مع ذلك.
ثم يسأل عن الأوصياء على الأيتام، ويعتمد معهم ما يجب من تضمين (26)، أو إنقاذ
أو إسقاط ولاية، إما لبلوغ اليتيم أو لظهور خيانة، أو ضم مشارك إن ظهر من الوصي
عجز.
ثم ينظر في أمناء الحاكم، الحافظين لأموال الأيتام، الذين يليهم الحاكم، ولأموال
الناس من وديعة أو مال محجور عليه، فيعزل الخائن ويسعد الضعيف بمشارك، أو يستبدل
به بحسب ما يقتضيه رأيه.
ثم ينظر في الضوال (27) واللقط، فيبيع ما يخشى تلفه، وما تستوعب نفقته ثمنه،
ويسلم ما عرفه الملتقط حولا إن كان شئ من ذلك في يد أمناء الحاكم، ويستبقي ما عدا
ذلك مثل الجواهر والأثمان، محفوظا على أربابها، ليدفع إليهم عند الحضور على الوجه
المحرر أولا.
ويحضر من أهل العلم (28) من يشهد حكمه، فإن أخطأ نبهوه لأن المصيب عندنا
واحد، ويخاوضهم فيما يستبهم (29) من المسائل النظرية لتقع الفتوى مقررة. ولو أخطأ
فأتلف، لم يضمن، وكان على بيت المال.
وإذا تعدى أحد الغريمين (30) سنن الشرع، عرفه خطأه بالرفق. فإن عاد زجره، فإن

(26): أي: جعله ضامنا لما أتلفه (أو إنفاذ) أي: إقرار وصايته إذا رآه أهلا ولم يفرط.
(27): جمع ضالة الدابة الضائعة (اللقط) جمع لقطة هي الإنسان أو غيره من الضائعات كالفرش، والثياب، والخواتيم، وغير ذلك
(يخشى تلفه) من دابة مريضة، أو فاكهة أو نحوهما (تستوعب) أي: تكون قيمته بمقدار الإنفاق عليه لحفظه، كالدواب في شدة
الحر أو البرد (ويتسلم) أي: يأخذ (أولا) في كتاب اللقطة.
(28): في المسالك: المراد بأهل العلم المجتهدون في الأحكام الشرعية لا مطلق العلماء (واحد) يعني: عند اختلاف فتاوي الفقهاء، أو
الحكام، يكون أحدهم مصيبا والآخرون على خطأ، لأن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا، فمن أصابه فحكمه الصواب، ومن لم
يصبه فحكمه خطأ، ولذلك تسمى الشيعة ب‍ (المخطئة)، بخلاف بعض العامة حيث ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب، وإن أحكام
الله تعالى بعدد آراء المجتهدين، ولذلك سمعوا ب‍ (المصوبة).
(29): (يخاوضهم) أي: يناقشهم ويباحث معهم (يستبهم) أي: يكون مبهما (مقررة) أي: ثانية ومؤكدة (أخطأ) القاضي
(فأتلف) بأن حكم بمال لمن ليس صاحبه، أو بقصاص، أو نحو ذلك (لم يضمن) القاضي من ماله الخاص.
(30): في مجلس القضاء، تعديا محرما، بأن كذب الشاهد العادل من غير دليل، أو نسب القاضي العادل إلى الجود، أو نحو ذلك (أدبه)
بالتعزير أو غيره (النمط) أي: الترتيب الشرعي من عدم فعل المرتبة العليا مع احتمال إفادة المرتبة الدنيا، فاكتفى بالصفح مثلا لا
يضربه بالسوط، أو إن كفى سوط واحد لا يضربه عشرة وهكذا.
865

عاد أدبه بحسب حاله، مقتصرا على ما يوجب لزوم النمط.
والآداب المكروهة: أن يتخذ حاجبا وقت القضاء (31).
وأن يجعل المسجد مجلسا للقضاء دائما، ولا يكره لو اتفق نادرا، وقيل: لا يكره
مطلقا (32) التفاتا إلى ما عرف من قضاء علي عليه السلام بجامع الكوفة.
وأن يقضي وهو غضبان، وكذا يكره مع كل وصف يساوي الغضب (33)، في شغل
النفس، كالجوع والعطش والغم والفرح والوجع، ومدافعة الأخبثين وغلبة النعاس. ولو
قضى والحال هذه، نفذ إذا وقع حقا.
وأن يتولى البيع والشراء بنفسه (34)، وكذا الحكومة.
وأن يستعمل الانقباض المانع من اللحن بالحجة. وكذا يكره اللين، الذي لا
يؤمن معه من جرأة الخصوم.
ويكره أن يرتب للشهادة قوما دون غيرهم، وقيل: يحرم، لاستواء العدول في
موجب القبول، ولأن في ذلك مشقة على الناس بما يلحق من كلفة الاقتصار.
وهنا مسائل:
الأولى الإمام عليه السلام يقضي بعلمه مطلقا (35)، وغيره من القضاة يقضي
بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق الله سبحانه، على قولين أصحهما القضاء. ويجوز أن
يحكم في ذلك كله، من غير حضور شاهد يشهد الحكم.
الثانية: إذا أقام المدعي بينة، ولم يعرف الحاكم عدالتها، فالتمس المدعي حبس

(31): بل يستحب أن يكون بابه مفتوحا وقت القضاء ليدخل عليه كل محتاج إليه (وأن يتخذ المسجد) لما يستلزم ذلك من دخول الجنب
والحائض والمشرك والمجنون والصبي وغير ذلك، ولأنه لغير هذا بنى - كما في الحديث -.
(32): بل عن بعضهم استحبابه، لأن القضاء من أشرف الطاعات، والمسجد وضع للطاعات.
(33): أي: يكون نظير الغضب (مدافعة الأخبثين) أي: حصر البول والغائط (حقا) أي: لم يكن قضاؤه خطأ.
(34): بأن يبيع ويشتري (وكذا الحكومة) بأن يقف هو مع خصمه عند قاض آخر، بل المستحب له أن يوكل من يبيع له ويشتري له،
ويتحاكم عنه (الانقباض) أي: يعبس وجهه بحيث يهابه المتخاصمان فيتلجلجان عن حججهما (يكره اللين) بل يتوسط في ذلك
(يرتب) أي: يعني أشخاصا معينين للشهادة.
(35): في حقوق الناس وحقوق الله جميعا (على قولين) أي: في حقوق الله على قولين، فلو علم القاضي أن شخصا غصب مال آخر، جاز
له أخذ المال من الغاصب، أما لو لعلم أن شخصا زنى فهل يجوز له إجراء الحد عليه قولان.
866

المنكر لبعد لها (36)، قال الشيخ يجوز حبسه لقيام البينة بما أدعاه، وفيه إشكال، من حيث
لم يثبت بتلك البينة حتى يوجب العقوبة.
الثالثة: لو قضى الحاكم على غريم بضمان مال، وأمر بحبسه (37). فعند حضور
الحاكم الثاني ينظر فإن كان الحكم موافقا للحق لزم، وإلا أبطله، سواء كان مستند
الحكم قطعيا أو اجتهاديا. وكذا كل حكم قضى به الأول، وبان للثاني فيه الخطأ، فإنه
ينقضه. وكذا لو حكم هو ثم تبين الخطأ، فإنه يبطل الأول، ويستأنف الحكم بما علمه
حقا.
الرابعة: ليس على الحاكم تتبع حكم من كان قبله، لكن لو زعم المحكوم عليه،
أن الأول حكم عليه بالجور، لزمه النظر فيه. وكذا لو ثبت عنده ما يبطل حكم الأول،
أبطله سواء كان من حقوق الله، أم من حقوق الناس.
الخامسة: إذا ادعى رجل أن المعزول (38)، قضى عليه بشهادة فاسقين، وجب
إحضاره وإن لم يقم المدعي بينة. فإن حضر واعترف به، ألزم. وإن قال: لم أحكم إلا
بشهادة عدلين، قال الشيخ رحمه الله: يكلف البينة، لأنه اعترف بنقل المال، وهو
يدعي ما يزيل الضمان عنه وهو يشكل، لما أن الظاهر استظهار الحكام في الأحكام،
فيكون القول قوله مع يمينه، لأنه يدعي الظاهر.
السادسة: إذا افتقر الحاكم إلى مترجم، لم يقبل إلا شاهدان عدلان، ولا يقتنع
بالواحد، عملا بالمتفق عليه (39).
السابعة: إذا اتخذ القاضي كاتبا، وجب أن يكون بالغا عاقلا مسلما عدلا بصيرا،

(36): أي: إلى أن يثبت عدالة البينة (لقيام البينة) التي لم يعرف فسقها وعدالتها.
(37): ثم عزل أو مات وعين قاضي آخر مكانه (مستند الحكم) الثاني (قطعيا) كالخبر المتواتر، أو المحفوف بقرينة توجب القطع (أو
اجتهاديا) كالخبر الواحد ونحوه.
(38): أي: القاضي المعزول (إحضاره) أي: إحضار القاضي المعزول (بينة) على فسق الشهود (واعترف به) أي: بأنه حكم بشهادة
فاسقين (ألزم) بالمال إن كان قد أخذ بحكمه (وهو يشكل) أي: قول الشيخ فيه إشكال (استظهار) أي الظاهر أن الحاكم يتطلب
الظهور في الحكم، وهذا الظاهر يجعل الحاكم منكرا - إذ المنكر من وافق قوله الظاهر - (هذا كله) إنما هو بعد العزل، وأما قبل العزل
فحكمه ماض، وليس لأحد نقض حكمه كما فصلنا بعض الكلام عنه في التقليد من شرح العروة فراجع.
(39): أي: المجمع عليه صحة ترجمة رجلين عدلين، وغيره مشكوك (لكن) قد يستثنى ما إذا حصل للحاكم العلم ولو بمترجم فاسق أو
كافر، لحجية العلم الذاتية مطلقا، ولانصراف الأدلة عن مثله، ولأنه موضوع خارجي يثبت بكل ما يثبت به كل موضوع خارجي
من الوثاقة على المشهور بين المتأخرين ظاهرا.
867

ليؤمن انخداعه (40). وإن كان مع ذلك فقيها، كان حسنا.
الثامنة: الحاكم إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وإن عرف فسقهما أطرح وإن جهل
الأمر يبحث عنهما وكذا لو عرف سلامهما وجهل عدالتهما، توقف حتى يتحقق ما يبني عليه، من عدالة
أو جرح. وقال في الخلاف: يحكم وبه رواية (41) شاذة. ولو حكم بالظاهر، ثم تبين فسقهما وقت
الحكم، نقض حكمه، ولا يجوز التعويل في الشهادة على حسن الظاهر. وينبغي أن يكون السؤال
عن التزكية سرا، فإنه أبعد من التهمة (42)، ويثبت مطلقة. ويفتقر إلى المعرفة الباطنة المتقادمة، ولا
يثبت الجرح إلا مفسرا (43)، وفي الخلاف يثبت مطلقا، ولا يحتاج الجرح إلى تقادم المعرفة، ويكفي
العلم بموجب الجرح، ولو اختلف الشهود في الجرح والتعديل (44)، قدم الجرح لأنه شهادة بما يخفي
على الآخرين. ولو تعارضت البينتان في الجرح والتعديل، قال في الخلاف: توقف الحاكم. ولو
قيل: يعمل على الجرح كان حسنا.
التاسعة: لا بأس بتفريق الشهود. ويستحب فيمن لا قوة عنده (45).
العاشرة: لا يشهد (46) شاهد بالجرح، إلا مع المشاهدة لفعل ما يقدح في
العدالة، أو أن يشيع ذلك في الناس شياعا موجبا للعلم، ولا يعول على سماع ذلك من
الواحد والعشرة، لعدم اليقين بخبرهم. ولو ثبت عدالة الشاهد، حكم باستمرار عدالته
حتى يتبين ما ينافيها، وقيل (47): إن مضت مدة، يمكن تغير حال الشاهد فيها، استأنف
البحث عنه، ولا حد لذلك بل بحسب ما يراه الحاكم.
الحادية عشرة: ينبغي أن يجمع قضايا كل أسبوع ووثائقه وحججه، ويكتب

(40): بل تكفي الوثائق للأصل، وعدم الدليل الملزم على ما ذكر سوى ما لعله بالقياس أشبه، نعم هذه محسنات عقلية وبعضها شرعية
أيضا.
(41): بل روايات بعضها صحيحة إلا أن المنقول إعراض المشهور عن العمل بها.
(42): إذ لو سئل عن الشهود علانية احتمل أن يكون تزكيتهم خوفا منهم أو طمعا فيهم أو وفاء، أو حياء أو نحو ذلك (وتثبت) العدالة
(مطلقة) أي المطلقة على حاله سرا وعلانية، ولا بانكشاف السر بكيفية العلانية.
(43): بأن يعين سبب الفسق (مطلقا) فلو قال فلان فاسق ولم يفسر السبب كفى (ولا يحتاج الجرح) إذ بمعصية واحدة يثبت الفسق،
ولكن بمئة طاعة لا تثبت العدالة.
(44): فقال أحدهما زيد عادل، وقال الثاني: زيد فاسق (توقف الحاكم) فلا يحكم للمدعي ولا للمدعى عليه، بل تصبح القضية كأنها لم
يتحاكم فيها.
(45): أي: الشاهد الذي لا قوة عقل عنده فيحتمل اشتباهه، وغلطه ونحو ذلك.
(46): أي: لا يجوز للشاهد أن يفسق أحدا.
(47): في الجواهر: هو محكي عن بعض العامة لبعض الاعتبارات، وعن بعضهم بتحديده بستة أشهر.
868

عليها. فإذا اجتمع ما لشهر، كتب عليه من شهر كذا. وإذا اجتمع ما لسنة، جمعه ثم
كتب عليه قضاء سنة كذا (48).
الثانية عشرة: كل موضع وجب على الحاكم فيه كتابة المحضر (49)، فإن حمل له
من بيت المال ما يصرفه في ذلك، وجب عليه الكتابة. وكذا إن أحضر الملتمس ذلك من
خاصة. ولا يجب على الحاكم دفع القرطاس من خاصه.
الثالثة عشرة: يكره للحاكم أن يعنت (50) الشهود، إذا كانوا من ذوي البصائر
والأديان القوية، مثل أن يفرق بينهم، لأن في ذلك غضا منهم. ويستحب ذلك في
موضع الريبة.
الرابعة عشرة: لا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد، وهو أن يداخله في التلفظ
بالشهادة (51)، أو يتعقبه، بل يكف عنه حتى ينهي ما عنده، وإن تردد. ولو توقف في
الشهادة، لم يجز له ترغيبه إلى الإقدام على الإقامة، ولا تزهيده في إقامتها. وكذا لا يجوز
إيقاف عزم الغريم عن الإقرار، لأنه ظلم لغريمه. ويجوز ذلك في حقوق الله تعالى، فإن
الرسول صلى الله عليه وآله قال لماعز: عند اعترافه بالزنا " لعلك قبلتها، لعلك
لمستها ": وهو تعريض بإيثار الاستتار (52).
الخامسة عشرة: يكره أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه (53).
السادسة عشرة: الرشوة حرام على آخذها (54)، ويأثم الدافع لها إن توصل بها إلى
الحكم له بالباطل. ولو كان إلى حق، لم يأثم. ويجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى
صاحبها. ولو تلفت قبل وصولها إليه، ضمنها له.
السابعة عشرة: إذا التمس الخصم إحضار خصمه مجلس الحكم أحضره إذا كان

(48): كل ذلك لتسهيل إخراج كل ما أرادوا بالسنة والشهر والأسبوع، عليه وعلى القاضي الذي يأتي من بعده.
(49): المحضر: يعني الشهادة والدعوى والحكم (دفع القرطاس من خاصته) أي: من ماله الخاص به.
(50): من العنت وهو الإلقاء في المشقة (غضا) الذلة والمنقصة - كما في أقرب الموارد - (الريبة) الشك ولو من أجل ضعف
المشهور نفسا، أو عقلا أو غيرهما.
(51): فيدخل معه كلمات توقعه في التردد أو الغلط، كما لو قال الشاهد اشتراه، فيقول الحاكم بمئة، أو في مكان كذا، أو في يوم الجمعة
(أو يتعقبه) أي: يساعده على إتمام كلامه (تزهيده) أي: حمله على ترك الشهادة.
(52): أي: بأن الأفضل الستر على المتجاوز حقوق الله تعالى.
(53): بأن يدعوه على غداء أو عشاء في وقت المحاكمة، لأنه نوع ترجيح.
(54): سواء حكم بالحق أو بالباطل.
869

حاضرا (55)، سواء كان حرر المدعي دعواه أو لم يحررها. أما لو كان غائبا، لم يعده
الحاكم حتى يحرر الدعوى. والفرق لزوم المشقة في الثاني، وعدمها في الأول. هذا إذا
كان في بعض مواضع ولايته. وليس له هناك خليفة يحكم (56). وإن كان في غير ولايته،
أثبت الحكم عليه بالحجة، وإن كان غائبا. ولو داعى على امرأة، فإن كانت برزة فهي
كالرجل. وإن كانت مخدرة، بعث إليها من ينوبه في الحكم، بينها وبين غريمها.
النظر الثالث
في كيفية الحكم وفيها مقاصد
الأول: في وظائف الحاكم وهي سبع:
الأولى: التسوية بين الخصمين، في السلام (57)، والجلوس، والنظر، والكلام،
والإنصات، والعدل في الحكم. ولا تجب التسوية في الميل بالقلب، لتعذره غالبا. وإنما
تجب التسوية، مع التساوي في الإسلام أو الكفر. ولو كان أحدهما مسلما، جاز أن
يكون الذمي قائما، والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.
الثانية: لا يجوز أن يلقن (58) أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه، ولا أن
يهديه لوجوه الحجاج، لأن ذلك يفتح باب المنازعة، وقد نصب لسدها.
الثالثة: إذا سكت الخصمان، استحب أن يقول لهما تكلما، أو ليتكلم المدعي. ولو أحس منهما باحتشامه (59)، أمر من يقول ذلك. ويكره أن يواجه بالخطاب أحدهما،
لما يتضمن من إيحاش الآخر.

(55): أي: كان في بلد الحاكم (يحرر الدعوى) أي: يكتب المدعي ادعاءه (في الثاني) وهو إحضاره من خارج البلد (في الأول) وهو
وجوده في البلد.
(56): وإلا سمع بالبينة وأرسل النتيجة إلى خليفة ليحكم بينهما (غير ولايته) من البلاد الأخرى (بالحجة) الشرعية من بينة أو غيرها
(برزة) أي: من عادتها البروز إلى حوائجها ولو كانت إلى مجالس الرجال (مخدرة) وهي التي لا تخرج إلا لضرورة (ينوبه) أي: ينوب
عن القاضي.
(57): بأن لا يرد الحاكم سلام أحد الخصمين باحترام أكثر من الآخر، أو يسلم على إحداهما ولا يسلم على الآخر، أو يتفاوت سلامه عليهما
(والجلوس) مع أحدهما أكثر من الآخر، ويجلس أحدهما في مكان أعلى من مكان الآخر (والنظر) بأن ينظر إلى أحدهما أكثر من
الآخر، أو بنظرة احترام أكثر من الآخر (والكلام) مع أحدهما أكثر أو أحسن من الكلام مع الآخر، مثلا يقول الحاكم لأحدهما
أنت قلت كذا، ويقول للآخر أنتم تفضلتم كذا (والإنصات) بأن يستمع إلى كلام أحدهما أكثر أو أحسن من استماعه لكلام الآخر
(والعدل) لعله يكون عطفا على التسوية. لا على السلام (الميل بالقلب) بالمحبة.
(58): أي: يعلم الحاكم، والتلقين حمل الشخص على قولة معينة (الحجاج) أي الاحتجاج والاستدلال وقد نصب الحاكم.
(59): أي: أن سكوتهما بسبب احتشامه واحترامه وتهيبه (إحداهما) بأن يقول له: تكلم أنت (إيحاش) أي: وحشة.
870

الرابعة: إذا ترافع الخصمان، وكان الحكم واضحا لزمه القضاء ويستحب ترغيبهما
في الصلح (60)، فإن أبيا إلا المناجزة، حكم بينهما وإن أشكل أخر الحكم حتى يتضح،
ولا حد للتأخير إلا الوضوح.
الخامسة: إذا ورد الخصوم مترتبين (61)، بدئ بالأول فالأول. إن وردوا
جميعا، قيل: يقرع بينهم، وقيل: يكتب أسماء المدعين، ولا يحتاج إلى ذكر الخصوم،
وقيل: يذكرهم أيضا، لتحضر الحكومة معه، وليس بمعتمد. ويجعلها تحت ساتر، ثم
يخرج رقعة رقعة ويستدعي صاحبها. وقيل: إنما تكتب أسماؤهم (62)، مع تعسر القرعة
بالكثرة.
السادسة: إذا قطع المدعى عليه دعوى (63) المدعي بدعوى لم تسمع حتى يجيب عن
الدعوى وينتهي الحكومة، ثم يستأنف هو.
السابعة: إذا بدر (64) أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى. ولو ابتدرا بالدعوى،
سمع من الذي عن يمين صاحبه. ولو اتفق مسافر وحاضر فهما سواء ما لم يستضر أحدهما
بالتأخير، فيقدم دفعا للضرر. ويكره للحاكم أن يشفع في إسقاط حق أو إبطال (65).
المقصد الثاني: في مسائل متعلقة بالدعوى وهي خمس:
الأولى: قال الشيخ لا تسمع الدعوى إذا كانت مجهولة (66)، مثل أن يدعي فرسا
أو ثوبا. ويقبل الإقرار بالمجهول ويلزم تفسيره، وفي الأول إشكال. أما لو كانت الدعوى

(60): لقوله تعالى (والصلح خير) (المناجزة) أي: تنفيذ الحكم من الإنجاز (أشكل) يعني: لم يتضح للحاكم أن الحق مع أيهما
وصار الحكم مشكلا عليه.
(61): أي: بترتيب واحدا قبل آخر (بدء) فقيل له: تكلم، أو إذا بدأ هو بالكلام استمع الحاكم إليه (يقرع بينهم) أيهم يتكلم أولا
(ويجعلها) الرقاع (تحت ساتر) في كيس، أو مخبأ، أو غيرهما.
(62): من أوراق وتطرح بين يدي الحاكم ليأخذها واحدة واحدة ويستدعي صاحب الاسم الذي فيها.
(63): جديدة منه على المدعي، مثلا زيد ادعى على عمرو إنه سرق ماله، وفي أثناء كلام زيد قال عمرو إن زيدا أيضا شتمني، فيقول له
الحاكم: اصبر حتى تتم هذه الدعوى من زيد ونحكم في مسألة السرقة، ثم ابدأ أنت مسألة الشتم.
(64): أي: عجل وبدأ (ابتدرا) أي: بدء ا بالكلام معا (بالتأخر) فإن كان يتضرر بالتأخير قدمه الحاكم، كالمسافر الذي لا ينتظره
رفقاؤه، والمرأة التي تخاف لو أخرت بالليل.
(65): أي: يصير شفيعا إلى المستحق في إسقاط حقه، أو إلى المدعي في ترك الادعاء.
(66): بأن يدعي على زيد فرسا أو ثوبا، دون أن يعين صفاته (الإقرار بالمجهول) بأن يقول مثلا - لزيد علي شئ، أو عندي شئ لزيد
(إشكال) إذ قد ينسى الشخص صفات ماله، وقد يقر المدعي عليه بصحة الدعوى فيلزم بالتفسير، وإلا فبعد الثبوت
يرجع إلى الصلح.
871

وصية (67)، سمعت وإن كانت مجهولة، لأن الوصية بالمجهول جائزة. ولا بد من إيراد
الدعوى بصيغة الجزم، فلو قال: أظن أو أتوهم لم تسمع. وكان بعض من عاصرناه
يسمعها في التهمة، ويحلف المنكر، وهو بعيد عن شبه الدعوى.
الثانية: قال (68) إذا كان المدعى به من الأثمان، افتقر إلى ذكر جنسه ووصفه
ونقده. وإن كان عرضا مثليا، ضبطه بالصفات، ولم يفتقر إلى ذكر قيمته، وذكر القيمة
أحوط. وإن لم يكن مثليا، فلا بد من ذكر القيمة، وفي الكل إشكال ينشأ من مساواة
الدعوى بالإقرار.
الثالثة: إذا تمت الدعوى، هل يطالب المدعى عليه بالجواب أم يتوقف ذلك على
التماس المدعي؟ فيه تردد، والوجه أن يتوقف، لأنه حق له فيقف على المطالبة.
الرابعة: لو ادعى أحد الرعية على القاضي فإن كان هناك إمام رافعه إليه. وإن لم
يكن، وكان في غير ولايته، رافعه إلى قاضي تلك الولاية. وإن كان في ولايته، رافعه
إلى خليفته (69).
الخامسة: يستحب للخصمين أن يجلسا بين يدي الحاكم، ولو قاما بين يديه كان
جائزا.
المقصد الثالث: في جواب المدعى عليه وهو: إما إقرار، أو إنكار، أو سكوت.
أما الإقرار: فيلزم إذا كان جائز التصرف (70). وهل يحكم به عليه من دون مسألة
المدعي؟ قيل: لا، لأنه حق له فلا يستوفي إلا بمسألته.
وصورة الحكم أن يقول: ألزمتك، أو قضيت عليك، أو ادفع إليه ماله.

(67): كما لو ادعى عمرو أن أبا زيد أوصى له بشئ (الوصية بالمجهول) كان يقول أعطوه شيئا (من عاصرناه) أي: رأينا عصره وزمانه
وفي الجواهر: شيخه ابن تمام قدس سره (في التهمة) إذا كان المدعى عليه متهما (عن شبه الدعوى) إذ الدعوى معناها الخبر
الجازم - كما قالوا -
(68): أي: الشيخ الطوسي قدس سره (من الأثمان) كالدينار، والتومان، والليرة ونحوها كان يقول مثلا أطلبه عشرين ليرة ذهبية
مجيدية فالجنس ليرة، والوصف ذهبية والنقد مجيدية (عرضا) أي: عروضا ومتاعا (مثليا) كالحنطة والسكر، ونحوهما (لم يكن
مثليا) كالفرش والأرض ونحوهما (بالإقرار) فكما يسمع الإقرار بهذه من دون هذه القيود يلزم قبول الدعوى كذلك.
(69): أي: خليفة نفس ذاك القاضي إذا كان له خليفة يخلفه في القضاء أوقات سفره أو مرضه أو نحو ذلك.
(70): مثلا: ادعى زيد على عمرو ألف دينار، فأقر بصحة الدعوى لزم على عمرو دفع الألف إذا كان لم يكن محجورا لسفه أو
فلس أو غيرهما (مسألة المدعى) أي: طلب زيد الألف (أن يقول) القاضي.
872

ولو التمس أن يكتب له بالإقرار (71)، لم يكتب حتى يعلم اسمه ونسبه، أو يشهد
شاهدا عدل. ولو شهد عليه بالحلية جاز، ولم يفتقر إلى معرفة النسب، واكتفى بذكر
حليته.
ولو ادعى الإعسار (72) كشف عن حاله. فإن استبان فقره، أنظره. وفي تسليمه إلى
غرمائه، ليستعملوه أو يؤاجروه روايتان، أشهرهما الإنظار حتى يوسر. وهل يحبس حتى
يتبين حاله؟ فيه تفصيل ذكر في باب المفلس (73).
وأما الإنكار: فإذا قال لا حق له علي، فإن كان المدعي يعلم أنه موضع المطالبة
بالبينة، فالحكم بالخيار، إن شاء قال للمدعي: ألك بينة وإن شاء سكت (74)؟ أما إذا
كان المدعي لا يعلم أنه موضع المطالبة بالبينة، وجب أن يقول الحاكم ذلك أو معناه.
فإن لم يكن له بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين.
ولا يحلف المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي، لأنه حق له فيتوقف استيفاؤه على
المطالبة. ولو تبرع هو، أو تبرع الحاكم بإحلافه، لم يعتد بتلك اليمين، وأعادها الحاكم
إن التمس المدعي.
ثم المنكر إما أن يحلف، أو يرد (75)، أو ينكل.
فإن حلف، سقطت الدعوى. ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم (76) لم يحل له
مقاصته، ولو عاود المطالبة، أثم ولم تسمع دعواه. ولو أقام بينة بما حلف عليه المنكر لم
تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط المنكر سقوط الحق باليمين. وقيل: إن نسي بينة
سمعت وإن أحلف، والأول هو المروي. وكذا لو أقام بعد الإحلاف شاهدا، وبذل معه

(71): أي: يكتب القاضي للمدعي إقرار المدعى عليه (بالحلية) الأوصاف المميزة له كأن يكتب أن زيدا له بذمة الرجل الذي داره في
المكان الفلاني ويؤذن في المسجد الفلاني، وهو كهل، الخ ألف دينار.
(72): أي: ادعى المدعى عليه إنه معسر لا يقدر على أداء ديته (أنظره) أي: أمهله (ليستعملوه) في بناء، أو حمالة أو كتابة أو غيرها عما
هو شأنه (أو يؤاجروه) على من يستعمله ويدفع ثمنه للمدعي.
(73): في آخر كتاب المفلس قبيل كتاب الحجر.
(74): أي: سكت الحاكم، إذ الواجب تعليم الأحكام لمن لا يعلمها أما من يعلم حكمه فلا معنى لتعليمه.
(75): أي: يرد اليمين على المدعي ويقول: ليحلف المدعي (أو ينكل) أي: لا يحلف هو، ولا يرد اليمين على المدعي.
(76): أي: المنكر (مقاصته) أي الأخذ منه بمقدار دعواه (نسي بينته) أي: كانت عنده شهود عدول ولكنه نسيهم، ثم بعد حلف المنكر
تذكرها وإن أحلف) المنكر.
873

اليمين (77)، وهنا أولى. أما لو أكذب الحالف نفسه (78)، جاز مطالبته وحل مقاصته مما
يجده له، مع امتناعه عن التسليم.
وإن رد اليمين على المدعي، لزمه الحلف، ولو نكل (79) سقطت دعواه.
وإن نكل المنكر، بمعنى إنه لم يحلف ولم يرد، قال الحاكم: إن حلفت وإلا جعلتك
ناكلا. ويكرر ذلك ثلاثا، استظهارا لا فرضا. فإن أصر، قيل: يقضي عليه
بالنكول، وقيل: بل يرد اليمين على المدعي فإن حلف ثبت حقه وإن امتنع سقط،
والأول أظهر وهو المروي.
ولو بذل المنكر يمينه بعد النكول، لم يلتفت إليه.
ولو كان للمدعي بينة، لم يقل الحاكم: أحضرها، لأن الحق له (80). وقيل:
يجوز وهو حسن. ومع حضورها لا يسألها الحاكم، ما لم يلتمس المدعي.
ومع الإقامة بالشهادة، لا يحكم إلا بمسألة المدعي أيضا. وبعد أن يعرف عدالة
البينة، يقول: هل عندك جرح؟ فإن قال: نعم وسأل الإنظار في إثباته أنظره ثلاثا.
فإن تعذر الجرح، حكم بعد سؤال المدعي.
ولا يستحلف المدعي مع البينة (81)، إلا أن تكون الشهادة على ميت، فيستحلف
على بقاء الحق في ذمته استظهارا.
ولو شهدت (82) على صبي أو مجنون أو غائب، ففي ضم اليمين إلى البينة تردد،
أشبهه أن لا يمين. ويدفع الحاكم من مال الغائب قدر الحق، بعد تكفيل القابض

(77): أي: حلف المدعي هو أيضا في مكان الشاهد الآخر (وهنا أولى) بعدم القبول لأن الشاهد واليمين أضعف من البينة
فإذا لم تقبل البينة، لم يقبل الشاهد واليمين بطريق أولى.
(78): أي: قال المنكر بعد الحلف، إني كذبت (ما امتناعه) إذ من شروط المقاصة امتناع الغريم عن تسليم الحق الذي عليه.
(79): المدعي أي: قال لا أحلف (استظهارا لا فرضا) أي: ليس التكرار ثلاث مرات واجبا على القاضي، بل إنما هو ليظهر كون
المنكر مصرا (بالنكول) أي يعتبره ناكلا ويحكم عليه بثبوت ادعاء المدعي.
(80): إن شاء أحضر البينة وإن شاء لم يحضرها (لا يسألها) أي: لا يسأل من البينة الشهادة (حكم بعد سؤال المدعي) أي: طلب
المدعي من الحاكم الحكم.
(81): إذ البينة تغني عن الحلف (على ميت) فمن ادعى أنه يطلب من ميت معين كذا لا يقبل ببينة ويمين معا (استظهارا) أي: طلبا لظهور
الحق، إذ المدعى عليه وهو الميت لعله لو كان حاضرا هدم الدعوى بطرق مختلفة.
(82): أي: البينة (بعد تكفيل) أي: يطلب الحاكم من القابض للمال الكفيل بحيث لو جاء الغائب وأكذب الدعوى وأقام الحجة أخذ
الحاكم من الكفيل المال (إحلاف الغريم) المدعى عليه، فتسقط الدعوى (وليس له) للمدعي (ملازمته) أي: ملازمة المنكر فضلا
عن حبسه حتى تأتي بينة المدعي (ولا مطالبة بكفيل) أي: مطالبة المنكر.
874

بالمال. ولو ذكر المدعي أن له بينة غائبة، خيره الحاكم بين الصبر وبين إحلاف
الغريم، وليس له ملازمته ولا مطالبته بكفيل.
وأما السكوت: فإن اعتمده (83)، ألزم الجواب. فإن عاند، حبس حتى يبين
وقيل: يجبر حتى يجيب، وقيل: يقول الحاكم إما أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت
اليمين على المدعي. فإن أصر رد الحاكم اليمين على المدعي، والأول مروي،
والأخير (84) بناء على عدم القضاء بالنكول.
ولو كان به آفة من طرش (85) أو خرس، توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفيدة
لليقين. ولو استغلقت إشارته، بحيث يحتاج إلى المترجم لم يكف الواحد، وافتقر في
الشهادة بإشارته إلى مترجمين عدلين.
مسائل: تتعلق بالحكم على الغائب.
الأولى: يقضى على من غاب عن مجلس القضاء مطلقا، مسافرا كان أو
حاضرا (86)، وقيل: يعتبر في الحاضر تعذر حضوره مجلس الحكم.
الثانية: يقضى على الغائب في حقوق الناس كالديون والعقود ولا يقضى في حقوق الله كالزنا
واللواط، لأنها مبنية على التخفيف. ولو اشتمل الحكم على الحقين قضي بما يختص الناس، كالسرقة
يقضى بالغرم (87)، وفي القضاء بالقطع تردد.
الثالثة: لو كان صاحب الحق غائبا فطالب الوكيل (88)، فادعى الغريم التسليم إلى الموكل
ولا بينة، ففي الإلزام تردد، بين الوقوف في الحكم لاحتمال الأداء، وبين الحكم وإلغاء دعواه، لأن
التوقف يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق بالوكلاء، والأول أشبه.
المقصد الرابع: في كيفية الاستحلاف والبحث في أمور ثلاثة.

(83): أي: سكت المدعى عليه (حتى يبين) أي: يتكلم (يجبر) بالضرب ونحوه من دون حبس.
(84): إنما يتم بناء على عدم كون مجرد النكول موجبا للقضاء عليه، وإلا فلا يحتاج إلى الحبس أو الجبر، بل يحكم يقضي عليه بمجرد
السكوت.
(85): أطرش من لا يسمع، وأخرس من لا يتكلم (مترجمين عدلين) ولعله يكفي المترجم الثقة وإن كان واحدا غير عدل.
(86): فلو أقام زيد بينة عند الحاكم على أن الدار التي بيد عمرو إنما هي له لا لعمرو أعطى الحاكم الدار لزيد، نعم يبقى الغائب على
حجته، ففي رواية جميل بن دراج، عن جماعة من أصحابنا عن الباقر والصادق عليهما السلام: (الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه
البينة ويباع ملكه (ماله خ ل) ويقضي عنه دينه وهو غائب).
(87): أي غرم المال (تردد) من أنهما معلولان لعلة واحدة، ومن أن القطع من حقوق الله تعالى لا حقوق الناس.
(88): أي: وكيل صاحب الحق (إلى الموكل) يعني: صاحب الحق (بين الوقوف) التوقف: أي عدم الحكم (الأداء) إلى صاحب
الحق (وبين الحكم) على الغريم بوجوب التسليم إلى الوكيل.
875

الأول: في اليمين ولا يستحلف أحد إلا بالله، ولو كان كافرا، وقيل: لا يقتصر في
المجوسي على لفظ الجلالة، لأنه يسمي النور إلها، بل يضم إلى هذه اللفظة الشريفة ما
يزيل الاحتمال (89).
ولا يجوز الإحلاف بغير أسماء الله سبحانه، كالكتب المنزلة والرسل المعظمة والأماكن
المشرفة.
ولو رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه أردع، جاز.
ويستحب للحاكم تقديم العظة على اليمين (90) والتخويف من عاقبتها، ويكفي أن
يقول: قل والله ما له قبلي حق.
وقد يغلظ اليمين بالقول والزمان والمكان، لكن ذلك غير لازم ولو التمسه المدعي،
بل هو مستحب في الحكم استظهارا (91).
فالتغليظ بالقول: مثل أن يقول: قل والله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم،
الطالب الغالب الضار النافع المدرك المهلك، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية،
ما لهذا المدعي علي شئ مما أدعاه. ويجوز التغليظ بغير هذه الألفاظ مما يراه الحاكم.
وبالمكان: كالمسجد والحرم (92)، وما شاكله من الأماكن المعظمة.
وبالزمان: كيوم الجمعة والعيد، وغيرهما من الأوقات المكرمة.
ويغلظ على الكافر بالأماكن التي يعتقد شرفها، والأزمان التي يرى حرمتها.
ويستحب التغليظ في الحقوق كلها (93)، وإن قلت، عدا المال فإنه لا يغلظ فيه، بما
دون نصاب القطع.

(89): كخالق كل شئ، والقادر على كل شئ، ونحو ذلك (ولا يجوز الإحلاف) بأن يأمر القاضي أحد المتخاصمين بالحلف بالقرآن،
أو صحف إبراهيم، أو الإنجيل، أو بمكة المكرمة، أو بكربلاء المقدسة، أو بالركن والمقام ونحو ذلك (الذمي) كان يحلفه بالتوراة،
أو الإنجيل، أو بموسى وعيسى عليهما السلام.
(90): بأن لفظ من يريد الحلف بأن اليمين الكاذبة تهدم البيوت وتخرب الدنيا والآخرة ونحو ذلك (ويكفي) بدون تخويف وموعظة (أن
يقول) القاضي لمن يحلف.
(91): أي: طلبا لظهور الحق أكثر، إذ يمكن الانسحاب لمن يريد الحلف كاذبا.
(92): بأن يحلف في المسجد الحرام، أو في يوم الجمعة أو. نحوهما (الأماكن والأزمان) كبيت المقدس، وعيد الفصح، ونحوهما.
(93): أي: حقوق الناس، كالنكاح والطلاق، والبيع والشراء، والوقف والملك ونحو ذلك (وإن قلت) كما لو ادعى زيد على عمرو إنه
سبه وقال له يا حمار مثلا (بما دون) بأقل من ربع دينار الذي هو نصاب قطع اليد في السرقة.
876

الأول: لو امتنع عن الإجابة إلى التغليظ (94)، لم يجبر ولم يتحقق بامتناعه نكول.
الثاني: لو حلف لا يجيب إلى التغليظ (95)، فالتمسه خصمه لم ينحل يمينه.
وحلف الأخرس بالإشارة، وقيل: توضع يده على اسم الله في المصحف، أو يكتب
اسم الله سبحانه وتوضع يده عليه. وقيل: يكتب اليمين (96) في لوح ويغسل، ويؤمر
بشربه بعد إعلامه. فإن شرب كان حالفا، وإن امتنع ألزم الحق، استنادا إلى حكم علي
عليه الصلاة والسلام في واقعة الأخرس.
ولا يستحلف الحاكم أحدا، إلا في مجلس قضائه، إلا مع العذر كالمرض المانع
وشبهه، فحينئذ يستنيب الحاكم من يحلفه في منزله. وكذا المرأة التي لا عادة لها بالبروز إلى
مجمع الرجال أو الممنوعة بأحد الأعذار (97).
البحث الثاني: في يمين المنكر والمدعي اليمين يتوجه على المنكر، تعويلا على
الخبر (98)، وعلى المدعي مع الرد ومع الشاهد الواحد. وقد تتوجه مع اللوث في دعوى
الدم. ولا يمين للمنكر مع بينة المدعي، لانتفاء التهمة عنها (99). ومع فقدها، فالمنكر
مستند إلى البراءة الأصلية، فهو أولى باليمين.
ومع توجهها يلزمه الحلف على القطع مطردا (100)، إلا على نفي فعل الغير فإنها

(94): بأن أراد الحاكم أن يحلفه في يوم الجمعة، أو في مكة المكرمة، أو عين له حلفا مغلظا في التعبيرات، فأبى ذلك وقال أحلف ب‍
(الله) فقط لا في مكة ولا في يوم الجمعة.
(95): يعني: حلف - الذي يجب عليه الحلف في الخصومة - أن لا يحلف مغلظا، بأن قال (والله لا أجيب إلى التغليظ في الحلف)
(فالتمسه خصمه) أي: طلب منه التغليظ (لم ينحل يمينه) فلو أجاب إلى التغليظ وحلف مغلظا لزمته كفارة حنث اليمين.
(96): بأن يكتب (والله ليس لزيد على عمرو شئ) ثم يغسل ويعطي لعمرو ليشربه (واقعة الأخرس) المروية في الوسائل - كتاب القضاء،
الباب (33) من أبواب كيفية الحكم - حديث - 1 -، وحاصلها إن الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كتب في لوح القسم و
أعطاه إلى الأخرس ليشربه فامتنع، فألزمه الدين.
(97): كالمطلقة التي لا يجوز لها الخروج من البيت، وكالحائض والنفساء إذا كان القاضي في المسجد، ونحو ذلك.
(98): المروي عديدا عن أهل البيت عليهم السلام ومنه قول النبي - صلى الله عليه وآله - (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (مع
الرد) أي: رد المنكر اليمين على المدعي (ومع الشاهد الواحد) بأن يكون المدعي شاهد واحد ويحلف هو (مع اللوث) فيها كان
للحاكم فطنة صدق المدعي، كما لو وجد شخص مقتولا في دار، فادعى ولي المقتول أن صاحب الدار هو القاتل، فهنا يتوجه اليمين
على المدعي وهو ولي المقتول.
(99): أي: عن البينة (البراءة الأصلية) أي: براءة ذمته عما يدعيه عليه المدعي براءة كانت قطعا قبل وقت الادعاء فتستمر لولا دليل أقوى
منها.
(100): أي: مطلقا وبوجه من الوجوه: بأن يقول المنكر (فلان ليس له علي شئ) أو يقول (ليس له علي ما يدعيه) ولا يكفي أن يقول:
لا علم لي بما يدعي.
877

على نفي العلم. فلو ادعى (101) عليه ابتياع أو قرض أو جناية فأنكر، حلف على الجزم.
ولو ادعى على أبيه الميت، لم يتوجه اليمين ما لم يدع عليه العلم، فيكفيه الحلف أنه
لا يعلم. وكذا لو قيل: قبض وكيلك.
أما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد، أو مع النكول (102) على قول:
فإن ردها المنكر توجهت، فيحلف على الجزم. ولو نكل سقطت دعواه إجماعا.
ولو رد المنكر اليمين (103)، ثم بذلها قبل الإحلاف، قال الشيخ: ليس له ذلك إلا
برضا المدعي، وفيه تردد منشأه أن ذلك تفويض لا إسقاط.
ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق (104)، لأنه يأتي على الدعوى. فلو
ادعى عليه غصبا أو إجارة مثلا، فأجاب بأني لم أغصب ولم أستأجر، قيل: يلزمه الحلف
على وفق الجواب، لأنه لم يجب به إلا وهو قادر على الحلف عليه.
والوجه أنه إن تطوع بذلك صح، وإن اقتصر على نفي الاستحقاق كفى. ولو ادعى
المنكر الإبراء أو الإقباض (105)، فقد انقلب مدعيا والمدعي منكرا، فيكفي المدعي اليمين
على بقاء الحق. ولو حلف على نفي ذلك كان آكد، لكنه غير لازم.
وكل ما يتوجه الجواب عن الدعوى فيه (106)، يتوجه معه اليمين، ويقضي على المنكر
به مع النكول، كالعتق والنكاح والنسب وغير ذلك. هذا على القول بالقضاء بالنكول،
وعلى القول الآخر ترد اليمين (107) على المدعي، ويقضي له مع اليمين وعليه مع النكول.

(101): بصيغة المجهول (لم يتوجه اليمين) على الابن لأنه ليس فعله فيفحص الإثبات بالبينة (قبض وكيلك) فيقول: لا أعلم:
ويحلف على عدم العلم.
(102): أي: امتناع المنكر عن الحلف (على قول) إذ هناك قول بثبوت دعوى المدعي بمجرد نكول المنكر من دون حاجة إلى يمين المدعي
(ولو نكل) المدعي عن اليمين بعد رد المنكر لها عليه.
(103): أي رد اليمين على المدعي (ثم بذلها) أي حلف المنكر (قبل الإحلاف) أي: إحلاف القاضي للمدعي.
(104): دون أن ينفي السبب الخاص الذي أدعاه المدعي (يأتي على الدعوى) أي: يشمله (لم يجب به) الحلف (تطوع) أي: تبرع.
(105): أي: قال المنكر: صحيح إني غصبت لكنه أبرأ ذمتي، أو أقبضته إياه بعد ذلك (نفي ذلك) أي: نفي الإبراء والإقباض.
(106): أي: تكون الدعوى مسموعة يستحق بها الجواب من الخصم (كالعتق) فلو ادعى العبد إن المولى أعتقه وأنكر المولى، أو ادعى
زيد أو فاطمة النكاح بينهما وأنكر الآخر، أو ادعى زيد إنه ابن عم عمرو - فيشركه في إرث الميت - وأنكر عمرو ذلك (غير ذلك)
كالطلاق، والرجعة، وهلم جرا.
(107): حين نكول المنكر وامتناعه عن الحلف (ويقضي له - وعليه) المدعي.
878

مسائل ثمان:
الأولى: لا يتوجه اليمين على الوارث (108)، ما لم يدع عليه العلم بموت المورث،
والعلم بالحق، وأنه ترك في يده مالا. ولو ساعد المدعي على عدم أحد هذه الأمور، لم
يتوجه. ولو ادعى عليه العلم بموته أو بالحق، كفاه الحلف أنه لا يعلم نعم، لو أثبت الحق
والوفاة، وادعى في يده مالا، حلف الوارث على القطع.
الثانية: إذا ادعى على المملوك (109)، فالغريم مولاه. ويستوي في ذلك دعوى المال
والجناية.
الثالثة: لا تسمع الدعوى في الحدود، مجردة عن البينة (110)، ولا يتوجه اليمين على
المنكر. نعم. لو قذفه بالزنا ولا بينة، فادعاه عليه (111)، قال في المبسوط: جاز أن يحلف
ليثبت الحد على القاذف، وفيه إشكال: إذا لا يمين في الحد.
الرابعة: منكر السرقة (112) يتوجه عليه اليمين، لإسقاط الغرم. ولو نكل لزمه المال
دون القطع، بناء على القضاء بالنكول، وهو الأظهر. وإلا حلف المدعي. ولا يثبت الحد
على القولين. وكذا لو أقام شاهدا وحلف.
الخامسة: ولو كان له (113) بينة فأعرض عنها، والتمس يمين المنكر أو قال: أسقطت

(108): مثلا: ادعى زيد على ابن عمرو إنه كان يطلب أباه ألف دينار، فلا يمين على الابن إلا إذا قال زيد للابن: أنت تعلم بموت أبيك
عمرو، وتعلم بحقي عليه، وإن أباك ترك عندك مالا (ولو ساعد) أي: صدق المدعي الابن (على القطع) أي يجب على الابن أن يحلف إن
أباه لم يترك عنده مالا، ولا يكفي أن يحلف أنه لا يعلم ذلك.
(109): فيما يلزمه مملوكا، كما لو ادعى زيد أن المال الذي بيد المملوك لي، أو ادعى أن المملوك جنى عليه خطأ، ونحو ذلك.
(110): لأنها حق الله تعالى دون الناس، فليس الإنسان في الحدود صاحب حق حتى يدعيه.
(111): لعل في العبارة تشويشا لتخالف ظاهر (فادعاه عليه) مع (جاز أن يحلف) وفسرها الجواهر بتفسيرين، واكتفى المسالك وغيره أيضا
بأحدهما والذي يساعد عليه الحكم الشرعي وإن كان يصعب استفادته من ظاهر العبارة هو: إن زيدا - مثلا - قال لعمرو (يا زاني)
ولا بينة عند زيد يثبت بها زنا عمرو فجعلها زيد دعوى محاكمة وأكد إن عمرا زنى، ولم يكن القذف مجرد شتم، فأنكر عمر الزنا
قال في المبسوط: جاز له أن يحلف على إنه لم يزن، ليثبت حد القذف على زيد (لا يمين في الحد) بل يثبت حد القذف بمجرد القذف
بلا يمين المقذوف.
(112): لو قال زيد: عمرو سرقني ألف دينار، ولا بينة، فعلى عمرو: أن يحلف على عدم السرقة حتى لا يجب عليه الألف (ولو نكل)
عمرو أي: قال لا أحلف (دون القطع) أي: لا تقطع يده إذ القطع يحتاج إلى بينة عادلة تشهد عليه بالسرقة (حلف المدعي) عند
نكول عمرو (على القولين) القول بالقضاء بالغرامة بالنكول، والقول بالقضاء بالغرامة بحلف المدعي بعد نكول المنكر شاهدا
وحلف وأنه يثبت به المال، دون قطع اليد.
(113): أي: للمدعي (فإعرض عنها) أي: قال لا أقيمها (أسقطت) أي: بعدما أقام البينة (الجواز) أي: جواز الرجوع عن إسقاطه
وإعراضه (فأعرض عنه) ولم يقم الشاهد الثاني، فإن له الرجوع وإقامة الشاهد الثاني وإثبات حقه.
879

البينة وقنعت باليمين، فهل له الرجوع؟ قيل: لا، وفيه تردد، ولعل الأقرب الجواز.
وكذا البحث لو أقام شاهدا فأعرض عنه، وقنع بيمين المنكر.
السادسة: لو ادعى صاحب النصاب (114) إبداله في أثناء الحول، قبل قوله ولا
يمين. وكذا لو خرص عليه (115)، فادعى النقصان. وكذا لو ادعى الذمي الإسلام قبل
الحول. أما لو ادعى الصغير الإنبات بعلاج لا بسن (116)، ليتخلص عن القتل، فيه تردد،
ولعل الأقرب أنه لا يقبل إلا مع البينة.
السابعة: لو مات ولا وارث له، وظهر له شاهد بدين (117)، قيل: يحبس حتى
يحلف، أو يقر لتعذر اليمين في طرف المشهود له. وكذا لو ادعى الوصي أن الميت أوصى
للفقراء، وشهد واحد فأنكر الوارث، وفي الموضعين إشكال لأن السجن عقوبة لم يثبت
موجبها.
الثامنة: لو مات وعليه دين يحيط بالتركة، لم ينتقل إلى الوارث وكانت في حكم مال
الميت (118)، وإن لم يحط انتقل إليه ما فضل عن الدين. وفي الحالين للوارث المحاكمة على
ما يدعيه لمورثه، لأنه قام مقامه.
البحث الثالث: في اليمين مع الشاهد يقضى بالشاهد واليمين في الجملة (119)،
استنادا إلى قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله، وقضاء علي عليه الصلاة والسلام بعده.
ويشترط شهادة الشاهد أولا، وثبوت عدالته ثم اليمين.

(114): في الزكاة (أبداله) إذ لو كان لشخص أربعين غنما فأبدلها في أثناء السنة فلا زكاة عليه، إذ من شرط الزكاة عدم تبديلها في أثناء
السنة (ولا يمين) أي: لا يطلب منه أن يحلف على التبديل.
(115): أي: خمن وقدر التمر، أو الحنطة، أو نحوهما فقال هي عشرة أطنان، فقال صاحبها بل هي ثمانية أطنان لتنقص الزكاة (قبل
الحول) فحال عليه الحول وهو مسلم حتى تسقط الجزية عنه، إذ كان قد أسلم بعد الحول فعليه جزية الحول السابق، في كل هذا يقبل
القول بلا يمين.
(116): الحربي الذي أسر وكان غير بالغ لا يقتل، فلو ادعى الأسير الحربي أن بلوغه ليس طبيعيا بل بدواء وعلاج نبت له الشعر، ونزل منه المني.
(117): أي: شهد شخص أجنبي أن الميت كان يطلب زيدا كذا مثلا (يحبس) زيد (يحلف) على عدم دين بذمته (المشهود له) الميت
(وكذا) يعني قيل (فأنكر الوارث) يحبس الوارث حتى يحلف أو يقي (لم يثبت موجبها) فلا يحبس من ادعى عليه دين للميت، ولا
الوارث قبل حلفهما على الإنكار.
(118): أي: كأنه للميت ولم ينتقل عنه أصلا (للوارث المحاكمة) دون المديون للميت فلو مات زيد، وكان عمرو مديونا له ألف دينار،
فادعى على زيد تستوعب التركة، فليس لعمرو المديون لزيد إنكار تلك الديون والحلف على الإنكار، بل هذا الحق للوارث
فقط.
(119): أي: لا مطلقا في كل ادعاء (ثم اليمين) من المدعي (بعد الإقامة) أي: إقامة الشهادة.
880

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية، وافتقر إلى إعادتها بعد الإقامة.
ويثبت الحكم بذلك (120): في الأموال كالدين والقرض والغضب.. وفي
المعاوضات: كالبيع، والصرف، والصلح، والإجارة، والقراض (121)، والهبة، والوصية
له.. والجناية الموجبة للدية: كالخطأ، وعمد الخطأ، وقتل الوالد ولده، والحر العبد، وكسر
العظام، والجايفة، والمأمومة. وضابطه ما كان مالا، أو المقصود منه المال.
وفي النكاح تردد (122).
أما الخلع والطلاق والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة والوصية
إليه (123) وعيوب النساء، فلا.
وفي الوقف إشكال، منشأه النظر إلى من ينتقل إليه (124)، والأشبه القبول، لانتقاله إلى الموقوف عليهم.
ولا يثبت دعوى الجماعة (125) مع الشاهد، إلا مع حلف كل واحد منهم. ولو امتنع
البعض، ثبت نصيب من حلف دون الممتنع.

(120): أي: بشاهد ويمين (كالدين والقرض) الفرق بينهما إن الذين مثل أن يشتري ثوبا بدينار فهذا الدينار دين، والقرض مثل أن يأخذ
دينارا إلى شهر قرضا فهذا القرض (والغصب) مثلا لو ادعى زيد أن عمرا غصب ثوبه، فأتى بشاهد عادل وحلف هو حكم على زيد
بالغصب.
(121): أي: المضاربة (والوصية له) مثلا لو ادعى زيد أن الميت الفلاني أوصى له بألف دينار، فأقام شاهدا واحدا وحلف هو على ذلك
(للدية) دون القصاص: لأنه لا يثبت بشاهد ويمين، إلا بالبينة فقط (وعمد الخطأ) أي: شبه العمد (وقتل الوالد ولده) لأنه
أن ثبت فلا قصاص إذ لا يقتل والد بولده، فلو ادعى ولي زيد أن أب زيد قتله، قبل منه بشاهد واحد مع يمين المدعي (والحر العبد)
إذ في قتل العبد للحر يصح القصاص أيضا، أما في قتل الحر للعبد لا يكون إلا الدية وهي ما يثبت بشاهد واحد ويمين، لقوله تعالى:
(الحر بالحر والعبد بالعبد) (وكسر العظام) فإنه لا قصاص فيه الاحتمال الزيادة، بل فيه الدية (والجائفة) هي الطعنة التي تصل إلى
الجوف من أي جهات البدن كان (والمأمومة) هي الطعنة التي تبلغ أم الرأس ولا قصاص فيهما، بل فيهما ثلث دية ذلك العضو،
فالمأمومة ثلث دية الدماغ وهو ثلث كامل الدية إذ في الدماغ كامل الدية، والجائفة بقياس محله، فجائفة الإصبع فيها ثلث دية الإصبع
وهكذا ويأتي تفصيل الكلام عنهما وعن غيرهما من أنواع الجراح في أواخر كتاب الديات (ما كان مالا) كالدين والقرض (أو المقصود
منه مالا) كالجراح وقتل الخطأ ونحوهما.
(122): من كونه متضمنا للمال من المهر والنفقة، ومن كون المقصود من النكاح التوالد، ونحوه.
(123): أي: جعله وصيا، فلو قال زيد إن وصي عمرو، وأقام شاهدا واحدا وحلف على ذلك لا يثبت به كونه وصيا، ولا يجيز له التصرف
في أموال عمرو (وعيوب النساء) كما لو ادعى الزوج إنها معيبة يوجب الفسخ، وأنكرت هي فأقام الزوج شاهدا وحلف، لا
يثبت بالشاهد والحلف العيب كي يصح له الفسخ.
(124): هل ينتقل الوقف إلى الله تعالى فلا يقبل الشاهدين واليمين فيه، أم ينتقل إلى الموقوف عليه فيقبل.
(125): يعني أو ادعى جماعة إن زيدا وقف عليهم داره.
881

ولا يحلف من لا يعرف ما يحلف عليه يقينا (126)، ولا ليثبت مالا لغيره.
فلو ادعى غريم الميت (127)، مالا له على آخر، مع شاهد. فإن حلف الوارث
ثبت. وإن امتنع لم يحلف الغريم. وكذا لو ادعى رهنا، وأقام شاهدا إنه للراهن، لم
يحلف لأن يمينه لإثبات مال الغير.
ولو ادعى الجماعة مالا لمورثهم، وحلفوا مع شاهدهم (128)، تثبت الدعوى وقسم
بينهم على الفريضة، ولو كان وصية قسموه بالسوية، إلا أن يثبت التفضيل، وإن
امتنعوا (129) لم يحكم لهم، ولو حلف بعض أخذ، ولم يكن للممتنع معه شركة. ولو كان
في الجملة مولى عليه، يوقف نصيبه، فإن كمل ورشد حلف واستحق، وإن امتنع لم يحكم
له، وإن مات قبل ذلك كان لوارثه الحلف واستيفاء نصيبه.
مسائل خمس:
الأولى: لو قال: هذه الجارية مملوكتي وأم ولدي، حلف مع شاهده، ويثبت رقيتها
دون الولد، لأنه ليس مالا، ويثبت لها حكم أم الولد بإقراره.
الثانية: لو ادعى بعض الورثة، أن الميت وقف عليهم دارا وعلى نسلهم، فإن حلف
المدعون مع شاهدهم، قضي لهم. وإن امتنعوا حكم بها ميراثا، وكان نصيب المدعين
وقفا (130). وإن حلف بعض ثبت نصيب الحالف وقفا، وكان الباقي طلقا، يقضي منه
الديون ويخرج الوصايا وما فضل ميراثا. وما يحصل من الفاضل للمدعين، يكون وقفا.
ولو انقرض الممتنع، كان للبطن التي تأخذ بعده، الحلف مع الشاهد، ولا يبطل حقهم
بامتناع الأول.
الثالثة: إذا ادعى الوقفية عليه وعلى أولاده بعده (131)، وحلف مع شاهده تثبت

(126): بالظن أو الاحتمال.
(127): أي: من يطلب الميت مالا (لم يحلف الغريم) وإن كان نافعا له بثبوت المال للميت فيدفع دينه إليه.
(128): أي: مع الإتيان بشاهدهم، لامع حلف الشاهد أيضا (على الفريضة) حسب حصصهم في الإرث (وصية) بأن أوصى الميت
بهذا المال لأولاد فلان وأبويه (يثبت) في الوصية (التفصيل) بعضهم على بعض.
(129): من الحلف كلهم جميعا (في الجملة) أي: بين المدعين (مولى عليه) صبي أو مجنون أو سفيه.
(130): فليس لهم التصرف فيه بالبيع والهبة ونحوهما (طلقا) أي: ملكا مطلقا يتصرفون فيه كما شاؤوا (الديون) أي: ديون الميت:
ووصايا الميت، أما لو كان وقفا فلا يقضى منه دين ولا وصية (حقهم) من الحلف (بامتناع الأول) عن الحلف.
(131): مثلا قال زيد: هذه الدار وقف علي وعلى أولادي من بعدي، وأتى بشاهد وحلف صارت له ولأولاده بعده من دون حاجة إلى
حلف الأولاد (أو المصالح) العامة كبناء المدارس، والمساجد، والشوارع والمشارع ونحوها، فإنه لا يحتاج إلى بينة، بل بالثبوت
الأول انقطع عن الميراث، فلا يعود ميراثا.
882

الدعوى، ولا تلزم الأولاد بعد انقراضه يمين مستأنفة، لأن الثبوت الأول أغنى عن
تجديده. وكذا إذا انقرضت البطون، وصار إلى الفقراء أو المصالح. أما لو ادعى
التشريك (132) بينه وبين أولاده، افتقر البطن الثاني إلى اليمين، لأن البطن الثاني بعد
وجودها، تعود كالموجودة وقت الدعوى. فلو ادعى أخوة ثلاثة، أن الوقف عليهم وعلى
أولادهم مشتركا فحلفوا مع الشاهد، ثم صار لأحدهم ولد، فقد صار الوقف أرباعا. ولا
يثبت حصة هذا الولد ما لم يحلف، لأنه يتلقى الوقف عن الواقف (133)، فهو كما لو كان
موجودا وقت الدعوى. ويوقف له الربع، فإن كمل وحلف أخذ. وإن امتنع قال
الشيخ: يرجع ربعه على الأخوة، لأنهم أثبتوا أصل الوقف عليهم ما لم يحصل المزاحم،
وبامتناعه جرى مجرى المعدوم،، وفيه إشكال، ينشأ من اعتراف الأخوة بعدم استحقاق
الربع. ولو مات أحد الأخوة قبل بلوغ الطفل، عزل له الثلث من حين وفاة الميت، لأن
الوقف صار أثلاثا، وقد كان له الربع إلى حين الوفاة (134). فإن بلغ وحلف، أخذ
الجميع. وإن رد، كان الربع إلى حين الوفاة لورثة الميت والأخوين، والثلث من حين
الوفاة للأخوين، وفيه أيضا إشكال (135) كالأول.
الرابعة: لو ادعى عبدا (136)، وذكر أنه كان له وأعتقه، فأنكر المتشبث، قال
الشيخ: يحلف مع شاهده ويستنقذه وهو بعيد، لأنه لا يدعي مالا.
الخامسة: لو ادعى عليه (137) القتل وأقام شاهدا، فإن كان خطأ أو عمد الخطأ،
حلف وحكم له. وإن كان عمدا موجبا للقصاص، لم يثبت باليمين الواحدة، وكانت
شهادة الشاهد لوثا، وجاز له إثبات دعواه بالقسامة.
خاتمة: تشتمل على فصلين.

(132): أي: قال وقف علي وعلى أولادي معي.
(133): لا عن أبيه (فإن كمل) بالبلوغ والعقل.
(134): والثلث بعد الوفاة (أخذ الجميع) أي: الربع إلى حين الوفاة، والثلث من بعد الوفاة.
(135): لاعترافهم بأن ربعه ليس لهم.
(136): مثلا في يد زيد عبد فادعى عمرو إنه كان عبدا لنفسه فاعتقه (المتثبت) وهو زيد (يحلف) عمرو المدعي (ويستنقذه) أي: يصير
العبد حرا بذلك (مالا) بل يدعي حرية عبد والحرية تحتاج إلى بينة ولا تثبت بشاهد ويمين.
(137): كما لو ادعى أن زيدا هو قاتل ابني (عمد الخطأ) أي: شبه العمد (لوثا) أي: موجبا لاحتمال صدق المدعي (له) للمدعي
(بالقسامة) وهي خمسون يمينا على إنه القاتل.
883

الأول: في كتاب قاض إلى قاض إنهاء (138) حكم الحاكم إلى الآخر أما بالكتابة، أو
القول، أو الشهادة.
أما الكتابة: فلا عبرة بها، لإمكان التشبيه.
وأما القول مشافهة: فهو أن يقول للآخر: حكمت بكذا أو أنفذت أو أمضيت،
ففي القضاء به تردد، نص الشيخ في الخلاف: أنه لا يقبل (139).
وأما الشهادة: فإن شهدت البينة بالحكم، بإشهاده إياهما على حكمه (140)، تعين
القبول لأن ذلك مما تمس الحاجة إليه. إذا احتياج أرباب الحقوق إلى إثباتها في البلاد المباعدة
غالب، وتكليف شهود الأصل التنقل متعذر أو متعسر.
فلا بد من وسيلة إلى استيفائها مع تباعد الغرماء، ولا وسيلة إلا رفع الأحكام إلى
الحكام، وأتم ذلك احتياطا ما صورناه.
لا يقال يتوصل إلى ذلك بالشهادة على شهود الأصل (141)، لأنا نقول قد لا يساعد
شهود الفرع على التنقل، والشهادة الثالثة لا تسمع.
ولأنه لو لم يشرع إنهاء الأحكام، بطلت الحجج مع تطاول المدد، ولأن المنع من ذلك
يؤدي إلى استمرار الخصومة في الواقعة الواحدة بأن يرافعه المحكوم عليه إلى الآخر. فإن لم
ينفذ الثاني ما حكم به الأول اتصلت المنازعة. ولأن الغريمين لو تصادقا، أن حاكما حكم
عليهما ألزمهما الحاكم ما حكم الأول، فكذا لو قامت البينة، لأنها تثبت ما لو أقر الغريم
به لزم.
لا يقال فتوى الأصحاب: أنه لا يجوز كتاب قاض إلى قاض، ولا العمل به.
ورواية طلحة بن زيد والسكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أن عليا عليه السلام، كان
لا يجيز كتاب قاض إلى قاض، لا في حد ولا غيره، حتى وليت بنو أمية، فأجازوا

(138): أي: إيصال (التشبيه) أي الاشتباه، أو عدم قصد المعنى (لكن) مع القرائن بمقدار يعتمده العقلاء في مهماتهم يكفي، نظير
حجية كثير من الحجج بذلك، كالظواهر التي بني عليها أحكام الله تعالى وغيرها.
(139): وفي الجواهر: وغيره تقبل، فيرتب القاضي الآخر أثر القضاء على ما أخبر به القاضي الأول.
(140): أي: بأن الحاكم حكم، وطلب شهادتهما على الحكم (استيفائها) أي: الحقوق (ما صورناه) من شهادة البينة على الحكم وعلى
الإشهاد.
(141): بأن يشهدان، عن شهادة البينة التي رأوا أو سمعوا وشهدوا (الثالثة) وهي شهادة الفرع على الفرع (إنهاء الأحكام) من حاكم إلى
حاكم آخر لينفذ الحكم.
884

بالبينات، لأنا نجيب عن الأول بمنع دعوى الإجماع، على خلاف موضع النزاع، لأن المنع
من العمل بكتاب قاض إلى قاض ليس منعا من العمل بحكم الحاكم مع ثبوته (142).
ونحن نقول: فلا عبرة عندنا بالكتاب، مختوما كان أو مفتوحا، وإلى جواز ما
ذكرنا، أومأ الشيخ أبو جعفر رحمه الله في الخلاف.
ونجيب عن الرواية بالطعن في سندها، فإن طلحة بتري والسكوني عامي. ومع
تسليمها نقول بموجبها، فأنا لا نعمل بالكتاب أصلا، ولو شهد به فكأن الكتاب ملغى.
إذا عرفت هذا، فالعمل بذلك مقصور على حقوق الناس، دون الحدود وغيرها من
حقوق الله.
ثم ما ينهى إلى الحاكم أمران: أحدهما حكم وقع بين المتخاصمين، والثاني إثبات
دعوى مدع على غائب.
أما الأول: فإن حضر شاهدا الإنهاء خصومة الخصمين (143)، وسمعا ما حكم به
الحاكم وأشهدهما على حكمه، ثم شهدا بالحكم عند الآخر، ثبت بشهادتهما حكم ذلك
الحاكم، وأنفذ من ثبت عنده، لا أنه يحكم بصحة الحكم في نفس الأمر، إذا لا علم له
بذلك، بل الفائدة فيه قطع خصومة الخصمين لو عاودا المنازعة في تلك الواقعة.
وإن لم يحضرا الخصومة (144)، فحكى لهما الواقعة، وصورة الحكم، وسمي
المتحاكمين، بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما، وأشهدهما على الحكم، ففيه تردد، والقبول أولى،
لأن حكمه كما كان ماضيا، كان إخباره ماضيا.
وأما الثاني: وهو إثبات دعوى المدعي فإن حضر الشاهدان الدعوى وإقامة الشهادة،
والحكم بما شهدا به وأشهدهما على نفسه بالحكم، وشهدا بذلك عند الآخر، قبلها وأنفذ
الحكم.
ولو لم يحضرا الواقعة، وأشهدهما بما صورته (145)، ادعى على فلان بن فلان الفلاني

(142): بل منع عن العمل بالكتاب بما هو كتاب، لإمكان التزوير في الكتاب (تبري) وهم فرقة من الزيدية القائلين بإمامة زيد بن علي بن
الحسين - عليهم السلام - دون الإمام الباقر عليه السلام، وفي الجواهر: (وعن الفهرست والنجاشي أنه عامي) (ملغى) بل
عملنا بالبينة التي تشهد بالحكم (بذلك) أي الحكم المكتوب.
(143): أي: الشاهدين على إنهاء وإيصال خصومة الخصمين (عند الآخر) أي: الحاكم الآخر.
(144): أي: الشاهدين على الإنهاء.
(145): هذه صورة كتاب القاضي الأول إلى الثاني (عدالتهما) إن عرفهما بالعدالة (أو تزكيتهما إذا لم يعرفهما بل حقق عنهما فنقل إليه
عدالتهما بطريق شرعي صحيح (فحكمت أو مضيت) بصيغة المتكلم وضم التاء.
885

كذا، وشهد له بدعواه فلان وفلان، ويذكر عدالتهما أو تزكيتهما، فحكمت أو أمضيت،
ففي الحكم به تردد، مع أن القبول أرجح، خصوصا مع إحضار الكتاب المتضمن للدعوى
وشهادة الشهود.
أما لو أخبر حاكما آخر، بأنه ثبت عنده كذا، لم يحكم به الثاني (146). وليس كذلك
لو قال:، حكمت، فإن فيه ترددا.
وصورة الإنهاء (147): أن يقص الشاهدان ما شاهداه من الواقعة، وما سمعاه من
لفظ الحاكم، ويقولا: وأشهدنا على نفسه أنه حكم بذلك وأمضاه.
ولو أحالا على الكتاب بعد قراءته، وقالا أشهدنا الحاكم فلان على نفسه أنه حكم
بذلك جاز.
ولا بد من ضبط الشئ المشهود به (148)، بما يرفع الجهالة عنه. ولو اشتبه على
الثاني، أوقف الحكم حتى يوضحه المدعي. ولو تغيرت حال الأول بموت أو عزل، لم يقدح
ذلك في العمل بحكمه. وإن تغيرت بفسق لم يعمل بحكمه، ويقر ما سبق إنفاذه على زمان
فسقه. ولا أثر لتغير حال المكتوب إليه في الكتاب، بل كل من قامت عنده البينة، بأن
الأول حكم به وأشهدهم به، عمل بها. إذ اللازم لكل حاكم، إنفاذ ما حكم به غيره من
الحكام.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا أقر المحكوم عليه، أنه هو المشهود عليه (149)، ألزم. ولو أنكر،

(146): لأن الثبوت ليس حكم - كما في الجواهر -
(147): أي: إيصال وإبلاغ الحكم الثاني (وأشهدنا على نفسه) أي: الحاكم جعلنا شاهدين على نفسه (حكم بذلك) أي:
بما في هذا الكتاب.
(148): أي: ما شهدا به من كون الدار لزيد، أو كون عمرو ابنا لزيد، أو كون فلانة زوجة لفلان وهكذا (حال الأول) أي: الحاكم
الأول بعد الحكم (ويقر ما يبق إنفاذه) لعل المعنى أن الحاكم الأول لو مات أو عزل وبعد لم ينفذ الثاني حكمه جاز تنفيذه، أما لو فسق
الحاكم الأول قبل تنفيذ الثاني حكمه فلا ينفذه، ولعله أراد شيئا آخر، والتفصيل في الجواهر ونحوه من المفصلات (المكتوب إليه)
أي الحاكم الثاني، فلو كتب زيد الحاكم إلى عمرو الحاكم، ثم تغيرت حال عمرو إلى موت، أو جنون، أو فسق أو عزل أو غيرها
صح أخذ الكتاب إلى حاكم ثالث ليحكم عليه.
(149): بأن قال زيد - مثلا - أنا الذي شهد على المشهود، وأنا الذي حكم على الحاكم بكذا (ولو أنكر) أي قال: لست أنا المحكوم عليه،
أو لست أنا المشهود عليه (يحتمل الاتفاق) أي: يمكن عادة أن يكون غيره المحكوم عليه، كما لو كان في الكتاب محمد بن أحمد، فإنه
يحتمل إن غيره لا هو (ما لم يقم المدعي البينة) على أن المقصود بمحمد بن أحمد هو هذا لا غيره (إلا نادرا) كما لو كان في الكتاب لا
محمد بن أحمد القصير القامة الذي على أنفه شامة ويسكن كربلاء في محلة المخيم وله زوجتان إحداهما فلانة بنت فلانة، والأخرى فلانة
بنت فلان الخ).
886

وكانت الشهادة بوصف يحتمل الاتفاق عليه غالبا، فالقول قوله مع يمينه، ما لم يقم المدعي
البينة. وإن كان الوصف مما يتعذر اتفاقه إلا نادرا، لم يلتفت إلى إنكاره لأنه خلاف
الظاهر. ولو ادعى أن في البلد مساويا له في الاسم والنسب، كلف إبانته في إثباته (150).
فإن كان المساوي حيا سئل، فإن اعترف أنه الغريم، ألزم وأطلق الأول. وإن أنكر،
وقف الحكم حتى يتبين. وإن كان المساوي ميتا وهناك دلالة تشهد بالبراءة، إما لأن
الغريم لم يعاصر (151)، وإما لأن تاريخ الحق متأخر عن موته، ألزم الأول. وإن احتمل،
وقف الحكم حتى يتبين.
الثانية: للمشهود عليه أن يمتنع من التسليم (152)، حتى يشهد القابض. ولو لم يكن
عليه بالحق شاهد، قيل: لا يلزم الإشهاد، ولو قيل: يلزم، كان حسنا، حسما لمادة
المنازعة، أو كراهية لتوجه اليمين.
الثالثة: لا يجب على المدعي دفع الحجة مع الوفاء (153)، لأنها حجة له لو خرج
المقبوض مستحقا. وكذا القول في البائع إذا التمس المشتري كتاب الأصل، لأنه حجة له
على البائع الأول بالثمن، لو خرج المبيع مستحقا.
الفصل الثاني: في لواحق من أحكام القسمة والنظر في: القاسم، والمقسوم،
والكيفية، واللواحق.
أما الأول: فيستحب للإمام: أن ينصب قاسما (154)، كما كان لعلي عليه السلام.
ويشترط فيه: البلوغ، وكمال العقل، والإيمان والعدالة، والمعرفة بالحساب. ولا

(150): أي: إظهار ذاك الشخص، وإثبات أن اسمه كذا ونسبه كذا (أنه الغريم) أي: المحكوم عليه.
(151): كما لو كان (محمد بن أحمد) المتهم ولد عام 1380 هجرية، وذاك قد مات قبل 1380 (عن موته) كما لو كان تاريخ كتابة الحكم
عام 1380، وقد مات ذاك قبل هذا التاريخ.
(152): أي: إعطاء الدين أو العين لصاحبه (القابض) على نفسه بقبض حقه (شاهد) على إن له دين أو غير على فلان (لتوجه اليمين)
لو ادعى عليه الحق وعدم القبض.
(153): يعني: لو استدان زيد من عمرو ألف دينار وأعطاه ورقة (وتسمى حجة) بذلك، ثم دفع الألف إلى عمرو، لا يجب على عمرو
إعطاؤه الورقة، إذ قد يتبين أن الألف للغير، فيأخذه مالكه من عمرو، وتبقى يد عمرو خالية من الحجة على دينه (نعم) لزيد أن
يطالب عمرا بورقة بذلك أو يشهد عليه شهودا (كتاب الأصل) أي: ورقة البيع.
(154): عمله تقسيم المواريث، وسائر الأموال المشتركة، (كان لعلي عليه السلام) كاسم اسمه عبد الله بن يحيى، كما عن المبسوط ج 8 / ص 133 الطبعة الحديثة.
887

يشترط الحرية.
ولو تراضى الخصمان بقاسم، لم تشترط العدالة. وفي التراضي بقسمة الكافر نظر،
أقربه الجواز، كما لو تراضيا بأنفسهما (155) من غير قاسم.
والمنصوب من قبل الإمام، تمضي قسمته بنفس القرعة، ولا يشترط رضاهما بعدها.
وفي غيره يقف اللزوم على الرضا بعد القرعة، وفي هذا إشكال، من حيث إن القرعة
وسيلة إلى تعيين الحق، وقد قارنها الرضا،
ويجزي القاسم الواحد، إذا لم يكن في القسمة رد.
ولا بد من اثنين في قسمة الرد (156)، لأنها تتضمن تقويما، فلا ينفرد به الواحد.
ويسقط اعتبار الثاني مع رضا الشريك.
وأجرة القسام من بيت المال، فإن لم يكن إمام، أو كان ولا سعة في بيت المال، كانت
أجرته على المتقاسمين.
فإن استأجره كل واحد بأجرة معينة (157)، فلا بحث. وإن استأجروه في عقد
واحد، ولم يعينوا نصيب كل واحد من الأجرة، لزمهم الأجرة بالحصص. وكذا لو لم
يقدروا أجرة، كان له أجرة المثل، عليهم بالحصص لا بالسوية.
الثاني: في المقسوم وهو إما متساوي الأجزاء، كذوات الأمثال مثل الحبوب والأدهان
أو متفاوتها كالأشجار والعقار (158).
فالأول: يجبر الممتنع مع مطالبة الشريك بالقسمة، لأن الإنسان له ولاية الانتفاع
بماله، والانفراد أكمل نفعا، ويقسم كيلا ووزنا متساويا أو متفاضلا (159)، ربويا كان أو

(155): أي: بتقسيم أنفسهما المال بينهما.
(156): قسمة الرد مثل قسمة العبيد والأباء حيث تختلف أثمانهم فيعطي عبد غالي القيمة لأحدهم وعبد رخيص لآخر مع رد بعض المال
إليه.
(157): كما لو قال كل منهما أنا علي دينار للقسام، أو قال أحدهما علي ربع دينار وقال الآخر علي ديناران (استأجره) وعينوا مقدار الأجرة
(بالحصص) فلو صار سهم أحدهما ثلاثة دنانير وسهم الآخر دينارا واحدا، كان على الأول ثلاثة أرباع الأجرة، وعلى الثاني ربعها
(لم يقدروا) أي: لم يعينوا مقدار الأجرة (لا بالسوية) لأنه مع السوية قد يصير الأجرة على بعض أصحاب الحق بقدر سهمه أو أكثر.
(158): العقار يقال للأراضي، والمزارع، والدور، والبساتين ونحوها.
(159): كما لو كان لهما نوعان من الدهن، أحدهما أحسن من الآخر، فأخذ أحدهما من الآخر كيلين مقابل أخذ الثاني من الدهن الآخر
ثلاثة (ربويا) كالحنطة والشعير وغيرهما مما يباع بالكيل أو الوزن (أو غيره) كالفرش، والأواني، والكتب ونحوها (لا بيع) فلا
يقدح فيه الربا، ولا الجهل بالمقدار، ولا القبض في المجلس لو كان من النقدين، وهلم جرا.
888

غيره، لأن القسمة تمييز حق لا بيع.
والثاني: إما أن يستضر الكل أو البعض (160) أو لا يستضر أحدهم.
وفي الأول: لا يجبر الممتنع، كالجواهر والعقائد الضيقة.
وفي الثاني (161): إن التمس المستضر، أجبر من لا يتضرر. وإن امتنع المتضرر لم
يجبر.
ويتحقق الضرر المانع من الإجبار، بعدم الانتفاع بالنصيب بعد القسمة، وقيل
بنقصان القيمة، وهو أشبه، وللشيخ قولان.
ثم المقسوم: إن لم يكن فيه رد ولا ضرر، أجبر الممتنع، ويسمى قسمة إجبار. وإن
تضمنت أحدهما، لم يجبر ويسمى قسمة تراض (162).
ويقسم الثوب الذي لا تنقص قيمته بالقطع كما يقسم الأرض. وإن كان ينقص
قيمته بالقطع، لم يقسم لحصول الضرر بالقسمة.
ويقسم الثياب والعبيد، بعد التعديل بالقيمة، قسمة إجبار (163).
وإذا سألا الحاكم القسمة، ولهما بينة بالملك، قسم. وإن كانت يدهما عليه، ولا
منازع لهما، قال الشيخ في المبسوط: لا يقسم (164). وقال في الخلاف: يقسم وهو
الأشبه، لأن التصرف دلالة الملك.
الثالث: في كيفية القسمة بالحصص إن تساوت قدرا وقيمة (165)، فالقسمة بتعديلها على
السهام لأنه يتضمن القيمة، كالدار يكون بين اثنين وقيمتها متساوية.

(160): بسبب التقسيم (وفي الأول) وهو ما يستفيد الكل (كالجواهر) أي: المجوهرات مثل العقيق والفيروزج ونحوهما مما قد تساوي
قطعة منها بمئة، فإذا قسمت نصفين لم يساو كل قسم عشرة (والعضائد) أي: الطرق بين الدور والسكك.
(161): وهو ما يستضر بعضهم، كما لو كان طريق تسعة أعشاره لواحد، وعشره لآخر، فإذا نقسم تضرر صاحب العشر لضيق حصته جدا
(التمس المستضر) أي: طلب التقسيم من يتضرر (وللشيخ قولان) قول بعدم الانتفاع مطلقا، وقول بنقصان القيمة.
(162): أي: بتراضي الطرفين يجب أن تقع القسمة (الثوب) يعني: القماش مثل مئة متر (تنقص قيمته) كقماش ثلاثة أمتار صالح
لثوب واحد، أو قباء واحد، فإذا قطع نصفين نقصت قيمته.
(163): وذلك فيما لم يستلزم ردا أو ضررا، كما لو كان عشرة عبيد بين اثنين قيمة ستة منهم خمسمئة وقيمة أربعة منهم خمسمئة، فتعطي ستة
لأحدهما، وأربعة للآخر.
(164): حتى يثبت الملك لهما.
(165): كأرض ألف متر قيمة كل متر دينار هي بين اثنين حصة كل واحد منهما خمسمئة متر فحصة كل واحد منهما خمسمئة متر، وقيمة
كل حصة خمسمئة دينار (بتعديلها) أي: الحصص (كل نصيب في رقعة) مثلا يكتب على رقعة (جنوب الأرض) وعلى الرقعة
الأخرى (شمال الأرض) أو يكتب (شرق أرض) (غرب الأرض).
889

وعند التعديل: يكون القاسم مخيرا بين الإخراج على الأسماء، والإخراج على
السهام.
أما الأول: فهو أن يكتب كل نصيب في رقعة، ويصف كل واحد بما يميزه عن
الآخر (166)، يجعل ذلك مصونا في ساتر كالشمع والطين ويأمر من لم يطلع على الصورة
بإخراج أحدهما على اسم أحد المتقاسمين، فما خرج فله.
وأما الثاني: فهو أن يكتب كل اسم في رقعة (167)، ويصونهما، ويخرج على سهم من
السهمين، فمن خرج اسمه فله ذلك السهم.
وإن تساوت (168) قدرا لا قيمة عدلت السهام قيمة، وألغي القدر. حتى لو كان
الثلثان بقيمته مساويا للثلث، لجعل الثلث محاذيا للثلثين. وكيفية القرعة عليه كما صورناه.
وإن تساوت الحصص، قيمة لا قدرا، مثل أن يكون لواحد النصف وللآخر
السدس، وقيمة أجزاء ذلك الملك متساوية، سويت السهام على أقلهم نصيبا، فجعلت
أسداسا. ثم كم تكتب رقعة؟ فيه تردد بين أن يكتب بعدد الشركاء (169)، أو بعدد
السهام. والأقرب الاقتصار على عدد الشركاء، لحصول المراد به، فالزيادة كلفة.
إذا عرفت هذا، فإنه يكتب ثلاث رقاع، لكل اسم رقعة، ويجعل للسهام أول
وثان. وهكذا إلى الأخير (170). والخيار في تعيين ذلك إلى المتقاسمين. ولو تعاسروا،
عينه القاسم، ثم يخرج رقعة، فإن تضمنت اسم صاحب النصف، فله الثلاثة الأول.
ثم يخرج ثانية، فإن خرج صاحب الثلث، فله السهمان الآخران. ولا يحتاج إلى إخراج
الثالثة بل لصاحبها ما بقي.
وكذا لو خرج اسم صاحب الثلث أولا، كان له السهمان الأولان ثم يخرج
أخرى، فإن خرج صاحب النصف، فله الثالث والرابع والخامس ولا يحتاج إلى إخراج

(166): كألفاظ شمال وجنوب وشرق وغرب، أو الجانب المجاور لدار فلان، وفلان، أو نحو ذلك.
(167): محمد - مثلا - في رقعة، وعلي في رقعة أخرى.
(168): أي: تساوت الحصص (قيمة لا قدرا) بأن كان لكل من الشريكين النصف، ولكن كان خمسمئة متر منه - مثلا بأربعمئة،
وخمسمئة متر بستمئة (كما صورناه) من الإخراج على الأسماء أو السهام.
(169): وهم ثلاثة في المثال (أو بعدد السهام) وهي ستة، بأن يجعل لصاحب السدس ورقة واحدة، ولصاحب الثلث ورقتان ولصاحب
النصف أوراق ثلاث.
(170): أي: إلى ستة كما في مثال المصنف.
890

أخرى، لأن السادس تعين لصاحبها.
وهكذا لو خرج اسم صاحب السدس أولا: كان له السهم الأول. ثم يخرج
أخرى فإن كان صاحب الثلث، كان له الثاني والثالث، والباقي لصاحب النصف.
ولو خرج في الثانية صاحب النصف، كان له الثاني والثالث والرابع، وبقي الآخران
لصاحب الثلث، من غير احتياج إلى إخراج اسمه.
ولا يخرج في هذه على السهام، بل على الأسماء، إذ لا يؤمن أن يؤدي إلى تفرق
السهام (171)، وهو ضرر. ولو اختلف السهام والقيمة (172)، عدلت السهام تقويما،
وميزت على قدر سهم أقلهم نصيبا، وأقرع عليها كما صورناه.
وأما لو كانت قسمة رد، وهي المفتقرة إلى رد في مقابلة بناء أو شجر أو بئر، فلا
يصح القسمة ما لم يتراضيا جميعا، لما يتضمن من الضميمة، التي لا تستقر إلا
بالتراضي.
وإذا اتفقا على الرد، وعدلت السهام، فهل يلزم بنفس القرعة؟ قيل: لا، لأنها
تتضمن معاوضة، ولا يعلم كل واحد من يحصل له العوض، فيفتقر إلى الرضا بعد
العلم بما ميزته القرعة.
مسائل ثلاث:
الأولى: لو كان لدار علو وسفل، فطلب أحد الشريكين قسمتها، بحيث يكون
لكل واحد منهما نصيب من العلو والسفل، بموجب التعديل جاز، وأجبر الممتنع مع انتفاء
الضرر (173). ولو طلب انفراده بالسفل أو العلو، لم يجبر الممتنع. وكذا لو طلب قسمة
كل واحد منهم منفردا.

(171): بأن يصير سهم صاحب السدس بين سهمي صاحب الثلثان أو هذه السهام بين سهام صاحب النصف.
(172): كما لو كانت السهام نصف وثلث وسدس، وكانت قيمة أبعاض الأرض مختلفة فالجانب الجنوبي منه أغلى من الجانب الشمالي،
والشرقي أغلى من الغربي ونحو ذلك (تقويما) يعني: يلاحظ قيمة مجموع السهام إن كانت اثني عشر - مثلا - أي مقدار من الأرض
وأي محل منها تكون قيمته ستة، وأي مقدار من الأرض وأي محل منها تكون قيمته اثنين، وأي مقدار من الأرض وأي محل منها تكون
قيمته واحدا، ثم يقرع عليها (كما صورناه) أي: مثلناه آنفا.
(173): كما لو لم تنقص قيمة أبعاض العلو والسفل بالتقسيم لسعتهما كثيرا، كالبنايات التي كل طابق منها عدة شقق منفصلات (لم يجد
الممتنع) لأن فيه معارضة حصة العلو بحصة السفل وبالعكس وهي تحتاج إلى رضا الطرفين (منفردا) عن الآخر، كالعلو فقط، أو
السفل فقط.
891

الثانية: لو كان بينهما أرض وزرع، فطلب قسمة الأرض حسب، أجبر الممتنع،
لأن الزرع كالمتاع في الدار. ولو طلب قسمة الزرع قال الشيخ: لم يجبر الآخر، لأن
تعديل ذلك بالسهام غير ممكن، وفيه إشكال، من حيث إمكان التعديل بالتقويم (174)،
إذا لم يكن فيه جهالة. أما لو كان بذرا لم يظهر، لم يصح القسمة، لتحقق الجهالة، ولو
كان سنبلا قال أيضا: لا يصح، وهو مشكل، لجواز بيع الزرع عندنا.
الثالثة: لو كان بينهما قرحان متعددة (175)، وطلب واحد قسمتها بعضا في بعض،
لم يجبر الممتنع. ولو طلب قسمة كل واحد بانفراده، أجبر الآخر (176). وكذا لو كان
بينهما حبوب مختلفة. ويقسم القراح الواحد (177)، وإن اختلف أشجار أقطاعه، كالدار
الواسعة إذا اختلفت أبنيتها. ولا يقسم الدكاكين المتجاورة بعضها في بعض قسمة إجبار،
لأنها أملاك متعددة، يقصد كل واحد منها بالسكنى على انفراده، فهي كالأقرحة
المتباعدة.
الرابع: في اللواحق وهي ثلاثة.
الأول: إذا ادعى بعد القسمة الغلط عليه، لم تسمع دعواه. فإن أقام بينة
سمعت، وحكم ببطلان القسمة لأن فائدتها (178) تميز الحق ولم يحصل. ولو عدمها،
فالتمس اليمين، كان له، إن ادعى على شريكه العلم بالغلط.
الثاني: إذا اقتسما، ثم ظهر البعض مستحقا (179)، فإن كان معينا في أحدهما،

(174): أي: بملاحظة قيمة الزرع (لتحقق الجهالة) إذ لعل البذر قد أفسده الدود أو غيره فلم يظهر أصلا أو ظهر علنا.
(175): كالدور المتعددة، والأراضي المتعددة، والبساتين المتعددة ونحو ذلك (بعضا في بعض) بمعنى جعل بعضها في مقابل بعض (لم
يجبر الممتنع) لأنها أملاك متعددة عرفا، فلا يجبر أحد الطرفين على قبول جعل بعضها مقابل بعض آخر.
(176): مع إمكانه بلا رد أو ضرر (حبوب مختلفة) كالأرز، والحنطة والعدس، ونحوها، فإنه لو طلب أحدهما تقسيم الجميع بجعل
بعضها في مقابل بعض، بأن يأخذ أحدهما مئة كيلو من الأرز وثلاثين من الحنطة وسبعين من العدس، ويأخذ الآخر بنسية أخرى مع
تساوي قيمة ما أخذه كل منهما لما أخذه الآخر، فلا يجبر على هذا التقسيم الممتنع، ولو طلب قسمة الأرز على حدة، والحنطة على
حدة، والعدس على حدة، أجبر الممتنع.
(177): كالبستان الواحد، أو الأرض الواحدة (أشجار قطاعه) ففي قسم منها شجر البرتقال، وفي قسم شجر الرمان، وفي قسم شجر
التفاح مثلا (كالدار) أي: كما أن الدار كذلك لا يعتنى باختلاف (أبنيتها) طرف مبني بالطين، وطرف بالآجر.
(178): أي: فائدة القسمة (عدمها) أي: لا بينة له (فالتمس اليمين) أي: طلب من الشريك القسم على عدم الغلط في القسمة.
(179): فله أربع صور: (1) فإن كان معينا (2) ولو كان فيهما بالسوية (3) ولو كان فيهما لا بالسوية (4) وإن كان المستحق مشاعا.
مثال الأول: اقتسما عشرة كتب خمسة لهذا وخمسة لهذا، فظهر أحد الكتب للغير، فصار لأحدهما أربعة كتب وللآخر خمسة،
بطلت القسمة ووجب إعادة القسمة.
مثال الثاني: لو ظهر كتاب من هذا، وكتاب من هذا للغير، مع الاتفاق في القيمة لم تبطل القسمة، فلكل أربعة كتب.
مثال الثالث: لو ظهر كتاب من هذا، وكتابان من هذا للغير، بطلت القسمة.
مثال الرابع: أرض مساحتها ألف متر اقتسماها لكل خمسمئة، فظهر أن لهما شريكا ثالثا، هو شريك في كل أجزاء هذه
الخمسمئة، وهذه الخمسمئة (إذن الشريك) وهو الثالث.
892

بطلت القسمة لبقاء الشركة في النصيب الآخر. ولو كان فيهما بالسوية لم تبطل لأن فائدة القسمة باقية
وهو إفراد كل واحد من الحقين. ولو كان فيهما لا بالسوية بطلت لتحقق الشركة. وإن كان المستحق
مشاعا معهما، فللشيخ قولان، أحدهما لا تبطل فيما زاد عن المستحق والثاني تبطل لأنها وقعت من
دون إذن الشريك، وهو الأشبه.
الثالث: لو قسم الورثة تركة، ثم ظهر على الميت دين. فإن قام الورثة
بالدين (180)، لم تبطل القسمة. وإن امتنعوا، نقضت وقضي منها الدين.
النظر الرابع
في أحكام الدعوى وهو يستدعي بيان: مقدمة، ومقاصد.
أما المقدمة: فتشتمل على فصلين:
الأول: في المدعي وهو الذي يترك لو ترك الخصومة (181)، وقيل: هو الذي يدعي
خلاف الأصل، أو أمرا خفيا وكيف عرفناه، فالمنكر في مقابلته.
ويشترط (182): البلوغ، والعقل، وأن يدعي لنفسه، أو لمن له ولاية الدعوى عنه
ما يصح منه تملكه. فهذه قيود أربعة.
فلا تسمع دعوى الصغير، ولا المجنون، ولا دعواه مالا لغيره، إلا أن يكون
وكيلا أو وصيا أو وليا أو حاكما أو أمينا لحاكم. ولا تسمع دعوى المسلم خمرا أو خنزيرا.
ولا بد من كون الدعوى صحيحة لازمة (183). فلو ادعى هبة، لم تسمع حتى

(180): أي: أعطوا الدين (نقضت) أي: بطلت القسمة (وقضي منها الدين) وقسم ما زاد ثانيا.
(181): لأن الخصومة تبدأ من ادعاء المدعي شيئا في يد آخر (خلاف الأصل) فالدار التي فيها زيد لو ادعاها عمرو وقال إنها لي،
فقول عمرو خلاف الأصل إذ الأصل إن الدار لزيد (أمرا خفيا) إذ كون الدار لزيد خفي، أما كونها لعمرو فجلى ظاهر لأنها
تحت تصرفه (في مقابلته) فعلى التصريف الأول: المنكر من إذا ترك هو لم يترك، وعلى التصريف الثاني: المنكر يدعي وفق
الأصل، وعلى التصريف الثالث المنكر يدعي أمرا جليا.
(182): في المدعي.
(183): أي: صحيحة ملازمة (الإقباض) أي: تسليم الهبة إلى الموهوب له، إذ بدونه لا تصح الهبة، وكذا لا تسمع حتى يدعي
التصرف إذ بدونه لا تكون لازمة (رهنا) إذ القبض معتبر في صحته، وهكذا لو ادعى وقفا بناء على اعتبار القبض في
الصحة.
893

يدعي الإقباض. وكذا لو ادعى رهنا.
ولو ادعى المنكر فسق الحاكم أو الشهود، ولا بينة، فادعى علم المشهود له، ففي
توجه اليمين على نفي العلم تردد، أشبهه عدم التوجه، لأنه ليس حقا لازما (184).
ولا يثبت بالنكول ولا باليمين المردودة، ولأنه يثير فسادا. وكذا لو التمس المنكر
يمين المدعي، منضمة إلى الشهادة، لم يجب إجابته لنهوض البينة بثبوت الحق. وفي
الإلزام بالجواب عن دعوى الإقرار (185) تردد، منشأه أن الإقرار لا يثبت حقا في نفس
الأمر، بل إذا ثبت قضى به ظاهرا.
ولا تفتقر صحة الدعوى إلى الكشف (186) في نكاح ولا غيره. وربما افتقرت إلى
ذلك في دعوى القتل، لأن فائته لا يستدرك.
ولو اقتصرت على قوله: هذا زوجي، كفى في دعوى النكاح، ولا يفتقر ذلك إلى
دعوى شئ من حقوق الزوجية (187)، لأن ذلك يتضمن دعوى لوازم الزوجية. ولو أنكر
النكاح، لزمه اليمين. ولو نكل قضي عليه على القول بالنكول. وعلى القول الآخر ترد
اليمين عليها، فإذا حلفت ثبتت الزوجية. وكذا السياقة (188)، ولو كان هو المدعي.
ولو ادعى أن هذه بنت أمته، لم تسمع دعواه لاحتمال أن تلد في ملك غيره،
ثم تصير له (189). وكذا لو قال: ولدتها في ملكي، لاحتمال أن تكون حرة أو ملكا

(184): للمدعى عليه (ولا يثبت) فسق الحاكم أو الشهود (بالنكول) وعدم الحلف (المردودة) على المدعي (ولأنه) أي: وجوب
اليمين على المدعي عند اتهام المنكر للحاكم أو الشهود بالفسق.
(185): مثلا: لو ادعى زيد أن عمرا أقر لي بمئة دينار، فهل يجب على عمرو إجابة زيد بنعم أولا.
(186): ونوعه عن أسبابه ونوعه (ولا غيره) من العقود أو الإيقاعات، فلو ادعى شخص النكاح فلا يسأل عن سببه من دوام
ومتعة، وشبهة، وملك يمين: وتحليل، ولا عن سائر خصوصياته من كونه مع الإشهاد أولا، وكم المهر، ومتى وأين كان
الخ، وهكذا لو ادعى البيع، أو الشراء، أو الملك، أو الطلاق، أو العتق، أو غير ذلك (دعوى القتل) فلو ادعى زيد أن
عمرا قتل أباه فقد يقال بلزوم تعيين الكتف عن الخصوصيات، بأن يقول المدعي كان قتل عمد، أو شبه عمد، أو خطأ
محض، متى كان، وأين كان، وهل قتله وحده أو بالاشتراك مع غيره، بالمباشرة أو التسبيب، ونحو ذلك (لا يستدرك) إذ
لو حكم بالقتل على غير مستحق القتل فلا يمكن استدراكه وإعادته إلى الحياة، بخلاف غير القتل حتى النكاح فإنه قابل
للاستدراك.
(187): من المهر، والنفقة، والقسم، ونحوها (لأن) أي: دعوى الزوجية متضمنة لدعوى لوازم الزوجية من قسم، ومهر،
ونفقة، وغيرها.
(188): أي: وكذا البحث (هو المدعي) للزوجية، وهي المنكر لها.
(189): أي: ثم تصير أمة له بشراء، أو إرث، أو هبة أو غيرها (ولدتها) أي: ولدت البنت (حرة) أي: البنت، بأن يكون
حر قد وطأ أمته بشبهة أو وطأها بتحليل المولى فإن الحمل يكون حرا مع أنها ولدته وهي في ملكه (ملكا لغيره) كما لو زوجها
المولى من عبد غيره بشرط أن يكون الحمل لمالك العبد.
894

لغيره. وكذا لا تسمع البينة بذلك، ما لم يصرح بأن البنت ملكه، وكذا البينة (190).
ومثله لو قال: هذه ثمرة نخلي. وكذا لو أقر له من الثمرة في يده، أو بنت
المملوكة، لم يحكم عليه بالإقرار، لو فسره بما ينافي الملك (191).
ولا كذا لو قال: هذا الغزل من؟ قطن فلان، أو هذا الدقيق من حنطته (192).
الفصل الثاني: في التوصل إلى الحق من كانت دعواه عينا (193) في يد، فله
انتزاعها ولو قهرا، ما لم يكن فتنة، ولا يقف ذلك على إذن الحاكم. ولو كان الحق دينا،
وكان الغريم مقرا باذلا له، لم يستقل (194) المدعي بانتزاعه من دون الحاكم، لأن الغريم
مخير في جهات القضاء، فلا يتعين الحق في شئ دون تعيينه، أو تعيين الحاكم مع
امتناعه.
ولو كان المدين جاحدا (195)، وللغريم بينة تثبت عند الحاكم، والوصول إليه
ممكن، ففيه جواز الأخذ تردد، أشبهه الجواز، وهو الذي ذكره الشيخ في الخلاف
والمبسوط، وعليه دل عموم الإذن في الاقتصاص.
ولو لم يكن له بينة، أو تعذر الوصول إلى الحاكم، ووجد الغريم من جنس
ماله (196). اقتص مستقلا بالاستيفاء.

(190): أي: والبينة هكذا لا تفتقر إلى الكشف فيها (نخلتي) فإنه لا يكون دعوى على ملكية الثمرة، إذ لعلها كانت مؤجرة
فالثمرة للمستأجر، أو لعله باع الثمرة - فيها يجوز فيه بيع الثمار -.
(191): فلو قال زيد لعمرو: هذه ثمرة نخلتك، أو هذه بنت مملوكتك، لا يكون إقرارا بأنهما لعمرو، (بما ينافي الملك) بأن قال
بعد ذلك مثلا ومع ذلك فهما ملكي.
(192): فإنه إقرار بأنهما له.
(193): كالكتاب، والفرش، والدار، والبستان، ونحوها (يثير فتنة) أي: يوجب ذلك الفتنة التي يحتمل فيها قتل النفوس، أو
هتك الأعراض، أو هدر الأموال، ونحو ذلك مما علم من مذاق الشرع عدم الرضا به لمثل هذه الأمور (وكان الغريم)
أي: المديون (بازلا) أي: مستعدا لإعطاء الحق لصاحبه.
(194): أي: لا يجوز للمدعي أن يأخذ هذه مستقلا من مال المديون (جهات القضاء) أي: كيفيات أداء الحق (تعيينه) المديون
(امتناعه) المديون.
(195): أي: منكرا للدين، سواء بنسيان، أو بتعمد، أو جهل مركب، أو غيرها (والوصول إليه) الحاكم (جواز الأخذ) بدون
مراجعة الحاكم (عموم الإذن) كقوله تعالى: (والحرمات قصاص) البقرة / 194 (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)
البقرة / 194 أيضا، وروايات عديدة مذكورة في المفصلات.
(196): كما لو كان يطلبه دنانير فوجد عند المديون دنانير، أو يطلبه حنطة موصلية فوجد عنده حنطة موصلية، وهكذا (بالاستيفاء)
أي: الأخذ بلا مراجعة الحاكم الشرعي.
895

نعم، لو كان المال وديعة عنده (197)، ففي جواز الاقتصاص تردد، أشبهه
الكراهية. ولو كان المال من غير جنس الموجود، جاز أخذه بالقيمة العدل.
ويسقط اعتبار رضا المال بالطاطه (198)، كما يسقط اعتبار رضاه في الجنس.
ويجوز أن يتولى بيعها وقبض دينه من ثمنها، دفعا لمشقة التربص بها، ولو تلفت
قبل البيع، قال الشيخ: الأليق بمذهبنا إنه لا يضمنها. والوجه الضمان، لأنه قبض لم
يأذن فيه المالك، ويتقاصان بقيمتها مع التلف.
مسألتان:
الأولى: من ادعى ما لا يد لأحد عليه قضي له (199)، ومن بابه أن يكون كيس
بين جماعة، فيسألون: هل هو لكم؟ فيقولون: لا، ويقول واحد منهم: هو لي، فإنه
يقضي به لمن أدعاه.
الثانية: لو انكسرت سفينة في البحر، فما أخرجه البحر (200) فهو لأهله. وما
أخرج بالغوص فهو لمخرجه، وبه رواية في سندها ضعف.
المقصد الأول: في الاختلاف في دعوى الأملاك وفيه مسائل:
الأول: لو تنازعا عينا في يدهما (201)، ولا بينة، قضي بها بينهما نصفين، وقيل: يحلف
كل منهما لصاحبه. ولو كانت يد أحدهما عليها (202)، قضي بها للمتشبث، مع يمينه إن التمسها

(197): مثلا كان لزيد عند عمرو ألف درهم وديعة، فهل يجوز لعمرو أخذ الألف بدلا عما يطلبه من زيد (بالقيمة العدل) كما لو
كان له عليه مئة كيلو سكر تساوي عشرة دنانير، فله أن يأخذ من " حنطة المديون بمقدار عشرة دنانير ".
(198): أي: بسبب إنكاره للدين (بيعها) الوديعة (التي لعب بها) الصبر بالوديعة (ولو تلفت) العين التي أخذها للمقاصة (لا
يضمنها) لأنها أمانة أذن الشرع فيها، ولا ضمان على الأمين (والوجه) الصحيح عند المصنف (ويتقاصان) أي: يحسب ما
تلف في مقابل ديته.
(199): دون بينة ولا يمين، كمن ادعى أن الأرض الفلانية لي، أو الدار الفلانية، أو الكتاب الفلاني، وهكذا مما لا يد عليه
(ومن بابه) أي: من هذا القبيل (لمن أدعاه) دون مطالبته يمين أو بينة.
(200): ما طفى على الماء (فهو لأهله) أي: لمالكه وإن أخذه شخص آخر وجب عليه إيصاله إلى مالكه (بالغوص) إلى قاع البحر (وبه) أي:
الحكم (ضعف) لأنه في طريقها أمية بن عمرو وهو واقفي والشعيري وهو - كما استظهر المسالك - السكوني المشهور وهو علمي.
(201): كدار يسكنها زيد وعمرو، أو ثوب يلبسانه، أو دابة يركبانها، فقال زيد إنه لي، وقال عمرو إنه لي (نصفين) بلا يمين
لظاهر اليد الدال على الشركة، ولعمل النبي صلى الله عليه وآله في المرسل (إن رجلين تنازعا دابة ليس لأحدهما بينة
فجعلها النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما.
(202): كما لو كان زيد ساكنا في الدار وعمرو غير ساكن فيها (التمسها) أي: طلبها (خارجة) كما لو كان الساكن في الدار
محمد، لا لزيد ولا لعمرو (أقرت) أي: أبقيت (في يده) لأن ظاهر اليد وفي الجواهر: بعد اليمين لهما، يعني: لزيد
وعمرو إحلافه محمد على إن الدار له.
896

الخصم. ولو كانت يدهما خارجة، فإن صدق من هي في يده أحدهما، أحلف وقضي له وإن
قال: هي لهما، قضي بها بينهما نصفين، وأحلف كل منهما لصاحبه، ولو دفعهما أقرت في يده.
الثانية: يتحقق التعارض في الشهادة، مع تحقق التضاد (203). مثل: أن يشهد شاهدان
بحق لزيد، ويشهد آخران أن ذلك الحق بعينه لعمرو أو يشهدان بأنه باع ثوبا مخصوصا لعمرو
غدوة، ويشهد آخران ببيعه بعينه لخالد في ذلك الوقت. ومهما أمكن التوفيق بين الشهادتين،
وفق. فإن تحقق التعارض، فأما أن يكون العين في يدهما، أو يد أحدهما، أو في يد ثالث. ففي
الأول يقضى بها بينهما نصفين، لأن يد كل واحد على النصف، وقد أقام الآخر بينة، فيقضى له
بما في يد غريمه (204). وفي الثاني (205) يقضي بها للخارج دون المتشبث، إن شهدتا لهما بالملك
المطلق. وفيه قول آخر - ذكره في الخلاف - بعيد. ولو شهدتا السبب، قيل: يقضي لصاحب
اليد، لقضاء علي عليه السلام في الدابة (206)، وقيل: يقضي للخارج، لأنه لا بينة على ذي
اليد، كما لا يمين على المدعي، عملا بقوله: صلى الله عليه وآله "... واليمين على من
أنكر " (207)، والتفصيل قاطع للشركة وهو أولى. أما لو شهدت للمتشبث بالسبب، وللخارج
بالملك المطلق، فإنه يقضي لصاحب اليد (208)، سواء كان السبب مما لا يتكرر، كالنتاج

(203): بأن يكون كل منهما ظاهرة في كذب الأخرى (غدوة) أي: صباحا (وفق) أي: اعتبرتا غير متعارضتين كما لو شهدت
إحدى البينتين أن زيدا باع ثوبه لعمرو، وشهدت الأخرى أن زيدا باع ثوبه لمحمد، فلعله ثوبان، أو شهدت إحديهما ببيع
ثوب معين لعمرو، والأخرى ببيعه لمحمد فلعله باعه لعمرو ويوم الخميس، ثم اشتراه منه، أو وهبه إياه، فباعه ثانيا يوم
الجمعة لمحمد ونحو ذلك.
(204): فتوى المصنف ره وجماعة: على إنه لو كان شئ في يد زيد، فأقام بينة على إنه له، فالبينة الثانية مقدمة، ويعطي ذاك الشئ لعمرو،
لبينة الخارج.
على هذا الأساس: لو كانت دار في يد زيد وعمرو جميعا، فأقام كل واحد منهما بينة على أن كل الدار له، فتنفذ بينة زيد على
النصف الذي بيد عمرو، وتنفذ بينة عمرو على النصف الذي تحت يد زيد، وهذا معنى قول المصنف (فيقضى له بما في يد
غريمه) أي: بما في يد خصمه.
(205): وهو ما إذا كان في يد أحدهما (قول آخر) بتقديم بينة الداخل (بالسبب) أي: ذكر سبب الملك، كما لو قالت بينة زيد
أن الدار لزيد بالإرث، وقالت بينة عمرو: الدار لعمرو بالشراء.
(206): وهي إنه اختصم إلى علي عليه السلام رجلان في دابة كل يدعي إنه أنتجها وأقام كل واحد منهما بينة فقضى بها للذي هو في
يدها.
(207): الوسائل - كتاب القضاء - أبواب كيفية الحكم - الباب 25 - الحديث 3 (والتفصيل) يعني: تفصيله (صلى الله عليه وآله) بين المدعي
والمنكر يقطع تنويع المنكر إلى نوعين، بل كل منكر مطلقا عليه اليمين (وهو أولى) يعني تقديم بينة الخارج.
(208): وهو المتثبت (كالنتاج) كان يقول ببينة: هذا الخروف له لأنه نتاج غنمه (ونساجة الثوب الكتان) يعني: هذا الثوب له
لأنه هو الذي نسجه (كالبيع والصياغة) فإنه يمكن أن يبيع ثم يشتري ثم يبيع، وهكذا يمكن أن يصوغ، ثم يذيبه، ثم يعيد
صياغته (بالجزم) أي: إطلاق قوله (صلى الله عليه وآله) (البينة على المدعي).
897

ونساجة الثوب الكتان، أو يتكرر كالبيع والصياغة. وقيل: بل يقضي للخارج، وإن شهدت
بينته بالملك المطلق، عملا بالخبر، والأول (209) أشبه. ولو كانت في يد ثالث، قضي بأرجح
البينتين عدالة. فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا. ومع التساوي عددا وعدالة، يقرع بينهما،
فمن خرج اسمه أحلف، وقضي له. ولو امتنع، أحلف الآخر وقضي له. وإن نكلا، قضي
به بينهما بالسوية. وقال في المبسوط: يقضي بالقرعة (210)، إن شهدتا بالملك المطلق. ويقسم
بينهما، إن شهدتا بالملك المقيد. ولو اختصت إحداهما بالتقييد، قضي بها دون الأخرى،
والأول أنسب بالمنقول. ويتحقق التعارض بين الشاهدين، والشاهد والمرأتين (211). ولا
يتحقق بين شاهدين وشاهد ويمين، وربما قال الشيخ: نادرا (212) يتعارضان ويقرع بينهما. ولا بين
شاهد. وامرأتين وشاهد ويمين (213)، بل يقضي بالشاهدين وبالشاهد والمرأتين، دون الشاهد
واليمين. وكل موضع قضينا فيه بالقسمة فإنما هو في موضع يمكن فرضها كالأموال، دون ما
يمتنع، كما إذا تداعى رجلان زوجة.
والشهادة بقديم الملك أولى من الشهادة بالحادث، مثل: أن تشهد إحداهما بالملك في
الحال، والأخرى بقديمه (214). أو إحداهما بالقديم والأخرى بالأقدم، فالترجيح لجانب
الأقدم.
وكذا الشهادة بالملك أولى من الشهادة باليد، لأنها (215) محتملة. وكذا الشهادة بسبب
الملك، أولى من الشهادة بالتصرف.

(209): وهو تقديم بينة صاحب اليد إذا ذكرت السبب، وشهدت بينة الخارج بالملك المطلق.
(210): من أول الأمر فلا تقديم للبينة الأكثر عددا ولا الأرجح عدالة (المقيد. أي: ذكر سبب الملك من كونه بإرث، أو شراء
أو نساجة، أو غيرها (بالمنقول) أي: بالروايات فإنها مع الترجيح لا التساقط والقرعة رأسا.
(211): لأن شاهدا وامرأتين أيضا بينة، فتعارض الشاهدين الذكرين (ويمين) لأن شاهدا واحدا مع يمين المدعي أو المنكر لا يقال
له بينة.
(212): نسب الشهيد إلى الشيخ ره هذا القول: لكنه غير ثابت ذهاب الشيخ إليه، ولذا قال المصنف (وربما) وقوله (نادرا)
باعتباره قولا نادرا لم ينقل عن غير الشيخ.
(213): أي: ولا تعارض (بالقسمة) كقول المصنف (بالسوية) قبل رقم (210): (زوجة) فإنه لو أتى كل منهما بينة لا يمكن
تقسيم الزوجة بينهما بل لا بد من الترجيح، أو التساقط والتماس دليل آخر.
(214): كما لو كانت إحداهما: هذا لزيد من رمضان، وقالت الأخرى - في شهر شوال -: هذا لعمرو الآن، أو قالت إحداهما:
هذا لزيد من قبل خمس سنوات، وقالت الأخرى: هذا لعمر من قبل سنتين.
(215): أي: اليد محتملة للعادية، والإجارة، والوكالة ونحوها (بالتصرف) الفرق بين اليد والتصرف، هو أن التصرف يد
وزيادة، فالساكن في بيت يد وتصرف، وغيري كن الذي بيده المفتاح ولا أحد في البيت فهو يد بلا تصرف، والفرش
الملفوف في جانب بيت زيد يد بلا تصرف، والفرش المفروش تحته يد وتصرف معا.
898

الثالثة: لو ادعى شيئا، فقال المدعى عليه (216): هو لفلان، اندفعت عنه المخاصمة،
حاضرا كان المقر له أو غائبا. فإن قال المدعي: إحلفوه إنه لا يعلم إنها لي، توجهت اليمين،
لأن فائدتها الغرم لو امتنع لا القضاء بالعين لو نكل أو رد. وقال الشيخ: لا يحلف ولا يغرم لو
نكل. والأقرب أنه يغرم، لأنه حال بين المالك وبين ماله، بإقراره لغيره. ولو أنكر المقر
له (217)، حفظها الحاكم، لأنها خرجت عن ملك المقر، ولم تدخل في ملك المقر له. ولو أقام
المدعي بينة، قضي له. أما لو أقر المدعى عليه بها لمجهول، لم تندفع الخصومة وألزم البيان.
الرابعة: إذا ادعى أنه أجرة الدابة، وادعى آخر أنه أودعه إياها (218)، تحقق التعارض
مع قيام البينتين بالدعويين، وعمل بالقرعة مع تساوي البينتين في عدم الترجيح.
الخامسة: لو ادعى دارا في يد إنسان (219)، وأقام بينة أنها كانت في يده أمس، أو منذ
شهر، قيل، لا يسمع هذه البينة: وكذا لو شهدت له بالملك أمس، لأن ظاهر اليد الآن
الملك، فلا يدفع بالمحتمل وفيه إشكال، ولعل الأقرب القبول. وأما لو شهدت بينة المدعي، أن
صاحب اليد غصبها أو استأجرها منه حكم بها (220)، لأنها شهدت بالملك، وسبب يد الثاني.
ولو قال غصبني إياها (221)، وقال آخر: بل أقر لي بها، وأقاما البينة، قضي للمغصوب منه،
ولم يضمن المقر لأن الحيلولة لم تحصل بإقراره بل بالبينة.
المقصد الثاني: في الاختلافات في العقود إذا اتفقا (222) على استئجار دار معينة شهرا
معينا، واختلفا في الأجرة وأقام كل منهما بينة بما قدره، فإن تقدم تاريخ أحدهما عمل به، لأن
الثاني يكون باطلا. وإن كان التاريخ واحدا، تحقق التعارض، إذ لا يمكن في الوقت الواحد

(216): مثلا قال زيد لعمرو: الثوب الذي أنت لابسه لي، فقال عمرو: إنه لمحمد، فلا يجب على عمرو اليمين سواء قال: إنها
عندي وديعة أو عادية أو إجارة ونحو ذلك أم يقل (المقر له) محمد في المثال (العزم) أي: غرامة قيمته لزيد، إذ بإقراره
لمحمد لا يصح رفع الثوب لزيد بل يغرم لزيد قيمة الثوب (لو نكل) أي: لم يحلف (أورد) اليمين على المدعي، إذ المنكر
قد يقول: لا أحلف أنا، وقد يقول: أحلفوا المدعي، والأول نكول - والثاني رد.
(217): مثالنا قال محمد الثوب ليس لي (لمجهول) مثلا قال: هذا الثوب لشخص ما.
(218): مثلا قال زيد: أنا آجرت الدابة لمحمد، وقال عمرو: بل أنا أودعتها إياه (في عدم الترجيح) بأكثرية العدو أو اقرانية
العدالة.
(219): مثاله: دار سكنها عمرو ادعى زيد إنها لنفسه وأقام بينة، قالت البينة، الدار كانت بيد زيد يوم أمس، أو قبل شهر، ونحو
ذلك.
(220): بينة المدعي (وسبب) أي: وذكرت البينة سبب يد الثاني.
(221): أي: غصب زيد هذه الدار مني، فقال زيد: بل أقر أن الدار لي.
(222): المؤجر والمستأجر (معينا) أي: اتفقا على العين والزمان (في الأجرة) فقال أحدهما بمئة والآخر بخمسين مثلا (تقدم) كما
لو قالت بينة زيد إنه استأجرها في رمضان بخمسين، وقالت بينة المالك عمرو أنه أجرها في شوال بمئة.
899

وقوع عقدين متنافيين. وحينئذ يقرع بينهما، ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه (223). هذا اختيار
شيخنا في المبسوط.
وقال آخر يقضي ببينة المؤجر، لأن القول قول المستأجر، لو لم يكن بينة، إذ هو يخالف
على ما في ذمة المستأجر (224)، فيكون القول قوله.
ومن كان القول قوله مع عدم البينة، كانت البينة في طرف المدعي وحينئذ نقول: هو مدع
زيادة، وقد أقام البينة بها، فيجب أن يثبت، وفي القولين تردد.
ولو ادعى استئجار دار، فقال المؤجر: بل أجرتك بيتا منها (225)، قال الشيخ: يقرع
بينهما، وقيل: القول قول المؤجر، والأول أشبه، لأن كلا منهما مدع.
ولو أقام كل منهما بينة، تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ. ومع التفاوت (226)، يحكم
للأقدم. لكن إن كان الأقدم بينة البيت، حكم بإجارة البيت بأجرته، وبإجارة بقية الدار
بالنسبة من الأجرة.
ولو ادعى كل منهما (227) أنه اشترى دارا معينة، وأقبض الثمن وهي في يد البائع، قضي
بالقرعة مع تساوي البينتين، عدالة وعددا وتاريخا وحكم لمن خرج اسمه مع يمينه. ولا يقبل قول
البائع لأحدهما، ويلزمه إعادة الثمن على الآخر، لأن قبض الثمنين ممكن، فتزدحم البينتان
فيه.
ولو نكلا عن اليمين، قسمت بينهما، ويرجع كل منهما بنصف الثمن.
وهل لهما أن يفسخا؟ الأقرب نعم، لتبعض المبيع قبل قبضه (228). ولو فسخ أحدهما،

(223): أي: بالإضافة إلى بينة، والقرعة، يحلف على أن الأجرة كذا (وقال آخر) ابن إدريس الحلي ره.
(224): لأنه يدعي أكثر مما يعترف المستأجر إنه في ذمته (فيكون القول قوله) قول المؤجر.
(225): البيت يعني الحجرة لا التحتانية، والغرفة الحجرة الفوقانية، يعني: ما آجرتك كل الدار (ودع) وليس في البين منكر
فقط.
(226): كما لو قالت إحدى البينتين الإجارة كانت في رمضان، وقالت الأخرى، في شوال (بأجرته) أي: الأجرة المتفق عليها
(بالنسبة) مثلا آجر زيد لعمرو بخمسين دينارا، فقال زيد: البيت فقط، وقال عمرو: كل الدار، فشهدت بينة زيد له في
رمضان، وبينة عمرو له في شوال، فيثبت البيت بخمسين دينارا، وبقية الدار بنسبة خمسين البيت.
(227): مثلا ادعى زيد أنه اشترى هذه الدار المعينة، وادعى عمرو: إنه هو الذي اشترى هذه الدار بالذات (عدالة) يعني لا
تكون أحق بهما أقوى عدالة من الأخرى (وعددا) أي: لا تكون إحديهما نفران والأخرى ثلاثة مثلا (وتاريخا) أي: لا تكون
إحديهما وقوع الشراء في رمضان والأخرى في شوال (وأقبض) أي: ادعي كل منهما إنه أعطى الثمن للبائع (نكلا) المدعيان
للشراء (بنصف الثمن) يرجع على البائع ويأخذ منه لأن نصف المبيع قد تلف على كل منهما.
(228): وهذا يسمى بخيار بتبعض الصفقة (أقربه اللزوم) لعدم تبعض الصفقة.
900

كان للآخر أخذ الجميع، لعدم المزاحم. وفي لزوم ذلك له تردد. أقربه اللزوم.
ولو ادعى اثنان، إن ثالثا اشترى من كل منهما هذا المبيع، وأقام كل منهما بينة، فإن
اعترف (229) لأحدهما، قضي له عليه بالثمن وكذا إن اعترف لهما، قضي عليه بالثمنين. ولو
أنكر، وكان التاريخ مختلفا أو مطلقا، قضي بالثمنين جميعا، لمكان الاحتمال، ولو كان التاريخ
واحدا (230)، تحقق التعارض. إذا لا يكون الملك الواحد، في وقت الواحد لاثنين. ولا يمكن
إيقاع عقدين في الزمان الواحد، فيقرع بينهما، فمن خرج اسمه، أحلف وقضي له. ولو امتنعا
من اليمين، قسم الثمن بينهما.
ولو ادعى شراء المبيع من زيد وقبض الثمن، وادعى آخر شراءه من عمرو وقبض الثمن
أيضا، وأقاما بينتين متساويتين في العدالة والعدد والتاريخ (231)، فالتعارض متحقق فحينئذ
يقضى بالقرعة، ويحلف من خرج اسمه ويقضي له. ولو نكلا عن اليمين قسم المبيع بينهما،
ورجع كل منهما على بائعه بنصف الثمن، ولهما الفسخ والرجوع بالثمنين. ولو فسخ أحدهما
جاز، ولم يكن للآخر أخذ الجميع، لأن النصف الآخر لم يرجع إلى بائعه.
ولو ادعى عبد: أن مولاه أعتقه، وادعى آخر أن مولاه باعه منه وأقاما البينة، قضي
لأسبق البينتين تاريخا. فإن اتفقتا (232)، قضي بالقرعة مع اليمين، ولو امتنعا عن اليمين،
قيل: يكون نصفه حرا، ونصفه رقا لمدعي الابتياع، ويرجع بنصف الثمن. ولو فسخ عتق
كله (233). وهل يقوم على بائعه؟ الأقرب نعم، لشهادة البينة بمباشرة عتقه.
مسائل:
الأولى: لو شهد (234) للمدعي، أن الدابة ملكه منذ مدة، فدلت سنها على أقل من

(229): المشتري الثالث (لمكان الاحتمال) إذ يحتمل أن هذا الشخص الواحد اشترى هذه العين الواحدة مرتين في تاريخين، كما لو
اشتراها يوم الجمعة من زيد واشتراها يوم السبت من عمرو، بأن يكون قد باعها إلى عمرو ليلة السبت مثلا.
(230): كما لو شهدت بينة أخرى أن هذا المشتري عند طلوع الشمس من يوم الجمعة اشترى هذه العين من زيد، وشهدت بينة
أخرى أن هذا المشتري عند طلوع الشمس من يوم الجمعة اشترى هذا العين من عمرو.
(231): مضى تفسير التساوي في العدالة والعدد والتاريخ عند رقم (27)، (ولهما الفسخ) لتبعض الصفقة.
(232): أي: في وقت واحد، فكما مثلا قالت إحديهما إن العتق كان يوم الجمعة، وقالت الأخرى إن البيع كان يوم الجمعة
(ويرجع بنصف الثمن) على المالك الأول يأخذ النصف منه (ولو فسخ) لأجل خيار تبعض الصفقة.
(233): لبينة العتق مع ارتفاع المزاحم (يقوم على بائعه) من أجل السراية إذ ثبت على المالك إنه أعتق نصفه بتزاحم البينتين،
فيسري في الباقي.
(234): أي: شهد اثنان يعني: البينة (مدة) كما لو قالت البينة إن هذه الدابة لزيد - المدعي - منذ خمس سنوات، فدلت سنها
على أن عمر الدابة أقل من خمس سنوات (أو أكثر) مقابل القطع، أي: أكثر الظن.
901

ذلك، قطعا أو أكثر، سقطت البينة لتحقق كذبها.
الثانية: لو ادعى دابة في يد زيد (235)، وأقام بينة أنه اشتراها من عمرو، فإن شهدت
البينة بالملكية مع ذلك للبائع أو للمشتري، أو بالتسلم قضي للمدعي. وإن شهدت البينة
بالملكية بالشراء لا غير، قيل: لا يحكم لأن ذلك قد يفعل فيما ليس بملك (236)، فلا تدفع اليد
المعلومة بالمظنونة، وهو قوي. وقيل: يقضى له، لأن الشراء دلالة على التصرف السابق الدال على
الملكية.
الثالثة: الصغير المجهول النسب (237)، إذا كان في يد واحد وادعى رقيته، قضي له
بذلك ظاهرا. وكذا لو كان في يد اثنين. وأما لو كان كبيرا وأنكر، فالقول: قوله، لأن الأصل
الحرية. ولو ادعى اثنان رقيته، فاعترف لهما قضي عليه، وإن اعترف لأحدهما، كان مملوكا له
دون الآخر.
الرابعة: لو ادعى كل واحد منهما أن الذبيحة له، وفي يد كل واحد بعضها، وأقام كل
واحد منهما بينة، قيل: يقضي لكل واحد بما في يد الآخر، وهو الأليق بمذهبنا (238). وكذا لو
كان في يد كل واحد شاة وادعى كل منهما الجميع، وأقاما بينة، قضي لكل منهما بما في يد الآخر.
الخامسة: لو ادعى شاة في يد عمرو، وأقام بينة فتسلمها، ثم أقام الذي كانت في يده بينة
أنها له، قال الشيخ: ينقض الحكم وتعاد وهو بناء على القضاء لصاحب اليد مع
التعارض (239)، والأولى أنه لا ينقض.
السادسة: لو ادعى دارا في يد زيد، وادعى عمرو نصفها، وأقاما البينة قضي لمدعي
الكل بالنصف، لعدم المزاحم (240)، وتعارضت البينتان في النصف الآخر، فيقرع بينهما،

(235): أي: قال شخص: إن هذه الدابة التي هي في يد زيد هي ملك لي (بالملكية مع ذلك) أي: مع شهادة البينة إن هذا
الشخص اشترى الدابة عمرو، مع ذلك شهدت البينة أيضا إنها ملك لهذا الشخص، أو شهدت إنها كانت ملكا لعمرو
البائع، أو شهدت البينة أيضا تسليم الدابة لهذا الشخص (قضي للمدعي) أي: حكم القاضي بأن الدابة ملك لهذا
الشخص (بالملكية بالشراء لا غير) أي: شهدت البينة فقط على أن الدابة اشتراها هذا الشخص من عمرو.
(236): أي: قد يكون عمرو باع ما ليس ملكا له، فلا تكون الدابة بالبيع الباطل ملكا للمشتري (اليد المعلومة) وهي زيد على الدابة
(المظنونة) وهي يد عمرو عند بيعها (السابق) على البيع (على الملكية) للبائع قبل البيع.
(237): أي: ليس له أب معروف (اثنين) وادعيا رقيته لهما بالاشتراك (كبيرا) أي: بالغا البلوغ الشرعي الذي هو في البنت إكمالها تسع
سنوات ودخولها في السنة العاشرة وفي الابن بلوغه السنة السادسة عشرة إذا لم تظهر فيه سائر علامات البلوغ، من إنبات الشعر الخشن
على العانة، أو الاحتلام.
(238): ترجيحا لبينة الخارج على بينة الداخل (الجميع) أي: الشاتين جميعا.
(239): يعني: إذا تعارضت بينة ذي اليد مع بينة غيره تقدم بينة ذي اليد.
(240): لأن عمرا لا يدعي سوى نصف الدار فقط (يدهما على الدار) بأن كانا ساكنين في الدار، أو كان بيد كل منهما مفتاحها مثلا.
902

ويقضي لمن خرج اسمه مع يمينه ولو امتنعا من اليمين قضي بها بينهما بالسوية، فيكون لمدعي
الكل ثلاثة الأرباع، ولمدعي النصف الربع.
ولو كانت يدهما على الدار، وادعى أحدهما الكل، والآخر النصف وأقام كل منهما بينة،
كانت لمدعي الكل، ولم يكن لمدعي النصف شئ لأن بينة ذي اليد بما في يده غير مقبولة (241).
ولو ادعى أحدهم النصف، والآخر الثلث، والثالث السدس وكانت يدهم عليها، فيد
كل واحد منهم على الثلث، لكن صاحب الثلث لا يدعي زيادة على ما في يده، وصاحب
السدس يفضل ما في يده، مالا يدعيه هو ولا مدعي الثلث (242)، فيكون لمدعي النصف، فيكمل
له النصف. وكذا لو قامت لكل منهم بينة بدعواه.
ولو ادعى أحدهم الكل، والآخر النصف، والثالث الثلث، ولا بينة، قضي لكل واحد
منهم بالثلث، لأن يده عليه. وعلى الثاني والثالث اليمين، لمدعي الكل (243). وعليه وعلى
مدعي الثلث اليمين لمدعي النصف.
وإن أقام كل منهم بينة، فإن قضينا مع التعارض ببينة الداخل فالحكم كما لو لم تكن بينة لأن لكل
واحد بينة ويدا على الثلث (244). وإن قضينا ببينة الخارج وهو الأصح، كان لمدعي الكل مما في يده،
ثلاثة من اثني عشرة بغير منازع (245). والأربعة التي في يد مدعي النصف، لقيام البينة لصاحب الكل
بها، وسقوط بينة صاحب النصف بالنظر إليها. إذا لا تقبل بينة في ذي اليد. وثلاثة مما في يد
مدعي الثلث (246).
ويبقى واحد مما في يد مدعي الكل لمدعي النصف (247). وواحد مما في يد مدعي الثلث،
يدعيه كل واحد من مدعي النصف ومدعي الكل، يقرع بينهما، ويحلف من يخرج اسمه ويقضي

(241): إذ النصف الذي بيد زيد لا يدعيه عمرو، والنصف الآخر الذي بيد عمرو بنية زيد مقبولة فيه لأبنية عمرو، لأن عمرا يعتبر ذا يد
بالنسبة للنصف الذي بيده.
(242): وهو السدس الآخر (فيكون) هذا السدس الذي لا يدعيه لا مدعي الثلث ولا مدعي السدس.
(243): لأنهما منكران لما يدعيه مدعي الكل مما في يدهما (وعليه) مدعي الكل (اليمين لمدعي النصف) لأن مدعي النصف يدعي سدسا
منتشرا بين يدي مدعي الكل ومدعي الثلث.
(244): لأن كل واحد منهم يده على الثلث، وبينته حجة على ما في يده.
(245): لأن مدعي الثلث بيده أربعة من اثني عشر لا يدعي غيرها، ومدعي النصف بيده أربعة يدعي اثنين واحدا من مدعي الكل،
وواحدا من مدعي الثلث، فيبقى لمدعي الكل ثلاثة لا يدعيها أحد (وسقوط) لأن بينته داخلة وليست حجة وبينة مدعي الكل
خارجة.
(246): لأن مدعي النصف لا يدعيها، ومدعي الكل بينته خارجة فهي الحجة.
(247): لأن بينة مدعي النصف خارجة فهي الحجة.
903

له (248). فإن امتنعا، قسم بينهما، فيحصل لصاحب الكل عشرة ونصف (249)،
ولصاحب النصف واحد ونصف، وتسقط دعوى مدعي الثلث.
ولو كانت في يد أربعة فادعى أحدهم الكل، والآخر الثلثين، والثالث النصف،
والرابع الثلث، ففي يد كل واحد ربعها (250). فإن لم يكن بينة، قضينا لكل واحد بما في يده،
وأحلفنا كلا منهم لصاحبه.
ولو كانت يدهم خارجة، ولكل بينة، خلص لصاحب الكل الثلث، إذ لا مزاحم
له (251)، ويبقى التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين في السدس (252)، فيقرع بينهما
فيه. ثم يقع التعارض بين بينة مدعي الكل ومدعي الثلثين، ومدعي النصف في السدس
أيضا (253)، فيقرع بينهم فيه ثم يقع التعارض بين الأربعة في الثلث، فيقرع بينهم ويخص به من
يقع القرعة له، ولا يقضى لمن يخرج اسمه إلا مع اليمين، ولا يستعظم أن يحصل بالقرعة الكل
لمدعي الكل (254)، فإن ما حكم الله تعالى به غير مخطئ.

(248): فإن خرجت القرعة باسم مدعي الكل وحلف أخذه فصار ما عنده أحد عشر من اثني عشر، وإن خرجت القرعة باسم مدعي
النصف وحلف أخذه، وصار عنده اثنان من اثني عشر.
(249): ثلاثة كانت عنده بلا منازع، وأربعة التي كانت عند مدعي النصف، وثلاثة مما كانت لمدعي الثلث، ونصف للامتناع عن القسم
(واحد ونصف) واحد مما كان لمدعي الكل، ونصف مما كان لمدعي الثلث.
(250): ثلاثة من اثني عشر (وأحلفنا) وصورة الحلف: والله هذا الذي بيدي لي خارجة بأن كانت الدار بيد شخص خامس بإجارة، أو
إعارة، أو غصب، أو غيرها.
(251): لأن الثلث لا يدعيه مدعي السدس، ولا مدعي النصف، ولا مدعي الثلثين.
(252): أي: السدس الزائد على الثلث، فمدعي الثلثين يقول السدس لي ومدعي الكل يدعي السدس أيضا وهذا السدس لا
يدعيه مدعي النصف ولا مدعي السدس (فيقرع بينهما فيه) فإن خرجت القرعة باسم مدعي الكل أعطى هذا
السدس له ليصير مع ثلثه نصفا، وإن خرجت القرعة باسم مدعي الثلثين أعطى السدس له، وهو أول ما يحصل عليه
مدعي الثلثين.
(253): أي: السدس بعد النصف، فمدعي الكل يدعي هذا السدس لأنه يدعي الكل، ومدعي الثلثين يدعيه، ومدعي النصف يدعيه
ليكمل له النصف، إذ لو راح هذا السدس لا يبقى سوى ثلث واحد، (فيقرع بينهم فيه) في هذا السدس فباسم أيهم خرجت
القرعة صار السدس له مع اليمين.
(254): إذ قد تخرج القرعات كلها باسم مدعي الكل، فيعطي الجميع له، لا يعطى لمدعي الثلثين شئ، ولا لمدعي النصف، ولا
لمدعي الثلث (غير مخطئ) إذ كل شئ لله يضعه حيث يحكم ويشاء فعلى كل صورة ليس خطأ. وللاعانة على فهم المسألة نرسم
الصورة التالية:
مدعي الأربعة (4 3 2 1) مدعي النصف (6 5 4 3 2 1)
مدعي الثلثين (8 7 6 5 4 3 2 1) مدعي الكل (12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1)
أرض هي اثني عشر مترا كما يلي:
توضيحها: الكل متنازعون في الأمتار الأربعة (1 - 2 - 3 - 4).
وثلاثة - هم مدعي الكل، ومدعي النصف، ومدعي الثلثين - متنازعون في المترين (5 - 6).
واثنان - وهما مدعي الكل، ومدعي الثلثين - متنازعان في المترين (7 - 8).
ومدعي الكل فقط يدعي الأمتار الأربعة (9 - 10 - 11 - 12) بلا منازع.
والصور المحتملة للقرعات عديدة يمكن استخراجها بالتأمل.
904

ولو نكل الجميع عن الإيمان (255)، قسمنا ما يقع التدافع فيه بين المتنازعين في كل مرتبة
بالسوية، فيصح القسمة من ستة وثلاثين سهما (256)، لمدعي الكل عشرون، ولمدعي الثلثين
ثمانية، ولمدعي النصف خمسة، ولمدعي الثلث ثلاثة. ولو كان المدعي في يد الأربعة (257)،
ففي يد كل واحد منهم ربعها فإذا أقام كل واحد منهم بينة بدعواه، قال الشيخ يقضي لكل واحد
منهم بالربع، لأن له بينة ويدا.

(255): أي: امتنعوا عن الحلف عندما تخرج القرعة بأسمائهم.
(256): يعني: إذا قسمنا الأرض المتنازع فيها إلى ستة وثلاثين قسما يصح التقسيم للمتنازعين الأربعة بلا كسر، وإليك صورة تسهيلية
لذلك.
قسمنا الأرض إلى ستة وثلاثين جزءا كما يلي:
مدعي الثلث (12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1)
مدعي النصب (18 17 16 15 14 13 12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1)
مدعي الثلثين (21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1)
مدعي الكل (21 20 19 18 17 16 15 14 13 12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
36 35 34 33 32 31 30 29 28 27 26 25 24 23 22)
1 - فلمدعي الكل (25 - 36) بلا منازع، وله (22 - 24) تناصف مع مدعي الثلثين، وله (17 - 18) للتثليث مع مدعي
النصف ومدعي الثلثين، وله (10 - 12) للتربيع مع مدعي الثلثين ومدعي النصف، ومدعي الثلث فالمجموع عشرون.
2 - ولمدعي الثلثين (19 - 21) للتناصف مع مدعي الكل، وله (15 - 16) للتثليث مع مدعي الكل، ومدعي النصف، وله
(7 - 9) للتربيع مع المدعين الكل، والنصف والثلث والمجموع ثمانية.
3 - ولمدعي النصف (13 - 14)
للتثليث مع المدعين للكل والثلثين، وله (4 - 6) للتربيع مع المدعين للكل، والثلثين،
والثلث، فالمجموع خمسة.
4 - ولمدعي الثلث (1 - 3) فقط للتربيع مع المدعين للكل والثلثين النصف والجمع هكذا (20 + 8 + 5 + 3 = 36) حاصل
الجمع.
(257): بأن كانوا ساكنين فيها، أو كان مفتاحها عند جميعهم، أو نحو ذلك.
905

والوجه القضاء ببينة الخارج على ما قررناه، فيسقط اعتبار بينة كل واحد، وبالنظر إلى ما في
يده، ويكون ثمرتها فيما يدعيه مما في يد غيره، فيجتمع بين كل ثلاثة على ما في يد الرابع،
وينتزع لهم ويقضي فيه بالقرعة واليمين. ومع الامتناع بالقسمة، فيجمع بين مدعي الكل
والنصف والثلث، على ما في يد مدعي الثلثين، وذلك ربع اثنين وسبعين (258) وهو ثمانية
عشر. فمدعي الكل يدعيها أجمع، ومدعي النصف يدعي منهما ستة (259)، ومدعي الثلث
يدعي اثنين (260)، فيكون عشرة منها لمدعي الكل، لقيام البينة بالجميع الذي يدخل فيه.
العشرة. ويبقى ما يدعيه صاحب النصف وهو ستة، يقرع بينه وبين مدعي الكل فيها
ويحلف (261)، ومع الامتناع، يقسم بينهما، وما يدعيه صاحب الثلث - وهو اثنان - يقرع عليه
بين مدعي الكل وبينه. فمن خرج اسمه أحلف وأعطي. ولو امتنعا، قسم بينهما، ثم تجتمع
دعوى الثلاثة (262)، على ما في يد مدعي النصف فصاحب الثلثين يدعي عليه عشرة (263)،
ومدعي الثلث يدعي اثنين، ويبقى في يده ستة لا يدعيها إلا مدعي الجمع، فيكون له (264)
ويقارع الآخرين، ثم يخلف.
وإن امتنعوا (265)، أخذ نصف ما أدعاه، ثم يجتمع الثلاثة (266) على ما في يد
مدعي الثلث، وهو ثمانية عشر. فمدعي الثلثين يدعي منه عشرة، ومدعي النصف
يدعي ستة، يبقى اثنان لمدعي الكل، ويقارع على ما أفرد للآخرين.
فإن امتنعوا عن الأيمان، قسم ذلك بين مدعي الكل، وبين كل واحد منهما بما
ادعياه، ثم يجتمع الثلاثة (267) على ما في يد مدعي الكل. فمدعي الثلثين يدعي

(258): يعني: لو قسمنا المتنازع فيه إلى اثنين وسبعين جزء - يصح التقسيم بلا كسر - كان بيد كل واحد من الأربعة ربعه وهو ثمانية
عشر.
(259): إذ عنده ثمانية عشر - وهو الربع الذي تحت يده - فيدعي ثمانية عشر أخرى، من كل من الثلاثة ستة.
(260): لأن عنده ثمانية عشر، فيدعي ستة أخرى ليكمل له الثلث (24) من كل من الثلاثة اثنين.
(261): كل من خرجت القرعة باسمه (يقسم بينهما) ثلاثة لمدعي الكل، وثلاثة لمدعي الثلثين.
(262): المدعين للكل، وللثلثين، وللثلث (ما في يد مدعي النصف) وهو الربع ثمانية عشر.
(263): لأنه يدعي (48) وعنده (18) فيريد (30) أخرى من كل من الثلاثة عشرة.
(264): أي: تكون الستة لمدعي الجميع مع البينة (ويقارع الآخرين) المدعيين للثلثين للثلث إذا لم تكن لهما بينة، وإلا أخذا بالبينة بدون
قرعة، لأن بينتهما خارجة وهي الحجة عند المصنف ره.
(265): عن اليمين (أخذ) صاحب النصف (نصف ما ادعياه) نصف العشرة والاثنين، ستة، وأعطى خمسة لمدعي الثلثين، وواحدا
لمدعي الثلث.
(266): وهم المدعون للكل، وللثلثين، وللنصف.
(267): وهم المدعون للثلثين، وللنصف، وللثلث (ما في يد مدعي الكل) وهو ثمانية عشر.
906

عشرة، ومدعي النصف يدعي ستة، ومدعي الثلث يدعي اثنين، فتتخلص يده عما كان
فيها (268). فيكمل لمدعي الكل ستة وثلاثون من أصل اثنين وسبعين، ولمدعي الثلثين
عشرون، ولمدعي النصف اثنا عشر، ولمدعي الثلث أربعة (269). هذا إن امتنع صاحب القرعة من
اليمين منازعة.
السابعة: إذا تداعى الزوجان متاع البيت (270)، قضي لمن قامت له البينة. ولو لم
يكن بينه، فيد كل واحد منهما على نصفه. قال في المبسوط: يحلف كل منهما
لصاحبه، ويكون بينهما بالسوية، سواء كان مما يخص الرجال أو النساء أو يصلح لهما،
وسواء كانت الدار لهما، أو لأحدهما، وسواء كانت الزوجية باقية بينهما أو زائلة (271).
ويستوي في ذلك تنازع الزوجين والوارث. وقال في الخلاف: ما يصلح للرجال للرجل،
وما يصلح للنساء للمرأة، وما يصلح لهما يقسم بينهما. وفي رواية أنه للمرأة (272)، لأنها
تأتي بالمتاع من أهلها. وما ذكره في الخلاف، أشهر في الروايات، وأظهر بين
الأصحاب. ولو ادعى أبو الميتة (273)، أنه أعارها بعض ما في يدها من متاع أو غيره،
كلف البينة كغيره من الأنساب، وفيه رواية بالفرق بين الأب وغيره ضعيفة.
المقصد الثالث: في دعوى المواريث وفيه مسائل:
الأولى: لو مات المسلم عن ابنين (274)، فتصادقا على تقدم إسلام أحدهما على
موت الأب، وادعى الآخر مثله فأنكر أخوه، فالقول قول المتفق على تقدم إسلامه، مع

(268) فلا يبقى في يده شئ بالبينات الثلاث.
(269): على نسق ما مثلنا في رقم (256): فلاحظ وقس (ومقارعيه). أي: خصومه يعني: هذا النوع من التقسيم يكون فيما إذا امتنع كل
الخصماء عن الحلف إذا خرجت القرعة باسم أي واحد منهم (وإلا) فإن حلف كل من خرجت القرعة باسمه كانت الحصة التي أقرع
فيها له، وإن حلف بعضهم، وامتنع الآخر، أخذ الحالف كل الحصة التي خرجت فيها القرعة باسمه، وقسم الممتنعان عن الحلف
الحصة بينهما بالسوية. ولذلك أمثلة لا تخفى على الفطن.
(270): كل المتاع، أو بعضه، مثلا قال الزوج هذا الفرش لي، وقالت الزوجة هذا الفرش لي (يخص الرجال) كالدرع والسلاح (أو
النساء) كالمقنعة والحلي (يصلح لهما) كالأواني والفرش ونحوهما.
(271): بطلان، أو فسخ، أو انتهاء مدة - كما في المتعة - (والوارث) أي: تنازع الورثة، فلو تنازع الأخوة مع الأخوات في أثاث البيت،
أو تنازع الأب والأم الورثان لولديهما وهكذا كل شخصين أو أشخاص يد جميعهم على شئ.
(272): أي: كل المتاع للمرأة إلا إذا أقام الرجل البينة.
(273): مثلا، ماتت زوجة رجل، فادعى أبو الزوجة إن بعض أثاث البيت كان له قد أعطاه عارية لبينة (الأنساب) أي: الأقرباء
كالأخ، والأخت والأم وغيرهم (بالفرق) بأن تقبل دعوى أبيها، ولا تقبل دعوى غير الأب من الأقرباء إلا ببينة. (274): كانا كافرين ثم أسلما (فتصادقا) اتفقا على أن زيدا أسلم قبل موت الأب، وقال عمرو: أنا أيضا أسلمت قبل موت أبينا، فقال
زيد: لا أنه أسلم بعد موت أبينا، ليكون كل الإرث له.
907

يمينه أنه لا يعلم أن أخاه أسلم قبل موت أبيه. وكذا لو كانا مملوكين فأعتقا (275)، واتفقا
على تقدم حرية أحدهما، واختلفا في الآخر.
الثانية: لو اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان، والآخر في غرة رمضان، ثم قال
المتقدم: مات الأب قبل شهر رمضان (276)، وقال المتأخر: مات بعد دخول شهر
رمضان، كان الأصل بقاء الحياة والتركة بينهما نصفين.
الثالثة: دار في يد إنسان، ادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب (277) إرثا عن أبيهما
وأقام بينة. فإن كانت كاملة، وشهدت أنه لا وارث سواهما، سلم إليه النصف، وكان
الباقي في يد من كانت الدار في يده. وقال في الخلاف: يجعل (278) في يد أمين حتى
يعود، ولا يلزم القابض للنصف إقامة ضمين بما قبض. ونعني بالكاملة: ذات المعرفة
المتقادمة والخبرة الباطنة (279). ولو لم تكن البينة كاملة، وشهدت أنها لا تعلم وارثا
غيرهما، أرجئ التسليم حيث يبحث الحاكم عن الوارث مستقصيا، بحيث لو كان
وارث لظهر، وحينئذ يسلم إلى الحاضر نصيبه ويضمنه استظهارا. ولو كان ذا
فرض (280). أعطي مع اليقين بانتفاء الوارث نصيبه تاما. وعلى التقدير الثاني يعطيه
اليقين إن لو كان وارث، فيعطي الزوج الربع، والزوجة ربع الثمن معجلا من غير
تضمين، وبعد البحث (281) يتمم الحصة مع التضمين. ولو كان الوارث ممن يحجبه غيره
كالأخ، فإن أقام البينة الكاملة أعطي المال وإن أقام بينة غير كاملة، أعطي بعد البحث
والاستظهار بالتضمين.

(275): أي: كان الابنان مملوكين، فإن المملوك لا يرث، وإنما يرث الحي.
(276): ليكون كل الميراث له وحده، أو بالتركة مع الورثة الأحرار الأخرين أصل أي: الاستصحاب (بقاء الحياة) إلى بعد دخول شهر
رمضان (لكن) المشهور بين المتأخرين أن هذا الاستصحاب مثبت وهو غير حجة (فتأمل).
(277): يعني: كان ذلك الخ غائبا غير حاضر.
(278): يعني: يؤخذ من صاحب اليد (حتى يعود) الأخ الغائب (القابض) وهو الأخ الحاضر (ضمن) يعني: شخصا يضمنه إذا ثبت
كذب البينة.
(279): بأحوال الميت، وانحصار ورثته في هذين فقط (مستقصيا) أي: بتتبع إلى آخر ما يمكن تتبعه (وحينئذ) حصل البحث الكامل ولم
يظهر وارث آخر (ويضمنه) أي: يأتي الوارث بضمان بحيث لو ظهر وارث آخر وثبت يكون الضامن ملتزما بدفع المال إن لم يدفع
الآخذ للمال (استظهارا) أي: طلب للظهور في حقوق الناس.
(280): أي: له حصة معينة في الإرث لا أن كل الإرث له (مع اليقين) أي: إذا حصل يقين بعدم وارث آخر (الثاني) أي عدم اليقين بعدم
وارث آخر (يعطيه اليقين) يعني: الحاكم يعطيه المقدار المتيقن على فرض وجود وارث آخر (الزوج الربع) لأنه نصيبه قطعا مع وارث
من الأولاد (ربع الثمن) لأنه نصيبهما مع وجود أولاد للميت وثلاث زوجات أخر.
(281): وعدم ظهور وارث آخر (كالأخ) الذي يحجب الأم عن ما زاد على السدس، أو كالأخ الذي يحجبه أخوه أو أخته عن قسم من
الإرث.
908

الرابعة: إذا ماتت امرأة وابنها، فقال أخوها: مات الولد أولا (282) ثم المرأة،
فالميراث لي وللزوج نصفان. وقال الزوج: بل ماتت المرأة ثم الولد، فالمال لي، قضي
لمن تشهد له البينة. ومع عدمها لا يقضي بإحدى الدعويين، لأنه لا ميراث إلا مع تحقق
حياة الوارث. فلا ترث الأم من الولد، ولا الابن من أمه (283) ويكون تركة الابن
لأبيه، وتركة الزوجة بين الأخ والزوج.
الخامسة: لو قال: هذه الأمة ميراث من أبي، وقالت الزوجة: هذه أصدقني (284)
إياها أبوك، ثم أقام كل منهما بينة، يقضى ببينة المرأة، لأنها تشهد بما يمكن خفاؤه على
الأخرى.
المقصد الرابع: في الاختلاف في الولد إذا وطأ اثنان امرأة وطئا يلحق به
النسب، إما أن تكون زوجة لأحدهما ومشتبهة على الآخر، أو مشتبهة عليهما، أو يعقد
كل واحد منهما عليها عقدا فاسدا (285)، ثم تأتي بولد لستة أشهر فصاعدا، ما لم يتجاوز
أقصى الحمل، فحينئذ يقرع بينهما ويلحق بمن تعينه القرعة، سواء كان الواطئان
مسلمين أو كافرين أو عبدين أو حرين، أو مختلفين في الإسلام والكفر والحرية والرق أو
أبا وابنه. هذا إذا لم يكن لأحدهما بينة.
ويلحق النسب بالفراش المنفرد (286) والدعوى المنفردة، وبالفراش المشترك والدعوى
المشتركة، ويقضي فيه بالبينة، ومع عدمها بالقرعة.

(282): إذ لو مات الولد بعد أمه لم يكن لأخ الأم شئ، لأن الأخ من المرتبة الثانية والولد من المرتبة الأولى.
(283): لعدم العلم بأن أيهما مات قبل الآخر.
(284): أي: جعلها صداقا ومهرا للنكاح.
(285): ولم يعلم فساده (أقصى الحمل) الذي هو عشرة أشهر، أو سنة على الخلاف، عن الوطء (أو أبا وابنه) أي: وطأ الأب وابنه
كلاهما هذه المرأة (بينة) وإلا فيلحق الولد لصاحب البينة.
(286): الفراش هو الزوجة الدائمة، أو المتعة، أو ملك اليمين، أو التحليل إذا لم يكن فراش آخر لشبهة ونحوها (والدعوى المنفردة) إذا
لم يعلم فراش كما لو ادعى رجل أن الطفل الفلاني ابني ولم يعارضه آخر (وبالفراش المشترك) كما مثله المصنف ره. بأمثلة وطء اثنين
لها من غير فساد (والدعوى المشتركة) كما لو ادعى اثنان طفلا كل يقول: إنه ابني، مع عدم ثبوت فراش لأي واحد منهما (بالقرعة)
فلا يثبت النسب المشترك عندنا.
909

كتاب الشهادات
والنظر في أطراف خمسة (1)
الأول
في صفات الشهود ويشترط فيه ستة أوصاف.
الأول: البلوغ: فلا تقبل شهادة الصبي، ما لم يصر مكلفا (2). وقيل: تقبل
مطلقا إذا بلغ عشرا، وهو متروك. واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في
الجراح (3) والقتل، فروى جميل عن أبي عبد الله عليه السلام " تقبل شهادتهم في القتل
ويؤخذ بأول كلامهم " (4): ومثله روى محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام.
وقال الشيخ في النهاية: تقبل شهادتهم في الجراح والقصاص. وقال في الخلاف: تقبل
شهادتهم في الجراح (5)، ما لم يتفرقوا إذا اجتمعوا على مباح. والتهجم (6) على الدماء بخبر
الواحد خطر، فالأولى الاقتصار على القبول في الجراح بالشروط الثلاثة: بلوغ العشر،
وبقاء الاجتماع، إذا كان على مباح، تمسكا بموضع الوفاق.

كتاب الشهادات
(1): الأول صفات الشهود (الثاني) في ما به يصير شاهدا (الثالث) في أقسام الحقوق (الرابع) الشهادة على الشهادة (الخامس) في
اللواحق.
(2): أي بالغا (مطلقا) أي: في القتل، والقصاص، والجراح، وغير ذلك، مقابل التفصيلات الآتية (عشرا) أي: عشر سنين
(متروك) أي: ترك الأصحاب هذا القول فلم يقولوا به.
(3): كقطع بعض الأعضاء، أو جرحها، أو خدشها ونحو ذلك.
(4): يعني: إذا قال الأطفال شيئا ثم فسروه بما ينافي ذلك، أخذ بأول ما قالوه.
(5): أي: لا في القصاص (لم يتفرقوا) بعد رؤيتهم للقضية إلى أداء الشهادة (على مباح) أي على عمل مباح أو لعب مباح كما يفعله
الأطفال، لا على عمل حرام كاللواط، والقمار، وشرب الخمر ونحوها.
(6): هذا تعليل لعدم قبول قول الصبيان في القتل والقصاص (بموضع الوفاق) يعني: هذا هو الذي تحقق عليه إجماع الفقهاء، وغيره ليس
إجماعيا فلا تقبل شهادتهم فيه، كما لو لم يبلغوا عشر سنوات، أو كانوا قد تفرقوا بعد رؤية القضية وقبل أداء الشهادة، أو كان
اجتماعهم على حرام.
910

الثاني: كمال العقل فلا تقبل شهادة المجنون إجماعا. أما من يناله الجنون
أدوارا (7)، فلا بأس بشهادته حال إفاقته، لكن بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور
ذهنه واستكمال فطنته. وكذا من يعرض له السهو غالبا، فربما سمع الشئ ونسي
بعضه، فيكون ذلك مغيرا لفائدة اللفظ وناقلا لمعناه. فحينئذ يجب الاستظهار عليه،
حيث يستثبت ما يشهد به. وكذا المغفل الذي في جبلته البله (8)، فربما استغلط لعدم تفطنه
لمزايا الأمور، والأولى الإعراض عن شهادته، ما لم يكن الأمر الجلي، الذي يتحقق الحاكم
استثبات الشاهد له وأنه لا يسهو في مثله.
الثالث: الإيمان (9) فلا تقبل شهادة غير المؤمن وإن أنصف بالإسلام، لا على
مؤمن ولا على غيره، لاتصافه بالفسق والظلم المانع من قبول الشهادة، نعم، تقبل
شهادة الذمي (10) خاصة في الوصية، إذا لم يوجد من عدول المسلمين من يشهد بها. ولا
يشترط كون الموصي في غربة. وباشتراطه رواية مطرحة.
ويثبت الإيمان بمعرفة الحاكم (11)، أو قيام البينة أو الإقرار. وهل تقبل شهادة
الذمي على الذمي؟ قيل: لا، وكذا لا تقبل على غير الذمي. وقيل: تقبل شهادة كل
ملة على ملتهم، وهو استناد إلى رواية سماعة، والمنع أشبه.
الرابع: العدالة إذ لا طمأنينة (12) مع التظاهر بالفسق، ولا ريب في زوالها بمواقعة
الكبائر، كالقتل والزنا واللواط وغصب الأموال المعصومة (13). وكذا بمواقعة الصغائر مع

(7): أي: في بعض الأوقات (يتيقن) أي: يحصل للحاكم الشرعي اليقين بأنه الآن كامل العقل.
(8): جبلة: الطبيعة، والبله: ضعف الالتفات والانتباه (استغلط) أي: وقع في الغلط (استثبات) أي: ظهوره للشاهد، مثل قتل
زيد عمرو في مكان غير مزدحم حيث لا يغلط في مثله، أما إذا كان في محل مزدحم بحيث يمكن أن يشتبه الأبله، فلا حجة لشهادته.
(9): وهو كونه شيعيا مقرا بالأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام، وفي المسالك: " ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه " (بالفسق) بهذه
المعصية العظيمة وهي إنكار إمامة الأئمة الهداة عليهم السلام الذين نصبهم الله تعالى لهداية الأمة (والظلم) أي: ظلمه لنفسه.
(10): وهو فقط اليهودي والنصراني، والمجوسي الذي كان في ذمة الإسلام (في غربة) من سفر وصحراء ونحوهما مطرحة أي: طرح
الأصحاب العمل بها.
(11): بأن يعرفه الحاكم مؤمنا (الإقرار) بأن يقول: أنا مؤمن (قيل لا) لأنه غير مؤمن ولا مسلم.
(12): أي: لا اطمئنان إلى صدقه (زوالها) أي: العدالة (بموافقة) أي: بفعل.
(13): أي: المحترمة، لا مثل مال الكافر الحربي (مع الأحرار) قال في المسالك: " والمراد بالإصرار الإكثار منها سواء كان من
نوع واحد أم أنواع مختلفة، وقيل: المداومة على نوع واحد منها، ولعل الإصرار بتحقق بكل منهما، وفي حكمه العزم على
فعلها ثانيا وإن لم يفعل، وأما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها العزم على فعلها ولا التوبة منها فهذا هو الذي لا
يقدح في العدالة وإلا لأدى إلى أن لا يقبل شهادة أحد ولعل هذا مما يكفره الأعمال الصالحة "، وقد مثل بعضهم للصغيرة
بمثل النظر إلى الأجنبية بغير ريبة ونحوه (في الأغلب) أي: كثيرا (فيما يقل) من الناس.
911

الإصرار أو في الأغلب. أما لو كان في الندرة، فقد قيل: لا يقدح لعدم الانفكاك
منها، إلا فيما يقل، فاشتراطه التزام للأشق. وقيل: يقدح، لإمكان التدارك
بالاستغفار، والأول أشبه.
وربما توهم وأهم: أن الصغائر لا تطلق على الذنب إلا مع الإحباط (14). وهذا
بالإعراض عنه حقيق. فإن اطلاقها بالنسبة، ولكل فريق اصطلاح. ولا يقدح في
العدالة ترك المندوبات ولو أصر مضربا عن الجميع (15)، ما لم يبلغ حدا يؤذن بالتهاون
بالسنن.
وهنا مسائل:
الأولى: كل مخالف في شئ من أصول العقائد (16) ترد شهادته سواء استند في ذلك إلى
التقليد أو إلى الاجتهاد. ولا ترد شهادة المخالف في الفروع من معتقدي الحق، إذا لم
يخالف الإجماع، ولا يفسق وإن كان مخطئا في اجتهاده.
الثانية: لا تقبل شهادة القاذف (17). ولو تاب قبلت. وحد التوبة أن يكذب
نفسه (18)، وإن كان صادقا، ويوري باطنا. وقيل: يكذبها إن كان كاذبا، ويخطئها في
الملا إن كان صادقا، والأول مروي. وفي اشتراط إصلاح العمل (19)، زيادة عن التوبة
تردد، والأقرب الاكتفاء بالاستمرار. لأن بقاءه على التوبة إصلاح ولو ساعة. ولو أقام
بينة بالقذف أو صدقه المقذوف، فلا حد عليه ولا رد.
الثالثة: اللعب بآلات القمار كلها حرام، كالشطرنج والنرد والأربعة عشر وغير

(14): أي: حبط الحسنات للسيئات لقوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) (بالنسبة) أي: اطلاقها عند كل بالنسبة إلى مذهبه
(اصطلاح) فبعضهم يقول: الصغائر الذنوب التي حبطت ومحيت بالحسنات، وبعضهم يقول: الصغائر مقابل الكبائر، سواء
محيت أم لا؟
(15): أي: جميع المندوبات (يؤذن) أي: يشعر (بالتهاون) أي: عدم الاعتناء.
(16): وهي التوحيد، والنبوة والمعاد والعدل والإمامة (معتقدي الحق) أي: الشيعة (وإن كان مخطئا) إذ الخطأ ليس عصيانا والعمد هو
الموجب للعصيان.
(17): الذي ينسب المؤمنين إلى اللواط، أو الزنا، أو السحق، لقوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا).
(18): أي يقول: أنا كذبت في نسبة فلان إلى الزنا (وإن كان صادقا) بأن كان فلان زانيا واقعا (ويوري باطنا) أي في باطنه يقصد بقوله
كذبت - على فرض الجد - (ويخطئها) أي: يقول أخطأت في نسبة فلان إلى الزنا.
(19): أي: ثبوت كونه صالحا من جديد بعد ذلك (بالاستمرار) بأن لا يظهر منه معصية (بالقذف) أي: بما قذف به، كما لو أقام بينة
على زنا المقذوف (أو صدقه) أي: اعترف (ولا رد) لشهادته.
912

ذلك، سواء قصد اللهو (20) أو الحذق أو القمار.
الرابعة: شارب المسكر ترد شهادته ويفسق، خمرا كان أو نبيذا أو تبعا أو منصفا أو
فضيحا (21)، ولو شرب منه قطرة. وكذا الفقاع. وكذا العصير إذا غلى من نفسه أو
بالنار ولو لم يسكر، إلا أن يغلي حتى يذهب ثلثاه. أما غير العصير من التمر أو البسر،
فالأصل أنه حلال ما لم يسكر. ولا بأس باتخاذ الخمر للتخليل.
الخامسة: مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب (22)، يفسق فاعله وترد
شهادته: وكذا مستمعه، سواء استعمل في شعر أو قرآن، ولا بأس بالحداء به. ويحرم
من الشعر ما تضمن كذبا أو هجاء (23) مؤمن أو تشبيبا بامرأة معروفة غير محللة له، وما
عداه مباح، والإكثار منه مكروه.
السادسة: الزمر والعود والصنج (24)، وغير ذلك من آلات اللهو حرام، يفسق
فاعله ومستمعه. ويكره الدف في الأملاك، والختان خاصة.
السابعة: الحسد معصية. وكذا بغضة المؤمن، والتظاهر بذلك قادح في
العدالة (25).
الثامنة: لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم (26)، ترد به الشهادة.
وفي المتكأ عليه والافتراش له تردد، والجواز مروي. وكذا يحرم التختم بالذهب،
والتحلي به للرجال.

(20): أي: التسلية (أو الخرق) أي: نمو الذكاء (أو القمار) أي: كسب مال أو غيره.
(21): هذه أسماء لأنواع من الخمر ذكرناها في كتاب الأطعمة والأشربة (وكذا العصير) أي: عصير العنب، يعني ماؤه (من التمر) أي:
سائل التمر والبسر، وهو خلال التمر (للتخليل) أي: ليعمله خلا بدواء ونحوه.
(22): هذا تفسير المصنف - قدس سره - للغناء (بالحداء به) أي: بالصوت المشتمل على الترجيع المطرب، والحداء بالكسر هو الصوت أو
الشعر الذي يقال لحق الإبل على سرعة السير.
(23): أي: ذم مؤمن (تشبيبا) أي: ذكر محاسنها (ما عداه) من الشعر.
(24): الزمن والعدد نوعان من العيدان التي يتغنى بها (والصنج) في المسالك: " هو الدق المشتمل على الجلاجل " وهو نوع خاص يدق به
دق خاص يناسب الاطراب (الدف) هو نوع خاص من الضرب المناسب لمجالس اللهو. (الأملاك) أي: العقد والزفاف، من
امتلاك الرجل أمر المرأة بالعقد شرعا، وبالوطء عرفا أيضا.
(25): أما ما كان متهما في القلب فلا حرمة له على المشهور إلا إذا ركز على نموهما بتكرار التذكر ونحو ذلك على قول بعضهم وتفصيله في
المفصلات.
(26): أن في الحرب اختيارا، وفي غيرها اضطرارا خوفا من البرد ونحوه فجائز (والتحلي) بقلادة، أو سوار، أو تزيين عمامته به، ونحو
ذلك.
913

التاسعة: اتخاذ الحمام للأنس (27)، وإنفاذ الكتب ليس بحرام. وإن اتخذها
للفرحة والتطير، فهو مكروه، والرهان عليها قمار.
العاشرة: لا ترد شهادة أحد من أرباب الصنائع المكروهة، كالصياغة وبيع
الرقيق (28). ولا من أرباب الصنائع الدنية كالحياكة والحجامة ولو بلغت في الدناءة
كالزبال والوقاد، لأن الوثوق بشهادته مستند إلى تقواه.
الخامس: ارتفاع التهمة ويتحقق المقصود ببيان مسائل:
الأولى: لا تقبل شهادة من يجر بشهادته نفعا (29)، كالشريك فيما هو شريك فيه.
وصاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه (30)، والسيد لعبده المأذون، والوصي فيما هو
وصي فيه (31). وكذا لا تقبل شهادة من يستدفع بشهادته ضررا، كشهادة أحد العاقلة
بجرح شهود الجناية. (32) وكذا شهادة الوكيل والوصي، بجرح شهود المدعي على
الموصي أو الموكل (33).

(27): أي: ليأنس بجمالها، وأصواتها، وغيرهما (إنفاد) أي: إيصال الرسائل (للفرحة والتطير) بأن يلعب بها ويطيرها في
السماء تنقلب وتغدو وتروح (مكروه) ولعله لكونه تضييعا للعمر الذي هو أغلى من الذهب (قمار) إذ لا يجوز الرهان إلا
بخف أو حافر أو تصل كما سبق في السبق والرماية.
(28): أي: بيع العبيد والإماء (ولو بلغت) أي: كانت بالغة في الدناءة (كالزبال) هو الذي يجمع من الشوارع والبيوت الأوساخ
والقمامة (الوقاد) الذي يوقد النار للحمامات العمومية.
(29): أي: تكون نتيجة شهادته انتفاعه الشخصي بها (كالشريك) يشهد لشريكه فيما هو فيه شريك.
(30): مثاله: زيد يطلب عمرا ألف دينار، وحجر الحاكم على عمرو - ثم ادعى عمرو إنه يطلب عليا مئة دينار، فشهد زيد لعمرو، هذه
الشهادة ترد، لأن زيدا ينتفع إذا ثبت طلب عمرو على علي (المأذون) في التجارة والكسب، أما غير المأذون فما بيد العبد لسيده، ولا
معنى للشهادة للعبد.
(31): كما لو جعل زيد عمرا وصيه في أراضيه، فادعى ورثة زيد أن الأرض الفلانية كانت لزيد وشهد عمرو بذلك، فإنه لا تقبل
شهادته، لأنه إذا ثبت أن الأرض كانت لزيد ينتفع عمرو بوقوع الأرض تحت تصرفه.
(32): مثاله: لو قتل زيد قتل خطأ شخصا - كما لو رمى طائرا فأصاب ذلك الشخص - فالدية ليست على القاتل - زيد - بل
على عاقلته، وهم - كما سيأتي تفصيلها في أواخر كتاب الديات إن شاء الله تعالى - أقرباؤه الذكور ممن يتقربون إليه
بالأب، كالأخوة وأولادهم، والأعمام وأولادهم، ونحو ذلك على المشهور، والمعتق وضامن الجريرة والإمام، فلو شهد
رجلان عادلان على زيد إنه قتل خطأ ذلك الشخص ثم شهد أخو زيد أن أحد الشاهدين غير عادل لا تقبل شهادة أخو
زيد، لأنه بهذه الشهادة يدفع ضرر الدية عدة نفسه فهو متهم في ذلك.
(33): مثالهما: زيد وكيل أو وصي عن شخص على أمواله، فادعى رجل أن له بذمة الموصى أو الموكل مئة دينار، وجاء بشاهدين على
دينه، فشهد زيد بأن أحد الشاهدين ليس عادلا، فلا تقبل شهادة زيد في جرح أحد الشاهدين.
914

الثانية: العداوة الدينية لا تمنع القبول، فإن المسلم تقبل شهادته على الكافر (34).
أما الدنيوية فإنها تمنع، سواء تضمنت فسقا أو لم تتضمن. وتتحقق العداوة، بأن يعلم
من حال أحدهم السرور بمساءة الآخر، والمساءة بسروره، أو يقع بينهما تقاذف. وكذا
لو شهد بعض الرفقاء لبعض على القاطع عليهم الطريق (35)، لتحقق التهمة. أما لو
شهد العدو لعدوه قبلت لانتفاء التهمة.
الثالثة: النسب وإن قرب لا يمنع قبول الشهادة، كالأب لولده وعليه والولد
لوالده، والأخ لأخيه وعليه. وفي قبول شهادة الولد على والده خلاف، والمنع أظهر،
سواء شهد بمال (36)، أو بحق متعلق ببدنه كالقصاص والحد. وكذا تقبل شهادة الزوج
لزوجته، والزوجة لزوجها مع غيرها من أهل العدالة (37). ومنهم من شرط في الزوج
الضميمة كالزوجة، ولا وجه له. ولعل الفرق إنما هو لاختصاص الزوج بمزيد القوة في
المزاج، من أن تجذبه دواعي الرغبة والفائدة تظهر، لو شهد فيما يقبل فيه شهادة الواحد
مع اليمين. وتظهر الفائدة في الزوجة، لو شهدت لزوجها في الوصية. وتقبل شهادة
الصديق لصديقه، وإن تأكدت بينهما الصحبة والملاطفة، لأن العدالة تمنع التسامح.
الرابعة: لا تقبل شهادة السائل في كفه (38)، لأنه يسخط إذا منع ولان ذلك يأذن
بمهانة النفس، فلا يؤمن على المال. ولو كان ذلك مع الضرورة نادرا، لم يقدح في
شهادته.

(34): أما الكافر فلا تقبل شهادته على المسلم إجماعا، وعلى الكافر على المشهور - كما سبق عند رقم (11) - (فسقا) كما لو سبه أو أهانه أو
اغتابه، أو آذاه، ونحو ذلك (تقاذف) أي: يقذف كل منهما الآخر بالزنا وشبهه.
(35): مثلا: لو قطع زيد الطريق على خمسة أشخاص، فادعى أحدهم أنه سرقه ألف دينار، فشهد الأربعة الآخرون عليه بسرقة الألف لم
تقبل شهادتهم لأنهم أعداء لزيد (لعدوه) أي: لصالح عدوه.
(36): كما لو ادعى شخص على زيد أنه سرقه، فشهد ابن زيد بصحة الادعاء، والشهادة بالقصاص كما لو ادعى على زيد قتل شخص،
فشهد ابن زيد بالصحة، والشهادة بالحد، كما لو ادعى على زيد بالزنا، فشهد ابنه عليه.
(37): أي: إذا انضم عدل آخر إلى الزوجة في شهادتها بمنفعة زوجها (والفائدة تظهر) أي: فائدة أن الزوج وحده قبل قوله أم لا (الواحد
واليمين) وهو كما سيأتي في نفس هذا الكتاب في الطرف الثالث - عند رقم (68) - الديون والأموال وعقود المعاوضات كالبيع وغيره،
والجناية التي توجب الدية وغير ذلك (في الوصية) فإنه تقبل شهادتهما في إثبات ربع الوصية - كما سيأتي عند رقم (71) - الطرف
الثالث.
(38): قال في المسالك: " والمراد بالسائل، بكفه من يباشر السؤال والأخذ بنفسه والسؤال في الكف كناية عنه " (مع الضرورة) لجوع أو
مرض أو غيرهما.
915

الخامسة: تقبل شهادة الأجير والضيف (39)، وإن كان لهما ميل إلى المشهود له،
لكن يرفع التهمة تمسكهما بالأمانة.
لواحق هذا الباب وهي ستة:
الأولى: الصغير والكافر والفاسق المعلن (40)، إذا عرفوا شيئا، ثم زال المانع
عنهم، فأقاموا تلك الشهادة قبلت، لاستكمال شرائط القبول. ولو أقامها أحدهم في حال
المانع فردت، ثم أعادها بعد زوال المانع، قبلت. وكذا العبد لو ردت شهادته على
مولاه، ثم أعادها بعد عتقه، أو الولد على أبيه فردت ثم مات الأب وأعادها (41). أما
الفاسق المستتر، إذا أقام فردت ثم تاب وأعادها، فهنا تهمة الحرص على دفع الشبهة
عنه، لاهتمامه بإصلاح الظاهر، لكن الأشبه القبول.
الثانية: قيل: لا تقبل شهادة المملوك أصلا، وقيل: تقبل مطلقا، وقيل: تقبل
إلا على مولاه. ومنهم من عكس (42)، والأشهر القبول إلا على المولى. ولو أعتق، قبلت
شهادته على مولاه. وكذا حكم المدبر والمكاتب المشروط. أما المطلق، إذا أدى من
مكاتبته شيئا، قال في النهاية: تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه (43)، وفيه تردد، أقربه
المنع.
الثالثة: إذا سمع الإقرار صار شاهدا، وإن لم يستدعه (44) المشهود عليه. وكذا لو
سمع اثنين يوقعان عقدا، كالبيع والإجارة والنكاح وغيره. وكذا لو شاهد الغصب أو
الجناية. وكذا لو قال له الغريمان: لا تشهد علينا، فسمع منهما أو من أحدهما ما يوجب
حكما، وكذا لو خبئ، فنطق المشهود عليه مسترسلا.

(39): لصالح المؤجر والمضيف (بالأمانة) لعدالتهما.
(40): أي: يعلن الفسق والمعاصي ولا يسترها عن الناس (عرفوا شيئا) للشهادة وقت الصغر أو الكفر أو الفسق العلني (زال المانع)
فصار الصغير بالغا، والكافر مسلما، والفاسق عادلا.
(41): كما لو شهد على أبيه أن داره لزيد، ثم مات الأب وانتقلت الدار إلى الورثة فأعاد الشهادة صحت لأنها ليست على أبيه (المستتر)
فسقه عن الناس.
(42): فقال: تقبل شهادة المملوك على مولاه، دون غيره (وكذا حكم) فإنه لا تقبل شهادتهما على المولى، وتقبل على غيره (المشروط) وهو
الذي لا يتحرر منه شئ حتى يؤدي تمام الثمن (أما المطلق) أي: المكاتب المطلق، وهو الذي يتحرر منه بنسبة ما أدى من ثمن
رقبته.
(43): فلو كان قد أدى نصف الثمن، فشهد بألف دينار لزيد على عمرو، تقبل في خمسمئة دينار، مع يمين عمرو المدعي.
(44): أي: لم يطلب منه السماع (الغريمان) طالب الحق، والمطلوب منه (لو خبأ) أي: ستر نفسه في زاوية لكي لا يمتنع الغريم -
مثلا - عن الاعتراف فيسمع اعترافه.
916

الرابعة: التبرع بالشهادة قبل السؤال، يطرق التهمة (45) فيمنع القبول. أما في
حقوق الله، أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع، إذ لا مدعي لها، وفيه تردد.
الخامسة: المشهور بالفسق إذا تاب، لتقبل شهادته، الوجه أنها لا تقبل حتى
يستبان استمراره على الفلاح. وقال الشيخ: يجوز أن يقول (46): تب أقبل شهادتك.
السادسة: إذا حكم الحاكم، ثم تبين في الشهود ما يمنع القبول فإن كان متجددا
بعد الحكم لم يقدح (47)، وإن كان حاصلا قبل الإقامة، وخفي عن الحاكم، نقض
الحكم.
الوصف السادس: طهارة المولد فلا تقبل شهادة ولد الزنا أصلا، وقيل: تقبل في
اليسير (48) مع تمسكه بالصلاح، وبه رواية نادرة. ولو جهلت حاله، قبلت شهادته،
وإن نالته بعض الألسن.
الطرف الثاني
فيما به يصير شاهدا والضابط العلم، لقول تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به
علم) (49) ولقوله عليه السلام: وقد سئل عن الشهادة وقال: " هل ترى الشمس؟
فقال: نعم، قال: على مثلها فاشهد أو دع ".
ومستندها: إما المشاهدة، أو السماع، أو هما، فما يفتقر إلى المشاهدة، الأفعال،
لأن آلة السمع لا تدركها، كالغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنا واللواط،
فلا يصير شاهدا بشئ من ذلك إلا مع المشاهدة ويقبل فيه شهادة الأصم (50). وفي

(45): أي: يكون سببا لتهمة الحرص على الشهادة.
(46): أي: يقول له حاكم الشرع.
(47): أي: لا يمنع عن العمل بالحكم، كما لو فسق الشاهد بعد الشهادة، أو كفر بعدها (نقض) أي: أبطل، فلو كان حكم بأن الدار
الفلانية لزيد اعتمادا على هؤلاء الشهود، ارجع الدار إلى من كانت في يده وأخرجها من يد زيد، ونحو ذلك.
(48): مثل الدينار، والدينارين (بالصلاح) أي: ظهر كونه شخصا صالحا (رواية نادرة) هي رواية عيسى بن عبد الله عن الصادق عليه
السلام، ولم يعمل بها من فقهائنا سوى النادر كالشيخ في النهاية (جهلت حاله) بأن لم يعلم كونه ولد زنا (قالته) أي: نسبته إلى
الزنا، ما لم يثبت شرعا عليه.
(49): سورة الإسراء / آية 37 يعني: لا تتبع ما لم تعلمه (ولقوله) يعني: النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم (على مثلها فاشهد)
أي: كما ترى الشمس، لو رأيت شيئا فاشهد، أو كما تعلم بوجود الشمس لو علمت شيئا فاشهد.
(50): وهو الفاقد للسمع: لأن مثل ذلك لا يحتاج إلى السمع (لإثباته) إذا اختلف قوله (نادرة) عمل بها - كما في المسالك - الشيخ في
النهاية وتلميذه القاضي، وهي رواية جميل عن الصادق عليه السلام وفي طريقها سهل بن زياد.
917

رواية يؤخذ بأول قوله لا بثانيه وهي نادرة.
وما يكفي فيه السماع، فالنسب والموت والملك المطلق، لتعذر الوقوف عليه (51)
مشاهدة في الأغلب.
ويتحقق كل واحد من هذه، بتوالي الأخبار من جماعة، لا بضمهم قيد المواعدة،
أو يستفيض ذلك حتى يتاخم العلم، وفي هذا عندي تردد.
وقال الشيخ: لو شهد عدلان فصاعدا (52)، صار السامع متحملا وشاهد أصل،
ولا شاهدا على شهادتهما، لأن ثمرة الاستفاضة الظن، وهو حاصل بهما، وهو ضعيف
لأن الظن يحصل بالواحد.
فرع: لو سمعه يقول للكبير: هذا ابني وهو ساكت (53)، أو قال: هذا أبي وهو
ساكت. قال في المبسوط: صار متحملا لأن سكوته في معرض ذلك رضا بقوله عرفا،
وهو بعيد لاحتماله غير الرضا.
تفريع على القول بالاستفاضة:
الأول: الشاهد بالاستفاضة (54) لا يشهد بالسبب، مثل البيع والهبة والاستغنام،
لأن ذلك لا يثبت بالاستفاضة، فلا يعزى الملك إليه مع إثباته بالشهادة المستندة إلى
الاستفاضة. أما لو عزاه إلى الميراث صح، لأنه يكون عن الموت الذي يثبت
بالاستفاضة، والفرق تكلف (55)، لأن الملك إذا ثبت بالاستفاضة لم تقدح الضميمة مع
حصول ما يقتضي جواز الشهادة.

(51): أي رؤيته بالعين (بتوالي) أي: تكاثر (قيد المواعدة) أي: يستبعد فيهم أن يكونوا قد تواعدوا على ذلك كما لو كان
بعضهم روحانيا، وبعضهم كاسبا، وبعضهم موظفا، غير أصدقاء، أو لم يكونوا في محلة واحدة، ونحو ذلك (يستفيض) أي:
يكثر (يتاخم) أي: يقرب قوة الظن من العلم.
(52): أي: أو أكثر من عدلين اثنين (شاهد أصل) أي: كمن شهد بنفسه (يحصل بالواحد) أيضا، ولو كان الظن معتبرا لم يجب
الاثنينية في الشاهد، مع أنه غير صحيح.
(53): أي: لم يقل الكبير: لست أبا لك، بل سكت (متحملا) أي: جاز له أن يشهد عند الحاكم أن هذا أب لذاك، أو أخ له
(لاحتماله) أي: يحتمل أن السكوت كان لغير الرضا، بل لاستصغار المتكلم، أو نحوه.
(54): أي: من يشهد على شئ لأجل استفاضته وكثرة تناقل الألسن له، إنما يشهد النتيجة، فيقول: هذا الفرش لزيد، ولا يشهد
بسبب الملك، مثل أنه ملكه بالبيع، أو بالهبة، أو بالاستفهام: أي: أخذه غنيمة عن الكتاب في الحرب.
(55): أي: الفرق بين الموت وغيره، بثبوت الموت بالاستفاضة، وعدم ثبوت البيع والهبة والاستغنام بالاستفاضة، تكلف، أي: فرق
بلا دليل (الضميمة) أي: كون الملك بسبب البيع، أو الهبة، أو غيرهما.
918

الثاني: إذا شهد بالملك مستندا إلى الاستفاضة، هل يفتقر إلى مشاهدة اليد
والتصرف (56)؟ الوجه: لا. أما لو كان لواحد يد، ولآخر سماع مستفيض، فالوجه
ترجيح اليد، لأن السماع قد يحتمل إضافة الاختصاص المطلق المحتمل للملك وغيره،
ولا تزال اليد بالمحتمل (57).
مسائل ثلاث:
الأولى: لا ريب أن المتصرف بالبناء والهدم والإجارة بغير منازع (58) يشهد له بالملك
المطلق. أما من في يده دار، فلا شبهة في جواز الشهادة له باليد. وهل يشهد له بالملك
المطلق؟ قيل: نعم، وهو المروي، وفيه إشكال من حيث إن اليد لو أوجبت الملك له،
لم تسمع دعوى من يقول: الدار التي في يد هذا لي، كما لا تسمع لو قال: ملك هذا
لي (59).
الثانية: الوقف والنكاح يثبت بالاستفاضة، أما على ما قلناه (60) فلا ريب فيه.
وأما على الاستفاضة المفيدة لغالب الظن، فلان الوقف للتأبيد. فلو لم تسمع فيه
الاستفاضة لبطلت الوقوف، مع امتداد الأوقات وفناء الشهود. وأما النكاح فلانا
نقضي: بأن خديجة عليها السلام زوجة النبي - صلى الله عليه وآله - كما نقضي بأنها أم
فاطمة عليها السلام (61)، ولو قيل: إن الزوجية تثبت بالتواتر، كان لنا أن نقول:
التواتر لا يثمر إلا إذا استند السماع إلى المحسوس. ومن المعلوم أن المخبرين لم يخبروا
عن مشاهدة العقد، ولا عن إقرار النبي صلى الله عليه وآله، بل نقل الطبقات متصل
إلى الاستفاضة التي هي الطبقة الأولى، ولعل هذا أشبه بالصواب.
الثالثة: الأخرس يصح منه تحمل الشهادة وأداؤها، ويبني على ما يتحققه (62)

(56): فلو استفاض أن الدار الفلانية لزيد، فهل يلزم أن يرى زيدا متصرفا في هذه الدار؟ (ولآخر سماع) بأن استفاض أن هذه الدار
لزيد، وكان عمرو فيها، فتنازع زيد وعمرو على الدار كل منهما يقول إنها لي، فهل يشهد الرجل إنها لزيد اعتمادا على الاستفاضة،
أو يشهد إنها لعمرو اعتمادا على اليد؟
(57): أي: الاحتمال لا يقطع حجية اليد، لأنها حجة مطلقا وإن احتمل الخلاف، أما الاستفاضة فليست كذلك.
(58): أي: رأيناه يبني دارا، أو يهدم دارا، أو يؤجر دارا، وليس هناك من ينازعه يصح لنا أن نشهد عند الحاكم - إذا وجد بعد ذلك
منازع - أن الدار له (بالملك المطلق) لا المقيد بأنه من جهة الإرث، أو البيع، أو نحوهما.
(59): للتنافي بين كونه (ملك هذا) وبين كونه (لي) وعدم التنافي بين (يد في هذا) وبين (لي).
(60): من مطلق الاستفاضة، أي: الشهرة والمعروفية (لغالب الظن) الذي اشترطه بعضهم (للتأبيد) أي: إلى الأبد (وفناء) موت.
(61): يعني: النسب والزوجية سواء، فكما يثبت النسب بالاستفاضة والشهرة، كذلك الزوجية.
(62): أي: يفهمه (مترجمين) اثنين (على شهادته) بل على تفسير مراده من شهادته.
919

الحاكم من إشارته. فإن جهلها، اعتمد فيها على ترجمة العارف بإشارته. نعم يفتقر إلى
مترجمين. ولا يكون المترجمان شاهدين على شهادته، بل يثبت الحكم أصلا، لا
بشهادة المترجمين فرعا.
الثالث: ما يفتقر إلى السماع والمشاهدة، كالنكاح والبيع والشراء والصلح
والإجارة فإن حاسة السمع يكفي في فهم اللفظ (63)، ويحتاج إلى البصر لمعرفة اللافظ، ولا
لبس في شهادة من اجتمع له الحاستان. أما الأعمى فتقبل شهادته في العقد قطعا،
لتحقق الآلة الكافية في فهمه. فإن انضم إلى شهادته معرفان، جاز له الشهادة على
العاقد، مستندا إلى تعريفهما، كما يشهد المبصر على تعريف غيره. ولو لم يحصل ذلك،
وعرف هو صوت العاقد معرفة يزول معها الاشتباه، قيل: لا يقبل لأن الأصوات
تتماثل. والوجه أنها تقبل، فإن الاحتمال يندفع باليقين، لأنا نتكلم على تقديره.
وبالجملة: فإن الأعمى تصح شهادته، متحملا ومؤدبا، عن علمه وعن الاستفاضة فيما
يشهد به بالاستفاضة. ولو تحمل شهادة وهو مبصر ثم عمي، فإن عرف نسب المشهود،
أقام الشهادة وإن شهد على العين، وعرف الصوت يقينا جاز أيضا. أما شهادته على
المقبوض (64) فماضية قطعا. وتقبل شهادته إذا تزاحم للحاكم عبارة حاضر عنده.
الطرف الثالث
في أقسام الحقوق وهي قسمان: حق الله سبحانه، وحق الآدمي.
والأول منه: ما لا يثبت إلا بأربعة رجال: كالزنا واللواط والسحق (65). وفي
إتيان البهائم قولان، أصحهما ثبوته بشاهدين. ويثبت الزنا خاصة: بثلاثة رجال
وامرأتين، وبرجلين وأربع نساء، غير أن الأخير لا يثبت به الرجم، ويثبت به الجلد،

(63): أي: فهم معنى اللفظ (اللافظ) أي: المتكلم (لا لبس) لا اشتباه (الحاستان) البصر والسمع (الآلة الكافية) السمع (فهمه)
فهم معنى الكلام (معرفان) يعرفانه المتكلم (غيره) بأن هذا المتكلم هو زيد مثلا (باليقين) أي: يقين الأعمى أن المتكلم من هو؟
(على تقديره) تقدير اليقين.
(64): من دينار، أو كتاب، أو قرش، أو غير ذلك (عبارة حاضر) كما لو حضر عند الحاكم من لا يعرف الحاكم لعمته، فترجم الأعمى
كلامه للحاكم.
(65): الزنا بين الرجل والمرأة، واللواط بين الذكرين، والسحق بين الأنثيين والحكمة في ذلك إنها شهادة على شخصين (إتيان البهائم)
أي: وطء الحيوانات (قولان) قول بثبوته بأربعة شهود (خاصة) دون اللواط والسحق (الأخير) يعني: رجلين وأربع نساء
(الجلد) فلو شهد رجلان وأربع نساء على رجل محصن أو امرأة محصنة بالزنا لم يرجما، وإنما يجري عليهما الجلد فقط مئة (بغير ذلك)
كرجل وست نساء كما قيل شاذا.
920

ولا يثبت بغير ذلك.
ومنه ما يثبت بشاهدين، وهو ما عدا ذلك، من الجنايات الموجبة للحدود كالسرقة
وشرب الخمر والردة (66).
ولا يثبت شئ من حقوق الله تعالى: بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، ولا
بشهادة النساء منفردات ولو كثرن.
وأما حقوق الآدمي: فثلاثة منها ما لا يثبت إلا بشاهدين وهو: الطلاق،
والخلع، والوكالة، والوصية إليه (67)، والنسب، ورؤية الأهلة. وفي العتق،
والنكاح، والقصاص، تردد، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين.
ومنها ما يثبت: بشاهدين، وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين (68).
وهو: الديون، والأموال كالقرض والقراض والغصب.. وعقود المعاوضات:
كالبيع، والصرف، والسلم، والصلح، والإجارات، والمساقاة، والرهن، والوصية
له.. والجناية التي توجب الدية. وفي الوقف تردد، أظهره أنه يثبت بشاهد وامرأتين
وبشاهد ويمين.
الثالث: ما يثبت بالرجال والنساء، منفردات ومنضمات (69).
وهو: الولادة والاستهلال، وعيوب النساء الباطنة. وفي قبول شهادة النساء
منفردات في الرضاع خلاف، أقربه الجواز.

(66): يعني ما يوجب الكفر (من حقوق الله تعالى) وإن كان مالا كالزكاة، والخمس، والكفارات والجزية ونحوها.
(67): أي: جعله وصيا، فلو ادعى زيد أنه وصي عمرو لم يقبل إلا بشاهدين (والنسب) مثل أن هذا أب لذاك، أو أخ، أو عم، أو
خال، أو ابن أخ، أو أخت، أو غير ذلك (الأهلة) جمع هلال، يعني: هلال أول الشهر الذي يثبت به رمضان، وعيد الفطر،
وغيرهما (والقصاص) وهو ثبوت القصاص عليه بأن كانت جنايته عن عمد.
(68): أي: يمين المدعي (والأموال) التي للناس بعضهم على بعض، لا لله كالزكاة ونحوها (والقراض) أي: المضاربة (والصرف)
وهو بيع النقود بعضها ببعض كالدينار والدرهم (والسلم) وهو البيع الذي يعطي الثمن عاجلا والمثمن مؤجل (والوصية له) بأن
ادعى أن الميت أوصى له بألف دينار مثلا، فإنه يثبت ذلك بشاهد واحد ويمين، أو بشاهد وامرأتين أيضا (توجب الدية) وهي شبه
العمد، والخطأ المحض.
(69): في المسالك: " ضابط هذا القسم ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا " (الولادة) يعني: ولدت المرأة، وذلك ينفع في تمام العدة،
والنفقة وغير ذلك (والاستهلال) وأصله صوت المولود عند الولادة ليدل على ولادته حيا فيرث (الباطنة) كالقرن، والرتق، دون
مثل الجذام والجنون مما لا يخفى غالبا على الرجال (في الرضاع) يعني: رضاع هذا الطفل من هذه المرأة مثلا (الجواز) أي: نفوذ
شهادتهن.
921

وتقبل: شهادة امرأتين مع رجل - في الديون والأموال - (70)، وشهادة امرأتين مع
اليمين. ولا تقبل فيه شهادة النساء منفردات، ولو كثرن.
وتقبل شهادة المرأة الواحدة: في ربع ميراث المستهل (71)، وفي ربع الوصية. وكل
موضع تقبل فيه شهادة النساء لا تقبل بأقل من أربع.
مسائل:
الأولى: الشهادة (72) ليست شرطا في شئ من العقود إلا في الطلاق، ويستحب
في النكاح، والرجعة. وكذا في البيع.
الثانية: حكم الحاكم يتبع للشهادة، فإن كانت محقة، نفذ الحكم باطنا وظاهرا،
وإلا نفذ ظاهرا. وبالجملة الحكم ينفذ عندنا، ظاهرا لا باطنا. ولا يستبيح المشهود له،
ما حكم له إلا مع العلم بصحة الشهادة أو الجهل بحالها (73).
الثالثة: إذا ادعى (74) من له أهلية التحمل، وجب عليه، وقيل: لا يجب،
والأول مروي. والوجوب على الكفاية، ولا يتعين إلا مع عدم غيره ممن يقوم بالتحمل.
أما الأداء فلا خلاف في وجوبه على الكفاية، فإن قام غيره سقط عنه، وإن امتنعوا
لحقهم الذم والعقاب. ولو عدم الشهود إلا اثنان، تعين عليهما. ولا يجوز لهما التخلف،
إلا أن تكون الشهادة مضرة بهما ضررا غير مستحق (75).

(70): هذا تكرار من المصنف - قده - لما ذكره آنفا عند رقم (68): ولعله كرر تمهيدا لبيان عدم قبول شهادة النساء منفردات فيها والله
العالم.
(71): فلو شهدت امرأة واحدة عادلة على أن الطفل بكى أول الولادة ثم مات ثبت للطفل بربع الميراث، فلو كان ميراثه - على فرض حياته
أربعمئة، ورث بهذه الشهادة مئة فقط، ولو شهدت امرأتان عادلتان بذلك ثبت للطفل نصف الميراث، ولو شهدت ثلاث نساء
عادلات ورث ثلاثة أرباع الميراث، ولو شهدت أربع نسوة عادلات ورث الميراث كله (ربع الوصية) فلو شهدت امرأة عادلة واحدة
أن زيدا أوصى لعمرو بمئة وأعطى لعمرو خمسة وعشرين (لا يثبت) أصلا فلو شهدت ثلاث نسوة بالرضاع على القول بعدم قبول
شهادة الواحدة - لا يثبت إلا بأربع نسوة. وما ذكر من ثبوت الربع والنصف والثلاثة الأرباع في الوصية والاستهلال فهو بنص
خاص.
(72): أي: الإشهاد (في شئ) أي: في صحته.
(73): أما مع العلم ببطلان الشهادة فبمجرد الحكم لا يجعله حلالا، فلو حكم الحاكم الشرعي لزيد بمال ويعلم زيد بطلان الحكم للغفلة،
أو السهو، أو كذب الشهود، أو عدم عدالتهم ونحو ذلك فلا يجوز له أخذ المال وإن كان الحكم صدر له.
(74): أي: طلب منه أن يأتي وينظر أو يسمع ليكون شاهدا وأهلية التحمل، بأن يكون قابلا للأداء، ولا مانع شرعي له (مروي بل في
الذكر الحكيم أيضا قوله تعالى (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) (على الكفاية) فلو طلب من عشرة أشخاص تحمل الشهادة، فانطلق
اثنان عدلان سقط الوجوب عن الباقين (الذم) العقلي (والعقاب) أي: استحقاق العقاب شرعا.
(75): الضرر المستحق، كما لو كان مثلا لزيد على عمرو دين ألف دينار، فإن شهد عمرو على زيد في قضية يطالبه بالألف، وإلا فيسامحه فإنه -
لا يجوز لعمرو ترك الشهادة على زيد - مع عدم شهود آخرين في القضية - لمجرد أن زيدا يطالبه بدينه.
922

الطرف الرابع
في الشهادة على الشهادة (76) وهي مقبولة: في حقوق الناس، عقوبة كانت
كالقصاص، أو غير عقوبة كالطلاق والنسب والعتق، أو مالا كالقراض والقرض وعقود
المعاوضات، أو ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء والولادة والاستهلال.
ولا تقبل في الحدود، سواء كانت لله محضا كحد الزنا واللواط والسحق، أو
مشتركة كحد السرقة والقذف على خلاف فيهما.
ولا بدأن يشهد اثنان على الواحد، لأن المراد إثبات شهادة الأصل وهو لا يتحقق
بشهادة الواحد. فلو شهد على كل واحد اثنان صح (77). وكذا لو شهد اثنان على،
شهادة كل واحد من شاهدي الأصل. وكذا لو شهد شاهد أصل، وهو مع آخر على
شهادة أصل آخر.
وكذا لو شهد اثنان على جماعة (78)، كفى شهادة الاثنين على كل واحد منهم. وكذا
لو كان شهود الأصل شاهدا وامرأتين، فشهد على شهادتهم اثنان، أو كان الأصل فيما
يقبل فيه شهادتهن منفردات، كفى شهادة اثنين عليهن.
وللمتحمل مراتب، أتمها أن يقول شاهد الأصل: أشهد على شهادتي أنني أشهد على
فلان بن فلان، لفلان بن فلان بكذا، وهو الاسترعاء (79). وأخفض منه أن يسمعه
يشهد عند الحاكم، إذ لا ريب في تصريحه هناك بالشهادة. ويليه أن يسمعه يقول: أنا
أشهد لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا. ويذكر السبب، مثل أن يقول: من

(76): وهي مثلا: أن يشهد زيد وعمرو معا: أن محمدا وعليا شهدا أن هذه الدار لزيد (المعاوضات) كالبيع، والإجارة، والرهن،
والصلح وغيرها (مشتركة) بين حق الله وحق الناس (السرقة) فإنها حق الله يقطع اليد. وللناس باسترجاع المال (والقذف) وهو
كالسرقة (خلاف فيهما) فالمشهور عند الفقهاء إنهما كسائر الحدود لا تقبل الشهادة على الشهادة فيهما.
(77): كما لو شهد زيد وعمرو: أن محمدا وعليا شهدا أن هذه الدار لزيد (المعاوضات) كالبيع، والإجارة، والرهن،
شهد زيد وعمرو: أن محمدا وعليا شهدا لزيد بالدار (أصل آخر) كما لو شهد محمد بأن الدار لزيد، وشهد محمد وعمرو: بأن عليا
شهد بالدار لزيد.
(78): كما لو شهد عند الحاكم زيد وعمرو: أن محمدا وعليا وباقرا وصادقا شهدوا على فلان بالزنا (منفردات) كعيوب النساء، واستهلال
المولود، والولادة.
(79): أي: طلب الشاهد الأصل رعاية شهادته من الشاهد الفرع.
923

ثمن ثوب أو عقار إذ هي صورة جزم وفيه تردد (80).
أما لو لم يذكر سبب الحق، بل اقتصر على قوله: أنا أشهد لفلان على فلان
بكذا، لم يصر متحملا لاعتياد التسامح بمثله. وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب
إشكال.
ففي صورة الاسترعاء يقول (81): أشهدني فلان على شهادته.
وفي صورة سماعه عند الحاكم، يقول: أشهد أن فلانا شهد عند الحاكم بكذا. وفي صورة
سماعه لا عنده يقول: أشهد أن فلانا شهد على فلان لفلان بكذا، بسبب كذا.
ولا تقبل شهادة الفرع، إلا عند تعذر حضور شاهد الأصل.
ويتحقق العذر: بالمرض، وما ماثله (82)، وبالغيبة. ولا تقدير لها، وضابطه
مراعاة المشقة على شاهد الأصل في حضوره.
ولو شهد شاهد الفرع، فأنكر شاهد الأصل (83). فالمروي العمل بشهادة
أعدلهما. فإن تساويا أطرح الفرع، وهو يشكل بما أن الشرط في قبول الفرع عدم
الأصل. وربما أمكن، لو قال الأصل: لا أعلم.
ولو شهد الفرعان ثم حضر شاهد الأصل، فإن كان بعد الحكم (84)، لم يقدح في
الحكم، وافقا أو خالفا. وإن كان قبله، سقط اعتبار الفرع، وبقي الحكم لشاهد
الأصل. ولو تغيرت حال الأصل بفسق أو كفر، لم يحكم بالفرع، لأن الحكم مستند إلى
شهادة الأصل.
وتقبل شهادة النساء على الشهادة، فيما يقبل فيه شهادة النساء منفردات، كالعيوب

(80): لاحتمال أن يكون وجه الحق عند الشاهد بما لا يثبت به عند الحاكم (إشكال) بل ينبغي جعل المدار على حصول العلم للحاكم
بالشهادة.
(81): أي: يقول الشاهد الفرع (لا عنده) أي: لا عند الحاكم (بسبب كذا) كان يقول: أشهد أن زيدا شهد لعمرو على محمد بألف
دينار بسبب شراء دار منه.
(82): من ضعف، وشيخوخة ونحوهما (وبالغيبة) أي: يكون غائبا عن البلد.
(83): أي: قال أنا لم أقل ذلك (تساويا) في العدالة، أو لم يعلم إلا عدلية بينهما (عدم الأصل) فإن وجد الأصل فلا اعتبار للفرع حتى
يتعارضان (وربما أمكن) التعارض.
(84): أي: بعدما أصدر الحكم (واقفا) شاهد الأصل.
924

الباطنة (85) والاستهلال والوصية، وفيه تردد، أشبهه المنع.
ثم الفرعان إن سميا الأصل وعدلاه (86)، قبل. وإن سمياه ولم يعدلاه سمعها
الحاكم، وبحث عن الأصل، وحكم مع ثبوت ما يقتضي القبول، وطرح مع ثبوت ما
يمنع القبول لو حضر وشهد. أما لو عدلاه ولم يسمياه لم يقبل.
ولو أقر باللواط أو بالزنا بالعمة أو الخالة أو بوطء البهيمة، ثبت بشهادة شاهدين.
وتقبل في ذلك الشهادة على الشهادة. ولا يثبت بها حد ويثبت انتشار حرمة النكاح (87)
وكذا لا يثبت التعزير في وطء البهيمة، ويثبت تحريم الأكل في المأكولة، وفي الأخرى
وجوب بيعها في بلد آخر.
الطرف الخامس
في اللواحق وهي قسمان:
الأول: في اشتراط توارد الشاهدين على المعنى الواحد (88) ويترتب عليه مسائل:
الأولى: توارد الشاهدين على الشئ الواحد، شرط في القبول. فإن اتفقا معنى،
حكم بهما وإن اختلفا لفظا، إذ لا فرق بين أن يقولا غصب وبين أن يقول، أحدهما
غصب والآخر انتزع. ولا يحكم لو اختلفا معنى، مثل أن يشهد أحدهما بالبيع والآخر
بالإقرار بالبيع (89)، لأنهما شيئان مختلفان. نعم، لو حلف مع أحدهما ثبت.
الثانية: لو شهد أحدهما أنه سرق نصابا (90) غدوة، وشهد الآخر أنه سرق عشية،
لم يحكم بها لأنها شهادة على فعلين. وكذا لو شهد الآخر، أنه سرق ذلك بعينه عشية،

(85): مثل القرن، والرتق، ونحوهما.
(86): كما لو قالا: سمعنا زيدا وهو عادل يشهد بكذا (ما يقتضي القبول) وهو العدالة (عدلاه ولم يسمياه) بأن قالا: سمعنا رجلا عادلا
يشهد بكذا.
(87) حرمة نكاح أم وأخت وبنت الملوط، وحرمة نكاح بنت العمة والخالة، (لا يثبت التعزير) لأنه حد الله تعالى لا يثبت بالشهادة على
الشهادة (في المأكولة) أي: البهيمة الموطوءة التي يراد أكلها (وفي الأخرى) التي يراد ركوبها كالخيل والبغال والحمير.
(88): أي: لزوم عدم اختلاف شهادتهما في المعنى.
(89): بأن يقول شاهد: باع زيد داره لعمرو، ويقول الشاهد الثاني: أقر زيد عندي ببيع داره لعمرو (لو حلف) لأن المال يثبت بشاهد
واحد مع يمين المدعي.
(90): النصاب يعني المقدار المعين الذي يثبت بسرقته قطع اليد، وهو أقله ربع دينار ذهب مع بقية الشرائط (غدوة) أي: صباحا
(فعلين) لأن ما سرقه صباحا غير ما سرقه عشية (ذلك بعينه) بأن قال شاهد: زيد سرق الفرش الفلاني صباحا، وقال الثاني: بل
سرقه ليلا.
925

لتحقق التعارض، أو لتغاير الفعلين.
الثالثة: لو قال أحدهما سرق دينارا، وقال الآخر درهما، أو قال أحدهما سرق ثوبا
أبيض، وقال الآخر أسود، ففي كل واحد منهما يجوز أن يحكم مع أحدهما ومع يمين
المدعي، لكن يثبت له الغرم، ولا يثبت القطع. ولو تعارض في ذلك بينتان (91) على
عين واحدة، سقط القطع للشبهة، ولم يسقط الغرم. ولو كان تعارض البينتين لا على
عين واحدة، ثبت الثوبان والدرهمان (92).
الرابعة: لو شهد أحدهما، أنه باعه هذا الثوب غدوة بدينار وشهد له الآخر إنه
باعه ذلك الثوب بعينه في ذلك الوقت بدينارين، لم يثبتا لتحقق التعارض، وكان له (93)
المطالبة بأيهما شاء مع اليمين. ولو شهد له مع كل واحد شاهد آخر، ثبت الديناران.
ولا كذلك لو شهد، واحد بالإقرار بألف والآخر بألفين، فإنه يثبت الألف بهما والآخر
بانضمام اليمين. ولو شهد بكل واحد شاهدان، يثبت ألف بشهادة الجميع، والألف
الآخر بشهادة اثنين. وكذا لو شهد إنه (94) سرق ثوبا قيمته درهم، وشهد آخر إنه سرق
وقيمته درهمان، ثبت الدرهم بشهادتهما، والآخر بالشاهد واليمين. ولو شهد بكل صورة
شاهدان، ثبت الدرهم بشهادة الجميع، والآخر بشهادة الشاهدين بهما. ولو شهد أحدهما
بالقذف غدوة والآخر عشية. أو بالقتل كذلك، لم يحكم بشهادتهما، لأنها شهادة على
فعلين. أما لو شهد أحدهما بإقراره بالعربية، والآخر بالعجمية، قبل لأنه إخبار عن
شئ واحد.
القسم الثاني: في الطوارئ (95) وهي مسائل
الأولى: لو شهدا ولم يحكم بهما، فماتا، حكم بهما (96). وكذا لو شهدا ثم زكيا

(91): يعني: شاهدان عدلان قالا: زيد سرق الثوب الفلاني صباحا، وقال شاهدان عدلان آخران بل سرقه ليلا (للشبهة) لأن الحدود
تدرأ بالشبهات.
(92): الثوبان الأبيض والأسود إذا شهد بكل منهما بينة، والدينار والدرهم كذلك، قوله (الدرهمان) مثل (القمران) للقمر والشمس.
(93): أي: للمدعي بأن يحلف على الدينار، فيثبت له الدينار، أو يحلف على الدينارين فيثبت له ديناران (شاهد آخر) أي: شهد اثنان
ببيعه دينارا، وشهد اثنان ببيعه دينارين، فإنه يثبت الديناران (بالإقرار بألف) أي: قال أحد الشاهدين: أقر زيد بألف لعمرو،
وقال الشاهد الثاني: أمر زيد بألفين لعمرو (بانضمام اليمين) من المدعي.
(94): مثلا: شهد زيد بأن عمر أسرق.
(95): أي: الأمور التي تعرض على الشهادة بعد أدائها من موت أو فسق أو كفر، أو تزكية أو غير ذلك.
(96): بعد موت الشاهدين، لأنه لا يشترط حياة الشاهدين وقت الحكم (زكيا) أي ثبتت عدالتهما وقت الشهادة.
926

بعد الموت.
الثانية: لو شهدا ثم فسقا قبل الحكم، حكم بهما، لأن المعتبر بالعدالة عند
الإقامة. ولو كان حقا لله كحد الزنا، لم يحكم لأنه مبني على التخفيف، ولأنه نوع
شبهة (97). وفي الحكم بحد القذف والقصاص تردد، أشبهه الحكم لتعلق حق الآدمي
به.
الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه (98)، فمات قبل الحكم، فانتقل المشهود به إليهما، لم
يحكم لهما بشهادتهما.
الرابعة: لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم، لم يحكم. ولو رجعا بعد الحكم
والاستيفاء (99) وتلف المحكوم به، لم ينقض الحكم وكان الضمان على الشهود. ولو رجعا
بعد الحكم وقبل الاستيفاء، فإن كان حدا لله نقض الحكم للشبهة الموجبة للسقوط. وكذا
لو كان للآدمي كحد القذف أو مشتركا كحد السرقة. وفي نقض الحكم لما عدا ذلك (100)
من الحقوق، تردد. أما لو حكم وسلم، فرجعوا والعين قائمة، فالأصح إنه لا ينقض
ولا تستعاد العين. وفي النهاية ترده على صاحبها، والأول أظهر.
الخامسة: المشهود به إن كان قتلا أو جرحا فاستوفى (101) ثم رجعوا فإن قالوا
تعمدنا اقتص منهم، وإن قالوا: أخطأنا كان عليهم الدية. وإن قال بعضهم تعمدنا،
وبعض أخطأنا، فعلى المقر بالعمد القصاص وعلى المقر بالخطأ نصيبه من الدية، ولولي
الدم قتل المقرين بالعمد أجمع ورد الفاضل عن دية صاحبه (102). وله قتل البعض ويرد
الباقون قدر جنايتهم ولو قال أحد شهود الزنا بعد رجم المشهود عليه تعمدت، فإن

(97): وقد ورد في الحديث الشريف (تدرأ الحدود بالشبهات) (وفي الحكم) إذا فسق الشهود قبل الحكم.
(98): كما لو شهد ابنان لأبيهما، فمات الابن قبل أن يحكم بالمال للأب (لم يحكم) لأنهما أصبحا مدعيين.
(99): أي تنفيذ الحكم (المحكوم به) المال غير (ومشتركا) بين حق الله وحق الإنسان كالسرقة فإن حق الله قطع يده، وحق الإنسان
استعادة المال منه.
(100): أي: غير الحدود من حقوق الله، والناس، سواء كانت مالية أم غيرها، كالخمس والزكاة، والبيع والشراء وغير ذلك (أظهر)
لأن رجوعهم كالإقرار بما في يد الغير.
(101): كما لو شهدت البينة أن زيدا عمدا قتل عمرا، أو قطع يد عمرو، فقطع الحاكم يد زيد أو قتله قصاصا (تعمدنا) أي: كذبنا
عمدا (نصيبه من الدية) فإن كانت الدية ألف دينار - لأنها دية رجل مسلم - وكان الشهود اثنين، فاعترف أحدهما بالخطأ فعليه
خمسمئة دينار، وإن كانت الدية خمسمئة - لقطع يد رجل، أو قتل امرأة مسلمة لأن ديتها نصف دية الرجل - فعلى الشاهد المخطئ
مئتين وخمسين دينارا، وهكذا دواليك.
(102): أي: المقتول ظلما (الباقون) من الشهود على ولي الشاهد المقتول (تعمدت) أي: كذبت عمدا.
927

صدقه الباقون، كان لأولياء الدم قتل الجميع، ويردون (103) ما فضل عن دية المرجوم.
وإن شاؤوا قتلوا واحدا، ويرد الباقون تكملة ديته بالحصص بعد وضع نصيب المقتول.
وإن شاؤوا قتلوا أكثر من واحد، ويرد الأولياء (104) ما فضل من دية صاحبهم، وأكمل
الباقون من الشهود ما يعوز بعد نصيب المقتولين. أما لو لم يصدقه الباقون، لم يمض إقراره
إلا على نفسه فحسب (105). وقال في النهاية يقتل ويرد عليه الباقون ثلاثة أرباع الدية ولا
وجه له. ولو شهدا بالعتق فحكم (106)، ثم رجعا. ضمنا القيمة تعمدا أو خطأ، لأنهما
أتلفاه بشهادتهما.
السادسة: إذا ثبت أنهم شهدوا بالزور (107)، نقض الحكم واستعيد المال. وإن
تعذر، غرم الشهود، ولو كان قتلا، ثبت عليهم القصاص وكان حكمهم حكم الشهود
إذا أقروا بالعمد. ولو باشر الولي القصاص واعترف بالتزوير (108)، لم يضمن الشهود،
وكان القصاص على الولي.
السابعة: إذا شهدا بالطلاق ثم رجعا (109)، فإن كان بعد الدخول لم يضمنا، وإن
كان قبل الدخول، ضمنا نصف المهر المسمى، لأنهما لا يضمنان إلا ما دفعه المشهود عليه
بسبب الشهادة.
فروع:
الأول: إذا رجعا معا، ضمنا بالسوية. وإن رجع أحدهما، ضمن النصف. ولو

(103): أي: يود أولياء الدم (المقتول) من الشهود.
(104): أولياء المرحوم (صاحبهم) المرجوم (بعد نصيب المقتولين) مثاله، زيد وعمرو وبكر وخالد شهدوا على إحسان بالزنا المحصن فرجم، ثم
اعترفوا بتعمد الكذب، فقتل ولي إحسان زيدا وعمرا، فحينئذ يؤخذ من كل من بكر وخالد مئتين وخمسين دينارا، ويضيف ولي إحسان
ألفا، فيعطي كل لولي زيد سبعمئة وخمسين ولولي عمرو سبعمئة وخمسين.
(105): فأما يؤخذ منه حصته من الدية، أو يقتل ويرد عليه ولي المقتول ظلما تكملة ديته (ولا وجه له) لأن الباقون ماضية شهادتهم
ظاهرا.
(106): أي: فحكم حاكم الشرع بعتقه (تعمدا أو خطأ في الشهادة (أتلفاه) وفي الاتلاف ضمان سواء عمدا أو غير عمد.
(107): أي: بالكذب، وإن لم يعترفوا بذلك (واستعيد المال) ممن أعطي له (تعذر) بأن كان المال قد تلف، أو ذهب آخذ المال ولم يعرف
مكانه، أو مات ولم يعلم أين المال أو غير ذلك (عزم الشهود) أي: أخذ منهم مثل المال أو قيمته.
(108): يعني: لو كان الولي قتل بنفسه بعنوان القصاص، ثم اعترف بعلمه بتزوير الشهود، كان القتل على الولي، وعلى الشهود التعزير
لشهادة الزور، والتشهير والتسفير من بلده.
(109): وقالا: كذبنا والمرأة غير مطلقة (بعد الدخول) بعد تزوجها ودخول الزوج الثاني بها (لم يضمنا) لأن الدخول بنفسه موجب لتمام
المهر على الواطئ ولو كان شبهة (قبل الدخول) وبعد العقد (المسمى) الذي عينه الزوج الثاني (بسبب الشهادة) لا ما كان بسبب
الوطء.
928

ثبت بشاهد وامرأتين فرجعوا، ضمن الرجل النصف وضمنت كل واحدة الربع. ولو كان
عشر نسوة مع شاهد، فرجع الرجل، ضمن السدس (110)، وفيه تردد.
الثاني: لو كان الشهود ثلاثة، ضمن كل واحد منهم الثلث، ولو (111) رجع
واحد منفردا، وربما خطر أنه لا يضمن، لأن في الباقين ثبوت الحق، ولا يضمن الشاهد
ما يحكم به بشهادة غيره للمشهود له. والأول اختيار الشيخ رحمه الله، وكذا لو شهد
رجل وعشر نسوة فرجع ثمان منهن، قيل: (112) كان على كل واحدة نصف السدس،
لاشتراكهم في نقل المال، والإشكال فهي كما في الأول.
الثالث: لو حكم، فقامت البينة بالجرح مطلقا (113)، لم ينقض الحكم لاحتمال
التجدد بعد الحكم ولو تعين الوقت، وهو متقدم على الشهادة نقض. ولو كان بعد
الشهادة، وقبل الحكم، لم ينقض وإذا نقض الحكم، فإن كان قتلا أو جرحا فلا
قود (114)، والدية في بيت المال ولو كان المباشر للقصاص هو الولي، ففي ضمانه تردد.
والأشبه أنه لا يضمن، مع حكم الحاكم وإذنه. ولو قتل (115): بعد الحكم وقبل الإذن
ضمن الدية. أما لو كان مالا، فإنه يستعاد إن كانت العين باقية. وإن كانت تالفة،
فعلى المشهود له، لأنه ضمن بالقبض بخلاف القصاص (116). ولو كان معسرا، قال
الشيخ: ضمن الإمام، ويرجع به على المحكوم له إذا أيسر، وفيه إشكال من حيث
استقرار الضمان على المحكوم له، بتلف المال في يده، فلا وجه لضمان الحاكم.

(110): وعلى النسوة العشر خمسة أسداس، على كل واحدة نصف السدس (وفيه تردد) لاحتمال أن يكون النصف على الرجل مطلقا لأنه
نصف البينة وبه قول.
(111): يعني: حتى ولو رجع واحد منفردا، وبقي الشاهدان الآخران على شهادتهما وثبوت الحق بشهادتهما دون الشاهد الثالث (وربما
خطر) ببال بعض الفقهاء (ولا يضمن الشاهد) يعني: الشاهد الثالث لا يضمن شيئا برجوعه إذ الحكم قائم بشهادة الشاهدين
الآخرين (والأول) وهو ضمان الثلث برجوع الشاهد الثالث وإن قامت البينة بالشاهدين الآخرين.
(112): وهو قول الشيخ الطوسي رضوان الله عليه (والإشكال) بأن البينة قائمة برجل وامرأتين ولا أثر لرجوع الشهادة من النسوة.
(113): بالجرح: أي تفسيق الشهود (مطلقة) أي: لم تعين وقت فسقهم (التجدد) أي: تجدد فسق الشهود بعد شهادتهم (متقدم) كما
لو قال الجرح: الشهود فسقوا في شهر رمضان، في حين كانت شهادتهم بعد شهر رمضان (ولو كان) أي: وقت الجرح،
لاستصحاب العدالة حين الشهادة.
(114): أي: لا قصاص في بيت المال لأنه من اشتباه الحاكم.
(115): أي: قتل الولي بعد صدور الحكم بالقتل من الحاكم ولكن قبل أن يأذن للولي خاصة بالقتل.
(116): فإنه خطأ الحاكم (إذا أيسر) أي: صار صاحب يسار وقدرة على أداء المال.
929

مسائل:
الأولى: إذا شهد اثنان (117) أن الميت أعتق أحد مماليكه وقيمته الثلث
وشهد آخران أو الورثة أن العتق لغيره وقيمته الثلث، فإن قلنا المنجزات من الأصل،
عتقا. وإن قلنا: تخرج من الثلث، فقد أعتق أحدهما. فإن عرفنا السابق، صح
عتقه، وبطل الآخر. وإن جهل، استخرج بالقرعة. ولو اتفق عتقهما في حالة
واحدة (118)، قال الشيخ: يقرع بينهما ويعتق المقروع. ولو اختلفت قيمتهما، أعتق
المقروع. فإن كان بقدر الثلث صح وبطل الآخر، وإن كان أزيد صح العتق منه في
القدر الذي يحتمله الثلث، وإن نقص أكملنا الثلث من الآخر.
الثانية: إذا شهد شاهدان بالوصية لزيد (119)، وشهد من ورثته عدلان أنه رجع
عن ذلك وأوصى لخالد، قال الشيخ يقبل شهادة الرجوع، لأنهما لا يجران نفعا، وفيه
إشكال من حيث إن المال يؤخذ من يدهما، فهما غريما المدعي.
الثالثة: إذا شهد شاهدان لزيد بالوصية (120)، وشهد شاهد بالرجوع وأنه أوصى
لعمرو، كان لعمرو أن يحلف مع شاهده، لأنها شهادة منفردة لا تعراض الأولى.
الرابعة: لو أوصى بوصيتين منفردتين، فشهد آخران أنه رجع عن إحداهما، قال الشيخ:
لا يقبل، لعدم التعيين، فهي كما لو شهد بدار لزيد أو عمرو (121).

(117): من العدول، وهي البينة الشرعية (آخران) بينة أخرى (من الأصل) أي: أصل مال الميت وإن كان أكثر من الثلث (السابق)
أي: عتق أيهما كان قبل الآخر.
(118): كما لو شهدت كل بينة أنه أعتق العبد أول طلوع الشمس من يوم الجمعة أول شهر رمضان من سنة ألف وأربعمئة هجرية - مثلا
(المقروع) أي: العبد الذي خرجت القرعة باسمه (يحتمله الثلث) أي: بمقدار ثلث أموال الميت (من الآخر) أي: يعتق من
العبد الثاني بمقدار يكمل به ثلث أموال الميت - مثلا -: لو كان ثلث الميت مئة دينار، وكانت قيمة العبد الذي خرجت القرعة باسمه
ثمانين دينارا، وكانت قيمة العبد الآخر مئة دينار، أعتق من الآخر خمسة.
(119): أي: جعل زيد وصيا له (نفعا) إذ الوصي سواء كان زيد أو خالدا فالمال خارج عن يد الورثة (غريما المدعي) وهو زيد.
(120): مثلا: شهدت بينة بأن الميت أوصى لزيد بالكتاب الفلاني، ثم شهد عادل واحد بأن الميت رجع بعد ذلك وأوصى بهذا الكتاب
لعمرو، فإن حلف عمرو على ذلك كان الكتاب له، لأنه ليس معارضا للبينة - إذ مع معارضة البينة مع شاهد ويمين تقدم البينة - إذ لا
ينفي البينة، بل يقول برجوع الميت بعد الاعتراف بما تقوله البينة (نعم) لو قالت البينة لم يرجع الميت عن هذه الوصية، عارضت
الشاهد الواحد، وتقدمت عليه.
(121): أي: قالت البينة أوصى الميت بهذه الدار (ما لزيد أو لعمرو، فإن الوصية تسقط بنظر الشيخ الطوسي قده للابهام) وفي المسالك:
" هناك وجهان آخران (أحدهما) القرعة (ثانيهما) التقسيم بينهما لانحصار الحق بينهما والقرعة لا تخلو عن قوة ".
930

الخامسة: إذا ادعى العبد العتق، وأقام بينة تفتقر إلى البحث (122) ولو سأل
التفريق حتى تثبت التزكية، قال في المبسوط: يفرق. وكذا قال لو أقام مدعي المال
شاهدا واحدا، وادعى أن له آخر، وسأل حبس الغريم، لأنه متمكن من إثبات حقه
باليمين. وفي الكل إشكال، لأنه تعجيل العقوبة قبل ثبوت الدعوى.

(122): أي: تحتاج إلى تفتيش حال البينة ليعلم حالها من العدالة وعدمها، فالبحث والتفتيش على الحاكم، لا على العبد (التزكية) أي:
لو طلب العبد من الحاكم أن يفرق بينه وبين مولاه حتى يستعلم حال البينة أجابه الحاكم إليه وفي المسالك: " وربما كان أمة فلولا
التفرقة لم يؤمن أن يواقعها وهو ضرر عظيم " (أن له آخر) أي: شاهدا ثانيا (الغريم) أي: المديون (لأنه تعجيل) فالتفريق بين
المولى وعبده أو أمته عقوبة للمولى قبل ثبوت الحق، وكذا حبس الغريم عقوبة قبل ثبوت الحق. والله العالم.
931

كتاب الحدود والتعزيرات
كل ما له عقوبة مقدرة (1)، يسمى حدا. وما ليس كذلك، يسمى تعزيرا.
وأسباب الأول ستة: الزنا، وما يتبعه (2)، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة،
وقطع الطريق.
والثاني أربعة: البغي، والردة، وإتيان البهيمة، وارتكاب ما سوى ذلك من
المحارم.
فلنفرد لكل قسم بابا، عدا ما يتداخل أو ما سبق.
الباب الأول: في حد الزنا والنظر في: الموجب (3)، والحد، واللواحق.
أما الموجب: فهو إيلاج الإنسان ذكره، في فرج امرأة محرمة، من غير عقد ولا
ملك ولا شبهة. ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة، قبلا أو دبرا.
ويشترط في تعلق الحد، العلم بالتحريم (4)، والاختيار والبلوغ. وفي تعلق الرجم -
مضافا إلى ذلك - الإحصان.
ولو تزوج محرمة: كالأم، والمرضعة، والمحصنة (5)، وزوجة الولد، وزوجة
الأب فوطأ مع الجهل بالتحريم فلا حد. ولا ينهض العقد بانفراده، شبهة في سقوط

كتاب الحدود والتعزيرات
(1): أي: معينة كقطع اليد، أو القتل، أو جلد مئة سوط، ونحو ذلك (تعزيرا) مثل من يغتاب يضرب بمقدار التأديب ولا عدد معين له
بل هو موكول إلى نظر الحاكم الشرعي.
(2): من اللواط، والسحق، والقيادة (والقذف) وهو نسبة شخص إلى الزنا ونحوه (البغي) الظلم (والردة) من الإسلام إلى الكفر
(وإتيان البهيمة) وطء الحيوانات (المحارم) المحرمات من كذب، وإفطار عمد نهار في شهر رمضان، وغيرهما.
(3): أي: سبب الحد (إيلاج) إدخال (الحشفة) رأس الذكر بمقدار حد الختان.
(4): أي: يعلم أن الزنا حرام (الإحصان) سيأتي تفصيل معناه بعد قليل من الماتن قده.
(5): أي: امرأة لها زوج (ولا ينهض) يعني: المرأة الحرام مجرد العقد عليها لا يكون سببا لدفع الحد إذا لم يكن جاهلا بالتحريم خلافا لما
عن أبي حنيفة من أن العقد سقط للحدود ولو كان على الأم والأخت فوطأها عالما بالتحريم - نعوذ بالله من أمثال ذلك - (استأجرها)
بعنوان الإجارة (لم يسقط) خلافا لما عن أبي حنيفة من سقوط الحد ولو كان عالما بالتحريم وكان استئجار الأم والأخت.
932

الحد. ولو استأجرها للوطء، لم يسقط بمجرده، ولو توهم الحل به سقط، وكذا يسقط
في كل موضع يتوهم الحل، كمن وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته فوطأها. ولو
تشبهت له فوطأها، فعليها الحد دونه. وفي رواية يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا،
وهي متروكة (6). وكذا يسقط لو أباحته نفسها، فتوهم الحل.
ويسقط الحد مع الإكراه، وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا. وفي تحققه في طرف
الرجل، تردد. والأشبه إمكانه، لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع. ويثبت
للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها، على الأظهر.
ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم (7)، حتى يكون الواطئ بالغا حرا،
ويطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق، متمكن منه يغدو عليه ويروح. وفي رواية
مهجورة: دون مسافة التقصير (8). وفي اعتبار كمال العقل خلاف. فلو وطأ المجنون
عاقلة، وجب عليه الحد رجما أو جلدا، هذا اختيار الشيخين رحمهما الله، وفيه تردد.
ويسقط الحد بادعاء الزوجية (9)، ولا يكلف المدعي بينة ولا يمينا. وكذا بدعوى ما يصلح
شبهة بالنظر إلى المدعي.
والإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل (10)، لكن يراعى فيها كمال العقل
إجماعا.

(6): لم يعمل بها معظم فقهائنا مضافا إلى ضعف سندها (إباحة نفسها) أي: قالت للرجل: (أبحت نفسي لك) من دون عقد (في طرف
المرأة) بأن يكرهها الرجل على الزنا معها (تردد) لأنه قيل لا يتحقق الإكراه، إذ مع عدم الميل لا ينتشر العضو (إمكانه) لأن الطبع
يميل إلى الزنا لكنه ملجم من جهة منع الشرع، فإذا كان إكراه يرفع منع الشرع أمكن تحقق الزنا (على الأظهر) ومقابلة قول نادر بعدم
المهر وهو عجيب.
(7): يعني: الزاني المحصن الذي حده الرجم يجب توفر عدة شروط فيه، فإن فقد واحد من هذه الشروط لا يرجم (الأول) البلوغ
(الثاني) الحرية (الثالث) أن تكون له زوجة بعقد دائم لا منقطع، أو مملوكة يطأها بملك اليمين (الرابع) أن تكون الزوجة أو
المملوكة في متناولة حيثما أراد صباحا أو مساء، بأن لا يكون بعيدا عنها، أو مريضة لا يمكنه وطأها، أو سجينا هو أو هي لا يقترب
منها، ونحو ذلك.
(8): وهي أربعة فراسخ ذهابا، وأربعة إيابا (رجما أو جلدا) أي: الرجم إن كان محصنا، والجلد إن لم يكن محصنا (وفيه تردد) إذ
المجنون لا تكليف له فكيف يرجم أو يحد؟
(9): فلو جامع رجل امرأة، ثم ادعى إنها زوجته سقط عند الحد وإن لم يثبت الزوجية، لأنها شبهة تدرأ بها الحد (بالنظر إلى المدعي)
أي: يحتمل في حقه هذا الاشتباه، فلو ادعى رجل فأمثل عالم الأحكام الشرعية بأنه يجوز الزنا عند الشدة أو في السفر لم يقبل منه
(نعم) لو ادعى جاهل بالأحكام ذلك قبل منه لاحتماله في حقه.
(10): فيجب أن تكون بالغة، حرة، لها زوج دائم، يمكنها مجامعته متى ما أرادت صباحا أو مساء، وفي المسالك: " ويشكل الحكم في
القيد الأخير حيث إن المرأة لا تتمكن من الوطء متى شاءت لأن الأمر بيد غيرها والحق له في ذلك غالبا بخلاف العكس ".
933

ولا رجم ولا حد على المجنونة في حال الزنا (11)، وإن كانت محصنة، وإن زنى بها
العاقل. ولا تخرج المطلقة رجعية على الإحصان.
ولو تزوجت عالمة (12)، كان عليها الحد تاما. وكذا الزوج إن علم التحريم
والعدة. ولو جهل، فلا حد. ولو كان أحدهما عالما، حد حدا تاما دون الجاهل. ولو
ادعى أحدهما الجهالة، وقيل: إذا كان ممكنا في حقه. ويخرج بالطلاق البائن عن
الإحصان.
ولو راجع المطلق المخالع، لم يتوجه عليه الرجم، إلا بعد الوطء. وكذا المملوك
لو أعتق (13) والمكاتب إذا تحرر.
ويجب الحد على الأعمى (14)، فإن ادعى الشبهة، قيل: لا يقبل، والأشبه القبول
مع الاحتمال.
ويثبت الزنا بالإقرار أو البينة.
أما الإقرار: فيشترط فيه: بلوغ المقر، وكماله (15)، والاختيار، والحرية، وتكرار
الإقرار أربعا في أربعة مجالس.
ولو أقر دون الأربع، لم يجب الحد، ووجب التعزير.
ولو أقر أربعا في مجلس واحد، قال في الخلاف والمبسوط: لم يثبت وفيه تردد (16).
ويستوي في ذلك الرجل والمرأة. وتقوم الإشارة المفيدة للإقرار في الأخرس، مقام
النطق.
ولو قال: زنيت بفلانة، لم يثبت الزنا في طرفه، حتى يكرره أربعا. وهل يثبت
القذف للمرأة؟ فيه تردد. ولو أقر بحد (17) ولم يبينه، لم يكلف البيان، وضرب حتى

(11): أي: في حال الزنا كانت مجنونة، وإن عقلت قبله وبعده (ولا تخرج) لأنها بحكم الزوجة والزوج يمكنه وطأها متى ما شاء ما دامت في
العدة.
(12): بالعدة والتحريم معا (تاما) حدا، إذا لم يكن الزوج عندها، ورجما إن كان عندها (عن الإحصان) لأنها بلا زوج.
(13): فما دام لم يطأها ذو جهته بعد العتق لو زنى لا رجم عليه، وكذا المكاتب إذا تحرر ولم يطأ بعد.
(14): إذا زنا، فإن كان محصنا رجم، وإلا حد مئة جلدة.
(15): أي: كامل العقل (مجالس) لا في مجلس واحد (التعزير) أي: ضربه عدة سياط للتأديب بمقدار يراه الحاكم صلاحا.
(16): لاحتمال الثبوت شرعا ولو كان في مجلس واحد للإطلاقات (النطق) فلو أشار الأخرس أربع مرات بأنه زنا يثبت عليه الحد.
(17): أي: قال علي حد (عن نفسه) أي: يسكت ولا يكرر إقراره (طرف الكثرة) أي: لا يكثر عن مئة، إذ لا حد أكثر من مئة
جلدة (التعزير) وهو يكون أقل من ثمانين.
934

ينهي عن نفسه. وقيل: لا يتجاوز به المئة، ولا ينقص عن ثمانين. وربما كان صوابا في
طرف الكثرة، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان، لجواز أن يريد بالحد التعزير.
وفي التقبيل (18)، والمضاجعة في أزار واحد، والمعانقة، روايتان إحداهما مئة
جلدة، والأخرى دون الحد، وهي أشهر. ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر، سقط
الرجم. ولو أقر بحد غير الرجم، لم يسقط بالإنكار. ولو أقر بحد ثم تاب، كان الإمام
مخيرا في إقامته، رجما كان أو جلدا ولو حملت ولا بعل (19)، لم تحد، إلا أن تقر بالزنا
أربعا.
وأما البينة: فلا يكفي أقل من أربعة رجال، أو ثلاثة وامرأتين. ولا تقبل شهادة
النساء منفردات، ولا شهادة رجل وست نساء، وتقبل شهادة رجلين وأربع نساء.
ويثبت به الجلد لا الرجم.
ولو شهد ما دون الأربع، لم يجب. وحد كل منهم للفرية (20).
ولا بد في شهادتهم، من ذكر المشاهدة للولوج، كالميل في المكحلة من غير عقد ولا
ملك ولا شبهة. ويكفي أن يقولوا: لا نعلم بينهما سبب التحليل.
ولو لم يشهدوا بالمعاينة (21)، لم يحد المشهود عليه، وحد الشهود.
ولا بد من تواردهم على الفعل الواحد، والزمان الواحد، والمكان الواحد.
فلو شهد بعض بالمعاينة وبعض لا بها، أو شهد بعض بالزنا في زاوية من بيت
وبعض في زاوية أخرى، أو شهد بعض في يوم الجمعة وبعض في يوم السبت، فلا
حد.
ويحد الشهود للقذف. ولو شهد بعض أنه أكرهها، (22) وبعض بالمطاوعة ففي

(18): أي: تقبيل الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية (المضاجعة) أي: نوم الرجل والمرأة الأجنبيين (إزار) أي: تحت غطاء واحد (دون
الحد) أي: أقل من مئة سوط.
(19): يعني: حملت امرأة لا زوج لها (لم تحد) لاحتمال صيروتها متعة سرا، أو وطأها شبهة.
(20): أي: للكذب والقذف، ويضربون حد القذف ثمانين جلدة.
(21): أي: لم يقل رأينا بأعيننا.
(22): أي: شهد بعض الشهود الأربعة على رجل بأنه زنى بفلانة مكرها لها، وشهد بقية الأربعة بأنه زنى بها مع رضاها، أما المرأة فلا حد
عليها لعدم الثبوت في حقها، والكلام في الرجل الزاني.
935

ثبوت الحد على الزنى وجهان، أحدهما يثبت للاتفاق على الزنا الموجب للحد على كلا
التقديرين، والآخر لا يثبت لأن الزنا بقيد الإكراه، غيره بقيد المطاوعة، فكأنه شهادة
على فعلين.
ولو أقام الشهادة بعض في وقت حدوا للقذف، ولم يرتقب إتمام البينة، لأنه لا
تأخير في حد.
ولا يقدح تقادم الزنا في الشهادة (23) وفي بعض الأخبار، إن زاد عن ستة أشهر لم
تسمع، وهو مطرح.
وتقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد (24). ومن الاحتياط تفريق الشهود في
الإقامة بعد الاجتماع، وليس بلازم. ولا تسقط الشهادة، بتصديق المشهود عليه، ولا
بتكذيبه.
ومن تاب قبل قيام البينة، سقط عنه الحد. ولو تاب بعد قيامها، لم يسقط، حدا
كان أو رجما.
النظر الثاني: في الحد وفيه مقامان:
الأول في أقسامه وهي: قتل، أو رجم، أو جلد وجز وتغريب (25).
أما القتل: فيجب على: من زنى بذات محرم، كالأم والبنت وشبههما (26)..
والذمي إذا زنى بمسلمة. وكذا من زنى بامرأة مكرها لها.
ولا يعتبر في هذه المواضع الإحصان، بل يقتل على كل حال، شيخا كان أو
شابا. ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر.
وكذا قيل: في الزاني بامرأة أبيه أو ابنه (27)، وهل يقتصر على قتله بالسيف؟

(23): فلو شهد الشهود على رجل بالزنا قبل خمس سنوات ثبت الزنا، ورجم، أو حد.
(24): فلو شهد أربعة عدول على خمسة أشخاص بالزنا ثبت في حق جميعهم (بتصديق) بأن أقر ولكن أقل من أربع مرات.
(25): التغريب من الغربة، أي: إخراجه من بلده.
(26): مثل الأخت: وبنت الأخ، وبنت الأخت، والجدة، والعمة والخالة، وأم الزوجة (بمسلمة) ولو برضاها.
(27): أي: امرأة ابنه، فإنهما أيضا من المحارم (بل يجلد) مئة سوط (الدليلين) دليل جلد الزاني، ودليل الرجم للإحصان.
(28): للدليل الخاص في المسألة من أراده فليراجع المطولات (لو زنى بها طفل) فعليها الجلد وإن كانت محصنة، والمراد بالطفل
غير البالغ وإن كان مميزا وله أكثر من عشر سنوات (كاملا) أي: الرجم إن كانت محصنة (في طرف المجنون) يعني هل
يجلد المجنون إذا لم يكن محصنا، ويرجم إذا كان محصنا ولو زنى ببالغة. قيل نعم لرواية تدل على ذلك. وقيل لا، وتردد
المصنف في الحكم.
936

قيل: نعم، وقيل: بل يجلد ثم يقتل، إن لم يكن محصنا. ويجلد ثم يرجم إن كان
محصنا، عملا بمقتضى الدليلين، والأول أظهر.
وأما الرجم: فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة. فإن كان شيخا أو شيخة،
جلد ثم رجم. وإن كان شابا، ففيه روايتان: إحداهما يرجم لا غير، والأخرى يجمع
له بين الحدين، وهو أشبه.
ولو زنى البالغ المحصن، بغير البالغة أو بالمجنونة، فعليه الجلد لا الرجم (28).
وكذا المرأة لو زنى بها طفل. ولو زنى بها المجنون فعليها الحد كاملا وفي ثبوته في
طرف المجنون تردد، والمروي أنه يثبت.
وأما الجلد والتغريب: فيجبان على الذكر الحر غير المحصن. يجلد مئة، ويجز
رأسه (29)، ويغرب عن مصره عاما، مملكا كان أو غير مملك. وقيل: يختص التغريب
بمن أملك ولم يدخل، وهو مبني على أن البكر ما هو؟ والأشبه إنه عبارة عن غير
المحصن، إن لم يكن مملكا.
أما المرأة فعليها الجلد مئة، ولا تغريب عليها ولا جز.
والمملوك يجلد خمسين، محصنا كان أو غير محصن، ذكرا كان أو أنثى، ولا جز على
أحدهما ولا تغريب (30). ولو تكرر من الحر الزنا، فأقيم عليه الحد مرتين، قتل في
الثالثة، وقيل: في الرابعة وهو أولى.
أما المملوك فإذا أقيم عليه سبعا، قتل في الثامنة، وقيل: في التاسعة، وهو أولى.
وفي الزنا المتكرر حد واحد وإن كثر (31).
وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: " إن زنى بامرأة مرارا، فعليه
حد. وإن زنى بنسوة، فعليه في كل امرأة حد " وهي مطرحة.

(29): أي: يحلق رأسه، وهذا نوع تأديب (مملكا) المملك هو الذي عقد على امرأة ولم يدخل بها بعد (أن البكر ما هو) إذ فسر في الأخبار
البكر بذلك (وإن لم يكن مملكا) أي: لم يكن عاقدا على امرأة.
(30): ولا رجم (أولى) احتياطا في القتل.
(31): فلو زنى شخص ألف مرة ولم يحد، يضرب الحد مرة واحدة (وهي مطرحة) أي: لم يعمل المشهور من الفقهاء بهذه الرواية وفي
المسالك: " وفي طريقها ضعف ".
937

ولو زني الذمي بذمية، دفعه الإمام إلى أهل نحلته (32)، ليقيموا عليه الحد على
معتقدهم. وإن شاء أقام الحد بموجب شرع الإسلام.
ولا يقام الحد على الحامل، حتى تضع، وتخرج من نفاسها، وترضع الولد إن لم
يتفق له مرضع. ولو وجد له كافل (33)، جاز إقامة الحد.
ويرجم المريض والمستحاضة، ولا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله ولا رجمه، توقيا من
السراية ويتوقع بهما البرء. وإن اقتضت المصلحة التعجيل، ضرب بالضغث المشتمل على
العدد. ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده. ولا تؤخر الحائض، لأنه ليس
بمرض. ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد (34).
ولا يقام الحد: في شدة الحر ولا في شدة البرد، ويتوخى (35) به في الشتاء وسط
النهار، وفي الصيف طرفاه.. ولا في أرض العدو مخافة الالتحاق.. ولا في الحرم على
من التجأ إليه، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج.
ويقام على من أحدث موجب الحد فيه.
الثاني: في كيفية إيقاعه إذا اجتمع الجلد والرجم (36)، جلد أولا. وكذا إذا
اجتمعت حدود بدئ بما لا يفوت معه الآخر.
وهل يتوقع برء جلده؟ قيل: نعم، تأكيدا في الزجر. وقيل: لا، لأن القصد
الاتلاف.

(32): أي: أهل دينه، فإن كان نصرانيا دفعه إلى النصارى، وإن كان يهوديا فإلى اليهود، وإن كان مجوسيا فإلى المجوس (شرع الإسلام)
من الرجم إذا كان محصنا، والجلد والجز والتغريب إذا لم يكن محصنا.
(33): يتكفل رضاعه، أو إرضاعه (جاز) أي: وجب لأن الحدود لا يجوز تأخيرها (والمستحاضة) لأنها مريضة أيضا (السراية) بأن
يسري الألم والجرح والورم المسببة عن الضرب، فتوجب لهما الموت (التعجيل) كما لو كان مأيوسا برؤه، أو بطيئا جدا برؤه
(بالضغث) هو شمراخ التمر الخالي عن التمر (على العدد) الواجب، فإن وجب الضرب مئة جلدة وجب أن يكون الشمراخ حاويا
لمئة عودة، أو ثمانين - كحد القذف - فثمانون عودة وهكذا.
(34): فلو وجب عليه الحد ثم صار مجنونا، أو ارتد بعد ذلك أجري عليه الحد في حال جنونه وارتداده - وفي المجنون وجه آخر يطلب من
المفصلات.
(35): أي: ينتظر (طرفاه) أول الصبح، وحوالي المغرب لضعف شدة الحر فيهما (الالتحاق) بأن يلتحق المسلم بالعدو أي: الكفار
(التجأ إليه) أي: وجب عليه الحد خارج الحرم وفر إلى الحرم لأنه دار أمن (يضيق عليه) في المسالك: " بأن يمنع مما زاد عما يمسك
وقعه أو يمكن مما لا يصير عليه مثله عادة " (فيه) كمن زني في الحرم يجلد في الحرم، أو سرق في الحرم يقطع فيه وهكذا.
(36): كما لو قذف شخصا واستحق ثمانين جلدة، وزنى محصنا واستحق الرجم (حدود) كما لو سرق وقتل عمدا إنسانا، قطعت يده أولا
ثم قتل.
938

ويدفن المرجوم إلى حقويه (37)، والمرأة إلى صدرها. فإن فر، أعيد إن ثبت زناه
بالبينة. ولو ثبت بالإقرار لم يعد. وقيل: إن فر قبل إصابة الحجارة أعيد (38)، ويبدأ
الشهود برجمه وجوبا. ولو كان مقرا بدأ الإمام، وينبغي أن يعلم الناس ليتوفروا على
حضوره.
ويستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة (39). وقيل: يجب، تمسكا بالآية. وأقلها
واحد. وقيل: عشرة، وخرج متأخر ثلاثة، والأول حسن.
وينبغي أن تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف. وقيل: لا يرجمه من لله تعالى
قبله حد، وهو على الكراهية.
ويدفن إذا فرغ من رجمه، ولا يجوز إهماله.
ويجلد الزاني مجردا (40)، وقيل: على الحال التي يوجد عليها، قائما، أشد
الضرب - وروي متوسطا - ويفرق على جسده. ويتقي وجهه ورأسه وفرجه، والمرأة
تضرب جالسة وتربط عليها ثيابها.
النظر الثالث: في اللواحق وهي مسائل عشرة:
الأولى: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا (41)، فادعت أنها بكر، فشهد لها
أربع نساء بذلك، فلا حد. وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم، وقال في
المبسوط: لا حد، لاحتمال الشبهة في المشاهدة، والأول أشبه.
الثانية: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد، بل يقام وإن ماتوا أو غابوا - لا فرارا (42) -

(37): على وزن (رجليه) هما العظمان في أسفل الظهر المكتنفان للمقعد.
(38) فيما كان ثبوت الزنا بإقراره، لا مطلقا (ويبدأ الشهود) أن تثبت زناه بالبينة (أن يعلم) أي: يخبر الناس (ليتوفروا) يكثروا
(بالآية) وهي قوله تعالى (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
(39): غير الإمام وغير الشهود (واحد) تفسير بعض أهل اللغة الطائفة بالواحد (وخرج) أي: فسر قسم ثالث من الفقهاء (قبله) أي:
من بذمته حد من حدود الله تعالى، بالزنا، أو بالسرقة، أو غيرهما (على الكراهية) أي: مكروه (إهماله) أي: تركه بلا دفن.
(40): من ثيابه عاريا (يوجد عليها) عاريا أو كاسيا (قائما) أي: واقفا (متوسطا) لا شديدا، ولا خفيفا (ويفرق) أي: لا يضرب في
مكان واحد من جسده (وفرجه) أي: لا يضرب على هذا المواضع، بل على صدره وبطنه وظهره ورجليه ويديه (وتربط) فلا
تضرب عارية وإن وجدت عارية، لأن بدنها عورة لا يجوز إظهارها للرجال.
(41): أي: في قبلها (بذلك) بأنها بكر (فلا حد) إذ يثبت عدم زناها في القبل، إذ لو كانت زنت زالت بكارتها (للفرية) أي: الكذب
حد القذف (المشاهدة) أي: لم يكونوا كذبوا ولكن أخطأت أبصارهم.
(42): أي: لم تكن غيبتهم لأجل الفرار عن حضور إجراء الحد، إذ لو كان كذلك لكان ذلك شبهة تدرأ لأجلها الحدود (السبب الموجب)
لثبوت الحد وهو الشهادة.
939

لثبوت السبب الموجب.
الثالثة: قال الشيخ رحمه الله: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم، ولعل
الأشبه الوجوب، لوجوب بدأتهم بالرجم.
الرابعة: إذا كان الزوج أحد الأربعة (43)، فيه روايتان، ووجه الجمع سقوط الحد
إن اختل بعض شروط الشهادة، مثل أن يسبق الزوج بالقذف، فيحد الزوج أو يدرأ
باللعان ويحد الباقون. وثبوت الحد، إن لم يسبق بالقذف، ولم يختل بعض الشرائط.
الخامسة: يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه، كحد الزنا. أما حقوق
الناس، فتقف إقامتها على المطالبة (44)، حدا كان أو تعزيرا.
السادسة: إذا شهد بعض، وردت شهادة الباقين، قال في المبسوط والخلاف إن
ردت بأمر ظاهر (45)، حد الجميع. وإن ردت بأمر خفي، فعلى المردود الحد دون
الباقين، وفيه إشكال، من حيث تحقق القذف العاري عن بينة. ولو رجع واحد بعد
شهادة الأربع، حد الراجع دون غيره.
السابعة: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني، فله قتلهما (46)، ولا إثم عليه وفي
الظاهر، عليه القود، إلا أن يأتي على دعواه ببينة، أو يصدقه الولي.
الثامنة: من افتض بكرا بإصبعه (47)، لزمه مهر نسائها. ولو كانت أمة، كان
عليه عشر قيمتها، وقيل: يلزمه الأرش والأول مروي.
التاسعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة، فوطأها قبل الإذن كان عليه ثمن حد
الزاني (48).

(43): الذين شهدوا على الزوجة بالزنا (روايتان) رواية بقبول شهادته عليها فيجري عليها الحد سواء الجلد أو الرجم بشهادتهم، ورواية
بعدم قبول شهادة الزوج على زوجته بالزنا، بل يلاعن الزوج ليدرأ على نفسه الحد، ويحد الثلاثة الباقون حد القذف كل ثمانين جلدة
(ووجه الجمع) بين الروايتين هوان نقول إن اختل بعض شروط الشهادة لم يثبت الزنا محل الزوجة، وحد الشهود الثلاثة، وحد
الزوج أيضا إن لم يلاعن، وذلك: فيما لو قذف الزوج قبل شهادة الآخرين، وإن لم يختل شئ من شرائط الشهادة يثبت الزنا على
الزوجة ويجري الحد عليها.
(44): أي: مطالبة صاحب الحق (حدا كان) كحد السرقة، والقذف (أو تعزيرا) كسب المؤمن.
(45): كالفسق المتجاهر به (خفى) كالفسق الخفي الذي قامت عليه البينة مثلا (وفيه إشكال) فيجب حد الجميع (ولو رجع واحد) أي
الشاهد الخامس الذي بدونه تكون البينة كاملة.
(46): يعني: عند الله تعالى يجوز له قتلهما، ولكن مع عدم قدرته على إثبات ذلك شرعا وظاهرا (عليه القود) أي: القصاص (الولي) ولي
المقتول.
(47): أي: أزال بكارتها (مهر نسائها) أي: مهر النساء اللاتي هن مثلها (الأرش) أي: مقدار نقص قيمتها بزوال بكارتها.
(48): وهو اثنا عشر سوطا ونصف سوط، ويتحقق النصف بأن يقبض على وسط السوط ويضرب به. وقيل: بأن يضرب ضربا متوسطا لا
خفيفا ولا شديدا، وذلك لحرمته وقد تقدم في كتاب النكاح قول المصنف في الخامسة من مسائل في تحريم الجمع " لا يجوز نكاح الأمة
على الحرة إلا بإذنها فإن بادر كان العقد باطلا، وقيل: كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء ولها فسخ عقد نفسها والأول أشبه ".
940

العاشرة: من زنى في شهر رمضان، نهارا كان أو ليلا، عوقب زيادة على الحد،
لانتهاكه الحرمة (49). وكذا لو كان في مكان شريف، أو زمان شريف.
الباب الثاني: في اللواط، والسحق، القيادة.
أما اللواط: فهو وطء الذكران (50) بإيقاب وغيره. وكلاهما لا يثبتان إلا بالإقرار
أربع مرات، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة.
ويشترط في المقر: البلوغ وكمال العقل، والحرية، والاختيار، فاعلا كان أو
مفعولا. ولو أقر دون أربع، لم يحد وعزر (51). ولو شهد بذلك دون الأربعة، لم يثبت،
وكان عليهم الحد للفرية. ويحكم الحاكم فيه بعلمه، إماما كان أو غيره، على الأصح.
وموجب الإقاب (52): القتل، على الفاعل والمفعول، إذا كان كل منهما بالغا
عاقلا.
ويستوي في ذلك: الحر، والعبد، والمسلم، والكافر، والمحصن، وغيره.
ولو لاط البالغ بالصبي موجبا قتل البالغ وأدب الصبي وكذا لو لاط بمجنون. ولو لاط بعبده
حدا قتلا، أو جلدا. ولو ادعى العبد الإكراه. سقط عنه دون المولى.
ولو لاط مجنون بعاقل، حد العاقل (53). وفي ثبوته على المجنون قولان أشبههما
السقوط.

(49): ومقدار الزيادة بنظر الحاكم الشرعي (مكان شريف) كمكة المكرمة، والنجف الأشرف، وكربلاء المقدسة، ونحوها (زمان
شريف) كأعياد الجمعة، والفطر، والأضحى، والغدير، ونحوها.
(50): جمع ذكر: يعني: وطئ ذكرا آخر في دبره (بإيقاب) هو غياب الحشفة داخل الدبر (وغيره) كإدخال الذكر بين الأليتين، أو
مسحه بظاهر الدبر، ونحو ذلك والكل يسمى لواطا (بالمعاينة) أي: رؤيتهم عين الذكر في الدبر، أو نحوه (والحرية) شرط في
الإقرار لا في إجراء الحد إذا ثبت بالبينة أو بعلم الحاكم.
(51): أي: ضرب تأديبا بعدد أقل من الحد حسب نظر الحاكم الشرعي: (دون الأربعة) أي: ثلاثة شهود، أو أقل (الحد) لكل
ثمانون جلدة حد القذف (بعلمه) يعني: لو علم الحاكم اللواط حكم بدون شهود (غيره) أي: نائب الإمام الخاص، أو النائب
العام وهو الفقيه العادل في عصر الغيبة كهذه الأزمنة - وصلها الله تعالى في حياتنا بظهور مولانا صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام.
(52): أي: الإدخال في الدبر (وأدب الصبي) إذا كان مختارا (وكذا) فيقتل اللائط ويؤدب المجنون (قتلا) مع الإيقاب (أو جلدا) مع
عدم الإيقاب.
(53): إن كان إيقابا فالقتل، أو دون الإيقاب فالجلد مئة مطلقا، أو في غير المحصن سيأتي، على فرض كونه مختارا.
941

ولو لاط الذمي بمسلم، قتل وإن لم يوقب. ولو لاط بمثله كان الإمام مخيرا بين إقامة الحد
عليه (54)، وبين دفعه إلى أهله، ليقيموا عليه الحد.
وكيفية إقامة هذا الحد (55): القتل، إن كان اللواط إيقابا. وفي رواية إن كان
محصنا رجم، وإن كان غير محصن جلد، والأول أشهر. ثم الإمام مخير في قتله، بين
ضربه بالسيف وتحريقه، أو رجمه، أو إلقائه من شاهق، أو إلقاء جدار عليه. ويجوز
أن يجمع، بين أحد هذه وبين تحريقه. وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين،
فحده مئة جلدة، وقال في النهاية: يرجم إن كان محصنا ويجلد إن لم يكن، والأول
أشبه.
ويستوي فيه: الحر، والعبد، والمسلم، والكافر، والمحصن، وغيره.
ولو تكرر منه الفعل، وتخلله الحد مرتين، قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة،
وهو أشبه. والمجتمعان تحت إزار (56) واحد مجردين، وليس بينهما رحم، يعزران من
ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا. ولو تكرر ذلك منهما وتخلله التعزير، حدا في
الثالثة. وكذا يعزر من قبل غلاما ليس بمحرم (57)، بشهوة.
وإذا تاب اللائط قبل قيام البينة، سقط عند الحد. ولو تاب بعده لم يسقط.
ولو كان مقرا (58)، كان الإمام مخيرا في العفو أو الاستيفاء.
والحد في السحق: مئة جلدة، حرة كانت أو أمة، مسلمة أو كافرة، محصنة كانت
أو غير محصنة، للفاعلة والمفعولة.
وقال في النهاية ترجم مع الإحصان، وتحد مع عدمه، والأول أولى.

(54): بحكم الإسلام وهو القتل في الإيقاب، والجلد في غيره إما مطلقا أو في غير المحصن (أهله) النصراني إلى النصارى،
واليهودي إلى اليهود والمجوسي إلى المجوس (ليقيموا عليه الحد) حسب دينهم.
(55): أي: حد اللواط (شاهق) أي: مكان عال يقتل بمثله، كالجبل، أو المنارة العالية، أو القصر المرتفع أو من الطائرة، ونحو ذلك
(وبين تحريقه) بأن يحرق جسده بعد موته بغيره.
(56): أي: لحاق وكساء يغطيهما (مجردين) أي: عاديين (رحم) قرابة (سوطا) أي أقل من حد الزنا حسب نظر الحاكم الشرعي
(حدا) حد الزنا مئة سوط.
(57): أي: ليس رحما له وفي المسالك: " ولا وجه للتقييد بعدم المحرمية مع كون التقبيل بشهوة لتحريمه حينئذ مطلقا " (بشهوة) أي:
بتلذذ شهوة الجنس، لا بتعطف، أو ترحم، أو شوق ونحوها.
(58): أي: قد ثبت عليه اللواط بإقراره أربع مرات، ثم تاب (الاستيفاء) أي: إجراء الحد عليه حسب نظره.
942

وإذا تكررت المساحقة مع إقامة الحد ثلاثا، قتلت في الرابعة.
ويسقط الحد في التوبة قبل البينة، ولا يسقط بعدها. ومع الإقرار والتوبة يكون
الإمام مخيرا. والأجنبيتان (59) إذا وجدتا في أزار مجردتين، عزرت كل واحدة دون الحد،
وإن تكرر الفعل منهما والتعزير مرتين، أقيم عليهما الحد في الثالثة. فإن عادتا، قال في
النهاية قتلتا، والأولى الاقتصار على التعزير، احتياطا في التهجم على الدم.
مسألتان:
الأولى: لا كفالة في حد (60)، ولا تأخير فيه مع الإمكان، والأمن من توجه ضرر، ولا شفاعة
في إسقاطه.
الثانية: لو وطأ زوجته، فساحقت بكرا، فحملت، قال في النهاية: على المرأة
الرجم (61)، وعلى الصبية جلد مئة بعد الوضع. ويلحق الولد بالرجل، ويلزم المرأة
المهر. أما الرجم: فعلى ما مضى من التردد، وأشبهه الاقتصار على الجلد. وأما جلد
الصبية، فموجبه ثابت، وهي المساحقة. وأما لحوق الولد، فلأنه ماء غير زان (62)،
وقد انخلق منه الولد فيلحق به. وأما المهر، فلأنها سبب في إذهاب العذرة، وديتها مهر
نسائها، وليست كالزانية في سقوط دية العذرة، لأن الزانية أذنت في الافتضاض.
وليست هذه كذا. وأنكر بعض المتأخرين ذلك، فظن أن المساحقة كالزانية، في سقوط
دية العذرة وسقوط النسب.
وأما القيادة: فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنا، أو بين الرجال والرجال
للواط، ويثبت بالإقرار مرتين، مع بلوغ المقر وكماله (63) وحريته واختياره، أو شهادة
شاهدين. ومع ثبوته، يجب على القواد خمسة وسبعون جلدة. وقيل: يحلق رأسه

(59): أي: المرأتين، سواء كانتا أجنبيتين، أم رحمين (على التعزير) بأن تعزرا كلما فعلا ذلك ولو مئة مرة، ولا قتل عليهما.
(60): بأن يصير شخص كفيلا عن آخر ليحضره لإجراء الحد عليه (ولا تأخير) فعن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال: " ليس في
الحدود نظرة ساعة " أي: تأخير بمقدار ساعة (مع الإمكان) بأن كان حاضرا (والأمن) بأن لم يكن مريضا، أو حبلى، أو مرضعة
ونحو ذلك (ولا شفاعة) أي: لا تجوز، ولا تقبل.
(61): لأنها محصنة (الصبية) أي: البكر، ولا يشترط كونها صبية بل ولو كان عمرها أربعين سنة (المهر) أي: مهر مثل البكر لإزالة
بكارتها.
(62): أي: ماء رجل لم يزن، وفي الزنا نفي الإلحاق، فيبقى هنا الإلحاق (العذرة) أي: البكارة (كذا) إذ المساحقة تقتضي عادة عدم
إزالة البكارة (في سقوط) فقال: بأن الولد ولد زنا لا يلحق بأب وأن البكر لا مهر لها.
(63): أي: كونه كامل العقل (شاهدين) عادلين (ويشهر) أي: يعلن في البلد أن فلانا قواد.
943

ويشهر.
ويستوي فيه: الحر والعبد، والمسلم والكافر. وهل ينفى بأول مرة؟ قال في
النهاية: نعم وقال المفيد: ينفى في الثانية، والأول مروي.
وأما المرأة (64) فتجلد. وليس عليها: جز، ولا شهرة، ولا نفي.
الباب الثالث: في حد القذف والنظر في أمور أربعة.
الأول: في الموجب وهو الرمي بالزنا واللواط، كقوله: زنيت (65) أو لطت أو ليط
بك أو أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره، وما يؤدي هذا المعنى صريحا مع معرفة
القائل بموضوع اللفظ، بأي لغة اتفق.
ولو قال لولده الذي أقر به: لست بولدي، وجب عليه الحد. وكذا لو قال
لغيره: لست لأبيك. ولو قال: زنت بك أمك (66)، أو يا ابن الزانية، فهو قذف
للأم. وكذا لو قال: زنى بك أبوك، أو يا ابن الزاني، فهو قذف لأبيه. ولو قال: يا
ابن الزانيين، فهو قذف لهما ويثبت به الحد، ولو كان المواجه كافرا، لأن المقذوف ممن
يجب له الحد.
ولو قال: ولدت من الزنا، ففي وجوب الحد لأمه تردد، لاحتمال انفراد الأب
بالزنا (67)، ولا يثبت الحد مع الاحتمال. أما لو قال: ولدتك أمك من الزنا، فهو
قذف للأم، وهذا الاحتمال أضعف، ولعل الأشبه عندي التوقف، لتطرق الاحتمال وإن
ضعف
ولو قال: يا زوج الزانية، فالحد للزوجة. وكذا لو قال: يا أبا الزانية، أو يا أخا
الزانية، فالحد لمن نسب إليها الزنا دون المواجهة.
ولو قال: زنيت (68) بفلانة، أو لطت به، فالقذف للمواجه ثابت وفي ثبوته

(64): أي: القوادة.
(65): بصيغة الخطاب (بموضع اللفظ) أي: معناه فلو قال الأعجمي الذي لشخص (أي ولد الزنا) ولا يعرف معناه لا يكون قذفا.
(66): أي: ولدتك أمك من الزنا.
(67): بأن تكون أمه مكرهة، أو مجبورة، أو نحو ذلك (مع الاحتمال) أي، احتمال اللفظ عدم النسبة إلى الزنا (لتطرق الاحتمال) إذ
لعله لا يريد نسبة أمه إلى الزنا، بل يحتمل أن يكون الزنا من جهة الرجل، وكون الأم معذورة بإكراه ونحوه.
(68): بصيغة الخطاب.
944

للمنسوب إليه تردد، قال في النهاية وفي المبسوط: يثبت حدان لأنه فعل واحد، متى
كذب في أحدهما كذب في الآخر. ونحن لا نسلم إنه فعل واحد، لأن موجب الحد في
الفاعل غير الموجب في المفعول. وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.
ولو قال لابن الملاعنة: يا ابن الزانية، فعليه الحد. ولو قال لابن المحدودة (69):
قبل التوبة، لم يجب به الحد، وبعد التوبة يثبت الحد.
ولو قال لامرأته: زنيت بك، فلها حد (70) على التردد المذكور، ولا يثبت في طرفه
حد الزنا حتى يقر أربعا.
ولو قال: يا ديوث أو يا كشخان أو يا قرنان، أو غير ذلك من الألفاظ، فإن أفادت
القذف (71) في عرف القائل، لزمه الحد. وإن لم يعرف فائدتها، أو كانت مفيدة لغيره،
فلا حد. ويعزر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه.
وكل تعريض بما يكرهه المواجه، ولم يوضع للقذف (72) لغة ولا عرفا يثبت به
التعزير لا الحد، كقوله: أنت ولد حرام، أو حملت بك أمك في حيضها، أو يقول
لزوجته لم أجدك عذراء، أو يقول: يا فاسق يا شارب الخمر وهو متظاهر بالستر، أو يا
خنزير أو يا حقير أو يا وضيع. ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف، فلا حد ولا
تعزير. وكذا كل ما يوجب أذى كقوله: يا أجذم أو يا أبرص.
الثاني: في القاذف ويعتبر فيه: البلوغ، وكمال العقل.
فلو قذف الصبي، لم يحد وعزر، وإن قذف (73) مسلما بالغا حرا. وكذا المجنون.

(69): أي: التي أجري عليها حد الزنا.
(70): أي: لها مطالبة الحاكم بإجراء حد القذف عليه (على التردد المذكور) لاحتمال كونها مكرهة فلا يتحقق الزنا من طرفها ليكون قذفا
لها (أربعا) عند حاكم الشرع الإمام عليه السلام، أو نائبه الخاص أو العام.
(71): أي: النسبة إلى الزنا أو اللواط، لأن هذه الألفاظ ليس لها أصل في لغة العرب، فإن استقر في عرف القائل لها معاني القذف، وكان
القائل يعرف تلك المعاني فعليه الحد وفي المسالك: " قيل إن الديوث - عند العامة - هو الذي يدخل الرجال على زوجته، والقرنان:
هو الذي يدخل الرجال علي بناته، والكشخان: هو الذي يدخل الرجال على إخوانه " (فائدتها) أي: معناها (لغيره) غير القذف
(ويعزر) لأنها سب، وسب المؤمن حرام يوجب التعزير.
(72): أي: للنسبة إلى الزنا أو اللواط (متظاهر الستر) أي: ظاهره إنه ساتر لهذا الحرام ولم يتجاهر به (للاستخفاف) كالظالمين،
وأصحاب الأديان الباطلة، ونحو ذلك (يا أجذم) وإن كان أجذم وأبرص.
(73): يعني: حتى ولو كان المقذوف مسلما بالغا حرا (وكذا المجنون) يعزر ولا يحد إذا أقذف (نصف الحد) على المملوك (ادعى
المقذوف) أي: ادعى أن القاذف حر ليضرب ثمانين جلدة، وادعى القاذف أنه مملوك ليضرب أربعين (الاحتمال) الذي معه
يسقط الحد.
945

وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟ قيل: نعم وقيل: لا يشترط، فعلى
الأول يثبت نصف الحد، وعلى الثاني يثبت الحد كاملا وهو ثمانون.
ولو ادعى المقذوف الحرية، وأنكر القاذف، فإن ثبت أحدهما عمل عليه، وإن
جهل ففيه تردد، أظهره أن القول: قول القاذف لتطرق الاحتمال.
الثالث: المقذوف ويشترط فيه: الإحصان. وهو هنا عبارة عن: البلوغ، وكمال
العقل، والحرية، والإسلام، والعفة.
فمن استكملها، وجب بقذفه الحد. ومن فقدها أو بعضها، فلا حد وفيه التعزير.
كمن قذف: صبيا، أو مملوكا، أو كافرا، أو متظاهرا بالزنا، سواء كان القاذف مسلما
أو كافرا، حرا أو عبدا.
ولو قال لمسلم: يا ابن الزانية، أو أمك زانية، وكانت أمه كافرة أو أمة، قال في
النهاية: عليه الحد تاما، لحرمة ولدها، والأشبه التعزير. ولو قذف الأب ولده، لم يحد
وعزر (74). وكذا لو قذف زوجته الميتة، ولا وارث إلا ولده.
نعم، لو كان لها ولد من غيره، كان الحد تاما. ويحد الولد لو قذف أباه،
والأم لو قذفت ولدها. وكذا الأقارب.
الرابع: في الأحكام وفيه مسائل:
الأولى: إذا قذف جماعة، واحدا بعد واحد (75)، فلكل واحد حد. ولو قذفهم
بلفظ واحد، وجاؤوا به مجتمعين، فلكل حد واحد. ولو افترقوا في المطالبة، فلكل
واحد حد. وهل الحكم في التعزير كذلك (76)؟ قال جماعة: نعم، ومعنى للاختلاف
هنا. وكذا لو قال: يا ابن الزانيين فالحد لهما، ويحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة، وحدين مع
التعاقب.

(74): إذ لا يحد الأب من أجل الابن، وهذا حكم خاص بين الأب والابن (من غيره) أي: من زوج آخر قبله أو بعده (كان لهم) مطالبة
الحاكم بحده حدا كاملا ثمانين جلدة (وكذا الأقارب) لو قذف بعضهم بعضا حدا تاما، كالأخوة، والأعمام، والإخوان،
وغيرهم.
(75): كما لو قال لزيد: يا زاني، ثم قال لعمرو: يا زاني ثم قال لبكر: يا زاني (حد) برأسه، فلزيد أن يطلب من الحاكم إجراء حد
القذف عليه، ولعمرو ولبكر كذلك (بلفظ واحد) كما لو قال لهم، يا زناة (فلكل) أي: للمجموع.
(76): كما لو سبهم مثلا قال لهم: يا حمير (ولا معنى) فالحكم من هذه الجهة من الحد والتعزير واحد (فالحد لهما) أي: للأب والأم.
946

الثانية: حد القذف موروث يرثه من يرث المال من الذكور والإناث (77)، عدا الزوج
والزوجة.
الثالثة: لو قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية، فالحد لهما (78)، لا
للمواجه. فإن سبقا بالاستيفاء أو العفو، فلا بحث، وإن سبق الأب، قال في النهاية:
له المطالبة والعفو، وفيه إشكال، لأن المستحق موجود، وله ولاية المطالبة، فلا يتسلط
الأب كما في غيره من الحقوق.
الرابعة: إذا ورث الحد جماعة، لم يسقط بعضه بعفو البعض فللباقين المطالبة بالحد
تاما ولو بقي واحد. أما لو عفا الجماعة، أو كان المستحق واحدا فعفا، فقد سقط
الحد. ولمستحق الحد، أن يعفو قبل ثبوت حقه (79) وبعده. وليس للحاكم الاعتراض
عليه. ولا يقام إلا بعد مطالبة المستحق.
الخامسة: إذا تكرر الحد، بتكرر القذف مرتين، قتل في الثالثة، وقيل: في
الرابعة، وهو أولى. ولو قذف فحد، فقال الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني
التعزير، لأنه ليس بصريح. والقذف المتكرر (80)، يوجب حدا واحدا لا أكثر.
السادسة: لا يسقط الحد عن القاذف، إلا بالبينة المصدقة (81)، أو تصديق
مستحق الحد أو العفو. ولو قذف زوجته، سقط الحد بذلك وباللعان.
السابعة: الحد ثمانون جلدة، حرا كان أو عبدا، ويجلد بثيابه ولا يجرد. ويقتصر
على الضرب المتوسط (82)، ولا يبلغ به الضرب في الزنا، ويشهر القاذف لتجتنب

(77): فلو قال شخص لزيد، يا زاني، فمات زيد، كان لورثته المطالبة بإجراء حد القذف على القائل (عدا الزوج والزوجة) فإنهما لا يرثان
الحد، فلو قال شخص لزوجة زيد: يا زانية، ثم ماتت الزوجة، لم يرث الزوج المطالبة بالحد، " وكذا " لو عفى الورثة إلا الزوجة،
أو إلا الزوج، لم يكن لهما المطالبة بالحد.
(78): للابن أو البنت المنسوب إليهما الزنا (المستحق) أي: صاحب الحق وهو الابن والبنت (كما في غيره من الحقوق) التي
ليس للأب المطالبة، أو العفو كحق المضاجعة والقسم والنفقة والخروج من البيت وغيرها التي ليس للأب مطالبتها ولا
العفو عنها.
(79): أي: قبل قيام البينة عليه، أو إقراره (الاعتراض) بأن يقول له: لا تعف (ولا يقام) أي: ليس للحاكم إقامة الحدود التابعة
لحقوق الناس إلا بعد مطالبة أصحاب الحق.
(80): قيل إقامة الحد، كما لو قال عشر مرات: زيد زان، فلا يحد أكثر من مرة.
(81): أي: التي تصدق القاذف، والبينة هنا أربعة رجال عدول يشهدون بالمعاينة (بذلك) أي: بالبينة المصدقة، وتصديقها، أو
عقدها.
(82): لا أشد الضرب (ويشهر) أي: يعلن عنه في الجرائد، أو الإذاعة والتلفزيون، أو غيرها (التكليف) أي: البلوغ وكمال العقل.
947

شهادته. ويثبت القذف بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين. ويشترط في المقر: التكليف
والحرية والاختيار.
الثامنة: إذا تقاذف اثنان (83)، سقط الحد وعزرا.
التاسعة: قيل: لا يعزر الكفار، مع التنابز بالألقاب (84)، والتعير بالأمراض،
إلا أن يخشى حدوث فتنة، فيحسمها الإمام بما يراه.
ويلحق بذلك مسائل أخر:
الأولى: من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، جاز لسامعه قتله، ما لم يخف
الضرر على نفسه أو ماله، أو غيره من أهل الإيمان. وكذا من سب أحد الأئمة عليهم
السلام (85).
الثانية: من ادعى النبوة، وجب قتله وكذا من قال: لا أدري محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وآله صادق أو لا، وكان على ظاهر الإسلام.
الثالثة: من عمل بالسحر، يقتل إن كان مسلما، ويؤدب إن كان كافرا.
الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط (86). وكذا المملوك.
وقيل: إن ضرب عبده في غير حد حدا، لزمه إعتاقه وهو على الاستحباب.
الخامسة: كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه، يثبت بشاهدين أو الإقرار
مرتين على قول. ومن قذف أمته أو عبده، عزر كالأجنبي (87).
السادسة: كل من فعل محرما، أو ترك واجبا فللإمام عليه السلام، تعزيره بما لا
يبلغ الحد، وتقديره إلى الإمام. ولا يبلغ به حد الحر في الحر، ولا حد العبد في
العبد (88).

(83): كما لو قال زيد: عمرو زان، وقال عمرو: زيد هو زان.
(84): أي: الرمي بالألقاب السيئة، إذا كان بينهم بعضهم مع بعض (فيحسمها) أي: يقطع الفتنة.
(85): والحق بعضهم فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام بهم في ذلك.
(86): لعله أعم من التأديب في المعاصي - كما لو زنى، أو ليط به مختارا ونحو ذلك - أو في الآداب والأخلاق، وفي المسالك: " ولم يذكر -
يعني الشيخ ره - بلوغ العشر " (حدا) كما لو ضربه على شتمة ثمانين سوطا.
(87): أي: كما لو قذف الأجنبي، فيضرب المولى ثمانين جلدة لقذفه عبده أو أمته.
(88): أقل حد الحر ثمانون جلدة، وأقل حد العبد أربعون جلدة، قال في المسالك: " فإن كان الموجب كلاما دون القذف لم يبلغ تعزيره
حد القذف، وإن كان فعلا دون الزنا لم يبلغ حد الزنا وإلى ذلك أشار الشيخ والعلامة في المختلف ".
948

الباب الرابع: في حد المسكر والفقاع ومباحثه ثلاثة:
الأول: في الموجب: وهو تناول المسكر (89)، أو الفقاع، اختيارا مع العلم
بالتحريم، إذا كان المتناول كاملا، فهذه قيود أربعة.
شرطنا التناول، ليعم الشرب والاصطباغ (90)، وأخذه ممزوجا بالأغذية والأدوية.
ونعني بالمسكر، ما هو من شأنه أن يسكر، فإن الحكم يتعلق بتناول القطرة منه.
ويستوي في ذلك الخمر وجميع المسكرات، التمرية والزبيبية والعسلية والمزر المعمول من
الشعير أو الحنطة أو الذرة. وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد.
ويتعلق الحكم بالعصير إذا غلا واشتد، وإن لم يقذف بالزبد، إلا أن يذهب
بالغليان ثلثاه، أو ينقلب خلا، وبما عداه إذا حصلت فيه الشدة المسكرة.
أما التمر إذا غلا، ولم يبلغ حد الإسكار، ففي تحريمه تردد، والأشبه بقاؤه على
التحليل حتى يبلغ (91).
وكذا البحث في الزبيب، إذا نقع بالماء فغلا من نفسه أو بالنار، والأشبه أنه لا
يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.
والفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم، وإن لم يكن مسكرا، وفي وجوب الامتناع من
التداوي به والاصطباغ.
واشترطنا الاختيار تقصيا من المكره، فإنه لا حد عليه ولا يتعلق الحكم بالشارب
بالمتناول، ما لم يكن بالغا عاقلا. وكما يسقط الحد عن المكره، يسقط عمن جهل التحريم،
أو جهل المشروب (92). ويثبت بشهادة عدلين مسلمين. ولا تقبل فيه شهادة النساء

(89): في المسالك: " والمراد بالتناول إدخاله إلى البطن، بالأكل والشرب، خالصا وممزوجا بغيره، سواء بقي مع مزجه مميزا أم لا "
(الفقاع) هو ماء الشعير، نص عليه بالخصوص لأجل تحليل البعض له، فقد ورد عنهم عليهم السلام: " الفقاع خمر استصغره
الناس " (كاملا) أي: بالغا عاقلا.
(90): أي: صبغ الخبز واللحم ونحوهما به، كالتدهين (شأنه أن يسكر) أي: كثيره يسكر (التمرية والزبيبية) يعني: الخمر الذي عمل
منهما أو من غيرهما (ويتعلق الحكم) أي: حرمة التناول (بالعصير) أي: عصير العنب (يقذف) أي: يعلوه.
(91): أي: يبلغ حد الإسكار.
(92): أي: لم يعلم أن هذا المشروب مسكر (منفردات) فلو شهدت عشر نساء على زيد بشرب الخمر لا يثبت عليه (ولا منضمات) بأن
يشهد رجل واحد ونساء (دفعتين) أي مرتين (والاختيار) فلو أقر الصبي أو المجنون أو المملوك أو المكره بأنهم شربوا الخمر لا يقبل
ولو عشرين مرة.
949

منفردات، ولا منضمات، وبالإقرار دفعتين، ولا يكفي المرة.
ويشترط في المقر: البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار.
الثاني: في كيفية الحد وهو ثمانون جلدة، رجلا كان الشارب أو امرأة، حرا كان
أو عبدا. وفي رواية، يحد العبد أربعين، وهي متروكة.
أما الكافر: فإن تظاهر به حد (93)، وإن استتر لم يحد. ويضرب الشارب عريانا
على ظهره وكتفيه، ويتقي وجهه وفرجه، ولا يقام عليه الحد حتى يفيق. وإذا حد
مرتين قتل في الثالثة، وهو المروي، وقال في الخلاف: يقتل في الرابعة. ولو شرب
مرارا، كفى حد واحد.
الثالث: في أحكامه وفيه مسائل:
الأولى: لو شهد واحد بشربها (94)، وآخر بقيئها، وجب الحد. ويلزم على ذلك
وجوب الحد، لو شهدا بقيئها، نظرا إلى التعليل المروي، وفيه تردد، لاحتمال الإكراه
على بعد. ولعل هذا الاحتمال يندفع، بأنه لو كان واقعا، لدفع به عن نفسه. أما لو
أدعاه فلا حد.
الثانية: من شرب الخمر مستحلا (95) استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد، وإن
امتنع قتل. وقيل: يكون حكمه حكم المرتد، وهو قوي. وأما سائر المسكرات، فلا
يقتل مستحلها، لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها. ويقام الحد من شربها، مستحلا
ومحرما.
الثالثة: من باع الخمر مستحلا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. وإن لم يكن
مستحلا، عزر. وما سواه (96) لا يقتل وإن لم يتب، بل يؤدب.
الرابعة: إذا تاب قبل قيام البينة، سقط الحد. وإن تاب بعدها، لم يسقط. ولو

(93): كحد المسلم ثمانين جلدة.
(94): أي: بشرب الخمر (الإكراه) بأن يكون مكرها على شرب الخمر (لو أدعاه) أي: قال أكرهوني على شرب الخمر.
(95): أي: يراها حلالا (استتيب) أي: أمر بالتوبة (قتل) مطلقا سواء كان مسلما من الأصل (فطريا) أو كافرا في الأصل وقد أسلم
(مليا) (حكم المرتد) فإن كان فطريا قتل بلا استتابة وإن كان مليا استتيب فإن تاب فهو وإلا قتل، وسيأتي أحكام المرتد الفطري
والمرتد الملي في القسم الثاني من هذا الكتاب عند رقم " 153 " وما بعده.
(96): أي: لو باع ما سوى الخمر من سائر الأشربة المسكرة (وإن لم يتب) لأن حرمتها ليست من ضروريات الإسلام، للخلاف فيها بين
مذاهب المسلمين.
950

كان ثبوت الحد بإقراره (97)، كان الإمام عليه السلام مخيرا: بين حده وعفوه. ومنهم من
منع من التخيير، وحتم الاستيفاء هنا، وهو أظهر.
تتمة: تشتمل على مسائل:
الأولى: من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها (98)، كالميتة والدم والربا
ولحم الخنزير، ممن ولد على الفطرة يقتل. ولو ارتكب ذلك لا مستحلا، عزر.
الثانية: من قتله الحد أو التعزير فلا دية له، وقيل: تجب على بيت المال، والأول
مروي.
الثالثة: لو أقام الحاكم الحد بالقتل، فبان فسوق الشاهدين، كانت الدية في بيت
المال، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته (99). ولو أنفذ إلى حامل لإقامة حد، فأجهضت
خوفا، قال الشيخ: دية الجنين في بيت المال، وهو قوي لأنه خطأ، وخطأ الحكام في
بيت المال. وقيل: يكون على عاقلة الإمام، وهي قضية عمر مع علي عليه السلام (100).
ولو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحد فمات، فعليه نصف الدية في ماله إن لم
يعلم الحداد، لأنه شبيه العمد. ولو كان سهوا، فالنصف على بيت المال. ولو أمر.
بالاقتصار على الحد، فزاد الحداد عمدا، فالنصف على الحداد في ماله. ولو زاد سهوا
فالدية على عاقلته، وفيه احتمال آخر (101).

(97): بأن أقر عند الإمام مرتين بشرب الخمر، ثم تاب.
(98): بين جميع مذاهب المسلمين والأحوط إضافة قيد كونه مع ذلك ضروريا لا يجهله أحد من المسلمين.
(99): أي: عاقلة الحاكم، وهي أقرباؤه من طرف أبيه، كالأخوة، وأولادهم، والأعمام، وبني الأعمام، ونحوهم دون من تقرب إليه
بسبب الأم وحدها كالأخوال وأولادهم، والأخوة لأمه، وأولادهم، وهكذا (انفذ) أي: أرسل الحاكم (فأجهضت) أي:
أسقطت ولدها.
(100): حيث أرسل عمر خلف حامل ليقيم عليها الحد فأجهضت، فحكم الإمام علي عليه السلام على عمر بالدية على عاقلته وهم بنو عدي
قبيلته (أمر الحاكم) غير المعصوم، لأن المعصوم لا يصدر منه نحو ذلك (زيادة عن الحد) كما لو أمر بضرب مئة في شرب الخمر، أو
مئة وخمسين في الزنا غير المحصن - هذا في غير الأماكن والأزمنة الشريفة التي للحاكم زيادة الحد لهتك شرافة ذاك المكان أو الزمان
الشريفين - (نصف الدية) لأنه مات بسببين أحدهما جائز والآخر غير جائر (شبيه العمد) لقصده العقل دون القتل (بيت المال) لأن
خطأ الحاكم يجبر من بيت المال، كما لو أراد أن يقول اضربوه ثمانين فسها وقال: مئة مثلا - (عاقلته) أي: عاقلة الحداد، لأن الخطأ
من الحداد.
(101): في المسالك: " يحتمل أن يريد به توزيع الدية على الأسواط الزائدة والواقعة في الحد ويسقط منها بحساب الحد لأن السبب مركب
من المجموع " مثلا لو كان حده ثمانين سوطا، ولكن ضربه مئة سوط فمات، فعليه خمس الدية، وذكر المسالك عدة احتمالات
أخرى.
951

الباب الخامس: في حد السرقة والكلام في السارق، والمسروق والحجة (102)،
والحد، واللواحق.
الأول: في السارق ويشترط في وجوب الحد عليه شروط:
الأول: البلوغ: فلو سرق الطفل، لم يحد ويؤدب ولو تكررت سرقته. وفي النهاية
يعفى عنه أولا، فإن عاد أدب، فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى، فإن عاد قطعت
أنامله، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل، وبهذا روايات.
الثاني: العقل: فلا يقطع المجنون ويؤدب وإن تكررت منه.
الثالث: ارتفاع الشبهة: فلو توهم الملك، فبان غير مالك (103)، لم يقطع. وكذا
لو كان المال مشتركا، فأخذ من يظن أنه قدر نصيبه.
الرابع: ارتفاع الشركة: فلو سرق من مال الغنيمة، فيه روايتان، إحداهما لا
يقطع والأخرى إن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب (104)، قطع، والتفصيل
حسن. ولو سرق من المال المشترك قدر نصيبه، لم يقطع. ولو زاد بقدر النصاب قطع.
الخامس: أن يهتك الحرز (105) منفردا كان أو مشاركا، فلو هتك غيره، وأخرج
هو، لم يقطع.
السادس: أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا ويتحقق الإخراج: بالمباشرة،
وبالتسبيب، مثل أن يشده بحبل ثم يجذبه من خارج، أو يضعه على دابة، أو على جناح
طائر من شأنه العود إليه. ولو أمر صبيا غير مميز بإخراجه، تعلق بالأمر القطع، لأن
الصبي كالآلة.
السابع: أن لا يكون والدا من ولد ويقطع الولد، لو سرق من الوالد. وكذا
يقطع الأقارب. وكذا الأم لو سرقت من الولد.

(102): وهي ما يثبت به شرعا لسرقة (ولو تكررت) يعني: حتى ولو سرق مئة مرة (أنامله) أي: رؤوس أصابعه تحك بالأرض، أو
بالحائط ونحوهما (كما يقطع الرجل) أربعة أصابع من يده اليمنى، ويترك له الإبهام.
(103): أي: فظهر أنه ليس المالك لهذا الشئ.
(104): أي: الزيادة كانت بقدر النصاب، وهو ربع دينار شرعي ذهبا.
(105): أي بكسر القفل وباللقب، وفتح الباب، ونحو ذلك.
952

الثامن: أن يأخذه سرا فلو هتك قهرا ظاهرا وأخذ، لم يقطع وكذا المستأمن (106)
لو خان. ويقطع الذمي كالمسلم والمملوك، مع قيام البينة. وحكم الأنثى في ذلك كله
حكم الذكر.
مسائل:
الأولى: لا يقطع الراهن (107) إذا سرق الرهن، إن استحق المرتهن الإمساك..
ولا المؤجر العين المستأجرة، وإن كان ممنوعا من الاستعادة، مع القول بملك المنفعة،
لأنه لم يتحقق إخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الإخراج
الثانية: لا يقطع عبد الإنسان بسرقة ماله، ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها (108)،
لأن فيه زيادة إضرار. نعم، يؤدب بما يحسم به الجرأة.
الثالثة: يقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه (109)، وفي رواية لا يقطع، وهي
محمولة على حالة الاستئمان. وكذا الزوج إذا سرق من زوجته، أو الزوجة من زوجها.
وفي الضيف قولان، أحدهما لا يقطع مطلقا، وهو المروي، والآخر يقطع إذا أحرز من
دونه، وهو أشبه.
الرابعة: لو أخرج متاعا، فقال صاحب المنزل: سرقته، وقال المخرج: وهبتنيه
أو أذنت في إخراجه، سقط الحد للشبهة، وكان القول قول صاحب المنزل مع يمينه في
المال (110). وكذا لو قال: المال لي، وأنكر صاحب المنزل، فالقول قوله مع يمينه،
ويغرم المخرج، ولا يقطع لمكان الشبهة.
الثاني: في المسروق: لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار.
ويقطع فيما بلغه: ذهبا، خالصا، مضروبا، عليه السكة.. أو ما قيمته ربع

(106): أي: الذي عد أمينا فجعل عنده المال، ثم خان وأنكر ذلك.
(107): لو اقترص زيد من عمرو ألف دينار، وجعل ذهبه عند عمرو رهنا، فزيد يسمى راهنا، وعمرو يسمى مرتهنا.
(108): أي: من الغنيمة، فلو غنم المسلمون من الكفار عبيدا، وأمتعة، وغيرهما، فسرق أحد عبيد الغنيمة بعض الأمتعة لا تقطع يده
(بما يحسم) أي: ينتهي.
(109): أي: مما في البيت (الاستئمان) إذا جعل أمينا ووضع تحت يده شئ فسرق منه (أحرز من دونه) أي: مما في البيت في الحرز.
(110): يعني: يؤخذ منه المال ولا تقطع يده (قوله مع يمينه) أي: قول صاحب المنزل (ويغرم) أي: يؤخذ منه غير المال، أو بدله إذا
كانت العين تالفة.
953

دينار، ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة أو غيره، سواء كان أصله الإباحة أو لم يكن (111).
وضابطه: ما يملكه المسلم.
وفي الطين وحجارة الرخام رواية بسقوط الحد ضعيفة. ومن شرطه أن يكون محرزا
بقفل أو غلق أو دفن، وقيل: كل موضع ليس بغير مالكه الدخول إليه إلا بأذنه (112).
فما ليس بمحرز فلا يقطع سارقه. كالمأخوذ من الأرحبة، والحمامات، والمواضع المأذون
في غشيانها كالمساجد. وقيل: إذا كان المالك مراعيا له، كان محرزا، كما قطع النبي
صلى الله عليه وآله سارق مئزر صفوان في المسجد، وفيه تردد.
وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال؟؟ المبسوط وفي الخلاف: نعم، وفيه
إشكال، لأن الناس في غشيانها شرع (113).
ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه الظاهرين، ويقطع لو كانا باطنين.
ولا قطع في ثمرة على شجرها، ويقطع لو سرق بعد إحرازها (114)، ولا على من سرق مأكولا في
عام مجاعة.
ومن سرق صغيرا (115)، فإن كان مملوكا، قطع. ولو كان حرا فباعه، لم يقطع حدا، وقيل:
يقطع دفعا لفساده.

(111): أصله الإباحة كالأخشاب المتخذة من الأشجار المباحة في الغابات، (أو لم يكن) كالحيوانات الأهلية، وهذا رد على خلاف أبي
حنيفة (وفي الطين) أي: سرقة الطين (الرخام) أي: المرمر وهو حجر طبيعي لماع صلب.
(112): مثل البساتين، والمزارع ونحوهما (الأرحبة) جمع رحبة، وهي الساحة العامة (غشيانها) أي: دخولها
(كالمساجد) والحسينيات، والخانات، والمدارس المفتوحة أبوابها، ونحو ذلك (مراعيا له) أي: في نظارته ورعايته
(صفوان) في المسالك: " الرواية وردت بطرق كثيرة (منها) حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن
الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه قال: إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه وخرج يهريق
الماء فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه فقال من ذهب بردائي فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال
(صلى الله عليه وآله): اقطعوا يده فقال صفوان: تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال: نعم قال: فأنا أهبه له، فقال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): فهلا كان هذا قبل أن يرفعه إلي قلت: فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال: نعم " (وفيه تردد) لورود
الرواية بتعبيرات مختلفة، وتفصيله في المفصلات.
(113): أي: سواء، وليست الستارة شيئا في حرز.
(114): في حرز من حجرة مقفلة ونحوها (مجاعة) أي: قحط.
(115): أي: إنسانا صغيرا طفلا أو طفلة (قطع) لأن المملوك مال، بشرط أن تكون قيمته ربع دينار أو أكثر (لم يقطع حدا)
لأن الحر ليس مالا.
954

ولو أعار بيتا (116)، فنقبه المعير وسرق منه مالا للمستعير، قطع وكذا لو أجر بيتا،
وسرق منه مالا للمستأجر. ويقطع من سرق مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف عليه، لأنه
مملوك له.
ولا تصير الجمال محرزة بمراعاة صاحبها، ولا الغنم بإشراف الراعي عليها (117)،
وفيه قول آخر للشيخ.
ولو سرق باب الحرز أو من أبنيته، قال في المبسوط: يقطع، لأنه محرز بالعادة.
وكذا إذا كان الإنسان في داره، وأبوابها مفتحة. ولو نام زال الحرز، وفيه تردد.
ويقطع سارق الكفن، لأن القبر حرز له. وهل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل:
نعم، وقيل: يشترط في المرة الأولى (118)، دون الثانية والثالثة وقيل: لا يشترط،
والأول أشبه. ولو نبش ولم يأخذ، عزر. ولو تكرر منه الفعل، وفات السلطان. كان
له قتله للردع.
الثالث: ما به يثبت: ويثبت بشاهدين عدلين، أو بالإقرار مرتين، ولا يكفي
المرة.
ويشترط في المقر: البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والاختيار. فلو أقر العبد لم
يقطع، لما يتضمن من إتلاف مال الغير (119). وكذا لو أقر مكرها ولا يثبت به حد ولا
غرم. فلو رد السرقة بعينها، بعد الإقرار بالضرب قال في النهاية: يقطع. وقال بعض
الأصحاب: لا يقطع، لتطرق الاحتمال إلى الإقرار، إذ من الممكن أن يكون المال في
يده، من غير جهة السرقة وهذا حسن. ولو أقر مرتين ورجع، لم يسقط الحد، وتحتمت
الإقامة (120) ولزمه الغرم. ولو أقر مرة، لم يجب الحد ووجب الغرم.

(116): مثاله: كان لزيد بيت - أي حجرة تحتانية - فأعطاها عارية لعمرو، وجعل عمرو فيها ماله، ثم جاء زيد صاحب
الحجرة - وسرق مال عمرو، قطعت يد زيد (فطالبه) بقطع يد السارق.
(117): فلو سرق جملا أو غنما فلا قطع (قول آخر) وهو أن نظر الراعي عليها بأن كان غافلا أو نائما، أو غاب بعض الجمال
أو الغنم عن نظر الراعي خلف جبل أو نحوه فلا حرز ولا قطع.
(118): أي: في السرقة الأولى (والأول) وهو لزوم بلوغ النصاب مطلقا (وفات السلطان) قطع يده.
(119): لأن العبد بنفسه مال للغير، ولا يتلف مال شخص لمال آخر (بعينها) أي: عين المال المسروق (بالضرب) بأن
ضرب حتى أقر بالسرقة وجاز بعين المال المسروق.
(120): أي: إقامة الحد بقطع يده (العزم) ارجاع المال أو بدله.
955

الرابع: في الحد: وهو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى، ويترك له الراحة
والإبهام. ولو سرق ثانية، قطعت رجله اليسرى. من مفصل القدم، ويترك له العقب
يعتمد عليها (121). فإن سرق ثالثة، حبس دائما. ولو سرق بعد ذلك، قتل. ولو
تكررت السرقة. فالحد الواحد كاف.
ولا يقطع اليسار مع وجود اليمين، بل يقطع اليمين ولو كانت شلاء. وكذا لو
كانت اليسار شلاء أو كانتا شلاءين، قطعت اليمين على التقديرين. ولو لم يكن له
يسار، قال في المبسوط: قطعت يمينه، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد
الله عليه السلام: " لا يقطع "، والأول أشبه.
أما لو كان له يمين حين القطع (122) فذهبت، لم يقطع اليسار، لتعلق القطع
بالذاهبة.
ولو سرق ولا يمين له، قال في النهاية: قطعت يساره، وفي المبسوط: ينتقل إلى
رجله (123). ولو لم يكن له يسار، قطعت رجله اليسرى.
ولو سرق ولا يد له ولا رجل حبس، وفي الكل إشكال، من حيث إنه تخط عن
موضع القطع، فيقف على إذن الشرع، وهو مفقود.
ويسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته، ويتحتم (124) لو تاب بعد البينة. ولو تاب بعد
الإقرار، قيل: يتحتم القطع، وقيل: يتخير الإمام في الإقامة والعفو، على رواية فيها
ضعف.
ولو قطع الحداد (125) يساره مع العلم، فعليه القصاص، ولا يسقط قطع اليمين.

(121): في المشي (بعد ذلك) أي: سرق في الحبس (ولو تكررت) من غير تخلل حد (شلاء) أي: يابسة (وكذا لو
كانت اليسار) بحيث لو قطعت يمينه سقط عن الانتفاع مطلقا مع ذلك تقطع يمينه.
(122): أي: حين السرقة والحكم عليه بالقطع، لكنه فقد يمينه عندما أريد إجراء الحد عليه، كما لو قطعت في حرب، أو من
عدو أو نحوهما.
(123): أي: رجله اليسرى (وفي الكل إشكال) فالحبس لمن لا يد ولا رجل له، لا دليل عليه، وكذا الانتقال إلى اليسار لمن
لا يمين له، وكذا الانتقال إلى الرجل لمن لا يمين له، وهكذا (موضع القطع) أي: القطع بالحكم الشرعي (فيقف)
أي: فيتوقف.
(124): أي: يتحتم قطع اليد.
(125): مجرى الحد (فعليه القصاص) أي: تقطع يسار الحداد (ولا يسقط قطع اليمين) أي: لأجل إنه قطعت يساره لا يترك
قطع يمينه (بالسرقة) أي: لأجل السرقة التي توجب قطع اليمين.
956

بالسرقة. ولو ظنها اليمين، فعلى الحداد الدية. وهل يسقط قطع اليمين (126)؟ قال في
المبسوط: لا، لتعلق القطع بما قبل ذهابها. وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه
السلام، أن عليا عليه السلام، قال: لا يقطع يمينه وقد قطعت شماله. وإذا قطع
السارق، يستحب حسمه (127) بالزيت المغلي نظرا له، وليس بلازم. وسراية الحد ليست
مضمونة وإن أقيم في حر أو برد، لأنه استيفاء سائغ.
الخامس: في اللواحق: وهي مسائل:
الأولى: يجب على السارق إعادة العين المسروقة وإن تلفت أغرم مثلها، أو
قيمتها إن لم يكن لها مثل (128). وإن نقصت، فعليه أرش النقصان. ولو مات
صاحبها، دفعت إلى ورثته. فإن لم يكن له وارث فإلى الإمام.
الثانية: إذا سرق اثنان نصابا، ففي وجوب القطع قولان، قال في النهاية: يجب
القطع (129)، وقال في الخلاف: إذا نقب ثلاثة، فبلغ نصيب كل واحد نصابا، قطعوا. وإن كان
دون ذلك، فلا قطع، فالتوقف أحوط.
الثالثة: لو سرق ولم يقدر عليه، ثم سرق ثانية، قطع بالأخيرة (130)، وأغرم
المالين. ولو قامت الحجة بالسرقة، ثم أمسكت حتى قطع، ثم شهدت عليه بالأخرى
قال في النهاية: قطعت يده بالأولى ورجله بالثانية، استنادا إلى الرواية. وتوقف بعض
الأصحاب فيه، وهو أولى.
الرابعة: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه، فلو لم يرافعه (131) لم يرفعه

(126): عند اشتباه الحداد (ذهابها) أي: اليسار، أي: كان الأمر بقطع اليمنى قبل أن تقطع اليسار فلا علم بوجوب قطع
اليمين حتى بعد قطع اليسار (وفي رواية) يعني: الرواية تؤيد ذلك.
(127): أي: قطع نزيف الدم (نظرا له) أي: إمهالا له لكي لا يستمر نزيف الدم فيموت (ليست مضمونة) فلو سرى
الجرح فمات لا ضمان على القاضي أو الحداد (سائغ) أي: جائز، إذ يستحب ترك إقامة الحد في شدة الحر وشدة البرد،
وليس بواجب.
(128): المثلي كالحنطة والشعير ونحوهما، والقيمي كالمجوهرات، والكتب المخطوطة ونحو ذلك (وارث) حتى المولى المعتق،
وضامن الجريرة.
(129): قطع كليهما (فالتوقف) بعدم القطع، إذ الحدود تدرأ بالشبهات.
(130): في المسالك: " ويظهر فائدة القولين لو عفى من حكم بالقطع لأجله " (ثم شهدت) نفس الحجة الأولى (بأخرى)
أي: سرقة ثانية (أولى) أي: التوقف وعدم القطع من أجله أولى.
(131): أي: لم يرفع الشكوى إلى حاكم الشرع (وإن قامت) أي: حتى وإن قامت (وهبه) المال (عفا عن القطع) ولم يهب
المال (لا يسقط) الحد، وإن سقط الغرم يهبه المال.
957

الإمام، وإن قامت البينة. ولو وهبه المسروق منه، يسقط الحد. وكذا لو عفا عن
القطع. فأما بعد المرافعة، فإنه لا يسقط بهبة ولا عفو.
فرع: لو سرق مالا، فملكه قبل المرافعة (132)، سقط الحد. ولو ملكه بعد
المرافعة، لم يسقط.
الخامسة: لو أخرج المال وأعاده إلى الحرز، لم يسقط الحد، لحصول السبب
الموجب التام. وفيه تردد، من حيث إن القطع موقوف على المرافعة، فإذا دفعه إلى
صاحبه، لم يبق له المطالبة. ولو هتك الحرز جماعة (133)، وأخرج المال أحدهم، فالقطع
عليه خاصة، لانفراده بالسبب الموجب ولو قربه أحدهم، وأخرجه الآخر، فالقطع على
المخرج. وكذا لو وضعها الداخل في وسط النقب وأخرجها الخارج، قال في المبسوط:
لا قطع على أحدهما، لأن كل واحد لم يخرجه عن كمال الحرز.
السادسة: لو أخرج قدر النصاب دفعة، وجب القطع. ولو أخرجه مرارا (134)،
ففي وجوبه تردد، أصحه وجوب الحد، لأنه أخرج نصابا. واشتراط المرة في الإخراج
غير معلوم.
السابعة: لو نقب وأخذ النصاب، وأحدث فيه حدثا ينقص به قيمته عن
النصاب، ثم أخرجه، مثل إن خرق الثوب أو ذبح الشاة فلا قطع (135). ولو أخرج
نصابا، فنقصت قيمته قبل المرافعة، ثبت القطع.
الثامنة: لو ابتلع داخل الحرز، ما قدره نصاب، كاللؤلؤة فإن كان يتعذر
إخراجه (136)، فهو كالتالف فلا حد. ولو اتفق خروجها بعد خروجه، فهو ضامن.
وإن كان خروجها مما لا يتعذر، بالنظر إلى عادته، قطع لأنه يجري مجرى إيداعها في
الوعاء.
الباب السادس: في حد المحارب: المحارب: كل من جرد السلاح لإخافة

(132): كما لو سرق زيد من عمرو ثوبه، ثم اشتراه منه، فعلم عمرو بالسرقة فرفع الشكوى إلى الحاكم (بعد المرافعة) كما لو
اشتراه منه بعد الشكاية عند الحاكم.
(133): بأن كسر جماعة الباب، ولكن واحدا دخل وأخرج المال (النقب) أي: ثقب الحائط.
(134): بأن أخرج كل مرة درهما مثلا حتى بلغ المجموع ربع دينار.
(135): إذ لم يخرج نصابا.
(136): كاللحم والفواكه أكلها داخل الحرز وخرج (في الوعاء) أي: وضعه في ظرف داخل الحرز وإخراجه مع الظرف.
958

الناس، في بر أو بحر، ليلا كان أو نهارا، في مصر (137) وغيره.
وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد، أصحه إنه لا يشترط مع العلم بقصد
الإخافة.
ويستوي في هذا الحكم، الذكر والأنثى إن اتفق. وفي ثبوت هذا الحكم
للمجرد (138) مع ضعفه عن الإخافة تردد، أشبهه الثبوت، ويجتزي بقصده، ولا يثبت
هذا الحكم للطليع ولا للردء.
وتثبت هذه الجناية بالإقرار ولو مرة، وبشهادة رجلين عدلين. ولا يقبل شهادة
النساء فيه منفردات، ولا مع الرجال. ولو شهد بعض اللصوص على بعض لم
يقبل (139). وكذا شهد المأخوذون بعضهم لبعض. أما لو قالوا: أعرضوا لنا أو أخذوا هؤلاء،
قبل، لأنه لا ينشأ من ذلك تهمة تمنع الشهادة.
وحد المحارب: القتل، أو الصلب، أو القطع مخالفا (140)، أو النفي. وقد تردد
فيه الأصحاب، فقال المفيد: بالتخيير. وقال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: بالترتيب يقتل
إن قتل. ولو عفا ولي الدم، قتله الإمام.
ولو قتل وأخذ المال، استعيد منه (141)، وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم
قتل وصلب. وإن أخذ المال ولم يقتل، قطع مخالفا ونفي. ولو جرح ولم يأخذ المال،
اقتص منه ونفي. ولو اقتصر على شهر السلاح والإخافة، ونفي لا غير. واستند في
التفصيل إلى الأحاديث الدالة عليه. وتلك الأحاديث لا تنفك عن ضعف في إسناد، أو

(137): المضر البلد (الريبة) أي السرقة والقتل ونحوهما (إن اتفق) صدور الإخافة عن الأنثى.
(138): أي: المجرد عن السلام (بقصده) فإن كان قصد السلب أو القتل حكم بأنه محارب (الطليع) هو الذي يترصد المارة
ليخبر قطاع الطرق عنهم، وهو لا يخيف أحدا مباشرة، ولا يقتل ولا يسلب (والردء) وهو المعين للمحارب في ما يحتاج
من أكل وشرب وإعطائه السلاح وغير ذلك.
(139): لأنهم فساق ويشترط في الشاهد العدالة (وكذا) لا تقبل الشهادة لو شهد أفراد القافلة الذين تعرض لهم جميعا
اللصوص، فلو شهد بعضهم: أن هؤلاء الذين شهروا السلاح على أولئك وشهد أولئك أن اللصوص شهروا السلاح على
هؤلاء، لا تقبل الشهادة للتهمة (عرضوا لنا) أي: شهدوا على مجرد التعرض دون السلب والقتل (أو أخذوا هؤلاء)
من دون أن يشهد هؤلاء لأولئك.
(140): يقطع الأربع أصابع من يده اليمنى، وقطع رجله اليسرى من المفصل ويترك له العقب يمشي عليها (بالتخيير) يعني:
حاكم الشرع مخير بين هذه الأربعة، فمن شاء يقتله، ومن شاء يصلبه ومن شاء يقطعه مخالفا، ومن شاء ينفيه سواء كان
المحارب قتل أم لا، جرح أم لا، أخذ مالا أم لا، (أبو جعفر) يعني: الشيخ الطوسي رحمة الله عليه.
(141): أي: استرجع من المحارب ما أخذه من المال.
959

اضطراب في متن، أو قصور في دلالة (142)، فالأولى العمل بالأول تمسكا بظاهر الآية.
وههنا مسائل:
الأولى: إذا قتل المحارب غير طلبا للمال، تحتم قتله فورا إن كان المقتول
كفؤا (143)، ومع عفو الولي حد، سواء كان المقتول كفؤا أو لم يكن. ولو قتل لا طلبا
للمال، كان كقاتل العمد وأمره إلى الولي (144). أما لو جرح طلبا للمال، كان القصاص
إلى الولي. ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي، على الأظهر.
الثانية: إذا تاب قبل القدرة عليه، سقط الحد، ولم يسقط ما يتعلق به من حقوق
الناس، كالقتل والجرح والمال. ولو تاب بعد الظفر به، لم يسقط عنه حد، ولا قصاص
ولا غرم.
الثالثة: اللص محارب، فإذا دخل دارا متغلبا (145)، كان لصاحبها محاربته فإن
أدى الدفع إلى قتله، كان دمه هدرا ضائعا لا يضمنه الدافع. ولو جنى اللص عليه
ضمن ويجوز الكف عنه. أما لو أراد نفس المدخول عليه، فالواجب الدفع. ولا يجوز
الاستسلام والحال هذه. ولو عجز عن المقاومة وأمكن الهرب، وجب.
الرابعة: يصلب المحارب حيا (146) على القول بالتخيير، ومقتولا على القول
الآخر.
الخامسة: لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلي
عليه ويدفن. ومن لا يصلب إلا بعد القتل، لا يفتقر إلى تغسيله، لأنه يقدمه أمام
القتل (147).

(142): يعني: بعضها ضعيفة السند، وبعضها لأدلة فيه، وبعضها مضطرب نصها (بظاهر الآية) لأن ظاهر الآية التخيير من
أجل حرف (أو).
(143): المسلم الرجل كف ء، الرجل المسلم، المرأة المسلمة كف ء، المرأة المسلمة، والذمي كف ء الذمي (حد) وهو أحد الأربعة
القتل أو الصلب أو القطع مخالفا، أو المنفي.
(144): فإن أراد القصاص كان له وإن عفى ترك.
(145): أي: بالقهر والغلبة (اللص عليه) أي: على من في الدار (ويجوز الكف عنه) أي: ترك اللص وعدم طرده (نفس
المدخول عليه) أي: أراد قتله (الاستسلام) للقتل ظلما.
(146): بأن يشد على خشبة ويترك حتى يموت، وإن لم يمت إلى ثلاثة أيام قتل وهو على الخشبة - كما في المسالك - (الآخر) وهو
قول الشيخ الطوسي الذي مر من أن المحارب إذا قتل وأخذ المال قطع مخالفا ثم قتل ثم صلب.
(147): أي: يؤمر فيغتسل هو قبل القتل.
960

السادسة،: ينفى المحارب عن بلده، ويكتب إلى كل بلد يأوي إليه بالمنع من
مواكلته ومشاربته ومجالسته ومبايعته (148). ولو قصد بلاد الشرك منع منها. ولو مكنوه من
دخولها، قوتلوا حتى يخرجوه.
السابعة: لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب (149)، وفي الخلاف يعتبر. ولا
انتزاعه من حرز وعلى ما قلناه من التخيير، لا فائدة في هذا البحث، ولأنه يجوز قطعه،
وإن لم يأخذ مالا، وكيفية قطعه أن يقطع يمناه (150) ثم يحسم، ثم يقطع رجله اليسرى
وتحسم. ولو لم تحسم في الموضعين جاز. ولو فقد أحد العضوين، اقتصرنا على قطع
الموجود. ولم ينتقل إلى غيره.
الثامنة: لا يقطع المستلب (151)، ولا المختلس، ولا المحتال على الأموال بالتزوير
والرسائل الكاذبة، بل يستعاد منه المال ويعزر. وكذا المبنج، ومن سقى غيره مرقدا،
لكن إن جنى ذلك شيئا ضمن الجناية.
القسم الثاني
من كتاب الحدود وفيه أبواب:
الباب الأول: في المرتد وهو: الذي يكفر بعد الإسلام، وله قسمان.
الأول: من ولد على الإسلام وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع، ويتحتم قتله، وتبين
منه زوجته (152)، وتعتد منه عدة الوفاة، وتقسم أمواله بين ورثته، وإن التحق بدار

(148): أي: الأكل والشرب معه على مائدة واحدة، وأن يباع له شئ (منع منها) أي: لا يسمح له بالفرار لها (ولو مكنوه)
أي: المشركون.
(149): فلو أخذ أقل من ربع دينار قطع من خلاف أيضا (من حرز) أي: وكذا لا يعتبر أن يكون قد أخذ المال من حرز.
(150): كما في السرقة أصابعه الأربع (الحسم) أي: يقطع عنه نزيف الدم (ولم ينتقل) فلو لم تكن له يد يمنى لا تقطع يده
اليسرى، ولو لم تكن له قدم يسرى لا تقطع قدمه اليمنى.
(151): وهو الذي يأخذ المال أو المتاع من عند صاحبه ويهرب (والمختلس) هو الذي يغفل صاحب المال فيأخذ المال (بالتزوير)
بأن يقول: فلان بعثني لأخذ منك ألف دينار، ثم يتبين كذبه (والرسائل الكاذبة) بأن يكتب بخط يشبه خط المولى إلى
عبده أن اعط لزيد كذا، ثم يظهر كذبه (ويعزر) وفي بعض هذه الموارد جاء عن علي عليه السلام إنه عزره وحبسه
(المبنج) وهو الذي يسقي البنج لغيره ثم يأخذ أمواله (مرقدا) أي: دواء منوما (جنى) بأن صار البنج أو المرقد، أو
غيرهما سببا لمرض أو نحوه.
(152): أي: بدون طلاق تكون كالمطلقة طلاقا بائنا لا رجعة فيه، (عدة الوفاة) أربعة أشهر وعشرة أيام، وبعدها تتزوج بمن
شاءت هي باختيارها (وإن التحق) أي: حتى إذا لم يقتله حاكم الشرع وراح إلى بلاد الكفار الحربيين (أو اعتصم)
أي: تمسك (يحول) كالفرار، أو اللجوء إلى دولة لا يمكن استرجاعه منها، ونحو ذلك
961

الحرب أو اعتصم بما يحول بين الإمام وبين قتله.
ويشترط في الارتداد: البلوغ، وكمال العقل، والاختيار.
فلو أكره، كان نطقه بالكفر لغوا (153). ولو ادعى الإكراه، مع وجود الأمارة،
قبل.
ولا تقتل المرأة بالردة، بل تحبس دائما، وإن كانت مولودة على الفطرة، وتضرب
أوقات الصلوات.
القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب (154)، فإن امتنع قتل.
واستتابته واجبة، وكم يستتاب؟ قيل: ثلاثة أيام، وقيل: القدر الذي يمكن معه
الرجوع، والأول مروي وهو حسن لما فيه من التأني لإزالة عذره. ولا يزول عنه أملاكه،
بل تكون باقية عليه، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته (155)، ويقف نكاحها على انقضاء
العدة، وهي كعدة المطلقة.
وتقضى من أمواله ديونه، وما عليه من الحقوق الواجبة، ويؤدى منه نفقة
الأقارب (156) ما دام حيا. وبعد قتله تقضى ديونه، وما عليه من الحقوق الواجبة، دون
نفقة الأقارب.
ولو قتل أو مات، كانت تركته لورثته المسلمين. فإن لم يكن له وارث
مسلم (157)، فهو للإمام عليه السلام. وولده بحكم المسلم، فإن بلغ مسلما فلا بحث.
فإن اختار الكفر بعد بلوغه، استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر (158)، قتل به، سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.

(153): كما كان من عمار بن ياسر - رضوان الله عليه وعلى أبويه - (الأمارة) كما لو كان ضعيفا والكفار أقوياء مثلا (بالردة)
أي: بالارتداد عن الإسلام (دائما) إذا لم تتب.
(154): أي: ينصح ويؤمر بالتوبة (عذره) من شبهة ونحوها.
(155): فتكون زوجته كالمطلقة الرجعية (انقضاء العدة) فإن انقضت عدتها - ثلاثة قروء - ولم يتب الزوج بانت منه، وإن تاب
في أثناء العدة فهو زوجها بدون عقد.
(156): الذي يجب عليه الإنفاق عليهم كالأبوين، والأولاد، ونحوهم (ما دام حيا) لأن المال ماله.
(157): حتى مولى معتقا، وضامن جريرة، مسلمين.
(158): أي: قبل أن يبلغ الولد ويختار الكفر، سواء أظهر الإسلام، أم لم يظهر بعد شيئا.
962

ولو ولد بعد الردة (159)، وكانت أمه مسلمة، كان حكمه كالأول. وإن كانت
مرتدة، والحمل بعد ارتدادهما كان بحكمهما، لا يقتل المسلم بقتله. وهل يجوز استرقاقه؟
تردد الشيخ: فتارة يجيزه لأنه كافر بين كافرين، وتارة يمنع لأن أباه لا يسترق لتحرمه
بالإسلام. وكذا الولد، وهذا أولى.
ويحجر الحاكم على أمواله، لئلا يتصرف فيها بالإتلاف، فإن عاد (160) فهو أحق
بها، وإن التحق بدار الكفر، بقيت على الاحتفاظ، ويباع منها ما يكون له الغبطة في
بيعه كالحيوان.
مسائل من هذا الباب:
الأولى: إذا تكرر الارتداد (161)، قال الشيخ: يقتل في الرابعة، وقال: وروى
أصحابنا: يقتل في الثالثة أيضا.
الثانية: الكافر إذا أكره على الإسلام (162)، فإن كان ممن يقر على دينه، لم يحكم بإسلامه. وإن
كان ممن لا يقر، حكم به.
الثالثة: إذا صلى بعد ارتداده، لم يحكم بعوده (163)، سواء فعل ذلك في دار
الحرب أو دار الإسلام.
الرابعة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه

(159): أي: بعد ارتداد أبيه (كالأول) كالمرتد الفطري، فلو بلغ هنا الولد فارتد قتل بدون استتابة، لأن كل من ولد وأحد
أبويه مسلم كان بحكم المسلم، وارتداده ارتداد فطرة (كانت) أمه أيضا (مرتدة) (بحكمهما) أي: كان هذا المولود كافرا
شرعا (بقتله) أي: لو قتل مسلم هذا الحمل لا يقتل به، لعدم الكفء، إذا الحمل محكوم بالكفر (لتحرمه) أي:
لاحترامه بسابق إسلامه.
(160): أي الإسلام (بقيت) إلى أن تنتهي عدة زوجته (الغبطة) أي: المصلحة (كالحيوان) مثل الخيل والبغال والحمير فإن
بقاءها موجب لصرف الطعام والشراب عليها.
(161): من الكافي الملي، ثم تاب، ثم ارتد، ثم تاب وهكذا (أيضا) يعني: رواية في الرابعة ورواية أخرى في الثالثة.
(162): من قبل بعض من لا يعرفون الإسلام، إذ لا إكراه في الدين، فإن الإسلام لا يجبر الناس على الإسلام (يقر على
دينه) كاليهود، والنصارى، والمجوس الذين هم أهل الكتاب (لم يحكم بإسلامه) لأن المكره عليه لا يثبت (لا يقر)
كالمشركين والملحدين على المعروف بين الفقهاء (حكم به) بالإسلام، إذ الدين الذي لا يقر عليه يجوز الإكراه على تركه -
كما قالوا - وفيه كلام تفصيله في المطولات.
(163): إلى الإسلام وفي المسالك: " لإمكان فعلها تقية أو إرائة " وقد يكون الارتداد لأجل إنكار غير الصلاة من ضروريات
الإسلام مع الالتفات إلى ضروريته كحرمة الخمر (سواء) هذا مقابل بعض من فصلوا فحكموا بالإسلام إذا صلى في دار
الحرب.
963

وارتداده (164). وهذا يشكل مع اليقين بزوال تميزه، وقد رجع في الخلاف.
الخامسة: كل ما يتلفه المرتد على المسلم (165)، يضمنه في دار الحرب أو دار
الإسلام، حالة الحرب وبعد انقضائها، وليس كذلك الحربي. وربما حظر اللزوم في
الموضعين، لتساويهما في سبب الغرم.
السادسة: إذا جن (166) بعد ردته لم يقتل، لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة،
ولا حكم لامتناع المجنون.
السابعة: إذا تزوج المرتد لم يصح، سواء تزوج بمسلمة أو كافرة، لتحرمه
بالإسلام المانع من التمسك بعقدة الكافرة (167)، واتصافه بالكفر المانع من نكاح
المسلمة.
الثامنة: لو زوج بنته المسلمة (168) لم يصح، لقصور ولايته عن التسلط على
المسلم. ولو زوج أمته، ففي صحة نكاحها تردد، أشبهه الجواز.
التاسعة: كلمة الإسلام: أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله. وإن قال مع ذلك: وأبرأ من كل دين غير الإسلام كان تأكيدا، ويكفي الاقتصار
على الأول. ولو كان مقرا بالله سبحانه وبالنبي صلى الله عليه وآله، جاحدا عموم نبوته
أو وجوده، احتاج إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده (169).
تتمة: فيها مسائل:
الأولى: الذمي إذا نقض العهد، ولحق بدار الحرب، فأمان أمواله باق (170). فإن
مات، ورثه وارثه الذمي والحربي. وإذا انتقل الميراث إلى الحربي، زال الأمان عنه. وأما

(164): فلو أسلم الكافر حال سكرة قبل منه، وكذا لو ارتد المسلم حال سكره حسب مرتدا (تميزه) أي: تعقله وفهمه.
(165): أي: من مال المسلم (في دار الحرب) أي بلاد الكفار الحربيين (الحربي) لأنه لازمة له حتى يضمن، فإذا أسلم
فالإسلام يجب ما قبله (حظى) أي منع (ألزم) للضمان (الموضعين) المرتد والحربي جميعا.
(166): ظاهر السياق أن المراد به المرتد الملي فإنه الذي يستتاب.
(167): لقوله تعالى (ولا تمسكوا بعصم الكوافر).
(168): أي: الصغيرة غير البالغة، أما البالغة فأمرها بيد نفسها - على تفصيل وخلاف -.
(169): وكذا لو كان ارتداده بسبب إنكار بعض الضروريات مع الالتفات إلى كونه ضروريا.
(170): يعني: أمواله آمنة ولا تصير بذلك مثل أموال الحربي (زال الأمان عنه) لأن مال الحربي حلال حكمه حكم المباحات
الأصلية (الأصاغر) غير البالغين (على الذمة) فدمهم، ومالهم، وعرضهم محترم (الانصراف) أي الذهاب إلى بلاد
الكفر، لأن الكافر الذمي إذا لم يؤد الجزية صار حربيا.
964

الأولاد الأصاغر، فهم باقون على الذمة. ومع بلوغهم، يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء
الجزية، وبين الانصراف إلى مأمنهم.
الثانية: إذا قتل المرتد مسلما عمدا، فللولي قتله قودا (171)، ويسقط قتل الردة
ولو عفا الولي، قتل بالردة. ولو قتل خطأ، كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة، لأنه لا
عاقلة له على تردد (172). ولو قتل أو مات حلت كما تحل الأموال المؤجلة.
الثالثة: إذا تاب المرتد، فقتله من يعتقد بقاءه على الردة، قال الشيخ: يثبت
القود (173)، لتحقق قتل المسلم ظلما، ولأن الظاهر أنه لا يطلق الارتداد بعد توبته، وفي
القصاص تردد، لعدم القصد إلى قتل المسلم.
الباب الثاني: في إتيان البهائم (174)، ووطء الأموات، وما يتبعه.
إذا وطأ البالغ العاقل، بهيمة مأكولة اللحم، كالشاة والبقرة، تعلق بوطئها
أحكام تعزير الواطئ، إغرامه ثمنها (175) إن لم تكن له، وتحريم الموطوءة، ووجوب
ذبحها وإحراقها.
أما التعزير فتقديره إلى الإمام، وفي رواية يضرب خمسة وعشرين سوطا، وفي
أخرى الحد (176)، وفي أخرى يقتل، والمشهور الأول.

(171): أي: قصاصا (قتل الردة) أي: من أجل الارتداد لأن الله تعالى قدم حقوق الناس على حقه - في بعض الموارد -
(ولو قتل خطأ) في قتل الخطأ الدية تكون بذمة عاقلة القاتل، وهم أقرباؤه من جهة أبيه، دون أقربائه من جهة أمه
فقط، كالأخ من الأم، والخال ونحوهما. أما المرتد الذي أقر بأنه أقرباءه مسلمون فلا تتحمل العاقلة المسلمة عنه الدية
(مخففة) من جهة أعمار الإبل المئة التي يؤديها ففي رواية: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون، وثلاثون بنت
لبون وثلاثون حقة، وفي رواية أخرى: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون
حقة، وخمس وعشرون جذعة (مؤجلة) تستأدى منه في ثلاث سنوات، كما سيأتي في أوائل كتاب الديات قول المصنف ره
" فهي مخففة في السن والصفة والاستيفاء ". وذلك لأن دية العمد تستأدى في سنة واحدة، ودية شبيه العمد تستأدى في
سنتين.
(172): وجه التردد: أنه كافر فلا يعقله مسلم، وأنه محترم بالإسلام، ولم يزل أثر الإسلام عنه كلية وميراثه للمسلم فيكون
عقله أيضا على المسلم (حلت) أي: صارت الدية حالة لا ينتظر بها ثلاث سنوات بل تؤدى فورا.
(173): أي: القصاص (لعدم القصد) فهو شبيه العمد يثبت الدية في مال القاتل وتستأدى في سنتين.
(174): أي: وطء الحيوانات.
(175): أي: تعلق قيمتها بذمته يؤديها إلى مالك البهيمة (وتحريم) أكلها.
(176): أي: حد الزاني مئة سوط (ونسلها) المتولد بعد الوطء لا قبله، وكذلك بيضها في مثل الطيور (تلقيا) من
الشارع، يعني تعبد شرعي.
965

أما التحريم: فيتناول لحمها ولبنها ونسلها، تبعا لتحريمها، والذبح إما تلقيا أو لما
لا يؤمن من شياع نسلها وتعذر اجتنابه، وإحراقها لئلا تشتبه بعد ذبحها بالمحللة.
وإن كان الأمر الأهم فيها (177)، ظهرها لا لحمها، كالخيل والبغال والحمير لم
تذبح. وأغرم الواطئ ثمنها لصاحبها، وأخرجت من بلد الواقعة، وبيعت في غيره إما
عبادة لا لعلة مفهومة لنا، أو لئلا يعير بها صاحبها. وما الذي يصنع في ثمنها؟ قال بعض
الأصحاب يتصدق به، ولم أعرف المستند. وقال الآخرون يعاد على المغترم. وإن كان
الواطئ هو المالك دفع إليه، وهو أشبه.
ويثبت هذا: بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء. انفردن أو
انضممن (178).. وبالإقرار ولو مرة إن كانت الدابة له وإلا (179) ثبت التعزير حسب وإن تكرر
الإقرار.
وقيل: لا يثبت إلا بالإقرار مرتين، وهو غلط.
ولو تكرر مع تخلل التعزير ثلاثا، قتل في الرابعة.
ووطء الميتة من بنات آدم، كوطء الحية في تعلق الإثم والحد، واعتبار الإحصان
وعدمه (180). وهنا الجناية أفحش. فيغلظ العقوبة زيادة عن الحد، بما يراه الإمام ولو
كانت زوجته، اقتصر في التأديب على التعزير وسقط الحد بالشبهة.
وفي عدد الحجة على ثبوته، خلاف. قال بعض الأصحاب: يثبت بشاهدين،
لأنه شهادة على فعل واحد، بخلاف الزنا بالحية (181). وقال بعض الأصحاب لا يثبت
إلا بأربعة، لأنه زنا، ولأن شهادة الواحد قذف فلا يندفع الحد إلا بتكملة الأربعة،
وهو أشبه. أما الإقرار فتابع للشهادة فمن أعتبر في الشهود أربعة، اعتبر في الإقرار

(177): في البهيمة الموطوءة (الواقعة) أي: البلد الذي حدث الوطء فيه (عبادة) أي: لأجل تعبد شرعي (المستند) أي:
دليل التصدق (المغترم) الذي البهيمة له، وإن كانت البهيمة للواطئ لم يؤخذ منه شئ، وهذه الأحكام تعم الذكر من
البهائم والأنثى في القبل والدبر، سواء كان الواطئ بالغا عاقلا، أم صبيا أو مجنونا مختارا أو مكرها للإطلاقات إلا التعزير
فإنه خاص بالبالغ العاقل المختار.
(178): فلا تقبل شهادة رجل وامرأتين.
(179): بأن كانت الدابة لغير الواطئ، فلا تثبت في مال الغير هذه الأحكام بإقرار الواطئ وإن أقر عشر مرات (لا يثبت)
حتى التعزير (ولو تكرر) الوطء.
(180): فإن كان الواطئ محصنا فالرجم، وإن كان غير محصن فالجلد مئة سوط (بما يراه الإمام) فمثلا يضربه مئة وعشرة
سياط، أو يضربه سياطا ثم يرجمه (زوجته) أي: الميتة كانت زوجة للواطئ.
(181): فإنه شهادة على فعل اثنين.
966

مثله. ومن اقتصر على شاهدين، قال في الإقرار كذلك.
مسألتان:
الأولى: من لاط بميت، كان كمن لاط بحي (182)، ويعزر تغليظا.
الثانية: من استمنى بيده (183) عزر، وتقديره منوط بنظر الإمام. وفي رواية أن
عليا عليه السلام، ضرب يده حتى احمرت، وزوجه من بيت المال، وهو تدبير استصلحه
لا إنه من اللوازم. ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرة، وقيل: لا يثبت بالمرة،
وهو وهم.
الباب الثالث: في الدفاع للإنسان أن يدفع عن نفسه وحريمه (184) وماله ما
استطاع، ويجب اعتماد الأسهل.
فلو اندفع الخصم بالصياح، اقتصر عليه، إن كان في موضع يلحقه المنجد. وإن
لم يندفع عول على اليد، فإن لم تغن فبالعصا، فإن لم يكلف فبالسلاح.
ويذهب دم المدفوع هدرا (185)، جرحا كان أو قتلا. ويستوي في ذلك الحر
والعبد. ولو قتل الدافع، كان كالشهيد.
ولا يبدأه ما لم يتحقق قصده إليه، وله دفعه ما دام مقبلا، ويتعين الكف مع
إدباره (186).
ولو ضربه فعطله لم يذفف عليه، لاندفاع ضرره. ولو ضربه مقبلا فقطع يده، فلا
ضمان على الضارب في الجرح، ولا في السراية (187). ولو ولى فضربه أخرى، فالثانية

(182): فإن أدخل في الدبر فعليه القتل، ولذا لم يدخل بل كان مجرد تفخيذ ونحوه فحده مئة جلدة، وقد سبق تفاصيل ذلك
عند أرقام (50 - 58) (تغليظا) أي: لكون لواط الميت أغلظ من لواط الحي.
(183): أو بغير يد كالفرج المطاطي، وغيره، أو المرأة استمنت بالذكر المطاطي أو غيره (من اللوازم) أي: لم يكن فعل علي
عليه السلام حكما عاما، بل مصلحة خاصة في المورد الخاص.
(184): زوجته، وأخته، وأمه وبنته، وكل امرأة تعيش في كنفه وحمايته في داره (المنجد) أي: الناصر الذي يطرد الخصم.
(185): فلا دية له (كالشهيد) يعني: له أجر الشهيد، ويحشر مع الشهداء عند الله تعالى، لكن ليست له أحكام الشهيد من
ترك الغسل والكفن.
(186): أي: انهزامه، فلا يقتله لو فر (فعطل) عن المقاومة، كما لو صار به نزيف، أو انقطعت رجله فسقط (لم ينزف)
أي: لم يقتله.
(187): أي: لو سرى الجرح فمات منه (اندملت) طابت الجراحة الثانية.
967

مضمونة، فإن اندملت فالقصاص في الثانية. ولو اندملت الأولى، وسرت الثانية، ثبت
القصاص في النفس. ولو سرتا فالذي يقتضيه المذهب، ثبوت القصاص بعد رد نصف
الدية.
ولو قطع يده مقبلا، ورجله مدبرا، ثم يده (188) مقبلا، ثم سرى الجميع، قال
في المبسوط: عليه ثلث الدية إن تراضيا بالدية، وإن أراد الولي القصاص، جاز بعد رد
ثلثي الدية. أما لو قطع يده، ثم رجله مقبلا، ويده الأخرى مدبرا، وسرى الجميع،
فإن توافقا على الدية فنصف الدية، وإن طلب القصاص رد نصف الدية.
والفرق أن الجرحين هنا تواليا (189)، فجريا مجرى الجرح الواحد. وليس كذلك في
الأولى، وفي الفرق عندي ضعف، والأقرب أن الأولى كالثانية لأن جناية الطرف يسقط
اعتبارها مع السراية، كما لو قطع يده وآخر رجله، ثم قطع الأول يده الأخرى، فمع
السراية هما سواء في القصاص والدية.
مسائل من هذا الباب:
الأولى: لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه، من ينال دون الجماع (190)، فله
دفعه. فإن أتى الدفع عليه، فهو هدر.
الثانية: من اطلع على قوم (191)، فلهم زجره. فلو أصر فرموه بحصاة أو عود،
فجنى ذلك عليه، كانت الجناية هدرا. ولو بادره من غير زجر، ضمن. ولو كان المطلع
رحما لنساء صاحب المنزل، اقتصر على زجره. ولو رماه والحال هذه، فجنى عليه،
ضمن. ولو كان من النساء مجردة، جاز زجره ورميه، لأنه ليس للمحرم هذا الاطلاع.
الثالثة: لو قتله في منزله (192)، فادعى أنه أراد نفسه أو ماله، وأنكر الورثة،

(188): أي: يده الأخرى، بأن أقبل فضرب يده، ثم أدبر فضرب رجله، ثم عاد وأقبل فضرب يده الأخرى.
(189): يعني لتوالي الضربات الجائزة، وعدم توسط الضربة المحرمة بينها (كالثانية) أي: كلتا الصورتين عليه نصف الدية (في
القصاص والدية) أي: أو الدية.
(190): إما الجماع فقد سبق عند رقم (46) أن له ابتداء قتل الزاني وزوجته جميعا (دفعه) بيده، أو بعصا، أو بالسب والشتم
(أتى الدفع عليه) أي: قتله (هدر) لا قصاص ولا دية.
(191): أي: أشرف على بيتهم وما يسترونه من أنفسهم ونحوها، من السطح، أو نافذة الباب، أو الحائط ونحو ذلك
(هدرا) لا قصاص ولا دية (بادره) أي: استعجل برميه قبل زجره (ضمن) لو أصابه خدش أو جرح أو كسر أو موت
(رحما) كالأخ، والعم والخال ونحوهم (مجردة) أي: عارية.
(192): مثلا: قتل زيد في منزله عمرا (أراد نفسه أو ماله) أي: أراد عمرو قتل زيد، أو سرقة مال زيد، وأنكر ورثة عمرو
ذلك فأتى زيد بشاهدين عادلين أن عمرا دخل على زيد مع سيف ظاهر متوجها إلى زيد الغمارة (الضمان) أي: الدية.
968

فأقام هو البينة أن الداخل عليه، كان ذا سيف مشهور مقبلا على صاحب المنزل، كان
ذلك علامة قاضية يرجحان قول القاتل ويسقط الضمان.
الرابعة: للإنسان دفع الدابة الصائلة (193) عن نفسه، فلو تلفت بالدفع، فلا
ضمان.
الخامسة: لو عض على يد إنسان، فانتزع (194) المعضوض يده، فندرت أسنان
العاض كانت هدرا. ولو عدل إلى تخليص نفسه بلكمه، أو جرحه إن تعذر التخلص
بالأخف، جاز. ولو تعذر ذلك، جاز أن يبعجه بسكين أو خنجر. ومتى قدر على
التخلص بالأسهل، فتخطى إلى الأشق، ضمن.
السادسة: الزحفان العاديان (195)، يضمن كل منهما ما يجنيه على الآخر. ولو كف
أحدهما، فصال الآخر، فقصد الكاف الدفع، لم يكن عليه ضمان إذا اقتصر على ما
يحصل به الدفع، والآخر يضمن. ولو تجارح اثنان، وادعى كل منهما أنه قصد الدفع
عن نفسه، حلف المنكر وضمن الجارح.
السابعة: إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة، أو النزول إلى بئر فمات، فإن
أكرهه، قيل: كان ضامنا لديته، وفي هذا الفرض منافاة للمذهب (196)، ويتقدر في
نائبه. ولو كان ذلك لمصلحة عامة، كانت الدية في بيت المال. وإن لم يكرهه، فلا دية
أصلا.
الثامنة: إذا أدب زوجته تأديبا مشروعا (197) فماتت، قال الشيخ: عليه ديتها،
لأنه مشروط بالسلامة، وفيه تردد لأنه من جملة التعزيرات السائغة. ولو ضرب الصبي

(193): التي تصول على الإنسان لتردي به.
(194): أي: جر يده (فندرت) أي: سقطت (يبعجه) أي: يضربه (ضمن) كما لو أمكن دفعه باللكم، فضربه بالسيف.
(195): يعني: كل منهما قتل الآخر كالدول الإسلامية غير الشرعية التي تتحارب أما إذا كان أحدهما محقا كالإمام المعصوم أو
نائبه الخاص أو العام فليس عليه قسمان بل القسمان على الآخر فقط (تجارح) أي: جرح كل منهما الآخر (المنكر) الذي
ينكر أن يكون هو صائلا على الآخر.
(196): لعصمة الإمام عليه السلام عندنا (ويتقدر) أي: يمكن فرضه (لم يكرهه) حتى ولو أمره.
(197): كما لو ضربها على المعاصي لو ترك الواجبات، إذا لم ترتدع بالأخف من الضرب، بحيث كان الضرب نوع تعزير
جائز (لأنه) أي: التأديب (التعزيرات) وقد مضى - في المسألة الثانية بعد رقم (98) - أن من قتله الحد أو التعزير فلا
دية له (فعليه ديته) للإجماع فيه كما استظهره المسالك، وللمحقق القمي - قده - في جامع الشتات تحقيق لطيف في حدود
وأحكام تأديب الولد.
969

أبوه أو جده لأبيه فمات، فعليه ديته في ماله.
التاسعة: من به سلعة (198)، إذا أمر بقطعها فمات، فلا دية له على القاطع. ولو
كان مولى عليه، فالدية على القاطع إن كان وليا، كالأب والجد للأب. وإن كان
أجنبيا، ففي القود تردد، والأشبه الدية في ماله لا القود، لأنه لم يقصد القتل.

(198): هي العقدة في الرأس أو البدن، أو للحم الزائد، أو التالول ونحو ذلك (مولى عليه) أي: صاحب السلعة كالولد
غير البالغ والمجنون، ونحوهما (ففي القود) أي: القصاص (في ماله) لأنه شبه عمد، إذ لم يقصد القتل لكن العمل كان
قاتلا.
970

كتاب القصاص
وهو قسمان
الأول
في قصاص النفس والنظر فيه يستدعي فصولا:
الأول: في الموجب (1) وهو إزهاق النفس المعصومة المكافئة، عمدا عدوانا (2).
ويتحقق العمد: بقصد البالغ العاقل إلى القتل، بما يقتل غالبا (3). ولو قصد
القتل بما يقتل نادرا، فاتفق القتل، فالأشبه القصاص. وهو يتحقق، مع القصد إلى
الفعل الذي يحصل به الموت (4)، وإن لم يكن قاتلا في الغالب، إذا لم يقصد به القتل،
كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف؟ فيه روايتان، أشهرهما أنه ليس بعمد يوجب القود.
ثم العمد: قد يحصل بالمباشرة، وقد يحصل بالتسبيب.
أما المباشرة: فالذبح، والخنق، وسقي السم القاتل، والضرب بالسيف
والسكين والمثقل (5)، والحجر الغامز، والجرح في المقتل ولو بغرز الإبرة.
وأما التسبيب فله مراتب.

كتاب القصاص
(1): أي: ما يصير سببا لجواز القصاص وقتل القاتل.
(2): المعصومة أي: التي لا يجوز إتلافها من العصم بمعنى المنع، والمكافئة أي: المساوية لنفس المزهق لها في الإسلام، والحرية
وغيرهما من الشروط التي تذكر في محلها (عمدا) مقابل الخطأ وشبه العمد (عدوانا) مقابل ما أجاز الشارع إزهاقه،
كالمسلم الذي تترس به الكفار، فإن قتله إزهاق للنفس المعصومة ذاتا، ومكافئة، عمدا، لكن ليس عدوانا (وفي
المسالك) أنه إخراج لما يجوز فيه القتل بالنسبة لشخص دون آخر.
(3): كالسيف، والرصاص، وإلقاء أسلاك الكهرباء أو الغاز السام عليه ونحو ذلك (نادرا) كالضرب بالعصي.
(4): من دون قصد موته، فلا الفعل عادة موجب للموت كالضرب بالعصا، ولا القصد موته (القود) القصاص، أي: لا
يوجب القصاص.
(5): أي الشئ الثقيل يضرب به، أو يرمي (الغامز) الكابس على البدن لثقله، كما لو رمى عليه حجرا وزنه مئة كيلو مثلا
(المقتل) أي: المكان الذي يقتل به، كالبيضتين، والقلب، والمخ، ونحوها.
971

المرتبة الأولى: انفراد الجاني بالتسبيب المتلف.
وفيه صور:
الأولى: لو رماه بسهم فقتله، قتل به، لأنه مما يقصد به القتل غالبا. وكذا لو
رماه بحجر المنجنيق (6). وكذا لو خنقه بحبل، ولم يرخ عنه حتى مات، أو أرسله منقطع
النفس أو ضمنا حتى مات. أما لو حبس نفسه يسيرا، لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله
فمات، ففي القصاص تردد. والأشبه القصاص أن قصد القتل، والدية إن لم يقصد أو
اشتبه القصد.
الثانية: إذا ضربه بعصا، مكررا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى بدنه وزمانه (7)،
فمات فهو عمد. ولو ضربه دون ذلك، فأعقبه مرضا ومات، فالبحث كالأول. ومثله
لو حبسه، ومنعه الطعام والشراب، فإن كان مدة لا يحتمل مثله البقاء فيها فمات، فهو
عمد.
الثالثة: لو طرحه في النار فمات، قتل به، ولو كان قادرا على الخروج، لأنه قد
يشده (8)، ولأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة، فلا يتيسر له الفرار. أما لو علم أنه
ترك الخروج تخاذلا، فلا قود، لأنه أعان على نفسه. وينقدح أنه لا دية له أيضا، لأنه
مستقل بإتلاف نفسه. ولا كذا لو خرج، فترك المداواة فمات، لأن السراية مع ترك
المداواة، من الجرح المضمون (9). والتلف من النار ليس بمجرد الإلقاء، بل بالإحراق
المتجدد، الذي لولا المكث لما حصل. وكذا البحث لو طرحه في اللجة. ولو فصده (10)
فترك شده، أو ألقاه في ماء فأمسك نفسه تحته، مع القدرة على الخروج، فلا قصاص
ولا دية.

(6): حجر كبير يرمي به من المنجنيق لهدم الدور ونحوها (فقطع النفس) أي: تركه بعدما انقطع نفسه (أو ضمنا) أي:
مترددا نفسه غير منقطع لكنه مات من هذين (أشبه القصد) أي: لم يعلم قصده.
(7): فرب بدن لضعفه لا يتحمل ضرب عشرين عصا، ورب زمان كالصيف اللاذع لا يتحمل الإنسان ضرب عشر عصيات
فيه (كالأولى) فإن قصد إماتته بذلك فالقصاص وإن لم يقصد أو شك قصده فالدية فقط (فهو عمد) وإلا فخطأ أو شبه
عمد على اختلاف أنواعه.
(8): أي: يصير مدهوشا لا يهتدي ماذا يفعل (تشنج) تنقبض وتتقلص (فلا قود) أي: لا قصاص.
(9): فالضمان على الجاني، لا على الميت نفسه الذي ترك المداواة (اللجة) - بالضم - المكان العميق الكثير الماء من البحر، فإن
تعمد موته أو كان عادة لا يستطيع الخروج فالقصاص.
(10): الفصد عرز مشرط ونحوه في الوريد ليخرج الدم الزائد (فترك) المفصود.
972

الرابعة: السراية عن جناية العمد، توجب القصاص مع التساوي (11). فلو قطع
يده عمدا فسرت، قتل الجارح، وكذا لو قطع إصبعه عمدا، بآلة تقتل غالبا فسرت.
الخامسة: لو ألقى نفسه من علو على إنسان عمدا، وكان الوقوع مما يقتل غالبا
فهلك الأسفل، فعلى الواقع القود (12). لو لم يكن يقتل غالبا، كان خطأ شبيه العمد،
فيه الدية مغلظة، ودم الملقي نفسه هدرا.
السادسة: قال الشيخ: لا حقيقة للسحر، وفي الأخبار ما يدل على أن له حقيقة.
ولعل ما ذكره الشيخ قريب، غير أن البناء على الاحتمال (13) أقرب. فلو سحره فمات،
لم يوجب قصاصا ولا دية، على ما ذكره الشيخ. وكذا لو أقر أنه قتله بسحره. وعلى ما
قلناه من الاحتمال، يلزمه الإقرار. وفي الأخبار يقتل الساحر. قال في الخلاف: يحمل
ذلك على قتله، حدا لفساده، لا قودا.
المرتبة الثانية: أن ينضم إليه مباشرة المجني عليه (14) وفيه صور:
الأولى: لو قدم له طعاما مسموما، فإن علم (15) وكان مميزا، فلا قود ولا دية.
وإن لم يعلم، فأكل ومات، فللولي القود، لأن حكم المباشرة سقط بالغرور. ولو جعل
السم في طعام صاحب المنزل، فوجده صاحبه فأكله فمات، قال في الخلاف والمبسوط:
عليه القود وفيه إشكال.
الثانية: لو حفر بئرا بعيدة (16) في طريق، ودعا غيره مع جهالته، فوقع فمات،
فعليه القود لأنه مما يقصد به القتل غالبا.

(11): في شروط القصاص، من اتحاد الدين، وغيره مما سيأتي (تقتل غالبا) الظاهر إنه قيد زائد.
(12): أي: القصاص (فغلظة) بالنسبة للخطأ المحض، لأن دية القتل شبيه العمد أغلظ من دية قتل الخطأ المحض من
ثلاث جهات: 1 - في الأداء فدية شبه العمد تأدى في سنتين على قول المفيد ره وآخرين ودية الخطأ المحض تتأدى في ثلاث
سنين. 2 - في المؤدي دية شبيه العمد ليس على الجاني، ودية الخطأ المحض على عاقلة القاتل. 3 - السن: فدية شبه
العمد إبل أكثر سنا من سن إبل دية الخطأ المحض (هدرا) فلو مات الذي ألقى نفسه فلا دية على أحد لأنه هو قتل
نفسه.
(13): وهو إمكان أن له حقيقة (لا قودا) أي: له قصاصا بقتله إنسانا بالسحر وفي كلام الشيخ بل تردد المحقق إشكالا يذكر في
المفصلات.
(14): وهو المقتول.
(15): أي: علم بالسم ومع ذلك أكله (بالغرور) أي: الجهل (عليه القود) لضعف المباشر بالجهل (وفيه إشكال) لعدم إلجائه
ولا قدم إليه. لكن الدية متحققة بلا إشكال.
(16): أي: عميقة.
973

الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمي (17)، فإن كان مجهزا فالأول جارح،
والقاتل هو المقتول فلا دية له، ولوليه القصاص في الجرح، إن كان الجرح يوجب
القصاص، وإلا كان له أرش الجراحة. وإن لم يكن مجهزا، وكان الغالب فيه السلامة،
فاتفق فيه الموت، سقط ما قابل فعل المجروح، وهو نصف الدية، وللولي قتل الجارح
بعد رد نصف الدية. وكذا لو كان غير مجهز، وكان الغالب معه التلف (18). وكذا
البحث لو خاط جرحه في لحم حي، فسرى منهما، سقط ما قابل فعل المجروح وكان
للولي قتل الجارح، بعد رد نصف ديته.
المرتبة الثالثة: أن ينضم إليه مباشرة حيوان وفيه صور:
الأولى: إذا ألقاه في البحر، فالتقمه الحوت قبل وصوله (19)، فعليه القود لأن
الإلقاء في البحر إتلاف بالعادة. وقيل: لا قود، لأنه لم يقصد إتلافه بهذا النوع، وهو
قوي. أما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود، لأن الحوت ضار بالطبع، فهو
كالآلة.
الثانية: لو أغرى (20) به كلبا عقورا فقتله، فالأشبه القود لأنه كالآلة. وكذا لو
ألقاه إلى أسد، بحيث لا يمكنه الاعتصام فقتله، سواء كان في مضيق أو برية.
الثالثة: لو أنهشه حية (21) قاتلة فمات، قتل به. ولو طرح عليه حية قاتلة،
فنهشته فهلك، فالأشبه وجوب القود، لأنه مما جرت العادة بالتلف معه.
الرابعة: لو جرحه ثم عضه الأسد وسرتا (22)، لم يسقط القود وهل يرد فاضل
الدية؟ الأشبه نعم. وكذا لو شاركه أبوه، أو اشترك عبد وحر في قتل عبد.

(17): سمي أي: مسموم (مجهزا) أي: كان الدواء السمي قتالا (فيه السلامة) أي في دواء السمي، بحيث إن تناوله لا
يموت غالبا (نصف الدية) إذ القتل يستند إلى الجرح والسم معا، فيكون لكل منها نصف الدية.
(18): كما لو كان السم وحده غير قاتل، إلا أن تعقبه للجرح جعل القتل متولدا منهما (لو خاط) المجروح بنفسه.
(19): إلى ماء البحر، بأن كان على سطح الماء ففتح فمه فسقط في فم الحوت (بهذا النوع) وهو ابتلاع الحوت له، بل قصد
موته بالغرق، فما قصده لم يقع، وما وقع لم يكن مقصودا (كالآلة) مثل السيف، أو الصخرة الكبيرة، ونحوهما.
(20): أي: شجع الكلب بالألفاظ والحركات على قتل هذا الشخص (عقورا) هو الكلب المريض الذي يعض فيتسمم الجسم
على أثر عضته (الاعتصام) أي: التحفظ من الأسد بفرار أو غيره.
(21): النهش عضة الحية ولسعة العقرب ونحوهما، يعني: لو صار زيد - مثلا - سببا لأن تنهش حية عمرا، بأن ألقاه على
الحية في مكان محصور، أو غير محصور بحيث لا يمكنه الفرار عادة من نهش الحية، أو وضع جسمه في فم الحية فنهشته
ونحو ذلك.
(22): أي: جرح الجارح، وعضة الأسد معا (لو شاركه أبوه) الأب إلى قتل ولده لا يقتص منه، بل يؤخذ منه الدية، فلو
اشترك زيد مع أبي عمرو في قتل عمرو، جاز قتل زيد قصاصا وإرجاع نصف الدية إلى ورثة زيد من أبي عمرو (في قتل
عبد) الحر لا يقتل بالعبد، فلو اشترك حر وعبد في قتل عبد، قتل العبد، وأخذ من الحر نصف قيمة العبد، وإذا لم
تزد على الألف دينار - وأعطى لورثة العبد القاتل.
974

الخامسة: لو كتفه وألقاه في أرض مسبعة (23)، فافترسه الأسد اتفاقا، فلا قود وفيه
الدية.
المرتبة الرابعة: أن ينضم إليه مباشرة إنسان آخر وفيه صور.
الأولى: لو حفر واحد بئرا، فوقع آخر بدفع ثالث، فالقاتل الدافع دون الحافر.
وكذا لو ألقاه من شاهق، فاعترضه آخر فقده نصفين قبل وصوله الأرض، فالقاتل هو
المعترض. ولو أمسك واحد وقتل آخر فالقود على القاتل دون الممسك، لكن الممسك
يحبس أبدا. ولو نظر إليهما (24) ثالث، لم يضمن، لكن تسمل عيناه، أي تفقأ.
الثانية: إذا أكرهه على القتل، فالقصاص على المباشر دون الآمر ولا يتحقق الإكراه
في القتل (25)، ويتحقق فيما عداه. وفي رواية علي بن رئاب، يحبس الآمر بقتله حتى
يموت، هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا. ولو كان غير مميز، كالطفل والمجنون،
فالقصاص على المكره لأنه بالنسبة إليه كالآلة. ويستوي في ذلك الحر والعبد، ولو
كان (26) مميزا عارفا غير بالغ، وهو حر، فلا قود، والدية على عاقلة المباشر.
وقال بعض الأصحاب: يقتص منه إن بلغ عشرا (27)، وهو مطرح. وفي المملوك
المميز (28)، تتعلق الجناية برقبته فلا قود، وفي الخلاف: إن كان المملوك صغيرا أو
مجنونا، سقط القود ووجبت الدية، والأول أظهر.

(23): المقصود بالمسبعة: ممكن مرق السباع فيها.
(24): إلى الممسك والقاتل وفي الجواهر: بأن كان الثالث عينا وربية لهما (أي تفقأ) أي: تخرجان وفي الجواهر: بالشوك،
أو تكحل بمسمار محمي.
(25): أي: لا يكون الإكراه في القتل غدرا للإبقاء على نفسه (فيما عداه) كالجلد والضرب وقطع اليد ونحوها فلو أكره على
بعضها لم يقتص فيه بل تؤخذ الدية (حتى يموت) في الحبس (ويستوي في ذلك) في الأمر والمباشرة، فلو كان الآخر حرا
والقاتل عبدا، فالقصاص على العبد، والحبس المؤبد على الحر، وبالعكس العكس.
(26): أي: القاتل (عارفا) يعرف القتل ويميزه (فلا قود) لرفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، لا حتى يعرف (والدية على عاقلة
المباشر) الذي لم يبلغ لقوله صلى الله عليه وآله: (عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة).
(27): أي: إن كان بالغا عشر سنين حال صدور القتل منه (مطرح) أي: هذا القول مطروح عند المشهور من أصحابنا.
(28): الذي لم يبلغ الحلم إذا قتل (برقبته) فيجوز لورثة المقتول استرقاقهم لهم ولا يجوز قتله لأنه غير بالغ (ووجبت الدية)
على المولى الأمر بالقتل - كما في الجواهر -.
975

فروع:
الأول: لو قال اقتلني وإلا قتلتك، لم يسغ القتل، لأن الإذن لا يرفع الحرمة.
ولو باشر (29)، لم يجب القصاص، لأنه كان مميزا أسقط حقه بالإذن، فلا يتسلط
الوارث.
الثاني: لو قال: اقتل نفسك، فإن كان (30) مميزا فلا شئ على الملزم، وإلا فعلى
الملزم القود وفي تحقق إكراه العاقل هنا إشكال.
الثالث: يصح الإكراه فيما دون النفس فلو قال اقطع يد هذا أو هذا وإلا قتلك، فاختار المكره
أحدهما، ففي القصاص تردد، منشأه أن التعيين عري عن الإكراه (31)، والأشبه القصاص على الآمر
لأن الإكراه تحقق، والتخلص غير ممكن إلا بأحدهما.
الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالقصاص، أو شهد أربعة بما يوجب
رجما كالزنا (32)، وثبت إنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء، لم يضمن الحاكم ولا الحداد،
وكان القود على الشهود، لأنه تسبيب متلف بعادة الشرع. نعم، لو علم الولي وباشر
القصاص، كان القصاص عليه دون الشهود، لقصده إلى القتل للعدوان من غير غرور.
الرابعة: لو جنى عليه، فصيره في حكم المذبوح، وهو أن لا تبقى حياته
مستقرة (33) وذبحه آخر، فعلى الأول القود، وعلى الثاني دية الميت، وإذا كانت حياته
مستقرة، فالأول جارح والثاني قاتل سواء كانت جنايته مما يقضى معها بالموت غالبا كشق
الجوف وآلامه، أو لا يقضى به كقطع الأنملة.
الخامسة: لو قطع واحد يده وآخر رجله، فاندملت إحداهما ثم هلك، فمن
اندمل جرحه فهو جارح، والآخر قاتل، يقتل بعد رده دية الجرح المندمل.

(29): أي: قتله بأمره (فلا يتسلط الوارث) إذ الوارث ينتقل إليه حق الميت، فإذا سقط حق الميت فلا شئ ينتقل إلى
الوارث، وهنا قول لغير المشهور بعدم السقوط، وفي سقوط الدية أيضا خلاف.
(30): المأمور (إكراه العاقل) إذ لا اضطرار إلى قتل نفسه خوفا من القتل (فتأمل).
(31): فمن جهة: لا إكراه على قطع يد زيد بالخصوص، فعلى القاطع القصاص لأنه لم يكن مكرها في خصوص زيد، ومن
جهة: لا بد له من أحدهما، فهو مكره على اختيار أحدهما.
(32): أي: الزنا المحصن (وثبت) بعد القتل والرجم (الحداد) أي: مجري الحد وهو القتل (بعادة الشرع) أي: أمر الشرع
الظاهري (لو علم الولي) أي: ولي المقتول علم أن الشهود يكذبون ومع ذلك قتل المتهم (وباشر القصاص) يعني الولي
قتل المتهم، لا مجري الحدود (من غير غرور) أي: من غير جهل.
(33): في الجواهر: فلا إدراك ولا نطق ولا حركة اختيار بين (القود) لأن الأول هو القاتل (دية الميت) أي: دية قطع رأس
الميت، وهي مئة دينار كما سيأتي في آخر كتاب الديات.
976

فرع: لو جرحه اثنان، كل واحد منهما جرحا فمات، فادعى أحدهما اندمال
جرحه وصدقه الولي، لم ينفذ تصديقه على الآخر (34)، لأنه قد يحاول أخذ دية الجرح من
الجارح والدية من الآخر، فهو متهم في تصديقه، ولأن المنكر مدع للأصل، فيكون
القول قوله مع يمينه.
السادسة: لو قطع يده من الكوع (35)، وآخر ذراعه، فهلك قتلا به، لأن سراية
الأول لم تنقطع بالثاني، لشياع ألمه قبل الثانية. وليس كذلك، لو قطع واحد يده وقتله
الآخر، لأن السراية انقطعت بالتعجيل، وفي الأولى إشكال. ولو كان الجاني واحدا،
دخلت دية الطرف في دية النفس (36)، إجماعا منا. وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟
اضطربت فتوى الأصحاب فيه، ففي النهاية يقتص منه إن فرق ذلك (37). وإن ضربه
ضربة واحدة، لم يكن عليه أكثر من القتل، وهي رواية محمد بن قيس عن أحدهما.
وفي المبسوط والخلاف: يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، وهي رواية أبي عبيدة
عن أبي جعفر عليه السلام. وفي موضع آخر من الكتابين، لو قطع يد رجل ثم قتله،
قطع ثم قتل. والأقرب ما تضمنته النهاية، لثبوت القصاص بالجناية الأولى (38). ولا كذا
لو كانت الضربة واحدة. وكذا لو كان بسرايته كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه،
فالقصاص في النفس لا في الطرف.
مسائل من الاشتراك:
الأولى: إذا اشترك جماعة في قتل واحد، قتلوا به. والولي بالخيار بين قتل

(34): فلا يجعل هذا التصديق الجارح الثاني سببا للموت كي يجوز لولي المقتول الاقتصاص منه بالقتل (والدية) أي: الدية
الكاملة (المنكر) وهو الجارح الثاني.
(35): هو طرف الزند الذي يلي الإبهام (لشياع) أي: سريانه في الجسم الموجب للموت (لأن السراية) أي: سراية قطع اليد
(بالتعجيل) في قتله قبل أن تقتله السراية (وفي الأول) وهو قطع الكوع والذراع (إشكال) لاحتمال استناد الموت إلى
قطع الذراع فقط.
(36): فلا يعطي الجاني إلا دية كاملة واحدة ألف دينار، ولا يعطي دية قطع اليد (منا) نحن الشيعة (قصاص الطرف) فلو
أريد القصاص هل تقطع يد القاتل أولا، ثم يقتل، أم يقتل فقط؟.
(37): أي: فرق بين قطع اليد وبين قتله (ضربة واحدة) قطعت يده ثم قضت عليه (أحدهما) الباقر والصادق عليهما الصلاة
والسلام (في قصاص النفس) أي: مطلقا، سواء قتل المظلوم بضربة واحدة أو عدة ضربات (من الكتابين) المبسوط
والخلاف وهما للشيخ الطوسي - قده -.
(38): يعني: لما قطع اليد ثبت عليه القصاص، وكيف يرتفع القصاص بقتل المظلوم بعد ذلك؟ (وكذا) يعني: كالضربة
الواحدة.
977

الجميع، بعد أن يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول، فيأخذ كل واحد منهم ما فضل
من ديته عن جنايته، وبين قتل البعض، ويرد الباقون دية جنايتهم. فإن فضل للمقتولين
فضل، قام به الولي (39). وتتحقق الشركة، بأن يفعل كل واحد منهم ما يقتل لو انفرد،
أو ما يكون له شركة في السراية مع القصد إلى الجناية (40). ولا يعتبر التساوي في
الجناية، بل لو جرحه واحد جرحا، والآخر مئة جرح، ثم سرى الجميع فالجناية عليهما
بالسوية. ولو طلب الدية، كانت عليهما نصفين.
الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف، كما يقتص في النفس فلو اجتمع جماعة،
على قطع يده أو قلع عينه، فله الاقتصاص منهم جميعا، بعد رد ما يفضل لكل واحد
منهم عن جنايته. وله القصاص من أحدهم، ويرد الباقون دية جنايتهم، وتتحقق
الشركة في ذلك، بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد. فلو انفرد كل واحد بقطع جزء
من يده، لم يقطع يد أحدهما. وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده، والآخر تحت يده،
واعتمدا (41) حتى التقتا، فلا قطع في اليد على أحدهما، لأن كلا منهما منفرد بجنايته، لم
يشاركه الآخر فيها، فعليه القصاص في جنايته حسب.
الثالثة: لو اشترك في قتله امرأتان، قتلتا به ولا رد، إذ لا فاضل لهما عن
ديته (42)، ولو كن أكثر، كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن بالسوية، إن كن
متساويات في الدية (43)، وإلا كان أكمل لكل واحد ديتها بعد وضع أرش جنايتها (44).
ولو اشترك رجل وامرأة، فعلى كل واحد منهما نصف وللولي قتلهما ويختص الرجل بالرد (45) وفي

(39): كما لو قتل خمسة أشخاص زيدا، فقتل ولي زيد اثنين منهم، فيأخذ من كل واحد من الثلاثة الباقين مئتي دينار -
قيمة جنايته - فهذه ستمائة، يكملها من نفس بألف، يعطي ولي كل واحد من الاثنين ثمانمئة دينار. لأن جناية كل واحد
منهما مئتا دينار، ودية كل واحد منهما - إن كان رجلا مسلما - ألف دينار.
(40): أي: لا يكون خطأ، أو شبه عمد بل يكون من العمد المحض.
(41): أي: عصرا الآلة حتى وصلت كل واحدة منهما إلى منتصف اليد فقطعت بهما (منفرد بجنايته) فأحدهما جنايته قطع
النصف الأعلى من اليد والآخر جنايته قطع النصف الأسفل من اليد.
(42): لأن دية المرأة المسلمة خمسمئة دينار ودية الرجل المسلم ألف دينار.
(43): بأن كن جميعا حرائر ومسلمات، أو كلهن ذميات، أو كلهن إماء.
(44): مثلا اجتمعت أربع نساء في قتل رجل مسلم، حرة مسلمة، وأمة قيمتها أربعمئة دينار وذميتان، فعلى كل واحدة مئتين
وخمسين دينارا، فلو قتل الولي أربعتهن، وجب عليه أن يعطي الحرة مئتين وخمسين دينارا، ويعطي لولي الأمة مئة
وخمسين دينارا، ولا يعطي الذميتين شيئا لأن دية كل واحدة منهما أربعمئة درهم تساوي أربعين دينارا، وجنايتهما أكثر من
ديتهما.
(45): ولا رد على المرأة لأن ديتها خمسمئة دينار، وجنايتها أيضا خمسمئة دينار (أثلاثا) ثلثين للرجل، وثلثا واحدا للمرأة.
978

" المقنعة " يقسم الرد بينهما أثلاثا وليس بمعتمد ولو قتل المرأة فلا رد وعلى الرجل نصف الدية. ولو قتل
الرجل، ردت المرأة عليه نصف ديته (46)، وقيل: نصف ديتها، وهو ضعيف. وكل موضع يوجب
الرد، فإنه يكون مقدما على الاستيفاء.
الرابعة: إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا، قال في النهاية للأولياء قتلهما،
ويرد إلى سيد العبد ثمنه، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة آلاف
درهم، أو يسلم العبد إليهم، أو يقتلوا العبد. وليس لمولاه على الحر سبيل (47)،
والأشبه أن مع مقتلهما يردون إلى الحر نصف الدية (48)، ولا يرد على مولى العبد شئ،
ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر، فيرد عليه الزائد. فإن قتلوا العبد، وكانت
قيمته زائدة عن نصف دية المقتول، أدوا إلى المولى الزائد. فإن استوعب الدية (49)، وإلا
كان تمام الدية لأولياء الأول. وفي هذه اختلاف للأصحاب (50)، وما اخترناه أنسب
بالمذهب
الخامسة: لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر، فللأولياء قتلهما ولا رد على المرأة ولا
على العبد، إلا أن يزيد قيمته عن نصف دية المقتول فيرد على مولاه الزائد. ولو قتلت
المرأة به، كان لهم (51) استرقاق العبد، إلا أن تكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول،
فيرد على مولاه ما فضل وإن قتلوا العبد وقيمته بقدر جنايته أو أقل فلا رد وعلى المرأة دية جنايتها (52) وإن
كانت قيمته أكثر من الدية ردت عليه المرأة ما فضل عن قيمته. فإن استوعب دية الحر، وإلا كان

(46): خمسمائة دينار (ونصف ديتها) يعني: مئتين وخمسين دينارا (وكل موضع يوجب الرد) يعني: في كل قصاص يجب على
الولي رد قسم من دية القاتل يجب أولا رد المال إليه ثم قتله (استيفاء) يعني: القتل.
(47): قال في الجواهر: " إلا إنه كما ترى شئ غريب لا ينطبق على قاعدة ولا اعتبار بل هما معا على خلافه ".
(48): لأن جنايته نصف ديته (الزائد) كما لو كانت قيمة العبد ستمائة دينار، فالزائد مئة ترد على مولاه.
(49): يعني: إن استوعب الزائد عن النصف كل الدية، أي: كانت قيمة العبد القاتل ألف دينار، فهو يعني: يعطي خمسمئة
لمولاه بعد قتله قصاصا (وإلا) يعني: إن كان الزائد عن نصف الدية أقل من تمام الدية، بانت قيمة العبد مثلا ثمانمئة
دينار (كان تمام الدية) أي: ما يتم كل الدية وهو مئتان في الفرض (لأولياء المقتول) لا يعطونه للمولى.
(50): من الخلاف ما ذكره المصنف قدس سره عن النهاية، ومنه ما عن الكافي والسرائر من أن ولي المقتول يقتل الحر والعبد
جميعا ويردد قيمة العبد على سيده وورثة الحر.
(51): لورثة المقتول ظلما (ما فضل) مثلا لو كانت قيمة العبد ستمائة دينار، واسترقه ورثة المقتول دفعوا لمولاه مئة دينار، أو
بقي المولى مشتركا معهم له سدس العبد ولهم خمس أسداسه.
(52): يجب عليها دفعها إما لورثة المقتول ظلما، أو لمولى العبد المقتول قصاصا ولكليهما (وإن كانت قيمته) أي: قيمة العبد
القاتل (فإن استوعب) ما فضل عن قيمة العبد عن نصف الدية (دية الحر) بأن كانت قيمة العبد ألف دينار أو أكثر.
فتعطى المرأة كل الخمسمئة لمولى العبد (إلا) بأن كانت قيمة العبد أقل من الألف (كان الفاضل) إلى أن يبلغ الألف
(أولا) أي: المقتول ظلما.
979

الفاضل لورثة المقتول أولا.
الفصل الثاني: في الشروط المعتبرة في القصاص وهي خمسة:
الأول: التساوي في الحرية أو الرق (53) فيقتل الحر بالحر وبالحرة، مع رد فاضل
ديته. والحرة بالحرة وبالحر ولا يؤخذ ما فضل، على الأشهر (54)
ويقتص للمرأة من الرجل في الأطراف (55)، من غير رد.
ويتساوى ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر، ثم يرجع إلى النصف، فيقتص لها منه
مع رد التفاوت.
ويقتل العبد بالعبد وبالأمة، والأمة بالأمة وبالعبد، ولا يقتل حر بعبد ولا
أمة (56). وقيل: إن اعتاد قتل العبيد، قتل حسما للجرأة.
ولو قتل المولى عبده (57) كفر وعزر، ولم يقتل به، وقيل: يغرم قيمته ويتصدق
بها، وفي المستند ضعف. وفي بعض الروايات إن اعتاد ذلك، قتل به.
ولو قتل عبدا لغيره عمدا أغرم قيمته يوم قتله ولا يتجاوز بها دية الحر (58) ولا بقيمة المملوكة دية
الحرة ولو كان ذميا لذمي (59) لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه ولا بقيمة الأنثى دية الذمية.

(53): على معنى عدم قتل الحر بالعبد لا العكس كما سيأتي (فيقتل الحر بالحر) يعني: لو قتل حر حرا قتل القاتل قصاصا،
ولو قتل الحر حرة، قتل القاتل قصاصا، ورد إلى القاتل خمسمئة دينار، لأن دية الحر ألف، ودية الحرة خمسمئة.
ولو قتلت حرة حرة، قتلت قصاصا، ولو قتلت حرة حرا، قتلت قصاصا، ولا يؤخذ من القاتلة شئ بالإضافة إلى
قتلها.
(54): في الجواهر: لا نجد فيه خلافا وإن أشعرت به عبارة المتن وغيره.
(55): كاليد، والرجل، والعين، والإصبع ونحوها (ثم يرجع إلى النصف) أي: نصف دية الحر، مثلا لو قلع حر
إصبع حرة، قطعت إصبعه قصاصا، لأن دية الإصبع أقل من ثلث الدية الكاملة، ولو قطع الحر يد حرة، قطعت يده
مع رد مئتين وخمسين دينارا للحر، لأن دية اليد نصف الدية الكاملة، فهي أكثر من الثلث.
(56): يعني: لو قتل الحر عبدا أو أمة لا يقتل قصاصا (حسما) أي: قطعا.
(57): عمدا (كفر) كفارة الجمع - كما في كل قتل عمد - عتق رقبة، وصيام ستين يوما، وإطعام ستين مسكينا (وعزر) أي:
ضرب للتأديب على هذه المعصية (اعتاد ذلك) أي: قتل عبيده، ولعل الفرق بين هذا وبين ما ذكره الماتن آنفا بقوله:
" إن اعتاد قتل العبيد " إن ذاك مطلق العبيد كانت له أم لا؟ وهذا عبيده.
(58): وهي واحدة من ستة إما ألف دينار ذهب، أو ألف من الغنم، أو عشرة آلاف درهم فضة، أو مئة بعير، أو مئتا حلة،
أو مئتا بقرة (دية الحرة) وهي نصف ذلك، فلو قتل حر عبدا لا يعطي القاتل أكثر من ألف دينار وإن كانت قيمة العبد
أكثر، ولو قتل حر أو حرة أمة لا يعطي القاتل أكثر من خمسمئة دينار وإن كانت قيمة الأمة أكثر.
(59): أي: كان عبدا ذميا، ومولاه ذمي أيضا، والذمي يعني: اليهودي، أو النصراني، أو المجوسي الذين هم في ذمة
المسلمين بأن قبلوا العمل بشرائط الذمة المذكورة في كتاب الجهاد (دية مولاه) دية الذمي إما ثمانمائة درهم، أو كدية
المسلم عشرة آلاف درهم. أو أربعة آلاف درهم - كما سيأتي في أول كتاب الديات إن شاء الله تعالى - ودية الذمية نصف
ذلك.
980

ولو قتل العبد حرا، قتل به، ولا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار بين
قتله أو استرقاقه (60)، وليس لمولاه فكه مع كراهية الولي.
ولو جرح حرا (61)، كان للمجروح الاقتصاص منه. فإن طلب الدية فكه مولاه
بأرش الجناية. ولو امتنع (62)، كان للمجروح استرقاقه، إن أحاطت به الجناية. وإن
قصر أرشها (63)، كان له أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته. وإن شاء، طالب
ببيعه، وله من ثمنه أرش الجناية. فإن زاد ثمنه، فالزيادة للمولى.
ولو قتل العبد عبدا عمدا، فالقود (64) لمولاه. فإن قتل، جاز. وإن طلب الدية،
تعلقت برقبة الجاني. فإن تساوت القيمتان، كان لمولى المقتول استرقاقه. ولا يضمنه
مولاه، لكن لو تبرع، فكه بقيمة الجناية. وإن كانت قيمة القاتل أكثر، فلمولاه (65)
منه، بقدر قيمة المقتول. وإن كانت قيمته أقل، فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه. ولا
يضمن مولى القاتل شيئا، إذ المولى لا يعقل عبدا. ولو كان القتل خطأ، كان مولى
القاتل بالخيار، بين فكه بقيمته - ولا تخيير لمولى المجني عليه - وبين دفعه. وله منه ما
يفضل عن قيمة المقتول، وليس عليه ما يعوز (66). ولو اختلف الجاني ومولى العبد (67)
في قيمته يوم قتل، فالقول قول الجاني مع يمينه، إذا لم يكن للمولى بينة.
والمدبر (68) كالقن. ولو قتل عمدا، قتل. وإن شاء الولي (69) استرقاقه كان له.

(60): أي: أخذه عبدا لنفسه عوض أن يقتله (فكه) بأن يعطي قيمة العبد لولي المقتول ويأخذ عبده، يعني: لا يجبر ولي
المقتول على قبول ذلك.
(61): أي جرح العبد حرا.
(62): أي: امتنع المولى من فك العبد بالأرش (أحاطت به الجناية) أي: كانت الجناية بقدر قيمة العبد أو أكثر، كما لو
كانت الجناية قطع يد حر وديتها خمسمائة دينار وكانت قيمة العبد خمسمائة دينار أو أقل.
(63): أي: كان أرش الجناية أقل من قيمة العبد، ففي المثال الأنف كما لو كانت قيمة العبد ستمائة دينار.
(64): أي: القصاص (لمولاه) أي: مولى العبد المقتول (ولا يضمنه مولاه) أي: مولى القاتل لا يكون ضامنا للدية.
(65): أي: لمولى المقتول (لا يعقل) أي: لا يكون بمنزلة العاقلة حتى يجبر على إعطاء دية قتل عبده شخصا.
(66): أي: يقل، فلو كان العبد القاتل قيمته مئة دينار، والعبد المقتول قيمته خمسين دينارا كان لمولى القاتل خمسين بعد ما
يعطي القاتل لمولى المقتول، وإن كان بالعكس لم يكن على مولى القاتل الخمسون الناقص.
(67): أي: مولى العبد المقتول (للمولى) أي: مولى المقتول.
(68): المدبر هو العبد أو الأمة الذي قال له المولى (أنت حر بعد وفاتي) فما دام المولى حيا يكون رقا وإذا مات المولى صار
حرا، هذا المدبر لو جنى، أو جنى عليه حكمه حكم سائر العبيد.
(69): أي: ولي المقتول (للرق) أي: ليكون رقا للمجروح، أو لولي المقتول.
981

ولو قتل خطأ، فإن فكه مولاه بأرش الجناية، وإلا سلمه للرق. وإذا مات الذي
دبره (70)، هل ينعتق؟ قيل: لا، لأنه كالوصية وقد خرج عن ملكه بالجناية، فيبطل
التدبير. وقيل: لا يبطل، بل ينعتق، وهو المروي. ومع القول بعتقه، هل يسعى في
فك رقبته؟ فيه خلاف، الأشهر أنه يسعى، وربما قال بعض الأصحاب يسعى في دية
المقتول، ولعله وهم.
والمكاتب (71) إن لم يؤد من مكاتبته شيئا، أو كان مشروطا، فهو كالقن. وإن كان
مطلقا، وقد أدى من مال الكتابة شيئا، تحرر منه بحسابه. فإذا قتل حرا عمدا، قتل
به. وإن قتل مملوكا، فلا قود (72)، وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة، فيسعى في
نصيب الحرية، ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق. ولو قتل خطأ، فعلى
الإمام (73) بقدر ما فيه من الحرية، وللمولى الخيار بين فكه بنصيب الرقبة من الجناية،
وبين تسليم حصة الرق لتقاص بالجناية. وفي رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى ابن
جعفر عليهما السلام: " إذا أدى نصف ما عليه، فهو بمنزلة الحر " (74) وقد رجحها في
الاستبصار، ورفضها في غيره.
والبعد إذا قتل مولاه، جاز للولي (75) قتله. وكذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما
الآخر، كان مخيرا بين قتل القاتل وبين العفو.
مسائل ست:
الأولى: لو قتل حر حرين، فليس لأوليائهما إلا قتله، وليس لهما المطالبة
بالدية (76). ولو قطع يمين رجل، ومثلها من الآخر، قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني.

(70): أي: مات بعد استرقاقه (إنه يسعى) العبد نفسه، أي يكتسب حتى يعطي قيمة نفسه للمولى الثاني إذا استرق كله، أو
مقداره إذا كانت جنايته أقل من قيمته واسترق بعضه.
(71): أي: المكاتب المطلق، وهو الذي ينعتق منه بنسبة إعطائه من الثمن، فلو كان الثمن مئة دينار، وأعطى خمسين انعتق
نصفه، أو أعطى عشرين انعتق خمسه وهكذا (مشروطا) وهو الذي لا ينعتق شئ منه إلا بأداء تمام الثمن.
(72): أي: لا قصاص (مبعضة) لو تحرر ربعه، وبقي الباقي رقا، وقتل عبدا قيمته ثمانون مثلا، وجب على القاتل إعطاء
ربع قيمة المقتول وهو عشرون، ويسترق باقي القاتل.
(73): لأنه عاقلة من لا عاقلة له (تتقاص) أي: تقابل، فتعطى حصته الرق أو بمقدار الدية منها لولي المقتول أو للمجروح.
(74): فلا يسترق منه شئ، بل يسعى القاتل هو في تمام الدية، أو الأرش (ورفضها) أي: لم يعمل الشيخ الطوسي قده
بهذه الرواية في غير الاستبصار من سائر كتبه.
(75): ولي المولى: مثل ابنه أو ابن وأخيه أو عمه أو غيرهم (كان مخيرا) أي: المولى.
(76): أي: مع قتله، نعم لو لم يقتلا، كان عليه ديتان، لكل منهما دية واحدة (ومثلها) أي: اليد اليمنى لرجل آخر.
982

فلو قطع يد ثالث، قيل: سقط القصاص إلى الدية، وقيل: قطعت رجله بالثالث.
وكذا لو قطع رابعا (77). أما لو قطع ولا يد له ولا رجل، كان عليه الدية لفوات محل
القصاص. ولو قتل العبد حرين على التعاقب (78)، كان لأولياء الأخير. وفي رواية
أخرى يشتركان فيه، ما لم يحكم به للأول، وهو أشبه. ويكفي في الاقتصاص، أن يختار
الولي استرقاقه، ولو لم يحكم له الحاكم. ومع اختيار ولي الأول، لو قتل بعد ذلك،
كان للثاني.
الثانية: قيمة العبد مقسومة على أعضائه، كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه.
فكل ما فيه منه واحد، ففيه كمال قيمته، كاللسان والذكر والأنف. وما فيه اثنان،
ففيهما كمال قيمته، وفي كل واحد نصف قيمته (79). وكذا ما فيه عشر، ففي كل واحد
عشر قيمته. وبالجملة: الحر أصل للعبد، فيما له دية مقدرة. وما لا تقدير فيه، ففيه
الحكومة فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته، فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شئ له،
وبين دفعه (80) وأخذ قيمته. ولو قطع يده ورجله دفعة، ألزمه القيمة أو أمسكه ولا شئ
له. أما لو قطع يده، فللسيد إلزامه بنصف قيمته. وكذا كل جناية لا تستوعب قيمته.
ولو قطع يده قاطع، ورجله آخر، قال بعض الأصحاب: يدفعه إليهما، ويلزمهما الدية
أو يمسكه، كما لو كانت الجنايتان من واحد، والأولى أن له إلزام كل واحد منهم بدية
جنايته ولا يجب دفعه إليهما.
الثالثة: كل موضع نقول يفكه المولى (81)، فإنما يفكه بأرش الجناية زادت عن قيمة
المملوك الجاني أو نقصت. وللشيخ قول آخر: أنه يفديه بأقل الأمرين، والأول مروي.
الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدين، كل واحد لمالك. فإن اختارا القود (82)،
قيل: يقدم الأول، لأن حقه أسبق، ويسقط الثاني بعد قتله، لفوات محل الاستحقاق،

(77): أي: يدا رابعة لشخص رابع، فقيل تقطع رجله الأخرى، وقيل يسقط القصاص وتجب عليه الدية فقط.
(78): أي: واحدا بعد آخر، ولم يقتلهما دفعة واحدة (ما لم يحكم به للأول) يعني: إلا إذا استرقه الأول قبل أن يسترقه الثاني
(ومع اختيار ولي الأول) استرقاقه (كان للثاني) لأنه قتل الثاني وهو مملوك فيجوز استرقاقه.
(79): كاليد والرجل، والعين والأذن (عشر) كالإصبع (الحكومة) بأن يقوم العبد ويؤخذ مقدار ما أنقصته الجناية.
(80): أي: إعطاؤه إلى الجاني: لكي لا يجتمع العوض والمعوض.
(81): أي: فيما جنى العبد، وأراد المولى فكه بإعطاء أرش الجناية (بأقل الأمرين) من أرش الجناية، وقيمة العبد.
(82): أي: القصاص (فيكون للثاني) كما لو قتل عبد زيد فاسترقه زيد، ثم قتل عبد عمرو فيسترقه عمرو ويخرجه من يد
زيد.
983

وقيل: يشتركان فيه، ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية، فيكون للثاني،
وهو أشبه. فإن اختار الأول المال وضمن المولى، تعلق حق الثاني برقبته، وكان له
القصاص. فإن قتله، بقي المال في ذمة مولى الجاني. ولو لم يضمن، ورضي الأول
باسترقاقه، تعلق به حق الثاني. فإن قتله، سقط حق الأول، وإن استرق اشترك
الموليان. ولو قتل عبد عبدا لاثنين (83)، فطلب أحدهما القيمة، ملك منه بقدر قيمة
حصته من المقتول، ولم يسقط حق الثاني من القود، مع رد قيمة حصة شريكه.
الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبدا، فعلى كل واحد عشر قيمته (84)، فإن قتل
مولاه العشرة، أدى إلى مولى كل واحد، ما فضل عن جنايته. ولو لم تزد قيمة كل
واحد عن جنايته، فلا رد. وإن طلب الدية، فمولى كل واحد بالخيار، بين فكه بأرش
جنايته، وبين تسليمه ليسترق أن استوعبت جنايته قيمته، وإلا كان لمولى المقتول من كل
واحد بقدر أرش جنايته، أو يرد على مولاه ما فضل عن حقه، ويكون له. ولو قتل
المولى بعضا جاز، ويرد كل واحد عشر الجناية، فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل، أثم
مولى المقتول ما يعوز، أو يقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته.
السادسة إذا قتل العبد حرا عمدا، فأعتقه مولاه، صح ولم يسقط القود. ولو
قيل: لا يصح لئلا يبطل حق الولي من الاسترقاق (85)، كان حسنا. وكذا البحث في
بيعه وهبته. ولو كان خطأ، قيل: يصح العتق، ويضمن المولى الدية على رواية عمرو
ابن شمر، عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي عمرو ضعف. وقيل: لا
يصح، إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها.
فروع في السراية:
الأول: إذا جنى الحر على المملوك، فسرت إلى نفسه (86)، فللمولى كمال قيمته.

(83): أي: عبدا واحدا يملكه اثنان (قيمة حصته) فلو كان له ربع العبد المقتول، وكان الربع قيمته مئة دينار، ملك من
القاتل بمقدار مئة دينار إن لم تكن أزيد من ربعه.
(84): أي: عشر قيمة المقتول، إذا لم يكن العشر أكثر من قيمة بعض القاتلين، وإلا كان بقدر قيمته، مثلا لو كان العبد
المقتول ألف دينار، كان على كل عبد مقدار مئة دينار، إلا إذا كانت قيمة بعضهم أقل من مئة دينار (فكه) أي: إعطاء
أرش الجناية (ويكون له) أي: كله (بعضا) أي: بعض العبيد القاتلين (من يقتل) بأن قتل أكثر من واحد من
القاتلين (وينهض الرد) أي: رد موالي بقية القتلة.
(85): أي: ولي المقتول، إذ يجوز له استرقاق القاتل إذا كان عبدا (وكذا البحث) فلا يجوز لمولى القاتل بيعه أو هبته بعد
القتل (ضعف) إذ نسب إليه أنه كان يضع الروايات (أو دفعها) أي: إعطاء الدية.
(86): فمات المملوك (ولو تحرر) المملوك بعد الجناية ثم مات بالسراية فلا قصاص، لعدم التساوي في الحرية والرق (عند
السراية) أي: عند موته بالسراية (تدخل في دية النفس) فلا تؤخذ ديتان، واحدة للعضو، وثانية للنفس، بل تؤخذ
دية واحدة للنفس فقط.
984

ولو تحرر، وسرت إلى نفسه، كان للمولى أقل الأمرين، من قيمة الجناية والدية عند
السراية لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له، والزيادة حصلت بعد الحرية فلا
يملكها المولى. وإن نقصت مع السراية، لم يلزم الجاني تلك النقيصة، لأن دية الطرف
تدخل في دية النفس، مثل أن يقطع واحد يده وهو رق فعليه نصف قيمته، فلو كانت
قيمته ألفا، لكان على الجاني خمسمائة. فلو تحرر، وقطع آخر يده، وثالث رجله، ثم
سرى الجميع سقطت دية الطرف (87)، وتثبت دية النفس وهي ألف، فيلزم الأول
الثلث، بعد أن كان يلزمه النصف، فيكون للمولى الثلث، وللورثة الثلثان من الدية.
وقيل: له أقل الأمرين هنا من ثلث القيمة وثلث الدية، والأول أشبه.
الثاني: لو قطع حر يده (88) أعتق ثم سرت، فلا قود لعدم التساوي وعليه دية حر
مسلم، لأنها جناية مضمونة، فكان الاعتبار بها حين الاستقرار، وللسيد نصف قيمته
وقت الجناية، ولورثة المجني عليه ما زاد، ولو قطع حر آخر رجله بعد العتق، وسرى
الجرحان فلا قصاص على الأول في الطرف ولا في النفس، لأنه لم يجب القصاص في
الجناية، فلم يجب في سرايتها، وعلى الثاني القود بعد رد نصف ديته (89)، يسقط
القود بمشاركة الآخر في السراية، كما لا يسقط بمشاركة الأب للأجنبي، ولا بمشاركة
المسلم للذمي في قتل الذمي.
الثالث: لو قطع يده وهو رق، ثم قطع رجله وهو حر (90)، كان على الجاني
نصف قيمته وقت الجناية لمولاه، وعليه القصاص في الجناية حال الحرية. فإن اقتص

(87): وهي دية قطع اليد (فيلزم الأول) وهو الذي قطع يده وقت كونه مملوكا (بثلث القيمة) فلو كانت قيمته وقت كونه مملوكا
أقل من ألف دينار فقلت القيمة، وإن كانت قيمته أكثر من ألف فقلت الدية، هذا إذا كان رجلا وإن كان المملوك المقتول
بقطع أطرافه أنثى، فقلت القيمة إن كانت قيمتها أقل من خمسمئة دينار، وثلث الدية إن كانت قيمتها أكثر من خمسمئة
دينار.
(88): أي: يد عبد (ثم سرت) فمات العبد بتلك الجناية (مضمونة) يضمن الجاني ما يترتب عليهما (ما زاد) فإن كانت
قيمة العبد وقت الجناية مئة دينار، فخمسون لمولاه، وتسعمائة وخمسون لورثته.
(89): يعني: يقتل قاطع الرجل قصاصا بعد رد نصف الدية على القاتل (للأجنبي) الأب لا يقتل قصاصا إذا قتل ولده، وكذا
المسلم لا يقتل قصاصا إذا قتل الذمي، فلو اشترك أبو زيد مع أجنبي في قتل زيد جاز قتل الأجنبي قصاصا، ولو اشترك
مسلم مع ذمي في قتل ذمي آخر، جاز قتل الذمي قصاصا، ولا يرفع القصاص لأجل شركة من لا يجوز قتله قصاصا.
(90): يعني: شخص واحد قطع يد زيد - مثلا - في حال كون زيد رقا، وقطع رجله في حال كونه حرا (نصف قيمته) لأن لليد
نصف القيمة.
985

المعتق (91) جاز، وإن طالب بالدية كان له نصف الدية، يختص به دون المولى. ولو سرتا
فلا قصاص في الأول، لعدم التساوي، وله القصاص في الرجل لأنه مكافئ. وهل
يثبت القود؟ قيل: لا، لأن السراية عن قطعين، أحدهما لا يوجب القود، والأشبه
ثبوته مع رد ما يستحقه المولى. ولو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل، أخذ المولى
نصف قيمة المجني عليه وقت الجناية (92)، وكان الفاضل للوارث، فيجتمع له الاقتصاص
وفاضل دية اليد، إن كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد.
الشرط الثاني: التساوي في الدين: فلا يقتل مسلم بكافر، ذميا كان أو مستأمنا أو
حربيا (93)، ولكن يعزر ويغرم دية الذمي. وقيل: إن اعتاد قتل أهل الذمة، جاز
الاقتصاص بعد رد فاضل ديته (94).
ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية، بعد رد فاضل الدية (95). والذمية بالذمية وبالذمي، من غير
رجوع عليها بالفضل.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا، دفع هو وماله إلى أولياء المقتول، وهم مخيرون بين
قتله واسترقاقه (96). وفي استرقاق ولده الصغار تردد، أشبهه بقاؤهم على الحرية. ولو

(91): بالفتح أي: العبد الذي أعتق (يختص به) أي، النصف الثاني لنفسه لأنه كان وقت الحرية (ولو سرتا) الجنايتان
فأوجبت موته (لعدم التساوي) في الحرية والرقية (مع رد) بأن يرد ولي زيد للجاني ما دفعه الجاني لمولى زيد في قبال قطع
يد زيد.
(92): أي: وقت كونه مملوكا له (الفاضل) وهو زيادة دية اليد عن نصف قيمة المملوك، مثلا لو كانت قيمة المملوك وقت
قطع يده مئة دينار فنصفها خمسون يأخذه المولى، وأربعمائة وخمسون دينارا للورثة، وإن كان المملوك أمة، فمئتان لورثتها
(والاقتصاص) بقطع الرجل بالرجل - مع التكافؤ من جميع الجهات الأخرى - (وإن كانت ديتها زائدة) وإلا كما لو كانت
قيمة العبد المجني عليه وقت قطع يده ألف دينار، أو كانت قيمة الأمة المجني عليها وقت قطع يدها خمسمائة دينار فلا
شئ للورثة.
(93): الذمي هو الكتابي الذي يعمل بشرائط الذمة - وقد سبق شرائط الذمة في كتاب الجهاد الطرف الثالث من الركن الثاني -
والمستأمن هو الكافر الذي أعطى الأمان، والحربي هو الكافر الذي يحارب المسلمين (دية الذمي) أي: إذا كان المقتول
ذميا، وديته - كما ستأتي في أوائل كتاب الديات - ثمانمائة درهم، أو أربعة آلاف درهم أو دية المسلم، قال المصنف بعد
ذلك " ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار ذوي عهد كانوا أو أهل حرب بلغهم الدعوة أو لم تبلغ ".
(94): دية المسلم عشرة آلاف درهم، فإن قلنا إن دية الذمي أربعة آلاف درهم، فدية الذمية ألفان، وإن قلنا أن دية الذمي
أربعمائة درهم، فدية الذمية مئتان (بالفضل) إذ لا يجني الشخص أكثر من ديته، فإذا قتل القاتل لا يؤخذ.
(95): وهو نصف الدية، فإن قلنا إن دية الذمي أربعة آلاف درهم، فدية الذمية ألفان، وإن قلنا أن دية الذمي أربعمائة
درهم، فدية الذمية مئتان (بالفضل) إذ لا يجني الشخص أكثر من ديته، فإذا قتل القاتل لا يؤخذ.
(96): أي: اعتباره عبدا للورثة (ولده الصغار) يعني: غير البالغين من الذكور والإناث، أما أولاده البالغون، وزوجته،
وأخوته فلا يسترقون بلا إشكال.
986

أسلم قبل الاسترقاق، لم يكن لهم إلا قتله، كما لو قتل وهو مسلم.
ولو قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل، لم يقتل به، وألزم الدية إن كان المقتول ذا (97)
دية.
ويقتل ولد الرشدة (98) بولد الزانية لتساويهما في الإسلام.
مسائل من لواحق هذا الباب:
الأولى: لو قطع مسلم يد ذمي عمدا، فأسلم وسرت إلى نفسه (99) فلا قصاص
ولا قود. وكذا لو قطع يد عبد، ثم أعتق وسرت، لأن التكافؤ ليس بحاصل وقت
الجناية. وكذا الصبي لو قطع يد بالغ، ثم بلغ وسرت جنايته، لم يقطع لأن الجناية لم
تكن موجبة للقصاص حال حصولها وتثبت دية النفس، لأن الجناية وقعت مضمونة وكان
الاعتبار بأرشها حين الاستقرار.
الثانية: لو قطع يد حربي أو يد مرتد، فأسلم ثم سرت، فلا قود ولا دية، لأن
الجناية لم تكن مضمونة (100) فلم يضمن سرايتها. ولو رمى ذميا بسهم فأسلم، ثم أصابه
فمات، فلا قود وفيه الدية (101). وكذا لو رمى عبدا فأعتق، وأصابه فمات، أو رمى
حربيا أو مرتدا، فأصابه بعد إسلامه فلا قود، وتثبت الدية لأن الإصابة صادفت مسلما
محقون الدم.
الثالثة: إذا قطع المسلم يد مثله، فسرت مرتدا (102)، سقط القصاص في
النفس، ولا يسقط القصاص في اليد الآن الجناية به حصلت موجبة للقصاص
فلم تسقط باعتراض الارتداد. ويستوفي القصاص فيها وليه المسلم، فإن لم
يكن استوفاه الإمام. وقال في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا، أنه لا قود ولا دية، لأن

(97): وهو الذمي، إما غير الذمي فلا دية كما مر عند رقم - 93 -.
(98): وهي التي وطئت وطأ صحيحا، فلو قتل ابن الحلال ابن زنا عمدا، قتل قصاصا للتكافؤ في الإسلام بينهما.
(99): أي: مات (فلا قصاص) يعني: لا تقطع يد المسلم (ولا قود) أي: لا يقتل المسلم وإنما تؤخذ من المسلم الدية،
ويعزر لفعله الحرام (دية النفس) ألف دينار إن كان رجلا مسلما، وخمسمائة إن كانت امرأة مسلمة، وفي الذمي والذمية
كما مر عند رقم (93).
(100): لأن دمهما هدر، هذا في المرتد الفطري مطلقا أو الملي إذا لم يتب.
(101): دية المسلم ألف دينار (وكذا) تثبت دية الحر.
(102): أي: ارتد ثم مات (الجناية به) أي: بقطع اليد (باعتراض) أي: عروض وحدوث (فإن لم يكن) له ولي مسلم
(الإمام) لأنه ولي من لا ولي له (الطرف) أي: العضو.
987

قصاص الطرف وديته، يتداخلان في قصاص النفس وديتها، والنفس ههنا ليست
مضمونة. وهو يشكل، بما أنه لا يلزم من دخول الطرف في قصاص النفس، سقوط ما
يثبت من قصاص الطرف، لمانع يمنع من القصاص في النفس (103) أما لو عاد إلى
الإسلام، فإن كان قبل أن يحصل سرايته، ثبت القصاص في النفس. وإن حصلت
سراية وهو مرتد، ثم عاد وتمت السراية حتى صارت نفسا، ففي القصاص تردد، أشبهه
ثبوت القصاص، لأن الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار، وقيل: لا قصاص،
لأن وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية، وهذه بعضها هدر، لأنه حصل في حال
الردة. ولو كانت الجناية خطأ (104) تثبت الدية، لأن الجناية صادفت محقون الدم،
وكانت مضمونة في الأصل.
الرابعة: إذا قتل مرتد ذميا، ففي قتله تردد، منشأه تحرم المرتد بالإسلام. ويقوى
أنه يقتل، للتساوي في الكفر، كما يقتل النصراني باليهودي، لأن الكفر كالملة الواحدة.
أما لو رجع (105) إلى الإسلام فلا قود وعليه دية الذمي.
الخامسة: لو جرح مسلم نصرانيا، ثم ارتد الجارح وسرت الجراحة، فلا قود
لعدم التساوي حال الجناية، وعليه دية النصراني.
السادسة: لو قتل ذمي مرتدا قتل به، لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي. أما لو
قتله مسلم، فلا قود قطعا، وفي الدية تردد (106)، والأقرب أنه لا دية. ولو وجب على
مسلم قصاص، فقتله غير الولي كان عليه القود (107). ولو وجب قتله بزنا أو لواط،
فقتله غير الإمام، لم يكن عليه قود ولا دية، لأن عليا عليه الصلاة والسلام قال لرجل
قتل رجلا وادعى إنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن تأتي ببينة.
الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أبا فلو قتل ولده لم يقتل به، وعليه الكفارة (108) والدية
والتعزير. وكذا لو قتله أب الأب وإن علا. ويقتل الولد بأبيه. وكذا الأم تقتل به ويقتل بها. وكذا

(103): يعني: دخول الطرف في النفس إنما هو فيما ثبت القصاص في النفس، أما إذا كان مانع عن ثبوت القصاص في النفس
فلا دليل على سقوط قصاص الطرف وحده.
(104): يعني: قطع المسلم يد مسلم ثم ارتد فسرت الجناية ومات.
(105): أي: القاتل المرتد.
(106): من جهة أنه مهدور الدم، ومن جهة إنه ليس لغير الإمام قتله.
(107): كما لو قتل زيد عمرا ظلما عمدا، فلولي عمرو قتل زيد، فإن قتل بكر زيدا كان لورثة زيد قتل بكر (ببينة) مع أن
قتل الزاني أو اللائط فيما يجب قتلهما بيد الإمام.
(108): عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا (والدية) ألف دينار في الذكر المسلم الحر، وخمسمائة في الأنثى
المسلمة الحرة، وفي غيرهما كما عين في كتاب الديات (والتعزير) لأنه فعل حراما (وكذا الأم) فلو قتلت أم ابنها عمدا ظلما
جاز لورثة المقتول قتلها قصاصا (من الطرفين) الأب والأم.
988

الأقارب كالأجداد والجدات من قبلها، والأخوة من الطرفين، والأعمام والعمات والأخوال
والخالات.
فروع:
الأول لو ادعى اثنان ولدا مجهولا، فإن قتله أحدهما قبل القرعة (109) فلا قود
لتحقق الاحتمال في طرف القاتل. ولو قتلاه، فالاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما
باق. وربما حظر الاستناد إلى القرعة، وهو تهجم على الدم، والأقرب الأول. ولو
ادعياه ثم رجع (110) أحدهما وقتلاه، توجه القصاص على الراجع بعد رد ما يفضل عن
جنايته، وكان على الأب نصف الدية، وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده. ولو ولد
مولود على فراش مدعيين له (111)، كالأمة أو الموطوءة بالشبهة في الطهر الواحد، فقتلاه
قبل القرعة، لم يقتلا به لتحقق الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما. ولو رجع أحدهما،
ثم قتلاه لم يقتل الراجع. والفرق (112) أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوى،
وفي الفرق تردد. ولو قتل الرجل زوجته، هل يثبت القصاص لولدها منه؟ قيل: لا،
لأنه لا يملك أن يقتص من والده. ولو قيل: يملك هنا أمكن (113)، اقتصارا بالمنع على
مورد النص. وكذا البحث لو قذفها الزوج، ولا وارث إلا ولده منها. أما لو كان لها
ولد من غيره، فله القصاص بعد رد نصيب ولده من الدية (114)، وله استيفاء الحد

(109): لأن بالقرعة يتعين أيهما أب، وأيهما أجنبي - شرعا - (ليتحقق الاحتمال) بكونه أبا للمقتول (حظر) أي: منع بأن
يقتل القاتل لأصالة عدم كونه أبا (تهجم) وقد أمرنا بدرء الحدود فيما لا علم وهذا منه (الأول) وهو عدم قتله.
(110): أي: أنكر أبوته (يفضل) فلو كان المقتول رجلا مسلما رد إليه خمسمئة دينار - في غير الأشهر الحرم - وإن كانت امرأة
مسلمة رد إليه سبعمئة وخمسين دينارا، وهكذا.. (كفارة القتل) العمدي ظلما، عتق رقبة، وصيام شهرين
متتابعين، وإطعام ستين مسكينا كفارة الجمع.
(111): بأن كان وطء كل منهما شرعا موجبا للحوق الولد به (كالأمة) التي وطأها مولاها، ووطأها رجل آخر بالشبهة، (أو
الموطوءة) التي لها زوج يطأها، ووطأها رجل آخر بالشبهة (في الطهر الواحد) الظاهر إن هذا ليس قيدا، إذ لو وطئت في
طهرين، فأتت بولد لأكثر من ستة أشهر وأقل من عشرة أشهر - على المشهور - من الوطئين اشتبه الأب بينهما (لتحقق
الاحتمال) أي: احتمال الأبوة.
(112): بين هذا الفرع والفرع السابق عند رقم (110).
(113): صحة هذا القيل (مورد النص) وهو قتل الوالد لو قتل ولده (قذفها الزوج) أي: نسبها إلى الزنا، أو نفى ولدها،
فماتت الزوجة.
(114): لأن دية الرجل ألف، ودية المرأة خمسمائة، فإذا قتله قصاصا فعليه أن يرد عليه خمسمئة وهذه الخمسمائة تعطى لولده
(كاملا) لأن لكل واحد من الورثة المطالبة بكامل الحد، بخلاف حق القصاص فإنه يوزع على الورثة بنسبتهم.
989

كاملا. ولو قتل أحد الولدين أباه، ثم الآخر أمه، فلكل منهما على الآخر القود (115).
فإن تشاحا في الاقتصاص، أقرع بينهما، وقدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة. ولو بدر
أحدهما فاقتص، كان لورثة الآخر الاقتصاص منه.
الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقتل المجنون، سواء قتل مجنونا أو عاقلا، وتثبت
الدية على عاقلته (116). وكذا الصبي لا يقتل بصبي ولا ببالغ. أما لو قتل العاقل ثم جن،
لم يسقط عنه القود. وفي رواية يقتص من الصبي، إذا بلغ عشرا (117) وفي أخرى إذا بلغ
خمسة أشبار، ويقام عليه الحدود. والوجه أن عمد الصبي خطأ محض، يلزم أرشه العاقلة
حتى يبلغ خمس عشرة سنة.
فرع: لو اختلف الولي (118) والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته، فقال: قتلت وأنت بالغ
أو أنت عاقل فأنكر، فالقول قول الجاني مع يمينه، لأن الاحتمال متحقق فلا يثبت معه
القصاص، وتثبت الدية على العاقلة.
ولو قتل البالغ الصبي (119)، قتل به على الأصح. ولا يقتل العاقل بالمجنون (120)،
وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد. وعلى العاقلة إن كان خطأ محضا. ولو
قصد القاتل دفعه كان هدرا. وفي رواية: ديته في بيت المال.
وفي ثبوت القود على السكران تردد، والثبوت أشبه، لأنه كالصاحي في تعلق
الأحكام. أما من بنج نفسه أو شرب مرقدا (121) لا لعذر، فقد ألحقه الشيخ رحمه الله

(115): أي: القتل قصاصا (تشاحا) أي: أراد كل واحد منهما السبقة بقتل الآخر.
(116): وهم أقرباؤه لأبيه سواء كانوا لأمه أيضا كالأخوة من الأبوين، أم لا كالأعمام، وذلك: لأن المجنون والصبي عمدهما
خطأ تحمله العاقلة.
(117): أي: قتل وعمره عشر سنين أو أكثر (خمسة أشبار) أي: بلغ طوله (والوجه) الصحيح (خمس عشرة سنة) لا أقل
حتى ولو بلغ عشرا، أو طوله خمسة أشبار، هذا إذا لم يبلغ بالإنبات أو الاحتلام قبل ذلك، وفي غير الأنثى التي تبلغ
بعشر سنين.
(118): أي: ولي المقتول (والجاني) الذي كان صبيا فبلغ، أو مجنونا فأفاق (الاحتمال) الذي هو شبهة تدرأ الحدود لأجلها
(على القاتل) وفي بعض النسخ (على العاقلة) وفي بعض النسخ ومنها نسخة المسالك والجواهر اللتان عندي عدم ذكر
القاتل ولا العاقلة، لكن في الجواهر في شرح العبارة: " في مالهما - أي الصبي والمجنون - للاعتراف بالقتل الذي يمضي في
حقهما دون العاقلة " والتفصيل في المفصلات.
(119): أي: كان القاتل بالغا، والمقتول صبيا (على الأصح) ومقابله قول شاذ بعدم القصاص.
(120): بأن كان القاتل عاقلا والمقتول مجنونا (دفعه) بأن هجم المجنون على العاقل فأراد العاقل دفع المجنون فقتل المجنون
(هدرا) لا دية أيضا.
(121): أي: دواء موجبا للنوم: وقتل في حالة البنج أو النوم شخصا (ألحقه الشيخ) فعليهما القصاص (وفيه تردد) لعدم
العمد لهما وإلحاقهما بالسكران قياس.
990

بالسكران، وفيه تردد.
ولا قود على النائم، لعدم القصد وكونه معذورا في سببه (122)، وعليه الدية. وفي
الأعمى تردد، أظهره إنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده. وفي رواية الحلبي عن أبي عبد
الله عليه السلام: إن جنايته خطأ تلزم العاقلة.
الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم احترازا من المرتد بالنظر إلى المسلم،
فإن المسلم لو قتله لم يثبت القود (123). وكذا كل من أباح الشرع قتله، ومثله من هلك بسراية
القصاص أو الحد.
الفصل الثالث: في دعوى القتل (124)، وما يثبت به.
ويشترط في المدعي: البلوغ. والرشد حالة الدعوى دون وقت الجناية (125)، إذ قد
يتحقق صحة الدعوى بالسماع المتواتر. وأن يدعي على من يصح منه مباشرة الجناية.
فلو ادعى على غائب، لم يقبل. وكذا لو ادعى على جماعة، يتعذر اجتماعهم على قتل
الواحد، كأهل البلد، وتقبل دعواه لو رجع إلى الممكن (126). ولو حرر الدعوى، بتعيين
القاتل وصفة القتل ونوعه، سمعت دعواه. وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق القتل؟ فيه
تردد، أشبهه القبول. ولو قال، قتله أحد هذين سمعت، إذ لا ضرر في إحلافهما. ولو أقام
بينة (127)، سمعت لأثبت اللوث إن خص الوارث أحدهما.

(122): لأن سبب النوم ليس بيد النائم، إذ النوم يملك الإنسان بدون اختياره.
(123): وإن أثم بعدم الاستئذان ممن له الإذن (قتله) كالحربي والزاني المحصن، واللائط، والزاني بإكراه للزانية، والزاني
بمحارمه ونحو ذلك (بسراية القصاص) بأن اقتص منه في بعض أعضائه، كما لو قطع زيد رجل عمرو، ثم قطع عمرو
رجل زيد قصاصا فسرى الجرح ومات زيد، فلا قود وإن لم يمت عمرو، وكذا من أجري عليه الحد من جلد أو قطع يد
أو رجل أو غيرها فسرى ومات.
(124): أي ادعاء شخص القتل على شخص آخر.
(125): فلو قتل عمرو ولزيد خمس سنوات، ثم ادعى زيد بعد عشرين سنة أن القاتل بكر كانت دعوى، إذ لعله بلغه ذلك
بالتواتر، أو بالخبر المحفوف بقرائن تورث القطع له.
(126): أي: كان إدعاؤه بشكل يمكن مثلا ادعى أن الغائب قتله بسم بعثه إليه، أو ادعى أن أحد أهل البلد قتله في مشهد
من أهل البلد (ولو حرر) أي: ذكر (بتعيين القاتل) مثلا زيد المعين (وصفة القتل) إنه بالمباشرة أو بالتسبيب، بأية آلة
(ونوعه) من عمد، أو شبه عمد، أو خطأ محض (مطلق القتل) مثلا قال: زيد قتل عمرا (إحلافهما) إذا أنكرا
القتل.
(127): على أن القاتل أحد هذين (اللوث) وهو التهمة والأمارة التي يظن معها بصدق المدعي وسيأتي تفصيل بحث اللوث بعد
قليل في " القسامة " (أحدهما) أي: اتهم الوارث أحدهما بالخصوص بالقتل.
991

مسائل:
الأولى: لو ادعى (128) أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم، سمعت دعواه ولا يقضى
بالقود، ولا بالدية، لعدم العلم بحصة المدعى عليه من الجناية، ويقضى بالصلح حقنا
للدم.
الثانية: إذا ادعى القتل، ولم يبين عمدا أو خطأ، الأقرب أنها تسمع ويستفصلها (129)
القاضي، وليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى. ولو لم يبين، قيل: طرحت دعواه وسقطت
البينة بذلك، إذ لا يمكن الحكم بها، وفيه تردد.
الثالثة: لو ادعى على شخص القتل منفردا، ثم ادعى على آخر (130) لم تسمع الثانية
برأ الأول أو شركه، لإكذابه نفسه بالدعوى الأولى، وفيه للشيخ قول آخر.
الرابعة لو ادعى قتل العمد، ففسره بالخطأ (131)، لم يبطل أصل الدعوى. وكذا لو
ادعى الخطأ، ففسره بما ليس خطأ.
وتثبت الدعوى: بالإقرار، أو البينة، أو القسامة (132).
أما الإقرار: فتكفي المرة، وبعض الأصحاب يشترط الإقرار مرتين. ويعتبر في المقر:
البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والحرية. أما المحجور عليه لفلس أو سفه، فيقبل
إقراره بالعمد (133)، ويستوفي منه القصاص. وأما بالخطأ، فتثبت ديته، ولكن لا يشارك

(128): على شخص (عددهم) عدد القاتلين (لعدم العلم) بأن على المدعى عليه العشر، أو الخمس، أو غيرهما
(بالصلح) بين المدعى عليه، وبين ورثة المقتول، وهذا إذا أثبت دعواه ببينة أو غيرهما.
(129): أي: يطلب من المدعي التفصيل بأنه قتل عمدا، أو خطأ (وفيه تردد) لاحتمال ثبوت الدية لكي لا يبطل دم امرئ
مسلم.
(130): مثلا قال: القاتل زيد وحده، ثم قال: القاتل عمرو وحده (برئ) أي: سواء برأ الأول من القتل أو جعلهما
شريكين في القتل (قول آخر) في الجواهر: وظاهره أنه قول بسماع الثانية.
(131): مثلا فإن: زيد قتل عمرا عمدا، ثم قال: أراد زيد أن يرمي غزالا فوقع السهم على عمرو وقتله (ادعى الخطأ)
قال مثلا: زيد قتل عمرا خطأ، ثم قال: حمل زيد سيفا في وضح النهار، واختفى لعمرو، فلما مر عمرو ضربه على
رأسه وقتله، وفي كليهما لا يبطل أصل الدعوى فلو أقام بينة عليها ثبتت.
(132): أي: إقرار المدعى عليه، أو إقامة المدعي البينة على دعواه، والقسامة اصطلاح فقهي للأيمان خمسين يمينا في قتل العمد
وخمس وعشرين يمينا في قتل الخطأ ولها تفاصيل وأحكام خاصة ستأتي إن شاء الله تعالى عند رقم (149) وما بعده.
(133): يعني: لو أقر بأنه قتل عمدا (القصاص) يعني: يقتل بإقراره (بالخطأ) الشبيه بالعمد الذي ديته في مال القاتل،
دون الخطأ المحض الذي ديته على العاقلة (الغرماء) الديان، بل تصير الدية في ذمة المقر حتى إذا حصل له مال في
المستقبل أخذ منه الدية.
992

الغرماء. ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ (134)، تخير الولي تصديق أحدهما، وليس
له على الآخر سبيل ولو أقر بقتله عمدا، فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول، درئ عنهما
القصاص والدية، وودي (135) المقتول من بيت المال، وهي قضية الحسن عليه السلام.
وأما البينة: فلا يثبت ما يجب به القصاص إلا بشاهدين، ولا يثبت بشاهد وامرأتين
وقيل: تثبت به الدية، وهو شاذ
ولا بشاهد ويمين (136)، ويثبت بذلك ما يوجب الدية، كقتل الخطأ والهاشمة والمنقلة
وكسر العظام والجائفة.
ولا تقبل الشهادة إلا صافية عن الاحتمال، كقوله ضربه بالسيف فمات، أو فقتله أو
فأنهر (137) دمه فمات في حاله، أو فلم يزل مريضا منها حتى مات، وإن طالت المدة.
ولو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة، لم يلتفت إلى إنكاره. وإن صدقها وادعى
الموت بغير الجناية، كان القول قوله مع يمينه. وكذا الحكم في الجراح، فإنه لو قال الشاهد
ضربه فأوضحه قبل. ولو قال اختصما، ثم افترقا وهو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا لم
يقبل، لاحتمال أن يكون من غيره. وكذا لو قال: فجرى دمه.
وأما لو قال: فأجرى دمه، قبلت. ولو قال: أسال دمه فمات قبلت في الدامية دون ما
زاد (138). ولو قال أوضحه، فوجدنا فيه موضحتين (139) سقط القصاص لتعذر المسافات في

(134): كما لو وجد عمرو مقتولا فقال زيد: أنا قتلته عمدا، وقال بكر: أنا قتلته خطأ.
(135): أي أعطي ديته (قضية الحسن) وهي قصة مفصلة ذكرها في الوسائل " كتاب القصاص " - أبواب دعوى القتل - الباب
الرابع - الحديث الأول ".
حاصلها: أن رجلا ادعى القتل، فجاء آخر وقال أنا القاتل فحول علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام القضية إلى
ولده الحسن عليه السلام، فخلى الحسن سبيلهما، وحكم بديته من بيت المال، ودفع أمير المؤمنين عليه السلام الدية.
(136): أي: شاهد ويمين المدعي (الهاشمة) وهي الضربة التي تهشم العظم وديتها عشر من الإبل (والمنقلة) هي الضربة التي
تحوج إلى نقل العظم، وديتها خمسة عشر بعيرا (وكسر العظام) فيه الحكومة (والجائفة) هي الضربة التي تصل إلى الجوف،
وفيها ثلث دية ذلك العضو، وسيأتي التفصيل ذلك كله في كتاب الديات " المقصد الثالث في الشجاج والجراح ".
(137): أي: فأجرى (في الجراح) فإنه يجب كون الشهادة عليه خالية عن الاحتمال فأوضحه أي: أظهر عظمه، وفيه الدية
خمسة أبعرة (مشجوجا) أي: مكسورا (فجرى دمه) ولم يقل من تلك الضربة.
(138): الدامية هي الضربة التي تأخذ في اللحم يسيرا وتدمى، وفي الجواهر - بعد قوله فما زاد -: (بناء على عدم صراحة
قوله - فمات - في التسبيب لكنه مناف لما سمعته سابقا منه من جعل قوله - ضربه فمات - من العبارة الصافية عن
الاحتمال ".
(139): ولم يعلم أيتهما لهذا الجاني، وأيتهما لآخر (المساواة) إذ يجب كون القصاص مساويا للجناية، فلو لم يعلم أيتهما لهذا
الجاني، لا يجوز القصاص منه (خطر) أي: بدر إلى الذهن (وفيه ضعف) إذ محل القصاص معتبر، ففي موضع أيهما
يقع القصاص؟.
993

الاستيفاء ويرجع إلى الدية وربما خطر الاقتصاص بأقلهما، وفيه ضعف، لأنه استيفاء في محل لا يتحقق
توجه القصاص فيه.
وكذا لو قال قطع يده (140)، ووجد مقطوع اليدين ولا يكفي قوله فأوضحه ولا شجه
حتى يقول: هذه الموضحة أو هذه الشجة، لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر.
ويشترط فيهما (141) التوارد على الوصف الواحد، فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة والآخر
عشية، أو بالسكين والآخر بالسيف، أو القتل في مكان معين والآخر في غيره، لم يقبل.
وهل يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط: نعم، وفيه إشكال لتكاذبهما. أما لو شهد
أحدهما بالإقرار والآخر بالمشاهدة، لم يثبت، وكان لوثا لعدم التكاذب.
وهنا مسائل:
الأولى: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا (142)، وشهد الآخر بالإقرار عمدا،
ثبت القتل وكلف المدعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه، لأنه إكذاب للبينة. وإن
قال: عمدا، قبل. وإن قال خطأ وصدقه الولي فلا بحث، وإلا فالقول قول الجاني مع
يمينه. ولو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمدا، والآخر بالقتل المطلق، وأنكر القاتل العمد
وادعاه الولي، كانت شهادة الواحد لوثا، ويثبت الولي دعواه بالقسامة إن شاء.
الثانية: لو شهدا بقتل على اثنين، فشهد المشهود عليهما على الشاهدين، أنهما هما
القاتلان (143)، على وجه لا يتحقق معه التبرع، أو إن تحقق لا يقتضي إسقاط الشهادة، فإن

(140): ولم يعين اليد، فإنه ينتقل إلى الدية ولا يقتص منه.
(141): في الشاهدين (لوثا) أي: تهمة وإمارة توجب الظن بالصدق (لتكاذبهما) أي: ظاهر شهادة كل واحد منهما كذب
شهادة الآخر (بالمشاهدة) يعني: قال أحد الشاهدين أقر الجاني بالجناية، وقال الآخر: رأيته جنى.
(142): أي: بدون تعيين العمد، وشبه العمد، والخطأ (قول الجاني) في ادعائه الخطأ (وادعاه الولي) أي: ولي
المقتول.
(143): مثلا يشهد زيد وعمرو: أن بكرا وخالدا قتلا محمدا، وشهد بكر وخالد أن زيدا وعمرا قتلا محمدا (التبرع) لو
كانت الشهادة تبرعا بدون طلب الحاكم أو طلب ولي المقتول فلا تقبل -. كما مر في كتاب الشهادات عند رقم (45) - فلو
تبرع بكر وخالد بالشهادة فلا تقبل منهما، أما لو لم يكن تبرع في البين كما لو كان للمقتول وليان، قد طلب أحدهما من
زيد وعمرو الشهادة فشهدا على بكر وخالد، وطلب الولي الآخر من بكر وخالد الشهادة لأجل كونها تبرعية قبل الطلب
(سقط الجميع) للتناقض والتهمة.
994

صدق الولي الأولين، حكم له وطرحت شهادة الآخرين. وإن صدق الجميع أو صدق
الآخرين، سقط الجميع.
الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه (144)، أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت، ولا تقبل
قبله، لتحقق التهمة على تردد. ولو اندمل بعد الإقامة، فأعادت الشهادة، قبلت لانتفاء
التهمة. ولو شهدا لمن يرثانه وهو مريض، قبلت، والفرق أن الدية يستحقانها ابتداء، وفي
الثانية يستحقانها من ملك الميت.
الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة، بفسق شاهدي القتل، فإن كان القتل عمدا أو
شبيها به (145)، أو كانا ممن لا يصل إليهما العقل، حكم بهما وطرحت شهادة القتل. وإن كانا
ممن يعقل عنه لا يقبل، لأنهما يدفعان عنهما الغرم.
الخامسة: لو شهد اثنان أنه قتل (146)، وآخران على غيره أنه قتله، سقط القصاص
ووجبت الدية عليهما نصفين. ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما، ولعله احتياط في
عصمة الدم، لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين. ويحتمل هذا وجها آخر، وهو تخير الولي
في تصديق أيهما شاء، كما لو أقر اثنان بقتله، كل واحد منهما بقتله منفردا، والأول أولى.
السادسة: لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا، فأقر آخر أنه هو القاتل، وبرأ المشهود
عليه، فللولي قتل المشهود عليه، ويرد المقر نصف ديته (147)، وله قتل المقر ولا رد لإقراره
بالانفراد، وله قتلهما بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر. ولو أراد الدية،
كانت عليهما نصفين. وهذه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام. وفي قتلهما إشكال لانتفاء
الشركة. وكذا في إلزامهما بالدية نصفين. والقول بتخير الولي في أحدهما: وجه قوي، غير
أن الرواية من المشاهير.
السابعة: قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد، وأقام شاهدا وامرأتين، ثم عفا لم

(144): كما لو شهد أولاد عمرو المجروح (بعد الاندمال) أي: كانت الشهادة بعدما طاب الجرح (قبله) قبل الاندمال
(التهمة) باحتمال السراية إلى النفي فيرثان ديته (ابتداء) بعد موت المقتول.
(145): لأن فيهما لا تجب الدية على العاقلة (لا يصل) كضامن الجريرة مع وجود المعتق، أو كالمعتق مع وجود العصبة،
وسيأتي تفصيل مباحث العاقلة في آخر كتاب الديات وعنهما) أي: عن أنفسهما، وهذه تهمة ترد معها الشهادة.
(146): أي: زيد مثلا هو القاتل، وآخران شهدا أن عمرا هو القاتل (سقط القصاص) لعدم تعيين القاتل.
(147): يرد النصف على ورثة زيد (ولو أراد) أي: ولي المقتول (من المشاهير) بين الأصحاب رواية وعملا وهي صحيحة
السند رواها الكليني والشيخ.
995

يصح (148)، لأنه عفا عما لم يثبت، وفيه إشكال إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند
الحاكم.
وأما القسامة (149): فيستدعي البحث فيها مقاصد
الأول: في اللوث ولا قسامة مع ارتفاع التهمة، وللولي إحلاف المنكر يمينا واحدة،
ولا يجب التغليظ. ولو نكل، فعلى ما مضى من القولين.
واللوث إمارة، يغلب معها الظن بصدق المدعي، كالشاهد ولو واحدا. وكذا لو وجد
متشحطا بدمه، وعنده ذو سلاح عليه الدم (150)، أو في دار قوم، أو في محلة منفردة عن
البلد لا يدخلها غير أهلها، أو في صف مقابل للخصم بعد المراماة.
ولو وجد في قرية مطروقة (151)، أو خلة من خلال العرب، أو في محلة منفردة مطروقة.
وإن انفردت، فإن كان هناك عداوة فهو لوث، وإلا فلا لوث، لأن الاحتمال متحقق هنا.
ولو وجد بين قريتين، فاللوث لأقربهما إليه (152). ومع التساوي في القرب، فهما في اللوث
سواء.
أما من وجد في زحام، على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع، فديته على بيت المال.
وكذا لوجد في جامع عظيم أو شارع. وكذا لو وجد في فلاة.

(148): أي: لم يصح العفو، فلو قامت بينة بعد ذلك جاز الاقتصاص منه (عند الحاكم) بل يتوقف على وجود حق في
الواقع.
(149): هي - كما سيأتي - في قتل العمد خمسون يمينا، وفي قتل الخطأ خمس وعشرون يمينا (في اللوث) وهو حصول ما يظن
معه بصدق الدعوى ووجود التهمة (التغليظ) في اليمن بأن يقول مثلا " والله المنتقم من الكاذبين القاصم للظالمين.. "
وهكذا وقد مضى تفصيل ذلك في كتاب القضاء عند رقم (91) وما بعده (نكل) أي: لم يحلف من عليه الحلف (من
القولين) قول يقضي عليه بالنكول، وقول برد اليمين على المدعي فإن حلف ثبت حقه، وإن امتنع سقط حقه وقد مضى
تفصيل ذلك في كتاب القضاء، عند رقم (79) وما بعده.
(150): أي: على سلاحه الدم (منفردة) أي: منفصلة (بعد المراماة) أي: بعد رمي كل صف السهام إلى الصف الآخر،
فإذا وجد قتيل في أحد الصفين فاللوث على الصف الآخر.
(151): أي: يكثر الذهاب والإياب فيها (أو خلة) هي الفرجة بين المنازل وتسمى اليوم الساحة (منفردة) غير متصلة ببلد
(عداوة) بين المقتول وبين هذه القرية (الاحتمال) بأن يكون القاتل من المستطرقين، فليس هناك غلبة ظن أو تهمة
بالنسبة لأهل القرية خاصة.
(152): إلى المقتول، كما لو كانت المسافة بينه وبين قرية نصف فرسخ، وبينه وبين قرية أخرى ربع فرسخ (أو بئر) أي: في
بئر (فلاة) أي: صحراء.
996

ولا يثبت اللوث: في شهادة الصبي (153)، ولا الفاسق، ولا الكافر ولو كان مأمونا في
نحلته، نعم، لو أخبر جماعة من الفساق، أو النساء مع ارتفاع المواطأة، أو مع ظن
ارتفاعها، كان لوثا. ولو كان الجماعة كفارا أو صبيانا، لم يثبت اللوث، ما لم يبلغوا حد
التواتر.
ويشترط في اللوث خلوصه عن الشك. فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح متلطخ
بالدم، مع سبع من شأنه قتل الإنسان، بطل اللوث لتحقق الشك.
ولو قال الشاهد: قتله أحد هذين كان لوثا (154). ولو قال: قتل أحد هذين لم يكن
لوثا، وفي الفرق تردد.
ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل (155) على الأشبه، ولا في القسامة حضور المدعى
عليه.
مسألتان
الأولى: لو وجد قتيلا في دار فيها عبده (156)، كان لوثا، وللورثة القسامة لفائدة
التسلط بالقتل، ولافتكاكه بالجناية لو كان هناك رهن.
الثانية: لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله، جاز إثبات دعواه بالقسامة. فلو
أنكر كونه فيها وقت القتل (157)، كان القول قوله مع يمينه، ولم يثبت اللوث، لأن اللوث
يتطرق إلى من كان موجودا في تلك الدار، ولا يثبت ذلك إلا بإقراره أو البينة.

(153): أي: شهد العبد أو الفاسق أو الكافر على أن القاتل فلان (نحلته) أي: أهل دينه (المواطاة) التباني على الكذب،
كما لو كان بعضهم لا يعرف بعضا، أو كانوا كثيرا، أو من بلاد مختلفة ونحو ذلك (التواتر) أي: الشياع كما عن
بعضهم.
(154): عند الشيخ الطوسي - قدس سره - فلو عين ولي المقتول أحدهما كان عليه القسامة (لم يكن لوثا) يعني: لو قال مثلا -
زيد قتل واحدا من عمرو وبكر لم يكن لوثا، فلو عين أحدهما ولي زيد لم تجب عليه القسامة، بل يمين واحدة للإنكار
(تردد) لوحدة الظن فيهما.
(155): على المقتول من جراحة، أو دم أو نحوهما (حضور) فلو وجد قتيل في دار زيد كان لوثا وللحاكم أن يحكم بالقسامة
على زيد مع عدم حضوره.
(156): مثلا: لو وجد زيد مقتولا في حجرة عبد زيد (التسلط) يعني: فائدة هذا اللوث هو أنه لو كان العبد مرهونا عند
شخص يفتك من الرهن ويقتله الورثة لو لم يحلف.
(157): أي: أنكر بعضهم وجوده في الدار وقت وقوع القتل (يتطرق) فمن لم يكن موجودا في الدار لأظن بكونه القاتل
(ذلك) أي: وجوده في الدار وقت وقوع القتل.
997

الثاني: في كميتها (158) وهي في العمد خمسون يمينا. فإن كان له قوم، حلف كل
واحد يمينا إن كانوا عدوا القسامة، وإن نقصوا عنه، كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا
القسامة. وفي الخطأ المحض والتشبيه بالعمد، خمس وعشرون يمينا.
ومن الأصحاب من سوى بينهما (159)، وهو أوثق في الحكم، والتفصيل أظهر في
المذهب.
ولو كان المدعون جماعة (160)، قسمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد والخمس
والعشرون في الخطأ
ولو كان المدعى عليهم أكثر من واحد، ففيه تردد، أظهره أن على كل واحد خمسين يمينا
كما لو انفرد، لأن كل واحد منهم يتوجه عليه دعوى بانفراده
أما لو كان المدعى عليه واحدا، فأحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته (161)، حلف كل
واحد منهم يمينا. ولو كانوا أقل من الخمسين، كررت عليهم الأيمان حتى يكملوا العدد.
ولو لم يكن للولي (161): قسامة ولا حلف هو، كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا، إن لم يكن له
قسامة من قومه. وإن كان له قوم، كان كأحدهم. ولو امتنع عن القسامة، ولم يكن له من يقسم، ألزم
الدعوى. وقيل: له رد اليمين على المدعي.
وتثبت القسامة في الأعضاء مع التهمة (163)، وكم قدرها؟ قيل: خمسون يمينا

(158): أي: كمية عدد الأيمان (في العمد) أي: قتل العمد، كما لو وجد قتيل في دار زيد وادعى ولي زيد أنه مقتول عمدا
ظلما (عدد القسامة) أي: كان القوم خمسين شخصا (كررت) كما لو كانوا عشرة، فيحلف كل واحد منهم خمس أيمان،
أو كانوا خمسة فيحلف كل واحد منهم عشر أيمان، وهكذا.
(159): بين العمد وبين شبيه العمد والخطأ المحض، ففي كليهما قال خمسون يمينا (أوثق) أي: موجب لثقة أكثر في الحكم
بالقتل (والتفصيل) وهو خمسون في العمد، وفي غيره خمس وعشرون (في المذهب) ما نذهب إليه.
(160): كما لو كان لزيد المقتول خمسة أولاد، ادعى كلهم أن قاتله فلان، وكان لوث في البين، فلكل واحد منهم حق عشر
أيمان في قتل العمد، وخمس أيمان في غير العمد (أكثر من واحد) كما لو ادعى ولي زيد: أن قاتله بكر وخالد (إن على
كل واحد) وقول بتقسيم الأيمان عليهم.
(161): يعني: ليس هو القاتل.
(162): يعني: ولي المقتول (قسامة) أي: قوم يحلفون له (كأحدهم) فيقسم هو بعدد ما يقسم غيره من قومه (من يقسم)
لعدم وجودهم، أو عدم قسمهم (ألزم الدعوى) أي: ثبت القتل عليه.
(163): أي: مع اللوث، كما وجد زيد مجدوع الأنف وعنده بيده سكين عليه دم (تبلغ الدية) كقطع الأنف، واللسان،
والذكر، ونحوها (فبنسبتها) ففي كل يد خمس وعشرون يمينا في العمد، وفي كل إصبع خمس أيمان في العمد، وهكذا
(دية النفس) كالأنف، واللسان والذكر، وكلتا اليدين، أو كل الأصابع العشر ونحو ذلك (بحسابه) ففي كل يد ثلاث
أيمان، وفي إصبعين يمين واحدة، وهكذا (أصلها) أي: راويها ظريف بن ناصح، قال في آخر الوسائل: " وكان ثقة في
حديثه صدوقا قاله النجاشي والعلامة ".
998

احتياطا، إن كانت الجناية تبلغ الدية، وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا وقال آخرون: ست أيمان
فيما فيه دية النفس، وبحسابه من ست فيما فيه دون الدية، وهي رواية أصلها ظريف.
ويشترط في القسامة على المقسم (164)، ولا يكفي الظن.
وفي قبول قسامة الكافر على المسلم تردد، أظهره المنع. ولمولى العبد مع اللوث، إثبات
دعواه بالقسامة، ولو كان المدعى عليه حرا (165)، تمسكا بعموم الأحاديث. ويقسم المكاتب
في عبده كالحر.
ولو ارتد الولي منع القسامة (166). ولو حالف، وقعت موقعها، لأنه لا يمنع
الاكتساب، ويشكل هذا بما أن الارتداد يمنع الإرث، فيخرج عن الولاية فلا قسامة.
ويشترط في اليمين: ذكر القاتل والمقتول، والرفع في نسبهما بما يزيل الاحتمال (167)،
وذكر الانفراد أو الشركة، ونوع القتل.
أما الأعراب (168)، فإن كان من أهله، كلف وإلا قنع بما يعرف معه القصد.
وهل يذكر في اليمين أن النية نية المدعي (169)؟ قيل: نعم، دفعا لتوهم الحالف،
والأشبه لا يجب.

(164): أي: الذي يقسم لو لم يعلم لا يجوز له القسم (قسامة الكافر) فلو كان للمدعي أقرباء كفار، فحلفوا خمسين يمينا
لإثبات القتل على شخص مسلم (المنع) لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) ولغيره.
(165): كما لو قتل عبد زيد في دار عمرو، فادعى زيد أن عمرا قتله، وكان عمرو حرا، فهذا لوث يوجب القسامة على
عمرو (كالحر) يعني: كما أن الحر له حق القسامة بقتل عبده مع اللوث، كذلك العبد المكاتب إذا كان له عبد قتل مع
اللوث.
(166): أي: لو قتل زيد مع اللوث كان لوليه القسامة على من عليه اللوث، فإن ارتد ولي زيد فليس له الحق في إحلاف من
عليه اللوث (ولو خالف) فأقسم (وقعت) القسامة (موقعها) فلو نكل من عليه اللوث يلزم بالدية مثلا (لأنه) الارتداد
(لا يمنع الاكتساب) إذ الارتداد يمنع التصرف في المال، لا في تحصيل المال، والقسامة إما إثبات قتل قصاصا، أو تحصيل
مال دية (فيخرج عن الولاية) فليس بعد وليا حتى يطلب القسامة بل يصير - شرعا - كالأجنبي.
(167): كان يقول (زيد بن عمرو أخو بكر قتل هذا المقتول، أو قتل جعفر بن علي بن باقر) (الانفراد) أي: وحده قتل
(نوع القتل) عمدا، أو شبيه عمد، أو خطأ محضا، لأنه تختلف أحكامها.
(168): لألفاظ اليمين، من رفع، ونصب، وجر وجزم، وضم، وفتح، وكسر، وسكون (أهله) أي: أهل العلم
بالأعراب (كلف) بأن يجئ لفظ الجلالة (والله) ولا ينصب أو يرفع، وهكذا غيره (قنع) أي: قبل منه.
(169): دفعا لاحتمال التورية.
999

الثالث: في أحكامها: لو ادعى على اثنين، وله على أحدهما لوث (170)، حلف
خمسين يمينا، ويثبت دعواه على ذي اللوث، وكان على الآخر يمين واحدة، كالدعوى في غير
الدم. ثم إن أراد قتل ذي اللوث، رد عليه نصف ديته.
ولو كان أحد الوليين غائبا وهناك لوث، حلف الحاضر خمسين يمينا ويثبت حقه ولم يجب
الارتقاب (171).
ولو حضر الغائب، حلف بقدر نصيبه، وهو خمس وعشرون يمينا. وكذا لو كان
أحدهما صغيرا.
ولو أكذب أحد الوليين صاحبه (172)، لم يقدح ذلك في اللوث، وحلف لإثبات حقه
خمسين يمينا. وإذا مات الولي، قام وارثه مقامه. فإن مات في أثناء الأيمان، قال الشيخ:
تستأنف الأيمان، لأنه لو أتم لا يثبت حقه بيمين غيره.
مسائل:
الأولى: لو حلف مع اللوث واستوفى الدية (173)، ثم شهد اثنان أنه كان غائبا في حال
القتل غيبة لا يقدر معها القتل، بطلت القسامة واستعيدت الدية.
الثانية: لو حلف واستوفى الدية، ثم قال: هذه (174) حرام. فإن فسره بكذبه في
اليمين، استعيدت منه. وإن فسر بأنه لا يرى القسامة، لم يعترضه. وإن فسر بأن الدية
ليست ملكا للباذل، فإن عين المالك، ألزم دفعها إليه، ولا يرجع على القاتل بمجرد قوله.
ولو لم يعين أقرت في يده.

(170): كما لو قتل زيد في بيت عمرو، فادعى ابن زيد أن قاتله عمرو وبكر مشتركين حلف ابن زيد (ذي اللوث) عمرو
(الآخر) بكر (يمين واحدة) بأنه لم يشترك في قتل زيد (في غير الدم) كما لو ادعى السرقة على شخص فحلف يمينا واحدة
بالعدم (رد) لإقرار ابن زيد أن على عمرو نصف قتل زيد.
(171): أي: الصبر حتى يأتي الغائب، بل يقتل قصاصا صاحب اللوث، أو تؤخذ منه الدية، على اختلاف الموارد
(صغيرا) حلف الكبير خمسين يمينا، ولما كبر الصغير حلف خمسا وعشرين يمينا.
(172): كما لو قال أحد ولدي زيد: قتل زيد عمرا، فقال الولد الآخر: لا لم يقتله زيد (مات الولي) وهو ابن زيد في مثالنا
(لو أتم) وارث الولي (غيره) وهو الولي.
(173): أي: أخذها (أنه) أي المتهم بالقتل (غيبة) كما لو قتل المقتول في العراق، وفي نفس ذلك اليوم كان المتهم بالقتل في
خراسان.
(174): أي: الدية (بأنه) حتفي مثلا، لأنهم لا يرون القسامة، بل يحكمون في اللوث كغيره، ببينة أو يمين واحدة كسائر
الدعاوى (بمجرد قوله) بل ببينة، أو إقرار الباذل (أقرت) أي: أبقيت.
1000

الثالثة: لو استوفى بالقسامة، فقال آخر: أنا قتلته منفردا، قال في الخلاف: كان
الولي بالخيار (175). وفي المبسوط: ليس له ذلك، لأنه لا يقسم إلا مع العلم، فهو مكذب
للمقر.
الرابعة: إذا اتهم، والتمس الولي حبسه (176) حتى يحضر بينة، ففي إجابته تردد.
ومستند الجواز ما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: " أن النبي صلى الله عليه وآله،
كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام، فإن جاء الأولياء ببينة ثبت، وإلا خلى سبيله " وفي
السكوني ضعف.
الفصل الرابع: في كيفية الاستيفاء: قتل العمد يوجب القصاص لا الدية، فلو عفا
الولي على مال، لم يسقط القود. ولم تثبت الدية، إلا مع رضاء الجاني. ولو عفا ولم يشترط
المال، سقط القود ولم تثبت الدية. ولو بذل الجاني القود (177)، لم يكن للولي غيره. ولو طلب
الدية فبذلها الجاني صح، ولو امتنع لم يجز. ولو لم يرض الولي بالدية، جاز المفاداة بالزيادة.
ولا يقضى بالقصاص، ما لم يتعين التلف بالجناية. ومع الاشتباه، يقتصر على
القصاص في الجناية لا في النفس.
ويرث القصاص من يرث المال، عدا الزوج والزوجة، فإن لهما نصيبهما من الدية في
عمد أو خطأ. وقيل: لا يرث القصاص إلا العصبة (178) دون الأخوة والأخوات من الأم ومن
يتقرب بها، وهو الأظهر. وقيل: ليس للنساء عفو ولا قود، على الأشبه
وكذا يرث الدية من يرث المال (179)، والبحث فيه كالأول، غير أن الزوج والزوجة

(175): بين أخذ الدية من أيهما شاء، وإن كان القتل عمدا فخير بين قتل أيهما شاء قصاصا وبين أخذ الدية من أيهما شاء.
(176): حبس المتهم بالقتل.
(177): أي: سلم نفسه للقصاص (المفاداة) أي: يفدي نفسه بأكثر من الدية إذا رضي الولي (التلف) أي: حصول الموت
(في الجناية) فلو قطع زيد يد عمرو فمات ولم يعلم أن الموت كان بسبب قطع اليد أو لا، لم يجز لولي عمرو قتل زيد،
بل قطع يد زيد فقط.
(178): وهم المتقربون إلى المقتول من جهة الأب كالأولاد، والأخوة من الأب، وأولادهم، والأعمام لنفسه أو لأبيه (للنساء)
كبنات المقتول، أو أخواته، أو عماته، أو بنات إخوته، وبنات أعمامه، وهكذا (عفو ولا قود) فليس لهن أن يعفين
القاتل ولا الإلزام بالقصاص، بل ذلك للرجال من العصبة.
(179): فمع وجود الأولاد والأبوين لا نصيب للأخوة والأجداد، ومع وجود الأخوة والأجداد لا نصيب للأعمام (كالأول) من
حرمان المتقرب بالأم وحدها عن الدية، فلو قتل زيد وله إخوة لأبيه فقط، أو لأبويه، وإخوة لأمه، ورث الدية الأخوة
للأب فقط، أو لأخوة للأبوين، دون الأخوة للأم فقط (على التقديرات) سواء وقلنا بحرمان المتقرب بالأم أم لا، وسواء
قلنا بأن النساء يرثن القصاص أم لا، وسواء قلنا للنساء عفو وقود أم لا.
1001

يرثان من الدية على التقديرات. وإذا كان الولي واحدا جاز له المبادرة (180)، والأولى توقفه
على إذن الإمام، وقيل: يحرم المبادرة ويعزر لو بادر. وتتأكد الكراهية في قصاص الطرف.
وإن كانوا جماعة، لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع (181)، إما بالوكالة أو بالإذن
لواحد. وقال الشيخ رحمه الله: يجوز لكل منهم المبادرة، ولا يتوقف على إذن الآخر، لكن
يضمن حصص من لم يأذن. وينبغي للإمام أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياطا،
ولإقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة. ويعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة، خصوصا في قصاص
الطرف. ولو كانت مسمومة، فحصلت منها جناية بسبب السم ضمنه. ويمنع من الاستيفاء
بالآلة الكالة، تجنبا للتعذيب. ولو فعل أساء ولا شئ عليه.
ولا يقتص إلا بالسيف (182). ولا يجوز التمثيل به، بل يقتصر على ضرب عنقه، ولو
كانت الجناية بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو بالرضخ.
وأجرة من يقيم الحدود (183) من بيت المال، فإن لم يكن بيت مال أو كان هناك ما هو
أهم، كانت الأجرة على المجني عليه، ولا يضمن المقتص سراية القصاص. نعم، لو تعدى
ضمن. فإن قال: تعمدت، اقتص منه في الزائد، وإن قال: أخطأت أخذت منه دية
العدوان. ولو خالفه المقتص منه في دعوى الخطأ، كان القول قول المقتص مع يمينه.
وكل من يجري بينهم القصاص في النفس، يجري في الطرف (184). ومن لا يقتص له
في النفس، لا يقتص له في الطرف

(180): بالقصاص من القاتل (وتتأكد) أي: قصاص الطرف بدون إذن الإمام أشد كراهية من قصاص النفس بدون إذنه.
(181): اجتماعهم بالرأي، ولا يشترط بالأجساد (بالوكالة) لأجنبي عنهم (لواحد) منهم (مجاحدة) أي: تناكر بين الجاني،
وبين من يقتص منه (ضمنه) كما لو سرى السم في جسمه (الكالة) غير الحادة.
(182): فلا يقتل بحرق، أو غرق، أو خنق، أو نحوها (التمثيل) أي: تقطيع أعضائه لا قبل موته ولا بعد موته (ولو
كانت) يعني: حتى ولو كانت (بالتغريق) أي: الإغراق (بالمثقل) أي: وضع حجر ثقيل ونحوه عليه حتى مات
(بالرضخ) أي: الرمي بالحجارة.
(183): من قتل، أو قطع، أو جلد ونحو ذلك (المقتص) الذي فعل القصاص (سراية القصاص) بحيث مات أو تلف بعض
أعضائه (لو تعدى) بقطع زيادة على المقدار الواجب (دعوى الخطأ) بأن قال المقتص منه تعمدت أنت، وقال المقتص
أخطأت أنا.
(184): فيقتص للرجل المسلم من الرجل المسلم والرجل الكافر، ومن المرأة المسلمة والمرأة الكافرة في الأعضاء، وكذا يقتص
للمرأة المسلمة والمرأة الكافرة وهكذا دواليك (لا يقتص له في الطرف) كما لو قطع الرجل يد المرأة لا تقطع يد الجاني، كما
لا يقتل الرجل بالمرأة وهكذا.
1002

وهنا مسائل:
الأولى: إذا كان له (185) أولياء لا يولى عليهم، كانوا شركاء في القصاص، فإن حضر
بعض وغاب الباقون، قال الشيخ: للحاضر الاستيفاء، بشرط أن يضمن حصص الباقين
من الدية. وكذا لو كان بعضهم صغارا. وقال: لو كان الولي صغيرا، وله أب أو جد، لم
يكن لأحد أن يستوفي حتى يبلغ، سواء كان القصاص في النفس أو في الطرف، وفيه
إشكال (186). وقال: يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي، أو يفيق المجنون، وهو أشد إشكالا
من الأول.
الثانية: إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص، ولو اختار بعضهم الدية وأجاب
القاتل، جاز. فإذا أسلم (187) سقط القود على رواية، والمشهور أنه لا يسقط، وللآخرين
القصاص، بعد أن يردوا عليه نصيب من فأداه. ولو امتنع من بذل نصيب من يريد الدية،
جاز لمن أراد القود أن يقتص، بعد رد نصيب شريكه. ولو عفا البعض لم يسقط القصاص
وللباقين أن يقتصوا، بعد رد نصيب من عفا على القاتل.
الثالثة: إذا أقر أحد الوليين، بأن شريكه عفا عن القصاص على مال، لم يقبل إقراره
على الشريك، ولا يسقط القود في حق أحدهما وللمقر أن يقتل، لكن بعد أن يرد نصيب
شريكه. فإن صدقه (188)، فالرد له، وإلا كان للجاني. والشريك على حاله في شركة
القصاص
الرابعة: إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده، أو المسلم والذمي في قتل
ذمي (189)، فعلى الشريك القود. ويقتضي المذهب أن يرد عليه الآخر نصف ديته. وكذا لو

(185): للمقتول ظلما (لا يولي عليهم) أي كاملين لا صغارا أو مجانين (الاستيفاء) أي: القصاص، كما لو كان للمقتول
خمسة بنين فحض أحدهم وقتل القاتل، كان عليه لكل واحد من الأربعة مئتان من الدنانير (صغارا) ضمن حصصهم
(صغيرا) فقتلت أمه مثلا وهذا الصغير هو الوارث الوحيد، وكان القاتل زوجها، الذي ليس أبا للصغير (يستوفي) أي:
يقتص ويقتل القاتل.
(186): لما سبق في كتاب الحجر المسألة السابقة من أحكام الحجر، وفي كتاب اللقطة - المسألة السادسة من أحكام اللقيط من
جواز القصاص إذا كان مصلحة للصغير، أو لم تكن مفسدة له على الخلاف (يحبس) جمعا بين الحقين.
(187): أي: أعطى الدية (يردوا عليه) على الجاني (فأداه) من الدية (امتنع) القاتل (شريكه) الذي هو من ورثة المقتول
ظلما.
(188): أي: الشريك بأن قال نعم أنا عفوت حصتي من القصاص (فالرد) له أي: للشريك، لأنه عفى عن القصاص لا
عن الدية.
(189): إذ لا يقتل الأب بولده، ولا المسلم بالذمي (الشريك) وهو الأجنبي والذمي (نصف الدية) أي: إذ يرد الأب على
الأجنبي الذي وجب قتله قصاصا نصف ديته، وكذا يرد المسلم على الذمي الذي يقتل قصاصا نصف ديته (بعد الرد)
أي: رد الخاطئ نصف دية العامد إليه (من العاقلة) لا من نفس القاتل خطأ، لأن دية قتل الخطأ على عاقلة القاتل
وهم أقرباؤه لأبيه (يرد عليه الولي) لو قتله قصاصا.
1003

كان أحدهما عامدا والآخر خاطئا، كان القصاص على العامد بعد الرد، لكن هنا الرد من
العاقلة. وكذا لو شاركه سبع، لم يسقط القصاص، لكن يرد عليه الولي نصف ديته.
الخامسة: للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص (190)، لاختصاص الحجر
بالمال. ولو عفا على مال ورضي القاتل، قسمه على الغرماء. ولو قتل وعليه دين، فإن أخذ
الورثة الدية، صرفت في ديون المقتول ووصاياه كما له، وهل للورثة استيفاء القصاص من
دون ضمان ما عليه من الديون؟ قيل: نعم، تمسكا بالآية وهو أولى، وقيل: لا، وهو
مروي.
السادسة: إذا قتل جماعة على التعاقب، ثبت لولي كل واحد منهم القود، ولا يتعلق
حق واحد بالآخر. فإن استوفى الأول، سقط حق الباقين لا إلى بدل (191)، على تردد. ولو
بادر أحدهم فقتله، فقد أساء وسقط حق الباقين، وفيه إشكال ينشأ من حيث تساوي الكل في سبب
الاستحقاق.
السابعة: لو وكل في استيفاء القصاص، فعزله قبل القصاص ثم استوفى (192)، فإن
علم فعليه القصاص، وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية. أما لو عفا الموكل ثم استوفى ولما
يعلم، فلا قصاص أيضا، وعليه الدية للمباشرة، ويرجع بها على الموكل لأنه غار.
الثامنة: لا يقتص من الحامل (193) حتى تضع. ولو تجدد حملها بعد الجناية، فإن ادعت
الحمل وشهدت لها القوابل، ثبت. وإن تجردت دعواها، قيل: يؤخذ بقولها، لأن فيه دفعا

(190): بأن يقتص من قاتل مورثه ولا يأخذ منه الدية (ولو قتل) شخص (كماله) أي: كما أن مال المقتول يصرف في ديون
نفسه، كذلك ديته (بالآية) وهي قوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).
(191): أي: لا بدل لهم (على تردد) لاحتمال أن يكون للآخرين الدية (أحدهم) غير الأول (أساء) بناء على ترجيح
السابق عليه (وفيه) أي: في سقوط حق الباقين (إشكال) لاحتمال الدية للآخرين (سبب الاستحقاق) وهو القتل ظلما
فكيف يسقط حقهم جميعا لاستيفاء أحدهم حقه.
(192): بعد العزل (فإن) كان قد (علم) بالعزل قبل القصاص (فعليه) الوكيل (القصاص) لأنه قتل الجاني عمدا ظلما (غار)
اسم فاعل من الغرور، والمغرور يرجع على من غره.
(193): لو قتلت ظلما شخصا (وشهدت لها) بالحمل (ثبت) الحمل فلا يقتص منها حتى تضع (تجردت) عن شهادة القوابل
(السلطان) الذي جعله الله تعالى لولي المقتول بقول سبحانه: (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا)
" بالاغتذاء " بالطعام فلا يحتاج إلى اللبن.
1004

للولي عن السلطان. ولو قيل: يؤخذ، كان أحوط، وهل يجب على الولي الصبر حتى يستقل
الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم، دفعا لمشقة اختلاف اللبن، والوجه تسليط الولي إن كان للولد
ما يعيش به غير لبن الأم، والتأخير إن لم يكن. ولو قتلت المرأة قصاصا، فبانت حاملا،
فالدية على القاتل (194). ولو كان المباشر جاهلا به، وعلم الحاكم، ضمن الحاكم.
التاسعة: لو قطع يد رجل ثم قتل آخر (195)، قطعناه أولا ثم قتلناه. وكذا لو بدأ
بالقتل، توصلا إلى استيفاء الحقين. ولو سري القطع في المجني عليه والحال هذه، كان للولي
نصف الدية من تركة الجاني، لأن قطع اليد بدل عن نصف الدية، وقيل: لا يجب في تركة
الجاني شئ، لأن الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا. ولو قطع يديه فاقتص (196)، ثم سرت
جراحة المجني عليه، جاز لوليه القصاص في النفس. ولو قطع يهودي يد مسلم، فاقتص
المسلم ثم سرت جراحة المسلم، كان للولي قتل الذمي. ولو طالب بالدية، كان له دية
المسلم، لا دية يد الذمي وهي أربعمائة درهم. وكذا لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص، ثم
سرت جراحته (197)، كان للولي القصاص. ولو طالب بالدية، كان له ثلاثة أرباعها. ولو
قطعت (198) يديه ورجليه، فاقتص ثم سرت جراحاته، كان لوليه القصاص في النفس،
وليس له الدية، لأنه استوفى ما يقوم مقام الدية، وفي هذا كله تردد، لأن للنفس دية على
انفرادها، وما استوفاه وقع قصاصا.
العاشرة: إذا هلك قاتل العمد، سقط القصاص. وهل تسقط الدية؟ قال في
المبسوط: نعم، وتردد في الخلاف. وفي رواية أبي بصير: إذا هرب ولم يقدر عليه حتى مات،
أخذت من ماله، وإلا فمن الأقرب فالأقرب (199).

(194): أي: دية الحمل على المباشر للقتل (جاهلا به) بالحمل (ضمن الحاكم) فإن كان الحاكم معذورا في ذلك بخطأ فالدية
من بيت المال، وإن تعمد ففي ماله.
(195): أي: قتل رجلا آخر (بدأ بالقتل) أي: قتل رجلا أولا، ثم قطع يد رجل آخر (ولو سرى) فمات (كان للولي)
أي: لولي المقطوع (الأصلحا) ولم يصالح الجاني مع ولي المجني عليه على الدية.
(196): مثلا قطع يد عمرو، فقطع عمرو يدي زيد قصاصا، ثم سرت جراحة عمرو ومات، جاز لولي عمرو قتل زيد
(يهودي) أو ذمي آخر من مجوسي، أو نصراني (ثم سرت) فمات المسلم (ولو طالب بالدية) بعد القصاص في اليد.
(197): ومات الرجل (للولي) ولي الرجل (القصاص) وقتل المرأة (بالدية) أي: طالب ولي الرجل الدية من المرأة بعد أن
قطع يد المرأة قصاصا (ثلاثة أرباعها) لا نصفها، لأن دية يد المرأة نصف دية يد الرجل.
(198): أي: قطعت المرأة يدي الرجل ورجليه (فاقتص) وقطع يديها ورجليها (ثم سرت) فمات الرجل (في النفس) بأن
يقتل المرأة (ما يقوم مقام الدية) وهو اليدان والرجلان (تردد) لاحتمال أن تكون الدية الكاملة عند السراية.
(199): لعل المقصود به الوارث،
1005

الحادية عشرة: لو اقتص من قاطع اليد (200)، ثم مات المجني عليه بالسراية، ثم
الجاني، وقع القصاص بالسراية موقعه. وكذا لو قطع يده ثم قتله، فقطع الولي يد الجاني،
ثم سرت إلى نفسه. أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه، لم تقع سراية الجاني
قصاصا، لأنها حاصلة قبل سراية المجني عليه، فكانت هدرا.
الثانية عشرة: لو قطع يد إنسان فعفا المقطوع، ثم قتله القاطع فللولي القصاص في
النفس بعد رد دية اليد (201). وكذا لو قتل مقطوع اليد، قتل بعد أن يرد عليه دية يده، إن
كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص. ولو كانت قطعت من غير جناية ولا أخذ لها
دية، قتل القاتل من غير رد، وهي رواية سورة بن كليب عن أبي عبد الله عليه السلام. وكذا
لو قطع كفا بغير أصابع، قطعت كفه بعد رد دية الأصابع (202). ولو ضرب ولي الدم الجاني
قصاصا، وتركه ظنا أنه قتل، وكان به رمق فعالج نفسه وبرئ، لم يكن للولي القصاص في
النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولا. وهذه رواية إبان بن عثمان، عمن أخبره، عن أحدهما
عليهما السلام، وفي أبان ضعف (203) مع إرساله السند. والأقرب أنه إن ضربه الولي بما ليس
له الاقتصاص به، اقتص منه، وإلا كان له قتله، كما لو ظن أنه أبان عنقه، ثم تبين خلاف
ظنه بعد انصلاحه، فهذا له قتله، ولا يقتص من الولي، لأنه فعل سائغ.
القسم الثاني
في قصاص الطرف (204) وموجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا، أو الاتلاف بما قد
يتلف لا غالبا مع قصد الاتلاف.

(200): مثاله، قطع زيد يد عمرو، فقطع عمرو يد زيد قصاصا، فمات عمرو من سراية جرح قطع يده، ثم مات زيد
بالسراية أيضا (موقعه) أي: يكون كقتل الجاني قصاصا (هدرا) بل يؤخذ من تركة الجاني نصف الدية لسقوط النصف
الآخر بقصاص قطع يد الجاني.
(201): إذ العفو بحكم الاستيفاء فكأنه أخذ دية يده (مقطوع اليد) أي: قتل قاتل شخصا مقطوع اليد (المجني عليه) المقتول
(ديتها) دية يده (من غير جناية) كما لو وقع حجر عليه، أو سقط هو من شاهق فقطعت يده.
(202): دية كل إصبع عشر دية النفس على المشهور، وقيل: للإبهام الثلث، وللأربع البواقي الثلثا بالسوية - كما سيأتي في
كتاب الديات - (ولو ضرب) بسيف ونحوه بقصد القتل (في النفس) أي: قتله (بالجراحة أولا) بأن يضرب الجاني ولي
المقتول ظلما بمثل ضربه له.
(203): لأنه من الناووسية وإن كان فيمن نقل إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه (مع إرساله) لأن أبانا رواه عمن أخبره
عن أحدهما - يعني الباقر أو الصادق عليهما السلام - (بما ليس له) كالضرب بالعصا ونحوه (اقتص منه) من ولي المقتول
(كان له قتله) ثانيا (أبان عنقه) أي: قطعه (له قتله) ثانيا (سائغ) أي: جائز.
(204): أي: العضو، مقابل قصاص النفس (غالبا) كما لو أدخل مسمارا في عينه فإنه سبب لإتلاف العين غالبا، سواء كان
قصده من ذلك إتلاف العين أم لا (لا غالبا) كما لو ضرب بكفه ضربا غير شديد، فعميت عينه، فإن الضرب قد يتلف
العين أما لا غالبا، بشرط أن يكون قصده من هذا الضرب إتلاف عينه، في هاتين الصورتين يحق للمجني عليه أن يعمي
عين الجاني قصاصا.
1006

ويشترط في جواز الاقتصاص: التساوي في الإسلام، والحرية، أو يكون المجني عليه
أكمل (205).
فيقتص للرجل من المرأة ولا يؤخذ الفضل، ويقتص لها منه بعد رد التفاوت في النفس
أو الطرف. ويقتص للذمي، ولا يقتص له من مسلم. وللحر من العبد، ولا
يقتص للعبد من الحر. كما لا يقتص له في النفس (206). وللتساوي في السلامة، فلا تقطع
اليد الصحيحة بالشلاء، ولو بذلها الجاني. ويقطع الشلاء بالصحيحة، إلا أن يحكم أهل
الخبرة أنها لا تنحسم، فيعدل إلى الدية تفصيا من خطر السراية.
وتقطع اليمين باليمين. فإن لم يكن يمين، قطعت بها يسراه. ولو لم يكن يمين ولا
يسار، قطعت رجله استنادا إلى الرواية.
وكذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب، قطعت يداه ورجلاه بالأول فالأول، وكان لمن
يبقى الدية.
ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج (207) طولا وعرضا، ولا يعتبر نزولا بل يراعى
حصول اسم الشجة، لتفاوت الرؤوس في السمن.
ولا يثبت القصاص فيما فيه تغرير (208)، كالجائفة والمأمومة. وتثبت في الحارصة
والباضعة والسمحاق والموضحة، وفي كل جرح لا تغرير في أخذه، وسلامة النفس معه
غالبة، فلا يثبت في الهاشمة ولا المنتقلة، ولا في كسر شئ من العظام، لتحقق التغرير.

(205): كالجاني الكافر، أو المرأة، والمجني عليه المسلم أو الرجل (أو الطرف) فلو قتل رجل امرأة عمدا ظلما قتل الرجل بعد
رد خمسمائة دينار إليه، أو قلع الرجل عينا واحدة من المرأة، قلعت المرأة عينه قصاصا بعد رد مئتين وخمسين دينارا إليه.
(206): فلو قتل الحر عبدا، لا يقتل الحر قصاصا (بالشلاء) أي: اليابسة، (ولو بذلها) أي: رضي الجاني بقطع يده
الصحيحة (لا تنحسم) أي: لا ينقطع دمها ولا يطيب جرحها ويخشى السراية وموته (تفصيا) أي: تخلصا.
(207): وهي الجروح والكسور في الرأس (اسم الشجة) أنواعها ثمانية: الحارصة، والدامية، والمتلاحمة، والسمحاق،
والموضحة والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، وسيأتي معانيها وأحكامها في أواخر كتاب الديات.
(208): أي: معرض بالنفس أو العضو للتلف أو الزيادة عن الجناية، لأنه إذ لم يتلف من الجاني، فربما يتلف من القصاص،
ولا يجوز في القصاص أكثر من الجناية (فالجائفة) هي الضربة التي تصل إلى الجوف من أية جهة كانت (والمأمومة) هي التي
تصل إلى المخ (ولا تغرير في أخذه) باحتمال تلف نفس أو عضو، أو زيادة عن الجناية.
1007

وهل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال (209)؟ قال في المبسوط: لا، لما لا يأمن من السراية
الموجبة لدخول الطرف فيها، وقال في الخلاف: بالجواز مع استحباب الصبر، وهو أشبه.
ولو قطع عدة من أعضائه خطأ، جاز أخذ دياتها، ولو كانت أضعاف الدية (210).
وقيل: يقتصر على دية النفس حتى يندمل، ثم يستوفي الباقي. أو يسري فيكون له ما أخذه
وهو أولى، لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.
وكيفية القصاص في الجراح، أن يقاس بخيط أو شبهه، ويعلم طرفاه (211) في موضع
الاقتصاص، ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى. فإن شق على الجاني، جاز أن
يستوفي منه في أكثر من دفعة. ويؤخر القصاص في الأطراف، من شدة الحر والبرد، إلى
اعتدال النهار. ولا يقتص إلا بحديدة.
ولو قلع عين إنسان، فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الأولى انتزاعها بحديدة معوجة،
فإنه أسهل.
ولو كانت الجراحة تستوعب عضو الجاني وتزيد عنه (212)، لم يخرج في القصاص إلى
العضو الآخر، واقتصر على ما يحتمله العضو. وفي الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح. ولو كان
المجني عليه صغير العضو (213)، فاستوعبته الجناية، لم يستوعب في المقتص منه، واقتصر على قدر
مساحة الجناية.
ولو قطعت أذن إنسان فاقتص، ثم الصقها المجني عليه، كان للجاني إزالتها لتحقق
المماثلة (214). وقيل: لا لأنها ميتة. وكذا الحكم لو قطع بعضها. ولو قطعها فتعلقت

(209): أي: قبل برء الجرح من بدن المجني عليه.
(210): كما لو قطعت يداه ورجلاه وأذناه، وأنفه ولسانه، فإنها تكون خمس ديات كاملات (يندمل) يبرأ، فإن برئ أخذ
مجموع الديات (ما أخذه) دية نفس واحدة (وفاقا) إجماعا.
(211): في بدن الجاني (شق) أي صعب (من دفعه) شيئا فشيئا (إلا بحديدة) لا بخشب وحجارة ونحوهما (أسهل)
حتى إذا كان الجاني قلع العين بغير ذلك.
(212): كما لو كان الجاني قصيرا، والمجني عليه طويلا، فأحدث في جبهته جرحا بطول أصبع، فلا يقتص المجني عليه
بإحداث جرح في جبهة الجاني بمقدار أصبح يجرح مقدارا من رأسه أيضا، فلو تحملت جبهة الجاني - مثلا - نصف إصبع
فقط وكانت الجراحة دامية وهي على المشهور التي تقشر جلد الرأس وتأخذ في اللحم يسيرا وديتها بعيران جرح جبهته بقدر
نصف إصبع، وأخذ منه بعيرا دية للباقي.
(213): هذا عكس المثال الأول.
(214): في الشين تشويه الخلقة (لأنها ميتة) فليست موردا للقصاص، لأن مورد القصاص الأذن الحية (ممكنة) بقطع أذن
الجاني لا بحد الانفصال بل بحد التعلق بجلدة.
1008

بجلده، ثبت القصاص لأن المماثلة ممكنة.
ويثبت القصاص في العين. ولو كان الجاني أعور (215) خلقة، فإن عمي فإن الحق
أعماه ولا رد، أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين، اقتص له بعين واحدة إن شاء وهل له مع
ذلك نصف الدية؟ قيل: لا، لقوله تعالى: (العين بالعين)، وقيل: نعم، تمسكا
بالأحاديث، والأول أولى.
ولو أذهب ضوء العين دون الحدقة (216)، توصل في المماثلة، وقيل: يطرح على
الأجفان قطن مبلول، ويقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس حتى تذهب الباصرة، وتبقى
الحدقة.
ويثبت في: الحاجبين، وشعر الرأس، واللحية فإن ثبت فلا قصاص (217) وفي قطع
الذكر. ويتساوى في ذلك: ذكر الشاب والشيخ والصبي والبالغ والفحل، والذي سلت
خصيتاه، والأغلف والمختون.
نعم، لا يقاد الصحيح بذكر العنين (218)، ويثبت بقطعه ثلث الدية. وفي الخصيتين
القصاص، وكذا في إحداهما، إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى، فيؤخذ ديتها.
ويثبت في الشفرين (219) كما يثبت في الشفتين. ولو كان الجاني رجلا، فلا قصاص وعليه
ديتها. وفي رواية عبد الرحمن بن سيابة. عن أبي عبد الله عليه السلام: إن لم يؤد ديتها
قطعت لها فرجه، وهي متروكة.
ولو كان المجني عليه خنثى، فإن تبين أنه ذكر، فجنى عليه رجل كان في ذكره

(215): وهو الذي له عين واحدة (ولا رد) لنصف الدية.
(216): أي: لم يذهب الجاني حرقة العين (في المماثلة) بحيث يذهب ضوء عين الجاني بدون أن يزيد عليه (مبلول) لئلا
تتأذى الأجفان (ويقابل) مفتوح العين.
(217): وإنما فيه الأرش، بأن يفرض على المشهور كون المجني عليه عبدا قيمته ألف دينار، فكم كان ينقصه القيمة بذلك؟
(وفي قطع الذكر) أيضا يثبت القصاص، فمن قطع ذكر آخر عمدا ظلما جاز قطع ذكره قصاصا (والفحل) الرجل الكبير
(سلت) أخرجت (الأغلف) الذي لم يختن.
(218): العنين هو الذي لا ينتصب ذكره، فلو قطع شخص صحيح الذكر قطع ذكر عنين لا يقطع ذكره قصاصا (يقطعه) ذكر
العنين (أن يخشى) يعني: لو قطع زيد خصية واحدة من عمرو، جاز لعمرو قطع خصية واحدة من زيد قصاصا إلا إذا
خشي ذهاب منفعة الخصية الأخرى يقطع واحدة منهما (ديتها) نصف دية القتل.
(219): وهما اللحمان المحيطان بالفرج كإحاطة الشفتين بالفم، فلو قطعت امرأة شفري امرأة أخرى، أو أحد الشفرين اقتصت
منها (ديتهما) وهي دية نفس كاملة (فرجه) أي ذكر الرجل في مقابل قطع الرجل شفريها.
1009

وأنثييه القصاص، وفي الشفرين الحكومة (220).
ولو كان الجاني امرأة، كان في المذاكير الدية، وفي الشفرين الحكومة لأنهما ليسا
أصلا. ولو تبين أنه امرأة، فلا قصاص على الرجل فيهما، وعليه في الشفرين ديتهما.
وفي الذكر والأنثيين الحكومة.
ولو جنت عليه امرأة، كان في الشفرين القصاص، وفي المذاكير الحكومة. ولو لم
يصبر (221) حتى تستبان حاله، فإن طالب بالقصاص، لم يكن له لتحقق الاحتمال. ولو
طالب بالدية، أعطى اليقين، وهو دية الشفرين. ولو تبين بعد ذلك أنه رجل، أكمل
له دية الذكر والأنثيين والحكومة في الشفرين. أو تبين أنه أنثى، أعطى الحكومة في
الباقي. ولو قال أطالب بدية عضو، مع بقاء القصاص في الباقي، لم يكن له. ولو
طالب بالحكومة مع بقاء القصاص، صح. ويعطى أقل الحكومتين.
ويقطع العضو الصحيح بالمجذوم، إذا لم يسقط منه شئ. وكذا يقطع الأنف
الشام بالعادم له، كما تقطع الأذن الصحيحة بالصماء (222). ولو قطع بعض الأنف.
نسبنا المقطوع إلى أصله، وأخذنا من الجاني بحسابه، لئلا يستوعب أنف الجاني بتقدير أن
يكون صغيرا. وكذا يثبت القصاص في أحد المنخرين. وكذا البحث في الأذن (223)
وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة، وهل تؤخذ بالمخرومة (224)؟ قيل: لا، ويقتص إلى حد
الخرم، والحكومة فيما بقي. ولو قيل: يقتص إذا رد دية الخرم كان حسنا.
وفي السن القصاص، فإن كانت سن مثغر (225)، وعادت ناقصة أو متغيرة كان

(220): أي: ما يحكم بالحاكم الشرعي (أصلا) أي: أصليا، بل زائدا، لأنه بعد ثبوت كون الخنثى ذكرا شرعا، يكون
الشفران لحمين زائدين (إنه امرأة) أي: حسب العلامات الشرعية صار الخنثى محكوما بكونه امرأة.
(221): الخنثى المجني عليه (حاله) هل هو ذكر شرعا أو أنثى (اليقين) وهو الأقل دية (دية الشفرين) ألف دينار على
المشهور (دية الذكر) للذكر دية كاملة، وللأنثيين دية كاملة، أيضا (في الباقي) وهو الذكر والأنثيان المحكومان بالزيادة
شرعا (لم يكن له) لأن أحد الثلاثة زائد قطعا لا قصاص فيه، ولا دية له، بل فيه الحكومة، ولم يعلم ماذا هو؟ (بقاء
القصاص) حتى يظهر أن الخنثى ذكر أم أنثى (أقل الحكومتين) فينظر هل الخنثى بلا شفرين مع المذاكير والأنثيين أكثر
قيمة، أم الخنثى بلا مذاكير وانثيين مع الشفرين؟
(222): التي لا تسمع (صغيرا) فلو كان طول أنف الجاني مثلا أربعة سنتمترات وطول أنف المجني عليه ثمانية سنتمترات،
وكان الجاني قد قطع أربعة سنتمترات أي نصف الأنف، فيقطع نصف أنف الجاني وهو سنتمتران اثنان، لا تمام الأنف
أربعة سنتمترات.
(223): فقطع نصفها، وثلثها، وربعها وهكذا، لا بمقدار طول المقطوع في الجناية.
(224): أي: المشقوقة.
(225): وهي السن التي لها أصل ثابت في اللحم، وهي السن التي ثبت بعد السقوط في أيام الصغر عادة (الصبي) الذي لم
يثغر، وليس لسنه أصل ثابت في اللحم.
1010

فيها الحكومة. وإن عادت كما كانت، فلا قصاص ولا دية. ولو قيل: بالأرش، كان
حسنا.
أما سن الصبي، فينظر بها سنة. فإن عادت، ففيها الحكومة، وإلا كان فيها
القصاص. وقيل: في سن الصبي بعير مطلقا (226). ولو مات قبل اليأس من عودها،
قضي لوارثه بالأرش. ولو اقتص البالغ بالسن فعادت سن الجاني، لم يكن للمجني عليه
إزالتها، لأنها ليست بجنسه.
ويشترط في الأسنان التساوي في المحل، فلا يقلع سن بضرس (227)، ولا
بالعكس، ولا أصلية بزائدة. وكذا لا تقلع زائدة، مع تغاير المحلين.
وكذا حكم الأصابع الأصلية والزائدة. وتقطع الإصبع بالأصبع، مع
تساويهما (228).
وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده، تؤخذ الدية مع فقده، مثل أن يقطع إصبعين
وله واحدة (229)، أو يقطع كفا تاما، وليس للقاطع أصابع.
مسائل:
الأولى: إذا قطع يدا كاملة، ويده ناقصة أصبعا (230)، كان للمجني عليه قطع
الناقصة. وهل يأخذ دية الإصبع؟ قال في الخلاف: نعم، وفي المبسوط: ليس له
ذلك، إلا أن يكون أخذ ديتها. ولو قطع إصبع رجل، فسرت إلى كفه (231) ثم

(226): سواء عادت أم لم تعد (قبل اليأس) إذ بعد اليأس يكون قد ثبت القصاص (البالغ) إنما ذكر البالغ لأنه كان في
قصاص الصبي خلاف (ليست بجنسه) فإنها سن ثانية هبة من الله تعالى.
(227): الضرس هي السن المربعة التي وقعت في الأطراف فوقا وتحتا (بزائدة) هي السن التي تنبت أحيانا خلف الأسنان، أو
قدامها (المحلين) كما لو كانت إحداهما عند الضروس، والأخرى عند الرباعيات، قال في الجواهر: (ولا ثنية
برباعية، أو ناب، أو ضاحك، أو لا بالعكس، ولا رباعية مثلا من أعلى أو من الجاني الأيمن بمثلها من أسفل أو من
الأيسر وإن فقد المماثل من الجاني).
(228): فتقطع إبهام اليد اليمنى بإبهام اليد اليمنى، وكذا إبهام اليسرى بإبهام اليسرى، والسبابة بالسبابة، وهكذا.
(229): فيقطع المجني عليه قصاصا إصبع الجاني، ويأخذ منه الدية للإصبع الأخرى.
(230): أو أكثر، أو أقل مثل أنملة، أو أنملتين (أخذ ديتها) بأن تكون إصبع الجاني مقطوعة بجناية وقد أخذ ديتها، فيعطي
تلك الدية للمجني عليه، أما إذا كانت تلك الإصبع ناقصة خلفة، أو بآفة ونحو ذلك فلا.
(231): فقطعت كفه (فيهما) بأن يقطع المجني عليه إصبع الجاني أولا، ثم يقطع كفه (لإمكان) والدية لا تثبت إلا صلحا،
أو حيث لا يمكن القصاص (الكوع) طرف الزند الذي يلي الإبهام (اقتص في اليد) من الكوع (في الزائد) لعدم
القصاص في كسر العظام لعدم إمكان ضبط المماثلة غالبا لاختلاطها بالعروق والأعصاب ونحو ذلك.
1011

اندملت، ثبت القصاص فيهما. وهل له القصاص في الإصبع، وأخذ الدية في الباقي؟
الوجه لا، لإمكان القصاص فيهما، ولو قطع يده من مفصل الكوع، ثبت القصاص. ولو قطع معها
بعض الذراع، اقتص في اليد، وله الحكومة في الزائد. ولو قطعها في المرفق، اقتص منه (232)، ولا
يقتص في اليد، ويأخذ أرش الزائد والفرق بين.
الثانية: إذا كان للقاطع (233) إصبع زائدة، وللمقطوع كذلك، ثبت القصاص لتحقق
التساوي. ولو كانت الزائدة للجاني، فإن كانت خارجة عن الكف، اقتص منه أيضا،
لأنها تسلم للجاني. وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة. ثبت القصاص في الخمس
دون الزائدة ودون الكف، وكان في الكف الحكومة. ولو كانت متصلة ببعض الأصابع،
جاز الاقتصاص فيما عدا الملتصقة، وله دية إصبع، والحكومة في الكف.
أما لو كانت الزائدة للمجني عليه، فله القصاص ودية الزائدة، وهو ثلث دية
الأصلية (234). ولو كانت له أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم يقطع يد الجاني
إذا كانت أصابعه كاملة أصلية، وكان للمجني عليه القصاص في أربع وأرش الخامسة.
أما لو كانت الإصبع التي ليست أصلية للجاني ثبت القصاص، لأن الناقص يؤخذ
بالكامل. ولو اختلف محل الزائدة، لم يتحقق القصاص، كما لا يقطع إبهام بخنصر.
ولو كانت لأنمله طرفان فقطعهما. فإن كان للجاني مساوية (235)، ثبت القصاص لتحقق
التساوي وإلا اقتص وأخذ الأرش للطرف الآخر. ولو كان الطرفان للجاني، لم يقتص
منه، وكان للمجني عليه دية أنملته، وهو ثلث دية الإصبع. ولو قطع من واحد الأنملة
العلياء، ومن آخر الوسطى، فإن سبق صاحب العلياء اقتص له، وكان للآخر
الوسطى. وإن سبق صاحب الوسطى آخر، فإن اقتص صاحب العلياء، اقتص

(232): أي: من المرفق (بأخذ) بأن يقتص من الزند ويأخذ أرش الذراع (والفرق) بين القطع من المرفق، وعدم القطع لو
قطع بعض الذراع (بين) لإمكان ضبط المماثلة في الأول دون الثاني.
(233): الذي قطع الكف (ثبت القصاص) فيقطع المجني عليه كف الجاني التي فيها إصبع زائدة كما قطع الجاني كفه وفيها
إصبع زائدة (خارجة) أي: فوق الكف في الذراع (للجاني) دون المجني عليه (أيضا) بقطع كفه التي فيها خمس أصابع
(لأنها) الإصبع الزائدة (دية إصبع) وهي عشر دية النفس في غير الإبهام، وفي الإبهام على المشهور.
(234): أي: ثلاثة أبعرة وثلث بعير، لأن دية كل إصبع عشرة أبعرة (لأنملة) الأنملة هي العقد الأول من كل إصبع.
(235): أنملة مساوية (آخر) يعني: يؤخر حق صاحب الأنملة الوسطى.
1012

لصاحب الوسطى بعده. وإن عفا، كان لصاحب الوسطى القصاص، إذا رد دية
العليا. ولو بادر صاحب الوسطى فقطع فقد استوفى حقه وزيادة، فعليه دية الزيادة،
ولصاحب العلياء على الجاني دية أنملته.
الثالثة: إذا قطع يمينا فبذل شمالا، فقطعها المجني عليه من غير علم (236)، قال
في المبسوط: يقتضي مذهبنا سقوط القود، وفيه تردد، لأن المتعين قطع اليمنى، فلا
يجزي اليسرى مع وجودها. وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا، ويؤخر حتى
يندمل اليسار، توقيا من السراية بتوارد القطعين.
وأما الدية، فإن كان الجاني سمع الأمر بإخراج اليمنى، فأخرج اليسار مع العلم
بأنها لا تجزي، وقصد إلى إخراجها (237)، فلا دية أيضا. ولو قطعها مع العلم، قال
في المبسوط: سقط القود إلى الدية، لأنه بذلها للقطع، فكانت شبهة في سقوط القود
وفيه إشكال، لأنه أقدم (238) على قطع ما لا يملكه، فيكون كما لو قطع عضوا غير اليد.
وكل موضع لزمه دية اليسار يضمن السراية، ولا يضمنها لو لم يضمن الجناية. ولو
اختلفا، فقال (239): بذلتها مع العلم لا بدلا، فأنكر الباذل، فالقول: قول الباذل،
لأنه أبصر بنيته. ولو اتفقا على بذلها بدلا، لم تقع بدلا، وكان على القاطع ديتها، وله
القصاص في اليمنى لأنها موجودة، وفي هذا تردد. ولو كان المقتص مجنونا، فبذل له
الجاني غير العضو فقطعه، ذهب هدرا إذ ليس للمجنون ولاية الاستيفاء (240)، فيكون
الباذل مبطلا حق نفسه. ولو قطع يمين مجنون، فوثب المجنون فقطع يمينه، قيل: وقع
الاستيفاء موقعه وقيل: لا يكون قصاصا، لأن المجنون ليس له أهلية الاستيفاء، وهو
أشبه، ويكون قصاص المجنون باقيا على الجاني، ودية جناية المجنون على عاقلته.
الرابعة: لو قطع يدي رجل ورجليه خطأ واختلفا، فقال الولي: مات بعد

(236): أي: من غير علم بأن هذه الشمال (مع وجودها) أي: اليمنى.
(237): أي: لا عن سهو، أو ذهول، أو غفلة (ولو قطعها) المجني عليه (مع العلم) بأنها اليسرى (إلى الدية) يعني: لا
يقتص من المجني عليه القاطع لليسرى بقطع يسراه، بل تؤخذ منه الدية للجاني.
(238): أي: المجني عليه أقدم على قطع اليسرى التي لا يحق له قطعها (السراية) فلو سرى قطع اليسار وأتلف شيئا من
بدنه أو مات ضمن السراية.
(239): أي: قال القاطع للجاني المقطوع منه (مع العلم) بأنه لا يجوز بذل اليسار (لا بدلا) عن اليمين (ولو اتفقا) يعني:
القاطع والمقطوع منه اتفقا على أنه بذل يساره بدلا عن اليمين (وفي هذا) أي: بقاء حق القصاص في اليمن.
(240): أي: حق القصاص، فيبقى حق القصاص أو الدية (على عاقلته) لأن عمده بحكم الخطأ.
1013

الاندمال (241)، وقال الجاني: مات بالسراية. فإن كان الزمان قصيرا لا يحتمل
الاندمال. فالقول قول الجاني مع يمينه. فإن أمكن الاندمال، فالقول: قول الولي، لأن
الاحتمالين متكافئان، والأصل وجوب الديتين. ولو اختلفا في المدة (242)، فالقول: قول
الجاني. أما لو قطع يده فمات، وادعى الجاني الاندمال، فادعى الولي السراية،
فالقول: قول الجاني، إن مضت مدة يمكن الاندمال. ولو اختلفا، فالقول: قول
الولي، وفيه تردد. ولو ادعى الجاني أنه شرب سما فمات، وادعى الولي موته من
السراية، فالاحتمال فيهما سواء، ومثله الملفوف في الكساء (243) إذا قده بنصفين، وادعى
الولي أنه كان حيا، وادعى الجاني أنه كان ميتا، فالاحتمالان متساويان، فيرجح قول
الجاني بما أن الأصل عدم الضمان، وفيه احتمال آخر ضعيف.
الخامسة: لو قطع إصبع رجل ويد آخر، اقتص للأول ثم للثاني، ويرجع (244)
بدية إصبع. ولو قطع اليد أولا ثم الإصبع من آخر، اقتص للأول وألزم للثاني دية
الإصبع.
السادسة: إذا قطع إصبعه فعفا المجني عليه قبل الاندمال، فإن اندملت فلا
قصاص ولا دية، لأنه إسقاط لحق ثابت عند الإبراء (245). ولو قال: عفوت عن الجناية،
سقط القصاص والدية، لأنها لا تثبت إلا صلحا. ولو قال: عفوت عن الجناية ثم سرت
إلى الكف سقط القصاص في الإصبع، وله دية الكف، ولو سرت إلى نفسه، كان للولي
القصاص في النفس بعد رد ما عفا عنه. ولو صرح بالعفو، صح فيما كان ثابتا وقت
الإبراء، وهو دية الجرح. أما القصاص في النفس أو الدية، ففيه تردد، لأنه إبراء مما لم

(241): أي: برء الجروح ليأخذ ديتين، دية كاملة لليدين، ودية أخرى للرجلين (بالسراية) ليعطي دية واحدة، إذ لو مات
المجني عليه بالسراية فكل الديات تدخل في دية النفس (قصيرا) كما لو مات بعد يومين من القطع (الديتين) واحدة
لليدين، والثانية للرجلين.
(242): فقال ولي المقتول: مات بعد سنة من قطع يديه ورجليه وقال الجاني: بل مات بعد يومين (الاندمال) حتى يكون الموت
غير مستند إلى القطع ليعطي نصف الدية (السراية) ليأخذ دية نفس كاملة.
(243): بالكسر هو الثوب ونحوه (قده) بسيف ونحوه في وسطه (كان حيا) ليأخذ دية القتل (ميتا) ليعطي فقط عشر دية.
القتل، لأن دية الميت عشر دية الحي - كما سيأتي في أواخر كتاب الديات - (ضعيف) بترجيح قول الولي كونه كان حيا.
(244): أي: المجني عليه الثاني، لأنه قطعت يده مع أصابعه، وقطع هو قصاصا يدا تنقصها إصبع واحدة.
(245): أي: عند العفو، وكل حق ثابت عفى عنه صاحبه يسقط (سقط القصاص والدية) أما القصاص فللعفو وأما الدية
فلما ذكره الماتن بأنها لا تثبت إلا صلحا، ولا صلح (إلى الكف) وأتلف الكف كلها (إلى نفسه) فمات من سراية قطع
الإصبع (لم يجب) أي: لم يثبت إذ عند العفو والابراء لم يثبت دية النفس حتى يقع العفو صحيحا.
1014

يجب. وفي الخلاف: يصح العفو عنها (246) وعما يحدث عنها، فلو سرت كان عفوه
ماضيا من الثلث، لأنه بمنزلة الوصية.
السابعة: لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته (247)، فإن قال: أبرأتك لم
يصح. وإن أبرأ السيد صح، لأن الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد، وفيه
إشكال، من حيث إن الإبراء إسقاط لما في الذمة. ولو قال: عفوت عن أرش هذه
الجناية، صح. ولو أبرأ قاتل الخطأ المحض، لم يبرأ (248). ولو أبرأ العاقلة، أو قال:
عفوت عن أرش هذه الجناية، صح. ولو كان القتل شبيه العمد، فإن أبرأ القاتل، أو
قال: عفوت عن أرش هذه الجناية، صح. ولو أبرأ العاقلة، لم يبرأ القاتل.

(246): أي: عن جناية قطع الإصبع، وعما يحدث عن هذه الجناية حتى ولو كان الموت (من الثلث) فإن كانت دية النفس -
باستثناء دية الإصبع - بقدر الثلث أو أقل من الثلث نفذ الإبراء وإلا توقف النفوذ على رضا الورثة.
(247): أي: توجب المال، كقتل الخطأ أو غير ذلك (قال) الحر المجني عليه (في الذمة) وليس في ذمة المولى شئ بل برقبة
نفس العبد (صح) لأن العفو لا يشترط فيه أن يكون مما في الذمة بل أعم.
(248): لأن ذمة القاتل ليست مشغولة في الخطأ المحض، إذ الدية على العاقلة.
1015

كتاب الديات
والنظر في أمور أربعة
الأول
في أقسام القتل ومقادير الديات
القتل عمد: وقد سلف مثاله (1). وشبيه العمد: مثل أن يضرب للتأديب
فيموت. وخطأ محض: مثل أن يرمي طائرا، فيصيب إنسانا.
وضابط العمد: أن يكون عامدا في فعله وقصده (2). وشبيه العمد: أن يكون
عامدا في فعله، مخطئا في قصده. والخطأ المحض: أن يكون مخطئا فيهما. وكذا الجناية
على الأطراف تنقسم هذه الأقسام.
ودية العمد: مئة بعير من مسان (3) الإبل، أو مئتا بقرة، أو مئتا حلة كل حلة
ثوبان من برود اليمين، أو ألف دينار، أو ألف شاة. أو عشرة آلاف درهم، وتستأدى
في سنة واحدة من مال الجاني مع التراضي بالدية. وهي مغلظة في السن والاستيفاء (4).
وله أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها، وأن يعطي من إبله أو إبل أدون أو أعلى إذا لم

كتاب الديات
(1) في كتاب القصاص، عند رقم (3).
(2): بأن يكون فعل القتل، وقصد بالفعل القتل، وشبه العمد: ما إذا فعل القتل ولم يكن قصد القتل لكنه وقع القتل،
والخطأ المحض: ما لم يفعل القتل بل عمل شيئا آخر، ولم يكن قصد القتل، كمن رمى طائرا فأصاب إنسانا وقتله
(الأطراف) كقطع اليد، وقلع العين، وخدش الجسم، ونحو ذلك إما عمد، أو شبيه عمد، أو خطأ محض مثلا: من
رمى بالفعل على عين شخص بقصد أن يعميه، فأصابها وعمي هذا عمد، ومن رمى عينه بحصاة صغيرة للمزاح ولم
يقصد أن يعميه لكنه عمى فهو شبيه عمد، ومن رمى بحصاة على طائر فوقعت على عينه واعمته فهو خطأ محض.
(3): جمع مسنة، وهي من الإبل ما دخلت في السنة السادسة (ثوبان) كرداء وقميص، أو رداء وإزار، ونحو ذلك على
اختلاف تعبيرات اللغويين والفقهاء تبعا لبعض ما يظهر من الروايات (برود) جمع برد كقفل ثوب يعمل في اليمن (مع
التراضي) بين الجاني وولي المجني عليه.
(4) فسنها دخلت في السنة السادسة، بخلاف، مئة من الإبل في قتل شبيه العمد وقتل الخطأ فسنها أقل كما سيأتي قريبا
والاستيفاء مغلظ إذ إنه في خلال سنة واحدة بخلاف شبه العمد والخطأ المحض فإنهما في سنتين وثلاث كما سيأتي.
1016

تكن مراضا (5) وكانت بالصفة المشترطة. وهل تقبل القيمة السوقية مع وجود الإبل؟ فيه
تردد، والأشبه لا. وهذه الستة أصول في نفسها، وليس بعضها مشروطا بعدم بعض،
والجاني مخير في بذل أيها شاء. ودية شبيه العمد: ثلاث وثلاثون بنت لبون (6)، وثلاث
وثلاثون حقة وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل. وفي رواية: ثلاثون بنت لبون، وثلاثون
حقة، وأربعون خلفة وهي الحامل. ويضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة. وقال المفيد
" رحمه الله ": تستأدى في سنتين، فهي إذن مخففة عن العمد، في السن وفي الاستيفاء.
ولو اختلف في الحوامل (7)، رجع إلى أهل المعرفة. ولو تبين الغلط، لزم الاستدراك.
ولو أزلقت بعد الإحضار قبل التسليم، لزم الإبدال. وبعد الإقباض لا يلزم.
ودية الخطأ المحض: عشرون بنت مخاض (8)، وعشرون ابن لبون، وثلاثون بنت
لبون، وثلاثون حقة. وفي رواية: خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت
لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة. وتستأدى في ثلاث سنين، سواء
كانت الدية تامة أو ناقصة أو دية طرف، فهي مخففة في السن والصفة والاستيفاء (9).
وهي على العاقلة، لا يضمن الجاني منها شيئا. ولو قتل في الشهر الحرم (10)، ألزم دية
وثلثا، من أي الأجناس كان، تغليظا. وهل يلزم مثل ذلك في حرم مكة؟ قال
الشيخان (11): نعم، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.

(5): جمع مريضة (السوقية) أي: قيمة الإبل (الأشبه لا) إلا إذا تراضيا معا.
(6): هي التي دخلت في السنة الثالثة من عمرها (حقة) هي التي دخلت في السنة الرابعة، (ثنية) في الجواهر هي التي
أكملت السنة الخامسة ودخلت في السادسة ويقال لها ثنية لأنها تلقى ثنيتها وهي سنها (طروقة الفحل) يكون الفحل قد
ركبها.
(7): فقال الجاني هي حوامل، وقال ولي المقتول ليست حوامل (الاستدراك) بالتبديل أو إعطاء نقص القيمة (إذ لقت) أي: أسقطت حملها.
(8): هي التي دخلت في السنة الثانية، وتسمى بنت مخاض لأن أمها في مخاض من حمل آخر (جذعة) هي التي دخلت السنة
الخامسة (تامة) كدية الرجل المسلم (والناقصة) كدية المرأة المسلمة ودية الذمي (طرف) يعني عضو.
(9): في سن الإبل خاصة فإن أعمارها أقل كما سبق تفصيله، وفي صفة الإبل فلا يعتبر في شيء منها أن تكون حاملا على
المشهور وفي الاستيفاء بسنتين وثلاث مدتها.
(10): رجب، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم (من أي الأجناس) مئة وثلاثة وثلاثون بعيرا، وثلث بعير، أو مئتان وستة
وستون بقرة، وثلثا بقرة، أو مئتان وستون حلة، وثلثا حلة، أو ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا، وثلث
دينار، أو ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون شاة وثلثا شاة، أو ثلاثة عشر ألف درهم وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلثا
درهم.
(11): المفيد والطوسي - رضوان الله عليهما - (في الأطراف) فلو قطع يدا أو غيرها في الأشهر الحرم، أو في حرم مكة لا يزيد
ثلثا على أصل الدية.
1017

فرع: لو رمى في الحل إلى الحرم فقتل فيه، لزم التغليظ. وهل يغلظ مع
العكس (12)؟ فيه تردد. ولا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه، ويضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يخرج. ولو جنى في الحرم، اقتص منه لانتهاكه الحرمة. وهل يلزم مثل
ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام (13)؟ قال: به في النهاية
ودية المرأة على النصف (14) من جميع الأجناس. ودية ولد الزنا إذا أظهر الإسلام
دية المسلم، وقيل: دية الذمي، وفي مستند ذلك ضعف. ودية الذمي: ثمان مئة
درهم، يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا. ودية نسائهم على النصف. وفي بعض
الروايات: دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم. وفي بعضها دية اليهودي
والنصراني أربعة آلاف درهم والشيخ رحمه الله: نزلهما على من يعتاد قتلهم (15)، فيغلظ
الإمام الدية بما يراه من ذلك حسما للجرأة.
ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار، ذوي عهد كانوا أو أهل حرب بلغتهم الدعوة
أو لم تبلغ.
ودية العبد قيمته، ولو تجاوزت دية الحر ردت إليها (16). وتؤخذ من مال الجاني
الحر، إن كانت الجناية عمدا أو شبيها، ومن عاقلته إن كانت خطأ. ودية أعضائه
وجراحاته، مقيسة على دية الحر، فما فيه ديته ففي العبد قيمته كاللسان والذكر (17)،
لكن لو جنى عليه جان بما فيه قيمته، لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه
مقدر في الحر من ديته فهو في العبد كذلك من قيمته. ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب

(12): أي: لو كان المجني عليه خارج الحرم، والجاني في الحرم (فيه) أي: ما دام في الحرم إذا كانت الجناية من خارج الحرم
ثم لجأ إلى الحرم (ويضيق عليه) في الحديث في الحدود " لا يطعم ولا يسقى " ولا يكلم، ولا يبايع ".
(13): بأن لا يجري ولا قصاص على من التجأ إليها، وهي في المدينة المنورة، والنجف الأشرف، وكربلاء المقدسة،
والكاظمية وسامراء، وخراسان (في النهاية) للشيخ الطوسي، وفي الجواهر إضافة مقنعة المفيد، ومهذب ابن فهد،
وسرائر ابن إدريس، وتحرير العلامة وغيرها.
(14): من دية الرجل فدية المرأة المسلمة خمسمائة دينار نصف دية الرجل المسلم، ودية المرأة الذمية أربعمائة درهم أو
ألفا درهم نصف دية الرجل الذمي على الخلاف، وهكذا في العمد، وشبيه العمد، والخطأ المحض.
(15): أي: اعتاد قتل الذميين (بما يراه من ذلك) من دية المسلم، أو أربعة آلاف درهم.
(16): فالعبد المسلم لا يزيد ديته عن ألف دينار وإن كانت قيمته أكثر، وكذا الأمة المسلمة لا تزيد ديتها عن خمسمئة دينار،
وهكذا العبد الذمي والأمة الذمية (وتؤخذ) قيمة العبد المجني عليه.
(17): والأنف، وكل ما فيه نصف الدية كاليد، والرجل، والعين، والأذن ففي العبد نصف قيمته (دفعه) أي: إعطاء
العبد المجني عليه إلى الجاني، لكيلا يجتمع عنده الثمن والمثمن (من قيمته) فالاصبع الواحدة في الحر عشر الدية وفي العبد
عشر قيمته، وكما تقسم الدية الكاملة على أسنان الحرة كذلك تقسم قيمة العبد على أسنانه، وهكذا.
1018

قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد، وليس له دفع العبد والمطالبة
بقيمته (18). وما لا تقدير فيه من الحر ففيه الأرش ويصير العبد أصلا للحر فيه.
ولو جنى العبد (19) على الحر خطأ، لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء أو فداه بأرش
الجناية، والخيار في ذلك إليه، ولا يتخير المجني عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب
ديته، تخير مولاه في دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية.
ويستوي في ذلك كله، القن والمدبر، ذكرا كان أو أنثى. وفي أم الولد تردد، على
ما مضى والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك في جنايتها استقرها المجني عليه أو ورثته.
وفي رواية: جنايتها على مولاها.
النظر الثاني
في موجبات الضمان (20): والبحث: إما في المباشرة، أو التسبيب، أو تزاحم
الموجبات
أما المباشرة: فضابطها: الاتلاف، لا مع القصد إليه، كمن رمى غرضا فأصاب
إنسانا، أو كالضرب للتأديب فيتفق الموت منه.
وتبين هذه الجملة بمسائل:
الأولى: الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا (21)، أو عالج طفلا أو
مجنونا لا بإذن الولي، أو بالغا لم يأذن. ولو كان الطبيب عارفا، وأذن له المريض في
العلاج، فآل إلى التلف، قيل: لا يضمن لأن الضمان يسقط بالإذن، لأنه (22) فعل
سائغ شرعا، وقيل: يضمن لمباشرته الاتلاف، وهو أشبه. فإن قلنا لا يضمن، فلا

(18): أي: بتمام قيمته (الأرش) وهو على المشهور أن تلاحظ قيمة العبد قبل الجناية وبعدها، فالنقص هو الأرش (أصلا
للحر) فينسب هذا الفرق إلى تمام قيمة العبد، وفي الحر يؤخذ بهذه النسبة من الدية الكاملة.
(19): جناية مستوعبة لقيمة العبد أعطى المولى أرش الجناية وفك العبد (بقدر تلك الجناية) مثلا لو قطع العبد يد حر،
وكانت قيمة العبد سبعمائة وخمسين دينارا استرق المجني عليه ثلاثة أرباع العبد على ما مضى في القصاص وغيره (على
مولاها) فيجب عليه دفع ثمن جنايتها.
(20): أي: ضمان الدية (الموجبات) كما لو اجتمع مباشر وسبب معا في قتل فأيهما يضمن؟ (لا مع القصد إليه) إذ مع
القصد إلى القتل يحق القصاص لا الضمان وحده.
(21): أي: جاهلا بالطب ولو في واقعة خاصة قد عالج فيها.
(22): لأن العلاج (في ماله) لأنه قتل شبيه بالعمد إذ قصد الطبيب الفعل ولم يقصد القتل (وهل يبرأ) الطبيب من ضمان
الدية (بالأبراء) أي: إذا أبرأه المريض عما يحدث من تلف ونحوه.
1019

بحث. وإن قلنا يضمن، فهو يضمن في ماله. وهل يبرأ بالأبراء قبل العلاج؟ قيل:
نعم، لرواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: قال أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام: من تطبب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو ضامن، ولأن
العلاج مما تمس الحاجة إليه. فلو لم يشرع الإبراء، تعذر العلاج، وقيل: لا يبرأ لأنه
إسقاط الحق قبل ثبوته.
الثانية: النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه أو بحركته، قيل: يضمن الدية في ماله،
وقيل: في مال العاقلة، والأول أشبه.
الثالثة: إذا أعنف بزوجته (23) جماعا في قبل أو دبر أو ضما فماتت ضمن الدية.
وكذا الزوجة. وفي النهاية إن كانا مأمونين، لم يكن عليهما شئ، والرواية ضعيفة.
الرابعة: من حمل على رأسه متاعا (24) فكسره، أو أصاب به إنسانا ضمن جنايته
في ماله.
الخامسة: من صاح ببالغ فمات، فلا دية (25)، أما لو كان مريضا أو مجنونا أو
طفلا، أو اغتفل البالغ الكامل، وفاجأه بالصيحة، لزمه الضمان. ولو قيل بالتسوية في
الضمان، كان حسنا، لأنه سبب الاتلاف ظاهرا. وقال الشيخ الدية على العاقلة،
وفيه إشكال، من حيث قصد الصائح إلى الإخافة، فهو عمد الخطأ. وكذا البحث لو
شهر سيفه في وجه إنسان. أما لو فر، فألقى نفسه في بئر أو على سقف (26)، قال
الشيخ: لا ضمان، لأنه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع، فهو المباشر لإهلاك نفسه
فيسقط حكم التسبيب. وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله. ولو كان المطلوب أعمى،
ضمن الطالب ديته، لأنه سبب ملجئ. وكذا لو كان مبصرا، فوقع في بئر لا يعلمها،
أو انخسف. به السقف أو اضطره إلى مضيق فافترسه الأسد، لأنه يفترس في المضيق
غالبا.

(23): أي: ضغط عليها ولو حبا وشوقا (وكذا الزوجة) لو عصرت زوجها حتى مات (مأمونين) أي: غير متهمين بقصد
القتل.
(24): لغيره، سواء كان حمالا أم غيره (إنسانا) فأذاه (جنايته) بكسر المتاع، أو إصابة شخص (في ماله) لا مال العاقلة.
(25): مع العلم بعدم استناد الموت إلى الصيحة بل ومع الشك أيضا - كما في الجواهر - (بالتسوية) بين البالغ والصبي ونحوه
(عمد الخطأ) أي: شبيه العمد (لو شهر سيفه) فمات خوفا.
(26): أي أسقط نفسه من فوق سقف فمات (سبب ملجئ) إلى الهلاك غالبا (يفترس) فلا يمكنه الفرار.
1020

السادسة: إذا صدمه (27) فمات المصدوم، فديته في مال الصادم. أما الصادم لو
مات فهدر، إذا كان المصدوم في ملكه، أو في موضع مباح، أو في طريق واسع. ولو
كان في طريق المسلمين ضيق (28)، قيل: يضمن المصدوم ديته، لأنه فرط بوقوفه في
موضع ليس له الوقوف فيه، كما إذا جلس في الطريق الضيق وعثر به إنسان. هذا إذا
كان لا عن قصد. ولو كان قاصدا وله مندوحة، فدمه هدر، وعليه ضمان المصدوم.
السابعة: إذا اصطدم (29) حران فماتا، فلورثة كل منهما نصف ديته ويسقط
النصف وهو قدر نصيبه، لأن كل واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره. ويستوي في
ذلك الفارسان والراجلان والفارس والراجل، وعلى كل واحد منهما نصف قيمة فرس الآخر
إن تلف بالتصادم، ويقع التقاص في الدية. وإن قصد القتل، فهو عمد. أما لو كانا
صبيين والركوب منهما (30) فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر. ولو أركبهما
وليهما، فالضمان على عاقلة الصبيين لأن له ذلك ولو أركبهما أجنبي، فضمان دية كل
واحد بتمامها على المركب. ولو كانا عبدين بالغين سقطت جنايتهما، لأن نصيب كل
واحد منهما هدر (31) وما على صاحبه لأنه فات بتلفه، ولا يضمن المولى. ولو اصطدم
حران، فمات أحدهما فعلى ما قلناه، يضمن الباقي نصف دية التالف. وفي رواية عن
أبي الحسن موسى عليه السلام، يضمن الباقي دية الميت. والرواية شاذة. ولو تصادم
حاملان سقط نصف دية كل واحدة (32)، وضمنت نصف دية الأخرى. أما الجنين فيثبت
في مال كل واحدة، نصف دية جنين كامل.

(27): أي: ضرب به ببدنه قويا (في مال الصادم) إذا قصد الصدم، فهو من شبه العمد، وإن قصد القتل مع ذلك ثبت
القصاص أيضا (في ملكه) أي: ملك المصدوم.
(28): فمات الصادم بسبب الصدمة (ولو كان) الصادم (قاصدا) الصدمة (مندوحة) أي: مفر (هدر) لا دية له (المصدوم)
إذا مات.
(29): في الجواهر: (بالغان عاقلان قاصدان لذلك دون القتل) (الفارسان) الفارس: راكب الفرس، والراجل: الذي يمشي
على رجليه (التقاص) أي: التساقط، فيسقط حق كل منهما مقابل حق الآخر، فلا يجب الاعطاء والأخذ (فهو عمد)
فعل القاصد القصاص.
(30): أي: هما ركبا ولم يركبهما غيرهما (لأن له ذلك) أي: يجوز للولي أن يركب الصبي على فرس ونحوه، فتصرف الولي
جائز، فلا دية عليه (على المركب) لأنه تصرف لا يجوز للأجنبي.
(31): لأنه اشترك في إتلاف نفسه (تبلغه) لأن جناية العبد تتعلق برقبته (دية الميت) أي: دية كاملة (شاذة) في الجواهر: لم
يجد بها عاملا.
(32): بفعل كل واحدة (الأخرى) كالرجلين (في مال كل واحدة) إذا قصدتا الصدام، وإلا فعلى عاقلتيهما.
1021

الثامنة: إذا مر بين الرماة، فأصابه سهم، فالدية على عاقلة الرامي (33)، ولو ثبت
أنه قال: حذار لم يضمن، لما روي: أن صبيا دق رباعية صاحبه يخطره، فرفع ذلك إلى
علي عليه السلام، فأقام بينة أنه قال: حذار، فدرأ عنه القصاص، وقال: قد أعذر
من حذر. ولو كان مع المار صبي، فقربه من طريق السهم لا قصدا فأصابه، فالضمان
على من قربه لا على الرامي، لأنه عرضه للتلف، وفيه تردد.
التاسعة: روى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أن عليا عليه الصلاة
والسلام، ضمن ختانا قطع حشفة غلام (34)، والرواية مناسبة للمذهب.
العاشرة: لو وقع من علو على غيره فقتله، فإن قصد قتله وكان الوقوع مما يقتل
غالبا، فهو قاتل عمدا (35). وإن كان لا يقتل غالبا، فهو شبيه بالعمد يلزمه الدية في
ماله. وإن وقع مضطرا إلى الوقوع، أو قصد الوقوع لغير ذلك، فهو خطأ محض والدية
فيه على العاقلة. أما لو ألقاه الهواء أو زلق فلا ضمان، والواقع هدر على التقديرات.
ولو دفعه دافع، فدية المدفوع لو مات على الدافع. أما دية الأسفل، فالأصل أنها على
الدافع أيضا. وفي النهاية ديته على الواقع، ويرجع بها على الدافع، وهي رواية عبد الله
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام.
الحادية عشرة: روى أبو جميلة، عن سعد الإسكاف، عن الأصبغ قال: قضى
أمير المؤمنين " عليه السلام في جارية ركبت أخرى (36) فنخستها ثالثة فقمصت
المركوبة، فصرعت الراكبة فماتت: إن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة. وأبو جميلة
ضعيف، فلا استناد إلى نقله. وفي " المقنعة " على الناخسة والقامصة ثلثا الدية، ويسقط

(33): لأنه من الخطأ المحض (إنه قال) أي: الرامي (يخطره) أي: يخبره بالحذر (مع المار) بين الرماة (وفيه تردد) لاحتمال
الضمان على عاقلة الرامي كما عن بعضهم.
(34): الحشفة هي رأس الذكر بمقدار أنملة تقريبا حد الفلفة (مناسبة للمذهب) لأن الختان من أقسام الطبيب الذي هو ضامن
إلا إذا تبرأ قبل العلاج.
(35): فعليه القصاص (لغير ذلك) مثلا للوقوع في الماء والسباحة فسقط على شخص وقتله (فلا ضمان) أي: لا دية للمقتول
لا على الواقع، ولا على عاقلته لعدم إسناد قتل إليه إطلاقا لا عمدا ولا خطأ، فلا يقال: فلان قتل فلانا، بل يقال
فلان سقط على فلان فقتل (على التقديرات) الأربعة لا دية له، سواء كان عمدا، أو شبيه عمد، أو خطاءا، أو لا
عن اختيار.
(36): أي: حملت إحداهما الثانية على عاتقها، أو على ظهرها، أو غيرهما (فنخستها) أي: غرز مؤخرها أو جنبها (فقمصت)
أي: قلصت نفسها فجأة (ثلثا الدية) على كل واحدة ثلث الدية (لركوبها) أي: الميتة. (متأخر) وهو ابن إدريس - كما
في الجواهر - (ملجئة) بحيث سلب اختيار (الناقصة الأول) وهو تثبيت الدية.
1022

الثلث لركوبها عبثا وهذا وجه حسن. وخرج متأخر وجها ثالثا، فأوجب الدية على
الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة. وإن لم تكن ملجئة، فالدية على القامصة وهو وجه
أيضا، غير أن المشهور بين الأصحاب هو الأول.
ومن اللواحق مسائل:
الأولى: من دعاه غيره، فأخرجه من منزله ليلا، فهو له ضامن حتى يرجع إليه.
فإن عدم (37)، فهو ضامن لديته. وإن وجد مقتولا، وادعى قتله على غيره، وأقام بينة
فقد برئ. وإن عدم البينة، ففي القود تردد، والأصح إنه لا قود، وعليه الدية في
ماله. وإن وجد ميتا ففي لزوم الدية تردد، ولعل الأشبه أنه لا يضمن.
الثانية: إذا أعادت الظئر (38) الولد، فأنكره أهله، صدقت ما لم يثبت كذبها،
فيلزمها الدية أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنه هو ولو استأجرت أخرى، ودفعته بغير
إذن أهله، فجهل خبره، ضمنت الدية.
الثالثة: لو انقلبت الظئر (39) فقتلته، لزمها الدية في مالها، إن طلبت بالمظائرة الفخر. ولو كان
للضرورة، فديته على عاقلتها.
الرابعة: روى عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام في لص دخل على
امرأة، فجمع الثياب ووطأها قهرا، فثار ولدها فقتله اللص، وحمل الثياب ليخرج،
فحملت هي عليه فقتلته، فقال: يضمن مواليه (40) دية الغلام، وعليهم فيما ترك أربعة
آلاف درهم لمكابرتها على فرجها، وليس عليها في قتله شئ. ووجه الدية، فوات محل
القصاص لأنها قتلته دفعا عن المال فلم يقع قصاصا. وإيجاب المال دليل، على أن مهر
المثل في مثل هذا لا يتقدر بخمسين دينارا، بل بمهر أمثالها ما بلغ. وتنزل هذه الرواية
على أن مهر أمثال القاتلة هذا القدر. وروي عنه عن أبي عبد الله عليه السلام في

(37): ولم يعرف حاله فلم يرجع (على غيره) أي: الذي أخرجه ليلا ادعى على شخص آخر أنه قاتله (والأصح) لعدم العلم
بالقتل عمدا.
(38): أي المرضعة التي أخذت ولدا لإرضاعه ثم جاءت بولد بعد مدة ادعت إنها نفس الولد (فأنكر أهله) أي: قالوا ليس
هذا ولدنا (فيلزمها) إن ثبت كذبها لكبر الولد، أو صغره أو غيرهما.
(39): أي: في حال النوم.
(40): أي: موالي اللص من مال اللص، لأنه قتل عمد (لمكابرتها) أي: مما نفسها من أجل حفظ فرجها وقهرها على الزنا بها
(ووجه) الدية لقتل الولد (دفعا عن المال) فهو مهدور الدم لكونه محاربا (هذا القدر) أربعة آلاف درهم.
1023

امرأة أدخلت ليلة البناء (41) بها صديقا إلى حجلتها، فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق،
فاقتتلا فقتله الزوج فقتلته هي، فقال عليه السلام: تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج،
وفي تضمين دية الصديق تردد، أقربه أن دمه هدر.
الخامسة: روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عن علي عليه السلام: في أربعة
شربوا المسكر، فجرح اثنان، وقتل اثنان، فقضي دية المقتولين على المجروحين، بعد أن
ترفع جراحة المجروحين من الدية (42). وفي رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه
السلام: أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة (43)، وأخذ دية جراحة الباقين من دية
المقتولين. ومن المحتمل أن يكون علي عليه السلام، قد اطلع في هذه الواقعة على ما
يوجب هذا الحكم.
السادسة: روى السكوني عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ومحمد بن قيس
عن أبي جعفر عليه السلام عن علي عليه الصلاة والسلام: في ستة غلمان، كانوا في
الفرات فغرق واحد، فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه، وشهد الثلاثة على الاثنين،
فقضى بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة، وهذه الرواية متروكة بين
الأصحاب. فإن صح نقلها، كانت حكما في واقعة، فلا تتعدى لاحتمال ما يوجب
الاختصاص (44).
البحث الثاني: في الأسباب وضابطها ما لولاه لما حصل التلف، لكن علة التلف
غيره، كحفر البئر ونصب السكين وإلقاء الحجر (45)، فإن التلف عنده بسبب العثار،
ولنفرض لصورها مسائل:
الأولى: لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح، لم يضمن دية العاثر (46). ولو كان في

(41): أي: ليلة الزفاف والدخول (جملتها) أي: حجرة العروس (فقتلته هي) يعني: الزوج قتل الرجل الأجنبي، والمرأة
التي أدخلت ذلك الأجنبي إلى حجرة العروس قتلت الزوج (تضمن) تلك المرأة (دية الصديق) وهو الأجنبي، لأنها
سببت له هذه القتلة (وتقتل بالزوج) لأنها قتلت الزوج (تضمين) أي: كون دية الرجل الأجنبي على المرأة (هدر) فلا
دية له لأنه محارب.
(42): مثلا لو كانت جراحة أحدهما قطع يده وديتها خمسمئة دينار، وجراحة الآخر قطع إصبعه وديتها مئة دينار، فيؤخذ من
الأول خمسمئة دينار، ومن الثاني تسعمئة دينار وتوزع الألف والأربعمائة دينار على ورثة المقتولين.
(43): أي: عاقلاتهم (هذا الحكم) وإلا فقد يقتضي هدر دمائهم وجراحاتهم لعدم العلم بالفاعل - كما قيل -
(44): علمه علي عليه الصلاة والسلام من واقع الأمر.
(45): في الطريق: بحيث تعثر به المار فمات (العتاد) أي: التعثر.
(46): أي: من تعثر فمات أو جرح (مسلوك) أي: مفتوح يسلكه الناس.
1024

ملك غيره، أو في طريق مسلوك، ضمن في ماله. وكذا لو نصب سكينا، فمات العاثر بها.
وكذا لو حفر بئرا أو ألقى حجرا. ولو حفر في ملك غيره، فرضي المالك، سقط الضمان عن
الحافر. ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين، قيل: لا يضمن، لأن الحفر لذلك
سائغ، وهو حسن.
الثانية: لو بنى مسجدا في الطريق، قيل: إن كان بإذن الإمام عليه السلام، لم يضمن
ما يتلف بسببه، والأقرب استبعاد الفرض (47).
الثالثة: لو سلم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط، ضمن في ماله، لأنه تلف
بسببه (48). ولو كان بالغا رشيدا، لم يضمن لأن التفريط منه.
الرابعة: لو رمى عشرة بالمنجنيق، فقتل الحجر أحدهم (49)، سقط نصيبه من الدية
لمشاركته، وضمن الباقون تسعة أعشار الدية. وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال، دون من أمسك
الخشب أو ساعد بغير المد. ولو قصدوا أجنبيا بالرمي، كان عمدا موجبا للقصاص. ولو لم
يقصدوه، كان خطأ. وفي النهاية إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة، فوقع على أحدهم، ضمن
الآخران ديته، لأن كل واحد ضامن لصاحبه، وفي الرواية بعد، والأشبه الأول.
الخامسة: لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيمين (50) وهما مالكان فلكل منهما على
صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه. وكذا لو اصطدم الحمالان. فأتلفا أو أتلف أحدهما.
ولو كانا غير مالكين، ضمن كل واحد منهما، نصف السفينتين وما فيهما، لأن التلف منهما،
والضمان في أموالهما، سواء كان التالف مالا أو نفوسا (51). ولو لم يفرطا بأن غلبتهما
الرياح، فلا ضمان. ولا يضمن صاحب السفينة الواقفة، إذا وقعت عليها أخرى، ويضمن
صاحب الواقعة لو فرط.
السادسة: لو أصلح سفينة وهي سائرة (52)، أو أبدل لوحا فغرقت بفعله، مثل أن
يسمر مسمارا فقلع لوحا، أو أراد ردم موضع فانهتك، نهوضا من في ماله ما يتلف من مال أو

(47): أي: هذا الفرض مستبعد وهو أن يأذن الإمام عليه السلام بما يضر بالمارة إلا في ظروف استثنائية.
(48): فيكون من شبه العمد (منه) أي: من الغريق.
(49): أي: أحد العشرة الرماة وذلك بمعاودة الحجر عليهم مثلا (لم يقصدوه) كما لو قصدوا الروم بناء مثلا فسقط الحجر على
شخص فمات (الأول) وهو ضامن ثلثي الدية وهدر الثلث الآخر.
(50): أي: السائقين (مالكان) للسفينة، لا أجيران أو متبرعان بالعمل (فأتلفا) حملهما فعلى كل ما أتلفه.
(51): وفي النفوس يضمن الدية.
(52): أي: أصلحها في حال سيرها (يسمى) أي: يثبت (ردم) أي: إصلاح (فانتهك) أي: انهدم.
1025

نفس، لأنه شبيه بالعمد.
السابعة: لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه، إذا كان (53) في ملكه أو مكان
مباح. وكذا لو وقع إلى الطريق، فمات إنسان بغبارة ولو بناه مائلا إلى غير ملكه ضمن، كما
لو بناه في غير ملكه ولو بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه، ضمن إن تمكن
من الإزالة. ولو وقع قبل التمكن، لم يضمن ما يتلف به لعدم التعدي.
الثامنة: نصب الميازيب (54) إلى الطرق جائز، وعليه عمل الناس. وهل يضمن لو
وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه الله: لا يضمن، وقال الشيخ: يضمن لأن نصبها مشروط
بالسلامة، والأول أشبه. وكذا إخراج الرواشن في الطرق المسلوكة، إذا لم تضر بالمارة. فلو
قتلت خشبة بسقوطها، قال الشيخ: يضمن نصف الدية، لأنه هلك عن مباح ومحظور،
والأقرب أنه لا يضمن مع القول بالجواز. وضابطه أن كل ما للإنسان إحداثه في الطريق، لا
يضمن ما يتلف بسببه. ويضمن بما ليس له إحداثه، كوضع الحجر وحفر البئر (55). فلو
أجج نارا في ملكه لم يضمن ولو سرت إلى غيره، إلا أن يزيد عن قدر الحاجة، مع غلبة الظن
بالتعدي، كما في أيام الأهوية. ولو عصفت بغتة، لم يضمن. ولو أججها في ملك غيره،
ضمن الأنفس والأموال في ماله، لأنه عدوان مقصود. ولو قصد إتلاف الأنفس، مع تعذر
الفرار، كانت عمدا. ولو بالت دابته في الطريق، قال الشيخ: يضمن لو زلق فيه إنسان.
وكذا لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور البطيخ أو رش الدرب بالماء، والوجه اختصاص ذلك
بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة.
التاسعة: لو وضع إناء على حائطه، فتلف بسقوطه نفس أو مال، لم يضمن لأنه
تصرف في ملكه من غير عدوان.
العاشرة: يجب حفظ دابته الصائلة (56)، كالبعير المغتلم والكلب العقور. فلو أهمل،

(53): أي: كان الحائط في ملكه.
(54): جمع ميزاب (وقعت) أي: سقطت بنفسها (الرواشن) جمع: روشن بوزن جعفر هي النافذة من الدار والحجرة إلى
الخارج (عن مباح) وهو الطرف الموضوع في ملكه (ومحظور) وهو الطرف الذي في قضاء الطريق (بالجواز) أي: جواز
إخراج الرواشن.
(55): في الطرق العامة (الأهوية) جمع الهواء (بغتة) بلا كون الوقت وقت عواصف (في ماله) لا مال عاقلته (مقصود) أي:
شبه العمد (زلقا فيه) أي: في بلله (القمامة) أما من يراها ويضع رجله عليها غير مبال فهو المباشر لإتلاف نفسه.
(56): أي: الهائجة (المغتلم) أي: الذي غلبه شهوته - (العقور) أي: العضوض (ولم يفرط) كما لو لم يتمكن من ضبطها
(للدفع) عن نفسه (لغيره) أي: لغير الدفاع عن نفسه (وفي ضمان) مالك الهرة (بالتفريط) أي: التقصير في
ضبطها عن الجناية على الناس (مع الضراوة) أي: لو كانت هرة شرسة متعدية (قتلها) لمن حملت الهرة عليه.
1026

ضمن جنايتها. ولو جهل حالها أو علم ولم يفرط فلا ضمان. ولو جنى على الصائلة جان، فإن
كان للدفع لم يضمن. ولو كان لغيره ضمن، وفي ضمان جناية الهرة المملوكة تردد. قال
الشيخ: يضمن بالتفريق مع الضراوة، وهو بعيد، إذ لم تجر العادة بربطها، نعم يجوز قتلها.
الحادية عشر: لو هجمت دابة على أخرى (57)، فجنت الداخلة ضمن صاحبها. ولو جنت
المدخول عليها، كان هدرا. وينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ.
الثانية عشر: من دخل دار قوم، فعقره (58) كلبهم، ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلا فلا
ضمان.
الثالثة عشر: راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها، وفيما تجنيه برأسها تردد، أقربه
الضمان لتمكنه من مراعاته (59). وكذا القائد. ولو وقف بها، ضمن ما تجنيه بيديها
ورجليها. وكذا إذا ضربها فجنت، ضمن. وكذا لو ضربها غيره، ضمن الضارب وكذا
السائق يضمن ما نجنيه. ولو ركبها رديفان، تساويا في الضمان. ولو كان صاحب الدابة
معها، ضمن دون الراكب. ولو ألقت الراكب، لم يضمنه المالك، إلا أن يكون بتنفيره. ولو
أركب مملوكه دابة، ضمن المولى جناية الراكب. ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك،
وهو حسن. ولو كان بالغا، كانت الجناية في رقبته، إن كانت على نفس آدمي. ولو كانت على
مال، لم يضمن المولى. وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا أعتق.
البحث الثالث: في تزاحم الموجبات: إذا اتفق المباشر والسبب، ضمن المباشر،
كالدافع مع الحافر (60)، والممسك مع الذابح، وواضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق.
ولو جهل المباشر حال السبب، ضمن المسبب. كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره

(57): أية دابة كانت مطلقا كالكلب، والأسد والبعير، والهرة، والجرذ، والطير، وغيرها (الداخلة) الهاجمة (بتفريط) كما لو
لم يربط الأسد، أو الكلب العقور، أما لو لم يربط البعير والهرة فلا لأن ترك ربطهما ليس تقصيرا.
(58): أي: عضه سواء مات بالعضة، أم جرح، أم خدش فقط.
(59): أي: الالتفات إلى رأسها لكي لا تجني برأسها (القائد) وهو الذي أخذ من أمام الدابة يسحبها (وقف بها) أي: أوقف
الدابة (فحيث) كما لو ضربها فركضت وكسرت كوزا مثلا (السائق) وهو الذي يسير خلف الدابة ويدفعها للسير
(رديفان) يعني: اثنان أحدهما خلف الآخر (بتنفيره) أي: يسبب تنفير المالك (كان) المملوك (بالغا) (وفي رقبته) فإن شاء
المجني عليه أو وليه استرقاقه وإلا اقتص منه مع العمد (يسعى) أي: يعمل العبد ليؤدي المال (يتبع به) أي: يعقب
(إذا أعتق) لا ما دام مملوكا.
(60): كما لو حفر زيد بئرا، ودفع عمرو رجلا في البئر (مع الذابح) كما لو أمسك زيد شخصا فذبحه عمرو (المسبب) بصيغة
القائل (وكالنار) أي: مثل الذي فر من علة مخيفة (غيره) فسقط في البئر (مع الغرور) أي: غرور الساقط في البئر
بسبب حافر البئر.
1027

ثالثا ولم يعلم، فالضمان على الحافر. وكالفار من مخيفة إذا وقع في بئر لا يعلمها. ولو حفر في
ملك نفسه بئرا، وسترها ودعا غيره، فالأقرب الضمان لأن المباشرة يسقط أثرها مع الغرور.
ولو اجتمع سببان، ضمن من سبقت الجناية بسببه، كما لو ألقى حجرا في غير ملكه،
وحفر الآخر بئرا، فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع (61). هذا مع
تساويهما في العدوان. ولو كان أحدهما عاديا، كان الضمان عليه. وكذا لو نصب سكينا في بئر
محفورة في غير ملكه، فتردى إنسان على تلك السكين، فالضمان على الحافر ترجيحا للأول.
وربما خطر بالبال التساوي في الضمان، لأن التلف لم يتمحض من أحدهما لكن الأول أشبه.
ولو وقع في حفرة اثنان، فهلك كل منهما بوقوع الآخر، فالضمان على الحافر لأنه كالملقي.
ولو قال: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة فألقاه، فلا ضمان، ولو قال: وعلي ضمانه،
ضمن دفعا لضرورة الخوف. ولو لم يكن خوف، فقال: ألقه وعلي ضمانه ففي الضمان
تردد، أقربه أنه لا يضمن (62). وكذا لو قال: مزق ثوبك وعلي ضمانه، أو اجرح نفسك،
لأنه ضمان ما لم يجب، ولا ضرورة فيه. ولو قال عند الخوف: ألق متاعك وعلي ضمانه مع
ركبان السفينة فامتنعوا فإن قال: أردت التساوي قبل ولزمه بحصته، والركبان إن رضوا،
لزمهم الضمان وإلا فلا. ولو قال: أذنوا لي فأنكروا بعد الإلقاء صدقوا مع اليمين، وضمن
هو الجميع
ومن لواحق هذا الباب مسائل الزبية (63):
فلو وقع واحد في زبية الأسد، فتعلق بثان، وتعلق الثاني بثالث والثالث برابع،
فافترسهم الأسد، فيه روايتان.
إحداهما: رواية محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قضى أمير
المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وآله: في الأول فريسة الأسد (64) وغرم أهله ثلث الدية
للثاني، وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية، وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة.
والثانية: رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام، أن عليا عليه الصلاة والسلام

(61): أي: واضع الحجر (تساويهما) أي: كون عمل كليهما عدوانا، (كان الضمان عليه) كما لو وضع شخص في أرضه
حجرا، وحفر أجنبي بئرا عدوانا في هذه الأرض، فتعثر ثالث وسقط في البئر فالضمان على حافر البئر.
(62): لأنه ضمان ما لم يثبت (الحصة) فلو كان في السفينة عشرة أشخاص فعليه ضمان العشر.
(63): على وزن جملة هي الحفرة التي تعمل في موضع عال كالجبل الأسد (بدايع) فسقطوا في الزية.
(64): بلا دية له.
1028

قضى: أن للأول ربع الدية، وللثاني ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية
كاملة، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا.
والأخيرة ضعيفة الطريق إلى مسمع فهي إذن ساقطة. والأولى مشهورة لكنها حكم في
واقعة (65).
ويمكن أن يقال: على الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه (66)، وعلى الثاني دية
الثالث، وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى. وإن قلنا: بالتشريك بين مباشر الإمساك
والمشارك في الجذب، كان على الأول دية ونصف وثلث (67)، وعلى الثاني نصف وثلث، وعلى
الثالث ثلث دية لا غير.
ولو جذب إنسان غيره إلى بئر، فوقع المجذوب، فمات الجاذب بوقوعه عليه،
فالجاذب هدر. ولو مات المجذوب، ضمنه الجاذب لاستقلاله بإتلافه. ولو ماتا: فالأول
هدر، وعليه دية الثاني في ماله (68).
ولو جذب الثاني ثالثا، فماتوا بوقوع كل واحد منهم على صاحبه، فالأول مات بفعله
وفعل الثاني فيسقط نصف ديته ويضمن الثاني النصف، والثاني مات بجذبه الثالث عليه
وجذب الأول فيضمن الأول نصف ديته ولا ضمان على الثالث، وللثالث الدية. فإن رجحنا
المباشرة، فديته على الثاني. وإن شركنا بين القابض والجاذب، فالدية على الأول والثاني
نصفين.
ولو جذب الثالث رابعا، فمات بعض على بعض، فللأول ثلثا الدية لأنه مات بجذبه
الثاني عليه، وبجذب الثاني الثالث عليه، وبجذب الثالث الرابع، فيسقط ما قابل فعله ويبقى
الثلثان على الثاني والثالث، ولا ضمان على الرابع. وللثاني ثلثا الدية أيضا، لأنه مات بجذب

(65): يعني: خاص لعلي عليه السلام هو بعلمه عرف هذا الوجه الخاص من حقوق بعضهم على بعض.
(66): ولا دية للأول لأنه سقط بنفسه (لهذا المعنى) وهو أن الثاني أتلف الثالث إذ تعلق به، والثالث أتلف الرابع إذا تعلق
به.
(67): دية كاملة للثاني، لأن الأول وحده أتلف الثاني، ونصف دية للثالث، والنصف الآخر من الثاني لأن الأول والثاني جميعا
اشتركا في قتل الثالث، وثلث الدية للرابع، والثلثان الآخران على الثاني والثالث، لأن الثلاثة جميعا اشتركوا في قتل
الرابع.
(68): لأنه شبيه العمد.
1029

الأول، وبجذبه الثالث وهو فعل نفسه، وبجذب الثالث الرابع عليه، فيسقط ما قابل فعله
ويجب الثلثان على الأول والثالث. وللثالث ثلث الدية أيضا، لأنه مات بجذبه الرابع،
وبجذب الثاني والأول له، أما الرابع فليس عليه شئ، وله الدية كاملة. فإن رجحنا
المباشرة فديته عليه. وإن شركنا، كانت ديته أثلاثا بين الأول والثاني والثلث.
النظر الثالث
في الجناية على الأطراف (69) والمقاصد ثلاثة:
الأول: في ديات الأعضاء وكل ما لا تقدير فيه، ففيه الأرش.
والتقدير في ثمانية عشر:
الأول: الشعر وفي شعر الرأس الدية، وكذا في شعر اللحية. فإن نبتا، فقد قيل: في
اللحية ثلث الدية، والرواية ضعيفة. والأشبه فيه وفي شعر الرأس الأرش (70) إن نبت، وقال
المفيد رحمه الله: في شعر الرأس إن لم ينبت مئة دينار ولا أعلم المستند.
أما شعر المرأة ففيه ديتها ولو نبت ففيه مهرها.
وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كل واحدة نصف ذلك، وما أصيب منه فعلى
الحساب (71) وفي الأهداب تردد. قال في المبسوط والخلاف: الدية إن لم ينبت وفيها مع
الأجفان ديتان. والأقرب السقوط حالة الانضمام، والأرش حالة الانفراد. وما عدا ذلك في
الشعر لا تقدير فيه، استنادا إلى البراءة الأصلية.
الثاني: العينان وفيهما الدية. وفي كل واحدة نصف الدية. ويستوي الصحيحة

(69): من الأعضاء والمنافع، والجراحات (الأرش) ويسمى الحكومة، وفيه يكون العبد أصلا للحر كما هو أصل له فيما فيه
مقدر - كما في الجواهر وغيره -.
(70): فيلاحظ لو كان الذي حلق شعره ونبت لو كان عبدا قيمته مئة دينار كم كان أرشه فيضاعف عشر مرات ويكون أرش
الحر المسلم، وخمس مرات فيكون أرش الحرة المسلمة وهكذا (المستند) رواية فقه الرضا عليه السلام.
(71): إذا لم ينبت، أما إذا نبت ففيه الأرش (الأهداب) الشعر المحيط بأطراف العين (الأجفان) للعين بمنزلة الشفتين للفم (الانضمام) كما لو
قطع الأجفان ومعها الأهداب لأن الأهداب حينئذ تابعة (وما عدا ذلك كشعر اليدين والرجلين، وشعر البطن والظهر ونحوها (أرى تقدير
فيه) بل فيه الأرش (البراءة الأصلية) وهي براءة ذمة الفاعل قبل ذلك، فما لم يعلم اشتغال ذمته بشئ فلا شئ عليه.
1030

والعمشاء والحولاء والجاحظة (72). وفي الأجفان الدية. وفي تقدير كل جفن خلاف. قال في
المبسوط: في كل واحد (73) ربع الدية. وفي الخلاف: في الأعلى ثلثا الدية، وفي الأسفل
الثلث. وفي موضع آخر: في الأعلى ثلث الدية، وفي الأسفل النصف. وينقص على هذا
التقدير سدس الدية والقول بهذا كثير. وفي الجناية على بعضها بحساب ديتها. ولو قلعت مع
العينين، لم يتداخل ديتاهما.
وفي العين الصحيحة من الأعور (74) الدية كاملة، إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله
تعالى. ولو استحق ديتها، كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار.
أما العوراء ففي خسفها روايتان، إحداهما ربع الدية. وهي متروكة والأخرى ثلث
الدية وهي مشهورة، سواء كانت خلقة أو بجناية جان، ووهم هنا وأهم فتوق زلله (75).
الثالث: الأنف وفيه الدية كاملة إذا استؤصل (76). وكذا لو قطع مارنه، وهو ما لان
منه. وكذا لو كسر ففسد. ولو جبر على غير عيب فمئة دينار. وفي شلله ثلثا ديته.
وفي الروئة وهي الحاجز بين المنخرين نصف الدية. وقال ابن بابويه: هي
مجمع المارن. وقال أهل اللغة هي طرف المارن.
وفي أحد المنخرين نصف الدية، لأنه إذهاب نصف المنفعة، وهو اختياره في المبسوط.
وفي رواية غياث عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن علي صلوات الله
وسلامه عليه وآله: ثلث الدية. وكذا في رواية عبد الرحمن العرزمي، عن
أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام، وفي الرواية ضعف، غير إن العمل بمضمونها أشبه.
الرابع: الأذنان وفيهما الدية. وفي كل واحدة نصف الدية. وفي بعضها بحساب ديتها

(72): العمشاء هي العين التي لا ترى في الليل وترى في النهار، والحولاء هي التي بها حول فترى الواحد اثنين، والجاحظة هي
التي مقلتها خارجة.
(73): من الأجفان الأربعة التي اثنان منها فوق العينين، واثنان تحت العينين (كثير) أي: كثير من الفقهاء قالوا بذلك (لم
يتداخل) بل دية الأجفان مستقلة عن دية العينين.
(74): يعني: الأعور لم جنى على عينه الصحيحة فتلفت ففيها دية كاملة.
(استحق ديتها) بجناية وإن لم يأخذها (خسفها) أي: قلعها (كانت) العوراء.
(75): أي اجتنب ذلته، والمقصود به ابن إدريس حيث نسب إلى الشيخ دية خمسمئة دينار في العين العوراء مع أن الشيخ
الطوسي قده لم يفت بذلك واشتبه الأمر على ابن إدريس والتفصيل في غير هذا المختصر.
(76): أي: قطع كله (جبر) أي: أصلح (شلله) بحيث خلى على الروح والحس.
1031

وفي شحمتها (77) ثلث ديتها، على رواية فيها ضعف، لكن يؤيدها الشهرة. قال بعض
الأصحاب: وفي خرمها ثلث ديتها، وفسره واحد بخرم الشحمة، وبثلث دية الشحمة.
الخامس: الشفتان وفيهما (78) الدية إجماعا. وفي تقدير دية كل واحدة خلاف.
قال في المبسوط: في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان، وهو خيرة المفيد رحمه الله. وفي
الخلاف: في العليا أربعمائة وفي السفلى ستمائة، وهي رواية أبي جميلة عن أبان عن أبي عبد
الله عليه السلام. وذكره الظريف في كتابه أيضا، وفي أبي جميلة ضعف.
وقال ابن بابويه (79): وهو مأثور عن ظريف أيضا، في العليا نصف الدية وفي السفلى
الثلثان، وهو نادر، وفيه مع ندوره زيادة لا معنى لها.
وقال ابن أبي عقيل: هما سواء في الدية، استنادا إلى قولهم عليهم السلام " كل ما في
الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية " وهذا حسن. وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها.
وحد الشفة السفلى عرضا، ما تجافى (80) عن اللثة مع طول الفم. والعليا ما تجافى عن
اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم. وليس حاشية الشدقين منهما. ولو تقلصت،
قال الشيخ: فيه ديتها والأقرب الحكومة ولو استرختا فثلثا الدية.
السادس: اللسان وفي استئصال (81) الصحيح الدية. وفي لسان الأخرس ثلث الدية.
وفيما قطع من لسان الأخرس بحسابه مساحة.
أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم (82)، وهي ثمانية وعشرون حرفا. وفي رواية تسعة

(77): وهي القطعة اللينة في أسفل الأذن (خرمها) شقها، أي لو شق الشحمة فالدية ثلث دية الشحمة (وفسره واحد) في
الجواهر: فسر ابن إدريس خرمها نجرم الشحمة لا خرم نفس الأذن وبالثلث ثلث دية الشحمة لا ثلث دية النفس
(78): لو قطعنا (ظريف) هو من أصحاب الباقر عليه السلام وعن العلامة والنجاشي أنهما قالا عنه (كان ثقة في حديثه
صدوقا) (ضعف) فعن خلاصة لعلامة إنه (ضعيف كذاب يضع الحديث).
(79): والد الصدوق - رحمة الله عليهما - (مأثور) أي: منقول (نادر) أي: قول نادر لم ينقل إلا عن ابن بابويه، وأبي علي كما في الجواهر (زيادة)
سدس على الدية الكاملة. (حسن) أي: قول حسن (بنسبة) فلو قطع بع أحد الشقتين ففيه ثمن الدية، وهكذا.
(80): أي: انفصل (بالمنخرين) ثبتا الأنف (الحاجز) بين ثقبتي الأنف (الشدقين) طرفي الفم من اليمين واليسار (تفصلت) الشفتان بجناية
وفي الجواهر: (فلا تنطبق على الأسنان فلا ينتفع بها بحال) (ديتها) ففي كل شفة خمسمئة دينار للرجل الحر (الحكومة) يحكم حاكم الشرع
بدية يراها صالحة بالقياس إلى العبيد والإماء كما مر غير مرة (استرختا) أي: تدلنا.
(81): قطع كله (مساحة) ففي قطع نصف لسان الأخرين سدس الدية وهكذا.
(82): فلو قطع لسان الصحيح فلا يعتبر الدية بقطع مساحته، بل لو لم يتمكن من التمكن بتمام حروف المعجم كان استئصالا
وموجبا للدية الكاملة (تسعة وعشرون) بحساب الهمزة والألف حرفين (اللسنية) في أقرب الموارد: (الحروف اللسانية
ستة وهي ر ز س ش ص ض.
1032

وعشرون حرفا وهي مطرحة. وتبسط الدية على الحروف بالسوية، ويؤخذ نصيب ما يعدم
منها. ويتساوي اللسنية وغيرها ثقيلها وخفيفها. ولو ذهبت أجمع، وجبت الدية كاملة.
ولو صار (83) سريع المنطق أو ازداد سرعة، أو كان ثقيلا فزاد ثقلا فلا تقدير فيه، وفيه
الحكومة، وكذا لو نقص فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح.
ولا اعتبار بقدر المقطوع من الصحيح، بل الاعتبار بما يذهب من الحروف. فلو قطع
نصفه، فذهب ربع الحروف، فربع الدية. وكذا لو قطع ربع لسانه، فذهب نصف كلامه،
فنصف الدية.
ولو جنى آخر (84)، اعتبر بما بقي، وأخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأول. ولو أعدم
واحد كلامه، ثم قطعه آخر، كان على الأول الدية وعلى الثاني الثلث.
ولو قطع لسان الطفل (85)، كان فيه الدية لأن الأصل السلامة. أما لو بلغ حدا،
ينطق مثله ولم ينطق، ففيه ثلث الدية لغلبة الظن بالآفة. ولو نطق بعد ذلك، تبينا الصحيحة،
واعتبر بعد ذلك بالحروف، وألزم الجاني ما نقص عن الجميع، فإن كان بقدر ما أخذ وإلا تمم له.
ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقه عند الجناية، صدق مع القسامة (86) لتعذر
البينة. وفي رواية يضرب لسانه بأبرة، فإن خرج الدم أسود صدق وإن خرج أحمر كذب.
ولو جنى على لسانه فذهب كلامه، ثم عاد، هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط:
نعم، لأنه لو ذهب لما عاد (87). وقال في الخلاف: لا، وهو الأشبه.

(83): بسبب الجناية (إلى الصحيح) كما لو كان قبل الجناية يتلفظ بالراء شبيهة بالغين، ثم صار بعد الجناية يتلفظ بالراء غيثا.
(84): أي جاره آخر (بنسبة) مثلا لو جنى الأول فذهب نصف الحروف، ثم جنى ثان فذهب نصف الحروف الباقية، فعلى
الثاني ربع الدية (كلامه) بدون قطع اللسان بل بضربة وعصرة ونحوهما (الثلث) لأنه بمنزلة لسان الأخرس.
(85): قبل أن يتكلم (تبينا) أي: اختبرنا (عن الجميع) فلو نقص أربعة عشر حرفا كان على الجاني نصف الدية، فإن أخذ
الثلث، أخذ أيضا سدسا ليكمل له النصف، وإن نقص سبعة حروف مثلا فديتها الربع، فإن كان أخذ الثلث
استرجع منه واحد من اثني عشر من الدية الكاملة، وهكذا.
(86): بأن يحلف خمسين يمينا - بالإشارة - إنه ذهب كل كلامه، وفي الجواهر: إن ادعى ذهاب نصف الحروف فخمسة وعشرون
يمينا، وهلم جرا (كذب) فإنهما علامتان مثلا للصحة وعدمها، وفي الجواهر: أن الرواية ضعيفة جدا.
(87): أي: لو كان قد ذهب لما عاد، فعوده دليل على عدم الذهاب.
1033

أما لو قلع سن المثغر (88)، فأخذ ديتها ثم عادت، لم تستعد ديتها، لأن الثانية غير
الأولى. وكذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته الله تعالى، لأن العادة لم تقض بعوده، فيكون
هبة. ولو كان للسان طرفان، فأذهب أحدهما، اعتبر بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا دية،
وفيه الأرش لأنه زيادة.
السابع: الأسنان وفيها الدية كاملة. وتقسم على ثمانية وعشرين سنا. اثني عشر في
مقدم الفم، وهي ثنيتان (89) ورباعيتان ونابان، ومثلها من أسفل. وستة عشر في مؤخره
وهي: ضاحك وثلاثة أضراس من كل جانب، ومثلها من أسفل.
ففي المقاديم ستمائة دينار، حصة كل سن خمسون دينارا. وفي المآخر أربعمائة دينار،
حصة كل ضرس خمسة وعشرون دينارا. وتستوي البيضاء والسوداء خلقة. وكذا الصفراء
وإن جنى عليها. وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي. وفيها ثلث دية الأصلي، لو
قلعت منفردة (90) وقيل: فيها الحكومة، والأول أظهر. ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فثلثا
ديتها، وفيها بعد الاسوداد الثلث، على الأشهر. وفي انصداعها ولم يسقط، ثلثا ديتها، وفي
الرواية ضعف، والحكومة أشبه.
والدية في المقلوعة مع سنخها، وهو الثابت منها في اللثة (91). ولو كسر ما برز عن
اللثة، ففيه تردد. والأقرب أن فيه دية السن. ولو كسر الظاهر عن اللثة، ثم قلع الآخر
السنخ، فعلى الأول دية وعلى الثاني حكومة. وينتظر بسن الصغير، فإن نبت لزم الأرش،
وإن لم ينبت فدية سن المثغر. ومن الأصحاب من قال: فيها بعير ولم يفصل، وفي الرواية
ضعف. ولو أنبت الإنسان في موضع المقلوعة عظما فثبت، فقلعه قالع قال الشيخ: لا دية،
ويقوى أن فيه الأرش، لأنه يستصحب ألما وشينا.

(88): على وزن مكرم أي الأسنان الرواضع للطفل (غير الأولى) بل هبة الهبة جديدة (هبة) جديدة من الله تعالى (طرفان)
أي: رأسان (الأرش) بأن يلاحظ أنه لو كان عبدا قيمته ألف دينار فكم كان ينقص من قيمته بهذه الجناية فتلك ديته.
(89): هما السنان المقدمان (ورباعيتان) على طرفي الثنيتين (ونابان) على طرفي الرباعيتين (مؤخرة) أي: مؤخر الفم من
الطرفين، أعلى وأسفل جميعا (ضاحك) بعد الناب،.
(90): فلو كانت الزائدة مع فديتها ثمانية دنانير وثلث دينار (بعد الاسوداد) لو اقلعت (انصداعها) بأن اقتلعت من محلها ولم
تخرج عن اللحم.
(91): يعني: الدية المذكورة لكل سن إنها هي إذا اقتلعت من جذرها وأصلها كاملة: (النسخ) أي: بقية السن المستورة في
اللثة (بسن الصغير) لو قلعها شخص (الأرش) وهو أن يفرض الصغير عبدا فكم نقص قيمته بذلك، ثم ينسب ذلك
إلى ديته (المثغر) (فيصلي) بين أن تنبت أم لم تنبت (الإنسان) لا عن الله تعالى (يستصحب) أي:
يكون معه ألم (وشينا) أي: قبحا في المنظر.
1034

الثامن: العنق وفيه إذا كسر، فصار الإنسان أصور (92)، الدية. وكذا لو جنى عليه بما
يمنع الازدراد. ولو زال فلا دية، وفيه الأرش.
التاسع: اللحيان وهما العظمان اللذان يقال لملتقاهما الذقن، ويتصل طرف كل واحد
منهما بالأذن، وفيهما الدية لو قلعا منفردين عن الأسنان كلحيي الطفل (93)، أو من لا أسنان
له. ولو قلعا مع الأسنان فديتان. وفي نقصان المضغ مع الجناية عليهما، أو تصلبهما،
الأرش.
العاشر: اليدان وفيهما الدية، وفي كل واحدة نصف الدية، وحدهما المعصم (94). فلو
قطعت مع الأصابع، فدية اليد خمسمائة دينار. ولو قطعت الأصابع منفردة فدية الأصابع
خمسمائة دينار، ولو قطع معها شئ من الزند، ففي اليد خمسمائة دينار، وفي الزائدة
الحكومة. ولو قطعت من المرفق أو المنكب قال في المبسوط: عندنا فيه مقدر، محيلا على
التهذيب.
ولو كان له يدان على زند، ففيهما الدية وحكومة، لأن إحداهما زائدة.
وتميز الأصلية: بانفرادها بالبطش (95)، أو كونها أشد بطشا. فإن تساويا فإحداهما
زائدة في الجملة. ولو قطعهما ففي الأصلية الدية، وفي الزائدة حكومة. وقال في المبسوط:
ثلث دية الأصلية، ولعله تشبيه بالسن والإصبع، فالأقرب الأرش. ويظهر لي في الذراعين
الدية، وكذا في العضدين، وفي كل واحدة نصف الدية.
الحادي عشر: الأصابع وفي أصابع اليدين الدية. وكذا في أصابع الرجلين، وفي كل
واحدة عشر الدية. وقيل: في الإبهام ثلث الدية، وفي الأربع البواقي الثلثان بالسوية. ودية
كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية، عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على اثنين. وفي
الإصبع الزائدة ثلث الأصلية. وفي شلل كل واحدة ثلثا ديتها، وفي قطعها بعد الشلل الثلث. وكذا
لو كان الشلل خلقة.

(92): مائل العنق (الازدراد) بلع اللقمة.
(93): حيث إنه (لا أسنان له) كمن قلع أسنانه، أو ذهبت في حادثة، أو بكبر ونحوها (تصيلها) بحيث يعسر
تحريكهما.
(94): وهو المفصل بين الكف والذراع (محيلا على التهذيب) أي: قال (ذكرناه في تهذيب الأحكام) وهو دية يد خمسمئة دينار
على ما يستفاد من التهذيب وإن كان لم ينص عليه فيه.
(95): دون الأخرى (الذراع) بين الكف والمرفق (والعضد) بين المرفق والمنكب.
(96): فقطعت فعلى الجاني ثلث دية النفس (الظفر) إذا قلع بجناية (خمسة دنانير) يعني: إذا لم ينبت.
1035

وفي الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير. وكذا لو نبت أسود. ولو نبت أبيض، كان فيه
خمسة دنانير، وفي الرواية ضعف، غير أنها مشهورة وفي رواية عبد الله بن سنان في الظفر خمسة
دنانير
الثاني عشر: الظهر وفيه إذا كسر الدية كاملة. وكذا لو أصيب فاحدودب (97)، أو
صار بحيث لا يقدر على القعود. ولو صلح، كان فيه ثلث الدية. وفي رواية ظريف: إن
كسر الصلب، فجبر على غير عيب فمئة دينار. وإن عثم فألف دينار. ولو كسر، فشلت
الرجلان فدية له، وثلثا دية للرجلين. وفي الخلاف: لو كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه،
فديتان.
الثالث عشر: النخاع (98) وفي قطعه الدية كاملة.
الرابع عشر: الثديان وفيهما من المرأة ديتها. وفي كل واحد نصف ديتها. ولو انقطع
لبنهما (99)، ففيه الحكومة، وكذا لو كان اللبن فيهما وتعذر نزوله. ولو قطعهما مع شئ من
جلد الصدر، ففيهما ديتها وفي الزائدة حكومة. ولو أجاف مع ذلك الصدر، لزمه دية الثديين
والحكومة ودية الجائفة. ولو قطع الحلمتين، قال في المبسوط: فيهما الدية، وفيه إشكال، من
حيث إن الدية في الثديين، والحلمتان بعضهما. أما حلمتا الرجل، ففي المبسوط والخلاف
فيهما الدية. وقال ابن بابويه رحمه الله: في حلمة ثديي الرجل ثمن الدية، مئة وخمسة وعشرون
دينارا. وكذا ذكر الشيخ في التهذيب عن ظريف. وفي إيجاب الدية فيهما بعد. والشيخ
أضرب عن رواية ظريف، وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين.
الخامس عشر: الذكر وفي الحشفة فما زاد الدية وإن استؤصل، سواء كان لشاب أو
شيخ أو صبي لم يبلغ، أو من سلت (100) خصيتاه. ولو قطع بعض الحشفة، كانت دية
المقطوع بنسبة الدية من مساحة الكمرة حسب. ولو قطع الحشفة وقطع آخر ما بقي، كان على

(97): صار كالقوس (عثم) لم ينجبر مستويا (فشلت) يبست (مشيه) أي: لم يقدر على المشي ولا على الجماع.
(98): وهو العصب داخل فقار الظهر.
(99): يعني: لو جنى عليها جان جناية انقطع بسببها لبنها (نزوله) أي: احتبس لبنها (أجاف) أي: أدخل شيئا في جوف
الصدر (ودية الجائفة) وهي ثلث دية ذلك العضو - كما سيأتي - (الحلمتين) وهما رأسا الثديين (مر) بين رقمي (82 -
83).
(100): أخرجت (الكمرة) بالتحريك حشفة الذكر، وهي موضع الختان (وقطع آخر) أي شخص آخر (العنين) على وزن
إحليل هو الذي لا ينتصب ذكره (بحسابه) بنسبة المقطوع (عموم الروايات) الدالة على أن ما في الجسد منه اثنان ففي
كل واحد منه نصف الدية (أدرة) انتفاخ (فحج) أي: تباعد فخذاه بسبب ذلك (تؤيده) فلا يضر ضعف الخبر.
1036

الأول الدية وعلى الثاني الأرش. وفي ذكر العنين ثلث الدية، وفيما قطع منه بحسابه.
وفي الخصيتين الدية. وفي كل واحدة نصف الدية. وفي رواية: في اليسرى ثلثا الدية،
لأن منها الولد، والرواية حسنة، لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات المشهورة. وفي أدرة
الخصيتين أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمان مئة دينار، ومستنده كتاب
ظريف غير أن الشهرة تؤيده.
السادس عشر: الشفران وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، وفيهما
ديتها. وفي كل واحدة نصف ديتها. وتستوي في الدية السليمة والرتقاء. وفي الزكب
حكومة، وهو مثل موضع العانة من الرجل.
وفي إفضاء (101) المرأة ديتها، وتسقط في طرف الزوج، إن كان بالوطء بعد بلوغها.
ولو كان قبل البلوغ، ضمن الزوج مع مهرها ديتها، والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما. ولو
لم يكن زوجا، وكان مكرها، فلها المهر والدية. وإن كانت مطاوعة، فلا مهر، ولها الدية.
ولو كانت المكرهة بكرا، هل يجب لها أرش البكارة زائدا على المهر؟ فيه تردد، والأشبه
وجوبه، ويلزم ذلك في ماله، لأن الجناية إما عمد أو شبيه بالعمد (102).
السابع عشر: قال في المبسوط: في الأليتين الدية. وفي كل واحدة نصف الدية.
ومن المرأة ديتها، وفي كل واحدة منها نصف ديتها، وهو حسن تعويلا على الرواية التي
مرت في فصل الشفتين (103).
الثامن عشر: الرجلان وفيهما الدية. وفي كل واحدة نصف الدية، وحدهما مفصل الساق.
وفي الأصابع منفردة دية كاملة. وفي كل إصبع عشر الدية، والخلاف هنا في الإبهام كما
في اليدين (104). ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية. وفي الإبهام على اثنين.
وفي الساقين الدية. وكذا في الفخذين. وفي كل واحدة نصف الدية.

(101): هو خرق الغشاء الفاصل بين مخرجي البول والحيض من المرأة، أو بين الحيض والغائط، أو جعل المسالك الثلاثة
واحدا بخرق الغشائين. (وتسقط الدية) (مكرها) لها بالجماع.
(102): غالبا، وإلا فقد يتصور الخطأ المحض في المجنون، والصبي، والشبهة ونحوها.
(103): بين رقمي (82 - 83) من أن كلما كان منه اثنان فيهما الدية، وفي كل واحد نصف الدية.
(104): وقد مر بين رقمي (98 - 99) من أنه قيل للإبهام الثلث، والثلثان لبقية الأصابع بالسوية وقيل الإبهام وغيره سواء
(وفي الساقين) كما لو كان مقطوع القدمين بآفة ونحوها، ثم قطع بالجناية فخذاه.
1037

مسائل:
الأولى: في الأضلاع مما خالط القلب، لكل ضلع إذا كسرت خمسة وعشرون دينارا.
وفيها مما يلي العضدين، لكل ضلع إذا كسرت عشرة دنانير.
الثانية: لو كسر بعصوصه (105)، فلم يملك غائطه، كان فيه الدية وهي رواية سليمان
ابن خالد. ومن ضرب عجانه، فلم يملك غائطه ولا بوله، ففيه الدية وهي رواية إسحاق بن عمار.
الثالثة: في كسر عظم من عضو، خمس دية ذلك العضو (106). فإن صلح على غير
عيب فأربعة أخماس دية كسره. وفي موضحته ربع دية كسره. وفي رضه ثلث دية العضو،
فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه. وفي فكه من العضو بحيث يتعطل العضو
ثلثا دية العضو، فإن صلح على غير عيب، فأربعة أخماس دية فكه.
الرابعة: قال في المبسوط والخلاف: في الترقوتين (107) الدية. وفي كل واحدة منهما
مقدر عند أصحابنا. ولعله إشارة إلى ما ذكره الجماعة عن ظريف، وهو في الترقوة إذا كسرت
وجبرت على غير عيب أربعون دينارا.
الخامسة: من داس بطن إنسان حتى أحدث (108)، ديس بطنه، أو يفتدي ذلك بثلث
الدية، وهي رواية السكوني، وفيه ضعف.
السادسة: من افتض بكرا (109) بإصبعه، فخرق مثانتها، فلا تملك بولها، فعليه
ديتها - وفي رواية ديتها، وهي أولى - ومثل مهر نسائها.
المقصد الثاني: في الجناية على المنافع وهي سبعة:
الأول: العقل وفيه الدية (110). وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم، إذ لا طريق إلى

(105): في الجواهر: قيل هو العصعص - بضم العينين - وهو عظم الذنب الذي يجلس عليه (فلم يملك) حبس (غائطه) بأن
صار سلس الغائط (عجانه) بين الخصيتين.
(106): فلو كسر منكبه ففيه مئة دينار، فإن صلح فثمانون دينارا (موضحته) بحيث ظهر. العظم من تحت اللحم (ربع دية
كسره) خمسة وعشرون دينارا وثلث دية (العضو) فرض عظم الكتف ديته مئة وثلاثة وثلاثون دينارا.
(107): هما العظمان فوق الصدر المحيطان بالرقبة.
(108): ببول أو غائط (ضعف) بل لا قصاص والدية الحكومة.
(109): أي: أزال بكارتها (أولى) لأنها شئ واحد في الإنسان (ومثل مهر) لإزالة البكارة.
(110): فمن عمل شيئا فأزال عقل إنسان فعليه دية كاملة (وفي بعضه) بأن صار ضعيف العقل (تخمين) تقدير ظن لا دليل
عليه.
1038

تقدير النقصان. وفي المبسوط يقدر بالزمان. فلو جن يوما وأفاق يوما، كان الذاهب
نصفه. أو جن يوما وأفاق يومين، كان الذاهب ثلثه، وهو تخمين.
ولا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه لعدم العلم بمحله (111).
ولو شجه، فذهب عقله، لم تتداخل دية الجنايتين. وفي رواية: إن كان بضربة واحدة
تداخلتا، والأول أشبه. وفي رواية لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة، فإن مات
فيها قيد به، وإن بقي ولم يرجع عقله، ففيه الدية، وهي حسنة، ولو جنى فأذهب العقل
ودفع الدية ثم عاد، لم يرتجع الدية لأنه هبة مجددة من الله.
الثاني: السمع وفيه الدية إن شهد أهل المعرفة باليأس (112). فإن أملوا العود بعد مدة
معينة، توقعنا انقضاءها. فإن لم يعد، فقد استقرت الدية. ولو أكذب الجاني عند دعوى
ذهابه، أو قال: لا أعلم اعتبرت حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي، وصيح به بعد
استغفاله، فإن تحقق ما أدعاه وإلا أحلف القسامة، وحكم له. ولو ذهب سمع إحدى
الأذنين، ففيه نصف الدية.
ولو نقص سمع إحداهما، قيس إلى الأخرى، بأن تسد الناقصة وتطلق الصحيحة،
ويصاح به حتى يقول: لا أسمع، ثم يعاد عليه ذلك مرة ثانية، فإن تساوت المسافتان
صدق. ثم تطلق الناقصة وتسد الصحيحة، ويعتبر بالصوت حتى يقول: لا أسمع، ثم
يكرر عليه الاعتبار فإن تساوت المقادير في سماعه فقد صدق وتمسح مسافة الصحيحة
والناقصة، ويلزم من الدية بحساب التفاوت (113).
وفي رواية يعتبر بالصوت من جوانبه الأربعة ويصدق مع التساوي ويكذب مع
الاختلاف.

(111) هل هو القلب، أو المخ، أو غيرهما (شجه) أي: كسر رأسه، أو جبهته، مثلا (لم تتداخل) بل تؤخذ منه دية
كاملة للعقل، ودية الشجة (تداخلتا) بأخذ دية العقل فقط (قيد به) أي: اقتص منه (وهي حسنة) أي: الرواية حسنة
والرواية الحسنة هي التي بعض رواتها كلهم إماميون ممدوحون ولم يزكوا بالعدالة والمدح مثل أن يقال عنه (وجه في
الشيعة) (من زعماء الشيعة) ونحو ذلك.
(112): عن عدد سمعه (استغفاله) أي: في حال الغفلة ليرى هل يتحرك جسمه فجأة (ما أدعاه) المجني عليه من ذهاب
سمعه (أحلف) المجني عليه (القسامة) خمسين يمينا على أنه ذهب سمعه.
(113): مثلا لو كانت مسافة السمع الصحيحة خمسين ذراعا، ومسافة السمع المجني عليها المعيبة عشرة ذراعات، كان عليه
أربعمئة دينار (مع التساوي) بأن سمع من كل جانب عشر ذراعات مثلا (مع الاختلاف) بأن سمع من جانب عشر ذراعات ومن جانب عشرين ذراعا - مثلا - (في الريح) أي: عند هبوب الريح.
1039

وفي ذهاب السمع بقطع الأذنين ديتان. ولا يقاس السمع في الريح بل يتوخى سكون
الهواء.
الثالث: في ضوء العينين وفيه الدية كاملة. فإن ادعى ذهابه، وشهد له شاهدان من
أهل الخبرة، أو رجل وامرأتان، إن كان خطأ أو شبيه عمد (114)، فقد ثبت الدعوى. فإن
قالا: لا يرجى عوده، فقد استقرت الدية. وكذا لو قالا: يرجى عوده، لكن لا تقدير له.
أو قالا: بعد مدة معينة فانقضت، ولم يعد. وكذا لو مات قبل المدة. أما لو عاد ففيه
الأرش.
ولو اختلفا في عوده (115)، فالقول قول المجني عليه مع يمينه. وإذا ادعى ذهاب بصره
وعينه قائمة، أحلف القسامة وقضي له. وفي رواية تقابل بالشمس، فإن كان كما قال بقيتا
مفتوحتين. ولو ادعى نقصان إحداهما، قيست إلى الأخرى، وفعل كما فعل في
السمع (116). ولو ادعى النقصان فيهما، قيستا إلى عيني من هو من أبناء سنه، وألزم الجاني
التفاوت بعد الاستظهار بالإيمان. ولا تقاس عين في يوم غيم، ولا في أرض مختلفة
الجهات (117). ولو قلع عينا، وقال: كانت قائمة، وقال المجني عليه كانت صحيحة،
فالقول قول الجاني مع يمينه. وربما خطر أن القول قول المجني عليه مع يمينه، لأن الأصل
الصحة، وهو ضعيف، لأن أصل الصحة معارض بأصل البراءة، واستحقاق الدية
والقصاص منوط بتيقين السبب، ولا يقين هنا لأن الأصل ظن لا قطع.
الرابع: الشم وفيه الدية كاملة. وإذا ادعى (118) ذهابه عقيب الجناية، اعتبر بالأشياء
الطيبة والمنتنة، ثم يستظهر عليه بالقسامة ويقضى له، لأنه لا طريق إلى البينة. وفي رواية
يحرق له حراق وبقرب منه، فإن دمعت عيناه ونحى أنفه، فهو كاذب. ولو ادعى نقص

(114): دون العمد إذ فيه القصاص ولا يثبت القصاص بالرجل والمرأتين، بل المال يثبت بذلك.
(115): فقال الجاني: يعود ضوء العينين، وقال المجني عليه: لا يعود (قائمة) لا آفة ظاهرة بها (أحلف القسامة) بأن يحل
خمسين يمينا إن بصره ذاهب (كما قال) من ذهاب بصره.
(116): مما قد مر عند رقم (116): مما قد مر عند رقم (116) (أبناء سنه) أي: عمره بقدر عمره، فلو كان من أبناء الخمسين قيس إلى أبناء الخمسين
وهكذا (بالأيمان) أي بأن يحلف هو على نقص عينه، وهل يحتاج مع ذلك إلى القسامة يعني الأيمان المتعددة؟ يطلب
ذلك من المفصلات.
(117): بارتفاع واستواء وانخفاض (وقال) الجاني (قائمة) لا ضوء لها (خطر) بالبال (الصحة) أي: صحة العين (البراءة)
أي: براءة ذمة الجاني من الدية الزائدة (لأن الأصل ظن) أي: أصل الصحة.
(118): المجني عليه (بالقسامة) بأن يحلف المجني عليه خمسين يمينا ليظهر صدقه (البينة) إذ من أين تعرف البينة إنه لا يشم أو
يشم (حراق) كخرقة وقطن وصوف ونحوها (اجتهاده) من الدية إذ لا تقدير خاص لها (ثم عاد) الشم (الدية) لأنها
هبة جديدة من الله تعالى (فديتان) دية للأنف، ودية للشم.
1040

الشم، قيل: يحلف إذ لا طريق له إلى البينة، ويوجب له الحاكم ما يؤدي إليه اجتهاده. ولو
أخذ دية الشم ثم عاد، لم يعد الدية. ولو قطع الأنف، فذهب الشم، فديتان.
الخامس: الذوق يمكن أن يقال: فيه الدية لقولهم عليهم السلام: كل ما في الإنسان
منه واحد ففيه الدية. ويرجع فيه عقيب الجناية (119)، إلى دعوى المجني عليه مع الاستظهار
بالإيمان. ومع النقصان، يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريبا.
السادس: لو أصيب، فتعذر عليه الإنزال في حال الجماع، كان فيه الدية.
السابع: قيل: في سلس البول الدية، وهي رواية غياث بن إبراهيم، وفيه ضعف.
وقيل: إن دام إلى الليل (120)، ففيه الدية. وإن كان إلى الزوال، فثلثا الدية. وإلى ارتفاع
النهار، فثلث الدية. وفي الصوت، الدية كاملة.
المقصد الثالث:
في الشجاج والجراح (121) والشجاج ثمان: الحارصة، والدامية، والمتلاحمة، والسمحاق،
والموضحة والهاشمة، والنقلة، والمأمومة.
أما الحارصة: فهي التي تقشر الجلد (122)، وفيها بعير. وهل هي الدامية؟ قال
الشيخ: نعم، والرواية ضعيفة، والأكثرون على أن الدامية غيرها، وهي رواية منصور بن
حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام.
ففي الدامية - إذن - بعيران، وهي التي تأخذ في اللحم يسيرا.
وأما المتلاحمة: فهي التي تأخذ في اللحم كثيرا، ولا تبلغ السمحاق، وفيها ثلاثة
أبعرة. وهل غير الباضعة؟ فمن قال: الدامية غير الحارصة، فالباضعة والمتلاحمة
واحدة. ومن قال: الدامية والحارصة واحدة، فالباضعة غير المتلاحمة.
وأما السمحاق (123): فهي التي تبلغ السمحاقة، وهي جلدة مغشية للعظم، وفيها

(119): التي هي لوث (دعوى) بأن ادعى المجني عليه ذهاب ذوقه، وقال الجاني لم يذهب (بالأيمان) أي القسامة ولعلها
خمسون يمينا هنا أيضا والتفصيل في المفصلات (تقريبا) أي: بدية تقريبية إذ لا تقدير معين لديته.
(120): أي: كان سلسلة طول النهار (وفي الصوت) بأن صار بحيث لا يسمع صوته، فذهب جوهره.
(121): الشجاج مثل كتاب هو الجرح في الرأس أو الوجه، والجراح في غيرهما من البدن.
(122): أي: جلد الرأس والوجه.
(123): بكسر السين (جلدة) رقيقة (للعظم) عظم الرأس (وضح العظم) أي: يظهر العظم واضحا.
1041

أربعة أبعرة.
وأما الموضحة: فهي التي تكشف عن وضح العظم، وفيها خمسة أبعرة.
فروع: لو أوضحه اثنتين، ففي كل واحدة خمس من الإبل. ولو وصل الجاني
بينهما (124)، صارتا واحدة، كما لو أوضحه ابتداءا وكذا لو سرتا، فذهب ما بينهما، لأن
السراية من فعله. ولو وصل بينهما غيره، لزم الأول ديتان، والواصل ثالثة، لأن فعله لا يبني
على فعل غيره. ولو وصلهما المجني عليه، فعلى الأول ديتان، والواصلة هدر. ولو اختلفا
فقال الجاني: أنا شققت بينهما، وأنكر المجني عليه، فالقول قول المجني عليه مع يمينه، لأن
الأصل ثبوت الديتين، ولم يثبت المسقط. وكذا لو قطع يديه ورجليه، ثم مات بعد مدة
يمكن فيها الاندمال (125). واختلفا، فالقول قول الولي مع يمينه. ولو شجه واحدة،
واختلفت مقاديرها، أخذ دية الأبلغ، لأنها لو كانت كلها كذلك، لم تزد على ديتها. ولو
شجه في عضوين (126)، كان لكل عضو دية على انفراده، ولو كان بضربة واحدة. ولو شجه
في رأسه وجبهته فالأقرب أنها واحدة، لأنهما عضو واحد.
وأما الهاشمة: فهي التي تهشم العظم (127)، وديتها عشر من الإبل أرباعا إن كان خطأ
وأثلاثا إن كان شبيه العمد، ولا قصاص فيها. ويتعلق الحكم بالكسر، وإن لم يكن
جرح (128). ولو أوضحه اثنتين، وهشمه فيهما، واتصل الهشم باطنا، قال في المبسوط: هما
هاشمتان، وفيه تردد.
وأما المنقلة (129): فهي التي تحوج إلى نقل العظم، وديتها خمسة عشر بعيرا، ولا

(124): أي: جرح ما بينهما حتى اتصلت الجراحة (من فعله) أي: فعل الجاني لأنها بسببه حدثت (ثالثة) أي: على الآخر
دية ثالثة (أنا شققت) لكي يلزم بدية واحدة (وانكسر) ليأخذ ديتين.
(125): بأن يكون قد طاب جرحه ثم مات، فيلزم الجاني ديتين دية لليدين، وثانية للرجلين، أما لو كان مات من الجراحة
بالسراية فعلى الجاني دية واحدة (قول الولي) أي: ولي الميت (مقاديرها) فطرف منها بلغ العظم، وطرف قشر الجلد
فقط - مثلا -.
(126): متماثلين أو مختلفين، كالرأس والوجه، أو كالرأس واليد (وجبهته) شجه واحدة متصلة.
(127): أي: تكسره (أرباعا) أي: أربعة أقسام اثنتان من بنت المخاض واثنان من ابن اللبون، وثلاث بنات لبون، وثلاث
حقق، وقد مرت مقادير أعمارها عند رقم (8) (وأثلاثا) ثلاث بنات لبون، وثلاث حقق، وأربع خلف (ولا قصاص)
إذ لا يمكن ضبطه حتى لا يزيد أو ينقص ويماثله تماما.
(128): أي: جراحة وخروج دم أو قيح (تردد) لاحتمال كونها هاشمة واحدة لاتصالها، كما سبق في الموضحة عند رقم
(127).
(129): على وزن الفاعل (نقل لحصول الهشيم فيه (وهو عشر لسقوط خمس من الإبل بعض من الموضحة العظم) من موضعه إلى غيره.
1042

قصاص فيها، وللمجني عليه أن يقتص في قدر الموضحة، ويأخذ دية ما زاد، وهو عشر من
الإبل.
وأما المأمومة (130): فهي التي تبلغ أم الرأس، وهي الخريطة التي تجمع الدماغ، وفيها
ثلث الدية، وهو ثلاثة وثلاثون بعيرا.
وأما الدامغة: فهي التي تفتق الخريطة (131) والسلامة معها بعيدة. ولا قصاص في
المأمومة لأن السلامة معها غير غالبة. ولو أراد المجني عليه أن يقتص في الموضحة ويطالب بدية
الزائد، جاز، والزيادة ثمان وعشرون بعيرا. قال في المبسوط: وثلث بعير، وهو بناء على إن
ما في المأمومة ثلاثة وثلاثون وثلث ونحن نقتصر على ثلاثة وثلاثين تبعا للنقل. ولو جني عليه
موضحة، فأتمها آخر هاشمة، وثالث منقلة، ورابع مأمومة، فعلى الأول خمسة، وعلى الثاني
ما بين الموضحة والهاشمة خمسة أيضا، وعلى الثالث ما بين الهاشمة والمنقلة خمسة أيضا، وعلى
الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا.
ومن لواحق هذا الباب مسائل:
الأولى: دية النافذة في الأنف ثلث الدية، فإن صلحت فخمس الدية مئتا دينار. ولو
كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز (132)، فعشر الدية.
الثانية: في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما، ولو برأتا فخمس ديتهما. ولو
كان في إحداهما، فثلث ديتها، ومع البراء خمس ديتها.
الثالثة: الجائفة هي التي تصل إلى الجوف، من أي الجهات كان (133) ولو من ثغرة
النحر، وفيها ثلث الدية، ولا قصاص فيها. ولو جرح في عضو ثم أجاف، لزمه دية
الجرح، ودية الجائفة، مثل أن يشق الكتف حتى يحاذي الجنب، ثم يجيفه.
فروع: لو أجافه واحد، كان عليه دية الجائفة. ولو أدخل آخر سكينة ولم يزد، فعليه

(130): في الجواهر: (والآمة على معنى ذات أم الرأس) (بعيرا) أو ثلث من بقية أنواع الديات من الدينار، أو الدرهم، أو
غيرهما.
(131): وتدخل في المخ (بعيدة) فإن مات فالقصاص أو الدية، وإن لم يمت فثلث الدية زيادة تعين بالحكومة إذ لا تعيين فيه
(في الموضحة) بأن يضرب المجني عليه الجاني حتى ينكشف عن وضح عظمه (ثمان وعشرون) لأن الموضحة ديتها خمسة
أبعرة تسقط عن ثلاثة وثلاثين يبقى ثمانية وعشرون (للنقل) أي: للنص الصحيح.
(132): بين ثقبتي الأنف.
(133): في الجواهر: بطن، أو ظهر، أو صدر، أو خيب، أو غير ذلك) (ثغرة) الحفرة الواقعة في أسفل العنق في الجواهر:
(ولذا كانت من الجراح لا الشجاج المختص بالرأس أو الوجه).
1043

التعزير حسب. وإن وسعها باطنا أو ظاهرا، ففيه الحكومة. ولو وسعها فيهما، فهي جائفة
أخرى كما لو انفردت (134). ولو أبرز حشوته فالثاني قاتل. ولو خيطت ففتقها آخر، فإن
كانت بحالها لم تلتئم، ولم يحصل بالفتق جناية، قال الشيخ رحمه الله: فلا أرش ويعزر
والأقرب الأرش، لأنه لا بد من أذى، ولو في الخياطة ثانيا. ولو التحم البعض ففيه الحكومة.
ولو كان بعد الاندمال، فهي جائفة مبتكرة، فعليه ثلث الدية. ولو أجافه اثنتين، فثلثا
الدية. ولو طعن في صدره فخرج من ظهره، قال في المبسوط واحدة، وفي الخلاف، اثنتان
وهو أشبه.
الرابعة: قيل: إذا نفذت نافذة، في شئ من أطراف الرجل (135) ففيها مئة دينار.
الخامسة: في إحمرار الوجه بالجناية (136) دينار ونصف، وفي إخضراره ثلاثة دنانير،
وكذا في الاسوداد عند قوم. وعند الآخرين ستة دنانير، وهو أولى، لرواية إسحاق بن عمار،
عن أبي عبد الله عليه السلام، ولما فيه من زيادة النكاية. قال جماعة: ودية هذه الثلاث في
البدن، على النصف.
السادسة: كل عضو ديته مقدرة، ففي شلله ثلثا ديته، كاليدين والرجلين والأصابع.
وفي قطعه بعد شلله، ثلث ديته.
السابعة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء، ومثلها في البدن بنسبة العضو الذي
يتفق فيه من دية الرأس (137).
الثامنة: المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراح، حتى تبلغ ثلث دية الرجل،
ثم تصير على النصف، سواء كان الجاني رجلا أو امرأة. ففي الإصبع مئة، وفي الاثنتين
مئتان، وفي الثلاث ثلاثمائة، وفي الأربع مئتان. وكذا يقتص مع الرد (138).

(134): أي: بدون سبق جائفة أخرى (حشوته) من أمعائه وأمثالها (لم تلتئم) بعد.
(135): أي: في يده، أو رجله، أو غيرهما.
(136): يضرب، أو لكم، أو غيرهما (على النصف) فدية الاحمرار ثلاثة أرباع دينار، ودية الاخضرار دينار ونصف، ودية
الاسوداد كذلك عند قوم، وعند آخرين ثلاثة دنانير.
(137): فدية ما في اليد، أو الرجل نصف ما في الرأس، وكذا ما في الإصبع عشرهما في الرأس، وهكذا.
(138): فلو قطع رجل ثلاث أصابع من امرأته اقتصت بقطع ثلاث أصابع الرجل بدون رد ولو قطع الرجل أربع أصابع من
المرأة قطعت المرأة أربع أصابع من الجاني مع رد مئتي دينار للرجل، وهذا الحكم دل عليه روايات صريحة وصحيحة
ومستفيضة وأجمع عليه الفقهاء، وقد ورد في صحيح أبان عن الصادق عليه السلام إنه قال: (.. إن هذا حكم رسول
الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك
أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين) والحكمة في رجوعها إلى النصف هو مقتضى كونها نصف الرجل في أبواب
مختلفة طبقا للحكم العامة والخطوط المستوعبة في النظر إلى الكون كمجموع بما فيه الإنسان بشقيه الرجل والمرأة.
1044

التاسعة: كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء والجراح، فيه من المرأة ديتها (139). وكذا
من الذمي ديته، ومن العبد قيمته. وما فيه مقدر من الحر، فهو بنسبته من دية المرأة والذمي
وقيمة العبد.
العاشرة: كل موضع قلنا: فيه الأرش والحكومة، فهما واحد والمعنى أنه يقوم صحيحا
لو كان مملوكا، ويقوم مع الجناية، وينسب إلى القيمة، ويؤخذ من الدية بحسابه. وإن كان
المجني عليه مملوكا، أخذ مولاه قدر النقصان (140).
الحادية عشر: من لا ولي له (141)، فالإمام عليه السلام ولي دمه يقتص إن قتل
عمدا. وهل له العفو؟ الأصح: لا. وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية، وليس له العفو.
النظر الرابع
في اللواحق وهي أربعة:
الأولى: في الجنين ودية الجنين المسلم الحر مئة دينار، إذا تم ولم تلجه الروح، ذكرا
كان أو أنثى. ولو كان ذميا، فعشر دية أبيه (142). وفي رواية السكوني، عن أبي جعفر، عن
علي عليهما الصلاة والسلام، عشر دية أمه، والعمل على الأول. أما المملوك، فعشر قيمة
أمة المملوكة. ولو كان الحمل زائدا عن واحد، فلكل واحد دية (143)، ولا كفارة على
الجاني. ولو ولجت فيه الروح، فدية كاملة للذكر، ونصف للأنثى. ولا تجب إلا مع تيقن
الحياة، ولا اعتبار بالسكون بعد الحركة، لاحتمال كونها عن ريح. وتجب الكفارة هنا مع
مباشرة الجناية.

(139): غير أن في المرأة نفس مقدر الرجل حتى يبلغ الثلث كما لا يخفى.
(140): فلو قطعت يد العبد ضمن الجاني نصف القيمة، أو قطعت إصبع العبد ضمن الجاني عشر قيمته.
(141): لا أبوين وأولاد، ولا إخوة وأجداد، ولا أعمام وأخوال، ولا مولى معتق، ولا ضامن جريرة (فالإمام) أو نائبه الخاص
أو العام وهم الفقهاء العدول في هذا الزمان (ينقص) أو يأخذ الدية.
(142): قد مر عند رقمي (14 - 15) من هذا الكتاب أن دية الرجل الذمي إما ثمانمئة درهم، أو أربعة آلاف درهم، أو دية
المسلم (عشر دية أمة) أي: نصف عشر دية الذمي.
(143): فلو كانا اثنين فديتان، أو كانوا ثلاثة فثلاث ديات وهكذا (ولا كفارة) لأن قتل الجنين قبل ولوج الروح لا يصدق عليه
إنه قتل نفسا.
1045

ولو لم تتم خلقته، ففي ديته قولان: أحدهما غرة (144)، ذكره في المبسوط، وفي موضع
آخر من الخلاف، وفي كتابي الأخبار، والآخر وهو الأشهر، توزيع الدية على مراتب
النقل، ففيه عظما ثمانون، ومضغة ستون، وعلقة أربعون
ويتعلق بكل واحدة من هذه أمور ثلاثة: وجوب الدية، وانقضاء العدة، وصيرورة
الأمة أم ولد (145). ولو قيل: ما الفائدة، وهي تخرج بموت الولد عن حكم المستولدة؟ قلنا:
الفائدة هي التسلط على إبطال التصرفات السابقة. التي يمنع منها الاستيلاد.
أما النطفة: فلا يتعلق بها إلا الدية، وهي عشرون دينارا بعد إلقائها في الرحم. وقال
في النهاية: تصير بذلك في حكم المستولدة (146)، وهو بعيد وقال بعض الأصحاب: وفيما بين
كل مرتبة بحساب ذلك. وفسره واحد: بأن النطفة تمكث عشرين يوما ثم تصير علقة.
وكذا ما بين العلقة والمضغة، فيكون لكل يوم دينار، ونحن نطالبه بصحة ما أدعاه
الأول، ثم نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد.
على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة أربعون يوما. وكذا بين العلقة والمضغة.
روى ذلك: سعد بن المسيب، عن علي بن الحسين عليهما السلام. ومحمد بن مسلم، عن
أبي جعفر عليه السلام. وأبو جرير القمي عن موسى عليه السلام. وأما العشرون فلم نقف
بها على رواية ولو سلمنا المكث الذي ذكره (147)، من أين لنا أن التفاوت في الدية مقسوم
على الأيام؟ غايته الاحتمال، وليس كل محتمل واقعا، مع أنه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك، إلى ما رواه يونس الشيباني، عن الصادق عليه السلام: " إن لكل قطرة
تظهر في النطفة دينارين ". وكذا كل ما صار في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد دينارين.
وهذه الأخبار وإن توقفت فيها، لاضطراب النقل أو لضعف الناقل، فكذا أتوقف عن التفسير

(144): عبد أو أمة.
(145): يعني: لو جنى شخص على امرأة فسقط حملها علقة، أو مضغة أو عظاما فيجب الدية على الجاني، ويكون هذا علامة
لانقضاء العدة لقوله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعف حملهن) وتكون الأمة بذلك أم ولد (إبطال) فلو كان
مولاها قد باعها قبل هذه الجناية كان البيع باطلا لأنها كانت أم ولد.
(146): أي: تصير أم ولد، فلا يجوز بيعها ونحوه (بعض الأصحاب) وهو الشيخ في النهاية كما قيل (واحد) وهو ابن
إدريس على ما نقل (بين العلقة والمضغة) يعني: القلعة تبقى عشرين يوما علقة ثم تنقلب مضغة، وعشرون يوما مضغة
ثم تنقلب عظاما (الأول) وهو الشيخ من أن ما بين الحالتين تكون الدية بالنسبة إلى الأيام (تفسيره) أي: تفسير ابن
إدريس لكلام الشيخ هو مقصود الشيخ (قدهما)
(147): وهو عشرون يوما (الإشارة بذلك) أي: إشارة الشيخ بقوله (وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك) (ذلك القائل) ابن
إدريس (والحاصل) إن دية النطفة لا تختلف في أول النطفة ووسطها وآخرها، وهكذا العلقة والمضغة.
1046

الذي مر بخيال ذلك القائل.
ولو قتلت المرأة، فمات معها جنين، فدية للمرأة ونصف الديتين (148) للجنين، إن
جهل حاله. ولو علم ذكرا فديته، أو أنثى فديتها. وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه
مشكل ولا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور. ولو ألقت المرأة حملها مباشرة أو
تسبيبا (149)، فعليها دية ما ألقته. ولا نصيب لها من هذه الدية. ولو أفزعها مفزع فألقته،
فالدية على المفزع.
ويرث دية الجنين من يرث المال، الأقرب فالأقرب. ودية أعضائه وجراحاته، بنسبة
ديته (150). ومن افزع مجامعا فعزل، فعلى المفزع عشرة دنانير. ولو عزل المجامع اختيارا عن
الحرة ولم تأذن، قيل: يلزمه عشرة دنانير، وفيه تردد، أشبه أنه لا يجب. أما العزل عن الأمة
فجائز، ولا دية وإن كرهت.
وتعتبر قيمة الأمة المجهضة، عند الجناية لا وقت الإلقاء.
فروع: لو ضرب النصرانية حاملا (151) فأسلمت وألقته، لزم الجاني دية الجنين
المسلم، لأن الجناية وقعت مضمونة فالاعتبار بها حال الاستقرار.
ولو ضرب الحربية، فأسلمت وألقته، لم يضمن لأن الجناية لم تقع مضمونة، فلم
يضمن سرايتها.
ولو كانت أمة، فأعتقت وألقته، قال الشيخ: للمولى أقل الأمرين من عشر قيمتها
وقت الجناية أو الدية، لأن عشر القيمة إن كان أقل فالزيادة بالحرية فلا يستحقها المولى،

(148): أي: ديتي ذكر وأنثى (بالقرعة) بأن يكتب على ورقة (ذكر) وعلى ورقة (أنثى) ثم يخلط الورقتان في كيس ونحوه،
ويستخرج إحديهما، فإن خرج الذكر أعطى دية الذكر، وإن خرج الأنثى أعطى دية الأنثى (مشكل) وقد ورد في الحديث
الشريف: (القرعة لكل أمر مشكل) (ولا إشكال) يعني: الرواية المشهورة الدالة على أنه يعطي للحمل مع جهله نصف
الديتين تدفع كون القضية أمرا مشكلا حتى يكون حلها بالقرعة.
(149): مباشرة: كما شربت دواء موجبا لإلقاء الحمل، وتسبيبا، كما لو عرضت نفسها لحيوان فصدمها فألقت حملها (ولا
نصيب) فلا ترث هي من هذه الدية إرث الأم، بل كل الدية للأب، وإن لم يكن الأب موجودا فينتقل الإرث إلى
الأخوة والأجداد، وهكذا بقية مراتب الإرث (مفزع) أي: مخيف.
(150): فدية يده خمسون، ودية إصبعه عشرة دنانير وهكذا (عن الحرة) أي: الزوجة الحرة (المجهضة) أي: التي ألقت
حملها (عند الجناية) إذا اختلفت القيمة، فلو كانت قيمتها قبل الجناية مئة دينار، وعند الجناية ثمانين، وعند إلقاء الحمل
سبعين فعلى الجاني عشرون دينارا.
(151): أي: ضرب شخص امرأة نصرانية وهي حامل (وألقته) بعدما أسلمت وقالت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله (صلى الله عليه وآله).
1047

فيكون لوارث الجنين وإن كانت دية الجنين أقل، كان له الدية، لأن حقه نقص بالعتق. وما
ذكره (152) بناء على القول بالغرة، أو على جواز أن يكون دية جنين الأمة أكثر من دية جنين
الحرة. وكلا التقديرين ممنوع، فإذن له عشر قيمة أمه يوم الجناية على التقديرين.
ولو ضرب حاملا خطأ فألقت، وقال الولي كان حيا، فاعترف الجاني ضمن العاقلة دية
الجنين غير الحي (153)، وضمن المعترف ما زاد، لأن العاقلة لا تضمن إقرارا. ولو أنكر وأقام.
كل واحد بينة، قدمنا بينة الولي، لأنها تتضمن زيادة.
ولو ضربها فألقته، فمات عند سقوطه، فالضارب قاتل يقتل إن كان عمدا، ويضمن
الدية في ماله إن كان شبيها، ويضمنها العاقلة إن كان خطأ. وكذا لو بقي ضامنا
ومات (154)، أو وقع صحيحا وكان ممن لا يعيش مثله. وتلزمه الكفارة في كل واحدة من هذه
الحالات.
ولو ألقته حيا فقتله آخر، فإن كانت حياته مستقرة (155)، فالثاني قاتل ولا ضمان على
الأول ويعزر وإن لم تكن مستقرة، فالأول قاتل والثاني آثم يعزر لخطأه. ولو جهل حاله حين
ولادته، قال الشيخ: سقط القود للاحتمال، وعليه الدية.
ولو وطأها ذمي ومسلم لشبهه في طهر واحد (156)، فسقط بالجناية أقرع بين الواطئين،
وألزم الجاني بنسبة دية من ألحق به.

(152): يعني: أنها يصح ما ذكره (بالغرة) أي: دية الجنين غرة، وهي عبد أو أمة (على التقديرين) نقصت القيمة بالحرية
أم زادت.
(153): وهي دية الجنين الكامل الذي لم تلجه الروح بعد وهي مئة دينار (ما زاد) وهو تسعمئة دينار في الذكر الحر المسلم،
وفي غيره كما فعل في موارده (إقرارا) أي: إقرار الجاني (ولو أنكر) الجاني حياة الجنين (كل واحد) من الجاني وولي
الجنين (زيادة) فيكون مدعيا وبينة المدعي مقدمة على بينة المنكر.
(154): أي بقي الحمل الساقط حيا في ضمان الجاني حتى مات على أثر السقوط (لا يعيش مثله) كما لو أسقطه لدون ستة
أشهر (الكفارة) عتق رقبة، وصيام ستين يوما، وإطعام ستين مسكينا، لأنها من قتل العمد، وفيه كفارة الجمع.
(155): يعيش بعد السقوط إن لم يقتل (ويعزر) لمعصيته بالجناية التي أسقط بها الجنين (وإن لم تكن مستقرة) بأن صار الحمل
في النزع بسبب السقوط بحيث لو لم يقتل لمات هو (بخطأه) أي: إثمه ومعصيته (جهل حاله) فلم يعلم هل كانت حياته
مستقرة حتى يكون القاتل الثاني، أم كانت حياته غير مستقرة حتى يكون القاتل الأول (القود) أي القصاص عن الأول
وعن الثاني كليهما للشبهة التي تدرأ بها الحدود (وعليه الثاني).
(156): بحيث يمكن لحوق الولد بكل منهما (ألحق به) فإن ألحق بالمسلم فديته ألف دينار إن كان حيا ومئة إن كان ميتا، وإن
ألحق بالذمي فديته حيا على الخلاف من ثمانمئة درهم أو أربعة آلاف درهم، أو دية المسلم على رواية، هذا كله إذا لم
تكن الأم مسلمة، وإلا اعتبر الحمل مسلما لأنه يتبع أشرف الأبوين فيكون مسلما وإن ألحق بالذمي.
1048

ولو ضربها، فألقت عضوا (157) كاليد، فإن ماتت، لزمه ديتها ودية الحمل. ولو ألقت
أربع أيد، فدية جنين واحد، لاحتمال أن يكون ذلك لواحد ولو ألقت العضو، ثم ألقت
الجنين ميتا، دخلت دية العضو في ديته. وكذا لو ألقته حيا فمات.
ولو سقط وحياته مستقرة، ضمن دية اليد حسب. ولو تأخر سقوطه، فإن شهد أهل
المعرفة أنها يد حي، فنصف ديته، وإلا فنصف المئة.
مسألتان:
الأولى: دية الجنين (158) إن كان عمدا وشبيه العمد، ففي مال الجاني. وإن كان
خطأ، فعلى العاقلة، وتستأدى في ثلاث سنين.
الثانية: في قطع رأس الميت المسلم الحر مئة دينار. وفي قطع جوارحه بحساب
ديته (159). وكذا في شجاجه وجراحه. ولا يرث وارثه منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب
عنه، عملا بالرواية. وقال علم الهدى رحمه الله: يكون لبيت المال.
الثانية: في الجناية على الحيوان وهي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما ثلاثة:
الأول: ما يؤكل كالغنم والبقر والإبل، فمن أتلف شيئا منها بالذكاة (160)، لزمه
التفاوت بين كونه حيا وذكيا. وهل لمالكه دفعه والمطالبة بالقيمة؟ قيل: نعم، وهو اختيار
الشيخين رحمهما الله تعالى، نظرا إلى إتلاف أهم منافعه، وقيل: لا، لأنه إتلاف لبعض
منافعه فيضمن التالف، وهو أشبه.
ولو أتلفه لا بالذكاة، (161) لزمه قيمته يوم إتلافه. ولو بقي فيه ما ينتفع به، كالصوف

(157): من الحمل (ماتت) الأم (أربع أيد) فلا يدل ذلك على أن الجنين اثنان (في ديته) فيعطي الجاني دية واحدة للكل لا
ديتين (فمات) فدية واحدة كاملة للنفس (تأخر) كما لو ضربها في شهر فسقطت اليد في شهر آخر (يد حي) يد كانت
لحي فانقطعت (المئة) دينار التي هي دية الجنين قبل ولوج الروح فيه.
(158): سواء كان قبل ولوج الروح فيه، أم بعده (وتتأدى) دية الخطأ.
(159): فقطع يد الميت المسلم الحر خمسون، وقطع إصبعه عشرة، وقطع أنملته ثلاثة دنانير وثلث (شجاجه) ففي الحارصة
دينار واحد، وفي الدامية ديناران، وفي المتلاحمة ثلاثة دنانير، وفي السمحاق أربعة، وفي الموضحة خمسة وهكذا
(وجراحه) فلو جرح يد الميت فتقشر الجلد ففيه نصف دينار، وفي دامية اليد دينار وهكذا (منها) من دية الجناية بعد
الموت (القرب) كل ما يتقرب به إلى الله من الصرف لشؤون أهل العلم، أو بناء المدارس الدينية، أو إقامة حكومة
إسلامية، ونحوها (علم الهدى) السيد المرتضى ره.
(160): بحيث لم يحرم لحمه (التفاوت) إن كان تفاوت كما هو الغالب (أهم منافعه) وهو الحياة.
(161): أي: لا يغذي الأوداج الأربعة مع بقية الشروط، كما لو ذبحه كافر، أو لم تغر الأوداج الأربعة، أو خفقة، أو نحو
ذلك (يوضع من قيمته) فلو كانت قيمته عشرة دنانير، وصدفه دينار واحد، فيضمن الجاني تسعة دنانير (الأرش) وهو
مقدار نقص قيمته بهذه الجناية.
1049

والشعر والوبر والريش، فهو للمالك، يوضع من قيمته. ولو قطع بعض أعضائه، أو كسر
شيئا من عظامه، فللمالك الأرش.
الثاني: ما لا يؤكل لحمه ويصح ذكاته (162) كالنمر والأسد والفهد، فإن أتلفه بالذكاة
ضمن الأرش، لأن له قيمة بعد التذكية. وكذا في قطع جوارحه وكسر عظامه، مع استقرار
حياته. وإن أتلفه لا بالذكاة، ضمن قيمته حيا.
الثالث: ما لا يقع عليه الذكاة (163) ففي كلب الصيد أربعون درهما. ومن الناس من
خصه بالسلوقي، وقوفا على صورة الرواية. وفي رواية السكوني، عن أبي عبد الله عليه
السلام، في كل بالصيد أنه يقوم. وكذا كلب الغنم، وكلب الحائط والأول أشهر.
وفي كلب الغنم كبش (164)، وقيل: عشرون درهما، وهي رواية ابن فضال، عن
بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع شهرتها لكن الأولى أصح طريقا.
وقيل: في كلب الحائط عشرون درهما، ولا أعرف المستند.
وفي كلب الزرع قفيز من البر، ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها (165). ولا
يضمن قاتلها شيئا. أما ما يملكه الذمي كالخنزير، فهو يضمن بقيمته عند مستحليه. وفي
الجناية على أطرافه الأرش.

(162): وفائدة ذكاته طهارة أجزائه وجواز استعمالها في غير الصلاة وجواز بيعه وشرائه ونحو ذلك (الأرش) وهو الفرق بين
كونه حيا ومذكى (حيا) إذ لا قيمة لميته، لعدم جواز بيعه وشرائه على المشهور، وفي الجواهر: (بعد وضع ما ينتفع به
منه كعظم الفيل ونحوه).
(163): فلا يطهر بالذكاة كالكلب لو ذبح قام الشروط لم يكن مذكى (ومن الناس) في الجواهر: (وهو المفيد والقاضي وابن
حمزة فيما حكى عنهم) (بالسلوقي) في الجواهر: (هو نسبة إلى سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معلمة على ما قيل)
(صورة) أي: نص، وهو عن الصادق عليه السلام (دية الكلب السلوقي أربعون درهما جعل ذلك له رسول الله - صلى
الله عليه وآله -) (يقوم) قيمته العرفية السوقية في كل زمان ومكان بحبسهما فقد يكون أربعين، وقد يكون أقل أو أكثر
(كلب الغنم) الذي يحرس قطع الغنم (الحائط) البستان والدار (والأول) أربعون درهما.
(164): وهو الحمل إذا أثنى وقيل إذا أربع (الأولى) وهو كبش (المستند) ولعله بعض المراسيل والتفصيل في المفصلات (قفيز
من البر) البر الحنطة، والقفيز، - كما عن الصحاح -: (ثمانية مكاكيك، والمكوك ثلاث كليجات، والكليجة من وسبعة
أثمان من، والمن رطلان) فهو على التقريب يكون قرابة سبعين كيلوا.
(165): وقد مضى، ما لا يذكى في كتاب الصيد والذباحة - خاتمة الذباحة (مستحلية) من يرونه حلالا (الأرش) قيمة
النقص.
1050

مسائل:
الأولى: لو أتلف الذمي خمرا أو آلة لهو، ضمنها المتلف، ولو كان مسلما (166).
ويشترط في الضمان الاستتار. ولو أظهرهما الذمي، لم يضمن المتلف. ولو كان ذلك لمسلم.
لم يضمن الجاني على التقديرات.
الثانية: إذا جنت الماشية (167) على الزرع ليلا، ضمن صاحبها. ولو كان نهارا لم
يضمن، ومستند ذلك رواية السكوني، وفيه ضعف والأقرب اشتراط التفريط في موضع
الضمان ليلا كان أو نهارا.
الثالثة: روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: أنه قضى في بعير بين أربعة،
عقله (168) أحدهم، فوقع في بئر فانكسر " أن على الشركاء حصته " لأنه حفظ، وضيع
الباقون.
الرابعة: دية الكلاب الثلاثة (169) مقدرة على القاتل. أما لو غصب أحدها وتلف في يد
الغاصب، ضمن قيمته السوقية ولو زادت عن المقدر.
الثالثة: في كفارة القتل يجب كفارة الجمع (170) بقتل العمد، والمرتبة بقتل الخطأ، مع
المباشرة لا مع التسبيب. فلو طرح حجرا، أو حفر بئرا، أو نصب سكينا، في غير ملكه فعثر
عاثر فهلك بها، ضمن الدية دون الكفارة.
وتجب بقتل المسلم، ذكرا كان أو أنثى، حرا أو عبدا. وكذا تجب بقتل الصبي
والمجنون وعلى المولى بقتل عبده.

(166): أي: ولو كان المتلف مسلما لا قيمة لهذه عنده (الاستتار) أي: كون الذمي ساترا لهذه (على التقديرات) سواء كان
المتلف مسلما أم غير مسلم، كان مستورا أم ظاهرا.
(167): كالإبل، والبقر، والغنم (وفيه ضعف) أي: في الخبر، أو في السكوني وكلاهما محتمل (التفريط) أي: التقصير في
ضبط ماشيته، فلو لم يفرط في الليل لم يضمن، ولو فرط في النهار ضمن.
(168): أي: شد رجله أو يده.
(169): كلب الصيد، وكلب الماشية، وكلب الحائط (مقدرة) بما مر عند رقم (166) وما بعده.
(170): وهي عتق رقبة، والصيام ستين يوما، وإطعام ستين مسكينا (والمرتبة) بأن يعتق رقبة، فإن لم يقدر فيصوم ستين يوما، فإن لم
يقدر فيطعم ستين مسكينا بالترتيب (الخطأ) وشبه العمد كما في الجواهر وغيره (عبده) أي: لو قتل مولى عبده المسلم وجبت عليه
الكفارة جميعا إن كان القتل عمدا، ومرتبا إن كان القتل خطأ ولا تجب الدية على المولى.
1051

ولا تجب بقتل الكافر، ذميا كان أو معاهدا، استنادا إلى البراءة الأصلية (171).
ولو قتل مسلما في دار الحرب، مع العلم بإسلامه ولا ضرورة، فعليه القود والكفارة.
ولو ظنه كافرا، فلا دية، وعليه الكفارة. ولو كان أسيرا (172)، قال الشيخ: ضمن
الدية والكفارة، لأنه لا قدرة للأسير على التخلص، وفيه تردد. ولو اشترك جماعة في قتل
واحد، فعلى كل واحد كفارة، وإذا قبل من العامد الدية، وجبت الكفارة قطعا. ولو قتل
قودا، هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط: لا تجب، وفيه إشكال ينشأ من كون الجناية سببا.
الرابعة: في العاقلة والنظر في تعيين المحل (173)، وكيفية التقسيط، وبيان اللواحق.
أما المحل: فهو: العصبة، والمعتق، وضامن الجريرة، والإمام.
وضابط العصبة: من يتقرب بالأب، كالأخوة وأولادهم، والعمومة وأولادهم. ولا
يشترط كونهم من أهل الإرث في الجاه (174). وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل. وفي
هذا الإطلاق وهم، فإن الدية يرثها الذكور والإناث، والزوج والزوجة، ومن يتقرب بالأم
على أحد القولين. ويختص بها الأقرب فالأقرب، كما تورث الأموال. وليس كذا العقل فإنه
يختص بالذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم، ودون الزوج والزوجة، ومن الأصحاب
من خص به (175) الأقرب ممن يرث بالتسمية. ومع عدمه، يشترك في العقل بين من يتقرب
بالأم، مع من يتقرب بالأب أثلاثا. وهو استناد إلى رواية سلمة بن كهل، عن أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام وفي سلمة ضعف. وهل يدخل الآباء والأولاد في العقل؟ قال في
المبسوط وفي الخلاف: لا، والأقرب دخولهما، لأنهما أدنى قومه، ولا يشركهم القاتل في
الضمان.

(171): ففي الأزل لم يحكم بالكفارة في قتل الكافر، ولم يعلم هل جعلها الإسلام الأصل العدم (دار الحرب) أي: بلاد الكفار المحاربين
للمسلمين (ولا ضرورة) في قتله كتترس الكفار به.
(172): أي: لو كان المسلم المقتول بظن إنه كافر أسيرا في أيدي الكفار (على التخلص) فلم يكن الأسير مفرطا في خلط نفسه مع الكفار
المحاربين ليكون دمه هدرا بلا دية (سببا) للقصاص، وللكفارة، فلا تسقط الكفارة بعد ثبوتها.
(173): يعني: من هم العاقلة (التقسيط) أي: تقسيم الدية على العاقلة (والمعتق) من تفاصيل ولاء المعتق وضامن الجريرة وولاء الإمام
في المقصد الثالث من كتاب الإرث.
(174): فمع وجود الأولاد يكون الأخوة من العصبة، وهكذا.
(175): أي: بالعقل (بالتسمية) كالأخوة والأعمام ونحوهما (أثلاثا) ثلثان على المتقرب بالأب، وثلث على المتقرب بالأم (ضعف) لأنه
تبرأ، والتبرية - كما في مجمع البحرين -: (هم الذين دعوا إلى ولاية علي فخلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهم الإمامة
ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ويرون الخروج مع ولد علي) (أدنى) أي: أقرب، فتشملهم العصبة (القاتل) فلو قتله
أحد العصبة لا يؤخذ منه الدية.
1052

ولا تعقل المرأة، ولا الصبي، ولا المجنون، وإن ورثوا من الدية ولا يتحمل الفقير
شيئا. ويعتبر فقره عند المطالبة (176)، وهو حول الحول ولا يدخل في العقل أهل
الديوان (177). ولا أهل البلد، إذا لم يكونوا عصبة وفي رواية سلمة، ما يدل على إلزام أهل
بلد القاتل، مع فقد القرابة، ولو قتل في غيره، وهو مطرح. ويقدم من يتقرب بالأبوين، على من
انفرد بالأب.
ويعقل المولى من أعلى (178)، ولا يعقل من أسفل. وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد
قطعا. وهل تحمل ما نقص؟ قال في الخلاف: نعم، ومنع في غيره، وهو المروي، غير إن
في الرواية ضعفا. وتضمن العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين، كل سنة عند انسلاخها ثلثا،
تامة كانت الدية (179) أو ناقصة، كدية المرأة ودية الذمي.
أما الأرش فقد قال في المبسوط: يستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها، إذا كانت ثلث
الدية فما دون لأن العاقلة لا تعقل حالا، وفيه إشكال ينشأ من احتمال تخصيص التأجيل بالدية
لا بالأرش. قال (180): ولو كان دون الثلثين، حل الثلث الأول عند انسلاخ الحول،
والباقي عند انسلاخ الثاني. ولو كان أكثر من الدية، كقطع يدين وقلع عينين، وكان
لاثنين، حل لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية. وإن كان لواحد، حل له الثلث،
لكل جناية سدس الدية، وفي هذا كله الإشكال الأول.
ولا تعقل العاقلة، إقرارا (181) ولا صلحا ولا جناية عمد، مع وجود القاتل، ولو

(176): لا عند القتل، فلو كان فقيرا عند القتل ثم استغنى بعد الحول اشترك في العقل، وبالعكس العكس (حول الحول) إذ هو أول
وقت إعطاء ثلث الدية، لأنها في الخطأ المحض تتأدى في ظرف ثلاث سنوات، كل سنة ثلثها كما مر في أول الكتاب بعد رقم (8).
(177): في الجواهر: " الذين رتبهم الإمام عليه السلام للجهاد وأدر لهم أرزاقا ودونت أسماؤهم بعضهم عن بعض خلافا لأبي حنيفة فقدم
أهل الديوان على الأرقاب " (ولو قتل) أي: حتى ولو قتل (مطرح) أي طرح الأصحاب العمل به.
(178): هو المعتق بالكسر (أسفل) أي: المعتق بالفتح، وفي الجواهر: " فيعقل مولى الجاني، فإن لم يكن فعصبات المعتق، ثم معتق المعتق، ثم
عصباته ثم معتق أبي المعتق ثم عصباته وهكذا كترتب الميراث " (ما نقص) من السمحاق والمتلاحمة والدامية والحارصة ونحوها (ضعفا) لأن
في طريقه ابن قضال وهو فطحي المذهب، والفطحية هم القائلون بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه السلام من بعد أبيه
وينكرون إمامة موسى بن جعفر عليهما السلام، والأفطح يقال لعريض الرأس، ولعريض الرجلين.
(179): وهي دية الرجل الحر المسلم.
(180): الشيخ الطوسي (الإشكال الأول) وهو أن التأجيل مخصص بدية القتل فلا يعم الأرش.
(181): بأن أقر بجناية عمد أو شبه عمد، أو خطأ لم يثبت (ولا صلحا) بأن صالح الجاني مع ورثة المجني عليه، أو نفسه -
في الجناية العمدية - بالدية (مع وجود القاتل) إذ مع هربه أو موته وعدم مال له فقد قال بعضهم بأن الدية على العاقلة وبه
رواية، وفي المسالك الأشهر خلافه (ولو كانت) أي حتى ولو كانت جناية العمد (أو جرحا) أي قتل نفسه خطأ كما لو كان
يصلح سلاحه فانفلت وقتله أو جرح نفسه خطأ فليس على العاقلة تحمل ديته له، أو لورثته (طل) على وزن دل معلوما
ومجهولا من باب علم والمجهول أكثر - كما في أقرب الموارد - بمعنى: هدر دمه ولا دية له.
1053

كانت موجبة للدية، كقتل الأب ولده، أو المسلم الذمي، أو الحر المملوك. ولو جنى على
نفسه خطأ، قتلا أو جرحا طل ولم يضمنه العاقلة.
وجناية الذمي في ماله، وإن كانت خطأ دون عاقلته، ومع عجزه عن الدية، فعاقلته
الإمام، لأنه يؤدي إليه ضريبته (182).
ولا يعقل مولى المملوك جنايته، قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة، على الأشبه.
وضامن الجريرة يعقل (183)، ولا يعقل عنه المضمون. ولا يجتمع مع عصبة، ولا
معتق، لأن عقده مشروط بجهالة النسب وعدم المولى. نعم لا يضمن الإمام مع وجوده
ويسره، على الأشبه.
أما كيفية التقسيط: فإن الدية تجب ابتداء على العاقلة، ولا يرجع بها على الجاني (184)،
على الأصح.
وفي كيفية التقسيط قولان: أحدهما على الغني عشرة قراريط، وعلى الفقير خمسة
قراريط، اقتصارا على المتفق. والآخر يقسطها الإمام على ما يراه، بحسب أحوال العاقلة،
وهو أشبه. وهل يجمع بين القريب والبعيد؟ فيه قولان: أشبههما الترتيب في التوزيع.
وهل تؤخذ من الموالي مع وجود العصبة؟ الأشبه: نعم، مع زيادة الدية عن العصبة.
ولو اتسعت (185)، أخذت من عصبة المولى. ولو زادت فعلى مولى المولى، ثم عصبة مولى
المولى. ولو زادت الدية عن العاقلة أجمع، قال الشيخ: يؤخذ الزائد من الإمام حتى لو كانت
الدية دينارا وله أخ، أخذ منه عشرة قراريط، والباقي من بيت المال. والأشبه إلزام الأخ

(182): أي: جزيته، يقال لها الضريبة لأنها تضرب وتعين على الرؤوس أو الأملاك، (لأنه) الذمي (إليه) الإمام (مستولدة) أم ولد
(على الأشبه) خلافا للشيخ والقاضي في أم الولد فعاقلتها المالك.
(183): من ضمنه، فلو ضمن زيد جناية عمرو، فجنى عمرو خطأ - ولم يكن له عصبة، ولا مولى معتق - فعاقلته زيد، أما لو جنى زيد
فليس عمرو عاقلته " إلا " إذا ضمنه عمرو أيضا (ويسره) أي: كون ضامن الجريرة ذا يسار ومال.
(184): حتى إذا لم تف العاقلة بالدية أصلا، أو ببعضها (قراريط) كل عشرين قيراطا دينار ذهبي واحد يقال ثماني عشرة حمصة (ما
يراه) ولو أكثر أو أقل من نصف وربع دينار (الترتيب) بأن يؤخذ من الأقرب، فإن لم يكن أو عجز فمن الأبعد، وهكذا على حسب
ترتيب الإرث.
(185): أي: شملت الدية الموالي بتقديم المولى المعتق، ثم عصبة المولى، ثم مولى المولى (دينارا) على القول بضمان العاقلة دية الأقل
من الموضحة كما مر بعد رقم (181).
1054

بالجميع، إن لم يكن عاقلة سواه، لأن ضمان الإمام مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم عن
الدية.
ولو زادت العاقلة عن الدية (186)، لم يختص بها البعض، وقال الشيخ: يخص الإمام
بالعقل من شاء، لأن التوزيع بالحصص يشق، والأول أنسب بالعدل. ولو غاب بعض
العاقلة، لم يخص بها الحاضر. وابتداء زمان التأجيل من حين الموت (187).
وفي الطرف من حين الجناية، لا من وقت الاندمال. وفي السراية من وقت الاندمال،
لأن موجبها لا يستقر بدونه، ولا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم. وإذا حال الحول على
موسر، توجهت مطالبته. ولو مات لم يسقط ما لزمه، ويثبت في تركته. ولو كانت العاقلة في
بلد آخر، كوتب حاكمه (188) بصورة الواقعة ليوزعها، كما لو كان القاتل هناك. ولو لم يكن
عاقلة، أو عجزت عن الدية، أخذت من الجاني. ولو لم يكن له مال، أخذت من الإمام.
وقيل: مع فقر العاقلة أو عدمها، تؤخذ من الإمام دون القاتل، والأول مروي.
ودية الخطأ شبيه العمد، في مال الجاني، فإن مات أو هرب، قيل: تؤخذ من الأقرب
إليه، ممن ورث ديته. فإن لم يكن فمن بيت المال. ومن الأصحاب من قصرها على
الجاني (189)، وتوقع مع فقره يسره، والأول أظهر.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل (190). ولا يكفي كونه من
القبيلة، لأن العلم بانتسابه إلى الأب، لا يستلزم العلم بكيفية الانتساب. والعقل مبني على
التعصيب، خصوصا على القول بتقديم الأولى.

(186): كما لو كانت العاقلة ألف إنسان (لم يختص) بل تقسط على جميعهم (يشق) لأن جمع المال من كثيرين عسر (الحاضر) بل
يجعل على الغائب أيضا حصته ويطالب بها عند حضوره.
(187): لا من حين ضرب الحاكم الأجل (وفي الطرف) أي: في الجناية على الأعضاء (الاندمال) أي: برء الجرح (وفي السراية) كما لو
قطع إصبعه فسرى الجرح وتلفت كفه كلها ثم برء الجرح فلم يزد عن الكف.
(188): أي: كتب إلى حاكم ذلك البلد (دون القاتل) كما مر عند رقم (187).
(189): فلا يؤخذ من ورثته، وهو المحكي عن ابن إدريس - ره - (والأول) وهو الأخذ من ورثته.
(190): ليثبت إنه من العصبة التي مر تفسيرها عند رقم (177) وما بعده (بكيفية الانتساب) وهي كون الشخص من العصبة
(التعصيب) يعني: كونه من العصبة، وليس كل انتساب إلى أب يجعله من العصبة (الأولى) ممن يرث بالتسمية.
1055

الثانية: لو أقر بنسب مجهول (191)، ألحقناه به. فلو أدعاه الآخر وأقام البينة، قضينا له
بالنسب، وأبطلنا الأول. فلو أدعاه ثالث، وأقام البينة إنه ولد على فراشه، قضي له بالنسب
لاختصاصه بالسبب.
الثالثة: لو قتل الأب ولده عمدا، دفعت الدية منه إلى الوارث ولا نصيب للأب. ولو لم
يكن وارث (192)، فهي للإمام عليه السلام. ولو قتله خطأ، فالدية على العاقلة ويرثها
الوارث. وفي توريث الأب هنا قولان. ولو لم يكن وارث سوى العاقلة، فإن قلنا: الأب لا
يرث، فلا دية. وإن قلنا: يرث ففي أخذه من العاقلة تردد. وكذا البحث لو قتل الولد
أباه خطأ.
الرابعة: لا يضمن العاقلة عبدا ولا بهيمة ولا إتلاف مال (193)، ويختص بضمان
الجناية على الآدمي حسب.
الخامسة: لو رمى طائرا وهو ذمي، ثم أسلم (194)، فقتل السهم مسلما، لم يعقل عنه
عصبته من الدية لما بيناه، ولأنه أصاب وهو مسلم. ولا عصبته المسلمون، لأنه رمى وهو
ذمي، ويضمن الدية في ماله. وكذا لو رمى مسلم طائرا، ثم ارتد فأصاب مسلما (195)، قال
الشيخ: لم يعقل عنه المسلمون من عصبته، ولا الكفار. ولو قيل: يعقل عنه عصبته
المسلمون، كان حسنا، لأن ميراثه لهم على الأصح.

(191): كما لو قال عن صغير: هذا ابني، أو هذا أخي، أو هذا ابن أخي وهكذا (وأبطلنا) لأن البينة تقدم على الإقرار (بالسبب) أي:
لأن الثالث ذكر سبب انتسابه وهو مقدم عليهما.
(192): حتى المولى المعتق، وضامن الجريرة (قولان) الأول أن الأب القاتل يرث، والثاني: لا يرث (من العاقلة)، وإعطاؤه للأب
القاتل.
(193): فلو قتل عبد خطأ شخصا، أو أتلف البهيمة شخصا، أو أتلف شخص خطأ مالا، فليس على العاقلة شئ.
(194): قبل أن يقتل السهم أحدا (بيناه) من إنه لا عقل بين أهل الذمة (وهو مسلم) والمسلم لا يعقل كافرا، ولا الكافر يعقله.
: بعد الارتداد (المسلمون) لأنه قتل وهو كافر (الكفار) لأنهم لا عقل بينهم ولغير ذلك أيضا.
1056

خاتمة
وحيث أتينا بما قصدناه ووفينا بما وعدناه فلنحمد الله الذي جعلنا عند تبدد (196)
الأهواء وتعدد الآراء، من المتمسكين بمذهب أعظم العلماء استحقاقا للعلاء، وأكرم النجباء
إغراقا في شرف الأمهات والأباء، المنتزعين من مشكاة الضياء، المتفرعين عن خاتم الأنبياء
وسيد الأصفياء.
وأظهر عظماء الأنام فهما وبيانا، وأكثر علماء الإسلام علما وعرفانا، المخصوصين بالنبوة
من منصب النبوة، المختارين للإمامة من فروع صاحب الأخوة (197).
الذين أمر الله سبحانه بمودتهم، وحث رسوله صلى الله عليه وآله على التمسك بهم،
والعمل بسننهم.
حتى قرنهم بالكتاب المجيد (198)، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،
تنزيل من حكيم حميد.
ونسأله أن يقبضنا سالكين لمحجتهم، متمسكين بحجتهم، وأن يجعلنا من خلصاء
شيعتهم، الداخلين في شفاعتهم، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

(196): تفرق (اغراقا) وفي بعض النسخ بالعين المهملة بمعنى الجذر والأساس.
(197): إشارة إلى مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وآله - بينه وبين علي عليه السلام (بمودتهم) حيث قال: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى " وغير ذلك.
: في عديد الأحاديث المتواترة ومنها قوله صلى الله عليه وآله: " كتاب الله وعترتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا "
(يقبضنا) أي: يقبض أرواحنا حين يقبضها (لمحجتهم) أي: طريقتهم (شيعتهم) الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم: علي وشيعته هم الفائزون.
(اللهم) تقبل منا ذلك وأخلص نياتنا لك في كل شئ، وارض عنا بكرمك يا أكرم مسؤول، واحشرنا مع محمد وأهل بيته
الطيبين الطاهرين.
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).
1057