الكتاب: تذكرة الفقهاء (ط.ج)
المؤلف: العلامة الحلي
الجزء: ١٢
الوفاة: ٧٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: صفر ١٤٢٢
المطبعة: ستاره - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٢٢٤-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٣-٧ (٢٠ Vols.)

135
تذكرة الفقهاء
تأليف
العلامة الحلي
الحسن بن يوسف بن مطهر
المتوفى سنة 726 ه‍
الجزء الثاني عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
1

BP العلامة الحلي الحسن بن يوسف 648 - 726 ق
182 تذكرة الفقهاء / تأليف العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن مطهر،
4 ت 8 ع / تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث. - قم: مؤسسة آل البيت
1374 عليهم السلام لاحياء التراث، 1416 ق = 1374 ش.
20 ج، نموذج
المصادر بالهوامش
1. الفقه الجعفري - القرن 8. ألف. مؤسسة آل البيت عليهم السلام
لاحياء التراث. ب. العنوان
شابك (ردمك) 7 - 33 - 5503 - 694 احتمالا 20 جزءا
ISBN 964 - 5503 - 33 - 7 / 20 VOLS.
شابك (ردمك) 5 - 224 - 319 - 694 / ج 12
ISBN 964 - 319 - 224 - 5 / VOL. 12
الكتاب: تذكرة الفقهاء / ج 12
المؤلف: العلامة الحلي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث - قم
التصوير الفني (الزينگغراف): تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - صفر - 1422 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 8500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لاحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37158 - هاتف 4 - 7730001
4

المقصد الخامس: في تفريق الصفقة
مسألة 550: إذا جمع بين الشيئين، فإما أن يجمع بينهما في عقد
واحد أو في عقدين، فالأول إما أن يقع التفريق في الابتداء أو في الانتهاء.
والأول إن جمع بين شيئين يمتنع الجمع بينهما من حيث هو جمع،
فالعقد باطل قطعا في الجميع، كما لو جمع بين أختين في النكاح.
وإن لم يكن كذلك، فإما أن يجمع بين شيئين كل واحد قابل لما
أورده عليه من العقد، أو لا يكون كذلك، فالأول كما لو جمع بين عينين
في البيع، صح العقد عليهما.
ثم إن كانا من جنسين - كعبد وثوب - أو من جنس واحد لكن
قيمتهما مختلفة - كعبدين - يوزع الثمن عليهما باعتبار القيمة.
وإن كانا من جنس واحد واتفقت قيمتهما - كقفيزي حنطة (1) واحدة -
يوزع عليهما باعتبار الأجزاء.
وإن كان الثاني، فإما أن لا يكون واحد منهما قابلا لذلك العقد - كما
لو باع خمرا وميتة - فهو باطل قطعا، وإما أن يكون أحدهما قابلا.

(1) في الطبعة الحجرية: " كقفيزين من حنطة ".
5

فالذي هو غير قابل ضربان:
أحدهما: أن يكون متقوما، كما لو باع عبده وعبد غيره صفقة
واحدة، صح البيع، ووقف البيع في عبد غيره، فإن أجازه الغير، وإلا بطل.
والثاني: أن لا يكون متقوما، فإما أن يتأتى تقدير التقويم فيه من غير
فرض تغيير في الخلقة، كما لو باع عبدا وحرا، فإن الحر غير متقوم، لكن
يمكن تقدير القيمة فيه بفرض العبودية من غير تغير في الخلقة، ويصح
البيع في العبد. وإما أن لا يتأتى تقدير التقويم فيه من غير فرض تغير في
الخلقة، كما لو باع خلا وخمرا، أو مذكاة وميتة، أو شاة وخنزيرا، فإنه
يصح البيع في الخل والمذكاة والشاة.
إذا عرفت هذا، فنقول: إذا باع عبده وعبد غيره صفقة واحدة، صح
البيع في عبده، ولا يقع البيع باطلا فيه، ويقف العقد في عبد الغير، فإن
أجاز البيع فيه، لزم. وإن فسخ، بطل، ويتخير المشتري حينئذ بين فسخ
البيع في الجميع وبين أخذ عبده بقسطه من الثمن، ذهب إليه علماؤنا - وهو
أحد قولي الشافعي، وبه قال مالك وأبو حنيفة (1) - لأن كل واحد منهما لو
انفرد بالعقد، ثبت له حكمه، فإذا جمع بينهما، وجب أن يثبت لكل منهما
حكم الانفراد؛ لأن العلة لهذا الحكم هو الماهية، وهي باقية حالة الجمع،
فثبت مقتضاها، كما لو باع شقصا مشفوعا وعبدا، ثبتت الشفعة في الشقص
دون العبد، كما لو انفرد.
ولأن الصفقة اشتملت على صحيح وفاسد، فانعقد التصحيح (2) في

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 276، المجموع 9: 381، التهذيب - للبغوي - 3:
495، حلية العلماء 4: 138 - 140، العزيز شرح الوجيز 4: 139 و 141، روضة
الطالبين 3: 88، المغني 4: 315، الشرح الكبير 4: 43.
(2) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية. وفي نسخة من الكتاب - المحققة المطبوعة
سنة 1375 ه‍ في النجف الأشرف -: " الصحيح ".
6

الصحيح وقصر الفاسد على الفاسد، كما إذا شهد عدل وفاسق، لا يقضى
برد الشهادتين ولا بقبولهما، بل تلك مقبولة وهذه مردودة. ولو أخبر
بصدق وكذب في خبر واحد، لا يقضى بصدقهما ولا بكذبهما.
ولما رواه محمد بن الحسن الصفار عن العسكري (عليه السلام): كتب إليه في
رجل كانت له قطاع أرضين فحضره الخروج إلى مكة، والقرية (1) على
مراحل من منزله ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، وعرف
حدود القرية الأربعة فقال للشهود: اشهدوا أني قد بعت من فلان - يعني
المشتري - جميع القرية التي حد منها والثاني والثالث والرابع، وإنما له في
هذه القرية قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك وإنما له بعض القرية
وقد أقر له بكلها؟ فوقع (عليه السلام) " لا يجوز بيع ما ليس يملك، وقد وجب
الشراء من البائع على ما يملك " (2).
والقول الثاني للشافعي: أنه يبطل البيع في الجميع (3).
وعن أحمد روايتان (4).
واختلفت الشافعية في التعليل:
فقال بعضهم: لأن اللفظة واحدة لا يتأتى تبعيضها، فإما أن يغلب

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " والمدينة " بدل " والقرية ". وما أثبتناه من
المصادر.
(2) التهذيب 7: 150 - 151 / 667، وفي الكافي 7: 402 / 4، والفقيه 3: 153 / 674
بتفاوت يسير.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 276، المجموع 9: 381، التهذيب - للبغوي - 3:
495 - 496، حلية العلماء 4: 138 - 140، العزيز شرح الوجيز 4: 140، روضة
الطالبين 3: 88 - 89، المغني 4: 315، الشرح الكبير 4: 43.
(4) المغني 4: 315، الشرح الكبير 4: 43، العزيز شرح الوجيز 4: 141، المجموع
9: 388.
7

حكم الحرام على الحلال أو بالعكس، والأول أولى؛ لأن تصحيح العقد في
الحرام ممتنع، وإبطاله في الحلال غير ممتنع. ولو باع درهما بدرهمين أو
تزوج بأختين، حكم بالفساد؛ تغليبا للحرمة على الحل.
وقال بعضهم: إن الثمن المسمى يتوزع عليهما باعتبار القيمة
ولا يدرى حصة كل واحد منهما عند العقد، فيكون الثمن مجهولا، وصار
كما لو قال: بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزع عليه وعلى عبد
فلان، فإنه لا يصح (1).
ونقلوا عن الشافعي قوليه في أن العلة هذه أم تلك؟ (2).
والجواب: الفرق بين الدرهمين والأختين وبين صورة النزاع ظاهر؛
لأن أحد الدرهمين وإحدى الأختين ليست أولى بالفساد من الاخرى، فلهذا
أفسدنا العقد فيهما، وهنا بخلافه؛ لأن الفساد تعين في إحدى الصورتين
بعينها دون الاخرى. والعوض ليس مجهولا؛ لأنه جعل الجميع في مقابلة
الجميع، فسقوط بعضه لا يجعله مجهولا، كأرش العيب.
مسألة 551: لا فرق عندنا بين أن يكون المضموم إلى ما يصح بيعه
ما لا يصح بيعه بنص أو إجماع، كما في العبد والحر، أو ما ثبت التحريم
فيه بغيرهما، كما لو اشترى أمة وأم ولد، وبه قال الشافعي (3)، لكن عندنا
يصح البيع فيما يصح فيه البيع، ويتخير المشتري بعد العلم، فيبطل في
الباقي.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 140، المهذب - للشيرازي - 1: 276، التهذيب
- للبغوي - 3: 496، حلية العلماء 4: 140، روضة الطالبين 3: 89.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 140.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 139 و 140، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9:
381.
8

وللشافعي القولان السابقان (1).
وقال أبو حنيفة: إن كان الفساد في أحدهما ثبت بنص أو إجماع
كالحر والعبد، فسد في الكل. وإن كان قد ثبت بغير ذلك، فسد فيما
لا يجوز، وصح فيما يجوز، كالأمة وأم الولد. وإذا باع ماله ومال غيره، صح
في ماله، ووقف في مال غيره على الإجازة (2).
وقال فيمن باع مذكى و [ما] (3) ترك عليه التسمية عمدا: إنه لا يصح
في الكل (4). وخالفه أبو يوسف ومحمد (5).
وقالوا (6) فيمن باع عبدا بخمسمائة نقدا، وخمسمائة إلى العطاء، أو
دينا على غيره: فسد في الكل؛ لأن الفساد في الثمن، والثمن كل جزء منه
يقابل جميع المبيع (7). وهو ممنوع.
قال أبو حنيفة: إذا باع عبده ومكاتبه، فقد دخلا في العقد. وكذا الأمة
وأم الولد؛ لأن بيع أم الولد تلحقه الإجازة، وهو أن يحكم حاكم بصحة
بيعه، فإذا دخلا فيه ثم فسد في أحدهما؛ لعدم الإجازة، لم يفسد في
الآخر، كما لو باع عبدين فتلف أحدهما، لم ينفسخ العقد في الآخر. وأما

(1) في ص 6 و 7.
(2) الهداية - للمرغيناني - 3: 50، مختصر اختلاف العلماء 3: 167 / 1247، حلية
العلماء 4: 142، العزيز شرح الوجيز 4: 141، المجموع 9: 388.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " من ". والصحيح ما أثبتناه.
(4) الهداية - للمرغيناني - 3: 50، الاختيار لتعليل المختار 2: 35، حلية العلماء 4:
143، المجموع 9: 388.
(5) الهداية - للمرغيناني - 3: 50، الاختيار لتعليل المختار 2: 35، حلية العلماء 4:
143.
(6) كذا، وفي المصدر: " قال " بدل " قالوا ".
(7) حلية العلماء 4: 143.
9

إذا باع حرا وعبدا، فسد فيهما؛ لأن الفساد في نفس العقد، وقبول أحدهما
شرط في قبول الآخر، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقبل في أحدهما، فإذا فسد
في أحدهما، فسد في الآخر (1).
وهو ممنوع؛ لأنه لا يدخل في العقد، وحكم الحاكم إذا وجد حكم
بصحة العقد من حين وجد، وقبل ذلك هو فاسد. ولا يقف العقد عند
الشافعي على الإجازة، والقبول لا يصح في بعض المعقود عليه؛ لإمكانه
في الجميع، وهنا لا يصح الإيجاب إلا في أحدهما، ولهذا صح القبول فيه
خاصة، ويبطل [بما] (2) إذا باع المذكى وما لم يسم عليه.
مسألة 552: لو باع عبدا وحرا، صح البيع في العبد خاصة بقسطه من
الثمن، وذلك بأن يفرض الحر عبدا وينظر قيمتهما ثم يبسط المسمى
عليهما، ويبطل ما قابل الحر، ويتخير المشتري مع الجهل.
وللشافعية في صحة البيع في العبد طريقان:
أحدهما: القطع بالفساد - وبه قال أبو حنيفة، كما تقدم (3) - لأن
المضموم إلى العبد ليس من جملة المبيعات. ولأن الحاجة تدعو إلى
التوزيع، والتوزيع هنا يحوج إلى تقدير شيء في الموزع عليه، وهو غير
موجود فيه.
وأصحهما عندهم: طرد القولين (4).
قال الجويني: ولو قلنا في صحة البيع قولان مرتبان على ما إذا باع
عبدا مملوكا وآخر مغصوبا، لأفاد ما ذكرنا من نقل الطريقين (5).

(1) انظر: الهداية - للمرغيناني - 3: 50، والاختيار لتعليل المختار 2: 35 و 40.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " به ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) في ص 9.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 140، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9: 381.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 140.
10

مسألة 553: لو كان المشتري جاهلا بأن المضموم ملك الغير أو حر
أو مكاتب (1) أو أم ولد ثم ظهر له، فقد قلنا: إن البيع يصح فيما هو ملكه،
ويبطل في الآخر إن لم يجز المالك، ويكون للمشتري الخيار بين الفسخ
والإمضاء فيما يصح بيعه بقسطه من الثمن؛ لأنه لم يسلم له المعقود عليه،
فكان له الفسخ. ولو كان عالما، صح البيع أيضا ولا خيار له.
وقطع الشافعي بالبطلان فيما إذا كان عالما، كما لو قال: بعتك عبدي
بما يخصه من الألف إذا وزع عليه وعلى عبد فلان، وليس كذلك لو كان
المضموم إلى العبد مكاتبا أو أم ولد؛ لأن المكاتب وأم الولد يتقومان
بالإتلاف، بخلاف الحر المضموم إلى العبد (2).
وليس بعيدا عندي من الصواب البطلان فيما إذا علم المشتري حرية
الآخر أو كونه مما لا ينتقل إليه بالبيع، كالمكاتب وأم الولد، والصحة فيما
إذا كان المضموم ملك الغير.
مسألة 554: لو باع خلا وخمرا، أو مذكاة وميتة، أو شاة وخنزيرا،
صح البيع فيما يصح بيعه، وبطل في الآخر، ويقوم الخمر عند مستحليه
وكذا الخنزير، وبسط (3) الثمن عليهما.
وللشافعي في صحة البيع في الخل والمذكاة والشاة خلاف مرتب
على الخلاف في العبد والحر. والفساد هنا أولى؛ لأن تقدير القيمة غير ممكن
هنا إلا بفرض تغير الخلقة، وحينئذ لا يكون المقوم هو المذكور في العقد (4).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية " أو حرا أو مكاتبا " والصحيح ما أثبتناه بالرفع في
الكلمتين.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 140، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9: 381.
(3) في الطبعة الحجرية: " وقسط " بدل " وبسط ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 140 - 141، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9:
381 - 382.
11

ولو رهن عبده وعبد غيره من إنسان أو وهبهما منه أو رهن عبدا
وحرا أو وهبهما، هل يصح الرهن والهبة في المملوك؟.
أما عندنا: فنعم.
وأما عند الشافعي: فيترتب ذلك على البيع إن صححنا ثم، فكذلك
هنا، وإلا فقولان مبنيان على العلتين إن قلنا بامتناع تجزئة العقد الواحد فإذا
تطرق الفساد إليه، وجب أن لا ينقسم إذا لم يبن على الغلبة والسريان،
كالعتق والطلاق، فلا يصح. وإن عللنا بجهالة العوض، صح؛ إذ لا عوض
هنا حتى يفرض الجهل فيه (1).
وكذا لو تزوج مسلمة ومجوسية أو أخته وأجنبية؛ لأن جهالة العوض
لا تمنع صحة النكاح.
مسألة 555: إذا وقع تفريق الصفقة في الانتهاء، فهو على قسمين:
الأول: أن لا يكون اختياريا، كما لو اشترى عبدين صفقة ثم مات
أحدهما قبل القبض فيهما معا.
الثاني: أن يكون التفريق اختياريا، كما لو اشترى عبدين صفقة ثم
وجد بأحدهما عيبا.
أما الأول: فإن العقد ينفسخ في التالف قطعا، ولا ينفسخ في الباقي
إلا أن يختار المشتري فسخه.
وللشافعي طريقان:
أحدهما: أنه على القولين فيما لو جمع بين مملوك وغير مملوك
تسوية بين الفساد المقرون بالعقد وبين الطارئ قبل القبض.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 141، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9: 382 -
383.
12

وأظهرهما: عدم الانفساخ في الثاني؛ لأن الانفساخ طرأ بعد العقد،
فلا تأثير به للآخر، كما لو نكح أجنبيتين دفعة واحدة ثم ارتفع نكاح
إحداهما بردة أو رضاع، لا يرتفع نكاح الاخرى. ولأن علة الفساد إما
الجمع بين الحلال والحرام، وإما جهالة الثمن، ولم يوجد الجمع بين
الحلال والحرام، والثمن كله ثابت في الابتداء والسقوط طار، فلا يؤثر في
الانفساخ، كما لو خرج المبيع معيبا وتعذر الرد لبعض الأسباب والثمن غير
مقبوض، يسقط بعضه على سبيل الأرش ولا يلزم فيه (1) فساد العقد.
والطريقان جاريان فيما إذا تفرقا في السلم وبعض رأس المال غير
مقبوض، أو في الصرف وبعض العوض غير مقبوض وانفسخ العقد في
غير المقبوض، هل ينفسخ في الباقي؟ (2).
هذا إذا تلف أحدهما في يد البائع قبل أن يقبضهما، فأما إذا قبض
أحدهما وتلف الآخر في يد البائع، فالحكم عندنا كما تقدم، للمشتري
الخيار بين الفسخ في الجميع وأخذ الباقي بحصته من الثمن. وعند الشافعي
يترتب الخلاف في انفساخ العقد في المقبوض على الصورة السابقة، وهذه
أولى بعدم الانفساخ؛ لتأكد (3) العقد في المقبوض بانتقال الضمان فيه إلى
المشتري.
هذا إذا كان المقبوض باقيا في يد المشتري، فإن تلف في يده ثم
تلف الآخر في يد البائع، فالقول بالانفساخ أضعف؛ لتلف المقبوض على
ضمانه (4).

(1) كذا، وفي " العزيز شرح الوجيز ": " منه " بدل " فيه ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 141 - 142، روضة الطالبين 3: 89 - 90.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لتأكيد " والظاهر ما أثبتناه من " العزيز شرح
الوجيز " و " روضة الطالبين ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 142، روضة الطالبين 3: 90.
13

وإذا قلنا بعدم الانفساخ، فهل له الفسخ؟ فيه للشافعية وجهان،
أحدهما: نعم، وترد قيمته. والثاني: لا، وعليه حصته من الثمن (1).
ولو استأجر دارا مدة وسكنها بعض المدة ثم انهدمت الدار، انفسخ
العقد في المستقبل.
وهل ينفسخ في الماضي؟ يخرج على الخلاف في المقبوض التالف
في يد المشتري، فإن قلنا: لا ينفسخ، فهل له الفسخ؟ فيه الوجهان. وإن
قلنا: ليس له ذلك، فعليه من المسمى ما يقابل الماضي. وإن قلنا: له
الفسخ، فعليه أجرة المثل للماضي.
ولو تلف بعض المسلم فيه عند المحل والباقي مقبوض أو غير
مقبوض وقلنا: لو انقطع الكل، انفسخ العقد، انفسخ في المنقطع، وفي
الباقي الخلاف المذكور فيما إذا تلف أحد الشيئين قبل قبضهما. وإذا قلنا:
لا ينفسخ، فله الفسخ، فإن أجاز، فعليه حصته من رأس المال لا غير. وإن
قلنا: إذا انقطع الكل، لم ينفسخ العقد، فالمسلم بالخيار إن شاء فسخ العقد
في الكل، وإن شاء أجازه في الكل.
وهل ينفسخ في القدر المنقطع، والإجازة في الباقي؟ للشافعية (2)
قولان مبنيان على الخلاف الذي سيأتي.
وأما الثاني، وهو أن يكون اختياريا، كما لو اشترى عبدين صفقة
واحدة ثم وجد بأحدهما عيبا، فهل له إفراده بالرد؟ ذهب علماؤنا إلى
المنع.
وللشافعية قولان، أحدهما: هذا، والمشهور: أنه على قولين،
وبنوهما على جواز تفريق الصفقة، فإن جوزناه يجوز الإفراد، وإلا فلا.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 142، روضة الطالبين 3: 90.
14

وقياس هذا البناء أن يكون قول التجويز أظهر، لكن صرح كثير من
الصائرين إلى جواز التفريق بأن منع الإفراد أصح؛ لأن الصفقة وقعت
مجتمعة، ولا ضرورة إلى تفريقها، فلا تفرق (1). وهو ما اخترناه نحن.
والقولان مفروضان في العبدين وفي كل شيئين لا تصل منفعة
أحدهما بالآخر، فأما في زوجي الخف ومصراعي الباب ونحوهما فلا سبيل
إلى إفراد المعيب بالرد قبل القبض، ويجوز بعده.
والحق: المنع من الإفراد مطلقا.
وارتكب بعض الشافعية طرد القولين فيه (2).
ولا فرق على القولين بين أن يتفق ذلك بعد القبض أو قبله.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إفراد المعيب بالرد قبل القبض، ويجوز
بعده إلا أن تتصل منفعة أحدهما بالآخر (3).
فإن لم نجوز الإفراد، فلو قال: رددت المعيب، هل يكون هذا (4) ردا
لهما؟ لبعض الشافعية وجهان، أصحهما: لا (5). وهو أجود.
ولو رضي البائع بإفراده، جاز في أصح الوجهين عندهم. فإن جوزنا
الإفراد فإذا رده، استرد قسطه من الثمن، ولا يسترد الجميع، وإلا لخلا
بعض المبيع عن المقابل. وعلى هذا القول لو أراد رد السليم والمعيب معا،
فله ذلك أيضا (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 142 - 143، روضة الطالبين 3: 90 - 91.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 143، روضة الطالبين 3: 90.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 143.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " هنا " بدل " هذا ". والصحيح ما أثبتناه.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 143، روضة الطالبين 3: 91.
15

وفيه للشافعية وجه ضعيف (1).
ولو وجد العيب بالعبدين معا وأراد إفراد أحدهما بالرد، لم يكن له
ذلك عندنا.
ويجري القولان للشافعية (2) هنا.
ولو تلف أحد العبدين أو باعه ووجد بالباقي عيبا، ففي إفراده قولان
للشافعية مرتبان، وهذه الصورة أولى بالجواز؛ لتعذر ردهما جميعا. فإن
قلنا: يجوز الإفراد، رد الباقي واسترد من الثمن حصته. وسبيل التوزيع
تقدير العبدين سليمين وتقويهما وبسط الثمن المسمى على القيمتين (3).
ولو اختلفا في قيمة التالف، فادعى المشتري ما يقتضي زيادة
للواجب على ما اعترف به البائع، فقولان للشافعية:
أصحهما: تقديم قول البائع مع يمينه؛ لأنه ملك جميع الثمن بالبيع،
فلا رجوع عليه إلا بما اعترف به.
والثاني: أن القول قول المشتري؛ لأنه تلف في يده، فأشبه الغاصب
مع المالك إذا اختلفا في القيمة، كان القول قول الغاصب الذي حصل
الهلاك في يده.
وإن قلنا: لا يجوز الإفراد، فقولان:
أحدهما: أنه يضم قيمة التالف إلى الباقي ويردهما ويفسخ العقد؛
لأن النبي (عليه السلام) أمر في المصراة برد الشاة وبدل اللبن الهالك (4)، فعلى هذا

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 143، روضة الطالبين 3: 91.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 143 - 144، روضة الطالبين 3: 91.
(4) صحيح مسلم 3: 1158 / 1524، سنن أبي داود 3: 270 / 3443، سنن الترمذي
3: 553 / 1251.
16

لو اختلفا في قيمة التالف، فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه حصل
التلف في يده وهو الغارم (1).
ولهم في القيمة وجه آخر: أن القول قول البائع؛ لأن المشتري يريد
إزالة ملكه عن الثمن المملوك له (2).
وأصحهما: أنه لا فسخ له، ولكنه يرجع بأرش العيب؛ لأن الهلاك
أعظم من العيب (3).
ولو حدث عنده عيب ولم يتمكن (4) من الرد، فعلى هذا لو اختلفا
في قيمة التالف، عاد القولان السابقان؛ لأنه في الصورتين يرد بعض
الثمن، إلا أن (5) على ذلك القول يرد حصة الباقي، وعلى هذا القول يرد
أرش العيب (6).
والنظر في قيمة التالف إلى يوم العقد أو يوم القبض؟ فيه مثل
الخلاف الذي سيأتي في اعتبار القيمة لمعرفة أرش العيب القديم (7).
مسألة 556: لو باع شيئا يتوزع الثمن على أجزائه بعضه له، وبعضه
لغيره، كما لو باع عبدا له نصفه، أو صاع حنطة له نصفه والباقي لغيره
صفقة واحدة، صح فيما يملكه، ويتخير المشتري مع فسخ المالك الآخر
البيع في قدر حصته، ويبطل في الآخر مع الفسخ.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 144، روضة الطالبين 3: 91.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 144.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 144، روضة الطالبين 3: 91.
(4) في " س " والطبعة الحجرية: " لم يتمكن " بدون الواو.
(5) الظاهر: " أنه " بدل " أن ".
(6) في " س " والطبعة الحجرية: " المعيب " بدل " العيب ".
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 144، روضة الطالبين 3: 91.
17

والشافعي رتب ذلك على ما لو باع عبدين أحدهما له والآخر لغيره،
إن صححنا فيما يملكه، فكذا هنا، وإلا فقولان، إن عللنا بالجمع بين
الحلال والحرام، لم يصح. وإن عللنا بجهالة الثمن، صح؛ لأن حصة
المملوك هنا معلومة (1).
ولو باع جميع الثمرة وفيها عشر الصدقة، ففي صحة البيع في قدر
الزكاة إشكال ينشأ من أنه بالخيار بين إخراج العين وإخراج القيمة، فإذا
باعه، كان قد اختار القيمة. ومن أنه باع مال غيره، والضمان يثبت بعد
التضمين.
وللشافعية قولان، فإن قلنا: لا يصح، فالترتيب في الباقي (2) كما ذكرنا
فيما لو باع عبدا له نصفه؛ لأن توزيع الثمن على ما له بيعه وما ليس له
معلوم على التفصيل (3).
أما لو باع أربعين شاة وفيها قدر الزكاة، فالأقرب: أنه كالأول.
وقال الشافعي: إن فرعنا على امتناع البيع في قدر الزكاة، فالترتيب
في الباقي كما مر فيما لو باع عبده وعبد غيره (4).
ومما يتفرع على التعليلين: لو باع زيد عبده وعمرو عبده صفقة بثمن
واحد، فإنه يصح عندنا، ويوزع الثمن على القيمتين.
وللشافعية في صحة العقد قولان (5).
وكذا لو باع من رجلين عبدين له هذا من أحدهما وهذا من الآخر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 145، روضة الطالبين 3: 92، المجموع 9: 382.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الباب " بدل " الباقي ". وما أثبتناه من المصادر.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 145، روضة الطالبين 3: 92، المجموع 9: 382.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 145، روضة الطالبين 3: 92.
18

بثمن واحد إن عللنا بالجمع بين الحلال والحرام، صح. وإن عللنا بجهالة
العوض، لم يصح؛ لأن حصة كل واحد منهما مجهولة.
مسألة 557: لو باع عبده وعبد غيره وسمى لكل منهما ثمنا، فقال:
بعتك هذا بمائة وهذا بخمسين، فقال المشتري: قبلت، صح عندنا، وكان
له ما سماه في مقابلة عبده.
والشافعي بناه على العلتين، فإن علل باجتماع الحلال والحرام، فسد
العقد. وإن علل بجهالة الثمن، صح في عبده (1).
وللمشتري هنا الخيار أيضا لو فسخ مالك الآخر البيع فيه؛ لتبعض
الصفقة عليه.
مسألة 558: إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة، صح البيع في ماله،
فإن كان المشتري جاهلا بالحال، فله الخيار؛ لأنه دخل في العقد على أن
يسلم له العبدان ولم يسلم، فإن اختار الإمضاء، لزمه قسطه من الثمن،
وسقط عنه ما انفسخ البيع فيه عند علمائنا - وهو أصح قولي الشافعي (2) -
لأن الثمن يتقسط (3) على العينين على قدر قيمتهما، فكان له أخذه بما
استحقه من الثمن، ولا يلزمه أخذه بأكثر من ذلك، فإن الثمن وقع في
مقابلتهما جميعا، فلا يلزم في مقابلة أحدهما إلا قسطه.
والثاني: أنه يلزمه جميع الثمن - وبه قال أبو حنيفة (4) - لأنه لغا ذكر

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 145، روضة الطالبين 3: 92.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 496، العزيز شرح الوجيز 4: 146، روضة الطالبين 3:
93، المجموع 9: 383.
(3) في الطبعة الحجرية: " يقسط ".
(4) الظاهر أن موضع قوله: " وبه قال أبو حنيفة " بعد قوله قبل أسطر:
" وهو أصح قولي الشافعي " لأنه في بعض المصادر في الهامش التالي -
كالتهذيب والعزيز - وكذا في الهداية - للمرغيناني - 3: 51، والاختيار لتعليل
المختار 2: 40، نسب القول الأصح للشافعي إلى أبي حنيفة، لا الثاني.
19

المضموم إلى ماله، فيقع جميع الثمن في مقابلة ما صح العقد فيه (1). ولأن
الإجازة ببعضه تودي إلى جهالة العوض. ولأنه لو تلف جزء من المبيع في
يد البائع وصار معيبا، كان بالخيار بين الإجازة بجميع الثمن أو الرد، كذا
هنا.
وفسخ (2) البيع فيه لا يوجب كون الكلام فيه لغوا، بل يسقط من
الثمن ما قابله. ويمنع الجهالة. ويمنع الإجازة بالجميع في المعيب. سلمنا،
لكن العقد لا يقع متقسطا على الأجزاء.
واختلفت الشافعية، فقال بعضهم: موضع القولين أن يكون المبيع
مما يتقسط الثمن على قيمته، فإن كان مما يتقسط على أجزائه، فالواجب
قسط المملوك من الثمن قولا واحدا. والفرق: أن التقسيط هنا لا يورث
جهالة الثمن عند العقد، بخلاف ما يتقسط على القيمة.
ومنهم من طرد القولين، وهو الأظهر؛ لأن الشافعي ذكر قولين فيما لو
باع الثمرة بعد وجوب العشر فيها وأفسدنا البيع في قدر الزكاة دون غيره أن
الواجب جميع الثمن أو حصته؟ فإن قلنا: الواجب جميع الثمن، فلا خيار
للبائع إذا ظفر بما ابتغاه (3). وإن قلنا: الواجب القسط، فوجهان:

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 496، العزيز شرح الوجيز 4: 146، روضة الطالبين 3:
93، المجموع 9: 383.
(2) قوله: " وفسخ " إلى آخره، كلام المصنف (قدس سره) في الجواب عن استدلال الشافعي
على قوله الثاني.
(3) في الطبعة الحجرية: " بما ابتعناه " وفي " س ": " ابتاعه ". وكلاهما تصحيف،
والصحيح ما أثبتناه من " ي " وكما في " العزيز شرح الوجيز ".
20

أحدهما: أن له الخيار إذا لم يسلم له جميع الثمن.
وأصحهما عندهم: أنه لا خيار له؛ لأن التفريط منه حيث باع
ما لا يملكه وطمع في ثمنه (1).
وإن كان المشتري عالما بالحال، فلا خيار له، كما لو اشترى معيبا
يعلم بعيبه (2).
وكم يلزمه من الثمن؟ الوجه عندي أنه يلزمه القسط كالجاهل؛ لأنه
قابل جميع الثمن بجملة المبيع، وهو يقتضي توزيع الأجزاء على الأجزاء،
وهو أحد وجهي الشافعية (3).
وقطع جماعة منهم بوجوب الجميع؛ لأنه التزم بالثمن عالما بأن
بعض المذكور لا يقبل العقد (4).
ولو باع عبدا وحرا، أو خلا وخمرا، أو شاة وخنزيرا، أو مذكاة
وميتة، [و] (5) صح العقد فيما يقبله، وكان المشتري جاهلا بالحال فأجاز
أو (6) عالما، قسط الثمن، ولزمه بالنسبة. والتقسيط بأن ينظر إلى قيمة هذه
المحرمات عند مستحليها، وهو قول الشافعية (7).
ولهم في قدر ما يلزمه من الثمن طريقان:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 146 - 147، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9:
383.
(2) في " س، ي ": " عيبه ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 147، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9: 383.
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو " والصحيح ما أثبتناه.
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 147، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9: 383.
21

أحدهما: القطع بوجوب الجميع؛ لأن ما لا قيمة له لا يمكن التوزيع
على قيمته.
وأصحهما: طرد القولين.
فإن قلنا: الواجب قسط من الثمن، فكيف تعتبر هذه الأشياء؟ وجهان:
أحدهما: كما قلناه من النظر إلى القيمة عند مستحليه.
والثاني: أنه يقدر الخمر خلا، ويوزع عليهما باعتبار الأجزاء، وتقدر
الميتة مذكاة، والخنزير شاة، ويوزع عليهما باعتبار القيمة (1).
وقال بعضهم: يقدر الخمر عصيرا، والخنزير بقرة (2).
ولو نكح مسلمة ومجوسية في عقد واحد وصححنا العقد في
المسلمة، لم يلزمه جميع المسمى للمسلمة إجماعا؛ لأنا إذا أثبتنا الجميع
في البيع - كما قاله الشافعي (3) - أثبتنا الخيار أيضا، وهنا لاخيار، فإيجاب
الجميع إجحاف.
وقال بعض الشافعية: يلزم لها جميع المسمى، لكن له الخيار في رد
المسمى، والرجوع إلى مهر المثل (4).
وهذا لا يدفع الضرر؛ لأن مهر المثل قد يساوي المسمى أو يزيد عليه.
إذا ثبت هذا، فما الذي يلزمه؟ الأقوى عندي أنه القسط من المسمى
إذا وزع على مهر مثل المسلمة ومهر مثل المجوسية، وهو أحد قولي
الشافعي. وأظهرهما: أنه يلزمه مهر المثل (5).
ولو اشترى عبدين وتلف قبل القبض أحدهما، انفسخ العقد فيه،

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 147، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9: 383.
(3) انظر: العزيز شرح الوجيز 4: 147.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 147، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9: 384.
22

ويثبت له الخيار في الباقي، فإن أجاز، فالواجب قسطه من الثمن؛ لأن
الثمن وجب في مقابلتهما في الابتداء، فلا ينصرف إلى أحدهما في الدوام.
وقال بعض الشافعية بطرد القولين (1).
ولو باع شيئا من مال الربا بجنسه ثم خرج بعض أحد العوضين
مستحقا وصححنا العقد في الباقي وأجاز، فالواجب حصته إجماعا؛ لأن
الفضل بينهما حرام.
ولو باع معلوما ومجهولا، لم يصح البيع في المجهول، وأما في
المعلوم فيصح؛ لعدم المانع.
وعند الشافعي يبنى على ما لو كانا معلومين وأحدهما لغيره، إن قلنا:
لا يصح في ماله، لم يصح هنا في المعلوم. وإن قلنا: يصح، فقولان مبنيان
على أنه كم يلزمه في الثمن؟ فإن قلنا: الجميع - كما هو قول بعض
الشافعية - صح، ولزم (2) هنا جميع الثمن. وإن قلنا: حصته من الثمن - كما
اخترناه، وذهب إليه بعض الشافعية - لم يصح؛ لتعذر التوزيع (3).
وحكى بعضهم قولا أنه يصح، وله الخيار، فإن أجاز، لزمه جميع
الثمن (4). وليس شيئا.
مسألة 559: لو كان الثمن يتوزع على الأجزاء كقفيزي حنطة أحدهما
له والآخر لغيره وباعهما من شخص، فإنه يصح في المملوك دون غيره،
وهو قول الشافعي (5).
وكذا إذا رهن ما يجوز رهنه وما لا يجوز.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 148، روضة الطالبين 3: 94.
(2) في المصادر: " لزمه ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 148، روضة الطالبين 3: 94، المجموع 9: 384.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 145، روضة الطالبين 3: 92، المجموع 9: 382.
23

وإذا وهب ما يجوز هبته وما لا يجوز، أو تزوج أخته وأجنبية، أو
مسلمة ومجوسية، صح فيما يجوز قولا واحدا عندنا وعند الشافعي (1)؛ لأن
الرهن والهبة لا عوض لهما، والنكاح لا يفسد بفساد العوض.
ويتخير المشتري إذا صح البيع في المملوك كما قلناه. وإذا أجاز
بجميع الثمن، فلا خيار للبائع قطعا.
وإن أخذه بقسطه، ففي خيار البائع للشافعي وجهان:
أحدهما: له الخيار؛ لتبعض الثمن عليه.
والثاني: لا خيار له؛ لأن التبعض (2) من فعله حيث باع ما يجوز وما
لا يجوز (3).
وهنا مسائل دورية لا بد من التعرض لها:
مسألة 560: لو باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين بقفيز حنطة
يساوي عشرة، ومات ولا مال سواه، جاز البيع في ثلثي قفيز بثلثي قفيز،
وبطل في الثلث، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني: أنه يبطل البيع (4).
والأصل فيه أن محاباة مرض الموت - كالهبة وسائر التبرعات - في
اعتبار الثلث، فإن زادت عليه ولم يجز الورثة ما زاد - كما لو باع عبدا
يساوي ثلاثين بعشرة ولا شيء له سواه - رد البيع في بعض العبد، وفي
الباقي للشافعية طريقان:
أحدهما: القطع بصحة البيع فيه؛ لأنه نفذ في الكل ظاهرا، والرد في

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 141، روضة الطالبين 3: 89، المجموع 9: 382.
(2) في " س، ي ": " التبعيض ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 146، روضة الطالبين 3: 93، المجموع 9: 383.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 148، روضة الطالبين 3: 95.
24

البعض تدارك حادث؛ لأن المحاباة في المرض وصية، والوصية تقبل من
الغرر ما لا يقبله غيرها.
وأظهرهما عند أكثر الشافعية: أنه على قولي تفريق الصفقة.
وإذا قلنا: يصح البيع في الباقي، ففي كيفيته قولان:
أحدهما: أن البيع يصح في القدر الذي يحتمله الثلث، والقدر الذي
يوازي الثمن بجميع الثمن، ويبطل في الباقي؛ لأنه اجتمع للمشتري
معاوضة ومحاباة، فوجب أن يجمع بينهما، فعلى هذا يصح العقد في ثلثي
العبد بالعشرة، ويبقى مع الورثة ثلث العبد وقيمته عشرة، والثمن وهو
عشرة، وذلك مثلا المحاباة وهي عشرة.
وهذا اختيار الشيخ (1) (رحمه الله) وجماعة من الشافعية وغيرهم، ولا دور
على هذا القول.
والثاني: أنه إذا ارتد البيع في بعض المبيع، وجب أن يرتد إلى
المشتري ما قابله من الثمن (2).
وهو الذي نختاره نحن، فحينئذ يلزم الدور؛ لأن ما ينفذ فيه البيع
يخرج من التركة، وما يقابله من الثمن يدخل فيها، وما ينفذ فيه البيع يزيد
بزيادة التركة وينقص بنقصانها، فيزيد بحسب زيادة التركة، وتزيد التركة
بحسب زيادة المقابل الداخل، ويزيد المقابل بحسب زيادة المبيع، وهذا
دور.
ويتوصل إلى معرفة المقصود بطرق:

(1) انظر: المبسوط - للطوسي - 4: 64.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 149، روضة الطالبين 3: 94، المجموع 9: 389 -
390.
25

منها: أن ينظر إلى ثلث المال وينسبه إلى قدر المحاباة ويجيز البيع
في المبيع بمثل نسبة الثلث من المحاباة، فنقول: ثلث المال عشرة،
والمحاباة عشرون، والعشرة نصفها، فيصح البيع في نصف العبد، وقيمته
خمسة عشر بنصف الثمن، وهو خمسة، كأنه اشترى سدسه بخمسة، وثلثه
وصية له، يبقى مع الورثة نصف العبد، وهو خمسة عشر، والثمن خمسة
يبلغ عشرين، وهو مثلا المحاباة.
ومنها: طريقة الجبر، فنقول: صح البيع في شيء من العبد وقابله
من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء؛ لأن الثمن مثل ثلث العبد، وبقي في يد
الورثة عبد إلا شيئا، لكن بعض النقصان انجبر بثلث الشيء العائد، فالباقي
عندهم عبد إلا ثلثي شيء، فثلثا شيء قدر المحاباة، وعبد إلا ثلثي شيء
مثلاه، وإذا كان عبد إلا ثلثي شيء مثلي ثلثي شيء، كان عديلا لشيء وثلث
شيء، فإذا جبرنا العبد بثلثي شيء وزدنا على عديله مثل ذلك، كان العبد
عديلا لشيئين، فعرفنا أن الشيء الذي نفذ فيه البيع نصف العبد.
إذا عرفت هذا، فإن قلنا بقول الشيخ، بطل البيع في صورة الربويين
بلا خلاف؛ لأن مقتضاه صحة البيع في قدر الثلث وهو ستة وثلثان، وفي
القدر الذي يقابل من قفيزه قفيز الصحيح (1)، وهو نصفه، فتكون خمسة
أسداس قفيز في مقابلة قفيز، وذلك ربا.
وعلى ما اخترناه نحن يصح البيع في ثلثي قفيز المريض بثلثي قفيز
الصحيح، ويبطل في الباقي.
وقطع بعض الشافعية بهذا القول - الذي اخترناه في الربوي - لئلا

(1) في " س " والطبعة الحجرية: " قفيزا بصحيح ". وذلك خطأ.
26

يبطل غرض الميت في الوصية (1).
فعلى طريقة النسبة ثلث مال المريض ستة وثلثان، والمحاباة عشرة،
وستة وثلثان ثلثا عشرة فينفذ البيع في ثلثي القفيز.
وعلى طريقة الجبر نفذ البيع في شيء وقابله من الثمن مثل نصفه،
فإن قفيز الصحيح نصف قفيز المريض، وبقي في يد الورثة قفيز إلا شيء،
لكن حصل لهم نصف شيء، فالباقي عندهم قفيز إلا نصف شيء هو
المحاباة، وما في يدهم - وهو قفيز ناقص بنصف شيء - مثلاه، وإذا كان
قفيز ناقص بنصف شيء مثلي (2) نصف شيء، كان عديلا للشيء الكامل،
فإذا جبرنا وقابلنا، صار قفيز كامل عديل شيء ونصف شيء، فعرف أن
الشيء ثلثا قفيز.
إذا عرفت هذا، فنقول: لا خيار هنا للورثة؛ لأنا لو أثبتنا لهم الخيار،
لأبطلنا المحاباة أصلا ورأسا بفسخ البيع، ولا سبيل إليه؛ لأن الشرع سلطه
على ثلث ماله.
ولو كانت المسألة بحالها لكن قفيز المريض يساوي ثلاثين وقلنا
بتقسيط الثمن، صح البيع في نصف قفيز بنصف القفيز.
ولو كان قفيز المريض يساوي أربعين، صح البيع في أربعة أتساع
القفيز بأربعة أتساع القفيز.
ولو كان المريض قد أكل القفيز الذي أخذ، استوت المسائل كلها،
فيجوز بيع ثلث قفيز بثلث قفيز.
ولو أتلف المريض المحابي القفيز الذي أخذه ثم مات وفرعنا على

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 150، روضة الطالبين 3: 95.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " مثل " والصحيح ما أثبتناه.
27

الدور، صح البيع في ثلثه بثلث قفيز صاحبه، سواء كانت قيمة قفيز
المريض عشرين أو ثلاثين أو أكثر؛ لأن ما أتلفه قد نقص من ماله. أما
ما صح فيه البيع فهو ملكه وقد أتلفه. وأما ما بطل فيه البيع فعليه ضمانه،
فينتقص قدر الغرم من ماله، ومتى كثرت القيمة كان المصروف إلى الغرم
أقل والمحاباة أكثر، ومتى قلت كان المصروف إلى الغرم أكثر والمحاباة
أقل.
مثاله: إذا كانت قيمة قفيز المريض عشرين، وقيمة قفيز الصحيح
عشرة، وقد أتلفه المريض، فعلى طريقة النسبة مال المريض عشرون وقد
أتلف عشرة يحطها من ماله، فيبقى عشرة كأنها كل ماله، والمحاباة عشرة،
فثلث ماله هو ثلث المحاباة، فيصح البيع في ثلث القفيز على القياس الذي
مر.
وعلى طريقة الجبر صح البيع في شيء من قفيز المريض، ورجع إليه
مثل نصفه، فعند ورثته عشرون إلا نصف شيء، لكن قد أتلف عشرة،
فالباقي في أيديهم عشرة إلا نصف شيء، وذلك مثلا نصف شيء، فيكون
مثل شيء، فإذا جبرنا وقابلنا، كانت عشرة مثل شيء ونصف شيء،
فالعشرة نصف القفيز، فيكون القفيز الكامل مثل ثلاثة أشياء، فالشئ ثلث
القفيز.
وامتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض ستة وثلثان، وثلث قفيز
الصحيح في مقابلة ثلاثة وثلث، فتكون المحاباة بثلاثة وثلث، وقد بقي في
يد الورثة ثلثا قفيز، وهو ثلاثة عشر وثلث يؤدى منه قيمة ثلثي قفيز
الصحيح، وهي ستة وثلثان، ويبقى في أيديهم ستة وثلثان، وهي مثلا
المحاباة.
28

ولو كان قفيز المريض يساوى ثلاثين وباقي المسألة بحالها، فعلى
طريقة النسبة نقول: مال المريض ثلاثون وقد أتلف عشرة يحطها من ماله
يبقى عشرون كأنه كل ماله، والمحاباة عشرون، فثلث ماله هو ثلث
المحاباة، فصح البيع في ثلث القفيز.
وبالجبر نقول: صح البيع في شيء من قفيز المريض، ورجع إليه مثل
ثلثه، فالباقي ثلاثون إلا ثلثي شيء، لكنه أتلف عشرة، والباقي عشرون إلا
ثلثي شيء، وذلك مثلا ثلثي شيء، فيكون مثل شيء وثلث شيء، فإذا
جبرنا وقابلنا، كان عشرون مثل شيئين، فعرفنا أن الشيء عشرة، وهي ثلث
الثلاثين.
وامتحانه أن نقول: ثلث قفيز المريض عشرة، وثلث قفيز الصحيح
في مقابله ثلاثة وثلث، فالمحاباة ستة وثلثان، وقد بقي في يدي الورثة ثلثا
قفيز، وهو عشرون يؤدى منه قيمة ثلثي قفيز الصحيح، وهي ستة وثلثان
يبقى في أيديهم ثلاثة عشر وثلث، وهي مثلا المحاباة.
هذا إذا أتلف صاحب القفيز الجيد ما أخذه، أما إذا أتلف صاحب
القفيز الردي ما أخذه ولا مال له سوى قفيزه، ففي الصورة الاولى - وهي
ما إذا كانت قيمة قفيزه عشرين وقيمة قفيز الآخر عشرة - يصح البيع في
الحال في نصف القفيز الجيد وقيمته عشرة، ويحصل للورثة في مقابله
نصف القفيز الردي وقيمته خمسة تبقى المحاباة بخمسة، ولهم نصفه
الآخر غرامة لما أتلف عليهم، فيحصل لهم عشرة وهي مثلا المحاباة،
والباقي في ذمة متلف القفيز الجيد، ولا تجوز المحاباة في شيء إلا بعد أن
يحصل للورثة مثلاه.
وفي الصورة الثانية - وهي ما إذا كانت قيمة قفيزه ثلاثين - قال بعض
29

الشافعية: يصح البيع في نصف الجيد، وهو خمسة عشر، والمحاباة ثلثه،
وهو خمسة، وقد حصل للورثة القفيز الردي وقيمته عشرة، وهي ضعف
المحاباة، فيبقى في ذمة المشتري خمسة عشر كلما حصل منها شيء
جازت المحاباة في مثل ثلثه (1).
وغلطه بعضهم؛ لأنا إذا صححنا البيع في نصف الجيد، فإنما
نصححه بنصف الرديء، وهو خمسة، فتكون المحاباة بعشرة لا بخمسة،
وإذا كانت المحاباة بعشرة، فالواجب أن يكون في يد الورثة عشرون،
وليس في أيديهم إلا عشرة. فالصواب أن يقال: يصح البيع في ربع القفيز
الجيد، وهو سبعة ونصف بربع الردي، وهو درهمان ونصف، فتكون
المحاباة بخمسة وفي يد الورثة ضعفها عشرة (2).
مسألة 561: كما تعتبر محاباة المريض في البيع من الثلث، كذا تعتبر
محاباته في الإقالة من الثلث، سواء قدرت الإقالة فسخا كما هو مذهبنا، أو
بيعا جديدا كما هو مذهب الشافعي (3).
إذا ثبت هذا، فنقول: إذا باع مريض قفيز حنطة يساوي عشرين من
مريض بقفيز حنطة يساوي عشرة ثم تقايلا وماتا في المرض والقفيزان
بحالهما ولا مال لهما سواهما ولم تجز الورثة ما زاد من محاباتهما على
الثلث، فإن منعنا من تفريق الصفقة - كما هو مذهب الشافعي (4) - وقلنا
بالتصحيح بجميع الثمن، فلا بيع ولا إقالة.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 152.
(3) الوسيط 3: 492 - 493، العزيز شرح الوجيز 4: 281 - 282، المجموع 9:
269.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 153.
30

وإن قلنا بالتصحيح بالقسط، فيدور كل واحد - مما نفذ فيه البيع
والإقالة - على الآخر؛ لأن البيع لا ينفذ إلا في الثلث، وبالإقالة يزيد ماله
فيزيد ما نفذ فيه البيع، وإذا زاد ذلك، زاد مال الثاني، فيزيد ما نفذ فيه
الإقالة.
فالطريق أن نقول: صح البيع في شيء من القفيز الجيد، ورجع إليه
من الثمن نصف ذلك، فبقي في يده عشرون إلا نصف شيء، وفي يد
الآخر عشرة ونصف شيء، ثم إذا تقايلا، فالإقالة فيهما (1) تصح في ثلث
مال المقيل فيأخذ ثلث عشرة و [ثلث] (2) نصف شيء وهو ثلاثة وثلث
وسدس شيء، فيضمه إلى مال الأول، وهو عشرون إلا نصف شيء يصير
ثلاثة وعشرين وثلثا إلا ثلث شيء، وهذا يجب أن يكون مثلي المحاباة
أولا، وهو نصف شيء، فيكون ذلك كله مثل شيء، فإذا جبرنا وقابلنا،
كان ثلاثة وعشرون وثلث مثل شيء وثلث شيء يبسط الشيء والثلث أثلاثا
يكون أربعة والشيء ثلاثة أرباعه.
فإذا أردنا أن نعرف كم الشيء من ثلاثة وعشرين وثلث، فسبيله أن
نصحح السهام بأن نجعل كل عشرة ثلاثة؛ لأن الزائد على العشرين ثلاثة
وثلث، وهو ثلث العشرة، فإذا جعلنا كل عشرة ثلاثة أسهم، صار عشرون
وثلاثة وثلث سبعة أسهم، فتزيد قسمتها على الأربعة، والسبعة لا تنقسم
على الأربعة، فتضرب سبعة في أربعة يكون ثمانية وعشرين، فالشئ ثلاثة
أرباعها، وهي أحد وعشرون. فإذا عرفنا ذلك، رجعنا إلى الأصل وقلنا:
العشرون التي كانت قيمة القفيز صارت أربعة وعشرين؛ لأنا ضربنا كل ثلاثة

(1) كذا، والظاهر: " إنما " بدل " فيهما ".
(2) أضفناها لأجل السياق.
31

- وهي سهام العشرة - في أربعة، فصارت اثني عشر، فتكون العشرون أربعة
وعشرين وقد صح البيع في أحد وعشرين، وذلك سبعة أثمان أربعة
وعشرين.
وإذا عرفنا ذلك وأردنا التصحيح من غير كسر، جعلنا القفيز الجيد
ستة عشر، والقفيز الردي ثمانية، وقلنا: صح البيع في سبعة أثمان الجيد
- وهي أربعة عشر - بسبعة أثمان الردي، وهي سبعة، فتكون المحاباة
سبعة، ويبقى في يد بائع الجيد [تسعة] (1): سهمان بقيا عنده، وسبعة أخذها
عوضا، ويحصل في يد الآخر خمسة عشر؛ لأنه أخذ أربعة عشر وكان قد
بقي في يده سهم، فلما تقايلا نفذت الإقالة في عشرة - وهي خمسة أثمان
القفيز الجيد - بخمسة أثمان القفيز الردي وهي خمسة، فقد أعطى عشرة
وأخذ خمسة، فالمحاباة بخمسة. والحاصل من ذلك كله: المستقر في يد
الأول أربعة عشر مثلا محاباته سبعة، وفي يد الثاني عشرة مثلا محاباته
خمسة.
ولو كانت المسألة بحالها والقفيز الجيد يساوي ثلاثين، فنقول: صح
البيع في شيء منه، ورجع إليه من الثمن مثل ثلث ذلك الشيء، فبقي في
يده ثلاثون إلا ثلثي شيء، وفي يد الآخر عشرة وثلثا شيء، فإذا تقايلا،
أخذنا ثلث عشرة وثلثي شيء، وذلك ثلاثة دراهم وثلث وتسعا شيء يضم
إلى مال الأول، فيصير ثلاثة وثلاثين وثلثا إلا أربعة أتساع شيء، وهو مثلا
المحاباة، وهي ثلثا شيء، فيكون مثل شيء وثلث شيء، فإذا جبرنا
وقابلنا، صار ثلاثة وثلاثون وثلث مثل شيء وسبعة أتساع شيء، فعلمنا أن

(1) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " منه ". والظاهر ما أثبتناه
بقرينة السياق.
32

ثلاثة وثلاثين وثلثا يجب أن تقسم على شيء وسبعة أتساع شيء، فيبسط
هذا المبلغ أتساعا يكون ستة عشر الشيء منه تسعة، والعدد المذكور
لا ينقسم على ستة عشر، فنصحح السهام بأن نجعل كل عشرة ثلاثة؛ لأن
الزائد على الثلاثين ثلاثة وثلث، وذلك ثلث العشرة، فإذا فعلنا ذلك،
صارت ثلاثة وثلاثون وثلث عشرة أسهم يحتاج إلى قسمتهما على ستة
عشر، وعشرة لا تنقسم على ستة عشر، لكن بينهما توافق بالنصف، فنضرب
جميع أحدهما في نصف الآخر يكون ثمانين، فنرجع إلى الأصل ونقول:
الثلاثون التي كانت قيمة القفيز صارت اثنين وسبعين، والشيء كان تسعة من
ستة عشر صار مضروبا في نصف العشرة، وهو خمسة صارت خمسة
وأربعين، وذلك خمسة أثمان اثنين وسبعين، فعرفنا صحة البيع في خمسة
أثمان القفيز الجيد.
فإن أردنا التصحيح على الاختصار من غير كسر، جعل القفيز الجيد
أربعة وعشرين ليكون للقفيز الردي - الذي هو ثلثه - ثمن صحيح، فنقول:
صح البيع في خمسة أثمان الجيد - وهي خمسة عشر - بخمسة أثمان
الردي، وهي خمسة، فتكون المحاباة بعشرة، ويبقى في يد بائع الجيد
أربعة عشر: تسعة بقيت عنده، وخمسة أخذها عوضا، ويحصل في يد
الآخر ثمانية عشر؛ لأنه أخذ خمسة عشر، وكان قد بقي عنده ثلاثة، فلما
تقايلا نفذت الإقالة في تسعة، وهي ثلاثة أثمان الجيد بثلاثة أثمان الردي،
وهي ثلاثة، فقد أعطى تسعة وأخذ ثلاثة تكون المحاباة بستة، ويستقر في
يد الأول عشرون: تسعة أخذها بحكم الإقالة، وأحد عشر هي التي بقيت
عنده من أربعة عشر بعد رد الثلاثة، وذلك مثلا محاباته عشرة، وفي يد
الثاني اثنا عشر: ثلاثة أخذها بحكم الإقالة، وتسعة بقيت عنده من ثمانية
33

عشر بعد رد التسعة، وذلك مثلا محاباته.
وهنا طريقة سهلة المأخذ مبنية على أصول ظاهرة:
منها: أن القفيز الجيد في هذه المسائل يعتبر بالأثمان، فيقدر ثمانية
أسهم، وينسب الردي إليه باعتبار الأثمان.
ومنها: أن محاباة صاحب الجيد لا تبلغ أربعة أثمان أبدا ولا تنقص
عن ثلاثة أثمان أبدا، بل تكون بينهما، فإذا أردت أن تعرف قدرها، فانسب
القفيز الردي إلى الجيد، وخذ مثل تلك النسبة من الثمن الرابع.
وإذا أردت أن تعرف ما يصح البيع فيه من القفيز، فانسب الردي إلى
المحاباة في الأصل وزد مثل تلك النسبة على التبرع، فالمبلغ هو الذي
يصح فيه البيع.
وإذا أردت أن تعرف ما يصح فيه تبرع المقيل، فانظر إلى تبرع بائع
الجيد واضربه في ثلاثة أبدا وقابل الحاصل من الضرب بالقفيز الجيد، فما
زاد على القفيز فهو تبرعه.
فإن أردت أن تعرف ما صحت فيه الإقالة، فزد على تبرعه بمثل نسبة
زيادتك على تبرع صاحبه، فالمبلغ هو الذي صحت الإقالة فيه.
مثاله في الصورة الاولى: نقول: القفيز الجيد ثمانية والردي أربعة،
فالردئ نصف الجيد، فالتبرع في ثلاثة أثمان ونصف ثمن، وإذا نسبنا
الردي إلى أصل المحاباة، وجدناه مثله؛ لأن المحاباة عشرة من عشرين،
فنزيد على المتبرع مثله يبلغ سبعة أثمان، فهو الذي صح البيع فيه.
فإذا أردنا أن نعرف تبرع المقيل، ضربنا تبرع الأول في ثلاثة يكون
عشرة ونصفا، وزيادة هذا المبلغ على الثمانية اثنان ونصف، فعرفنا أن
تبرعه في ثمنين ونصف.
34

فإذا أردنا أن نعرف ما تصح فيه الإقالة، زدنا على الثمنين والنصف
مثله يكون خمسة أثمان.
ولا يخفى تخريج الصورة الاخرى ونحوها على هذه الطريقة.
مسألة 562: إذا جمع في صفقة واحدة بين شيئين، فإما أن يكون في
عقد واحد، وقد تقدم (1) حكمه. وإما أن يكون في عقدين مختلفي الحكم،
كما إذا جمع في صفقة واحدة بين إجارة وسلم، أو نكاح وبيع، أو إجارة
وبيع.
وهو عندنا جائز؛ للأصل، وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (2).
ولأنهما عقدان يصحان منفردين، فجاز جمعهما في عقد واحد، كما
لو تماثلا، ويقسط المسمى على أجرة المثل وثمن المثل، أو مهر المثل
وثمن المثل، وهو أصح قولي الشافعي (3).
وفي الآخر: أن العقدين معا يبطلان؛ لأنهما مختلفا الحكم، فإن
الإجارة والسلم يختلفان (4) في أسباب الفسخ والانفساخ. وكذا النكاح
والبيع، والإجارة والبيع يختلفان في الحكم أيضا، فإن التأقيت يشترط في
الإجارة ويبطل البيع، وكمال القبض في الإجارة لا يتحقق إلا بانقضاء
المدة؛ لأنه قبل ذلك معرض للانفساخ، بخلاف البيع، وإذا اختلفت
الأحكام، فربما يعرض ما يوجب فسخ أحدهما، فيحتاج إلى التوزيع،
وتلزم الجهالة (5).

(1) في ص 5، المسألة 550.
(2) المائدة: 1.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 156، روضة الطالبين 3: 96.
(4) في " ي " والطبعة الحجرية: مختلفان.
(5) نفس المصدر في الهامش (3).
35

وهو غلط؛ فإن اختلاف الحكم لا أثر له، كما لو باع شقص دار
وثوبا، فإنهما اختلفا في حكم الشفعة واحتجنا إلى التوزيع فيه (1).
وصورة الإجارة والسلم أن يقول: آجرتك هذه الدار سنة، وبعتك
العبد سلما بكذا. والإجارة والبيع: أن يقول: بعتك هذا الثوب وآجرتك
داري سنة بكذا. والنكاح والبيع: بعتك هذه الجارية وزوجتك ابنتي بكذا.
وعلى قولي الشافعي ما إذا جمع بين [بيع] (2) عين وسلم، أو بيع
صرف وغيره بأن باع دينارا وثوبا بدراهم؛ لاختلاف الحكم، فإن قبض
رأس المال شرط في السلم، والتقابض شرط في الصرف، ولا يشترط ذلك
في سائر البيوع (3).
ولو قال: زوجتك ابنتي وبعتك عبدها بكذا، فهو جمع بين بيع
ونكاح، ولا خلاف في صحة النكاح، أما البيع والمسمى في النكاح فإنهما
عندنا صحيحان أيضا.
وللشافعي القولان: إن صح، وزع المسمى على قيمة المبيع ومهر
مثل المرأة، وإلا وجب في النكاح مهر المثل عنده (4).
ولو جمع بين بيع وكتابة بأن قال لعبده: كاتبتك على نجمين، وبعتك
عبدي بألف، صحا عندنا.
وأما الشافعي: فإن حكم بالبطلان في صورة النكاح، فهنا أولى، وإلا
فالبيع باطل؛ إذ ليس للسيد البيع منه قبل أداء النجوم. وفي الكتابة

(1) كذا، والظاهر: " بسببه " بدل " فيه ".
(2) إضافة من المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 156.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 157، روضة الطالبين 3: 97.
36

قولان (1).
وقال بعض الشافعية: هذا لا يعد من صور تفريق الصفقة؛ لأنا في
قول نبطل العقدين جميعا، وفي قول نصححهما جميعا، فلا تفريق (2).
مسألة 563: إنما يثبت الخلاف لو اتحدت الصفقة، أما إذا تعددت،
فلا، بل يصح الصحيح، ويبطل الباطل، فلو باع ماله في صفقة ومال غيره
في أخرى، صحت الاولى إجماعا، ويتعدد العقد إذا عين لكل شيء ثمنا
مفصلا، فيقول: بعتك هذا بكذا، وهذا بكذا، فيقول المشتري: قبلت ذلك
على التفصيل.
ولو جمع المشتري بينهما في القبول، فقال: قبلت فيهما، فكذلك
- وبه قال الشافعي (3) - لأن القبول ترتب على الإيجاب، فإذا وقع مفرقا،
فكذا القبول.
وقال بعض الشافعية: إن لم نجوز تفريق الصفقة، لم يجز الجمع في
القبول (4).
ولو تعدد البائع، تعددت الصفقة أيضا وإن اتحد المشتري والمعقود
عليه، كما لو باع اثنان عبدا من رجل صفقة واحدة، وبه قال الشافعي (5).
وهل تتعدد الصفقة بتعدد المشتري خاصة، كما لو اشترى اثنان عبدا
من رجل؟ المشهور عند علمائنا: عدم التعدد، فليس لهما الافتراق في الرد
بالعيب وعدمه؛ لأن المشتري بان على الإيجاب السابق، فالنظر إلى من
صدر منه الإيجاب، وهو أحد قولي الشافعي. وأصحهما عنده: التعدد، كما

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 157، روضة الطالبين 3: 97.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 157.
(3 - 5) العزيز شرح الوجيز 4: 157، روضة الطالبين 3: 98، المجموع 9: 385.
37

في طرف البائع (1).
مسألة 564: من فوائد التعدد والاتحاد: أنا إذا حكمنا بالتعدد فوفى
أحد المشتريين نصيبه من الثمن، وجب على البائع تسليم قسطه من
المبيع، كما يسلم المشاع. وإن حكمنا بالاتحاد، لم يجب تسليم شيء إلى
أحدهما وإن وفى جميع ما عليه حتى يوفي الآخر؛ لثبوت حق الحبس
للبائع، كما لو اتحد المشتري ووفى بعض الثمن، لا يسلم إليه قسطه من
المبيع.
وفيه وجه للشافعية: أنه يسلم إليه قسطه إذا كان المبيع مما يقبل
القسمة (2).
ومنها: أنا إذا قلنا بالتعدد، فلو خاطب واحد رجلين، فقال: بعت
منكما هذا العبد بألف، فقبل أحدهما نصفه بخمسمائة، ففي صحته
للشافعية وجهان: الصحة؛ لأنه في حكم صفقتين. وأصحهما: البطلان؛
لأن الإيجاب وقع عليهما، وأنه يقتضي جوابهما جميعا (3).
ويجري الوجهان فيما لو قال مالكا عبد لرجل: بعنا منك هذا العبد
بألف، فقبل نصيب أحدهما بعينه بخمسمائة (4).
ولو باع رجلان عبدا مشتركا بينهما من إنسان، هل لأحدهما أن ينفرد
بأخذ شيء من الثمن؟ وجهان للشافعية، أحدهما: لا. والثاني: نعم (5).
والأول مذهبنا مع اتحاد الصفقة.
مسألة 565: هل الاعتبار في الوحدة والتعدد بالعاقد الوكيل أو المعقود
له الموكل، كما لو وكل رجلان رجلا بالبيع أو بالشراء وقلنا: إن الصفقة

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 157، روضة الطالبين 3: 98، المجموع 9: 385.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 158.
38

تتعدد بتعدد المشتري، أو وكل رجل رجلين بالبيع أو الشراء؟ فيه للشافعية
وجوه:
أحدها: أن الاعتبار بالعاقد؛ لأن أحكام العقد تتعلق به، ولهذا يعتبر
رؤيته دون رؤية الموكل، وخيار المجلس يتعلق به دون الموكل.
والثاني: أن الاعتبار بالمعقود له؛ لأن الملك يثبت له.
والثالث: أن الاعتبار في طرف البيع بالمعقود له، وفي طرف الشراء
بالعاقد.
والفرق: أن العقد يتم في جانب الشراء بالمباشر دون المعقود له،
وفي جانب البيع لا يتم بالمباشر حتى لو أنكر المعقود له الإذن، بطل البيع.
وهذا الفرق إنما يتم فيما إذا كان الشراء بثمن في الذمة، أما إذا وكله
في الشراء بمعين، فهو كالوكيل بالبيع.
والرابع: أن الاعتبار في جانب الشراء بالموكل، وفي البيع بهما
جميعا، فأيهما تعدد تعدد العقد؛ لأن العقد يتعدد بتعدد الموكل في حق
الشفيع، ولا يتعدد بتعدد الوكيل حتى لو اشترى الواحد شقصا لاثنين، كان
للشفيع أن يأخذ حصة أحدهما، وبالعكس لو اشترى وكيلان شقصا
لواحد، لم يجز للشفيع أخذ بعضه، وفي جانب البيع حكم تعدد الوكيل
والموكل واحد حتى لو باع وكيل رجلين شقصا من رجل، ليس للشفيع
أخذ بعضه، وإذا ثبت ما ذكرناه في حكم الشفعة، فكذا في سائر
الأحكام (1).
ويتفرع على هذه الوجوه فروع:
أ - لو اشترى شيئا بوكالة رجلين، فخرج معيبا، وقلنا: الاعتبار

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 158 - 159، روضة الطالبين 3: 98 - 99، المجموع
9: 385 - 386.
39

بالعاقد، فليس لأحد الموكلين رد نصيبه خاصة، كما لو اشترى ومات عن
ابنين وخرج معيبا، لم يكن لأحدهما رد نصيبه خاصة.
وهل لأحد الموكلين والابنين أخذ الأرش؟
أما عندنا: فنعم.
وأما عند الشافعي: فكذلك إن وقع اليأس عن رد الآخر بأن رضي
به. وإن لم يقع، فكذلك على أصح الوجهين (1).
ب - لو وكلا واحدا ببيع عبد لهما، أو وكل أحد الشريكين صاحبه،
فباع الكل ثم ظهر عيب، فعلى الأول لا يجوز للمشتري رد نصيب
أحدهما. وعلى الوجوه الباقية يجوز.
ولو وكل رجل اثنين ببيع عبده، فباعاه من رجل، فعلى الأول يجوز
للمشتري رد نصيب أحدهما. وعلى الوجوه الباقية لا يجوز.
ولو وكلا رجلا بشراء عبد أو وكل رجل رجلا بشراء عبد له ولنفسه،
ففعل وظهر العيب، فعلى الأول والثالث ليس لأحد الموكلين إفراد نصيبه
بالرد. وعلى الثاني والرابع يجوز.
وقال القفال: إنه إن علم البائع أنه يشتري لاثنين، فلأحدهما رد
نصيبه؛ لرضا البائع بالتبعيض. وإن جهله البائع، فلا (2). ولا بأس به عندي.
ج - لو وكل اثنان رجلا ببيع عبد، ورجلان رجلا بشرائه، فتبايع
الوكيلان وخرج معيبا، فعلى الأول لا يجوز التفريق. وعلى الوجوه
الباقية يجوز.
ولو وكل رجل رجلين ببيع عبد ورجل رجلين بشرائه، وتبايع
الوكلاء، فعلى الأول يجوز التفريق، ولا يجوز على الوجوه الباقية.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 159، روضة الطالبين 3: 99، المجموع 9: 386.
40

المقصد السادس: فيما يندرج في المبيع
وضابطه الاقتصار على ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا.
والألفاظ التي تمس الحاجة إليها ستة تشتمل عليها مباحث ستة:
الأول: الأرض.
مسألة 566: إذا قال: بعتك هذه الأرض أو العرصة أو الساحة أو
البقعة، تناول اللفظ ما دل عليه حقيقة، وهو نفس الأرض، فلو كان فيها
ما هو متصل بها كالأشجار والأبنية، أو منفصل كالأمتعة وشبهها، لم يدخل.
ولا خلاف في الثاني إلا فيما يستثنى من المفتاح وشبهه، وإنما
اختلفوا في الأول.
فإذا قال: بعتك هذه الأرض دون ما فيها من البناء والشجر،
لم يدخلا إجماعا.
وإن قال: بعتكها بما فيها أو بما اشتملت عليه حدودها، دخلا قطعا.
وإن أطلق، لم تدخل عندنا؛ لخروجها عن مسمى الأرض.
وقال الشافعي هنا: إنه يدخل في البيع. وقال في الرهن: إذا قال:
رهنتك هذه الأرض، ولم يقل: بحقوقها، لم يدخل الشجر والبناء في
الرهن (1).

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 285، التهذيب - للبغوي - 3: 375، الوسيط 3:
169، الحاوي الكبير 5: 176، حلية العلماء 4: 196 - 197، العزيز شرح الوجيز
4: 328، روضة الطالبين 3: 194، المغني 4: 215، الشرح الكبير 4: 203.
41

واختلف أصحابه على طرق ثلاثة:
أحدها: أن البناء والغراس لا يدخل في بيع الأرض إذا كان مطلقا،
وكذلك في الرهن، والذي قال هنا أراد به إذا قال: بحقوقها؛ لأن الأرض
اسم لا يتناول البناء والشجر، وهما ينفردان عنها في البيع، فلم يدخلا في
البيع باسم الأرض.
الثاني: أن جوابه مختلف، ولا فرق بين البيع والرهن، فتكون
المسألتان على قولين، أحدهما: لا يدخل فيهما البناء والشجر. والثاني:
يدخلان؛ لأنهما للدوام والثبات في الأرض، فأشبهت أجزاء الأرض، ولهذا
يلحق بها في الأخذ بالشفعة.
الثالث: الفرق بين البيع والرهن؛ فإن البيع يزيل الملك، فهو أقوى
من الرهن الذي لا يزيله. ويفيد البيع ملك ما يحدث في الأرض من
الشجر، بخلاف الرهن، فليستتبع البيع البناء والشجر، ولهذا كان النماء
الحادث في الأصل المبيع للمشتري، ولم يكن النماء الحادث في الأصل
المرهون مرهونا. وهذا الثالث عندهم أوضح الطرق (1).
لا يقال: لو باع النخل، لم تدخل فيه الثمرة وإن كانت متصلة.
لأنا نقول: الثمرة لا تراد للبقاء، فليست من حقوقها، بخلاف البناء
والشجر.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 285، التهذيب - للبغوي - 3: 375، الوسيط 3:
169، حلية العلماء 4: 197، الحاوي الكبير 5: 177، العزيز شرح الوجيز 4:
328 - 329، روضة الطالبين 3: 194 - 195، المغني 4: 215، الشرح الكبير 4:
203.
42

والوجه ما قلناه أولا.
مسألة 567: لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، ففي دخول البناء
والشجر إشكال عندي أقربه: عدم الدخول؛ لأن ذلك ليس من حقوق
الأرض، بل حقوقها الممر ومجرى الماء وأشباه ذلك.
وقال الشيخ (رحمه الله): يدخل (1). وبه قال الشافعي (2).
وحكى الجويني في وجه أنه لا يدخل (3)، كما قلناه.
وقد روى محمد بن الحسن الصفار عن العسكري (عليه السلام) في رجل
اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة فيها زرع ونخل وغيرهما من
الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر فيه أنه قد
اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة عنها أتدخل النخل والأشجار
والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع (عليه السلام) " إذا ابتاع الأرض بحدودها وما
أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها " (4).
وهذا الخبر صحيح لا ريب فيه، إنما المشكل صورة النزاع، فإنه فرق
بين أن يبيع الأرض بحقوقها وهو المتنازع، وبين أن يبيعها بما أغلق (5) عليه
بابها الذي هو الجواب، فإن الشجر والبناء والزرع والبذر وأصل البقل
تدخل في الصورة الثانية.
وكذا لو قال: بعتك الأرض بما فيها أو ما اشتملت عليه حدودها.
مسألة 568: الزرع قسمان:

(1) المبسوط - للطوسي - 2: 105، الخلاف 3: 82، المسألة 132.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 285، التهذيب - للبغوي - 3: 375، العزيز شرح
الوجيز 4: 328، روضة الطالبين 3: 194.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 328.
(4) التهذيب 7: 138 / 613.
(5) في الطبعة الحجرية: " يغلق ".
43

أ - ما لا تتعدد فائدته وثمرته، بل توجد (1) مرة واحدة، كالحنطة
والشعير والدخن وغيرها. وهذا لا يدخل في الأرض لو قال: بعتك هذه
الأرض؛ لأنه ليس للدوام والثبات، فكان كالأمتعة في الدار.
وكذا لا يدخل في الأرض الجزر الثابت ولا الفجل ولا السلق
ولا الثوم، كالحنطة والشعير، وبه قال الشافعي (2).
أما لو قال: بعتك هذه الأرض بحقوقها، فإن هذا القسم من الزرع
لا يدخل عندنا؛ لأن الثابت المستمر - كالبناء والغرس - لا يدخل، فغيره
أولى بعدم الدخول، وبه قال الشافعي (3).
ب - ما تتعدد فائدته وتوجد (4) ثمرته مرة بعد أخرى في سنتين
وأكثر، كالقطن والباذنجان والنرجس والبنفسج، ولا تدخل في الأرض
أصولها عندنا وإن قال: بحقوقها.
وللشافعي قولان كالأشجار (5).
وأما الظاهر من ثمارها عند العقد فهو للبائع.
وفي النرجس والبنفسج وجه للشافعية: أنهما من قبيل الزرع
لا يدخلان (6).
وأما ما يجز مرارا كالقت والقصب والهندباء والكراث والنعناع
والكرفس والطرخون فلا تدخل في الأرض عندنا وإن قال: بحقوقها،
لا ما ظهر منها ولا أصولها.

(1) الظاهر: " تؤخذ " بدل " توجد ".
(2) الحاوي الكبير 5: 185، التهذيب - للبغوي - 3: 376، العزيز شرح الوجيز 4:
329، روضة الطالبين 3: 195.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 3: 196.
(4) الظاهر: " تؤخذ " بدل " توجد ".
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196.
44

وقال الشافعي: لا تدخل الجزة الظاهرة عند البيع، بل هي للبائع،
وفي دخول الأصول الخلاف (1).
وعند بعضهم أنها تدخل قطعا في بيع الأرض؛ لأنها كامنة فيها بمنزلة
أجزائها (2).
وبالجملة، كل زرع لا يدخل في البيع لا يدخل وإن قال: بعت
الأرض بحقوقها عند الشافعي (3).
مسألة 569: إذا باع الأرض وفيها زرع، كان البيع صحيحا؛ عملا
بالأصل، كما لو باع دارا مشغولة بأمتعة البائع، وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو إسحاق من الشافعية: إن للشافعي فيها قولين، كما لو باع
العين المستأجرة، فإن فيها قولين باعتبار استثناء المنفعة، والمعتدة إذا
استحقت السكنى في الدار، لم يجز بيعها عندهم قولا واحدا (5).
وأنكر باقي أصحاب الشافعي عليه، وفرقوا بينهما؛ لأن بقاء الزرع
في الأرض لا يحول بين يدي المشتري وبين الأرض، وإنما للبائع ترك
الزرع والدخول للحاجة إلى ذلك، بخلاف المستأجر والمعتدة، فإن يدهما
حائلة، وفرق بينهما، ولهذا لو زوج أمته وباعها، يصح البيع قولا واحدا؛
لأن يد الزوج ليست حائلة، وإنما ينتفع ببعض منافعها.
قالوا: ولو كان الأمر على ما قاله أبو إسحاق، لكان البيع هنا باطلا
قولا واحدا؛ لأن مدة إكمال الزرع مجهولة (6).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 3: 196.
(4) الوجيز 1: 148، العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 3: 195.
(5 و 6) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
45

مسألة 570: إذا ثبت أن البيع صحيح، وأن الزرع للبائع، فإن له تبقيته
إلى أوان الحصاد بغير أجرة عليه في المدة - وبه قال الشافعي (1) - لأن تبقية
الزرع مستثناة من بيعه، فكأنه باع العين دون المنفعة.
وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك؛ لأنه بالبيع ملك المشتري المنافع (2).
وهو ممنوع.
إذا ثبت هذا، فإنه إذا حضر وقت الحصاد، أمر بالقطع وتفريغ
الأرض، وعليه تسويتها وقلع العروق التي يضر بقاؤها بالأرض، كعروق
الذرة، كما لو كان في الدار دابة لا يتسع لها الباب، فإنها تنقض، وعلى
البائع ضمانه.
ولو قطع البائع الزرع قبل أوان حصاده، لم يكن له الانتفاع بالأرض،
وكانت المنفعة للمشتري؛ لأنه إنما استحق تبقية هذا الزرع قضاء للعادة
بالتبقية، ولئلا يتضرر بقطعه، وهذه الضرورة قد زالت، فإذا أزاله، لم يكن
له الانتفاع بمكانه، كما لو باع دارا فيها قماش له، فإن عليه نقله بمجرى
العادة، فإن جمع الحمالين ونقله في ساعة واحدة، لم يكن له حبس الدار
إلى أن يمضي زمان العادة في النقل والتفريغ، كذا هنا.
وإذا ترك الزرع حتى استحصد، وجب عليه نقله بحسب الإمكان،
فإن أراد تبقيته؛ لأنه أنفع له، لم يترك، فإذا حصده، فإن بقي له أصول
لا تضر بالأرض، لم يكن عليه نقلها، وإلا وجب.
مسألة 571: إذا كان المشتري جاهلا بالزرع بأن تقدمت رؤيته للأرض
قبل البيع وقبل الزرع، ثم باعها بعده، كان له الخيار في فسخ البيع؛ لنقص

(1) حلية العلماء 4: 207، العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196.
(2) حلية العلماء 4: 207، العزيز شرح الوجيز 4: 330.
46

المبيع عادة، وعدم تمكنه من الانتفاع به عقيب العقد وهو مقتضاه. وإن
شاء أجاز البيع مجانا بغير أرش ولا أجرة.
وإن كان عالما، لزمه البيع، وسقط خياره، كعالم العيب قبل البيع.
وإذا خلى البائع بينه وبين الأرض المشغولة بزرعه، كان إقباضا له.
وهل يدخل في ضمان المشتري بذلك؟ الأقرب: ذلك وإن تعذر
انتفاعه بها؛ لشغل الزرع المتقدم - وهو أظهر قولي الشافعية (1) - لحصول
التسليم في الرقبة، وهي المبيعة.
والثاني: لا يدخل في ضمان المشتري؛ لأنها مشغولة بملك البائع،
كما ذكرنا فيما إذا كانت الدار مشحونة بأمتعة البائع (2).
والمعتمد: الأول، والفرق أن التفريغ في الأمتعة متأت في الحال،
على أن الجويني أورد فيها وجها (3) أيضا.
مسألة 572: إذا كان في الأرض أصول لما يجز مرة بعد أخرى، فقد
قلنا: إنها لا تدخل في بيع الأرض.
وقال الشافعي: تدخل. فعلى قوله يشترط المشتري على البائع قطع
الجزة الظاهرة؛ لأنها تزيد، ويشتبه المبيع بغيره (4).
وكذا عندنا لو شرط دخول أصولها في العقد.
ولا فرق بين أن يكون ما ظهر بالغا أوان الجز أو لا يكون.
قال بعض الشافعية: إلا القصب، فإنه لا يكلف قطعه إلا أن يكون
ما ظهر قدرا ينتفع به. ولو كان في الأرض أشجار خلاف تقطع من وجه

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 329، روضة الطالبين 3: 195.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 329.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196.
47

الأرض، فهي كالقصب (1).
مسألة 573: لو كان في الأرض بذر كامن لم يظهر، لم يدخل في بيع
الأرض وإن قال: بحقوقها، على ما تقدم.
وقال الشافعي هنا بالتفصيل الذي ذكره في الزرع، فالبذر (2) الذي
لا ثبات لنباته ويؤخذ (3) دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض المبيعة،
ويبقى إلى أوان الحصاد، وللمشتري الخيار مع جهله، فإن تركه البائع له،
سقطه خياره، وعليه القبول، قاله الشافعي (4).
وعندي فيه إشكال.
ولو قال البائع: أنا آخذه وأفرغ الأرض، فلا خيار للمشتري أيضا إن
قصر الزمان، وإلا فله الخيار.
وأما البذر الذي يدوم (5) نباته، كنوى النخل والجوز واللوز وبذر
الكراث ونحوه من البقول فإن حكمها في الدخول تحت بيع الأرض حكم
الأشجار؛ لأن هذه الأصول تركت في الأرض للتبقية، فهي كأصول الشجر
إذا غرست (6).
والحق ما قلناه نحن من عدم الدخول في القسمين؛ عملا بالأصل،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196.
(2) في " س " والطبعة الحجرية: " فالقدر " بدل " فالبذر ". والكلمتان ساقطتان في " ي "
والظاهر ما أثبتناه لأجل السياق وكما هو في المصدر أيضا.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " يوجد " بدل " يؤخذ ". والظاهر ما أثبتناه وكما
هو في المصدر أيضا.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 196 - 197.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " تقدم " بدل " يدوم ". والصحيح ما أثبتناه كما هو
في المصدر أيضا.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 330، روضة الطالبين 3: 197.
48

واستصحاب ملك البائع.
مسألة 574: إذا باع أرضا وفيها حجارة، فإما أن تكون مخلوقة فيها أو
لا.
فإن كانت مخلوقة، دخلت في بيع الأرض مع الإطلاق؛ لأنها من
جملة الأرض.
ثم إن كانت مضرة بالغراس وتمنع عروقه من النفوذ، فإن كان
المشتري عالما بذلك، فلا خيار له. وإن لم يكن عالما، ثبت له الخيار؛ لأن
ذلك عيب، وبه قال الشافعي (1).
وفيه وجه (2) آخر له: أنه ليس بعيب، وإنما هو فوات فضيلة (3).
وإن لم تضر بالأرض ولا بالشجر بأن تكون بعيدة من وجه الأرض
لا تصل إليها عروق الشجر، فلا خيار للمشتري؛ لأن ذلك ليس بعيب.
وأما إن لم تكن مخلوقة في الأرض، فإما أن تكون مبنيه فيها مدرجة
في البناء، فإنها أيضا تدخل في الأرض إن قلنا بدخول البناء، أو اشترط
دخوله. وإما أن تكون مودعة فيها مدفونة للنقل [فإنها] لم تدخل في البيع
- وبه قال الشافعي (4) - لأنها بمنزلة الكنوز والأقمشة في الدار وقد تركت في
الأرض للنقل والتحويل.
وإذا كانت للبائع عند الإطلاق، فإما أن يكون المشتري عالما بالحال
من كونها في الأرض وضررها، أو جاهلا.
فإن كان عالما، فلا خيار له في فسخ العقد وإن تضرر بقلع البائع،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 331، روضة الطالبين 3: 197.
(2) في الطبعة الحجرية: " وفي وجه ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 331، روضة الطالبين 3: 197.
49

وله إجبار البائع على القلع والنقل تفريغا لملكه؛ لأنه لا عرف في تبقيتها،
بخلاف الزرع، فإن له أمدا ينتظر.
ولا أجرة للمشتري في مدة القلع والنقل وإن طالت، كما لو اشترى
دارا فيها أقمشة وهو عالم بها، لا أجرة له في مدة النقل والتفريغ.
وعلى البائع - إذا نقل - تسوية الأرض؛ لأن الحفر حصل بنقل ملكه
من غير تعد من صاحب الأرض، فكان عليه تسويتها.
وإن كان جاهلا بالحجارة أو علمها وجهل ضررها، فالأحوال أربعة:
أ - أن لا يكون في ترك الحجارة ولا في قلعها ضرر، فإن لم يحوج
النقل وتسوية الأرض إلى مدة لمثلها أجرة ولم تنقص الأرض بها، فللبائع
النقل؛ لأنها ملكه، وعليه تسوية الأرض، ولا خيار للمشتري إن كان الزمان
يسيرا. وإن كان كثيرا يضر بمنفعة الأرض، فله الخيار، فإن فسخ،
فلا كلام. وإن أجاز، فهل له الأجرة؟ وجهان.
وله إجبار البائع على النقل.
وحكى الجويني وجها أنه لا يجبر، والخيرة للبائع (1). والمذهب
عندهم الأول (2).
ب - أن لا يكون في قلعها ضرر ويكون في تركها ضرر، فيؤمر البائع
بالنقل، ولا خيار للمشتري، كما لو اشترى دارا فلحق سقفها خلل يسير
يمكن تداركه في الحال، أو كانت البالوعة مفسدة، فقال البائع: أنا أصلحه
وأنقيها، لا خيار للمشتري.
ج - أن يكون الترك والقلع معا مضرين، فيتخير المشتري، سواء

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 331، روضة الطالبين 3: 197.
50

جهل أصل الأحجار أو يكون قلعها مضرا. ولا يسقط خياره بأن يترك البائع
الأحجار؛ لما في بقائها من الضرر.
ولو قال البائع للمشتري: لا تفسخ وأنا أغرم لك أجرة المثل مدة
النقل، لم يسقط خياره أيضا، كما لو قال البائع: لا تفسخ بالعيب لأغرم لك
أرشه، وهو أصح وجهي الشافعية. والثاني: السقوط (1). وليس بجيد.
ثم إن اختار المشتري البيع، فعلى البائع النقل وتسوية الأرض، سواء
كان النقل قبل القبض أو بعده.
وهل تجب أجرة المثل لمدة النقل إن كان النقل قبل القبض؟ قال
الشافعي: يبنى على أن جناية البائع قبل القبض كآفة سماوية أو كجناية
الأجنبي؟ إن قلنا بالأول، لم تجب؛ لأن المبيع قبل القبض مضمون بالثمن،
فلا يضمن البائع إلا ما يتقسط عليه الثمن. وإن قلنا بالثاني، فهو كما لو نقل
بعد القبض (2).
وإن كان النقل بعد القبض، فوجهان للشافعية: عدم الوجوب؛ لأن
إجازته رضا بتلف المنفعة في مدة النقل. وأصحهما عند أكثرهم: أنها
تجب؛ لأن البيع قد استقر والمنافع مضمونة على المتلف، كضمان أجزائه
على المتلف وإن كان البائع، وكما لو جنى على المبيع بعد القبض، عليه
ضمانه.
والحاصل أن في وجوب الأجرة ثلاثة أوجه، ثالثها - وهو الأظهر
عندهم -: الفرق بين أن يكون (3) النقل قبل القبض، فلا تجب، أو بعده

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 331، روضة الطالبين 3: 198.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 378، العزيز شرح الوجيز 4: 332، روضة الطالبين 3:
198.
(3) في الطبعة الحجرية: " بين كون ".
51

فتجب (1).
ويجري مثل هذا الخلاف في وجوب الأرش لو بقي في الأرض بعد
التسوية نقصان وعيب (2).
د - أن يكون في قلعها ضرر ولا يكون في تركها ضرر، فللمشتري
الخيار، فإن أجاز، ففي الأجرة والأرش ما مر. ولا يسقط خياره بأن يقول:
اقلع واغرم الأجرة أو أرش النقص. ولو رضي بترك الأحجار في الأرض،
سقط خيار المشتري إبقاء للعقد.
ثم ينظر في الترك، فإن اقتصر البائع على قوله: تركتها للمشتري،
كان ذلك إعراضا لا تمليكا - وهو أظهر وجهي الشافعية (3) - فتكون باقية
على ملك البائع، والترك أفاد قطع الخصومة.
فإن أراد الرجوع، فله ذلك - وبه قال أكثر الشافعية (4) - ويعود خيار
المشتري.
وقال الجويني: لا رجوع له، ويلزمه الوفاء بالترك (5).
والثاني للشافعية: أنه تمليك ليكون سقوط الخيار في مقابلة ملك
حاصل (6).
ولو قال: وهبتها منك وحصلت شرائط الهبة، حصل الملك. ومنهم
من طرد الخلاف؛ لأنه لا يقصد حقيقة الهبة، إنما قصد دفع الفسخ.
وإن لم تجمع شرائط الهبة، بطلت.
وللشافعية في صحتها للضرورة وجهان، إن صححناها، ففي إفادة

(1 - 4) العزيز شرح الوجيز 4: 332، روضة الطالبين 3: 198.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 332، روضة الطالبين 3: 198 - 199.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 332، روضة الطالبين 3: 198.
52

الملك ما ذكرنا في لفظ الترك (1).
هذا كله إذا كانت الأرض بيضاء، أما إذا كان فيها غرس، نظر إن
كانت حاصلة يوم البيع واشتراها مع الأرض، فنقصان الأشجار وتعيبها
بالأحجار كعيب (2) الأرض في إثبات الخيار وسائر الأحكام.
وإن أحدثها المشتري بعد الشراء، فإن كان قد أحدثها عالما
بالأحجار، فللبائع قلعها، وليس عليه ضمان نقصان الغراس.
وإن أحدثها جاهلا، فله الأرش عندنا؛ لأنه عيب تعقبه تصرف
المشتري، فسقط رده.
وللشافعية في ثبوت الخيار للمشتري وجهان: الثبوت؛ لأن الضرر
ناش من إيداعه الأحجار في الأرض. والأصح عندهم: عدمه؛ لرجوع
الضرر إلى غير المبيع (3).
فإن كانت الأرض تنقص بالأحجار أيضا، نظر فإن لم يورث الغرس
وقلع الغروس نقصانا في الأرض، فله القلع والفسخ عند الشافعي (4)
لا عندنا.
وإن أورث الغرس أو القلع نقصانا، فلا خيار في الفسخ؛ إذ لا يجوز
له رد المبيع ناقصا، ولكن يأخذ الأرش.
وإذا قلع البائع الأحجار فانتقص الغراس، فعليه أرش النقص
بلا خلاف.
ولو كان فوق الأحجار زرع إما للبائع أو للمشتري، ترك إلى أوان

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 332، روضة الطالبين 3: 199.
(2) كذا، والظاهر: " كتعيب ".
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 333، روضة الطالبين 3: 199.
53

الحصاد؛ لأن له غاية منتظرة، بخلاف الغراس، وهو قول بعض
الشافعية (1).
وقال بعضهم: لا فرق بينه وبين الغراس (2).
تذنيب: إنما وجب على البائع والغاصب تسوية الحفر إذا حفر في
الأرض المغصوبة، ولم يوجبوا على هادم الجدار أن يعيده، بل أوجبوا
الأرش؛ لأن [طم] (3) الحفر لا يتفاوت، وهيئات البناء تختلف وتتفاوت،
فيشبه (4) [طم] (5) الحفر بذوات الأمثال، والهدم بذوات القيم حتى لو رفع
لبنة أو اثنتين (6) من رأس الجدار وأمكن الرد من غير اختلاف في الهيئة،
لزمه الرد إلى تلك الهيئة.
البحث الثاني: في البستان.
إذا قال: بعتك هذا الباغ أو البستان، دخل فيه الأرض والأشجار
والحائط الدائر عليه؛ لأن لفظ " البستان " يدل على مجموع هذه الأشياء
بالمطابقة؛ لتبادر الذهن إليه.
ولو كان فيه بناء - كبيت أو دار - ففي دخوله في البستان ما مر في
لفظة " الأرض " فعندنا لا يدخل. وعند الشافعي قولان (7).

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 379، العزيز شرح الوجيز 4: 333، روضة الطالبين 3: 199.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 333، روضة الطالبين 3: 199.
(3 و 5) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(4) في " س، ي ": " فشبه ".
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " حتى لو وقع لبنة أو اثنتان ". وما أثبتناه يقتضيه
السياق.
(7) الحاوي الكبير 5: 179، الوجيز 1: 148، العزيز شرح الوجيز 4: 334،
الوسيط 3: 173، روضة الطالبين 3: 200.
54

وهل يدخل العريش الذي توضع عليه القضبان؟ الظاهر عند
الجويني (1) دخوله.
والأقرب عندي: عدم الدخول.
قالت الشافعية: لفظ " الكرم " كلفظ " البستان " (2).
وليس جيدا؛ فإن العادة والعرف والاستعمال تقتضي عدم دخول
الحائط في مسمى الكرم، ودخوله في البستان.
ولو قال: هذه الدار بستان، دخلت الأبنية والأشجار معا.
ولو قال: هذا الحائط بستان، أو هذه المحوطة، دخل الحائط
المحيط وما فيه من الأشجار، وأما البناء ففيه (3) ما سبق، كذا قال بعض
الشافعية (4).
ولا يظهر فرق بين الأبنية والأشجار في المحوطة، فإما أن يدخلا معا
أو يخرجا معا.
ويدخل المجاز والشرب في لفظ " البستان " و " الباغ " وإن لم يقل:
" بحقوقه " على إشكال.
البحث الثالث: في القرية.
إذا قال: بعتك هذه القرية أو الدسكرة، دخل في المبيع الأبنية

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 334، روضة الطالبين 3: 200.
(2) الوسيط 3: 173، العزيز شرح الوجيز 4: 334، روضة الطالبين 3: 200.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وأما الشافعية " بدل " وأما البناء ففيه ".
والصحيح ما أثبتناه.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 376، العزيز شرح الوجيز 4: 334، روضة الطالبين 3:
200.
55

والساحات الداخلة في السور وسور المحيط بها؛ لأن القرية اسم لذلك،
لأنها مأخوذة من الجمع.
ولا تدخل المزارع فيها - وبه قال الشافعي (1) - لأنه لو حلف أن
لا يدخل القرية، لم يحنث بدخول المزارع.
ولو قال: بعتكها بحقوقها، لم تدخل أيضا؛ لأنها ليست من حقوق
القرية، فلا بد من النص على المزارع، وبه قال أكثر الشافعية (2).
وقال بعضهم: إنها تدخل (3). وبعضهم قال: إن قال: بحقوقها،
دخلت، وإلا فلا (4).
وكلاهما ضعيف.
أما الأشجار التي في وسط القرية فإنها على الخلاف السابق فيما
لو باع أرضا وفيها شجر.
والأولى عندي عدم دخولها في القرية.
وقال بعض الشافعية: إنها تدخل في لفظ القرية، ولا تدخل في لفظ
الأرض (5).
وقال الشافعي: إذا قال: بحقوقها، دخلت الأشجار قولا واحدا (6).

(1) الحاوي الكبير 5: 179، الوسيط 3: 174، التهذيب - للبغوي - 3: 376،
العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 200، منهاج الطالبين: 106.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 376، العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3:
200.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 200.
(4) فتح العزيز بهامش المجموع 9: 31، روضة الطالبين 3: 200، وفي العزيز شرح
الوجيز 4: 335 قد سقط بعض القول فلاحظ.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 334.
(6) أنظر: العزيز شرح الوجيز 4: 334، وروضة الطالبين 3: 200.
56

وتدخل فيها البيوت وحيطانها والسقوف والطرق المسلوكة فيها.
ولو وجدت قرينة تدل على إرادة المزارع، دخلت، وإلا فلا، كما
لو ساومه على القرية ومزارعها واتفقا على ثمن معين ثم اشترى القرية
بذلك الثمن؛ فإن المزارع تدخل هنا؛ للقرينة الدالة على الدخول.
وكذا لو بذل ثمنا لا يصلح إلا للجميع، دخلت، عملا بشاهد الحال.
البحث الرابع: الدار.
مسألة 575: إذا قال: بعتك هذه الدار، دخل في المبيع الأرض
والأبنية على تنوعها حتى الحمام المعدود من مرافقها؛ لتناول اسم الدار
لذلك كله.
وعن الشافعي أن الحمام لا يدخل (1).
وحمله أصحابه على حمامات الحجاز، وهي بيوت من خشب
تنقل (2).
ولو كان في وسطها أشجار، لم تدخل عندنا.
وقال الشافعي: إن قال: بحقوقها، دخلت قطعا. وإن أطلق، فعلى
الطرق المذكورة في لفظ الأرض (3).
ونقل الجويني في دخولها ثلاثة أوجه، ثالثها: الفرق بين أن تكثر
بحيث يجوز تسمية الدار بستانا، فلا تدخل في لفظ الدار، وبين أن
لا تكون كذلك فتدخل (4).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضه الطالبين 3: 200.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 335 و 328، روضة الطالبين 3: 200 و 194.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 200 - 201.
57

مسألة 576: الآلات التي في الدار على أقسام ثلاثة:
أ - المنقولات، كالدلو والبكرة والرشا والمجارف (1) والسرر والرفوف
الموضوعة على الأوتاد من غير تسمر والسلالم التي لم تسمر ولم تطين
والأقفال والكنوز والدفائن.
وهذه لا تدخل في البيع، وبه قال الشافعي (2).
وأما المفاتيح للأغلاق المثبتة فالأقرب: دخولها - وهو أصح وجهي
الشافعية (3) - لأنها من توابع المغلاق المثبت.
والآخر: لا تدخل كسائر المنقولات (4).
وكذا الأقرب في ألواح الدكاكين الموضوعة في أبوابها الدخول؛ لأنها
أبواب لها، فأشبه الباب المثبت.
ويحتمل عدم الدخول؛ لأنها تنقل وتحول، فكانت كالفرش.
وللشافعية وجهان (5).
ب - ما أثبت في الدار تتمة لها ليدوم فيها ويبقى، كالسقوف

(1) في الطبعة الحجرية: " المخارق ". وفي " س، ي ": " المخارف ". والظاهر ما
أثبتناه.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 285، الحاوي الكبير 5: 179، التهذيب - للبغوي -
3: 379 و 380، العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 201.
(3 و 4) المهذب - للشيرازي - 1: 285، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح
الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 201.
(5) الحاوي الكبير 5: 180، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 4:
335، روضة الطالبين 3: 201.
58

والأبواب المنصوبة وما عليها من التعاليق (1) والحلق والسلاسل والضباب (2).
وهذه تدخل في البيع؛ لأنها معدودة من أجزاء الدار.
ج - ما أثبت على غير هذا الوجه، كالرفوف والدنان والإجانات
المثبتة والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجدران والتحتاني
من حجري الرحا وخشب القصار ومعجن الخباز.
والأقرب: عدم الدخول؛ لأنها ليست من أجزاء الدار، وإنما أثبتت
لسهولة الارتفاق بها كيلا تتزعزع وتتحرك عند الاستعمال.
وللشافعي في الفوقاني من حجري الرحا وجهان إن أدخلنا التحتاني،
والأصح: الدخول عندهم (3).
وقطع الجويني بدخول الحجرين في بيع الطاحونة، وبدخول
الإجانات المثبتة إذا باع باسم المدبغة (4).
مسألة 577: في دخول مسيل الماء في بيع الأرض وشربها من القناة
والنهر المملوكين إشكال أقربه: عدم الدخول، إلا أن يشترطها ويقول:
" بحقوقها ".
وعن بعض الشافعية أنه لا يكفي ذكر الحقوق (5).

(1) الظاهر: " المغاليق " بدل " التعاليق ".
(2) في " س، ي ": " الضبات ". وفي الطبعة الحجرية: " والضباط ". وهو غلط،
والظاهر ما أثبتناه. والضبة: حديدة عريضة يضبب بها الباب والخشب. والجمع:
ضباب. لسان العرب 1: 541 " ضبب ".
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 285، حلية العلماء 4: 179 - 180، التهذيب
- للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 4: 335، روضة الطالبين 3: 201.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3: 201.
(5) فتح العزيز بهامش المجموع 9: 34، وفي العزيز شرح الوجيز 4: 336 قد سقط
حرف " لا " في قوله: " لا يكفي "، روضة الطالبين 3: 202.
59

ولا تدخل الحجارة المدفونة ولا الآجر المدفون؛ لأنه مودع فيها، إلا
أن تكون الحجارة والآجر مثبتين فيها.
مسألة 578: إذا كان في الدار بئر الماء، دخلت في المبيع؛ لأنها من
أجزاء الدار، وبه قال الشافعي (1).
وأما الماء الحاصل في البئر فالأقرب دخوله.
وللشافعي وجهان:
أحدهما: أنه مملوك لصاحب الدار؛ لأنه نماء ملكه، فكان داخلا في
ملكه كلبن الشاة، وبه قال ابن أبي هريرة.
والثاني: أنه غير مملوك، لأنه يجري تحت الأرض ويجيء إلى ملكه،
فهو بمنزلة الماء يجري من النهر إلى ملكه لا يملكه بذلك. ولأنه لو كان
ملكا لصاحب الدار، لم يجز للمستأجر إتلافه؛ لأن الإجارة لا تستحق
إتلاف الأعيان، فعلى هذا لو دخل داخل فاستقى ماء بغير إذن صاحب
الدار، ملك الماء وإن كان متعديا بالدخول (2).
وإذا باع الماء الذي في البئر، لم يصح البيع على الوجهين عند
الشافعي (3)؛ لأنه في أحد الوجهين لا يملك الماء، فلا يصح. وفي الآخر:
يكون الماء مجهولا فيها، ولا يمكن تسليمه؛ لأنه إلى أن يسلمه يختلط به
غيره، فإذا باع الدار، لم يدخل الماء في البيع المطلق على الوجهين.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3:
202.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 285، حلية العلماء 4: 198، التهذيب - للبغوي - 3:
380، العزيز شرح الوجيز 4: 336، و 6: 239 - 240، روضة الطالبين 3: 202،
و 4: 373، المغني 4: 217، الشرح الكبير 4: 203.
(3) أنظر: العزيز شرح الوجيز 6: 242، وروضة الطالبين 4: 375.
60

وأما عندنا فإنه يجوز بيعه منضما إلى الدار، والجهالة لا تضر؛ لأنها
تابعة، كأساسات الحيطان.
وإن شرط دخول الماء في البيع، صح عندنا وعنده على قوله: إن
الماء مملوك (1).
وأما العيون المستنبطة فإنها مملوكة.
وهل يملك الذي فيها؟ أما عندنا: فنعم. وأما عند الشافعي:
فوجهان (2).
ولا يمكن بيع الماء الذي فيها منفردا؛ للجهالة. ويجوز بيع العين
وجزء منها.
وأما المياه التي في الأنهار - كالفرات ودجلة وما دونها من المياه في
الجبال والعيون - فليست مملوكة، ومن أخذ منها شيئا وحازه (3) ملكه،
وجاز له بيعه.
وإذا جرى من هذه المياه شيء إلى ملك إنسان، لم يملكه بذلك،
كما لو توحل ظبي في أرضه أو نزل ثلج إلى ساحته.
وكذا إذا حفر نهرا فجرى الماء إليه من هذه الأنهار، لم يملكه بذلك،
فيجوز لغيره الشرب منه.
أما لو حفر النهر وقصد بذلك إجراء الماء وكان النهر مملوكا له،
فالأولى أنه يملكه؛ لأنه قد حازه (4) حيث أجراه في نهره، فكان كما لو أخذ
في آنيته.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3: 202.
(2) أنظر: العزيز شرح الوجيز 6: 240، وروضة الطالبين 4: 373، والمغني 4:
217، والشرح الكبير 4: 203.
(3 و 4) في الطبعة الحجرية و " س، ي ": " أحازه ". والصحيح ما أثبتناه.
61

مسألة 579: لو كان في الأرض أو الدار معدن ظاهر - كالنفط والملح
والغاز والكبريت - فهو كالماء هل يملكه صاحب الأرض؟ للشافعية وجهان (1).
وعندنا أنه مملوك له إذا كان في ملكه.
وإن كان باطنا كالذهب والفضة وغيرهما من الجامدات، فهي مملوكة
تتبع الأرض في الملك وفي البيع؛ لأنها جزء منها - وبه قال الشافعي (2) -
إلا أنه لا يجوز بيع معدن الذهب بالذهب.
ولو بيع بالفضة، جاز عندنا، وعنده قولان (3) سبقا في الجمع بين
البيع والصرف.
مسألة 580: لو باع دارا في طريق غير نافذ، دخل حريمها في البيع
وطريقها. وفي دخول الأشجار فيه ما سبق. وإن كانت في طريق نافذ،
لم يدخل الحريم والأشجار في البيع، بل لا حريم لمثل هذه الدار، قاله
الشافعي (4).
مسألة 581: لو باع دارا، دخل فيها الأعلى والأسفل؛ لأن اسم الدار
يشملهما، إلا أن تشهد العادة باستقلال الأعلى بالسكنى، فلا يدخل. وكذا
الخان.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 285، حلية العلماء 4: 199، التهذيب - للبغوي - 3:
380، العزيز شرح الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3: 202.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 285، التهذيب - للبغوي - 3: 380، العزيز شرح
الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3: 202.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 336، روضة الطالبين 3: 202.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 380 - 381، العزيز شرح الوجيز 4: 337، روضة
الطالبين 3: 202 - 203.
62

البحث الخامس: العبد.
مسألة 582: إذا باع عبده أو أمته، لم يتناول العقد مال العبد إن كان له
مال وقلنا: إنه يملك بالتمليك؛ اقتصارا على ما يتناوله اللفظ وإبقاء لغيره
على أصله.
ولو شرط البائع المال لنفسه، فلا بحث في أنه له؛ لأن ملك العبد
ناقص، وللمولى انتزاعه منه دائما.
وإن باعه مع المال، فإن قلنا: إنه لا يملك ما ملكه مولاه، اعتبر فيه
شرائط البيع، فلو كان مجهولا، لم يصح. وكذا لو كان دينا والثمن دين، أو
كان ذهبا والثمن منه.
ولو كان ذهبا والثمن فضة أو بالعكس، جاز عندنا.
وللشافعي قولان (1).
وإن قلنا: إنه يملك، انتقل المال إلى المشتري مع العبد، ولا تضر
الجهالة عند الشافعي (2)؛ لأن المال هنا تابع وجهالة التابع محتملة كجهالة
الأساسات والحمل واللبن وحقوق الدار، بخلاف الأصل؛ فإنه لا يحتمل
الجهالة.
وقال بعض الشافعية: إن المال ليس بمبيع لا أصلا ولا تبعا ولكن
شرطه للمبتاع تبقية له على العبد كما كان، فللمشتري انتزاعه، كما كان
للبائع الانتزاع، فلو كان المال ربويا والثمن من جنسه، فلا بأس. وعلى
الأول لا يجوز ذلك، ولا يحتمل الربا في التابع كما في الأصل (3).

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 337، روضة الطالبين 3: 203.
63

والتحقيق أن نقول: إن باعه العبد وماله بحيث كان المال جزءا من
المبيع، شرط فيه ما شرط في المبيع. وإن باعه العبد وشرط له المال، كان
المال للمشتري، واشترط فيه شرائط البيع.
مسألة 583: الأقرب: عدم دخول الثياب التي للعبد في بيعه؛ اقتصارا
على ما تناوله حقيقة اللفظ، كالسرج لا يدخل في بيع الدابة، وهو أحد
وجهي الشافعية. وفي الثاني: تدخل، وفيه وجهان:
أحدهما: أن ما عليه من الثياب يدخل اعتبارا بالعرف، وبه قال
أبو حنيفة (1).
ولا بأس بهذا القول عندي، وهو الذي اخترناه في كتاب القواعد (2).
والثاني: يدخل ساتر العورة دون غيره (3).
ولا وجه له؛ لأن العرف يقضي بالثاني واللغة بالأول، فهذا لا اعتبار
به.
ولو جرده من الثياب وباعه، لم تدخل قطعا.
وكذا البحث في عذار الدابة ومقودها.
ويدخل نعلها؛ لأنه متصل بها، فصار كالجزء منها.
مسألة 584: ولا يدخل حمل الجارية ولا الدابة في بيعهما إلا مع
الشرط، ولا ثمرة شيء من الأشجار إلا النخل إذا لم يؤبر. ولو شرط خلاف
ذلك، جاز. وقد تقدم (4) البحث في هذا كله.

(1 و 3) الحاوي الكبير 5: 181، التهذيب - للبغوي - 3: 468، العزيز شرح الوجيز
4: 337 - 338، روضة الطالبين 3: 203.
(2) قواعد الأحكام 2: 85.
(4) في ج 10 ص 275 و 315 - 316 و 384، المسائل 125 و 140 و 183.
64

البحث السادس: الشجر.
مسألة 585: إذا باع شجرة، دخل أغصانها في البيع؛ لأنها معدودة من
أجزائها.
أما الغصن اليابس فالأقرب: دخوله، ولهذا يحنث لو حلف لا يمس
جزءا منها، فلمسه. والقطع لا يخرجه عن الجزئية، والدخول في مسمى
الشجرة كالصوف على الغنم.
وللشافعية وجهان، هذا أحدهما. والثاني: أنه لا يدخل؛ لأن العادة
فيه القطع، كما في الثمار (1).
ولو كانت الشجرة يابسة، دخلت أغصانها اليابسة قطعا.
وتدخل العروق أيضا في مسمى الشجرة؛ لأنها جزء منها. وكذا
الأوراق؛ لأنها جزء من الشجرة.
وفي أوراق التوت، الخارجة (2) في زمن الربيع نظر ينشأ: من أنها
كثمار سائر الأشجار، فلا تدخل. ومن أنها جزء من الشجرة (3) فتدخل، كما
في غير الربيع. وهو الأقوى عندي.
وللشافعية وجهان (4).
وكذا شجر النبق يدخل فيه ورقه.

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 370، العزيز شرح الوجيز 4: 338، روضة الطالبين 3:
204.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وفي ورق التوت الخارج ". وما أثبتناه يقتضيه
السياق.
(3) في الطبعة الحجرية: " الشجر ".
(4) راجع المصادر في الهامش (1).
65

وللشافعية طريقان، هذا (1) أحدهما، كأوراق سائر الأشجار. والثاني:
عدم الدخول؛ لأنها تلتقط ليغسل بها الرأس (2).
مسألة 586: لو باع شجرة يابسة نابتة، فعلى المشتري تفريغ الأرض
منها. ولو (3) شرط إبقاءها، فإن عين المدة، صح. وإن أبهم، بطل؛ إذ
لا حد لها ينتهي إليه.
وأطلق الشافعي البطلان لو شرط الإبقاء، كما لو اشترى الثمرة بعد
التأبير، وشرط عدم القطع عند الجذاذ (4). والفرق ظاهر.
ولو باعها بشرط القطع أو القلع، جاز.
وتدخل العروق في البيع عند شرط القلع، ولا تدخل عند شرط
القطع، بل تقطع عن وجه الأرض.
وهل له الحفر إلى أن يصل إلى منبت العروق؟ إشكال.
مسألة 587: لو باع شجرة رطبة بشرط الإبقاء أو بشرط القلع، اتبع
الشرط، فإن أطلق، فالأقرب أنه يجب الإبقاء؛ تبعا للعادة، كما لو اشترى
ما يستحق إبقاءه.
ولا يدخل المغرس في البيع عندنا؛ لأن اسم الشجرة لا يتناوله، وهو
أحد قولي الشافعي. وفي الثاني: أنه يدخل - وبه قال أبو حنيفة - لأنه
يستحق منفعة المغرس لا إلى غاية، وذلك لا يكون إلا على سبيل الملك،
ولا وجه لتملكه إلا دخوله في البيع (5).

(1) في الطبعة الحجرية: " وهذا ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 338، روضة الطالبين 3: 204.
(3) في " س، ي ": " فلو ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 339، روضة الطالبين 3: 204.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 339، روضة الطالبين 3: 204، منهاج الطالبين: 106.
66

والمقدمتان ممنوعتان؛ لأن الغاية انتهاء حياة الشجرة وقد يستحق
غير المالك المنفعة لا إلى غاية، كما لو أعار جداره ليضع غيره الجذع عليه.
فعلى الأول - الذي اخترناه - لو انقلعت الشجرة أو قلعها المالك،
لم يكن له أن يغرس بدلها، وليس له أن يبيع المغرس، وعلى الثاني له أن
يغرس بدلها ويبيع المغرس.
وكذا لو باع بستانا واستثنى منه البائع نخلة.
ولو اشترى النخلة أو الشجرة بحقوقها، لم يدخل المغرس، بل
الإبقاء، وليس له الإبقاء في المغرس ميته إلا أن يستخلف عوضا من فراخها
المشترطة.
مسألة 588: لو باع شجرة أو نخلة ولها فراخ، لم تدخل الفراخ في
النخلة والشجرة؛ لأنها خارجة عن المسمى، فلا يتناولها العقد إلا مع
الشرط.
ولو تجددت الفراخ بعد البيع، فهي لمشتري النخلة. ولا يستحق
المشتري إبقاءها في الأرض إلا مع الشرط، فإن لم يشرط، كان له قلعها
عن أرضه عند صلاحية الأخذ لا قبله، كما في الزرع، ويرجع في ذلك إلى
العادة.
ولو اشترى النخلة بحقوقها، لم تدخل الفراخ.
ولو استثنى شجرة أو نخلة من البستان الذي باعه، أو اشترى نخلة أو
شجرة من جملة البستان الذي للبائع، كان له الممر إليها والمخرج منها
ومد (1) جرائدها من الأرض.

(1) في " س ": " مدى " بدل " مد ".
67

ولو انقلعت، لم يكن له غرس أخرى، سواء كان مشتريا للنخلة أو
بائعا لها، إلا أن يستثني الأرض.
مسألة 589: لو باع النخل وعليه ثمرة ظاهرة، فإن كانت مؤبرة، فهي
للبائع إجماعا، إلا أن يشترطها المشتري، فتكون له؛ عملا بمفهوم
قوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (1).
وإن لم تكن مؤبرة، فهي للمشتري، إلا أن يشترطها البائع، فتكون
له.
ومع الإطلاق للمشتري عندنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد بن
حنبل (2) - لما رواه العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من باع نخلا بعد أن
تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع " (3).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " من باع نخلا قد لقح
فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها (4) المبتاع، قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك " (5).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع نخلا قد
أبره فثمره للذي باع إلا أن يشترط المبتاع " ثم قال: " إن عليا (عليه السلام) قال:

(1) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(2) الوسيط 3: 177، حلية العلماء 4: 201، التهذيب - للبغوي - 3: 367، العزيز
شرح الوجيز 4: 340، روضة الطالبين 3: 205، المنتقى - للباجي - 4: 215،
التفريع 2: 146، الذخيرة 5: 157، مختصر اختلاف العلماء 3: 95 / 1173،
المغني والشرح الكبير 4: 206.
(3) سنن البيهقي 5: 297، معرفة السنن والآثار 8: 68 / 11147.
(4) في المصدر: " يشترط ".
(5) الكافي 5: 177 / 12، التهذيب 7: 87 / 369.
68

قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك " (1).
وهو يدل على أن النخل إذا لم تؤبر، تكون الثمرة للمشتري؛
لأنه (عليه السلام) جعل الإبار حدا لملك البائع، وهو يدل على أنه جعل ما قبله
حدا لملك المشتري. ولأنها قبل التأبير كالجزء من النخلة لا يعلم حالها من
صحة الثمرة وفسادها.
وقال ابن أبي ليلى: إنها للمشتري بكل حال؛ لأنها متصلة بالأصل
اتصال الخلقة، فكانت تابعة له، كالأغصان (2).
ونمنع المساواة؛ فإن الغصن يطلب بقاؤه، بخلاف الثمرة، وهو جزء
من النخلة داخل في اسمها، بخلاف الثمرة. ولأنه نماء كامن لظهوره غاية،
فلم يتبع أصله بعد ظهوره، كالحمل.
وقال أبو حنيفة: تكون للبائع أبرت أولا؛ لأنه نماء جذاذ انتهى إليه
الحد، فلم يتبع أصله، كالزرع (3).
ويبطل بأنه نماء كامن لظهوره غاية، فكان تابعا لأصله قبل ظهوره،
كالحمل عنده (4)، والزرع ليس من نماء الأرض ولا متصلا بها، بل هو مودع
فيها.
مسألة 590: النخل إما فحول أو إناث، وأكثر المقصود من طلع

(1) التهذيب 7: 87 / 370.
(2) مختصر اختلاف العلماء 3: 95 / 1173، حلية العلماء 4: 201، شرح السنة
- للبغوي - 5: 77، المغني والشرح الكبير 4: 206.
(3) مختصر اختلاف العلماء 3: 95 - 96 / 1173، الوسيط 3: 178، حلية العلماء
4: 201، شرح السنة - للبغوي - 5: 77، العزيز شرح الوجيز 4: 340، المغني
والشرح الكبير 4: 206.
(4) الاستذكار 19: 14 / 27911 و 27912.
69

الفحول استصلاح ثمرة الإناث به.
والذي يبدأ (1) أولا منها أكمة صغيرة ثم تكبر وتطول حتى تصير
كآذان الحمار، فإذا كبرت تشققت فتظهر العناقيد في أوساطها فيذر فيها
طلع الفحول ليكون الحاصل من رطبها أجود، فالتشقيق وذر طلع الفحول
فيها هو التأبير والتلقيح.
ولا فرق بين أن يؤبرها الملقح أو يؤبرها اللواقح، فإذا كانت الفحول
في ناحية الصبا فهب الصبا وقت التأبير فأبرت الإناث برائحة طلع الفحول
وكذا إذا تأبرت من نفسها، الحكم في الجميع واحد؛ لظهور المقصود.
إذا ثبت هذا، فالتأبير إنما يعتبر في إناث النخل لا فحولها، فلو باع
فحولا بعد تشقيق طلعها، لم يندرج في البيع إجماعا. وكذا إن لم يتشقق
عندنا - وهو أضعف وجهي الشافعية (2) - عملا بالأصل، وعدم تناول اسم
النخلة له، السالم عن معارضة نص التأبير؛ لأنا قد بينا أن جزءه ذر طلع
الفحل فيه، وإنما يتحقق ذلك في الإناث. ولأن طلع الفحل يؤكل على
هيئته، ويطلب لتلقيح الإناث به، وليس له غاية منتظرة بعد ذلك، فكان
ظهوره كظهور ثمرة لا قشر لها، بخلاف طلع الإناث.
والثاني: الاندراج، كما في طلع الإناث (3). وليس معتمدا.
مسألة 591: لو أبر بعض النخلة، كان جميع طلعها للبائع، ولا يشترط
لبقاء الثمرة على ملكه تأبير جميع طلعها؛ لما فيه من العسر، وعدم

(1) كذا، والظاهر: " يبدو " بدل " يبدأ ".
(2 و 3) المهذب - للشيرازي - 1: 286، حلية العلماء 4: 202، العزيز شرح الوجيز
4: 340، روضة الطالبين 3: 205.
70

الضبط، ولأنه يصدق عليه أنه قد باع نخلا قد أبر، فيدخل تحت نص أنه
للبائع، وكان غير المؤبر تابعا للمؤبر، وهو أولى من العكس، كما أن باطن
الصبرة تبع لظاهرها في الرؤية. ولأن الباطن صائر إلى الظهور، بخلاف
العكس.
ولو باع نخلات أبر بعض نخلها وبعضه غير مؤبر، فالوجه عندي: أن
النخلة المؤبرة ثمرتها للبائع، وغير المؤبرة للمشتري، سواء كانت النخلات
من نوع واحد أو من أنواع مختلفة، وسواء كانت في بستان واحد أو
بساتين.
وقال الشافعي: إن كانت في بستان واحد واتحد النوع وباعها صفقة
واحدة، فالحكم كما في النخلة الواحدة إذا أبر بعض ثمرها دون بعض.
وإن أفرد ما لم يؤبر طلعه، فوجهان:
أحدهما: أنه يبقى للبائع أيضا؛ لدخول وقت التأبير، والاكتفاء به عن
نفس التأبير.
وأصحهما عندهم: أنه يكون للمشتري؛ لأنه ليس في المبيع شيء
مؤبر حتى يجعل غير المؤبر تبعا له، فيبقى تبعا للأصل.
وإن اختلف النوع، فوجهان:
أحدهما - وبه قال ابن خيران -: أن غير المؤبر يكون للمشتري،
والمؤبر للبائع؛ لأن لاختلاف النوع تأثيرا بينا في اختلاف [الأيدي] (1) وقت
التأبير.
وأصحهما: أن الكل يبقى للبائع كما لو اتحد النوع؛ دفعا لضرر

(1) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
71

اختلاف الأيدي وسوء المشاركة.
وإن كانت في بساتين، فحيث قلنا في البستان الواحد: إن كل واحد
من المؤبر وغير المؤبر يفرد بحكمه، فهنا أولى. وحيث قلنا بأن غير المؤبر
يتبع المؤبر، فهنا وجهان، أصحهما: أن كل بستان يفرد بحكمه.
والفرق أن لاختلاف البقاع تأثيرا في وقت التأبير، وأيضا فإنه يلزم
في البستان الواحد ضرر اختلاف الأيدي وسوء المشاركة. ولأن للخطة
الواحدة من التأثير في الجميع (1) ما ليس في الخطتين، فإن خطة المسجد
تجمع بين المأموم والإمام وإن اختلف البناء وتباعدت المسافة بينهما.
ولا فرق بين أن يكون البستانان متلاصقين أو متباعدين (2).
فروع:
أ - لو باع نخلة وبقيت الثمرة له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة
أو من نخلة أخرى حيث يقتضي الحال اشتراكهما في الحكم - كما هو عند
الشافعي - احتمل أن يكون الطلع الجديد للبائع أيضا؛ لأنه من ثمرة العام،
ولأنه يصدق على تلك النخلة أنها مؤبرة. وأن يكون للمشتري؛ لأنه نماء
ملكه بعد البيع.
وللشافعية وجهان (3) كهذين.
ب - لو جمع في صفقة واحدة بين فحول النخل وإناثها، كان كما
لو جمع بين نوعين من الإناث، عند الشافعية (4).
والوجه: أن طلع الفحول للبائع، وطلع الإناث للمشتري إن لم يكن

(1) في العزيز شرح الوجيز: " الجمع ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 342 - 343، روضة الطالبين 3: 207.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 343، روضة الطالبين 3: 208.
72

مؤبرا.
ج - لو تشقق الطلع من قبل نفسه، فقد بينا أنه كما لو أبره.
وللشافعية قولان، هذا أحدهما.
وقال بعضهم: لا يندرج تحت البيع وإن لم يؤبر (1).
مسألة 592: غير النخل من الأشجار لا تدخل ثمارها في البيع
- للأصل - إذا كانت قد خرجت، سواء بدا صلاحها أو لا، وسواء كانت
بارزة أو مستترة في كمام، وسواء تشقق الكمام عنها أو لا. وكذا ورد
ما يقصد ورده، سواء تفتح أو لا، عند علمائنا. وكذا القطن وغيره.
وبالجملة، كل ما عدا النخل فإن ثمرته باقية على ملك البائع إذا كانت قد
وجدت عند العقد؛ عملا بالأصل السالم عن معارضة النص؛ لتخصيصه
بالنخل.
وقالت الشافعية: ما عدا النخل أقسام:
أولها: ما يقصد منه الورق، كشجر التوت. وقد سبق حكمه.
وشجر الحناء ونحوه يجوز أن يلحق بالتوت. ويجوز أن يقال: إذا
ظهر [ورقه، فهي] (2) للبائع بلا خلاف؛ لأنه لا ثمر له سوى الورق،
وللتوت ثمرة مأكولة.
وثانيها: ما يقصد منها الورد، وهو ضربان:
أحدهما: ما يخرج في كمام ثم يتفتح كالورد الأحمر، فإذا بيع أصله
بعد خروجه وتفتحه، فهو للبائع، كطلع النخل المؤبر. فإن بيع بعد خروجه
وقبل تفتحه، فهو للمشتري، كالطلع قبل التأبير.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 343.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من " العزيز شرح الوجيز " و " روضة الطالبين ".
73

وقال بعضهم: إنه يكون للبائع أيضا.
والثاني: ما يخرج ورده ظاهرا، كالياسمين، فإن خرج ورده، فهو
للبائع، وإلا فللمشتري.
وثالثها: ما يقصد منه الثمرة، وهو ضربان:
أحدهما: ما تخرج ثمرته بارزة بلا قشر ولا كمام، كالتين، فهو
كالياسمين، وألحق العنب بالتين وإن كان لكل حبة منه قشر لطيف ويتشقق
ويخرج منها نور لطيف؛ لأن مثل ذلك موجود في ثمرة النخل بعد التأبير،
ولا عبرة به.
والثاني: ما [لا] (1) يكون كذلك، وهو ضربان:
أحدهما: ما تخرج ثمرته في نور ثم يتناثر النور فتبرز الثمرة بغير
حائل، كالتفاح والمشمش والكمثري وأشباهها، فإن باع الأصل قبل انعقاد
الثمرة، فإنها تنعقد على ملك المشتري وإن كان النور قد خرج. وإن باعه
بعد الانعقاد وتناثر النور، فهي للبائع.
وإن باع بعد الانعقاد وقبل تناثر النور، فوجهان:
أحدهما: أنها للمشتري تنزيلا للاستتار بالنور منزلة استتار ثمر الشجر
بالكمام.
والثاني: أنها للبائع؛ تنزيلا لها منزلة استتارها بعد التأبير بالقشر
الأبيض. وهو أرجح عند الكرخي.
والثاني: ما يبقى له حائل على الثمرة المقصودة، وهو قسمان:
أحدهما: ما له قشر واحد، كالرمان، فإذا بيع أصله وقد ظهر الرمان

(1) ما بين المعقوفين من " العزيز شرح الوجيز ".
74

بقشره، فهو للبائع، ولا اعتبار بقشره؛ لأن إبقاءه من مصلحته، والذي
لم يظهر يكون للمشتري.
والثاني ما له قشران، كالجوز واللوز والفستق والرانج (1)، فإن باعها
قبل خروجها، فإنها تخرج على ملك المشتري. وإن باعها بعد الخروج،
تبقى على ملك البائع، ولا يعتبر في ذلك تشقق القشر الأعلى على أصح
الوجهين. والثاني: يعتبر.
واعلم أن أشجار الضربين الأخيرين منها: ما تخرج ثمرته في قشره
من غير نور، كالجوز والفستق. ومنها: ما تخرج في نور ثم يتناثر النور
عنه، كالرمان واللوز، وما ذكرنا من الحكم فيما إذا بيع الأصل بعد تناثر
النور عنه، فإن بيع قبله، عاد الكلام السابق (2).
مسألة 593: القطن ضربان:
أحدهما: له ساق يبقى سنين، ويثمر كل سنة، وهو قطن الحجاز
والشام والبصرة.
والثاني: ما لا يبقى أكثر من سنة واحدة.
[وفي كليهما] (3) لا يدخل الجوزق (4) الظاهر في بيع الأصل، سواء

(1) الرانج: النارجيل، وهو جوز الهند. لسان العرب 2: 284 " رنج ".
وفي " س، ي " والطبعة الحجرية: " النارنج ". وهو غلط. والصحيح ما أثبتناه كما
في المصدر أيضا.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 340 - 342، روضة الطالبين 3: 205 - 207.
(3) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وكلاهما ". والظاهر ما
أثبتناه.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الجوز " وكذا في المواضع الآتية في هذه
المسألة، ولم نعثر في اللغة على كلمة " الجوز " بهذا المعنى. والصحيح ما أثبتناه.
75

تفتح أو لا.
وقال الشافعي: القسم الأول كالنخل إن بيع الأصل قبل خروج
الجوزق أو بعده قبل تشققه، فالحاصل للمشتري. وإن بيع بعد التشقق،
فهو للبائع. والثاني كالزرع، فإن باعه قبل خروج الجوزق أو بعده قبل
تكامل القطن، فلا بد من شرط القطع. ثم إن لم يتفق القطع حتى خرج
الجوزق، فهو للمشتري؛ لحدوثه من عين ملكه (1).
وقال بعضهم: إن باعه بعد تكامل القطن، فإن تشقق الجوزق، صح
البيع مطلقا، ودخل القطن في البيع، بخلاف الثمرة المؤبرة، لا تدخل في
بيع الشجرة؛ لأن الشجرة مقصودة لثمار سائر الأعوام، ولا مقصود هنا
سوى الثمرة الموجودة. وإن لم يتشقق، لم يجز البيع في أصح الوجهين؛
لأن المقصود مستور بما ليس من صلاحه، بخلاف الجوز واللوز في القشر
الأسفل (2).
مسألة 594: إذا باع الثمرة ولم يشترط القطع، استحق المشتري الإبقاء
إلى القطاف بمجرى العادة، فإن جرى عرف قوم بقطع الثمار، فالأقرب:
إلحاق العرف الخاص بالعام، وذلك كما يوجد في البلاد الشديدة البرد
كروم لا تنتهي ثمارها إلى الحلاوة واعتاد أهلها قطع الحصرم.
إذا عرفت هذا، فالثمار يختلف زمان أخذها، فما يؤخذ في العادة
بسرا يؤخذ إذا تناهت حلاوته، وما يؤخذ رطبا إذا تناهى ترطيبه، وليس له
إلزامه بقطعه منصفا، وما يؤخذ تمرا إذا انتهى نشافه.
وكذا يرجع إلى العادة في ثمرة غير النخل من سائر الأشجار.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 342، روضة الطالبين 3: 207.
76

تذنيب: لو خيف على الأصل الضرر لو بقيت الثمرة، لم يجب
القطع وإن كان الضرر كثيرا على إشكال.
مسألة 595: لو انتقل النخل بغير عقد البيع، لم يثبت هذا الحكم فيه،
بل الثمرة الظاهرة للناقل إذا وجدت قبل النقل، سواء كانت مؤبرة أو غير
مؤبرة، عند علمائنا.
ولا فرق بين أن يكون العقد الناقل عقد معاوضة، كالنكاح والإجارة
والصلح، أو غير عقد معاوضة، كما لو أصدقها نخلا فأثمر ثم طلقها وقد
ظهر طلع غير مؤبر، فإنه يرجع بنصف النخل دون الثمرة؛ للأصل المانع
من نقل الملك عن صاحبه إلا بسبب شرعي، السالم عن معارضة البيع.
وقال الشافعي: إن عقود المعاوضات تتبع البيع، فلو أصدقها نخلا
بعد الطلع وقبل التأبير أو جعله مال إجارة أو عوض صلح، دخلت الثمرة
في العقد أيضا؛ قياسا على البيع (1).
وليس بشيء؛ لأنا نعارضه بقياس ما قبل التأبير على ما بعده.
ولو ملكها بغير عقد معاوضة، كما إذا أصدقها نخلا ثم طلقها بعد
الطلع وقبل التأبير، فإنه يرجع بنصف النخل خاصة دون الثمرة؛ لأن الزيادة
المتصلة لا تتبع في الطلاق فالثمرة أولى.
ولو باع نخلا فأثمر عند المشتري ثم أفلس بالثمن، رجع البائع
بالنخل، ولم تتبعه الثمرة عندنا؛ لانتفاء موجبه، وهو عقد البيع.
وللشافعي قولان:
أحدهما: أنها تتبع؛ لأن ملكه زال عن الأصل، فوجب أن تتبعه

(1) نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 11: 345.
77

الثمرة، كما لو زال بالبيع.
والثاني: لا تتبعه؛ لأنه رجع إليه بغير عقد معاوضة، فلم يتبعه الطلع،
كما لو طلق امرأته (1) (2).
وكذا لو وهب نخلة فيها طلع غير مؤبر، لم يتبع الطلع الأصل، وكان
باقيا على ملك الواهب، سواء كان بمعاوضة أو لا.
وللشافعي القولان (3) السابقان.
ولو رجع في الهبة بعد الطلع قبل التأبير، لم يدخل الطلع في
الرجوع.
وللشافعي القولان (4).
ولو رهن نخلا قد أطلع قبل أن يؤبر، لم يدخل في الرهن؛ اقتصارا
على ما يتناوله اللفظ. ولأن الرهن لا يزيل الملك، فلا يستتبع الثمرة.
وهو جديد الشافعي. وقال في القديم: يدخل (5).
مسألة 596: لو كانت الثمرة مؤبرة، فهي للبائع، فإن تجددت أخرى
في تلك النخلة، فهي له أيضا، وإن كان في غيرها، فللمشتري، فإن
لم تتميزا، فهما شريكان، فإن لم يعلما قدر ما لكل منهما، اصطلحا،
ولا فسخ؛ لإمكان التسليم.
وكذا لو اشترى طعاما فامتزج بطعام البائع قبل القبض، وله الفسخ.
ولو باع أرضا وفيها زرع أو بذر، فهو للبائع، فإن شرطه المشتري

(1) نقله السبكي أيضا في تكملة المجموع 11: 345.
(2) وردت العبارة في " س، ي " والطبعة الحجرية هكذا: " ولو باع نخلا فأثمرت...
ولم تتبعها الثمرة... أنه يتبع... فوجب أن تتبعها الثمرة... والثاني:
لا تتبعها... " والصحيح ما أثبتناه.
(3 - 5) كما في تكملة المجموع 11: 345.
78

لنفسه، صح، ولا تضر الجهالة؛ لأنه بائع.
وللبائع التبقية إلى حين الحصاد مجانا. فإن قلعه ليزرع غيره،
لم يكن له ذلك، سواء قصرت مدة الثاني عن الأول أو لا.
ولو كان للزرع أصل ثابت يجز مرة بعد أخرى، فعلى البائع تفريغ
الأرض منه بعد الجزة الأولى. ويحتمل الصبر حتى يستقلع.
ولا تدخل المعادن في البيع إلا مع الشرط.
ولو (1) لم يعلم بها البائع وقلنا بالدخول مع الإطلاق، تخير بين الفسخ
والإمضاء في الجميع.
ويدخل في الأرض البئر والعين وماؤهما على ما قلناه.

(1) في الطبعة الحجرية: " فلو ".
79

المقصد السابع: في التحالف
ومطالبه ثلاثة:
الأول: في سببه.
مسألة 597: إنما يقع التحالف إذا اختلفا واشتمل كلام كل من
المتبايعين على دعوى ينفيها صاحبه ولا بينة هناك، وذلك مثل أن يدعي أنه
باع عليه هذا العبد بألف، فيقول المشتري: ما بعتني العبد، بل بعتني هذه
الجارية بألف، فكل واحد منهما مدع لما ينكره الآخر، وكل منهما منكر
لما يدعيه الآخر، والمنكر يتوجه (1) عليه اليمين، فيحلف كل منهما
بيمينه (2) على نفي ما ادعاه الآخر، فيحلف المشتري أنه ما باعه هذا العبد،
ويحلف البائع أنه لم يبعه هذه الجارية، ويحكم ببطلان العقدين معا.
ولا فرق بين أن يكون الثمن معينا أو في الذمة.
وقال الشافعي: إن كان الثمن معينا، تحالفا، كما لو اختلفا في جنس
الثمن. وإن كان في الذمة، فوجهان، أحدهما: أنهما يتحالفان أيضا، كما لو
كان معينا. والثاني: أنه لا تحالف؛ لأن المبيع مختلف فيه، والثمن ليس
بمعين حتى يربط به العقد (3).
مسألة 598: ولو قال الزوج: أصدقتك أباك، فقالت: بل أمي، حلف

(1) في الطبعة الحجرية: " لما يتوجه ".
(2) في " س، ي ": " يمينه ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 3: 231.
81

كل واحد منهما (1) على نفي ما يدعيه صاحبه، ولم يجمع أحدهما في
اليمين بين النفي والإثبات، ولا يتعلق بيمينهما فسخ ولا انفساخ، بل يثبت
مهر المثل.
وللشافعي قولان:
أحدهما: التحالف، فيجمع كل منهما في يمينه بين النفي والإثبات.
والآخر: لا تحالف، بل يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر،
ولا يجمع بين النفي والإثبات في يمينه، ولا يتعلق بيمينهما فسخ
ولا انفساخ (2).
مسألة 599: لو أقام مدعي بيع العبد البينة على دعواه، وأقام مشتري
الجارية البينة على دعواه، فإن أمكن الجمع بينهما بأن يكون الثمن مطلقا
غير معين والزمان متعدد، حكم بهما معا، ويثبت (3) العقدان، ولا يمين
هنا.
وإن لم يمكن إما بأن يكون الثمن واحدا معينا، أو اتحد الزمان
بحيث لا يمكن الجمع بين العقدين، تعارضتا، وسيأتي حكم تعارض
البينتين.
وقال الشافعي: إذا أقام كل منهما بينة على ما ذكره، سلمت الجارية
للمشتري، وأما العبد فقد أقر البائع ببيعه، وقامت البينة عليه، فإن كان في
يد المشتري، أقر عنده. وإن كان في يد البائع، فوجهان:

(1) في " س ": " حلف كل منهما ".
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 376.
(3) في " س، ي ": " ثبت ".
82

أحدهما: أنه يسلم إلى المشتري، ويجبر على قبوله.
والثاني: لا يجبر؛ لأنه ينكر ملكه فيه، فعلى هذا يقبضه الحاكم،
وينفق عليه من كسبه. وإن لم يكن له كسب ورأى الحظ في بيعه وحفظ
ثمنه، فعل (1).
مسألة 600: لو اختلفا في قدر الثمن خاصة، فقال البائع: بعتك هذا
بمائة، فيقول المشتري: بخمسين، فإن كان لأحدهما بينة، قضي بها.
وإن أقام كل واحد منهما بينة على ما يقوله، سمعنا بينة من لا يكون
القول قوله مع اليمين وعدم البينة.
وعند الشافعي تسمع البينتان معا من حيث إن كل واحد منهما مدع.
وحينئذ قولان: إما التساقط، فكأنه لا بينة، وإما التوقف إلى ظهور الحال (2).
فإن لم يكن لواحد منهما بينة، قال أكثر علمائنا (3): إن كانت السلعة
قائمة، فالقول قول البائع مع يمينه. وإن كانت تالفة، فالقول قول المشتري
مع يمينه؛ لأن المشتري مع قيام السلعة يكون مدعيا لتملكها و انتقالها إليه
بما ادعاه من العوض، والبائع ينكره، وأما بعد التلف فالبائع يدعي على
المشتري مالا في ذمته، والمشتري ينكره، فيقدم قوله.
ولما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في الرجل يبيع الشئ فيقول
المشتري: هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع، قال: " القول قول البائع مع

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 3: 231.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 375 - 376، روضة الطالبين 3: 230 - 231.
(3) منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 147، المسألة 236، والمبسوط 2:
146، والنهاية ونكتها 2: 142 - 144، والقاضي ابن البراج في جواهر الفقه: 57،
المسألة 209.
83

يمينه إذا كان الشئ قائما بعينه " (1) وهو يدل بالمفهوم على أنه إذا لم يكن
قائما بعينه، يكون القول قول المشتري.
وقال بعض (2) علمائنا - ولا بأس به -: القول قول البائع إن كانت
السلعة في يده، وقول المشتري إن كانت السلعة في يده.
وقال الشافعي: يتحالفان، سواء كانت السلعة قائمة أو تالفة - وبه
قال محمد بن الحسن وأحمد في إحدى الروايتين - لما روى ابن مسعود
أن النبى (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، والمبتاع
بالخيار " (3) ومعنى ذلك أن القول قوله مع يمينه، والمبتاع بالخيار إن شاء
أخذ بما قال، وإن شاء حلف، وإنما ذكر البائع؛ لأنه يبدأ بيمينه.
ولأنهما اختلفا في العقد القائم بينهما، وليس معهما بينة، فتحالفا،
كما لو كانت السلعة قائمة. ولأن البائع مدع زيادة الثمن، ومدعى عليه في
تملك السلعة بالأقل، والمشتري بالعكس، فكل منهما مدع منكر (4).
ونمنع دلالة الخبر على المطلوب والعموم؛ إذ ليس كل اختلاف يقع
من المتبايعين يكون هذا حكمه، فلم قلتم: إن صورة النزاع منه؟
ولم قلتم: إن المبتاع يتخير بين الأخذ بقوله والحلف؟ ولم لا يجوز أن
يكون الخيار له في أن يحلفه أو يعفو عنه؟ ولا نسلم اختلافهما في العقد،

(1) الكافي 5: 174 (باب إذا اختلف البائع والمشتري) الحديث 1، الفقيه 3: 171 /
765، التهذيب 7: 230 / 1001.
(2) كابن الجنيد وأبي الصلاح الحلبي وابن إدريس، أنظر: السرائر 2: 282 - 283.
(3) سنن الترمذي 3: 570 / 1270، العزيز شرح الوجيز 4: 375.
(4) التهذيب - للبغوي - 3: 503، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين
3: 231، مختصر اختلاف العلماء 3: 126 / 1203، المبسوط - للسرخسي -
13: 30، بداية المجتهد 2: 192، المغني 4: 288، الشرح الكبير 4: 118.
84

بل في الثمن.
ونمنع ثبوت حكم الأصل؛ فإنا قد بينا أن مع قيام السلعة يكون القول
قول البائع مع يمينه من غير تحالف.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة بحالها، تحالفا.
وإن كانت تالفة، لم يتحالفا - وهو الرواية الأخرى عن أحمد - لأن القياس
يقتضي أن يكون القول قول المشتري؛ لاتفاقهما على عقد صحيح، ثم
البائع يدعي زيادة ينكرها المشتري، فيقدم قوله مع اليمين، إلا أنا تركناه
في حال قيام السلعة؛ لما روى ابن مسعود عن النبى (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا اختلف
المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا " (1) وبقي الباقي على حكم
القياس، وهو أنهما قد اتفقا على انتقال الملك إلى المشتري واختلفا فيما
يجب عليه، فالبائع يدعي زيادة ينكرها المشتري (2).
أجاب الشافعية بمنع اقتضاء القياس تقديم قول المشتري؛ لأن كل
واحد منهما مدع ومدعى عليه؛ لأن البائع يدعي العقد بألفين، والمشتري
يدعي العقد بألف، وهنا عقدان مختلفان، والخبر لم يذكر فيه التحالف
ولا في شئ من الأخبار. وعلى أن التحالف إذا ثبت مع قيام السلعة، يمكن
معرفة ثمنها في العرف، ويتعذر ذلك إذا تلفت، وكان البينة مقدما على
الدليل (3).

(1) أورده ابنا قدامة في المغني 4: 288، والشرح الكبير 4: 118.
(2) المبسوط - للسرخسي - 13: 29 و 30، مختصر اختلاف العلماء 3: 126 /
1203، التهذيب - للبغوي - 3: 504، حلية العلماء 4: 329، العزيز شرح
الوجيز 4: 376، بداية المجتهد 2: 192، المغني 4: 289 - 290، الشرح الكبير
4: 119 - 120.
(3) أنظر: العزيز شرح الوجيز 4: 376.
85

وعن مالك ثلاث روايات: إحداها كقول الشافعي. والثانية كقول
أبي حنيفة. والثالثة: إن كان قبل القبض، تحالفا. وإن كان بعد القبض،
فالقول قول المشتري؛ لأن بعد القبض صار جانب المشتري أقوى من
جانب البائع؛ لأنه لما دفع إليه السلعة ائتمنه عليها ولم يتوثق منه، فكان
القول قوله (1).
وليس بصحيح؛ لأن اليد لا تقويه مع اتفاقهم على البيع. والتسليم
باليد ليس استئمانا، وإنما يقبل قول الأمين إذا أقامه مقام نفسه، بخلاف
صورة النزاع.
وقال زفر وأبو ثور: القول قول المشتري بكل حال؛ لأنه منكر (2).
وفيه قوة.
مسألة 601: لو مات المتبايعان واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو
المثمن، فهو كاختلاف المتبايعين عندنا، فإن كانت السلعة قائمة، حلف
ورثة البائع. وإن كانت تالفة، حلف ورثة المشتري.
وكذا قال الشافعي بأنهما يتحالفان كالمتبايعين؛ لأن ما كان للمورث
ينتقل إلى وارثه (3).
وقال أبو حنيفة: إن كان المبيع في يد وارث البائع، تحالفا. وإن كان

(1) بداية المجتهد 2: 192، حلية العلماء 4: 328 - 329، العزير شرح الوجيز 4:
376، المغني 4: 288 و 289، الشرح الكبير 4: 118 و 119.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 504، حلية العلماء 4: 329، بداية المجتهد 2:
192، المغني 4: 288، الشرح الكبير 4: 118.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 504، حلية العلماء 4: 330، العزيز شرح الوجيز 4:
376، روضة الطالبين 3: 231، مختصر اختلاف العلماء 3: 127 / 1204.
86

في يد وارث المشتري، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن القياس عدم التحالف،
فأجزناه مع بقاء السلعة (1).
مسألة 602: إذا اختلفا في المثمن، فقال البائع: بعتك هذا العبد
بألف، فقال المشتري: بل بعتني هذا العبد وهذه الجارية بألف، فالأقرب
عندي هنا: تقديم قول البائع؛ لأن المشتري سلم له استحقاق الألف في
ذمته، ويدعي بيع شيئين، والبائع ينكر أحدهما، فيقدم (2) قوله.
وقال الشافعي: يتحالفان (3)، كما تقدم في مذهبه.
ولو اختلفا في قدر الثمن والمثمن معا بأن يقول البائع: بعتك هذا
العبد بألف، ويقول المشتري بعتنيه وهذه الجارية بألفين، فالأقوى عندي
هنا: أنهما يتحالفان - وبه قال الشافعي (4) - لأن هنا دعويان مختلفتان (5)،
فإذا حلف البائع أنه ما باعه العبد والجارية بألفين وحلف المشتري أنه
ما باعه العبد وحده بألف، انفسخ العقدان، أو فسخه الحاكم.
مسألة 603: لو اختلفا في جنس الثمن بأن قال: بعتك بألف دينار،
فيقول المشتري: بل بألف درهم، مع اتفاقهما على عين المبيع، فالأقرب
عندي هنا: التحالف أيضا؛ لاتفاقهما على نقل المبيع، واختلافهما في
جنس العوض، وأحدهما غير الآخر وغير داخل فيه، فكل منهما منكر

(1) حلية العلماء 4: 330، فتح العزيز بهامش المجموع 9: 155، وفي العزيز شرح
الوجيز 4: 376 قد سقط في المنقول عنه بعض ما يغير المعنى.
(2) في " س، ي ": " فقدم ".
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 503، حلية العلماء 4: 331، العزيز شرح الوجيز 4:
376، روضة الطالبين 3: 231، المغني 4: 290، الشرح الكبير 4: 122.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين 3: 231.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " مختلفان ". والصحيح ما أثبتناه.
87

مدع، فيتحالفان، كما قلناه، فيحلف البائع: ما بعته بألف درهم، ويحلف
المشتري: ما ابتاعه بألف دينار، وبه قال الشافعي (1).
ولو اختلفا في بعض صفاته، قدم قول منكر زيادة الصفة.
ولو اختلفا في وصفين مختلفين، تحالفا، وبه قال الشافعي (2).
مسألة 604: لو اختلفا في شرط في العقد كالأجل، أو اختلفا في قدر
الأجل، أو اختلفا في الخيار وعدمه، أو قدر مدته، أو اختلفا في اشتراط
الرهن أو قدره، أو في الضمان بالمال أو بالعهدة، قدم قول منكر ذلك كله -
وبه قال أبو حنيفة وأحمد (3) - لأن المشتري تمسك بأصالة العدم، فيقدم
قوله؛ عملا بأصالة النفي. ولأنه اختلاف في شرط يلحق بالعقد،
فلم يتحالفا، كما لو اختلفا في العيب أو شرط البراءة.
وقال الشافعي: يتحالفان في جميع ذلك؛ عملا بالقياس، وهو أنهما
اختلفا في صفة العقد القائم بينهما، وليس معهما بينة، فيقضى بالتحالف،
كما لو اختلفا في الثمن (4).
والقياس عندنا باطل لا يجوز التعويل عليه، مع أن الحكم في الأصل
ممنوع على ما تقدم.
مسألة 605: قد بينا أن التحالف يثبت في كل موضع يحصل لكل من
المتنازعين أن يكون مدعيا على الآخر ومنكرا لدعوى الآخر.

(1 و 2) التهذيب - للبغوي - 3: 503، العزيز شرح الوجيز 4: 376، روضة الطالبين
3: 230 - 231.
(3) حلية العلماء 4: 331، المغني 4: 291، الشرح الكبير 4: 121.
(4) الوجيز 1: 152 - 153، التهذيب - للبغوي - 3: 503، حلية العلماء 4:
331، روضة الطالبين 3: 230 - 231، المغني 4: 291، الشرح الكبير 4: 121.
88

وقال الشافعي: يجري التحالف في كل عقود المعاوضات،
ولا يختص بالبيع، كالسلم والإجارة والمساقاة والقراض والجعالة والصلح
عن دم العمد والخلع والصداق والكتابة؛ طردا للمعنى. ثم في البيع ونحوه
ينفسخ العقد بعد التحالف أو يفسخ ويترادان، كما سيأتي. أما الصلح عن
الدم فلا يعود الاستحقاق، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية [وكذلك
لا يرتد] (1) البضع، ولكن في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل، وفي
الخلع الزوج (2) (3).
قال الجويني: أي معنى للتحالف في القراض؟ مع أنه جائز وكل
واحد منهما بسبيل من فسخه بكل حال. وأيد ذلك بأن بعض الشافعية منع
من التحالف في البيع في زمن الخيار؛ لإمكان الفسخ بسبب الخيار.
ثم أجاب بأن التحالف ما وضع للفسخ، ولكن عرضت الأيمان رجاء
أن ينكل الكاذب، ويتقرر العقد بيمين الصادق، فإذا لم يتفق ذلك وأصرا،
فسخ العقد للضرورة.
والوجه: أن في القراض تفصيلا، وهو: أن التحالف قبل الخوض في
العمل لا معنى له، وأما بعده فالنزاع يؤول إلى مقصود من ربح أو أجرة
مثل، فيتحالفان. والجعالة كالقراض (4).
والأصل عندنا ما قدمناه من الضابط، وهو التحالف مع ادعاء كل منهما

(1) بدل ما بين المعقوفين في " س ": " ولذلك لا يزيل ". وفي " ي ": " ولذلك يريد ".
وفي الطبعة الحجرية: " وذلك لا يزيد ". والكل غلط، والصحيح ما أثبتناه.
(2) أي: وفي الخلع يرجع الزوج إلى مهر المثل.
(3) الوسيط 3: 207، التهذيب - للبغوي - 3: 503، العزيز شرح الوجيز 4:
377، روضة الطالبين 3: 231 - 232.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 377، روضة الطالبين 3: 232.
89

على صاحبه ما ينفيه الآخر. وإن كان الادعاء من طرف واحد، حلف
المنكر.
مسألة 606: لو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه، حلف كل
واحد منهما على نفي ما يدعيه صاحبه، وبه قال الشافعي، وقال: إنه
لا تحالف هنا (1)؛ لأن التحالف عنده ليس أن يحلف كل منهما على نفي
دعوى الآخر، كما قلناه نحن، بل ما يأتي (2).
إذا ثبت هذا، فإذا حلفا، كان على مدعي الهبة رده بزوائده؛ لأن البائع
إنما ملكه العين بزوائدها لو سلم له الثمن.
وقال بعض الشافعية: القول قول مدعي الهبة؛ لأنه مالك باتفاقهما،
وصاحبه يدعي عليه مالا، والأصل براءة ذمته (3).
وقال بعضهم: إنهما يتحالفان (4).
ولو قال: بعتك هذا بألف، فقال: بل وهبتنيه على الألف، حلف كل
منهما على نفي ما يدعيه صاحبه، ورد الألف واسترد العين.
ولو قال: رهنتكه (5) على ألف استقرضتها منك، فقال: بل بعتنيه
بألف، قدم قول المالك مع يمينه، وترد الألف، ولا يمين على الآخر،
ولا يكون رهنا؛ لأنه لا يدعيه، وبذلك قال الشافعي (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 3: 232.
(2) في ص 95، المسألة 611.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين 3: 232.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وهبتكه " بدل " رهنتكه ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) التهذيب - للبغوي - 3: 507، العزيز شرح الوجيز 4: 378، روضة الطالبين
3: 232.
90

مسألة 607: هذا كله فيما إذا اتفقا على وقوع عقد صحيح بينهما، أما
لو اختلفا من غير الاتفاق على عقد صحيح بأن يدعي أحدهما صحة العقد
والآخر فساده - كما لو قال: بعتك بألف، فقال المشتري: بل بألف وزق (1)
خمر، أو قال أحدهما: شرطنا في العقد خيارا مجهولا أو غيره من الشروط
المبطلة، وأنكر الآخر - فلا تحالف، ويقدم قول مدعي الصحة - وهو أحد
قولي الشافعي (2) - لأن الظاهر من العقود الجارية بين المسلمين الصحة،
ولهذا يحكم بصحة البيع لو ادعى المشتري حرية العبد المبيع، وقال
المالك: بل هو عبد، تصحيحا للعقد.
وكذا من شك بعد الصلاة هل ترك ركنا منها أم لا، فإنه يحكم بصحة
صلاته بناء على أصالة الصحة.
والقول الثاني: أنه يقدم قول من يدعي فساد العقد مع يمينه؛ لأن
الأصل عدم العقد الصحيح وبقاء الملك للمالك، فصار كما لو اختلفا في
أصل البيع (3).
ويعارض بأن الأصل عدم العقد الفاسد أيضا، لكن قد وقع العقد
بينهما قطعا، والأصل الصحة.
قال القفال: الأصل المأخوذ فيمن قال: لفلان على ألف من ثمن
خمر، هل يؤخذ بأول كلامه أم يقبل قوله: من ثمن خمر؟ إن قلنا بالثاني،

(1) الزق: السقاء، أو الذي تنقل فيه الخمر. لسان العرب 10: 143 " زقق ".
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 504، حلية العلماء 4: 332، العزيز شرح الوجيز 4:
378، روضة الطالبين 3: 232.
(3) التهذيب - للبغوي - 3: 504، حلية العلماء 4: 334، العزيز شرح الوجيز 4:
378، روضة الطالبين 3: 232.
91

فالقول قول مدعي الفساد. وإن قلنا بالأول، فالقول قول مدعي الصحة (1).
ولو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمر، أو بثمن مجهول، فالقول
قول مدعي الصحة كما قلنا.
وبعض الشافعية قال: إن فيه طريقين، أحدهما: طرد الوجهين.
والثاني: القطع بالفساد؛ لأنه لم يقر بشيء ملزم (2) (3).
وعلى قول مدعي الصحة لو قال: بعتك بألف، فقال: بل بخمسمائة
وزق خمر، وحلف البائع على نفي سبب الفساد، صدق فيه، ويبقى التنازع
في قدر الثمن، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كانت السلعة باقية،
وقول المشتري إن كانت تالفة.
وعند الشافعي يتحالفان (4).
مسألة 608: لو اشترى عبدا وسلمه إلى المشتري، ثم جاءه بعبد
ويريد رده بعيب فيه، فقال البائع: هذا ليس عبدي الذي ابتعته وقبضته
مني، وادعى المشتري أنه هو، قدم قول البائع؛ لأصالة براءة الذمة، والراد
يريد الفسخ، والأصل مضيه على السلامة.
ولو فرض ذلك في السلم أو قال: ليس هذا على الوصف الذي
أسلمت إليك، فيه وجهان للشافعية:
أحدهما: أن القول قول المسلم إليه مع يمينه، كما أن القول قول

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 379.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لأنه لم يفسر بشئ يلتزم ". والظاهر ما أثبتناه من
" العزيز شرح الوجيز " ونحوه في " التهذيب " للبغوي.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 379، وانظر: التهذيب - للبغوي - 3: 505، وروضة
الطالبين 3: 233.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 379، روضة الطالبين 3: 233.
92

البائع.
وأصحهما: أن القول قول المسلم؛ لأن اشتغال الذمة بمال السلم
معلوم، والبراءة غير معلومة.
ويفارق صورة البيع؛ لأنهما اتفقا على قبض ما ورد عليه الشراء،
وتنازعا في سبب الفسخ، والأصل استمرار العقد.
والوجهان جاريان في الثمن في الذمة أن القول قول الدافع أو
القابض؟ (1)
وعن ابن سريج وجه ثالث: الفرق بين ما يمنع صحة القبض، وبين
العيب الذي لا يمنعها، فإذا كان الثمن دراهم في الذمة وفرض هذا النزاع
وكان ما أراد البائع رده زيوفا ولم يكن ورقا، فالقول قول البائع؛ لإنكار
أصل القبض الصحيح. وإن كانت ورقا لكنها رديئة كخشونة الجوهر أو
اضطراب السكة، فالقول قول المشتري؛ لأن أصل القبض قد تحقق، ولو
رضي به، لوقع المقبوض عن الاستحقاق (2).
ولا يخفى مثل هذا التفصيل في المسلم فيه.
ويمكن أن يقال: المعنى الفارق في المسلم فيه ظاهر؛ لأن الاعتياض
عنه غير جائز، لكن في الثمن لو رضي بالمقبوض، لوقع عن الاستحقاق
وإن لم يكن ورقا إذا كانت له قيمة؛ لأن الاستبدال عن الثمن جائز.
ولو كان الثمن معينا، فهو كالمبيع، فإذا وقع فيه هذا الاختلاف، قدم
قول المشتري مع يمينه.
لكن لو كان المعين نحاسا لا قيمة له، فالقول قول الراد؛ لأنه يدعي

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 379، روضة الطالبين 3: 233.
93

بقاء ملكه وفساد العقد، قاله بعض الشافعية (1).
مسألة 609: لو قبض المبيع أو المسلم فيه بالكيل أو الوزن ثم ادعى
النقصان، قال أصحابنا: إن كان حاضرا عند الكيل أو الوزن، لم يلتفت إليه،
وقدم قول الآخر مع اليمين؛ إذ العادة تقضي باستظهاره واحتياطه في
القبض. وإن لم يحضرهما، قدم قوله مع اليمين؛ لأصالة عدم القبض.
وقال الشافعي: إن كان النقصان قدر ما يقع مثله في الكيل والوزن،
قبل، وإلا فقولان:
أحدهما: أن القول قول القابض مع يمينه؛ لأصالة بقاء حقه، وبه قال
أبو حنيفة.
والثاني: أن القول قول الدافع مع يمينه؛ لأنهما اتفقا على القبض،
والقابض يدعي الخطأ فيه، فيحتاج إلى البينة، كما لو اقتسما ثم ادعى
أحدهما الخطأ، يحتاج إلى البينة، وبه قال مالك (2).
ويحتمل عندي التفصيل، وهو أن يقال: إن كان العقد يبطل بعدم
القبض، فالقول قول من يدعي التمام، وإلا قدم قول مدعي النقصان.
ولو اختلف المتبايعان في القبض، فالقول قول المشتري.
مسألة 610: لو باع عصيرا وأقبضه ثم وجد خمرا، فقال البائع: تخمر
في يدك والقبض صحيح، وقال المشتري: بل سلمته خمرا والقبض فاسد،
وأمكن الأمران جميعا، احتمل تقديم قول البائع؛ لأصالة عدم الخمرية،
وبقاء الحلاوة، وصحة البيع والقبض، وبراءة الذمة. وتقديم قول
المشتري؛ لأصالة عدم القبض الصحيح.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 380، روضة الطالبين 3: 233.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 380، روضة الطالبين 3: 234.
94

وللشافعي قولان (1) كهذين الاحتمالين.
والأقوى عندي الأول.
ولو قال أحدهما: إنه كان خمرا عند البيع، فهو يدعي فساد العقد
والآخر يدعي صحته. وقد تقدم حكمه.
ولو باعه لبنا أو دهنا في ظرف ثم وجد فيه فأرة وتنازعا في نجاسته
عند القبض أو عند البيع أو بعدهما، فعندنا قدم قول البائع؛ لأصالة
الطهارة.
وللشافعي الوجهان (2).
ولو قال المشتري: بعت العبد بشرط أنه كاتب، وأنكر البائع، قدم
قول البائع؛ لأصالة عدم الاشتراط، وبراءة الذمة، كما لو اختلفا في العيب،
وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: أنهما يتحالفان كما لو اختلفا في الأجل أو الخيار (3) (4).
والأصل ممنوع على ما مر.
ولو كان الثمن مؤجلا فاختلفا في انقضاء الأجل، فالأصل بقاؤه.
المطلب الثاني: في كيفية اليمين.
مسألة 611: التحالف عند الشافعي أن يحلف كل واحد من
المتعاقدين على إثبات ما يقوله ونفي ما يقوله صاحبه (5).

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 380، روضة الطالبين 3: 234.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الجيد " بدل " الخيار " والظاهر ما أثبتناه من
" العزيز شرح الوجيز ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 380، روضة الطالبين 3: 234.
(5) الوسيط 3: 210، التهذيب - للبغوي - 3: 505، العزيز شرح الوجيز 4: 381،
روضة الطالبين 3: 234.
95

وأما نحن فلا نشترط الحلف على الإثبات، بل يحلف كل منهما على
نفي ما يدعيه الآخر، فإذا قال: بعتك هذا العبد بألف، وقال المشتري: بل
بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، ولا بينة، حلف البائع أنه ما باع
الجارية، وحلف المشتري أنه ما اشترى العبد.
ولا يجب على واحد منهما الجمع بين النفي والإثبات كما قلناه،
خلافا للشافعي (1)، ولا يكون هذا تحالفا، بل يحلف كل منهما على النفي.
فإذا حلف البائع: أنه ما باع الجارية، بقيت على ملكه كما كانت،
وانتزعها من يد المشتري إن كانت في يده، وجاز له التصرف فيها.
وإذا حلف المشتري أنه ما اشترى العبد، فإن كان العبد في يده،
لم يكن للبائع مطالبته به؛ لأنه لا يدعيه. وإن كان في يد البائع، فإنه
لا يجوز له التصرف فيه؛ لأنه معترف بأنه للمشتري، وأن ثمنه في ذمته.
إذا تقرر هذا، فإن كان البائع قد قبض الثمن، فإنه يرده على
المشتري، ويأخذ العبد قصاصا، ويجوز له بيعه بقدر الثمن. وإن لم يكن
قبضه، أخذ العبد قصاصا أيضا، أو باعه بذلك الثمن. ولو زاد الثمن، فهو
مال لا يدعيه الآن أحد.
مسألة 612: الأقرب: أنه يبدأ بيمين من ادعي عليه أولا، فإن كان
البائع قد ادعى بيع العبد منه وأنكر المشتري وقال: إنما اشتريت الجارية،
حلف المشتري على نفي شراء العبد، ثم حلف البائع على نفي شراء
الجارية.
وإن كان المشتري قد ادعى أولا، فقال: إني اشتريت هذه الجارية،

(1) الوسيط 3: 211، التهذيب - للبغوي - 3: 505، العزيز شرح الوجيز 4: 381،
روضة الطالبين 3: 235.
96

فقال البائع: لم أبعه الجارية، بل العبد، قدم يمين البائع، فإذا حلف على
أنه ما باع الجارية، حلف المشتري أنه لم يشتر العبد.
وللشافعي قولان: قال في البيع: إنه يبدأ بيمين البائع. وفي السلم:
بالمسلم إليه. وفي الكتابة: بالسيد (1). وهذه الأقوال متوافقة.
وقال في الصداق: إنه يبدأ بالزوج (2). وهو يخالف سائر الأقوال
السابقة؛ لأن الزوج يشبه المشتري.
وقال في الدعاوى: إنه إن بدئ بيمين البائع، خير المشتري. وإن
بدئ بيمين المشتري، خير البائع (3). وهذا يشعر بالتسوية والتخيير.
فقال أصحابه: إن في ذلك طريقين أظهرهما: أن المسألة على ثلاثة
أقوال:
أظهرها: أن البداءة بالبائع - وبه قال أحمد بن حنبل - لما رووه من
قوله (عليه السلام): " فالقول ما قال البائع والمبتاع بالخيار، أو يتتاركان، أو
يترادان " (4).
ولأن جانب البائع أقوى، فإنهما إذا تحالفا، عاد المبيع إليه، فكان
أقوى، كما أن صاحب اليد أقوى من غيره. ولأن ملك البائع على الثمن يتم

(1 و 2) الحاوي الكبير 5: 300، المهذب - للشيرازي - 1: 300، الوسيط 3: 209،
حلية العلماء 4: 322، التهذيب - للبغوي - 3: 505، العزيز شرح الوجيز 4:
381.
(3) الحاوي الكبير 5: 300، المهذب - للشيرازي - 1: 300، حلية العلماء 4:
322، العزيز شرح الوجيز 4: 381.
(4) سنن ابن ماجة 2: 737 / 2186، سنن أبي داود 3: 285 / 3511، سنن الترمذي
3: 570 / 1270، سنن الدار قطني 3: 20 / 63 و 65، سنن البيهقي 5: 332، سنن
الدارمي 2: 250، مسند أحمد 2: 56 / 4430 - 4433، المصنف - لابن أبي
شيبة - 6: 227 / 896 و 897، المعجم الكبير - للطبراني - 2: 215 / 10365.
97

بالعقد، وملك المشتري على المبيع لا يتم بالعقد.
والثاني: أنه يبدأ بالمشتري - وبه قال أبو حنيفة - لأنه مدعى عليه
زيادة ثمن، والأصل براءة ذمته عنها، فاليمين في جنبه أقوى. ولأنه إذا نكل،
وجب الثمن الذي ادعاه البائع، وانفصل الحكم، وما كان أقرب إلى فصل
الحكم بدئ به.
والثالث: أنه لا يبدأ بيمين أحدهما، بل يتساويان؛ فإن كل واحد
منهما مدع ومدعى عليه، فقد تساويا، فلا ترجيح. وعلى هذا فوجهان:
أظهرهما: أنه يتخير الحاكم في ذلك، فيبدأ بيمين من اتفق.
والثاني: أنه يقرع بينهما، كما يقرع بين المتسابقين إلى المباح.
والطريق الثاني: القطع بأن البداءة بالبائع قولا واحدا.
والذي قاله الشافعي في الصداق بأن الزوج يجري مجرى البائع؛ لأن
البضع يكون ملكه بعد فسخ الصداق، كما يكون المبيع ملك البائع بعد
فسخ البيع بالتحالف.
والذي قاله في الدعاوى والبينات فإنما أراد أن الحاكم إذا كان يرى
ذلك بفعله، لا أنه خيره.
ومن قال بالثاني قطع بأن البداءة في اختلاف الزوجين بالزوج؛
ل‍ [وجهين:
أحدهما:] (1) أن أثر تحالف الزوجين إنما يظهر في الصداق دون
البضع، والزوج هو الذي ينزل عن الصداق، فكان كالبائع له.
والثاني: أن تقدم البائع إنما كان لقوة جانبه، لحصول المبيع له بعد

(1) ما بين المعقوفين أضفناه من " العزيز شرح الوجيز " من حيث السياق.
98

التحالف، وفي النكاح يبقى البضع للزوج.
وإذا قدمنا طريقة إثبات الخلاف، فإن قدمنا البائع، لم يخف من ينزل
منزلته في سائر العقود، وفي الصداق يأتي وجهان:
أحدهما: أن البداءة بالمرأة.
والثاني: أن البداءة بالزوج.
وإن قدمنا المشتري، فالقياس انعكاس الوجهين (1).
إذا ثبت هذا، فإن جميع ما ذكرناه للاستحباب - عندهم (2) - دون
الإيجاب.
وأيضا تقدم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في
الذمة، فأما إذا تبادلا عرضا بعرض، فلا وجه إلا التسوية.
وينبغي أن يخرج ذلك على أن الثمن ماذا؟ وقد سبق (3) أنه الذي
تدخل عليه الباء وغير ذلك على ما مضى من الخلاف.
مسألة 613: اليمين عندنا واحدة على نفي ما ادعاه الآخر، فيحلف
البائع أنه لم يبع بخمسمائة، ويحلف المشتري أنه لم يشتر بألف؛ لأن
المدعي لا يمين عليه، فكل مدع منهما لا يحلف على ما ادعاه، ويحلف
على نفي ما ادعاه الآخر ثم ينفسخ العقدان.
وظاهر قول الشافعي الاكتفاء بيمين واحدة من كل واحد من
المتعاقدين جامعة بين النفي والإثبات، فيقول البائع: ما بعت بخمسمائة وإنما

(1) الحاوي الكبير 5: 300 - 301، حلية العلماء 4: 322 - 323، العزيز شرح
الوجيز 4: 381 - 382، روضة الطالبين 3: 235، المغني 4: 288، الشرح
الكبير 4: 118.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 382، روضة الطالبين 3: 235.
(3) في ج 10 ص 123 - 124، الفرع " د " من المسألة 66، وج 11 ص 390،
المسألة 544.
99

بعت بألف، ويقول المشتري: ما اشتريت بألف وإنما اشتريت بخمسمائة (1).
وقال الشافعي: لو تداعيا دارا في أيديهما فادعى كل منهما أن
جميعها له، حلف كل واحد على مجرد نفي استحقاق صاحبه ما في يده،
ولو حلف أحدهما ونكل الآخر، حلف الحالف يمينا أخرى للإثبات (2).
قال أصحابه: ففي القولين طريقان:
أحدهما: تقرير القولين.
والفرق بينهما: أن في مسألة التداعي يحلف أحدهما على نفي دعوى
صاحبه في النصف الذي في يده، ويكون القول قول الآخر في النصف
الآخر، فإذا نكل، رددنا اليمين على الأول، وهنا يحلف على صفة عقد
تضمن إثباتا ونفيا، فلهذا كفى يمين واحدة؛ لأن العقد واحد اتفاقا والتنازع
في صفته، فكأن الدعوى واحدة، فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي
والإثبات، فمنفي كل واحد منهما في ضمن مثبته، ومنفي كل واحد منهما
في صورة الدار ممتاز عن مثبته، فلا معنى ليمينه على الإثبات قبل نكول
صاحبه.
الثاني: التصرف بتخريج قول من مسألة الدار فيما نحن فيه.
ووجهه: الجري على قياس الخصومات، فإن يمين الإثبات لا يبدأ
بها في غير القسامة.
وهل يتصرف بتخريج قول فيما (3) نحن فيه من مسألة الدار أيضا؟

(1) الحاوي الكبير 5: 301، الوسيط 3: 210، حلية العلماء 4: 324 - 325،
التهذيب - للبغوي - 3: 505 - 506، العزيز شرح الوجيز 4: 382، روضة
الطالبين 3: 235.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 382.
(3) كذا، وفي المصدر: " ما " بدل " فيما ".
100

قال كثير منهم: نعم، حتى يكون قولان بالنقل والتخريج (1).
وقال الجويني وغيره: لا؛ لأن كل واحد لا يحتاج فيما في يده إلى
الإثبات، واليمين على الإثبات يمين الرد، فكيف يحلف الأول يمين الرد
وصاحبه لم ينكل بعد!؟ وكيف يحلفها الثاني وقد حلف صاحبه!؟ (2).
مسألة 614: إذا حلف البائع أنه لم يبع العبد، وحلف المشتري أنه
لم يشتر الجارية، انفسخ العقدان. وإن نكل المشتري عن يمين النفي،
حلف البائع يمينا أخرى على إثبات دعواه، وحكم على المشتري. ومن
قضى بالنكول لم يكلف البائع يمين الإثبات، بل يحكم له بمجرد النكول.
وعند الشافعي: إذا اكتفينا بيمين واحدة، يجمع بين النفي والإثبات؛
لأنه أفصل للحكم وأسهل على الحاكم، وجوزنا (3) الإثبات قبل نكول
الخصم؛ لأنه تبع للنفي. ولأنهما يتحالفان على الإثبات من غير نكول وإن
كانت يمينين (4)، فإذا حلف أحدهما ونكل الثاني، قضي للحالف، سواء
نكل عن النفي والإثبات جميعا أو عن أحدهما. والنكول عن البعض كهو
عن الكل (5).
وينبغي أن يقدم النفي - سواء حلف يمينا واحدة أو اثنتين؛ لأصالته
في الأيمان - على الإثبات (6).

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 382 - 383.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 383.
(3) في " ي ": " جوز ".
(4) قوله: " لأنه أفصل للحكم.... وإن كانت يمينين " لم يرد في المصدر.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 383.
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية زيادة: " وقال بعض الشافعية: يقدم الإثبات؛ لأنه
المقصود ". وحذفناها لزيادتها.
101

وقال أبو سعيد: يقدم الإثبات؛ لأن الله تعالى قدمه في اللعان على
النفي، فقال في اليمين: (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين) (1) ولأنه المقصود من الحالف (2).
وليس بصحيح؛ لأن الأصل في الأيمان إنما هو النفي، وأما الإثبات
فإنما يكون فيها بالنكول أو تبعا للنفي، فيجب أن يقدم النفي، وكل أيمان
اللعان إثبات، وليس فيها نفي. وقوله: (إن كان من الكاذبين) إثبات
للصدق، مثل قوله: (إنه لمن الصادقين) (3).
وهل الخلاف في الاستحباب أو الاستحقاق؟ الأظهر عندهم: الأول (4).
ونقل الجويني الثاني (5).
فإذا قلنا: يحلف أولا على مجرد النفي، فلو أضاف إليه الإثبات، كان
لغوا.
وإذا حلف من وقعت البداءة به على النفي، عرضت اليمين على
الثاني، فإن نكل، حلف الأول على الإثبات، وقضي له.
وإن نكل عن الإثبات، لم يقض له؛ لاحتمال صدقه فيما يدعيه (6)
صاحبه وكذبه فيما يدعيه.
وقال بعض الشافعية: إنه كما لو تحالفا؛ لأن نكول المردود عليه عن

(1) النور: 7.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 300، الوسيط 3: 210، حلية العلماء 4: 324،
العزيز شرح الوجيز 4: 383، روضة الطالبين 3: 235.
(3) النور: 6.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 383، روضة الطالبين 3: 235.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 383، وانظر: روضة الطالبين 3: 235.
(6) في العزيز شرح الوجيز 4: 383: " في نفي ما يدعيه ".
102

يمين الرد ينزل في الدعوى منزلة حلف الناكل أولا (1).
ولو نكل الأول عن اليمين، حلف الآخر على النفي والإثبات، وقضي له.
ولو حلفا (2) على النفي، فوجهان:
أصحهما عندهم أنه يكفي ذلك، ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات؛ لأن
المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت.
والثاني: أنه تعرض يمين الإثبات عليهما، فإن حلفا، تم التحالف، وإن
نكل أحدهما، قضي للحالف (3).
والقول في أنه تقدم يمين النفي أو الإثبات كما ذكرنا على تقدير
الاكتفاء بيمين واحدة.
ولو عرض اليمين عليهما فنكلا جميعا، فوجهان:
قال (4) الجويني: إن تناكلهما كتحالفهما، فإنه إذا تداعى رجلان
مولودا، كان ذلك كتحالفهما.
والثاني: أنه يوقف الأمر كأنهما تركا الخصومة (5).
المطلب الثالث: في حكم التحالف.
مسألة 615: إذا حلف كل من المتبايعين يمين النفي، سقطت
الدعويان عندنا، كما لو ادعى على الغير بيع شي أو شراءه، فأنكر وحلف،

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 383، روضة الطالبين 3: 236.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " حلف ". والظاهر ما أثبتناه من المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 383، روضة الطالبين 3: 236.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وقال ". والظاهر ما أثبتناه.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 383، روضة الطالبين 3: 236. ولا يخفى أن في
المصدرين نسب الوجه الثاني إلى الجويني أيضا.
103

سقطت الدعوى، وكان الملك باقيا على حاله، ولم يحكم بثبوت عقد حتى
يحكم بانفساخه.
وأما الشافعي القائل بالتحالف فقال: إذا تحالف المتعاقدان، ففي
العقد وجهان:
أحدهما: أنه لا ينفسخ بنفس التحالف.
وفيه وجه آخر: أنه ينفسخ بالتحالف، كما ينفسخ النكاح بتحالف
المتلاعنين. ولأن التحالف يحقق ما قالاه، ولو قال البائع: بعت بألف، فقال
المشتري: اشتريت بخمسمائة، لم ينعقد، فكذا هنا (1).
قال القاضي أبو الطيب: الأول هو المنصوص للشافعي في كتبه
القديمة والجديدة لا أعرف له غير ذلك؛ لأن البينة أقوى من اليمين، ولو
أقام كل منهما بينة على ما يقوله، لا ينفسخ العقد، فاليمين أولى بعدم
الفسخ. ولا يشبه اللعان؛ لأن قول الزوج يقطع النكاح، فقامت يمينه مقام
طلاقه، بخلاف المتنازع (2).
مسألة 616: لو رجع أحدهما إلى قول الآخر، فإن كان قبل التحالف،
حكم بمقتضى عقده. وإن كان بعد التحالف، فكذلك، فلو حلف أنه
لم يبع الجارية وحلف المشتري أنه لم يشتر العبد ثم اعترف المشتري
بصدق البائع، كان حكمه حكم ما لو حلف المنكر ثم كذب بيمينه. قال
علماؤنا: اليمين قاطعة للدعوى، فإن جاء الحالف تائبا إلى الله تعالى ودفع
ما حلف عليه، كان لصاحبه أخذه، فكذا يتأتى هنا.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 300، حلية العلماء 4: 325 - 326، العزيز شرح
الوجيز 4: 384، روضة الطالبين 3: 236.
(2) أنظر: العزيز شرح الوجيز 4: 384، وفيه بعض المقصود.
104

وأما الشافعي فله قولان:
أحدهما: فسخ العقد بمجرد التحالف من غير حاجة إلى حكم الحاكم
بالفسخ.
والثاني: أنه لا ينفسخ إلا بحكم الحاكم (1).
فعلى الأول فإنهما يترادان.
ولو تقارا على أحد اليمينين (2)، لم يعد نافذا، بل لا بد من تجديد
عقد.
وهل ينفسخ في الحال أو يتبين ارتفاعه من أصله؟ للشافعية وجهان،
أظهرهما: الأول؛ لنفوذ تصرفات المشتري قبل الاختلاف.
وعلى هذا فالحاكم يدعوهما بعد التحالف إلى الموافقة، فينظر هل
يعطي المشتري ما يقوله البائع من الثمن؟ فإن فعل، أجبر البائع عليه، وإلا
نظر هل يقنع البائع بما يقوله المشتري؟ فإن فعل فذاك، وإلا فحينئذ يحتاج
إلى فسخ العقد.
ومن الذي يفسخه؟ وجهان:
أحدهما: الحاكم؛ لتعذر إمضائه في الحكم، وكالفسخ في العنة، لأنه
فسخ مجتهد فيه.
وأظهرهما عندهم: أن للمتعاقدين أيضا أن يفسخا، ولأحدهما (3) أن

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 300، حلية العلماء 4: 326، العزيز شرح الوجيز 4:
384، روضة الطالبين 3: 236.
(2) في " س، ي ": " الثمنين ".
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وأحدهما ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز "
و " روضة الطالبين ".
105

ينفرد به، كالفسخ بالعيب (1).
قال الجويني: إذا قلنا: الحاكم هو الذي يفسخ، فذلك إذا استمرا على
النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ، فأما إذا أعرضا عن الخصومة
ولم يتوافقا على شيء ولا فسخا، ففيه نظر (2).
وإذا فسخ العقد إما بفسخهما أو بفسخ الحاكم، وقع الفسخ ظاهرا.
وهل يقع باطنا؟ فيه للشافعية (3) ثلاثة أوجه:
أحدها: لا؛ لأن سبب الفسخ تعذر إمضائه؛ لعدم الوقوف على
الثمن، وأنه أمر يتعلق بالظاهر، والعقد وقع صحيحا في نفسه، وإنما تعذر
إمضاؤه في الظاهر، فكان الفسخ في الظاهر دون الباطن.
والثاني: أنه يقع ظاهرا وباطنا؛ لأنه فسخ لاستدراك الظلامة، فأشبه
الرد بالعيب.
والثالث: أن البائع إن كان ظالما، فالفسخ يقع ظاهرا لا باطنا؛ لأنه
يمكنه استيفاء الثمن وتسليم المبيع، فإذا امتنع، كان عاصيا، فلا يقع الفسخ
بذلك. وإن كان المشتري ظالما، وقع الفسخ ظاهرا وباطنا؛ لأن البائع
لا يصل إلى حقه من الثمن، فاستحق الفسخ، كما لو أفلس المشتري (4).
وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا فرعنا على انفساخ العقد بنفس

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 300، التهذيب - للبغوي - 3: 508، العزيز شرح
الوجيز 4: 384، روضة الطالبين 3: 236.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 384، روضة الطالبين 3: 236.
(3) في الطبعة الحجرية: " للشافعي ".
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 300 - 301، حلية العلماء 326 - 327، العزيز شرح
الوجيز 4: 384 - 385، روضة الطالبين 3: 236 - 237.
106

التحالف أم يجزم بالارتفاع باطنا أيضا؟ اختلفوا فيه (1).
وإذا قلنا بالارتفاع باطنا، ترادا، وتصرف كل منهما فيما عاد إليه. وإن
منعناه، لم يجز لهما التصرف، لكن لو كان البائع صادقا، فهو ظافر بمال
من ظلمه لما استرد المبيع، فله بيعه بالحاكم في أحد الوجهين، أو بنفسه
في أصحهما عندهم (2)، واستيفاء حقه من ثمنه.
إذا تقرر هذا، فكل موضع قلنا: إن الفسخ يقع ظاهرا وباطنا، فإن
للبائع التصرف في المبيع بجميع أنواع التصرف حتى بالوطئ. وإن قلنا:
يقع ظاهرا دون الباطن، فإن كان البائع ظالما، لم يجز له التصرف في المبيع
بوجه، ووجب عليه رده على المشتري بالثمن المسمى؛ لأنه لا يجوز له أن
يستبيح ملك غيره بظلمه. وإن كان المشتري ظالما، فإن البائع قد حصل في
يده ملك المشتري، وله عليه الثمن، وهو من غير جنسه، فله أن يبيع
جميعه أو مقدار حقه.
وهل يبيعه بنفسه أو يتولاه الحاكم؟ وجهان (3):
أحدهما: أنه يرفعه إلى الحاكم ليبيعه؛ لأن الولاية للحاكم على
صاحبه دون هذا البائع.
والثاني: يبيعه بنفسه - وهو منصوص الشافعي - لأنه يتعذر عليه رفعه
إلى الحاكم وإثبات حقه عنده، فجوز ذلك للضرورة، كما جوز إمساك ملك
المشتري للحاجة.
وعندنا إن تمكن من الحاكم، وجب، وإلا تولاه بنفسه، فإذا باعه فإن

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 385، روضة الطالبين 3: 237.
(2 و 3) حلية العلماء 4: 327، العزيز شرح الوجيز 4: 385، روضة الطالبين 3:
237.
107

كان الثمن وفق حقه، فقد استوفاه. وإن نقص، فالباقي في ذمة المشتري.
وإن فضل، فللمشتري. وإن تلف هذا في يده، كان من ضمانه. وإن تحالفا
بعد تلف السلعة، وجب رد قيمة المبيع.
ومتى تعتبر قيمته؟ على وجهين:
أحدهما: أكثر ما كانت من حين القبض.
والثاني: حال التلف، كالمقبوض على وجه السوم (1).
وهذه الفروع مبنية على ما إذا اختلفا في قدر الثمن. وذكر الجويني
عبارة نحو (2) هذه الصورة وغيرها، وهي: أن الفسخ إن صدر من المحق،
فالوجه: تنفيذه باطنا. وإن صدر من المبطل، فالوجه: منعه. وإن صدر
منهما جميعا، قال: لا شك في الانفساخ، وليس ذلك موضع الخلاف،
وكان كما لو تقايلا. وإذا صدر من المبطل، لم ينفذ باطنا. وطريق الصادق
إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه. وإن صدر الفسخ من الحاكم،
فالظاهر الانفساخ باطنا لينتفع به المحق (3).
واعلم أن هذا لا يتأتى على مذهبنا فيما إذا كان الاختلاف في كمية
الثمن، وإنما يقع فيما إذا اختلفا في تعيين المبيع، كالعبد أو الجارية، أو في
تعيين الثمن، كالذهب أو الفضة، وهنا نقول: إن المبطل لا يباح له التصرف
فيما صار إليه، والمحق له التصرف.
مسألة 617: إذا فسخ البيع، كان على المشتري رد المبيع إن كان قائما

(1) الوسيط 3: 216، التهذيب - للبغوي - 3: 509، العزيز شرح الوجيز 4: 385 -
386، روضة الطالبين 3: 237.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " تجري " بدل " نحو ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 385، روضة الطالبين 3: 237، والعبارة فيهما هكذا:
"... وإذا صدر من المبطل ولم ينفذه باطنا، فطريق الصادق... ".
108

بحاله؛ لقوله (عليه السلام): " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا " رواه العامة (1).
وهذا عندنا صحيح فيما إذا كان الاختلاف في الأعيان المتعددة،
لا في قدر الثمن، فإذا كان المشتري قد أخذ ما ادعاه وسقطت دعواه بيمين
البائع، وجب عليه رد ما أخذه؛ لظهور بطلان الأخذ بيمين البائع.
وإن تلف في يد المشتري، فعليه قيمته، سواء كانت أكثر من الثمن
أو أقل.
وهل يعتبر وقت التلف؛ لأن مورد الفسخ العين لو بقيت، والقيمة
خلف عنها، فإذا فات الأصل، فحينئذ ينظر إليها، أو يوم القبض؛ لأنه
وقت دخول المبيع في ضمانه، أو الأقل؛ لأنها إن كانت يوم العقد أقل،
فالزيادة حدثت في ملك المشتري، وإن كان يوم القبض أقل، فهو يوم
دخوله في ضمانه، أو بأعلى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف؛ لأن يده
يد ضمان، فتعين أعلى القيم؟
وللشافعية هذه الاحتمالات الأربعة أقوال (2) فيما قلناه (3) وفيما إذا
اختلفا في قدر الثمن أو الأجل أو الضمين أو غير ذلك (4) على ما تقدم.
مسألة 618: لو زادت العين في يد المشتري، فإما زيادة متصلة أو
منفصلة.
فإن كانت متصلة، فهي للبائع يردها المشتري مع العين.
وإن كانت منفصلة، كالولد والثمرة والكسب والمهر، فإن قلنا: العقد

(1) الوجيز 1: 153، العزيز شرح الوجيز 4: 385.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " أقوالا ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) في الطبعة الحجرية: " نقلناه ".
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 385 - 386، روضة الطالبين 3: 237.
109

يرتفع من أصله - وهو الظاهر عندنا إذا وقع التنازع في تعيين المبيع أو
تعيين الثمن أي العينين هو؟ - فالنماء للبائع، ويجب أقصى القيم لو تلف
المبيع.
وإن قلنا: من حينه، فالنماء للمشتري، وعليه القيمة يوم التلف.
وعند الشافعي يتأتى ذلك في هذه الصورة وفيما إذا اختلفا في قدر
الثمن وغيره على ما سلف (1).
وقال بعض الشافعية: هذا الخلاف السابق في القيمة متى تعتبر؟ نظرا
إلى أن العقد يرتفع من أصله أو من حينه؟ إن قلنا بالأول، فالواجب أقصى
القيم. وإن قلنا بالثاني، اعتبرنا قيمته يوم التلف (2).
مسألة 619: لو اشترى عبدين وتلف أحدهما ثم اختلفا في قدر
الثمن، قدم قول المشتري مع يمينه، كما ذهبنا إليه.
وقال الشافعي: يتحالفان، بناء على أصله (3).
وهل يرد الباقي؟ فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا.
وإن قلنا: يرد، فيضم قيمة التالف إليه، وفي القيمة المعتبرة الوجوه
الأربعة (4).
اعترض: بأنه لم كان الأصح هنا غير الأصح في القيمة المعتبرة
لمعرفة الأرش؟
أجيب: يجوز أن يكون السبب فيه أن النظر إلى القيمة ثم ليس
ليغرم، ولكن ليعرف منها الأرش الذي هو جزء من الثمن، وكذلك

(1) في ذيل المسألة السابقة.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 386.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 386، روضة الطالبين 3: 237.
110

العوض (1) فيما إذا تلف أحد العبدين ووجدنا عيبا بالباقي وجوزنا إفراده
بالرد، يوزع (2) الثمن على قيمة التالف والباقي، وهاهنا المغروم القيمة،
فكان النظر إلى حالة الإتلاف أليق (3).
ولو كان المبيع قائما إلا أنه قد تعيب، رده مع الأرش، وهو قدر
ما نقص من القيمة؛ لأن الكل مضمون على المشتري بالقيمة، فيكون
البعض مضمونا ببعض القيمة.
أما المبيع لو تعيب في يد البائع وأفضى الأمر إلى الأرش، وجب
جزء من الثمن؛ لأن الكل مضمون على البائع بالثمن، فكذا البعض.
وهذا أصل مطرد في المسائل أن كل موضع لو تلف الكل، كان
مضمونا على الشخص بالقيمة، فإذا تلف البعض، كان مضمونا عليه ببعض
القيمة، كالمغصوب وغيره، إلا في صورة واحدة، وهي: ما إذا عجل زكاته
ثم تلف ماله قبل الحول وكان ما عجل تالفا، يغرم المسكين القيمة، ولو
تعيب، ففي الأرش وجهان للشافعية (4).
تذنيب: لو اختلفا في القيمة الواجبة عليه أو الأرش، قدم قول
المشتري مع اليمين؛ لأنه الغارم.
مسألة 620: التلف قد يكون حقيقيا، كما لو هلكت العين، وقد يكون
حكميا، كما لو أعتق المشتري أو وقف أو باع أو وهب وأقبض وتعوض،

(1) في " س " والطبعة الحجرية: " الفرض " وفي " ي ": " العرض " بدل " العوض ". وما
أثبتناه من المصدر.
(2) في " س " والطبعة الحجرية: " بالرد توزيع " وفي " ي ": " بالرد وتوزيع ". وما أثبتناه
من المصدر.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 386.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 386، روضة الطالبين 3: 238.
111

وهنا يكون للبائع انتزاع العين، ويحكم ببطلان هذه العقود، وهو قول
بعض الشافعية (1).
وقال بعضهم: إن هذه التصرفات بمنزلة الإتلاف، فتجب القيمة،
وتبقى هذه التصرفات على الصحة (2). وليس جيدا.
والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا، كما لو تلف جزء من المبيع أو
نقصت صفة من صفاته، وقد يكون حكميا، كما لو زوج الجارية المبيعة أو
العبد المبيع، فعندنا يبطل النكاح إن لم يجز البائع، وهو أحد قولي
الشافعية (3).
وقال بعضهم: على المشتري ما بين قيمتها مزوجة وخلية، وتعود
إلى البائع والنكاح بحاله (4).
مسألة 621: لو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري، كان عليه
قيمته للبائع إذا حلف أنه لم يبعه؛ لتعذر الوصول إليه.
وقال الشافعي: إذا تحالفا، لم يمتنع الفسخ، فإن الإباق لا يزيد على
التلف، ويغرم المشتري القيمة (5) كما قلناه.
ولو كاتبه المشتري كتابة صحيحة، كان للبائع فسخها.
وقال الشافعي: يتم مكاتبا، ثم يغرم المشتري القيمة، كالإباق (6).
ولو رهنه، كان للبائع انتزاعه.
وقال الشافعي: تخير البائع بين أخذ القيمة والصبر إلى انفكاك

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 509، العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3:
238.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3: 238.
(3 - 6) العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3: 238.
112

الرهن (1).
ولو آجره، كان للبائع أخذه وفسخ الإجارة.
وقال الشافعي: يبنى على أن بيع المستأجر هل يجوز؟ إن قلنا: لا،
فهو كما لو رهنه. وإن قلنا: نعم، فللبائع أخذه، لكنه يترك عند المستأجر
إلى انقضاء المدة، والأجرة المسماة للمشتري، وعليه للبائع أجرة المثل
للمدة الباقية. وإن كان قد آجره من البائع، فله أخذه لا محالة.
وفي انفساخ الإجارة وجهان، كما لو باع الدار المستأجرة من
المستأجر إن قلنا: لا ينفسخ، فعلى البائع المسمى للمشتري، وعلى
المشتري أجرة مثل المدة الباقية للبائع.
وإذا غرم القيمة في هذه الصورة ثم ارتفع السبب الحائل وأمكن
الرد، هل تسترد القيمة وترد العين؟ يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل
ملك من هو؟ (2).
أما الآبق ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يبقى للمشتري، والفسخ لا يرد على الآبق، وإنما هو
وارد على القيمة.
وأصحهما عندنا وعندهم (3) أنه في إباقه ملك البائع، والفسخ وارد
عليه، وإنما وجبت القيمة؛ للحيلولة.
وأما المرهون والمكاتب ففيهما طريقان:

(1) التهذيب - للبغوي - 3: 509، العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3:
238.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3: 238 - 239.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3: 239.
113

أحدهما: طرد الوجهين.
وأظهرهما عندهم: القطع ببقاء الملك للمشتري، كما أن المشتري إذا
أفلس بالثمن والعبد آبق، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه. ولو كان مرهونا
أو مكاتبا، ليس له ذلك (1).
والوجه عندنا بطلان الكتابة والرهن كما قلنا.
وأما المكتري إذا منعنا بيعه، فهو كالمرهون والمكاتب، أو كالآبق؛
لأن حق المكري لا يتعلق بمورد البيع والفسخ، وهو الرقبة؟ فيه للشافعية
احتمالات (2).
قال الجويني: وإذا قلنا ببقاء الملك للمشتري، فالفسخ وارد على
القيمة، كما في صورة التلف، فلا رد ولا استرداد. وإذا قلنا بانقلابه إلى
البائع، ثبت الرد والاسترداد عند ارتفاع الحيلولة (3).
مسألة 622: لو اختلف المتبايعان، فادعى أحدهما حرية العبد المبيع
وأنكر الآخر، فالقول قول المنكر مع يمينه.
قال الشافعي: إذا حلف كل منهما، فبعد التحالف أو قبله لم يحكم
بحرية العبد المبيع إن لم يكن الأمر كما قال، فلا يعتق العبد في الحال؛ لأنه
ملك المشتري، وهو صادق بزعمه (4).
ثم إن فسخ العقد أو عاد العبد إلى البائع بسبب آخر، عتق عليه؛ لأن
المشتري كاذب بزعمه، والعبد قد عتق عليه، فهو بمنزلة من أقر بحرية
العبد ثم اشتراه، ولا يعتق في الباطن إن كان البائع كاذبا، ويعتق على

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 4: 387، روضة الطالبين 3: 239.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 388، روضة الطالبين 3: 239.
114

المشتري إن كان صادقا، وولاء هذا العبد موقوف لا يدعيه البائع
ولا المشتري.
ولو صدق المشتري البائع، حكم بعتقه عليه، ويرد الفسخ إن
تفاسخا، كما لو رد العبد بعيب ثم قال: كنت أعتقته، يرد الفسخ، ويحكم
بعتقه.
ولو صدق البائع المشتري، نظر إن حلف البائع بالحرية أولا ثم
المشتري، فإذا صدقه البائع عقيب يمينه ثم عاد العبد إليه، لم يعتق؛ لأنه
لم يكذب المشتري بعد ما حلف بالحرية حتى يجعل مقرا بعتقه. وإن
حلف المشتري بحريته أولا ثم حلف البائع وصدقه، عتق إذا عاد إليه؛ لأن
حلفه بعد حلف المشتري تكذيب له وإقرار بالحرية عليه.
ولو كان المبيع بعض العبد، فإذا عاد إلى ملك البائع، عتق ذلك القدر
عليه، ولم يقوم عليه الباقي؛ لأنه لم يحصل العتق بمباشرته (1)، بل بإقراره
على غيره، فصار كما لو خلف ابنين وعبدا، وقال أحدهما: إن أبي أعتق
هذا العبد، وأنكره الآخر، فعتق (2) نصيب المقر، ولا يقوم عليه الباقي.
مسألة 623: لو كان المبيع جارية ووطئها المشتري ثم اختلفا في قدر
الثمن، حلف المشتري، عندنا إن كانت السلعة تالفة. وإن كانت باقية،
حلف البائع.
وعند الشافعي يتحالفان، ثم إن كانت ثيبا، فلا أرش عليه مع ردها.
وإن كانت بكرا، ردها مع أرش البكارة؛ لأنه نقصان جزء (3).

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لمباشرته ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) كذا، والظاهر: " فيعتق ".
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 388، روضة الطالبين 3: 240.
115

ولو ترافعا إلى مجلس الحكم ولم يتحالفا بعد، فأصح وجهي
الشافعية: أن للمشتري وطء الجارية؛ لبقاء ملكه (1). وبعد التحالف وقبل
الفسخ وجهان مرتبان (2)، وأولى بالتحريم؛ لإشرافه على الزوال (3).
مسألة 624: لو جرى البيع بين الوكيلين واختلفا، للشافعي في
تحالفهما وجهان، وجه المنع: أن غرض اليمين ليخاف الظالم فيقر، وإقرار
الوكيل على موكله غير مقبول (4).
ولو تقايل المتبايعان أو رد المشتري المبيع بالعيب بعد قبض البائع
الثمن واختلفا في قدر الثمن، فالقول قول البائع مع يمينه - قاله الشافعي (5) -
لأن العقد قد ارتفع، والمشتري يدعي زيادة، والأصل عدمها.
مسألة 625: لو ادعى الفسخ قبل التفرق وأنكر الآخر، قدم قول المنكر
مع اليمين؛ لأصالة البقاء.
ولو قلنا بالتحالف فيما إذا اختلفا في قدر الثمن فاختلفا في قيمة
السلعة التالفة، رجع إلى قيمة مثلها موصوفا بصفاتها، فإن اختلفا في الصفة،
قدم قول المشتري؛ لأصالة براءته.
ولو تقايلا البيع أو رد بعيب بعد قبض الثمن ثم اختلفا في قدره، قدم
قول البائع مع يمينه؛ لأنه منكر لما يدعيه المشتري بعد الفسخ (6).
ولو قال: بعتك وأنا صبي، فقال: بل كنت بالغا، قدم قول مدعي
الصحة.
ويحتمل تقديم قول البائع؛ لأصالة البقاء.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 388، روضة الطالبين 3: 240.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " قريبان " بدل " مرتبان ". وما أثبتناه من المصدر.
(3 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 388، روضة الطالبين 3: 240.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 389، روضة الطالبين 3: 240.
(6) مر هذا الفرع في ذيل المسألة 624.
116

ولو قال: بعت وأنا مجنون، ولم يعلم له سبقه، قدم قول المشتري
مع يمينه، وإلا فكالصبي.
خاتمة تشتمل على الإقالة:
مسألة 626: الإقالة بعد البيع جائزة بل تستحب إذا ندم أحد
المتعاقدين على البيع.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من أقال أخاه المسلم صفقة يكرهها أقاله الله
عثرته يوم القيامة " (1).
إذا عرفت هذا، فالإقالة أن يقول المتبايعان: تقايلنا، أو: تفاسخنا، أو
يقول أحدهما: أقلتك، فيقبل الآخر.
ولو تقايلا بلفظ البيع، فإن قصدا الإقالة المحضة، لم يلحقها لواحق
البيع حيث لم يقصداه.
مسألة 627: الإقالة فسخ للعقد الأول، وليست بيعا عندنا - وهو أصح
قولي الشافعي (2) - لأنها لو كانت بيعا لصحت مع غير البائع وبغير الثمن
الأول.
وقال في القديم: إنها بيع - وبه قال مالك - لأنها نقل ملك بعوض
بإيجاب وقبول، فأشبهت التولية (3).

(1) شرح السنة - للبغوي - 5: 120 / 2117، العزيز شرح الوجيز 4: 280.
(2) الوسيط 3: 140، الوجيز 1: 145، العزيز شرح الوجيز 4: 281، حلية العلماء
4: 385، التهذيب - للبغوي - 3: 493، روضة الطالبين 3: 153، المجموع 9:
200، المغني 4: 244، الشرح الكبير 4: 132.
(3) الوسيط 3: 140، حلية العلماء 4: 386، التهذيب - للبغوي - 3: 393، العزيز
شرح الوجيز 4: 281، روضة الطالبين 3: 153، مختصر اختلاف العلماء 3:
103 / 1179، المغني 4: 244، الشرح الكبير 4: 132.
117

والمشابهة لا تستلزم الاتحاد، وتعارض بما تقدم، وبأن المبيع رجع
إليه بلفظ لا ينعقد به البيع ابتداء، فلم يكن بيعا، كالرد بالعيب.
إذا عرفت هذا، فالإقالة إذا ذكرت بلفظ الإقالة، فيه الخلاف السابق،
أما إذا ذكرت بلفظ الفسخ، فلا خلاف في أنها فسخ، وليست بيعا، قاله
بعض الشافعية (1).
مسألة 628: والإقالة فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما؛ للأصل.
ولأن الصيغة ليست لفظ بيع. ولأن ما كان فسخا في حق المتعاقدين كان
فسخا في حق غيرهما، كالرد بالعيب.
وقال أبو حنيفة: إنها فسخ في حق المتعاقدين، وهي بمنزلة البيع في
حق غيرهما، فيثبت فيها الشفعة للشفيع؛ لأن الإقالة نقل ملك بعوض هو
مال، فيثبت فيه الشفعة، كالبيع (2).
ونمنع كونها نقل ملك، بل إعادة للملك الأول، فبها يعود الملك
الأول إذا فسخ العقد.
وقال أبو يوسف: هي بيع بعد القبض، وفسخ قبله، إلا في العقار،
فإنها بيع فيه قبل القبض وبعده (3).
مسألة 629: لا تثبت الشفعة عندنا بالإقالة وإن أتى بها قاصدا لها بلفظ
البيع؛ لأن القصد المعنى.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 281، روضة الطالبين 3: 153.
(2) الهداية - للمرغيناني - 3: 54 - 55، الاختيار لتعليل المختار 2: 16، تحفة
الفقهاء 2: 110 - 111، بدائع الصنائع 5: 306 و 308، حلية العلماء 4: 385،
العزيز شرح الوجيز 4: 282، المغني 4: 244، الشرح الكبير 4: 132.
(3) حلية العلماء 4: 386.
118

وقال أبو حنيفة: يثبت فيها الشفعة وإن كان بلفظ الإقالة (1).
ولو تقايلا في الصرف، لم يجب التقابض في المجلس؛ لأنها ليست
بيعا. ومن جعلها بيعا أوجب التقابض فيه.
وتجوز الإقالة قبل قبض المبيع؛ لأنها ليست بيعا. ومن جعلها بيعا
منع.
وتجوز في السلم قبل القبض إن كانت فسخا، وإن كانت بيعا، فلا.
ولا تجوز الإقالة بعد تلف المبيع إن كانت بيعا، وتجوز إن كانت
فسخا.
وللشافعية على تقدير كونها فسخا وجهان:
أحدهما: المنع، كالرد بالعيب.
وأصحهما عندهم: الجواز، كالفسخ بالتحالف، فعلى هذا يرد
المشتري على البائع مثل المبيع إن كان مثليا، وقيمته إن كان متقوما (2).
مسألة 630: يشترط في الإقالة عدم الزيادة في الثمن والنقصان فيه لا
قدرا ولا وصفا، فلو أقاله بأكثر أو أقل، فسدت الإقالة، وكان المبيع باقيا
على ملك المشتري - وبه قال الشافعي (3) - لأنها فسخ في الحقيقة، ومقتضاه
عود كل عوض إلى مالكه، وليست من الألفاظ الناقلة، كالبيع وشبهه بحيث
يحصل ملك الزيادة بها.

(1) تحفة الفقهاء 2: 110 - 111، بدائع الصنائع 5: 308، الاختيار لتعليل المختار
2: 17، حلية العلماء 4: 385، العزيز شرح الوجيز 4: 282.
(2) التهذيب - للبغوي - 3: 493 - 494، العزيز شرح الوجيز 4: 282، روضة
الطالبين 3: 154.
(3) حلية العلماء 4: 386، التهذيب - للبغوي - 3: 491، العزيز شرح الوجيز 4:
282، روضة الطالبين 3: 154.
119

وقال أبو حنيفة: تصح الإقالة، ويبطل الشرط، ويجب رد الثمن؛ لأن
الإقالة تصح بغير ذكر بدل، فإذا ذكره فاسدا، لم تبطل، كالنكاح (1).
ونحن نقول: إنه أسقط حقه من المبيع بشرط أن يحصل له العوض
الذي شرطه، فإذا لم يسلم له الذي شرطه ولا بذل له، لم يزل ملكه عنه،
بخلاف النكاح، فإنه يثبت فيه عوض آخر. ولأن شرط الزيادة يخرج الإقالة
عن موضوعها، فلم تصح، بخلاف النكاح.
مسألة 631: تصح الإقالة في بعض المسلم فيه - وبه قال عطاء
وطاوس وعمرو بن دينار والحكم بن عيينة، وإليه ذهب أبو حنيفة
والشافعي والثوري، وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: لا بأس به (2) -
وهو المعروف؛ لأن الإقالة مستحبة، وهي من المعروف، وكل معروف جاز
في جميع العوض جاز في بعضه، كالإبراء والإنظار.
وقال مالك وربيعة والليث بن سعد وابن أبي ليلى: لا يجوز ذلك.
وكرهه أحمد وإسحاق، ورواه ابن المنذر عن ابن عمر والحسن وابن
سيرين والنخعي؛ لأنه إذا أقاله في بعضه فقد صار بيعا وسلفا، وقد نهى
النبي (عليه السلام) عن البيع والسلف (3). [و] (4) لأنه إذا أقاله في بعضه ورد بعض

(1) تحفة الفقهاء 2: 111، الهداية - للمرغيناني - 3: 55، الاختيار لتعليل المختار
2: 16، حلية العلماء 4: 386، التهذيب - للبغوي - 3: 492.
(2) المغني والشرح الكبير 4: 372، مختصر اختلاف العلماء 3: 26 / 1096، حلية
العلماء 4: 387، التهذيب - للبغوي - 3: 493، العزيز شرح الوجيز 4: 283،
روضة الطالبين 3: 155، بداية المجتهد 2: 206.
(3) سنن البيهقي 5: 348، شرح معاني الآثار 4: 46.
(4) زيادة يقتضيها السياق.
120

رأس المال، يصير في معنى القرض؛ لأنه رد مثله، ويصير الباقي بيعا (1).
وهو منقوض بالرجوع بأرش العيب، فإنه في معنى ما ذكروه.
وكذلك ينتقض باليسير، فان بعضهم كان يسلم جواز الإقالة في
اليسير منه.
على أنا نمنع من كونه قرضا. ورد المثل لا يوجب كونه قرضا، وإلا
لزم أن يكون البيع إذا أقيل منه قرضا؛ لوجوب رد المثل، وليس كذلك.
سلمنا، لكن نمنع استحالة اجتماعهما في البيع، لكن منع الاجتماع
إنما يكون إذا كان شرطا في البيع، وأما لو أسلفه شيئا وباعه شيئا، جاز إذا
لم يشترط أحدهما في الآخر عندهم (2).
مسألة 632: لو اشترى عبدين وتلف أحدهما، صحت الإقالة عندنا؛
لأنها فسخ.
ومن قال: إنها بيع فوجهان في الإقالة في التالف بالترتيب؛ إذ القائم
تصادفه الإقالة فيستتبع التالف (3).
وإذا تقايلا والمبيع في يد المشتري، نفذ تصرف البائع فيه؛ لأنها
فسخ.
ومن جعلها بيعا منع؛ إذ لا يصح التصرف في المبيع قبل قبضه.
ولو تلف في يده، انفسخت الإقالة عند من قال: إنها بيع، وبقي البيع
كما كان.

(1) بداية المجتهد 2: 206، المغني والشرح الكبير 4: 372، حلية العلماء 4:
387، التهذيب - للبغوي - 3: 493، مختصر اختلاف العلماء 3: 26 / 1096.
(2) لم نعثر عليه في مظانه.
(3) العزيز شرح الوجيز 4: 282، روضة الطالبين 3: 154.
121

ومن قال: إنها فسخ صحت الإقالة، وكان على المشتري الضمان؛
لأنه مقبوض على حكم العوض، كالمأخوذ قرضا وسوما. والواجب فيه إن
كان متقوما أقل القيمتين من يوم العقد والقبض.
ولو تعيب في يده، فإن كانت بيعا، تخير البائع بين إجازة الإقالة
مجانا، وبين أن يفسخ ويأخذ الثمن. وإن كانت فسخا، غرم أرش العيب.
ولو استعمله بعد الإقالة، فإن جعلناها بيعا، فهو كالمبيع يستعمله
البائع. وإن جعلناها فسخا، فعليه الأجرة.
ولو عرف البائع بالمبيع عيبا كان قد حدث في يد المشتري قبل
الإقالة، فلا رد له إن كانت فسخا. وإن كانت بيعا، فله رده (1).
ويجوز للمشتري حبس المبيع لاسترداد الثمن على القولين.
ولا يشترط [ذكر] (2) الثمن في الإقالة.
ولو أقاله على أن ينظره بالثمن أو على أن يأخذ الصحاح عوض
المكسرة، لم يجز.
ويجوز للورثة الإقالة بعد موت المتبايعين.
وتجوز الإقالة في بعض المبيع - كما تقدم - إذا لم تستلزم الجهالة.
قال الجويني: لو اشترى عبدين وتقايلا في أحدهما، لم تجز على
قول [إنها] (3) بيع؛ للجهل بحصة كل واحد منهما (4).
وتجوز الإقالة في بعض المسلم فيه، لكن لو أقاله في البعض ليعجل

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " ردها ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " فك ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " إنه ". والظاهر ما أثبتناه.
(4) العزيز شرح الوجيز 4: 282 - 283، روضة الطالبين 3: 154 - 155.
122

الباقي أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي، فهي فاسدة.
نعم، لو قال للمسلم إليه: عجل لي حقي، وأخذ دون ما استحقه
بطيبة من نفسه، كان جائزا؛ لأنه نوع صلح وتراض، وهو جائز.
وقال الشافعي: لا يجوز (1).
مسألة 633: لا تسقط أجرة الدلال والوزان والناقد بعد هذه الأفعال
بالإقالة؛ لأن سبب الاستحقاق ثابت، فلا يبطل بالطارئ.
ولو اختلفا في قيمة التالف من العبدين، فالقول قول من ينكر الزيادة
مع اليمين.

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
123

المقصد الثامن: في اللواحق
وفيه فصلان:
الأول: في أنواع المكاسب.
مسألة 634: طلب الرزق للمحتاج واجب، وإذا لم يكن له وجه
التحصيل إلا من المعيشة، وجب عليه.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ملعون من ألقى كله على الناس " (1).
وهو أفضل من التخلي للعبادة.
روى علي بن عبد العزيز عن الصادق (عليه السلام) قال: " ما فعل عمر بن
مسلم؟ " قال: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: " ويحه
أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له، إن قوما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لما نزلت (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث
لا يحتسب) (2) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا، فبلغ
ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا:
يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنه من فعل ذلك
لم يستجب له، عليكم بالطلب " (3).
وسأل عمر بن زيد الصادق (عليه السلام): رجل قال: لأقعدن في بيتي

(1) الكافي 5: 72 / 7، التهذيب 7: 327 / 902.
(2) الطلاق: 2 و 3.
(3) الكافي 5: 84 / 5، الفقيه 3: 119 - 120 / 509، التهذيب 6: 323 / 885.
125

ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي عز وجل، فأما رزقي فسيأتيني، فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): " هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم " (1).
وسأل العلاء بن كامل الصادق (عليه السلام) أن يدعو له الله تعالى أن يرزقه
في دعة، فقال: " لا أدعو لك، اطلب كما أمرك الله " (2).
وسأل الصادق (عليه السلام) عن رجل، فقيل: أصابته حاجة، قال: " فما
يصنع اليوم؟ " قيل (3): في البيت يعبد ربه عز وجل، قال: " فمن أين
قوته؟ " قيل: من عند بعض إخوانه، فقال الصادق (عليه السلام): " والله للذي (4)
يقوته أشد عبادة منه " (5).
وقال الباقر (عليه السلام): " من طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على
أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة
البدر " (6)
مسألة 635: وفي طلب الرزق ثواب عظيم.
قال الله تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) (7).
وقال الباقر (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): العبادة سبعون جزءا أفضلها
طلب الحلال " (8).

(1) الكافي 5: 77 / 1، التهذيب 6: 323 / 887.
(2) الكافي 5: 78 / 3، التهذيب 6: 324 / 888.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " قال " بدل " قيل ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بالله الذي ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) الكافي 5: 78 / 4، التهذيب 6: 324 / 889.
(6) الكافي 5: 78 / 5، التهذيب 6: 324 / 890.
(7) الملك: 15.
(8) الكافي 5: 78 / 6، التهذيب 6: 324 / 891.
126

وقال الصادق (عليه السلام): " يا هشام إن رأيت الصفين قد التقيا فلا تدع
طلب الرزق في ذلك اليوم " (1).
وقال الصادق (عليه السلام): " إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى
أن علي بن الحسين (عليهما السلام) يدع خلفا أفضل من علي بن الحسين حتى رأيت
ابنه محمد بن علي (عليهما السلام) فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي
شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة،
فلقيني أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ
على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي: سبحان الله شيخ من
أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا، أما لأعظنه،
فدنوت منه فسلمت عليه، فرد علي بنهر وهو يتصاب عرقا، فقلت:
أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في
طلب الدنيا، أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع؟
فقال (عليه السلام): لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من
طاعات الله عز وجل، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، وإنما كنت
أخاف أن لو جاءني (2) الموت وأنا على معصية من معاصي الله عز وجل،
فقلت: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني " (3).
وأعتق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ألف مملوك من كد
يده (4).

(1) الكافي 5: 78 / 7، التهذيب 6: 324 / 892.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " جاء " بدل " جاءني ". وما أثبتناه من المصدر.
(3) الكافي 5: 73 - 74 / 1، التهذيب 6: 325 / 894.
(4) الكافي 5: 74 / 4، التهذيب 6: 325 - 326 / 895.
127

وقال الصادق (عليه السلام): " أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السلام) أنك نعم
العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا " قال: " فبكى
داود (عليه السلام) أربعين صباحا، فأوحى الله عز وجل إلى الحديد أن لن لعبدي
داود، فألان الله تعالى له الحديد، فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف
درهم، فعمل ثلاثمائة وستين درعا، فباعها بثلاثمائة وستين ألفا، واستغنى
عن بيت المال " (1).
وقال محمد بن عذافر عن أبيه، قال: أعطى أبو عبد الله (عليه السلام) أبي ألفا
وسبعمائة دينار، فقال له: " اتجر لي بها " ثم قال: " أما إنه ليس لي رغبة في
ربحها وإن كان الربح مرغوبا فيه، ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل
متعرضا لفوائده " قال: فربحت فيها مائة دينار، ثم لقيته فقلت: قد ربحت
لك فيها مائة دينار، قال: ففرح أبو عبد الله (عليه السلام) بذلك فرحا شديدا، ثم
قال: " أثبتها لي في رأس مالي " (2).
وقال الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفى الآخرة حسنة) (3): " رضوان الله والجنة في الآخرة، والمعاش وحسن
الخلق في الدنيا " (4).
وقال رجل للصادق (عليه السلام): والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها،
فقال: " تحب أن تصنع بها ماذا؟ " قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأصل
منها وأتصدق وأحج وأعتمر، فقال الصادق (عليه السلام): " ليس هذا طلب الدنيا،

(1) التهذيب 5: 326 / 896.
(2) الكافي 5: 76 / 12، التهذيب 6: 326 - 327 / 898.
(3) البقرة: 201.
(4) الكافي 5: 71 / 2، التهذيب 6: 327 / 900.
128

هذا طلب الآخرة " (1).
وقال معاذ بن كثير - صاحب الأكسية - للصادق (عليه السلام): قد هممت أن
أدع السوق وفي يدي شيء، قال: " إذن يسقط رأيك، ولا يستعان بك على
شيء " (2).
مسألة 636: ولا ينبغي الإكثار في ذلك، بل ينبغي الاقتصار على ما
يمون نفسه وعياله وجيرانه ويتصدق به.
قال الباقر (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: ألا إن الروح
الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله
عز وجل، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شيء من الرزق أن
تطلبوه بشيء من معصية الله، فإن الله تعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا،
ولم يقسمها حراما، فمن اتقى الله عز وجل وصبر أتاه الله برزقه من حله،
ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه
الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة " (3).
وقال الصادق (عليه السلام): " ليكن طلبك المعيشة فوق كسب المضيع ودون
طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك (4) من ذلك
بمنزلة النصف (5) المتعفف، ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف،
وتكتسب ما لا بد للمؤمن منه، إن الذين أعطوا المال ثم لم يشكروا لا مال

(1) الكافي 5: 72 / 10 بتفاوت يسير فيه، التهذيب 6: 327 - 328 / 903.
(2) الكافي 5: 149 / 10، التهذيب 6: 329 / 908.
(3) الكافي 5: 80 / 1، التهذيب 6: 321 / 880.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " ولكن اترك لنفسك ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) في الكافي و " ي ": " المنصف " بدل " النصف ". والنصف: العدل. القاموس المحيط
3: 200.
129

لهم " (1).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " منهومان لا يشبعان: منهوم دنيا، ومنهوم
علم، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير
حلها هلك إلا أن يتوب ويراجع، ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا،
ومن أراد به الدنيا فهي حظه " (2).
وقال الصادق (عليه السلام): " ما أعطى الله عبدا ثلاثين ألفا وهو يريد به خيرا "
وقال: " ما جمع رجل قط عشرة آلاف درهم من حل (3) وقد يجمعها
لأقوام، إذا أعطي القوت ورزق العمل، فقد جمع الله له الدنيا والآخرة " (4).
مسألة 637: فقد ثبت من هذا أن التكسب واجب إذا احتاج إليه
الإنسان لقوت نفسه وقوت من تجب نفقته عليه، ولا وجه له سواه، وأما
إذا قصد التوسعة على العيال ونفع المحاويج وإعانة من لا تجب عليه نفقته
مع حصول قدر الحاجة بغيره، فإنه مندوب إليه؛ لما تقدم من الأحاديث.
وأما ما يقصد به الزيادة في المال لا غير مع الغناء عنه، فإنه مباح.
وقد يكون مكروها إذا اشتمل على وجه نهي الشارع عنه نهي تنزيه،
كالصرف، فإنه لا يسلم من الربا، وبيع الأكفان، فإنه يتمنى موت الأحياء،
والرقيق واتخاذ الذبح والنحر صنعة؛ لما في ذلك من سلب الرحمة من
القلب، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من قسا قلبه بعد من رحمة ربه " (5).

(1) الكافي 5: 81 / 8، التهذيب 6: 322 / 882.
(2) الكافي 1: 36 / 1، التهذيب 6: 328 / 906.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " عشرة ألف من حل ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) التهذيب 6: 328 / 907.
(5) وجدنا الحديث من دون " رحمة " في الكافي 3: 199 / 5، والتهذيب 1:
319 / 928 عن الإمام الصادق (عليه السلام).
130

قال إسحاق بن عمار: دخلت على الصادق (عليه السلام) فخبرته أنه ولد لي
غلام، فقال: " ألا سميته محمدا؟ " قال: قد فعلت، فقال: " لا تضرب
محمدا ولا تشتمه، جعله الله قرة عين لك في حياتك وخلف صدق من
بعدك " قلت: جعلت فداك فأي الأعمال (1) أضعه؟ قال: " إذا عدلته [عن] (2)
خمسة أشياء فضعه حيث شئت، لا تسلمه صيرفيا، فإن الصيرفي لا يسلم
من الربا، ولا تسلمه بياع الأكفان، فإن صاحب الأكفان يسره الوباء إذا كان،
ولا تسلمه بياع طعام، فإنه لا يسلم من الاحتكار، ولا تسلمه جزارا فإن
الجزار تسلب [منه] (3) الرحمة، ولا تسلمه نخاسا، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قال: شر الناس من باع الناس " (4).
وقال الكاظم (عليه السلام): " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله
قد علمت ابني هذا الكتابة ففي أي شيء أسلمه؟ فقال: أسلمه - لله أبوك -
ولا تسلمه في خمسة أشياء: لا تسلمه سباء (5) ولا صائغا ولا قصابا
ولا حناطا ولا نخاسا قال: فقلت: يا رسول الله ما السباء؟ فقال: الذي يبيع
الأكفان ويتمنى موت أمتي، وللمولود من أمتي أحب إلي مما طلعت عليه
الشمس، وأما الصائغ فإنه يعالج زين أمتي، وأما القصاب فإنه يذبح حتى
تذهب الرحمة من قلبه، وأما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي، ولأن
يلقى الله العبد سارقا أحب إلي من أن يلقاه قد احتكر طعاما أربعين يوما،
وأما النخاس فإنه أتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إن شر أمتك الذين

(1) في المصدر: " في أي الأعمال ".
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) ما بين المعقوفين من التهذيب.
(4) التهذيب 6: 361 - 362 / 1037، الاستبصار 3: 62 - 63 / 208.
(5) في النهاية - لابن الأثير - 2: 430: " سياء " بالياء المثناة التحتانية.
131

يبيعون الناس " (1).
مسألة 638: ويكره اتخاذ الحياكة والنساجة صنعة؛ لما فيهما من
الضعة والرذالة.
قال الله تعالى في قصة نوح (عليه السلام): (قالوا أنؤمن لك واتبعك
الأرذلون) (2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث بن قيس: " حائك بن حائك،
منافق بن كافر " (3).
قيل: إنه كان ينسج الأبراد (4).
وقيل: إن قومه كانوا كذلك (5).
وقال أبو إسماعيل الصيقل الرازي (6): دخلت على الصادق (عليه السلام)
ومعي ثوبان، فقال لي: " يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة
وليس يجيئني مثل هذين الثوبين اللذين تحملهما أنت " فقلت: جعلت
فداك تغزلهما أم إسماعيل وأنسجهما أنا، فقال لي: " حائك؟ " قلت: نعم،
قال: " لا تكن حائكا " قلت: فما أكون؟ قال: " كن صيقلا " وكان معي مائتا
دينار (7) فاشتريت بها سيوفا ومرايا عتقا وقدمت بها الري، وبعتها بربح

(1) الفقيه 3: 96 / 369، التهذيب 6: 362 / 1038، الاستبصار 3: 63 / 209.
(2) الشعراء: 111.
(3) نهج البلاغة - بشرح محمد عبده - 1: 51 - 52 / 18.
(4) شرح نهج البلاغة - لابن ميثم البحراني - 1: 324، حدائق الحقائق 1: 212.
(5) أنظر: شرح نهج البلاغة - لابن أبي الحديد - 1: 297.
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " المرادي " بدل " الرازي ". وما أثبتناه من
المصدر.
(7) في المصدر: " درهم " بدل " دينار ".
132

كثير (1).
مسألة 639: يكره كسب الحجام مع الشرط.
قال الصادق (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني أعطيت خالتي غلاما
ونهيتها أن تجعله قصابا أو حجاما أو صائغا " (2).
وسأل أبو بصير الباقر (عليه السلام) عن كسب الحجام، فقال: " لا بأس به إذا
لم يشارط " (3).
إذا ثبت هذا، فإن الأجرة ليست حراما؛ للأصل.
وقال الباقر (عليه السلام): " احتجم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حجمه مولى لبني بياضة
وأعطاه (4)، ولو كان حراما، ما أعطاه، فلما فرغ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أين الدم؟ قال: شربته يا رسول الله، فقال: ما كان ينبغي لك أن تفعل،
وقد جعله الله عز وجل حجابا لك من النار، فلا تعد " (5).
تذنيب: إذا شارط، كره له الكسب مع الشرط، ولم يكره الشرط
لمن يشارطه.
قال زرارة: سألت الباقر (عليه السلام) عن كسب الحجام، فقال: " مكروه له أن
يشارط، ولا بأس عليك أن تشارطه وتماكسه، وإنما يكره له، ولا بأس (6)
عليك " (7).

(1) الكافي 5: 115 / 6، التهذيب 6: 363 - 364 / 1042، الاستبصار 3: 64 / 213.
(2) الكافي 5: 114 / 5، التهذيب 6: 363 / 1041، الاستبصار 3: 64 / 212.
(3) الكافي 5: 115 / 1، التهذيب 6: 354 / 1008، الاستبصار 3: 58 / 190.
(4) في التهذيب: " وأعطاه الأجر ".
(5) الكافي 5: 116 / 3، الفقيه 3: 97 / 372، التهذيب 6: 355 / 1010، الاستبصار
3: 59 / 192.
(6) في " س، ي ": " فلا بأس ". وما أثبتناه من المصدر.
(7) الكافي 5: 116 / 4، التهذيب 6: 355 / 1011، الاستبصار 3: 59 / 193.
133

وقال الصادق (عليه السلام): " إن رجلا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كسب
الحجام، فقال: لك ناضح؟ فقال له: نعم، فقال: إعلفه إياه ولا تأكله " (1).
وهذا يدل على حكمين: الكراهة حيث نهاه عن أكله، وعلى الإباحة
حيث أمره أن (2) يعلف الناضح به.
وكذا القابلة كسبها مكروه مع الشرط، ولا معه طلق.
مسألة 640: لا بأس بأجر النائحة بالحق، ويكره مع الشرط، ويحرم
بالباطل.
قال حنان بن سدير: كانت امرأة معنا في الحي ولها جارية نائحة
فجاءت إلى أبي، فقالت: يا عم أنت تعلم معيشتي من الله وهذه الجارية
النائحة، وقد أحببت أن تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فإن كان حلالا،
وإلا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله عز وجل بالفرج، فقال لها أبي:
والله إني لأعظم أبا عبد الله (عليه السلام) أن أسأله عن هذه المسألة، قال: فلما قدمنا
عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): " أتشارط؟ " قلت: والله ما
أدري أتشارط أم لا، قال: " قل لها: لا تشارط وتقبل كلما أعطيت " (3).
وقال الصادق (عليه السلام): " لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت " (4).
مسألة 641: يكره أجرة الضراب؛ لأنه في معنى بيع عسيب الفحل.
ويكره إنزاء الحمير على الخيل؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى أن ينزا حمار على

(1) التهذيب 6: 356 / 1014، الاستبصار 3: 60 / 196.
(2) في " س، ي ": " بأن ".
(3) الكافي 5: 117 - 118 / 3، التهذيب 6: 358 / 1026، الاستبصار 3: 60 -
61 / 200.
(4) الفقيه 3: 98 / 376، التهذيب 6: 359 / 1028، الاستبصار 3: 60 / 199.
134

عتيق، رواه السكوني عن الصادق (1) (عليه السلام). وفي السند ضعف.
وليس محرما؛ للأصل.
ولما رواه هشام بن إبراهيم عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن الحمير
ننزيها على الرمك (2) لتنتج البغال أيحل ذلك؟ قال: " نعم، انزها " (3).
ولا تنافي بين الروايتين؛ لأن الإمام (عليه السلام) سئل عن الحل، فأجاب
بثبوته، وقوله: " انزها " على سبيل الإباحة، والنهي الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله)
إنما هو على سبيل التنزيه.
مسألة 642: كسب الصبيان ومن لا يجتنب (4) المحارم مكروه؛ لعدم
تحفظهم من المحارم، وعدم الوثوق بإباحة ما حصلوه.
وكذا تكره الصياغة والقصابة، وقد تقدم بيانه في الرواية (5).
ويكره ركوب البحر للتجارة؛ لرواية محمد بن مسلم عن الباقر
والصادق (عليهما السلام) أنهما كرها ركوب البحر للتجارة (6).
ولو حصل الخوف - كما في وقت اضطرابه وتكاثر الأهوية المختلفة -
فإنه يكون حراما.
قال الباقر (عليه السلام) في ركوب البحر للتجارة: " يغرر الرجل بدينه " (7).

(1) التهذيب 6: 377 - 378 / 1105، الاستبصار 3: 57 / 184.
(2) الرمكة: البرذونة التي تتخذ للنسل. والجمع: رمك. لسان العرب 10: 434
" رمك ".
(3) التهذيب 6: 384 / 1137، الاستبصار 3: 57 / 185.
(4) في " س، ي ": " لا يتجنب ".
(5) وهي حديث الإمام الكاظم (عليه السلام)، المتقدم في ص 131.
(6) الكافي 5: 256 / 1، التهذيب 6: 388 / 1158.
(7) الكافي 5: 257 / 4، التهذيب 6: 388 / 1159.
135

وسأل معلى بن خنيس الصادق (عليه السلام): عن الرجل يسافر فيركب
البحر، فقال: " إن أبي كان يقول: إنه يضر بدينك هو ذا الناس يصيبون
أرزاقهم ومعائشهم " (1).
مسألة 643: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار،
ويكره على تعليم القرآن؛ لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاءه رجل فقال:
يا أمير المؤمنين والله إني لأحبك لله، فقال له: " ولكني أبغضك لله " قال:
ولم؟ قال: " لأنك تبغي في الأذان، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا،
وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه
يوم القيامة " (2).
وعن إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام)، قال: قلت: إن لنا جارا
يكتب وقد سألني أن أسألك عن عمله، فقال: " مره إذا دفع إليه الغلام أن
يقول لأهله: إني إنما أعلمه الكتاب والحساب وأتجر عليه بتعليم القرآن،
حتى يطيب له كسبه " (3).
وعن حسان المعلم قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن التعليم، فقال:
" لا تأخذ على التعليم أجرا " قلت: الشعر والرسائل وما أشبه ذلك أشارط
عليه؟ قال: " نعم، بعد أن يكون الصبيان عندك سواء في التعليم لا تفضل
بعضهم على بعض " (4).

(1) الكافي 5: 257 / 5، التهذيب 6: 388 / 1160.
(2) التهذيب 6: 376 / 1099.
(3) التهذيب 6: 364 / 1044، الاستبصار 3: 66 / 217.
(4) الكافي 5: 121 (باب كسب المعلم) الحديث 1، التهذيب 6: 364 / 1045،
الاستبصار 3: 65 / 214.
136

وسأل الفضل بن أبي قرة الصادق (عليه السلام): إن هؤلاء يقولون: إن كسب
المعلم سحت، فقال: " كذبوا أعداء الله، إنما أرادوا أن لا يعلموا القرآن،
ولو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده كان للمعلم مباحا " (1).
قال الشيخ (رحمه الله): لا تنافي بين هذين الخبرين؛ لأن الخبر الأول
محمول على أنه لا يجوز له أن يشارط في تعليم القرآن أجرا معلوما،
والثاني على أنه إن أهدي إليه شيء وأكرم بتحفة، جاز له أخذه؛ لرواية
جراح المدائني عن الصادق (عليه السلام) قال: " المعلم لا يعلم بالأجر، ويقبل
الهدية إذا أهدي إليه " (2).
قال قتيبة الأعشى للصادق (عليه السلام): إني أقرأ القرآن فتهدى إلي الهدية
فأقبلها؟ قال: " لا " قال: قلت: إن لم أشارطه؟ قال: " أرأيت لو لم تقرأه
أكان يهدى لك؟ " قال: قلت: لا، قال: " فلا تقبله " (3).
وهو محمول على الكراهة؛ جمعا بين الأدلة.
مسألة 644: ويكره خصا الحيوان؛ لما فيه من الإيلام، ومعاملة
الظالمين؛ لعدم تحرزهم عن المحرمات.
وكذا تكره معاملة السفلة والأدنين والمحارفين؛ لأن
أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " شاركوا من أقبل عليه الرزق فإنه أجلب
للرزق " (4).

(1) الكافي 5: 121 (باب كسب المعلم) الحديث 2، الفقيه 3: 99 / 384، التهذيب
6: 365 / 1046، الاستبصار 3: 65 / 216.
(2) التهذيب 6: 365، والحديث رقم 1047.
(3) التهذيب 6: 365 / 1048، الاستبصار 3: 66 / 219.
(4) نهج البلاغة - بشرح محمد عبده - 3: 204 / 230 بتفاوت في بعض الألفاظ.
137

وكذا تكره معاملة ذوي العاهات والأكراد ومجالستهم ومناكحتهم؛ لما
روي من أنهم حي من الجن (1).
وكذا تكره معاملة أهل الذمة.
مسألة 645: من التجارة ما هو حرام، وهو أقسام:
الأول: كل نجس لا يقبل التطهير، سواء كانت نجاسته ذاتية، كالخمر
والنبيذ والفقاع والميتة والدم وأبوال ما لا يؤكل لحمه وأرواثه والكلب
والخنزير وأجزائهما، أو عرضية، كالمائعات النجسة التي لا تقبل التطهير،
إلا الدهن النجس بالعرض لفائدة الاستصباح تحت السماء خاصة، لا تحت
الأظلة، لأن البخار الصاعد بالاشتعال لا بد أن يستصحب شيئا من أجزاء
الدهن.
ولو كانت نجاسة الدهن ذاتية - كالألية المقطوعة من الميتة أو الحية -
لم يجز الاستصباح بها تحت السماء أيضا.
والماء النجس يجوز بيعه؛ لقبوله التطهير.
وأبوال ما يؤكل لحمه وإن كانت طاهرة إلا أن بيعها حرام؛
لاستخباثها، إلا بول الإبل للاستشفاء بها.
ويجوز بيع كلب الصيد والزرع والماشية والحائط، وإجارتها واقتناؤها
وإن هلكت الماشية، وتربيتها.
ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلا لفائدة، كالكلب والسرجين لتربية
الزرع، والخمر للتخليل.
ويحرم أيضا اقتناء المؤذيات، كالحيات والعقارب والسباع.

(1) الكافي 5: 158 / 2، الفقيه 3: 100 / 390، التهذيب 7: 11 / 42.
138

الثاني: كل ما يكون المقصود منه حراما، كآلات اللهو، كالعود،
وآلات القمار، كالنرد والشطرنج، وهياكل العبادة، كالصنم، وبيع السلاح
لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين؛ لما فيه من الإعانة على الظلم، وإجارة
السفن والمساكن للمحرمات، وبيع العنب ليعمل خمرا، والخشب ليعمل
صنما وآلة قمار، ويكره بيعهما على من يعمل ذلك من غير شرط،
والتوكيل في بيع الخمر وإن كان الوكيل ذميا.
وليس للمسلم منع الذمي المستأجر داره من بيع الخمر فيها سرا. ولو
آجره لذلك، حرم.
ولو آجر دابة لحمل خمر، جاز إن كان للتخليل والإراقة، وإلا فلا.
ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح على أعداء الدين وإن كان وقت
الحرب.
الثالث: بيع ما لا ينتفع به، كالحشرات، مثل: الفأر والحيات
والخنافس والعقارب والسباع مما لا يصلح للصيد، كالأسد والذئب والرخم
والحدأة والغراب وبيوضها، والمسوخ البرية، كالقرد وإن قصد به حفظ
المتاع، والدب، أو بحرية، كالجري والسلاحف والتمساح.
ولو قيل بجواز [بيع] (1) السباع كلها؛ لفائدة الانتفاع بجلودها، كان
حسنا.
ويجوز بيع الفيل والهر، وما يصلح للصيد، كالفهد، وبيع دود القز
والنحل مع المشاهدة وإمكان التسليم.
وكذا يجوز بيع عام الوجود، كالماء والتراب والحجارة.

(1) الزيادة يقتضيها السياق.
139

ويحرم بيع الترياق؛ لاشتماله على الخمر ولحوم الأفاعي. ولا يجوز
شربه للتداوي إلا مع خوف التلف، والسم من الحشائش.
والنبات يجوز بيعه إن كان مما ينتفع به، كالسقمونيا، وإلا فلا.
والأقرب: المنع من بيع لبن الآدميات.
ولو باعه دارا لا طريق لها مع علم المشتري، جاز، ومع جهله
يتخير.
الرابع: ما نص الشارع على تحريمه عينا، كعمل الصور المجسمة،
والغناء وتعليمه واستماعه، وأجر المغنية.
قال الصادق (عليه السلام) وقد سأله رجل عن بيع الجواري المغنيات، فقال:
" شراؤهن حرام، وبيعهن حرام، وتعليمهن كفر، واستماعهن نفاق " (1).
وقال الصادق (عليه السلام): " المغنية ملعونة، ملعون من أكل كسبها " (2).
وأوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنيات أن يبعن ويحمل
ثمنهن إلى أبي الحسن (عليه السلام)، قال إبراهيم بن أبي البلاد: فبعت الجواري
بثلاثمائة ألف درهم، وحملت الثمن إليه، فقلت له: إن مولى لك يقال له:
إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنيات وحمل الثمن إليك،
وقد بعتهن وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال: " لا حاجة لي فيه، إن
هذا سحت، وتعليمهن كفر، والاستماع منهن نفاق، وثمنهن سحت " (3).
أما المغنية في الأعراس فقد ورد رخصة بجواز كسبها إذا لم تتكلم
بالباطل ولم تلعب بالملاهي ولم يدخل الرجال عليها.

(1) الكافي 5: 120 / 5، التهذيب 6: 356 / 1018، الاستبصار 3: 61 / 201.
(2) الكافي 5: 120 / 6، التهذيب 6: 357 / 1020، الاستبصار 3: 61 / 203.
(3) الكافي 5: 120 / 7، التهذيب 6: 357 / 1021، الاستبصار 3: 61 / 204.
140

روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " أجر المغنية التي تزف العرائس
ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال " (1).
إذا ثبت هذا، فإن أدخلت الرجال أو غنت بالكذب، كان حراما؛
لما تقدم.
ولما رواه أبو بصير عن الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن كسب المغنيات،
فقال: " التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس به
بأس، وهو قول الله عز وجل: (ومن الناس من يشترى لهو الحديث
ليضل عن سبيل الله) (2) " (3).
مسألة 646: القمار حرام وتعلمه واستعماله وأخذ الكسب به حتى
لعب الصبيان بالجوز والخاتم.
قال الله تعالى: (وأن تستقسموا بالأزلام) (4) وقال تعالى:
(والأنصاب والأزلام) (5).
قال الباقر (عليه السلام): " لما أنزل الله تعالى على رسوله (إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان) (6) قيل:
يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما يقمروا به حتى الكعاب والجوز،
فقيل: وما الأنصاب؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم، قيل: والأزلام؟ قال: قداحهم

(1) الكافي 5: 120 / 3، الفقيه 3: 98 / 376، التهذيب 6: 357 / 1022، الاستبصار
3: 62 / 205.
(2) سورة لقمان: 6.
(3) الكافي 5: 119 / 1، التهذيب 6: 358 / 1024، الاستبصار 3: 62 / 207.
(4) المائدة: 3.
(5 و 6) المائدة: 90.
141

التي كانوا يستقسمون بها " (1).
وسأل إسحاق بن عمار الصادق (عليه السلام): الصبيان يلعبون بالجوز
والبيض ويقامرون، فقال: " لا تأكل منه فإنه حرام " (2).
وكان الصادق (عليه السلام) ينهى عن الجوز يجيء به الصبيان من القمار أن
يؤكل، وقال: " هو سحت " (3).
مسألة 647: الغش والتدليس محرمان، كشوب اللبن بالماء، وتدليس
الماشطة، وتزيين الرجل بالحرام.
قال الصادق (عليه السلام): " ليس منا من غشنا " (4).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل يبيع التمر: " يا فلان أما علمت أنه ليس
من المسلمين من غشهم " (5).
ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يشاب اللبن بالماء للبيع (6).
ولا بأس بكسب الماشطة إذا لم تفعل التدليس.
قال [علي] (7): سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس ليس لها معيشة
غير ذلك وقد دخلها تضيق، قال: " لا بأس، ولكن لا تصل الشعر
بالشعر " (8).

(1) الكافي 5: 122 - 123 / 2، الفقيه 3: 97 / 374، التهذيب 6: 371 / 1075،
بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
(2) الكافي 5: 124 / 10، التهذيب 6: 370 / 1069.
(3) الكافي 5: 123 / 6، التهذيب 6: 370 / 1070.
(4) الكافي 5: 160 / 1، التهذيب 7: 12 / 48.
(5) الكافي 5: 160 / 2، التهذيب 7: 12 / 49.
(6) الكافي 5: 160 / 5، الفقيه 3: 173 / 771، التهذيب 7: 13 / 53.
(7) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " سماعة ". ولقد ورد في
المصدر لفظ " سماعة " في الحديث السابق بسطر واحد. وما أثبتناه من المصدر.
(8) التهذيب 6: 359 / 1030، وفيه: " وقد دخلها ضيق... ".
142

وإذا لم يحصل تدليس بالوصل، لم يكن به بأس.
سئل [الباقر] (1) (عليه السلام) عن القرامل التي يضعها النساء في رؤوسهن
يصلنه بشعورهن، فقال: " لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها " فقيل
له: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن الواصلة والموصولة، فقال: " ليس هناك،
إنما لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) [الواصلة] (2) التي تزني في شبابها، فإذا كبرت
قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة " (3).
مسألة 648: وتحرم معونة الظالمين على الظلم.
قال ابن أبي يعفور: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من
أصحابنا، فقال له: أصلحك الله إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو (4)
الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسناة يصلحها، فما
تقول في ذلك؟ فقال الصادق (عليه السلام): " ما أحب إني (5) عقدت لهم عقدة أو
وكيت لهم وكاء وإن لي ما بين لابتيها لا ولا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم
القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد " (6).
مسألة 649: يحرم حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة
وتعلمها، ونسخ التوراة والإنجيل؛ لأنهما منسوخان محرفان، وتعليمهما
وتعلمهما حرام، وأخذ الأجرة على ذلك.

(1) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " الصادق ". وما أثبتناه هو
الموافق لما في المصدر، وفيه: " أبو جعفر ".
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) الكافي 5: 119 / 3، التهذيب 6: 360 / 1032.
(4 و 5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " والشدة... إن عقدت ". وما أثبتناه كما في
المصدر.
(6) الكافي 5: 107 / 7، التهذيب 6: 331 / 919.
143

وكذا يحرم هجاء المؤمنين والغيبة.
قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل
لحم أخيه ميتا) (1).
ويحرم سب المؤمنين والكذب عليهم والنميمة (2) ومدح من يستحق
الذم وبالعكس، والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة، بلا خلاف في ذلك
كله.
مسألة 650: تعلم السحر وتعليمه حرام.
وهو كلام يتكلم به أو يكتبه أو (3) رقية أو يعمل شيئا [يؤثر] (4) في
بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.
وهل له حقيقة؟ قال الشيخ: لا، وإنما هو تخييل (5).
وعلى كل تقدير لو استحله قتل.
ويجوز حل السحر بشيء من القرآن أو الذكر والأقسام، لا بشيء
منه.
روى إبراهيم بن هاشم قال: حدثني شيخ من أصحابنا الكوفيين،
قال: دخل عيسى بن سيفي (6) على الصادق (عليه السلام) - وكان ساحرا يأتيه الناس

(1) الحجرات: 12.
(2) في الطبعة الحجرية: " التهمة " بدل " النميمة ".
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". والظاهر ما أثبتناه.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(5) الخلاف 5: 327 - 328، المسألة 14 من كتاب كفارة القتل، المبسوط
- للطوسي - 7: 260.
(6) في الكافي: " شفقي " بدل " سيفي ". وفي التهذيب - تحقيق السيد حسن الخرسان -
وكذا الفقيه: " شقفي ". وفي التهذيب - تحقيق علي أكبر الغفاري - كما في المتن.
144

ويأخذ على ذلك الأجر - فقال له: جعلت فداك أنا رجل كانت صناعتي
السحر وكنت آخذ عليه الأجرة وكان معاشي، وقد حججت ومن الله علي
بلقائك وقد تبت إلى الله تعالى، فهل لي في شيء منه مخرج؟ قال: فقال
الصادق (عليه السلام): " حل ولا تعقد " (1).
وكذا يحرم تعلم الكهانة وتعليمها، والكاهن هو الذي له رئي (2) من
الجن يأتيه بالأخبار. ويقتل ما لم يتب.
والتنجيم حرام، وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها في عالم
العنصريات على ما يقوله الفلاسفة.
والشعبذة حرام. وهي الحركات السريعة جدا بحيث يخفى على
الحس الفرق بين الشيء وشبهه لسرعة (3) انتقاله من الشيء إلى شبهه.
والقيافة حرام عندنا.
مسألة 651: يحرم بيع المصحف؛ لما فيه من الابتذال له وانتفاء
التعظيم، بل ينبغي أن يبيع الجلد والورق.
قال سماعة: سألته عن بيع المصاحف وشرائها، فقال: " لا تشتر
كتاب الله، ولكن اشتر الحديد والجلود (4) والدفتين (5)، وقل: أشتري هذا
منك بكذا وكذا " (6).

(1) الكافي 5: 115 / 7، التهذيب 6: 364 / 1043، وانظر: الفقيه 3: 110 / 463.
(2) يقال للتابع من الجن: رئي، بوزن كمي، سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه. النهاية
- لابن الأثير - 2: 178 " رأي ".
(3) في الطبعة الحجرية: " بسرعة ".
(4) في المصدر: " والورق " بدل " والجلود ".
(5) في الطبعة الحجرية: " والدفين ". وفي " س، ي ": " والدفتر ". وما أثبتناه من
المصدر.
(6) الكافي 5: 121 (باب بيع المصاحف) الحديث 2.
145

وسأل جراح المدائني الصادق (عليه السلام): عن بيع المصاحف، فقال (1):
" لا تبع الكتاب ولا تشتره، وبع الورق والأديم والحديد " (2).
ولا بأس بأخذ الأجرة على كتبة القرآن.
قال الصادق (عليه السلام) وقد سأله روح بن عبد الرحيم (3)، فقال له: ما ترى
أن أعطي على كتابته أجرا؟ قال: " لا بأس " (4).
مسألة 652: يحرم تعشير المصاحف بالذهب وزخرفتها.
قال سماعة: سألته عن رجل يعشر المصاحف بالذهب، فقال:
" لا يصلح " فقال: إنها معيشتي، فقال: " إنك إن تركته لله جعل الله لك
مخرجا " (5).
والأولى عندي الكراهة دون التحريم؛ عملا بالأصل، واستضعافا
للرواية؛ لأنها غير مستندة إلى إمام، والرواة ضعفاء.
ويكره كتبة القرآن بالذهب.
قال محمد الوراق (6): عرضت على الصادق (عليه السلام) كتابا فيه قرآن
مختم معشر بالذهب، وكتب في آخره سورة بالذهب، فأريته إياه،
فلم يعب منه شيئا إلا كتابة القرآن بالذهب، فإنه قال: " لا يعجبني أن يكتب
القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة " (7).

(1) في " س، ي ": " قال ".
(2) التهذيب 6: 366 / 1051.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " عبد الرحمن ". وما أثبتناه من المصدر.
(4) الكافي 5: 121 - 122 / 3، التهذيب 6: 366 / 1053.
(5) التهذيب 6: 366 / 1055.
(6) في الكافي: " محمد بن الوراق ".
(7) الكافي 2: 460 / 8، التهذيب 6: 367 / 1056.
146

مسألة 653: السرقة والخيانة حرام بالنص والإجماع، وكذا بيعهما.
ولو وجد عنده سرقة، ضمنها، إلا أن يقيم البينة بشرائها، فيرجع
على بائعها مع جهله.
روى جراح عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا يصلح شراء السرقة والخيانة
إذا عرفت " (1).
وقال الصادق (عليه السلام): " من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها
وإثمها " (2).
وقال الصادق (عليه السلام) في الرجل يوجد عنده سرقة، فقال: " هو غارم إذا
لم يأت على بائعها بشهود (3) " (4).
ولو اشترى بمال السرقة جارية أو ضيعة، فإن كان بالعين، بطل
البيع، وإلا حل له وطؤ الجارية، وعليه وزر المال.
روى السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه (عليهم السلام) " لو أن رجلا
سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو أصدقها امرأة فإن الزوجة (5) له
حلال، وعليه تبعة المال " (6).
ولو حج به مع وجوب الحج بدونه، برئت ذمته إلا في الهدي.
ولو طاف أو سعى في الثوب المغصوب أو على الدابة المغصوبة،

(1) الكافي 5: 228 / 4، التهذيب 6: 374 / 1089.
(2) الكافي 5: 229 / 6، التهذيب 6: 374 / 1090.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " شهود ". وفي التهذيب: " شهودا ". وما أثبتناه من
الكافي.
(4) الكافي 5: 229 / 7، التهذيب 6: 374 / 1091.
(5) في المصدر: " الفرج " بدل " الزوجة ".
(6) التهذيب 6: 386 / 1147، و 8: 215 / 767.
147

بطل.
مسألة 654: التطفيف في الكيل والوزن حرام بالنص والإجماع.
قال الله تعالى: (ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس
يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) (1).
ويحرم الرشا في الحكم وإن حكم على باذله بحق أو باطل.
الخامس: ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجر عليه،
كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم.
نعم، لو أخذ الأجر على المستحب منها (2)، فالأقرب: الجواز.
وتحرم الأجرة على الأذان، وقد سبق (3)، وعلى القضاء؛ لأنه واجب.
ويجوز أخذ الرزق عليهما من بيت المال.
ويجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الإملاك (4).
ويحرم الأجر على الإمامة والشهادة وقيامها.
مسألة 655: لو دفع إنسان إلى غيره مالا ليصرفه في المحاويج أو في
قبيل وكان هو منهم، فإن عين، اقتصر على ما عينه، ولا يجوز له إعطاء
غيرهم، فإن فعل، ضمن.
وإن أطلق، فالأقرب: تحريم أخذه منه؛ لأن الظاهر أن الشخص هنا
لا يتولى طرفي القبض والإقباض.
ولما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) في رجل أعطاه

(1) المطففين: 1 - 3.
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " منهما " بدل " منها ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) في ج 3 ص 81، المسألة 184.
(4) الإملاك: التزويج. الصحاح 4: 1610 " ملك ".
148

رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون، أيعطيهم منه من غير
أن يستأذن (1) صاحبه؟ قال: " نعم " (2).
وقال بعض علمائنا: يجوز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره،
ولا يفضل نفسه عليهم (3).
وهو عندي جيد إن علم بقرينة الحال تسويغ ذلك.
إذا عرفت هذا، فإن كان الأمر بالدفع إلى قوم معينين، لم تشترط
عدالة المأمور، وإلا اشترطت.
مسألة 656: يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع علم الإباحة إما لفظا أو
بشاهد الحال. ويكره انتهابه.
فإن لم يعلم قصد الإباحة، حرم؛ لأن الأصل عصمة مال المسلم.
قال إسحاق بن عمار: قلت للصادق (عليه السلام): الإملاك يكون والعرس
فينثر على القوم، فقال: " حرام، ولكن كل ما أعطوك منه " (4).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لا بأس بنثر الجوز والسكر " (5).
وعن الكاظم (عليه السلام)، قال: سألته عن النثار من السكر واللوز وأشباهه
أيحل أكله؟ قال: " يكره أكل ما انتهب " (6).
مسألة 657: الولاية من قبل العادل مستحبة. وقد تجب إذا ألزمه بها،
أو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بولايته.

(1) في المصدر: " يستأمر " بدل " يستأذن ".
(2) التهذيب 6: 352 - 353 / 1001.
(3) المحقق الحلي في شرائع الإسلام 2: 12.
(4) التهذيب 6: 370 / 1071، الاستبصار 3: 66 / 220.
(5) التهذيب 6: 370 / 1073، الاستبصار 3: 66 - 67 / 222.
(6) الكافي 5: 123 / 7، التهذيب 6: 370 / 1072.
149

وتحرم من الجائر، إلا مع التمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل أو بعض
المؤمنين، فيجوز حينئذ اعتماد ما يأمره إلا القتل الظلم، فإنه لا يجوز له
فعله وإن قتل.
ولو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية، استحب له تحمله، وكرهت له
الولاية.
روى عمار قال: سئل الصادق (عليه السلام): عن عمل السلطان يخرج فيه
الرجل، قال: " لا، إلا أن لا يقدر على شيء [ولا] (1) يأكل ولا يشرب
ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل
البيت " (2).
وعن الوليد بن صبيح قال: دخلت على الصادق (عليه السلام) فاستقبلني
زرارة خارجا من عنده، فقال لي الصادق (عليه السلام): " يا وليد أما تعجب من
زرارة سألني عن أعمال هؤلاء أي شيء كان يريد؟ [أيريد] (3) أن أقول له:
لا، فيروي ذلك علي؟ " ثم قال: " يا وليد متى كانت الشيعة تسأل عن
أعمالهم؟ إنما كانت الشيعة تقول: يؤكل من طعامهم، ويشرب من
شرابهم، ويستظل بظلهم، متى كانت الشيعة تسأل عن هذا؟ " (4).
وروى حماد عن حميد قال: قلت للصادق (عليه السلام): إني (5) وليت عملا

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) التهذيب 6: 330 / 915.
(3) ما بين المعقوفين من الكافي.
(4) الكافي 5: 105 / 2، التهذيب 6: 330 - 331 / 917.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " إن " بدل " إني ". وما أثبتناه كما في المصدر.
150

فهل لي من ذلك مخرج؟ فقال: " ما أكثر من طلب [من] (1) ذلك المخرج
فعسر عليه " قلت: فما ترى؟ قال: " أرى أن تتقي الله عز وجل
ولا تعود " (2).
وكان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملا على الأهواز
وفارس، فقال بعض أهل عمله للصادق (عليه السلام): إن في ديوان النجاشي علي
خراجا وهو ممن يدين بطاعتك، فإن رأيت أن تكتب إليه كتابا، قال:
فكتب إليه كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم، سر أخاك يسرك الله " فلما ورد
عليه الكتاب وهو في مجلسه وخلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب
الصادق (عليه السلام)، فقبله ووضعه على عينيه وقال: ما حاجتك؟ فقال: علي
خراج في ديوانك، قال له: كم هو؟ قال: عشرة آلاف درهم، قال: فدعا
كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثم أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثم قال: هل
سررتك؟ قال: نعم، قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى، فقال: هل
سررتك؟ فقال: نعم، جعلت فداك، قال: فأمر له بمركب ثم أمر له بجارية
وغلام وتخت ثياب في كل ذلك يقول: هل سررتك؟ فكلما قال: نعم،
زاده حتى فرغ قال له: احمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين
دفعت إلي كتاب مولاي فيه، وارفع إلي جميع حوائجك، قال: ففعل،
وخرج الرجل فصار إلى الصادق (عليه السلام) بعد ذلك، فحدثه بالحديث على
جهته، فجعل يستبشر بما فعله، قال له الرجل: يا بن رسول الله فإنه قد
سرك ما فعل بي؟ قال: " إي والله لقد سر الله ورسوله " (3).

(1) ما بين المعقوفين من التهذيب. وفي الكافي: " من طلب المخرج من ذلك ".
(2) الكافي 5: 109 / 15، التهذيب 6: 332 / 922.
(3) الكافي 2: 152 (باب إدخال السرور على المؤمنين) الحديث 9، التهذيب 6:
333 - 334 / 925.
151

مسألة 658: جوائز الجائر إن علمت حراما لغصب وظلم وشبهه حرم
أخذها، فإن أخذها، وجب عليه ردها على المالك إن عرفه. وإن
لم يعرفه، تصدق بها عنه ويضمن، أو احتفظها أمانة في يده، أو دفعها إلى
الحاكم. ولا يجوز له إعادتها إلى الظالم، فإن أعادها، ضمن، إلا أن يقهره
الظالم على أخذها، فيزول التحريم.
أما الضمان فإن كان قد قبضها اختيارا، لم يزل عنه بأخذ الظالم لها
كرها. وإن كان قد قبضها مكرها، زال الضمان أيضا.
وإن لم يعلم تحريمها، كانت حلالا بناء على الأصل.
قال محمد بن مسلم وزرارة: سمعناه يقول: " جوائز العمال ليس بها
بأس " (1).
وقال الباقر (عليه السلام): " إن الحسن والحسين (عليهما السلام) كانا يقبلان جوائز
معاوية " (2).
ولو علم أن العامل يظلم ولم يعلم أن المبيع بعينه ظلم، جاز شراؤه.
قال معاوية بن وهب: قلت للصادق (عليه السلام): أشتري من العامل الشيء
وأنا أعلم أنه يظلم، فقال: " اشتر منه " (3).
قال أبو المغرا: سأل رجل الصادق (عليه السلام) وأنا عنده، فقال:
أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: " نعم " قلت:
وأحج بها؟ قال: " نعم " (4).

(1) التهذيب 6: 336 / 931.
(2) التهذيب 6: 337 / 935.
(3) التهذيب 6: 338 / 938.
(4) الفقيه 3: 108 / 450، التهذيب 6: 338 / 942.
152

مسألة 659: ما يأخذ الجائر من الغلات باسم المقاسمة، ومن الأموال
باسم الخراج عن حق الأرض، ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز شراؤه
واتهابه، ولا تجب إعادته على أصحابه وإن عرفوا؛ لأن هذا مال لا يملكه
الزارع وصاحب الأنعام والأرض، فإنه حق لله أخذه غير مستحقه، فبرئت
ذمته، وجاز شراؤه.
ولأن أبا عبيدة سأل الباقر (عليه السلام): عن الرجل منا يشتري من السلطان
من إبل الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي
يجب عليهم، فقال: " ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك
لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه " قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا
فيأخذ صدقات أغنامنا (1)، نقول: بعناها، فيبيعناها، فما ترى في شرائها
منه؟ قال: " إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس " قيل له: فما ترى في الحنطة
والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله بكيل، فما ترى
في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: " إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك
فلا بأس بشرائه منه بغير كيل " (2).
روى عبد الرحمن بن الحجاج - في الصحيح - عن أبي الحسن (عليه السلام)،
قال: قال لي: " ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام؟ إني أظنك ضيقا "
قال: قلت: نعم، فإن شئت وسعت علي، قال: " اشتره " (3).
مسألة 660: إذا كان له مال حلال وحرام، وجب عليه تمييزه منه،
ودفع الحرام إلى أربابه، فإن امتزجا، أخرج بقدر الحرام، فإن جهل أربابه،

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " أغنيائنا " بدل " أغنامنا ". وما أثبتناه من المصدر.
(2) الكافي 5: 228 / 2، التهذيب 6: 375 / 1094.
(3) التهذيب 6: 336 / 932.
153

تصدق به عنهم، فإن جهل المقدار، صالح أربابه عليه، فإن جهل أربابه
ومقداره، أخرج خمسه، وحل له الباقي.
قال الصادق (عليه السلام): " أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إني كسبت
مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال
منه والحرام وقد اختلط علي، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): تصدق بخمس
مالك، فإن الله عز وجل رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك " (1).
مسألة 661: تكره معاملة من لا يتحفظ من الحرام، فإن دفع إليه من
الحرام، لم يجز له أخذه ولا شراؤه، فإن أخذه، رده على صاحبه. وإن
بايعه بمال يعلم أنه حلال، جاز. وإن اشتبه، كان مكروها.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): " الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك أمور
متشابهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه
وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى
يوشك أن يقع فيه، ألا إن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه " (2).
وروى الحسن بن علي (عليهما السلام) عن النبى (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول: " دع
ما يريبك إلى ما لا يريبك " (3).
مسألة 662: الأجير إما عام أو خاص، فالعام هو الذي يستأجر للعمل

(1) الكافي 5: 125 / 5، التهذيب 6: 368 - 369 / 1065.
(2) صحيح البخاري 1: 20، صحيح مسلم 3: 1219 / 1599، سنن الترمذي 3:
511 / 1205، سنن الدارمي 2: 245، سنن البيهقي 5: 264 باختلاف في بعض
الألفاظ.
(3) سنن الترمذي 4: 668 / 2518، سنن النسائي 8: 327 - 328، سنن البيهقي 5:
335، مسند أحمد 1: 329 / 1724، المستدرك - للحاكم - 2: 13، المعجم الكبير
- للطبراني - 3: 75 / 2708، شرح السنة - للبغوي - 5: 13 / 2032.
154

المطلق، فيجوز له فعله مباشرة وتسبيبا. والخاص هو الذي يشترط عليه
العمل مباشرة مدة معينة، فلا يجوز أن يعمل لغير من استأجره إلا بإذنه.
و (1) لما رواه إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام)، قال: سألته عن
الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيعينه في صنعته (2) فيعطيه رجل آخر
دراهم فيقول: اشتر لي كذا وكذا، فما ربحت فبيني وبينك، قال: " إذا أذن
له الذي استأجره فليس به بأس " (3).
ويجوز للمطلق.
وثمن الكفن حلال، وكذا ماء تغسيل الميت وأجرة البدرقة.
مسألة 663: يجوز لمن مر بشيء من الثمرة في النخل أو الفواكه الأكل
منها إن لم يقصد، بل وقع المرور اتفاقا. ولا يجوز له الإفساد ولا الأخذ
والخروج به، ولا يحل له الأكل أيضا مع القصد. ولو أذن المالك مطلقا،
جاز.
روى محمد بن مروان قال: قلت للصادق (عليه السلام): أمر بالثمرة فآخذ (4)
منها، قال: " كل ولا تحمل " قلت: فإنهم قد اشتروها، قال: " كل ولا تحمل "
قلت: جعلت فداك إن التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم، قال: " اشتروا ما
ليس لهم " (5).
وعن يونس عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن

(1) كذا، والظاهر زيادة الواو حيث إنها غير مسبوقة بذكر دليل حتى يتم العطف عليه.
(2) كذا في النسخ الخطية والحجرية المعتمدة في التحقيق، وفي المصدر: " فيبعثه في
ضيعته " بدل " فيعينه في صنعته ".
(3) التهذيب 6: 381 - 382 / 1125.
(4) في المصدر: " فآكل " بدل " فآخذ ".
(5) التهذيب 6: 383 / 1134.
155

الرجل يمر بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط، هل يجوز له أن يأكل من
ثمره وليس يحمله على الأكل من ثمره إلا الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من
ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟ قال: " لا بأس أن يأكل، ولا يحمله
ولا يفسده " (1).
وهل حكم الزرع ذلك؟ إشكال أقربه: المنع؛ لما رواه مروك بن
عبيد عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: الرجل يمر على
قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال: " لا " قلت: أي شيء سنبلة؟ قال: " لو
كان كل من يمر به يأخذ سنبلة كان لا يبقى منه شيء " (2).
وكذا الخضراوات والبقول.
ولو منعه المالك، فالوجه: أنه يحرم عليه التناول مطلقا إلا مع خوف
التلف.
مسألة 664: روي أن النبى (صلى الله عليه وآله) نهى عن بيعتين في بيعة (3).
وفسر بأمرين:
أحدهما: أن يبيع الشيء بثمن نقدا وبآخر نسيئة. وقد بينا بطلان هذا
البيع.
والثاني: أن يكون المراد به أن يقول: بعتك بكذا على أن تبيعني أنت
كذا بكذا.
والثاني عندنا صحيح، خلافا للشافعي؛ لأنه شرط بيع ماله، وذلك

(1) التهذيب 6: 383 - 384 / 1135.
(2) التهذيب 6: 385 / 1140.
(3) سنن الترمذي 3: 533 / 1231، سنن النسائي 7: 296، سنن البيهقي 5: 343،
مسند أحمد 2: 366 / 6591، و 3: 246 / 9795، و 297 / 10157، الموطأ 2:
663 / 72.
156

غير واجب بالشرط (1).
وهو ممنوع؛ لقوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم " (2) وقد تقدم (3).
مسألة 665: النجش حرام؛ لأنه (عليه السلام) نهى عنه (4)، وهو خديعة،
وليس من أخلاق أهل الدين.
ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن سلعة لا يريد شراءها ليقتدي به
المشترون بمواطأة البائع.
وروي أنه (عليه السلام) قال: " لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا
ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا " (5).
إذا ثبت هذا، فإذا اشترى (6) المشتري مع النجش، كان البيع صحيحا
- وبه قال الشافعي (7) - لأصالة صحة البيع. وقوله تعالى: (وأحل الله

(1) مختصر المزني: 88، الحاوي الكبير 5: 341، المهذب - للشيرازي - 1: 274،
الوسيط 3: 72، التهذيب - للبغوي - 3: 537، العزيز شرح الوجيز 4: 104،
روضة الطالبين 3: 64، المجموع 9: 338.
(2) التهذيب 7: 371 / 1503، الاستبصار 3: 232 / 835، الجامع لأحكام القرآن 6:
33.
(3) في ج 10 ص 224 و 250، المسألتان 112 و 118.
(4) صحيح البخاري 3: 91، سنن ابن ماجة 2: 734 / 2173، مسند أحمد 2:
171 / 5282، و 249 / 5828، و 334 / 6415.
(5) المعجم الصغير - للطبراني - 2: 89، تاريخ بغداد 2: 273، وبتفاوت في
المعجم الأوسط - للطبراني - 7: 157 / 7021، والمصنف - لابن أبي شيبة - 6:
571 / 2074، وسنن البيهقي 6: 92، ومسند أحمد 2: 541 / 7670.
(6) في " س، ي ": " اشتراه ".
(7) الحاوي الكبير 5: 343، المهذب - للشيرازي - 1: 298، حلية العلماء 4:
306، التهذيب - للبغوي - 3: 538، العزيز شرح الوجيز 4: 131، روضة
الطالبين 3: 82، بداية المجتهد 2: 167، المغني 4: 300، الشرح الكبير 4: 88.
157

البيع) (1) السالم عن معارضة النهي؛ لأنه لمعنى في غير البيع، وإنما هو
الخديعة.
وقال مالك: يكون مفسوخا لأجل النهي عنه (2).
ويثبت للمشتري الخيار إذا علم بالنجش، سواء كان ذلك بمواطأة
البائع وعلمه أو لا إن اشتمل على الغبن، وإلا فلا.
وقال الشافعي: إذا علم أنه كان نجشا، فإن لم يكن بمواطأة البائع
وعلم، فلا خيار. وإن كان، فقولان.
أظهرهما: عدم الخيار؛ لأنه ليس فيه أكثر من الغبن، وذلك
لا يوجب (3) الخيار؛ لأن التفريط من المشتري حيث اشترى ما لا يعرف
قيمته، فهو بمنزلة من اشترى ما لا يعرف قيمته، وغبنه بائعه.
ونحن لما أثبتنا الخيار بالغبن سقط هذا الكلام بالكلية.
والثاني: أنه يثبت الخيار - كما قلناه - لأنه تدليس من جهة البائع،
فأشبه التصرية (4).
ولو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا وكذا، فصدقه المشتري
فاشتراها بذلك، ثم ظهر له كذبه، فإن البيع صحيح، والخيار على هذين

(1) البقرة: 275.
(2) بداية المجتهد 2: 167، حلية العلماء 4: 307، العزيز شرح الوجيز 4: 131،
المغني 4: 300، الشرح الكبير 4: 88.
(3) ظاهر الطبعة الحجرية: " لا يجيز " بدل " لا يوجب ". وظاهر " س، ي ": " لا يعين ".
وما أثبتناه من نسخة بدل في هامش الطبعة الحجرية.
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 298، حلية العلماء 4: 307، التهذيب - للبغوي - 3:
538، العزيز شرح الوجيز 4: 131، روضة الطالبين 3: 82، المغني 4: 301،
الشرح الكبير 4: 88.
158

الوجهين (1).
والأقرب عندي: انتفاء الخيار هنا؛ لأن التفريط من المشتري.
مسألة 666: نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع البعض على البعض، فقال:
" لا يبيع (2) بعضكم على بيع بعض " (3).
ومعناه أن المتبايعين إذا عقدا البيع وهما في مجلس الخيار، فجاء
آخر إلى المشتري فقال له: أنا أبيعك مثل هذه السلعة بدون ثمنها الذي
اشتريت به، أو أنا أبيعك خيرا منها بثمنها، أو عرض عليه سلعة حسبما
ذكره.
والأقرب: أنه مكروه.
وقال الشافعي: إنه محرم؛ عملا بظاهر النهي؛ لأن الحديث وإن كان
ظاهره ظاهر الخبر إلا أن المراد به النهي. ولأنه إضرار بالمسلم (4) وإفساد
عليه، فكان حراما (5).
ويمنع ذلك.
فإن خالف وفعل ذلك وبايع المشتري، صح البيع؛ لأن النهي لمعنى
في غير البيع، فأشبه البيع حالة النداء.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 131، روضة الطالبين 3: 82.
(2) كذا، وفي بعض المصادر: " لا يبع ".
(3) صحيح البخاري 3: 92، صحيح مسلم 3: 1154 / 1412، سنن ابن ماجة 2:
733 / 2171، سنن الترمذي 3: 587 / 1292، سنن النسائي 7: 256، سنن البيهقي
5: 344، مسند أحمد 2: 171 / 5282، و 249 / 5828.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بالمسلمين ". وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(5) الحاوي الكبير 5: 343 - 344، المهذب - للشيرازي - 1: 298، الوسيط 3:
65، العزيز شرح الوجيز 4: 130 - 131، روضة الطالبين 3: 81، المغني 4:
301، الشرح الكبير 4: 48.
159

وكذا إذا اشترى رجل سلعة بثمن فجاء آخر قبل لزوم العقد، فقال
للبائع: أنا أشتريها بأكثر من الثمن الذي اشتراها هذا، فإنه مكروه عندنا،
وحرام عند الشافعي؛ لأنه في معنى نهيه (عليه السلام). ولأن اللفظ مشتمل عليه؛
لأن اسم البائع يقع عليهما، ولهذا يسميان متبايعين. ولأنه (عليه السلام) نهى عن أن
يخطب الرجل على خطبة أخيه (1)، والمشتري في معنى الخاطب (2).
مسألة 667: يكره السوم على سوم المؤمن؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
" لا يسوم الرجل على سوم أخيه " (3).
فإن وجد من البائع تصريح بالرضا بالبيع ولم يعقد أو أذن فيه
لوكيله، كره السوم.
وقال الشافعي: يحرم، كما تحرم الخطبة (4).
والأصل عندنا مكروه.
وأما إن لم يوجد ذلك ولا ما يدل عليه بل سكت ولم (5) يجب إلى
البيع، لم يحرم السوم، وبه قال الشافعي (6).
وأما أن يكون لم يصرح بالرضا، بل ظهر منه ما يدل على الرضا
بالبيع، فهو عند الشافعي مبني على القولين في الخطبة.

(1) سنن البيهقي 7: 180، سنن النسائي 7: 258، مسند أحمد 2: 287 / 6100.
(2) الحاوي الكبير 5: 344، العزيز شرح الوجيز 4: 130 - 131، روضة الطالبين
3: 81، المغني 4: 301، الشرح الكبير 4: 48.
(3) سنن الترمذي 3: 587 / 1292، سنن البيهقي 5: 344، شرح معاني الآثار 3: 3.
(4) الحاوي الكبير 5: 344، المهذب - للشيرازي - 1: 298، الوسيط 3: 65 -
66، حلية العلماء 4: 308، التهذيب - للبغوي - 3: 538 - 539، العزيز شرح
الوجيز 4: 130، روضة الطالبين 3: 80.
(5) في الطبعة الحجرية: " فلم ".
(6) المهذب - للشيرازي - 1: 298، الوسيط 3: 66، العزيز شرح الوجيز 4: 130،
روضة الطالبين 3: 81.
160

قال في القديم: تحرم الخطبة؛ لعموم النهي.
وقال في الجديد: لا تحرم؛ لحديث فاطمة بنت قيس، وقوله [(صلى الله عليه وآله)]
لها: " انكحي أسامة " وقد خطبها معاوية وأبو جهم (1)، فالبيع مثل ذلك (2).
هذا إذا تساوما بينهما، فأما إذا كانت السلعة في النداء، فإنه يجوز أن
يستامها واحد بعد واحد؛ لأن صاحبها لم يرض بأن يبيعها أو يسومها مع
واحد، بل سامها للكل ولم يخص واحدا.
وأصله أن رجلا من الأنصار شكى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) الشدة والجهد،
فقال له: " ما بقي لك شيء؟ " فقال: بلى قدح وحلس، قال: " فأتني بهما " فأتاه
بهما، فقال: " من يبتاعهما؟ " فقال رجل: أنا أبتاعهما بدرهم، وقال (3) رجل
آخر: علي درهمين، فقال النبي: " هما لك بالدرهمين " (4).
ولأنه قد يبيعهما من واحد ويقصد إرفاقه ويخصصه (5)، فإذا سامها
آخر، فسد غرضه، وإذا نادى عليها، فلم يقصد إلا طلب الثمن، فافترقا.
تذنيب: يكره السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ لدلالته
على شدة الحرص في طلب الدنيا، لأنه وقت طلب الرزق من الله تعالى.
ولما رواه علي بن أسباط رفعه، قال: " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن
السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " (6).

(1) صحيح مسلم 2: 1114 / 1480، سنن البيهقي 7: 177 - 178، 181، 471،
شرح معاني الآثار 3: 5 و 6.
(2) الحاوي الكبير 5: 345، العزيز شرح الوجيز 4: 130.
(3) في " س، ي ": " فقال ".
(4) سنن ابن ماجة 2: 740 / 2198، سنن أبي داود 2: 120 / 1641، مسند أحمد
3: 558 - 559 / 11724 بتفاوت.
(5) في الطبعة الحجرية: " أو تخصيصه ".
(6) الكافي 5: 152 / 12.
161

وتكره الزيادة وقت النداء، بل إذا سكت المنادي، زاد؛ لقول
الصادق (عليه السلام): " كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: إذا نادى المنادي فليس
لك أن تزيد، وإنما يحرم الزيادة النداء، ويحلها السكوت " (1).
مسألة 668: لا يجوز للرجل أن يأخذ من ولده البالغ شيئا إلا بإذنه
- إلا مع خوف التلف - إن كان غنيا، أو كان الولد ينفق عليه؛ لأصالة عصمة
مال الغير.
ولو كان الولد صغيرا أو مجنونا، فالولاية للأب، فله الاقتراض مع
العسر واليسر.
ويجوز له أن يشتري من مال ولده الصغير لنفسه بثمن المثل، ويكون
موجبا قابلا، وأن يقوم جاريته عليه، ويطأها حينئذ.
ولو كان الأب معسرا، جاز أن يتناول من مال ولده الموسر قدر
مؤونة نفسه خاصة إذا منعه الولد.
روى محمد بن مسلم - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته
عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه، قال: " يأكل منه ما شاء من غير سرف "
وقال: " وفي كتاب علي (عليه السلام) أن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه،
والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن
الابن وقع عليها، وذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك
لأبيك " (2).
وعن الباقر (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل: أنت ومالك
لأبيك " ثم قال الباقر (عليه السلام): " لا نحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه

(1) الكافي 5: 305 - 306 / 8، وبتفاوت يسير في التهذيب 7: 227 - 228 / 994.
(2) التهذيب 6: 343 / 961، وفي الاستبصار 3: 48 / 157 عن الإمام الباقر (عليه السلام).
162

مما لا بد منه، إن الله عز وجل لا يحب الفساد " (1).
وعن علي بن جعفر عن أخيه الكاظم (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل
يأكل من مال ولده، قال: " لا، إلا أن يضطر إليه، فليأكل منه بالمعروف،
ولا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده " (2).
مسألة 669: والولد يحرم عليه مال والده، فلا يحل له أن يأخذ منه
شيئا إلا بإذنه، فلو اضطر الولد المعسر إلى النفقة ومنعه الأب، كان للولد أن
يأخذ قدر مؤونته؛ لأنه كالدين على الأب.
ويحرم على الأم أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلا إذا منعها النفقة
الواجبة عليه.
وكذا يحرم على الولد أخذ مال الأم إلا إذا وجب نفقته عليها ومنعته.
وليس لها أن تقترض من مال ولدها الصغير كما سوغنا ذلك للأب؛
لأن الولاية له دونها؛ لما رواه - في الحسن - محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام)،
قال: سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج الأب إليه، قال: " يأكل منه، فأما الأم
فلا تأكل منه إلا قرضا على نفسها " (3).
ويجوز للأب أن يقترض من مال ابنه الصغير ويحج عنه؛ للولاية.
ولما رواه سعيد بن يسار قال: قلت للصادق (عليه السلام): أيحج الرجل من
مال ابنه وهو صغير؟ قال: " نعم " قلت: أيحج حجة الإسلام وينفق منه؟
قال: " نعم بالمعروف " ثم قال: " نعم، يحج منه وينفق منه، إن مال الولد

(1) الكافي 5: 135 / 3، التهذيب 6: 343 / 962، الاستبصار 3: 48 / 158.
(2) الكافي 5: 135 / 2، التهذيب 6: 344 / 963، الاستبصار 3: 48 - 49 / 159،
وفيها: " فيأكل " بدل " فليأكل ".
(3) الكافي 5: 135 / 1، التهذيب 6: 344 / 964، الاستبصار 3: 49 / 160.
163

للوالد، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلا بإذنه " (1).
وسأل ابن سنان - في الصحيح - الصادق (عليه السلام): ماذا يحل للوالد من
مال ولده؟ قال: " أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من
ماله شيئا، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلا أن
يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه " قال: " ويعلن ذلك... فإن كان للرجل
ولد صغار لهم جارية، فأحب أن يفتضها فليقومها على نفسه قيمة ثم يصنع
بها ما شاء، إن شاء وطئ، وإن شاء باع " (2).
وعلى هذا تحمل الأحاديث المطلقة.
مسألة 670: لا يحل لكل من الزوجين أن يأخذ من مال الآخر شيئا؛
لأصالة عصمة مال الغير، إلا بإذنه، فإن سوغت له ذلك، حل.
ولو دفعت إليه مالا وقالت له: اصنع به ما شئت، كره له أن يشتري به
جارية ويطأها؛ لأن ذلك يرجع بالغم عليها.
روى هشام عن الصادق (عليه السلام) في الرجل تدفع إليه امرأته المال
فتقول: اعمل به واصنع به ما شئت، أله أن يشتري الجارية ثم (3) يطأها؟
قال: " ليس له ذلك " (4) ومقصود الإمام (عليه السلام) الكراهة؛ لأصالة الإباحة.
روى الحسين بن المنذر قال: قلت للصادق (عليه السلام): دفعت إلي امرأتي
مالا أعمل به، فأشتري من مالها الجارية أطأها؟ قال: فقال: " أرادت أن تقر

(1) التهذيب 6: 345 / 967، الاستبصار 3: 50 / 165.
(2) التهذيب 6: 345 / 968، الاستبصار 3: 50 / 163.
(3) كلمة " ثم " لم ترد في المصدر.
(4) التهذيب 6: 346 - 347 / 975.
164

عينك وتسخن عينها " (1).
وقد وردت رخصة في أن المرأة لها أن تتصدق بالمأدوم إذا
لم تجحف به، إلا أن يمنعها فيحرم.
قال ابن بكير: سألت الصادق (عليه السلام) عما يحل للمرأة أن تتصدق به من
مال زوجها بغير إذنه؟ قال: " المأدوم " (2).
وسأل علي بن جعفر أخاه (موسى بن جعفر (عليهما السلام)) (3): عن المرأة لها
أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟ قال: " لا، إلا أن يحللها " (4).
مسألة 671: في الاحتكار قولان لعلمائنا:
التحريم، وهو أصح قولي الشافعي (5)؛ لما رواه العامة عن النبى (صلى الله عليه وآله)
أنه قال: " لا يحتكر إلا خاطئ " (6) أي آثم.
وقال (عليه السلام): " الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون " (7).
وقال (عليه السلام): " من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله
منه " (8).

(1) التهذيب 6: 347 / 976.
(2) الكافي 5: 137 (باب الرجل يأخذ من مال امرأته...) الحديث 2، التهذيب 6:
346 / 973.
(3) بدل ما بين القوسين في " س، ي ": " الكاظم (عليه السلام) ".
(4) التهذيب 6: 346 / 974.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 299، حلية العلماء 4: 318، العزيز شرح الوجيز 4:
126، روضة الطالبين 3: 78.
(6) صحيح مسلم 3: 1228 / 130، سنن ابن ماجة 2: 728 / 2154، سنن أبي داود
3: 271 / 3447، سنن الترمذي 3: 567 / 1267، سنن الدارمي 2: 248.
(7) سنن ابن ماجة 2: 728 / 2153، سنن البيهقي 6: 30، سنن الدارمي 2: 249.
(8) المستدرك - للحاكم - 2: 11 - 12، مسند أحمد 2: 116 / 4865.
165

ومن طريق الخاصة: قول الباقر (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا يحتكر الطعام إلا خاطئ " (1).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجالب مرزوق،
والمحتكر ملعون " (2).
وقال الصادق (عليه السلام): " الحكرة في الخصب أربعون يوما، وفي الشدة
والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون،
وما زاد في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون " (3).
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) " من احتكر على المسلمين لم يمت حتى
يضربه الله بالجذام والإفلاس " (4).
والكراهة؛ للأصل.
ولقول الصادق (عليه السلام): " وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره
أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام " (5).
مسألة 672: الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والسمن والملح بشرطين: الاستبقاء للزيادة، وتعذر غيره، فلو استبقاها
لحاجته أو وجد غيره، لم يمنع.
وقيل: أن يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام، وفي الرخص أربعين

(1) التهذيب 7: 159 / 701، الاستبصار 3: 114 / 403.
(2) الكافي 5: 165 / 7، الفقيه 3: 169 / 751، التهذيب 7: 159 / 702، الاستبصار
3: 114 / 404.
(3) الكافي 5: 165 / 7، التهذيب 7: 159 / 703، الاستبصار 3: 114 / 405.
(4) سنن ابن ماجة 2: 729 / 2155، الترغيب والترهيب 2: 583 / 4 بتفاوت.
(5) الكافي 5: 165 / 5، التهذيب 7: 160 / 708، الاستبصار 3: 115 - 116 / 411.
166

يوما (1).
وفسر الشافعية الاحتكار: أن يشتري ذو الثروة من الطعام ما لا يحتاج
إليه في حال ضيقه وغلاه على الناس فحبسه عنهم (2).
فأما إذا اشترى في حال سعته، وحبسه ليزيد نفعه (3)، أو كان له طعام
في زرعه فحبسه، جاز ما لم يكن بالناس ضرورة، فأما إذا كان بهم
ضرورة، وجب عليه بذله لهم لإحيائهم، وبه قال الشافعي (4) أيضا.
ولا بأس أن يشتري في وقت الغلاء لنفقة نفسه وعياله ثم يفضل
شيء فيبيعه في وقت الغلاء.
ولا بأس أن يشتري في وقت الرخص ليربح في وقت الغلاء.
ولا بأس أن يمسك غلة ضيعته ليبيع في وقت الغلاء، ولكن الأولى
أن يبيع ما فضل عن كفايته.
وهل يكره إمساكه؟ للشافعية وجهان (5).
وتحريم الاحتكار مختص بالأقوات، ومنها: التمر والزبيب، ولا يعم
جميع الأطعمة، قاله الشافعي (6).
وقال الصادق (عليه السلام): " الحكرة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والسمن " (7).

(1) القائل بذلك من أصحابنا الإمامية هو الشيخ الطوسي في النهاية: 374 - 375.
(2 و 4) العزيز شرح الوجيز 4: 126، روضة الطالبين 3: 78.
(3) في " س " والطبعة الحجرية: " ليريد منعه ". وفي " ي ": " ليزيد منعه ". والظاهر ما
أثبتناه.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 126، روضة الطالبين 3: 78 - 79.
(6) العزيز شرح الوجيز 4: 126، روضة الطالبين 3: 79.
(7) الكافي 5: 164 / 1، التهذيب 7: 159 / 704، الاستبصار 3: 114 / 406.
167

وسأل الحلبي الصادق (عليه السلام): عن الزيت، فقال: " إذا كان عند غيرك
فلا بأس بإمساكه " (1).
وقال الصادق (عليه السلام): " الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره
فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو يباع غيره فلا بأس أن يلتمس بسلعته
الفضل " (2).
مسألة 673: يجبر الإمام أو نائبه المحتكر على البيع.
وهل يسعر عليه؟ قولان لعلمائنا، المشهور: العدم؛ لما رواه العامة
أن السعر غلا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا،
فقال: " إن الله هو المسعر القابض الباسط، وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس
أحد (3) منكم يطلبني بمظلمة بدم ولا مال " (4).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " فقد الطعام على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأتى المسلمون فقالوا: يا رسول الله فقد الطعام ولم يبق
منه شيء إلا عند فلان، فمره يبع، قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد فقد إلا شيئا عندك، فأخرجه وبعه
كيف شئت ولا تحبسه " (5) ففوض السعر إليه.
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مر
بالمحتكرين فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وحيث تنظر

(1 و 2) الكافي 5: 164 - 165 / 3، التهذيب 7: 160 / 706، الاستبصار 3:
115 / 409.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لأحد ". وما أثبتناه من المصادر.
(4) سنن ابن ماجة 2: 741 / 2200، سنن أبي داود 3: 272 / 3451، سنن الدارمي
2: 249، مسند أحمد 3: 629 / 12181، العزيز شرح الوجيز 4: 127.
(5) الكافي 5: 164 / 2، التهذيب 7: 159 / 705، الاستبصار 3: 114 / 407.
168

الأبصار إليها، فقيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): لو قومت عليهم، فغضب (عليه السلام) حتى
عرف الغضب من وجهه، فقال: أنا أقوم عليهم!؟ إنما السعر إلى الله يرفعه
إذا شاء، ويخفضه إذا شاء " (1).
إذا ثبت هذا، فإنه لا يجوز أن يسعر حالة الرخص عندنا وعند
الشافعي (2).
وأما حالة الغلاء فكذلك عندنا.
وللشافعي وجهان:
أحدهما: يجوز له أن يسعر - وبه قال مالك - رفقا بالضعفاء.
وأصحهما: أنه لا يجوز تمكينا للناس من التصرف في أموالهم.
ولأنهم قد يمتنعون بسبب ذلك عن البيع، فيشتد الأمر (3).
وقال بعض الشافعية: إن كان الطعام يجلب إلى البلدة،
فالتسعير حرام. وإن كان يزرع بها ويكون عند التناه (4) فيها،
فلا يحرم (5).
وحيث جوزنا التسعير فإنما هو في الأطعمة خاصة دون سائر الأقمشة
والعقارات.
ويلحق بها علف الدواب، وهو أظهر وجهي الشافعية (6).
وإذا قلنا بالتسعير فسعر الإمام فخالف واحد، عزر، وصح البيع.

(1) التهذيب 7: 161 - 162 / 713، الاستبصار 3: 114 - 115 / 408.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 127، روضة الطالبين 3: 79.
(4) في " العزيز شرح الوجيز ": " الغلاء " بدل " التناه ". وفي " ي ": " التناء ". والظاهر أن
كلمة " التناه " مأخوذة من ناه الشيء ينوه: ارتفع وعلا. أنظر: لسان العرب 13:
550 " نوه ".
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 4: 127، روضة الطالبين 3: 79.
169

وللشافعي في صحته قولان (1).
مسألة 674: تلقي الركبان منهي عنه إجماعا.
وهل هو حرام أو مكروه؟ الأقرب: الثاني؛ لأن العامة روت أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا تتلقوا الركبان للبيع " (2).
ومن طريق الخاصة: قول الباقر (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر، ولا يبيع حاضر لباد، والمسلمون
يرزق الله بعضهم من بعض " (3).
وصورته أن ترد طائفة إلى بلد بقماش ليبيعوا فيه، فيخرج الإنسان
يتلقاهم فيشتريه منهم قبل قدوم البلد ومعرفة سعره. فإن اشترى منهم من
غير معرفة منهم بسعر البلد، صح البيع؛ لأن النهي لا يعود إلى معنى في
البيع، وإنما يعود إلى ضرب من الخديعة والإضرار؛ لأن في الحديث " فإن
تلقاه متلق فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا قدم السوق " (4) فأثبت البيع مع ذلك.
إذا ثبت هذا، فإنه لا خيار لهم قبل أن يقدموا البلد ويعرفوا السعر،
وبعده يثبت لهم الخيار مع الغبن، سواء أخبر كاذبا أو لم يخبر. ولو انتفى
الغبن، فلا خيار.
وقال الشافعي: إذا كان الشراء بسعر البلد أو زائدا، ففي ثبوت
الخيار (5) وجهان:
أحدهما: يثبت؛ لظاهر الخبر.

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 127، روضة الطالبين 3: 79.
(2) سنن البيهقي 5: 348، مسند أحمد 3: 294 / 10138.
(3) الكافي 5: 168 (باب التلقي) الحديث 1، التهذيب 7: 158 / 697.
(4) صحيح مسلم 3: 1157 / 17، سنن البيهقي 5: 348.
(5) في " س ": " ثبوته " بدل " ثبوت الخيار ".
170

وأصحهما: العدم؛ لأنه لم يوجد تغرير وخيانة (1).
ولا فرق بين أن يكون مشتريا منهم أو بائعا عليهم.
ولو ابتدأ الباعة والتمسوا منه الشراء مع علم منهم بسعر البلد أو غير
علم، فالأقرب: ثبوت الخيار مع الغبن كما قلنا.
وللشافعي (2) القولان السابقان.
ولو خرج اتفاقا لا بقصد التلقي، بل خرج لشغل (3) آخر من اصطياد
وغيره فرآهم مقبلين فاشترى منهم شيئا، لم يكن قد فعل مكروها.
وللشافعية وجهان:
أحدهما: أنه يعصي؛ لشمول المعنى.
والثاني: لا يعصي؛ لأنه لم يتلق.
والأظهر عندهم: الأول (4).
فعلى الثاني لا خيار لهم وإن كانوا مغبونين، عند الشافعي (5).
وعندنا يثبت الخيار للمغبون مطلقا.
وقال بعض الشافعية: إن أخبر بالسعر كاذبا، ثبت (6) الخيار.
وحيث ثبت الخيار فهو على الفور، كخيار العيب.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما، وهو أصحهما. والثاني: أنه يمتد
ثلاثة أيام، كخيار التصرية (7).
ولو تلقى الركبان وباع منهم ما يقصدون شراءه في البلد، فهو

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 4: 129، روضة الطالبين 3: 80.
(3) في " س " والطبعة الحجرية: " بشغل ".
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 4: 129، روضة الطالبين 3: 80.
(6) في الطبعة الحجرية: " يثبت ".
(7) العزيز شرح الوجيز 4: 129، روضة الطالبين 3: 80.
171

كالتلقي.
وللشافعي وجهان:
أحدهما: لا يثبت فيه حكمه؛ لأن النهي ورد عن الشراء.
والثاني: نعم؛ لما فيه من الاستبداد بالرفق الحاصل منهم (1).
وقال مالك: البيع باطل (2).
وحد التلقي عندنا أربعة فراسخ، فإن زاد على ذلك، لم يكره
ولم يكن تلقيا، بل كان تجارة وجلبا؛ لما رواه منهال عن الصادق (عليه السلام)
قال: قال: " لا تلق فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن التلقي " قلت: وما حد
التلقي؟ قال: " ما دون غدوة أو روحة " قلت: وكم الغدوة والروحة؟ قال:
" أربعة فراسخ " قال ابن أبي عمير: وما فوق ذلك فليس بتلق (3).
مسألة 675: يكره أن يبيع حاضر لباد فيكون الحاضر وكيلا للبادي.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا يبيع حاضر لباد " (4).
وصورته أن يجلب أهل البادية متاعا إلى بلد أو قرية فيجئ إليه
الحاضر في البلد فيقول: لا تبعه فأنا أبيعه لك بعد أيام بأكثر من ثمنه الآن.
وليس محرما؛ للأصل.
وقال الشافعي: إنه محرم؛ للنهي (5).
ويحصل له الإثم بشروط أربعة:

(1) العزيز شرح الوجيز 4: 129، روضة الطالبين 3: 80.
(2) العزيز شرح الوجيز 4: 129.
(3) الكافي 5: 169 / 4، التهذيب 7: 158 / 699.
(4) صحيح مسلم 3: 1155 / 11، سنن ابن ماجة 2: 734 / 2176، سنن الترمذي 3:
525 / 1222، سنن النسائي 7: 256، سنن البيهقي 5: 346.
(5) الحاوي الكبير 5: 347، العزيز شرح الوجيز 4: 127، روضة الطالبين 3: 79.
172

أ - أن يكون البدوي يريد البيع.
ب - أن يريد بيعه في الحال.
ج - أن يكون بالناس حاجة إلى المتاع وهم في ضيق.
د - أن يكون الحاضر استدعى منه ذلك.
روى ابن عباس أن النبى (صلى الله عليه وآله) قال: " لا يبيع حاضر لباد " قال طاوس:
وكيف لا يبيع؟ فقال: لا يكون له سمسارا (1).
والأصل في المنع أن فيه إدخال الضرر على أهل الحضر وتضييقا
عليهم، فلهذا نهي عنه.
فإن لم توجد هذه الشرائط أو شرط منها، جاز ذلك؛ لأنه إذا لم يكن
بأهل البلد حاجة، فلا ضرر في تأخير بيع ذلك.
وكذا إذا لم يرد صاحبه بيعه أو لم يرد بيعه في الحال، فإنه يجوز
للحضري أن يتولى له البيع.
ولو وجدت الشرائط وخالف الحاضر وباع، صح البيع؛ لأن النهي
لا لمعنى يعود إلى البيع.
وشرط بعض الشافعية أن يكون الحاضر عالما بورود النهي فيه، وهذا
شرط يعم جميع المناهي. وأن يظهر من ذلك المتاع سعة في البلد، فإن
لم تظهر إما لكبر البلد وقلة ذلك الطعام أو لعموم وجوده ورخص السعر،
ففيه عندهم وجهان، أوفقهما لمطلق الخبر: أنه يحرم. والثاني: لا؛ لأن
المعنى المحرم تفويت الرزق، والربح على الناس، وهذا المعنى لم يوجد
هنا. وأن يكون المتاع المجلوب إليه مما تعم الحاجة إليه، كالصوف والأقط

(1) صحيح البخاري 3: 94، صحيح مسلم 3: 1157 / 1521، سنن أبي داود 3:
269 / 3439، سنن البيهقي 5: 346.
173

وسائر أطعمة القرى، وأما ما لا يحتاج إليه إلا نادرا فلا يدخل تحت
النهي (1).
ولو استشار البدوي بالحضري فيما فيه حظه، قال بعض الشافعية: إذا
كان الرشد في الادخار والبيع على التدريج، وجب عليه إرشاده إليه بذلا
للنصيحة (2).
وقال بعضهم: لا يرشده إليه توسعا على الناس (3).
مسألة 676: روى العامة أنه قد نهى النبى (صلى الله عليه وآله) عن بيع العربان (4).
ويقال: عربون، وأربان وأربون. والعامة يقولون: ربون.
وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهما أو دينارا على أنه إن أخذ
السلعة، كان المدفوع من الثمن. وإن لم يدفع الثمن ورد السلعة،
لم يسترجع ذلك المدفوع - وبه قال الشافعي (5) - للنهي الذي رواه العامة.
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " كان أمير المؤمنين (عليه السلام)
يقول: لا يجوز بيع العربون إلا أن يكون نقدا من الثمن " (6).
وقال أحمد: لا بأس به؛ لما روي أن نافع بن عبد الحارث اشترى
لعمر دار السجن من صفوان، فإن رضي عمر، وإلا له كذا وكذا. وضعف

(1) الحاوي الكبير 5: 347 - 348، العزيز شرح الوجيز 4: 127 - 128، روضة
الطالبين 3: 79.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 4: 128، روضة الطالبين 3: 79 - 80.
(4) سنن ابن ماجة 2: 738 / 2192، سنن أبي داود 3: 283 / 3502، سنن البيهقي
5: 342.
(5) حلية العلماء 4: 313، العزيز شرح الوجيز 4: 134، المغني 4: 313، الشرح
الكبير 4: 66.
(6) الكافي 5: 233 (باب العربون) الحديث 1، التهذيب 7: 234 / 1021.
174

حديث النهي (1).
قالت الشافعية: إنه ليس بصحيح؛ لأنه شرط أن يكون للبائع شيء
بغير عوض، فهو كما لو شرط للأجنبي (2).
ويفسر العربون أيضا بأن يدفع دراهم إلى صانع ليعمل له شيئا من
خاتم يصوغه أو خف يخرزه أو ثوب ينسجه على أنه إن رضيه بالمدفوع
في الثمن، وإلا لم يسترده منه. وهما (3) متقاربان.
مسألة 677: بيع التلجئة باطل عندنا، وهو أن يتفقا على أن يظهرا
العقد خوفا من ظالم من غير بيع، ويتواطآ على الاعتراف بالبيع، أو لغير
ذلك - وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد (4) - لأن الأصل بقاء الملك على
صاحبه، ولم يوجد ما يخرجه عن أصالته. ولأنهما لم يقصدا البيع،
فلا يصح منهما، كالهازلين.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هو صحيح؛ لأن البيع تم بأركانه وشروطه
خالية عن مقارنة مفسد، فصح، كما لو اتفقا على شرط فاسد ثم عقدا البيع
بغير شرط (5).
ونمنع تمامية البيع.
ولو تبايعا بعد ذلك بعقد صحيح، صح البيع إن لم يوقعاه قاصدين
لما تقدم من المواطأة؛ لأصالة الصحة، وعدم صلاحية سبق المواطأة
للمانعية.
وكذا لو اتفقا على أن يتبايعا بألف ويظهرا ألفين فتبايعا بألفين، فإن

(1) المغني 4: 313، الشرح الكبير 4: 66، حلية العلماء 4: 313، المجموع 9: 335.
(2) المغني 4: 313، الشرح الكبير 4: 66.
(3) أي: هذا التفسير والتفسير المتقدم في صدر المسألة.
(4 و 5) المغني 4: 302، الشرح الكبير 4: 49، بدائع الصنائع 5: 176، المجموع 9: 334.
175

البيع لازم، والاتفاق السابق لا يؤثر، قاله الشافعي، ورواه أبو يوسف عن
أبي حنيفة (1).
وروى محمد عن أبي حنيفة أنه لا يصح البيع إلا على أن يتفقا على
أن الثمن ألف درهم ويتبايعاه بمائة دينار، فيكون الثمن مائة دينار
استحسانا - وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد - لأنه إذا تقدم الاتفاق، صارا
كالهازلين بالعقد، فلم يصح العقد (2).
قالت الشافعية: الشرط السابق لحالة العقد لا يؤثر فيه، كما لو اتفقا
على شرط فاسد ثم عقدا العقد، فإنه لا يثبت فيه (3).
مسألة 678: قد ذكرنا أن التجارة مستحبة.
قال الصادق (عليه السلام): " ترك التجارة ينقص العقل " (4).
وقال الصادق (عليه السلام) لمعاذ في حديث: " اسع على عيالك، وإياك أن
يكونوا هم السعاة عليك " (5).
إذا ثبت هذا، فينبغي لمن أراد التجارة أن يبدأ أولا فيتفقه.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم
ارتطم " (6).
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول على المنبر: " يا معشر التجار الفقه ثم
المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة
على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدقة (7)، التاجر فاجر، والفاجر في النار إلا

(1 - 3) المجموع 9: 334.
(4) الكافي 5: 148 / 1، التهذيب 7: 2 / 1.
(5) الكافي 5: 148 - 149 / 6، التهذيب 7: 2 - 3 / 3.
(6) الكافي 5: 154 / 23، الفقيه 3: 120 / 513، التهذيب 7: 5 / 14.
(7) في الكافي " بالصدق ".
176

من أخذ الحق وأعطى الحق " (1).
" وكان علي (عليه السلام) بالكوفة يغتدي كل يوم بكرة من القصر يطوف في
أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه... فيقف على أهل كل
سوق فينادي: يا معشر التجار اتقوا الله عز وجل، فإذا سمعوا صوته ألقوا
ما في أيديهم وارعوا إليه بقلوبهم وسمعوا بآذانهم، فيقول: قدموا
الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المتبايعين، وتزينوا بالحلم،
وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا
المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس
أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف في جميع الأسواق
بالكوفة ثم يرجع فيقعد للناس " (2).
مسألة 679: يكره الحلف على البيع، وكتمان العيب، ومدح البائع،
وذم المشتري، والمبادرة إلى السوق أولا؛ لما فيه من شدة الحرص في
الدنيا.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " من باع واشترى فليحفظ خمس خصال، وإلا
فلا يشتر ولا يبع: الربا، والحلف، وكتمان العيب، والحمد إذا باع، والذم
إذا اشترى " (3).
وقال الكاظم (عليه السلام): " ثلاثة لا ينظر الله إليهم، أحدهم: رجل اتخذ الله
عز وجل بضاعة لا يشتري إلا بيمين ولا يبيع إلا بيمين " (4).

(1) الكافي 5: 150 / 1، الفقيه 3: 121 / 519، التهذيب 7: 6 / 16.
(2) الكافي 5: 151 / 3، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ، التهذيب 7: 6 / 17.
(3) التهذيب 7: 6 / 18، وفي الكافي 5: 150 - 151 / 2، والفقيه 3: 120 -
121 / 515 بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
(4) الكافي 5: 162 / 3، التهذيب 7: 13 / 56.
177

وقال الصادق (عليه السلام): " إياكم والحلف، فإنه يمحق البركة، وينفق
السلعة " (1).
وتكره معاملة ذوي العاهات.
قال الصادق (عليه السلام): " لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شيء " (2).
وكذا تكره مخالطة السفلة والمحارفين والأكراد، ولا يعامل إلا من نشأ
في خير.
قال الصادق (عليه السلام): " إياكم ومخالطة السفلة فإن السفلة لا يؤول إلى
خير " (3).
وقال الصادق (عليه السلام): " لا تشتر من محارف، فإن حرفته لا بركة
فيها " (4).
وسأل أبو الربيع الشامي الصادق (عليه السلام)، فقلت: إن عندنا قوما من
الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم، فقال:
" يا أبا الربيع لا تخالطوهم، فإن الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم
الغطاء، فلا تخالطوهم " (5).
وقال الصادق (عليه السلام): " لا تخالطوا ولا تعاملوا إلا من نشأ في الخير " (6).
واستقرض قهرمان لأبي عبد الله (عليه السلام) من رجل طعاما للصادق (عليه السلام)،
فألح في التقاضي، فقال له الصادق (عليه السلام): " ألم أنهك أن تستقرض ممن

(1) التهذيب 7: 13 / 57.
(2) الكافي 5: 158 / 3، التهذيب 7: 11 / 40.
(3) الكافي 5: 158 / 7، التهذيب 7: 10 / 38.
(4) التهذيب 7: 11 / 41.
(5) الكافي 5: 158 / 2، التهذيب 7: 11 / 42.
(6) الكافي 5: 158 / 5، الفقيه 3: 100 / 388، التهذيب 7: 10 / 36.
178

لم يكن له فكان " (1).
مسألة 680: يستحب إنظار المعسر، وإقالة النادم؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر
وأخذ الحق وافيا أو غير واف (2).
وعن الصادق (عليه السلام) قال: " لا يكون الوفاء حتى يرجح " (3).
وقال: " لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان " (4).
ولا ينبغي أن يتعرض للكيل أو الوزن (5) إلا من يعرفهما حذرا من
أخذ مال الغير.
مسألة 681: لا يبيع المبيع في المواضع المظلمة التي لا يظهر فيها
المبيع ظهورا بينا، حذرا من الغش.
قال هشام بن الحكم: كنت أبيع السابري في الظلال، فمر
بي الكاظم (عليه السلام) فقال: " يا هشام إن البيع في الظلال غش، والغش
لا يحل " (6).
ويحرم أن يزين المتاع بأن يظهر جيده ويكتم رديئه.
قال الباقر (عليه السلام): " مر النبى (صلى الله عليه وآله) في سوق المدينة بطعام، فقال
لصاحبه: ما أرى طعامك إلا طيبا، وسأل عن سعره، فأوحى الله تعالى
[إليه] (7) أن يدير يده في الطعام، ففعل فأخرج طعاما رديئا، فقال لصاحبه:

(1) الكافي 5: 158 / 4، التهذيب 7: 10 / 39.
(2) الكافي 5: 151 / 4، التهذيب 7: 5 / 15.
(3) الكافي 5: 160 (باب الوفاء والبخس) الحديث 5، التهذيب 7: 11 / 43.
(4) الكافي 5: 159 / 1، التهذيب 7: 11 / 44.
(5) في " ي ": " للكيل والوزن ". وفي الطبعة الحجرية: " الكيل والوزن ".
(6) الكافي 5: 160 - 161 / 6، التهذيب 7: 13 / 54.
(7) ما بين المعقوفين من المصدر.
179

ما أراك إلا قد جمعت خيانة وغشا للمسلمين " (1).
مسألة 682: إذا قال له إنسان: اشتر لي، فلا يعطه (2) من عنده وإن كان
الذي عنده أجود؛ لأنه إنما أمره بالشراء، وهو ظاهر في الشراء من الغير.
قال الصادق (عليه السلام): " إذا قال لك الرجل: اشتر لي، فلا تعطه من عندك
وإن كان الذي عندك خيرا منه " (3).
وسأل إسحاق الصادق (عليه السلام): عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له:
ابتع لي ثوبا، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق
فيعطيه من عنده، قال: " لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه، إن الله عز وجل
يقول: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن
يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) (4) وإن
كان عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده " (5).
مسألة 683: إذا قال التاجر لغيره: هلم أحسن إليك، باعه من غير ربح
استحبابا.
قال الصادق (عليه السلام): " إذا قال الرجل للرجل: هلم أحسن بيعك، يحرم
عليه الربح " (6).
ويكره الربح على المؤمن، فإن فعل فلا يكثر منه.
قال الصادق (عليه السلام): " ربح المؤمن على المؤمن ربا إلا أن يشتري بأكثر

(1) الكافي 5: 161 / 7، التهذيب 7: 13 / 55.
(2) في الطبعة الحجرية: " فلا يعطيه ".
(3) الكافي 5: 151 - 152 / 6، التهذيب 6: 352 / 998، و 7: 6 - 7 / 19.
(4) الأحزاب: 72.
(5) التهذيب 6: 352 / 999.
(6) الكافي 5: 152 / 9، الفقيه 3: 173 / 774، التهذيب 7: 7 / 21.
180

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم
وارفقوا بهم " (1).
وينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس، والجاهل بمنزلة
البصير المذاق.
قال قيس: قلت للباقر (عليه السلام): إن عامة من يأتيني إخواني فحد لي من
معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره، فقال: " إن وليت أخاك فحسن، وإلا فبع
بيع البصير المذاق " (2).
وعن الصادق (عليه السلام) في رجل عنده بيع وسعره سعرا معلوما، فمن
سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر، ومن ماكسه فأبى أن يبتاع
منه زاده " قال: " لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس، فأما أن
يفعله لمن أبى عليه ويماكسه (3) ويمنعه من لا يفعل فلا يعجبني إلا أن يبيعه
بيعا واحدا " (4).
مسألة 684: يستحب إذا دخل السوق الدعاء وسؤال الله تعالى أن
يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه، والتكبير والشهادتان عند الشراء.
قال الصادق (عليه السلام): " إذا دخلت سوقك فقل: اللهم إني أسألك من
خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، اللهم إني أعوذ بك
أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى علي أو أعتدي أو يعتدى علي، اللهم إني
أعوذ بك من شر إبليس وجنوده وشر فسقة العرب والعجم، وحسبي الله

(1) الكافي 5: 154 / 22، التهذيب 7: 7 / 23، الاستبصار 3: 69 / 232.
(2) التهذيب 7: 7 / 24، وفي الكافي 5: 153 - 154 / 19 عن ميسر عن الإمام
الصادق (عليه السلام).
(3) في المصدر: " كايسه " بدل " ماكسه ".
(4) الكافي 5: 152 / 10، التهذيب 7: 8 / 25.
181

الذي لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم " (1).
وإذا اشترى المتاع، قال ما روي عن الصادق (عليه السلام)، قال: " إذا اشتريت
شيئا من متاع أو غيره فكبر، ثم قل: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من
فضلك، فاجعل فيه فضلا، اللهم إني اشتريته ألتمس فيه رزقك، فاجعل لي
فيه رزقا، ثم أعد على (2) كل واحدة ثلاث مرات " (3).
قال الصادق (عليه السلام): " وإذا أراد أن يشتري شيئا قال: يا حي يا قيوم
يا دائم يا رؤوف يا رحيم، أسألك بعزتك وقدرتك وما أحاط به علمك أن
تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقا وأوسعها فضلا وخيرها عاقبة فإنه
لا خير فيما لا عاقبة له " قال الصادق (عليه السلام): " إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل:
اللهم ارزقني أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة " (4).
مسألة 685: ينبغي له إذا بورك له في شيء من أنواع التجارة أو
الصناعة أن يلتزم به. وإذا تعسر عليه فيه رزقه، تحول إلى غيره.
قال الصادق (عليه السلام): " إذا رزقت في (5) شيء فالزمه " (6).
وقال الصادق (عليه السلام): " إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئا
فليتحول إلى غيرها " (7).

(1) الكافي 5: 156 / 2، التهذيب 7: 9 / 32.
(2) كلمة " على " لم ترد في الكافي.
(3) الكافي 5: 156 / 1، التهذيب 7: 9 / 33.
(4) الكافي 5: 157 / 3، التهذيب 7: 9 - 10 / 34.
(5) في الفقيه والتهذيب: " من " بدل " في ".
(6) الكافي 5: 168 (باب لزوم ما ينفع من المعاملات) الحديث 3، الفقيه 3:
104 / 423، التهذيب 7: 14 / 60.
(7) الكافي 5: 168 / 2، التهذيب 7: 14 / 59.
182

وينبغي له التساهل والرفق في الأشياء.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " بارك الله على سهل البيع، سهل الشراء، سهل
القضاء، سهل الاقتضاء " (1).
مسألة 686: يجوز لولي اليتيم الناظر في أمره المصلح لماله أن يتناول
أجرة المثل؛ لأنه عمل يستحق عليه أجرة، فيساوي (2) اليتيم غيره.
وسأل هشام بن الحكم الصادق (عليه السلام) فيمن تولى مال اليتيم ماله أن
يأكل منه؟ قال: " ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر
ذلك " (3).
ويستحب له التعفف مع الغنى، قال الله تعالى: (ومن كان غنيا
فليستعفف) (4).
مسألة 687: يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.
سأل ابن سنان الكاظم (عليه السلام) عن الإجارة، فقال: " صالح لا بأس به إذا
نصح قدر طاقته، فقد آجر موسى (عليه السلام) نفسه واشترط فقال: إن شئت ثماني
وإن شئت عشرا، وأنزل الله عز وجل فيه (أن تأجرني ثماني حجج فإن
أتممت عشرا فمن عندك) (5) " (6).
قال الشيخ (رحمه الله): لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادق (عليه السلام)،

(1) التهذيب 7: 18 / 79.
(2) في " ي " وظاهر " س ": " فساوى ".
(3) التهذيب 6: 343 / 960.
(4) النساء: 60.
(5) القصص: 27.
(6) الكافي 5: 90 / 2، الفقيه 3: 106 / 442، التهذيب 6: 353 / 1003، الاستبصار
3: 55 / 178.
183

قال: قلت له: الرجل يتجر فإن هو آجر نفسه أعطي ما يصيب في تجارته،
فقال: " لا يواجر نفسه، ولكن يسترزق الله عز وجل ويتجر فإنه إذا آجر
نفسه حظر على نفسه الرزق " (1) لأنه محمول على الكراهة؛ لعدم الوثوق
بالنصح (2).
وأقول: لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد، فإن التجارة أولى؛
لما فيها من توسعة الرزق، وقد نبه (عليه السلام) في الخبر عليه. ولأنه قد روي " أن
الرزق قسم عشرة أجزاء، تسعة أجزاء منها (3) في التجارة، والباقي في سائر
الأجزاء (4) " (5).
مسألة 688: يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب،
ولا بأس به في الهدنة.
قال هند السراج: قلت للباقر (عليه السلام): أصلحك الله ما تقول إني كنت
أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك
وقلت: لا أحمل إلى أعداء الله، فقال: " احمل إليهم فإن الله عز وجل يدفع
بهم عدونا وعدوكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمن حمل إلى
عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك " (6).

(1) التهذيب 6: 353 / 1002، الاستبصار 3: 55 / 177.
(2) التهذيب 6: 353، ذيل الحديث 1003، الاستبصار 3: 55، ذيل الحديث
178.
(3) في " س، ي ": " منه ".
(4) كذا قوله: " في سائر الأجزاء ". ونص الرواية في المصدر هكذا: " الرزق عشرة
أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها ".
(5) الكافي 5: 318 - 319 / 59، الفقيه 3: 120 / 510.
(6) الكافي 5: 112 / 2، التهذيب 6: 353 / 1004، الاستبصار 3: 58 / 189.
184

وقال حكم السراج للصادق (عليه السلام): ما ترى فيما يحمل إلى الشام من
السروج وأداتها؟ فقال: " لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
إنكم في هدنة، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح
والسروج " (1).
وقال السراد للصادق (عليه السلام): إني أبيع السلاح، قال: " لا تبعه في
فتنة " (2).
ويجوز بيع ما يكن من النبل لأعداء الدين؛ لأن محمد بن قيس سأل
الصادق (عليه السلام) عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال:
" بعهما ما يكنهما، الدرع والخفين ونحو هذا " (3).
مسألة 689: يجوز الأجر على الختان وخفض الجواري.
قال الصادق (عليه السلام): " لما هاجرن النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاجرت
فيهن امرأة يقال لها: أم حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري، فلما رآها
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لها: يا أم حبيب، العمل الذي كان في يدك هو في
يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراما فتنهاني عنه، قال:
لا، بل حلال فأدني مني حتى أعلمك، فدنت منه، فقال: يا أم حبيب إذا
أنت فعلت فلا تنهكي، أي لا تستأصلي، وأشمي فإنه أشرق للوجه وأحظى
عند الزوج ".
قال: " وكانت لأم حبيب أخت يقال لها: أم عطية ماشطة، فلما

(1) التهذيب 6: 354 / 1005، الاستبصار 3: 57 / 187، وفي الكافي 5: 112 / 1
بتفاوت يسير.
(2) الكافي 5: 113 / 4، التهذيب 6: 354 / 1007، الاستبصار 3: 57 / 186.
(3) الكافي 5: 113 / 3، التهذيب 6: 354 / 1006، الاستبصار 3: 57 - 58 / 188.
185

انصرفت أم حبيب إلى أختها أخبرتها بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقبلت أم
عطية إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته بما قالت لها أختها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أدني مني يا أم عطية إذا أنت قينت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإن
الخرقة تذهب بماء الوجه " (1).
مسألة 690: يكره كسب الإماء والصبيان.
قال الصادق (عليه السلام): " نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كسب الإماء فإنها إن
لم تجده زنت إلا أمة قد عرفت بصنعة يد، ونهى عن كسب الغلام الصغير
الذي لا يحسن صناعة فإنه إن لم يجد سرق " (2).
ويكره للصانع سهر الليل كله في عمل صنعته؛ لما فيه من كثرة
الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى أمور الآخرة.
قال الصادق (عليه السلام): " من بات ساهرا في كسب ولم يعط العين حظها
من النوم فكسبه ذلك حرام " (3).
وقال الصادق (عليه السلام): " الصناع إذا سهروا الليل كله فهو سحت " (4).
وهو محمول على الكراهة الشديدة، أو على التحريم إذا منع من
الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.
مسألة 691: يجوز بيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط وغيرها منها؛ لأنها
طاهرة ينتفع بها، فجاز بيعها؛ للمقتضي للجواز، السالم عن المانع.
ولأن عبد الحميد بن سعد سأل الكاظم (عليه السلام) عن عظام الفيل يحل بيعه

(1) الكافي 5: 118 / 1، التهذيب 6: 360 - 361 / 1035.
(2) الكافي 5: 128 / 8، التهذيب 6: 367 / 1057.
(3) الكافي 5: 127 / 6، التهذيب 6: 367 / 1059.
(4) الكافي 5: 127 / 7، التهذيب 6: 367 / 1058.
186

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: " لا بأس قد كان لأبي منه مشط
أو أمشاط " (1).
وكذا يجوز بيع الفهود وسباع الطير.
سأل عيص بن القاسم - في الصحيح - الصادق (عليه السلام) عن الفهود
وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال: " نعم " (2).
أما القرد فقد روي النهي عن بيعه.
قال الصادق (عليه السلام): " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن القرد أن يشترى أو
يباع " (3).
وفي الطريق قول، فالأولى الكراهة.
ودخل إلى الصادق (عليه السلام) رجل فقال له: إني سراج أبيع جلود النمر،
فقال: " مدبوغة هي؟ " قال: نعم، قال: " ليس به بأس " (4).
مسألة 692: لا بأس بأخذ الهدية.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " الهدية على ثلاثة وجوه: هدية مكافأة، وهدية
مصانعة، وهدية لله عز وجل " (5).
وروى إسحاق بن عمار قال: قلت له: الرجل الفقير يهدي الهدية
يتعرض لما عندي فآخذها ولا أعطيه شيئا أتحل لي؟ قال: " نعم، هي لك
حلال ولكن لا تدع أن تعطيه " (6).

(1) الكافي 5: 226 / 1، التهذيب 6: 373 / 1083.
(2) الكافي 5: 226 / 4، التهذيب 6: 373 / 1085.
(3) الكافي 5: 227 / 7، التهذيب 6: 374 / 1086، و 7: 134 / 594.
(4) الكافي 5: 227 / 9، التهذيب 7: 135 / 595.
(5) الكافي 5: 141 / 1، التهذيب 6: 378 / 1107.
(6) الكافي 5: 143 / 6، الفقيه 3: 192 / 872، التهذيب 6: 379 / 1112.
187

وقال محمد بن مسلم: " جلساء الرجل شركاؤه في الهدية " (1).
وهي مستحبة مرغب فيها؛ لما فيها من التودد.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لأن أهدي لأخي المسلم هدية تنفعه أحب
إلي من أن أتصدق بمثلها " (2).
وقبولها مستحب؛ اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنه قال: " لو أهدي إلي
كراع لقبلت " (3).
ولو أهدى إليه هدية طلبا لثوابها فلم يثبه، كان له الرجوع فيها إذا
كانت العين باقية؛ لما رواه عيسى بن أعين قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن
رجل أهدى إلى رجل هدية وهو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك
وأصاب الرجل هديته بعينها، أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال:
" لا بأس أن يأخذه " (4).
مسألة 693: لا يجوز عمل التماثيل والصور المجسمة. ولا بأس بها
فيما يوطأ بالأرجل، كالفراش وشبهه؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السلام)،
قال: قلت له: إنما (5) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها، قال:
" لا بأس بما يبسط منها ويفرش ويوطأ، وإنما يكره منها ما نصب على
الحائط وعلى السرير " (6).
مسألة 694: يجوز لمن أمره غيره بشراء شيء أن يأخذ منه على ذلك

(1) الكافي 5: 143 / 10، التهذيب 6: 379 / 1113.
(2) الكافي 5: 144 / 12، التهذيب 6: 380 / 1115.
(3) الكافي 5: 141 / 2، التهذيب 6: 378 / 1108.
(4) الفقيه 3: 192 / 871، التهذيب 6: 380 / 1116.
(5) كذا في المصدر والطبعة الحجرية، وفي " س، ي ": " إنا " بدل " إنما ".
(6) التهذيب 6: 381 / 1122.
188

الجعل؛ لأنه فعل مباح.
ولما رواه ابن سنان عن الصادق (عليه السلام)، قال: سأله أبي وأنا حاضر،
فقال: ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم
ونجعل له جعلا، فقال الصادق (عليه السلام): " لا بأس به " (1).
مسألة 695: لا بأس بالزراعة، بل هي مستحبة.
روى سيابة أن رجلا سأل الصادق (عليه السلام): أسمع قوما يقولون: إن
الزراعة مكروهة، فقال: " ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملا
أحل ولا أطيب منه، والله لنزرعن الزرع ولنغرسن (2) غرس النخل بعد
خروج الدجال " (3).
وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقر (عليه السلام) (4) عن الفلاحين، فقال:
" هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الأعمال شيء أحب إلى الله من
الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا، إلا إدريس (عليه السلام) فإنه كان خياطا " (5).
مسألة 696: يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك، وإلا
حرم.
كتب محمد بن الحسن الصفار إليه: رجل يبذرق القوافل من غير أمر
السلطان في موضع مخيف، ويشارطونه على شيء مسمى أن يأخذ منهم
إذا صاروا إلى الأمن، هل يحل له أن يأخذ منهم؟ فوقع (عليه السلام) " إذا واجر (6)

(1) التهذيب 6: 381 / 1124.
(2) في " ي " والطبعة الحجرية والكافي: " ليزرعن... ليغرسن ".
(3) الكافي 5: 260 / 3، التهذيب 6: 384 - 385 / 1139.
(4) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية. وفي المصدر: " يزيد بن هارون الواسطي عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) ".
(5) التهذيب 6: 384 / 1138.
(6) في المصدر: " آجر ".
189

نفسه بشيء معروف أخذ حقه إن شاء الله " (1).
مسألة 697: يكره بيع العقار إلا لضرورة.
قال أبان بن عثمان: دعاني الصادق (عليه السلام) فقال: " باع فلان أرضه؟ "
فقلت: نعم، فقال: " مكتوب في التوراة أنه من باع أرضا أو ماء ولم يضعه
في أرض وماء ذهب ثمنه محقا " (2).
وقال الصادق (عليه السلام): " مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق " (3).
وقال مسمع للصادق (عليه السلام): إن لي أرضا تطلب مني ويرغبوني، فقال
لي: " يا أبا سيار أما علمت أنه من باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء
والطين ذهب ماله هباء " قلت: جعلت فداك إني أبيع بالثمن الكثير فأشتري
ما هو أوسع مما بعت، فقال: " لا بأس " (4).
مسألة 698: يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد؛ لأنه قد صار ملكا
للبائع بالعقد، فيندرج تحت قوله تعالى: (ولا تبخسوا الناس
أشياءهم) (5).
وروى إبراهيم الكرخي عن الصادق (عليه السلام)، قال: اشتريت للصادق (عليه السلام)
جارية فلما ذهبت أنقدهم قلت: أستحطهم، قال: " لا، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة " (6).

(1) التهذيب 6: 385 / 1141.
(2) الكافي 5: 91 / 3، التهذيب 6: 387 - 388 / 1155.
(3) الكافي 5: 92 / 4، التهذيب 6: 388 / 1156.
(4) التهذيب 6: 388 / 1157، وبتفاوت في الكافي 5: 92 / 8.
(5) هود: 85.
(6) الكافي 5: 286 (باب الاستحطاط بعد الصفقة) الحديث 1، التهذيب 7:
233 / 1017، الاستبصار 3: 73 / 243.
190

قال الشيخ: إنه محمول على الكراهة (1)؛ لما روى معلى بن خنيس
عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجل يشتري المتاع ثم يستوضع، قال:
" لا بأس به " وأمرني فكلمت له رجلا في ذلك (2).
وعن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: الرجل
يستوهب من الرجل الشيء بعدما يشتري فيهب له، أيصلح له؟ قال: " نعم " (3).
وكذا في الإجارة. روى علي أبو الأكراد عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت
له: إني أتقبل العمل فيه الصناعة وفيه النقش فأشارط النقاش على شيء
فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة، فإذا بلغ
الحساب قلت له: أحسن، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه، قال:
" بطيب نفسه؟ " قلت: نعم، قال: " لا بأس " (4).
مسألة 699: أصل الأشياء الإباحة إلا أن يعلم التحريم في بعضها.
روي عن الصادق (عليه السلام) - في الصحيح - قال: " كل شيء يكون منه
حرام وحلال فهو حلال لك أبدا حتى تعرف أنه حرام بعينه فتدعه " (5).
وقال (عليه السلام): " كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه
من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو
المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر، أو امرأة تحتك
وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير

(1) التهذيب 7: 233، ذيل الحديث 1017، الاستبصار 3: 74، ذيل الحديث
245.
(2) التهذيب 7: 233 / 1018، الاستبصار 3: 73 / 244.
(3) التهذيب 7: 233 - 234 / 1019، الاستبصار 3: 74 / 245.
(4) التهذيب 7: 234 / 1020.
(5) الكافي 5: 313 / 39، التهذيب 7: 226 / 988.
191

ذلك أو تقوم به البينة " (1).
مسألة 700: لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق، فإن علي بن
بلال روى عن الحسين الجمال قال: شهدت إسحاق بن عمار وقد شد
كيسه وهو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار، فحل الكيس
وأعطاه دراهم بدينار، فقلت له: سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار، فقال
إسحاق بن عمار: ما فعلت هذا رغبة في الدينار، ولكن سمعت
الصادق (عليه السلام) يقول: " من استقل قليل الرزق حرم الكثير " (2).
مسألة 701: ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك الإسراف.
قال الباقر (عليه السلام): " من علامات المؤمن ثلاث: حسن التقدير في
المعيشة، والصبر على النائبة، والتفقه في الدين " وقال: " ما خير في رجل
لا يقتصد في معيشته ما يصلح [لا] (3) لدنياه ولا لآخرته " (4).
وقال الصادق (عليه السلام) في قوله عز وجل: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى
عنقك) (5) قال: " ضم يده " فقال: " هكذا " (ولا تبسطها كل البسط) (6)
قال: " وبسط راحته " وقال: " هكذا " (7).
وقال الصادق (عليه السلام): " ثلاثة من السعادة: الزوجة الموافقة (8)، والأولاد
البارون، والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه ويروح " (9).

(1) الكافي 5: 313 - 314 / 40، التهذيب 7: 226 / 989.
(2) الكافي 5: 311 / 30، التهذيب 7: 227 / 993.
(3) ما بين المعقوفين من المصدر.
(4) التهذيب 7: 236 / 1028.
(5 و 6) الإسراء: 29.
(7) التهذيب 7: 236 / 1031.
(8) في المصدر: " المؤاتية " بدل " الموافقة ".
(9) التهذيب 7: 236 / 1032، وفي الكافي 5: 258 (باب أن من السعادة...)
الحديث 2 بتفاوت يسير.
192

الفصل الثاني: في الشفعة
الشفعة مأخوذة من قولك: شفعت كذا بكذا، إذا جعلته شفعا به كأن
الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه.
وأصلها التقوية والإعانة، ومنه الشفاعة والشفيع؛ لأن كل واحد من
الموترين (1) يتقوى بالآخر.
وفي الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه،
المنتقلة عنه بالبيع، أو حق تملك قهري يثبت (2) للشريك القديم على
الحادث، وليست بيعا، فلا يثبت فيها خيار المجلس.
ولابد في الشفعة من مشفوع - وهو المأخوذ بالشفعة، وهو محلها -
ومن آخذ له، ومن مأخوذ منه، فهنا مباحث:
البحث الأول: المحل.
محل الشفعة كل عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.
واعلم أن أعيان الأموال على أقسام ثلاثة:
الأول: الأراضي. وتثبت فيها الشفعة أي أرض كانت بلا خلاف - إلا
من الأصم (3) - لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الشفعة فيما

(1) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية.
(2) في " س، ي ": " ثبت ".
(3) حلية العلماء 5: 263، المغني والشرح الكبير 5: 460.
193

لم يقسم، فإذا وقعت (1) الحدود فلا شفعة " (2).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " الشفعة لا تكون إلا
لشريك " (3).
احتج الأصم على قوله بنفي الشفعة في كل شيء: بأن في إثباتها
إضرارا بأرباب الأملاك، فإنه إذا علم المشتري أنه يؤخذ منه ما يبتاعه،
لم يبتعه، ويتقاعد الشريك بالشريك، ويستضر المالك (4).
وهو غلط؛ لما تقدم من الأخبار. وما ذكره غلط؛ لأنا نشاهد البيع
يقع كثيرا ولا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. وأيضا
فإن له مدفعا إذا علم التضرر بذلك بأن يقاسم الشريك، فتسقط الشفعة إذا
باع بعد القسمة.
وتثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شيء من
المنقولات، ويوزع الثمن عليهما بالنسبة، ويأخذ الشفيع الشقص بالقسط.
الثاني: المنقولات، كالأقمشة والأمتعة والحيوانات، وفيها لعلمائنا
قولان:
أحدهما - وهو المشهور -: أنه لا شفعة فيها - وبه قال الشافعي (5) -

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " وضعت " بدل " وقعت ". وما أثبتناه هو الموافق
لما في المصادر، وكذا تأتي الرواية أيضا بعنوان " وقعت " في ص 207 - 208.
(2) الموطأ 2: 713 / 1، التمهيد 7: 37 - 44، سنن أبي داود 3: 285 / 3514،
سنن البيهقي 6: 103 و 105، معرفة السنن والآثار 8: 308 / 11986.
(3) التهذيب 7: 164 / 725.
(4) المغني والشرح الكبير 5: 460.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 383، التنبيه في الفقه الشافعي: 116، الوجيز 1:
215، الوسيط 4: 69، حلية العلماء 5: 263، التهذيب - للبغوي - 4: 337،
العزيز شرح الوجيز 5: 482 و 483، روضة الطالبين 4: 155، منهاج الطالبين:
151.
194

لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " لا شفعة إلا في ربع أو حائط " (1).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن، ثم قال: لا ضرر
ولا إضرار " (2).
وقول الصادق (عليه السلام): " ليس في الحيوان شفعة " (3).
ولأن الأصل عدم الشفعة، ثبت في الأراضي بالإجماع، فيبقى الباقي
على المنع.
والثاني لعلمائنا: تثبت الشفعة في كل المنقولات - وبه قال مالك في
إحدى الروايات عنه (4) - لما رواه العامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " الشفعة في كل
شيء " (5).
ومن طريق الخاصة: رواية يونس عن بعض رجاله عن
الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شيء هي؟ ولمن
تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال: " الشفعة
جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين شريكين
لا غيرهما، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره، وإن زاد على

(1) نصب الراية 4: 178 نقلا عن البزار في مسنده.
(2) الكافي 5: 280 / 4، الفقيه 3: 45 / 154، التهذيب 7: 164 / 727.
(3) التهذيب 7: 165 / 733، الاستبصار 3: 117 - 118 / 419.
(4) حلية العلماء 5: 263 - 264، العزيز شرح الوجيز 5: 483، المغني 5: 464،
الشرح الكبير 5: 472.
(5) سنن الترمذي 3: 654 / 1371، سنن البيهقي 6: 109، المعجم الكبير -
للطبراني - 11: 123 / 11244، شرح معاني الآثار 4: 125.
195

الاثنين فلا شفعة لأحد منهم " (1).
ولأن الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة، وذلك حاصل فيما ينقل.
والجواب: أن خبر العامة وخبر الخاصة معا مرسلان، وأخبارنا
أشهر، فيتعين العمل بها وطرح أخبارهم. والضرر بالقسمة إنما هو لما
يحتاج إليه من إحداث المرافق، وذلك يختص بالأرض دون غيرها،
فافترقا.
وقد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي
الحيوانات:
روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في المملوك
بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه، فيقول صاحبه: أنا أحق به، أله ذلك؟
قال: " نعم إذا كان واحدا " فقيل: في الحيوان شفعة؟ فقال: " لا " (2).
وعن عبد الله بن سنان قال: قلت للصادق (عليه السلام): المملوك يكون بين
شركاء فباع أحدهم نصيبه، فقال أحدهم: أنا أحق به، أله ذلك؟ قال: " نعم
إذا كان واحدا " (3).
وعن مالك رواية أخرى: أن الشفعة تثبت في السفن خاصة (4).
الثالث: الأعيان التي كانت منقولة في الأصل ثم أثبتت في الأرض
للدوام، كالحيطان والأشجار، وإن بيعت منفردة، فلا شفعة فيها على
المختار؛ لأنها في حكم المنقولات، وكانت في الأصل منقولة، وستنتهي

(1) الكافي 5: 281 / 8، التهذيب 7: 164 - 165 / 730، الاستبصار 3: 116 / 413.
(2) الكافي 5: 210 / 5، التهذيب 7: 166 / 735، الاستبصار 3: 116 / 415.
(3) التهذيب 7: 165 - 166 / 734، الاستبصار 1: 116 / 414.
(4) حلية العلماء 5: 263 - 264، العزيز شرح الوجيز 5: 483، بدائع الصنائع 5:
12.
196

إليه وإن طال أمدها، وليس معها ما تجعل تابعة له، وبه قال الشافعي (1).
وحكى بعض أصحابه قولا آخر: أنه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في
الأرض (2).
ولو بيعت الأرض وحدها، ثبتت الشفعة فيها، ويكون الشفيع معه
كالمشتري.
وإن بيعت الأبنية والأشجار مع الأرض، ثبتت الشفعة فيها تبعا
للأرض؛ لأن في بعض أخبار العامة لفظ " الربع " (3) وهو يتناول الأبنية، وفي
بعض أخبار الخاصة: " والمساكن " (4) وهو يتناول الأبنية أيضا، وفي بعضها:
" الدار " (5) وهو يتناول الجدران والسقوف والأبواب.
مسألة 702: الأثمار على الأشجار - سواء كانت مؤبرة أو لا - إذا بيعت
معها ومع الأرض، لا تثبت فيها الشفعة - وبه قال الشافعي (6) - وكذا إذا
شرط إدخال الثمرة في البيع؛ لأنها لا تدوم في الأرض.
وكذا الزروع الثابتة في الأرض؛ لأن ما لا يدخل في بيع الأرض
بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة، كالفدان (7) الذي يعمل فيها، وعكسه

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 484، روضة الطالبين 4: 156.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 484.
(3) تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 195، الهامش (1).
(4) تقدمت الإشارة إلى مصدره في ص 195، الهامش (2).
(5) راجع: الكافي 5: 280 / 2، والتهذيب 7: 165 / 731، والاستبصار 3:
117 / 417.
(6) المهذب - للشيرازي - 1: 384، حلية العلماء 5: 265، التهذيب - للبغوي - 4:
344، العزيز شرح الوجيز 5: 484، روضة الطالبين 4: 156، مختصر اختلاف
العلماء 4: 249 / 1967، المغني 5: 464، الشرح الكبير 5: 471.
(7) الفدان: الذي يجمع أداة الثورين في القران للحرث. لسان العرب 13: 321
" فدن ".
197

البناء والشجر.
وقال الشيخ وأبو حنيفة ومالك: تدخل الثمار والزروع مع أصولها
ومع الأرض التي نبت الزرع بها (1)؛ لأنها متصلة بما فيه الشفعة، فتثبت
الشفعة فيها، كالبناء والغراس (2).
ويمنع الاتصال، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.
وفي الدولاب الغراف والناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة
بنقله، فكان كالبناء.
والأقرب: عدم الدخول.
ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.
مسألة 703: قد بينا أنه لا تثبت الشفعة في المنقولات، ولا فرق بين
أن تباع منفردة أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة، بل يأخذ الشفيع
الشقص من الأرض خاصة بحصته من الثمن.
وعن مالك رواية ثالثة أنها: إن بيعت وحدها، فلا شفعة فيها. وإن
بيعت مع الأرض، ففيها الشفعة؛ لئلا تتفرق الصفقة (3).
والجواب: المعارضة بالنصوص.
ولو كانت الثمرة غير مؤبرة، دخلت في المبيع شرعا، ولا يأخذها
الشفيع؛ لأنها منقولة. ولأن المؤبرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها، وهو

(1) في الطبعة الحجرية: " يثبت الزرع فيها " بدل " نبت الزرع بها ".
(2) الخلاف 3: 440، المسألة 15، المبسوط - للطوسي - 3: 119، المبسوط
- للسرخسي - 14: 134، بدائع الصنائع 5: 27 - 28، مختصر اختلاف العلماء
4: 249 / 1967، المدونة الكبرى 5: 427، حلية العلماء 5: 265، العزيز شرح
الوجيز 5: 484، المغني 5: 464، الشرح الكبير 5: 471.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 483.
198

أحد قولي الشافعي. والآخر: أنها تدخل في الشفعة؛ لدخولها في مطلق
البيع (1).
وعلى هذا فلو لم يتفق الأخذ حتى تأبرت، فوجهان للشافعية:
أظهرهما: الأخذ؛ لأن حقه تعلق بها، وزيادتها كالزيادة الحاصلة في
الشجرة.
والثاني: المنع؛ لخروجها عن كونها تابعة للنخل.
وعلى هذا فبم يأخذ الأرض والنخيل؟ وجهان:
أشبههما: بحصتهما من الثمن كما في المؤبرة، وهو مذهبنا.
والثاني: بجميع الثمن تنزيلا له منزلة عيب يحدث بالشقص (2).
ولو كانت النخيل حائلة عند البيع ثم حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع،
فإن كانت مؤبرة، لم يأخذها. وإن كانت غير مؤبرة، فعلى قولين (3).
وعندنا لا يأخذها؛ لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع، والشفعة ليست
بيعا.
وإذا بقيت الثمرة للمشتري، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجانا.
وهذا إذا بيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخللها، أما
إذا بيعت الأشجار ومغارسها لا غير، فوجهان للشافعي، وكذا لو باع الجدار
مع الأس:
أحدهما: أنه تثبت الشفعة؛ لأنها أصل ثابت.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 384، حلية العلماء 5: 265، العزيز شرح الوجيز 5:
484، روضة الطالبين 4: 156.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 484، روضة الطالبين 4: 156.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 344 - 345، العزيز شرح الوجيز 5: 485، روضة
الطالبين 3: 156.
199

وأشبههما: المنع؛ لأن الأرض هنا تابعة، والمتبوع منقول (1).
وعندنا أن قبل القسمة تثبت الشفعة، وإلا فلا.
مسألة 704: لو باع شقصا فيه زرع لا يجز مرارا وأدخله في البيع،
أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن دون الزرع، وبه قال الشافعي (2)،
خلافا لأبي حنيفة ومالك (3)، وقد سبق (4).
وإن كان مما يجز مرارا، فالجزة الظاهرة التي لا تدخل في البيع
المطلق كالثمار المؤبرة، والأصول كالأشجار، قاله الشافعي (5).
وعندنا أنه لا يدخل في الشفعة أيضا ولا في البيع على ما تقدم (6).
أما ما يدخل تحت مطلق بيع الدار من الأبواب والرفوف والمسامير
فالأقرب: أنه يؤخذ بالشفعة تبعا، كالأبنية.
ولو باع شقصا من طاحونة، لم يدخل شيء من الأحجار فيها على
ما تقدم (7).
وقال الشافعي: يؤخذ التحتاني (8) إن قلنا بدخوله في البيع، وفي
الفوقاني وجهان (9).

(1) الوسيط 4: 70، العزيز شرح الوجيز 5: 485، روضة الطالبين 4: 156.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 345، العزيز شرح الوجيز 5: 485، روضة الطالبين 4:
156.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 485.
(4) في ص 197 - 198، المسألة 702.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 485، روضة الطالبين 4: 156.
(6) في ص 47، المسألة 572.
(7) في ص 59، ضمن المسألة 576، القسم الثالث.
(8) أي: الحجر التحتاني.
(9) التهذيب - للبغوي - 4: 345، العزيز شرح الوجيز 5: 485، روضة الطالبين 4:
157.
200

مسألة 705: شرطنا في محل الشفعة من العقار كونه ثابتا. واحترزنا
بالثابت عما إذا كان بين اثنين غرفة عالية أو حجرة معلقة على سقف
لأحدهما أو لغيرهما، فإذا باع [أحدهما] (1) نصيبه، فلا شفعة لشريكه؛ لأنه
لا أرض لها ولا ثبات فأشبهت المنقولات.
ولو كان السقف لهما وبيع معها، فالأقرب: أنه لا شفعة لشريكه
أيضا؛ لأن الأرض التي لهما لا ثبات لها، وما لا ثبات له في نفسه لا يعد (2)
ثباتا لما هو عليه، وهو أحد وجهي الشافعية (3).
والثاني: أن الشفعة تثبت؛ للاشتراك بينهما أرضا وجدرانا (4).
وليس بجيد؛ لأن ما هو أرضهما لا ثبات له.
ولو كان السفل بين اثنين والعلو لأحدهما فباع صاحب العلو العلو
ونصيبه من السفل، كان للشفيع أخذ السفل لا غير؛ لأن الشفعة لا تثبت في
الأرض إلا إذا كانت مشتركة، فكذلك ما فيها من الأبنية، ولا شركة بينهما
في العلو، وهو قول بعض الشافعية (5).
وقال بعضهم: إن الشريك يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة؛ لأن
الأرض مشتركة بينهما، وما فيها تابع لها، ألا ترى أنه يتبعها في بيع الأرض
عند الإطلاق، فكذلك في الشفعة (6). وليس بشيء.
ولو كانت بينهما أرض مشتركة، وفيها أشجار لأحدهما، فباع
صاحب الأشجار الأشجار ونصيبه من الأرض، ففيه الخلاف المذكور.
مسألة 706: يشترط كون المبيع مشتركا بين اثنين لا أزيد، فلو تعدد

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(2) كذا، والظاهر: " لا يفيد " بدل " لا يعد ".
(3 - 6) العزيز شرح الوجيز 5: 486، روضة الطالبين 4: 157.
201

الشركاء وزادوا على اثنين، فلا شفعة عند أكثر علمائنا (1)، خلافا للعامة.
لنا: الأصل عدم الشفعة، أثبتناها في الاثنين؛ دفعا لضرورة الشركة،
وهذا المعنى منتف في حق الزائد على الاثنين، فيبقى على أصالة العدم.
وما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) " أنه قضى بالشفعة في كل مشترك (2)
لم يقسم ربع أو حائط لا يحل له أن يبيعه حتى يؤذن شريكه، فإن شاء
أخذ، وإن شاء ترك، فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " (3) وهو يدل على
الاقتصار على الواحد.
ومن طريق الخاصة: رواية عبد الله بن سنان - الصحيحة - عن
الصادق (عليه السلام) قال: " لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما، فإذا صاروا
ثلاثة، فليس لواحد منهم شفعة " (4).
وفي رواية يونس - السابقة (5) - عن الصادق (عليه السلام): " وإن زاد على
الاثنين فلا شفعة لأحد منهم ".
وقال بعض (6) علمائنا - وهو قول الجمهور كافة -: إنها تثبت مع
الكثرة؛ لما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائه عن علي (عليهم السلام)
قال: " الشفعة على عدد الرجال " (7).

(1) منهم: الشيخ المفيد في المقنعة: 618، والشيخ الطوسي في النهاية: 424،
وسلار في المراسم: 183، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 361.
(2) كذا في " س، ي " والطبعة الحجرية، وفي المصدر: " شركة " بدل " مشترك ".
(3) صحيح مسلم 3: 1229 / 134، سنن النسائي 7: 320.
(4) الكافي 5: 281 / 7، التهذيب 7: 164 / 729، الاستبصار 3: 116 / 412.
(5) في ص 195 - 196.
(6) الشيخ الصدوق في الفقيه 3: 46، ذيل الحديث 162.
(7) التهذيب 7: 166 / 736، الاستبصار 3: 116 - 117 / 416.
202

والطريق ضعيف لا يعول عليه.
إذا ثبت هذا، فالقائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة اختلفوا، فقال
بعضهم: إنها على عدد الرؤوس (1). وقال بعضهم: إنها على عدد
الأنصباء (2).
مسألة 707: شرطنا في المأخوذ أن كان مما يقبل القسمة، كالبساتين
والدور المتسعة وغيرها؛ لأن ما لا يقبل القسمة - كالحمام والدار الضيقة
والعضائد الضيقة وما أشبه ذلك - لا تثبت فيه الشفعة عند أكثر علمائنا (3) -
وبه قال عثمان وربيعة والشافعي ومالك في إحدى الروايتين (4) - لأن الشفعة
تضر بالبائع؛ لأنه لا يمكنه أن يخلص نصيبه بالقسمة، وقد يمتنع المشتري
لأجل الشفيع، ولا يمكنه القسمة، فيسقط حق الشفعة، فلهذا لم تجب الشفعة.

(1) الهداية - للمرغيناني - 4: 25، مختصر اختلاف العلماء 4: 248 / 1965،
الوسيط 4: 94، حلية العلماء 5: 292، التهذيب - للبغوي - 4: 361، العزيز
شرح الوجيز 5: 527، روضة الطالبين 4: 182، المغني 5: 523، الشرح الكبير
5: 490.
(2) الهداية - للمرغيناني - 4: 25، مختصر اختلاف العلماء 4: 248 / 1965،
الوسيط 4: 94، حلية العلماء 5: 292، التهذيب - للبغوي - 4: 362، العزيز
شرح الوجيز 5: 527، روضة الطالبين 3: 182، المغني 5: 523، الشرح الكبير
5: 490.
(3) منهم: الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 441، المسألة 16، وسلار في المراسم: 183،
والمحقق الحلي في المختصر النافع: 257.
(4) المغني 5: 465 و 466، الشرح الكبير 5: 468 و 469، معالم السنن
- للخطابي - 5: 172، المهذب - للشيرازي - 1: 384، الوجيز 1: 215، حلية
العلماء 5: 268، التهذيب - للبغوي - 4: 340، العزيز شرح الوجيز 5: 488،
روضة الطالبين 4: 157 و 158، وفي الخلاف - للشيخ الطوسي - 3: 441،
المسألة 16 حكاية قول عثمان أيضا.
203

ولما رواه السكوني عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا شفعة في سفينة ولا في نهر ولا في طريق " (1).
وقال بعض (2) علمائنا: تثبت فيه الشفعة - وبه قال الثوري ومالك في
الرواية الأخرى، وأبو حنيفة وأصحابه، وأبو العباس بن سريج من
الشافعية، ونقله قولا آخر للشافعي (3) - لعموم قول الصادق (عليه السلام): " الشفعة
جائزة في كل شيء " (4).
ولأن الشفعة تثبت لأجل الضرر بالمشاركة، والضرر في هذا النوع
أكثر؛ لأنه يتأبد ضرره.
والرواية مقطوعة السند.
وأصل اختلاف الشافعية هنا مبني على علة ثبوت الشفعة في
المنقسم (5) إن قلنا: إنها تثبت لدفع ضرر الشركة فيما يتأبد ويدوم، كتضيق
المداخل، والتأذي بحرفة (6) الشريك أو أخلاقه (7) أو كثرة الداخلين عليه،
وما أشبه ذلك.

(1) الكافي 5: 282 / 11، التهذيب 7: 166 / 738، الاستبصار 3: 118 / 420.
(2) كالسيد المرتضى في الانتصار: 215، وابن إدريس في السرائر 2: 389.
(3) المغني 5: 465 - 466، الشرح الكبير 5: 469، معالم السنن - للخطابي - 5:
172، الهداية - للمرغيناني - 4: 34، المهذب - للشيرازي - 1: 384، حلية
العلماء 5: 268، التهذيب - للبغوي - 4: 340، العزيز شرح الوجيز 5: 487،
روضة الطالبين 4: 157.
(4) الكافي 5: 281 / 8، التهذيب 7: 164 / 730، الاستبصار 3: 116 / 413.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " التقسيم " بدل " المنقسم ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) في الطبعة الحجرية: " بخراءة " بدل " بحرفة " ولها وجه، وفي " س، ي " بدلهما:
" بجزيه ". وهي تصحيف ما أثبتناه من المصدر.
(7) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " اختلافه " بدل " أخلاقه ". وما أثبتناه من المصدر.
204

وأصحهما: أنها تثبت لدفع الضرر الذي ينشأ من القسمة من بذل
مؤونتها، والحاجة إلى إفراد الحصة الصائرة إليه بالمرافق الواقعة في حصة
صاحبه، كالمصعد والمبرز والبالوعة ونحوها، وكل واحد من الضررين وإن
كان حاصلا قبل البيع لكن من رغب من الشريكين في البيع كان من حقه أن
يخلص الشريك مما هو فيه ببيعه منه، فإذا لم يفعل، سلطه الشرع على
أخذه. فإن قلنا بالأصح، لم تثبت الشفعة فيما لا ينقسم؛ لأنه يؤمن فيه من
ضرر القسمة. وإن قلنا بالأول، ثبتت الشفعة فيه (1).
مسألة 708: المراد من المنقسم ما يتجزأ ويكون كل واحد من جزءيه
منتفعا به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة دون غيره، ولا عبرة
بإمكان الانتفاع به من وجوه أخر؛ للتفاوت العظيم بين أجناس المنافع.
وقيل: المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصانا فاحشا، فلو كانت قيمة
الدار مائة ولو قسمت عادت قيمة كل نصف إلى ثلاثين، لم تقسم؛ لما فيها
من الضرر (2).
وقيل: إنه الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما، أما إذا خرج عن
حد الانتفاع بالكلية - إما لضيق الخطة وقلة النصيب، أو لأن أجزاءه غير
منتفع بها وحدها، كشرب القنا (3)، ومصراعي الباب - فلا ينقسم (4).
مسألة 709: إذا كانت الطاحونة أو الحمام كبيرين يمكن إفراد حصة

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 487.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 340، العزيز شرح الوجيز 5: 487، روضة الطالبين 4: 157.
(3) في " العزيز شرح الوجيز " بدل " كشرب القنا ": " كماء سراب القنا ". ولعلها:
" كأسراب القنا ". والسرب: القناة الجوفاء التي يدخل منها الماء الحائط. لسان
العرب 1: 466 " سرب ".
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 340، العزيز شرح الوجيز 5: 487، روضة الطالبين 4:
157 - 158.
205

كل منهما عن صاحبه من غير تضرر، أو كان مع البئر أرض تسلم البئر
لأحدهما، أو كان في الرحا أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما
بحجرين، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة، أو كان الحمام
كثير البيوت يمكن جعله حمامين، أو متسع البيوت يمكن جعل كل بيت
بيتين، أو كانت البئر واسعة يمكن أن يبنى فيها فتجعل بئرين لكل واحدة
بياض يقف فيه المستقي ويلقي فيه ما يخرج منها، تثبت الشفعة في ذلك
كله.
ولو كان بين اثنين دار ضيقة لأحدهما عشرها، فإن قلنا بثبوت الشفعة
فيما لا يقسم، فأيهما باع نصيبه فلصاحبه الشفعة. وإن حكمنا بمنعها، فإن
باع صاحب العشر نصيبه، لم تثبت لصاحبه الشفعة؛ لأنه آمن من أن يطلب
مشتريه القسمة؛ لانتفاء فائدته فيها، ولو طلب لم يجب إليه؛ لأنه متعنت
مضيع لماله، وإذا كان كذلك، فلا يلحقه ضرر القسمة.
فإن باع الآخر، ففي ثبوت الشفعة لصاحب العشر وجهان بناء على
أن صاحب الأزيد هل يجاب إذا طلب القسمة؛ لأنه منتفع بالقسمة؟
والظاهر عند الشافعي أنه يجاب (1). ونحن نقول بخلافه.
ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بأن تجعل البئر لواحد
والبياض لآخر، أو كان موضع الحجر والرحا واحدا وله بيت ينتفع به
وأمكنت القسمة بأن يجعل موضع الحجر لواحد والبيت لآخر، تثبت
الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي (2) - وهو مبني على أنه لا يشترط فيما
يصير لكل واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به
قبل القسمة.
ولو كان لاثنين مزرعة يمكن قسمتها وبئر يستقى منها باع أحدهما

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 488، روضة الطالبين 4: 158.
206

نصيبه منهما، تثبت للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر، أو قلنا بثبوت
الشفعة فيما لا ينقسم، وإلا ثبتت في المزرعة.
وهل تثبت في البئر؟ الأقوى: أنها تثبت؛ لأنها تابعة، كالأشجار،
وهو أحد قولي الشافعي (1).
وأصحهما: المنع، والفرق بين البئر والأشجار ظاهر؛ فإن الأشجار
ثابتة في محل الشفعة، والبئر مباينة عنه (2).
والفرق لا يخرج البئر عن التبعية، ويذكر غيره (3)، كالحائط.
البحث الثاني: في الآخذ.
مسألة 710: آخذ الشفعة يشترط أن يكون شريكا في المشفوع،
فلا تثبت الشفعة بالجوار، وإنما تثبت بالخلطة إما في الملك أو في طريقه
أو نهره أو ساقيته، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي (4).
ووافقنا الشافعي على أن الشفعة لا تثبت للجار - وبه قال عمر
وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وسعيد بن المسيب ويحيى
ابن سعد الأنصاري، ومن الفقهاء: ربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق
وأبو ثور (5) - لما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الشفعة فيما

(1 و 2) التهذيب - للبغوي - 4: 341، العزيز شرح الوجيز 5: 489، روضة الطالبين
4: 158.
(3) أي: أن الذي يذكر في البيع غير البئر.
(4) المغني 5: 461، الشرح الكبير 5: 466 - 467، حلية العلماء 5: 267.
(5) المغني 5: 461، الشرح الكبير 5: 466، الوجيز 1: 215، الوسيط 4: 72، حلية
العلماء 5: 266، التهذيب - للبغوي - 4: 337، العزيز شرح الوجيز 5: 489،
روضة الطالبين 4: 159، بداية المجتهد 2: 256.
207

لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت (1) الطرق فلا شفعة " (2).
ومن طريق الخاصة: قول الباقر (عليه السلام): " إذا وقعت السهام ارتفعت
الشفعة " (3).
وقال الصادق (عليه السلام): " الشفعة لا تكون إلا لشريك " (4).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إذا رفت الأرف (5) وحدت الحدود
فلا شفعة " (6).
وقال أبو حنيفة والثوري وابن شبرمة وابن أبي ليلى: إن الشفعة تثبت
بالشركة ثم بالشركة في الطريق ثم بالجوار (7).
وفصل أبو حنيفة، فقال: يقدم الشريك، فإن لم يكن شركة وكان
الطريق مشتركا كدرب لا ينفذ، فإنه تثبت الشفعة لجميع أهل الدرب
الأقرب فالأقرب، ولو لم يأخذ هؤلاء، تثبت للملاصق من درب آخر
خاصة؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " الجار أحق بسقبه (8) " (9) وقال (عليه السلام): " جار

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " ضربت " بدل " صرفت ". وما أثبتناه من
المصادر. أنظر: الهامش التالي.
(2) صحيح البخاري 3: 114، سنن ابن ماجة 2: 835 / 2499، سنن أبي داود 3:
285 / 3514، سنن البيهقي 6: 102.
(3) الكافي 5: 280 / 3، الفقيه 3: 46 / 161، التهذيب 7: 163 / 724.
(4) التهذيب 7: 164 / 725.
(5) الأرفة: الحد ومعالم الحدود بين الأرضين. الصحاح 4: 1331 " أرف ".
(6) الكافي 5: 280 / 4، التهذيب 7: 164 / 727.
(7) حلية العلماء 5: 266، التهذيب - للبغوي - 4: 339، العزيز شرح الوجيز 5:
489، المغني 5: 461، الشرح الكبير 5: 466.
(8) السقب: القرب. النهاية - لابن الأثير - 2: 377 " سقب ".
(9) صحيح البخاري 3: 115، سنن أبي داود 3: 286 / 3516، سنن الترمذي 3:
653، ذيل الحديث 1370.
208

الدار أحق بدار جاره أو الأرض " (1) (2).
والحديث ممنوع، وقد طعن فيه جماعة؛ لأن الحديث الأخير رواه
الحسن (3) [عن] (4) سمرة (5)، وقال أصحاب الحديث: لم يرو عنه إلا
حديثا واحدا، وهو حديث العقيقة (6) (7). و " الجار " في الحديث الأول
يحمل على الشريك.
إذا ثبت هذا، فإنه لا شفعة للجار، سواء كان ملاصقا أو مقابلا.
وقال أبو حنيفة: للجار الملاصق الشفعة، وللمقابل أيضا إذا لم يكن
الطريق بينهما نافذا (8). وعن ابن سريج من الشافعية (9) تخريج كمذهب
أبي حنيفة.
مسألة 711: قد بينا أنه لا تثبت الشفعة بالجوار ولا فيما قسم وميز إلا
أن يكون بينهما شركة في طريق أو نهر أو ساقية بشرط أو يبيع الدار مع
الطريق، والبستان مع الشرب أو النهر؛ لما رواه منصور بن حازم - في
الحسن - عن الصادق (عليه السلام)، قال: سألته عن دار فيها دور وطريقهم واحد

(1) سنن أبي داود 3: 286 / 3517.
(2) مختصر اختلاف العلماء 4: 239 / 1947، حلية العلماء 5: 267، المغني 5:
461، الشرح الكبير 5: 466.
(3) وهو: الحسن البصري. راجع المصادر في الهامش (6).
(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " ابن ". وذلك تصحيف.
(5) وهو: سمرة بن جندب. راجع المصادر في الهامش التالي.
(6) سنن الترمذي 4: 101 / 1522، سنن البيهقي 9: 303، المستدرك - للحاكم - 4:
237، المعجم الكبير - للطبراني - 7: 242 - 243 / 6827 - 6832، المصنف
- لابن أبي شيبة - 8: 48 / 4290، و 14: 122 / 18156.
(7) التمهيد 1: 37، الاستذكار 5: 19 / 5686، المغني 5: 462، الشرح الكبير 5:
468.
(8 و 9) العزيز شرح الوجيز 5: 489.
209

في عرصة الدار فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن
يأخذوا بالشفعة؟ فقال: " إن كان باب الدار وما حول بابها إلى الطريق غير
ذلك، فلا شفعة لهم، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة " (1).
وعن منصور بن حازم - في الصحيح - عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت
له: دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة وتركوا بينهم ساحة
فيها ممرهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم، أله ذلك؟ قال: " نعم،
ولكن يسد بابه ويفتح بابا إلى الطريق، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه،
وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به، وإلا فهو طريقه يجيء يجلس
على ذلك الباب " (2).
وعن منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له: دار بين قوم
اقتسموها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم فجاء رجل فاشترى نصيب
بعضهم، أله ذلك؟ قال: " نعم، ولكن يسد بابه ويفتح بابا إلى الطريق أو
ينزل من فوق البيت، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنهم أحق به،
وإن أراد يجيء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن
يمنعوه " (3).
مسألة 712: الدار إما أن يكون بابها مفتوحا إلى درب نافذ، أو غير
نافذ، فإن كان الأول ولا شريك له في الدار، فلا شفعة فيها لأحد ولا في
ممرها؛ لأن هذا الدرب غير مملوك. وإن كان الثاني، فالدرب ملك مشترك
بين سكانه على السوية. فإن باع نصيبه من الممر وحده، فللشركاء الشفعة

(1) التهذيب 7: 165 / 731.
(2) الكافي 5: 281 / 9، التهذيب 7: 165 / 732، الاستبصار 3: 117 / 418.
(3) التهذيب 7: 167 - 168 / 743.
210

إن كان واحدا وأمكن قسمته، وإلا فلا.
وإن باع الدار بممرها فللشريك في الممر الشفعة في الدار وطريقها.
وقال الشافعي: لا شفعة له في الدار؛ لأنه لا شركة [له] (1) فيها، فصار
كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقارا غير مشترك (2).
وقال أبو حنيفة (3) كقولنا من إثبات الشفعة.
وإن أرادوا أخذ الممر بالشفعة، قال الشافعي: ينظر إن كان للمشتري
طريق آخر إلى الدار أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع، فلهم ذلك على
المشهور إن كان منقسما، وإلا فعلى الخلاف في غير المنقسم.
وقال بعض الشافعية: إن كان في اتخاذ الممر الحادث عسر أو مؤونة
لها وقع، وجب أن يكون ثبوت الشفعة على الخلاف الآتي (4).
وإن لم يكن له طريق آخر ولا أمكن اتخاذه، ففيه وجوه:
أحدها: أنهم لا يمكنون منه؛ لما فيه من الإضرار بالمشتري،
والشفعة شرعت لدفع الضرر، فلا يزال الضرر بالضرر.
والثاني: أن لهم الأخذ، والمشتري هو المضر بنفسه حيث اشترى
مثل هذه الدار.
والثالث: أن يقال لهم: إن أخذتموه على أن تمكنوا المشتري من
المرور، فلكم الأخذ، وإلا فلا شفعة لكم جمعا بين الحقين (5).
والأقرب عندي: أن الطريق إن كان مما يمكن قسمته والشريك واحد

(1) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " لهم ". وما أثبتناه يقتضيه
السياق.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 490، روضة الطالبين 4: 159.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 490.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 5: 490، روضة الطالبين 4: 159.
211

وبيع مع الدار المختصة بالبائع صفقة، فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصة
إن شاء، وإن شاء أخذ الجميع. وإن لم يمكن قسمته، لم يكن له أخذه
خاصة، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك.
وإذا كان في الخان بيوت مشتركة بين مالكين، فالشركة في صحنه
كشركة مالكي الدارين في الدرب المنقطع. وكذا الشركة في مسيل ماء
الأرض، دون الأرض.
مسألة 713: لا تثبت الشفعة في المقسوم والجوار بغير الشركة في
الطريق والنهر والساقية ولا إذا بيعت الدار منفردة عن الطريق، أما لو باعها
مع الطريق ثم حول الباب، ثبتت الشفعة.
ولو كانت الشركة في الجدار أو السقف أو غير ما ذكرنا من الحقوق،
فلا شفعة؛ عملا بالأصل.
ولو كانت المزرعة مختصة وبئرها التي يسقى الزرع منها مشتركة حتى
بيعت المزرعة والبئر، ففي ثبوت الشفعة في المزرعة بمجرد الشركة في
البئر إشكال ينشأ: من الاقتصار على مورد النص فيما يخالف الأصل،
ولا شك في مخالفة الشفعة للأصل. ومن أنها مشتركة في مسقى.
والشافعي ألحق الشركة في البئر بالشركة في الممر (1).
مسألة 714: يشترط في الآخذ بالشفعة الإسلام إن كان المشتري
مسلما، وإلا فلا تثبت الشفعة للذمي على المسلم، وتثبت للمسلم على
الذمي، وللذمي على مثله، سواء تساويا في الكفر أو اختلفا ولو كان
أحدهما حربيا، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال الشعبي وأحمد والحسن بن

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 490، روضة الطالبين 4: 159.
212

صالح بن حي (1) - لأنه نوع سبيل، وقال الله تعالى: (ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلا) (2).
ولما رواه العامة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا شفعة لذمي على
مسلم " (3).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " ليس لليهود والنصارى
شفعة " (4).
ولأنه تملك بغير مملك، فأشبه الإحياء.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك والأوزاعي وأصحاب أبي حنيفة:
تثبت للذمي الشفعة على المسلم؛ لأن الشفعة خيار يثبت لإزالة الضرر عن
المال، فاستوى فيه المسلم والذمي، كالرد بالعيب (5).
ويمنع كونها خيارا، وإنما هو تملك قهري، فلا يثبت للكافر؛
للآية (6).

(1) المغني 5: 551، الشرح الكبير 5: 543، حلية العلماء 5: 271، العزيز شرح
الوجيز 5: 490 - 491.
(2) النساء: 141.
(3) لم نقف على نص الحديث في المصادر الحديثية المتوفرة لدينا، وقد روى
البيهقي في السنن الكبرى 6: 108 عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لا شفعة للنصراني ".
وفي ص 109 " ليس لليهودي والنصراني شفعة ". وقد أورد الحديث كما في المتن
الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 454، المسألة 38 من كتاب الشفعة.
(4) الكافي 5: 281 / 6، التهذيب 7: 166 / 737.
(5) بدائع الصنائع 5: 16، مختصر اختلاف العلماء 4: 244 / 1956، المهذب
- للشيرازي - 1: 385، حلية العلماء 5: 271، التهذيب - للبغوي - 4: 371،
العزيز شرح الوجيز 5: 490، روضة الطالبين 4: 159، المدونة الكبرى 5: 453،
المغني 5: 551، الشرح الكبير 5: 543 - 544.
(6) النساء: 141.
213

مسألة 715: تثبت الشفعة للكافر على الكافر وإن اختلفا في الدين؛
لعموم الأخبار السالمة عن معارضة تسلط الكافر على المسلم، وكالرد
بالعيب.
فإن كان الثمن حلالا، تثبت (1) الشفعة.
وإن كان خمرا أو خنزيرا، فإن لم يتقابضاه وترافعا إلى الحاكم، أبطل
البيع، وسقطت الشفعة.
وإن وقع بعد التقابض والأخذ بالشفعة، لم يرده ولا الشفعة، وصح
البيع والأخذ.
وإن كان بعد التقابض وقبل الأخذ بالشفعة، لم يرد البيع؛ لأنهما
تقابضا الثمن، ولم تثبت الشفعة - وبه قال الشافعي (2) - لأن البيع وقع بثمن
حرام، فلم تثبت فيه الشفعة، كما لو كان ثمنه مغصوبا.
وقال أبو حنيفة: تجب الشفعة، بناء على أصله في أن الخمر مال
لأهل الذمة (3). وهو غلط.
ولو بيع شقص فارتد الشريك، فهو على شفعته إن كانت ردته عن
غير فطرة، وكان المأخوذ منه كافرا. وإن كان عن فطرة أو كان المأخوذ منه
مسلما، فلا شفعة.
قال الشافعي: إن قلنا: إن الردة لا تزيل الملك، فهو على شفعته. وإن
قلنا: تزيله، فلا شفعة له. فإن عاد إلى الإسلام وعاد ملكه، ففي عود

(1) في " س ": " ثبتت ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 491، روضة الطالبين 4: 159 - 160، بدائع الصنائع
5: 16، المغني 5: 552، الشرح الكبير 5: 545.
(3) بدائع الصنائع 5: 16، المغني 5: 552، الشرح الكبير 5: 545، العزيز شرح
الوجيز 5: 491.
214

الشفعة خلاف، والظاهر: المنع، وإن قلنا بالوقف فمات أو قتل على الردة،
فللإمام أخذه لبيت المال، كما لو اشترى معيبا أو شرط (1) الخيار وارتد
ومات، للإمام رده. ولو ارتد المشتري، فالشفيع على شفعته (2).
تذنيب: ولو اشترى المرتد عن فطرة، فلا شفعة؛ لبطلان البيع،
وعن غير فطرة تثبت الشفعة.
مسألة 716: هل تثبت الشفعة للوقوف على المساجد والربط
والمدارس مثلا؟ كدار (3) يستحق رجل نصفها والنصف الآخر ملك
المسجد اشتراه متولي المسجد له، أو وهب منه ليصرفه في عمارته، فباع
الرجل نصيبه، ففي جواز أخذ المتولي بالشفعة نظر.
قال الشافعي: له ذلك مع المصلحة، كما لو كان لبيت المال شريك
في دار فباع الشريك نصيبه، للإمام الأخذ بالشفعة (4).
وعندي فيه نظر.
ولو كان نصف الدار وقفا والآخر طلقا فباع صاحب الطلق نصيبه،
فإن أثبتنا للموقوف عليه الملك وكان واحدا، تثبت له الشفعة - على رأي -
لرفع ضرر القسمة وضرر مداخلة الشريك. وإن قلنا بعدم ملك الموقوف
عليه أو كان متعددا وقلنا: لا شفعة مع التعدد، فلا شفعة.
وقال الشافعي: إن قلنا: لا يملك الوقف، فلا شفعة. وإن قلنا:
يملك، فيبنى على أن الملك هل يفرز عن الوقف؟ إن قلنا: نعم، ففي

(1) في الطبعة الحجرية: " بشرط ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 491، روضة الطالبين 4: 160.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية بدل " كدار ": " كذا و ". وهو تصحيف.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 491، روضة الطالبين 4: 160.
215

ثبوت الشفعة وجهان:
أحدهما: تثبت لدفع ضرر القسمة، وعلى هذا فلو كان الوقف على
غير معين، أخذه المتولي إن رأى المصلحة.
وأظهرهما: المنع؛ لأن الوقف لا يستحق بالشفعة، فينبغي أن
لا تستحق به الشفعة، ولنقص الملك فيه، فإنه لا ينفذ تصرفه فيه،
فلا يتسلط على الأخذ.
وإن قلنا: لا يفرز الملك عن الوقف، فإن منعنا من شفعة
ما لا ينقسم، فلا شفعة. وإن أثبتناه، فوجهان (1).
مسألة 717: لا يستحق الشريك بالمنفعة شفعة، فلو كان الشريك
لا ملك له في الرقبة بل كان يستحق المنافع إما موقتة بالإجارة، أو مؤبدة
بالوصية، لم يكن له الأخذ بالشفعة.
وكذا ليس للمتواجرين إذا آجر أحدهم أخذه بالشفعة.
وتثبت الشفعة للمكاتب وإن كان من سيده، فلو كان السيد والمكاتب
شريكين في الدار، فلكل منهما الشفعة على الآخر.
والمأذون له في التجارة إذا اشترى شقصا ثم باع الشريك نصيبه، كان
له الأخذ بالشفعة، إلا أن يمنعه السيد أو يعفو عن الشفعة، وله العفو وإن
كان مديونا معسرا وكان في الأخذ غبطة، كما أن له منعه من جميع
الاعتياضات في المستقبل.
ولو أراد السيد أخذه بنفسه، كان له ذلك؛ لأن أخذ العبد أخذ له في
الحقيقة.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 491.
216

وللشفيع الأخذ بنفسه وبوكيله، فلا تعتبر الشركة في مباشر الأخذ،
بل فيمن له الأخذ.
البحث الثالث: في المأخوذ منه.
مسألة 718: إنما تؤخذ الشفعة من المشتري الذي تجدد ملكه بعد
ملك الآخذ، فلو اشترى اثنان دفعة واحدة، لم يكن لأحدهما على الآخر
شفعة؛ لعدم الأولوية وعدم إمكان الشركة (1).
وهل يشترط لزوم البيع؟ [فيه] نظر أقربه: عدم الاشتراط، فلو باع
الشقص بخيار لهما أو للبائع، تثبت (2) الشفعة، ولا يسقط خيار البائع.
وقال الشافعي: يشترط اللزوم من طرف البائع، فلا تثبت مع بقاء مدة
الخيار له.
أما على قول: إن الملك لا ينتقل إلى المشتري في مدة الخيار:
فظاهر.
وأما على قول الانتقال: فلأن في أخذه إبطال خيار البائع، ولا سبيل
للشفيع إلى الإضرار بالبائع وإبطال حقه (3).
وعن بعض الشافعية احتمال ثبوت الشفعة (4).
وعلى ما قلناه لا يتأتى المنع؛ لأنا لا نسقط حق البائع من الخيار، بل
يأخذ الشفيع على حد أخذ المشتري.

(1) أي: الشركة في الشفعة.
(2) في " س ": " ثبتت ".
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 492، روضة الطالبين 4: 160 - 161.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 493، روضة الطالبين 4: 161.
217

وأما إن كان الخيار للمشتري وحده، يبنى عندهم على الأقوال في
انتقال الملك، فإن قلنا: إن الملك لا ينتقل إلا بانقطاع الخيار، أو قلنا: هو
مراعى، تثبت الشفعة؛ لعدم العلم بانتقال الملك إلى المشتري، فيستحق
فيه الشفعة عليه.
وإن قلنا: إنه ينتقل بنفس العقد، نقل المزني عن الشافعي أنها تثبت
- وهو مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة - لأنه قد انتقل الملك إلى المشتري،
ولا حق فيه إلا له، والشفيع مسلط عليه بعد لزوم الملك واستقراره، فقبله
أولى، وإنما ثبت له خيار الفسخ، وذلك لا يمنع من الأخذ بالشفعة، كما لو
وجد به عيبا يثبت (1) له الخيار، وكان للشفيع أخذه.
ونقل الربيع عن الشافعي أيضا أنه لا شفعة - وبه قال مالك وأحمد -
لأن المشتري لم يرض بالتزام العقد، وفي أخذ الشفيع الشقص التزام له
وإيجاب للعهدة عليه، فلم يكن له ذلك، كما لو كان الخيار للبائع، بخلاف
الرد بالعيب؛ لأنه إنما يثبت (2) له الرد لأجل الظلامة، وذلك يزول بأخذ
الشفيع.
ونقل الجويني في المسألة طريقين:
إحداهما: ثبوت القولين هكذا، لكن كلاهما مخرج (3) من أن
المشتري إذا اطلع على عيب بالشقص وأراد رده وأراد الشفيع أخذه
بالشفعة، فعلى قول للشفيع قطع خيار المشتري في الصورتين. وعلى قول
لا يمكن منه.

(1) في " س، ي ": " ثبت ".
(2) في " س ": " ثبت ".
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " مخرجان ". والظاهر ما أثبتناه.
218

والثاني: القطع بأنه لا يأخذه إلى أن يلزم العقد. والفرق بين الرد
بالعيب وبينه أن الأخذ بالشفعة يفتقر إلى استقرار العقد وتمامه (1).
ونقل بعض الشافعية فيما إذا قلنا: إنه بعد للبائع أو موقوف وجها أن
للشفيع أخذ الشقص؛ لانقطاع سلطنة البائع بلزوم العقد من جهته (2).
والأصح عندهم: المنع؛ لأن ملك البائع غير زائل على تقدير أن
الملك للبائع [و] (3) غير معلوم الزوال على تقدير الوقف. وعلى الأول إذا
أخذه الشفيع تبينا أن المشتري ملك قبل أخذه، وانقطع الخيار (4).
مسألة 719: لو باع أحد الشريكين حصته بشرط الخيار ثم باع الثاني
نصيبه بغير خيار في زمن خيار الأول وقلنا: إن الشفعة لا تثبت مع الخيار
- كما هو مذهب الشافعي (5) - فلا شفعة في المبيع أولا للبائع الثاني، سواء
علم به أولا؛ لزوال ملكه، ولا للمشتري منه وإن تقدم ملكه على ملك
المشتري الأول إذا قلنا: إنه لا يملك في زمن الخيار؛ لأن سبب الشفعة
البيع، وهو سابق على ملكه.
وأما الشفعة في المبيع ثانيا فموقوفة إن توقفنا في الملك على الإجازة
أو الفسخ، وللبائع الأول إن أبقينا الملك له، وللمشتري منه إن أثبتنا الملك
له.
ولو فسخ البيع قبل العلم بالشفعة، بطلت شفعته إن قلنا: إن خيار
الفسخ يرفع العقد من أصله. وإن قلنا: يرفعه من حين وقوع الفسخ، فهو

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 493، المغني 5: 471، الشرح الكبير 5: 534.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 493.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 493.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 493، روضة الطالبين 4: 160.
219

كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة. وإن أخذه بالشفعة ثم فسخ البيع،
فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار.
مسألة 720: إذا اشترى شقصا فوجد به عيبا، فإن كان المشتري
والشفيع معا عالمين به، لم يكن للشفيع رده لو أخذه من المشتري،
ولم يكن للمشتري رده لو لم يكن الشفيع أخذه، بل يثبت (1) للمشتري
الأرش.
ولو لم يعلما معا بالعيب، كان للشفيع رده على المشتري، وللمشتري
رده على البائع.
وإن علم به المشتري خاصة دون الشفيع، كان للشفيع رده بالعيب
على المشتري، ولم يكن للمشتري رده على البائع.
وإن كان الشفيع عالما به دون المشتري، لم يكن للشفيع رده على
المشتري، ويثبت للمشتري الأرش.
وقال بعض الشافعية: إنه استدرك ظلامته، فلم يكن له الرجوع
بالأرش (2).
وقال بعضهم: إنه لم ييأس من الرد (3).
فإن رجع إلى المشتري ببيع أو إرث أو غير ذلك، فهل له رده؟ مبني
على التعليلين، إن قلنا: إنه لا يرجع؛ لأنه استدرك ظلامته، لم يكن له رده.
وإن قلنا بالآخر، فله رده.

(1) في " س، ي ": " ثبت ".
(2 و 3) لم نعثر عليه في مظانه.
220

وإذا لم يكن المشتري عالما بالعيب وأراد (1) رده وأراد الشفيع أخذه
ورضي بكونه معيبا، فللشافعي قولان:
أحدهما: أن الشفيع أولى بالإجابة؛ لأنه حق سابق على حق
المشتري، فإنه ثابت بالبيع. ولأن الغرض للمشتري استدراك الظلامة
والوصول إلى الثمن، وهذا الغرض يحصل بأخذ الشفيع، ولأنا لو قدمنا
المشتري، بطل حق الشفيع بالكلية، ولو قدمنا الشفيع، حصل للمشتري
مثل الثمن أو قيمته.
وهذا أقوى عندي وهو قول أكثرهم.
والثاني: أن المشتري أولى؛ لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد
وسلم عن الرد. ولأنه قد يريد استرداد عين ماله ودفع عهدة الشقص
عنه (2).
مسألة 721: لو رده المشتري بالعيب قبل علم الشفيع ومطالبته ثم علم
وجاء يطلب الشفعة، فإن قلنا: إن المشتري أولى عند اجتماعهما - كما هو
أحد قولي الشافعي (3) - فلا يجاب الشفيع.
وإن قلنا: الشفيع أولى، فللشافعي وجهان:
أظهرهما: أنه يجاب ويفسخ الرد، أو نقول: تبينا أن الرد كان باطلا.
وهو الأقوى عندي.
والثاني: لا يجاب؛ لتقدم الرد (4).
وهذا الخلاف في أن الشفيع أولى أو المشتري جار فيما إذا اشترى

(1) في " س، ي ": " فأراد ".
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 5: 494، روضة الطالبين 4: 161.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 494، روضة الطالبين 4: 161 - 162.
221

شقصا بعبد ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص، وأراد
الشفيع أخذه بالشفعة، وسيأتي (1)، وفيما إذا اشترى شقصا بعبد وقبض
الشقص قبل تسليم العبد، فتلف العبد في يده، تبطل شفعة الشفيع في
وجه، ويتمكن من الأخذ في الثاني (2)، كما لو تلف بعد أخذ الشفيع، فإن
الشفعة لا تبطل، بل على الشفيع قيمة العبد للمشتري، وعلى المشتري قيمة
الشقص للبائع.
ولو كان الثمن معينا وتلف قبل القبض، بطل البيع والشفعة.
مسألة 722: لا تثبت الشفعة في عقد غير البيع، سواء كان عقد
معاوضة كالهبة المعوض عنها، والإجارة والنكاح وغيرها من جميع العقود
عند علمائنا أجمع، فلو تزوج امرأة وأصدقها شقصا، لم تثبت الشفعة عند
علمائنا - وبه قال أبو حنيفة (3) - للأصل الدال على أصالة عصمة مال الغير،
وأنه لا يحل أخذه منه إلا عن طيبة نفس، خرج ما اتفقنا على إثبات الشفعة
فيه؛ للنصوص، فيبقى الباقي على أصله.
وما رواه - في الصحيح (4) - أبو بصير عن الباقر (عليه السلام)، قال: سألته عن
رجل تزوج امرأة على بيت في دار له وله في تلك الدار شركاء، قال: " جائز
له ولها، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها " (5).

(1) في ص 277، المسألة 754.
(2) أي: في الوجه الثاني.
(3) بدائع الصنائع 5: 10 - 11، مختصر اختلاف العلماء 4: 244 / 1954، الحاوي
الكبير 7: 249، بداية المجتهد 2: 259، العزيز شرح الوجيز 5: 497، المغني
5: 469، الشرح الكبير 5: 464 - 465.
(4) جملة " في الصحيح " لم ترد في " س، ي ".
(5) الفقيه 3: 47 / 165، التهذيب 7: 167 / 742.
222

وقول الصادق (عليه السلام): " الشفعة في البيوع " (1).
ولأن البضع ليس بمال، وإذا ملك الشقص بغير مال، لا تثبت فيه
الشفعة، كالهبة.
وقال الشافعي ومالك: تثبت الشفعة (2). ثم اختلفا، فقال الشافعي:
يأخذه الشفيع بمهر مثل الزوجة (3).
وقال مالك: بقيمة الشقص؛ لأنه عقد معاوضة، فجاز أن تثبت
الشفعة في الأرض المملوكة به، كالبيع (4) (5).
ويمنع صلاحية عقد المعاوضة للعلية، بل العلة عقد خاص، وهو
البيع.
قال مالك: ولو أوجبنا مهر المثل، لقومنا البضع على الأجانب،
ولأضررنا (6) بالشفيع؛ لأنه قد يتفاوت مهر المثل مع المسمى؛ لأن المهر قد
يسامح فيه في العادة، بخلاف البيع (7) (8).

(1) الكافي 5: 281 / 5، التهذيب 7: 164 / 728.
(2) حلية العلماء 5: 384، الحاوي الكبير 7: 249، العزيز شرح الوجيز 5: 497،
روضة الطالبين 4: 162، المنتقى - للباجي - 6: 207، المغني 5: 469، الشرح
الكبير 5: 465.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 386، الحاوي الكبير 7: 250، مختصر اختلاف
العلماء 4: 244 / 1954، المغني 5: 469، المنتقى - للباجي - 6: 208.
(4) في الطبعة الحجرية: " كالمبيع ".
(5) المنتقى - للباجي - 6: 208، الحاوي الكبير 7: 250، مختصر اختلاف العلماء
4: 244 / 1954.
(6) في " س، ي " والطبعة الحجرية بدل " لأضررنا ": " لاضربنا ". والصحيح ما أثبتناه
من المصدر.
(7) في " س، ي " والطبعة الحجرية بدل " البيع ": " البضع ". وما أثبتناه من المصدر.
(8) أنظر: المغني 5: 469، والشرح الكبير 5: 465.
223

قالت الشافعية: إن المرأة ملكت الشقص القابل للشفعة ببدل ليس له
مثل، فوجب الرجوع إلى قيمته في الأخذ بالشفعة، كما لو باع سلعة لا مثل
لها (1).
ولا يمتنع تقويم البضع على الأجنبي بسبب، كما نقومه (2) على
المرضعة وشاهدي الطلاق إذا رجعا. والمسامحة لا اعتبار بها، والظاهر أن
العوض يكون عوض المثل.
مسألة 723: إذا أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول، فلا شفعة
عندنا.
وقال الشافعي: تثبت الشفعة (3).
فعلى قوله لا يخلو إما أن يكون قد طلقها بعد ما أخذ الشفيع الشقص
أو بعد عفوه قبل علمه.
فإن طلقها بعد ما أخذ، رجع الزوج إلى قيمة الصداق؛ لزوال ملكها
عن الصداق، كما لو باعته ثم طلقها، ويكون له قيمة نصف الصداق أقل
ما كان من حين العقد إلى حين القبض.
وإن طلقها بعد عفو الشفيع، رجع في نصف الشقص؛ لأن حق
الشفيع قد سقط، والشقص في يدها نصفه، وتعلق حق الشفيع قبل سقوطه
لا يمنع من الرجوع بعد سقوطه، ألا ترى أنه لو باعته ثم اشترته ثم طلقها
الزوج، فإنه يرجع في نصفه.

(1) أنظر: المغني 5: 469.
(2) في " ي ": " يقوم " بدل " نقومه ".
(3) مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 7: 251، العزيز شرح الوجيز 5: 494،
روضة الطالبين 4: 162.
224

وإن طلقها قبل أن يعلم الشفيع ثم علم وجاء يريد أخذه بالشفعة، فله
أخذ نصفه.
وأما النصف الآخر فهل الزوج أولى به أو الشفيع؟ وجهان للشافعية:
أحدهما: أن الشفيع أولى؛ لأن حقه أسبق، فإن حق الزوج ثبت
بالطلاق.
والثاني: الزوج أولى؛ لأن حقه ثبت بالنص.
والأول أصح عندهم؛ لأن حق الشفعة في الجملة ثبت أيضا
بالإجماع، كما أن حق الزوج ثبت بالنص في الجملة (1).
وهذا عندنا ساقط؛ إذ لا شفعة هنا.
مسألة 724: لو اشترى شقصا وأفلس بالثمن وأراد البائع الرجوع في
الشقص وطلبه الشفيع، فالأقوى عندي: تقديم حق الشفيع، ويؤخذ منه
الثمن ويدفع إلى البائع؛ لأن حقه ثبت بالعقد، وحق البائع ثبت بالإفلاس،
والعقد أسبق، وأسبق الحقين أولى بالرعاية. ولأن منع الشفيع يقتضي إبطال
حقه بالكلية، وإذا قدمناه، لا يبطل حق البائع، بل ينتقل إلى البدل. ولأن
حق الشفيع أقوى من حق البائع، فإن الشفيع يبطل تصرف المشتري ويأخذ
الشقص، والبائع لا يبطل تصرف المشتري عند إفلاسه، وهذا وجه
للشافعي (2).
وله وجهان آخران:
أحدهما: تقديم حق البائع؛ لاستناد حقه إلى ملك سابق. ولأن البائع

(1) الحاوي الكبير 7: 252، العزيز شرح الوجيز 5: 495، روضة الطالبين 4:
162.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 495، روضة الطالبين 4: 162.
225

لم يرض بزوال الشقص إلا على أن يسلم له الثمن، فإذا لم يسلم، وجب
أن لا يؤخذ منه.
والآخر: الشفيع أولى، ويكون الثمن أسوة الغرماء؛ لأن حق البائع إذا
انتقل عن العين إلى الذمة، التحق بسائر الغرماء.
وقيل: يقدم البائع بالثمن رعاية للجانبين.
والثالث (1): إن كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشتري، لم يكن
أولى بالثمن؛ لرضاه بذمة المشتري. وإن لم يسلمه، فهو أولى بالثمن (2).
وهذا الخلاف بين الشافعية ثابت في الزوج إذا طلق قبل الدخول أو
ارتد والمهر الشقص (3).
وقال بعض الشافعية: إن الشفيع أولى من الزوج، والبائع أولى من
الشفيع في الإفلاس؛ لأن الثابت للزوج بالطلاق الملك، والشفيع يثبت له
ولاية التملك، لكن الشفيع أسبق حقا، فهو أولى بالتقديم (4).
هذا إن اجتمع الشفيع مع الزوج أو البائع، أما لو أخذ الشفيع الشقص
من يد الزوجة ثم طلق الزوج، أو من يد المشتري ثم أفلس، فلا رجوع
للزوج وللبائع بحال، لكن البائع يرجع إلى الثمن، والزوج إلى القيمة في
مالها، كما لو زال الملك ببيع وشبهه.
ولو طلقها قبل علم الشفيع وأخذ النصف، فلا شفعة عندنا.
وقال الشافعي: إذا جاء الشفيع، ففي استرداده ما أخذ الزوج وجهان،

(1) أي الوجه الثالث للشافعية أيضا.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 5: 495، روضة الطالبين 4: 162.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 495.
226

كما إذا جاء بعد الرد بالعيب (1).
وحكى الجويني طريقة قاطعة بالمنع؛ لأن المهر يشطر بالطلاق من
غير اختيار، فيبعد نقضه. فإن قلنا: يسترده، أخذه وما بقي في يدها، وإلا
أخذ ما في يدها، ودفع إليها نصف مهر المثل (2).
ولو كان للشقص الممهور شفيعان وطلبا وأخذ أحدهما نصفه وطلقها
قبل أن يأخذ الآخر، لم يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع.
وهل هو أولى في النصف الآخر أم الشفيع؟ فيه ما سبق من
الخلاف.
ويجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري ثم أفلس، فإن
قلنا: الشفيع أولى، ضارب البائع مع الغرماء بالثمن.
وإن قلنا: البائع أولى، فإن شاء أخذ النصف الثاني وضارب مع
الغرماء بنصف الثمن، وإلا تركه وضارب بجميع الثمن.
مسألة 725: قد بينا أن الشفعة إنما تثبت بالبيع خاصة.
وقال الشافعي: تثبت بكل عقد معاوضة (3).
ووافقنا (4) على ما إذا ملك من غير معاوضة، فلا شفعة عليه، كالإرث
والهبة والوصية.
أما الإرث: فلأن الوارث يملك بغير اختياره، بخلاف المشتري
المالك باختياره، فإنه بدخوله على الشريك سلط الشريك عليه دفعا
للتضرر به، وقد كان من حقه أن لا يدخل عليه.

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 496، روضة الطالبين 4: 163.
(3 و 4) حلية العلماء 5: 270، العزيز شرح الوجيز 5: 496، روضة الطالبين 4:
163.
227

وأما الهبة والوصية: فلأن المتهب والموصى له تقلدا المنة من الواهب
والموصي حيث قبلا تبرعهما، ولو أخذ الشفيع، لأخذ عن استحقاق
وتسلط، فلا يكون متقلدا للمنة، ووضع الشفعة على أن يأخذ الشفيع بما
أخذ به المتملك.
أما لو شرط في الهبة الثواب أو قلنا: إنها تقتضي الثواب مع الإطلاق،
فلا شفعة فيها أيضا عندنا.
وقال الشافعي: إن كان العوض معلوما، صحت الهبة، وكانت بيعا،
وتثبت فيه الشفعة، سواء تقابضا أو لم يتقابضا - وبه قال زفر - لأنه ملك
بعوض، فلم يفتقر إلى التقابض، كالبيع (1).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تثبت حتى يتقابضا؛ لأن الهبة لا تلزم إلا
بالقبض، فهو بمنزلة بيع الخيار (2).
وأجاب الشافعية بأنه لا يصح ما قالوه من اعتبار لفظ الهبة؛ لأن
العوض يصرفها عن مقتضاها، وتصير عبارة عن البيع، وخاصة عندهم
ينعقد بها النكاح، ولا يفتقر النكاح إلى القبض (3).
فأما إذا كانت بغير شرط العوض، فكذلك مبني على القولين في
اقتضائها الثواب.
وكل موضع قلنا: تقتضي الثواب تثبت الشفعة فيها بمثل الثواب إن
كان مثليا، وإلا القيمة. وكل موضع قلنا: لا تقتضيه، لم تثبت الشفعة ولو

(1) المغني 5: 468، الشرح الكبير 5: 464، مختصر اختلاف العلماء 4:
245 / 1958، بدائع الصنائع 5: 11.
(2) بدائع الصنائع 5: 11، مختصر اختلاف العلماء 4: 245 / 1958، المغني 5:
468، الشرح الكبير 5: 464.
(3) أنظر: المغني 5: 468 - 469، والشرح الكبير 5: 464.
228

أثابه الموهوب له.
وقال ابن أبي ليلى: تثبت الشفعة فيها بقيمة الشقص - وهو إحدى
الروايتين عن مالك - لأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر بالاشتراك، وذلك
موجود في الهبة (1).
قالت الشافعية: إنه يملكها بغير بدل، فأشبه الميراث (2). وأما الضرر
فلا يزال بضرر، وفي أخذ الهبة ضرر؛ لأنه لا عوض فيها، وإذا أخذها بغير
عوض، أبطل غرض (3) الواهب والمتهب معا.
وعن الشافعي قول آخر: إنه إذا شرط الثواب، أو قلنا: إنها تقتضيه،
لا يؤخذ - كمذهبنا - لأنه ليس المقصود منه المعاوضة.
وعلى قول الأخذ ففي أخذه قبل قبض الموهوب وجهان:
أظهرهما: الأخذ؛ لأنه صار بيعا.
والثاني: لا؛ لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض، وهذا هو الخلاف في أن
الاعتبار باللفظ أم بالمعنى؟ (4)
مسألة 726: لو كان بين اثنين دار، فادعى أجنبي ما في يد أحدهما،
فصالحه المتشبث عليه، فلا شفعة عندنا؛ لأنها تتبع البيع، والصلح عقد
مستقل بنفسه مغاير للبيع.
وقال الشافعي: إن صالحه بعد إقراره له به، صح الصلح، وتثبت

(1) المغني 5: 468، الشرح الكبير 5: 463.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 384، وانظر: المغني 5: 468، والشرح الكبير 5:
463.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " عوض " بدل " غرض ". والظاهر ما أثبتناه.
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 344، العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4:
163.
229

الشفعة للشريك؛ لأن الصلح عنده بيع. وإن (1) أنكره وصالح، لم يصح
الصلح عنده بناء على مذهبه من أن الصلح لا يصح عن الإنكار (2).
وكذا لو ادعى رجل على أحد الشريكين في الدار ألفا، فصالحه منها
على نصف الدار الذي له، فلا شفعة عندنا.
وقال الشافعي: إن كان مع الإقرار بالألف، صح الصلح، وكان للشفيع
أخذه بالألف. وإن كان الصلح مع الإنكار، لم يصح الصلح، ولم تجب
الشفعة (3).
مسألة 727: لو اشترى شقصا فعفا الشريك عن الشفعة ثم تقايلا،
لم تثبت الشفعة بالإقالة عندنا على ما تقدم (4) من أن الشفعة تتبع البيع، وأن
الإقالة ليست بيعا.
وقال الشافعي: إن قلنا: إن الإقالة فسخ لا بيع، فلا شفعة، كما
لا يأخذ بالرد بالعيب؛ لأن الفسوخ وإن اشتملت على تراد العوضين
فلا تعطى أحكام المعاوضات، ألا ترى أنه يتعين فيها العوض الأول. وإن
قلنا: إنها بيع، فله الشفعة وأخذه من البائع (5).
وقال أبو حنيفة: تثبت الشفعة بالإقالة، وبالرد بالعيب بالتراضي (6)؛
لأنه نقل الملك بالتراضي، فأشبه البيع (7).

(1) في الطبعة الحجرية: " فإن " بدل " وإن ".
(2) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 449 - 450، المسألة 30.
(3) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 450، المسألة 31.
(4) في ص 222، المسألة 722، وفي ص 117، المسألة 627.
(5) حلية العلماء 5: 295، العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 163.
(6) في " س " والطبعة الحجرية: " وبالتراضي ".
(7) حلية العلماء 5: 295، العزيز شرح الوجيز 5: 498، المغني 5: 470، الشرح
الكبير 5: 465.
230

ولو تقايلا قبل علم الشريك بالبيع، كان له الأخذ بالشفعة وفسخ
الإقالة؛ لسبق حقه على الإقالة.
وقال الشافعي: إن قلنا: إن الإقالة بيع، فالشفيع بالخيار [بين] (1) أن
يأخذ بها وبين أن يبطلها حتى يعود الشقص إلى المشتري، فيأخذ منه. وإن
جعلناها فسخا، فهو كطلب الشفعة بعد الرد بالعيب (2).
أما لو باع المشتري، فللشريك هنا الخيار بين الأخذ من الأول وفسخ
البيع الثاني، وبين الأخذ من الثاني.
مسألة 728: لو جعل الشقص أجرة في إجارة، أو جعلا في جعالة، أو
أصدقها شقصا أو متعها به أو خالعها على شقص، أو صالح عليه عن (3) مال
أو دم أو جراحة عن إقرار أو (4) إنكار أو جعله المكاتب عوض نجومه،
لم تثبت الشفعة في شيء من ذلك عندنا، بل إنما تثبت الشفعة في الشراء
لا غير، وبه قال أبو حنيفة، وهو رواية عن أحمد (5)، وقد تقدم (6) بيانه.
ولو أقرضه شقصا، صح القرض، وبه قال الشافعي (7).
وليس للشفيع أخذه بالشفعة عندنا.
وقال الشافعي: له الأخذ (8).

(1) ما بين المعقوفين من المصدر.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 163.
(3) في الطبعة الحجرية: " من " بدل " عن ".
(4) في " س، ي ": " و " بدل " أو ".
(5) بدائع الصنائع 5: 10 - 11، مختصر اختلاف العلماء 4: 244 / 1954، حلية
العلماء 5: 270، التهذيب - للبغوي - 4: 343، العزيز شرح الوجيز 5: 497،
بداية المجتهد 2: 259، المغني 5: 469، الشرح الكبير 5: 464 - 465.
(6) في ص 222، المسألة 722.
(7) العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 163 - 164.
(8) العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 164.
231

والجعالة لا تثبت بها الشفعة، كما قلنا.
وعند الشافعي تثبت بعد العمل؛ لأن الملك حينئذ يحصل للعامل (1).
أما لو اشترى بالشقص شيئا أو جعله رأس مال السلم، فالأقرب:
ثبوت الشفعة؛ لصدق البائع على المشتري.
ولو بذل المكاتب شقصا عوضا عن بعض النجوم ثم عجز ورق،
فلا شفعة عندنا.
وأما عند الشافعي ففي بطلان الشفعة وجهان ينظر في أحدهما إلى أنه
كان عوضا أولا، وفي الثاني إلى خروجه أخيرا عن العوضية، وهذا أظهر
عندهم (2).
ويشبه هذا الخلاف خلافهم فيما إذا كان الثمن عينا وتلف قبل
القبض (3).
ولو قال لمستولدته: إن خدمت أولادي شهرا، فلك هذا الشقص،
فخدمتهم، استحقت الشقص عند الشافعي. وفي ثبوت الشفعة وجهان:
أحدهما: تثبت؛ لأنها ملكته بالخدمة، فكان كالمملوك بالإجارة
وسائر المعاوضات.
وأظهرهما: المنع؛ لأنه وصية معتبرة من الثلث كسائر الوصايا، وذكر
الخدمة شرط داخل على الوصية (4).
مسألة 729: لولي الصبي والمجنون أن يأخذ لهما بالشفعة ما بيع في
شركتهما مع الغبطة لهما، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 164.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 497.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 498، روضة الطالبين 4: 164.
232

وأبو حنيفة (1) - لأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال، فملكه الولي في
حق الصبي والمجنون، كخيار الرد بالعيب. وللعمومات الدالة على ثبوت
الشفعة للشريك، فيدخلان فيه، وكل حق هو لهما فإنما يتولاه الولي.
ولما رواه الخاصة عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
وصي اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة إذا كان [له] (2) رغبة فيه " (3).
وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة فيه؛ لأن الولي لا يثبت له الأخذ
بالشفعة، لأنه لا يملك العفو، ومن لا يملك العفو لا يملك الأخذ،
ولا يمكن الانتظار بها؛ لأن في ذلك إضرارا بالمشتري، فبطلت (4).
وقال الأوزاعي: تثبت الشفعة، وليس للولي أن يأخذ بها، ويتأخر
ذلك إلى زوال الحجر عن مستحقها؛ لأن خيار القصاص ثبت للصبي
ولا يستوفيه الولي، كذلك الشفعة (5).
والجواب: لا نسلم أنه ليس له العفو، بل له ذلك مع المصلحة.
سلمنا، لكن العفو إسقاط حقه، والأخذ استيفاء حقه، وهذا فرق،
كما يملك قبض حقوقه ولا يملك إسقاط شيء منها.
وخيار القصاص ثابت للولي مع المصلحة.
سلمنا، لكن القصد التشفي، وذلك لا تدخله النيابة، والغرض

(1) الحاوي الكبير 7: 276، المهذب - للشيرازي - 1: 336، الوسيط 4: 377، التهذيب
- للبغوي - 4: 369، العزيز شرح الوجيز 5: 81، روضة الطالبين 3: 424، بدائع
الصنائع 5: 16، مختصر اختلاف العلماء 4: 244 / 1955، فتاوى قاضيخان (بهامش
الفتاوى الهندية) 3: 536، المغني 5: 496، الشرح الكبير 5: 486 - 487.
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) الكافي 5: 281 / 6، التهذيب 7: 166 / 737.
(4) الحاوي الكبير 7: 276، مختصر اختلاف العلماء 4: 244 / 1955، المغني 5:
495، الشرح الكبير 5: 485.
(5) المغني 5: 495 و 496، الشرح الكبير 5: 487.
233

بالشفعة إزالة الضرر عن المال، وهو مما تدخله (1) النيابة.
مسألة 730: إنما يأخذ الولي لهما إذا كان الأخذ مصلحة بأن يكون قد
بيع بأقل من ثمن مثله، أو تزيد قيمة الملك بأخذه، أو يكون له مال يحتاج
أن يشترى به العقار، فيأخذه بثمن المثل.
وإن كان الحظ في الأخذ فترك، لم يصح الترك، ولم تسقط الشفعة،
وكان للصبي والمجنون بعد الكمال أخذ الشقص - وبه قال محمد وزفر (2) -
لأنه إسقاط حق للمولى عليه، لا حظ له في إسقاطه، فلم يسقط، كالإبراء
وإسقاط خيار الرد بالعيب.
وقال أبو حنيفة: إذا عفا، سقطت؛ لأن من ملك الأخذ ملك العفو،
كالمالك (3).
والفرق: أن المالك يملك الإبراء والتبرع، بخلاف الولي، فبطل
القياس.
وإن كان الحظ في الترك - بأن يكون قد اشترى بأكثر من ثمن المثل
أو لم يكن للصبي مال يشتري به فاستقرض له ورهن ماله وأخذ الشقص -
لم يصح أخذه، فإن أخذه، لم يصح، ولم يملكه الصبي بهذا الأخذ، بل
يكون باقيا على ملك المشتري، ولا يقع للولي.
وكذا لو اشترى بأكثر من ثمن المثل، لم يصح، ولا يقع له إن سمى
الشراء للطفل. ولو أطلق، وقع له، بخلاف الأخذ بالشفعة؛ لأن الشفعة
تؤخذ بحق الشركة، وذلك مختص بالصبي، ولهذا لو أراد الولي الأخذ
لنفسه، لم يصح، بخلاف الشراء.

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " يدخل " بدل " تدخله ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) المغني 5: 495، الشرح الكبير 5: 486.
(3) المغني 5: 496، الشرح الكبير 5: 486.
234

وفي النكاح لو تزوج لغيره بغير إذنه، لم يقع للعاقد؛ لأنه يفتقر إلى
ذكر الزوجين، بخلاف البيع؛ لأن عقد النكاح اختص بالمعقود له، والشراء
لا يحتاج إلى ذكر المشترى له.
مسألة 731: العفو كالترك ليس للولي العفو عن الشفعة مع الحظ
بالأخذ ولا تركها كما بينا.
ولو كان الحظ في الترك فترك، سقطت الشفعة، وإذا زال الحجر عن
المحجور عليه، لم يكن له المطالبة بها - وبه قال الشافعي (1) - لأن الولي
يتبع الحظ والمصلحة للمولى عليه، فله الأخذ إذا كان فيه حظ، فإذا كان
الحظ في العفو، وجب أن يصح، كما يصح الأخذ، ولهذا يصح من الولي
الرد بالعيب، وإذا بلغ، لم يكن له الاعتراض، كذا هنا.
وقال بعض (2) الشافعية: ليس للولي أن يعفو، وإنما يترك الأخذ إذا
لم يكن حظا، فإذا زال الحجر، كان المحجور عليه بالخيار. وجعله قولا
ثانيا للشافعي - وبه قال زفر ومحمد بن الحسن الشيباني (3) - لأن المستحق
للشفعة له أخذها، سواء كان له فيها حظ أو لم يكن، وإنما يعتبر الحظ في
حق المولى [عليه] (4)، وإذا زال عنه الحجر، كان له الأخذ.
مسألة 732: لو باع الوصي أو الولي شقصا للطفل وطفل آخر - هو
وليه أيضا - شريك، كان له الأخذ بالشفعة للآخر؛ لأن الأول قد يحتاج إلى
البيع، والثاني إلى الأخذ.
ولو كان الولي هو الشريك، فالأقرب: أن له الأخذ؛ لأنه حق ثبت له
على المشتري بعد تمام العقد وانقطاع ملك الطفل، وهو أحد وجهي

(1 و 2) حلية العلماء 5: 313.
(3) أنظر: بدائع الصنائع 5: 16، وحلية العلماء 5: 312.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
235

الشافعية. والثاني - وهو الأصح عندهم -: أنه ليس له أخذه بالشفعة؛ لأنه لو
مكن منه، لم يؤمن أن يترك النظر والاستقصاء للصبي، ويسامح في البيع
ليأخذ بالشفعة بالثمن البخس، كما أنه لا يمكن من بيع ماله من نفسه (1).
ولو رفع ذلك إلى الحاكم فباعه، أخذه الوصي؛ لزوال التهمة.
ولو كان البائع الأب أو الجد له، جاز له الأخذ - وبه قال الشافعي (2) -
لأنه يجوز أن يبيع من نفسه. ولأن ولايتهما أقوى، وكذا شفقتهما.
ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار، فله الأخذ بالشفعة؛
لثبوت السبب السالم عن معارضة التهمة؛ إذ لا يزيد في الثمن ليأخذ به،
وهو أحد قولي الشافعي.
وفي الثاني: أنه ليس له الأخذ؛ لأنه يلزم الصبي العهدة ولا منفعة له
فيه (3).
وليس بجيد؛ لأن له أن يشتري للصبي وأن يشتري منه.
ولو وكل الشريك شريكه في البيع فباع، فله الأخذ بالشفعة - وهو
أحد قولي الشافعية، وقال بعضهم: إنه قول الأكثر (4) - لأن الموكل ناظر
لنفسه، يعترض ويستدرك إن وقف على تقصير الوكيل، والصبي عاجز عن
ذلك، فيصان حقه عن الضياع.
وقال بعضهم: ليس له الأخذ؛ للتهمة (5).
ولو وكل إنسان أحد الشريكين ليشتري الشقص من الآخر، فاشتراه،
فله الأخذ.
وهنا إشكال، وهو إن رضي الشريك بالبيع، تبطل شفعته، وفي هذه
الصور كيف تتحقق الشفعة مع قصد البيع ورضاه حيث كان وكيلا
باختياره!؟

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 5: 499، روضة الطالبين 4: 164.
236

وقال أبو حنيفة: في الوكيل والوصي معا تثبت الشفعة في الشراء،
ولا تثبت في البيع (1).
ولو وكل الشريك شريكه ببيع نصف نصيبه، أو أذن له في بيع نصيبه
أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل إن شاء، فباع نصف نصيب الموكل مع
نصف نصيبه صفقة واحدة، فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة.
وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل؟ للشافعي (2) الوجهان السابقان.
مسألة 733: إنه سيأتي (3) الخلاف في أن الشفعة هل تثبت مع الكثرة
أم لا؟ فإن قلنا به لو كان ملك بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه من أحد
الآخرين، فالشفعة بين المشتري والشريك الآخر يشتركان في المبيع - وبه
قال أبو حنيفة ومالك والمزني والشافعي في أصح الوجهين (4) - لاستوائهما
في الشركة وسبب الشفعة، كما لو كان المشتري غيره.
وقال بعض الشافعية: إن الشريك الثالث منفرد بالشفعة، ولا حق فيه
للمشتري - وهو محكي عن الحسن البصري وعثمان البتي - لأن الشفعة
تستحق على المشتري، فلا يجوز أن يستحقها المشتري على نفسه (5).
وليس بصحيح؛ لأنا لا نقول: تجب له الشفعة، بل لا يستحق عليه

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 499.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 499، روضة الطالبين 4: 165.
(3) لم نعثر على الخلاف فيما يأتي من مسائل الشفعة، وقد تقدم في ص 201 -
202، المسألة 706.
(4) المغني 5: 525، الشرح الكبير 5: 495، المهذب - للشيرازي - 1: 388،
التهذيب - للبغوي - 4: 374، العزيز شرح الوجيز 5: 499 - 500، روضة
الطالبين 4: 165.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 388، التهذيب - للبغوي - 4: 374، العزيز شرح
الوجيز 5: 500، روضة الطالبين 4: 165، المغني 5: 525، الشرح الكبير 5:
495.
237

في نصف النصيب؛ لأنه أولى من الشريك الآخر، ولا بعد في استحقاق
الإنسان على نفسه لأجل تعلق حق الغرماء، كالعبد المرهون إذا جنى على
عبد آخر لسيده، فإنه يثبت للسيد على العبد أرش الجناية لأجل تعلق حق
الغير به، ولو لم يكن مرهونا، ما تعلق به، فعلى هذا يكون الثالث بالخيار
بين أن يترك جميع المبيع، أو يأخذ الجميع، وعلى الأول يتخير بين أن
يأخذ نصف المبيع أو يترك.
فإن قال المشتري: خذ الكل أو اترك الكل وقد تركت أنا حقي،
لم تلزمه الإجابة، ولم يصح إسقاط المشتري الشفعة؛ لأن ملكه مستقر على
النصف بالشراء، فأشبه ما إذا كان للشقص شفيعان: حاضر وغائب، فأخذ
الحاضر الجميع، ثم عاد الغائب، له أن يأخذ نصفه، وليس للحاضر أن
يقول: اترك الكل أو خذ الكل وأنا تركت حقي، ولا نظر إلى تبعض الصفقة
عليه، فإنه لزم من دخوله في هذا العقد.
وعن بعض الشافعية وجه: أنه إذا ترك فيه المشتري حقه، وجب
على الآخر أخذ الكل أو ترك الكل، كما إذا باع من أجنبي وله شفيعان،
فترك أحدهما حقه، يأخذ الآخر الكل أو يترك الكل، إلا أن هذا الترك
سابق على اختيار التملك هناك، وفيما نحن فيه اختيار (1) التملك بالشراء،
فلم يؤثر الإعراض بعده (2).
ولو كان بين اثنين دار فباع أحدهما نصف نصيبه من ثالث ثم باع
النصف الثاني من ذلك الثالث، فعلى أحد قولي الشافعية حكمه حكم ما لو

(1) في الطبعة الحجرية: " اختار ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 500، روضة الطالبين 4: 165.
238

باع النصف الثاني من أجنبي. وعلى الآخر: لا شفعة للمشتري، وللشفيع
الخيار بين أن يأخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين دون الآخر (1).
مسألة 734: تبرعات المريض عندنا من الثلث، فلو باع المريض
شقصا من دار وله شفيع، فإما أن يبيع بثمن المثل أو بدونه، فإن باع بثمن
المثل، لزم البيع، وثبتت فيه الشفعة، سواء كان المشتري والشفيع وارثين
أو أحدهما أو غير وارثين - وبه قال الشافعي (2) - لأن البيع بثمن المثل
لا اعتراض فيه، وإنما يعترض على المريض في التبرع، وبه قال أبو يوسف
ومحمد (3) أيضا.
وقال أبو حنيفة: لا يصح بيعه من وارثه؛ لأنه محجور عليه في حقه،
فصار كبيع الصبي (4).
وهو غلط؛ لأنه محجور عليه في التبرع في حقه، كما يحجر عليه في
حق الأجنبي في الثلث، ويصح أن يبيع منه بثمن مثله مطلقا، كذا هنا.
وإن باع بدون ثمن المثل، فلا يخلو إما أن يكون المشتري والشفيع
أجنبيين أو وارثين أو المشتري وارثا والشفيع أجنبيا أو بالعكس.
فإن كانا أجنبيين، فإن احتمل الثلث المحاباة، صح البيع، وأخذ
الشقص بالشفعة، ولا (5) إشكال؛ لأن المحاباة وقعت في البيع، فإذا وقع
البيع مسترخصا، لم يسقط حق الشفعة، ولم يجز أن يأخذه بأكثر من
الثمن.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 500، روضة الطالبين 4: 165.
(2 - 4) حلية العلماء 5: 280، المغني 5: 472، الشرح الكبير 5: 535.
(5) في " ي " والطبعة الحجرية: " فلا " بدل " ولا ".
239

وإن لم يحتمله، كما لو باع شقصا مستوعبا يساوي ألفين بألف، فإن
رده الورثة، بطل البيع في بعض المحاباة، وهو ما زاد على الثلث. وفي
صحة البيع في الباقي للشافعية طريقان:
أحدهما: التخريج على الخلاف في تفريق الصفقة.
والثاني: القطع بالصحة (1).
وهو مذهبنا، لكن المشتري بالخيار؛ لتبعض الصفقة عليه، فإن اختار
الشفيع أن يأخذه، لم يكن للمشتري الرد. وإن لم يرض الشفيع بالأخذ،
فللمشتري الخيار بين أخذ الباقي وبين الرد.
وعلى الصحة ففيما يصح البيع؟ للشافعية قولان:
أحدهما: أنه يصح في قدر الثلث والقدر الذي يوازي الثمن بجميع
الثمن.
والثاني: أنه لا يسقط من المبيع شيء إلا ويسقط ما يقابله من
الثمن (2).
وهذا الأخير هو الأقوى عندي، وقد تقدم (3) بيانه.
فإن قلنا بالأول، صح البيع - في الصورة المفروضة - في خمسة
أسداس الشقص بجميع الثمن. وإن قلنا بالثاني، دارت المسألة.
وطريقه أن نقول: صح البيع في شيء من الشقص بنصف شيء،
يبقى مع الورثة ألفان يعادل شيئا ونصفا والشيء من شيء ونصف ثلثاه،
فعلمنا صحة البيع في ثلثي الشقص، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون
وثلث بثلثي الثمن، وهو نصف هذا، فتكون المحاباة بستمائة وستة وستين

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 501، روضة الطالبين 4: 166.
(3) في ص 24، المسألة 560.
240

وثلثين، يبقي للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن وهما ألف وثلاثمائة وثلاثة
وثلاثون وثلث، وذلك ضعف المحاباة.
وعلى القولين (1) للمشتري الخيار حيث لم يسلم له جميع
المثمن (2). فإن اختار، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن
على الأول، وثلثيه بثلثي الثمن على الثاني.
ولو فسخ المشتري قبل طلب الشفيع، لم تبطل الشفعة عندنا.
وللشافعي قولان (3).
ولو أجاز الورثة، صح البيع في الجميع.
ثم إن قلنا: إن إجازتهم تنفيذ لما فعله المورث، أخذ الشفيع الكل
بكل الثمن. وإن قلنا: إنها ابتداء عطية منهم، لم يأخذ الشفيع القدر النافذ
بإجازتهم، وأخذ القدر المستثنى عن إجازتهم. وفيه القولان المذكوران عند
الرد.
وإن كانا وارثين أو كان المشتري وارثا، فهي محاباة للوارث، وهي
عندنا صحيحة، فالحكم فيه كما في الأجنبي.
أما الجمهور: فإنهم منعوا من المحاباة للوارث، فتكون المحاباة
مردودة (4).
ثم للشافعي قولان، فإن لم يفرق الصفقة، بطل البيع في الجميع. وإن
قال بالتفريق، فإن قال في القسم الأول على ما سبق من التصوير: إن البيع

(1) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " التفريق " بدل " القولين ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) في جميع النسخ الخطية والحجرية: " الثمن " بدل " المثمن ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 501، روضة الطالبين 4: 166.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 502، روضة الطالبين 4: 166، بدائع الصنائع 5: 14،
المغني 5: 472، الشرح الكبير 5: 535.
241

يصح في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن، فهنا في مثل تلك الصورة
يصح البيع في نصفه بجميع الثمن. وإن قلنا هناك: يصح في ثلثيه بثلثي
الثمن، فهنا يبطل البيع في الكل؛ لأن البيع لا يبطل في شيء إلا ويسقط
بقدره من الثمن، فما من جزء يصح فيه البيع إلا ويكون بعضه محاباة،
وهي مردودة.
وفيه كلامان:
أحدهما: أن المفهوم من هذا التوجيه شيوع المعاوضة والمحاباة في
جميع الشقص، وذلك لا يمنع تخصيص قدر المحاباة بالإبطال، كما أنه
لم يمنع في القسم الأول تخصيص ما وراء القدر المحتمل من المحاباة
بالإبطال.
والثاني: أن الوصية للوارث - عندهم (1) - موقوفة على إجازة باقي
الورثة على رأي، كما أن الوصية بما زاد على الثلث موقوفة على إجازة
الورثة على رأي، فلنفرق هنا أيضا بين الإجازة والرد، كما في الأول.
إذا عرفت هذا وقلنا بالأول، تخير المشتري بين أن يأخذ النصف
بكل وبين أن يفسخ؛ لأن الصفقة تفرقت عليه، ويكون للشفيع أن يأخذ
ذلك وإن كان وارثا؛ لأنه لا محاباة فيه.
وإن أراد المشتري الرد وأراد الشفيع الأخذ، كان حق الشفيع مقدما؛
لأنه لا ضرر على المشتري، وجرى مجرى المبيع المعيب إذا رضيه الشفيع
لم يكن للمشتري رده.
وإن كان الشفيع وارثا دون المشتري، فعندنا يصح البيع فيما يحتمل

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 502.
242

الثلث، ويكون للشفيع أخذه بالشفعة.
وقالت الشافعية: إن احتمل الثلث المحاباة أو لم يحتمل وصححنا
البيع في بعض المحاباة في القسم الأول ومكنا الشفيع من أخذه، ففيه
وجوه:
أ - أنه يصح البيع في الجميع، ولا يأخذه الوارث بالشفعة، وهو
مذهب أصحاب أبي حنيفة.
أما صحة البيع: فلأن المشتري أجنبي.
وأما بطلان الشفعة: فلأنها لو ثبتت، لكان المريض قد نفع وارثه
بالمحاباة؛ لأن الشفعة تستحق بالبيع، فقد تعذرت الشفعة، فلم نعد ذلك
بإبطال البيع؛ لأنها فرع عليه، وإذا بطل بطلت، فلم تبطل لأجلها - وهو
أصح الوجوه عندهم - لأنا إذا أثبتنا الشفعة، فقد جعلنا للوارث سبيلا إلى
إثبات حق له في المحاباة. ويفارق الوصية ممن له عليه دين؛ لأن استحقاقه
للآخر إنما هو بدينه، لا من جهة الوصية، وهذا استحقاقه حصل بالبيع،
فافترقا.
ب - أنه يصح البيع ويأخذه الوارث بالشفعة؛ لأن محاباة البائع مع
المشتري، وهو أجنبي عنه، والشفيع يتملك على (1) المشتري، ولا محاباة
معه من المريض.
ج - أنه لا يصح البيع أصلا؛ لأنه لو صح لتقابلت فيه أحكام
متناقضة؛ لأنا إن لم نثبت الشفعة، أضررنا بالشفيع، وإن أثبتناها، أوصلنا
إليه المحاباة.

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " مع " بدل " على ". وما أثبتناه من " العزيز شرح
الوجيز ".
243

د - يصح البيع في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن منه، ويبقى
الباقي للمشتري مجانا؛ لأن المحاباة تصح مع الأجنبي دون الوارث،
ويجعل كأنه باع بعض الشقص منه ووهب بعضه، فيأخذ المبيع دون
الموهوب.
ه‍ - أنه لا يصح البيع إلا في القدر الموازي للثمن؛ لأنه لو صح في
الكل فإن أخذه الشفيع، وصلت إليه المحاباة، وإن أخذ ما وراء قدر
المحاباة، كان إلزاما بجميع الثمن ببعض المبيع، وهو على خلاف وضع
الشفعة (1).
ويضعف بأن صحة البيع لا تقف على اختيار الشفيع للشفعة.
وقد يقال في العبارة عن هذا الوجه: إن ترك الشفيع الشفعة، صحت
المحاباة مع المشتري، وإلا فهو كما لو كان المشتري وارثا، فلا تصح
المحاباة.
ووجه ترتيب هذه الأقوال أن يقال: في صحة البيع وجهان، إن صح
فيصح في الجميع أو فيما وراء قدر المحاباة؟ وجهان، إن صح في الجميع
فيأخذ الجميع بالشفعة أو ما وراء قدر المحاباة أو لا يأخذ شيئا؟ ثلاثة
أوجه (2).
وهذا - عندنا - كله ساقط.
مسألة 735: من شرط الشفعة: تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ
منه على ما سبق، فلو كان في يد اثنين ملك اشترياه بعقدين وادعى كل

(1) الوسيط 4: 78 - 79، التهذيب - للبغوي - 4: 367 - 368، العزيز شرح الوجيز
5: 502 - 503، روضة الطالبين 4: 167.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 503.
244

منهما سبق عقده على عقد صاحبه، وأنه يستحق الشفعة عليه، فمن أقام
البينة منهما على دعواه حكم له بها، وسقطت دعوى الآخر.
ولو أقاما بينتين على السبق - بأن شهدت بينة هذا بسبق عقده على
عقد صاحبه، وشهدت بينة صاحبه بسبق عقده على العقد الأول، أو
شهدت إحداهما لأحدهما أنه اشترى يوم السبت وصاحبه اشترى يوم
الأحد، وشهدت الأخرى للآخر أنه اشترى يوم السبت والآخر يوم الأحد -
تعارضتا، وينبغي أن يحكم لأكثرهما عددا وعدالة، فإن تساويا، احتمل
القرعة؛ لأنه أمر مشكل، وكل أمر مشكل ففيه القرعة، والقسمة بينهما.
وللشافعي هنا قولان:
أحدهما: تساقط البينتين كأنه لا بينة لواحد منهما.
والثاني: أنهما تستعملان، وفي كيفيته أقوال:
أحدها: القرعة، فعلى هذا من خرجت قرعته أخذ نصيب الآخر
بالشفعة.
والثاني: القسمة، ولا فائدة لها إلا مع تفاوت الشركة، فيكون
التنصيف تعبدا (1).
والثالث: الوقف، وعلى هذا يوقف حق التملك إلى أن يظهر
الحال (2).
ومن الشافعية من لا يجري قول الوقف هنا؛ لانتفاء معناه مع كون
الملك في يدهما (3).

(1) كذا، وفي المصدر: " مقيدا " بدل " تعبدا ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 503 - 504، روضة الطالبين 4: 167 - 168.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 504، روضة الطالبين 4: 168.
245

ولو عينت كل واحدة من البينتين وقتا واحدا، فلا تنافي بينهما؛
لاحتمال وقوع العقدين معا، ولا شفعة لواحد منهما؛ لأنا تبينا وقوع
العقدين دفعة.
وللشافعية وجه: أنهما تسقطان؛ لأن كل واحدة منهما لم تتعرض
لمقصود مقيمها فكأنه لا بينة (1).
البحث الرابع: في كيفية الأخذ بالشفعة.
مسألة 736: يملك الشفيع الأخذ بالعقد إما بالفعل بأن يأخذ الحصة
ويدفع الثمن إلى المشتري، أو يرضى بالصبر فيملكه حينئذ، وإما باللفظ،
كقوله: أخذته، أو: تملكته، أو: اخترت الأخذ، وما أشبه ذلك؛ عملا
بالأصل من عدم اشتراط اللفظ.
وقال بعض الشافعية: لابد من لفظ، ك‍ " تملكت " وما تقدم، وإلا فهو
من باب المعاطاة (2).
وهو ممنوع؛ لأن المعاطاة تتوقف على رضاهما، ولا يتوقف الأخذ
بالشفعة على رضا المشتري.
ولا يكفي أن يقول: لي حق الشفعة وأنا مطالب بها، عنده (3)؛ لأن
المطالبة رغبة في الملك، والملك (4) لا يحصل بالرغبة المجردة (5).

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 504، روضة الطالبين 4: 168.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 505، روضة الطالبين 4: 168.
(3) أي: عند البعض من الشافعية، المتقدم قوله آنفا.
(4) في جميع النسخ الخطية والحجرية: " فالملك ". وما أثبتناه من " العزيز شرح
الوجيز ".
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 505، روضة الطالبين 4: 168.
246

وقال بعضهم (1) بقولنا.
ولا يملك الشفيع بمجرد اللفظ، بل يعتبر مع ذلك أحد أمور:
إما أن يسلم العوض إلى المشتري، فيملك به إن تسلمه، وإلا خلى
بينه وبينه، أو رفع الأمر إلى الحاكم حتى يلزمه التسليم.
و [إما] (2) أن يسلم المشتري الشقص، ويرضى بكون الثمن في
ذمته.
ولو كان المبيع دارا عليها صفائح من أحد النقدين والثمن من الآخر،
وجب التقابض فيما قابله خاصة.
ولو رضي بكون الثمن في ذمته ولم يسلم الشقص، حصل الملك
عندنا - وهو أحد وجهي الشافعية - لأنه معاوضة، والملك في المعاوضات
لا يتوقف على القبض.
والثاني لهم: لا يحصل الملك، وقول المشتري ما لم يتصل به
القبض في حكم الوعد.
وإما أن يحضر في مجلس القاضي، ويثبت حقه في الشفعة، ويختار
التملك ويقضي القاضي له بالشفعة - وهو أصح وجهي الشافعية - لأن الشرع
نزل الشفيع منزلة المشتري حتى كأن العقد له، إلا أنه مخير بين الأخذ
والترك، فإذا طلب وتأكد طلبه بالقضاء، وجب أن يحكم له بالملك.
والثاني لهم: لا يحصل الملك، ويستمر ملك المشتري إلى أن يصل
إليه عوضه، أو يرضى بتأخيره.
وإما أن يشهد عدلان على الطلب واختيار الشفعة، فإن لم نثبت

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 505، روضة الطالبين 4: 168.
(2) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.
247

الملك بحكم القاضي، فهنا أولى، فإن (1) أثبتناه، فوجهان لهم؛ لقوة قضاء
القاضي (2).
وهذا كله غير معتبر عندنا.
مسألة 737: لا يشترط في تملك الشفيع بالشفعة حكم الحاكم
ولا حضور الثمن أيضا ولا حضور المشتري ورضاه، عند علمائنا - وبه قال
الشافعي (3) - لأن حكم الشفعة يثبت بالنص والإجماع، فيستغني عن حكم
الحاكم، كمدة الإيلاء والرد بالعيب. ولأنه تملك بعوض، فلا يفتقر إلى
إحضار العوض، كالبيع، ولا إحضار المشتري ورضاه به، كالرد بالعيب.
وقال أبو حنيفة: يعتبر حضور المشتري أو حكم الحاكم، ولا يحكم
الحاكم إلا إذا أحضر الثمن (4).
وعن الصعلوكي أن حضور المأخوذ منه أو وكيله شرط (5). وهو
ممنوع.
وإذا ملك الشفيع بغير تسليم الثمن - بل إما بتسليم المشتري الشقص
ويرضى بكون الثمن في ذمته، أو بحضوره في مجلس القاضي وإثبات حقه
في الشفعة ويختار الملك فيقضي له القاضي - لم يكن له أن يتسلم الشقص
حتى يؤدي الثمن إلى المشتري وإن سلمه المشتري قبل أداء الثمن،
ولا يلزمه أن يؤخر حقه بأن أخر البائع حقه.
مسألة 738: يجب على الشفيع دفع الثمن معجلا، فإن تعذر تعجيله

(1) الظاهر: " وإن ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 505، روضة الطالبين 4: 169.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 504، روضة الطالبين 4: 168.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 504.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 505، روضة الطالبين 4: 168.
248

أو ادعى غيبته، أجل ثلاثة أيام لإحضاره؛ لأن تحصيله في الحال يتعذر في
غالب العادات، فلو شرط إحضاره في الحال، أدى إلى إسقاط الشفعة،
وذلك إضرار بالشفيع، فإن أحضر الثمن في مدة الثلاثة، فهو أحق، وإلا
بطلت شفعته بعدها.
ولو ذكر أن الثمن في بلد آخر، أجل بقدر وصوله من ذلك البلد
وثلاثة أيام بعده ما لم يتضرر المشتري.
ولو هرب الشفيع بعد الأخذ، كان للحاكم فسخ الأخذ، ورده إلى
المشتري وإن لم يكن له ذلك في البيع لو هرب المشتري أو أخر الدفع؛
لأن البيع حصل باختيارهما، فلهذا لم يكن للحاكم فسخه عليهما، وهنا
أخذه الشفيع بغير اختيار المشتري لإزالة الضرر عن نفسه، فإذا اشتمل على
إضرار بالمشتري، منعه الحاكم ورده.
ولو هرب قبل الأخذ، فلا شفعة له، وكذا العاجز عن الثمن.
وقال بعض الشافعية: إذا قصر في الأداء، بطل حقه من الشفعة. وإن
لم يوجد، رفع إلى الحاكم (وفسخ منه) (1) (2).
والمعتمد: الأول؛ لما قلناه.
ولما روى علي بن مهزيار أنه سأل الجواد (عليه السلام): عن رجل طلب
شفعة أرض، فذهب على أن يحضر المال فلم ينض، فكيف يصنع
صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجيء شريكه صاحب
الشفعة؟ قال: " إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام، فإن أتاه بالمال

(1) ورد ما بين القوسين سهوا في النسخ الخطية والحجرية بعد تمام الرواية الآتية في
نفس المسألة. وموضعه هنا تتمة لقول بعض الشافعية كما في " العزيز شرح الوجيز "
و " روضة الطالبين ".
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 506، روضة الطالبين 4: 169.
249

وإلا فليبع و بطلت شفعته في الأرض، وإن طلب الأجل إلى أن يحمل المال
من بلد إلى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف
وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم، فإن وافاه، وإلا فلا شفعة له " (1).
مسألة 739: ولا يثبت في الشفعة خيار المجلس عند علمائنا؛ للأصل
الدال على عدمه.
ولدلالة قوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " (2) على اختصاص
الخيار بالبيع؛ لأنه وصف علق عليه حكم، فينتفي بانتفائه.
ولأن الخيار لا يثبت للمشتري؛ لأنه يؤخذ الملك منه قهرا،
ولا للآخذ؛ لأن له العفو والإسقاط.
نعم، لو أخذ وثبت الملك له، لم يكن له الخيار في الفسخ؛ للأصل.
وللشافعي قولان:
أظهرهما: ثبوت الخيار - وقد تقدم (3) - بأن يترك بعدما أخذ، أو
يأخذ بعدما ترك ما دام في المجلس؛ لأن ذلك معاوضة، فكان في أخذها
وتركها خيار المجلس، كالبيع (4).
وله قول آخر: إنه يسقط؛ لأن الشفعة حق له ثبت، فإذا أخره أو
تركه، سقط، كغيره من الحقوق (5).
فعلى قوله بالخيار يمتد إلى مفارقة المجلس.

(1) التهذيب 7: 167 / 739.
(2) صحيح البخاري 3: 84، صحيح مسلم 3: 1164 / 1532، سنن الترمذي 3:
547 / 1245، سنن الدارمي 2: 25.
(3) في ج 11 ص 15، ضمن المسألة 227.
(4) الوسيط 4: 81، العزيز 4: 172، و 5: 506، روضة الطالبين 4: 169.
(5) العزيز شرح الوجيز 4: 172، و 5: 506، روضة الطالبين 4: 169، المجموع
9: 177.
250

وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري؟ وجهان: المنع؛ لأنه لا حظ له في
الخيار، فلا اعتبار بمفارقته. والانقطاع؛ لحصول التفريق (1).
مسألة 740: يجوز للمشتري التصرف في الشقص قبل أن يأخذه
الشفيع وقبل علمه بالبيع، فإذا تصرف، صح تصرفه؛ لأن ملكه بالعقد
إجماعا، وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات، وصح قبض المشتري
له، ولم يبق إلا أن الشفيع ملك عليه أن يملك، وذلك لا يمنع تصرفه، كما
لو كان الثمن معيبا فتصرف المشتري في المبيع.
وكذا الموهوب له إذا كان الواهب ممن له الرجوع فيها، فإن تصرفه
يصح وإن ملك الواهب [الرجوع] (2) فيها.
إذا ثبت هذا، فإن تصرفه إن كان مما تجب به الشفعة - كالبيع خاصة
عندنا، وكل معاوضة عند الشافعي (3)، كجعله عوض الصداق أو الخلع أو
غير ذلك من المعاوضات - تخير الشفيع إن شاء فسخ تصرفه وأخذ بالثمن
الأول؛ لأن حقه أسبق، وسببه متقدم، فإن الشفعة وجبت له قبل تصرف
المشتري. وإن شاء أمضى تصرفه، وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني؛ لأن
هذا التصرف يثبت الشفعة، فلو باعه المشتري بعشرة بعشرين فباعه الآخر
بثلاثين، فإن أخذ من الأول، دفع عشرة، ورجع الثالث على الثاني بثلاثين،
والثاني على الأول بعشرين؛ لأن الشقص يؤخذ من الثالث وقد انفسخ
عقده، وكذا الثاني. ولو أخذ من الثاني، صح، ودفع عشرين، وبطل

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 506، روضة الطالبين 4: 169.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 389، العزيز شرح الوجيز 5: 521، روضة الطالبين
4: 179.
251

الثالث، فيرجع بثلاثين. ولو أخذ من الثالث، صحت العقود، ودفع ثلاثين.
وإن كان تصرفه لا تثبت به الشفعة كالهبة والوقف وجعله مسجدا، فإن
للشفيع إبطال ذلك التصرف، ويأخذ بالثمن الأول، ويكون الثمن
للمشتري، وبه قال الشافعي (1).
وقال مالك: إنه يكون الثمن للموهوب له (2).
وهو غلط؛ لأن الشفيع أبطل الهبة، وأخذ الشقص بحكم العقد
الأول، ولو لم يكن وهب كان الثمن له، كذا بعد الهبة المفسوخة.
وكذا للشفيع فسخ الوقف وكونه مسجدا أو غير ذلك من أنواع
التصرفات، وبه قال أكثر الشافعية (3).
وقال بعضهم: إن الوقف يبطل الشفعة؛ لأن الشفعة إنما تثبت في
المملوك وقد خرج من أن يكون مملوكا (4).
وهو غلط؛ لأن ذلك الاستحقاق سابق والوقف متأخر، فلا يبطل
السابق، ولا يمتنع أن يبطل الوقف لأجل حق الغير، كما لو وقف المريض
أملاكه أو أعتق عبيده وعليه دين مستوعب، فإن العتق والوقف صحيحان،
وإذا مات، فسخا لحق الغرماء، كذا هنا.
مسألة 741: إذا ملك الشفيع، امتنع تصرف المشتري. ولو طلب
الشفيع ولم يثبت الملك بعد، لم يمنع الشريك من التصرف؛ لبقائه في ملكه.

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 389، الوسيط 4: 91، العزيز شرح الوجيز 5: 521،
روضة الطالبين 4: 178 - 179، المغني 5: 490، الشرح الكبير 5: 505.
(2) المغني 5: 491، الشرح الكبير 5: 506.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 365، العزيز شرح الوجيز 5: 521، روضة الطالبين 4:
179.
(4) المغني 5: 490، الشرح الكبير 5: 505.
252

ويحتمل قويا المنع؛ لتعلق حق الشفيع به وتأكده بالطلب.
وكلاهما للشافعية (1) أيضا.
ولو تصرف الشفيع قبل القبض بعد أن سلم الثمن إلى المشتري،
نفذ.
وللشافعية وجهان، أظهرهما: المنع، كتصرف المشتري قبل
القبض (2).
وهو باطل؛ لاختصاص ذلك بالبيع، والشفعة ليست بيعا. ولأنه ملك
قهري كالإرث، فصح تصرفه فيه، كالوارث قبل القبض.
ولو ملك بالإشهاد أو بقضاء القاضي، نفذ تصرفه.
وقالت الشافعية: لا ينفذ (3).
وكذا لو ملك برضا المشتري بكون الثمن عنده.
مسألة 742: لا يشترط علم الشفيع بالثمن ولا بالشقص في طلب
الشفعة، بل في الأخذ، فلا يملك الشقص الذي لم يره بالأخذ ولا بالطلب؛
لأنه غرر والنبي (صلى الله عليه وآله) نهى عنه (4)، بل يشترط علم الشفيع في التملك
بالثمن والمثمن معا، فلو جهل أحدهما، لم يصح الأخذ، وله المطالبة
بالشفعة.
ولو قال: أخذته بمهما كان، لم يصح مع جهالته بالقدر.
وقالت الشافعية: في تملك الشفيع الشقص الذي لم يره طريقان:

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 506، روضة الطالبين 4: 170.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 5: 507، روضة الطالبين 4: 170.
(4) صحيح مسلم 3: 1153 / 1513، سنن ابن ماجة 2: 739 / 2194، سنن أبي داود
3: 254 / 3376، سنن الترمذي 3: 532 / 1230، سنن الدارمي 2: 251، الموطأ
2: 664 / 75.
253

أظهرهما: أنه على قولي (1) بيع الغائب إن منعناه، لم يتملكه قبل
الرؤية، وليس للمشتري منعه من الرؤية. وإن صححناه، فله التملك.
[ثم] (2) منهم من جعل خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس.
ومنهم من قطع به وقال: المانع هناك - على رأي - بعد اختصاص
ذلك الخيار بأحد الجانبين.
والثاني: المنع، سواء صححنا بيع الغائب أو أبطلناه؛ لأن البيع جرى
بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه، وهنا الشفيع يأخذ من غير رضا المشتري،
فلا يمكن إثبات الخيار فيه.
نعم، لو رضي المشتري بأن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار، فعلى
قولي بيع الغائب، فإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار، فللمشتري أن يمتنع
من قبض الثمن وإقباض المبيع (3) حتى يراه ليكون على ثقة فيه (4).
وإذا بلغه البيع فقال: قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تم عليه
العقد، وعلم قدره ونظر إلى الشقص أو وصف له وصفا يرفع الجهالة، صح
الأخذ وإن لم يجز المشتري ولا حضر.
وقال أبو حنيفة: لا يأخذ بالشفعة حتى يحضر الثمن، ولا يقضي له
القاضي بها حتى يحضر الثمن (5).
وقال محمد: إن القاضي يؤجله يومين أو ثلاثة، ولا يأخذه إلا بحكم

(1) في النسخ الخطية والحجرية المعتمدة في التحقيق: " قول ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) في النسخ الخطية والحجرية المعتمدة في التحقيق: " البائع " بدل " المبيع ".
والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 507، روضة الطالبين 4: 170.
(5) المغني 5: 510، الشرح الكبير 5: 521.
254

الحاكم أو رضا المشتري؛ لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري،
فلا يستحق ذلك إلا بعد إحضار الثمن، ولهذا كان المشتري لما كان يستحق
تسلم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلا بعد إحضار الثمن (1).
وقد بينا أن الشفيع يأخذ بالعوض، فلا يشترط حضوره، كالبيع،
والتسليم في الشفعة كالتسليم في البيع، فإن الشفيع لا يتسلم الشقص إلا بعد
إحضار الثمن، وكون التملك بغير اختياره يدل على قوته، فلا يمنع من
اعتباره في الصحة بالبيع.
وإذا كان الثمن مجهولا عند الشفيع، لم يصح الأخذ؛ لأنه تملك
بعوض، فلا يصح مع جهالة العوض، كالبيع.
ولو قال: أخذته بالثمن إن كان مائة فما دونها، لم يصح الأخذ؛ لأن
مثل هذا لا يجوز أن يكون ثمنا في البيع، كذا الشفعة.
ولو لم يشاهد الشقص ولا وصف له بما يرتفع معه الجهالة، لم يكن
له أخذه، وبه قال بعض الشافعية، سواء قالوا بجواز بيع خيار الرؤية أو لا؛
لأن مع القول بالجواز أثبتوا فيه خيار الرؤية برضا البائع؛ لأنه دخل على
ذلك، وفي مسألتنا يأخذه الشفيع بغير رضا المشتري، فلا يثبت الخيار (2).
و (3) قال ابن سريج: إلا أن يرضى المشتري بخيار الرؤية، فيجوز
ذلك على القول الذي يجيز البيع بها (4).
وقال بعض الشافعية: من قال من أصحابنا: إنه يثبت في الشفعة خيار
المجلس يجيز أيضا خيار الرؤية فيها على أحد القولين (5).
إذا عرفت هذا، فإذا أخذ الشقص بالشفعة، وجب عليه الثمن،

(1) بدائع الصنائع 5: 24، وانظر: المغني 5: 510، والشرح الكبير 5: 521.
(2 و 4 و 5) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(3) في " س، ي " لم ترد كلمة " و ".
255

ولا يجب على المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن.
مسألة 743: إذا كان الشقص في يد البائع، فقال الشفيع: لا أقبضه إلا
من المشتري، لم يكن له ذلك، ولم يكلف المشتري أخذه من البائع، بل
يأخذه الشفيع من يد البائع؛ لأن هذا الشقص حق الشفيع، فحيثما وجده
أخذه. ولأن يد الشفيع كيد المشتري؛ لأنه استحق قبض ذلك من جهته،
كما لو وكل وكيلا في القبض، ألا ترى أنه لو قال: أعتق عبدك عن ظهاري،
فأعتقه، صح، وكان الآمر كالقابض له، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: أن للشفيع ذلك؛ لأن الشفيع بمنزلة المشتري من المشتري،
فيلزمه أن يسلمه بعد قبضه، وعلى الحاكم تكليف المشتري أن يتسلم
ويسلم، أو يوكل في ذلك، فإن كان المشتري غائبا، نصب الحاكم من
يقبضه من البائع عن المشتري ويسلمه إلى الشفيع، وإذا أخذه الشفيع من
المشتري أو من البائع، فإن عهدته على المشتري خاصة (1)
ولو أفلس الشفيع وكان المشتري قد سلم الشقص إليه راضيا بذمته،
جاز له الاسترداد، وكان أحق بعينه من غيره.
مسألة 744: إنما يأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد؛ لما روى
العامة عن جابر أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " فهو أحق به بالثمن " (2).
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): " فهو أحق بها من غيره
بالثمن " (3).
ولأن الشفيع إنما يستحق الشفعة بسبب البيع، فكان مستحقا له

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 545 - 546، روضة الطالبين 4: 192.
(2) سنن البيهقي 6: 104، المغني 5: 505، الشرح الكبير 5: 520.
(3) التهذيب 7: 164 / 728.
256

بالثمن، كالمشتري.
لا يقال: الشفيع استحقه بغير اختيار مالكه؛ لحاجته إليه، فكان
يجب أن يستحقه بالقيمة، كالمضطر إلى طعام الغير.
لأنا نقول: المضطر إنما استحقه بسبب الحاجة خاصة، فكان
المرجع في بدله إلى القيمة، والشفيع يستحقه لأجل البيع، فإنه لو كان
انتقاله في الهبة أو الميراث، لم يستحق فيه الشفعة، وإذا اختص ذلك
بالبيع، وجب أن يكون بالعوض الثابت بالبيع.
إذا ثبت هذا، فإن بيع بمثلي - كالنقدين والحبوب - أخذه بمثله.
ثم إن قدر بمعيار الشرع، أخذه به. وإن قدر بغيره كما لو باع بمائة
رطل من الحنطة، أخذه بمثله وزنا تحقيقا للمماثلة.
وللشافعي قولان، هذا أحدهما. والثاني: أنه يأخذه بالكيل (1).
ولو تعذر المثل وقت الأخذ؛ لانقطاعه أو لغيره، عدل إلى القيمة،
كما في الغصب.
تذنيب: لا يجب على الشفيع دفع ما غرمه المشتري من دلالة وأجرة
وزان ونقاد وكيل وغير ذلك من المؤن.
مسألة 745: ولو لم يكن الثمن مثليا بل مقوما - كالعبد والثوب
وشبههما - أخذه الشفيع بقيمة السلعة التي جعلت ثمنا - وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة ومالك (2) - لأنه أحد نوعي الثمن، فجاز أن تثبت الشفعة

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 507، روضة الطالبين 4: 171.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 386، حلية العلماء 5: 294، التهذيب - للبغوي - 4:
342، العزيز شرح الوجيز 5: 507، روضة الطالبين 4: 171، بدائع الصنائع 5:
26، المعونة 2: 1276، التفريع 2: 302، المغني 5: 505، الشرح الكبير 5:
524.
257

بالمشترى به، كالذي له مثل.
وقال الشيخ (رحمه الله): تبطل الشفعة (1) - وبه قال الحسن البصري وسوار
القاضي (2) - لما رواه علي بن رئاب عن الصادق (عليه السلام) في رجل اشترى دارا
برقيق ومتاع وبز، وجوهر، قال: " ليس لأحد فيها شفعة " (3).
ولأن الشفعة إنما تجب بمثل الذي ابتاعه به، وهذا لا مثل له،
فلم تجب.
والرواية ضعيفة السند؛ لأن في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة
وليس منا.
والمثل قد يكون من طريق الصورة وقد يكون من طريق القيمة، كما
في بدل الإتلاف والغصب.
وتعتبر القيمة يوم البيع؛ لأنه يوم إثبات العوض واستحاق الشفعة،
فلا اعتبار بالزيادة بعد ذلك ولا النقصان، وبه قال الشافعي (4).
وقال ابن سريج: تعتبر قيمته يوم استقرار العقد بانقطاع الخيار (5).
وقال مالك: الاعتبار بقيمته يوم المحاكمة (6).
وليس بجيد؛ لما تقدم من أن وقت الاستحقاق وقت العقد

(1) الخلاف 3: 432، المسألة 7.
(2) حلية العلماء 5: 294، المغني 5: 505، الشرح الكبير 5: 524.
(3) التهذيب 7: 167 / 740.
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 342، العزيز شرح الوجيز 5: 507، روضة الطالبين 4:
171.
(5) حلية العلماء 5: 294، العزيز شرح الوجيز 5: 507 - 508، روضة الطالبين 4:
171.
(6) حلية العلماء 5: 294، العزيز شرح الوجيز 5: 508، المغني 5: 507، الشرح
الكبير 5: 524.
258

للمشتري. ولأن الثمن صار ملكا للبائع، فلا تعتبر زيادته في حق المشتري.
ولو اختلفا في القيمة في ذلك الوقت، قدم قول المشتري مع اليمين.
مسألة 746: لو جعل الشقص رأس مال سلم، أخذ الشفيع بمثل
المسلم فيه إن كان مثليا، وبقيمته إن كان متقوما.
ولو صالح من دين على شقص، لم تكن له شفعة.
وعند الشافعي يأخذه بمثل ذلك الدين إن كان مثليا، وبقيمته إن كان
متقوما (1).
ولا فرق بين أن يكون دين إتلاف أو دين معاملة.
ولو أمهرها شقصا، فلا شفعة عندنا.
وعند الشافعي يأخذ بمهر مثل المرأة؛ لأن البضع متقوم، وقيمته مهر
المثل. وكذا إذا خالعها على شقص. والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح أو يوم
جريان البينونة (2).
وخرج بعض الشافعية وجها أنه يأخذه بقيمة الشقص (3). والأصل
فيه أن المرأة إذا وجدت بالصداق عيبا وردته، ترجع بقيمته على أحد
القولين، فإذا كان المستحق عند الرد بالعيب بدل المسمى، كذا عند الأخذ
بالشفعة، وبه قال مالك (4).
ولو متع المطلقة بشقص، فلا شفعة عندنا.

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 342، العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4:
171.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 343، العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4:
171.
(3) في " العزيز شرح الوجيز ": " بقيمته يوم القبض ".
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4: 171.
259

[وقال الشافعي: يأخذه الشفيع بمتعة مثلها لا بالمهر؛ لأن المتعة هي
التي وجبت بالطلاق، والشقص عوض عنها (1).
ولو أخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم، فلا شفعة
عندنا] (2).
وقال الشافعي: يأخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها؛ لأن النجوم
هي التي قابلته (3).
ولو جعل الشقص أجرة دار، فلا شفعة عندنا.
وقال الشافعي: يؤخذ بقيمة المنفعة، وهي أجرة مثل الدار (4).
ولو صالح على الشقص عن دم، فلا شفعة عندنا.
وقال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمة الدم، وهي الدية (5). ويعود فيه
مذهب مالك (6).
ولو استقرض شقصا، فلا شفعة عندنا.
وقال الشافعي: يأخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا: إن المستقرض يرد
المثل؛ لأن القرض مبني على الإرفاق، والشفعة ملحقة بالإتلاف (7) (8).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 343، العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4: 171.
(2) بعض ما بين المعقوفين أضفناه من " العزيز شرح الوجيز " نصا، ونحوه في " التهذيب "
للبغوي، و " روضة الطالبين ". وبعضه الآخر من تصحيحنا لأجل السياق.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4: 171.
(4 و 5) التهذيب - للبغوي - 4: 343، العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين
4: 171.
(6) كذا في النسخ الخطية والحجرية. وورد في العزيز شرح الوجيز 5: 508 - تتمة
لقول الشافعي -: " ويقود منه الجريح ويذهب ملكه " بدل " ويعود فيه مذهب مالك ".
(7) في النسخ الخطية والحجرية: " بالإتلاف ". وما أثبتناه من " العزيز شرح الوجيز ".
(8) العزيز شرح الوجيز 5: 508، روضة الطالبين 4: 171.
260

مسألة 747: لو كان الثمن مؤجلا، مثلا: اشترى الشقص بمائة مؤجلة
إلى سنة، فللشيخ (رحمه الله) قولان:
أحدهما - وهو الأقوى عندي، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في
القديم (1) -: أن للشفيع الأخذ كذلك بعد إقامة كفيل إذا لم يكن مليا، وليس
له الصبر والأخذ عند الأجل (2).
لنا: أن الأخذ إنما يكون بالثمن، ويجب أن يكون على الشفيع مثل
الثمن قدرا ووصفا، والتأجيل وصف في الثمن. ولأن الشفعة على الفور،
وتأخير الطلب إلى الأجل مناف للفورية، وأخذها بالثمن المعجل إضرار
بالشفيع بغير وجه، فلم يبق إلا ما قلنا توصلا إلى الجمع بين الحقوق كلها.
وقال الشيخ أيضا: يتخير الشفيع بين أن يأخذه ويعجل الثمن، وبين
أن يصبر إلى أن يحل الأجل ثم يأخذه بالثمن (3) - وبه قال أبو حنيفة
والشافعي في الجديد (4) - لأن ذلك يؤدي إلى أن يلزم المشتري قبول ذمة
الشفيع، والذمم لا تتماثل، ولهذا إذا مات من عليه الدين المؤجل، حل
الأجل، ولم ينتقل إلى ذمة الورثة. وملاءة الأشخاص لا توجب تماثل
الذمم، فإنها تختلف في كون بعضها أوفى وبعضها أسهل في المعاملة.

(1) الموطأ 2: 715، ذيل الحديث 3، بداية المجتهد 2: 259، المغني 5: 507،
الشرح الكبير 5: 523، المحلى 9: 95، العزيز شرح الوجيز 5: 509، وانظر:
روضة الطالبين 4: 171 - 172.
(2) النهاية: 425.
(3) المبسوط - للطوسي - 3: 112، الخلاف 3: 433، المسألة 9 من كتاب الشفعة.
(4) بدائع الصنائع 5: 27، مختصر اختلاف العلماء 4: 243 / 1952، التهذيب
- للبغوي - 4: 356، الوسيط 4: 83، العزيز شرح الوجيز 5: 509، روضة
الطالبين 4: 171 - 172، المغني 5: 507، الشرح الكبير 5: 523.
261

ولأن في ذلك تغريرا بالمشتري؛ لجواز أن يذهب مال الشفيع قبل حلول
الأجل، فيلزمه غرمه، ولا يجوز أن يلزمه ذلك، ولم يحصل له حظ بهذا
البيع.
وهو ممنوع؛ لأنا نلزم الشفيع بكفيل ملي يرتضيه المشتري، فاندفع
المحذور.
وللشافعي قول ثالث: إن الشفيع يأخذه بسلعة قيمتها الثمن إلى سنة؛
لأنه لم يأخذ السلعة بثمن مؤجل على ما تقدم، وإن أخذها بثمن حال في
الحال أو بعد انقضاء الأجل، فقد كلفناه أكثر من الثمن؛ لأن ما يباع بمائة إلى
سنة لا يساويها حالا، ولئلا يتأخر الأخذ ولا يتضرر الشفيع (1)
وعلى ما اخترناه فإنما يأخذه بثمن مؤجل إذا كان مليا موثوقا به أو (2)
إذا أعطى كفيلا مليا، وإلا لم يأخذه؛ لأنه إضرار بالمشتري، وهو أحد قولي
الشافعي على تقدير قوله بما قلناه. والثاني له: أن له الأخذ على الإطلاق،
ولا ينظر إلى صفته، ولو أخذه ثم مات، حل عليه الأجل (3).
وعلى قول أبي حنيفة والشيخ والشافعي في الجديد لا يبطل حق
الشفيع بالتأخير؛ لأنه تأخير بعذر، ولكن هل يجب تنبيه المشتري على
الطلب؟ فيه وجهان، أحدهما: لا؛ إذ لا فائدة فيه. والثاني: نعم؛ لأنه
ميسور وإن كان الأخذ معسورا (4).
ولو مات المشتري وحل عليه الثمن، لم يتعجل الأخذ على الشفيع،

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 509، روضة الطالبين 4: 172.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " و " بدل " أو ". و الظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 510، روضة الطالبين 4: 172.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 509، روضة الطالبين 4: 172.
262

بل هو على خيرته إن شاء أخذ في الحال، وإن شاء صبر إلى مجيء ذلك
المحل.
ولو مات الشفيع، فالخيرة التي كانت له تثبت لورثته.
ولو باع المشتري الشقص قبل أن يحل الأجل، صح البيع؛ لأن الثمن
لو كان حالا فباع المشتري صح بيعه، فإذا كان مؤجلا وتأخر الأخذ، كان
جواز البيع أولى، ويتخير الشفيع بين أن يجيز البيع الثاني ويأخذه بالثمن
الثاني وبين أن يفسخه إما في الحال أو عند حلول الأجل، ويأخذه بالثمن
الأول؛ لأن ذلك كان له، ولا يسقط بتصرف المشتري.
هذا إذا قلنا: إن للشفيع نقض تصرف المشتري، وهو الظاهر
عندهم (1)، وفيه خلاف، وإن قلنا بالثالث، فتعيين (2) العرض إلى الشفيع
وتعديل القيمة [إلى] (3) من يعرفها.
ولو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الأجل، وجب أن لا يطالب على
هذا القول إلا بالسلعة المعدلة؛ لأن الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال
البيع، ألا ترى أنه إذا باع بمتقوم، تعتبر قيمته يوم البيع. وعلى القولين
الآخرين لو أخر الشفعة، بطل حقه.
مسألة 748: لو ضم شقصا مشفوعا إلى ما لا شفعة فيه في البيع، مثل
أن يبيع نصف دار وثوبا أو عبدا أو غيرهما صفقة واحدة، بسط الثمن
عليهما باعتبار القيمتين، وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن، عند
علمائنا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد (4)، ولا شفعة في المضموم؛

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 510، روضة الطالبين 4: 172.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فيتعين ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 510، روضة الطالبين 4: 172، المغني 5: 508،
الشرح الكبير 5: 502.
263

لأن المضموم لا شفعة فيه ولا هو تابع لما فيه الشفعة، فلا تثبت فيه الشفعة،
كما لو أفرده.
وقال مالك: تثبت الشفعة فيهما معا. ويروى عنه أيضا أنه إن كان من
مصالح الضيعة وتوابعها كالثيران وآلات الحرث والعبد العامل في البستان،
أخذه الشفيع مع الشقص. وإن كان غير ذلك، لم يأخذه؛ لأنه لو أخذ
الشقص وحده، تبعضت الصفقة على المشتري، وفي ذلك ضرر، ولا يزال
الضرر عن الشفيع بإلحاق ضرر المشتري (1).
وهو غلط؛ لأنه أدخله على نفسه بجمعه في العقد بين ما ثبت فيه
الشفعة وما لا تثبت.
ثم النظر إلى قيمتهما يوم البيع؛ فإنه وقت المقابلة.
قال الجويني: إذا قلنا: إن الملك ينتقل بانقطاع الخيار، فيجوز أن
يعتبر وقت انقطاع الخيار؛ لأن انتقال الملك - الذي هو سبب الشفعة -
حينئذ يحصل (2).
وهذا يتأتى على قول الشيخ أيضا.
وإذا أخذ الشفيع الشقص، لم يثبت للمشتري الخيار وإن تفرقت
الصفقة عليه؛ لدخوله فيها عالما بالحال.
مسألة 749: إذا اشترى شقصا من دار فاستهدمت إما بفعل المشتري
أو بغير فعله، فلها أحوال:

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 510، المغني 5: 508، الشرح الكبير 5: 502.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 510.
264

أ - أن تتعيب من غير تلف شيء منها ولا انفصال بعضها عن بعض
بأن يتشقق جدار أو تميل أسطوانة أو ينكسر جذع أو يضطرب سقف،
فالشفيع بالخيار بين الأخذ بكل الثمن، وبين الترك، ويكون تعيبه في يد
المشتري كتعيب المبيع في يد البائع، فإنه يتخير المشتري بين الفسخ وبين
الأخذ بجميع الثمن، عند بعض (1) علمائنا، وبه قال الشافعي (2).
وعند بعضهم (3) يسقط (4) الأرش، فينبغي هنا أن يكون كذلك.
ب - أن يتلف بعضها، فينظر إن تلف شيء من العرصة بأن غشيها
السيل فغرقها، أخذ الباقي بحصته من الثمن.
وإن بقيت العرصة بتمامها وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره،
فإن قلنا: إن الأبنية كأحد العبدين المبيعين (5)، أخذ العرصة بحصتها من

(1) كالشيخ الطوسي في الخلاف 3: 109، المسألة 178، والمبسوط 2: 127،
وابن إدريس في السرائر 2: 305.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 345، العزيز شرح الوجيز 5: 511، روضة الطالبين 4:
172 - 173.
(3) أنظر: نكت النهاية (النهاية ونكتها) 2: 161 - 162.
(4) كذا بصيغة الإثبات. وفي جواهر الكلام 16: 359 حيث نقل عبارة التذكرة قال:
" لا يسقط الأرش ". وقال المحقق الكركي في جامع المقاصد 4: 417 - 418 عند
شرح قول المصنف في القواعد: " ولو انهدم أو تعيب بفعل المشتري قبل المطالبة ":
فهاهنا أربع صور: الأولى: أن يكون ذلك بفعل المشتري قبل مطالبة الشفيع بالشفعة
بأن ينقض البناء أو يشق الجدار أو يكسر الجذع... إلى أن ساق الكلام إلى قوله:
وقد سبق في كتاب البيع وجوب الأرش على البائع إذا تعيب المبيع في يده فينبغي
أن يكون هنا كذلك، وقد نبه كلام المصنف في التذكرة على ذلك. انتهى، فلاحظ
قوله: " وجوب الأرش على البائع " حيث إنه يخالف قول المصنف: " يسقط الأرش "
ويوافق ما في الجواهر من قوله: " لا يسقط ". وانظر أيضا: الكافي في الفقه - للحلبي -:
355.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " المسميين " بدل " المبيعين ". والظاهر ما أثبتناه.
265

الثمن، وهو الأصح، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد (1).
وإن قلنا: إنها كأطراف العبد وصفاته، أخذها بكل الثمن على رأي
- وبه قال الشافعي (2) - وبما بعد الأرش على رأي.
وفرق بعضهم بين أن يكون التلف بآفة سماوية، فيأخذها بجميع
الثمن، أو بإتلاف متلف، فيأخذها بالحصة؛ لأن المشتري يحصل له بدل
التالف، فلا يتضرر، وبه قال أبو حنيفة (3).
ج - أن لا يتلف شيء منها ولكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام
وسقوط الجدران، فإن الشفيع يأخذ الشقص مع الأبعاض - وهو أحد قولي
الشافعي (4) - لأنها دخلت في البيع وكانت متصلة به حالة البيع مما يدخل
في الشفعة، فكذا بعد النقض، وكونه منقولا عرض بعد البيع وبعد تعلق
حق الشفيع به، والاعتبار بحال جريان العقد، ولهذا لو اشترى دارا
فانهدمت، يكون النقض والعرصة للمشتري وإن كان النقض لا يندرج في
البيع لو وقع بعد الانهدام.
والثاني للشافعي: لا يأخذ الشفيع النقض؛ لأنه منقول كما لو كان في
الابتداء كذلك وأدخل النقض في البيع، لا يؤخذ بالشفعة (5).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 346، العزيز شرح الوجيز 5: 511، روضة الطالبين 4:
173، المغني 5: 504، الشرح الكبير 5: 503.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 511، روضة الطالبين 4: 173.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 511، روضة الطالبين 4: 173، بدائع الصنائع 5: 28،
مختصر اختلاف العلماء 4: 251 / 1972، المغني 5: 504، الشرح الكبير 5:
503.
(4 و 5) العزيز شرح الوجيز 5: 511، روضة الطالبين 4: 173.
266

فإن قلنا بالأول، أخذه مع العرصة بجميع الثمن أو بما بعد الأرش
على ما تقدم، أو يعرض عن الكل.
وإن قلنا: إنه لا يأخذه - كما هو اختيار الشافعي في القول الثاني -
فيبنى على أن السقوف والجدران كأحد العبدين أو كطرف العبد؟ إن قلنا
بالأول، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصتهما من الثمن.
وإن قلنا بالثاني، فوجهان:
أحدهما: أنه يأخذ بالحصة؛ لأن الأنقاض كانت من الدار المشتراة،
فيبعد أن تبقى للمشتري مجانا ويأخذ الشفيع ما سواه بتمام الثمن.
والثاني - وهو قياس الأصل المبني عليه -: أن يأخذ بتمام الثمن، كما
في الحالة الأولى. وعلى هذا فالأنقاض تشبه بالثمار والزوائد التي يفوز بها
المشتري قبل قبض الشفيع (1).
ومنهم من يطلق قولين - تفريعا على أن النقض غير مأخوذ من غير
البناء - على أن النقض كأحد العبدين أو كأطراف العبد؟ (2)
ووجه الأخذ بالكل: أنه نقص حصل عند المشتري، فأشبه تشقق
الحائط، والأخذ بالحصة: أن ما لا يؤخذ من المبيع بالشفعة تسقط حصته
من الثمن، كما إذا اشترى شقصا وسيفا.
واعلم أن المزني نقل عن الشافعي أن الشفيع مخير بين أن يأخذه
بجميع الثمن أو يرد (3).
وقال في القديم ومواضع من الجديد: إنه يأخذه بالحصة (4).

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 511 - 512، روضة الطالبين 4: 173.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 512.
(3) مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 7: 265، العزيز شرح الوجيز 5: 512.
(4) الحاوي الكبير 7: 265، العزيز شرح الوجيز 5: 512.
267

وقد ذكر بعض الشافعية فيه خمس طرق:
أ - منهم من قال: إن ما انهدم من الدار لا يدخل في الأخذ بالشفعة،
وإنما يأخذ العرصة وما فيها من البناء؛ لأن ذلك منفصل عنها، كما لو باع
دارا، لم يدخل فيها ما كان منفصلا عنها. وهل يأخذ العرصة والبناء الذي
فيها بجميع الثمن أو بالحصة؟ قولان.
ب - ما ذكر في الطريقة الأولى إلا في أنه يأخذ ذلك بحصته من الثمن
قولا واحدا.
ج - إن ما انفصل من الدار يستحقه الشفيع مع الدار؛ لأن استحقاقه
للشفعة إنما كان حال عقد البيع وفي ذلك الحال كان متصلا.
د - المسألة على اختلاف حالين، فالموضع الذي قال: يأخذها
بالحصة إذا ذهب بعض العرصة بغرق أو غير ذلك، والموضع الذي قال:
يأخذها بجميع الثمن إذا كانت العرصة باقية وإنما ذهب البناء.
ه‍ - إن الموضع الذي قال: يأخذ بالحصة إذا تلف بعض الأعيان
بفعله أو فعل آدمي، والموضع الذي قال: يأخذه بجميع الثمن إذا حصل
ذلك بأمر سماوي (1).
وبهذه (2) الطريقة الأخيرة قال أبو حنيفة (3).
أقول: ما فعله المشتري مضمون (وإن كان إذا) (4) حصل بغير فعله
لم يضمنه، كما لو قلع عين المبيع، كان تضمينها عليه، ولو سقطت

(1) الحاوي الكبير 7: 265 - 266، العزيز شرح الوجيز 5: 512.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " هذه ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) بدائع الصنائع 5: 28، مختصر اختلاف العلماء 4: 251 / 1972، العزيز شرح
الوجيز 5: 511، المغني 5: 504، الشرح الكبير 5: 503.
(4) بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية: " وإذا كان ".
268

لم يسقط شيء من الثمن.
هذا كله إذا كان التعيب لا بفعل المشتري أو بفعله قبل الطلب، أما إذا
كان بفعل المشتري بعد الطلب، فهل يضمن المشتري؟ قولان لعلمائنا،
الأقرب: الضمان.
ولو تلف بعض المبيع، أخذه بحصته من الثمن.
مسألة 750: إذا بنى المشتري أو غرس قبل القسمة، كان للشريك
قلعه، لا من حيث الشفعة، بل من حيث إن أحد الشريكين إذا بنى أو
غرس في الأرض المشتركة، كان للشريك الآخر قلعه وتخريب البناء
مجانا، وله الأخذ بالشفعة بعد القلع وقبله.
وإن كان المشتري قد قسم - إما لغيبة الشريك، أو لصغره - بإذن
الحاكم، أو لكذبه في الإخبار بالثمن فعفا، أو في الاتهاب فظهر (1) البيع، أو
قاسمه وكيله وأخفى (2) عنه وجه الحظ في الأخذ بالشفعة ثم يجيء الموكل
فيظهر له الوجه ثم بنى أو غرس أو زرع بعد القسمة والتمييز ثم علم
الشفيع، فللمشتري قلع غرسه وبنائه؛ لأنه ملكه.
فإذا قلعه، لم يكن عليه تسوية الحفر؛ لأنه غرس وبنى في ملكه،
وما حدث من النقص فإنما حدث في ملكه، وذلك مما لا يقابله الثمن،
وإنما يقابل الثمن سهام الأرض من نصف وثلث وربع، ولا يقابل التراب،
فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الأرض بجميع الثمن أو يترك.
وإن لم يقلع المشتري الغراس، تخير الشفيع بين ثلاثة أشياء: ترك
الشفعة، وأخذها ودفع قيمة البناء والغراس إن رضي الغارس والباني،

(1) في " س، ي ": " فيظهر ".
(2) في " س، ي ": " خفي ".
269

ويصير الملك له، وأن يجبر المشتري على القلع، ويضمن له ما نقص له
بالقلع.
وقيل: رابع: أن يبقيه في الأرض بأجرة (1).
فأما إذا طالبه بقلع ذلك من غير أن يضمن له النقص، لم يلزمه قلعه،
قاله الشيخ (2) (رحمه الله)، والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق والنخعي (3)؛ لأنه بنى
في ملكه الذي يملك نفعه، فلم يجبر على قلعه مع الإضرار به، كما لو كان
لا شفعة فيه.
وقال أبو حنيفة والثوري: يجبر على قلعه؛ لأنه بنى في حق غيره
بغير إذنه، فكان عليه قلعه، كما لو بنى فيها وبانت مستحقة (4).
وفرق (5) الأوائل بأنه غرس في ملك غيره (6).
وقول أبي حنيفة عندي لا بأس به، والبناء وإن كان في ملكه لكنه
ملك غير مستقر، فلا يؤثر في منع القلع، والقياس على عدم الشفعة باطل.
لا يقال: القسمة تقطع الشركة، وترد العلقة بينهما إلى الجوار،
وحينئذ وجب أن لا تبقى الشفعة؛ لاندفاع الضرر الذي كنا نثبت الشفعة
لدفعه، كما لا تثبت ابتداء للجار.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 520، روضة الطالبين 4: 178.
(2) المبسوط - للطوسي - 3: 118، الخلاف 3: 439، المسألة 14.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 365، العزيز شرح الوجيز 5: 519، روضة الطالبين 4:
176 - 177، المغني 5: 501، الشرح الكبير 5: 513.
(4) التهذيب - للبغوي - 4: 365، العزيز شرح الوجيز 5: 519، المغني 5: 501،
الشرح الكبير 5: 513.
(5) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فرقوا ".
(6) المغني 5: 501، الشرح الكبير 5: 513.
270

لأنا نقول: الجوار وإن لم يكن يكتفى به في الابتداء إلا أنه اكتفي به
في الدوام عند حصول الشركة في الابتداء، ولم يخرج على الخلاف في
بطلان الشفعة فيما إذا باع نصيبه جاهلا بالشفعة؛ لأن الجوار على حال
ضرب اتصال قد يؤدي إلى التأذي (1) بضيق المرافق وسوء الجوار، ولذلك
اختلف العلماء في ثبوت الشفعة به.
إذا عرفت هذا، فلا فرق بين تصرف المشتري والمستعير إذا بنى في
أرض المعير أو غرس. ولو كان قد زرع، ترك زرعه إلى أن يدرك ويحصد.
وهل للشفيع أن يطالبه بأجرة بقاء الزرع؟ الأقوى: العدم، بخلاف
المستعير؛ فإنه زرع أرض الغير وقد رجع في العارية، فكان عليه الأجرة،
أما المشتري فإنه زرع ملك نفسه واستوفى منفعته بالزراعة، وهو أحد
وجهي الشافعية. وفي الثاني: له المطالبة، كما أن المعير يبقي بالأجرة (2).
وقد بينا الفرق.
وكذا لو باع أرضا مزروعة، لا يطالبه المشتري بالأجرة لمدة بقاء الزرع.
وللشافعية في الصور الثلاث - صورة بيع الأرض المزروعة، وصورة
العارية، وصورة الشفعة - وجهان في وجوب الأجرة، لكن الظاهر عندهم
في صورة العارية وجوب الأجرة، وفي الصورتين الأخريين المنع؛ للمعنى
الجامع لهما، وهو أنه استوفى منفعة ملكه (3).
وأما إذا زرع بعد المقاسمة، فإن الشفيع يأخذ بالشفعة، ويبقى زرع
المشتري إلى أوان الحصاد؛ لأن ضرره لا يبقى، والأجرة عليه؛ لأنه زرعه

(1) في " س " والطبعة الحجرية: " على حال ضرر إيصال قد يتأدى إلى التأذي ". وفي
" ي ": " على حال ضرر أيضا... ". والظاهر ما أثبتناه.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 520، روضة الطالبين 4: 187.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 520.
271

في ملكه.
تذنيب: إذا زرع، لزم الشفيع إبقاء الزرع، وحينئذ يجوز له تأخير
الشفعة إلى الإدراك والحصاد؛ لأنه لا ينتفع به قبل ذلك، ويخرج الثمن من
يده، فله في التأخير غرض صحيح، وهو الانتفاع بالثمن إلى ذلك الوقت،
قاله بعض الشافعية (1).
وقال بعضهم: ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخرت المنفعة، كما
لو بيعت الأرض في وسط الشتاء، لا تؤخر الشفعة إلى أوان الانتفاع (2).
ولعل بينهما فرقا.
ولو كان في الشقص أشجار عليها ثمار لا تستحق بالشفعة، ففي جواز
التأخير إلى وقت القطاف وجهان للشافعية (3).
وعندي أنه يجب الأخذ معجلا.
مسألة 751: لو تصرف المشتري بوقف أو هبة وغيرهما، صح؛ لأنه
واقع في ملكه، وثبوت حق التملك للشفيع لا يمنع المشتري من التصرف،
كما أن حق التملك للواهب بالرجوع (4) لا يمنع تصرف المتهب، وكما أن
حق التملك للزوج بالطلاق لا يمنع تصرف الزوجة.
وعن ابن سريج من الشافعية أن تصرفاته باطلة؛ لأن للشفيع حقا
لا سبيل إلى إبطاله، فأشبه حق المرتهن (5).
وإذا قلنا بالصحة على ما اخترناه نحن - وهو الظاهر من قول الشافعية (6) -
أنه ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت به الشفعة، فللشفيع نقضه، وأخذ

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 5: 521، روضة الطالبين 4: 178.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فالرجوع ". والصحيح ما أثبتناه.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 5: 521، روضة الطالبين 4: 178.
272

الشقص بالشفعة، وإلا تخير بين الأخذ بالأول وفسخ الثاني، وبين إمضائه
والأخذ بالثاني.
وعن المروزي أنه ليس تصرف المشتري بأقل من بنائه، فكما
لا ينقض المشتري بناؤه لا ينبغي أن ينقض تصرفه (1).
واختلفت الشافعية في موضع هذا الوجه:
فمنهم من خصصه بما تثبت فيه الشفعة من التصرفات، أما ما
لا تثبت فله نقضه؛ لتعذر الأخذ به.
ومنهم من عمم وقال: تصرف المشتري يبطل حق الشفيع، كما يبطل
تصرف المشتري المفلس حق الفسخ للبائع، وتصرف المرأة حق الرجوع
إلى العين إذا طلق قبل الدخول، وتصرف المتهب رجوع الواهب. نعم، لو
كان التصرف بيعا، تجدد حق الشفعة بذلك (2).
وعن أبي إسحاق من الشافعية أنها لا تتجدد أيضا؛ لأن تصرف
المشتري إذا كان مبطلا للشفعة، لا يكون مثبتا لها، كما إذا تحرم (3) بالصلاة
ثم شك فجدد نية وتكبيرا، لا تنعقد بها الصلاة؛ لأنه يحصل بها الحل
فلا يحصل العقد (4).
ووجه ظاهر المذهب: أن للشفيع نقض تصرف المشتري؛ لأن حقه
ثابت بأصل العقد، فلا يتمكن المشتري من إبطاله، ولا يشبه تصرف
المفلس وتصرف المرأة في الصداق، فإن حق البائع والزوج لا يبطل
بالكلية، بل ينتقل إلى الثمن والقيمة، والواهب رضي بسقوط حقه حيث
سلمه إليه وسلطه عليه، وهنا لم يبطل حق الشفيع بالكلية، ولم يوجد منه

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 521.
(3) في الطبعة الحجرية: " أحرم " بدل " تحرم ".
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 522.
273

رضا ولا تسليم (1).
قال بعض الشافعية: يجوز أن يبنى الوجهان على القولين فيما إذا
عتقت الأمة تحت عبد وطلقها قبل أن تختار الفسخ، هل ينفذ الطلاق؟
ووجه الشبه: أن الطلاق يبطل حقها في الفسخ ولم تسلطه عليه، كما
ذكرنا في الشفيع (2).
وحكي عن بعضهم أنه لا ينقض الشفعة تصرف الوقف، وينقض
ما عداه (3).
مسألة 752: النخل تتبع الأرض في الشفعة، وبه قال الشافعي (4).
فإن طالب بالشفعة وقد زادت النخل بطول وسعف، رجع في ذلك؛
لأن هذه زيادة غير متميزة، فتبعت الأرض في الرجوع، كسمن الجارية.
اعترض بعض الشافعية بأنه كيف جعلتم النخل تبعا للأرض في
الشفعة وقد قلتم: إن الأرض تتبع النخل في المساقاة، فتجوز المزارعة على
ما بين النخل من البياض تبعا للنخيل!؟
وأجيب: بأنه يجوز أن تكون الأرض تبعا في حكم يختص بالنخل،
والنخل تبعا لها في حكم آخر يختص بالأرض، وإنما لا يجوز أن يكون
الشيء تابعا ومتبوعا في أمر واحد، وقد عرفت الكلب مقيس على الخنزير
في النجاسة، والخنزير مقيس عليه في الغسل من ولوغه عندهم (5).
ولو طلق الزوج قبل الدخول وكان الصداق نخلا وقد طالت، لا يرجع
في النصف؛ لأن الزوج يمكنه الرجوع في القيمة إذا تعذر الرجوع في

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 5: 522.
(4) الحاوي الكبير 7: 269، العزيز شرح الوجيز 5: 484.
(5) لم نعثر على الاعتراض والجواب عنه في المصادر المتوفرة لدينا.
274

العين، والقيمة تنوب منابها، وفي الشفعة إذا لم يرجع في ذلك، سقط حقه
من الشفعة، فلهذا لم يسقط من الأصل لأجل ما حدث من البائع.
إذا عرفت هذا، فإن كان في هذه النخل طلع حدث، نظر فإن كان قد
أبر وتشقق، كان للمشتري؛ لأنه بمنزلة النماء المنفصل من ملكه.
وإن كان لم يؤبر، فهل يتبع في الشفعة؟
أما عندنا فلا؛ لاختصاص الشفعة بالبيع خاصة.
وأما عند الشافعي فقولان (1)، كالمفلس إذا ابتاع نخلا وحدث فيها
طلع لم يؤبر وأراد البائع الرجوع في النخل.
ويفارق ذلك البيع؛ لأنه أزال ملكه باختياره، وكان الطلع تابعا إذا
لم يكن ظاهرا، ويكون في الرد بالعيب كالشفعة.
وكذلك إذا كان انتقال الملك بغير عوض - كالهبة، وفسخ الهبة - فيه
قولان (2).
فإن كان المشتري اشترى النخل وفيها الطلع، فإن كان مؤبرا، فإنه
لا يتبع في البيع، وإذا اشترطه، دخل في البيع، ولا تثبت فيه الشفعة، وإنما
يأخذ الأرض والنخل بحصتهما من الثمن.
فإن كانت غير مؤبرة، تبعت بمطلق العقد.
فإن أخذ الشفيع الشقص قبل أن تؤبر الثمرة، لم يأخذه الشفيع
بالثمرة إن تجددت بعد الشراء.
وإن كانت موجودة حال البيع، فالأقوى: الدخول في الشفعة، كما
دخلت في البيع، فصارت بمنزلة النخل في الأرض.

(1 و 2) لم نعثر عليه في مظانه.
275

وإن أخذ الشقص بعد التأبير، لم يتبعه الطلع.
وقال بعض الشافعية: إذا أخذ الشفيع الشقص قبل أن يؤبر الطلع،
كان في الطلع القولان؛ لأنه لو ثبت حق الشفيع في هذا الطلع، لوجب أن
يأخذه وإن تشقق؛ لأن ذلك زيادة متصلة (1).
والغراس تبع في الشفعة؛ لأنه يراد للتبقية في الأرض والتأبيد.
مسألة 753: إذا تبايعا بثمن ثم زاده المشتري عليه زيادة أو نقص
البائع منه شيئا بعد العقد، فإن كان ما اتفقا عليه من الزيادة أو الحط بعد
لزوم البيع وانقضاء الخيار، لم يكن للشفيع في ذلك حق، ولا عليه شيء
لا في حط الكل ولا في حط البعض؛ لأن الشفيع إنما يأخذ بما استقر عليه
العقد، والذي استقر عليه المسمى.
ولو كان في زمن الخيار، لم يلحق أيضا الشفيع عندنا؛ لوقوع العقد
على شيء، فلا تضر الزيادة والنقيصة بعده.
وقال الشافعي: يثبت ذلك التغيير في حق الشفيع في أحد الوجهين؛
لأن حق الشفيع إنما ثبت إذا تم العقد، وإنما يستحق بالثمن الذي هو ثابت
في حال استحقاقه. ولأن زمن الخيار بمنزلة حالة العقد، والتغيير يلحق
بالعقد؛ لأنهما على اختيارهما فيه كما كانا في حال العقد (2).
فأما إذا انقضى الخيار و انبرم (3) العقد فزاد أو نقص، لم يلحق
بالعقد؛ [لأن الزيادة] (4) لا تثبت إلا أن تكون هبة مقبوضة، والنقصان يكون

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) الوجيز 1: 218، العزيز شرح الوجيز 5: 513، روضة الطالبين 4: 173،
المغني 5: 506، الشرح الكبير 5: 522.
(3) في الطبعة الحجرية: " لزم " بدل " انبرم ".
(4) بدل ما بين المعقوفين في " س، ي " والطبعة الحجرية: " والزيادة ". و الظاهر ما
أثبتناه كما في المغني والشرح الكبير.
276

إبراء، ولا يثبت [ذلك] (1) في حق الشفيع، وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يثبت النقصان بعد الخيار للشفيع، ولا تثبت الزيادة
وإن كانا (3) عنده يلحقان بالعقد، ويقول: الزيادة تضر بالشفيع
فلم يملكها (4).
وهو غلط؛ لأن ذلك تغير بعد استقرار العقد، فلم يثبت في حق
الشفيع، كالزيادة.
والفرق ليس بصحيح؛ لأن ذلك لو لحق بالعقد، لثبت في حقه وإن
أضر به، كما لو كان في زمن الخيار.
ولو حط كل الثمن في زمن الخيار، لم يلحق الحط عندنا بالشفعة
- وبه قال الشافعي (5) - لأن ذلك بمنزلة ما لو باع بلا ثمن، فلا شفعة
للشريك؛ لأنه يصير هبة، فيبطل على رأي، ويصح على رأي.
أما إذا حط منه أرش العيب، فإنه يثبت في حق الشفيع؛ لأنه سقط
بجزء فقد من المبيع، ولهذا فاته جزء من الثمن.
مسألة 754: لو كان ثمن الشقص عبدا، ثبتت الشفعة عندنا، خلافا
لبعض علمائنا وبعض الجمهور، وقد سبق (6)، ويأخذ الشفيع بقيمة العبد.
فإن وجد البائع بالعبد عيبا، فإما أن يكون [قبل] (7) أن يحدث عنده

(1) ما بين المعقوفين من المغني والشرح الكبير.
(2) المصادر في الهامش (2) من ص 276.
(3) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " كان " بدل " كانا ". وما أثبتناه من المغني والشرح
الكبير.
(4) المغني 5: 506، الشرح الكبير 5: 522، العزيز شرح الوجيز 5: 513.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 513، روضة الطالبين 4: 173.
(6) في ص 257، المسألة 745.
(7) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " بعد " بدل " قبل ". والصحيح ما أثبتناه.
277

عيب أو يكون الوقوف على العيب بعد حدوث عيب عنده. فإن علمه قبل
أن يحدث عنده عيب، فإما أن يكون ذلك بعد أخذ الشفيع بالشفعة أو قبله.
فإن وقف عليه بعد أخذ الشفيع، كان له رد العبد على المشتري،
ولم يكن له استرجاع الشقص؛ لأن الشقص قد ملكه بالأخذ، فلم يكن
للبائع إبطال ملكه، كما لو كان المشتري قد باعه ثم وجد البائع بالثمن عيبا،
فإنه يرده، ولا يفسخ بيع المشتري، ويرجع البائع إلى قيمة الشقص، كذا هنا.
وقال بعض الشافعية: يسترد المشتري الشقص من الشفيع، ويرد
عليه ما أخذه، ويسلم الشقص إلى البائع؛ لأن الشفيع نازل منزلة المشتري،
فرد البائع يتضمن نقض ملكه، كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في
ملكه (1).
والمشهور عندهم (2) ما قلناه.
فإذا دفع الشفيع قيمة العبد إلى المشتري ودفع المشتري إلى البائع
قيمة الشقص، فإن تساويا، فلا بحث. وإن تفاوتا، لم يرجع المشتري على
الشفيع إن كانت قيمة الشقص أكثر بشيء، ولا يرجع الشفيع على المشتري
إن كانت قيمة العبد أكثر - وهو أحد قولي الشافعية (3) - لأن الشفيع أخذه
بالثمن الذي وقع عليه العقد، فلا يلزمه أكثر من ذلك.
والثاني: يتراجعان؛ لأن المشتري استقر عليه عوض الشفيع قيمته،
فينبغي أن يستحق ذلك على الشفيع، فيرجع كل من كان ما دفعه أكثر على
صاحبه بالزيادة (4).
ولو عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو ميراث أو غير ذلك،

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 514، وأيضا: فتح العزيز 11: 457، روضة الطالبين 4:
174.
(2 - 4) العزيز شرح الوجيز 5: 514، روضة الطالبين 4: 174.
278

لم يكن للبائع أخذه منه، بخلاف الغاصب إذا دفع القيمة لتعذر رد
المغصوب ثم قدر عليه، فإنه يجب عليه رده على المالك، واسترداد
ما دفعه من القيمة؛ لأن المالك لم يزل ملكه عن المغصوب بالتقويم ودفع
القيمة، وإنما أخذنا القيمة للضرورة وقد زالت، وهنا زال ملك البائع عنه
وصار ملكا للشفيع، وانقطع حقه عنه، وإنما انتقل حقه إلى القيمة، فإذا
أخذها، لم يبق له حق.
وحكى بعض الشافعية فيه وجهين بناء على أن الزائل العائد كالذي
لم يزل، أو كالذي لم يعد؟ (1)
وأما إذا كان قد علم بالعيب قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة، فهنا
حقان، ففي تقديم أيهما للشافعية وجهان:
أحدهما: الشفيع أولى؛ لأن حقه سبق حق البائع في الرد.
والثاني: البائع أولى؛ لأن الشفعة تثبت لإزالة الضرر عن الشريك،
فلا نثبتها مع تضرر البائع بإثباتها (2).
وحكى الجويني الجزم بتقديم البائع (3).
والوجه عندي: تقديم حق الشفيع؛ لسبقه.
فإذا قلنا: الشفيع أحق، فإن البائع يأخذ من المشتري قيمة الشقص،
ويرجع المشتري على الشفيع بقيمة العبد، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: يرجع على الشفيع بقيمة الشقص (4).
ولو وجد البائع العيب في العبد بعد أن حدث عنده عيب أو بعد

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 515، روضة الطالبين 4: 174.
(2 و 3) العزيز شرح الوجيز 5: 514، روضة الطالبين 4: 173.
(4) لم نعثر عليه في مظانه.
279

تصرفه، لم يكن له رده، وكان له على المشتري الأرش.
ثم إن كان الشفيع دفع إليه أولا قيمة عبد سليم، فلا يرجع عليه
بشيء.
وإن كان دفع قيمة معيب، فالأقرب: أنه يرجع عليه - وهو أحد
وجهي الشافعية (1) - لأن الثمن الذي استقر على المشتري العبد والأرش،
فينبغي أن يرجع بهما.
والثاني: أنه لا يرجع؛ لأنه استحقه بما سمي في العقد (2).
قال بعض الشافعية: ينبغي أن يرجع هنا وجها واحدا، بخلاف ما
تقدم من قيمة الشقص؛ لأن العقد اقتضى سلامة العبد، وما دفع إلا
ما اقتضاه العقد، بخلاف قيمة الشقص، ولهذا إذا كان دفع إليه قيمة عبد
سليم، لم يكن للشفيع أن يرجع عليه بقدر قيمة العيب، فإذا لم يدفعه،
وجب دفعه، فثبت أنه مستحق عليه بالبيع (3).
ولو رضي البائع بالعيب ولم يرد ولا أخذ الأرش، فالأقوى: أن
الشفيع يدفع قيمة العبد السليم؛ لأن ذلك نوع إسقاط من الثمن بعد العقد،
فلا يلحق الشفيع، وهو أحد وجهي الشافعية. والثاني: تجب على الشفيع
قيمة المعيب حتى لو بذل قيمة السليم، استرد قسط السلامة من المشتري (4).
وغلط الجويني قائله (5).
تذنيب: للمشتري رد الشقص بالعيب على البائع، وللشفيع رده على
المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الأخذ. ثم لو وجد المشتري
العيب بعد أخذ الشفيع، فلا رد في الحال، ولا أرش له على مذهب

(1 - 5) العزيز شرح الوجيز 5: 515، روضة الطالبين 4: 174.
280

الشافعي (1)، المشهور. ويجيء فيه الخلاف فيما إذا باعه. ولو رد عليه
الشفيع بالعيب، رده حينئذ على البائع.
ولو وجد المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع ومنعه عيب
حادث من الرد فأخذ الأرش القديم، حط ذلك عن الشفيع.
وإن قدر على الرد لكن توافقا على الأرش، صح عندنا؛ لأن الأرش
أحد الحقين.
وللشافعية وجهان إن صححناها (2)، ففي حطه عن الشفيع وجهان
أصحهما عندهم: الحط. والثاني: لا؛ لأنه تبرع من البائع (3)، وهو الذي
اخترناه نحن.
مسألة 755: تثبت الشفعة للمفلس، فإذا بيع شقص في شركته، كان
له الأخذ والعفو، ولم يكن للغرماء الاعتراض عليه؛ لأنه إذا أراد الترك،
لم نجبره على الأخذ؛ لأنه تملك، وإن أراد الأخذ فإنما يأخذ بثمن في
ذمته، وليس بمحجور عليه في ذمته.
ولو مات مفلس وله شقص فباع شريكه، كان لوارثه الشفعة، خلافا
لأبي حنيفة (4).
وللمكاتب أيضا الأخذ بالشفعة والترك لها، وليس للسيد الاعتراض
عليه؛ لأن التصرف وقع له دون السيد، بل وله الأخذ من سيده لو كان هو
المشتري، وبالعكس.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 515، روضة الطالبين 4: 174.
(2) أي الموافقة التي دل عليها قوله: " توافقا ".
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 515، روضة الطالبين 4: 174 - 175.
(4) المغني 5: 538، الشرح الكبير 5: 517.
281

والمأذون له في التجارة، فإن أخذ بالشفعة، جاز؛ لأنه مأذون له في
الشراء، وإن عفا، كان للسيد إبطال عفوه؛ لأن الملك للسيد، فإن أسقطها
السيد، سقطت، ولم يكن للعبد أن يأخذ؛ لأن للسيد الحجر عليه.
وللوكيل العام الأخذ بالشفعة مع الغبطة. ولو عفا معها، صح عفوه،
ولم يكن للموكل المطالبة بها.
وللسفيه أن يأخذ بالشفعة، ويأذن الولي أو يتولاه.
إذا عرفت هذا، فلو أراد المفلس بعد الحجر عليه الأخذ بالشفعة
بدفع الثمن، منع من ذلك؛ لأن الحجر يقتضيه.
مسألة 756: للعامل في المضاربة الأخذ بالشفعة إذا بيع شقص في
شركة المضاربة، فإذا أخذ فإن كان هناك ربح، فلا حصة له في ذلك، بل
الجميع للمالك؛ لأن العامل لا يملكه بالبيع، فالجميع لصاحب المال، وكذا
إن لم يكن ربح، وللعامل الأجرة. ولو ترك، كان لرب المال الأخذ؛ لأن
المشترى بمال المضاربة ملكه.
هذا إذا لم يظهر في الحصة التي اشتراها المضارب ربح، ولو كان قد
ظهر فيه ربح، لم يكن هناك شفعة لا للعامل ولا لرب المال؛ لزيادة الشركة
على اثنين.
ولو اشترى العامل بمال المضاربة شقصا لرب المال فيه شركة، فهل
تثبت له الشفعة؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: تثبت له؛ لأن مال المضاربة كالمنفرد عن ملكه؛ لتعلق حق
الغير به وهو العامل، ويجوز أن يثبت له على ملكه حق لأجل الغير، كما
يثبت له على عبده المرهون حق الجناية.
والثاني: لا تثبت؛ لأنه لا يجوز أن يستحق أن يتملك ملكه، ويخالف
282

الجناية؛ لأنها ليست بملك (1).
وقال ابن سريج وجها ثالثا: أن له أن يأخذ بحكم فسخ المضاربة،
وهذا ليس من الشفعة (2).
فأما إن كان العامل شفيعه، فإن لم يكن له (3) ربح، فله الشفعة، وإن
كان وقلنا: لا يملك بالظهور، فكذلك. وإن قلنا: يملك بالظهور، ففي
الشفعة للشافعية وجهان (4)، كما قلنا في رب المال.
مسألة 757: الشفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر، عند علمائنا
كافة، وهو قول جميع العامة، إلا النخعي؛ فإنه قال: الشفعة تسقط بالغيبة (5).
وهو غلط؛ لأن العمومات دالة على المتنازع.
وما رواه الخاصة عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال (6): " للغائب
شفعة " (7).
إذا ثبت هذا، فإذا بلغه الخبر، طالب حينئذ، فإن أخر مع إمكان
المطالبة، بطلت شفعته.
مسألة 758: اختلفت علماؤنا (رحمهم الله) في أن الشفعة هل تورث أم لا؟
فقال السيد المرتضى (8) ومن (9) تبعه: إنها تورث، ولا تسقط بموت

(1) حلية العلماء 5: 274.
(2) حلية العلماء 5: 275.
(3) كلمة " له " لم ترد في " س " وفي " ي " سقطت جملة " فإن لم يكن... فله الشفعة ".
(4) المغني 5: 499.
(5) مختصر اختلاف العلماء 4: 251 / 1971، المغني 5: 485، الشرح الكبير 5: 477.
(6) في النسخ الخطية والحجرية: " فإن " بدل " قال ". وذلك تصحيف.
(7) الفقيه 3: 46 / 160، التهذيب 7: 166 / 737.
(8) الانتصار: 217.
(9) كالشيخ الطوسي في الخلاف 3: 27، المسألة 36.
283

مستحقها ولا بترك مطالبته إن قلنا: إنها على التراخي أو كان بعدها (1) إن
قلنا: على الفور - وبه قال الشافعي ومالك وعبيد الله بن الحسن العنبري (2) -
لأنه حق يتعلق بالمال، فكان موروثا كغيره من الحقوق المالية. ولأنه خيار
ثابت لإزالة الضرر عن المال، فكان موروثا، كخيار الرد بالعيب.
وقال الشيخ (3) وجماعة من علمائنا (4): إنها غير موروثة، وإذا مات
المستحق، بطلت - وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل (5) - لما
رواه طلحة بن زيد عن الصادق عن الباقر عن علي (عليهم السلام)، قال: " لا شفعة
إلا لشريك [غير] (6) مقاسم " وقال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يشفع في
المحدود، وقال: لا تورث الشفعة " (7).
ولأنه خيار لاستخلاف مال، فيبطل (8) بالموت، كخيار القبول.
وفي طريق الرواية قول؛ لأن طلحة بن زيد بتري.
والفرق أن خيار القبول غير ثابت، فإن للموجب أن يبطله قبل قبول
القابل.

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " بعده ". والظاهر ما أثبتناه. أي: كان الموت بعد المطالبة.
(2) الحاوي الكبير 7: 257، حلية العلماء 5: 316، التهذيب - للبغوي - 4: 359،
العزيز شرح الوجيز 5: 527، روضة الطالبين 4: 182، مختصر اختلاف العلماء
4: 249 / 1966، المغني 5: 536 - 537، الشرح الكبير 5: 516.
(3) الخلاف 3: 436، المسألة 12، النهاية: 425 - 426.
(4) كالقاضي ابن البراج في المهذب 1: 459، وابن حمزة في الوسيلة: 259.
(5) الحاوي الكبير 7: 257، التهذيب - للبغوي - 4: 359، حلية العلماء 5: 316،
العزيز شرح الوجيز 5: 527، بدائع الصنائع 5: 14 و 22، مختصر اختلاف
العلماء 4: 248 / 1966، المغني 5: 536، الشرح الكبير 5: 516.
(6) ما بين المعقوفين من المصدر.
(7) التهذيب 7: 167 / 741.
(8) في " س، ي ": " فبطل ".
284

إذا ثبت هذا، فإن الشفعة تثبت للورثة على قدر الأنصباء، فللزوجة
الثمن، وللأبوين السدسان، وللذكر الباقي لو اجتمعوا. وبالجملة، على قدر
الميراث.
واختلفت الشافعية، فقال بعضهم: إن الشافعي قال: إنها على عدد
الرؤوس، ونقله المزني عنه. وقال بعضهم: هذا لا يحفظ عن الشافعي،
فإن الجماعة إذا ورثوا أخذوا الشفعة بحسب فروضهم قولا واحدا؛ لأنهم
يرثون الشفعة عن الميت، لا أنهم يأخذونها بالملك. وقال جماعة من
الشافعية: إنها على قولين (1).
إذا عرفت هذا، فإذا كان الوارث اثنين (2) فعفا أحدهما، صح عفوه
في حق نفسه، وسقط نصيبه من الشفعة بمعنى أنه ليس له المطالبة بها،
وللآخر جميع الشقص؛ لأنها شفعة وضعت لإزالة الضرر، فلا يثبت بها
الضرر. ولأنها شفعة تثبت لاثنين، فإذا عفا أحدهما توفر على الآخر،
كالشريكين إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة - وهو أحد وجهي الشافعية (3) - وكما
لو عفا أحد الوارثين عن نصيبه في حد القذف.
والثاني لهم: أن حق الآخر يسقط أيضا؛ لأنهما ينوبان مناب
الموروث، ولو عفا الموروث عن بعضها، سقط جميعها (4).
والفرق: أن الشفعة تثبت لواحد هو الموروث. ولأنه يؤدي إلى
تبعيض الشقص، بخلاف مسألتنا.
والوجه عندي أن حق العافي للمشتري؛ لأنهما لو عفوا معا، لكان

(1) أنظر: الحاوي الكبير 7: 259، وحلية العلماء 5: 316، والتهذيب - للبغوي -
4: 361 - 362، والعزيز شرح الوجيز 5: 527 - 528، وروضة الطالبين 4: 182.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " اثنان ". والصحيح ما أثبتناه.
(3 و 4) الحاوي الكبير 7: 259.
285

الشقص له، فكذا إذا عفا أحدهما، يكون نصيبه له، بخلاف حد القذف؛
فإنه وضع للزجر، فلله تعالى فيه حق.
مسألة 759: إذا خرج الشقص مستحقا، كانت عهدة المشتري فيه
على البائع، وعهدة الشفيع على المشتري، سواء أخذ الشفيع الشقص من
يد البائع أو من يد المشتري؛ لأن المشتري يجب عليه أن يتسلمه من البائع
ويسلمه إلى الشفيع، فإن غاب أو امتنع، أقام الحاكم من يسلمه إلى
المشتري ويسلمه إلى الشفيع. ولو حكم الحاكم بتسلمه منه، كان كما لو
سلمه المشتري؛ لأن التسليم حق على المشتري - وبه قال الشافعي
وأحمد (1) - لأن الشفعة مستحقة بعد الشراء وحصول ذلك للمشتري، فإذا
زال الملك من المشتري إليه بالثمن، كانت العهدة عليه، كالمشتري مع
البائع، بخلاف الشفيع.
وأما إذا أخذه من البائع، فقد قلنا: إنه يأخذه بأمر الحاكم إن أذن له
في ذلك؛ لأنه تسليم مستحق على المشتري، لينوب ذلك مناب قبض
المشتري.
ولو انفسخ عقد المشتري، بطلت الشفعة؛ لأنها استحقت به.
وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: تجب عهدة الشفيع على البائع؛ لأن
الحق ثبت له بإيجاب البائع، فصار كالمشتري (2).
وقال أبو حنيفة: إن أخذه من المشتري، كانت العهدة على

(1) مختصر المزني: 120، الحاوي الكبير 7: 283، حلية العلماء 5: 310، العزيز
شرح الوجيز 5: 545 - 546، مختصر اختلاف العلماء 4: 243 / 1950، المغني
5: 534، الشرح الكبير 5: 540.
(2) الحاوي الكبير 7: 283، حلية العلماء 5: 311، مختصر اختلاف العلماء 4:
242 / 1950، المغني 5: 534، الشرح الكبير 5: 540.
286

المشتري، وإن أخذه من يد البائع، كانت العهدة على البائع؛ لأن الشفيع إذا
أخذه من يد البائع، تعذر القبض، وإذا تعذر القبض، انفسخ البيع بين البائع
والمشتري، فكأن الشفيع - إذا أخذ من البائع - مبتاع منه (1).
وهو خطأ؛ لأنه لو انفسخ البيع بطلت الشفعة.
تذنيب: لو أخذ الشفيع الشقص وبنى أو غرس ثم ظهر الاستحقاق،
وقلع المستحق بناءه وغرسه، فالقول فيما يرجع الشفيع على المشتري من
الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك كالقول في رجوع
المشتري من الغاصب عليه.
مسألة 760: لو كان الثمن دنانير معينة، تعينت بالعقد على قولنا
وقول الشافعي (2)، خلافا لأبي حنيفة (3)، وقد سبق (4). فإذا تعينت وظهر
أنها مستحقة، فالشراء والشفعة باطلان.
ولو كان الشراء بمال في الذمة، لم يتعين في المدفوع، فلو ظهر
المدفوع مستحقا، لم يبطل البيع ولا الشفعة؛ لأن الشراء صحيح، والشفعة
تابعة له.
ولو استحقت الدنانير التي وزنها الشفيع، لم تبطل الشفعة، سواء أخذ
الشفعة بعين تلك الدنانير المستحقة أو بدنانير في ذمته؛ لأنه استحق الشفعة
لا بعين ما دفعه، بل بما يساوي الثمن الذي دفعه المشتري، وهو أمر كلى

(1) مختصر اختلاف العلماء 4: 242 / 1950، الحاوي الكبير 7: 283، حلية العلماء
5: 311، العزيز شرح الوجيز 5: 546، المغني 5: 534، الشرح الكبير 5:
540.
(2) راجع المصادر في الهامش (4) من ص 427 من ج 10 من هذا الكتاب.
(3) راجع المصادر في الهامش (2) من ص 428 من ج 10 من هذا الكتاب.
(4) في ج 10، ص 427 - 428، المسألة 215.
287

يشتمل على كل النقود، فإذا أعطاه شيئا وظهر استحقاقه، كان عليه إبداله؛
لأن الدفع ظهر بطلانه، ولا تبطل شفعته، وليس ذلك تركا للشفعة؛ لأنه
يجوز أن يعتقدها له أو تغلط البينة عليه، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: البطلان؛ لأنه إذا أخذ بما لا يجوز الأخذ به، صار كأنه تركها
مع القدرة عليه (1).
ويمنع أنه ترك.
مسألة 761: لو كان الثمن عبدا وأخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد ثم
خرج العبد مستحقا، فإن قامت البينة أنه مغصوب، أو أقر المتبايعان
والشفيع أنه مغصوب، حكمنا ببطلان البيع والشفعة، ويرد العبد على
صاحبه، والشقص على بائعه؛ لأن البيع إذا كان باطلا، لا تثبت فيه الشفعة.
فإن لم تقم البينة بذلك وإنما أقر به المتبايعان وأنكر الشفيع، لم يقبل
قولهما عليه، ويرد العبد على صاحبه؛ لاعترافهما باستحقاقه له، ويرجع
البائع على المشتري بقيمة الشقص؛ لاعتراف المشتري ببطلان البيع وقد
تعذر عليه دفع المبيع، فكان كالإتلاف. وينبغي أن لا يرجع أحدهما
بالفضل على صاحبه لو كان؛ لأن الشفيع منكر لاستحقاق قيمة الشقص،
وبه قال الشافعي (2).
مسألة 762: قد بينا أن الشفعة تتبع البيع دون غيره من العقود مطلقا.
وأثبت الشافعي الشفعة في عقود المعاوضات (3).
إذا عرفت هذا، فنقول: دية الموضحة عندنا خمس من الإبل، أو

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 517، روضة الطالبين 4: 176.
(2) لم نعثر عليه في مظانه.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 497، روضة الطالبين 4: 163.
288

خمسون دينارا، أو خمسمائة درهم، أو خمسون شاة، أو عشرة من البقر،
أو من الحلل (1) على ما يأتي.
وعند الشافعي أنها خمس من الإبل، فإن أعوزت، فقولان، أحدهما:
ينتقل إلى مقدر، وهو خمسون دينارا أو خمسمائة درهم نصف عشر
الدية. والثاني: إلى قيمتها.
فإن أعوزت الإبل وقلنا: ينتقل إلى مقدر فصالحه منه على شقص مع
معرفته، صح الصلح، وتثبت فيه الشفعة عنده بالعوض.
وإن قلنا: ينتقل إلى قيمتها فإن علماها وذكراها وتصالحا عليها،
صح، وتثبت الشفعة أيضا بذلك. وإن لم يعلما أو أحدهما، لم يصح
الصلح، ولا تثبت شفعة.
وإن كانت الإبل موجودة فاصطلحا بالشقص عنها، فإن كانا لا يعلمان
ذلك، ففي الصلح عنها قولان:
أحدهما: يصح؛ لأنها معلومة العدد والأسنان، وإنما يجهل قدها
ولونها، وذلك يقتضي أقل ما يقع عليه الاسم.
والثاني: لا يصح؛ لأن القد واللون مقصودان، فإذا جهل (2)، لم يصح
الصلح، فإذا قلنا: يصح، تثبت الشفعة، وأخذ الشقص بقيمة الإبل. وإذا
قلنا: لا يصح الصلح، لم تثبت شفعة (3).
وهذا كله ساقط عندنا.
مسألة 763: إذا ارتد المشتري فقتل أو مات قبل رجوعه إلى

(1) كذا، حيث لم يذكر المصنف (قدس سره) عدد الحلل.
(2) كذا، والظاهر: " جهلا ".
(3) لم نعثر عليه في مظانه.
289

الإسلام، كان للشفيع أخذه بالشفعة؛ لأنه استحقها بالبيع، والانتقال بالموت
أو القتل لا يخرجه عن الاستحقاق، كما لو مات المشتري بعد البيع، كان
للشفيع الأخذ بالشفعة.
قال الشافعي: إنه بقتله أو موته ينتقل الشقص عنه إلى المسلمين (1)،
وذلك لا يمنع الشفعة، كما لو اشترى شقصا فيه شفعة ثم باعه، ويكون
المطالب الإمام أو نائبه. وعندنا إلى ورثته إن كان له وارث مسلم، وإلا كان
ميراثه للإمام، فتكون الشفعة على من انتقل الملك إليه.
ولو ارتد الشفيع وقتل بالردة أو مات، كانت الشفعة للمسلمين عند
الشافعي (2) - وعندنا لوارثه - إن كان قد طالب بها، وإن لم يطالب، فإن
جعلناه كالكافر، سقطت شفعته، وهو الأقوى عندي. وإن جعلناه كالمسلم،
فالشفعة لوارثه.
ولو مات الشفيع المسلم ولا وارث له، انتقل نصيبه إلى الإمام عندنا،
وعند الشافعي إلى المسلمين (3). فعلى قولنا يكون المستحق للشفعة الإمام،
وعلى قوله المسلمون، ويطالب لهم الإمام.
مسألة 764: إذا اشترى شقصا فيه شفعة ووصى به فمات ثم جاء
الشفيع والموصى له يطالبان، كان الشقص للشفيع؛ لسبق استحقاقه، ويدفع
الثمن إلى الورثة دون الموصى له؛ لأنه لم يوص له إلا بالشقص وقد سقط
حقه.

(1 و 2) التهذيب - للبغوي - 4: 372.
(3) أنظر: الحاوي الكبير 7: 257 - 258.
290

البحث الخامس: في التنازع.
مسألة 765: لو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن، فقال
المشتري: اشتريته بمائة، وقال الشفيع: بل بخمسين، فأيهما أقام البينة
على ما ادعاه حكم له بها.
ويثبت ذلك بشاهدين وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين؛ لأنه مال.
ولا تقبل فيه شهادة البائع؛ لأنه يشهد على فعل نفسه، وقد تلحقه
التهمة إذا شهد للشفيع، فإنه إذا نقص الثمن نقص ضمان الدرك، وبه قال
الشافعي؛ لأنه يشهد بحق لنفسه وفعل نفسه (1).
وقال بعض أصحابه: تقبل؛ لأنه لا يجر لنفسه نفعا، والثمن ثابت له
بإقرار المشتري (2).
وقد ذكرنا في القواعد (3) احتمالا حسنا، وهو أنه تقبل شهادة البائع
على الشفيع بعد القبض، وللشفيع بدون القبض؛ لأنه إذا شهد على الشفيع
بالمائة، انتفت التهمة عنه؛ لاعترافه بأنه ضامن لمائة، وإذا شهد له بخمسين
قبل القبض، فقد اعترف أنه لا يستحق على المشتري أكثر من الخمسين،
وأن المشتري لا يجب عليه أكثر منها، فإذا دفعها، برئت ذمته باعترافه،
وكان ضامنا لها خاصة؛ إذ لا يقبض البائع أكثر منها.
ولو أقام كل منهما بينة، قال الشيخ (رحمه الله): تقدم بينة المشتري؛ لأنه هو
المدعي للثمن، والشفيع ينكره (4). ولأنه أعلم بعقده - وهو أحد قولي

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 523، روضة الطالبين 4: 180.
(3) قواعد الأحكام 1: 267.
(4) الخلاف 3: 431 - 432، المسألة 6 من كتاب الشفعة.
291

الشافعي (1) - كما تقدم بينة الداخل على الخارج، و [المشتري] (2) هنا داخل.
ولأن [المشتري] (3) كالبائع، فيقدم قوله في قدر الثمن عندنا مع بقاء
السلعة، وبه قال أبو يوسف (4) أيضا.
وقال أبو حنيفة ومحمد: القول قول الشفيع؛ لأنه منكر. ولأنه
الخارج (5).
ولا بأس به عندي.
وللشافعي قول آخر: إن البينتين تتعارضان هنا، ولا تقدم بينة
المشتري لأجل اليد؛ لأنهما لا يتنازعان في اليد، وإنما يتنازعان فيما وقع
عليه العقد، فحينئذ تسقطان، ويكون الحال كما لا بينة لواحد منهما (6).
وقال بعض الشافعية: يقرع وتقدم بالقرعة. وهل يحلف من خرجت
له القرعة؟ قولان (7).
ولو لم يكن لواحد منهما بينة، قدم قول المشتري مع يمينه؛ لأنه
المالك، فلا تزول يده إلا بما يدعيه إذا لم تكن بينة، كما أن المشتري
لا يملك المبيع إلا بما يقر به البائع من الثمن.
لا يقال: الشفيع غارم فيقدم قوله، كما في الغاصب والمتلف
والضامن لنصيب شريكه إذا أعتق شريكه نصيبه.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 523، روضة الطالبين 4: 180.
(2 و 3) بدل ما بين المعقوفين في الموضعين في النسخ الخطية والحجرية " الشفيع ".
وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(4 و 5) بدائع الصنائع 5: 31، الهداية - للمرغيناني - 4: 30، الحاوي الكبير 7:
246، المغني 5: 515، الشرح الكبير 5: 525.
(6 و 7) الحاوي الكبير 7: 246.
292

لأنا نقول: الشفيع ليس بغارم؛ لأنه لا شيء عليه، وإنما يريد أن
يتملك الشقص، بخلاف الغاصب والمتلف، وأما المعتق فإن [قلنا:] (1)
العتق يسري باللفظ، فقد وجب عليه قيمته وهو غارم، وإذا قلنا: يسري
بأداء القيمة أو مراعى، كان القول قول المالك؛ لأن العتق لا يثبت عليه
القيمة مثل مسألتنا.
لا يقال: لم لا قلتم: يتحالف المشتري والشفيع، كما قلتم في البائع
والمشتري إذا اختلفا في الثمن؟
لأنا نقول: إذا اختلف المتبايعان، فكل منهما مدع ومدعى عليه،
فتحالفا، وليس كذلك هنا؛ فإن الشفيع مدع للشقص، والمشتري لا يدعي
عليه شيئا؛ لأن المشتري إذا ثبت له ما قال، كان الشفيع بالخيار. ولأن
المتبايعين قد باشرا العقد، بخلاف الشفيع والمشتري.
ولو نكل المشتري عن اليمين، حلف الشفيع على دعواه، وأخذ بما
ادعاه.
ولو شهد البائع للشفيع، فللشافعية وجوه:
أحدها: لا تقبل، وقطع به العراقيون؛ لأنه يشهد على فعله، كما مر.
والثاني: نعم، وصححه البغوي؛ لأنه ينقض حقه.
والثالث: إن شهد قبل قبضه الثمن، قبلت؛ لأنه ينقض حقه؛ إذ
لا يأخذ أكثر مما شهد به. وإن شهد بعده، فلا؛ لأنه يجر إلى نفسه نفعا،
فإنه إذا قل الثمن قل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق (2).

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 523، روضة الطالبين 4: 180.
293

تذنيب: لو ادعى المشتري أن هذا البناء مما أحدثه بعد الشراء وأنكر
ذلك الشفيع، قدم قول المشتري؛ لأن ذلك ملكه، والشفيع يريد تملكه
عليه، فكان القول قول المالك، وبه قال ابن سريج (1)
مسألة 766: إذا اختلف المتبايعان في الثمن، فقد قلنا: إن القول قول
البائع مع يمينه مع بقاء السلعة، فإذا حلف البائع، أخذ من المشتري
ما حلف عليه.
ثم الشفيع إن صدق البائع، دفع ما حلف عليه، وليس للمشتري
المطالبة به؛ لأنه يدعي أن ما أخذه البائع زائدا عما ادعاه ظلم، فلا يطالب
غير من ظلمه.
وإن لم يعترف بما قال البائع، أدى ما ادعاه المشتري ثمنا.
ولو قلنا: إن القول قول المشتري في الثمن فيثبت قول البائع بالبينة أو
باليمين المردودة، فالحكم كما تقدم.
وتقبل شهادة الشفيع للبائع؛ لأنه الغارم في الحقيقة إن أخذ الشفعة،
وإلا فلا تهمة، ولا تقبل للمشتري؛ لأنه متهم في تقليل الثمن، فإنه يدفع
عن نفسه المطالبة بالزائد.
ولو تحالفا - كما هو مذهب الشافعي (2) - عند عدم البينة، وفسخ
عقدهما أو انفسخ، فإن جرى ذلك بعدما أخذ الشفيع الشقص، أقر في
يده، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع.
وإن جرى قبل الأخذ، فالأقرب: عدم سقوط حقه؛ لاعترافهما معا
بجريان البيع واستحقاقه للشفعة، فيأخذها بما قال البائع؛ لحلفه عليه،

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 523، روضة الطالبين 4: 180.
294

لا بما حلف عليه المشتري؛ لأن للبائع فسخ البيع، فإذا أخذه بما قال
المشتري، منع منه. وإن رضي المشتري بأخذه بما قال البائع، جاز، وملك
الشفيع أخذه بما قال المشتري، فإن عاد المشتري وصدق البائع وقال: كنت
غالطا، فالأقرب: أن للشفيع أخذه بما حلف عليه
وللشافعية في سقوط الشفعة وجهان سبقا في خروجه معيبا، فإن
قلنا: لا تسقط، أخذه بما حلف عليه البائع - كما قلناه - لاعتراف البائع
باستحقاق الشفيع الأخذ بذلك الثمن، فيأخذ منه، وتكون عهدته على البائع
خاصة، لا على المشتري؛ لانفساخ عقده (1).
مسألة 767: لو ادعى على رجل شفعة في شقص اشتراه، فقال له
المدعى عليه: ليس لك ملك في شركتي، قدم قول المدعى عليه مع
اليمين، وكان على طالب الشفعة البينة أنه يملك شقصا في شركة المشتري
- وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن (2) - لأن الملك لا يثبت
بمجرد اليد، وإذا لم يثبت الملك المستحق به الشفعة، لم تثبت الشفعة.
ومجرد الظاهر لا يكفي، كما لو ادعى ولد أمة في يده.
وقال أبو يوسف: إذا كان في يده، استحق به الشفعة؛ لأن الظاهر من
اليد الملك (3). ولا بأس به عندي.
ولو لم تكن بينة، حلف المشتري - إن ادعى الطالب علمه بالشركة -
على نفي علمه بالشركة؛ لأنها يمين على نفي فعل الغير، فإذا حلف،

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 523، روضة الطالبين 4: 180.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 524، روضة الطالبين 4: 180، المغني 5: 519،
الشرح الكبير 5: 532.
(3) المغني 5: 519، الشرح الكبير 5: 532.
295

سقطت دعواه، ولا يحلف على نفي شركته. ولو نكل، حلف الطالب على
القطع بأنه شريك؛ لأنها يمين على إثبات فعل، فإن حلف، استحق الشفعة،
وإن نكل، سقطت.
فلو اعترف الشريك - بعد نكول الطالب وسقوط شفعته - بصدقه،
كان عليه دفع الحصة بالشفعة، ولم يضر التأخير؛ لأنه لعذر، ويكون نكوله
عن اليمين عذرا له في التأخير على إشكال.
وكذا الحكم لو أنكر تقدم ملك الطالب على ملكه.
مسألة 768: دار بين اثنين فغاب أحدهما ورأينا نصيبه في يد ثالث،
فادعى الحاضر أنه اشتراه، وأنه يستحقه بالشفعة، فإن أقام المدعي بينة
بالشراء وأقام المتشبث بينة (1)، قضي بها، وأخذ بالشفعة.
ثم إن اعترف المدعى عليه، سلم إليه الثمن؛ لثبوت البيع بالبينة.
وإن لم يعترف، فإما أن يترك الثمن في يد المدعي إلى أن يقر
المدعى عليه، أو يأخذه القاضي حافظا له، أو يجبر على قبوله أو الإبراء
منه، فيه احتمالات ثلاثة.
ولو أقام المدعي بينة بالشراء وأقام المتشبث بينة بأنه ورثه أو اتهبه،
تعارضت البينتان؛ لأن الشراء والميراث متنافيان، وكذا الشراء والاتهاب.
ومع التعارض يكون له حكم عندنا سيأتي في كتاب القضاء إن
شاء الله تعالى.
وعند الشافعي قولان: التساقط، واستعمالهما، وسيأتي.
ولو أقام المتشبث أن الغائب أودعه إياه أو أعاره، فإن لم يكن

(1) كذا ورد قوله: " وأقام المتشبث بينة ". والظاهر زيادتها.
296

للبينتين تأريخ أو كان تأريخ الإيداع سابقا، قضي بالشفعة؛ لعدم التنافي بين
البينتين؛ لجواز أن يودعه ثم يبيعه.
ولو سبق تأريخ البيع، فلا منافاة أيضا؛ لاحتمال أن البائع غصبه بعد
البيع ثم رده إليه بلفظ الإيداع، أو برد مطلق فاعتمده الشهود، أو يكون
المشتري قد عجز عن الثمن، فقال له البائع: خذه وديعة إلى أن تجد الثمن
فتزنه وتقبضه.
ولو انتفى الاحتمال - بأن تأخر تأريخ الإيداع وشهدت بينة الإيداع
بأنه أودعه ما هو ملكه، وبينة الشراء مطلقة - كانت بينة الإيداع أولى؛ لأنها
صرحت بالملك، ثم يراسل الغائب فإن قال: هو لي وديعة، بطلت بينة
الشراء. وإن قال: لا حق لي فيه، قضي ببينة الشراء فالشفعة.
ولو صرحت بينة الشراء بالملك فقال: باع ما هو ملكه، وأطلقت بينة
الإيداع، قدمت بينة الشراء.
وأما إذا لم يكن للمدعي بينة، فالمدعى عليه إما أن يقر بأنه كان
لذلك الغائب فاشتراه منه، أو ينكر أصل الشراء، أو يقول: اشتريته لفلان.
فإن أقر، فالأقرب: أنه لا يأخذه المدعي؛ لأن المتشبت لا يقبل قوله
على الغائب، فيوقف الأمر حتى يراسل، فإن أقر بصدقه، أخذه الشفيع،
وإلا فلا، وهو أحد وجهي الشافعية.
والأصح عندهم: أن للمدعي أخذه؛ لتصادقهما على البيع، ويكتب
القاضي في السجل أنه أثبت الشفعة بتصادقهما، فإذا قدم الغائب، فهو على
حقه (1).

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181.
297

وليس بجيد؛ لأنه حكم على الغائب بغير بينة.
وإن أنكر الشراء، صدق في قوله باليمين؛ لأنه منكر. ثم إما أن
يجيب بأنك لا تستحق الشفعة، أو أنني لا يلزمني التسليم إليك، فيحلف
كذلك، ولا يلزمه التعرض لنفي الشراء؛ لإمكان أن يكون قد اشتراه مع
إسقاط الشريك الشفعة.
وإن تكلف في الجواب: لم أشتره بل ورثته أو اتهبته، ففي كيفية
الحلف احتمالان:
أحدهما: أنه يحلف على نفي الشراء؛ لأنه أجاب به، وإذا أجاب
بشيء، فقد أمكنه اليمين عليه حيث عدل إليه في الجواب.
والثاني: أنه يحلف أنه لا يستحق الشفعة؛ لأنه لو أجاب بذلك،
لكفاه، فكذا في اليمين، ويمكن أن يكون قد اشتراه بحيث لا تجب فيه
شفعة أو سقطت ثم تساهل في الجواب بعدم الشراء، فإذا كلف اليمين،
عدل إلى ما يمكنه الحلف عليه. وهما وجهان للشافعية (1).
ولو نكل المدعى عليه، حلف الطالب، واستحق الشقص. وفي
[الثمن] (2) ما تقدم من الوجوه: إما أن يقر في يد الشفيع، أو يقبضه
الحاكم، أو يقهره على القبض أو الإبراء.
وإن قال: اشتريته لفلان، رجع الحال إلى المضاف إليه، وسيأتي.
مسألة 769: إذا ادعى أنه اشترى شقصا في شركته وأنه يستحق

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " اليمين ". والصحيح ما
أثبتناه.
298

الشفعة عليه، فإنه يحتاج إلى أن يحرر دعواه فيحدد (1) المبيع الذي يدعيه
ويذكر ثمنه ويدعي فيه الشفعة، فإذا فعل ذلك، سئل المدعى عليه، فإن
أقر، لزمه، وإن أنكر فقال: وهب لي أو ورثته ولم أشتره، أو لا يستحق علي
الشفعة، قدم قوله - على ما تقدم - مع اليمين، فإن حلف، سقطت
الدعوى، وإن نكل، حلف المدعي، واستحق أخذه بالشفعة.
وأما الثمن فإما أن يجعل في ذمة الشفيع إلى أن يطالبه المشتري؛ لأنه
أقر له بحق فأنكره، فلم يكن له مطالبته، وإما أن يلزمه الحاكم بأخذه أو
الإبراء منه إذا سأل ذلك الشفيع - كما أن المكاتب إذا حمل لسيده نجوم
الكتابة قيل له: إما أن تأخذه أو تبرئ - وإما أن يحفظه الحاكم في بيت
المال، فمتى ادعاه المشتري سلم إليه، وإلا كان محفوظا عليه؛ لأن عليه
ضررا في بقاء حق غيره في ذمته، ولهذا إذا طالب من عليه الدين صاحب
الدين بقبضه، لزم صاحب الدين قبضه أو الإبراء منه.
هذا إذا أنكر المشتري الشراء، والشريك القديم غير معترف بالبيع،
ولو اعترف والشقص في يده، فإن لم يعترف بقبض الثمن، ثبتت الشفعة.
وفيه وجه للشافعية: أنها لا تثبت (2).
وإذا قلنا بالثبوت، سلم الثمن إلى البائع، والعهدة عليه؛ لأنه تلقى
الملك منه حيث لم يعترف المشتري بالشراء ولا بينة هناك، وهو أحد
وجهي الشافعية. والثاني: ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري
ويدفعه إلى البائع، ويقبض الشقص من البائع للمشتري ويدفعه إلى

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " فيجدد " بالجيم، وهو غلط.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181.
299

الشفيع (1).
وإذا أخذ البائع ثمن الشقص، فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته
بالثمن؟ الأقرب ذلك؛ لأن له غرضا صحيحا، فإنه قد يكون ماله أبعد عن
الشبهة، والرجوع عليه بالدرك أسهل (2)، وهو أحد وجهي الشافعية (3).
وحينئذ لو حلف المشتري، فلا شيء عليه. وإن نكل، حلف البائع، وأخذ
الثمن من المشتري، وكانت عهدته عليه.
وأما ما أخذه من الشفيع فهل يؤخذ منه ويوقف أو يترك في يده؟
وجهان.
وقيل: إن الوجهين في أنه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض
بأخذ الثمن من الشفيع؟ فإن رضي، فليقنع (4) به (5).
فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن، فإن قلنا: لا شفعة إذا لم يعترف
بالقبض، فهنا أولى، وإلا فوجهان أصحهما عندهم: ثبوتها (6).
ثم هل يترك الثمن في يد الشفيع، أم يأخذه القاضي ويحفظه، أم
يجبر المشتري على قبوله أو الإبراء منه؟ فيه ما تقدم (7).
مسألة 770: لو ادعى عليه الشراء فصدقه وقال: لم أشتره لنفسي، بل
لفلان، فإن كان المضاف إليه حاضرا، استدعاه الحاكم، فإن صدقه، كان

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181.
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " سهل ". والظاهر ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 182.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " فليتبع " بدل " فليقنع ". والصحيح ما أثبتناه كما في
المصدر.
(5 و 6) العزيز شرح الوجيز 5: 526، روضة الطالبين 4: 182.
(7) في ص 296، ضمن المسألة 768.
300

الشراء له، والشفعة عليه. وإن كذبه، حكم بأن الشراء للمدعى عليه، وأخذ
منه بالشفعة.
وإن كان غائبا، أخذه الحاكم منه، ودفعه إلى الشفيع، وكان الغائب
على حجته إذا قدم، ولا تؤخر الشفعة إلى حضور الغائب؛ لما فيه من
إسقاط الشفعة؛ إذ لكل مشتر الالتجاء إلى دعوى الشراء للغائب. ولأن
الغائب إما مصدق أو مكذب، وعلى التقديرين يستحق الشفيع الشفعة إما
عليه أو على الحاضر.
وإن قال: اشتريته لطفل هو ابني أو لي عليه ولاية، فالأقرب: ثبوت
الشفعة إن ثبت الشراء المطلق، وإلا فلا.
أما على التقدير الأول: فلأن الشراء موجب للشفعة على كل مشتر،
سواء كان طفلا أو لا.
وأما على التقدير الثاني: فلأن الملك للطفل، ولا تجب الشفعة بإقرار
الولي عليه؛ لاشتمال ذلك على إيجاب حق في مال الصغير بإقرار الولي.
وللشافعي قولان:
أحدهما: أنه إذا أضاف الشراء إلى من له عليه ولاية، تثبت؛ لأن
المقر يملك الشراء، فصح إقراره فيه، كما يصح في حق نفسه.
والثاني: لا تثبت؛ إذ لا يقبل إقرار الولي في حق الطفل (1).
تذنيب: إذا ادعى عليه الشفعة [فيما بيده] (2) فقال: هذا الشقص
لفلان الغائب أو لفلان الصغير، لم تثبت الشفعة إلى أن يقدم الغائب ويبلغ

(1) المغني 5: 517، الشرح الكبير 5: 530.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " في يده ". والظاهر ما
أثبتناه.
301

الصغير فيطالبهما بذلك، ولا يسأل المقر عن سبب ملك الغائب والصغير؛
لأن إقراره بعد ذلك يكون إقرارا في ملك الغير ولا يقبل، ويفارق إذا أقر
بالشراء ابتداء؛ لأن الملك ثبت لهما بذلك الإقرار، فيثبت جميعه.
مسألة 771: لو قال المشتري: إني اشتريت الشقص بألف، فدفع
الشفيع إليه الألف وأخذ الشقص بالشفعة فادعى البائع أنه باع الشقص
بألفين، قضي له بالألفين؛ عملا بالبينة، ولم يكن للمشتري الرجوع على
الشفيع بما زاد على الألف - وبه قال الشافعي (1) - لاعتراف المشتري بكذب
بينة البائع، وأنه قد ظلمه في الزيادة، فلم يحكم له بها، وإنما حكمنا للبائع
بها؛ لأنه لم يكذبها.
وقال أبو حنيفة: يأخذ الشفيع بالألفين؛ لأن الحاكم إذا حكم عليه
بالبينة، فقد أبطل إقراره، وثبت أن البيع كان بألفين (2).
ونمنع كذب المشتري، وإبطال الحاكم إقراره في حق البائع لا يقتضي
إبطاله في حق نفسه.
ولو قال المشتري: صدقت البينة وقد كنت نسيت (3) الثمن، لم يقبل
قوله؛ لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق غيره، فلا يقبل، كما لو أقر
الإنسان بشيء ثم قال: نسيت، هو دونه، لم يقبل.
مسألة 772: لو ادعى كل من الشريكين أن له الشفعة على صاحبه
فيما في يده، رجعنا إليهما وقلنا: متى ملكتما؟ فإن قالا: ملكنا دفعة
واحدة، فلا شفعة؛ لعدم السبق الذي هو شرط الأخذ بالشفعة.

(1) المغني 5: 520 - 521، الشرح الكبير 5: 526.
(2) المغني 5: 521، الشرح الكبير 5: 526.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " أنسيت ". وهو غلط.
302

ولو ادعى كل منهما السبق، فقد تقدم حكمه ما لو أقاما بينتين أو أقام
أحدهما خاصة.
ولو لم يكن لأحدهما بينة، نظر إلى السابق بالدعوى فقدمنا دعواه،
وكان القول قول الآخر مع يمينه؛ لأنه منكر، فإذا حلف، استحق نصيبه
بالشفعة، ولم تسمع دعواه على الأول؛ لأن ملكه الذي يستحق به الشفعة
قد زال.
مسألة 773: لو ادعى أحد الشريكين أنه قد باع حصته على زيد
فأنكر زيد، قدم قول المنكر - وهو زيد - مع اليمين وعدم البينة، فإن صدق
الشفيع شريكه على البيع، وطلب الشفعة وبذل الثمن ليأخذ الشقص،
فالأقرب: ثبوت الشفعة في حق البائع للشريك - وهو أحد قولي الشافعي،
وقول أبي حنيفة وأحمد (1) - لأن البائع أقر بحق للمشتري وحق للشفيع،
وقد سقط حق المشتري بإنكاره، فلا يسقط حق الشفيع، كما لو أقر بحق
لاثنين فرده أحدهما.
والقول الثاني للشافعي: [لا] (2) لأنه لا شفعة هنا - وبه قال مالك - لأن
الشفعة فرع على البيع، فإذا لم يثبت البيع، لم تثبت الشفعة، فإن النسب إذا
لم يثبت بإقرار أحد الورثة، لم يثبت الميراث (3).
والفرق: أن النسب يتضمن حقا له وحقا عليه، فإذا لم يثبت ما له،
لم يثبت ما عليه، وهنا يثبت ما له، وهو الثمن، فتثبت.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181، المغني 5: 476،
الشرح الكبير 5: 538.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 525، روضة الطالبين 4: 181، المغني 5: 476،
الشرح الكبير 5: 538.
303

إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا تثبت الشفعة، فللبائع مخاصمة المشتري
وإحلافه، فإن حلف، سقطت الدعوى. وإن نكل، حلف البائع، ويثبت
البيع، وتثبت فيه الشفعة.
وهل للشفيع دون البائع إحلاف المشتري؟ الأقرب ذلك.
وكذا للشفيع إحلاف المشتري لو ملك (1) البائع.
ولو حلف المشتري للبائع، فهل عليه أن يحلف للشفيع؟ الأقرب
ذلك؛ لأنه مدع آخر، فإن حلف، سقطت الشفعة، ولا تسقط بحلف
المشتري للبائع. وإن نكل، حلف الشفيع، وكان حكمه مع البائع حكم
الشفيع لو لم يقر المشتري بالبيع وأقر البائع.
وأما إن قلنا: تثبت الشفعة، فإن رضي البائع بتسليم الشقص إلى
الشفيع وأخذ الثمن منه، كانت العهدة عليه ولا كلام. وإن قال: أنا أطالب
المشتري بتسليم الثمن وبتسليم المبيع، فهل له ذلك؟ فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه قد حصل له مقصود دعواه من جهة
الشفيع، فلا حاجة له إلى المخاصمة.
والثاني: له ذلك؛ لأنه قد يكون له غرض بأن تكون معاملة المشتري
أحب إليه في حقوق العقد وفي الدرك.
فإن قلنا: لا يخاصم المشتري، دفعه إلى الشفيع، وأخذ الثمن.
لا يقال: أليس لو ادعى على رجل بدين، فقال رجل: أنا أدفع إليك
الذي تدعيه ولا تخاصمه، لم يلزمه قبوله، فهلا (2) قلتم هنا: لا يلزمه قبول
الثمن من الشفيع؟

(1) كذا، والظاهر " هلك " بدل " ملك ".
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " فألا " بدل " فهلا " والصحيح ما أثبتناه.
304

لأنا نقول: الفرق ثبوت المنة في قبول الدين من الدافع إليه تبرعا،
وهنا بخلافه.
وإن قلنا: له مخاصمة المشتري، فإن حلف، سقطت دعواه عنه،
وأخذه الشفيع، وكانت العهدة على البائع. وإن نكل، حلف البائع،
وثبت (1) الشراء، وطولب بالثمن، وكانت الشفعة عليه، والعهدة للشفيع.
وأما إن كان البائع يدعي البيع ويقر بقبض الثمن والمشتري ينكر،
فهل تثبت الشفعة؟ قال بعض الشافعية: لا تثبت؛ لأنها لو ثبتت، لكان
الشفيع يأخذه بغير عوض، وذلك لا يثبت له، كما لا تثبت له الشفعة في
الهبة (2).
وقال بعضهم: تثبت الشفعة؛ لأنه قد أقر بالشفعة، فلزمه، ويأخذه
الشفيع (3).
ويكون في الثمن ما تقدم (4) إما أن يأخذه المشتري أو يبرئ، وإما
أن يحفظه الحاكم، وإما أن يبقى في ذمة الشفيع.
مسألة 774: لو أثبتنا الشفعة مع الكثرة - كما هو رأي بعض علمائنا
والعامة (5) - إذا كانت دار بين أربعة، فباع أحدهم نصيبه من أجنبي فادعى
المشتري على أحدهم أنه عفا، وشهد له الشريكان الآخران، قبلت
شهادتهما إن كانا قد عفوا (6) عن الشفعة؛ لأنهما لا يجران بهذه الشهادة نفعا
إلى أنفسهما. وإن لم يكونا قد عفوا، لم تسمع شهادتهما؛ لأنهما يجران

(1) في الطبعة الحجرية: " يثبت ".
(2 و 3) لم نعثر عليه في مظانه.
(4) في ص 296، ضمن المسألة 768.
(5) تقدم في ص 202، ضمن المسألة 706.
(6) في النسخ الخطية والحجرية هنا وفيما يأتي: " عفيا " فصححناه بما ترى.
305

إلى أنفسهما استحقاق جميع المبيع.
ولو شهدا بالعفو قبل أن يعفوا فردت شهادتهما ثم عفوا وشهدا،
لم تقبل؛ لأن الشهادة إذا ردت للتهمة ثم زالت التهمة، لم تقبل الشهادة،
كما لو شهد الفاسق فردت شهادته فتاب ثم أقامها، لم تسمع.
ولو شهدا بعد أن عفا أحدهما، سمعت شهادة العافي، وحلف معه
الذي لم يعف، وسقطت شفعة المشهود عليه. وإن عفا الآخر بعدما شهد،
حلف المشتري مع الشاهد، وأخذ جميع الشقص.
فرعان:
أ - لو شهد البائع على الشفيع بالعفو، فإن كان قبل قبضه الثمن،
لم تقبل شهادته؛ لأنه يجر إلى نفسه نفعا، وهو أن يفلس المشتري فيرجع
إليه دون الشفيع. وإن كان بعد قبضه الثمن، قبلت، وهو أحد وجهي
الشافعية. وفي الثاني: لا تقبل؛ لأنه ربما توقع العود إلى العين بسبب ما (1).
ب - لو شهد السيد على مكاتبه بالعفو عن الشفعة، قبل؛ لأن ذلك
في الحقيقة شهادة عليه.
ولو شهد بالشراء فيما لمكاتبه الشفعة فيه، قال بعض الشافعية:
تقبل، ثم تثبت فيه الشفعة تبعا، ولو شهد له بالشفعة، لم تقبل (2).
وفيه نظر.
مسألة 775: لو كان ملك بين اثنين أحدهما حاضر والآخر غائب،
ونصيب الغائب في يد وكيله، فادعى الحاضر على الوكيل أنه اشترى نصيب

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 546، روضة الطالبين 4: 193.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 546، روضة الطالبين 4: 194.
306

الغائب وله فيه الشفعة، وأقام بذلك بينة، فإن الحاكم يسمع بينته، ويثبت
الشراء والشفعة، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (1).
قال المزني: وهذا قضاء على الغائب بالشراء (2)، يريد أن الشراء
يثبت وهو على الغائب، فقال بعض (3) الشافعية: إنه ليس قضاء على
الغائب، وإلا احتيج إلى اليمين مع الشهادة.
وهذا الفرع ساقط عنا؛ لأنا نحكم على الغائب.
مسألة 776: دار بين أخوين وأجنبي أثلاثا فباع الأجنبي نصيبه من
رجل فطالب أحد الشريكين الأخوين بالشفعة، فقال المشتري: إنما اشتريته
لأخيك، فكذبه وقال: بل اشتريته لنفسك، فإن صدقه الذي أقر له، كان
الشقص بين الأخوين، وكذا إن كذبه وطالب بالشفعة فإن قال: احلفوه أنه
اشتراه لأخي، لم يحلف؛ لأن المدعي يستحق نصفه سواء صدق أو كذب.
وقد أثبت أبو العباس من الشافعية الشفعة للمشتري في هذا الفرع (4).
فإن قال أحد الأخوين للمشتري: شراؤك باطل، وصدقه الآخر على
(صحة الشراء) (5) كانت الشفعة للمصدق خاصة.
وكذا إن قال أحدهما: لم يبعه وإنما اتهبه، وصدقه الآخر على
الشراء، كانت الشفعة للمصدق؛ لأن المكذب أسقط حق نفسه وأقر أنه
لا شفعة.

(1) مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 7: 297، العزيز شرح الوجيز 5: 524،
المغني 5: 518، الشرح الكبير 5: 530 - 531.
(2) مختصر المزني: 121.
(3) الحاوي الكبير 7: 298.
(4) لم نعثر عليه في مظانه.
(5) بدل ما بين القوسين في " س، ي ": " صحته ".
307

تذنيب: لو كانت دار في يد رجل فادعى آخر عليه أنه يستحق
سدسها، فأنكره ثم قال له المدعى عليه: خذ مني السدس الذي ادعيته
بسدس دارك، فإذا فعل هذا، صح، ووجبت الشفعة في كل واحد من
الشقصين للشفيع، عند الشافعي (1).
وعندنا لا تثبت الشفعة وإن كان له، وليس ذلك صلحا على الإنكار؛
لأن المدعى عليه باع المدعى، دون المدعي.
مسألة 777: لو كان في يد اثنين دار بالشركة بينهما، فادعى أحدهما
على الآخر بأن النصف الذي في يده اشتراه من زيد، وصدقه زيد على
ذلك، وقال الشريك: ما اشتريته وإنما ورثته من أبي ولا شفعة لك، فأقام
الشفيع شاهدين شهدا بأن زيدا ملك هذا الشقص ميراثا عن أبيه، لم يشهدا
بأكثر من ذلك، قال محمد بن الحسن: تثبت الشفعة للشفيع، ويقال له: إما
أن تدفع الشقص إليه وتأخذ الثمن، أو ترده على البائع ليأخذه الشفيع من
البائع ويأخذ الثمن يدفعه إليك؛ لأن الشاهدين يشهدان لزيد بالملك، وزيد
يقر أن المشتري قد ملكه منه بالشراء، فكأنهما شهدا لزيد بالملك، وعليه
بالبيع (2).
قال ابن سريج من الشافعية: هذا غلط، ولا شفعة لهذا المدعي
بذلك؛ لأن البينة لم تشهد بالبيع. وأما إقراره فليس بينه وبين المشتري
منازعة فيثبت إقراره، وإنما يقر على المشتري بالشفعة، وليست الشفعة من
حقوق العقد على البائع، فيقبل فيها قول البائع. ولأن شهادته مقبولة؛ لأنه

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 3: 160.
308

يشهد على فعل نفسه.
وقال: هذا بمنزلة أن يحلف رجل أني ما اشتريت هذه الدار من
زيد، فيقول زيد: أنا ما بعتها منه، وقد كانت ملكا لزيد، فإنه لا يقبل قوله
عليه في الحنث، كذا هنا (1).
مسألة 778: لو مات شفيع وله وارثان، فادعى المشتري أنهما عفوا
عن الشفعة، ولا بينة، فالقول قولهما في عدم العفو، فإن حلفا، تثبت لهما
الشفعة، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، لم يحلف المشتري مع نكوله؛
لأنه إذا حلف مع نكوله، عاد حق الشفعة إلى الشريك الحالف، ولم ينتفع
المشتري بيمينه.
ثم ينظر في الشريك الحالف، فإن صدق شريكه على عدم العفو،
كانت الشفعة بينهما، ويأخذ الناكل بالتصديق لا بيمين غيره، ودركه على
المشتري. وإن كذبه، أحلف الناكل له، ولا يكون النكول مسقطا؛ لأن ترك
اليمين عذر، على إشكال. وإن ادعى أنه عفا، حلف هو مع نكوله، وتثبت
الشفعة كلها له. فإن عفا هذا الحالف بعد يمينه، كان للمشتري أن يحلف
مع نكول الآخر؛ لأنه الآن تسقط عنه الشفعة.
ولو شهد أجنبي بعفو أحدهما، فإن حلف بعد عفو الآخر، بطلت
الشفعة، وإلا أخذ الآخر الجميع.
ولا فرق في هذا الفرع بين أن يكون الشفيعان ورثا الشفعة أو كانا
شريكين عند مثبتي الشفعة مع الشركة.
مسألة 779: لو ادعى على شريكه أنه اشتراه وله عليه شفعة، فأنكر

(1) حكاه عنه الشيخ الطوسي في المبسوط 3: 160.
309

الشريك الشراء وادعى الميراث، قدم قول الشريك؛ لأصالة عدم الشفعة،
وقد سبق (1).
ولو أقام كل منهما بينة، قيل: يقرع؛ لأنه مشتبه.
ويحتمل قويا الحكم ببينة الشفيع؛ لأن القول قول مدعي الإرث مع
اليمين، فتكون البينة بينة الآخر.
مسألة 780: لو ادعى الشفعة فأنكر المدعى عليه ملكية المدعي،
فالأقرب: القضاء له باليد على ما تقدم (2).
ولو ادعى أحد المتشبثين الجميع والآخر النصف فقضي له بالنصف
باليمين وقضي لصاحب الجميع بالنصف؛ لعدم المزاحمة فيه ثم باعه مدعي
الكل، لم يكن لمدعي النصف شفعة إلا مع القضاء باليد.
ولو ادعى عليه أنه اشترى حصة الغائب، التي في يده، فصدقه،
احتمل ثبوت الشفعة؛ لأنه إقرار من ذي اليد. وعدمه؛ لأنه إقرار على
الغائب، فإن قضي بالشفعة فقدم الغائب وأنكر البيع، قدم قوله مع اليمين،
وانتزع (3) الشقص، وطالب بالأجرة من شاء منهما، ولا يرجع أحدهما على
الآخر.
مسألة 781: لو قال أحد الوارثين أو أحد الشريكين - إن أثبتنا
[الشفعة] (4) مع الكثرة -: شراؤك باطل، وقال الآخر: بل هو صحيح،
فالشفعة بأجمعها للمعترف بالصحة.

(1) في ص 298 - 299، المسألة 769.
(2) في ص 295، المسألة 767.
(3) في الطبعة الحجرية: " وانتزعه ".
(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " الشركة ". والصحيح ما أثبتناه.
310

وكذا لو قال: أنت اتهبته، أو ورثته، وقال الآخر: بل اشتريته.
ولو ادعى المتبايعان غصبية الثمن المعين، لم ينفذ في حق الشفيع،
بل في حقهما، ولا يمين عليه، إلا أن يدعى عليه العلم، فيحلف على نفيه.
ولو أقر الشفيع والمشتري خاصة، لم تثبت الشفعة، وعلى المشتري
رد قيمة الثمن على صاحبه، ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع ويدعي
وجوب رد الثمن، والبائع ينكرهما، فيشتري الشقص منه اختيارا،
ويتباريان، وللشفيع في الثاني الشفعة.
ولو أقر الشفيع والبائع خاصة، رد البائع الثمن على المالك، وليس له
مطالبة المشتري، ولا شفعة.
ولو ادعى ملكا على اثنين، فصدقه أحدهما، فباع حصته على
المصدق، فإن كان المكذب نفى الملك عنه، فلا شفعة. وإن نفى دعواه
عن نفسه، فله الشفعة.
مسألة 782: لو أقام المشتري بينة على الشفيع بأنه قد عفا عن
الشفعة، وأقام الشفيع بينة بأخذه بالشفعة، والشقص في يد الشفيع،
فالأقرب: الحكم ببينة السابق، فإن اتحد أو أطلق التاريخان، احتمل تقديم
بينة الشفيع؛ لقوتها باليد، وبينة المشتري؛ لزيادة علمها بالعفو.
وأصحهما عند الشافعية: الثاني (1).
وفيه نظر؛ فإن بينة الآخذ تزيد أيضا الشهادة بالأخذ.
مسألة 783: لو خرج الشقص مستحقا بعد بناء الشفيع فيه وغرسه،
وقلع المستحق البناء والغرس، فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 546، روضة الطالبين 4: 193.
311

من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغرس وغير ذلك كالقول في رجوع
المشتري من الغاصب عليه.
البحث السادس: في مسقطات الشفعة.
مسألة 784: المشهور عند علمائنا أن الشفعة على الفور، فإن أخر
الشفيع الطلب مع عدم العذر، بطلت شفعته - وهو المشهور من أقوال
الشافعي (1)، وهو المذكور في كتبه الجديدة، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه
يقدره بالمجلس (2) - لما رواه العامة عن النبى (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الشفعة لمن
واثبها " (3).
وعنه (عليه السلام) " الشفعة كنشط العقال إن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوم
على من تركها " (4).
ومن طريق الخاصة: ما رواه علي بن مهزيار عن الجواد (عليه السلام) في
حديث أنه حد للشفيع مجيء الثمن ثلاثة أيام إن كان الثمن في البلد ومدة
غيبته، وثلاثة أيام بعد حضوره إن كان في غير البلد، ثم قال (عليه السلام): " فإن

(1) الحاوي الكبير 7: 240، المهذب - للشيرازي - 1: 386 - 387، الوجيز 1:
220، الوسيط 4: 97، حلية العلماء 5: 283، التهذيب - للبغوي - 4: 346،
العزيز شرح الوجيز 5: 537، روضة الطالبين 4: 188، المغني 5: 477 و 478،
الشرح الكبير 5: 473.
(2) تحفة الفقهاء 3: 51 - 52، بدائع الصنائع 5: 17، الهداية - للمرغيناني - 4:
26، مختصر اختلاف العلماء 4: 241 / 1949، الحاوي الكبير 7: 240، حلية
العلماء 5: 283 - 284، التهذيب - للبغوي - 4: 346 - 350، العزيز شرح الوجيز
5: 539، المغني 5: 477، الشرح الكبير 5: 473 و 474.
(3) بدائع الصنائع 5: 17، المغني 5: 478، الشرح الكبير 5: 474.
(4) المغني 5: 478، الشرح الكبير 5: 473، العزيز شرح الوجيز 5: 537 - 538.
312

وافاه وإلا فلا شفعة له " (1) ولو كانت الشفعة على التراخي، لم تسقط الشفعة
بتأخير الثمن، بل كانت تفتقر إلى تجديد فسخ، كما افتقر البائع إذا أخر
المشتري أداء الثمن بعد ثلاثة أيام.
ولأن خيار الشفعة إنما يثبت لإزالة الضرر عن المال، فكان على
الفور، كخيار الرد بالعيب.
والقول الثاني للشافعي: أن له الخيار ثلاثة أيام، فإن شاء أخذ
بالشفعة، وإن شاء ترك، فإن خرجت الثلاثة ولم يختر الأخذ، بطلت شفعته
- وبه قال ابن أبي ليلى والثوري - لأن إثبات الخيار على التراخي إضرار
بالمشتري؛ لأن ملكه لا يستقر على المبيع، ولا يتصرف بعمارته على
حسب اختياره؛ لأنه يخاف أن يؤخذ منه فيضيع بعض نفقته، ولا يمكن
جعلها على الفور؛ لأن الشفيع يحتاج إلى أن يتفكر وينظر هل الحظ في
الأخذ أو الترك؟ ويتسبب في تحصيل الثمن، فإذا جعل على الفور، أضر
به، فلم يكن بد من حد فاصل، وليس إلا الثلاثة، كما حد بها خيار الشرط
عندهم - وخيار الحيوان عندنا - وهي آخر حد القلة (2).
وهو يبطل بخيار الرد بالعيب.
والثالث: أنه على التراخي لا يسقط إلا بإسقاطه والتصريح بالترك،
وليس للمشتري مطالبته بالأخذ أو الترك - وبه قال مالك، إلا أن عند مالك

(1) التهذيب 7: 167 / 739.
(2) المهذب - للشيرازي - 1: 387، الحاوي الكبير 7: 240، التهذيب - للبغوي -
4: 350، حلية العلماء 5: 284، الوجيز 1: 220، الوسيط 4: 97، العزيز شرح
الوجيز 5: 538، روضة الطالبين 4: 188، المغني 5: 478، الشرح الكبير 5:
473.
313

في انقطاعه روايتين (1): إحداهما: أنها تنقطع بعد سنة. والثانية: تنقطع بأن
يمضي عليه من الزمان ما يعلم أنه تارك لها - لأن هذا الخيار لا ضرر في
تأخيره؛ لأن المنفعة تكون للمشتري، وإن أحدث فيه عمارة من بناء أو
غرس، فإنه يأخذ قيمته، وما لا ضرر في تأخيره يكون على التراخي،
كخيار القصاص (2).
ونمنع عدم التضرر (3) وقد سبق.
[و] الرابع: قال في القديم: إنه على التراخي لا يسقط إلا بإسقاطه، أو
يوجد منه ما يدل على إسقاطه، مثل أن يقول المشتري: بعني هذا
الشقص، أو: بعه لمن شئت، أو: هبه لي أو لمن شئت، أو: قاسمني (4).
وقال بعض الشافعية. لا يبطل بهذا، وللمشتري أن يرفعه إلى
الحاكم، فيقول له: إما أن تأخذ أو تدع (5).
أما التراخي: فلما مر.

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " روايتان ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) الحاوي الكبير 7: 241 - 242، حلية العلماء 5: 285 و 286، التهذيب
- للبغوي - 4: 350، الوسيط 4: 97 - 98، العزيز شرح الوجيز 5: 538 و 539،
روضة الطالبين 4: 188، بداية المجتهد 2: 263، المعونة 2: 1274، المغني
5: 477 - 478، الشرح الكبير 5: 473.
(3) في الطبعة الحجرية: " الضرر ".
(4) المهذب - للشيرازي - 1: 386، الحاوي الكبير 7: 241، حلية العلماء 5:
285، التهذيب - للبغوي - 4: 350، العزيز شرح الوجيز 5: 538، روضة
الطالبين 4: 188، وانظر: الوسيط 4: 98.
(5) الحاوي الكبير 7: 241، التهذيب - للبغوي - 4: 350، العزيز شرح الوجيز 5:
538، روضة الطالبين 4: 188، وانظر: المهذب - للشيرازي - 1: 386 - 387،
وحلية العلماء 5: 285، والوسيط 4: 98.
314

وأما المطالبة: فليزول عن المشتري ما يخافه من أخذ الشفيع، وذلك
يمنعه من العمارة والتصرف على حسب اختياره، وقد يلزمه على العمارة
أكثر مما يقوم به، فيلحقه الضرر.
وليس بجيد؛ لوجود التضرر مع التراخي.
والخامس: أنه على التراخي يمتد مدة تتسع لتأمل المصلحة في
الأخذ (1).
وهو إضرار بالمشتري.
إذا عرفت هذا، فلو أخر المطالبة مع عدم العذر، بطلت شفعته وإن
لم يفارق المجلس؛ لما تقدم (2).
وقال أبو حنيفة: إذا لم يفارق المجلس، لم تبطل (3).
مسألة 785: إنما يحكم بالفورية في الشفعة إذا علم الشفيع بالبيع،
فحينئذ إذا أخر لغير عذر، بطلت، أما لو لم يعلم بالبيع، فلا تبطل شفعته
وإن مضت سنون كثيرة، وهو على شفعته إذا علم.
ولو أخبره من يفيد قوله العلم، كالمعصوم أو عدد التواتر، فترك
المطالبة وقال: لم أصدق المخبر، بطلت شفعته، وعلم (4) كذبه.
وإن أخبره من لا يفيد خبره العلم، فإن كان ممن تثبت الحقوق
الشرعية بإخباره كالعدلين أو الرجل والمرأتين مع عدالتهم، سقطت شفعته
أيضا؛ لأن إخبار هؤلاء حجة في الشرع يعمل بها.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 538، روضة الطالبين 4: 188.
(2) في صدر نفس المسألة.
(3) تحفة الفقهاء 3: 51 - 52، بدائع الصنائع 5: 17، الهداية - للمرغيناني - 4:
26، حلية العلماء 5: 283 - 284، العزيز شرح الوجيز 5: 539.
(4) في الطبعة الحجرية: " إذا علم " بدل " وعلم ".
315

وإن أخبره عدل واحد، فالأقرب: أنه لا تسقط شفعته؛ لأن الواحد
لا تقوم به البينة، وهو أحد قولي الشافعي، ورواه الحسن بن زياد عن
أبي حنيفة وزفر (1).
والثاني للشافعي: أنه تبطل شفعته، ولا يقبل عذره بعدم التصديق؛
لأن الواحد حجة إذا حلف المدعي معه (2).
وليس شيئا؛ إذ لا يمين هنا، فإنه غير عالم فكيف يحلف!؟ فإذا
لم يحلف كيف يثبت!؟
ولو أخبره من لا يقبل قوله - كالكافر والفاسق والصبي - لم تبطل
شفعته.
والمرأة كالعبد يقبل قولها، وتبطل شفعته باختيارها عند الشافعي في
أحد قوليه. وفي الثاني: أنها كالفاسق (3).
وفي النسوة عنده وجهان بناء على أن المدعي هل يقضى له بيمينه
مع امرأتين؟ إن قلنا: لا، فهن كالمرأة، وإلا فكالعدل الواحد (4).
ولو بلغ هؤلاء عدد التواتر، بطل حقه وإن كانوا كافرين أو فسقة؛
لثبوت العلم عند خبرهم.

(1) الوجيز 1: 220، العزيز شرح الوجيز 5: 541، روضة الطالبين 4: 190،
المغني والشرح الكبير 5: 480، عيون المسائل: 134، حلية العلماء 5: 288
و 289، وفي ص 288 نسبة العكس إلى رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة وزفر.
(2) الوجيز 1: 220، العزيز شرح الوجيز 5: 541، حلية العلماء 5: 288، روضة
الطالبين 4: 190.
(3) حلية العلماء 5: 288 - 289، العزيز شرح الوجيز 5: 541، روضة الطالبين 4:
190.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 541، روضة الطالبين 4: 190.
316

ولو أخبره واحد فصدقه ولم يطلب الشفعة، بطلت وإن لم يكن
عدلا؛ لأن العلم بذلك قد يحصل بالواحد للقرائن.
مسألة 786: إذا علم بالبيع وجهل استحقاقه للشفعة، لم تبطل
شفعته، وكان له طلبها بعد العلم. ولو علم الشفعة أيضا، لم نكلفه (1)
المبادرة على خلاف العادة، والعدو حال مشيه ولا تحريك دابته، بل يمشي
على حسب عادته، بل يرجع (2) في ذلك كله إلى العرف، فكل ما لا يعد
تقصيرا لا تبطل به الشفعة، وما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب فإنه مسقط
لها.
مسألة 787: لو أخر الطلب لعذر، لم تسقط شفعته. والعذر ضربان:
أحدهما: ينتظر زواله عن قرب، مثل الاشتغال بصلاة واجبة أو
مندوبة أو أكل أو قضاء حاجة أو كون في حمام، فله الإتمام، ولا يكلف
قطعها على خلاف العادة، وهو أصح قولي الشافعية. والثاني: أنه يكلف
قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة (3).
وعلى الصحيح لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة، جاز
له أن يقدمها، فإذا فرغ، طلب (4) الشفعة، ولا يلزمه تخفيف الصلاة الواجبة
ولا المندوبة، ولا يجب عليه الاقتصار على المجزئ.
ولو علم ليلا، أو كان يريد الصلاة فأصبح إلى الغد، أو أذن وأقام
وصلى السنة، لم تبطل شفعته. وكذا لو انتظر الجماعة.

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " لم يكلفه ". والصحيح: " لم يكلف " أو ما أثبتناه.
(2) في الطبعة الحجرية: " ويرجع " بدل " بل يرجع ".
(3) الوجيز 1: 220، العزيز شرح الوجيز 5: 540، روضة الطالبين 4: 189.
(4) في الطبعة الحجرية: " يطلب ".
317

الثاني: ما لا ينتظر زواله عن قرب، كالمرض والحبس والغيبة.
أما المرض فإن منعه من الطلب والتوكيل فيه، لم تبطل شفعته.
وإن لم يمنعه عن التوكيل فأخر التوكيل مع إمكانه، بطلت شفعته
- وهو أظهر مذاهب الشافعي - لأنه أخر الطلب مع إمكانه.
والثاني له: لا تبطل شفعته بترك التوكيل؛ لأنه قد يكون له غرض بأن
يطالب بنفسه؛ لأنه أقوم بذلك، أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقر
عليه فليزمه إقراره برشوة أو غير ذلك، فكان معذورا في تأخيرها.
والثالث: إن لم يلحقه في التوكيل منة ولا مؤونة ثقيلة (1)، بطلت،
وإلا فلا (2).
والمعتمد ما قلناه.
نعم، لو خاف ضررا على ما قلناه أولا فأخر التوكيل، لم تبطل
شفعته.
ولو لم يمكنه التوكيل ولا الطلب وأمكنه الإشهاد على الطلب، وجب
عليه الإشهاد، فإن أهمل الإشهاد لغير عذر، بطلت شفعته عند بعض
الشافعية؛ لأنه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغير عذر، فإذا لم يشهد
لم يعلم أنه لعذر، فسقطت شفعته.
والثاني - وهو الأقوى عندي - أنه لا يحتاج إلى الإشهاد؛ لأنه إذا ثبت
عذره، كان الظاهر أنه ترك الشفعة لأجل ذلك، فقبل قوله في ذلك (3).
وأما المحبوس فإن كان حبسه ظلما بغير حق أو بحق هو عاجز عنه،
فحكمه كالمريض إن لم يمكنه التوكيل، لم تسقط شفعته. وإن أمكنه

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " بفعله " بدل " ثقيلة "، وما أثبتناه من المصادر.
(2) الوجيز 1: 220، العزيز شرح الوجيز 5: 539، روضة الطالبين 4: 189.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 539، روضة الطالبين 4: 189.
318

ولم يفعل، سقطت.
وللشافعية (1) الوجهان السابقان.
ولو كان محبوسا بحق يقدر على أدائه ويجب عليه دفعه وهو مماطل
به، فإن وكل، جاز. وإن لم يوكل، بطلت شفعته؛ لأنه تركها مع القدرة
عليها، وبه قال الشافعي (2).
وأما الغائب فإذا بلغته الشفعة، فإن أمكنه المسير فسار أو وكل في
الطلب، لم تسقط شفعته. وإن تعذر عليه المسير والتوكيل، فحقه باق. وإن
أمكنه التوكيل فلم يوكل، كان على الوجهين في المريض.
إذا ثبت هذا، فكل موضع أخر لعذر، فهل يجب عليه أن يشهد على
نفسه أنه على الطلب؟ وجهان تقدما.
والخوف من العدو كالمرض.
وكذا خوف الطريق أو عدم الرفيق مع الحاجة إليه والخوف على
ضياع شيء من ماله أعذار.
والمسافر إذا بلغه الخبر، يخرج طالبا عند بلوغ الخبر، أو يبعث
وكيلا مع أمن الطريق، وإلا انتظر من يعتمد عليه ويثق بالسفر معه فيسافر،
أو يبعث معه الوكيل.
والحر والبرد المفرطان اللذان يتعذر السير معهما كالخوف.
وإذا لم يشهد على الطلب مع إمكانه، ففي بطلان الشفعة ما تقدم من
الوجهين.

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 539، روضة الطالبين 4: 189.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 539 - 540، روضة الطالبين 4: 189.
319

ولو سار المسافر في الحال طالبا للشفعة، لم تسقط شفعته بترك
الإشهاد، ولا يكون الإشهاد واجبا. وكذا لو بعث وكيله في الحال
ولم يشهد.
وللشافعي قولان (1).
وكذا لو كان حاضرا في البلد فخرج في الحال إلى المشتري أو إلى
الحاكم ولم يشهد.
مسألة 788: إذا علم بالشفعة، مضى إلى المشتري، ولا يحتاج أن
يرفع ذلك إلى الحاكم؛ لأن الشفعة ثبتت بالنص والإجماع، فلا تفتقر إلى
الحاكم، كمدة الإيلاء والرد بالعيب، وبه قال الشافعي (2).
فإذا لقي المشتري، بدأه بالسلام؛ لأنه سنة. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
" من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه " (3) فيقول: السلام عليكم، أو: سلام
عليك، أو: سلام عليكم، ولا تبطل بذلك شفعته.
قال الجويني: ومن غلا (4) في اشتراط قطع ما هو مشغول به من
الطعام وقضاء الحاجة لم يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام (5).
وكذا لا تبطل لو قال عقيب السلام حديثا آخر يتصل بالسلام، كقوله:
بارك الله لك في صفقة يمينك.
قال الشافعي: لا تبطل الشفعة؛ لأن ذلك يتصل بالسلام، ويكون

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 540، روضة الطالبين 4: 189.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 352، العزيز شرح الوجيز 5: 504 و 540.
(3) حلية الأولياء 8: 199، وانظر: الكافي 2: 471 / 2.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " عذر " بدل " غلا ". وما أثبتناه من المصدر.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 542، روضة الطالبين 4: 191.
320

دعاء لنفسه؛ لأن الشقص يرجع إليه (1).
وله قول آخر: البطلان (2).
ولو قال غير ذلك، فقد أخر الشفعة لغير عذر.
ولو قال عند لقائه: بكم اشتريته؟ لم تبطل شفعته - وهو أحد قولي
الشافعية (3) - لافتقاره إلى تحقق ما أخذ به (4).
وقال الباقون: تبطل؛ لأنه تأخير، لأن من حقه أن يظهر الطلب ثم
يبحث (5).
ولو قال: اشتريت رخيصا، وما أشبهه، بطلت شفعته؛ لأنه فضول.
مسألة 789: ولو لم يمض الشفيع إلى المشتري ومشى إلى الحاكم
وطلب الشفعة، لم يكن مقصرا في الطلب، سواء ترك مطالبة المشتري مع
حضوره أو غيبته.
أما لو اقتصر على الإشهاد بالطلب ولم يمض إلى المشتري ولا إلى
القاضي مع إمكانه، قال الشيخ (رحمه الله): لا تبطل شفعته؛ لعدم الدليل عليه (6)،
وبه قال أبو حنيفة (7).
وقال الشافعي: يكون مقصرا، وبطلت شفعته (8).
ولو جهل البطلان، كان عذرا، ولم يكن مقصرا، كما لو جهل أصل

(1 - 3) العزيز شرح الوجيز 5: 542، روضة الطالبين 4: 191.
(4) كذا، والظاهر: " لافتقاره إلى تحقيق ما أخذه به ".
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 542، روضة الطالبين 4: 191.
(6) الخلاف 3: 456، المسألة 42.
(7) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 456، المسألة 42، وانظر: العزيز
شرح الوجيز 5: 540.
(8) العزيز شرح الوجيز 5: 540، روضة الطالبين 4: 190.
321

الشفعة.
ولو كان المشتري غائبا، رفع أمره إلى القاضي وأخذ، ولم يكف
الإشهاد.
ولو لم يتمكن من الرفع إلى المشتري ولا إلى القاضي، كفاه الإشهاد
على الطلب، فإن تمكن بعد ذلك من المضي إلى المشتري أو القاضي،
فالأقرب: عدم الاكتفاء بالإشهاد السابق، فيكون مقصرا لو لم يمض إلى
أحدهما؛ لأن الالتجاء إلى الإشهاد كان لعذر وقد زال.
ولو لم يتمكن من المضي إلى أحدهما ولا من الإشهاد، فهل يؤمر أن
يقول: تملكت الشقص أو أخذته؟ الأقرب: ذلك؛ لأن الواجب الطلب عند
القاضي أو المشتري، فإذا فات القيد، لم يسقط الآخر.
وللشافعية وجهان (1).
مسألة 790: لا يجب الطلب في بلد المبايعة، فلو باع الشقص بمصر
ثم وجد الشفيع المشتري بمصر آخر فأخر الطلب فلما رجعا إلى مصره
طالبه بالشفعة، لم يكن له ذلك، وسقطت شفعته.
فإن اعتذر الشفيع عن التأخير بأني إنما تركت الطلب لآخذ في موضع
الشفعة، لم يكن ذلك عذرا، وقلنا له: ليس تقف المطالبة على تسليم
الشقص، فكان ينبغي أن تطلبها حال علمك بها، فبطل حقك؛ لاستغناء
الأخذ عن الحضور عند الشقص.
مسألة 791: لو أظهر المتبايعان أنهما تبايعا بألف فترك الشفيع الشفعة
فعفا أو توانى في الطلب، ثم بان أنهما تبايعاه بأقل من ذلك، لم تسقط

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 540، روضة الطالبين 4: 190.
322

الشفعة، وكان للشفيع المطالبة بها؛ لاحتمال أن يكون الترك لأجل كثرة
الثمن، فإذا كان أقل منه، رغب فيه، فلم تسقط بذلك الترك شفعته.
وكذا لو بلغه أنه باعه بالثمن المسمى سهاما قليلة ثم ظهر أنها كثيرة.
وكذا إذا كانا قد أظهرا أنهما تبايعا ذلك بالدنانير، فترك ثم بان أنهما
تبايعا ذلك بالدراهم، تثبت الشفعة، سواء كانت بقيمة الدراهم أو أكثر أو
أقل - وبه قال الشافعي وزفر (1) - لأنه قد يكون له غرض في ذلك بأن
يكون مالكا لأحد النقدين دون الذي وقع التبايع به.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كانت قيمتهما سواء،
سقطت شفعته - وبه قال بعض الشافعية - لأنهما يجريان مجرى الجنس
الواحد (2).
وكذا إن أظهرا له أن زيدا اشتراها، فترك الشفعة فبان أن المشتري
عمرو وأن زيدا كان وكيلا لعمرو، لم تبطل الشفعة، وكان له المطالبة بها؛
لاحتمال أن يكون يرضى بشركة زيد ولا يرضى بشركة عمرو.
ولو ظهر كذب نوع الثمن، فقال: اشتريته بدراهم راضية، فترك
الشفعة فظهر أنه اشترى بدراهم رضوية، لم تبطل شفعته، وكان له الطلب.
وكذا لو أخبر بأن المشتري اشترى النصف بمائة، فترك الشفيع ثم

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 353، حلية العلماء 5: 298 - 299، العزيز شرح
الوجيز 5: 541 - 542، روضة الطالبين 4: 190، بدائع الصنائع 5: 19،
الاختيار لتعليل المختار 2: 542، المغني 5: 481، الشرح الكبير 5: 479.
(2) بدائع الصنائع 5: 19، الاختيار لتعليل المختار 2: 73 - 74، حلية العلماء 5:
299، العزيز شرح الوجيز 5: 542، روضة الطالبين 4: 190 - 191، المغني 5:
481، الشرح الكبير 5: 479.
323

بان (1) أنه اشترى الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشفعة؛ لأنه قد يكون
له غرض في القليل، وقد يكون له أيضا غرض في الكثير.
وكذا لو قيل له: باع كل نصيبه، فترك ثم ظهر بعضه أو بالعكس، أو
أنه باعه بثمن حال، فترك ثم ظهر أنه مؤجل، أو أنه باعه إلى شهر، فترك
فظهر أنه إلى شهرين أو بالعكس، أو أنه باع رجلين فبان رجلا أو
بالعكس، فترك الشفعة قبل ظهور الحال، لم تبطل الشفعة؛ لاختلاف
الغرض بذلك.
ولو ظهر بأن الثمن عشرة، فترك الشفعة ثم ظهر أن الثمن عشرون (2)،
أو أخبر بأن الثمن مؤجل (3)، فترك فبان حالا، أو أن المبيع الجميع بألف
فبان أن البعض بألف، بطل حقه من الشفعة قطعا.
ولو أخبر (4) أنه اشترى النصف بمائة، فترك الشفعة ثم ظهر أنه
اشترى الربع بخمسين أو بالعكس، تثبت الشعفة؛ لأنه قد يكون له غرض
في القليل أو الكثير.
ولو بلغه (5) أن المشتري واحد، فترك الشفعة ثم ظهر أنه ذلك الواحد
وآخر، فله الشفعة من كل منهما ومن أحدهما إن قلنا بثبوت الشفعة مع
الكثرة؛ لأنه ترك الذي ترك له على أنه اشترى الجميع، فإذا كان اشترى
البعض، تثبت له، وأما الآخر فلم يتركه له.

(1) في الطبعة الحجرية: " ظهر " بدل " بان ".
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " عشرين ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " مؤجلا " بالنصب.
(4) تقدم هذا الفرع آنفا بعد قوله: " ولو ظهر كذب... كان له طلب ".
(5) تقدم هذا الفرع آنفا عند قوله: "... أو أنه باع... أو بالعكس ".
324

مسألة 792: لو أخر الطلب واعتذر بحصول مرض أو حبس أو غيبة،
وأنكر المشتري، قدم قول الشفيع إن علم حصول العارض - الذي ادعاه -
له، وإن لم يعلم له هذه الحال، قدم قول المشتري؛ لأصالة العدم، وأصالة
عدم الشفعة.
ولو قال: لم أعلم ثبوت حق الشفعة، أو قال: أخرت لأني لم أعلم
أن الشفعة على الفور (1)، فإن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ في برية
لا يعرفون الأحكام، قبل قوله، وله الأخذ بالشفعة، وإلا فلا.
مسألة 793: لو ضمن الشفيع العهدة للمشتري أو ضمن الدرك للبائع
عن المشتري، قال الشيخ (رحمه الله): لا تسقط شفعته، وبه قال الشافعي، وكذا إذا
شرطا الخيار للشفيع إذا قلنا بصحة اشتراط الخيار للأجنبي؛ لأن هذا سبب
سبق وجوب الشفعة، فلا تسقط به، كما إذا أذن له في البيع أو عفا عن
الشفعة قبل تمام البيع (2).
وقال أهل العراق: إنه تسقط الشفعة؛ لأن العقد تم به، فأشبه البائع
إذا باع بعض نصيبه، لا شفعة له (3).
قالت الشافعية: هذا ليس بصحيح؛ لأن البيع لا يقف على الضمان،
ويبطل بما (4) إذا كان المشتري شريكا، فإنه تثبت له الشفعة بقدر نصيبه (5).

(1) ورد في النسخ الخطية والحجرية قوله: " أو قال... على الفور " بعد قوله: " فإن
كان قريب العهد بالإسلام ". وهو سهو من النساخ.
(2) الخلاف 3: 447، المسألة 25، وانظر: حلية العلماء 5: 312، والعزيز شرح
الوجيز 5: 546، والمغني 5: 543، والشرح الكبير 5: 483.
(3) حلية العلماء 5: 312، المغني 5: 543، الشرح الكبير 5: 483، الخلاف
- للطوسي - 3: 447، المسألة 25.
(4) في النسخ الخطية والحجرية: " به " بدل " بما ". والصحيح ما أثبتناه.
(5) أنظر: المغني 5: 543، والشرح الكبير 5: 484.
325

والقول ببطلان الشفعة لا بأس به عندي؛ لدلالة ذلك على الرضا
بالبيع.
قال الشيخ (رحمه الله): ولو كان الشفيع وكيلا في البيع (1)، لم تسقط شفعته،
سواء كان وكيلا للبائع في البيع أو للمشتري في الشراء - وبه قال الشافعي -
لعدم الدليل على سقوط الشفعة بالوكالة (2).
وقال بعض الشافعية: إن كان وكيلا للبائع، فلا شفعة له، وإن كان
وكيلا للمشتري، ثبتت له الشفعة، والفرق: أنه إذا كان وكيلا في البيع،
لحقته التهمة، وفي الشراء لا تهمة (3).
وقال أهل العراق: إذا كان وكيلا للمشتري، سقطت شفعته، بناء على
أصلهم أن الوكيل يملك، ولا يستحق على نفسه الشفعة (4).
ويحتمل عندي قويا بطلان الشفعة؛ لأن التوكيل يدل على الرضا
بالبيع.
مسألة 794: لو أذن الشفيع في البيع، فقال: بع نصيبك وقد عفوت
عن الشفعة، أو أبرأه (5) من الشفعة قبل تمام البيع أو أسقط حقه أو عفا قبل
العقد، لم تسقط شفعته، وبه قال الشافعي (6).

(1) أي: بيع الشقص الذي يستحق به الشفعة.
(2) الخلاف 3: 448، المسألة 27، وراجع: المغني 5: 542، والشرح الكبير 5:
483 - 484.
(3) المغني 5: 542، الشرح الكبير 5: 483.
(4) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف 3: 448، المسألة 27، وابنا قدامة في
المغني 5: 542، والشرح الكبير 5 483.
(5) في النسخ الخطية والحجرية: " أبرأ ". والظاهر ما أثبتناه.
(6) حلية العلماء 5: 309، مختصر اختلاف العلماء 4: 240 / 1948، المغني 5:
541، الشرح الكبير 5: 484.
326

وحكي عن عثمان البتي أنه قال: تسقط الشفعة (1)؛ لرواية جابر عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " الشفعة في كل شرك في أرض (2) أو ربع أو حائط
لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع " (3) فأجاز تركه.
والمراد العرض على الشريك ليبتاع ذلك إن أراد، فيخف بذلك
المؤونة عليه في أخذ المشتري الشقص؛ لأن قوله (عليه السلام): " فيأخذ " ليس
بالشفعة؛ لأن العرض متقدم على البيع، والأخذ متعقب للعرض، فقوله:
" أو يدع " أي: يدع الشراء، لا أنه يسقط حقه بتسليمه. والأصل فيه أن ذلك
إسقاط حق قبل وجوبه، فلا يصح، كما لو أبرأه مما يدينه إياه.
وكذا لو قال للمشتري: اشتر فلا أطالبك بالشفعة وقد عفوت عنها،
لم يسقط حقه بذلك.
فروع:
أ - إذا شهد الشفيع على البيع، لم تبطل شفعته بذلك؛ لأنه قد يريد
البيع ليأخذه بالشفعة، وكذا في الإذن بالبيع على ما تقدم (4).
ب - لو بارك للبائع فيما باع أو للمشتري فيما اشترى، لم تسقط
شفعته، وقد سلف (5).
ج - لو قال الشفيع للمشتري: بعني أو قاسمني، بطلت شفعته؛ لأنه
يتضمن الرضا بالبيع وإجازته له.

(1) مختصر اختلاف العلماء 4: 240 / 1948، حلية العلماء 5: 309.
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " شرك بأرض ". وما أثبتناه من المصدر.
(3) صحيح مسلم 3: 1229 / 135.
(4) في صدر المسألة 794.
(5) في ص 320 ضمن المسألة 788.
327

د - لو شرط الخيار للشفيع فاختار الإمضاء، سقطت شفعته إن ترتبت
على اللزوم.
مسألة 795: لو باع أحد الشريكين نصيبه ولم يعلم شريكه حتى باع
نصيبه ثم علم بيع شريكه، فالأقرب: عدم الشفعة؛ لأنها إنما ثبتت لزوال
الضرر بها عن نصيبه، فإذا باع نصيبه فلا معنى لإثباتها، كما لو وجد بالمبيع
عيبا ثم زال قبل علم المشتري، وهو أحد قولي الشافعي. والثاني: أنه تثبت
له الشفعة في النصيب الأول؛ لأنه استحق فيه الشفعة بوجود ملكه حين
التبايع، فلم يؤثر زوال ملكه بعد ذلك (1).
وكذا البحث لو وهب نصيبه قبل علمه بالبيع ثم علم، وكذا لو تقايلا
في هذا بالبيع (2) الثاني.
إذا عرفت هذا، فإن قلنا: لا شفعة له، فللمشتري منه الأخذ بالشفعة؛
لوجود المقتضي، وهو الشركة.
وإن قلنا: له الشفعة، فالأقرب: عدم استحقاق المشترى منه للشفعة
إن قلنا بانتفاء الشفعة مع الكثرة، وإلا فإشكال أقربه ذلك أيضا؛ لأن الشفعة
استحقها البائع الجاهل؛ لسبق عقد الشفعة على عقده، فلا يستحقها الآخر؛
لامتناع استحقاق المستحقين شيئا واحدا.
ولو كان الجاهل قد باع نصف نصيبه وقلنا بالشفعة مع الكثرة،
فوجهان:
أحدهما: أنه تسقط الشفعة - وهو أحد قولي الشافعي (3) - كما إذا عفا

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 543، روضة الطالبين 4: 191.
(2) كذا.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 543، روضة الطالبين 4: 191 - 192.
328

عن بعض الشفعة.
والثاني: لا تسقط؛ لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في
جميع المبيع لو انفرد كذا إذا بقي. ولأنه معذور بجهله، وقد بقيت الحاجة
- الموجبة للشفعة - للمشاركة (1).
ولو باع الشفيع نصيبه عالما أو وهبه عالما بثبوت الشفعة، بطلت
شفعته، سواء قلنا: إن الشفعة على الفور أو على التراخي؛ لزوال ضرر
المشاركة.
ولو باع بعض نصيبه عالما، فإن قلنا ببطلان الشفعة مع الكثرة،
فكذلك؛ لتكثر الشركاء. وإن قلنا بثبوتها معها، فالأقرب: البطلان أيضا؛
لثبوت التضرر بالشركة، فلا أثر للشفعة في زوالها.
ويحتمل عدم البطلان؛ لأن تضرر الشركة قد يحصل مع شخص دون
آخر، ولهذا قلنا: إنه إذا بلغه أن المشتري زيد فترك الشفعة ثم بان أنه
عمرو، لم تبطل شفعته، كذا هنا.
أما لو طالب بالشفعة فامتنع عليه المشتري من الدفع بعد أن بذل
المال، لم تسقط شفعته.
فإن باع نصيبه حالة المنع منها ثم تمكن من الطلب، ففي ثبوته
إشكال ينشأ: من استحقاقه للطلب أولا وقد طلب، فلا تبطل شفعته بالبيع،
والبيع معذور فيه؛ لإمكان حاجته، ومن بطلان العلة الموجبة للشفعة، وهي
الشركة. وهو أقرب.
ولو تملك بالشفعة فقال: تملكت بالشفعة، حالة منع المشتري منها،

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 543، روضة الطالبين 4: 191 - 192.
329

فالأقرب: أنه يملك الشقص بذلك، فإذا باع نصيبه بعد ذلك، لم تسقط
شفعته على هذا التقدير قطعا. وكذا له النماء من المشتري والأجرة.
مسألة 796: إذا وجبت الشفعة واصطلح الشفيع والمشتري على تركها
بعوض، صح عندنا، وسقطت الشفعة - وبه قال مالك (1) - لعموم جواز
الصلح. ولأنه عوض على إزالة ملك في ملك، فجاز، كأخذ العوض على
تمليك امرأته أمرها في الخلع.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تصح المعاوضة؛ لأنه خيار لا يسقط
إلى مال، فلا يجوز أخذ العوض عنه، كخيار المجلس (2).
وهل تبطل الشفعة؟ للشافعي وجهان:
أحدهما: البطلان؛ لأنه تركها بعوض لا يسلم له، فكان كما لو
تركها.
والثاني: لا تسقط؛ لأنه لم يرض بإسقاطها مجانا، وإنما رضي
بالمعاوضة عنها، فإذا لم تثبت له المعاوضة، كانت الشفعة باقية (3).
وهذان الوجهان جاريان في الرد بالعيب إذا عاوض عنه وقلنا:
لا تصح المعاوضة.
وعندنا أنه تصح المعاوضة أيضا.
مسألة 797: إذا وجبت الشفعة في شقص فقال صاحب الشفعة:
أخذت نصف الشقص، لم يكن له ذلك.

(1) المغني والشرح الكبير 5: 482.
(2) الحاوي الكبير 7: 244، التهذيب - للبغوي - 4: 353، المغني 5: 482 -
483، الشرح الكبير 5: 481 - 482.
(3) الحاوي الكبير 7: 244، التهذيب - للبغوي - 4: 353 - 354.
330

وهل تسقط شفعته؟ قال محمد بن الحسن وبعض الشافعية: نعم؛
لأنه إذا طلب بعضها، فقد أخر بعضها، فقد ترك شفعته في بعضها، وإذا
ترك بعضها، سقطت كلها؛ لأنها لا تتبعض (1).
وقال أبو يوسف: لا تسقط؛ لأن اختياره لبعضها طلب للشفعة،
فلا يجوز أن يكون هو بعينه تركا لها؛ لعدم دلالة الشيء على نقيضه. ولأنه
لما لم يجز له أن يأخذ بعضها دون بعض كان طلب بعضها كطلب
جميعها (2).
واعترض: بأن طلب البعض لا يكون طلبا للجميع، ولا معنى لطلب
الجميع بطلب البعض، ولا غرض، فتسقط (3).
البحث السابع: في تفاريع القول بالشفعة مع الكثرة.
مسألة 798: اختلف القائلون بثبوت الشفعة مع الكثرة - من أصحابنا
ومن العامة - هل هي على عدد الرؤوس أو على قدر الأنصباء؟
فذهب بعض علمائنا إلى أنها تثبت على عدد الرجال (4)، فلو كان
لأحد الشركاء النصف وللباقين النصف الآخر بالسوية فباع صاحب الربع
نصيبه، كانت الشفعة بين صاحب النصف وصاحب الربع بالسوية - وبه قال

(1) الحاوي الكبير 7: 244، حلية العلماء 5: 292، المغني 5: 483، الشرح الكبير
5: 489 - 490.
(2) الحاوي الكبير 7: 244، حلية العلماء 5: 293، المغني 5: 483، الشرح الكبير
5: 490.
(3) المغني 5: 483، الشرح الكبير 5: 490.
(4) كما في المبسوط - للطوسي - 3: 113، ونسبه الفاضل الآبي في كشف الرموز
2: 393 إلى ابن الجنيد.
331

الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه والمزني
والشافعي في أحد القولين، وأحمد في إحدى الروايتين (1) - لقول
أمير المؤمنين (عليه السلام): " الشفعة على عدد الرجال " (2).
ولأن كل واحد منهم لو انفرد، كان له أخذ الكل، فإذا اجتمعوا
اشتركوا، كالبنين في الميراث، وكما لو كان لواحد من الثلاثة نصف عبد
وللثاني ثلثه وللثالث سدسه فأعتق صاحب الثلث والسدس حصتهما معا
دفعة وهما موسران، فإن النصف يقوم عليهما بالسوية وإن اختلف
استحقاقهما.
وقال بعض علمائنا: إنها تثبت على قدر النصب (3) - وبه قال عطاء
ومالك وإسحاق وأحمد في الرواية الأخرى والشافعي في القول الآخر،
وهو مذهب سوار القاضي وعبيد الله بن الحسن العنبري (4) - لأنه حق
يستفاد بسبب الملك، فكان على قدر الأملاك كالغلة.

(1) المغني 5: 523، الشرح الكبير 5: 490، الهداية - للمرغيناني - 4: 25،
مختصر اختلاف العلماء 4: 248 / 1965، الحاوي الكبير 7: 259، المهذب -
للشيرازي - 1: 388، حلية العلماء 5: 291، التهذيب - للبغوي - 4: 362،
الوسيط 4: 94، الوجيز 1: 219، العزيز شرح الوجيز 5: 527 و 528، روضة
الطالبين 4: 182، المحلى 9: 98 - 99، الاستذكار 21: 281 / 5 - 31374.
(2) الفقيه 3: 45 / 156، التهذيب 7: 166 / 736، الاستبصار 3: 116 - 117 / 416.
(3) كما في المبسوط - للطوسي - 3: 113، والمهذب - لابن البراج - 1: 453.
(4) المغني 5: 523، الشرح الكبير 5: 490، بداية المجتهد 2: 260، الاستذكار
21: 280 / 31370، و 281 / 3 - 31372، المعونة 2: 1269، المهذب
- للشيرازي - 1: 388، الحاوي الكبير 7: 259، حلية العلماء 5: 291 - 292،
التهذيب - للبغوي - 4: 362، الوسيط 4: 94، الوجيز 1: 219، العزيز شرح
الوجيز 5: 527 و 528، روضة الطالبين 4: 182، المحلى 9: 99، مختصر
اختلاف العلماء 4: 248 / 1965، الهداية - للمرغيناني - 4: 25.
332

ثم نقضوا الأول (1) بالفرسان والرجالة في الغنيمة، من انفرد منهم
استحق الكل، وإذا اجتمعوا تفاضلوا، وكذا أصحاب الديون إذا كان من عليه
الدين ماله مثل أقل الديون، والمعتقان استويا؛ لأن العتق إتلاف النصيب
الباقي، وسبب الإتلاف يستوي فيه القليل والكثير، كالنجاسة تقع في
المائع، وهنا يستحق بسبب الملك، فافترقا (2).
والفرق ظاهر؛ فإن الفرس كالفارس، فلا تفاضل في الحقيقة، والدين
كالكسب الحاصل لأرباب الديون، فكانوا فيه على قدر رؤوس أموالهم.
إذا ثبت هذا، فإن قلنا: الشفعة على عدد الرؤوس، فلا بحث.
وإن قلنا: على قدر الأنصباء، فلو كان لأحدهما النصف وللآخر الربع
والمبيع الربع، استحق صاحب النصف ثلثي المبيع، وصاحب الربع ثلثه،
فتقسم الجملة من اثني عشر، لصاحب النصف ثمانية، ولصاحب الربع
أربعة، فقد صار لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث.
مسألة 799: إذا تزاحم الشركاء، فالأقسام ثلاثة:
الأول: أن يتفقوا على الطلب، فإن كانوا حاضرين بأجمعهم حالة
البيع، فتثبت بينهم الشفعة على عدد الأنصباء أو على عدد الرؤوس، فلو
كانت الدار بين أربعة بالسوية باع أحدهم نصيبه، كان للثلاثة الباقية أخذها
بالشفعة، فتصير الدار أثلاثا بعد أن كانت أرباعا.
الثاني: أن لا يكونوا بأجمعهم حاضرين فإما أن يكونوا بأجمعهم
غيابا أو بعضهم، وعلى كلا التقديرين لا تسقط شفعة الغائب بغيبته مع
التأخر؛ لمكان العذر. فإن قدموا بأجمعهم، فحكمهم حكم الحاضرين.

(1) أي القول الأول.
(2) راجع المغني 5: 523، والشرح الكبير 5: 491.
333

وإن حضر بعضهم، فحكمه حكم ما إذا غاب البعض خاصة.
إذا ثبت هذا، فإن كان الحاضر واحدا أو قدم بعد غيبة الجميع، فليس
له أخذ حصته فقط؛ لما فيه من التبعيض، والشفعة وضعت لإزالته،
فلا تكون سببا فيه. ولما فيه من تضرر المشتري، ولا يكلف الصبر إلى
حضور الغياب؛ لأنه إضرار به وبالمشتري، بل يأخذ الجميع؛ لأن الحاضر
هو المستحق للجميع بطلبه، والغياب لم يوجد منهم مطالبة بالشفعة،
فحينئذ إما أن يأخذ الحاضر الجميع أو يترك.
ولو كان الحاضر اثنين أو قدم اثنان، تساويا في أخذ الجميع أو
الترك.
الثالث: أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم، فالطالبون بالخيار
بين أخذ الكل أو تركه ولو كان الباقي واحدا؛ لأن الشفعة إنما تثبت بسوء
المشاركة ومؤونة القسمة، فإذا أراد أن يأخذ من المشتري بعض الشقص،
لم يزل الضرر الذي لأجله تثبت الشفعة. ولأن الشفعة إنما تثبت لإزالة
الضرر عنه، وفي تبعيض الشقص إضرار بالمشتري، فلا يزال الضرر
بإلحاق ضرر.
مسألة 800: ليس للشفيع تشقيص الشفعة، بل إما أن يأخذ بالجميع (1)
أو يترك الجميع؛ لما في التشقيص من الإضرار بالمشتري.
إذا ثبت هذا، فلو عفا عن بعض الشفعة، سقطت شفعته،
كالقصاص، وهو أحد وجوه الشافعية.
والثاني: لا يسقط شيء، كعفوه عن بعض حد القذف.

(1) في " س، ي ": " الجميع ".
334

والثالث: يسقط ما عفا عنه، ويبقى الباقي (1).
قال الصيدلاني منهم: موضع هذا الوجه ما إذا رضي المشتري
بتبعيض الصفقة، فإن أبى وقال: خذ الكل أو دعه، فله ذلك (2).
وقال الجويني: هذه الأوجه إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور، فإن
حكمنا به، فطريقان: منهم من قطع بأن العفو عن البعض تأخير لطلب
الباقي، ومنهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي، وطرد
الأوجه (3) (4).
إذا تقرر هذا، فنقول: إذا استحق اثنان شفعة فعفا أحدهما عن حقه،
سقط نصيب العافي، ويثبت جميع الشفعة للآخر، فإن شاء أخذ الجميع،
وإن شاء تركه، وليس له الاقتصار على قدر حصته؛ لئلا تتبعض الصفقة
على المشتري، وهو أحد وجوه الشافعية.
والثاني: أنه يسقط حقهما - وهو اختيار ابن سريج - كالقصاص.
والثالث: لا يسقط حق واحد منهما تغليبا للثبوت.
والرابع: يسقط حق العافي، وليس لصاحبه أن يأخذ إلا قسطه،
وليس للمشتري إلزامه بأخذ الجميع (5).
هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء، ولو ثبتت لواحد فمات عن اثنين
فعفا أحدهما، فهل له كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها، أم كثبوتها

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 531، روضة الطالبين 4: 184.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " الوجه " بدل " الأوجه ". وما أثبتناه من " روضة
الطالبين ". وبدلها في " العزيز شرح الوجيز ": " الوجوه ".
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 531، روضة الطالبين 4: 181.
(5) العزيز شرح الوجيز 5: 532، روضة الطالبين 4: 181.
335

لاثنين عفا أحدهما؟ للشافعية وجهان (1).
تذنيب: لو كان للشقص شفيعان فمات كل عن اثنين فعفا أحدهم
عن حقه، فللشافعية وجوه:
أ - أنه يسقط جميع الشفعة.
ب - يبقى جميع الشفعة للأربعة؛ لبطلان العفو.
ج - يسقط حق العافي وأخيه خاصة؛ لاتحادهما في سبب الملك،
ويأخذه الآخران.
د - ينتقل حق العافي إلى الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثا.
ه‍ - يستقر حق العافي للمشتري، ويأخذ الثلاثة ثلاثة أرباع الشقص.
و - ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط (2).
وعلى ما اخترناه نحن قبل ذلك فالوجه المعتمد هو الخامس من هذه
الوجوه.
مسألة 801: لو مات عن اثنين وله دار، فهي بينهما بالسوية، فلو مات
أحدهما وورثه ابنان له فباع أحدهما نصيبه فإن الشفعة تثبت لأخيه وعمه
- وبه قال الشافعي في الإملاء، قال: وهو القياس، وبه قال أبو حنيفة
وأحمد والمزني (3) - لأنهما شريكان حال ثبوت الشفعة، فكانت الشفعة
بينهما، كما لو ملك الثلاثة بسبب واحد.
وقال في القديم: إن أخاه أحق بالشفعة - وبه قال مالك - لأن الأخ

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 532، روضة الطالبين 4: 181.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 532 - 533، روضة الطالبين 4: 184 - 185.
(3) المغني 5: 524، المهذب - للشيرازي - 1: 388، الحاوي الكبير 7: 255،
حلية العلماء 5: 299، التهذيب - للبغوي - 4: 362، الوسيط 4: 94 - 95،
العزيز شرح الوجيز 5: 528، روضة الطالبين 4: 183.
336

أخص بشركته من العم؛ لاشتراكهما في سبب الملك، ولهذا لو قسمت
الدار، كانا حزبا والعم حزبا آخر (1).
ولا معنى (2) للاختصاص؛ لأن الاعتبار بالشركة لا بسببها. وأما القسمة
فإن القاسم يجعل الدار أربعة أجزاء: اثنان للعم، ولكل واحد جزء، كما
يفعل ذلك في الفرائض.
فروع:
أ - لو قلنا: تختص بالأخ - كما هو أحد قولي الشافعي - لو عفا عن
الشفعة، ففي ثبوتها للعم عند الشافعية وجهان:
أحدهما: أنها لا تثبت؛ لأنه لو كان مستحقا، لما تقدم عليه غيره.
والثاني: تثبت له؛ لأنه شريك، وإنما يقدم الأخ لزيادة قربه، كما أن
المرتهن يقدم في المرهون على باقي الغرماء، فلو أسقط حقه، أمسكه
الباقون (3).
ب - هذا الحكم لا يختص بالأخ والعم، بل في كل صورة ملك
شريكان عقارا بسبب واحد، وغيرهما من الشركاء بسبب آخر، فلو اشترى
نصف دار واشترى آخران النصف الآخر ثم باع أحد الآخرين نصيبه، فهل

(1) المهذب - للشيرازي - 1: 388، الحاوي الكبير 7: 256، حلية العلماء 5:
300، التهذيب - للبغوي - 4: 363، الوسيط 4: 95، العزيز شرح الوجيز 5:
528، روضة الطالبين 4: 183، المغني 5: 524.
(2) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " فلا معنى ". والظاهر ما أثبتناه حيث إنه رد على
الشافعي في قوله القديم.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 388، الحاوي الكبير 7: 256، حلية العلماء 5:
300، العزيز شرح الوجيز 5: 528 - 529، روضة الطالبين 4: 183.
337

الشفعة للآخر الذي يشاركه في الشراء خاصة، أو له وللأول صاحب
النصف؟ للشافعي قولان؛ لاختلاف سبب الملك (1).
وكذا لو ورث ثلاثة دارا فباع أحدهم نصيبه من اثنين وعفا الآخر ثم
باع أحد المشتريين نصيبه، فهل تثبت الشفعة للمشتري الآخر أم
[للكل] (2)؟ على القولين (3).
ج - لو مات صاحب عقار وخلف ابنتين وأختين، فالمال بأجمعه
- عندنا - للبنتين.
وعند العامة للبنتين الثلثان، وللأختين الثلث.
فلو باعت إحدى الأختين نصيبها، فهل تثبت الشفعة لأختها أو لها
وللبنتين؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: أن ذلك مبني على القولين اللذين ذكرناهما؛ لاختلاف
سبب الملك.
والثاني: [أنهن يشتركن] (4) في الشفعة قولا واحدا؛ لأن السبب واحد
- وهو الميراث - وإن اختلف قدر الاستحقاق (5).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 363، العزيز شرح الوجيز 5: 529، روضة الطالبين 4:
183.
(2) في النسخ الخطية والحجرية بدل " للكل ": " لذلك ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) المهذب - للشيرازي - 1: 388 - 389، التهذيب - للبغوي - 4: 363، حلية
العلماء 5: 300.
(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية: " أنهم يشتركون ". والصحيح
ما أثبتناه.
(5) المهذب - للشيرازي - 1: 389، حلية العلماء 5: 301، العزيز شرح الوجيز 5:
529، روضة الطالبين 4: 183.
338

د - لو مات الرجل عن ثلاثة (1) بنين وخلف دارا ثم مات أحدهم
وخلف ابنين فباع أحد العمين نصيبه، فهل يكون العم الآخر أحق بالشفعة،
أو يشترك هو وابنا (2) أخيه؟ للشافعية وجهان:
أحدهما: أن ذلك على القولين.
والثاني: أنهم يشتركون (3).
والفصل بين هذه وما تقدم من مسألة الأخ والعم: أن هنا يقوم أبناء
الميت منهم مقام أبيهم ويخلفونه في الملك، ولو كان أبوهم باقيا، شارك
أخاه في الشفعة، فلهذا شاركوه، وفي مسألة الأخ والعم البائع ابن أخيهم،
وهم لا يقومون مقام أخيهم، وإنما يقومون مقام أبيهم.
ه‍ - إذا قلنا: إن الشفعة للجماعة، قسم بينهم إما على قدر النصيب
أو على عدد الرؤوس.
فإن قلنا: إن الشفعة لشريكه في النصيب دون غيره، فلو عفا عن
الشفعة، فهل تثبت للشريك الآخر؟ للشافعية وجهان، أحدهما: أنها (4)
تثبت (5)؛ لأنه شريكه، وإنما يقدم عليه من كان أخص بالبائع، فإذا عفا،
ثبتت للشريك الآخر، كما لو قتل واحد جماعة واحدا بعد واحد، ثبت
القصاص للأول، فإذا عفا الأول، ثبت القصاص للثاني، كذا هنا (6).
مسألة 802: قد ذكرنا أنه إذا قدم واحد من الأربعة وتخلف اثنان وكان

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " ثلاث " وما أثبتناه هو الصحيح.
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " ابني ". والصحيح ما أثبتناه.
(3) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
(4) في " س، ي " والطبعة الحجرية: " أنه ". وما أثبتناه لأجل السياق.
(5) في النسخ الخطية والحجرية: " لا تثبت " بزيادة " لا ". والصحيح ما أثبتناه.
(6) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.
339

الرابع قد باع نصيبه أو كان واحد من الثلاثة حاضرا، فإنه إما أن يأخذ
الجميع أو يترك الجميع، وليس له أخذ نصيبه؛ لما فيه من تضرر
المشتري.
فإن أخذ الجميع ثم قدم ثان، أخذ منه النصف؛ لأنه لا شفيع الآن
غيرهما، ووجدت المطالبة منهما دون الثالث، فكانت الشفعة بينهما، فإن
قدم الثالث، أخذ منهما الثلث ليكونوا سواء، فإن عفا الثاني، استقر على
الأول، وإن عفا الثالث، استقر عليهما.
ولو كان للشقص غلة حصلت في يد الأول، لم يشاركه الثاني فيها؛
لأنه ملك الجميع بالأخذ، وقد حصل النماء في ملكه، فكانت كما لو
انفصلت في يد المشتري قبل الأخذ بالشفعة.
وكذا إن أخذ الثاني وحصلت الغلة في يده، لم يشاركه الثالث فيها.
ولو خرج الشقص مستحقا، قال أكثر الشافعية: إن العهدة على
المشتري يرجع الثلاثة عليه، ولا يرجع أحدهم على الآخر؛ لأن الشفعة
[ليست] (1) مستحقة عليهم (2).
وقال بعض الشافعية: يرجع الثاني على الأول، والثالث يرجع
عليهما، والأول يرجع على المشتري؛ لأن الثاني أخذ من الأول ودفع الثمن
إليه (3).
وقال بعض الشافعية: هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة
ونقص قيمة الشقص، فأما الثمن فكل يسترد ما سلمه ممن سلمه إليه

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 534، روضة الطالبين 4: 185.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 534، روضة الطالبين 4: 185 - 186.
340

بلا خلاف (1). وهو المعتمد.
مسألة 803: لو قال الأول: لا آخذ الجميع وإنما أنتظر مجيء الشركاء
ليأخذوا أو يعفوا، فالأقرب: عدم سقوط شفعته بذلك؛ لأن له غرضا في
الترك، وهو أن لا يأخذ ما يؤخذ منه ويحتاج إلى ثمن كثير ربما لا يقدر
عليه في تلك الحال، ومع ذلك يؤدي حاله إلى عدم التمكن من العمارة
على ما يريده، وربما انتزع منه فيضيع تعبه، وهو أحد قولي الشافعية.
والثاني: أنه تسقط شفعته؛ لأنه يمكنه الأخذ فلم يفعل فبطلت (2).
وليس بجيد؛ لعدم تمكنه من أخذ حق لا ينازعه فيه غيره.
ولو قال الثاني: لا آخذ النصف، بل الثلث خاصة لئلا يحضر الثالث
فيأخذ مني، فله ذلك؛ لأنه يأخذ دون حقه، بخلاف الأول؛ لأن أخذه
لبعض الشقص تبعيض للشقص على المشتري، وهو أصح وجهي
الشافعية (3).
ويشكل بأنه يريد أن يأخذ بعض ما يخصه، وليس لأحد الشفيعين
أن يأخذ بعض ما يخصه. فإن أخذ الثلث إما على هذا الوجه أو بالتراضي،
وهو سهمان من ستة، ثم قدم الثالث، فله أن يأخذ من الأول نصف ما في
يده، فإن أخذه، فلا كلام. وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، فله
ذلك؛ لأن حقه ثابت في كل جزء.
ثم له أن يقول للأول: ضم ما معك إلى ما أخذته لنقسمه نصفين؛

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 534، روضة الطالبين 4: 186.
(2) الحاوي الكبير 7: 261، العزيز شرح الوجيز 5: 533، روضة الطالبين 4:
185.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 535، روضة الطالبين 4: 186.
341

لأنا متساويان.
وتصح المسألة من ثمانية عشر؛ لأنا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث، وهو
تسعة، مع الثاني - منها - ثلاثة، ومع الأول ستة، فيأخذ الثالث من الثاني (1)
واحدا ويضمه إلى ما مع الأول وهو ستة، فلا تنقسم، فنضرب (2) اثنين في
تسعة تبلغ ثمانية عشر، للثاني منها اثنان في اثنين أربعة، تبقى أربعة عشر،
للأول والثالث نصفين، وهذا المنقسم من ثمانية عشر ربع الدار، فتكون
جملتها اثنين وسبعين - قال بعض الشافعية: لما ترك الثاني سدسا للأول
صار عافيا عن بعض حقه، فيبطل جميع حقه على الأصح، كما سبق،
فينبغي أن يسقط حق الثاني كله، ويكون الشقص بين الأول والثالث (3) -
فكأن الثالث يقول للأول: نحن سواء في الاستحقاق، ولم يترك واحد منا
شيئا من حقه، فنجمع ما معنا ونقسمه، بخلاف الثاني؛ لأنه ترك شيئا من
حقه. ولأنه لما قدم الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، وذلك
ثلثا سهم، ولا يسقط حقه بما تركه في يد الأول، ثم يضم ما معه إلى ما في
يد الأول، وهو أربعة أسهم، فيكون أربعة أسهم وثلثي سهم يقتسمانها
نصفين؛ لأنه يطالب الأول بثلث نصيبه، وهو سهم من ثلاثة وثلث السهم
الذي تركه الثاني؛ لأنه لو أخذه لأخذ ثلثه، ويبقى ثلثا هذا السهم تركه
الثاني، وسقط حقه عنه، فيقتسمانه بينهما، فيحصل له ذلك من أربع
جهات، فإن قدم الرابع أخذ من الثاني سهما، وهو ربع ما بيده، وضمه إلى
ما في يد الأول والثالث يصير خمسة عشر يقتسمونه أثلاثا لكل واحد

(1) في النسخ الخطية والحجرية: " فيأخذ الثاني من الثالث ". والصحيح ما أثبتناه.
(2) في النسخ الخطية والحجرية: " نضرب ". والأنسب ما أثبتناه.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 535، روضة الطالبين 4: 187.
342

خمسة.
مسألة 804: لو أخذ الأول الشقص بالشفعة ثم وجد به عيبا فرده ثم
قدم الثاني، كان له أخذ جميع الشقص - وبه قال الشافعي (1) - لأن الشفيع
فسخ تملكه، ورجع إلى المشتري بالسبب الأول، فكان للشفيع الآخر أن
يأخذه، كما لو عفا.
وقال محمد بن الحسن الشيباني: إنه لا يأخذ إلا حصته؛ لأن الأول
لم يعف عن الشفعة، وإنما رد ذلك لأجل العيب، فلم يتوفر نصيبه على
الآخر، كما لو رجع إليه نصيب أحدهما بسبب آخر (2).
والفرق بين صورة النزاع وبين عوده بسبب آخر ثابت؛ لأنه عاد غير
الملك الأول الذي تعلقت به الشفعة.
مسألة 805: لو حضر اثنان وأخذا الشقص واقتسماه، كان للثالث بعد
حضوره نقض القسمة، والمطالبة بحصته من الشفعة، وله أن يأخذ من كل
واحد منهما ثلث ما في يده، وتبقى القسمة بحالها إن رضي المتقاسمان
بذلك، وإلا فلكل منهما الفسخ؛ لأنه إنما رضي بأخذ الجميع، والقسمة
لم تقع فاسدة في نفسها، بل وقعت صحيحة، وتعقبها البطلان المتجدد،
فإذا لم يسلم له جميع ما وصل إليه، كان له الفسخ.
ولو قدم الثالث وأحد الشريكين كان غائبا، فإن قضى له القاضي على
الغائب، أخذ من الحاضر الثلث، ومن الغائب الثلث. وإن لم يقض، أخذ
من الحاضر الثلث؛ لأنه قدر ما يستحقه مما في يده، وهو أحد وجهي

(1) حلية العلماء 5: 296، العزيز شرح الوجيز 5: 534، روضة الطالبين 4: 186.
(2) حلية العلماء 5: 296.
343

الشافعية، والثاني: النصف؛ لأن أحدهما إذا كان غائبا، صار كأنهما
الشفيعان، فيقتسمان بينهما بالسوية (1).
إذا ثبت هذا، فإن حضر الغائب وغاب هذا الحاضر، فإن كان أخذ
من الحاضر ثلث ما في يده، أخذ من الذي كان غائبا وحضر ثلث ما في
يده أيضا (2). وإن كان قد أخذ من الحاضر النصف مما في يده، أخذ من
هذا سدس ما في يده، فيتم بذلك نصيبه، ويكون ذلك من ثمانية وأربعين،
والمبيع اثنا عشر أخذ ستة.
مسألة 806: لو كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان من رجل شقصا، فقال
الشفيع: أنا آخذ ما باع فلان وأترك ما باع فلان الآخر، كان له ذلك؛ لأن
العقد إذا كان في أحد طرفيه عاقدان كان بمنزلة العقدين، وبه قال
الشافعي (3)، خلافا لأبي حنيفة (4)، وقد سلف (5).
ولو باع واحد من اثنين، كان للشفيع أن يأخذ منهما أو من أحدهما،
دون الآخر - وبه قال الشافعي (6) - لأنهما مشتريان، فجاز (7) للشفيع أخذ
نصيب أحدهما.

(1) حلية العلماء 5: 296، العزيز شرح الوجيز 5: 535، روضة الطالبين 4: 187.
(2) كلمة " أيضا " لم ترد في " س " والطبعة الحجرية.
(3) مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 7: 289، العزيز شرح الوجيز 5: 536،
روضة الطالبين 4: 187.
(4) الحاوي الكبير 7: 289، المغني 5: 530.
(5) راجع ص 37، المسألة 563.
(6) مختصر المزني: 121، الحاوي الكبير 7: 289، العزيز شرح الوجيز 5: 536،
روضة الطالبين 4: 187، المغني 5: 530، الشرح الكبير 5: 498.
(7) في الطبعة الحجرية: " فكان " بدل " فجاز ".
344

وقال أبو حنيفة: يجوز بعد القبض، ولا يجوز قبله في إحدى
الروايتين؛ لأنه قبل القبض يكون تبعيضا للصفقة على البائع (1)؛ بناء على
أصله في أنه يأخذ المبيع منه.
وهو ممنوع، على أن الباقي يأخذه المشتري والآخر، وليس تبعيضا.
وكذا لو باع اثنان من واحد، فإن للشفيع أن يأخذ الحصتين أو حصة
أحدهما دون الآخر؛ لما تقدم، خلافا لأبي حنيفة ولمالك (2).
ولو باع الشريكان من اثنين، كان ذلك بمنزلة أربعة عقود، وللشفيع
أخذ الكل أو ما شاء منهما إما ثلاثة أرباعه، وهو نصيب أحد المشتريين
ونصف نصيب الآخر، أو يأخذ نصف الجملة إما بأن يأخذ نصيب أحدهما
أو نصف نصيب كل واحد، أو يأخذ ربع الجملة، وهو نصف نصيب
أحدهما.
مسألة 807: لو باع أحد الشريكين بعض (3) نصيبه من رجل ثم باع منه
الباقي ثم علم شريكه، كان له أن يأخذ المبيع أولا خاصة، أو ثانيا خاصة،
أو هما معا بالشفعة؛ لأن لكل واحد من العقدين حكم نفسه، فإن عفا عن
الأول وأراد أخذ الثاني، لم يشاركه المشتري بنصيبه الأول؛ لأن ملكه على
الأول لم يستقر؛ لأن للشفيع أخذه، فلا يستحق به شفعته، كما لو ارتهن
بعضه واشترى الباقي، وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: ليس له أن يأخذ النصيبين معا، وإنما له أن يأخذ

(1) المغني 5: 530، الشرح الكبير 5: 498، العزيز شرح الوجيز 5: 536.
(2) المغني 5: 530، العزيز شرح الوجيز 5: 536.
(3) في الطبعة الحجرية: " نصف " بدل " بعض ".
(4) أنظر: المغني 5: 533.
345

الأول ونصف الثاني - وبه قال بعض الشافعية - لأن ملكه ثبت له على
الأول، فإذا اشترى الثاني، كان شريكا له بالنصف (1).
مسألة 808: إذا باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة أنفس صفقة
واحدة، فإن عفا [الشريك] (2) عن أحدهم، صح عفوه، ولم يجز للمعفو
عنه مشاركته في الشفعة على الآخرين؛ لأن ملك المعفو عنه لم يسبق
ملكهما، وإنما ملك الثلاثة دفعة واحدة، وإنما يستحق الشفعة بملك سابق
لملك المشتري.
فإن باع أحد الشريكين نصيبه من ثلاثة في ثلاثة عقود على الترتيب
فعفا الشريك عن المشتري الأول، وطلب من الآخرين، كان للمشتري
الأول مشاركته في شفعة الآخرين؛ لأن ملكه سابق لشرائهما.
وكذا إن عفا عن الأول والثاني، شاركاه في حق الشفعة على الثالث.
ولو عفا عن الثاني خاصة، كان له مشاركته في شفعة الثالث، دون
الأول.
ولو عفا عن الثالث خاصة، لم يكن له مشاركته في شفعة الأولين.
ولو عفا عن الثاني والثالث، لم يشاركاه في شفعة الأول؛ لأنهما حين
وجوب الشفعة لم يكن لهما ملك.
مسألة 809: لو وكل أحد الشركاء الثلاثة ثانيهم، فباع الوكيل نصيبه
ونصيب موكله صفقة واحدة، كان للثالث الشفعة، وليس للوكيل ولا للموكل
شفعة على الآخر؛ لعدم الأولوية. ولأنهما بائعان.
وهل للثالث أن يأخذ أحد النصيبين دون الآخر؟ الأقوى ذلك؛ لأن

(1) أنظر: المغني 5: 533.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
346

المالك اثنان، فهو كما لو توليا العقد، وهو أحد قولي الشافعية. والثاني:
ليس له؛ لأن العاقد واحد في الطرفين اعتبارا بالوكيل (1).
ولو كانت الدار لاثنين فوكل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه، وجوز
له أن يبيع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة، فباع كذلك، وأراد الموكل
أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق النصف الباقي، فله ذلك؛ لأن الصفقة
اشتملت على ما لا شفعة للموكل فيه - وهو ملكه - وعلى ما فيه شفعة
- وهو ملك الوكيل - فأشبه من باع شقصين من دارين صفقة واحدة.
فإن كان الشفيع في إحداهما غير الشفيع في الأخرى، فلكل أن يأخذ
ما هو شريك فيه، سواء وافقه الآخر في الأخذ أو لا. وإن كان شفيعهما
واحدا، جاز له أخذ الجميع، وأخذ أيتهما شاء، وهو أصح وجهي
الشافعية (2).
مسألة 810: لو كانت الدار لثلاثة نصفها لواحد ولكل واحد من
الآخرين الربع، فقارض أحد هذين الرجلين الآخر على ألف، فاشترى
العامل منهما نصف نصيب صاحب النصف، فلا شفعة هنا؛ لأن البائع
لا شفعة له فيما باع، والشريك الآخر رب المال، والثالث هو العامل، ورب
المال والعامل بمنزلة الشريكين في المبتاع، فلا يستحق أحدهما على الآخر
شفعة فيما ابتاعه، وهو أحد وجهي الشافعية (3).
فإن باع الذي كان صاحب النصف الربع الذي بقي له من أجنبي،

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 536، روضة الطالبين 4: 188.
(2) العزيز شرح الوجيز 5: 537، روضة الطالبين 4: 188.
(3) أنظر: العزيز شرح الوجيز 5: 545، وروضة الطالبين 4: 192، والمغني 5:
499، والشرح الكبير 5: 547.
347

فالشقص للشفعة أثلاثا، الثلث بالربع الذي لرب المال، والثلث بالربع الذي
للعامل، والثلث لمال المضاربة وكان مال القراض بمنزلة شريك آخر؛ لأن
حكمه متميز عن مال كل واحد منهما.
مسألة 811: لو اشترى بعيرا وشقصا بعبد وجارية، وقيمة البعير
والشقص مائتان كل واحد بمائة، وكذا قيمة العبد مائة، وقيمة الجارية مائة،
تثبت الشفعة في الشقص بنصف قيمة العبد والجارية.
فإن تلف البعير قبل القبض، بطل فيه العقد، ولا يبطل في الشقص،
وهو أحد قولي الشافعية (1) في طريق تفريق الصفقة، فإن قلنا: يبطل، بطل
الكل وسقطت الشفعة. وإن قلنا: يصح في الشقص، صح فيه بنصف العبد
والجارية، وأخذه الشفيع بقيمة ذلك.
وإن تلف العبد، بطل العقد في نصف البعير ونصف الشقص، وأخذ
الشفيع نصف الشقص بنصف قيمة الجارية.
مسألة 812: لو كانت الدار بين أربعة بالسوية فاشترى اثنان منهم من
واحد نصيبه وهو الربع، استحق الذي لم يشتر عليهما الشفعة، واستحق كل
واحد من المشتريين؛ لأنه شريك، فلا يسقط حقه من الشفعة، وتبسط
الدار ثمانية وأربعين سهما، فالربع اثنا عشر، وفيه أربع صور:
أ - أن يطالب كل واحد بشفعة، فيقتسمون المبيع أثلاثا، فيحصل
لكل واحد أربعة.
ب - أن يعفو كل واحد من الشريكين عن صاحبه، ويطالب الذي
لم يشتر، فإنه يأخذ من كل واحد منهما نصف ما في يده؛ لأنه مما اشتراه

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
348

كل واحد شريكه في الشفعة؛ إذ لا شفعة فيه إلا لهما، فيحصل للذي
لم يشتر نصف السهم ستة، ولكل واحد من المشتريين ثلاثة أسهم.
ج - أن يعفو الذي لم يشتر خاصة، فكل واحد من المشتريين يأخذ
من صاحبه ما في يده، فيكون ذلك قدر ما اشتراه لكل واحد ستة.
د - أن يعفو الذي لم يشتر عن أحدهما دون الآخر، فإنه يأخذ ممن
لم يعف عنه سهمين، وتبقى معه أربعة أسهم يأخذ منها المعفو عنه
سهمين، ويأخذ الذي لم يعف عنه من المعفو عنه ثلاثة أسهم نصف ما في
يده؛ لأنه لا شفيع في هذا السهم سواهما، فيحصل مع كل واحد منهما
خمسة، ومع العافي سهمان.
البحث الثامن: في الحيل المسقطة للشفعة.
مسألة 813: يجوز استعمال الحيل بالمباح مطلقا عندنا وعند جماعة
من العامة، خلافا لأحمد بن حنبل (1).
فإذا أراد أن يشتري الشقص ولا تلزمه شفعة، أمكنه أن يشتريه بثمن
مشاهد لا يعلمان قدره ولا قيمته إذا لم يكن من المكيلات والموزونات،
ثم يخرجه عن ملكه بتلف أو غيره بحيث لا يتمكن من العلم به وقت
المطالبة بالشفعة، فإذا طولب بالشفعة وتعذر عليه معرفة الثمن، سقطت
الشفعة، فإن ادعى الشفيع أن الثمن كان معلوما وذكر قدره فأنكر المشتري،
قدم قول المشتري مع اليمين.
ولو كان الثمن مكيلا أو موزونا، فقال المشتري: إنه كان جزافا أو كان

(1) المغني 5: 511.
349

معلوما وقد نسيته، لم يسمع منه في الجزاف عندنا، وطولب بجواب
صحيح، فإن أجاب وإلا جعل ناكلا.
ومن قال: إنه يجوز البيع به هل يكون الجواب به أو بالنسيان
صحيحا؟ الأقرب عندي ذلك - وهو قول أكثر الشافعية (1) - لأن نسيان
المشتري ممكن، وقد يكون الثمن جزافا عند مجوزيه، فإذا أمكن، حلف
عليه.
وقال بعض الشافعية: إنه لا يكون جوابا صحيحا، فيقال له: إما أن
تجيب بجواب صحيح، وإلا جعلناك ناكلا، ويحلف الشفيع، كما لو ادعى
رجل على آخر ألف درهم دينا، فقال: لا أعلم قدر دينك، لم يكن
جوابا (2).
والفرق: أن المدعي يدعي عليه قدرا معينا، وهو لا يجيب عنه
لا بإقرار ولا بإنكار، فلهذا جعلناه ناكلا، وفي مسألتنا قوله: " إن الثمن كان
جزافا، أو: لا أذكره " إنكار للشفعة؛ لأنه إذا كان كذلك، لا تجب الشفعة.
نعم، لو قال: لا أدري لك شفعة أم لا، كان كمسألة الدين.
ولأن الدين إن لم يعلمه من هو عليه يجوز أن يعلمه من هو له،
فيجعل القول قوله مع يمينه، وهنا هذا هو العاقد، وإذا كان جزافا أو
لا يعلم، فلا طريق للشفيع إلى معرفته.
مسألة 814: لو أتلف المشتري الثمن المعين قبل القبض وكان قد
قبض الشقص وباعه، سقطت الشفعة، وصح تصرف المشتري، وكان عليه
قيمة الشقص للبائع.

(1 و 2) لم نعثر عليه في مظانه.
350

ولو أراد المتبايعان التوصل إلى رغبة الشفيع عن الشفعة، اشتراه بألف
إذا كان يساوي مائة ثم يبيعه بالألف سلعة تساوي مائة، فإذا أراد الشفيع أن
يأخذه، وجب عليه دفع الألف. وكذا إذا باعه سلعة تساوي مائة بألف ثم
اشترى الشقص المساوي مائة بألف، فإذا أراد الشفيع أن يأخذه، أخذه
بالألف.
وهذا يصح عندنا مطلقا.
وعند الشافعي إنما يصح إذا لم يشترط مشتري الشقص على بائعه
أخذ السلعة بالثمن في العقد، فإنه متى شرط ذلك، بطل العقد عنده،
ويحصل على المشتري بشراء ما يساوي مائة بألف غرر (1).
مسألة 815: لو نقل الشقص بهبة أو صلح أو بجعله مال إجارة أو
غيرها من العقود المغايرة للبيع، فلا شفعة عندنا.
ووافقنا الشافعي (2) في كل عقد لا يشتمل على المعاوضة، وعلى
أنهما إذا اتفقا على أن يهب أحدهما الشقص للآخر ويهب الآخر الثمن،
ويكون هذا الاتفاق قبل عقد الهبة ويعقدانها مطلقة، فلا تجب الشفعة.
ولو اتفقا على بيع الشقص بألف وهو يساوي مائة ثم يبرئه من
تسعمائة بعد انبرام البيع فتعاقدا على ذلك، رغب الشفيع عن أخذه؛ لأنه لو
طلبه لزمه الألف.
مسألة 816: ومن الحيل أن يبيعه جزءا من الشقص بثمنه كله، ويهب
له الباقي أو يهبه بعض الشقص، أو يملكه إياه بوجه آخر غير البيع، ثم

(1) لم نعثر عليه في مظانه.
(2) الحاوي الكبير 7: 232، العزيز شرح الوجيز 5: 496، روضة الطالبين 4:
163.
351

يبيعه الباقي، فإنه لا شفعة عند من يبطلها مع الكثرة، أو يبيعه بثمن حاضر
مجهول القدر عند من يجوزه، ويقبضه البائع ولا يزنه، بل ينفقه أو يمزجه
بمال له مجهول، فتندفع الشفعة على أصح قولي الشافعية (1).
ولو باع بعض الشقص ثم باع الباقي، لم يكن للشفيع أخذ جميع
المبيع ثانيا على أحد الوجهين (2).
ولو وكل البائع شريكه بالبيع فباع، لم يكن له الشفعة على أحد
الوجهين (3).
مسألة 817: لا يكره دفع الشفعة بالحيلة؛ إذ ليس فيها دفع حق عن
الغير، فإن الشفعة إنما تثبت بعد البيع مع عدم المعارض، فإذا لم يوجد
بيع أو وجد مع معارض الشفعة، فلا شفعة؛ لعدم الثبوت، وبه قال
أبو يوسف (4).
وقال محمد بن الحسن: يكره (5).
وللشافعية وجهان، أصحهما عندهم: الثاني (6)، ولا يكره عندهم دفع
شفعة الجار بالحيلة قطعا (7).
ولو اشترى عشر الدار بتسعة أعشار الثمن، فلا يرغب الشفيع؛ لكثرة

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 544، روضة الطالبين 4: 195.
(2 و 3) الوجهان للشافعية أيضا، أنظر: العزيز شرح الوجيز 5: 544، وروضة الطالبين
4: 195.
(4 و 5) الهداية - للمرغيناني - 4: 39، العزيز شرح الوجيز 5: 545، روضة الطالبين
4: 196.
(6) العزيز شرح الوجيز 5: 545، روضة الطالبين 4: 196.
(7) روضة الطالبين 4: 196.
352

الثمن، ثم يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكن الجار من الشفعة؛
لأن المشتري حالة الشراء شريك في الدار، والشريك مقدم على الجار، أو
يخط البائع على طرف ملكه خطا مما يلي دار جاره، ويبيع ما وراء الخط؛
لأن ما بين ملكه وبين المبيع فاصلا، ثم يهبه الفاصل.
البحث التاسع: في اللواحق.
مسألة 818: لو مات المديون وله شقص يستوعبه الدين فبيع شقص
في شركته، كان للورثة الشفعة؛ لأن الدين لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة
على ما يأتي، وبه قال الشافعي (1)، خلافا لأبي حنيفة (2) وبعض الشافعية (3).
ولو كان للمديون دار فبيع بعضها في الدين، لم يكن للورثة الشفعة؛
لأن البيع يقع لهم، فلا يستحقون الشفعة على أنفسهم.
ولو كان الوارث شريك الموروث فبيع نصيب الموروث في دينه،
تثبت الشفعة للوارث بنصيبه الذي كان يملكه؛ لأن البيع على الميت إنما
كان بسبب دينه الذي ثبت عليه في حال الحياة، فصار البيع كأنه قد وقع في
حال الحياة، والوارث كان شريكه في حال الحياة، فتثبت له الشفعة،
ولا يلزم إذا كانت الدار للموروث فبيع بعضها في دينه؛ لأنا إذا جعلنا البيع
كأنه وقع في حال الحياة، لم يكن الوارث شريكه في تلك الحال، وهو
قول بعض الشافعية (4).

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 373، العزيز شرح الوجيز 5: 547، روضة الطالبين 4:
194، المغني 5: 538، الشرح الكبير 5: 517.
(2) المغني 5: 538، الشرح الكبير 5: 517.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 547، روضة الطالبين 4: 194.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 547 - 548، روضة الطالبين 4: 195.
353

وقال أكثرهم: لا شفعة؛ لأن الدين لا يمنع انتقال الملك إلى الوارث،
فإذا بيع فقد بيع ملك الوارث عليه، فلا يستحق الشفعة، كما لو كان له على
رجل دين وهو غائب فباع بعض داره ثم قدم، لم تثبت له الشفعة، كذا
هنا (1).
وما ذكره أولا بعضهم فليس بشيء؛ لأنه إنما يلحق بحال الحياة إذا
وجد سببه في حال الحياة وما لا يمكن (2) ابتداؤه بعد الوفاة، ولو كان
كذلك، لم يكن للوارث أن يقضي الدين من عنده، ويمنع (3) من البيع.
وهذا عندي هو المعتمد.
لا يقال: هذا الدين وجب على الميت، فلا يجوز أن يباع غيره فيه،
وإنما يجعل كأنه بيع عليه.
لأنا نقول: من يقول: إن الملك ينتقل إلى الوارث قد لزمه ما ألزم؛
لأنه يبطل ملك الوارث لأجل دين الميت، على (4) أن ذلك لا يمنع (5)؛ لأن
هذا الدين يتعلق (6) بهذه العين؛ لأنها ملكت من جهة السبب، ألا ترى أن
العبد إذا جنى، تعلقت الجناية برقبته، وهي ملك لمولاه، ويباع فيها وإن
لم يكن الدين على مولاه.
مسألة 819: لو كان لأحد الثلاثة نصف الدار ولكل من الآخرين ربع،
فاشترى صاحب النصف من أحد شريكيه ربعه، والآخر غائب، ثم باع

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 548، روضة الطالبين 4: 195.
(2) كذا، والظاهر: " وما لم يكن ".
(3) في الطبعة الحجرية: " ويمتنع ".
(4) في " ي " والطبعة الحجرية: " وعلى ".
(5) في " س، ي ": " لا يمتنع ".
(6) في " ي ": " تعلق ".
354

صاحب ثلاثة الأرباع ربعا منها لرجل، ثم قدم الشريك الغائب، كان له أخذ
ما يخصه من المبيع الأول بالشفعة، وهو ثمن، ويأخذ المبيع الثاني
بأجمعه؛ إذ لا شفيع غيره.
فإن أراد العفو عن الثاني والأخذ من الأول، أخذ من المشتري الثاني
سهما من ستة، ومن الأول سهمين من ستة؛ لأنا نفرض الدار أربعة
وعشرين سهما؛ إذ لا تخرج صحيحة من أقل.
وإنما قلنا ذلك؛ لأن صاحب النصف اشترى الربع، فكان بينه وبين
الغائب نصفين إن قلنا: إن للمشتري شفعة وإن الشفعة على عدد الرؤوس
فإذا باع الربع مما في يده وفي يده ثلاثة أرباع، فقد باع ثلث ما في يده،
وهو ستة، وبقي في يده اثنا عشر، وللغائب شفعة ثلاثة أسهم، فإذا قدم،
أخذ من المشتري ثلث ما استحقه، وهو سهم واحد؛ لأنه حصل له ثلث ما
كان في يد بائعه، وأخذ من الأول سهمين.
وإن جعلنا الشفعة على قدر النصيب، فالذي يستحق الغائب سهمان
من الستة؛ لأن ملكه مثل نصف ملك المشتري حصل له في المبيع ثلثا
سهم، ويأخذ من المشتري الأول سهما وثلثا ومن الثاني ثلثي سهم.
هذا إذا عفا عن الثاني، وإن عفا عن الأول وأخذ من الثاني، أخذ من
المشتري ما اشتراه، وهو ستة أسهم؛ لأن شريكه بائع، فلا شفعة له.
وإن أراد أن يأخذ الشفعة بالعقدين، أخذ ما في يد الثاني، وأخذ من
الأول سهمين إن جعلنا الشفعة على عدد الرؤوس، وإن قلنا: على قدر
النصيب، يأخذ سهما وثلثا.
مسألة 820: لو بيع شقص وله شفيعان فعفا أحدهما ومات الآخر
وكان وارثه هو العافي، كان له أن يأخذ الشقص بما ورثه من الشفعة،
355

ولا يبطلها العفو السابق؛ لأن العفو وقع عما يملكه بالأصالة لا بالميراث.
وكذا لو قذف رجل أباهما وهو ميت فعفا أحدهما، كان للآخر
استيفاء الحد كملا، فإن مات وكان العافي وارثه، كان له استيفاؤه بالنيابة عن
مورثه.
مسألة 821: قد سلف (1) أن الإقالة لا توجب الشفعة، خلافا
لأبي حنيفة (2).
وكذا الرد بالعيب وإن كان على سبيل التراضي، وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: تثبت الشفعة إن وقع الرد بالتراضي؛ لأنه نقل الملك
بالتراضي، فأشبه البيع (4).
وهو خطأ؛ لأنه فسخ، وليس بمعاوضة، ولهذا يعتبر فيه العوض
الأول، فلم تثبت فيه الشفعة، كالفسخ بالخيار.
ولو لم يقايله (5)، بل باعه المشتري من البائع بذلك الثمن أو غيره،
كان للشفيع الشفعة؛ لأنه عفا عما استحقه بالعقد الأول، وهذا عقد يستحق
به الشفعة، فوجبت له.
تذنيب: إذا كان الثمن معينا فتلف قبل القبض، بطل البيع والشفعة؛
لأنه تعذر التسليم، فتعذر إمضاء العقد، بخلاف الإقالة والرد بالعيب.

(1) في ص 230، المسألة 727.
(2) حلية العلماء 5: 295، العزيز شرح الوجيز 5: 498، المغني 5: 470، الشرح
الكبير 5: 465.
(3) حلية العلماء 5: 295، الوسيط 4: 74، الوجيز 1: 215، العزيز شرح الوجيز
5: 497، روضة الطالبين 4: 163.
(4) حلية العلماء 5: 295، العزيز شرح الوجيز 5: 498.
(5) في " ي ": " ولم يقابل ". وفي الطبعة الحجرية: " ولم يقابله " بالباء. وفي " س ":
" ولم يقايله " بالياء. والصحيح ما أثبتناه.
356

ولو ظهر الثمن المعين مستحقا، بطل البيع أيضا والشفعة.
ولو كان المشتري قد باع الشقص قبل التلف، صح بيعه، وللشفيع
أخذه بالشفعة، وبطل البيع الأول.
أما لو باعه ثم ظهر استحقاق الثمن المعين، بطل الثاني أيضا،
ولا شفعة؛ لأن المقتضي لبطلان البيع الاستحقاق لا ظهوره.
آخر: لو وجبت الشفعة وقضى له القاضي بها والشقص في يد البائع
ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع: أقلني، فأقاله، لم تصح
الإقالة؛ لأنها إنما تصح بين المتبايعين، وليس للشفيع ملك من جهة البائع،
فإن باعه منه، كان حكمه حكم بيع ما لم يقبض.
مسألة 822: لو كان أحد الشريكين في الدار غائبا وله وكيل فيها، فقال
الوكيل: قد اشتريته منه، لم يكن للحاضر أخذه بالشفعة؛ لأن إقرار الوكيل
لا يقبل في حق موكله. ولأنه لو ثبتت الشفعة للحاضر بمجرد دعوى
الوكيل، لثبت للوكيل جميع توابع الملك، فكان لو مات (1) الموكل،
لم يفتقر الوكيل في دعوى الشراء منه إلى بينة، بل يكتب الحاكم إلى حاكم
البلد الذي فيه الموكل، ويسأله عن ذلك، وهو أحد وجهي الشافعية.
والثاني: أن الحاضر يأخذه بالشفعة - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه -
لأنه أقر بحق له فيما في يده (2).
ويذكر الحاكم ذلك في السجل، فإن قدم الغائب وصدقه، فلا كلام.
وإن أنكر البيع فإن أقام مدعيه البينة، بطل إنكاره، وإن لم يقم بينة، حلف
المنكر، ثم يرد النصف عليه وأجرة مثله وأرش نقصه إن كان، وله أن

(1) كذا، والظاهر: " فكان كما لو مات ".
(2) المغني 5: 518، الشرح الكبير 5: 530 - 531.
357

يرجع بذلك على من شاء، فإن رجع على الوكيل، رجع به على الشفيع،
وإن رجع على الشفيع، لم يرجع به على الوكيل؛ لأن التلف حصل في
يده.
وفي وجه للشافعية: أنه يرجع عليه؛ لأنه غره (1).
مسألة 823: لو حكم حاكم شرع باعتقاده أن الشفعة تثبت مع الكثرة،
لم يعترض عليه من لا يعتقد ذلك من الحكام.
وكذا عند الشافعي إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار، لم يعترض عليه
في الظاهر، وفي الحكم باطنا عندهم خلاف (2).
أما نحن فإن كان الآخذ مقلدا وقلد من يجب تقليده، كان مباحا له
في الباطن. وإن كان مجتهدا، لم يجز له أن يأخذ على خلاف مذهبه.
مسألة 824: لو اشترى الشقص بكف من الدراهم لا يعلم (3) وزنها، أو
بصبرة حنطة لا يعلم كيلها، فعندنا يبطل البيع.
وعند من جوزه تكال أو توزن ليأخذ الشفيع بذلك القدر (4).
فإن كان غائبا فتبرع البائع بإحضاره أو أخبر عنه واعتمد قوله، فذاك،
وإلا فليس للشفيع أن يكلفه الإحضار والإخبار عنه.
ولو هلك وتعذر الوقوف عليه، تعذر الأخذ بالشفعة.
وهذا يتأتى مثله عندنا، وهو أن يبيع بما لا مثل له ثم يتلف قبل العلم
بقيمته.
ولو أنكر الشفيع الجهالة، فإن عين قدرا وقال للمشتري: قد اشتريته

(1 و 2) لم نعثر عليه في مظانه.
(3) في الطبعة الحجرية: " لم يعلم ".
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 516، روضة الطالبين 4: 175.
358

بكذا، وقال المشتري: لم يكن قدره معلوما، فأصح القولين عند الشافعية:
أنه يقنع منه بذلك، ويحلف عليه (1)، وهو المعتمد عندي في عدم العلم
بالقيمة.
وقال ابن سريج: لا يقبل منه ذلك، ولا يحلف، بل إن أصر على
ذلك، جعل ناكلا، وردت اليمين على الشفيع (2).
وكذا الخلاف لو قال: نسيت (3) (4).
وإن لم يعين الشفيع قدرا لكن ادعى على المشتري أنه يعلمه وطالبه
بالبيان، فللشافعية وجهان أصحهما عندهم: لا تسمع دعواه حتى يعين
قدرا، فيحلف المشتري حينئذ أنه لا يعرف. والثاني: تسمع، ويحلف
المشتري على ما يقوله، فإن نكل، حلف الشفيع على علم المشتري،
وحبس المشتري حتى يبين قدره.
فعلى الأول طريق الشفيع أن يعين قدرا، فإن وافقه المشتري، فذاك،
وإلا حلفه على نفيه، فإن نكل، استدل الشفيع بنكوله، وحلف على
ما عينه، وإن حلف المشتري، زاد وادعى ثانيا، وهكذا يفعل إلى أن ينكل
المشتري، فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف، وهذا (5) لأن اليمين عندهم قد
تستند إلى التخمين.
قالوا: ولهذا له أن يحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه (6).
وهذا باطل، وأن اليمين لا تصح إلا مع العلم والقطع دون الظن

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 516، روضة الطالبين 4: 175.
(3) في النسخ الخطية والحجرية: " أنسيت ". وما أثبتناه كما في المصدر.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 516، روضة الطالبين 4: 175.
(5) في النسخ الخطية والحجرية: " وهكذا " بدل " وهذا ". وما أثبتناه كما في المصدر.
(6) العزيز شرح الوجيز 5: 516 - 517، روضة الطالبين 4: 175.
359

والتخمين.
مسألة 825: لو خرج بعض الثمن مستحقا، بطل البيع في ذلك القدر،
وتخير المشتري في الفسخ والإمضاء، وهو أحد قولي الشافعي في تفريق
الصفقة (1).
فإن اختار الإمضاء، فللشفيع الأخذ. وإن اختار الفسخ وأراد الشفيع
أخذه، فالأقوى تقديمه، ويأخذ بالشفعة، ويبطل فسخ المشتري؛ لسبق
حق الشفيع.
ولو ظهر استحقاق ما دفعه الشفيع، لم تبطل شفعته، سواء كان عالما
بالاستحقاق أو جاهلا.
وللشافعية وجهان (2).
ولو قال الشفيع: تملكت بهذه الدراهم، لم تسقط شفعته مع
استحقاقها أيضا؛ لعدم تعينها بالعقد.
وللشافعية قولان (3).
ثم إذا قال: تملكت بهذه الدراهم، حالة العلم بالاستحقاق أو الجهل،
فلا يبطل حقه، كما قلناه، ويتبين أنه ملك بالقول لا بالدفع.
ولا يفتقر إلى تملك جديد، وهو أحد قولي الشافعية.
والثاني: أنه يفتقر إلى تجديد قوله: تملكت (4).
ولو خرج الذهب نحاسا، فكالمستحق.
ولو خرج الثمن معيبا، فإن رضي البائع، لم يلزم المشتري الرضا

(1 و 2) العزيز شرح الوجيز 5: 517، روضة الطالبين 4: 176.
(3 و 4) روضة الطالبين 4: 176.
360

بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما وقع عليه العقد.
مسألة 826: قد بينا أن الشفعة موروثة، ويشترك الورثة فيها كما في
الميراث، وهو أحد قولي الشافعي على ما تقدم (1). وفي الثاني: على عدد
الرؤوس (2).
فلو مات الشفيع عن ابن وزوجة، فللزوجة ثمن الشفعة، والباقي
للابن، وهو أصح طرق الشافعية.
والطريق الثاني: القطع بالتسوية هنا.
والثالث: على القولين (3).
مسألة 827: لو كان بين اثنين دار بالسوية باع أحدهما نصف نصيبه
لزيد ثم باع النصف الآخر لعمرو، فالشفعة في النصف الأول تختص
بالشريك الأول، ثم قد يعفو عنه وقد يأخذ.
وفي النصف الثاني للشافعية وجوه:
أحدها: أن يختص به الأول.
والثاني: يشترك فيه الأول والمشتري الأول.
وأصحها عندهم: إن عفا الشريك الأول عن النصف الأول، اشتركا،
وإلا اختص به الشريك الأول (4).
مسألة 828: لو كانت الدار لأربعة فباع أحدهم نصيبه والثلاثة غياب،
فقدم أحدهم وأخذ كل الشقص ثم نصب الحاكم من يقسم على الغياب،

(1) في ص 285، ضمن المسألة 758.
(2) الحاوي الكبير 7: 259، حلية العلماء 5: 316، التهذيب - للبغوي - 4: 361 -
362، العزيز شرح الوجيز 5: 527، روضة الطالبين 4: 182.
(3) العزيز شرح الوجيز 5: 529، روضة الطالبين 4: 183.
(4) العزيز شرح الوجيز 5: 530 - 531، روضة الطالبين 4: 183 - 184.
361

فاقتسما، وبنى الحاضر فيما أصابه أو غرس ثم قدم الغائبان، فهل لهما
القلع مجانا؟ فيه احتمال.
وللشافعي وجهان:
أصحهما عندهم: أنه ليس لهما ذلك، كما أن الشفيع لا يقلع بناء
المشتري وغراسه مجانا.
والثاني: نعم؛ لأنهما يستحقان كاستحقاق الأول، فليس له التصرف
حتى يظهر حالهما، بخلاف الشفيع مع المشتري (1).
ولو حضر اثنان فأخذا الشقص واقتسما مع القيم في مال الغائب ثم
قدم (2)، فله الأخذ، وإبطال القسمة، فإن عفا، استمرت القسمة.
ولو أخذ اثنان فحضر الثالث فأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما،
ولا يأخذ من الثاني شيئا، فله ذلك، كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد
المشتريين دون الآخر.
مسألة 829: لو وهب شقصا لعبده، لم يصح على ما اخترناه نحن،
وعند الشيخ أنه يملك ما يملكه مولاه (3).
وللشافعي (4) كالقولين.

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 364، العزيز شرح الوجيز 5: 534، روضة الطالبين 4:
186.
(2) أي: قدم الغائب.
(3) في النهاية: 543، والخلاف 3: 121، المسألة 207: يملك العبد التصرف في
المال ولا يملكه.
(4) الحاوي الكبير 5: 265 - 266، التهذيب - للبغوي - 3: 467، حلية العلماء 5:
360، الوسيط 3: 204، العزيز شرح الوجيز 4: 374، روضة الطالبين 3: 203،
المغني 4: 277.
362

فعلى تقدير أن يملك لو باع شريك العبد حصته، كان للعبد الأخذ
بالشفعة.
والأولى افتقاره إلى إذن السيد؛ لأنه محجور عليه.
وللشافعية وجهان (1).
مسألة 830: لو كان بينهما دار فمات أحدهما عن حمل فباع الآخر
نصيبه، فهل للحمل شفعة؟ الأقرب: ذلك، كما أنه يعزل له الميراث.
إذا ثبت هذا، فإن خرج ميتا، سقطت الشفعة. وإن خرج حيا ومات،
ثبتت لوارثه الشفعة.
فإن كان للميت وصي، فهل له أخذها حالة الحمل؟ الأقرب: المنع؛
لعدم تيقن حياته، ولا ظن للحياة؛ لعدم الاستناد إلى الاستصحاب، بخلاف
الغائب، فإن خرج حيا، كان له الأخذ، فإن ترك، كان للحمل مع بلوغه
ورشده الأخذ.
ويحتمل العدم؛ لأن الحمل لا يملك بالابتداء إلا الوصية.
وقال الشافعي: لا تثبت للحمل شفعة؛ لعدم تيقن الحياة، فإن كان
هناك وارث غير الحمل، فله الشفعة. وإن انفصل حيا، فليس لوليه أن
يأخذ شيئا من الوارث (2). وهو ممنوع.
ولو ورث الحمل شفعة عن مورثه، فللأب أو الجد الأخذ قبل
الانفصال، وهو أحد وجهي الشافعية (3).

(1) العزيز شرح الوجيز 5: 545، روضة الطالبين 4: 192.
(2) التهذيب - للبغوي - 4: 370، العزيز شرح الوجيز 5: 547، روضة الطالبين 4:
194.
(3) التهذيب - للبغوي - 4: 371، العزيز شرح الوجيز 5: 547، روضة الطالبين 4:
194.
363

وقال ابن سريج: ليس لهما الأخذ؛ لأنه لا يتيقن وجوده (1).
مسألة 831: قد بينا أن الأقرب ثبوت الشفعة في بيع الخيار،
ولا يسقط الخيار عمن له الخيار، سواء اشترك الخيار أو اختص بأحدهما،
ولا يسقط خيار البائع. وكذا لو باع الشريك، ثبت للمشتري الأول الشفعة.
وإن كان لبائعه خيار الفسخ فإن فسخ بعد الأخذ، فالمشفوع
للمشتري. وإن فسخ قبله، فلا حق للبائع، وفي المشتري إشكال.
مسألة 832: لو باع المكاتب شقصا بمال الكتابة ثم فسخ السيد الكتابة
لعجزه، لم تسقط الشفعة؛ لأنها ثبتت أولا، فلا تبطل بالفسخ المتجدد.
ولو عفا ولي الطفل عن أخذ الشفعة له وكانت الغبطة في الأخذ،
لم يصح العفو.
والأقرب: أن للولي الأخذ بعد ذلك؛ لبطلان العفو، ولا عبرة بالتأخير
هنا؛ لأن التأخير حصل في حق الطفل لعذر، وهو عفو الولي وتقصيره.
ويحتمل أن لا يكون للولي المطالبة؛ لأنه عفا، فلو أثبتنا له الطلب،
لأدى إلى التراخي، بخلاف الصبي عند بلوغه؛ لتجدد الحق له حينئذ.
ولو ترك لإعسار الصبي، لم يكن له الأخذ بعد يساره، ولا للصبي،
والمغمى عليه كالغائب.
وكذا السكران وإن كان عذره محرما.
وليس لغرماء المفلس الأخذ بالشفعة بدله، ولا لهم إجباره على الأخذ
ولا منعه منه وإن لم يكن له فيها حظ.
نعم، لهم منعه من دفع المال ثمنا فيها. فإن رضي الغرماء بالدفع أو

(1) التهذيب - للبغوي - 4: 371، العزيز شرح الوجيز 5: 547، روضة الطالبين 4:
194.
364

المشتري بالصبر، تعلق حق الغرماء بالمشفوع، وإلا كان للمشتري الانتزاع.
مسألة 833: لو كان لأحد الثلاثة النصف وللآخر الثلث وللثالث
السدس، فباع أحدهم وأثبتنا الشفعة مع الكثرة، فانظر مخرج السهام، فخذ
منها سهام الشفعاء، فإذا علمت العدة قسمت المشفوع عليها، ويصير العقار
بين الشفعاء على تلك العدة.
فلو كان البائع صاحب النصف، فسهام الشفعاء ثلاثة: اثنان لصاحب
الثلث، وللآخر سهم، فالشفعة على ثلاثة، ويصير العقار كذلك.
ولو كان صاحب الثلث، فالشفعة أرباعا: لصاحب النصف ثلاثة
أرباع، وللآخر ربع.
ولو كان صاحب السدس، فهي بين الآخرين أخماسا: لصاحب
النصف ثلاثة، وللآخر سهمان إن قلنا بثبوتها على قدر النصيب، وإلا
تساووا.
ولو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره،
لم يصح.
مسألة 834: لو باع شقصا من ثلاثة دفعة، فلا شفعة لأحدهم.
ولو رتب، فإن أخذ من اللاحق وعفا عن السابق، شاركه السابق.
ويحتمل عدمه؛ لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه بالشفعة،
فلا يكون سببا في استحقاقها.
ولو أخذ من الجميع، لم يشاركه أحد.
ويحتمل مشاركة الأول الشفيع في شفعة الثاني، ومشاركة الشفيع
الأول والثاني في شفعة الثالث؛ لأنه كان ملكا صحيحا حال شراء الثاني،
ولهذا يستحق لو عفا عنه، فكذا إذا لم يعف؛ لأنه إنما يستحق الشفعة
365

بالملك لا بالعفو، كما لو باع الشفيع قبل علمه، فحينئذ للشفيع سدس
الأول، وثلاثة أرباع سدس الثاني، وثلاثة أخماس الثالث، وللأول ربع
سدس الثاني، وخمس الثالث، وللثاني خمس الثالث، فيصح من مائة
وعشرين: للشفيع مائة وسبعة، وللأول تسعة، وللثاني أربعة.
وعلى الآخر للأول نصف سدس الثاني وثلث الثالث، وللثاني ثلث
الثالث، فيصح من ستة وثلاثين: للشفيع تسعة وعشرون، وللأول خمسة،
وللثاني اثنان.
مسألة 835: لو باع أحد الأربعة وعفا آخر، فللآخرين أخذ المبيع.
ولو باع ثلاثة في عقود ثلاثة ولم يعلم الرابع ولا بعضهم ببعض،
فللرابع الشفعة على الجميع.
وفي استحقاق الثاني والثالث فيما باعه الأول واستحقاق الثالث فيما
باعه الثاني وجهان.
وفي استحقاق مشتري الربع الأول فيما باعه الثاني والثالث،
واستحقاق الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه: الاستحقاق؛ لأنهما مالكان حال
البيع. وعدمه؛ لتزلزل الملك. وثبوته للمعفو عنه خاصة.
فإن أوجبناه للجميع، فللذي لم يبع ثلث كل ربع؛ لأن له شريكين،
فصار له الربع مضموما إلى ملكه، فكمل له النصف، وللبائع الثالث
والمشتري الأول الثلث لكل منهما سدس؛ لأنه شريك في شفعة مبيعين،
وللبائع الثاني والمشتري الثاني السدس لكل منهما نصفه؛ لأنه شريك في
شفعة بيع واحد، ويصح من اثني عشر.
مسألة 836: لو وهب المشتري الشقص - الذي اشتراه - لآخر، كان
للشفيع فسخ الهبة، وأخذ الشقص بالشفعة، ويكون الثمن للواهب، وقد
366

تقدم (1).
هذا إذا لم تكن الهبة لازمة، وأما إن كانت لازمة بأن يعوض عنها أو
كانت لذي الرحم، فالأقرب: أن الثمن للمتهب، فإن قلنا بأنه للواهب،
رجع المتهب بما دفعه عوضا، وإلا تخير بينه وبين الثمن.
ولو تقايلا أو رده المشتري، فللشفيع فسخ الإقالة والرد، والدرك باق
على المشتري.
ولو تحالفا عند اختلافهما في الثمن، أخذه الشفيع بما حلف عليه
البائع؛ لأنه يأخذه منه في هذه الصورة، والدرك على البائع حينئذ؛ لفسخ
العقد بالتحالف، وليس للشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع.
ولو غرس المشتري أو بنى، فللمشتري قلع غرسه وبنائه،
ولا يضمن النقص الداخل على الأرض بالغرس والبناء؛ لأنه لم يصادف
ملك الشفيع، ويأخذ الشفيع بكل الثمن أو يترك.
ولو امتنع المشتري من القلع، تخير الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش
- ومع عدمه نظر - وبين النزول عن الشفعة.
فإن اتفقا على بذل القيمة أو أوجبنا قبولها على المشتري مع اختيار
الشفيع، لم يقوم مستحقا للبقاء في الأرض، ولا مقلوعا؛ لأنه إنما يملك
قلعه مع الأرش، بل إما أن تقوم الأرض وفيها الغرس ثم تقوم خالية،
فالتفاوت قيمة الغرس، فيدفعه الشفيع، أو ما نقص منه إن اختار القلع، أو
يقوم الغرس مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.
ولو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته

(1) في ص 272، المسألة 751.
367

عن قلعه في آخر، فله ذلك.
ولو غرس المشتري أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه
الشفيع، فالحكم كذلك.
مسألة 837: لو رد البائع الثمن بالعيب، لم يمنع الشفيع؛ لسبق حقه،
ويأخذه بقيمة الثمن، وللبائع قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة الثمن،
ولا يرجع المشتري بالزيادة.
ويحتمل تقديم حق البائع؛ لأن حقه استند إلى وجود العيب الثابت
حالة التبايع، والشفعة تثبت بعده، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا؛
لأن حقه استرجاع الثمن وقد حصل من الشفيع، فلا فائدة في الرد.
أما لو لم يرد البائع الثمن حتى أخذ الشفيع، فإن له رد الثمن، وليس
له استرجاع المبيع؛ لأن الشفيع ملكه بالأخذ، فلا يملك البائع إبطال ملكه،
كما لو باعه المشتري لأجنبي.
ولو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة، بطلت، وللمشتري الأول
الشفعة على الثاني.
ولو باع بعض نصيبه وقلنا بثبوتها مع الكثرة، احتمل السقوط؛
لسقوط ما يوجب الشفعة. والثبوت؛ لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء، فله
أخذ الشقص من المشتري الأول.
وهل للمشتري الأول شفعة على الثاني؟ إشكال ينشأ: من ثبوت
السبب، وهو الملك، ومن تزلزله؛ لأنه يؤخذ بالشفعة.
مسألة 838: لو وصى لإنسان بشقص، فباع الشريك بعد الموت وقبل
القبول، استحق الشفعة الوارث.
ويحتمل الموصى له إن قلنا: إنه يملك بالموت خاصة، فإذا قبل
368

الوصية، استحق المطالبة؛ لأنا تبينا أن الملك كان له، ولا يستحق المطالبة
قبل القبول، ولا الوارث؛ لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد.
ويحتمل مطالبة الوارث؛ لأن الأصل عدم القبول، وبقاء الحق، فإذا
طالب الوارث ثم قبل الموصى له، افتقر إلى الطلب ثانيا؛ لظهور عدم
استحقاق الطلب.
ويحتمل أن المشفوع للوارث؛ لأن الموصى به إنما انتقل إلى
الموصى له بعد أخذ الشفعة.
ولو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له، فلا شفعة للموصى له؛
لتأخر ملكه عن البيع.
وفي الوارث وجهان مبنيان على من باع قبل علمه ببيع شريكه.
مسألة 839: لو باع أحد الثلاثة حصته من شريكه ثم باع المشتري
على أجنبي ولم يعلم الثالث بالبيعين، فإن أخذ بالثاني، أخذ جميع ما في
يد مشتريه؛ إذ لا شريك له في الشفعة.
وإن أخذ بالأول، أخذ نصف المبيع، وهو السدس؛ لأن المشتري
شريكه، ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه من الثاني؛ لأن شريكه
لما اشترى الثلث كان بينهما.
فإذا باع الثلث من جميع ما في يده وفي يده ثلثان، فقد باع نصف ما
في يده، والشفيع يستحق ربع ما في يده، وهو السدس، فصار منقسما في
أيديهما نصفين، فيأخذ من كل واحد منهما نصفه، وهو نصف السدس،
ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن، وتكون المسألة من اثني
عشر، ثم ترجع إلى أربعة: للشفيع النصف، ولكل واحد الربع.
369

وإن أخذ بالعقدين، أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد
الأول، فله ثلاثة أرباعه، ولشريكه الربع، ويدفع إلى الأول نصف الثمن
الأول، وإلى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني، ويرجع الثاني على الأول بربع
الثمن الثاني؛ لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول، وهو السدس، فيدفع إليه
نصف الثمن كذلك، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني، وهو ربع
ما في يده، فيأخذه منه، ويرجع الثاني على الأول بثمنه، ويبقى المأخوذ
من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه، فأخذها منه، ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن.
* * *
370