الكتاب: المراسم العلوية
المؤلف: سلار بن عبد العزيز
الجزء:
الوفاة: ٤٤٨
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤١٤
المطبعة: أمير - قم
الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
ردمك:
ملاحظات:

المراسم العلوية
في
الأحكام النبوية
3

" أين كتاب با استفاده از تسهيلات حمايتي "
" وزارت فرهنگ وارشاد اسلامي إيران منتشر شده است "
4

المراسم العلوية
في
الأحكام النبوية
للفقيه الأعظم
الشيخ أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
المتوفى سنة 448 ه‍. ق
تحقيق
السيد محسن الحسيني الأميني
5

الكتاب: المراسم العلوية
تأليف: الشيخ أبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
تحقيق: السيد محسن الحسيني الأميني
الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)
العدد: 3000
تاريخ الطبع: 1414 هجري
المطبعة: أمير - قم
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم ومعانديهم
أجمعين إلى يوم الدين.
7

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلائق
أجمعين، محمد وعترته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا.
وبعد: لما قمت بتحقيق كتاب مختلف الشيعة واجهت لزوم كثرة
المراجعة إلى المصادر، حيث أن ديدن العلامة إنما هو بيان قول
المشهور في كل مسألة، وبيان أقوال العلماء والأكابر من الأصحاب
كالصدوقين، والشيخين، والسيد المرتضى، والحلبي، والقاضي ابن
براج، وابن حمزة، وابن جنيد، وابن أبي عقيل، وابن إدريس، وسلار،
وأضرابهم من الموافقين والمخالفين للشهرة الفتوائية الثابتة آنذاك في
كل مسألة.
وهذا المصادر رغم أن بعضها مصححة ومنقحة بيد أن فيها بعض
الملاحظات، والتي كان من اللازم الانتباه إليها من قبل المحققين الذين
تحملوا أعباء تحقيق الكتاب، فلهذا عقدت العزم على إعادة تحقيق
بعض ما تيسر من تلك المصادر حسب كثرة الاحتياج إليها.
وحيث تم بعون الله تعالى إنجاز ذلك المشروع القيم - تحقيق
9

مختلف الشيعة - رأيت من الأحرى البدء بتحقيق كتاب المراسم العلوية
في الأحكام النبوية، للفقيه الأعظم حمزة بن عبد العزيز الديلمي،
الطبرستاني، الملقب بسلار.
وهذا الكتاب وإن تقدم بتحقيقه بعض الأساتذة الكرام - شكر الله
مساعيه - بيد أنه لا - يخلو من بعض الملاحظات الهامة في كيفية التحقيق
والتخريج والتعليق، مضافا إلى أنه قد شحن بأغلاط مطبعية بنحو لافت
للنظر حتى لا تكاد تمر صفحة دون أن تواجهنا أغلاط عديدة.
وقبل كل شئ رأينا من الأفضل أن نقدم نبذة يسيرة عن حياة
المؤلف قدس سرة ليكون القارئ الكريم على إلمام بشخصيته الفذة.
10

حياة المؤلف
اسمه ونسبه:
هو الفقيه الأعظم، والشيخ الأجل، الشيخ أبو يعلى حمزة بن عبد
العزيز الديلمي الطبرستاني، المعروف بسلار، وقد اشتهر بلقبه حتى
ذكره صاحب أعيان الشيعة في " حرف السين " 1 كما ذكره أيضا صاحب
معالم العلماء في " حرف السين " في باب الكنى 2 بل صار مشهورا بهذا
في ألسنة الفقهاء وأرباب التراجم.
ذكره العلامة في خلاصته هكذا: سلار بن عبد العزيز الديلمي 3.
وقال ابن شهرآشوب: أبو يعلى سلار بن عبد العزيز 4.
والسيوطي: سلار - بالتشديد والراء - ابن عبد العزيز أبو يعلى
النحوي 5.
وابن داود - في رجاله -: سلار بن عبد العزيز الديلمي أبو يعلى 6.

(1) أعيان الشيعة 7: 170.
(2) معالم العلماء: 135.
(3) الخلاصة: 86
(4) معالم العلماء: 135.
(5) بغية الوعاء 1: 594.
(6) رجال ابن داود: 104.
11

والسيد بحر العلوم في فوائده: سلار بن عبد العزيز، وهو الشيخ أبو
يعلى 1.
وفي موضع من أمل الآمل: الشيخ الجليل أبو يعلى سلار بن عبد
العزيز الديلمي 2
هذا وعرف في بعض المعاجم الرجالية بسالار - بالألف بعد السين
المهملة 3 - وهذا أقرب لما ورد في رياض العلماء من أن سالار لفظ
أعجمي، ومعناه الرئيس في لغتهم كما يقولون: سبه سالار، وأسبه
سالار - بالباء المعجمة -
وأما سلار - بتشديد اللام - فلا أعرف معناه، بل الحق أنه تصحيف
سالار بالفارسية إلا أنه كتب لا ألف كما هو رسم الخط فظن أنه سلار
مشدد اللام واشتهر بذلك 4.
وقال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: الشيخ أبو يعلى سالار بن
عبد العزيز الديلمي 5.
وفي موضع آخر من أمل الآمل قال: الشيخ أبو يعلى سالار بن عبد
العزيز الديلمي 6.
وفي أعيان الشيعة: الشيخ أبو يعلى سالار بن عبد العزيز الديلمي
الطبرستاني 7.

(1) رجال السيد بحر العلوم 3: 6.
(2) أعيان الشيعة 7: 170.
(3) راجع الفهرست للشيخ منتجب الدين: 67، وأمل الآمل 2: 124، وأعيان الشيعة 7: 170.
(4) رياض العلماء 2: 440.
(5) الفهرست للشيخ منتجب الدين: 67.
(6) أمل الآمل 2: 124.
(7) أعيان الشيعة 7: 170.
12

نسبته:
نسب رحمه الله إلى الديلم وإلى طبرستان كما تقدم، أما
(الديلمي) - بفتح الدال المهملة وسكون الياء المعجمة بنقطتين من
تحتها، وفتح اللام وكسر الميم - نسبة إلى الديلم، وهي بلاد معروفة،
ينسب إليها جماعة من أولاد الموالي، قاله السمعاني في الأنساب كما
في أعيان الشيعة 1.
وفي الصحاح: الديلم جيل من الناس 2.
وفي القاموس: الديلم جيل من الناس معروف 3.
وأما (الطبرستاني) فهو نسبة إلى طبرستان، قال صاحب الرياض:
وكلام الشهيد يعطي اطلاق طبرستان على بلاد جيلان أيضا، فإن الديلم
من بلاد جيلان، فلا يختص اطلاق طبرستان على بلاد مازندران كما هو
المشهور 4.
وذكر الأفندي - أيضا -: أن طبرستان هي التي تسمى الآن ببلدة رشت
إذ بالبال أن طبرستان يطلق على جميع مازندران وجيلان، ويؤيده ما
قيل في وجه التسمية ب‍ - " طبرستان " لكثرة أشجارها فيحتاج السائر فيها
إلى الطبر لقطع الأشجار، وفي يد كل واحد من أهلها لذلك طبر الآن
أيضا 5.

(1) أعيان الشيعة 7: 170.
(2) الصحاح 5: 1920 مادة (دلم).
(4) رياض العلماء 2: 439.
(5) رياض العلماء 2: 440 - 441.
13

وفاته ومدفنه:
قال السيوطي نقلا عن الصفدي: مات في صفر سنة 448 هجرية 1.
وذكر صاحب أعيان الشيعة نقلا عن نظام الأقوال: مات بعد الظهر من
يوم السبت لست خلون من شهر رمضان سنة 463 هجرية 2.
وفي الرياض عن تذكرة الأولياء: أن سلار بن عبد العزيز الديلمي
مدفون في قرية خسرو شاه من قرى تبريز، وقال: وقد وردت عليها
أيضا وسمعت من بعض أكابرها بل من جميع أهلها أن
قبره " قدس سره " بها وكان قبره هناك معروفا وقد زرته بها.
وخسر وشاه: كان في الزمن القديم بلدة كبيرة معروفة من بلاد
آذربيجان، والآن صارت قرية 3.
الثناء عليه:
كان - رضوان الله عليه - متكلما أصوليا فقيها أديبا نحويا ذا شهرة
واسعة بين العلماء، فكانوا يقفون عند أقواله، وينقلونها في كتبهم،
وحسبه شرفا أنه يعد من أجلة تلامذة المفيد والمرتضى، كما ذكره
صاحب أعيان الشيعة 4.
وقال العلامة في الخلاصة، سلار بن عبد العزيز الديلمي، أبو
يعلى قدس الله روحه شيخنا المقدم في الفقه والأدب وغيرهما، كان

(1) بغية الوعاة 1: 594.
(2) أعيان الشيعة 7: 170.
(3) رياض العلماء 2: 441 - 442.
(4) أعيان الشيعة 7: 170.
14

ثقة وجها 1.
وقال منتجب الدين في فهرسته: الشيخ أبو يعلى سالار بن عبد العزيز
الديلمي فقيه ثقة 2.
وفي أمل الآمل: الشيخ أبو يعلى سالار بن عبد العزيز الديلمي فقيه
ثقة دين 3.
وفي موضع آخر من نفس المصدر: ثقة جليل القدر عظيم الشأن
فقيه 4.
وفي الرياض نقلا عن نظام الدين التفريشي في نظام الأقوال: سالار بن
عبد العزيز هو شيخنا المقدم في الفقه والأدب وغيرهما، كان ثقة
وجها 5.
وقال ابن داود في رجاله: سلار بن عبد العزيز الديلمي أبو يعلى فقيه
جليل معظم مصنف 6.
وعده المحقق الآبي في كشف الرموز في جملة المشايخ الأعيان
الذين هم قدوة الإمامية ورؤساء الشيعة 7.
وقال صاحب الرياض: الشيخ أبو يعلى سلار بن عبد العزيز الديلمي
الطبرستاني، الفقيه الجليل 8.

(1) الخلاصة: 86.
(2) الفهرست للشيخ منتجب الدين: 67.
(3) أمل الآمل 2: 124.
(4) أمل الآمل 2: 127.
(5) رياض العلماء 2: 443.
(6) رجال ابن داود: 104.
(7) كشف الرموز 1: 40.
(8) رياض العلماء 2: 438.
15

وقال الخوانساري: الشيخ المتفقه الإمام أبو يعلى حمزة بن عبد
العزيز، الملقب بسلار الديلمي، أحد أعاظم المتقدمين من فقهاء هذه
الطائفة، بل واحدهم المشار إليه في كتب الاستدلال وهو من كبار تلامذة
المرتضى والمفيد 1.
وفي رجال السيد بحر العلوم بعد ما ينقل كلام السيد المرتضى في
مفتتح أجوبة المسائل السلارية - التي سألها عنه الشيخ أبو يعلى سلار
بن عبد العزيز:
" وقد وقفت على ما أنفذه الأستاذ - أدام الله عزه - من المسائل وسأل
بيان جوابها، ووجدته - أدام الله تأييده - ما وضع يده من مسائله إلا على
نكتة وموضع شبهة، وأنا أجيب عن المسائل متعمدا الاختصار
والايجاز من غير اخلال معهما ببيان حجة أو دفع شبهة، ومن الله
أستمد المعونة والتوفيق والتسديد ".
قال السيد بحر العلوم: وناهيك بهذا النعت له من السيد، ولعمري لقد
سأل هذا الفاضل في مسائله المذكورة عن أمور عويصة بتحرير متقن
سديد يدل على كمال فضله واقتداره في صنعة الكلام وغيره، وقد
تعمق السيد الأجل المرتضى بما يعلم منه مقدار فضيلة السائل وتمهره
وتسلطه على العلم 2.
أساتذته وشيوخه:
لا خلاف بين أرباب التراجم في أن سلار كان من أكابر وأعاظم

(1) روضات الجنات 2: 370.
(2) رجال السيد بحر العلوم 3: 15.
16

تلامذة الشيخ المفيد والسيد المرتضى " قدس سرهما " كما نص عليه
العلامة في الخلاصة 1، والأفندي في الرياض 2 وابن شهرآشوب في
معالمه 3 وابن داود في رجاله 4 وقال الخوانساري: إنه كان من أخص
خواص سيدنا المرتضى المرحوم، ومعتمدا على فقهه وفهمه وجلالته
عنده في الغاية، فعينه في جملة من عينه للنيابة عنه في البلاد الحلبية
باعتبار مناصب الحكام بل ربما كان يدرس الفقه نيابة عنه ببغداد كما عن
خط الشهيد. وأضاف في القول: وعن خط الشهيد أيضا أن أبا الحسين
البصري لما كتب نقض الشافي لسيدنا المرتضى أمر السيد السلار
بنقض نقضه. فنقضه 5.
تلامذته:
ومما يحدثنا التاريخ ويظهر من كتب التراجم أن المترجم
له " قدس سره " كان من أكابر العلماء ومن جملة المشايخ 6 العظام الذين
كانوا قدوة الإمامية ورؤساء الشيعة، بهم يقتدى وبأقوالهم يستدل،
وليس ببدع أن يتخرج عليه فطاحل العلماء الذين ملأوا الآفاق بعلمهم
ومعارفهم وهم عشرة كما نص عليه صاحب أعيان الشيعة 7.

(1) الخلاصة: 86.
(2) رياض العلماء 2: 135.
(3) معالم العلماء: 135.
(4) رجال ابن داود: 104.
(5) روضات الجنات 2: 371.
(6) المشايخ: هم الصدوقان، والشيخان، والمرتضى، وابن أبي عقيل، وأبو الصلاح الحلبي،
وأبو يعلى سلار، وابن إدريس.
(7) أعيان الشيعة 7: 171.
17

1 - أبو الفتح عثمان بن جني النحوي: حيث يحكى عنه بأنه قال:
أدركته وقرأت عليه أي " المترجم له " وكان من ضعفه لا يقدر على
الاكثار من الكلام، فكان يكتب الشرح في اللوح فيقرؤه، نص على ذلك
الطريحي في مجمعه 1.
2 - أبو الصلاح علي بن تقي الحلبي: قرأ عليه أي على " المترجم له "
وكان إذا استفتي من حلب يقول: عندكم التقي، ذكره أيضا الطريحي في
مجمع البحرين 2.
3 - أبو الفتح الكراجكي: قال الطريحي بأنه قرأ عليه أي على
" المترجم له " وهو من ديار مصر 3.
4 - الفقيه شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه 4. ذكره الشيخ
منتجب الدين في الفهرست وأنه قرأ عليه - أي على المترجم له - 5.
5 - الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمان بن أحمد بن الحسين
النيشابوري الخزاعي، شيخ الأصحاب 6.
6 - الشيخ المفيد: فقيه الأصحاب بالري، ومرجع قاطبة المتعلمين،
عبد الجبار بن عبد الله المقري الرازي 7.
7 - عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن بابويه 8.

(1) مجمع البحرين 3: 335 - 336.
(2) مجمع البحرين 3: 336.
(3) المصدر السابق.
(4) الحسن بن الحسين هو جد الشيخ منتجب الدين.
(5) فهرست الشيخ منتجب الدين: 46.
(6) فهرست الشيخ منتجب الدين: 75.
(7) المصدر السابق.
(8) راجع رجال السيد بحر العلوم 3: 15.
18

8 - الشيخ أبو علي الطوسي: وهو ابن شيخ الطائفة
الطوسي " قدس سره " فإنه يروي عن سلار كما جاء في أمل الآمل 1.
9 - أبو الكرم المبارك ابن فاخر النحوي: قال الصفدي - كما في بغية
الوعاة للسيوطي -: بأنه قرأ عليه أي على " المترجم له " 2.
مؤلفاته:
1 - المراسم العلوية في الأحكام النبوية، في الفقه، وقد يعبر عنه
بالرسالة اختصارا، وقد توهم بعضهم التعدد وهو خطأ، قاله صاحب
أعيان الشيعة 3.
وفي رياض العلماء: أقول: وقد اختصر المحقق " قدس سره "
بالتماس بعض أصحابه كتاب مراسمه المعروف بالرسالة مع اختصار
أصل الرسالة في نفسها وهذا الاختصار موجود عند الفاضل الهندي
بأصبهان 4.
2 - المقنع في المذهب 5.
3 - التقريب (التهذيب) - في أصول الفقيه 6 -.
4 - كتاب الرد على أبي الحسين البصري - في نقض الشافي 7 -.

(1) أمل الآمل 2: 127.
(2) بغية الوعاة 1: 594.
(3) أعيان الشيعة 7: 171.
(4) رياض العلماء 2: 443.
(5) الذريعة 22: 124.
(6) الذريعة 4: 365.
(7) الذريعة 10: 179 - 180.
19

5 - التذكرة في حقيقة الجوهر والعرض 1.
6 - الأبواب والفصول - في الفقه 2 -.
7 - المسائل السلارية 3.
هذا ما وقفنا عليه من أسماء مؤلفات هذا العالم النحرير، ولكن لم
يطبع منها إلا كتاب المراسم هذا.
عملنا في التحقيق:
لما كان الهدف الرئيسي في تحقيقنا منصبا على إخراج الكتاب
سليما عن الأغلاط، بذلنا جهودنا في تصحيح الكتاب غير مهتمين
بتسويد الهوامش وشحنها بالإشارة إلى النسخ المختلفة، واعتمدنا على
نسخة خطية من كتبه آية الله العظمى النجفي المرعشي تحت
رقم 4364 في 165 ورقة، وفي كل صفحة 19 سطر مقياس 15 * 5 / 10 سم
استنسخت في عام 1236 هجرية في قرية قودجان من توابع گلبايگان،
وقمنا بما يلي:
1 - تخريج الآيات القرآنية الكريمة.
2 - تخريج الأحاديث الشريفة الواردة في الكتاب.
3 - تخريج الأقوال الفقهية من مصادرها.
4 - تأييد أقوال المؤلف، أو ما يختاره من الأقوال " بذكر الروايات
الواردة في المقام " مع ذكر المصدر.

(1) كذا ذكره ابن شهرآشوب، أنظر الذريعة 4: 24.
(2) ولعله هو الذي عبر عنه في هذا الكتاب، الصفحة 66، ب‍ " كتابنا الكبير ".
(3) الذريعة 20: 352، وانظر الذريعة 5: 223.
20

5 - شرح الكلمات الغريبة مع ذكر المصدر.
وفي الختام: نتقدم بجزيل الشكر إلى المجمع العالمي لأهل
البيت عليهم السلام لطبع هذا الكتاب وإخراجه بهذه الحلة القشيبة،
وإلى سماحة السيد محمد جواد الجلالي على مراجعته لهذا الكتاب،
راجين من الله سبحانه عز وجل التوفيق والسداد لاحياء تراث أهل
البيت عليهم السلام.
السيد محسن الحسيني الأميني
1410 ه‍. ق.
21

مصادر الترجمة
أعيان الشيعة: للعلامة السيد محسن الأمين، تحقيق حسن الأمين،
منشورات دار التعارف للمطبوعات، بيروت، عام 1403 هج‍.
أمل الآمل: للشيخ الحر العاملي، منشورات دار الكتاب الإسلامي،
إيران، قم، عام 1403 هج‍.
بغية الوعاة: للسيوطي منشورات دار المعرفة، بيروت.
خلاصة الأقوال: للعلامة الحلي، منشورات الرضي، إيران، قم،
عام 1402 هج‍.
رجال ابن داود: لعلي بن داود الحلي، منشورات الرضي، إيران، قم،
عام 1392 هج‍.
رجال السيد بحر العلوم: للسيد مهدي بحر العلوم، منشورات مكتبة
الصادق، إيران، قم، 1404 هج‍.
روضات الجنات: للعلامة الخوانساري، منشورات مكتبة
اسماعيليان، إيران، قم.
رياض العلماء: للحجة عبد الله الأفندي، منشورات مكتبة آية الله
المرعشي النجفي، إيران، قم، عام 1401 هج‍.
23

الصحاح: للجوهري، منشورات دار العلم للملايين، عام 1407 هج‍.
الفهرست: للشيخ منتجب الدين علي بن بابويه الرازي، منشورات
مكتبة آية الله المرعشي، إيران، قم، عام 1408 ه‍ ق.
القاموس المحيط: للفيروز آبادي، منشورات دار الكتاب للجميع،
بيروت.
كشف الرموز: لابن أبي المجد اليوسفي المعروف بالمحقق الآبي،
منشورات مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم
المشرفة، عام 1408 هج‍.
مجمع البحرين: للمحدث الفقيه الطريحي، منشورات المكتبة
المرتضوية، إيران، طهران، 1368 هج‍.
معالم العلماء لابن شهرآشوب المازندراني، منشورات المطبعة
الحيدرية، النجف، عام 1380 ه‍.
24

المراسم العلوية
في
الأحكام النبوية
25

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد الذي القدرة والسلطان، والكرم والاحسان، والعرش المجيد،
المبدئ المعيد، الذي رسم الشريعة ونهى عن الخديعة، وأمر بالعلم
والعمل، ونهى عن الزلل والخطل 1. أحمده حمد من اعترف بآلائه،
وأذعن بشكر نعمائه، وتجلى بالعبادة، وتزين بالقيام بحق السيادة 2.
وصلى الله على سيد الأنبياء وإمام الأصفياء محمد وعلى أطائب 3
عترته وأماجد دوحته 4، وسلم وكرم.
أما بعد على أثر ذلك أطال الله للحضرة العالية المظفرة المنصورة
الوزيرية السيدية الأجلية السعادة والبقاء، وأدام لها السلطان والعلاء
والنور والسناء 5، وكبت لها الحسدة الأعداء. فإن أحق ما اشتغل به
العارفون، وعمل به العاملون، الرسوم الشرعية والأحكام الحنيفية. إذ بها
ينال جزيل الثواب، وبها يبلغ حميد المآب، وهي شكر المنن، وجلاء

(1) الخطل: المنطق الفاسد المضطرب، وقد خطل في كلامه بالكسر خطلا، وأخطل: أي
أفحش. صحاح اللغة 4: 1685 - 1686.
(2) وفي نسخة: " السادة ".
(3) وفي نسخة: " علي بن أبي طالب ".
(4) الدوحة: الشجرة العظيمة. صحاح اللغة 1: 361.
(5) السناء: الرفعة والشرف. صحاح اللغة 6: 2383.
27

الحزن.
وقد عزمت على جمع كتاب مختصر يجمع كل رسم ويحوي كل
حتم من الشريعة. وأتيته 1 على القسمة ليقرب حفظه ويسهل درسه،
ومن الله أستمد المعونة والتسديد. وإياه أسأل أن يجعل ذلك خالصا
لوجهه، ومقربا منه بمنه وجوده. وهو حسبي ونعم الوكيل.
أقول أولا: إن الرسوم الشرعية تنقسم قسمين: عبادات ومعاملات.
فالعبادات، تنقسم ستة أقسام: طهارة، وصلاة، وصوم، وحج،
واعتكاف، وزكاة.
والمعاملات، تنقسم قسمين: عقود وأحكام. فالعقود: النكاح وما
يتبعه، والبيوع وما يتبعها، والإجارات وأحكامها، والأيمان، والنذر،
والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والرهون، والوديعة، والعارية، والمزارعة،
والمساقاة، والضمانات، والكفالات، والحوالات، والوكالات،
والوقوف، والصدقات، والهبات، والوصايا.
وإن قيل: إن العقود التي هي الأيمان والنذر إيقاعات، دخل معها
الطلاق والعتاق، وما في حكمهما.
وما عدا ذلك أحكام. وهذا القسم يشتمل على كتب شتى نبينها عند
المصير إليها بعون الله وقوته.

(1) في بعض النسخ: " أبينه ".
28

الطهارة على ضربين: صغرى وكبرى. فالصغرى على ضربين: واجب
وندب، فما يؤدى به الواجب فهو واجب، وما يؤدى به الندب فهو ندب
أو يكون لدخول موضع شريف أو للنوم أو لما ندب إليه، وللكون على
الطهارة فهو ندب.
ثم تنقسم أحكامها إلى أقسام خمسة، منها: ما يتطهر منه من
الأحداث، وما يتطهر به من المياه، وما يقوم مقامها عند عدمها أو تعذر
استعمالها، وكيفية الطهارة، ونواقضها.
ذكر ما يتطهر منه من الأحداث:
لا وضوء إلا من الغائط، والبول والنوم الغالب على العقل، وما في
معناه مما يذهب العقل، أو ريح، وما عدا ذلك فليس يوجب الوضوء منه.
فهذه نواقض الطهارة الصغرى.
وهذه الأحداث لها أحكام، وهي على ضربين: واجب وندب.
فالواجب الاستنجاء للغائط، وغسل رأس الإحليل من البول.
والندب على ضربين: أدب وذكر. ورتبة الأدب متقدمة. فمن أراد
31

الغائط طلب 1 ساترا يتخلى فيه، ولا يكونن شط نهر، ولا فئ نزال، ولا
مسقط ثمار، ولا جادة طريق، ولا مورد المياه، ولا في جاري المياه، ولا
في راكدها، ولا يكونن مكشوف الرأس، وليقدم رجله اليسرى على
اليمنى عند دخوله إليه. وليقل: " بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس
النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم ". ويجلس غير مستقبل
القبلة، ولا مستدبرها. فإن كان في موضع قد بني على استقبالها أو
استدبارها فلينحرف في قعوده. هذا إذا كان في الصحاري والفلوات،
وقد رخص ذلك في الدور 2 وتجنبه أفضل.
وقد قيل أنه لا يستقبل الشمس ولا القمر ولا يستدبرها 3. وليتجنب
الكلام الذي لا تدعو إليه حاجة، إلا أن يكون شكرا لله تعالى. أو صلاة
على نبيه عليه وآله السلام إذا سمع ذكره، أو حكاية قول مؤذن عند
سماعه.
وإذا قضى حاجته فليمسح بإصبعه الوسطى تحت قضيبه من أصله من
تحت أنثييه ثلاثا ثم ينتر قضيبه ثلاثا فيما بين السبابة والابهام وهو
يتنحنح ثلاثا.
فإن كان يريد إدخال يده في الإناء، فليغسلها مرتين، ثم يدخلها فيه،
ويستنجي باليسرى حتى يطهر الموضع، هذا إن تعدى الغائط المخرج،
فليس يجزي إلا الماء مع وجوده، فإن لم يتعد: فليستجمر بثلاثة

(1) في نسخة: " يطلب ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 1: 213 - 214، باب 2 من أبواب أحكام الخلوة، ح 7، وذهب الشيخ
المفيد " قدس سره " إلى الجواز في الدور. راجع المقنعة: 41.
(3) إعلم أن القائل بعدم استقبال الشمس والقمر هو الشيخ المفيد " قدس سره " في المقنعة:
42، والشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 10، وبالنسبة إلى عدم استدبار القمر، فقد ذهب
إليه الشيخ الصدوق " قدس سره " في الفقيه 1: 18.
32

أحجار، ولا يجزي إلا ما كان أصله الأرض في الاستجمار. والجمع بين
الماء والحجارة أفضل.
فإذا قام من مكانه مسح بيده اليمنى بطنه وقال: " الحمد لله الذي أماط
عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى، الحمد لله
الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته، وأماط
عني أذيته، يا لها نعمة يا لها نعمة يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها " 1.
ثم يخرج مقدما رجله اليمنى.
ومن كان في يده خاتم على فصه اسم من أسماء الله تعالى أو من أسماء
رسله صلى الله عليهم أو الأئمة الطاهرين عليهم السلام وكان في
اليسرى فلا يتركه عند الاستنجاء فيها.
ولا يستاك وهو في حال الغائط. فإن أراد البول فلا يبولن في صلب
الأرض، ولا في راكد الماء، ولا يستقبل ببوله الريح.
ولا يبولن في جحر الضباب 2 ومواطن الهوام. وكراهية بوله في جاري
الماء دون كراهية ذلك في راكده. ولا يستقبل أيضا بفرجه الشمس ولا
القمر وقد بينا كيفية الاستبراء منه. ولا يجزي في غسل البول غير الماء
مع وجوده، ويجزيه أن يغسل مخرج البول على ما بيناه بمثلي ما عليه من
الماء مع قلة الماء. وليغسل يده قبل إدخالها الإناء إذا بال مرة واحدة.
وكذلك إذا قام من النوم.

(1) أنظر المقنعة: 4، والمقنع: 3.
(2) الضباب: جمع الضب: دويبة.
33

ذكر ما يتطهر به، وهو المياه:
الماء على ضربين، ماء مطلق وماء مضاف. فالمطلق طاهر مطهر.
والماء المضاف على ضربين: مضاف لم تسلبه الإضافة اطلاق اسم
الماء، وهو على ضربين: مضاف إلى الاستعمال، ومضاف إلى جسم
لاقاه. فالمضاف إلى الاستعمال إذا علم خلوه من النجاسات كان طاهرا
مطهرا، سواء استعمل في الطهارة الصغرى أو الكبرى.
وفي أصحابنا من قال: إذا استعمل في الكبرى لم يجز استعماله 1.
والمضاف إلى الجسم فما يكون ملونا بقليل الزعفران فهو أيضا طاهر
مطهر.
ومضاف سلبته الإضافة إطلاق اسم الماء. وهو على ضربين: مضاف
إلى طاهر، ومضاف إلى نجس.
فأما المضاف إلى الطاهر كماء الورد، والزعفران الكثير، والآس 2.
والمرق، وما أشبه ذلك، فهو طاهر غير مطهر، لا يجوز الوضوء به.
وأما المضاف إلى النجس، فليس بطاهر ولا مطهر، ولا يجوز شربه
ولا استعماله على وجه إلا أن تدعو إلى شربه 3 ضرورة. وهو على ثلاثة
أضرب: أحدها: يزول حكم نجاسته بإخراج بعضه. والآخر: يزول
بزيادته. والآخر: لا يزول حكم نجاسته على وجه.
فالأول: مياه الآبار، وهي تنجس بما تقع فيها من نجاسة، أو بموت
ما نذكره. وتطهر بإخراج ما تجده، فنقول: إن تطهيرها على ثلاثة أوجه:

(1) منهم الشيخ الصدوق " قدس سره " في الفقيه 1: 10، والشيخ المفيد " قدس سره " في
المقنعة: 64، والشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 4.
(2) الأس: شجر معروف.
(3) وفي نسخة: " استعماله ".
34

أحدها: بنزح جميع مائها، والآخر: بنزح كر، والآخر: بنزح دلاء
معدودة. فالأول: إذا مات فيها بعير، أو وقع فيها مسكر، أو دم حيض أو
نفاس أو استحاضة، أو فقاع: أو مني، أو تغير لونها أو ريحها أو طعمها
بالنجاسة، فإنه: ينزح جميع مائها. فإن تعذر ذلك لغزارته: تراوح عليها
أربعة رجال - من أول النهار إلى آخره.
فأما الثاني الذي ينزح منها كر: فإن تموت فيها بقرة أو حمارا أو فرس
وما أشبه ذلك، ولم يتغير أحد أوصافها بموته فيها، فإن قل ذلك عن كر
نزح جميعه.
وأما الثالث الذي ينزح دلاء معدودة، فعلى ثمانية أضرب:
منه: ما ينزح له سبعون دلوا.
ومنه: ما ينزح له خمسون دلوا.
ومنه: ما ينزح له أربعون دلوا.
ومنه: ما ينزح له عشر دلاء.
ومنه: ما ينزح له سبع دلاء.
ومنه: ما ينزح له خمس دلاء.
ومنه: ما ينزح له ثلاث دلاء.
ومنه: ما ينزح له دلو واحد.
فالأول: للإنسان.
والثاني: أن يقع فيها عذرة رطبة أو كثير الدم.
والثالث: أن يقع فيها الغزال والكلب والخنزير والشاة والسنور
والثعلب. وما في قدر ذلك، ولبول الرجال فيها.
والرابع: العذرة اليابسة، وقليل الدم الذي ليس بدم حيض ونفاس،
35

فقليل ذلك ككثيره فيما ذكرناه من الحكم.
الخامس: الدجاجة والحمامة وما في قدر جسمهما، والفأرة إذا
تفسخت وانتفخت، ولبول الصبي فيها، ولارتماس الجنب، والكلب إذا
خرج حيا.
السادس: لذرق جلال الدجاج.
السابع: للفأرة - إذا لم تتفسخ، ولم تنتفخ، ولموت الحية.
الثامن: لموت الوزغة والعصفور وما أشبههما.
وأما ما يزول حكم نجاسته بزيادة، فهو: أن يكون الماء قليلا وهو راكد
في أرض أو غدير أو قليب 1 - فإنه ينجس بما يلاقيه من النجاسة.
وحد القليل: ما نقص عن كر. والكر: ألف ومائتا رطل. فإذا زاد زيادة
تبلغه الكر أو أكثر من ذلك: طهر. وكذلك الجاري إذا كان قليلا، فاستولت
عليه النجاسة - ثم كثر حتى زال الاستيلاء - فإنه يطهر.
ولا تنجس الغدران إذا بلغت الكر، إلا بما غير أحد أوصافها.
وما لا يزول حكم نجاسته، فهو: ماء الأواني والحياض، بل يجب
إهراقه وإن كان كثيرا.
ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرات: أولاهن بالتراب. ويغسل
من غير ذلك مرة واحدة، إلا آنية الخمر خاصة، فإنها تغسل سبع مرات
بالماء، وفي موت الفأرة والحية مثل ذلك.
فأما ما لا نفس له سائلة كالجراد والذباب، فإنه لا ينجس الماء بوقوعه
فيه ولا بموته.

(1) القليب: بئر تحفر فينقلب ترابها قبل أن تطوى كما في المغرب، مجمع البحرين 2: 149،
وعن الأزهري: القليب عند العرب: بئر العادية القديمة مطوية كان أو غير مطوية.
36

واعلم: أن الماء في الأصل على الطهارة، وهو على ثلاثة أضرب:
جار، وما له حكم الجاري، وراكد.
فالجاري: لا ينجسه 1 إلا ما يستولي عليه من النجاسة. وكذلك ما له
حكم الجاري من ماء الحمام.
وأما ما ليس له حكم الجاري والراكد من ماء الآبار، فقد بينا حكمهما.
وأما الأسئار، فعلى ثلاثة أضرب: طاهر، ونجس، ومكروه.
فسؤر كل شئ طاهر: طاهر. وسؤر كل شئ نجس: نجس.
والمكروه: سؤر جلال البهائم والجوارح 2، وما يجوز أن يأكل النجاسة،
والحائض التي ليست بمأمونة.
فأما ما يقوم مقام المياه عند عدمها: فالتراب، وما رسمت الشريعة أن
يكون في حكم التراب. وسنبين حكمه إن شاء الله تعالى.
ذكر كيفية الطهارة الصغرى:
إعلم، أن كيفية الطهارة الصغرى تشتمل على واجب وندب.
فالواجب منه: النية، وغسل الوجه من قصاص الشعر إلى محادر شعر
الذقن طولا، وما دارت عليه الوسطى والابهام عرضا، وغسل اليدين من
المرفقين إلى أطراف الأصابع وإدخال المرفق في الغسل مرة مرة،
والمسح من مقدم الرأس بالبلة الباقية في اليد مقدار إصبع واحدة أقلة،
وأكثره ثلاثة أصابع مضمومة، ومسح ظاهر القدم من أطراف الأصابع

(1) في نسخة: " لا يتنجس ".
(2) الجوارح: أي الصوائد من السباع والطير، سميت بذلك لأنها كواسب بأنفسها، يقال جرح:
إذا اكتسب. مجمع البحرين 2: 345.
37

إلى الكعبين اللذين هما معقد الشراك: بالبلة أيضا.
والترتيب أيضا واجب: الوجه قبل اليدين، واليد اليمنى قبل
اليسرى، والرأس قبل الرجلين، والرجل اليمنى قبل اليسرى.
وفي أصحابنا: من لا يرى بين الرجلين ترتيبا 1.
والموالاة واجبة أيضا: وهو أن يغسل اليدين - والوجه رطب،
ويمسح الرأس والرجلين - واليدان رطبتان، في الزمان والهواء
المعتدلين.
وأن لا يستقل الشعر الذي في اليدين. فمن أخل بشئ مما ذكرناه
أبطل وضوءه.
وأما الندب، فيشتمل على ثلاثة أشياء: على زيادة في الكيفية، وعلى
أدب، وعلى ذكر.
فأما الزيادة، فهي: تكرار غسل الوجه واليدين مرة ثانية. وليس في
الممسوح تكرار. والغسل للوجه بيد واحدة: وهي اليمنى. والمضمضة
والاستنشاق ثلاثا.
والسواك في وضوء صلاة الليل من وكيد السنن.
ومسح الرجلين من الأصابع إلى الكعبين، لأن في بعض الروايات
إجازة مسحهما من الكعبين إلى الأصابع 2.
وأما الأدب: فهو أن يضع الإناء على يمينه ويقول إذا نظره: " الحمد
لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا " ثم يقول: " بسم الله

(1) منهم الشيخ المفيد " قدس سره " في المقنعة: 44 حيث قال: ثم يضع يديه جميعا بما بقي
فيهما من البلل على ظاهر قدميه جميعا معا من أطراف أصابعهما إلى الكعبين مرة واحدة.
(2) أنظر وسائل الشيعة 1: 286، باب 20 من أبواب الوضوء، ح 2 و 3.
38

وبالله ". ويدخل يده اليمنى في الإناء بعد أن يغسلها على ما بيناه.
وأما الذكر: فبعضه ما مضى، والباقي أن يقول إذا تمضمض: " اللهم
لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك ".
وإذا استنشق قال: " اللهم لا تحرمني طيبات الجنان، واجعلني ممن
يشم ريحها وروحها وريحانها ".
وإذا غسل وجهه قال: " اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا
تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ". وإذا غسل يده اليمنى، قال:
" اللهم اعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بشمالي، وحاسبني
حسابا يسيرا، واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا ". وإذا غسل يده
اليسرى، قال: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، ولا
تجعلها مغلولة إلى عنقي " 1.
وإذا مسح رأسه قال: " اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك ".
وإذا مسح رجليه، قال: " اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه
الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والاكرام، يا
أرحم الراحمين ".
فإذا فرغ من الوضوء، قال: " الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلني
من التوابين واجعلني من المتطهرين " 2.
ولا فرق بين وضوء الرجال والنساء إلا في شيئين:
أحدهما: أن المرأة تبدأ في غسل اليدين بباطنهما، والرجل

(1) في بعض النسخ زيادة: " وأعوذ بك من مقطعات النيران "، وليس فيها: " ولا من وراء
ظهري ".
(2) أنظر مصباح المتهجد: 7 - 8.
39

بظاهرهما. وأن تمسح رأسها من تحت قناعها مقدار أنملة في الظهر
والعصر والعشاء الآخرة. وأما في المغرب والغداة، فتمسح على رأسها
مقدار ثلاثة أصابع مضمومة.
ومن في يده خاتم ضيق يمنع من وصول الماء إلى ما تحته فلينزعه،
وإن كان واسعا أداره.
ثم يلحق بالواجب ما يعرض له من سهو فيها، فتجب له الإعادة أو
التلافي.
فمن ظن - وهو على وضوئه - أنه فعل ما يبطل الطهارة من حدث أو
اخلال بواجب، فليعدها. وإن كان ظنه بعد قيامه لم يلتفت إليه. وكذلك،
ولو كان متيقنا للطهارة والحدث وشك في أيهما سبق، أعاد.
وإن كان على يقين من الطهارة، ثم شك في انتقاضها، فليعمل على
يقينه. وإن كان على يقين من الحدث وشك في الطهارة، فليتطهر.
وأما نواقض الطهارة الصغرى، فهي ما ذكرناه قبل من البول والغائط
والريح الخارجة من الدبر على وجه معتاد والنوم الغالب على العقل وما
في حكمه. وما عدا ذلك فليس بناقض، إلا أن يخرج معه شئ مما
ذكرناه، مثل الأشياف إذا خرجت متلطخة. وإذا خرج شئ مما ذكرناه
من غير السبيلين لما نقض الوضوء، كمن يخرج من جراحته غائط أو
بول.
ذكر الطهارة الكبرى.
وهي الغسل، وهو على ضربين: واجب وندب.
فالواجب على سبعة أضرب: غسل الجنابة، وغسل الحيض وغسل
40

النفاس، وغسل الاستحاضة، وغسل من مس موتى الآدميين، على
إحدى الروايتين 1، وتغسيل الأموات، وغسل من تعمد ترك صلاة
الكسوف وقد انكسف القرص كله 2.
ولما كان لهذه الأغسال والمعرفة بها والتطهر تعلق بأحكام ما يوجب
هذه الأغسال، وجب بيانه ببيانها.
ذكر غسل الجنابة وما يوجبه:
الجنابة تكون بأمرين: بإنزال الماء الدافق على كل وجه، وبالجماع في
الفرج إذا غيبت الحشفة، والتقى الختانان.
وما يلزم الجنب على ضربين: أفعال وتروك، فالأفعال على ضربين:
واجب وندب. فالواجب أن يستبرئ نفسه بالبول وينتر القضيب، فإن
تعذر البول فالنتر لا بد منه. فإن رأى على إحليله بللا بعد الغسل وقد بال
ونتر أو اجتهد ونتر فلا يعيدن غسله. وإن لم يكن فعل ذلك أعاد.
وليغسل المني من رأس إحليله ومن بدنه إن كان أصابه ذلك. ويغسل
رأسه أولا مرة ويخلل الشعر حتى يصل الماء تحته، ويغسل ميامنه مرة
ومياسره مرة، ثم يفيض الماء على كل جسده، ولا يترك منه شعرة،
وليمرر يده 3 على بدنه.
والترتيب واجب.
وأما الموالاة فلا تجب هنا، فلو غسل رأسه غدوة وباقي جسده عنده

(1) أنظر تهذيب الأحكام 1: 108، ح 283 و 284.
(2) أنظر وسائل الشيعة 2: 937 و 938، ح 3709، باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة،
وص 960، ح 3804، باب 25 من أبواب الأغسال المسنونة.
(3) وفي نسخة: " وليمر يديه ".
41

الزوال أو بعده لجاز.
وأما الندب: فالمضمضة والاستنشاق وتكرير الغسلات ثلاثا،
وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاثا.
وأما التروك فعلى ضربين أيضا: واجب وندب. فالواجب أن لا يقرأ
سور العزائم وهي " سجدة " - بعد سورة لقمان - و " حم السجدة "
و " النجم " و " اقرأ باسم ربك ". ولا يمس كتابة فيها اسم الله تعالى ولا
القرآن، فإن مس هامش المصحف أو صفح أوراقه وقرأ فيه فقد ترك
ندبا أو فعل مكروها.
والندب: أن لا يمس المصحف، ولا يقرأ القرآن، ولا يقرب
المساجد إلا عابر سبيل، ولا يترك فيها شيئا. فإن كان له فيها شئ أخذه،
ولا يرتمس في كثير الماء الراكد.
وله أن يصلي بغسله ما شاء من فرض ونفل، ولا وضوء عليه - وهذا
في الجنابة خاصة -.
وباقي الأغسال واجبها وندبها لا بد فيها من الوضوء لاستباحة
الصلاة. وارتماسة واحدة في الماء تجزيه عن الغسل وترتيبه.
وغسل النساء كغسل الرجال سواء في كل شئ إلا في الاستبراء.
ذكر حكم الحيض وغسله:
الحيض دم غليظ يضرب إلى السواد يخرج بحرقة وحرارة. وما يلزم
الحائض على ضربين: فعل وترك: فالفعل أن تحتشي بالكرسف 1 لئلا
يتعدى الدم إلى ثيابها وتمنعه من التعدي، وتمنع زوجها من وطئها.

(1) الكرسف: القطن. مجمع البحرين 5: 110 مادة " كرسف ".
42

وأما التروك 1 فهو: أن تترك أيام حيضها، وهي في أقلة ثلاثة، وأكثره
عشرة أيام فيما بين ذلك من الصلاة والصيام. فإن رأته أقل من ثلاثة أيام
فليس بحيض، وإن رأته أكثر من عشرة أيام فهو استحاضة.
وكل ما وجب تركه على الجنب فهو واجب عليها، وعليها أيضا أن لا
تقرأ سور العزائم.
وأما الندب الذي يلزمها فعلى ضربين أيضا: فعل وترك.
فأما الفعل: فإن تتوضأ وضوء الصلاة في كل وقت صلاة، وتجلس
في المحراب وتسبح بقدر زمان القراءة في الصلاة 2.
وأما التروك فهي: أن تعتزل المساجد، ومس ما فيه اسم الله تعالى،
وكل كتابة معظمة. فإن انقضت أيام حيضها فلتستبرئ بقطنة، وكذلك
في وسط الأيام، فإن خرجت غير نقية فهي بعد حائض، لأن الكدرة
والصفرة في أيام الحيض حيض، وإن خرجت نقية بدأت بالاستبراء
وغسل الفرج، ثم وضوء الصلاة، ثم تغتسل كاغتسال الجنب سواء. فإن
دعت الحاجة من بعلها إلى وطئها قبل الغسل عند النقاء فليأمرها بغسل
فرجها قبل الوطئ، فإن وطأ في الحيض أثم. وعليه إذا وطأ في أوله
كفارة بدينار قيمته عشرة دراهم فضة، وإن كان في وسطه نصف دينار،
والوسط ما بين الخمسة إلى السبعة، وفي آخره ربع دينار.
وتقضي الحائض ما تركته من الصيام دون الصلاة.

(1) في نسخة: " الترك ".
(2) في نسخة: " للصلاة ".
43

ذكر حكم النفاس وغسله:
النفاس هو دم الولادة، وأكثره ثمانية عشر يوما، وأقله انقطاع الدم.
وحكم النفساء في الأفعال والتروك والغسل حكم الحائض، فلا إطالة
بذكره، إلا أنه يكره للنفساء والحائض والجنب الخضاب بالحناء.
ذكر الاستحاضة وغسلها:
الاستحاضة: مرض ترى فيه المرأة دما أصفرا باردا رقيقا. وهو على
ثلاثة أضرب:
أحدها: أن لا يرشح الدم على ما تحتشي به، فعليها هاهنا تغيير
الكرسف في وقت كل صلاة فريضة، والخرق التي تشد بها، وتجديد
الوضوء لكل صلاة. والأخرى: أن يرشح الدم على الكرسف وينفذ منه
إلى الخرق، فإن لم يسل فعليها تغيير 1 الكرسف والخرق في وقت كل
صلاة، وتتوضأ وتغتسل لصلاة الفجر خاصة. والثالث: أن يرشح وينفذ
الدم ويسيل على الكرسف، وينفذ منه إلى الخرق، فعليها تغيير
الكرسف والخرق في وقت كل صلاة، وعليها ثلاثة أغسال: أحدها
للظهر والعصر، والآخر للمغرب والعشاء الآخرة، والثالث لصلاة الليل
والغداة إن كانت ممن تصلي بالليل، والغداة وحدها إذا لم تكن تصلي
بالليل.
وغسلها كغسل الحائض سواء، إلا أنها تعتزل الصيام والصلاة في
أيام حيضها المعتادة.
ولا حرج على زوجها في وطئها بعد فعل ما يجب عليها من الاحتشاء

(1) في نسخة: " فعليها أن تغيره ".
44

والغسل.
وأما غسل من مس الميت فهو كغسل الجنب، إلا أنه لا بد فيه من
التوضي.
ذكر تغسيل الميت وأحكامه:
تغسيل الميت وإن كان واجبا فهو من فروض الكفايات، فإن قام به
بعض سقط عن بعض. وهو على ضربين:
أحدهما: الغسل فيه واجب على الميت نفسه قبل موته، والآخر
يجب على غيره بعد موته إذا كان الميت معتقدا للحق.
ثم الموتى على ضربين: مقتول، وغير مقتول. فالمقتول على أربعة
أضرب: مقتول بين يدي الإمام، ومقتول قتل لا بين يدي الإمام، ومقتول
قتله سبع أو ما يجري مجراه، ومقتول في قود.
فالمقتول بين يدي الإمام على ضربين: مقتول في نفس المعركة،
ومقتول في غيرها.
فالمقتول في المعركة: لا يغسل، ولا يكفن، ولا يحنط بل يدفن بثيابه.
ولا تنزع عنه إلا سراويله وخفه وقلنسوته، ما لم يصب شيئا منها دم. فإن
أصابها دمه دفنت معه ولا تنزع. ويصلى عليه.
فأما من نقل عن المعركة - وبه رمق فمات - فإنه يغسل ويكفن ويحنط
ويصلى عليه. وكذلك حكم من قتله إنسان في غير جهاد.
فأما من قتله سبع، فهو على ضربين: إن وجد كله: غسل وكفن وحنط
وصلي عليه. وإن وجد بعضه. كان على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يوجد ما فيه صدره أو بعض صدره، فيكفن ويحنط
45

ويغسل ويصلى عليه.
والآخر: أن توجد منه قطعة فيها عظم غير عظم الصدر، فيغسل أيضا
ويحنط ويكفن ولا يصلى عليه.
والآخر: أن يوجد ما ليس فيه عظم، فيدفن من غير غسل ولا حنوط
ولا كفن ولا صلاة.
فأما من يجب غسله عليه قبل هلاكه، فهو المقتول قودا. فإنه يؤمر
بالاغتسال والتحنيط والتكفين. فإذا قتل: صلي عليه ودفن.
وأما الميت حتف أنفه، فهو أيضا على ضربين:
أحدهما: من مات في بطن أمه.
والآخر: من مات بعد الولاة.
فالأول على ضربين: أحدهما من له أربعة أشهر: فهو يغسل ويحنط
ويكفن، ولا يصلى عليه.
والآخر، أقل من أربعة أشهر: فهو يلف في خرقة، ويدفن بدمه من
غير فعل شئ آخر.
فأما من مات بعد الولادة على ضربين: من له أقل من ست سنين، ومن
له ست سنين فما زاد.
فالأول: يغسل ويحنط ويكفن، فإن صلي عليه: فندب غير واجب.
وأما الثاني: فعلى ضربين، أحدهما: يخشى من تغسيله لئلا يذهب من
لحمه شئ كالمجدور والمحترق. فإنهما يؤممان.
والآخر: أن يخاف تقطع الجلد، فإنه يصب عليه الماء صبا.
وكل منهما يحنط ويكفن ويصلى عليه.
واعلم: أن الميت لتجهيزه أحكام، وهي على ضربين: واجب وندب.
46

فالواجب: توجيهه إلى القبلة بجعل باطن قدميه إليها، ووجهه
تلقاءها، وتغسيله مرة بماء القراح، وتكفينه بقطعة واحدة، والصلاة على
من تجب الصلاة عليه، ودفنه، وتغسيله كغسل الجنب في الترتيب
وغيره.
فأما الندب: فإنه يلقن الشهادتين، وأسماء الأئمة عليهم السلام عند
توجيهه وكلمات الفرج، وأن تغمض عيناه، ويطبق فوه، وتمد يداه - إلى
جنبيه - وساقاه، وتشد لحيته بعصابة. وإن مات ليلا أسرج عنده مصباح.
ويكون عنده من يذكر الله تعالى. ولا يترك وحده. ولا يترك على بطنه
حديدة.
فإذا أردت أن تغسله: فخذ السدر والأشنان 1 ونصف مثقال من جلال
الكافور 2 الخام. أو ما أمكن من الذريرة 3 الخالصة، ومن الطيب شيئا وهي
القمحة 4. ومن القطن رطلا 5 أو أكثر. ويعد لحنوطه ثلاثة عشر درهما
وثلث من الكافور الخام. فإن تعذر ذلك: فأربعة دراهم، فإن تعذر
فمثقالا، فإن تعذر فما تيسر.
ثم يعد له من القطن شئ، ويعد الكفن، وهو: قميص ومئزر وخرقة،
يشد بها ساقاه إلى وركيه، ولفافة، وحبرة يمنية غير مذهبة، وعمامة.
ويستحب للمرأة لفافتان.

(1) الأشنان: معروف. الذي يغسل به الأيدي. كتاب العين 6: 288، ولسان العرب 13: 18.
(2) الكافور: هو نوع من الطيب معروف يغسل به الميت ويحنط به. مجمع البحرين 3: 477.
(3) الذريرة: فتات قصب الطيب، وهو قصب يجاء به من الهند، كأنه قصب النشاب. قاله
الشيخ الطوسي " قدس سره " في التبيان 1: 488.
(4) القمحة: الحبة، أي الحبة من الطيب. مجمع البحرين 2: 405.
(5) الرطل: معيار يوزن به وكسره أشهر من فتحه، وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أوقية. المصباح
المنير: 230.
47

وأسبغ الكفن 1 سبع قطع، ثم خمس، ثم ثلاث. وقد بينا أن الواجب
واحدة.
وتعد معه جريدتان 2 من جرائد النخل رطبتان، طولهما قدر عظم
الذراع، فإن تعذر النخل فمن الخلاف. فإن لم يوجد فمن السدر، فإن لم
يوجد، فما وجد من الشجر، فإن لم يوجد فلا حرج.
ثم يقطع الكفن بغير حديد، ولا يقرب ببخور ولا نار. ثم يبسطه على
شئ طاهر يضع الحبرة أو اللفافة، وينثر عليها ذريرة 3. ثم ينشر اللفافة
الأخرى، وينثر عليها ذريرة. ثم يضع القميص وينثر عليه ذريرة. ويكثر
منها. ثم يلفها، ويكتب على اللفافة والحبرة والقميص والجريدتين:
" فلان بن فلان، يشهد أن لا إله إلا الله " بالتربة أو بإصبعه لا غير. ثم يرفعه
على ساجة موجها إلى القبلة - كما وجه عند الموت - ثم ينزع قميصه
بأن يفتق جيبه ويحنط إلى سرته، ويترك على عورته ساترا. ثم يبدأ
بتليين أصابعه برفق، فإن تصعب تركها. ثم يضرب السدر في شئ حديد
في إجانة أو غيرها بعد أن يكون طاهرا بماء كثير حتى تظهر رغوته. فإذا
اجتمعت أخذها فطرحها في إناء نظيف. ثم يأخذ خرقة نظيفة فليلف
بها يده اليسرى، من الزند إلى أطراف أصابعه. ويضع عليها شيئا من
الأشنان، ويغسل بها مخرج النجو، والآخر: يصب عليه الماء حتى
ينقيه، ثم يلف الخرقة ويغسل يديه بماء قراح.

(1) أسبغ الكفن. أي أتم وأكمل الكفن.
(2) الجريد: هو سعف النخل بلغة أهل الحجاز، الواحدة جريدة فعلية. بمعنى مفعولة،
سميت بذلك لتجريد خوصها عنها. مجمع البحرين 3: 24 مادة " جرد ".
(3) في نسخة: " من الذريرة ".
48

وفي أصحابنا من قال: يوضأ الميت 1. وما كان شيخنا 2 - رضي الله
عنه - يرى ذلك 4 3.
ثم يأخذ رغوة السدر، ويغسل بها رأسه ولحيته - إن كانت له لحية -
والماء يصب عليه بمقدار تسعة أرطال بماء السدر.
ثم يقلبه على مياسره لتبدو ميامنه، ويغسله من عنقه إلى تحت قدميه
بماء السدر، ولا يقف بين رجليه - بل يقف في جانبه الأيمن - ثم يقلبه
على ميامنه لتبدو له مياسره. ثم يغسله كما فعل في الميامن، ثم يرده
على ظهره، ويغسله من رأسه إلى قدميه: كل ذلك بماء السدر، وهو
يقول: " عفوك عفوك ".
ثم يهرق 5 ما في باقي الأواني من ماء السدر - إن كان بقي - ويغسلها. ثم
يصب في الإجانة ماء قراحا، ويلقي فيه الكافور، ويغسله به مرة ثانية
كالأولى. ثم يغسله ثالثة بماء قراح على صفة الأولى والثانية، ويمسح
بطنه في الأولى والثانية مسحا رقيقا، لعله يخرج من بطنه شئ ولا
يمسح بطنه في الثالثة. وإن خرج شئ أزاله.
ولا يغلي الماء لغسله إلا لبرد شديد، فإنه يفتره.
ثم ينشفه بثوب طاهر نظيف. ثم يغسل يديه إلى مرفقيه. ويبسط
الكفن. ثم ينقل الميت حتى يضعه في قميصه. ويأخذ قطنا ويضع عليه
ذريرة. ويضعه على مخرج النجو. ويضع على قبله مثله. ثم يشده

(1) منهم الشيخ الطوسي في النهاية 35.
(2) والمراد فخر الشيعة الشيخ المفيد " قدس سره ".
(3) لاحظ المقنعة: 76.
(4) في بعض النسخ زيادة: " وجوبا ".
(5) في نسخة: " يهريق ".
49

بالخرقة التي أعدها شدا جيدا إلى وركيه. ثم يؤزره بمئزر - من سرته -
إلى حيث يبلغ ساقيه. ثم يأخذ الكافور فيسحقه سحقا بيده، ويضعه
على مساجده، فإن فضل منه شئ كشف قميصه وألقاه على صدره، ثم
يلف على الجريدتين قطنا. ويضع إحداهما في جانبه الأيمن مع ترقوته
يلصقها بجلده - ويضع الأخرى في جانبه الأيسر - ما بين القميص والأزار
من عند تحت اليد إلى أسفل.
ثم يعممه ويحنكه، ويجعل طرفي العمامة على صدره. ثم يلفه،
فيطوي جانب اللفافة الأيسر على جانبه الأيمن، وجانبها الأيمن على
الأيسر، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه، وكذلك الحبرة.
واعلم أن الموتى على ضربين: محرم ومحل، فمن كان محرما فلا
يقرب الكافور إليه، فإذا دفن غطي وجهه بالكفن.
واعلم أن من مات فحاله ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
أحدها: موت ذكر مؤمن بين ذكران مؤمنين.
وذكر مؤمن بين رجال كفرة، ونساء مؤمنات.
ومؤمن بين كفرة لا مؤمن بينهم ولا مؤمنة.
فالأول: يغسله إخوانه المؤمنون.
والثاني: تأمر النسوة الرجال الكفرة يغسلونه وتعلمهم ذلك - إن كان
ليس في النساء ذات محرم له - وإن كان فيهن ذات محرم له، غسلته.
وإن كان بين الكفرة فقط دفن على حاله.
وأما في حال الاختيار: فيجوز للرجال أن يغسلوا زوجاتهم، ويغسل
النساء أزواجهن، ولا بأس أن يغسل النساء أيضا ابن خمس سنين
مجردا من ثيابه. ويغسلن ابن أكثر من خمس سنين بثيابه.
50

وحكم النساء في ذلك كله حكم الرجال، وحكم الصبايا حكم
الصبيان، إلا في موضع واحد، وهو: أن الرجال لا يغسلون من الصبايا إلا
من كان لها ثلاث سنين، فإنهم يغسلونها بثيابها، وإن كانت لأقل من ثلاث
سنين غسلوها مجردة.
ذكر حمله إلى القبر ودفنه:
يجعل على سرير، ثم يصلى عليه، وليمش من شيعه خلف الجنازة
ومن جانبها، ولا يمش أمامها. فإذا وصلوا به إلى قبره فليوضع، وليصبر
عليه هنيئة، ثم يقدم قليلا ثم يصبر عليه. ثم يقدم إلى شفير القبر، فيسل
من قبل رجليه حتى يصل رأسه إلى القبر سابقا لبدنه، كما سبق إلى الدنيا.
وينزله وليه أو من يأمره الولي بذلك، ويتحفى عند نزوله ويحل
أزراره وإن نزل معه من يعاونه فلا بأس بذلك. وليقل في الدعاء ما هو
مرسوم. ثم يلقنه الشهادتين، وأسماء الأئمة عليهم السلام. ثم يشرج
اللبن عليه وهو يقول التلقين. ثم يهيل عليه التراب، ومن شيعه يرمي
بظاهر كفه.
ولا يهيل عليه التراب ذو رحم، فإنه مكروه لهم. ولا يطرح في القبر
من غير ترابه. ويرفع مقدار أربع أصابع مفتوحة.
ثم يصب عليه الماء من عند رأسه. ثم يدور صباب الماء من أربع
جوانبه حتى يعود إلى الرأس.
فإذا انصرف الناس تأخر بعض إخوانه، فنادى بأعلى صوته: " يا فلان
بن فلان الله ربك ومحمد نبيك، وعلي إمامك... ثم يعد الأئمة عليهم
السلام ".
51

ذكر الأغسال المندوب إليها:
وهي: غسل الجمعة، وغسل الاحرام للحج والعمرة، وغسل يوم
الفطر، وغسل أول ليلة من شهر رمضان، وغسل ليلة النصف منه، وغسل
ليلة سبعة عشرة منه، وغسل ليلة تسعة عشرة منه، وغسل ليلة إحدى
وعشرين منه، وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه، وغسل ليلة الفطر، وغسل
دخول مكة، وغسل دخول الكعبة، وغسل دخول المسجد الحرام،
وغسل الزيارة، وغسل قاضي صلاة الكسوف، إذا احترق قرصا الشمس
والقمر وتركها متعمدا 1 وعلى الرواية الأخرى هو واجب على وجه
الكفارة 2، وغسل المباهلة، وغسل التوبة، وغسل الاستسقاء،
وغسل صلاة الاستخارة، وغسل صلاة الحاجة، وغسل ليلة النصف من
شعبان وغسل ليلة الأضحى.
ولا بد فيها أجمع من الطهارة الصغرى لاستباحة الصلاة. وإن كان
وقت الصلاة قد دخل، نوى بالطهارة الصغرى: الوجوب.
ذكر ما يقوم مقام الماء:
من تعذر عليه الماء أو استعماله، فهو على أربعة أضرب:
أحدها: أن يكون واجدا للتراب والصعيد.
والآخر: أن يكون واجدا للوحل.
والآخر: أن يكون واجدا للثلج والأحجار.

(1) لم نعثر على رواية تدل على استحباب غسل قاضي صلاة الكسوف عند احتراق قرصي
الشمس والقمر وكان الترك متعمدا.
(2) أنظر وسائل الشيعة 2: 937 - 938، ح 370، باب 1 من أبواب الأغسال المسنونة،
وص 960، و 3804، باب 25 من أبواب الأغسال المسنونة.
52

والآخر: أن يكون فاقدا لكل ذلك.
فواجد الصعيد يتيمم به لا غير.
وواجد الوحل والثلج والأحجار: ينفض ثوبه أو سرجه أو رحله،
فإن خرج منه تراب تيمم به إذا لم يمكنه تكسير الثلج، والتوضؤ به.
فإن أمكنه توضأ به واجبا.
وإن لم يمكنه التوضؤ به لبرد شديد وخوف تلف نفس ولم يكن في
ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل أو الثلج أو الحجر، وتيمم به.
وقد يتعذر أن يفقد الإنسان كل ذلك، فإن فرضنا فقده له، فليضرب
يديه على ثيابه ويتيمم به.
ثم ما يشبه التراب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
منها: ما تنبته الأرض كالأشنان 1 والسعد 2 وما يشبههما، فلا يجوز
التيمم بشئ منه، وما هو معدن فليس بأرض كالزرنيخ والكحل فلا
يجوز التيمم به.
وما هو من الأرض كالنورة والجص وما يشبههما: فالتيمم به جائز،
ولا يتيمم إلا في آخر الوقت وعند تضيقه.
ويجب أن يطلب الماء في سهل الأرض غلوة سهمين، وفي حزنها
غلوة سهم.

(1) الأشنان: معروف، الذي يغسل به الأيدي. كتاب العين 6: 288.
(2) السعد - بالضم - نوع من الطيب. الصحاح 2: 488.
53

ذكر كيفية التيمم، وما ينقضه:
التيمم على ضربين:
أحدهما: من جنابة وما في حكمها من حيض ونفاس وما عددناه.
والآخر: من حدث يوجب الوضوء.
ففي الأول: يضرب المتيمم براحتيه على الأرض. ثم ينفض
إحداهما بالأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف
أنفه.
ثم يضرب أخرى. ويمسح بيده اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند
إلى أطراف أصابعه وبيده اليمنى ظاهر كفه اليسرى كذلك أيضا.
والثاني: يضرب بكفيه ضربة واحدة للوجه واليدين.
وأما الكيفية فواحدة. وكل نواقض الطهارتين ينقض التيمم.
وينقض الطهارتين - الكبرى والصغرى - وجود الماء مع التمكن من
استعماله، إلا أن يجده وقد دخل في صلاته وقرأ.
ذكر تطهير الثياب، وما يصلى عليه:
النجاسات على ثلاثة أضرب:
أحدها: تجب إزالة كثيره وقليله.
ومنها: ما تجب إزالة كثيره دون قليله.
ومنها ما لا تجب إزالة قليله ولا كثيره.
فالأول: البول، والغائط، والمني، ودم الحيض، والنفاس،
والاستحاضة، والخمر، وسائر ما يسكر، والفقاع، وروث وبول ما لا
يؤكل لحمه، ولعاب الكلب، والمسوخ.
54

والثاني: كل دم غير دم الحيض، والنفاس، والاستحاضة، لأن ما عدا
هذا الدم إذا كان في ثوب منه قدر الدرهم الوافي متفرقا كان أو مجتمعا
جازت الصلاة فيه، وإن زاد على ذلك وجب إزالته.
والثالث: دم السمك، والبراغيث، ودم القروح إذا شق إزالته ولم يقف
سيلانه، ودم الجراحات التي لا يمكنه غسلها خوفا من انتقاضها.
فأما دم القروح خاصة فإن لم يكن بهذه الصفة، وزاد على قدر الدرهم
فإنه تجب إزالته.
وأما ما يلبس فعلى ضربين:
أحدهما: ما لا تتم الصلاة به منفردا، وهو القلنسوة والجورب والتكة
والخف والنعل، فكل ذلك إذا كان فيه نجاسة جاز الصلاة فيه، وما عدا
ذلك من الملابس إن كان فيه نجاسة، فلا تجوز الصلاة فيه إلا بعد إزالتها.
وإزالة النجاسة على أربعة أضرب:
أحدها: بالمسح على الأرض والتراب وهو ما يكون بالنعل والخف.
والآخر: بالشمس، وهو البول إذا وقع على الأرض والبواري والحصر.
والآخر: برش الماء على ما مسه: كمس الخنزير، والكلب، والفأرة،
والوزغة، وجسد الكافر إذا كان كل من ذلك يابسا.
وكذلك من ظن أن في ثوبه نجاسة ولم يتيقن ذلك، فإنه يرش الثوب
بالماء.
والآخر: ما عدا ما ذكرناه من النجاسات، فإنه لا يزول إلا بالماء، ولا
يجزي فيه غيره.
وفي أصحابنا من أجاز إزالة النجاسات بالمائعات 1 وإزالة كل نجاسة

(1) منهم علم الهدى السيد المرتضى في الناصريات (الجوامع الفقهية): 219. المسألة 22.
55

بالماء أفضل وأولى.
فأما غسل الثياب من ذرق الدجاج وعرق جلال الإبل وعرق الجنب
من الحرام، فأصحابنا يوجبون إزالته 1. وهو عندي ندب.

(1) أما بالنسبة إلى ذرق الدجاج فقد ذهب الصدوق " قدس سره " في المقنع: 5، والشيخ
المفيد " قدس سره " في المقنعة: 71، والشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 51 إلى
وجوب غسل الثوب منه.
وأما بالنسبة إلى عرق الإبل الجلالة: فقد ذهب الشيخ المفيد " قدس سره " في المقنعة: 71،
والشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 53 إلى وجوب الإزالة.
وأما بالنسبة إلى عرق الجنب من الحرام فقد ذهب الصدوق " قدس سره " في الهداية: 21،
والشيخ المفيد " قدس سره " في المقنعة: 71، والشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 53 إلى
وجوب غسل الثوب منه.
56

كتاب الصلاة
57

الصلاة على ضربين: واجب ونفل 1.
فالواجب من الصلاة: خمس في اليوم والليلة، وصلاة الجمعة،
والعيدين وصلاة الآيات: كالكسوف، والزلازل، والرياح الشديدة،
والصلاة على الموتى.
وينقسم واجب الصلاة إلى قسمين: أحدهما واجب على الكفاية
وهو الصلاة على الموتى، والآخر واجب على الأعيان وهو الباقي.
وينقسم الواجب من الصلاة قسمة أخرى إلى قسمين: أحدهما: ما
لوجوبه سبب، والآخر: ما لا سبب لوجوبه.
فالأول: صلاة الآيات 2، والصلاة على الموتى.
والآخر: ما بقي من الواجب، وهو ينقسم قسمين: أحدهما يجب
بشرط، والآخر يجب على كل حال.
فالأول صلاة الجمعة والعيدين، وسنقف على شروطها بعون الله
تعالى.

(1) وفي أكثر النسخ: و " ندب ".
(2) وفي نسخة: " الصلاة للآيات ".
59

وما تجب بلا شرط، وهو الباقي.
وتنقسم الصلوات الخمس خاصة إلى قسمين: مقصورة وتامة.
فالمقصورة تنقسم إلى قسمين: صلاة مختار وصلاة مضطر.
فصلاة المختار صلاة السفر خاصة. وصلاة المضطر تنقسم إلى سبعة
أقسام: صلاة الخائف، وصلاة الموتحل 1، وصلاة السفينة، وصلاة
الغريق، وصلاة المطاردة، وصلاة المريض، وصلاة العريان.
وصلاة من عدا هؤلاء تامة.
واعلم: أن أحكام الصلاة على ثلاثة أضرب: بيان مقدماتها،
وكيفياتها، وما يلزم بالتفريط فيها.
ذكر مقدمات الصلاة:
وهو على ضربين، واجب وندب.
فالواجب: الوضوء، ومعرفة القبلة، والوقت، وما يصلى فيه، وما
يصلى عليه.
والندب: الأذان والإقامة.
أما الوضوء فقد بين.
ذكر معرفة القبلة:
وهي الكعبة: لأهل المسجد، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم،
والحرم قبلة لمن نأى عن الحرم.
والناس يتوجهون إلى الأركان، فالغربي لأهل المغرب، والشرقي

(1) أي من دخل في الوحل ولم يمكنه الخروج منه.
60

لأهل المشرق، واليماني لأهل اليمن، والشامي لأهل الشام.
وتوجه الجميع إنما هو من هذه البلاد إلى الحرم، وهو عن يمين الكعبة
أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال. فلذلك رسم لأهل العراق
والجزيرة وفارس وخراسان والجبال: أن يتياسروا. فمن عرفها فليتوجه
إليها.
وإن أشكلت عليه فليجعل أهل المشرق المغرب عن يمينهم
والمشرق عن شمالهم، في وقت الغروب والشروق، وفي وقت الزوال
يجعلون الشمس على حاجبهم الأيمن، وفي الليل الجدي على منكبهم
الأيمن.
وإن لم تكن لهم علامة ولا أمارة يغلب معها الظن: فليصل المصلي
صلاته أربع مرات إلى أربع جهات.
ومن صلى صلاة إلى جهة واحدة، ثم ظهر له أنه أخطأ القبلة فإن كان
الوقت باقيا أعاد على كل حال، وإن كان الوقت قد خرج وظهر له أنه كان
قد استدبرها، أعاد أيضا، وإن لم يكن استدبرها - وقد خرج الوقت - فلا
يعيدن.
ذكر الأوقات:
إعلم: أن الصلاة على ضربين: أحدهما ما له وقت يفوت أداؤه
بفواته، والآخر يمكنه أداؤه في كل وقت. فماله وقت على ضروب
ثلاثة: أحدها، وقته: مدة بقاء موجبه، والآخر وقته: ثلاثة أيام فقط،
والآخر وقته، ما عين له في كل يوم أو في يوم مخصوص، فالأول: صلاة
61

الآيات 1، والثاني: الصلاة على الموتى، والثالث: الصلوات الخمس،
وصلاة الجمعة، وصلاة العيدين، وكل نفل موقت.
فأما أوقات الصلوات الخمس، ونفلها:
فإذا زالت الشمس: فقد دخل وقت الظهر. ووقت العصر: عند الفراغ
من الظهر. ووقت المغرب: عند غروب الشمس. ووقت العشاء الآخرة:
إذا غاب الشفق الأحمر. ووقت صلاة الفجر: إذا طلع الفجر الثاني.
وأنت في فسحة من تأخير صلاة الظهر والعصر لعذر إلى أن يبقى إلى
مغيب الشمس مقدار أداء ثمان ركعات خفاف، فإن تصرم منه مقدار أداء
أربع ركعات خلص الوقت للعصر خاصة.
فأما المغرب: فيمتد وقته إلى أن يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار
أداء ثلاث ركعات.
وأما العشاء الآخرة: فيمتد وقتها إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار
أداء أربع ركعات وقيل: إلى ثلث الليل 2.
ويمتد وقت الفجر إلى طلوع الشمس، ويتضيق الوقت إذا بقي
لطلوعها مقدار أداء ركعتين.
وقد روي جواز تأخير المغرب للمسافر - إذا جد به السير - إلى ربع
الليل 3. ولا يجوز تقديم شئ من الصلوات إلا العشاء الآخرة، فروي أنه
يجوز للمعذور تقديمها على غيبوبة الشفق الأحمر 4.
فإن ظن ظان أن الوقت قد دخل فصلى، ثم علم أنه لم يكن دخل

(1) في نسخة: " الصلاة للآيات ".
(2) القائل هو الشيخ المفيد " قدس سره "، أنظر المقنعة: 93.
(3) أنظر وسائل الشيعة 3: 142، باب 19 من أبواب المواقيت، ح 5.
(4) أنظر وسائل الشيعة 3: 148، باب 22 من أبواب المواقيت، ح 4.
62

الوقت، فإن كان دخل الوقت - وهو في الصلاة - لم يعد، وإن كان قد
خرج من الصلاة أعاد.
ووقت نافلة الزوال: إذا زالت الشمس، ونافلة العصر قبلها، ونافلة
المغرب بعدها، ونافلة صلاة الليل بعد انتصافه، ونافلة الفجر قبلها.
ذكر أحكام ما يصلى فيه:
وهو على ضربين: لباس ومكان.
فأما اللباس، فعلى ثلاثة أضرب، منه: ما تجوز الصلاة فيه، ومنه: ما
تكره الصلاة فيه، ومنه: ما تحرم الصلاة فيه.
فالأول: ثياب القطن والكتان، وما مزج بهما من الإبريسم حتى يسلبه
إطلاقه الاسم، والخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب، ولا
الإبريسم المحض، وجلود كل ما يؤكل لحمه، وصوفه وشعره ووبره
- إذا كان مذكى -.
وأما الثاني وهو ما تكره الصلاة فيه: فهو الثياب السود إلا العمائم،
فإنه رخص الصلاة في سود العمائم 1.
وتكره الصلاة في مئزر مشدود فوق الثياب، وفي ثوب فيه صور، وإن
كان مما تجوز الصلاة فيه، والأفضل البياض.
وتكره الصلاة في قباء مشدود أو لثام أو شعر معقوص.
وأما الثالث: فكل ما عدا ذلك. إلا أنه وردت رخصة في جواز الصلاة
في السمور 2 والفنك والسنجاب والحواصل 3.

(1) أنظر وسائل الشيعة 3: 281، باب 20 من أبواب لباس المصلي، ح 2.
(2) أنظر وسائل الشيعة 3: 254، باب 4 من أبواب لباس المصلي، ح 2 و 3.
63

ورخص للنساء في جواز الصلاة في الإبريسم المحض 1، وكذلك
رخص للمحارب أن يصلي وعليه درع إبريسم 2.
والمصلي على ضربين: ذكر وأنثى.
والذكر: يجوز أن يصلي مؤتزرا بما يستر عورتيه وهما: قبله ودبره.
ويستحب له أن يترك على كتفيه شيئا ولو كالخيط.
فأما الإناث فعلى ضربين: أحرار وإماء.
فالحرة البالغة لا تصلي إلا في درع 3 وخمار 4. وأما الإماء والصبايا
فليصلين بالدروع من غير خمار، والجمع بينهما أفضل.
ولا صلاة في ثوب فيه نجاسة، سوى ما ذكرناه من الدم الذي لم يبلغ
قدر الدرهم البغلي، ومثل دم الفصاد 5 وما شاكله، إلا دم الحيض
والنفاس.
ولا بأس بالصلاة في الخف والجرموقين 6 والنعل العربي. فأما النعل
السندي والشمشك 7 فلا صلاة فيهما إلا الصلاة على الموتى خاصة.

(1) هناك روايات تدل على جواز لبس الحرير والإبريسم للنساء، أنظر وسائل الشيعة 3: 275
- 276، باب 16 من أبواب لباس المصلي، ح 3 و 5 و 6 و 9.
وقال الصدوق في الفقيه 1: 171 قد وردت الأخبار بالنهي عن لبس الديباج والحرير والإبريسم
المحض والصلاة فيه للرجال، وقد وردت الرخصة في لبس ذلك للنساء ولم يرد بجواز
صلاتهن فيه.
(2) أنظر وسائل الشيعة 3: 269، باب 12 من أبواب لباس المصلي، ح 1 و 2 و 3.
(3) الدرع: القميص، ودرع المرأة قميصها، وهو مذكر، والجمع أدراع. مجمع البحرين 4:
324.
(4) الخمار: وهي المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى، وكل شئ غطيته
فقد خمرته. مجمع البحرين 3: 292.
(5) الفصد: بالفتح فالسكون: قطع العرق، يقال: فصد فصدا من باب ضرب: والاسم الفصاد.
مجمع البحرين 3 مادة " فصد ": 121.
(6) الجرموق: الذي يلبس فوق الخف. الصحاح 4: 1454.
(7) الشمشك: بضم الشين وكسر الميم، وقيل: إنه المشاية البغدادية. مجمع البحرين 5:
64

ذكر أحكام المكان:
الأمكنة على أربعة أضرب: مكان يستحب الصلاة فيه لعظم ثوابها،
ومكان أبيحت الصلاة فيه، ومكان ينقص فيه ثوابها، ومكان لا تجوز
الصلاة فيه، بل تفسد.
فالأول: المساجد التي لم تبن على ضرار، والمشاهد المقدسة،
وبيوت العبادات.
والثاني: كل أرض طاهرة غير مغصوبة، ولا منهي عن الصلاة فيها.
والثالث: البيع والكنائس، وجواد الطرق، ومعاطن الإبل 1، والأرض
السبخة، والحمامات، فكل ذلك تكره الصلاة فيه.
وأما الرابع: فبيوت الخمور، وبيوت النيران، وبيوت المجوس،
والموضع المغصوب والمقابر، ولا يصلي إلى القبور إلا إذا كان بينه وبين
القبر حائل ولو قدر لبنة، وروي جواز الصلاة إلى قبر الإمام خاصة إذا
كان في قبلته 2.
ولا صلاة في مكان تكون في قبلته تصاوير مجسمة، أو نار مضرمة، أو
سيف مجرد، أو إنسان مواجهه، وهذا كله عندي في قسم المكروه، وإن
وردت الرواية 3 بما يدل ظاهرها على حظره.

277.
(1) معاطن الإبل: هي جمع معطن كمجلس، مبارك الإبل عند الماء لتشرب علا بعد نهل، فإذا
استوفت ردت إلى المرعى. مجمع البحرين 6: 282.
(2) وسائل الشيعة 3: 454 - 455، باب 26 من أبواب مكان المصلي، ح 1.
(3) أما بالنسبة إلى التصاوير المجسمة فراجع المسائل 3: 461، باب 33 من أبواب مكان
المصلي.
وأما بالنسبة إلى النار المضرمة، والسيف المجرد فانظر الوسائل 3: 459، باب 30 من
أبواب مكان المصلي، ح 1 و 2 و 6.
وأما بالنسبة إلى الإنسان المواجه فانظر الوسائل 3: 475، باب 43 من أبواب مكان
65

ذكر أحكام ما يصلى عليه:
لا صلاة إلا على الأرض، أو ما أنبتته الأرض ما لم يكن ثمرا أو كنزا
أو كسوة، فلهذا لا تجوز الصلاة على القطن والكتان، وإنما يصلى على
البواري والحصر.
وما يسجد عيه ينقسم أربعة أقسام: إلى ما تجوز الصلاة عليه إباحة،
وإلى ما تكره الصلاة عليه، وإلى ما لا يجوز السجود عليه، وإلى ما
يستحب السجود عليه.
فالأول: قد تقدم بيانه.
والثاني: ما مسته النار، كالآجر والخزف 1 والأرض التي هي
كالمستحيلة.
والثالث: كل أرض استحالت، والمعادن كالنورة والكحل والزرنيخ 2.
والرابع: ما يستحب السجود عليه، وهو الألواح من التربة المقدسة، ومن خشب قبور الأئمة عليهم السلام.
ذكر الأذان والإقامة:
الصلاة على ضربين: أحدهما لا يجوز أن يؤذن له، والآخر يؤذن له.
وما يؤذن له على ضربين: أحدهما، الأذان والإقامة فيه أشد ندبا من
الآخر.
وأما ما لا يؤذن له: فما عدا الصلوات الخمس.

المصلي، ح 4.
(1) الخزف محركة: الجرة وكل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا فهو خزف.
مجمع البحرين 5: 44.
(2) الزرنيخ بالكسر: معروف يتداوى به. مجمع البحرين 2: 432.
66

وما فيه الأذان والإقامة أشد تأكيدا من الآخر: المغرب والفجر.
والأذان سنة مؤكدة.
والمصلي على ضربين: ذكر وأنثى، فالذكر، ندب إلى الأذان والإقامة
أشد بما ندب الإناث. ومن لم يندب إليهما الإناث مؤكدا، بل ندبن إلى أن
يتشهدن بالشهادتين، ولا يجهرن، فإن أذن وأقمن إخفاتا فلهن ثواب
عظيم.
واعلم: أن للأذان والإقامة ثلاثة أحكام: أعداد، وكيفية إيقاع، وذكر
يتخللهما.
فالأول: أعدادهما، وهي خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر
فصلا، والإقامة سبعة عشر فصلا.
الأذان:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله
عليه وآله.
حي على الصلاة، حي على الصلاة.
حي على الفلاح، حي على الفلاح.
حي على خير العمل، حي على خير العمل.
الله أكبر، الله أكبر.
لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
الإقامة:
والإقامة ينقص منها من قولنا: " الله أكبر " - الذي هو أربع في أول
67

الأذان - اثنان، ومن قولنا: " لا إله إلا الله " - في آخره - مرة واحدة. ويزاد
عليه فصلان بعد " حي على خير العمل " وهما " قد قامت الصلاة " " قد
قامت الصلاة ". فيكون بعد المنقوص خمسة عشر فصلا، وبالزيادة
سبعة عشر فصلا.
وأما كيفية إيقاعها: فإنه لا يعرف أواخر الفصول بوجه، بل يقف
عليها بالسكون.
ويرتل الأذان، ويرفع به الصوت مع الامكان، فإن خافت به فليسمع
نفسه.
فأما الإقامة: فتحدر حدرا 1 من غير إعراب، بل يقف في أواخر
الفصول دون زمان الوقوف في الأذان.
ويستحب له أن لا يؤذن ويقين إلا على وضوء، وأن لا يتكلم بعد
الإقامة، فإن أذن من غير وضوء، فلا يقيم إلا على وضوء، سنة مؤكدة.
ويستحب أيضا أن يكون مواجها للقبلة قائما.
وقد رخص في الأذان خاصة على غير طهارة، ومن قعود، وغير
مواجهة للقبلة 2.
فأما الذكر: فذكر أوصاف المدح، والتسبيح بين فصولهما، فإذا فرغ
منه فالأفضل - إذا كان غير إمام - أن يسجد سجدة يفصل بها بين الأذان
والإقامة، وإن خطا خطوة فجائز. وإن كان إماما فصل بينهما بركعتين في
غير المغرب. فإنه يفصل بينهما في المغرب بخطوة - إماما كان أو غير

(1) في الحديث: " إذا أقمت فاحدر إقامتك حدرا " بضم الدال: أي أسرع بها من غير تأن
وترتيل. لسان العرب 4: 172.
(2) راجع الوسائل 4: 627، الباب 9 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1.
68

إمام، منفردا كان أو جامعا -.
ذكر كيفية الصلاة:
كيفية الصلاة تشتمل على واجب وندب.
فالواجب: النية للقربة والتعيين، وأداؤها في وقتها، واستقبال القبلة
وتكبيرة الافتتاح، وقراءة الفاتحة في الأوليين من كل صلاة، وقراءة
الحمد أو التسبيح في الثوالث والروابع، والركوع والسجود والتسبيح
فيهما، والقيام والقعود، والتشهدان، والصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله الطاهرين في كل صلاة.
وفي أصحابنا من ألحق به تكبيرات الركوع والسجود والقيام والقعود
والجلوس في التشهدين 1، والتسليم 2 وهو الأصح في نفسي.
وما عدا ذلك فمسنون.
فمن أخل بشئ من الواجبات متعمدا بطلت صلاته، فوجبت عليه
الإعادة. وحكم من ترك شيئا من ذلك ناسيا فقد ذكرناه في موضعه.
شرح الكيفية:
إذا زالت الشمس فليستقبل القبلة، مفرغا قلبه من علائق الدنيا، ويقف
وقوف العبيد، ثم يكبر ثلاثا - رافعا يديه في كل تكبيرة، لا يجاوز بيديه
شحمة أذنيه - ثم يقول: " اللهم أنت الملك الحق المبين، لا إله إلا أنت
سبحانك وبحمدك، عملت سوء وظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت ".

(1) كأبن أبي عقيل، وعلم الهدى السيد المرتضى، راجع المختلف: 96 نقلا عنهما.
(2) أنظر المسائل الناصرية: 231، المسألة 82 من كتاب الصلاة.
69

ثم يكبر تكبيرتين، ويقول: " لبيك وسعديك، والخير في يديك،
والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك، ذنوبي بين
يديك، لا ملجأ ولا منجا إلا إليك، سبحانك وحنانيك، سبحانك
وتعاليت، سبحانك ربنا ورب البيت الحرام ".
ثم يكبر تكبيرتين الثانية منهما تكبيرة الافتتاح.
ثم يقول: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا
مسلما على ملة إبراهيم، ودين محمد صلى الله عليه وآله وولاية أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وما أنا من المشركين، إن صلاتي
ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت
وأنا أول المسلمين، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم
الله الرحمن الرحيم... ".
وهذه التكبيرات السبع والتوجه، مندوب إليها في سبعة مواضع:
في أول كل فريضة، وفي الأولى من ركعات 1 الزوال، وفي الأولى من
نوافل المغرب، وفي الوتيرة، وفي الأولى من ركعات صلاة الليل، وفي
أول الشفع، وفي الوتر. وفي الأولى من ركعات صلاة الليل، وفي أول
الشفع، وفي الوتر.
ومن اقتصر من التكبيرات على خمس جاز، وعلى ثلاثة جاز،
والواجب واحدة، والسبع أفضل.
ثم يقرأ " الفاتحة " و (قل هو الله أحد).
ثم يكبر رافعا يديه ويركع، ويكون نظره - في حال ركوعه - إلى ما بين
رجليه وقد فرج بينهما، ويقول: " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاثا،

(1) في نسخة: " ركعتي ".
70

والخمس أفضل، والسبع أفضل، والواحدة واجبة.
ثم يرفع رأسه من الركوع وهو يقول: " سمع الله لمن حمده، الحمد لله
رب العالمين، أهل الكبرياء والعظمة والجبروت ". والركوع الوافي: أن يمد
عنقه ويستوي ظهره ويلقم كفيه عيني ركبتيه.
ثم يرفع يديه بالتكبير ويسجد، ويتلقى الأرض بيده قبل ركبتيه،
ويكون سجوده على سبعة أعظم: الجبهة، والكفين، والركبتين، وإبهامي
الرجلين، ويرغم بطرف أنفه - سنة مؤكدة، ولا يلتصق بالأرض، ويكون
نظره حال سجوده إلى طرف أنفه، ويقول في سجوده: " سبحان ربي
الأعلى وبحمده " بالعدد الذي ذكرناه في حال تسبيح الركوع وحكمه.
ثم يرفع رأسه من سجوده رافعا يديه بالتكبير، يجلس متمكنا على
الأرض - وقد خفض فخده اليسرى ورفع فخذه اليمنى، وينظر إلى
حجره في حال جلوسه، ثم يقول: " اللهم اغفر لي وارحمني وادفع عني
واجبرني، إني لما أنزلت إلي من خير فقير ".
ثم يرفع يديه بالتكبير، ويسجد للثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه،
ويجلس قائلا ما ذكرناه، ثم ينهض ويقول: " بحول الله وقوته أقوم وأقعد ".
ثم يقرأ " الفاتحة " و (قل يا أيها الكافرون). ثم يرفع يديه بالتكبير قانتا،
ويقول: " لا إلا إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن، وما بينهن، ورب العرش
العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ".
ويقنت في كل ثانية قبل الركوع من فرض ونفل. ثم يركع ويسجد كما
ذكرناه.
ثم يجلس فيتشهد بأن يقول: " بسم الله وبالله والحمد لله، والأسماء
71

الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة صلى الله عليه وآله ".
ثم يسلم تجاه القبلة بتسليمة 1 واحدة، يقول: " السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته "، وينحرف بوجهه يمينا.
ويتم ثماني ركعات: كل ركعتين بتسليمة واحدة على كيفية ما رسم 2
ثم يؤذن ويقيم، ويصلي الظهر أربعا بتسليمة واحدة يقرأ في الأولى
منها " الحمد " و (إنا أنزلناه) وفي الثانية " الحمد " و (قل هو الله أحد)، وفي
الثالثة والرابعة " الحمد " وحدها أو يسبح فيقول: " سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله " ثلاث مرات، ويزيد في الثالثة: " والله أكبر "، ويقنت في
الثانية بعد القراءة وقبل الركوع.
وكذلك في كل صلاة فرض ونفل ويركع ويسجد.
وأما التشهد الأول فمثل ما تقدم، وأما التشهد الثاني الذي يتعقبه
التسليم في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء الآخرة، والثالثة من
المغرب، والثانية من صلاة الغداة، فهو " بسم الله وبالله والحمد لله،
والأسماء الحسنى كلها لله، التحيات لله، والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات
الناعمات السابغات التامات الحسنات، لله ما طاب وطهر وزكا ونما وخلص،
وما خبث فلغير الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون، وأشهد أن ربي نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن عليا نعم
الإمام، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من

(1) في نسخة: " تسليمة ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 3: 38، باب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح 22 و 23.
72

في القبور، اللهم صلى على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد
وارحم محمدا وآل محمد وتحنن على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت
وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".
ويومئ بوجهه إلى القبلة فيقول: " السلام على الأئمة الراشدين، السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين ". وينحرف بعينه إلى يمينه، وقد قضى
صلاته.
ثم يعقب بالدعاء، ويسبح تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وهو أربع
وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة.
ويفعله في عقيب كل فرض. ولو فعله في عقيب كل صلاة لكان فضلا
كبيرا. ثم يعفر ويسجد، ثم يترك خده الأيمن في موضع سجوده، ثم
خده الأيسر، ثم يعود إلى سجوده ويقول ما هو مرسوم 1.
ثم يصلي ثماني ركعات كما بيناه. ثم يؤذن ويقيم للعصر، ويصلي
أربعا على شرح الظهر، ويعقب ويعفر، ثم ينصرف.
فإذا غربت الشمس من مصره من الأفق أذن وأقام، ثم صلى ثلاث
ركعات فريضة، يتشهد في الثانية من غير تسليم، ثم يقوم للثالثة، ثم
يجلس ويتشهد ويسلم.
ثم يصلي أربع ركعات بتسليمتين نفله، ثم ينصرف.
فإذا غاب الشفق الأحمر أذن وأقام، ثم صلى العشاء الآخرة أربعا
فرضه 2، كهيئة الظهر والعصر، ويقرأ فيها من المفصل 3، ثم يسلم بعد

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 1078، الباب 6 من أبواب سجدتي الشكر، ح 1.
(2) وفي نسخة: " فريضة ".
73

التشهد الثاني، فإذا سلم عقب، ثم يصلي ركعتين من قعود تحسبان
بواحدة.
فإذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل، وإن قام بعد الانتصاف بزمان
كثير - بعد أن يكون في الليل - جاز. ويصلي ثماني ركعات بأربع
تسليمات يقرأ في كل ركعة منها طوال السور، ويجتهد في الدعاء
والتضرع ويطول حتى تصل صلاة الليل بصلاة النهار، ثم يصلي ركعتي
الشفع بالحمد و (قل هو الله أحد) ثم يسلم ويصلي ركعة واحدة الوتر
بالحمد والصمد، ويدعو فيها بالمرسوم 4، أو بما تيسر، ويكثر من
الاستغفار، ثم يصلي ركعتي الدساسة، وهما ركعتا الفجر، فإذا طلع
الفجر الثاني أذن وأقام، ثم يصلي ركعتين فرضه، يقرأ فيهما " الحمد "
ومن سور المفصل ما أراد.
ذكر صلاة السفر:
صلاة السفر مشطورة 5 إذا كان المسافر في طاعة أو مباح، وأن يبلغ
سفره الذي نواه مسافة التقصير، فعلى هذا يكون على المسافر إحدى
عشر ركعة: الظهر ركعتان، والعصر ركعتان، والمغرب ثلاث ركعات،

(3) المفصل من القرآن: السبع الأخير، وذلك المفصل بين القصص بالسور القصار، قاله
الراغب في المفردات: 381.
وقيل: سمي به لكثرة ما يقع فيه من فصول التسمية بين السور.
وقيل: لقصر سوره، ويبدأ من سورة محمد صلى الله عليه وآله إلى آخر القرآن.
وقيل: من سورة ق إلى آخره.
وقيل: من سورة الفتح إلى آخره، وفي الخبر المفصل ثمان وستون سورة. أنظر مجمع
البحرين 5: 441.
(4) مصباح المتهجد: 133.
(5) في هامش النسخة: الشطر حز الشئ، والمشطورة: المقصورة.
74

والعشاء الآخرة ركعتان، والفجر ركعتان، على الكيفية التي بيناها.
والقراءة فإن جد به السفر أجزأه أن يقرأ بالحمد وحدها.
وللملاح، والجمال، ومن معيشته في السفر، ومن سفره أكثر من
حضره، وإنما يقصر من أبيح له التقصير إذا كان من السفر، أو في بلد غير
بلده إذا لم ينو المقام فيه عشرة أيام، فإن نوى مقام عشرة أيام فصاعدا،
أتم. ومن نوى دون عشرة أيام قصر.
فإن شك فلا يدري أيقيم عشرة أيام أو دونها؟ فليقصر ما بينه وبين
شهر، ثم يتم.
وحد مسافة السفر - الذي يجب له التقصير - بريدان، ثمانية فراسخ،
فليقصر مع نية السفر إليها، فإن كانت المسافة أربع فراسخ وكان راجعا
في يومه قصر واجبا، وإن كان يرجع من غده فهو مخير بين التقصير
والاتمام.
وابتداء وجوب التقصير من حيث يغيب عنه أذان مصره.
وقد رخص له في تعجيل الصلاة في السفر عند الضرورة والاقتصار
على الفاتحة في القراءة 1، وتسبيحة واحدة في تسبيح الركوع
والسجود 2، والصلاة عند شديد الضرورة على راحلته الفرض، بعد أن
يتحرى جهة القبلة 3، فأما النوافل فمرخص أن يصليها حيث توجهت به
الرواحل 4، والأولى أن يتوجه في الابتداء إلى القبلة 5.

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 736، باب 2 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2 و 4 و 5.
(2) أنظر وسائل الشيعة 4: 925، باب 4 من أبواب الركوع، ح 8.
(3) راجع وسائل الشيعة: 3: 236، باب 14 من أبواب القبلة، ح 1 و 4 و 5 و 11.
(4) أنظر وسائل الشيعة 3: 239، باب 15 من أبواب القبلة، ح 1 و 6 و 7.
(5) أنظر وسائل الشيعة 3: 241، باب 15 من أبواب القبلة، ح 13.
75

ذكر باقي القسمة 1:
أولها: صلاة الخائف، وهي مقصورة في الرباعيات، غير أن لها
حكما في الجماعة نذكره عند ذكر صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
وثانيها: صلاة الموتحل، يقصر أيضا، وصلاته إيماء، وسجوده
أخفض من ركوعه.
وثالثها: صلاة السفينة، يتوجه راكبها ويصلي على ما يمكنه إن كان
قائما فقائما، أو قاعدا فقاعدا. ويتوجه 2 إلى القبلة، وكلما دارت
سفينته 3 أدار وجهه إلى القبلة، فإن لم يتمكن فلا حرج عليه.
وفي النافلة يصلي إذا لم يمكنه التوجه إلى رأس السفينة، حيث
توجهت.
ورابعها: صلاة الغريق، وحكمه حكم الموتحل يتحرى القبلة،
وصلاته إيماء.
ولا يصلي أحد من أهل الضرورات إلا في أواخر الوقت.
وخامسها: صلاة المطاردة، وحاله ينقسم، فإن كان يمكنه الايماء
فعل، وتحرى جهة القبلة، وإلا فصلاته بالتكبير والتهليل.
وسادسها: صلاة المريض، وصلاته مقصورة، وكذلك صلاة كل أهل
الضرورات. يصلي على ما يمكنه إما بالقيام والقعود والركوع والسجود،
أو بالايماء أو بتحريك الأجفان، وليتعمد أن يكون الايماء للسجود
أكثر من الركوع.

(1) في نسخة: " في باقي القسمة ".
(2) وفي نسخة: " وليتوجه ".
(3) وفي نسخة: " السفينة ".
76

وسابعها: صلاة العراة، فإن صلى وحده في موضع يأمن أن يجئ من
يراه، أو صلى على ميت بين عراة أو وحده صلى قائما، وإن كان جامعا
أو في موضع لا يأمن أن يجئ من يراه صلى جالسا.
وحكم الجماعة والإمام والمأموم، يذكر في موضعه إن شاء الله.
ذكر صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة فرض مع حضور إمام الأصل، أو من يقوم مقامه،
واجتماع خمسة نفر فصاعدا، الإمام أحدهم، وأن يكون المصلي ذكرا
حرا بالغا، غير هرم ولا مسافر، وبينه وبين المصلى فرسخان فما دون.
وهي ركعتان، يقرأ في الأولى منهما بالحمد والجمعة، وفي الثانية
بالحمد والمنافقين، وعلى الإمام قنوتان: في الأولى قبل الركوع، وفي
الثانية بعد الركوع.
والخطبتان واجبتان فيها. وأقل ما يكون في الخطبة أربعة أشياء:
حمد الله تعالى، والصلاة على محمد وآله، والوعظ، وقراءة سورة
خفيفة من القرآن فيهما.
وروي استحباب الغسل 1 وأفضله ما قرب من الزوال، ولبس نظيف
الثياب، وأخذ الشارب، وتقليم الأظفار، وحلق الرأس والعانة والإبطين،
واستعمال شئ من الطيب.
ذكر صلاة العيدين:
شرط وجوب صلاة العيدين شرط وجوب صلاة الجمعة، إلا أنها

(1) أنظر وسائل الشيعة 2: 945، باب 6 من أبواب الأغسال المسنونة، ح 9 و 12.
77

سنة مؤكدة للمنفرد بخلاف الجمعة.
وهي ركعتان: يكبر في الأولى، ثم يقرأ " الحمد " و (سبح اسم ربك
الأعلى)، ثم يكبر ويقنت بين التكبيرتين حتى يتم ستا وخمس مرات
قنوتا، ويكبر سابعة فيركع ويسجد سجدتين، ويقوم إلى الثانية بالتكبير،
ويقرأ " الحمد " و " الشمس "، ثم يكبر ويقنت بين كل تكبيرتين حتى يتم
خمسا وأربع مرات قنوتا. ثم يكبر خامسة ويركع بها.
وسننها سنن الجمعة، إلا أنه يبرز للصلاة تحت السماء. ويجب فيها
الخطبتان وهما - هاهنا - بعد الصلاة.
ووقتها من طلوع الشمس إلى زوالها.
ويكبر في ليلية الفطر بعد المغرب إلى انقضاء صلاة العيد في عقيب
أربع صلوات، وفي الأضحى في عقيب عشر صلوات أولاهن صلاة
الظهر من يوم العيد.
ومن حضر منى كبر عقيب خمس عشرة صلاة، أولاهن صلاة الظهر.
ذكر ما له سبب من الصلوات:
فأوله: الصلاة على الموتى:
وهي فرض على الكفاية. وما هي إلا تكبيرات خمس يرفع يديه في
الأولى منها فقط، ثم يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له إلها
واحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، لا إله إلا أنت الواحد
القهار، ربنا ورب آبائنا الأولين ".
ثم يكبر الثانية ويقول: " اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على
محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت
78

وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
ثم يكبر الثالثة ويقول: " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين
والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، وادخل على موتاهم رحمتك ورأفتك،
وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك، إنك على كل شئ قدير ".
ثم يكبر الرابعة ويقول: " اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك
وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان
محسنا فزد في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له وارحمه، اللهم
اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على أهله في الغابرين، وارحمه برحمتك يا
أرحم الراحمين ".
ثم يكبر الخامسة ويقول: " عفوك عفوك "، ولا يبرح من مكانه حتى
ترفع الجنازة.
والموتى على ضربين: نساء ورجال. فالنساء يقف الإمام منهن عند
صدورهن، والرجال عند أوساطهم.
ثم ينقسمون قسمة أخرى: رجال ونساء وصبيان وخناثى. فإذا اتفق
أن يصلي إمام واحد على هؤلاء كلهم في وقت واحد، جعل النساء مما
يلي المحراب، وبعدهن الصبيان، وبعدهم الخناثى، وبعدهم الرجال،
ووقف الإمام عند الرجال.
وقد بينا أنه تجوز هذه الصلاة - عند خوف الفوت - بالتيمم للجنب
وغير المتوضئ. فإن خاف الفوت - إذا اشتغل بالتيمم - صلى على حاله،
ولا حرج.
وقد بينا أيضا أنه إنما يصلى على من يؤخذ بالصلاة. وهو أن يبلغ
ست سنين وجوبا. وإن من عداه فالصلاة عليه نفل. وأنه تجوز الصلاة
79

على قبر الميت إلى ثلاثة أيام، وتجوز الصلاة عليه ليلا ونهارا.
ووليه أحق بالصلاة عليه، أو من يأمره الولي. والجماعة فيها مسنونة
متأكدة الندب.
ذكر الثاني مما له سبب:
وهو: صلاة الكسوف والزلازل والرياح الشديدة والآيات.
وهذه الصلوات واجبة على من تكاملت له شروط التكليف، وتصلى
جماعة وفرادى. وهي مؤقتة وابتداء وقتها من ابتداء ظهور الكسوف
والآيات إلى ابتداء انجلائه. وهي عشر ركعات بأربع سجدات، يكبر
تكبيرة الاحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة من طوال السور، جاهرا
بالقراءة، ثم يركع مطيلا ركوعه بمقدار القراءة إن استطاع. ثم ينتصب
حتى يتم خمس ركعات. فإذا رفع رأسه من الخامسة قال: " سمع الله لمن
حمده ". ثم يسجد سجدتين. ثم ينتصب ويقرأ مثل الأولى. ويركع
ويقنت بين كل ركوعين. ويتشهد جالسا ويسلم.
فإذا فرغ قبل الانجلاء فعليه الإعادة.
وإن أخل بالصلاة - مع عموم الكسوف للقرص - وجب عليه مع
الإعادة: الغسل.
ذكر تفصيل مواقيت النوافل:
قد بينا أن النوافل للمقيم في اليوم والليلة أربع وثلاثون ركعة، للزوال
منها ثماني ركعات، وبعد الظهر ثماني ركعات، وبعد المغرب أربع
ركعات، وبعد العشاء الآخرة واحدة وهي " الوتيرة "، وبعد انتصاف الليل
ثمان واثنتان الشفع وواحدة الوتر، وبعد الفجر الأول ركعتان.
80

فإن تأخر شئ من ذلك عن وقته فهو قضاء.
فأما نوافل المسافر فهي سبع عشرة ركعة، أربع بعد المغرب،
وإحدى عشر ركعة صلاة الليل، وركعتا الفجر اثنتان - اللتان هما
الدساسة -.
ذكر صلاة يوم الغدير:
وهي من وكيد السنن. ووقتها: إذا بقي من الزوال مقدار نصف ساعة في
اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. وهي ركعتان يقرأ في كل وحدة منهما
" الحمد " وسورة " الاخلاص " عشر مرات، و " آية الكرسي " عشر مرات.
و " إنا أنزلناه " عشر مرات فإذا فرغ منها وسلم دعا بالمرسوم 1.
ذكر صلاة ليلة النصف من شعبان:
وهي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة " الحمد " مرة و " سورة الاخلاص "
مائة مرة، ووقتها بعد العشاء الآخرة إلى الفجر الأول.
ذكر نوافل شهر رمضان:
لا خلاف في أنها ألف ركعة، وإنما الخلاف في ترتيبها. ونحن نذكر
الأظهر في الرواية 2 وكتابنا الكبير 3 يتضمن الخلاف في ذلك.
والمعمول عليه: أن يصلي من أول ليلة منه إلى ليلة تسع عشرة منه

(1) إقبال الأعمال: 476 - 481.
(2) أنظر وسائل الشيعة 5: 178، باب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 1.
(3) لم نقف على هذا الكتاب. أنظر المقدمة، ص 16.
81

في كل ليلة عشرين ركعة. بعشر تسليمات - ثمان بعد فرض المغرب
ونوافلها واثنتا عشرة ركعة بعد صلاة العشاء الآخرة بعد الوتيرة -.
ذكر صلاة الاستسقاء:
وشرحها: أن يتقدم الإمام إلى الكافة بصيام ثلاثة أيام. فإذا كان اليوم
الثالث نادى فيهم ب‍ " الصلاة جامعة ". ويخرج الإمام تحت السماء. فيصلي
بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة على صفة صلاة العيد في التكبيرات
والقنوت بينه وبين القراءة. فإذا سلم رقى المنبر وخطب. فإذا فرغ قلب
رداءه من يمينه إلى يساره. ومن يساره إلى يمينه ثلاث مرات. ثم استقبل
القبلة ورفع رأسه نحوها وكبر الله مائة مرة - يرفع بها صوته - ويكبر
الناس معه. ثم التفت عن يمينه فسبح الله تعالى مائة مرة. ثم التفت عن
شماله فحمد الله مائة مرة، ثم أقبل على الناس بوجهه فاستغفر الله مائة
مرة. ثم حول وجهه إلى القبلة فدعا والناس معه بما رسم 1.
وهذا من النفل الذي للندب إليه سبب. فقد انقسم النفل إلى ضربين:
ما له سبب، وما لا سبب له.
ذكر صلاة ليلة عيد الفطر:
وهي ركعتان: الأولى منهما بالحمد وألف مرة (قل هو الله أحد)
والثانية " بالحمد " و (قل هو الله أحد) مرة واحدة، ثم يدعو بما يحب،
ويجتهد في الدعاء.

(1) أنظر وسائل الشيعة 5: 162، أبواب صلاة الاستسقاء.
82

ذكر صلاة أمير المؤمنين عليه السلام:
وهي أربع ركعات بتسليمتين: يقرأ في كل ركعة منها " الحمد "
وخمسين مرة (قل هو الله أحد).
ذكر صلاة فاطمة عليها السلام:
وهي ركعتان: يقرأ في الأولى " بالحمد " و (إنا أنزلناه)، مائة مرة، وفي
الثانية " بالحمد " و (قل هو الله أحد) مائة مرة.
ذكر صلاة التسبيح:
وهي صلاة جعفر، وهي أربع ركعات: يقرأ في الأولى " الحمد " و (إذا
زلزلت). فإذا فرغ سبح خمس عشرة مرة يقول: " سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر ". ثم يركع ويقول ذلك عشرا، ويرفع رأسه ويقوله
عشرا، فإذا سجد قاله عشرا، فإذا رفع رأسه قاله عشرا، فإذا سجد ثانية
قاله عشرا، وإذا رفع رأسه قاله عشرا، ثم ينهض ويقرأ " الحمد "
و " العاديات "، ويفعل في الركعة الثانية والثالثة والرابعة من التسبيح مثل ما
فعل في الأولى، إلا أنه يقرأ في الثالثة: " الحمد " و (إذا جاء نصر الله) وفي
الرابعة " الحمد " و (قل هو الله أحد) وفيهما تسليمتان.
ذكر صلاة يوم المبعث:
يصلى يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتا عشرة
ركعة بست تسليمات: يقرأ في كل ركعة " الحمد " و " يس ". فإذا فرغ يقرأ
في مكانه أربع مرات سورة " الحمد " و (قل هو الله أحد) و " المعوذتين "
83

أربعا أربعا. ثم يقول: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " أربعا.
ويقول: " الله الله ربي ولا أشرك به شيئا " أربعا. ويدعو بما يحب.
ذكر صلاة يوم عاشوراء:
وهو العاشر من المحرم، وهي أربع ركعات. ووقتها قبل الزوال: يقرأ
في كل ركعة " الحمد " و (قل هو الله أحد).
ذكر صلاة الحاجة:
وهي ركعتان: يقرأ في كل ركعة منهما " الحمد " مرة، وخمس عشرة
مرة سورة " الاخلاص " على ترتيب صلاة التسبيح. غير أنه يجعل مكان
التسبيح قراءة سورة " الاخلاص " خمس عشرة مرة.
ذكر صلاة الشكر:
وهي ركعتان: تصلى عند قضاء الحاجة، ويقرأ فيهما " الحمد " وسورة
" الاخلاص ". ويقول في الركوع منهما والسجود: " الحمد لله، شكرا شكرا
لله وحمدا " ويقول بعد التسليم: " الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني
مسألتي ".
فأما ما لا توقيت فيه من النوافل، فلا غاية له، فليستكثر العبد منه
ليستحق الثواب إن شاء الله تعالى.
ذكر أحكام صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة تنقسم أربعة أقسام: واجب، وندب، ومكروه،
84

ومحظور.
فالواجب: صلاة الجمعة، والعيدين، عند الشروط.
والندب: باقي الفرائض من الصلوات الخمس.
والمكروه: صلاة المتوضئ خلف المتيمم، والحاضر خلف
المسافر.
والمحظور: الصلاة خلف الفسقة والكفرة، والجماعة في النوافل إلا
صلاة الاستسقاء، وصلاة الرجل خلف المرأة، والصلاة خلف ولد الزنا.
واعلم: أن شروط انعقاد الجماعة على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: أن يكون القوم اثنين فصاعدا وأن يكون الإمام عدلا أقرا
الجماعة، فإن تساووا فأفقههم، فإن تساووا فأقدمهم هجرة، فإن تساووا
فأكبرهم سنا، فإن تساووا فأصبحهم وجها، وأن يقدم رب المسجد إذا
كان أهلا لذلك، وأن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل سوى الصفوف
إذا كان المأموم ذكرا، وذلك في النساء جائز، ولا يكون مقام الإمام أرفع
من مقام المأموم بما يعتد به كأن يكون على سقف أو مكان عال.
وإن كان بعض الأرض أعلى من بعض، فوقف على الأعلى، فجائز.
وأما الندب: فأن يقف المأموم - إن كان واحدا - عن يمين الإمام إلا في
صلاة الجنازة، فإنه يقف خلف الإمام.
وإن كان أكثر من واحد فعلى ضربين: مكتسون وعراة.
فالمكتسون: يقفون خلف الإمام. والعراة: يقعد الإمام في وسطهم
غير بارز، ويقعدون هم أيضا، إلا أن تكون صلاة على جنازة فإنهم
يصلون قياما، أيديهم على سوآتهم، والإمام في وسطهم، وينزلون
الميت في حفرته، ويغطون عورته بالتراب، ثم يصلون عليه، فإذا فرغوا
85

أهالوا عليه التراب.
وأن تكون الصفوف مشحونة، وبين كل صف وصف قدر مربط عنز
وأن لا يقرأ المأموم خلف الإمام. وروي أن ترك القراءة في صلاة الجهر
خلف الإمام واجب 1 والأثبت الأول.
واعلم: أن المأمومين والأئمة على خمسة أضرب أيضا:
حاضر يأتم بحاضر.
ومسافر بمسافر.
فهذان يتبعان إمامهما في كل أفعاله.
وخائف بخائف. فهذا الضرب يقسم الإمام المأمومين فرقتين: فرقة
تقف بإزاء العدو، وفرقة يصلي بها ركعة، ويطيل القيام في الثانية حتى
يتموا هم وينصرفون، وتجئ الفرقة الأخرى، فتدخل في الصلاة،
فيصلي بها ثانية، وهي لهم أولى. ويطيل التشهد حتى يصلوا الثانية
ويجلسوا معه فيسلم بهم. وفي المغرب: يصلي بالفرقة الأولى ركعة
ويتمون هم تمام الثلاث وهو يطيل القيام. ثم تأتي الفرقة الأخرى:
فيصلي بهم اثنتين ويطيل التشهد حتى يتموا ويسلموا معه.
ومسافر يأتم بحاضر: فهذا يسلم في اثنتين، ولا يتبع الإمام إلا فيهما
إلا في صلاة المغرب خاصة، فإنه يتبعه في الكل لأنه لا قصر فيها.
فأما الحاضر خلف المسافر: فقد بينا أنه يكره أن يأتم به، فإن فعل:
فليتبعه في اثنتين، ثم يتم لنفسه، ولا أرى لها فضلا.

(1) أنظر وسائل الشيعة 5: 422 - 424، باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، ح 5 و 6 و 7 و 12.
86

ذكر ما يلزم المفرط في الصلاة:
وهي على خمسة أضرب: إعادة، وجبران، وتلاف، وسجدتا السهو،
وقضاء.
فالأول على ضربين: متعمد، ومسهو عنه.
فالمتعمد: أن يتعمد نقض الطهارة، أو الكلام في الصلاة، أو
القهقهة، أو الالتفات إلى ورائه، وكل فعل كثير أباحت الشريعة قليله في
الصلاة، أو كل فعل لم تبح الشريعة قليله ولا كثيره.
والثاني: كل شك في الأوليين من الرباعيات، وفي الغداة، والمغرب
والجمعة للإمام، وصلاة السفر، وفي تكبيرة الافتتاح لا يذكرها حتى
يركع، أو عن الركوع ولا يذكره حتى يسجد، والسهو عن السجدتين، من
ركعة ثم لا يذكرهما حتى يركع في الثانية، وأن يزيد في عدد الصلاة،
وأن لا يحصل عدد ما صلى وأن يصلى إلى غير القبلة أو في مكان
مغصوب، أو ثوب مغصوب، أو ثوب نجس.
الثاني من القسمة الأولى: وهو ما يوجب الجبران، وهو السهو عن
سجدة من سجدتين ثم لا يذكرها إلا بعد الركوع في الثانية، فجبرانه أن
يقضي السجدة بعد التسليم، ويسجد سجدتي السهو.
وأن يسهو عن التشهد الأول ثم يذكر بعد الركوع في الثالثة، فجبرانه
أن يقضيه بعد التسليم، ويسجد سجدتي السهو.
فإن اعتدل الظن بين الاثنين والثلاث، أو الثلاث والأربع، أو الاثنين
والأربع، أو الاثنين والثلاث والأربع: فإن الواجب البناء على الأكثر،
والصلاة لما ظن فواته بعد التسليم: إما واحدة أو اثنتين أو اثنتين
وواحدة.
87

وأما الثالث من القسمة الأولى: وهو ما يوجب التلافي، فإنه من سها
عن الفاتحة حتى بدأ بالسورة الأخرى قطعه وقرأ الفاتحة.
ومن نسي تكبيرة الافتتاح حتى قرأ كبرها ثم قرأ.
وإن سها عن الركوع وذكره وهو قائم ركع، وكذلك، إن ذكر أنه ترك
سجدة وهو قائم سجد.
وإن ذكر أنه لم يتشهد في الأول وقد قام جلس وتشهد.
ومن سلم قبل الشهادتين أو إحداهما وهو جالس تشهد.
وأما الرابع، وهو ما فيه سجدتا السهو، فهو: من تكلم ساهيا. أو قعد
في حال قيام، أو قام في حال قعود، فعليه سجدتا السهو.
وما عدا ذلك كالسهو الذي لا يتدارك، أو السهو في السهو، أو السهو
في النافلة فلا شئ عليه.
وسجدتا السهو تكونان بعد التسليم، بغير ركوع ولا قراءة، يقول في
كل واحدة منهما: " بسم الله وبالله اللهم صلى على محمد وآل محمد "
ويتشهد ويسلم.
الخامس: القضاء وأحكامه.
كل صلاة فاتت، فلا تخلو إما أن تكون فاتت بعمد أو بتفريط أو
بسهو.
فالأول والثاني: يجب فيهما القضاء على الفور.
والثالث: على ضربين، أحدهما: يسهو عنها جملة، فهذا يجب
قضاؤه وقت الذكر له ما لم يكن آخر وقت فريضة حاضرة.
والثاني: أن يسهو سهوا يوجب الإعادة كما بيناه، وهذا يجب أيضا
أن يقضيه على الفور.
88

والصلاة المتروكة على ثلاثة أضرب: فرض متعين، وفرض غير
متعين، ونفل.
فالأول يجب قضاؤه على ما فات.
والثاني على ضربين: أحدهما، يتعين له أن كل الخمس فاتته في أيام
لا يدري عددها.
والثاني: أن يتعين له أنه صلاة واحدة ولا يعلم أي صلاة هي.
فالأول: يجب عليه أن يصلي مع كل صلاة صلاة حتى يغلب على
ظنه أنه قد وفى.
والثاني: يجب عليه أن يصلي اثنين وثلاثا وأربعا.
وأما النفل فعلى ضربين: مؤقت وغير مؤقت.
والمؤقت: يستحب قضاؤه.
وأما من لحقه عارض في أول وقت صلاة، أو زال عنه عارض في
آخر وقت صلاة: فعلى ستة أضرب:
من بلغ حد الحلم، ومن أسلم، ومن طهر من حيض، أو حاض، ومن
أغمي عليه لمرض أو غيره مما لا يكون هو السبب فيه، ومرتد،
وسكران.
فالثلاثة الأول: يجب عليهم القضاء متى فرطوا بالترك حتى يلحقهم
العارض: كأن يدخل الوقت فيؤخره.
وأما الرابع: فلا يجب عليه قضاء الفائت، إلا أن يفيق في وقت صلاة.
وقد روي أنه: إذا أفاق آخر النهار، قضى صلاة ذلك اليوم، وإن أفاق
آخر الليل: قضى صلاة تلك الليلة 1.

(1) أنظر وسائل الشيعة 5: 355، باب 3 من أبواب قضاء الصلوات، ح 12.
89

فأما المرتد، والسكران، ومن أغمي عليه بشئ من قبله، فيجب عليه
قضاء جميع ما فاته إذا زال العارض.
90

كتاب الصوم
91

ذكر أقسام الصوم:
الصوم على أربعة أضرب: واجب، وندب، ومكروه، ومحظور.
فالأول: صوم شهر رمضان، وصوم النذر، وصوم الكفارة، والصوم عن
دم المتعة، وصوم الاعتكاف، وصوم قضاء شهر رمضان.
والثاني: على ضربين، معين وغير معين.
فالمعين: صوم الأيام الثلاثة من كل شهر وهي البيض، وهي الثالث
عشر والرابع عشر والخامس عشر، وستة أيام من شوال ثاني الفطر.
وصيام أربعة أيام في السنة، وهي يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول، ويوم المبعث: وهو يوم
السابع والعشرين من رجب، ويوم دحو الأرض، وهو: يوم الخامس
والعشرين من ذي القعدة، ويوم الغدير: وهو يوم الثامن عشر من ذي
الحجة، وصوم عشر ذي الحجة، وصوم عرفة لمن لم يصم العشر،
وصوم رجب أو صوم أول يوم منه والثاني أو ثمانية أو خمسة عشر:
على ما ورد به الرسم 1، وصوم شعبان.

(1) أنظر وسائل الشيعة 7: 348، باب 26 من أبواب الصوم المندوب، ح 1.
93

والثاني: هو ما ليس بمعين، وهو سائر الأيام التي لم ينه عن صومها،
فإنه قد ندب الإنسان إلى الاستكثار من الخير.
فأما المكروه: فهو ما يضعف من الصيام عن العبادة، وصوم الضيف
بغير إذن مضيفه، وصوم النافلة في السفر، وصوم العبد والمرأة نفلا بغير
إذن مولاه وزوجها.
وأما المحظور: فصوم العيدين، وأيام التشريق الثلاثة إن كان بمنى،
وصوم الشك على أنه من شهر رمضان، وصوم الصمت، وصوم الوصال،
وصوم الدهر، وصوم نذر المعصية، وصوم السفر إذا كان السفر طاعة أو
مباحا وكان الصوم واجبا، وصوم المريض الذي يزيد فيه الضعف.
ذكر أحكام صوم شهر رمضان:
أحكامه على ضربين: واجب وندب. فالواجب معرفة ما يعرف به
دخول شهر رمضان، وما يعرف به تصرمه، وهي: رؤية الأهلة، إذا
تظاهرت، أو شهد بها في أوله واحد عدل، وفي آخره اثنان عدلان. وإن
تعذرت رؤية الأهلة، فالعدد.
والنية نية القربة، ونية واحدة كافية في صيام الشهر كله.
والكف عن كل ما يفسد الصيام.
ومعرفة دخول النهار والليل الذي رسم أن يمسك ويفطر فيهما،
وهو من طلوع الفجر الثاني في آفاق الإقليم إلى سقوط قرص الشمس
فيه.
واجتناب المحظور فيه.
وأما الندب: فغض الطرف عن المحارم، واشتغال اللسان بالذكر
94

والقرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وترك سماع اللهو،
وهجر المقال، والسحور، وقيام ألف ركعة، والدعاء الذي بينها،
والاكثار من البر، والغسل في سبع ليال منه وهي: أول ليلة منه، وليلة
النصف منه، وليلة سبعة عشر، وهي ليلة الفرقان، وليلة تسعة عشر منه،
وليلة إحدى وعشرين منه، وليلة ثلاث وعشرين منه، وليلة الفطر، وأن
يقرأ في ليلة ثلاث وعشرين منه (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ألف مرة،
وسورة العنكبوت والروم.
وأما صوم النذر وما بعده، فنذكره في أبوابه إن شاء الله تعالى.
ذكر أحكام الافطار في الصوم الواجب:
وهو على ضربين: نسيان وعمد. فالنسيان عفي عنه. وأما العمد فعلى
ضربين: باضطرار وغير اضطرار.
فالمضطر على ثلاثة أضرب أحدها: يجب عليه عن كل يوم مد من
الطعام وهو الشيخ الهرم الذي يطيق الصوم بمشقة عظيمة، والحامل
والمرضع اللتان تخافان على ولدهما، والشاب ذو العطاش.
والآخر: يفطر من غير كفارة، وهو الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم،
وذو العطاش الذي لا يرجى برؤه.
والثالث: من يجب عليه القضاء. وهو كل من أفطر لعذر غير ما ذكرناه،
كمن أفطر لمرض أو سفر في طاعة أو مباح، ويكون حضره أكثر من
سفره.
ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا، إلا صيام ثلاثة أيام لدم المتعة،
وصوم النذر إذا علقه بوقت حضر في السفر، وصوم ثلاثة أيام للحاجة
95

- أربعاء وخميس وجمعة -.
وقد روي جواز صوم التطوع في السفر 1.
ومن أغمي عليه قبل استهلال الشهر، ومضت له أيام ثم أفاق: فعليه
القضاء.
والمريض إذا كان الصوم يزيد في مرضه زيادة بينة أفطر وعليه
القضاء.
ومن سأل غيره عن الفجر فخبره بأن الفجر لم يطلع فأتى ما يفطر ثم
ظهر له أنه كان قد طلع، لزمه القضاء.
ومن أجنب في ليل شهر رمضان فنام ناويا للغسل ثم انتبه ثم نام ناويا
للغسل في الليلة ثم انتبه وقد طلع الفجر، فعليه القضاء.
ومن كان في ليل شهر رمضان يأكل أو يشرب أو يجامع فخبر بطلوع
الفجر فلم يكف لظنه أنه كذبه وكان قد طلع فعليه القضاء.
ومن ظن أن الشمس قد غابت فأفطر، ثم ظهر له أنها لم تكن قد غابت،
فعليه القضاء.
ومن تمضمض أو استنشق لغير الوضوء فوصل الماء إلى جوفه فعليه
القضاء.
وإذا قعدت النساء في الماء إلى أوساطهن فوصل الماء إلى أجوافهن
فعليهن القضاء.
ومن نظر إلى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.
فأما العمد بغير اضطرار وعذر، فهو: من أكل أو شرب أو جامع أو
أنزل أو تسعط أو تعمد البقاء على الجنابة من الليل إلى النهار، أو انتبه

(1) أنظر وسائل الشيعة 7: 144 - 145، باب 12 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 4 و 5.
96

مرتين ولم يغتسل ثم أصبح جنبا، كل ذلك بالعمد، فعليه مع القضاء
الكفارة. وهي تذكر في كتاب الكفارات.
97

ذكر الاعتكاف:
الاعتكاف: لبث في موضع مخصوص على وجه مخصوص، والصوم
فيه. فأما اللبث: فأقله ثلاثة أيام.
وله شروط: منها: الصوم، وترك الجماع في الليل والنهار، وأنه متى
خرج من موضعه لتشييع جنازة أو عيادة مريض أو أمر ضروري فلا
يقعدن تحت سقف حتى يعود.
وأما الموضع المخصوص: فهو أحد أربعة مواضع لا يجوز
الاعتكاف إلا فيها، وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه
وآله، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة.
فمن أفطر في أيام الاعتكاف أو جامع في نهاره أو ليله، فعليه كفارة
إفطار يوم من شهر رمضان.
99

كتاب الحج
101

الحج واجب على كل حر بالغ مستطيع إليه السبيل.
وهو على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران، وإفراد.
فالتمتع:
فرض على كل ناء عن المسجد الحرام، ولا يجزيه مع التمكن غيره.
وصفته: أن يحرم الحاج من الميقات بالعمرة، فإذا دخل مكة طاف
وسعى ثم قصر، وقد أحل من كل شئ أحرم منه.
فإذا كان يوم التروية عند زوال الشمس، أحرم بالحج من المسجد،
وعليه طوافان بالبيت مضافا إلى الأول، وسعي آخر بين الصفا والمروة،
وعليه دم واجب.
وأما القرآن:
فهو أن يهل الحاج من الميقات الذي هو لأهله، يقرن إلى إحرامه
سياق ما تيسر من الهدي. ولا بد في سياقه من الميقات، وإلا لم يكن قارنا،
وعليه طوافان بالبيت، وسعي واحد، وتجديد التلبية عند كل طواف.
وأما الافراد:
فهو أن يهل الحاج من الميقات بالحج مفردا ذلك من سياق هدي
103

وعمرة.
ولا فرق بين مناسك القارن والمفرد. فأما المتمتع، فقد بينا أنه يحل
من إحرامه بعد الطواف والسعي الأول، ثم يحرم بالحج على ما بين.
واعلم أن أشهر الحج: شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة، فمن
عقد الاحرام بالحج فيهن، وإلا كان لغوا.
فأما العمرة فلا وقت لها مخصوص.
وأفضل الأوقات لمفردها في رجب. وروي أنه لا يكون بين العمرتين
أقل من عشرة أيام 1. وروي أنها لا تكون في كل شهر إلا مرة واحدة 2.
والحج واجب على الفور.
ذكر مراسم الحج - جملة -:
وهي على ضربين: فعل، وكف.
فالفعل: النية، والدعاء المرسوم عند الخروج من المنزل 3، وركوب
الراحلة، والمسير، والاحرام من الميقات، والتلبية أو الاشعار والتقليد،
ولبس ثياب الاحرام، والقص من الشارب والأظفار، وتنظيف الإبطين،
وصلاة ست ركعات والدعاء بعدها بالمرسوم 4، والغسل عند الاحرام،
وعند دخول مكة، والبيت، والطواف والسعي، ولثم الحجر، واستلام

(1) أنظر وسائل الشيعة 10: 244 - 245، باب 6 من أبواب العمرة، ح 3 و 10.
(2) أنظر وسائل الشيعة 10: 244 - 245، باب 6 من أبواب العمرة، ح 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 9
و 12.
(3) أنظر وسائل الشيعة 8: 275 - 276، باب 18 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، ح 1
و 2.
(4) أنظر مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: 618 - 619.
104

الركن اليماني، ونزول منى والصلاة بها، والقدوم 1 إلى عرفات، والإفاضة
من عرفات، ونزول المزدلفة، والذبح، والحلق، وزيارة البيت، والرجوع
إلى منى، ورمي الجمار، والنفر من منى، ودخول الكعبة، والوداع،
والصلاة في مقام إبراهيم عليه السلام.
وهذه الأفعال على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: النية، والمسير، والاحرام، ولبس ثوبي الاحرام 2،
والطواف، والسعي، والتلبية، وسياق الهدي للقارن والمتمتع، ولثم
الحجر، واستلام الركن اليماني، والموقوف بالموقفين، ونزول المزدلفة،
والذبح، والحلق، والرجوع إلى منى، ورمي الجمار.
وما عدا ذلك فهو ندب.
وينقسم الواجب إلى قسمين: ركن وغير ركن.
فالركن: الاحرام، والتلبية - أو ما يقوم مقامها من الاشعار والتقليد -
والوقوف بالموقفين، والطواف، والسعي. وما عدا ذلك فليس بركن.
ذكر الكف:
وهو على ضربين: واجب وندب.
فالواجب على ضربين: أحدهما، فعله يفسد الحج، ويوجب الكفارة،
والآخر لا يفسده، بل يوجب الكفارة.
فالأول: الكف عن الجماع قبل الوقوف بالموقفين.
والثاني: العقد على النساء، والنظر إليهن - يستوي في ذلك محللاتهن

(1) وفي نسخة " الغدو ".
(2) وفي نسخة: " ولبس ثيابه ".
105

ومحرماتهن - وحلق الرأس، والطيب - إلا خلوق الكعبة -، ولبس
المخيط، والجدال صادقا وكاذبا، وصيد البر، والكحل الأسود، والدهن
الطيب الريح، وتغطية الرأس، والحجامة، وتقليم الأظفار، والتظليل من
غير ضرورة، وحك الجلد حتى يدميه، وفعل ما يسقط معه شعر لحيته،
وإخراج الدم، وأكل صيد صاده محل أو محرم، والدلالة على الصيد.
فهذا كله واجب.
والندب: اجتناب كل ما ينقص ثواب الحج.
ذكر المواقيت:
المواقيت خمسة:
ميقات أهل العراق: " بطن العقيق " أوله " المسلخ "، وأوسطه " غمرة "،
وآخره " ذات عرق ".
فمن أحرم من أوله فهو أكمل، ومن أوسطه دونه في الفضل، ومن
آخره دونه.
ومن نسي الاحرام من الميقات حتى جاوزه، رجع إليه وأحرم منه إن
أمكنه، وإلا أحرم من حيث ذكر.
وميقات أهل المدينة: " ذو الحليفة "، وهو " مسجد الشجرة ".
وميقات أهل الشام: " الجحفة ".
وميقات أهل اليمن: " يلملم ".
وميقات أهل الطائف: " قرن المنازل ".
ومن كان منزله دون الميقات، فإحرامه منه.
وكل من حج على طريق قوم، فميقاته ميقاتهم، لا ميقات أهل إقليمه.
106

والمحرم على هذا على ضربين: محرم من أهل الحرم، ومحرم ليس
من أهل الحرم. فالمحرم من أهل الحرم - ومن في حكمه بالمجاورة -
إحرامه من بيته.
ومن ليس من أهل الحرم على ضربين: محرم بالحج خاصة، ومحرم
بحج أفضى إليه من عمرة تمتع بها. فالأول لا يحرم إلا من الميقات،
والثاني يحرم من تحت الميزاب.
وأما العمرة، فلا ينعقد الاحرام بها إلا من الميقات على كل حال.
واعلم: أنه لا يبقى بعد شرح ما ذكرناه جملة إلا ذكر الكفارة عن الخطأ
غير أنا اتبعنا سنة المصنفين، وإلا كنا قد ذكرنا ذلك في كتاب الكفارات،
فلهذا نذكره في كتاب الحج، ثم نعود إلى تفصيل ما أجملناه شيئا فشيئا
إن شاء الله تعالى.
ذكر شرح الاحرام:
الاحرام على ضربين: إحرام عن نذر، وإحرام عن غير نذر.
فما كان عن نذر، فإنه يجب من حيث عقد به. ولو نذر من بعد من
الميقات فإذا وصل إلى الميقات المعروف فعليه تجديد الاحرام.
وأما ما هو من غير نذر، فلا يجوز أن يعقد إلا من الميقات، أو مما
حكمه حكم الميقات.
فمن أراد الاحرام اغتسل، وأزال شعر إبطيه، وقص شاربه وأظفاره
ولا يمس ما وفره من شعر رأسه ولا من شعر لحيته، ويأتزر بأحد ثوبي
إحرامه ويتوشح بالآخر ويرتدي به.
ولا يجوز الاحرام فيما لا تجوز الصلاة فيه، وأفضل الثياب: القطن
107

والكتان. ثم يصلي ست ركعات نوافل الاحرام، ويجزي ركعتان. ثم يعقد
إحرامه إما بالتلبية إن كان متمتعا أو مفردا، أو الاشعار والتقليد إن كان
قارنا. ثم يقول: " اللهم إني أريد ما أمرت 1 به من التمتع بالعمرة إلى الحج، على
كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله فإن عرض لي عارض يحبسني، فحلني من
حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم تكن حجة فعمرة أحرم لك
جسدي وبشري وشعري من النساء والطيب والثياب، أبتغي بذلك وجهك والدار
الآخرة 2 لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا
شريك لك، لبيك ".
وإن كان يريد قرانا قال: " اللهم إني أريد الحج قارنا، فيسره لي وسلم لي
هديي، وأعني على مناسكي، أحرم لك... الخ " فإن أراد الحج مفردا، ذكره.
وليكثر من التلبية كلما صعد علوا أو هبط واديا، أو نزل من بعيره أو
ركبه، وعند انتباهه من منامه، وبالأسحار. فإذا عاين بيوت مكة قطع
التلبية.
وحد بيت مكة: عقبة المدنيين، ثم يأخذ في التكبير والتهليل.
وإن قصدها من طريق العراق، قطع التلبية إذا بلغ عقبة ذي طوى.
ذكر دخول مكة:
من متأكد السنن: الاغتسال قبل دخول الحرم، فإن شغل عنه اغتسل
قبل دخول مكة، وإن لم يتمكن فقبل دخول المسجد.
وليدخل مكة من أعلاها - إن دخل من طريق المدينة - وليس عليه

(1) وفي نسخة: " أتقرب ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 9: 22 - 23، باب 16 من أبواب الاحرام، ح 1.
108

ذلك إن دخلها من غير ذلك الطريق.
فإذا نظر إلى البيت فليستقبله وليدع بالدعاء المرسوم 1، أو بما تيسر.
فإذا أراد دخول المسجد فليدخل من باب بني شيبة.
ذكر الطواف:
إنما يفتتح الطواف من الحجر الأسود، فليستقبله بوجهه، وليقل
المرسوم 2، ثم يقبله. فإن تعذر فليمسحه بيده. ثم يقبل يده. فإن لم
يتمكن أومأ إليه، ثم يقول: " أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته، لتشهد لي عند
ربك بالموافاة... إلى آخر مرسوم القول "، فإذا بلغ باب الكعبة، دعا بما رسم 3،
وإذا استقبل الميزاب فليدع أيضا بالمرسوم 4، ويدعو أيضا بين الركن
الغربي واليمني، وكلما استقبل الحجر، قال: " الله أكبر، السلام على رسول
الله " ويقبله في كل شوط، ويدعو عند باب البيت. وليستلم الركن اليمني
فإن فيه بابا من أبواب الجنة. فإذا كان في الشوط السابع فليقم على
المستجار وهو دون الركن اليماني، وليلصق به بطنه خده وليقل: " اللهم
إن البيت بيتك والعبد عبدك، وهذا مكان العائذ بك من النار " 5.
وليتعلق بأستار الكعبة ويدعو بما يحب.
فإذا فرغ من طوافه وهو سبعة أشواط، فليصل في مقام إبراهيم عليه
السلام ركعتي الطواف، يقرأ في الأولى " الحمد " و " الاخلاص "، وفي

(1) أنظر وسائل الشيعة 9: 321 - 322، باب 8 من أبواب الطواف، ح 1 و 2.
(2) أنظر وسائل الشيعة 9: 400 - 401، باب 12 من أبواب الطواف، ح 1 و 2 و 3 و 4 و 5.
(3) وسائل الشيعة 9: 415، باب 20 من أبواب الطواف، ح 1.
(4) وسائل الشيعة 9: 416، باب 20 من أبواب الطواف ح 3 و 5.
(5) أنظر وسائل الشيعة.
109

الثانية " الحمد " و (قل يا أيها الكافرون).
ذكر السعي:
ثم ليخرج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الأسود ندبا، حتى
يقطع الوادي خاشعا. وليصعد على الصفا، وليستقبل البيت ثم يكبر
ويحمد سبعا سبعا، ويدعو بالمرسوم 1 أو بما سنح. ثم يسعى إلى
المروة، فإذا بلغ حد المسعى الأول - وهو المنارة - هرول، وهو يقول:
" رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم ".
فإذا بلغ حد المسعى الثاني - وهو زقاق العطارين - فليقطع الهرولة،
وليمش على سكون، حتى يصعد على المروة، وليستقبل البيت بوجهه،
ويقول ما رسم 2.
ثم يتم السعي سبعا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة.
فإذا فرغ من السعي قصر، وقد أحل من كان شئ أحرم منه.
ثم ليحرم بالحج يوم ذكرناه إن كان متمتعا، وإلا فقد قضى حجة.
ذكر نزول منى:
فإذا جاءها فليقل: " الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا، وبلغني هذا المكان
في عافية، اللهم هذه منى، وهي مما مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمن
علي فيها بما مننت به على أوليائك فإنما أنا عبدك وفي قبضتك " 3.
وليصل فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر يوم

(1) أنظر وسائل الشيعة 9: 517 - 519، باب 4 من أبواب السعي، ح 1 و 3.
(2) أنظر مصباح المتهجد وسلام المتعبد: 626.
(3) أنظر وسائل الشيعة 10: 7، باب 6 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، ح 2. وفيه
" على أنبيائك ".
110

عرفة، فإن خاف فوات إدراك عرفات، جاز أن يرحل من منى قبل الفجر،
فإن لم يخف فلا يجوز ذلك مع الاختيار.
ذكر الغدو إلى عرفات:
فإذا ارتحل بعد الفجر من منى، مضى إلى عرفات، وليدع بما رسم،
وليلب وهو غاد 4. فإذا جاءها نزل بنمرة قريبا من المسجد إن أمكنه
ندبا، ونمرة بطن عرفة. فإذا زالت الشمس فليغتسل وليقطع التلبية،
وليكثر من التهليل والتحميد والتكبير. وليصل الظهر والعصر بأذان
واحد وإقامتين. ثم ليأت الموقف، وليختر الوقوف في ميسرة الجبل. ثم
ليستقبل الكعبة فيحمد الله تعالى ويثني عليه ويهلله مائة مرة ويسبحه
مائة مرة ويكبره مائة مرة، وليقل ما رسم 5. ثم يدعو بدعاء الموقف
المتلقى عن الأئمة عليهم السلام 6.
فإذا غربت الشمس فليفض من عرفات بالسكينة والوقار، وليكثر
الاستغفار. فإذا أتى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق، فليقل: " اللهم
ارحم موقفي، وزك عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي. اللهم لا تجعله آخر
العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني 7 ".

(3) أنظر وسائل الشيعة 3: 253، باب 3 من أبواب لباس المصلي، ح 4.
(4) أنظر وسائل الشيعة 10: 9، باب 8 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، ح 1.
(5) أنظر وسائل الشيعة 10: 15 - 16، باب 14 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة، ح 1.
(6) أنظر وسائل الشيعة 10: 15 - 16، باب 14 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح 1.
(7) أنظر وسائل الشيعة: 10: 34، باب 1 من أبواب الوقوف بعرفة، ح 1.
111

ذكر المضي إلى المزدلفة:
إذا أتى المزدلفة فليصل بها المغرب ليلة نحره 1 ولا يصلي المغرب إلا
بها، وله أن يصليها إلى ربع الليل، ويصلي أيضا بها لعشاء الآخرة. ثم
ليبيت بها. فإذا طلع الفجر من يوم النحر فليصل الفجر بها أيضا. ثم
ليقف كوقوفه بعرفات بالتحميد والتمجيد والثناء وتعديد الآلاء
والصلاة على النبي المصطفى وعلى آله مصابيح الدجى عليهم السلام،
ثم ليدع بالمرسوم 2.
فإذا طلعت الشمس، فليفض منها إلى منى. ولا يفض قبل طلوع
الشمس إلا مضطرا، فإن اضطر فلا يتجاوز وادي محسر إلا بعد
طلوعها. فإذا بلغ طرف وادي محسر فليهرول حتى يجوزه.
ويأخذ حصى الجمار من المزدلفة، أو من الطريق، أو من رحله بمنى
ثم يتوضأ إن أمكنه.
ثم يأتي الجمرة القصوى التي عند العقبة، فليقم بها من قبل وجهها،
ولا يقم من أعلاها، وليكن بينه وبينها قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر
ذراعا، وليقل - وفي يده الحصى: " اللهم هذه حصياتي فاحصهن لي
وارفعهن في عملي ".
ثم ليرم خذفا - يضع الحصاة على باطن إبهامه، ويدمغها بسبابته - ثم
ليقل مع كل حصاة: " بسم الله، اللهم صل على محمد وآل محمد، الله أكبر،
اللهم ادحر عني الشيطان وجنوده، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى
الله عليه وآله، اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وعملا مقبولا وذنبا

(1) وفي نسخة: " النحر ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 10: 4، باب 10 من أبواب الوقوف بالمشعر، ح 1.
112

مغفورا ".
ذكر الذبح.
وإذا اشترى هديه فليكن إناثا من البدن أو البقر، فإن لم يجد ففحلا من
الضأن، فإن لم يجد فتيسا من المعز، ولا يجزي إلا الثني من الإبل، وهو:
الذي له خمس سنين وقد دخل في السادسة. ومن البقر والمعز، الثني
وهو: ما دخل في السنة الثانية. ومن الضأن، الجذع لسنته.
وتجزي بقرة عن خمسة نفر، والإبل تجزي عن سبعة وعن سبعين
نفرا. ثم ليوجه الذبيحة، وليقل ما أمر، ثم يمر الشفرة. فإن لم يحسن
الذبح ذبح عنه، ويترك يده مع يد الذابح فإذا ذبح فليستقبل القبلة،
وليحمد الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وآله، وعلى آله.
ثم يحلق رأسه بعد الذبح، وليقل ما رسم 1.
ثم ليتوجه إلى مكة، وليزر البيت، ولا يؤخر الزيارة عن يوم النحر،
فإن شغل - فأخره إلى الغد - فلا حرج.
ولا يجوز للمتمتع أن يؤخر الزيارة عن ثاني النحر، فإما القارن
والمفرد - فإن أخرا ذلك عن الثاني - فلا جناح 2.
فإذا أتى مكة: فليقم على باب المسجد، وليقل ما رسم 3. ثم ليأت
الحجر الأسود ويقبله ويستلمه ويكبر. ثم ليطف بالبيت سبعة أشواط.
وليصل ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام كما تقدم. ثم يرجع

(1) أنظر وسائل الشيعة 10: 190، باب 10 من أبواب الحلق والتقصير، ح 1.
(2) أنظر وسائل الشيعة 10: 202، باب 1 من أبواب زيارة البيت، ح 8.
(3) أنظر وسائل الشيعة 10: 205، باب 4 من أبواب زيارة البيت، ح 1.
113

إلى الحجر الأسود فيقبله ويستلمه إن استطاع، وإن لم يستطع فليستقبله
ويكبر. ثم يأتي إلى زمزم فيشرب منها. ثم ليخرج إلى الصفا فيصعد عليه
كما عمل أولا. وليسع.
فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه، إلا النساء، ثم ليطف
أسبوعا آخر، وتحل له النساء.
ثم يرجع إلى منى ويبيت بها. ولا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى، وإن
بات بغيرها فعليه دم. فإذا رجع إلى رحله بمنى، فليقل: " اللهم بك وثقت،
وبك آمنت، وعليك توكلت، فنعم الرب، ونعم المولى، ونعم النصير ".
ويرمي الثلاث جمرات، اليوم الثاني والثالث والرابع، كل يوم بإحدى
وعشرين حصاة. يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها، وأفضل ذلك
ما قرب من زوال الشمس.
ولا حرج على النساء والخائفين أن يرموا بالليل.
وإن نفر في النفر الأول: دفن باقي الحصى هناك.
وليرم كل جمرة بسبع حصيات، يبدؤها بالأولى، ويقف ويدعو،
ويرمي الوسطى بسبع، ثم يقف ويدعو، فأما الجمرة الثالثة: فليرمها
بسبع، ولا يقف عندها.
ومن رمى مقلوبا أعاد من الوسطى وجمرة العقبة.
ذكر النفر من منى:
ومن نفر في الأول: فوقته بعد الزوال من ثالث النحر. والنفر الأخير:
يوم رابع النحر.
فإذا انبسطت الشمس، فالسنة: أن يأتي مسجد الخيف فيصلي فيه
114

ست ركعات. ولتكن صلاته عند المنارة التي في وسط المسجد. ثم
يحمد الله تعالى ويثني عليه، ويصلي على نبيه وعلى آله، ويدعو بما
يريد.
فإذا رجع من مسجد منى، وجاز جمرة العقبة، فليحول وجهه إلى
منى، ويرفع يديه إلى السماء. وليقل: " اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا
المكان، وارزقنيه أبدا ما أحييتني يا أرحم الراحمين ".
فإذا بلغ مسجد الحصباء، وهو مسجد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم، فليدخله، وليستلق على قفاه، كما فعل رسول الله عليه
وآله، فإن دخله فقد فعل استحبابا إن لم يمكنه المقام. ثم يدخل مكة.
وإن شاء تنفل بما شاء من الطواف.
ذكر دخول الكعبة:
من أراد دخول الكعبة فليغتسل وليقل ما رسم 1، وليجتهد في الدعاء،
ثم ليصل - بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء التي بين العمودين
ركعتين - يقرأ في أولاهما: " الحمد "، و " حم السجدة "، وفي أخراهما:
" الحمد "، وبعدد آيات " السجدة " من القرآن. ويصلي في زوايا الكعبة،
وليقل في سجوده ما رسم 2، ثم يصلي أربع ركعات أخر يطيل ركوعها
وسجودها، ثم يحول وجهه إلى الزاوية التي فيها الدرجة، فيقرأ سورة
من القرآن، ثم يخر ساجدا، ثم يصلي أربع ركعات أخر، ثم يحول وجهه

(1) أنظر وسائل الشيعة 9: 372 - 373، الباب 36 من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها، ح 1.
(2) أنظر وسائل الشيعة 9: 373، باب 36 من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها، ح 1.
115

إلى الزاوية الغريبة فيصنع كما صنع أولا، ثم يحول وجهه إلى الزاوية
التي فيها الركن اليماني، ويصنع مثل ذلك، ثم يفعل عند الزاوية التي فيها
الحجر الأسود مثل ذلك أيضا، ثم يعود إلى الرخامة ويقف عليها، ثم
يرفع رأسه إلى السماء، ويطيل الدعاء. فإذا خرج من باب الكعبة فليقل:
" اللهم لا تجهد بلائي ولا تشمت بي أعدائي فإنك أنت الضار النافع " يقولها
ثلاثا.
وقد تأكد الندب للضرورة في دخول الكعبة 1 وإن كان العائد مندوبا
لذلك 2 أيضا.
ذكر وداع البيت:
رسم توديع البيت ندبا 3: يطوف سبعة أشواط، يستلم في كل شوط
الحجر والركن اليماني إن أمكنه. وليأت في الشوط السابع المستجار
- وهو: مؤخر الكعبة قريبا من الركن اليماني - ثم ليصنع عنده كما صنع
عند دخول مكة. وليدع بما شاء، ثم يلصق بالبيت خده وبطنه فيما بين
الحجر وباب الكعبة، ويده اليسرى مما يلي الحجر، وليقل بما رسم 4،
فإن تضرع وابتهل بما سنح فلا حرج، ثم يأتي المقام فيصلي فيه ركعتين،
ثم ليدع بما رسم 5 أو بما يعن له.
ومن السنة المتأكدة صلاة ركعتين بإزاء كل ركن، آكدها 6 الركن الذي

(1) أنظر وسائل الشيعة 9: 371 - 372، باب 35 من مقدمات الطواف وما يتبعها، ح 1 و 6.
(2) أنظر وسائل الشيعة 9: 371 - 372، باب 35 من مقدمات الطواف وما يتبعها، ح 1 و 6.
(3) أنظر وسائل الشيعة 10: 231، باب 18 من أبواب استحباب وداع الكعبة، ح 1.
(4) أنظر وسائل الشيعة 10: 231، باب 18 من أبواب استحباب وداع الكعبة، ح 1.
(5) أنظر وسائل الشيعة 10: 231، باب 18 من أبواب استحباب وداع الكعبة، ح 1.
(6) وفي نسخة: " آخرها ".
116

فيه الحجر الأسود فإن زاد على الركعتين فجائز أيضا. وإذا قضى الصلاة
فيلصق خده بالحطيم، ثم ليعد، ويحمد ويثن ويدع بما شاء. ثم يأتي
زمزم فيشرب منه. فإذا خرج فليستقبل القبلة قريبا من باب المسجد،
ويخر ساجدا ويقول ما رسم 1.
فإذا خرج فليضع خده على الباب وليقل: " المسكين ببابك فتصدق عليه
بالجنة ".
فإذا توجه إلى أهله، فليقل: " آئبون، تائبون، حامدون لربنا شاكرون إلى الله
راجعون، وإنا إلى ربنا راغبون " 2.
ذكر أقسام الحجاج:
وهم على ثلاثة أضرب: مختار، ومحصور، ومصدود.
فأما المختار، فقد ذكرنا أقسامه، وبينا أحكامه.
فأما المحصور بالمرض فهو على ضربين: أحدهما في حجة
الإسلام، والآخر في التطوع.
فالأول: يجب بقاؤه على إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله، ثم يحل
من كل شئ أحرم منه إلا النساء، فإنه لا يقربهن حتى يقضي مناسكه من
قابل.
والثاني: ينحر هديه، وقد أحل من كل شئ أحرم منه.
فأما المصدود بالعدو: فإنه ينحر هديه حيث انتهى إليه، ويقصر من
شعره، وقد أحل من كل شئ أحرم منه.

(1) وسائل الشيعة 10: 232، باب 18 من أبواب استحباب وداع الكعبة، ح 2 و 1.
(2) وسائل الشيعة 10: 232، باب 18 من أبواب استحباب وداع الكعبة، ح 2 و 1.
117

ذكر أحكام الخطأ:
الخطأ من المحرم على ضربين، أحدهما: فيما يجب اجتناب
المحرم له، والآخر: في أفعال الحج.
أما الأول: فعلى ضربين أحدهما يفسد الحج، والآخر لا
يفسده.
فما يفسد الحج: فهو أن يجامع المحرم قبل الوقوف بعرفة في الفرج
فعليه بدنة. والحج من قابل، ويتم المناسك.
وحكم المرأة في ذلك على ضربين: مطاوعة ومقهورة. فالمطاوعة
حكم من طاوعته. وأما المقهورة فلا شئ عليها، بل تتضاعف الكفارة
على مكرهها.
وأما ما لا يفسد الحج فعلى ضربين: أحدهما: يجب فيه دم، والآخر:
لا يجب فيه دم.
فما فيه دم على أربعة أضرب: أوله فيه بدنة، كمن جامع قبل الوقوف
فيما دون الفرج، أو بعد الوقوف بالفرج، أو قبل امرأته محرما فأمنى.
وكذلك حكم المطاوع من النساء فعليها بدنة.
ومن جادل كاذبا ثلاث مرات فعليه بدنة.
ومن قتل نعامة كبيرة فعليه بدنة. وفي الصغيرة من صغار الإبل في
سنته.
ومن وقع على أهله قبل طواف النساء، فعليه جزور.
ومن نظر إلى غير أهله فأمنى - وهو موسر - فعليه بدنة.
ومن كسر بيض نعام، أرسل فحولة الإبل على إناثها، فما نتج كان
هديا.
118

ثم هذا الضرب ينقسم إلى قسمين: أحدهما له بدل مع فقده، والآخر
لا بدل له.
فالأول: من قتل كبير النعام فوجب عليه بدنة، فإن لم يستطع أطعم
ستين مسكينا، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يقدر على ستين
يوما، كان عليه ثمانية عشر يوما، بدل كل عشرة أيام - وهي أكثر الجمع -
أقلها وهي ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع، ولهذا انتقل من ستين إلى ثمانية
عشر، فإن لم يطق صيام ثمانية عشر يوما استغفر الله سبحانه وتعالى.
فأما باقي ما ذكرنا أن فيه بدنة لم يأت نص بالبدل فيه. ولولا أنا نقتفي
آثار المراسم لم نقسمه، وقلنا بالبدل فيه كله، إذ كل منه تجب فيه بدنة،
بل الواجب في كل من لم يجد الكفارة أن يعزم على فعلها عند المكنة.
وثاني الدم: ما يجب فيه بقرة، وهو الجدال مرتين كاذبا. وفي قتل
البقرة الوحشية، والجماع لامرأته - بعد الطواف والسعي وقبل التقصير -
وفي النظر إلى غير أهل الناظر، للمتوسط في كل منه دم بقرة.
ثم هذا الضرب أيضا على ضربين: أحدهما له بدل، والآخر لا بدل له.
فما له بدل: كفارة قتل بقر الوحش خاصة، وبدله إلى النصف من بدل
البدنة في الاطعام والصيام الأوفى والأدنى.
وثالثه: ما فيه دم شاة.
فمن صاد ظبيا فعليه دم شاة، فإن لم يجد فعليه إطعام عشرة مساكين،
فإن لم يجد صام ثلاثة أيام. وكذلك في الثعلب والأرنب.
وفي المجادلة مرة كاذبا.
وفي من نفر حمام الحرم، فإن لم يرجع، ففي كل حمامة منه دم شاة.
ومن كسر بيض نعامة - وله إبل - فيرسل فحولتها في إناثها، فما نتج
119

فهو هدي لبيت الله، وإن لم يكن له الإبل فعليه لكل بيضة دم شاة.
ومن حلق رأسه من أذى فعليه دم شاة.
ومن أسقط شعرا كثيرا فعليه دم شاة.
وإن قتل كثيرا من الجراد فعليه دم شاة.
وإن تعمد لبس ما لا يحل له لبسه فعليه دم شاة.
وإن جادل - ثلاث مرات صادقا - فعليه دم شاة.
وإن نظر إلى غير أهله، فأمنى - وهو فقير - فعليه دم شاة، فإن لم يجد
صام ثلاثة أيام. فإن ضم أهله فأمنى فعليه دم شاة.
وإن قلم أظفار يديه أو رجليه، فعليه دم شاة.
وكفارة القطاة وما ماثلها: حمل فطيم قد رعى من الشجر. وفي كسر
بيضها إرسال ذكورة الغنم في إناثها، وجعل ما ينتج هديا.
وفي القنفذ واليربوع: جدي.
ورابعه: ما فيه دم مطلق.
فمن ظن أنه قد تمم السعي فقصر فجامع، فعليه دم، ويتمم السعي.
ومن قلم أظفار يديه أو رجليه في مجلس واحد فعليه دم.
ومن قبل امرأته - وقد طاف طواف النساء، وهي لم تطف، وهو مكره
لها - فعليه دم.
فإن كانت مطاوعة فالدم عليها دونه.
ومن أحرم في رجب - إذا عزم على الحج فأقام بمكة حتى يحرم
فيها - فعليه دم.
ومن ظلل على نفسه مختارا، فعليه دم.
وأما القسم الثاني من القسمة الأولى، وهو: ما لا دم فيه، وهو على
120

خمسة أضرب:
أوله: ما فيه الفداء مطلقا:
من دل على صيد - وهو محرم - فعليه الفداء.
وإن اشترك جماعة محرمون في جناية، فعلى كل واحد منهم الفداء.
وإن رمى صيدا فجرحه - ولم يدر أحي هو أم ميت - فعليه الفداء.
فإن رمى صيدا فجرحه ثم رآه بعد ذلك حيا معيبا، فعليه من الفداء
بقدر ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وحكمه - إذا رآه صحيحا - يجئ
بمشية الله تعالى.
ومن اضطر إلى أكل صيد وميتة، فدى الصيد وأكله.
فإن صاده محرم في الحرم فعليه الفداء، والقيمة مضاعفة.
وإن صاده في الحل فعليه الفداء.
ومن قتل غلامه صيدا بأمره - والغلام محل - أو بلا أمره، والغلام
محرم، فعلى السيد الفداء.
وكل شئ أصله في البحر، ويكون في البر والبحر، فعليه فداؤه.
وأما الدجاج الحبشي فليس من الصيد، فجائز أكله للمحرم.
وكل ما يجب من الفدية على المحرم بالحج، فإنه يذبحه أو ينحره
بمنى، وإن كان محرما بالعمرة، ذبح أو نحر بمكة.
وقد جعلنا هذا قسما داخلا فيما لا دم فيه، لأجل اللفظ. ولو أدخلناه
فيما فيه دم مطلقا لكان جائزا.
والثاني: ما فيه الاطعام: قد بينا على عادم البدنة أو البقرة أو الشاة إذا
وجب شئ من ذلك عليه من الاطعام، فلا وجه لإعادته.
ومن قلم شيئا من أظفاره، فعليه لكل ظفر، مد من الطعام لمسكين.
121

ومن قتل زنبورا، تصدق بتمرة، وإن كثر تصدق بمد من تمر.
ومن قتل جرادة، فعليه كف من طعام.
ومن قتل قملة أو رمى بها من جسده، فعليه كف من طعام.
ولمن أسقط بفعله شيئا من شعره، فعليه كف من طعام.
ومن نتف ريش طائر من طيور الحرم. تصدق على مسكين باليد التي
نتف بها.
ومن قتل حمامة، فليشتري بثمنها علفا لحمام الحرم.
ومن رأى ما جرحه حيا سويا، فعليه صدقة.
ومن فقأ عين الصيد أو كسر قرنه، تصدق بصدقة.
والثالثة: ما فيه الفراق المؤبد وغير المؤبد.
وهو المحرم إذا عقد على امرأة - وهو عالم بتحريم ذلك - فرق
بينهما، ولم يحل له أبدا، وإن كان غير عالم بذلك: فرق بينهما لبطلان
العقد، وله أن يستأنف إذا أحل.
وليس في هذا القسم غير هذا.
والرابعة: ما يجب فيه ورق 1.
في الحمامة درهم، وفي فراخها - في كل فرخ نصف درهم، وفي
بيضها ربع درهم - في كل بيضة.
ولا شئ في غير هذا، إلا أثمان ما تجب فيه الكفارات، إذا لم توجد.
والخامس: وهو ما عدا ذلك، ففيه الاستغفار، كفارة لمن نظر إلى أهله
بغير شهوة فأمنى أو أمذى، ومن أكل من يد امرأته شيئا، ومن جادل مرة
أو مرتين صادقا، ومن لا يقدر على الابدال، ومن لبس ثوبا لا يحل له

(1) الورق: الدراهم المضروبة. مجمع البحرين 5: 245.
122

لبسه ناسيا، ومن جامع أهله - قبل طواف النساء - جاهلا بتحريمه، وكل
ما يفعله ناسيا وعن غير عمد فليستغفر الله، كما يستغفر الله تعالى من
كل جرم سالفا وآنفا.
وأما قتل السباع والدواب والهوام وكل مؤذ: فإن كان على جهة الدفع
عن المهجة فلا شئ عليه، وإن كان على خلافه، فلا نص في كفارته،
فليستغفر الله تعالى منه.
ذكر النسيان من أفعال الحج:
من طاف ولم يحص كم طاف، فعليه الإعادة، فإن قطع على السبعة وشك
في أنه ثمانية، فلا إعادة عليه ولا حرج. وإن طاف غير متوضئ ناسيا ثم
ذكر، فإن كان الطواف طواف الفرض توضأ وأعاد، وإن كان نفلا فلا إعادة
عليه، وروي أنه يتوضأ ويصلي ركعتين 1.
فإن قطع الطواف قبل إتمامه ناسيا أو متعمدا، فإنه لا يخلو أن يكون
جاوز نصفه أو لم يبلغ النصف. فإن كان جاوزه، تمم من حيث قطع، وإن
لم يكن بلغه، استأنف طوافه.
وكذلك لو أتى امرأة الحيض في الطواف كان حكمها حكم القاطع
طوافه سواء، لأن المرأة تقضي كل المناسك، وهي حائض إلا الطواف
والصلاة فلا تقربهما حتى تطهر.
فأما المستحاضة فإنها تطوف وتصلي على ما بينا، إلا في أيام حيضها
المعتاد، غير أنها لا تدخل الكعبة بوجه.
ومن وجد نفسه - عند ظنه بنقصان السعي - على الصفا، فلا يخلو: أن

(1) أنظر وسائل الشيعة 9: 444، باب 38 من أبواب الطواف، ح 3.
123

يقوى في ظنه ما بدأ به، أو لا يقوى، فإن تيقن أو قوي في ظنه أنه بدأ
بالصفا، سعى سعيا آخر يتمم أسبوعا على مرة الغلط، وإن لم يقطع ولا
قوي في ظنه بما بدأ به، فإن وجد نفسه في الشوط الثامن على المروة
أعاد، لأنه يكون قد بدأ بالمروة، وإن كان في الشوط التاسع لم يعد.
وحكم من قطع السعي حكم قطع الطواف في اعتبار مجاوزة النصف
في البناء، وإن لم يجاوزه استأنف.
ومن بدأ رمي جمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، استأنف رمي
الجمرة الوسطى ثم العقبة.
وقد بينا أن من نسي الاحرام حتى جاوز الميقات، يرجع إليه فيحرم
منه إن تمكن، وأنه إن خاف فوات الحج أو غير ذلك أحرم من مكانه
الذي ذكر فيه.
ومن قضى عمرته ونسي التقصير حتى أحرم بالحج، فلا حرج عليه
ويستغفر الله.
ولا بأس بالسعي راكبا، وكذلك الطواف.
124

كتاب الزكاة
125

الزكاة على ضربين: واجب وندب.
فالواجب على ضربين: زكاة الأموال وزكاة الأبدان.
فزكاة الأموال إنما تجب في النعم، والذهب والفضة، والثمر، والغلة.
والنعم: الإبل والبقر والغنم.
والثمر: التمر والزبيب.
والغلة: الحنطة والشعير.
وأما زكاة الأبدان فزكاة الفطر.
ثم أبواب الزكاة لا تعد وأقسامها من ثمانية:
أولها: ما تجب فيه الزكاة.
ثانيها: من تجب عليه الزكاة.
ثالثها: وقت وجوب الزكاة.
رابعها: المبلغ الذي تجب فيه الزكاة.
خامسها: الصفة التي بحصولها تجب الزكاة.
سادسها: مبلغ ما يجب فيه من النصب.
سابعها: من تخرج إليه الزكاة.
127

ثامنها: أقل ما يخرج إلى الفقراء من الزكاة.
فأما الأول: فقد بينا أنه الأشياء التسعة، وأنه لا تجب في غيرها زكاة.
وأما من تجب عليه الزكاة، فهم: الأحرار، العقلاء، البالغون، المالكون
للنصاب.
فإن صحت الرواية بوجوب الزكاة في أموال الأطفال 1، حملناها على
الندب.
فأما الوقت الذي تجب فيه الزكاة فعلى ضربين: أحدهما: رأس
الحول يأتي على نصاب ثابت في الملك 2، والآخر: وقت الحصاد.
وأما رأس الحول فيعتبر في النعم والذهب والفضة، فإنه إذا أتى
الحول على نصاب من ذلك، وجبت فيه الزكاة.
وأما ما يعتبر فيه الحصاد والجذاذ فالباقي من التسعة.
وأما إعطاء الكف والحفنة أو الكفين والحفنتين عند القسمة فندب.
وقد ورد الرسم بجواز تقدم الزكاة عند حضور المستحق 3 فأما إذا
دخل وقت الوجوب ولم يحضر مستحقها، فرسم عزلها من ماله إلى أن
يحضر مستحقها 4. فإن غلب في ظنه أنه لا يحضر مستحقها أخرجها
إلى بلد آخر يعلم أنه فيه، فإن هلكت في الطريق فلا شئ عليه. وإن
أخرجها مع حضوره فهلكت، فعليه الغرامة.
فأما المبلغ الذي تجب فيه الزكاة، فهو النصب، وهو في كل ما تجب

(1) أنظر وسائل الشيعة 6: 54، باب 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه، ح
2.
(2) وفي نسخة: " المال ".
(3) أنظر وسائل الشيعة 6: 210، باب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 10.
(4) أنظر وسائل الشيعة 6: 213، باب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 2.
128

فيه الزكاة ثلاثة وعشرون نصابا.
في الإبل: اثنا عشر نصابا: من خمس إلى عشرة، إلى خمس عشرة،
إلى عشرين، إلى خمسة وعشرين، إلى ست وعشرين، إلى ست وثلاثين،
إلى ست وأربعين، إلى إحدى وستين، إلى ست وسبعين، إلى إحدى
وتسعين، إلى مائة وإحدى وعشرين.
وفي البقر نصابان أولهما ثلاثون إلى أربعون.
وفي الغنم: أربعة أنصاب أولها: أربعون، إلى مائة وإحدى وعشرين،
إلى مائتين وواحدة، إلى ثلاثمائة وواحدة.
وفي الذهب: نصابان: من عشرين إلى أربعة وعشرين.
وفي الفضة: نصابان: من مائتين إلى مائتين وأربعين.
وفي الباقي من التسعة كله: نصاب واحد، وهو خمسة أوسق،
والوسق ستون صاعا.
ذكر الصفة التي إذا حصلت وجبت الزكاة:
وهي على ثلاثة أضرب:
أحدها: السوم، والثاني: التأنيث، وكلاهما يعتبر في النعم. ولا تجب
في المعلوفة زكاة، ولا في الذكورة، بالغا ما بلغت.
فأما الثالث فإنما يعتبر في الذهب والفضة، وهي أن تكون دراهم
منقوشة ودنانير مضروبة، وتكون في اليد، غير قرض ولا تجارة، ولا
بحيث لا يقدر عليها.
129

ذكر مقدار ما يجب من الزكاة في النصب:
فأوله: في ترتيب الإبل.
في الأول: وهو خمس، شاة.
وفي الثاني: وهو عشر، شاتان.
وفي الثالث: ثلاث شياة.
وفي الرابع: أربع شياة.
وفي الخامس: خمس شياة.
ثم ينتقل فرضه بزيادة واحدة إلى بنت مخاض في السادس.
وينتقل بزيادة عشرة - في السابع - إلى بنت لبون.
ثم ينتقل بزيادة عشرة أيضا - في الثامن - إلى حقة.
ثم ينتقل بزيادة خمس عشرة - في التاسع - إلى جذعة.
ثم ينتقل بزيادة خمس عشرة أيضا - في العاشر - إلى بنتي لبون.
ثم ينتقل بزيادة خمس عشرة أيضا - في الحادي عشر - إلى حقتين.
ثم ينتقل بزيادة ثلاثين - في الثاني عشر - من هذا الاعتبار، إلى أن
يخرج من كل خمسين حقة، ومن كل أربعين بنت لبون.
وكل من وجب عليه سن أعلى وليس عنده، أعطى ما يجب عنده في
النصاب الذي قبله بلا فصل، فليؤخذ معه شاتان أو عشرون درهما، فإن
أعطى ما يجب في النصاب الذي بعده بلا فصل أخذ هو شاتين أو
عشرين درهما، كأنه تجب عليه بنت مخاض، فيعطي بنت لبون، فإنه
يأخذ هو شاتين أو عشرين درهما، إلا في موضع واحد، وهو من وجب
عليه بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر، فإنه يؤخذ منه بما وجب عليه بلا
فصل.
130

ذكر واجب البقر:
في الأول، وهو ثلاثون تبيع حولي أو تبيعة. ثم ينتقل بزيادة عشر في
الثاني، إلى مسنة.
وعلى هذا الحساب أبدا بالغا ما بلغت. وحكم الجواميس حكم البقر.
ذكر واجب الغنم:
في الأول: وهو أربعون شاة، ومنه شاة. ثم ينتقل بزيادة إحدى وثمانين
في الثاني إلى شاتين. ثم ينتقل بزيادة ثمانين في الثالث إلى ثلاث شياه. ثم
ينتقل بزيادة مائة، إلى أن يخرج من كل مائة شاة.
ذكر واجب الدنانير:
في الأول والثاني جميعا ربع العشر، من عشرين: نصف دينار، ومن
أربعة دنانير: قيراطان 1. وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغت.
ذكر واجب الدراهم:
في النصابين كليهما أيضا: ربع العشر، في المائتين: خمسة دراهم،
وفي أربعين درهما: درهم.

(1) القيراط: نصف دانق، وعن بعض أهل الحساب القيراط في لغة اليونان: حبة خرنون. وفي
النهاية القيراط: جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عشر في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه
جزءا من أربعة وعشرين. مجمع البحرين 4: 267 مادة " قرط ".
131

ذكر واجب باقي القسمة 1:
وهو على ضربين:
أحدهما: ما سقي بماء السماء والسيح، وفيه العشر، بعد إخراج
المؤن.
والآخر: ما سقي بماء الدوالي والنواضح والقرب، وفيه نصف العشر.
ذكر من يجوز إخراج الزكاة إليه:
لا بد فيمن تخرج إليه الزكاة من أوصاف، وهي على ضربين: أحدهما
أعم من الآخر.
فالأعم: الفقراء، وهم المحتاجون الذين لا يسألون.
والمساكين، وهم المحتاجون السائلون.
والعاملون عليها، وهم السعاة في جباية الزكاة.
والمؤلفة قلوبهم، وهم الذين يستمالون لنصرة الدين.
وفي الرقاب، وهم المكاتبون ومن يعتق، لأنه يجوز أن يعان المكاتب
في فك رقبته، ويشترى العبد فيعتق من مال الزكاة.
والغارمون، وهم من عليه دين ولا وجه له يقضيه منه.
وفي سبيل الله، وهو الجهاد.
وابن السبيل، وهو المنقطع بهم. وقيل: هم الأضياف 2.
وأما الأخص، فهو من جمع فيه أربع سمات:
أولها: أن يكون معتقدا للحق.

(1) وفي نسخة: " التسعة ".
(2) القائل هو الشيخ المفيد " قدس سره "، أنظر المقنعة: 241.
132

وأن يكون على صفة تمنعه من الاحتراف أو عدم المعيشة.
وأن يكون غير هاشمي، لأن الزكاة الواجبة الخارجة من يد غير
هاشمي محرمة على بني هاشم، وقد عوضوا عنها بالخمس، فإن منعوا
الخمس حلت لهم، فأما زكاة بني هاشم فهي حلال لأمثالهم وإن أعطوا
الخمس، وكذلك ندب الزكاة.
ومنها: أن يكون المخرج إليه لا يجب على المخرج النفقة عليه،
كأجنبي أو ذي قرابة غير الأب والأم والولد والزوجة والجد والجدة
والمملوك، لأن هؤلاء يجب أن ينفق عليهم. وأما الوالدان والولد فينفق
عليهم آباؤهم وأولادهم عند الحاجة. وأما الزوجة والمملوك فينفق
عليهما الزوج والسيد على كل حال.
ذكر أقل ما يجزئ إخراجه من الزكاة.
أقله: ما يجب في نصاب، فمن أصحابنا من قال: أقله نصف دينار أو
خمسة دراهم 1.
ومنهم من قال: أقلة قيراطان أو درهم 2.
فالأولون قالوا بوجوب النصاب الأول، والآخرون قالوا بالثاني.
والأثبت: الأول. وكذلك في سائر ما تجب فيه الزكاة، فأما أكثر ما
يعطى فلا حد له.
ويجوز أن يعطى الفقير غناه ويزاد على ذلك، إلا أنه يعطيه مرة

(1) منهم الشيخ المفيد " قدس سره " أنظر المقنعة: 243، ومنهم السيد المرتضى " قدس سره "
في الانتصار: 82، ومنهم الشيخ الطوسي " قدس سره " راجع النهاية: 189.
(2) قال السيد المرتضى في الانتصار: 82: وروي أن الأقل درهم واحد.
133

واحدة لأنه إذا استغنى لم يجز صرف الزكاة الواجبة إليه.
134

ذكر القسم الثاني من واجب الزكاة:
وهو " الفطرة "
وهذا الضرب يشتمل على سبعة أقسام:
أولها: من تجب عليه الفطرة.
وثانيها: من تخرج عنه.
وثالثها: وقتها.
ورابعها: ما يخرج فيها.
وخامسها: مبلغها.
وسادسها: أقل ما يجب إخراجه منها.
وسابعها: من يجوز إخراجها إليه.
ذكر من تجب عليه:
وهو كل من يجب عليه إخراج زكاة المال.
فأما من تخرج عنه: فإنما يخرجها الإنسان عن نفسه وعن جميع من
يعول من حر أو عبد وذمي ومسلم واجب عليه ذلك.
135

فأما وقت هذه الزكاة: فهو عيد الفطر من بعد الفجر إلى صلاة العيد.
هذا وقت الوجوب. وقد روي جواز تقديمها في طول شهر رمضان 1
ومن أخرجها عما حددناه كان كافيا.
وأما ما يخرج في الفطرة: فهو 2 من أقوات أهل البلاد من التمر
والزبيب والحنطة والشعير والأرز والأقط واللبن. إلا أنه إذا اتفق أن
يكون في بلده بعض هذه الأشياء أغلى سعرا وهو موجود، فإخراجه
أفضل ما لم يجحف.
وروي أن التمر أفضل على كل حال 3.
فأما مبلغها: فصاع، وهو أربعة أمداد، والمد: مائتا درهم واثنتان
وتسعون درهما ونصف درهم بوزن بغداد، وهو ستة أرطال بالمدني،
وتسعة أرطال بالعراقي.
فأما أقل ما يجزئ إخراجه إلى فقير واحد: فصاع. ولا حد لأكثره.
وجائز إخراج قيمته إذا تعذر. وقد روي أن قيمته درهم 4. والأول أثبت.
وأما من يخرج إليه: فهو كل من كان على صفات مستحق زكاة
الأموال. فلا وجه لإعادته. غير أنها تحرم على من عنده قوت سنة، وإن
جمع الأوصاف.

(1) أنظر وسائل الشيعة 6: 246، باب 12 من أبواب زكاة الفطرة، ح 4.
(2) أنظر وسائل الشيعة 6: 243، نصوص باب 10 من أبواب زكاة الفطرة.
(3) وفي نسخة: " ففضل ".
(4) أنظر المقنعة: 251، والوسائل 6: 242، باب 9 من أبواب زكاة الفطرة، ح 14.
136

ذكر الضرب الثاني من أصل القسمة:
وهو الندب في الزكاة:
وهو على ضربين: مطلب ومعين.
فالأول: كل صدقة قصد بها وجه الله تعالى.
فأما المعين، فأربعة أشياء: في الخيل، والحبوب، وأمتعة التجارة
التي دفع بها رأس مالها أو ربح فلم يوجد. والفطرة ممن لا يملك نصابا.
فأما الخيل: فالشرط فيها السوم ورأس الحول في زمان نتاجها
وكونها إناثا كما ذكرنا في النعم. وهي على ضربين: عتاق 1 وبراذين 2 ففي
العتيق ديناران ندبا وفي البرذون دينار واحد.
وأما الحبوب: فشرطها شرط الحنطة والشعير، والعشر: فيما سقت
السماء أو السيح، ونصفه: فيما سقي بالقروب أو الدوالي أو النواضح.
وكل ما يدخل في القفيز من ذرة ودخن وأرز وعدس وسمسم وغير

(1) العتاق: ككتاب من الطير الجوارح، ومن الخيل النجائب. مجمع البحرين 5: 210 مادة
" عتق ".
(2) البرذون بكسر الباء الموحدة وبالذال المعجمة: هو من الخيل الذي أبواه أعجميان.
مجمع البحرين 3: 178 مادة " برذ ".
137

ذلك. والنصاب والوقت: مثل ما ذكرناه في الواجب من الزكاة.
فأما أمتعة التجارة: فروي أنه إذا حال عليها حول وطلبت فيه برأس
المال أو بالربح فلم تبع - طلبا للزيادة - ففيه الزكاة ندبا 1 ينظر ثمنه
ويخرج منه على قدر ما فيه من النصب.
والفطرة: إذا أخرجها من لا يملك النصاب، فيها فضل كثير إذا كان له
ما يخرجه. فأما من له أخذ زكاة الفطرة وليس له ما يخرجه إلا أن يأخذ
ويخرج، فإن أخذ وأخرج، فله ثواب، وليس بسنة.

(1) أنظر وسائل الشيعة 6: 46، باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، ح 3
و 4.
138

كتاب الخمس
139

وهو يشتمل على ثلاثة أضرب: في ماذا فيه الخمس، ولمن الخمس،
وكيف ينقسم الخمس.
فالأول:
بيانه - في المأثور عن آل الرسول صلى الله عليه وآله -: أنه واجب في
كل ما غنم بالحرب وغيرها من الأموال والسلاح والرقيق، والمعادن،
والكنوز، والغوص، والعنبر، وفاضل أرباح التجارات والزراعات
والصناعات عن المؤنة، وكفاية طول عامه إذا اقتصد 1.
فأما من له الخمس:
فهم: الله تعالى، ورسوله، وقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله،
واليتامى منهم، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم خاصة.
فأما بيان القسمة:
فهو أن يقسمه الإمام عليه السلام ستة أسهم، منها ثلاثة
له عليه السلام: سهمان وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وسهم
حقه، وثلاثة أسهم: سهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء

(1) أنظر وسائل الشيعة 6: 338، باب 2 و 3.
141

سبيلهم.
ويقسم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام عليه السلام
وما نقص: تممه من حقه.
والمأخوذ منه الخمس: إذا كان مأخوذا بالسيف، فأربعة أخماسه:
بين من قاتل عليه، فإن اختار الإمام قبل القسمة شيئا من الغنيمة - كائنا ما
كان - فهو له.
والأنفال له أيضا خاصة، وهي: كل أرض فتحت من غير أن يوجف
عليها بخيل ولا ركاب، والأرض الموات، وميراث الحربي، والآجام،
والمفاوز، والمعادن، والقطائع.
فليس لأحد أن يتصرف في شئ من ذلك، إلا بإذنه، فمن تصرف فيه
بإذنه، فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام الخمس.
وفي هذا الزمان قد أحلوها مما نتصرف فيه من ذلك كرما وفضلا لنا
خاصة 1.
ذكر الجزية:
وهي تشتمل على ذكر من تجب عليه الجزية، ومبلغها، ولمن هي.
إنما هي تجب على بالغ الذكر من اليهود والنصارى والمجوس
خاصة، فمن عداهم من الكفار لا ذمة له.
والمبلغ لا حد له في الرسم الشرعي، بل هو مفوض إلى
الإمام عليه السلام على قدر ما يراه في الأغنياء والفقراء 2. إلا أنه روي أن

(1) أنظر وسائل الشيعة 6: 378، نصوص باب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام.
(2) أنظر وسائل الشيعة 11: 113 - 114، باب 68 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
142

أمير المؤمنين عليه السلام جعل على كل غني ثمانية وأربعين درهما،
وعلى الأوساط نصف ذلك، وعلى فقرائهم ربعه 1.
فأما مستحقها، فمن قام مقام المهاجرين، لأنها كانت في أيام
النبي صلى الله عليه وآله للمهاجرين، وللإمام أن يصرفها أيضا في
مصالح المسلمين.
ذكر حكم من أسلم:
كل من أسلم سقطت عنه الجزية. وإسلامه على ضربين: طوعا
وكرها.
فإن أسلم طوعا، فأرضه تترك في يده. فإذا عمرها، فعليه فيها ما
يجب من الزكاة في الغلات - من العشر أو نصف العشر - وما لم يعمره،
قبله الإمام لمن يعمره. وعلى المتقبل في حصته العشر أو نصف العشر
في الأوساق.
وإن أسلم كرها بالسيف، فللإمام أن يؤجر أرضه أيضا من شاء منهم
ومن غيرهم. وليس له قسمتها في الجيش الذين حاربوهم.
ويقبلها الإمام مما يراه صلاحا من النصف والثلثين والثلث.
ثم الأرضون على أربعة أضرب:
ما أسلم أهلها طوعا، وما أسلموا كرها، وما صالحوا عليه، وما
أسلمها أهلها بغير حرب وانجلوا عنها.
فالأول والثاني: قد ذكرنا حكمهما.
وأما الثالث: فأمره إلى الإمام. ويجب اتباعه فيما يفعله فيه، ولمن

(1) أنظر وسائل الشيعة 11: 113 - 114، باب 68 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
143

بعده من الأئمة، بأن ينقصوا ويزيدوا في ذلك، على حسب ما يرونه
صلاحا، وذلك إليهم خاصة.
وأما الرابع: فهو للإمام، يفعل فيه ما يريد بلا مشارك ولا معارض.
144

ذكر القسم الثاني من القسمة الأولى في الأصل:
وهو غير العبادات:
وهو على ضربين: عقود وغير عقود.
فالعقود: النكاح وما يتبعه، والبيوع وأحكامها، والأيمان والنذور،
والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والرهون، والوديعة، والعارية، والمزارعة،
والمساقاة، والإجارات، والضمانات، والوقوف، والصدقات، والهبات،
والكفالات، والحوالات، والاقرارات، والوصايا.
وغير العقود: على ضربين: جنايات، وغير جنايات.
وقد ذكرنا في صدر الكتاب أقسام ذلك كله، فلا وجه لإعادته.
145

كتاب النكاح
147

ذكر أحكامه:
إعلم: أنه يشتمل على ذكر أقسامه وشروطه، وما يلزم بالعقد، وما
يلزم بالفرقة.
فأما أقسامه، فهو على ثلاثة أضرب: نكاح دوام - وهو غير مؤجل -،
ونكاح متعة - وهو مؤجل -، ونكاح بملك اليمين.
ذكر شرائط الأنكحة:
وهي على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: الايجاب والقبول، والمهر والأجر والثمن، وكون
المتعاقدين متكافئين في الدين - في نكاح الدوام خاصة -
ومنها: أن تكون الزوجة من غير المحرمات، وهن: الأمهات،
والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات
الأخت، والمرضعات، والأخوات من الرضاعة، وأمهات الزوجات،
والربيبة في المرأة المدخول بها، فإن لم تكن مدخولا بها فلا جناح،
وحلائل الأبناء، والجمع بين الأختين في عقد واحد أو نكاح إن كانتا
149

مملوكتين، والمحصنات من النساء.
وكل محرم بالنسب يحرم مثله في الرضاع. وما يحرم العقد عليه من
الحرائر يحرم مثله في الإماء. ولا يجوز نكاح أم الأمة الموطوءة ولا
أختها فما عدا من ذكرناه يصح نكاحه إلا ما سنبينه.
فمن ذلك: أن تعقد المرأة على نفسها أو من توكله إذا كانت بالغة ثيبا.
فأما الصغار فيعقد لهن آباؤهن، ولا خيار لهن بعد البلوغ. وكذلك إن عقد
عليهن أجدادهن بشرط وجود الأب. فإن عقد عليهن غير من ذكرناه من
الأخ أو العم أو الخال، كان موقوفا على رضاهن عند البلوغ، إلا أن
اختيار الجد مقدم على اختيار الأب، وعقده أمضى.
ومنها: أن لا يزيد الحر في العقد على أكثر من أربع حرائر أو أمتين
- إذا لم يجد طولا لنكاح الحرائر فنكح أمة غيره -.
ولا يجمع العبد بين أكثر من حرتين، وله أن يعقد على أربع إماء.
ومنها: أن تكون المرأة مؤمنة أو مستضعفة، فإن كانت ذمية أو
مجوسية أو معاندة لم يصح نكاحها غبطة، لأن الكفاءة في الدين مراعاة
عندنا في صحة هذا العقد. فأما في عقود المتعة والإماء فجائز في
الذميات خاصة دون المجوسية.
ومنها: أن تكون المرأة لم يزن بها الناكح وهي ذات بعل، أو في عدة،
فإن زنا بها وهي ذات بعل لم تحل له أبدا. وإن عقد على من هي في عدة
لبعل له عليها فيها رجعة فعلى ضربين: إن دخل بها عالما بتحريم ذلك
لم تحل له أبدا، وإن كان جاهلا بالتحريم، أو لم يدخل بها استأنف
العقد، والأول باطل.
وأن لا يكون عقد عليها في إحرامه، فإنه لا يصح وتحرم عليه أبدا.
150

وأن تكون غير أم غلام قد فجر به الناكح فأوقبه، ولا أخته ولا بنته،
فإنهن لا يحللن له أبدا.
وأن لا تكون صماء ولا خرساء - وقد قذفها في عقد أول - لأن هذه لا
تحل له أبدا. ولا ملاعنة فإنها لا تحل له أبدا. ولا مطلقة تسع تطليقات
للعدة ينكحها بينها رجلان فإنها لا تحل له أبدا.
وأن لا تكون امرأة أبيه 1 فإنها لا تحل له أبدا، وأن لا تكون بنت عمته
أو خالته وقد فجر بأمهما، فإنهما لا تحلان له أبدا. فإن زنا بأجنبية لم
تحرم عليه أمها ولا بنتها. وإن زنت امرأته لم تحرم عليه إلا أن تصر.
وقد روي أن الأب إذا نظر من أمته إلى ما يحرم على غيره النظر إليه
بشهوة، لا تحل لابنه أبدا 2.
ومنها أن لا تكون رضيعة.
والمحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع
آخر، وأن يكون اللبن لفحل واحد، ويكون الرضاع في الحولين. ولهذا
نقول: أنه متى رضع أقل من العشر لم بحرم، أو رضع بعد الحولين.
ولو أرضعت امرأة صبيا بلبن بعلها، ثم فارقته، وارتضعت صبيه بلبن
بعل آخر، لم يحرم بينهما التناكح، ولو أرضعته اليوم مثلا ثم رضع من
غيرها ثم أرضعته، فتخلل العشرة برضاع غيرها، لم تحرم.
وأن لا تكون المنكوحة بنت أخت امرأته أو بنت أخيها، وينكحها
بغير إذنها، فنكاح المرأة على عمتها أو خالتها مراعى، فإن أمضته العمة
أو الخالة صح وإن فسخته بطل، وإن شاءت فارقت الزوج بغير طلاق،

(1) وفي نسخة: " ابنه ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 14: 585، باب 77 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
151

واعتدت منه. فأما نكاح العمة والخالة على بنت أخيها أو أختها فجائز
من غير اعتبار الرضا.
ومنها: أن لا يتزوج أمة وعنده حرة، فإن فعل فالحرة مخيرة بين أن
تفسخ نكاحه وبين أن تمضيه، وبين أن تعتزله وتقضي العدة. فإن علمت
بذلك فلم تعترض فلا خيار لها بعد ذلك.
ومنها: أن لا يكون الناكح أو المنكوحة في ملك وقد عقدها بغير إذن
سيدها فإن السيد مخير بين فسخ العقد وإمضائه. فإن أولدها من غير إذن
سيدها فولدها ملك لسيدها. وكذلك حكم العبد.
ويلحق بذلك التدليس.
ومن تزوج امرأة على أنها حرة فخرجت أمة، ردها واسترجع المهر
إن لم يكن دخل بها. فإن دخل فالمهر لها، ويرجع به على من دلسها. فإن
كانت هي المدلسة فلا مهر لها. وإن دخل بها فلا طلاق في فراقها. فإن
علم وأمسكها بعد العلم، فلا خيار له بعد ذلك.
ويرد العمياء والبرصاء والمجذومة والرتقاء 1 والمفضاة والعرجاء
والمحدودة في الفجور، فإن رضي بشئ من ذلك فلا خيار له بعده.
وأي رجل كان عبدا فدلس نفسه بأنه حر، أو مجنونا فدلس نفسه
بالعاقل، فزوجته مخيرة بين فرقته وإمساكه.
فإن دلس عنين نفسه، انتظر به سنة، فإن جامع فيها ولو مرة واحدة فهو
أملك بها، وإن لم يقدر على ذلك فهي بالخيار بين فرقته وإمساكه. فإن
حدثت العنة به فلا جناح عليه.

(1) الرتق بالتحريك: هو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل، ورتقت المرأة من
باب تعب فهي رتقاء إذا انسد مدخل الذكر من فرجها. مجمع البحرين 5: 167، مادة " رتق ".
152

فهذا ما لا يصح العقد مع عدمه من الشروط.
فأما ما يصح النكاح مع عدمه: فالاستخارة، والدعاء المرسوم 1،
والاعلان في نكاح الدوام خاصة، والاشهاد، والخطبة، والولائم وجمع
الأخوان على الطعام، وتجمل الرجل عند البناء بأهله، ومس الطيب،
وأن يكون ليلة يبني بها لا كسوف فيها ولا في يومه ولا زلزلة ولا آية
مخوفة كالرياح السود والرعد والبرق، واجتناب الجماع من طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس، ومن غروبها إلى مغيب الشفق، وأن لا يجامع
في أول ليلة من الشهر ولا في آخر ليلة منه إلا في ليلة أول شهر رمضان
خاصة، فهو مندوب إليه في تلك الليلة.
ويكره له - إذا احتلم - أن يطأ امرأته حتى يغتسل، فأما إن جامع مرة
بعد مرة فجائز من غير غسل بين ذلك. وأن لا يجامع زوجته وله زوجة
أخرى تراه، أو صبي صغير، وذلك في الإماء جائز. وأن لا يعزل عن
الحرائر إلا بإذنهن، وله أن يعزل عن الإماء من غير إذنهن.
ويكره أن يقرب أهله في ليلة يسافر فيها أو في صبيحتها أو في الليلة
التي يرد فيها.
ذكر ما يلزم بالعقد:
وهو على أربعة أقسام: المهر، والقسمة، والنفقات، ولحوق الأولاد.
ذكر المهر:
المهر يلزم بالعقد، فإن دخل بها استوجبته كله، وإن فارقها قبل

(1) أنظر تهذيب الأحكام 7: 407، باب 35، ح 1.
153

الدخول فنصفه. وهو على ضربين: مسمى وغير مسمى.
فالمسمى على ضربين: أحدهما مسنون وهو خمسمائة درهم،
قيمتها خمسون دينارا، والآخر غير مسنون، وهو ما نقص عن ذلك، وما
زاد عليه فإنه يجوز أن يعقد على درهم واحد وعلى مائة قنطار.
وغير المسمى ما يلزم فيه مهر المثل في الشرف والجمال. وإن دخل
بها - وقد أعطاها قبل الدخول شيئا - كان ذلك مهرها، لأن تمكينها له
رضا به مهرا. إلا أن توافقه على أن المهر في ذمته فإن فارقها قبل
الدخول ولم يسم لها مهرا فلها المتعة على حسب ماله وزمانه، فالموسر
يمتع بالثوب والجارية والدنانير. والمتوسط من خمسة دنانير وأكثر،
وهو أقل عطاء الموسر. والمعسر يعطي الدرهم والخاتم وما شاكلهما.
والمهور على ضربين: ذهب وفضة، وما له قيمة.
فالذهب والفضة لا شبهة في كونهما مهرا.
وما له قيمة على ضربين: أحدهما: له قيمة في شرعنا، والآخر له
قيمة في غير شرعنا.
والأول على ضربين: ما له ثمن كالثياب والأمتعة، وما عليه أجر
وعوض.
وهو على ضربين: ما له عوض سائغ في الشريعة، وما له عوض غير
مرسوم في الشريعة.
فالأول: تعليم الصنائع والعلوم والقرآن وكل هذا ينعقد به النكاح
ويكون مهرا، إلا قسمين، وهما:
ما لا قيمة له في شريعتنا كالخمر ولحم الخنزير، وما له عوض لم
تسوغه الشريعة كتعليم المحظور، ونكاح الشغار، وهو: أن يزوج
154

الرجل بنته أو أخته من رجل على أن يزوجه بنته أو أخته من غير مهر.
وفي أصحابنا من قال: إن من عقد على ما لا قيمة له في شرعنا لم
يفسد عقده، بل كان عليه مهر المثل 1. وفيهم من قال: يفسده 2.
ذكر القسمة:
المنكوحات على ضربين: حرائر وإماء. فمن كان عنده زوجات
حرائر فلا يخلو أن تكون عنده واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فإن
كانت عنده واحدة، لزمه أن يبيت عندها - في كل أربع ليال - ليلة
واحدة. وإن كانتا اثنتين كان لكل واحدة منهما ليلة من أربع ليال، فإن
شاء أن يبيت عند إحداهن ليلتين وثلاثا فله.
وإن كن ثلاثا فلكل واحدة منهن ليلة، وله ليلة يبيت فيها عند من شاء
منهن.
وإن كن أربعا: فلكل واحدة منهن ليلة لا يجوز له غيره، إلا أن تحله
واحدة منهن من ليلتها. والأفضل: العدل بين الثنتين والثلاث.
وأما الإماء فعلى ضربين: إن كن زوجات، فحكمهن حكم الحرائر
وإن كن ملك اليمين، فليس لهن قسمة، ولا حق في ذلك.

(1) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 296، والشيخ الطوسي " قدس سره " في المبسوط 4: 272،
وابن زهرة في الغنية: في ضمن الجوامع الفقهية: 548، سطر 23، والشيخ المفيد في
المقنعة: 508 - 509.
(2) كالشيخ الطوسي " قدس سره " في النهاية: 469، وابن البراج " قدس سره " في
المهذب 2: 200.
155

ذكر النفقات:
النفقة الواجبة: الاطعام والكسوة والمسكن على قدر الزوجة وحال
الزوج بالعدل والاخدام. على أن الواجب من النفقة بحسب سد الخلة،
فما زاد فندب ما لم يبلغ حد الاسراف.
وإنما تجب النفقة: إذا مكنت المرأة من نفسها فإن امتنعت فلا فلا نفقة لها.
ومن ذلك: الولادة والعقيقة.
ويجب أن ينفق عليها عند الولادة وعلى ولدها. فإذا جاء المخاض
لم يتول أمرها إلا النساء مع الامكان. فإذا وضعت حنكته القابلة بماء
الفرات، فإن كان الماء مالحا خلطته بالعسل أو بشئ من التربة. ثم يوذن
في أذنه، ويقيم في الأخرى.
وفي اليوم السابع يثقب أذنه، ويحلق رأسه، ويتصدق بوزنه ذهبا أو
فضة. ويختن في السابع، ويعق عنه بشاة، وتعطى منها القابلة الرجل
والورك، ويتصدق بالباقي، أو يطبخ ويدعى عليه قوم من المؤمنين، فإنه
أفضل، ويعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى.
واعلم، أنه لا يجب أن ينفق إلا على ولده ومن يربيه.
وقد رسم: أن كل مولود على فراشه لستة أشهر منذ يوم دخل بها،
فهو ولده. وإن اختل شئ من ذلك فليس بولده 1. فإن اختلفا في زمان
الحمل أو في شئ يؤدي إلى نفي الولد، لاعنها. وإن أقر به مختارا مع
اختلال الشروط لحق به.
وأقل الحمل ستة أشهر، والأكثر تسعة أشهر، وقيل عشرة أشهر 2.
ولا فرق بين أن يعزل عنها أو لا يعزل - في لحوق الأولاد به منها -.

(1) أنظر وسائل الشيعة 15: 115، نصوص باب 17 من أبواب أحكام الأولاد.
(2) أنظر وسائل الشيعة 15: 115، نصوص باب 17 من أبواب أحكام الأولاد.
156

وأولاد المتعة لاحقون بآبائهم.
ذكر نكاح المتعة:
وهو المؤجل المفتقر إلى تعيين الأجر والعمل.
وكل شروط نكاح الدوام شروطه، إلا أنها تبين منه بالأجل، وبأنه
يجوز نكاح الكتابيات فيه.
ويتلفظ في العقد ب‍ " المتعة "، بأن يقول: " متعيني نفسك "، وكل ما
يستحب في النكاح الدائم من الاعلان والاشهاد، لم يسن هاهنا.
ذكر النكاح بملك اليمين:
لا حصر في أعداد الإماء ولا اعتبار بالأيمان فيهن، بل يجوز أن يطأ
الكتابيات منهن، دون المجوسيات 1، والصابئة 2، والوثنية 3، فإنه لا يجوز

(1) المجوسية نحلة والمجوسي منسوب إليها، والجمع المجوس، قاله الجوهري في
الصحاح - 3: 977، وفي مجمع البحرين 4: 105، المجوس: كصبور أمة من الناس كاليهود.
وعن الصادق عليه السلام، وقد سئل لم تسمى المجوس مجوسا؟ قال: لأنهم تمجسوا في
السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث هبة الله أنهما أطلقا نكاح الأمهات والأخوات والبنات
والخالات والعمات والمحرمات من النساء. ولم يجعلوا لصلواتهم وقتا، وإنما هو افتراء على
الله وكذب على الله وعلى آدم وشيث، وفي الخبر: المجوس كان لهم نبي فقتلوه، وكتاب
فحرقوه آتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور.
وقال الشهرستاني: المجوسية يقال لها: الدين الأكبر، والملة العظمى، وكانت ملوك العجم
كلها على ملة إبراهيم عليه السلام وكان لملوكهم مرجع هو " موبذ موبذان " يعني: أعلم العلماء
وأقدم الحكماء يصدرون عن أمره ولا يخالفونه، ويعظمونه تعظيم السلاطين لخلفاء الوقت.
الملل والنحل 1: 210.
(2) الصابئة: صبأ فلان: خرج من دينه إلى دين آخر، وأصل دينهم كما قيل: دين
نوح عليه السلام فمالوا عنه، وفي الكشاف نقلا عن المجمع: هم قوم عدلوا عن اليهودية
والنصرانية وعبدوا الملائكة.
وفي حديث الصادق عليه السلام سمي الصابئون لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل
والشرائع. وقالوا: كلما جاؤوا به باطل فجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين
ووصية الأوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول. مجمع البحرين 1: 259 - 260.
وقال الشهرستاني: الصابئة كانت تقول: إنا نحتاج في معرفة الله ومعرفة طاعته، وأوامره،
وأحكامه إلى " متوسط " لكن ذلك المتوسط يجب أن يكون روحانيا لا جسمانيا. وذلك لزكاء
الروحانيات وطهارتها وقربها من رب الأرباب، والجسماني بشر مثلنا، يأكل مما نأكل،
ويشرب مما نشرب يماثلنا في المادة والصورة. قالوا: " لئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا
لخاسرون ". الملل والنحل 1: 210.
(3) الوثنية: هم عبدة الأوثان، والأوثان جمع وثن، وهو الصنم. وفي المغرب: الوثن ما له
جثة من خشب أو حجر أو فضة أو جوهر ينحت. مجمع البحرين 6: 324.
157

وطئهن.
ولا تحل سرية الأب للابن، ولا سرية الابن للأب، ويحرم على كل
واحد من الشريكين وطء أمة في ملكهما.
ومن تزوج أمة فطلقها بتطليقتين للعدة ثم ملكها من بعد لم يحل له
وطؤها حتى تنكح زوجا غيره. ومن اشترى أمة حاملا لم يجز له أن
يطأها 4 حتى يتم أربعة أشهر فإن وطأها فليعزل عنها فإن وطأها قبل
مضي الأربعة أشهر لم يجز له بيع ولدها. وينبغي له أن يعزل له من ميراثه
قسطا في حياته.
وسبي الضلال يقوم مقام سبي المؤمنين في استباحة الملك. ومن وطأ
أمة غيره حراما، لم تحرم عليه - إذا ملكها.

(4) في نسخة: " لم يجز له وطؤها ".
158

كتاب الفراق
159

وهو على ضربين: طلاق وغير طلاق.
فأما الفراق بالطلاق: يكون على ضروب:
النشوز:
وهو أن تعصي المرأة الرجل، وهي مقيمة معه، فليهجرها، بأن يعتزل
مضاجعتها. فإن احتاجت إلى زيادة، ضربها ضربا لا يؤذي عظما ولا
لحما. فإن أقامت على الخلاف، فخيف منه شقاق، بعث الحاكم رجلين
مأمونين، أحدهما من أهل الرجل، والآخر من أهل المرأة، ليدبرا
الاصلاح، فإن رأيا بالفرقة رأيا أعلما الحاكم ليدبر أمر الطلاق. وليس
للحاكم جبر الرجل على فراقها، إلا أن يمنع واجبا.
والآخر: الايلاء
إذا حلف الزوج أن لا يجامع زوجته، فالمرأة بالخيار: إن شاءت
صبرت عليه، وإن شاءت رفعته إلى الحاكم، فيعرض عليه العود، فإن
فعل ذلك، وإلا أنظره أربعة أشهر. فإن كفر عن يمينه وجامع فلا شئ
عليه، وإن أقام على اليمين وأبى الرجوع، ألزمه الطلاق. فإن لم يطلق ولم
يرجع، حبسه وضيق عليه في المطاعم والمشارب، حتى يفئ أو
161

يطلق.
ولا إيلاء لمن لم يدخل بها، ومن يخاف من وطئها أن يقطع لبنها،
فحلف بعلها أن لا يطأها لهذا الغرض، فليس بإيلاء ولا إيلاء إلا باسم
الله تعالى.
والآخر: الظهار
والظهار أن يقول الرجل لزوجته: " أنت علي كظهر أمي، أو ابنتي أو أختي
أو واحدة من المحرمات "، فإنها يحرم عليه وطؤها حتى يكفر. فإن طلقها
ونكحت زوجا غيره، ثم طلقها، ثم راجعها المظاهر، وجب عليه التكفير
متى أراد وطأها.
ولا ظهار إلا في طهر لم يقربها فيه بجماع، وإن تكون زوجة، لا أمة.
والشروط فيه تبطله، كالطلاق.
والمرأة بالخيار بين أن تصبر عليه، وبين أن ترفعه إلى الحاكم، فيعظه
وينظره ثلاثة أشهر. فإن كفر وعاد وإلا ألزمه الطلاق.
فمن وطأ قبل الكفارة لزمه كفارتان.
والآخر: الطلاق بغير ما ذكرناه
وهو على ضربين: طلاق العدة، وطلاق السنة.
فأما طلاق العدة: فهو أن يطلق مدخولا بها على الشروط واحدة، ثم
يراجعها قبل أن يخرج من عدتها، ثم يطلقها أخرى، ثم يراجعها قبل أن
تخرج من عدتها، ثم يطلقها ثالثة، وقد بانت منه.
وتستقبل العدة. ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وأما طلاق السنة: فهو أن يطلقها على الشروط واحدة، وهو أملك
بها ما دامت في العدة، فإذا خرجت من عدتها، فهو كأحد الخطاب إن
162

شاءت راجعته بعقد جديد.
وشروط الطلاق على ضربين: أحدهما يرجع إلى الزوج، والآخر
يرجع إلى الزوجة.
فما يرجع إلى الزوج: بأن يكون مالكا أمره، ويدخل فيه: أن لا يكون
قد بلغ به السكر أو الخدر أو الجنون أو الغضب إلى حد لا يحصل معه،
وأن يتلفظ بالطلاق موحدا، وأن يشهد على ذلك شاهدين، لا يقع
الطلاق إلا في طهر المرأة - إن كانت ممن تحيض - الذي لم يقربها فيه
بجماع، وأن لا يعلقه بشرط، ولا يجعله يمينا.
وما يرجع إلى المرأة: أن لا تخبر بالطهر أو بالحيض أو باليأس منه
إلا وهي كذلك.
ثم تنقسم الشروط قسمة أخرى: وهي على ضربين: أحدهما، عام
في كل مطلقة، والآخر خاص في مطلقة مخصوصة.
فالاشهاد عام، والطهر خاص فيمن تحيض خاصة - إذا كان زوجها
حاضرا في بلدها -.
فأما الغائب عنها زوجها، فإنه - إذا أراد طلقها - طلقها على كل حال.
وكذلك التي لم يدخل بها تطلق على كل حال، ولا ينتظر بها طهرا.
وينقسم طلاق السنة إلى قسمين: بائن وغير بائن.
والبائن، طلاق من لم يدخل بها، ومن لم تبلغ المحيض، واليائسة منه،
والحامل المستبين حملها، وإن دخل بهن.
ومعنى " البائن " إنه متى طلقها تملك نفسها، ولا يجوز له أن يراجعها
إلا بعقد جديد.
ويلحق بذلك: " الخلع " و " المباراة "، لأن طلاقهما بائن. ومعنى
163

" الخلع " و " المباراة " أن المرأة لا تخلو أن تكون مختارة فراق زوجها
وهو لا يختار ذلك، أو يكون هو أيضا مختارا له. فإن ظهرت كراهيتها
هي له وعصيانها. كان له أن يطلب على تسريحها عوضا. ويجوز أن
يكون زائدا على ما وصل إليها منه. فإذا أجابته على ذلك، قال لها: " قد
خلعتك على كذا وكذا، فإن رجعت إلى شئ منه، فلي الرجعة عليك، وأنا أملك
بك ". فإن رجعت به رجع.
فهذا هو " الخلع " وهو بائن.
وإن كانت الكراهة منهما، ثم قالت هي له: " سرحني " جاز له أن يأخذ
منها عوضا مثل ما أعطاها من مهر وغيره، ولا يتجاوزه، ثم يطلقها بائنا.
وشروط الخلع والمباراة شروط الطلاق، إلا أنهما يقعان بكل زوجة.
وأما الفراق بغير الطلاق، فعلى ضربين: بموت وغير موت.
فما هو بموت معروف، وما هو بغير موت فنكاح المتعة فراقه بتصرم
الأجل، والمرتد عنه زوجها تبين منه بغير طلاق.
وكل من دلس نفسه، ولا علم لها به، ولم ترض به زوجته، فإنها تبين
منه بغير طلاق.
والعمة والخالة إذا أنكح عليهما بنتا أختهما أو أخيهما فلم ترضيا
بذلك، واختارتا الفراق، اعتزلنا بعليهما وبانتا بغير طلاق.
ومن نكح عليها أمة بالعقد ولم ترض بذلك فارقت بعلها بغير طلاق..
إلى غير ذلك مما هو غير البائن بالطلاق.
ومن ذلك اللعان:
وهو على ضربين: أحدهما أن يدعي الرجل أنه رأى رجلا يطأ
امرأته المسلمة الحرة الصحيحة من الصمم والخرس في فرجها ثم لا
164

يكون له شهود بذلك.
والآخر، بأن ينفي من تدعي امرأته أنه ولده ويزعم أنه ليس منه.
فحينئذ يقعد الحاكم مستدبر القبلة، ويقيمه بين يديه، ويقيم المرأة عن
يمينه، ثم يقول له، قل: " أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ذكرته عن هذه
المرأة، وإن هذا ليس بولدي " ثم يقول ذلك أربع مرات، ثم يعظه بعد الأربع،
ويقول له: " إن لعنة الله شديدة، لعلك حملك على ذلك حامل " فإن رجع عن
ذلك، جلده جلد المفتري، وردها إليه، وإن لم يرجع، قال له قل: " إن لعنة
الله علي إن كنت من الكاذبين " فإذا قال ذلك، قال للمرأة: " ما تقولين فيما
قذفك به "، فإن أقرت رجمت، وإن أنكرت 1 قال لها: قولي: " أشهد بالله أنه
لمن الكاذبين فيما قذفني به " فإذا قالت ذلك أربعا، وعظها، ثم قال لها: " إن
غضب الله شديد " فإذا اعترفت رجمها، وإن أبت قال لها: قولي: " إن غضب
الله علي إن كان من الصادقين " فإذا قالت ذلك فرق بينهما، ولم تحل له أبدا.
وقضت العدة على ما حددناه.
وإذا قذف امرأته الصماء أو الخرساء فلا لعان بينهما، وإنما يجلد حد
المفتري، ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا.
ولا لعان بين المسلم والذمية، ولا بين الحر والأمة. ولا تلا عن الحامل
حتى تضع. ولا لعان حتى يقول: رأيت رجلا يطأها في فرجها أن ينكر
الولد.
وإذ كنا قد ذكرنا الفراق وضروبه، فلنذكر ما يلزم به.

(1) وفي نسخة " أنكرته ".
165

ذكر ما يلزم به:
وهو على ضربين: أحدهما يلزم المطلق والآخر يلزم المطلقة.
فما يلزم المطلق: نفقة المرأة في العدة إلا أن تكون متمتعا بها فلا
نفقة لها، ونفقة الولد: إن كان ممن يرتضع فإن اختارت أمه رضاعه فهي
أحق به، وتأخذ على ذلك مثل ما تأخذه الأجانب، فإن طلبت زائدا على
ذلك فهو بالخيار إن شاء أن يعطيها إياه، أو ينتزعه منها ويسلمه إلى
أجنبية. وفصاله الأقل: أحد وعشرون.
فإذا فصل، فلا يخلو أن يكون ذكرا أو أنثى، فالذكر: الأب أحق
بكفالته من الأم، والأنثى: الأم أحق بكفالتها حتى تبلغ تسع سنين ما لم
تتزوج الأم أو تتزوج بغير أبيها، فحينئذ يكون الأب أحق بها.
والمتمتع بها يلزم أيضا لها مثل ذلك.
ويلزم المطلق أيضا أن لا يخرج المطلقة من بيته حتى تقضي عدتها.
ذكر ما يلزم المرأة:
المفارقات على ضربين: متوفى عنها زوجها، وغير متوفى عنها
زوجها.
فعدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام - دخل بها أو لم يدخل بها -.
وعدة الأمة نصف عدتها وهي شهران وخمسة أيام. وكذلك حكم
المتمتع بها.
فإن توفي عنها زوجها وهو غائب، فيلزمها أن تعتد حين يبلغها
الخبر، ولو يصلها بعد وفاته بسنة أو أقل أو أكثر.
وعليها الحداد، وهو ترك الزينة والطيب. ولها أن تبيت حيث شاءت،
166

ليست كالمطلقة التي لا تبيت إلا في بيتها التي طلقت فيه.
ثم المتوفى عنها زوجها على ضربين: حامل، وغير حامل.
فالحامل عدتها أبعد الأجلين، فإن وضعت في دون أربعة أشهر
وعشرة أيام، تممت أربعة أشهر وعشرا، أو شهرين وخمسة أيام - إن
كانت أمة أو متمتعا بها -، فإن وضعت بعد ذلك اعتدت بالولادة.
وتلحق بذلك: من غاب عنها زوجها ولم يترك لها نفقة، فإنها ترفع
أمرها إلى الحاكم ليطلبه أربع سنين، فإن لم يعرف له خبرا، فإنها تعتد
عدة المتوفى عنها زوجها. فإن جاء زوجها - وهي في العدة - فهو أملك
بها، وإن جاء زوجها وقد خرجت من العدة فلا سبيل له عليها.
فأما إذا غاب وله عليها نفقة، فهو أملك بها، ولو بقي في السفر أبدا.
وأما غير المتوفى عنها زوجها فعلى ضربين: أحدهما تجب عليها
عدة، والآخر لا تجب عليها عدة.
فمن لا تجب عليها عدة: من لم تبلغ المحيض - وليست في سن من
تحيض - وغير المدخول بها، واليائسة من الحيض - وليست في سن من
تحيض -. وقد حد في القرشية والنبطية: ستون سنة، وفي غيرها:
خمسون سنة.
فأما من تجب عليها العدة فعلى ضربين: حرة وأمة. وهما على
ضربين: أحدهما: تعتد بالأقراء، والآخر تعتد بالشهور، فمن تعتد
بالأقراء: الحرة، وعدتها ثلاث حيضات، وعدة الأمة والمتمتع بها
حيضتان.
وأما من تعتد بالشهور: فالمدخول بها التي لم تحض - وهي في سن
من تحيض - وهو تسع سنين، ومن ارتفع حيضها - ومثلها من تحيض -،
167

فإن كانت حرة فعدتها ثلاثة أشهر، وإن كانت أمة أو متمتعا بها فالنصف
من ذلك.
فأما الحوامل من المطلقات: فعدتهن وضع الحمل ولو بعد الطلاق
ساعة. والغائب عنها زوجها إذا طلقها فإن بلغها ذلك وقد مضى لها من
الحيض أو الأيام - إن كانت ممن لا تحيض - قدر العدة، أو تكون قد
وضعت حملا، فقد برئت من العدة. وإن كان قد مضى بعض الأيام،
احتسبت به وتممت الباقي.
ولا حداد على المطلقة.
ومن طلق طلاقا يملك فيه الرجعة وأراد العقد على أخت المطلقة،
أو كانت رابعة وعنده ثلاثة، فلا يجوز له حتى تخرج من العدة.
وأما في الطلاق البائن فجائز.
168

كتاب المكاسب
169

المكاسب على خمسة أضرب: واجب، وندب، ومكروه، ومباح،
ومحظور.
فأما الواجب: فهو كل حلال بيعه أو الاحتراف به، إذا كان لا معيشة
للإنسان سواه.
فأما الندب: فهو ما يكتسب به على عياله ما يوسع به عليهم.
فأما المكروه: فهو أن يكتسب محتكرا، أو له عنه غنى ويحمل به
مشقة.
فأما المباح: فهو أن يكتسب بما لا يضره تركه ولا يقيم بأوده. بل له
غنى عنه.
وأما المحضور: فأن يكتسب مالا لينفق في الفساد أو يحترف
بالحرام.
والمعائش على ثلاثة أضرب: مباح، ومكروه، ومحرم.
فالمباح: التجارات والصنائع التي ليست محرمة: كالتجارات في
الثياب والأطعمة والأسلحة التي لا يقصد بها فساد، أو غير ذلك.
فأما المكروه: فهو الكسب بالنوح على أهل الدين بالحق، وكسب
171

الحجام، والأجر على القضاء بين الناس، والأجر على قول الشعر بالحق،
والأجر على عقد النكاح بالخطب.
فأما المحرم: فبيع كل غصب. ولمالكه استرجاعه كيف أمكن. وإن
كان المغصوب أرضا فبني أو غرس فيها أو زرع، فللمالك قلع ذلك كله،
ويرجع المشتري على البائع بما أنفق.
وبيع المسكرات من الأشربة والفقاع، وعمل الملاهي والتجارات
فيها، وعمل الأصنام والصلبان، وكل آلة تظن الكفار أنها آلة عبادة لهم،
والتماثيل المجسمة، والشطرنج، والنرد، وما أشبه ذلك من آلات اللعب
والقمار وبيعه وابتياعه، وعمل الأطعمة والأدوية الممزوجة بالخمر،
والتصرف في الميتة، ولحم الخنزير وشحمه، والدم والعذرة والأبوال
ببيع وغيره، حرام إلا بيع بول الإبل خاصة، وبيع السلاح لأعداء
الله تعالى وعمله لهم، وكسب المغنيات والنوائح بالباطل، وأجر
تغسيل الأموات ودفنهم وحملهم، والأجر على كتب الكفر إلا أن يراد به
النقض، والأجر على هجاء المؤمنين، وبيع القردة والسباع والفيلة
والذباب، وبيع الكلاب إلا السلوقي وكلب الماشية والزرع، وبيع ما لا
يجوز أكله من السمك، وبيع الضفادع والسلاحف، وكل محرم الأكل في
البحر أو البر، وكسب معونة الظالمين على ما نهى الله تعالى عنه، وأجر
زخرفة المساجد وتزويقها 1، وزخرفة المصاحف وكسب تعليم ما
حظره الله تعالى، كل ذلك حرام التكسب به، والتجارة فيما يتحرز منه 2
وأكل ثمن ما يباع منه، وأجر ما له أجر منه.

(1) التزويق: مثل التزيين وزنا ومعنى، وهو: التحسين. مجمع البحرين 5: 179.
(2) وفي نسخة: فيه.
172

فأما كسب المواشط إذا لم تغش، وكسب القابلة، وفحولة الإبل والبقر
والغنم والحمير والخيل المقامة للنتاج، وكتب المصاحف والعلوم،
فحلال طلق.
ذكر البيوع:
البيع: له أعداد وشروط وأحكام.
وأعداده تنقسم بانقسام المبيعات. وهو على أقسام سبعة:
بيع المتاع من الثياب وغيرها، وبيع الحيوان، وبيع الثمار، وبيع
الخضروات والزرع والرطبة، وبيع الواحد بالاثنين فزائدا. وبيع الشرب
والماء، والأرزاق والديون.
فأما شرائطه، فعلى ضربين: عام وخاص.
فالعام: أن يكون المبيع ملك البائع أو ملك موكله، أو يكون أب
المالك ويكون هو صغيرا فإنه يبيع عليه بلا رد. وتسمية الثمن،
والايجاب والقبول، والتفرق بالأبدان عام أيضا.
فأما الخاص فعلى ضربين: أحدهما خاص في المبيع، والآخر
خاص في البيع والمبيع.
فأما الأول: فالنظر إلى المبيع خاص فيما حضر، والخيار شرط
خاص في الغائب. والبيع بالوصف خاص في البيع بالنسيئة، وبيع
المعيب بالبراء وغير البراء، وبين المرابحة.
فأما الثاني: فالخاص في البيع والمبيع، وهي: شروط بيع الحيوان،
والثمار والخضروات، وبيع الواحد بالاثنين، وبيع المحزوم والمشدود،
وبيع ما يعرف بالاختيار، وبيع المياه، وبيع الديون والأرزاق.
173

ذكر الأول:
لا يمضى بيع إلا في ملك البائع، أو لمن البيع، أن يبيع عنه.
والمبيع على ضربين: حاضر وغير حاضر فإن كان حاضرا، فتسمية
الثمن وقبض المبيع شرط في صحة البيع، فإن عجل الثمن فقد تم البيع،
وإن أخره وترك المبيع عند البائع ليمضي ويأتي بالثمن، فهو ينتظر به
ثلاثة أيام، فإن جاء فيها فهو له، وإلا كان البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع
وإن شاء طالبه بتعجيل الثمن. وإن هلك في الثلاثة الأيام فهو من مال
البائع. وإن هلك بعدها فهو من مال المبتاع.
ولو تقابضا بالمال والسلعة، ولم يفترقا بالأبدان، كان البيع موقوفا.
ومتى لم يسم ثمنا بطل بيعه أو شراؤه. فإن هلك المبيع في يد من ابتاع
- ولم يسمن الثمن - كان عليه قيمته يوم أخذه. فإن كان باقيا، فللبائع أخذه.
وإن كان قد أحدث فيه حدثا، فلا تخلو أن تنقص به أو تزيد: فإن نقصت،
فللبائع أرش قدر النقصان، وإن زادت فالأرش للمبتاع.
وأما الثاني:
فالنظر إلى المبيع، وقد بينا أنه شرط في الحاضر خاصة دون الغائب،
فلو عدم هذا الشرط في الحاضر لفسد البيع.
وأما شرط الخيار فينقسم على قسمين: أحدهما يلزم بالتسمية في
مدة مسماة مهما كانت. والآخر يلزم وإن لم يسم في زمان مخصوص.
ويلزمه بالتسمية ما جاوزه.
فالأول يلزم في كل المبيعات التي ليست بحيوان، فإنه لو تراضيا بأن
يكون له الخيار ثلاثا أو عشرا أو أكثر أو أقل، لجاز. وإن هلك المبيع في
مدة شرط الخيار، فهو من مال البائع ما لم يحدث فيه المبتاع حدثا يؤذن
174

بالرضا.
وإن مات المبتاع في هذه المدة، قام ورثته مقامه في الشرط.
والثاني في الحيوان: فإنه يلزم الخيار للمشتري ثلاثة أيام وإن لم
يشترط. فإن شرط ما زاد، فهو له.
ونفقة الأمة في مدة استبرائها من مال البائع. فإن هلكت في هذه المدة
فهي من مال البائع.
ذكر البيع بالصفة:
البيع بالوصف على ضربين: أحدهما يصح، والآخر لا يصح.
فأما الأول: فهو أن ينعت للمبتاع شيئا غير مشاهد، موجودا كان في
الوقت أو غير موجود، فيبتاعه بالوصف، فالبيع مراعى، فإن وجده على
الوصف، وإلا كان له رده.
أما الثاني: أن يوصف بأن يكون من الحنطة التي من أرض كذا، والتمر
من نخلة كذا، أو الثوب من غزل كذا، فلا يصح. ولا ضمان على البائع في
تعيينه، بل إن قال: حنطة صريبة نقية، أو قفيز من سمسم، ومائة رطل من
التمر، فهذا صحيح.
وعدم الوصف في غير المشاهد أو تعيين أصله مع الصفة، يبطل
البيع.
ذكر البيع بالنسيئة:
البيع بالنسيئة جائز، كما يجوز بالنقد. وهو على ضربين: معلق
بالأجل، وغير معلق.
175

فما لم يعلق بأجل، فهو باطل. وما علق بأجل وهو على ضربين:
معلق بأجل معلوم، وأجل غير معلوم. فالمعلق بأجل معلوم على
ضربين: معلق بأجلين، ومعلق بأجل واحد.
فما علق بأجل غير معين: كدخول الحاج، وقدوم الغزاة، باطل.
وما علق بأجلين، وهو أن يقول: " بعتك هذه السلعة إلى عشرة أيام بدرهم،
وإلى شهرين بدرهمين " وهو باطل أيضا لا ينعقد.
وما علق بأجل واحد: صحيح.
ويلزم الشرط الذي يشترطه المتبايعان في النسيئة، حتى أن يكون
ضمان المال مدة الأجل على المبتاع. وإن باعه متاعا غير حاضر إلى
الأجل، فالضمان على البائع. ولكل واحد منهما - إذا جاء صاحبه بما
ثبت له في ذمته قبل حلول الأجل - أن لا يأخذه. فإن هلك، كان من مال
من هو عليه، لا من هو له. فأما بعد الأجل، فمتى جاء به فلم يأخذه فهلك،
كان من مال من هو له، لا من مال من هو عليه. فإن باع ما ابتاعه إلى أجل
قبل حلول الأجل، فبيعه باطل. وإن باعه بعده - وإن لم يوف ثمنه - جاز
ذلك.
ذكر البيع بالبراء من العيوب وغير البراء:
البيع، بالبراء من العيوب، صحيح: لا يلزم معه درك، سواء عين العيب
أو لم يعينه، والأفضل تعيينه.
فإن باع على الصحة فظهر عيب: فالمشتري بالخيار، إن شاء رده
بالعيب، وإن شاء أخذ الأرش 1 ولا خيار للبائع. ويرجع إلى أهل الخبرة

(1) في نسخة: " أرشه ".
176

في الأرش، فإن اختلفوا عمل على الأوسط من أقوالهم.
وإن كان المتاع جملة، فظهر في بعضه عيب، فللمبتاع رد الكل أو
أخذ الأرش، وليس له رد المعيب وحده.
وإن كان قد أحدث في المبيع حدثا فليس له الرد، وإنما له الأرش
- سواء علم بالعيب قبل الأحداث أو بعده - وإنما يرد أو يأخذ الأرش
بما يحدث من العيوب قبل عقد البيع. وعلى هذا لو ابتاع أمة فوجد بها
عيبا بعد أن وطأها فله الأرش دون الرد، إلا أن تكون حبلى فيردها على
كل حال، ويرد معها نصف عشر قيمتها.
ذكر بيع المرابحة:
وهو أن يقول: " أبيعك هذا بربح العشرة واحدا أو أكثر بالنسيئة " وهذا لا
يصح. فأما إذا قال: " ثمنه كذا وأربح فيه كذا " فهو جائز.
ذكر الشرط الخاص في البيع والمبيع:
فأوله: بيع الحيوان: كل حيوان بيع فالشرط فيه ثلاثة أيام، على ما
ذكرناه أولا بالرسم الشرعي، شرط أو لم يشرط 1.
وقد بينا أنه متى هلك في هذه المدة فهو من مال البائع، إلا أن يكون
المبتاع أحدث فيه حدثا يؤذن بالرضا.
ونقول: إن ما يبتاع من المماليك، لا يخلو أن يكون ذا رحم من المبتاع
أو أجنبيا.
فإن كان ذا رحم، فلا يخلو أن يكون أحد أبويه أو ولده أو أخته أو

(1) أنظر وسائل الشيعة 12: 348، نصوص باب 3 من أبواب الخيار.
177

خالته أو عمته أو غيرها. فإن كان من المحرمات أحد من ذكرناه، فحين
يشتريه ينعتق عليه. وأما الباقون من الأقارب، ومن ماثل الأولين من
الرضاعة والأجانب، فيثبت في ملكه رقا.
وشراء العبد الآبق لا يصح، إلا أن يضم إليه في عقد البيع غيره.
والحامل من الإماء إذا بيع، فلا يخلو أن يشترط المشتري الولد، أو لا
يشترط. فإن اشترط ذلك في عقد البيع، فهو له. وإن لم يشترط، فهو
للبائع.
وابتياع العبيد الذين لهم مال بأقل مما معهم، جائز.
ويجوز شراء كل الحيوان بين الشركاء. فإن وجد عيب، فليس للشركاء
أن يختلفوا فيه، فيريد بعضهم الأرش وبعضهم الرد.
ولا عهدة في الإباق الحادث بعد العقد.
فأما الجنون والجذام والبرص فيرد به العبد بعد سنة لا أكثر، إلا أن
يحدث المبتاع فيه ما يدل على الرضا بعد علمه بالعيب.
وادعاء العبيد الحرية في سوق الإسلام، لا تقبل إلا ببينة.
ولا يفرق بين الأطفال وأمهاتهم بالبيع حتى تستغني الأطفال عنهن.
وشراء سبي الظلمة في بلد الإسلام، جائز.
ذكر بيع الثمار والخضروات:
وهو على ضربين: مكروه وغير مكروه.
فالمكروه: بيع ما لم يبد صلاحه في التمر والخضروات سنة واحدة.
أو حملا بعد حمل في القثاء والباذنجان والبطيخ والخيار وما أشبه
ذلك.
178

وغير المكروه: أن يبيع ما بدا صلاحه من الثمار سنة واحدة، والحمل
إذا خرج من الخضروات. وبيع ما لم يبد صلاحه سنتين أو أكثر.
ويباع الزرع قصيلا، وقطعه على المبتاع واجب قبل أن يسنبل. فإن
أخر قطعه: فالبائع بالخيار إن شاء قطعه عليه وإن شاء تركه.
وعلى المبتاع خراجه. وتباع الرطبة: الجزة والجزتين، والقطعة
والقطعتين. ومتى خاست الثمرة المبتاعة قبل بدو صلاحها، فللبائع ما
غلب دون ما انعقد عليه من بيع التمر. والاستثناء في ذلك جائز بالأرطال
والمكائيل الموصوفة. والاستثناء بالربع والثلث وأشباه ذلك أولى.
وإن استثنى نخلا معينا، جاز أيضا. فإن لحق الثمار جائحة، كان في
المستثنى بحساب ما أصابه.
والمحاقلة محرمة، وهي: أن يبيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر،
والزرع بالحنطة - كيلا وجزافا -.
وكل شرط شرط البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها أو جلدها،
أو بعضها فجائز. وشرط بعض المكيل أو المزروع جائز.
وشرط المبتاع على البائع ما يدخل تحت قدرته جائز كأن يقصر
الثوب المبتاع، أو يصنع شيئا فيما ابتاعه، إلى غير ذلك.
ذكر بيع الواحد بالاثنين وأكثر:
المبيع على ثلاثة أضرب: أحدها: يدخل الميزان والمكيال وما يعد.
والآخر: لا يدخل فيه ذلك. فما يدخل على ضربين: متفق النوع وغير
متفق النوع.
فالمتفق: لا يجوز بيعه واحدا بإثنين من جنسه، فلا يجوز بيع قفيز من
179

حنطة بقفيزين منها، ولا أكثر من قفيزين. وكذلك الحكم في الشعير لأنه
نوعه. فأما بيع قفيز من الحنطة بقفيزين من الذرة أو أرز أو دخن أو
سمسم فجائز نقدا لا نسيئة.
ويجوز بيع الدنانير بالدراهم متفاضلا نقدا لا نسيئة.
فأما الموزونات - غير الذهب والفضة - فهذا حكمها، فلا يباع رطل
لحم من لحم الغنم إلا برطل منه، ولا رطل دقيق إلا برطل من خبر جنسه.
فأما لحم البقر والغنم والجواميس والإبل، فجائز بيع الواحد بالاثنين
منه إذا اختلف النوع، كأن يباع رطل لحم غنمي برطلين بقري.
وما يباع عددا فحكمه حكم المكيل والموزون.
وإذا بيع شئ في موضع بالكيل أو الوزن، وفي موضع آخر جزافا،
فحكمه حكم المكيل والموزون.
واعلم: أن ما لا يجوز بيعه إلا واحدا بواحد، وما يجوز بيعه واحدا
باثنين: كل ذلك إنما يجوز بالنقد، وأما بالنسيئة فلا يجوز.
وبيع الغنم باللحم لا يجوز، لأنه مجهول.
فأما ما لا يدخل مكيلا ولا ميزانا فبيع الواحد باثنين منه جائز نقدا،
ولا يجوز نسيئة.
هذا في الثياب والحيوانات. وأما في مثل القثاء والجوز والبطيخ فقد
بينا حكمه.
ذكر بيع الأعدال المحزومة والجرب المشدودة:
فلا يجوز بيعها إلا بالوصف للألوان والمقادير والجودة، فإذا كان كذلك
كان البيع مراعى على الوصف وإلا بطل.
180

فأما ما يختبر بالذوق والشم فعلى ضربين: أحدهما لا يفسده
الاختبار، والآخر يفسده، فما لا يفسده إذا بيع من غير اختبار لم ينعقد
البيع.
وأما ما يفسده كالبيض والبطيخ والقثاء وما شاكل ذلك، فيصح شراؤه
بشرط الصحة، فإن خرج غير صحيح فله أرشه لا رده، اللهم إلا أن
يشتريه أعمى فإنه يكون له أرشه أو رده.
ذكر بيع الشرب:
بيع الشرب جائز، وكل المياه. ولا يجوز لأحد المنع من ذلك، سواء
بيع ما هو ملك له في الأصل، أو ما أخذه من ماء مباح.
ومن حفر نهرا في أرض موات فأحياها بمائه، فله بيع فاضله.
وإن جرى الماء إلى أرض قد هلك أهلها، فالسلطان أحق به.
وإن استؤجرت الأرض فعليها للسلطان: العشر 1.
ذكر بيع الأرزاق والديون:
لا يجوز بيع الرزق إلا بعد قبضه. ويجوز بيع الدين قبل قبضه. فيباع
الذهب والفضة منه بالعروض، والعروض بالذهب والفضة.
واعلم، أن البيع كما يجوز بالنسيئة فقد يجوز بالسلف. ولا بأس أن
يبتاع شيئا بشرط أن يقرضه شيئا، أو يسلفه في مبيع آخر، ويستلف
منه، أو لا يشرط في صحة البيع.
والسلف فيما له صفتان مختلفتان: كالحنطة والأرز والتمر والزبيب

(1) في بعض النسخ: " وإن استأجمت الأرض فغلتها للسلطان ".
181

والحرير إذا عين المسلف فيه صفته وقيمته فجائز.
ومن عقد بيعا بصفقة واحدة في حلال وحرام صح البيع في الحلال
وبطل في الحرام.
وأما أجرة الوزان والناقد والكيال والدلال:
فإن الوزان إذا وزن المال فأجرته وأجرة الناقد على المشتري. وإن
وزن المتاع، فأجرته وأجرة ما كال منه على البائع.
وأجرة الدلال على المبتاع. وأجرة المنادي على البائع.
فأما أجرة بيع الأمتعة فعلى البائع. وأجرة من يشتري على المبتاع.
ومتى اختلف صاحب المتاع والواسطة - فيما أمره أن يبيع به المتاع، أو
في النقد - وعدم البينة، فالقول قول صاحب المتاع مع يمينه.
والواسطة يضمن ما يهلك من المتاع بتفريطه 1، ولا يضمن ما هلك من
حرز 2.
ودرك الجودة - في المتاع أو في المال - على المتبايعين لا على
الواسطة.
ذكر الشركة والمضاربة:
لا شركة إلا بالأموال دون الأبدان. فإن كان مالهما سواء، فالربح بينهما
سواء، وكذلك الخسران.
وإن نقص مال أحدهما، كان الربح والخسران بينهما بحسب مبلغ ما
لكل واحد منهما.

(1) في نسخة: " بتفريط ".
(2) في نسخة: " من حرق ".
182

فأما المداخلة لصاحب المال عما لبدنه بالكد والعمل معه، فإنها
توجب أجرة المثل لا الشركة.
وموت الشريك يبطل الشركة.
والمضاربة: أن يسافر رجل بمال رجل، فله أجرة مثله. ولا ضمان
عليه إذا لم يتعد ما رسم له صاحب المال.
ويلحق بذلك: تلقي السلع، والاحتكار، والشفعة.
وتلقي كل ما يجلب من حيوان وغيره، مكروه. وحد التلقي أربعة
فراسخ فما دون. وما زاد على ذلك فليس بمكروه.
فأما الحكرة: فإنما هي في أجناس الأطعمة مع ضيق الأمر فيها، وهي
مكروهة. فأما مع وجود الكفاية للناس، فليس ذلك بمكروه.
وللسلطان أن يجبر المحتكر على إخراج الغلة، ويسعرها بما يراه ما
لم يخسره.
ذكر أحكام الشفعة:
ما ينتقل من الأملاك على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون مالكه
واحدا. والآخر: أن يكون مالكه اثنين، والآخر: أن يكون مالكه أكثر من
اثنين.
فما كان مالكه زائدا على اثنين، فلا شفعة فيه. وكذلك ما كان مالكه
واحدا.
وما كان مالكه اثنين، فعلى ضربين: أحدهما: انتقل بالبيع، والآخر:
بغير البيع.
فما انتقل بالبيع على ضربين: مقسوم ومشترك.
183

فما انتقل بغير البيع، والمقسوم الذي لا شركة فيه من وجه، لا شفعة
فيهما.
والمشترك على ضربين: أحدهما تصح القسمة فيه، والآخر: لا
تصح. فما لا تصح قسمته لا شفعة فيه أيضا.
وما تصح قسمته على ضربين: أحدهما: مقسوم مشترك الشرب أو
الطريق الخاص، والآخر غير مقسوم الذات. وفيهما جميعا الشفعة.
وقد بينا أنه لا شفعة في مقسوم بكل حقوقه.
ولا شفعة لذمي على مسلم، ولا في هبة، ولا في صدقة، ولا في مهر.
وإنما هي في ما يباع خاصة. وقد بينا جملته.
ولا شفعة لمن يعجز عن مبلغ الثمن.
وإذا اختلف المتبايعان مع الشفيع في المبتاع، فالقول قول المبتاع مع
يمينه.
184

كتاب
الأيمان والنذور والعهود
185

أحكام الأيمان والنذور والعهود على ضربين: أحدهما: ما ينعقد به،
والآخر: ما يلزم بمخالفته ذلك.
فأما الأيمان، فعلى ضربين: أحدهما: اليمين بالله تعالى وأسمائه،
والآخر: بغير ذلك.
والأول على ضربين: أحدهما ما يلزم - بالحنث فيه - الكفارة، والآخر
لا يلزم.
فما يلزم به الكفارة: أن يقسم بالله أن لا يفعل قبيحا، وأن يفعل طاعة
أو مباحا، فيحنث.
وما عدا ذلك لا يلزم - بالحنث فيه - الكفارة.
وهو على ثلاثة أضرب: أحدها يأثم باليمين، والآخر: يؤجر،
والثالث: لا يأثم ولا يؤجر.
فما يأثم به: أن يحلف أن يعصي الله تعالى، أو أن لا يفعل شيئا من
الخير، وأن يقطع رحما، أو يحلف على والده، أو يحلف على امرأة مع
زوجها 1، أو عبد مع سيده، أو يحلف على المعاصي، أو يحلف أن

(1) في نسخة: " أو تحلف امرأة على زوجها ".
187

يعاون السلطان الجائر.
وما يؤجر باليمين فيه 1: أن يحلف في تخليص المؤمنين بنفوسهم
وأموالهم، فإن كان يحسن التورية، ورى.
وما لا يأثم به ولا يؤجر عليه: اللغو، وهو أن يحلف من غير نية، أو
يكون غير مالك أمره.
وأما اليمين بغير الله تعالى فعلى ضربين:
أحدهما: يلزم - بالحنث فيه - كفارة ظهار، وهي اليمين بالبراءة من
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام.
والآخر: لا يلزم فيه كفارة البتة. إلا أنه يأثم فيه إذا حنث.
وينبغي أن يجتنب الحلف صادقا وكاذبا.
ومن رأى أن ترك اليمين خير من الوفاء بها في دينه ودنياه، فعل ذلك،
ولا كفارة عليه.
ذكر النذور والعهود:
لا نذر ولا عهد في معصية الله. والنذر على ضربين: نذر علق
بالله تعالى، ونذر مطلق.
فالأول أن يقول: " لله تعالى علي كذا وكذا إن كان كذا وكذا ". وهذا واجب
الوفاء به، إذا وقع ما نذر فيه. فإن لم يف به فعليه كفارة.
والمطلق أن يقول: " لله علي كذا وكذا " فهو مخير إن شاء وفى به، وإن
شاء لم يف، إلا أن الوفاء أفضل.
والمنذور فيه على ضربين: معين وغير معين. فالمعين يجب فعله

(1) في نسخة: " والأجر على اليمين فيه ".
188

بعينه. وما ليس بمعين. إن شاء صام فيه، وإن شاء صدق أو صلى، أو فعل
شيئا من القرب.
فإن كان سمى غير معين في اللفظ، كأن يقول: " إن كان كذا صمت حينا أو
زمانا " فصيام الحين ستة أشهر، والزمان خمسة أشهر على ما رسم 1.
وإن قال: " أتصدق بمال كثير " تصدق بثمانين درهما.
فأما العهود: إذا عقدها على ترك معاصي الله عز وجل، ثم أتى ذلك،
وجب عليه كفارة مخالفة واجب النذر.
فإن خالف العهد، لأنه خير له في دينه أو دنياه من الوفاء به، فلا حرج
ولا كفارة عليه.
ذكر الكفارات:
كفارة اليمين - إذا حنث فيها - عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين: لكل
واحد منهم ثوبان، أو إطعام لكل واحد منهم شبعة في يومه، ولا يكون
فيهم صبي ولا شيخ كبير ولا مريض.
وأدنى ما يطعم لكل واحد منه مد بما تيسر من الأدام، أعلاه اللحم
وأدناه الملح. ولا يطعم إلا من أوسط ما يطعم أهله. فإن لم يجد ذلك
كله، صام ثلاثة أيام متتابعات.
وكفارة الظهار: عتق رقبة. فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فإن لم
يقدر فإطعام ستين مسكينا. فإن صام شهرا واحدا من كل ما يجب فيه
صيام شهرين متتابعين، ثم أفطر لغير عذر، استأنف، وإن كان لعذر، بنى.
فأما إن أفطر - وقد صام يوما من الثاني - فالبناء.

(1) أنظر وسائل الشيعة 7: 284، باب 14 من أبواب بقية الصوم واجب، ح 2.
189

وكفارة خلف النذر وكفارة الظهار وكفارة من أفطر يوما من شهر
رمضان متعمدا: عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين
متتابعين، وقضاء ذلك اليوم. هذه الكفارة مخير فيها. ومثلها في المبلغ
والتخيير كفارة قتل الخطأ.
فأما كفارة الظهار فمرتبة.
وكفارة قتل العمد: أن يجمع بين ما هو مخير في كفارة قتل الخطأ. فإن
تعذر كفر بواحدة منها.
ومن عقد صوم قضاء يوم من شهر رمضان، فأفطر قبل الزوال فلا شئ
عليه. وإن أفطر بعده فعليه كفارة يمين.
وقد بينا كفارة الجماع في الحيض للحرة. فأما الأمة فثلاثة أمداد من
طعام.
وكفارة النائم عن صلاة العشاء الآخرة حتى جاوز نصف الليل: أن
يصبح صائما.
وكفارة من شق ثوبه في موت ولده أو زوجته: كفارة يمين.
ولا كفارة في شق ثوبه في موت أبيه أو أخيه.
وكفارة من لطم وجهه: الاستغفار، فإن خدشه فكفارة يمين.
وفي جز الشعر: كفارة قتل الخطأ.
وقسمة هذا الباب أن يقال: أن الكفارة على ضربين: منها ما فيه عتق
رقبة، والثاني لا عتق فيه.
فالأول، على ثلاثة أضرب، أحدها، عوض الرقبة: كسوة عشرة
مساكين، وعوض الكسوة: إطعامهم.
والآخر، عوض الرقبة: صيام شهرين متتابعين. وعوض الصيام:
190

إطعام ستين مسكينا.
والآخر: يجمع فيه العتق وصيام الشهرين وإطعام ستين مسكينا وأما
الثاني، فعلى ضربين:
أحدهما: كفارة استغفار، والآخر فعل قربة غيره، وهو على ضربين:
أحدهما: صيام يوم، والآخر: صدقة دينار أو ثلاث ولا يخرج عن
ذلك شئ من باب الكفارات.
191

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة
193

العتق إنما يكون لوجه الله تعالى، ولا يعتق إلا عبد ظاهره الإسلام.
ولا يسلط بالعتق كافر على أذية أهل الدين ومعاصي الله.
ومن أعتق في كفارة أو واجب فهو سائبة، لا ولاية عليه، وإنما الولاية
في المتبرع بعتقه.
ويجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها في التزويج، ومن أعتق بعض
عبد - وهو مالكه - سرى العتق فيه كله. وإن كان له فيه شريك عتق سهمه،
ثم أجبر على ابتياع الباقي فيعتق عليه. وإن لم يكن له مال استسعى العبد
في باقي ثمنه.
فأما التدبير: فهو أيضا لا يصح إلا في القرب، وهو أن يقول لعبده:
" أنت حر بعد وفاتي "، وله أن يرجع في حال حياته، لأنه كالوصية. فإن
مات مولاه - ولم يرجع في تدبيره - عتق.
فأما المكاتبة: فإنه يوافق عبده على ما يكسبه ويؤديه إليه، ويكتب
به كتابا. وهو على ضربين: مشروط وغير مشروط.
فالمشروط أن يشترط عليه أنه متى عجز عاد في الرق.
والآخر: أن لا يشترط العود في الرق مع العجز، بل يعتق منه بقدر ما
195

أدى. فإن وهب له ما يبقى عليه - وقد عجز - فله ثواب جزيل، وإلا أخذ
من بيت المال.
ويجلد في الزنا بحسب ما تحرر منه جلد الحر، والباقي جلد العبيد.
ويورث إن مات وله ولد بحسب ما تحرر منه أيضا.
ذكر أحكام الديون:
القرض أفضل من الصدقة. وهو يفتقر إلى إيجاب وقبول. ويلزم
المقترض أن يعزم على الأداء إذا تسهل له. فإن أدى مثل ما استدان،
جاز. وإن أدى قيمته مع التراضي فجائز.
ولا يجوز للمدين أن يطالب المقترض مع الاملاق، فإن طالبه في
حال الشدة لم يحرم.
ذكر أحكام الرهون:
لا يصح الارتهان إلا بالقبض، والراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف
في الرهن. فلو رهن دارا غير مسكونة أو أرضا غير مزروعة، فليس
لأحدهما أن يغير ذلك إلا بأن يتراضيا به. ومتى باع الراهن الرهن، أو
أعتقه إن كان عبدا، أو دبره واستخدمه، أو أراد وطئها - إن كانت أمة - لم
يجز له شئ من ذلك، وهو باطل.
وهلاك الرهن من غير تفريط من المرتهن، لا ضمان عليه فيه.
وبالتفريط يلزمه الضمان.
فإن اختلفا في قيمة الرهن وعدما البينة، فالقول قول صاحب الرهن مع
يمينه. ويقوم بقيمته يوم هلاكه.
196

ورهن الحامل من الإماء، والبهائم، والنخل والشجر والأرض
المزروعة، جائز. فما يحصل منه غير داخل في الرهن.
ومن رهن رهنا يملك بعضه، استقر الرهن في ملكه خاصة.
وإذا مات الراهن - وعليه دين لجماعة - فأول من يستوفي المرتهن. فإن
قصر ثمن الرهن عن ماله - وكان للراهن مال غيره - ساهم المرتهن الغرماء
فيه.
ذكر أحكام الوديعة:
الوديعة تحتاج إلى قبض وقبول. فإن هلكت في يد المودع من غير
تفريط، فلا ضمان عليه. وبالتفريط يضمن.
فإن أتجر المودع بمال الوديعة، فعليه ما يخسر، وللمودع الربح.
والوديعة أمانة للبر والفاجر، إلا أن يعرف أن الوديعة غصب، ويعرف
مالكها بعينه، فعليه ردها إلى المالك دون المودع، إلا أن يخاف على
نفسه.
وإن لم يعرف أربابها، جعل خمسها لفقراء أهل البيت، والباقي لفقراء
المؤمنين. فإن كانت حلالا وحراما مختلطا، ردها على المودع إذا لم
يتميز.
وإذا مات المودع، فلا يسلمن الوديعة إلا إلى من يقطع بأنه يستحقها
من ورثته كلهم، أو إلى من يرتضي به الكل.
ذكر أحكام العارية:
وهي على ضربين: عيق وورق، وغير ذلك.
197

فالعين والورق مضمونان على كل حال. وما عداهما على ضربين:
مضمن وغير مضمن. فالمضمن يلزم ضمانه على كل حال. وما لم يضمن
لا يلزم ذلك فيه. إلا بالتفريط خاصة.
فإن اختلفا في شئ من ذلك، فالقول قول المعير مع يمينه إذا عدما
البينة.
ذكر أحكام المزارعة والمساقاة:
المزارعة والمساقاة تجوز بالربع والثلث والنصف.
ولا بد في المزارعة من أجل معين. وإذا اشترط عليه زرع شئ بعينه،
فليس له تعديه. وإن شرط زرع ما شاء، جاز. فإن غرقت الأرض قبل أن
يقبضها فلا إجارة. وإن غرقت بعضها، فالمزارع مخير بين فسخ الإجارة
في جميعها، وبين فسخها في ما غرق، ويلزم المستأجر مال الإجارة،
وإن تلفت الغلة بآفة سماوية أو أرضية، اللهم إلا أن يمنعه صاحب
الأرض منها، فلا يلزمه مال الإجارة.
ويكره أن يؤاجر الأرض بأكثر مما استأجرها به، إلا إذا اختلف
النوعان: كأن يستأجرها بذهب وفضة ويؤجرها بحنطة أو شعير، وإن لم
يحدث عملا.
والمؤونة على المساقي لا على رب الضيعة. وإن ساقى غيره في شجر
أو نخل له وشرط من الثمرة شيئا معلوما، صح، وإلا فلا مساقاة. ويكره
أن يشترط مع ذلك شيئا من ذهب أو فضة وغيرهما من الأعراض.
وخراج الثمرة على رب الأرض، إلا أن يشترطه على المساقي في
العقد.
198

ذكر أحكام الإجارات:
وحكمها على ثلاثة أضرب:
ما به ينعقد، وما يلزم لها، وما يبطلها.
فيما به ينعقد: الأجل المعلوم، والمال المعين، والايجاب والقبول.
وما يلزم لها: تعجيل الأجر، إلا أن يشترط تأجيله.
ولا فرق في صحة الإجارة بين المقسوم والمشاع. وأن لا يؤجر
المستأجر ما استأجره من غيره بأكثر من غيره مما استأجره، إلا أن يكون
قد أحدث فيه مصلحة.
وما يشترط فيها يلزم، كأن يشترط عليه أن لا يسكن الدار غيره، ولا
يركب الدابة سواه.
ويلزم المالك بناء ما استهدم من العقار المؤجر، إلا أن يكون بتفريط
من المستأجر فيجب عليه. فإن فرط المالك في العمارة سقط عنه مال
الإجارة في المدة.
ولا يبطل الإجارة إلا الموت. وأن يمنعه من المؤجر مانع قبل القبض،
وأما بعد القبض بمال الإجارة يلزمه.
وإن منعه ظالم من التصرف فيه، أو لم يتصرف هو فيه، لم يلزمه.
ذكر تضمين الصناع والقصار والخياط والصباغ وأشباههم:
وهم ضامنون لما يجنونه في السلع، إلا ما يهلك بغير تفريط. وكذلك
الملاح والحمال والمكاري والجمال ضامنون للأمتعة إذا فرطوا فيها.
فإذا اختلف صاحب المتاع والصناع في قيمة أو شرط، فعلى صاحب
المتاع البينة، وعلى الصناع اليمين.
199

واعلم، أو لواجد البعير الشارد والعبد الآبق إن وجده في المصر،
دينارا قيمته عشرة دراهم فضة. وإن وجده في غير المصر، أربعة دنانير
قيمته أربعون درهما. فأما غير البعير والعبد، فليس فيهما شئ موظف،
بل له أجرة على عادة القوم.
ذكر الصلح:
الصلح جائز بين المسلمين في الاقرار والانكار ولا يجوز الرجوع فيه
إذا انعقد، إلا أن يشترط أنه متى نكل عاد إلى الدعوى.
ذكر أحكام الوقوف والصدقات:
الوقوف والصدقات لا يجوز الرجوع فيها مع إطلاق الوقف وبقاء
الموقوف عليهم، على ما لا يمنع الشرع من معونتهم به. وهي على
ضربين: مشروط وغير مشروط.
فالمشروط: يلزم فيه كل ما شرطه الواقف ولا يتجاوزه. وإن اشترط
رجوعه فيه عند فقره، كان ذلك له إذا افتقر.
ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ويبقوا على
الحال التي وقف فيها، أو يتغير الحال. فإن لم يتغير الحال، فلا يجوز بيع
الموقوف عليهم الوقف، ولا هبته، ولا تغيير شئ من أحواله.
وإن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه كان، أو
يلحق بالموقوف عليهم حاجة شديدة، جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو
أنفع لهم.
ثم لا يخلو الواقف أن يعين بالتفضيل في الموقوف عليهم بعضهم
200

على بعض، أو لا يعين. فإن عين لزمه ذلك. فإن لم يعين فللذكر مثل حظ
الأنثيين.
ومن وقف على جيرانه ولم يسم: كان لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا
من أربع جوانبها.
ولا يخلو أن يقف المؤمن على من هو مثله، أو على مخالفه، أو يقف
كافر على كافر، فوقف المؤمن على المؤمن، والكافر على الكافر ماض.
فأما وقف المؤمن على الكافر فباطل. وقد روي أنه: إن كان الكافر أحد
أبوي الواقف 1 أو من ذوي رحمه 2 كان جائزا. والأول أثبت.
والواقف لا يخلو أن يعين من وقف عليه، أو لا يعين. فإن عين أمضي
ما عين عليه.
وإن لم يعين وقال: " على وجوه البر " كان للفقراء والمساكين ومصالح
المسلمين.
وإن قال: " للعلوية " كان لولد علي بن أبي طالب عليه السلام.
وإن قال: " للطالبيين " كان لولد أبي طالب عاما.
وإن قال: " للهاشميين " كان لولد هاشم. وإن وقفه على المسلمين كان
لجميع من صلى إلى القبلة.
وإن قال: " على المؤمنين " فهو للإمامية.
وإن قال: " للشيعة " كان للإمامية والجارودية من الزيدية.
وإن قال " للإمامية " فهو لمن قال بإمامة الاثني عشر عليهم السلام.

(1) لم نعثر عليه في كتب الأحاديث، بل في جواهر الكلام 28: 32، بعد ذكر ما يحكى عن
السرائر بأنه لم يتحقق الدليل له إلا المرسل في محكي المراسم " وإذا كان الكافر أحد أبوي
الواقف كان جائزا ".
(2) راجع المغني لابن قدامة 6: 242.
201

وإن قال: " على قومي " كان لجماعة أهل لغته.
وإن قال: " لعشيرتي " كان لمن هو أقرب إليه في نسبه.
وإن أطلقه ولم يذكر ما يصنع فيه بعد انقراض من وقف عليه، كان - إذا
انقرضوا - ميراثا لأقرب الناس إليه.
ولا يجوز الوقف على من لم يوجد إلا بعد تعليقه بالوجود.
وللانسان أن يتصدق بسكنى داره مدة حياة المتصدق عليه. فإذا مات
رجعت إلى المالك.
وإن جعل فرسه حبسا في سبيل الله، وغلامه في خدمة البيت الحرام
ويعين في حمل ما يعين الحاج، ففيه فضل كثير.
ولا يجوز خروج شئ من ذلك مما حده ما دام حيا صحيحا.
ذكر أحكام الهبة:
الهبة على ضربين: هبة لذوي الرحم، وهبة للأجنبي.
وهبة ذوي الأرحام على ضربين: مقبوضة، وغير مقبوضة.
فالمقبوضة لا يجوز الرجوع فيها.
وهي على ضربين: مقبوض بيد الموهوب له، ومقبوض بيد وليه إذا
كان صغيرا.
وكلاهما لا يجوز الرجوع فيه، وغير المقبوض يجوز الرجوع فيه.
والهبة للأجنبي على ضربين: هبة ما يستهلك، وهبة غيره.
فما كان مما يستهلك كالمواكيل فلا رجوع فيه.
وما لم يكن من ذلك فعلى ضربين: معوض عنه وغير معوض عنه. فما
عوض عنه لا يجوز الرجوع فيه. وما لم يعوض عنه فله الرجوع، وإن كان
202

مكروها.
ذكر أحكام الضمانات والكفالات والحوالات والوكالات:
الضمان على ضربين: ملي وغير ملي، فمن ضمن حقا له مليا فليس
له الرجوع على المضمون عنه.
وغير الملي على ضربين:
أحدهما: لم يعلم ذلك من حالة المضمن، والآخر علم حاله.
فمن كان غير ملي ولم يعلم ذلك في حالة المضمن، جاز له الرجوع
على المضمون عنه. وإن علم حاله فليس له الرجوع.
وضمان المجهول ينعقد كضمان المعلوم، وهو أن يقول: قد ضمنته
على ما عليه، فيثبت ضمانه على ما تقوم به حجة، لا على ما ثبت في دفتر
وحساب.
والضمان يفتقر إلى إيجاب وقبول.
أما الكفالة، فعلى ضربين: أحدهما: كفالة اقتضاها عقد، والآخر:
كفالة قهر.
فأما التي بالعقد، فإن تكفل برجل بوجهه إلى أجل معلوم. فإن جاء
الأجل ولم يأت به بنفسه، حبسه ليجئ به أو يخرج مما عليه.
وأما التي بالقهر فعلى ضربين:
أحدهما: أن يخلي غريما من يد مطالبه، أو قاتلا من يد أولياء الدم.
فإن كان غريما فحكم المخلي له حكم الكفيل المتبرع. وإذا كان قاتلا
وجب على من خلاه الدية أو تسليم القاتل.
وأما الحوالة: فعلى ضربين: أحدهما أن يكون قد أخذ المحال
203

بعضها، والآخر أن يكون لم يأخذ.
فإن أخذ لم يجز له الرجوع. وإن لم يأخذ، فله الرجوع.
فأما الشرط فيه، فكالشرط في الضمان من أنه يجب أن يكون المحال
عليه مليا والعقد واجب.
وأما الوكالات: فإنها عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول، وهي على ضربين:
مشروطة ومطلقة.
فالمشروطة يلزم فيها ما شرط، ولا يجوز تعديه.
والمطلقة يقوم فيها الوكيل مقام الموكل على العموم. كما أن للعاقل
أن يوكل على نفسه، وللحاكم أن يوكل على السفيه.
والوكلاء على ضربين: مسلم وذمي. فالمسلم يتوكل للمسلم على
المسلم وللذمي على الذمي. فأما الذمي فلا يتوكل لأهل الذمة على أهل
الإسلام، ويتوكل المسلم على أهل الذمة، والذمي على الذمي.
ولا بد في الوكيل أن يكون مأمونا عارفا بالحكم فيما وكل فيه،
وباللغة التي يخاطب بها.
ذكر الاقرار في المرض:
من كان عاقلا يملك أمره فيما يأتي ويذر، فإقراره في مرضه كإقراره
في صحته. ونكاحه في المرض جائز. فأما الطلاق في المرض فمكروه
جدا. فإن طلق، ورثته المطلقة - إن مات في مرضه الذي طلق فيه، ما بينه
وبين سنة فقط - فإن صح ثم مرض ومات، أو تزوجت المرأة لم ترثه.
204

ذكر أحكام الوصية:
الوصية عقد يحتاج إلى إيجاب وقبول. وهي واجبة.
وتطلب في الأوصياء: العدالة والعقل والحجى. فإن لم يوجد من هذه
صفته، فليوص إلى السفيه والفاسق، ولا يوصي إلى العبيد إلا من كان
منهم مكاتبا أو مدبرا.
ويجوز أن يوصي إلى اثنين على الاجتماع والانفراد.
فإن أوصى إلى رجل وصبي، فللرجل أن ينفذ الوصية قبل بلوغ
الصبي. وليس للصبي - إذا بلغ - التنفيذ من دون الرجل.
ولا يجوز أن يوصي مسلم إلى ذمي.
وينبغي أن يشهد على الوصية رجلين عدلين مسلمين أو أكثر. فإن
كان مسافرا ولم يجد مسلما يشهده، فليشهد رجلين من أهل الذمة
مأمونين في أهل دينهما. فإن عدم الرجال ولم يحضر إلا امرأة مأمونة،
قبلت شهادتها في ربع ما شهدت به.
واعلم، أن ما يدخل به تحت هذا الباب، أقسام ثمانية.
أولها: ما تنعقد به الوصية.
وثانيها: من يوصى إليه.
وثالثها: من تقبل وصيته.
رابعها: ما المبلغ الذي تقبل الوصية فيه.
وخامسها: من يجوز أن يوصى له.
وسادسها: هل يجوز الرجوع في الوصية.
وسابعها: هل يجوز أن يوصي إلى غيره.
وثامنها: ما حكم من وصي له بشئ فمات الموصى له قبل الموصي.
205

فأما الأولان: فقد ذكرناهما.
وأما من تقبل وصيته فعلى ضربين: بالغ وغير بالغ.
فالبالغ على ضربين: سفيه وعاقل.
فالسفيه لا تقبل وصيته إلا في وجوه البر والمعروف خاصة. والعاقل
تمضي وصيته إذا كانت على الشرائط الشرعية. وفي غير ذلك مما
رسمته الشريعة.
والصبي غير البالغ على ضربين: أحدهما قد بلغ عشر سنين، والآخر
لم يبلغها.
فمن بلغها جازت وصيته أيضا في البر والمعروف خاصة. ولا تمضي
هبته ولا وقفه بما ليس في وجوه البر، وكذلك السفيه.
فأما المبلغ: فأكثره الثلث. وهو بالربع أولى، وبالخمس أولى من
الربع. فإن أمضى الورثة في حياة الموصي ما زاد على الثلث، جاز لهم
الرجوع فيه بعد الوفاة. فإن أمضوا بعد الوفاة فلا رجوع.
فأما من يوصى له، فهو على ضربين: وارث وغير وارث. فالوارث
يجوز أن يوصي له.
وغير الوارث على ضربين: قريب وأجنبي.
فالقريب يستحب أن يوصى له بشئ ما، لأنه محجوب.
فأما الأجنبي: فضال عن الدين، وغير ضال.
فالضال قد روي جواز الوصية له 1، وروي خلافه 2 وهو أثبت.
وغير الضال على ضربين: عبد الموصي، وغير عبده.

(1) أنظر وسائل الشيعة 13: 415 - 417، نصوص باب 35 من أبواب أحكام الوصايا.
(2) لم نعثر عليه، ولعله من مراسيله " قدس سره ".
206

فالعبد على ضربين: مكاتب وغير مكاتب.
فالمكاتب يجوز فيما أوصى له بحسب ما انعتق منه 1، ورجع الباقي
إلى الورثة، فإن كان غير مكاتب: نظر في قيمته، فإن كانت أقل من الثلث
أعتق وأعطي ما فضل. وإن كانت أكثر بمقدار الثلث أو الربع أعتق منه
بمقدار الثلث واستسعى في الباقي.
وإن كان له عبيد جماعة، فوصى بعتق ثلثهم من غير تعيين، أعتقوا
بالقرعة.
وأما غير المكاتب فتجوز الوصية لهم بالمبلغ المرسوم.
فأما الرجوع عن الوصية، فللموصي أن يرجع عنها ويغيرها كيف
شاء ويغير الأوصياء.
وإذا أوصى بوصية بعد أخرى، فإن أمكن العمل بهما، وإلا عمل
بالثانية. فأما الوصي يوصي إلى غيره فليس له ذلك، إلا أن يكون
الموصي شرط له ذلك.
فإن مات الوصي، تولى الناظر في أمر المسلمين تنفيذ الوصية. فإن لم
يتمكن تولى ذلك الفقهاء إذا تمكنوا.
فأما إذا مات الموصى له قبل الموصي، فإنه ينتقل إلى ورثته إذا لم
ينقض ذلك الموصي.
واعلم، إن الوصية على ضربين: بلفظ يدل على قدر معلوم، ولفظ لا
يدل على ذلك.
فما دل عمل به. وما لم يدل ينقسم، فإن كان بجزء من ماله كان بالسبع
وإن كان بسهم كان بالثمن. وإن كان بشئ من ماله كان بالسدس، وقد

(1) في نسخة: " بحساب ما أعتق منه ".
207

مضى العقد فيه.
ذكر القسم الثاني من القسمة الثانية في الأصل، وهي الأحكام:
وهي على ضربين: حكم في غير جناية، وحكم في جناية.
فالحكم في غير الجناية يدخل فيه: اللقطة، والصيد، والذبائح،
والأطعمة، والأشربة، والمواريث، والقضاء.
ذكر اللقطة:
اللقطة على ضربين: حيوان وغير حيوان.
فالحيوان على ضربين آدمي وبهيمة.
فالآدمي إذا وجد فهو غير مملوك، بل ينفق عليه السلطان من بيت
المال. فإن لم يوجد السلطان، استعان ببعض المسلمين، فإن لم يجد،
أنفق هو عليه، ويرجع عليه به إذا بلغ وأيسر، وإن تصدق به فهو أولى.
واللقيط - إذا بلغ - أن يتولى من يشاء 1.
والحيوان - غير الأدمي - على ضربين: ما تركه صاحبه من جهد، وما
تركه صاحبه من غير جهد.
فما تركه من جهد فعلى ضربين: أحدهما: تركه في كلا وماء، وهذا
ليس لأحد أخذه.
والآخر، تركه في مفازة، وللانسان أخذه وتملكه كائنا ما كان.
وما تركه من غير جهد، بل عن ضلال، فلا يخلو أن يكون بعيرا أو
غيره. فإن كان بعيرا في فلاة فلا يأخذه وغيره يؤخذ ويضمن قيمته.

(1) وفي نسخة: " واللقيط يتولى إذا بلغ من يشاء ".
208

فأما غير الحيوان فعلى ضربين: ما لا تبلغ قيمته أكثر من درهم،
والآخر يزيد على الدرهم.
فالأول يأخذه وينتفع به بلا تعريف، إلا أن يكون أداوة أو محصورة، فلا يأخذهما بل يتركهما.
والآخر على ضربين: أحدهما طعام يوجد في الفيافي، فيأكله
ويقومه على نفسه وغير الطعام على ضربين: موجود تحت الأرض، وفي
بطون ما يذبح للأكل والسموك. والآخر: يوجد على ظهر الأرض.
فما وجده في بطن شئ، فإن كان انتقل إليه بميراث أو من بحر وماء
أخرج خمسه، والباقي ملكه. وإن انتقل إليه بالشراء عرف ذلك إلى
البائع، فإن عرفه رده إليه، وإلا أخرج خمسه والباقي له.
وما يوجد على ظهر الأرض على ضربين: موجود في الحرم،
وموجود في غيره. فما وجد في الحرم عرف سنة، فإن وجد مالكه، وإلا
تصدق به عنه، ولا ضمان عليه. والموجود في غير الحرم يعرف سنة،
فإن وجود مالكه، وإلا تصدق به، وهو ضامن له، فإن كسب به مالا فهو له
دون صاحبه، وما استفيد به قبل السنة فهو لمالكه.
ذكر الصيد والذبائح:
الصيد على ضربين: صيد البحر، وصيد البر.
وصيد البحر على ضربين: سمك وغير السمك.
فغير السمك لا يؤكل. والسمك على ضروب: الجري، والزمر،
والمار ما هي، والطافي، وغير ذلك.
فالأول: كله محرم. وما عداه على ضربين: ماله فلس من السموك، وما
209

لا فلس له.
والأول: حل، والثاني: محرم.
وذكاة السمك صيده.
وبيض السمك على ضربين: خشن وأملس. فالأول: حل، والثاني:
محرم.
فإن وجد في جوف سمكة سمكة أخرى: فإن كانت ذات فلس حلت،
وإلا فهي حرام.
فأما ما يوجد من السمك على شاطئ المياه: فإنه يعتبر بأن يلقى في
الماء، فإن طفا على ظهره لم يؤكل، وإن طفا على وجهه أكل.
والواجب: أن لا يؤكل إلا ما يصيده المؤمنون.
وأما صيد البر فعلى ثلاثة أضرب: وحش وطير وجراد.
فالوحش على ضربين: ما له مخلب وما لا مخلب له.
فما له مخلب على ضربين: ما يفرس وما لا يفرس. فكل ما يفرس
محرم.
وما لا يفرس: الأرنب - وهو محرم - والثعلب والضب والقنفذ
واليربوع.
وكل ما عدا الحمر الوحشية والبقر والكباش الجبلية والحمور
والغزلان والنعام وما شاكل ذلك محرم.
وأما الطير فعلى ثلاثة أضرب:
ما يكون صفيفه أقل من دفيفه، وما يكون صفيفه أكثر من دفيفه، وما
يدف ولا يصف.
فالحرام: ما صفيفه أكثر من دفيفه، والباقي حل.
210

ولا يؤكل - على هذا - جوارح الطير.
واعلم، أن الصيد على ضربين: أحدهما يؤخذ بمعلم الكلاب، أو
الفهد، أو الصقر، أو الباز، أو النشاب، أو الرمح، أو السيف، أو
المعراض، أو الحبالة، أو الشبك.
والآخر: ما يصاد بالبندق، والحجارة، والخشب.
فالأول أكله - إذا لحق ذكاته - حل، إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل
أيضا وإن أكل منه الكلب نادرا حل، وإن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما
يذكى.
والثاني: لا يؤكل منه إلا ما يلحق ذكاته، وهو بخلاف الأول، لأنه
مكروه.
وقد روي تحريم ما يصاد بقس 1 البندق 2. وروي جواز أكل ما قتل
بسهم أو سيف أو رمح، إذا سمى القاتل 3.
فأما ما يؤخذ من البيض ولا يعلم أي بيض هو، فإنه يؤكل ما اختلف
طرفاه لا ما اتفق، وبيض ما يؤكل لحمه - ميتا كان أو حيا أو مذكى -.
وأما الجراد فصيده ذكاته.
ذكر الذبائح:
لا بد في ذلك من التسمية، والتوجه إلى القبلة، وأن يكون المتولي
لذلك مسلما. ولا يفصل الرأس إلا بعد الذبح 4. فإن تحرك - إذا ذبح

(1) القس: تتبع الشئ وطلبه. الصحاح 3: 963.
(2) راجع وسائل الشيعة 16: 283، نصوص باب 23 من أبواب الصيد.
(3) أنظر وسائل الشيعة 16: 273 - 274، باب 16 من أبواب الصيد، ح 2 و 3.
(4) وفي نسخة: " الرد ".
211

المذبوح - وخرج منه الدم، وإلا لم يؤكل لحمه. ولا تمسك الذبيحة بعد
فري الحلقوم.
وليس البلوغ شرطا في صحة الذبح، بل جاز أن يذبح الصبيان.
ذكر الأطعمة:
الطعام على ضربين: نجس وغير نجس.
فالنجس حرام وهو على ضربين: نجس بمباشرة الكفار، ونجس
بوقوع النجاسة فيه.
فالأول: يحرم على كل حال، وعلى هذا لا يؤاكل أصحابنا أحدا من
سائر الكفرة على اختلافهم.
والثاني على ضربين، أحدهما: تزيل النار حكم نجاسته، والآخر لا
تزيله. فالأول ما وقع فيه الدم من المرق فأغلي، فإنه يزول حكم نجاسته
ويحل أكله.
فأما ما يقع فيه شراب محرم فقد روي أنه لا يؤكل المرق، بل يغسل
اللحم والتوابل، ويؤكل 1. والأحوط اجتنابه.
ولا يؤكل الطحال ولا القضيب ولا الأنثيان. ويكره أكل الكلى.
فأما أجنة ما يؤكل لحمه: إذا وجدت في جوفه - بعد ذبحه أو موته،
فإن أشعر أو أوبر، وأمه مذكاة - فذكاته ذكاة أمه إذا لم تلجه الروح. فإن
ولجته الروح: فلا بد من تذكيته. وإذا لم يكن أشعر وتمت خلقته، فلا
يحل أكله.
ولا يؤكل ما يوجد في بطون الميتة إلا ما لحقته الذكاة. وما يقطع مما

(1) أنظر وسائل الشيعة 2: 1056، باب 38 من أبواب النجاسات، ح 8.
212

يحل أكله - وهو حي - لا يجوز أكله.
ولا يؤكل ولا يشرب في آنية من ذهب وفضة، ولا آنية من يستحل
الخمور حتى تطهر.
ذكر الأشربة:
يحرم من الأشربة: كل مسكر وفقاع وما هو نجس في حال الاختيار.
فإن انقلب شئ من المسكر إلى الحموضة وانتفت عنه الشدة المطربة
حل - سواء كان ذلك بعلاج أو بغير علاج -.
فأما الأدهان والدبس والعسل، وما شاكل ذلك، فإن وقع فيه نجاسة
وهو مائع فلا يؤكل. وإن كان جامدا بحيث لا يسري فيه، فإنه يلقى منه ما
يكتنف النجاسة، والباقي حل.
ويجوز الاستصباح بالأدهان النجسة تحت السماء لا تحت الأظلة.
وقد بينا أن ما لا نفس له سائلة كالجراد والذباب، لا ينجس ما يموت
فيه.
وإن عجن دقيق بماء نجس فلا يؤكل.
ولا تؤكل ألبان الميتة التي توجد في ضروعها بعد الموت. وما
تعالجه حائض أو جنب من الأطعمة يكره أكله إذا كانا غير مأمونين.
213

كتاب المواريث
215

المواريث على ضربين: نسب وسبب.
والنسب على ضربين، أحدهما: أبوا الموروث ومن يتقرب بهما،
والآخر: ولده وولد ولده وإن سفل.
والسبب على ضربين نكاح وولاء.
فالإرث بالنكاح يثبت مع كل نسب والإرث بالولاء لا يثبت إلا مع فقد
كل نسب.
والموانع من الإرث: الكفر، والرق، وقتل الوارث من كان يرثه لولا
القتل عمدا على وجه الظلم.
ولا يمنع الأبوين والولد والزوج والزوجات من أصل الإرث مانع.
ثم هم على ثلاثة أضرب:
الأول، الولد: يمنع من يتقرب به - ومن يجري مجراه من ولد إخوته
وأخواته - من أصل الإرث. ويمنع من يتقرب بالأبوين من أصل الإرث
أيضا. ويمنع الأبوين عما زاد على السدس، إلا على سبيل الرد مع البنت
والبنات. ويسقط نصف سهم الزوج والزوجة.
والأبوان: يمنعان من يتقرب بهما أو بأحدهما، ولا يتعدى منهما
217

إلى غيره.
والزوج والزوجة: لاحظ لهما في المنع.
وولد الولد - وإن سفل - يقوم مقام الولد الأدنى عند فقده في الإرث
والمنع ويورثون الأقرب فالأقرب. وهذه سبيل ولد الأخوة والأخوات
- وإن سفل - إذا لم تكن إخوة وأخوات مع الجدين والجدات.
وينقسم الورثة قسمة أخرى على ثلاثة أقسام:
قسم يرث بالفرض والتسمية في سائر الأحوال، وهو على ضربين:
أحدهما يرث بالتسمية ولا يرد عليه إذا كان معه ذو فرض غيره.
والثاني يرث بالتسمية ويرد عليه إذا كان معه ذو فرض غيره.
وقسم يرث بالفرض والتسمية في حال دون حال.
وقسم لا يرث بالفرض ولا بالتسمية في حال من الأحوال.
فالأول من الأقسام: من سمى الله تعالى له فرضين أعلى وأدنى، وهم:
الأم: لها الثلث إذا لم يكن لها ولد ولا إخوة ولا أخوات مع بقاء الأب.
ولها السدس مع الولد أو الأخوة أو الأخوات مع وجود الأب.
والزوج: له النصف إذا لم يكن له ولد، والربع مع الولد.
والزوجة والزوجات: لهن الربع مع فقد الولد، والثمن مع الولد.
والذي يرد عليه ممن دخل في هذه القسمة مع التسمية: الأم دون
الزوج والزوجات. ولا درجة لهم بعد ذلك.
والذي يرث بالفرض والتسمية في حال دون حال: من سمي له فرض
ولم ينتقل إلى فرض، وهم: الأب مع الولد والبنت والبنات والأخوة 1

(1) كذا في النسخ، والظاهر. " الأخت ". راجع جواهر الكلام 39:
218

والأخوات للأب والأم أو الأب والواحد 1 من ولد الأم والاثنان فصاعدا.
والذي لا يرث بالفرض ولا بالتسمية: كل من عدا هؤلاء، فإنهم يرثون
بالقرابة: لا بالفرض ولا بالتسمية.
والفروض تنقسم ستة أقسام:
الأول: النصف، والثاني: الربع، والثالث: الثمن، والربع: الثلثان،
والخامس: الثلث، والسادس: السدس.
فالنصف: فرض البنت، والأخت للأب والأم، والأخت للأب،
والزوج إذا لم يكن ولد، ولا ولد ولد وإن سفل.
والربع: فرض الزوج مع الولد، وولد الولد وإن سفل، والزوجة
والزوجات إذا لم يكن له ولد ولا ولد الولد وإن سفل.
والثمن: فرض الزوجة والزوجات مع الولد وولد الولد.
والثلثان: فرض ما زاد على الواحدة من البنات وما زاد على الواحدة
من الأخوات للأب والأم أو للأب.
والثلث: فرض الأم إذا لم يكن ولد ولا ولد الولد وإن سفل، ولا إخوة
ولا أخوات لأب وأم، أو لأب مع وجود الأب، وما زاد على الواحدة من
ولد الأم: الذكور والإناث سواء.
والسدس: فرض كل واحد من الأبوين مع الولد وولد الولد وإن
سفل، وفرض الأم مع الأخوة والأخوات إذا كان الأب موجودا.
وللواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى.
فهذه أصول هذا الكتاب، ثم نورد البيان إن شاء الله تعالى.
واعلم: أن البيان يشتمل على ميراث الوالدين على اختلاف

(1) في نسخة: " وللواحد ".
219

أحوالهما، وميراث الأجداد، وميراث الأولاد، وميراث الأزواج على
اختلاف أحوالهم، وميراث الأخوة والأخوات، وميراث أولاد الأخوة
والأخوات، وميراث العمومة والعمات والخؤولة والخالات، وميراث
الموالي، وميراث من لا وارث له من العصبة وذوي الأرحام، وميراث
المجوس، وميراث الخنثى، وميراث الغرقى والمهدوم عليهم.
وأول ما نقول: قد بينا أن الموانع من الإرث ثلاثة أقسام: كفر، وقتل،
ورق. فلنبين ذلك أولا:
الكفر ثلاثة أضرب: كفر في المورث، وكفر في الوارث، وكفر فيهما.
والمانع من الإرث عندنا هو الكفر في الوارث خاصة. فإن مات مؤمن
وله وارث كافر لم يرثه، فإن كان له وارث سواه ورثه - وإن كان الكافر
أعلى منه وأقرب - كأن يموت ويخلف ابنا كافرا وابن ابن مسلم فالإرث
لابن الابن، وعلى هذا: وإن بعد المسلم، فإن لم يكن له وارث مسلم
فميراثه لبيت المال.
فأما الكفار فإنهم يرث بعضهم بعضا إذا لم يكونوا حربيين 1. ويرث
المسلم الكافر على كل حال.
وأما القتل فعلى ثلاثة أضرب: عمد، وخطأ، وشبيه عمد 2. ولا يمنع
الإرث إلا العمد خاصة، فإن كان للمقتول وارث سوى قاتله ورثه، وإلا
كان ميراثه لبيت المال.
وحكمه حكم الكفر في الأعلى والأدنى من ذوي النسب والقرابة.
وأما الرق فعلى ضربين: أحدهما: يجب إزالته للإرث، والآخر لا

(1) في نسخة: " أجنبيين ".
(2) في نسخة: " وخطأ شبه عمد ".
220

يجب.
فما يجب إزالته فهو رق الأبوين، مثاله: أن يموت من له إرث ويخلف
أبويه أو أحدهما وهما في الرق، فإنهما يشتريان أو من كان فيهما من
الشركة 1 ويعتقان ليجوز الإرث.
ورق باقي الأقارب لا يجب ذلك فيه.
والتركة على ضربين: تركة تفي بثمنها، وتركة تقصر من ذلك. وإنما
يجب شراؤهما أو شراء أحدهما إذا كانت التركة تفضل من ثمنها أو
ثمن أحدهما، فأما إذا قصرت فلا يشترى أحدهما، بل يكون الإرث
لبيت المال.
ومن عدا الأبوين لا يجب شراؤه ولا يجبر مالكه على البيع كما يجبر
في الأبوين.
فإن تبرع بالعتق مالكه ورث، وإلا كان الميراث لبيت المال، أو لمن
يكون حرا من ذوي رحمه وقراباته وإن بعد ودنا العبد. ومن ذلك
المكاتب يرث ويورث منه بحسب ما عتق منه لا غير.
واعلم، أن الدين والوصية والكفن مقدم ذلك كله على كل إرث، الكفن
ثم الدين، ثم الوصية، ثم الإرث.
ذكر ميراث الأبوين:
إذا مات الولد، فلا يخلو أن يكون وارث غير الأبوين أو يكون ثم
وارث. فإذا لم يكن وارث غيرهما فالإرث كله لهما. وإن كان ثم وارث
فعلى ضربين: أحدهما لا يرث معه، والآخر يرث. فمن لا يرث معه: من

(1) وفي نسخة: " أو من كان منهما من التركة ".
221

عدا الولد والزوج والزوجة. ومن يرثهم فمن ذكرناه. فإذا كان الأبوان لا
وارث سواهما: فللأب الثلثان وللأم الثلث. وإن كان ثم غيرهما فلا يخلو
أن يكون ولدا أو إخوة أو غيرهم، فالولد يحجب الوالدين حتى ينتهي
ميراثهما إلى السدس.
فأما الأخوة فلا يرثون معهما، وهم على ضربين:
أحدهما: يحجب، والآخر لا يحجب.
فمن لا يحجب: فالأخ من الأم خاصة، ومن يحجب فإنما يحجب
بشرط أن يكون أخوين لأبيه وأمه أو لأبيه، أو أربع أخوات أو أخا أو
أختين وما زاد، وأن لا يكونوا كفارا ولا عبيدا، وكذلك لا يكونوا قاتليه
عمدا ظلما، وأن يكون الأب باقيا، فإنه يحجب الأم عن الثلث إلى
السدس والباقي كله للأب.
وأما غير الولد والأخوة والأخوات، فعلى ضربين: أحدهما يرث مع
الأبوين وهما: الزوج والزوجة، فللزوج النصف، وللزوجة والزوجات
الربع، والباقي للأبوين.
ومع الولد: للأبوين السدسان، وللزوج الربع، وللزوجة والزوجات
الثمن. والباقي للولد. ولاحظ لغيرهما معهما في الميراث.
وأما إذا خلف جدين وحكمهما في الدرجة واحد، فحكمهما حكم
الأبوين، للذكر مثل حظ الأنثيين، وهما أحق بالتركة من ذوي الأرحام.
ولا يرث معهما عم ولا عمة ولا خال ولا خالة، ولا أولادهم لأنهم
يتقربون بهما.
ومن يرث معهما الأخوة والأخوات وأولادهم، والزوج والزوجات
والجد والجدات الأدنى أولى من العليا.
222

ذكر ميراث الأولاد:
من ترك ولدا لا وارث سواه فكل ميراثه له. ثم لا يخلو أن يكون الولد
واحدا أو اثنين أو أكثر. ثم لا يخلو أن يكونوا ذكورا كلهم أو إناثا أو
ذكورا وإناثا.
فإن كان الواحد ذكرا فالمال له كله.
وإن كانا اثنين فهو لهما 1 نصفين، وما زاد يقتسمونه بالسوية.
وكذلك حكم الإناث إذا لم يكن معهن ذكور، فسهم البنت الواحدة
النصف، وسهم البنتين أو البنات الثلثان، والباقي يرد عليها إن كانت
وحدها.
فأما إن كانوا ذكورا وإناثا، فللذكر مثل حط الأنثيين. فإن كان معهم
أبوان فللأبوين السدسان والباقي للأولاد.
فإن كان معهم زوج أو زوجة، فللأبوين السدسان، وللزوج والزوجة
الربع والثمن، والباقي لهم.
فإن كان له زوج فقط أو زوجة، فلهما سهمهما والباقي لهم.
والبنت الصلب أحق من ابن الابن.
فأما ابن الملاعنة فأمه ترثه دون أبيه، فإن لم تكن له أم، فمن يتقرب بها
دون من يتقرب بأبيه.
ذكر ميراث الأزواج:
قد بينا أن النصف للزوج مع عدم الولد، والربع للزوجة مع عدم الولد،
وأن مع وجوده للزوج: الربع، وللزوجة: الثمن. ولو كان له أربع زوجات

(1) وفي نسخة: " بينهما ".
223

لكان لهن الثمن بينهن بالسوية.
وفي أصحابنا من قال: إنه إذا ماتت امرأة ولم تخلف غير زوجها
فالمال كله له بالتسمية والرد، فأما الزوجة فلا رد لها، بل ما يفضل من
سهمها لبيت المال 1. وروي: أنه يرد عليها كما يرد على الزوج 2.
ذكر ميراث الأخوة والأخوات.
الأخ: لا يخلو أن يكون للأب والأم، أو للأب وحده، أو للأم وحدها.
فإن ترك واحدا منهم ليس معه غيره فالمال كله له.
وإن كان معه غيره فلا يخلو أن يكونوا مثله في النسب، إخوة
وأخوات فيكونوا في حكمه، أو مخالفين له.
والمخالفون له على ضربين: أخ وأخت، والآخر غيرهما.
والأخ والأخت اللذان من الأب لا حق لهما مع الأخ من الأب والأم.
والأخ والأخت من الأم: لكل واحد منهما السدس. وإن كانوا أكثر من
واحد - يعني الأخوة والأخوات من الأم - فلهما الثلث.
وما يرثونه بينهم بالسوية، الذكر والأنثى فيه سواء.
والأخوة والأخوات من جهة الأب أو من جهة الأب والأم: للذكر مثل
حظ الأنثيين.
ولا يرث مع الأخوة والأخوات أولادهم ولا أحد سوى الزوج
والزوجة والجد والجدة. وأما أولاد الأخوة والأخوات فحكمهم حكم

(1) منهم الشيخ الطوسي في النهاية: 642. ومنهم السيد المرتضى في الانتصار: 300 -
301.
(2) أنظر من لا يحضره الفقيه 4: 192، باب 133، ح 2.
224

آبائهم إذا فقد آباؤهم، ولاحظ لابن الأخ مع الأخ.
ذكر ميراث العمومة والعمات والخؤولة والخالات وأولادهم:
ميراث العمومة كميراث الأخوة والأخوات من الأب والأم، أو من
الأب.
وميراث الخؤولة والخالات كميراث الأخوة والأخوات من الأم، إلا
في موضع واحد وهو: أن ابن العم للأب والأم أحق بالميراث من العم
للأب، وليس كذلك الأخوة لأن ابن الأخ للأب والأم مع الأخ للأب لاحظ
له، وإنما التركة للأخ من الأب.
ذكر ميراث الموالي:
الموالي على ضربين: مولى بالعتق في غير واجب، ومولى ضمن
جريرته. ولا يرثون إلا إذا لم يكن لهم قريب أو نسب.
ومن كان مولى لا وارث له من مولى أو نسب، فميراثه لبيت المال.
وميراث من لا وارث له للإمام عليه السلام، ويضعه حيث يرى. وكان
أمير المؤمنين صلوات الله عليه يعطي ميراث من لا وارث له فقراء أهل
بلده وضعفاء جيرانه 1.
ذكر ميراث المجوسي:
أي مجوسي ترك أمه وهي زوجته أو واحدة من قراباته، فإنها ترث من

(1) أنظر وسائل الشيعة 17: 551 - 552، باب 4 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح 1
و 2 و 3 و 4.
225

وجهين: بحق الزوجية الثمن مع الولد، والربع مع عدم الولد، والسدس
مع الولد، والثلث مع عدمه.
فإن اتفق للوارث منهم سببان: يحجب بواحد منهما عن ميراث تركته
والآخر: ورث من جهة واحدة، وهو أن تكون ابنته أخته، ورث من جهة
البنوة دون الأخوة، لأنه لا ميراث للأخت مع البنت.
وعلى هذا كل مسائله.
ذكر ميراث الخنثى ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد:
الخنثى: من له ما للرجال والنساء. فلا يخلو إذا بال أن يبول من
أحدهما دون الآخر أو منهما. وإن بال من أحدهما ورث عليه. وإن بال
منهما: نظر من أيهما انقطع أخيرا فيرث عليه. وإن قطع منهما جميعا:
ورث النصف من ميراث النساء، والنصف من ميراث الرجال.
وإن لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء: ورث بالقرعة، وهو أن يكتب
على سهم: (عبد الله)، وعلى سهم (أمة الله).
وأما من له رأسان أو بدنان: فإنه إذا نام ينبه. فإن انتبه واحد منهما
ورث سهم اثنين، وإن انتبها جميعا فهو واحد.
ذكر ميراث الغرقى ومن انهدم عليه، ومن مات في وقت واحد:
إذا هلك جماعة - بينهم قربى - في وقت واحد، فلم يعلم أيهم مات
قبل صاحبه، فإنه يرث بعضهم من بعض، بأن يقدم أضعفهم سهما
ويؤخر أقواهم سهما.
مثاله: أن يهلك أب وابن، فيرث الأب سدسا مع الولد، والسبعة
226

أثمان مع الزوجة. ثم يفرض أن الأب مات وورثه الابن فيرث كل ماله
وما ورثه منه.
وقد استثني من ذلك: من مات في وقت واحد لأنه لا يرث بعضهم من
بعض، بل يرثهم وورثتهم.
واعلم: أن من له فرض من الورثة، فالمتقرب منهم بسببين أولى من
المتقرب بسبب واحد إذا تساووا في الدرجة والقربى.
ذكر جملة وجيزة من حساب الفرائض:
قد مضى القول أن الفروض ستة، فمخرجها على الصحة من خمسة
أعداد: فمخرج النصف من اثنين، ومخرج الثلث والثلثين من ثلاثة،
ومخرج الربع من أربعة، ومخرج السدس من ستة، ومخرج الثمن من
ثمانية.
ثم يدخل على هذه السهام سهام أخر، فيقسم مخرجها على الصحة
إلى ثلاثة أقسام:
إذا كان مع النصف ثلث أو سدس، فأصلها من ستة.
وإن كان مع الربع ثلث أو سدس، فأصلها من اثني عشر.
فإن كان مع الثمن ثلثان أو سدس، فأصلها من أربعة وعشرين.
ثم إذا زاد الورثة على الواحد ففيه الحساب. فإن خرجت السهام على
هذه المخارج على صحة فقد حصل المتبقي.
وإن انكسر فهو على ثلاثة أضرب:
منها: أن يضرب عددهم في أصل الفريضة.
مثاله: أبوان وخمس بنات. للأبوين السدسان، سهمان من ستة، وتبقى
227

أربعة أسهم لا تنقسم على صحة، يضرب عدد البنات وهو خمسة في
أصل الفريضة وهي ستة، فيكون ثلاثين، لكل واحد من الأبوين خمسة
أسهم، ولكل واحد من البنات أربعة أسهم.
والآخر: أن يبقى بعد الفرائض أكثر من واحد، ولا تصح القسمة بغير
كسر، يضرب عدد من له ما بقي في أصل الفريضة.
مثاله: أبوان وزوج وبنتان. للزوج الربع، وللأبوين السدسان. مخرج
هذه الفريضة من اثني عشر، تبقى بعد فرائضهم خمسة أسهم لا تنقسم
على البنتين على صحلا يضرب عدد البنتين وهو اثنان في اثني عشر
فتكون أربعة وعشرين لكل واحد من الأبوين أربعة أسهم، وللزوج ستة
أسهم، ولكل واحدة من البنتين خمسة أسهم.
والآخر: أن يبقى بعد الفرائض ما يجب رده على أرباب الفرائض أو
على بعضهم بقدر فرائضهم، ولا تصح القسمة على صحة تجمع فرائض
من يجب الرد عليهم ويضرب في أصل الفريضة.
مثاله: أم وبنت وزوج، فيها: ربع وسدس ونصف، مخرجها من اثني
عشر: للأم اثنان، وللبنت ستة، وللزوج ثلاثة. تبقى واحدة فلا ترجع
على صحة على الأم والبنت بحساب سهامهما وهو النصف والسدس،
ينظر أقل عدد له سدس صحيح ونصف صحيح فيكون ستة: نصيب
البنت منها ثلاثة ونصيب الأم واحد، فتضرب الأربعة في أصل الفريضة
وهي اثني عشر، فيكون ثمانية وأربعين، يجعل للبنت النصف: أربعة
وعشرون سهما، وللأم السدس: ثمانية، وللزوج الربع: اثني عشر.
فتبقى أربعة، فيرد على البنت ثلاثة بحساب حقها من الأصل، وعلى الأم
السهم الرابع بحساب حقها وهو السدس. وعلى هذا كائنا ما كان. ولا
228

يرد على الأم مع الأب والأخوة من الأب والأم أو الأب، بل يحجبونها
عند الرد أيضا، كما يحجبونها عن الأصل.
ذكر إبطال العول:
لا يجوز أن يجعل الله تعالى في مال مالا يفي به، لحكمته تعالى. فإذا
اجتمع في فريضة من له سهام مسماة ولم يف المال، فإن السهام إنما
اجتمعت بالذكر دون الحكم ويعمل فيها بأن يبدأ بمن له سهم مذكور قد
حط من له فرض إلى فرض فيعطى حقه، والباقي لمن بقي.
مثاله: والدان وزوج وثلاث بنات، ليس في شئ واحد سدسان وربع
وثلثان. ومعلوم أن الأبوين قد حطا بعد الأعلى إلى الأدون، وكذلك
الزوج، والباقي للبنين والبنات، لأنهما لم يسم لهما فرضان، أعلى
وأدون.
ذكر ترتيب ذوي الأنساب:
أصل النسب: الأبوان والولد، فلا يرث معهم من يتقرب بهم، وقد
مضى بيان ذلك، وقلنا: أن الولد يمنع من يتقرب به ومن يجري مجراه من
إخوته وأخواته. ويمنع أيضا من يتقرب بالأبوين، فإن الأبوين لا يمنعان
إلا من هو يتقرب بهما أو بأحدهما.
وإن ولد الولد - وإن سفل - يقوم مع الأبوين مقام الولد إذا فقد الولد.
ثم يلي الأبوين والولد وولده لولده - وإن سفل - من كان عنه الأبوان،
وهم: الجدان والجدتان، ومن كان غير الأبوين، وهم: الأخوة والأخوات.
وحكمهم مع من يتقرب بهم كحكم الأبوين في المنع من الإرث.
229

فولد الأبوين - وهم الأخوة والأخوات - يمنعون من يتقرب بهم من
ولدهم وولد من يجري مجراهم، ويمنعون أيضا من يتقرب بالجدين
والجدتين. ويقوم أولادهم - إذا فقدوا - مقامهم مع الجدين والجدتين.
والجدان والجدتان يمنعون من يتقرب بهم ولا يمنعون من يتقرب
بالإخوة والأخوات.
وولد الأخوة والأخوات يقومون مع الجدين والجدتين مقام آبائهم
إذا لم يكن إخوة وأخوات، كما يقوم ولد الولد مع الأبوين مقام آبائهم إذا
لم يكن ولد.
ثم يلي الجدين والجدتين والأخوة والأخوات وولدهم - وإن سفل -:
آباء الجدين والجدتين وأمهاتهم وولد الجدين والجدتين، وهم:
العمومة والعمات والخؤولة والخالات.
ثم يليهم آباء آباء الجدين والجدتين 1 وآبائهم وولد العمومة
والعمات والخؤولة والخالات الأقرب فالأقرب.
وأما الزوج والزوجة: فإنهما يرثان على كل حال. وإذا اجتمعا مع
الأبوين أو من يتقرب بهما، كان فرض الزوج أو الزوجات داخلا على
الأب ومن يتقرب به دون الأم ومن يتقرب بها.
ذكر أحكام القضاء:
وهو على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: أن يكون الحاكم عالما بالحكم في كل ما أسند إليه، وأن
يسوي بين الخصوم، ولا يميل.

(1) وفي نسخة: " وأمهاتهم ".
230

وما عدا ذلك ندب.
ومن الندب: أدب القضاء، وهو: أو ينجز حوائجه كلها التي تتعلق
نفسه بها قبل الجلوس، ولبس 1 ما يتجمل به، ويتوضأ ويخرج إلى
المسجد الأعظم في بلده، فيصلي ركعتين، ويجلس مستدبر القبلة
ليكون وجهه إلى الخصوم وليكن عليه سكينة ووقار. ثم يتقدم إلى كل من
حضر للتحاكم أن يكتب اسمه واسم أبيه وما يعرف به - من غير الألقاب
المكروهة - ثم يأخذها ويخلطها ويجعلها تحت شئ ويأخذ واحدة
فمن خرج اسمه استدعاه.
ولا يبدأ أحد الخصمين بالكلام إلا رد السلام. وليكن نظره إليهما
متساويا، ومجلسهما كذلك. فإن صمتا فلم يتكلما قال لهما: إن كنتما
حضرتما لشئ فاذكراه. فهذا كله ندب.
ومن الواجب سماع الدعوى وسؤال المدعى عليه عما عنده فيها. فإن
أقر ولم يرتب بفعله واختياره، ألزمه الخروج مما أقر به. فإن لم يخرج
أمر خصمه بملازمته حتى يرضيه. فإن التمس الخصم حبسه على ذلك
حبسه. فإن ظهر له أنه معدم، خلى سبيله، وأمره أن يتحمل ذلك.
فإن ارتاب بفعله لم يثبت عليه الحكم حتى يظهر له أمره. فإن أنكر
المدعى عليه، سأله: ألك بينة؟ فإن قال: نعم هي حاضرة، نظر في بينته،
وإن قال: ليست بحاضرة، قال: أحضرها. فإن قال: نعم، أخره ونظر بين
غيره وبين خصمه. وإن لم يتمكن من إحضار البينة. أو لم تكن له بينة، قال
له: فما تريد؟ فإن قال: لا أدري. أعرض عنه، وإن قال: تأخذ حقي، قال
للمنكر: أتحلف؟ فإن قال: نعم، قال للمدعي: قد سمعت، أتريد

(1) وفي نسخة: " ويلبس ".
231

يمينه -؟ فإن قال: لا، أقامهما، وإن قال: نعم، وعظ المنكر. فإن قام على
الانكار أحلفه، وإن نكل عن اليمين ألزمه المدعى عليه. وإن رد اليمين
على خصمه، قال الحاكم للمدعي: أتحلف على صحة دعواك؟ فإن
حلف ألزم خصمه المال، وإن نكل بطلت دعواه.
ومن أقر بالدعوى وسأل الأنظار، فإن أنظر خصمه وإلا لم يكن
للقاضي إلزامه ذلك ولا سؤاله فيه.
ولا يثبت إقرار عبد ولا محجور عليه.
وإذا أقر بمال فقال خصمه للحاكم: أثبت إقراره، ولم يثبته إلا إذا كان
عارفا بالمقر بعينه واسمه ونسبه، أو يأتي خصمه ببينة عادلة على أن
المقر هو فلان بن فلان.
ثم لا يخلو الخصمان أن يدعي أحدهما قبل صاحبه، أو معه. فإن
كان قبله فقد بينا ما فيه. وإن كان معه سمع من الذي عن يمين صاحبه.
والمدعى عليه على ثلاثة أضرب: صحيح اللسان، أو من به آفة، أو
من يظهر ذلك وليس عليه. فالصحيح قد بينا حكمه. وأما المؤوف
فيتوصل إلى فهمه ومعرفة ما عنده. والثالث يؤمر بحبسه حتى يقر أو
ينكر، أو يعفو خصمه عنه.
ذكر أحكام البينات:
وهي أربعة أضرب: صفاتها وفي ماذا تقبل أو لا تقبل، وأعداد
الشهود في الأحكام، وكيفية إيقاع الشهادة، وكيفية سماعها.
ولا بد في البينة من العدالة، وأن لا يكون حاسدا ولا دوا ولا متهما
ولا ضنينا.
232

والثاني: لا تقبل شهادة مدع.
وإن شهد والد لولده وعليه قبل، والولد تقبل شهادته لوالده ولا تقبل
عليه.
وتقبل شهادات العبيد لساداتهم وغير ساداتهم وعلى غير ساداتهم،
وأما على ساداتهم فلا تقبل.
وتقبل شهادة الأعمى إذا ثبت.
وإذا تحمل كافر أو فاسق شهادة في حال كفره، ثم أسلم أو تاب
وتورع، وأقامها، قبلت.
والأعداد على ضربين، أعداد القسامة وأعداد غير القسامة.
فأعداد القسامة على ضربين:
قسامة قتل النفس وما له حكم النفس من الجنايات وهي غاية الأعداد
في البينات، وهو: خمسون رجلا يحضرهم أولياء المقتول إذا لم تكن
لهم بينة - رجلان عدلان - يشهدان بقتله، فيكونوا من قومه، يقسمون بالله
أن هذا قتل صاحبهم.
ولا قسامة إلا مع التهمة للمطالب.
والثاني: قسامة ما دون ذلك وهو بحسابه.
فأما أعداد غير القسامة فعلى ضربين:
عدد، وهو: أربعة، لا يجوزها ولا يقصر عنها، وهو شهادة الزنا
واللواط والسحق.
والثاني بأقل من أربعة، وهو على ضربين، شهادة لا بد فيها من اثنين،
وشهادة بواحد.
فما باثنين: الشهادة على القتل، وكل جنابة، والديون، والحقوق،
233

والأهلة - في غير أول شهر رمضان -.
وشهادة واحد: وهي في رؤية هلال شهر رمضان، وفي الديون مع
يمين المدعي.
واعلم: أن الأحكام تنقسم:
ففيها: ما لا تقبل فيه إلا شهادة الرجال.
وفيها: ما لا تقبل فيه شهادة النساء إلا إذا انضممن إلى الرجال.
وفيها: ما تقبل فيه شهادة الصبيان.
وفيها: ما تقبل فيه شهادة النساء إذا انفردن.
وأما ما لا تقبل فيه إلا شهادة الرجال فهو النكاح، والطلاق، والحدود،
ورؤية الأهلة.
وما تقبل فيه شهادة النساء إذا انضممن إلى الرجال: فالديون والأموال
تقبل فيها شهادة رجل وامرأتين.
وما تقبل فيه شهادة الصبيان: فالشجاج والجراح إذا ميزوا ما شهدوا
به، ويؤخذ بأول كلامهم.
وأما ما تؤخذ فيه شهادة النساء، فكل ما لا يراه الرجال، كالعذرة
وعيوب النساء، والنفاس، والحيض، والاستحاضة، والولادة،
والاستهلال، والرضاع، وتقبل فيه شهادة امرأة واحدة، إذا كانت مأمونة.
وقد مضى أن شهادة أهل الذمة لا تجوز مع وجود المسلمين، وأنها
مع عدمهم تجوز في الوصية للمسلمين لا عليهم.
ذكر كيفية إيقاع الشهادة:
وأما كيفية إيقاع الشهادة، فلا يشهد إلا إذا سئل، ولا يجوز له أن يكتم
234

إذا سئل، إلا أن تكون شهادته تبطل حقا قد علمه فيما بينه وبين
الله تعالى.
ولا يجوز له أن يمتنع من تحمل الشهادة إلا أن يضر بالدين أو بأحد
من المؤمنين.
فإن نسي الشهادة أو شك فيها فلا يقيمها. وإذا أحضروا كتابا فيه خطه
فلا يشهد إلا مع الذكر، اللهم إلا أن يقيم معه عدل آخر الشهادة، فيجوز
له حينئذ أن يشهد معه.
والشهادة على شهادة العدول: تحسب كل شهادتين بواحدة. وليعين
أنه شهد على شهادة غيره.
فأما كيفية سماع البينات:
يفرق الحاكم بين الشهود، ويسمع قول كل واحد منهم على انفراده،
ويأمر بكتبه، وينظر في كتبه كي لا يغلط. ثم يقيم الشاهد الأول، ويحضر
الثاني فيفعل معه مثل ذلك، ويكتب الدعوى ثم يقابل بين الدعوى
وشهادة الشهود، فإن اتفقت الدعوى والشهادة أنفذ الحكم، وإن اختلفا
أبط الشهادة.
ومتى تلعثم 1 الشاهد أو تتعتع 2 فلا يسدده الحاكم ولا يلقنه، فإن
استقامت الشهادة وإلا أبطلها.
استقامت الشهادة وإلا أبطلها.
ويسأل عمن شهد عنده، وهو أين يستخبر أمره من جيرانه ومعارفه،
فإن زكاه أمضى شهادته وإلا أبطلها. ولا يحكم بها إلا بعد التعرف. وإذا

(1) تلعثم الرجل في الأمر: إذا تمكث فيه وتأنى، قال أبو زيد. وقال الخليل: نكل عنه وتبصر
كما في الصحاح 5: 2030.
(2) التعتعة في الكلام: التردد فيه من حصر أو عي وتعتعت الرجل: إذا تمتلته وأقلقته.
الصحاح 3: 1191.
235

تعارضت البينتان، فإن كانت إحداهما أرجح، حكم بها، وإلا قسم الشئ
بين من قامت لهما البينات. فإن كان المدعى في يد أحد المدعيين مع
تعارض البينتين حكم به لمن يده خارجة عنها دون المتثبت بها.
وأي بينة قامت على إنسان بعد اليمين فهي على ضربين:
أحدهما: أن يكون شرط الحالف أن يمحو عنه المدعي كل دعوى
فأذعن بذلك، فلا حكم لهذه البينة.
والآخر: يقوم على ما حلف من غير شرط، فيلزمه الحاكم ما قامت به
البينة.
ذكر أحكام الجنايات في القضاء:
وهي على ضربين: ديات وحدود.
فالديات على ضربين: أحدهما، في قتل النفس، والآخر ما دونه.
والنفس على ضربين: نفس آدمي ونفس بهيمة.
فما في نفس الأدمي على ثلاثة أضرب: ما في العمد، وما في الخطأ
شبيه العمد، وما في الخطأ المحض.
وما في دون النفس على ضربين: جناية في الأعضاء، وجراح، ونحن
نبين ذلك كله بعون الله.
الأول: قتل العمد، وهو القتل بكل ما جرت العادة أن يقتل به
كالسيف والحجر والخشب وما شاكل ذلك.
وأما الخطأ شبيه العمد: وهو كمن أدب عبده بضرب في غير مقتل
فمات، وعلاج الأطباء بما جرت العادة أن ينتفع به فيموت.
وأما الخطأ المحض فكأن يرمي كافرا فيصيب مؤمنا.
236

فالأول على ضربين:
أحدهما: أن يكون القاتل واحدا. والآخر: أن يكون أكثر من واحد.
فإن كان واحدا على ضربين:
أحدهما: أن يكون قتل حر مسلم، والآخر: أن يكون قتل غيره.
وقتل الحر المسلم على ثلاثة أضرب: قتل رجل رجلا وقتل رجل
امرأة، وقتل امرأة رجلا.
فمتى قتل رجل رجلا حرا مسلما لزمه القود - إن اختار أولياء
المقتول - أو الدية ويجوز أن يعفو عنها، فإذا أرادوا القود فلا قود إلا
بالسيف، اللهم إلا أن يكون القاتل أب المقتول، فإن الأب لا يقاد بابنه، بل
يؤخذ منه ديته ولا يورث منها ويعاقب، فأما الأم فتقاد بالابن.
وإن أرادوا الدية وبذلها القاتل من نفسه جاز، وإن بذل نفسه فليس لهم
غيرها.
والدية: فهي من الإبل - إن كان القاتل من أهل الإبل - مائة مسنة.
وإن كان من أهل البقر فمائتا بقرة.
وإن كان من أهل الغنم فألف رأس.
وإن كان من أهل الحلة فمائتا حلة.
وإن كان من أهل العين فألف دينار.
وإن كان من أهل الورق فعشرة آلاف درهم.
وأكثر مدة أدائها سنة، ويؤخذ من ماله.
وإن كان قتل في الحرم أو في أشهر الحرم فعليه دية وثلث.
إلا أن من وجب عليه القود فلجأ إلى الحرم أو مشهد من مشاهد
الأئمة عليهم السلام ضيق عليه ليخرج فيقاد منه. ويقتل من قتل في
237

الحرم.
فإن قتل رجل امرأة عمدا واختار أولياؤها قتله أدوا إلى ورثته نصف
ديته، وإن اختاروا الدية فلهم نصف دية الرجل.
وإذا قتلت امرأة رجلا عمدا فاختار قتلها أولياء المقتول فليس لهم
إلا قتلها، وإن أرادوا الدية وبذلها قومها فدية كاملة، فأما مع التساوي
فالتساوي.
فأما قتل غير المسلم الحر فعلى ضربين:
قتل عبد وقتل ذمي. ثم لا يخلو أن يكون قاتلهما حرا مسلما، أو
مثلهما.
فإن كان حرا مسلما لم يقتل بهما، وإنما يؤخذ منه دية الذمي إن كان
رجلا ثمانمائة درهم، وإن كانت امرأة أربعمائة درهم.
وثمن العبد ما لم يتجاوز الدية الكاملة، فإن تجاوزت ذلك ردت إليه
ويعاقب على ذلك ولا قود عليه، إلا أن يكون معتادا لقتل العبيد وأهل
الذمة، فيقتل به ويؤخذ الفاضل.
وإن كان قاتل العبد مولاه أغرمه الإمام قيمته بعد العقوبة وتصدق بها.
ومن كان مثلها فله حكمها، فإن أريد القود منه أقيد، وإن أريد الدية
أخذت.
فإن قتل ذمي حرا، أو العبد المسلم رجلا مسلما أو امرأة مسلمة،
عمدا. فالذمي سواء قتل رجلا أو امرأة يدفع برمته وماله وولده الصغار
إلى أولياء الدم فإن اختاروا القود قتلوه وإن اختاروا الرق استرقوه.
وإن قتل العبد المسلم رجلا أو امرأة مسلمين دفعه مولاه إلى أولياء
الدم، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا استرقوه. وإن بذل مولاه الدية
238

واختارها الأولياء فدية كاملة للرجل والنصف للمرأة. فإن كان العبد
مدبرا أو مكاتبا في قتل العمد أقيد منه كالأحرار.
فأما في قتل الخطأ فسيد المدبر يؤدي 1 عنه الدية، فإن لم يؤدي عنه
سلمه، وكان لهم أن يسترقوه وليس لهم أن يقتلوه.
فأما المكاتب فإن شرط عليه مولاه أنه متى عجز يرجع في الرق
فحكمه حكم المدبر، وإن لم يشترط فعلى الإمام أن يؤدي عنه بقدر ما
عتق منه ويستسعى في البقية.
وأما الخنثى فإن قتل رجلا وله حكم الرجال قتل به، وإن كان له حكم
النساء فحكمه ما تقدم. وإن كان الحال ملتبسة فيه ففي قتله للرجال إما أن
يقتل به أو يؤخذ منه دية كاملة، وإن قتله رجل أدى إليه نصف دية
الرجل ونصف دية المرأة.
فإن كان القتل عمدا أكثر من واحد فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يكون القتلة رجالا مسلمين قتلوا مسلما.
والآخر: نساء مسلمات قتلن مسلما.
والثالث: أن يكون رجلا ونساء وصبيانا ومجانين وعبيدا مشتركين
في القتل.
فالأول: إن أراد الأولياء القود فلهم أن يقتلوا الكل ويؤدوا إلى ورثتهم
ما فضل عن دية الرجل فإن أرادوا الدية فلهم دية واحدة على الكل
يخرج من أموالهم بأعدادهم. وحكم النساء على هذا، إلا أن ديتهم على
النصف من دية الرجال. فإن كان القتلة رجالا ونساء عقلاء وأرادوا القود
قتلوا وأدوا ما فضل عن دية رجل واحد، وإن كان المقتول امرأة أدوا ما

(1) في بعض النسخ: يزن، وفي بعضها " يدفع "، - وكذا في نظيره الآتي -.
239

فضل عن دية امرأة واحدة، وإن شاركهم المجانين والصبيان في القتل،
فلا قود وإنما تؤخذ الدية عن عاقلتهم لأن العمد منهم كالخطأ.
فإن شاركهم خنثى له حكم الرجال أو النساء فلا لبس، وإن كان له
حكمهما - بأن يبول من الموضعين ويقطع منهما - فقتل، أعطي ورثته
بحسب ديته من جملة القاتلين نصفين نصف سهم رجل ونصف سهم
امرأة.
ولا يقاد أيضا عاقل بمجنون، بل عليه الدية كاملة.
فإن اشتركوا في قتله - لا بأن فعل كل واحد منهم بالعادة الجارية بأن
يموت معه، بل بأن يقتله منهم قوم، وينظر لهم آخرون ويمسكه
آخرون قتل من قتله وأدى فاضل ديتهم، وخلد ممسكه الحبس حتى
يموت، وسملت عين من نظر لهم.
فإن أقر إنسان بقتله عمدا وآخر أقر بقتله خطأ، فليس لولي الدم إلا
المطالبة من أحدهما دون الاثنين.
فإن كان أولياء المقتول عمدا زائدا على واحد فاختلفوا، فقال
بعضهم: القود، وقال الآخر: الدية، فليقتله من آثر قتله من الأولياء
ويؤدي سهم من لم يؤثر قتله الدية من ماله، فإن عفى أحدهم عنه وآثر
الباقون قتله فليؤد من يريد قتله إلى أولياء المقاد منه قدر سهم من عفى
من الدية وإلا لم يكن لهم قتله.
قد بينا أن من عدم البينة، أقام خمسين رجلا قسامة، فإن نقص من
الخمسين جماعة أو لم يكن له قوم فليتمم الولي أيمانا يتم بها خمسين،
أو يحلف خمسين يمينا في مقام الرجال.
ومن الاشتراك: أن يشرف جماعة من علو فيقع منهم واحد فيتشبت
240

بالذي هو من قبله ويتعلق الآخر بالآخر فيهلكون كلهم، فعلى الأول ثلث
الدية وعلى الثاني ثلث الدية، وعلى الثالث ثلث الدية، وعلى الرابع الدية
الكاملة.
فإن كان القتل خطأ شبيه العمد فلا قود عليه، وفيه الدية: مائة من
الإبل منها ثلاث وثلاثون حقه، وثلاث وثلاثون جذعة، وأربع وثلاثون
ثنية كلها طروقة الفحل. والغنم على هذه الأسنان. والبقر كأسنان الإبل
في قتل العمد.
وأما قتل الخطأ المحض فلا قود فيه - أيضا - وفيه الدية، لمن كان من
أهل الإبل ثلاثون حقة، وثلاثون بنت لبون، وعشرون بنت مخاض،
وعشرون ابن لبون ذكر.
وبينهما فرق آخر وهو: أن دية الخطأ المحض تستأدى في ثلاث
سنين، ودية شبيه العمد في سنتين، ودية الخطأ ترجع العاقلة بها على
مال القاتل.
واعلم: أن ما يلحق بقتل الخطأ على ضربين:
قتيل لا يعرف قاتله. وهو على ضربين:
قتيل الزحام.
والقتيل الموجود بين القرى.
ومن وجد مقتولا في أرض فعلى أربعة أضرب:
منهم: من يكون بين القريتين، وهو إلى إحداهما أقرب، فديته عليها.
ومنهم: من يكون بينه وبين القريتين قدر متساو فديته عليهما.
ومنهم: من يوجد في قبيلة أو دار قوم فديته عليهم.
ومنهم: من يكون مقطعا كل قطعة منه في موضع فديته على من وجد
241

عنده صدره وقلبه، إلا أن يتهم غيرهم فيؤخذ منه بقدر ما يصيبه.
واعلم أن قاتل الخطأ إذا لم يكن له عاقلة وكان له مال أخذت منه الدية
من ماله، فإن لم يكن له مال أداها عنه السلطان من بيت المال، وهذا خاص
في قتل الخطأ. فأما العمد فليس فيه 1 إلا القود أو الدية من ماله إن كان له
مال، أو العفو والقود إن لم يكن له مال.
ومن قتل عبده خطأ فعليه الكفارة حسب.
هذا كله متى كان المقتول مظلوما أو في حكم المظلوم. فأما من ليس
هذا حكمه فدمه طائح كمن هجم على دار قوم فتعتعوه 2، حتى يخرج
فلم يخرج فضربوه بعمود ليخرج فمات، ومن اطلع لينظر عورات قوم
فإن دارهم فزجروه فلم ينزجر فرموه بالنشاب أو غيره فقتل، أو من سقط
من علو على غيره فقتله، وكمن أغشى دابته إنسانا فأراد الإنسان دفعها
عنه فنفرت فرمت به فقتلته فلا دية له.
ومن الملحق بذلك ضمان النفوس.
ذكر ضمان النفوس:
من أخرج غيره من بيته فهو ضامن له حتى يرجع، فإن لم يرجع فلا
يخلو: إما أن يعرف له خبرا، أو لم يعرف، فإن لم يعرف له خبر فعليه
ديته إذا لم يثبت أنه قتله.
فإن وجد مقتولا، فلا يخلو: أن يدعي صاحبه 3 قتله على غيره أو لا

(1) في نسخة: " له ".
(2) أي من غير أن يصيبه أذى يقلقله ويزعجه. نهاية ابن الأثير 1: 190.
(3) في نسخة: " ضامنه ".
242

يدعي، فإن ادعى طولب بإحضار قاتله أو إقامة البينة عليه، فإن فعل ذلك
فلا شئ عليه، وإن لم يفعل فعليه ديته.
وإن لم يدع ذلك، فلا يخلو: أن يدعي أنه مات حتف أنفه أو لا يدعي
شيئا.
فإن ادعى أنه مات حتف أنفه لزمته البينة، وإن لم يدع شيئا فأولياء
المقتول بالخيار بين قتله قودا وبين أخذ الدية منه.
ومن جامع زوجته ولها دون تسع سنين فأفضاها لزمه ديتها والقيام
بنفقتها حتى يموت أحدهما.
ومن ائتمن ظئرا على ولده فسلمته إلى غيرها فلم يعرف له خبر
فعليها الدية.
وإن نومت الصبي إلى جنبها 1 فانقلبت عليه فقتلته فعليها الدية.
وإذا اعتنق الرجل بالمرأة فماتت فعليه الدية، وكذا لو ضمته هي
فقتلته فعليها الدية.
وأي راكب قتلت دابته أو جنت بيدها، فعليه الدية أو أرش الجناية،
فإن قتلت برجلها من غير أن يضربها فلا ضمان عليه، وإن كان ضربها
فعليه الضمان بحسب ما تجني.
فإن هجمت على دابة قوم في مرابطها فجنت عليها فهو ضامن لما
تجنيه، فإن هجمت دابة القوم عليها فلا ضمان.
ومن أحدث في طريق المسلمين ما ليس له، يضمن ما يلحق به من
جناية عليه، ولا ضمان عليه فيما يحدثه مما له إحداثه.
واعلم: أن الحامل إذا قتلت حملها فعلى ضربين:

(1) في نسخة: " جانبها ".
243

أحدهما: يكون حملها تاما كاملا فتقتل بقتلها.
والآخر: أن لا يكون كذلك.
فغير التام الكامل عليها ديته، فإن كان ذكرا فذكرا وإن كان أنثى فأنثى.
فإن مات في جوفها ولم يعلم ما هو، فديته عليها نصفين: نصف دية
الرجال ونصف دية الإناث.
وإذا ضرب امرأة فألقت نطفة فعليه عشرون دينارا، وإن ألقت علقة
فعليه أربعون دينارا، وإن ألقت مضغة فستون دينارا، وإن ألقت عظما
فثمانون دينارا، وإن ألقت جنينا قبل أن تلج الروح فيه فمائة دينار. وفي
قطع جوارحه بحسب ديته.
وفي قطع رأس الميت مائة دينار. وفي قطع جوارحه بحسابه.
فإن شربت المرأة دواء فألقت جنينها لزمها ما ذكرناه. فإن ألقت ما
ولج فيه الروح فعليها دية كاملة.
ومن أفزع رجلا يجامع زوجته فعزل عنها فعليه عشرة دنانير.
وفي جنين الأمة إذا ألقته عشر قيمتها، وكذلك في جنين البهيمة،
وبحساب ذلك ما يلقيانه من النطفة والعلقة والمضغة والعظم.
ذكر الجناية على البهائم:
البهائم على ضربين: بهيمة لا تدخل تحت ملك المسلم، وهو:
الخنزير والدب والقرد.
وبهيمة تدخل تحت الملك، وهو: ما عدا ما ذكرناه.
وهذا الضرب على ضربين:
أحدهما: لا يقع عليه ذكاة، وهو مما لا يحل أكله.
244

والآخر: يقع عليه ذكاة.
فإن أتلف إنسان حيوان غيره مما يقع عليه الذكاة بالذكاة، فلمالكه أن
يعطيه إياه ويأخذ منه قيمته حيا، وله أن يأخذ أرش ذبحه.
وإن أهلكه بالقتل - لا بالذكاة -، فعليه قيمته حيا.
فأما ما لا يقع عليه ذكاة مثل جوارح الطير والسباع والكلاب التي
ينتفع بها، فعليه - إذا أتلفه - قيمته حيا.
وقد وظف في دية الكلب المعلم أربعون درهما، وفي كلب الماشية
والحائط عشرون درهما، إلا أن ما لا يملكه المسلم إذا كان ملكا لذمي
كالخنزير فأتلفه فعليه قيمته له عند أهل نحلته.
فأما الجناية في أعضائها فبحسب قيمتها.
ذكر أحكام الجناية على ما هو دون النفس من الأعضاء:
الأعضاء على ضربين:
أحدهما: في الإنسان منه واحد فقط.
والآخر: فيه أكثر من واحد.
فالواحد: اللسان، والذكر، وعين الأعور خلقة، والصلب، والرقبة، وما
كان مثل ذلك.
وفي الجناية في هذا على ضربين:
جناية باستئصاله، وجناية بغير استئصاله.
فإذا استؤصل نفسه ففيه دية كاملة.
والأنف فيه دية كاملة، وفي روثة 1 الأنف خمسمائة دينار 2. فإن نفذت

(1) الروثة: مقدم الأنف أجمع، وقيل: طرف الأنف. لسان العرب 2: 157.
(2) أنظر وسائل الشيعة 19: 221، باب 4 من أبواب ديات الأعضاء، ح 1.
245

فيه نافذة لا تنسد ففيه ثلث الدية، فإن عولجت فبرئت وانسدت ففيها
خمس دية الأنف: مائتا دينار.
إلا أن لسان الأخرس فيه ثلث الدية.
وما يذهب من هذه الأعضاء بعضه بالجناية فبحسبه.
فأما اللسان الصحيح، فيعتبر بحروف المعجم - ثمان وعشرون
حرفا - ويلفظ بها، فما نقص منها أخذ من الدية بكل حرف جزء.
والأخرس يؤخذ قدر ما مضى من لسانه بالمثل.
وكذلك الذكر.
فأما عين الأعور إذا كان قد أخذ ديتها أو تلفت 3 في قصاص، ففيها
نصف الدية. فأما من لا يبصر شيئا وعينه قائمة فأذهبها، ففيها ربع دية
العينين الصحيحتين، وفي كل واحدة نصف ذلك.
فأما ما يزيد على الواحد، فمنه ما فيه اثنان ففيهما الدية الكاملة إذا
استؤصلا، كالعينين واليدين والعضدين والذراعين والساقين والفخذين
والشفتين والرجلين والأنثيين. إلا أن في الشفة السفلى ثلثي الدية، وفي
العليا الثلث. وفي البيضة اليسرى ثلثي الدية، وفي اليمنى الثلث.
وفي شق الشفة حتى تبدو الأسنان ولا تبرأ ثلث الدية، فإن برئت
فخمس الدية.
فأما الحاجبان إذا أصيبا فلم ينبت شعرهما ففيهما خمسمائة دينار،
وفي أحدهما مائتان وخمسون دينارا.

(3) في نسخة: " قلعت ".
246

وإذا جنى على إنسان فصار أدر 1 فله أربعمائة دينار، فإن لم يقدر
لذلك على المشي فله ثمانمائة دينار.
وفي اليد الشلاء ثلث الدية الصحيحة.
وأما ما في الإنسان منه واحد وليس بعضو كاللحية وشعر الرأس،
ففي إذهابه حتى لا ينبت: الدية الكاملة.
وإذا ذهب الحاجب فنبت، ففيه ربع الدية، وروي أيضا: أن قيمتها إذا
لم ينبت مائة دينار 2.
وأما ما في الإنسان منه أربعة أشياء كأشفار العين: ففي شفر العين
الأعلى ثلث دية العين، وفي الأسفل نصف ديتها: بالرسم النبوي
العلوي 3.
ومن ادعى ذهاب بصره ولم يظهر أمره، يقام مواجها لعين الشمس،
فإن أطبقها فقد كذب، وإن لم يطبقها فقد صدق.
فإن ادعى ذهاب بعض ضوئهما أو ضوء أحدها فإنه يؤخذ خيط
وينظر غاية ما يبصر بها من هو في سنة، ثم ينظر غاية ما يبصر هو،
ويحسب النقصان فيؤخذ من الدية بحسبه.
وإن كان في إحدى عينيه فلينسب إلى عينه الأخرى ويعتبر من أربع
جهاته، فإن تساوى قوله صدق، وإن اختلف لم يصدق. ولا يعتبر ذلك
في يوم غيم.
ويعتبر السمع بالصوت بدل الخيط على نحو ما ذكرناه في العين،

(1) الأدرة - بضم الهمزة وسكون الدال -: نفخة في الخصية، يقال: رجل آدر بين الأدرة.
الصحاح 2: 577.
(2) لم نعثر عليه ولعله من مراسيله " قدس سره ".
(3) أنظر وسائل الشيعة 19: 218، باب 2 من أبواب ديات الأعضاء، ح 3.
247

ويكون في يوم ساكن الريح.
ولمن كسرت يده ثم جبرت من غير عثم 1: الأرش.
وأما ما في الإنسان منه عشرون عضوا: فالأصابع في اليد أصول
عشرة، وفي الرجل كذلك. وفي أصابع اليدين الدية، وفي أصابع
الرجلين: الدية، وفي كل واحدة عشر الدية. فأما الزوائد ففي كل واحدة
ثلث دية الإصبع.
وما له حكم العضو: السن في الإنسان، فيها أصول ثمانية وعشرون،
منها مقاديم اثني عشر، ومآخير ستة عشر، وفي كل واحدة من المقاديم
خمسون دينارا، وفي كل من المؤخرات خمسة وعشرون دينارا، فذلك
ألف دينار في الكل. فإن ضرب سن فاسود ولم يقع ففيه ثلثا الدية.
فأما الزوائد، فقيل: إن لكل واحد ثلث دية الأصلي 2، وقيل ليس فيه
شئ موظف، وإنما ينظر من سقط سنه كم قيمته لو كان عبدا معها، وكم
ينقص بسقوطها 3.
واعلم: أن كل من فعل بإنسان جناية فمات منها أو مرض بها أو لم
يمرض فعليه القود، وإن لم يمت فالجناية على ضربين:
جناية يخاف أن يقتص منها من تلف نفس المقتص منه في الأغلب،
وجناية ليس هذا حكمها.
فالأول: لا قصاص فيه وإنما فيه الدية.
والثاني: صاحب الجناية مخير فيه بين القصاص والدية، ولا قصاص

(1) عثم العظم المكسور: إذا انجبر من غير استواء. مجمع البحرين 6: 110.
(2) القائل هو الشيخ الصدوق " قدس سره "، أنظر من لا يحضره الفقيه 4: 103. والشيخ
الطوسي " قدس سره " في النهاية: 767.
(3) القائل هو الشيخ المفيد " قدس سره " راجع المقنعة: 756.
248

فيما يبرأ ويصلح وإنما فيه الأرش، والقصاص فيما لا يبرأ.
ومن داس بطن إنسان حتى أحدث، ديس بطنه أو يفتدي نفسه ثلث
الدية.
واعلم: أن المرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى
تبلغ ثلث الدية، فإذا بلغتها رجعت إلى النصف من دية الرجل.
فأما ديات أعضاء أهل الذمة فبحسب دياتهم.
وديات أعضاء العبيد على حسب قيمتهم.
ولا قصاص بين المسلم والذمي والعبد، وإنما القصاص مع التساوي
في الحرية والدين.
ذكر أحكام الجراح والشجاج وما يتبع ذلك:
الشجاج على ثمانية أضرب:
الحارصة: وهي الخدش الذي يشق الجلد، وفيها: بعير.
والدامية: وهي التي يسيل منها الدم، وفيها: بعيران.
والباضعة: وهي التي تقطع اللحم، وفيها: ثلاثة أبعرة.
والسمحاق: وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ إلى الجلدة الرقيقة التي
على العظم، وفيها أربعة أبعرة.
والموضحة: وهي التي توضح العظم وتقشر الجلد عنه، وفيها:
خمسة أبعرة.
والهاشمة: وهي التي تهشم العظم، وفيها: عشرة أبعرة.
والناقلة: وهي التي تكسر العظم كسرا يحتاج معه إلى نقله من مكانه،
ففيها: خمسة عشر بعيرا.
249

والمأمومة: وهي التي تبلغ إلى أم الدماغ، وفيها: ثلث الدية.
وأما الجائفة: فهي التي تصل إلى الجوف، وفيها: ثلث الدية - أيضا -.
ولا قصاص إلا في سبع منهن، وما عدا المأمومة والجائفة، فإن فيها
تغريرا بالنفس، فلا قصاص فيهما.
وفي كسر عظم من عضو: خمس دية العضو.
وفي موضحته: ربع دية كسره.
فإن جبر على غير عثم 1 ففيه أربعة أخماس كسره.
وفي رضه ثلث دية عضوه.
فإن فلت 2 عظم من عضو فتعطل العضو بذلك ففيه ثلثا دية العضو.
فإن جبر فصلح ففيه دية أربعة أخماس دية فكه.
وفي نقل عظام الأعضاء مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية
العضو.
وفي لطمة الوجه إذا احمر لها دينار ونصف، فإن اخضر أو أسود ففيه
ثلاثة دنانير.
وهي في البدن على النصف من ذلك.
واعلم أن القسامة في الأعضاء والجراح على قدر مبلغه من الدية من
الرجال إن وجب فيه نصف دية فخمسة وعشرون رجلا، وإن وجب فيه
خمس دية فعشرة رجال، وعلى هذا فقس.

(1) أي إذا انجبر صحيحا من غير اعوجاج.
(2) في نسخة: " فك ".
250

كتاب الحدود والآداب
251

إعلم، أن الحدود على ضربين: حد فيه القتل، وحد بدونه.
فالحد بالقتل هو: حد الزنا للمحصن والمحصنة، وحد اللواط إذا كان
بإيقاب، وحد من غصب امرأة على نفسها.
ومن تكررت منه المساحقة تقتل.
ومن حد في شرب الخمر مرتين وعاد في الثالثة قتل.
والمجرد للسلاح في أرض الإسلام، والساعي فيها فسادا إن شاء
الإمام قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف، وإن شاء
نفاه من الأرض.
ويقتل من أدمن 1 بيع السموم.
ويقتل غير المحصن - في العود في الرابعة - إذا كان قد أقيم عليه الحد
في ثلاث، وإن لم يقم عليه الحد فلا يقتل بل يحد.
ويقتل الذمي إذا زنا بمسلمة على كل حال، وتحد هي إذا كانت غير
محصنة.

(1) أدمن فلان على كذا إدمانا: إذا واظبه ولازمه. مجمع البحرين 6: 248.
253

وكل من وطأ إحدى المحارم 1 قتل - إذا علم التحريم -، سواء كان
بعقد أو بغير عقد.
فالأول: حد الزنا ونقول: إن الزانين على ضربين: محصن وغير
محصن.
فالمحصن على ضربين: عاقل ومجنون.
فالمجنون يدرأ عنه الحد.
وأما العاقل المحصن فإنه إذا شهد عليه أربعة رجال عدول بأنه وطأ
غير من له وطؤها في القبل أو الدبر وكان لا حائل بينه وبين وطء زوجته،
وكان نكاحها للدوام، فإن المتعة لا تحصن. فأما ملك اليمين فقد روي أنه
يحصن 2.
ويحد الزاني أولا مائة جلدة، ثم يرجم حتى يموت. فإن أقر على
نفسه أربع مرات حد أيضا. وتحفر له حفيرة، ويقام فيها إلى صدره، ثم
يرجم.
والمرأة تقام إلى وسطها.
فإن كان بالشهادة حد، رجمه الشهود أولا، ثم غيرهم. وإن كان
بالاقرار، رجمه من يأمره الإمام بذلك، فإن فر من الحفيرة وقد أقر فلا
يرد. وإن كان قد قامت عليه الشهادة رد ورجم حتى يموت.
والإمام مخير في حد اللواط بين القتل بالسيف، وبين أن يرمي عليه
حائطا، أو يرميه من موضع عال، أو يرميه بالحجارة.
وكل حدود الزنا - على اختلافها - لا تثبت إلا بشهادة أربعة رجال

(1) في نسخة: " المحرمات ".
(2) أنظر وسائل الشيعة 8: 353، باب 2 من أبواب حد الزنا، ح 5.
254

- على الوجه الذي ذكرناه - في مجلس واحد أو الاقرار أربع مرات.
فأما اللواط والسحق: فالبينة فيهما مثل البينة في الزنا، إلا أن الحد في
الاحصان وغير الاحصان لا يختلف - إذا كان اللواط بإيقاب -.
فأما ما هو دون القتل: قطع وجلد.
والجلد على ضربين: ما هو جلد مائة، وما دون ذلك.
فالمائة جلدة: حد الزاني غير المحصن، وحد اللواط الذي لا إيقاب
فيه، وحد السحق إذا لم يتكرر.
إلا أن من زنا وهو لم يدخل بزوجته بعد، جلد مائة وجزت ناصيته
وغرب 1 من المصر سنة.
ولا تغريب على امرأة ولا جز.
ويجلد الرجل في الزنا قائما. فإن وجد عريانا في حال الزنا جلد
عريانا، وتستر عورته.
فأما المرأة فلا تجلد إلا بثيابها وهي جالسة مشدودة حتى لا تبدو
عورتها. ومن زنا بجارية أبيه جلد الحد. فإن زنا الأب بجارية الابن عزر.
والتعزير من ثلاثين سوط إلى تسع وتسعين، ولا يبلغ به الحد. ولا يقام
حد في أرض العدو، ولا في برد شديد، ولا في حر شديد، ولا تجلد
الحامل حتى تضع.
وحد العبيد خمسون جلدة في الزنا، فإن حدوا سبع مرات وعادوا في
الثامنة قتلوا.
ومن زنا في شهر رمضان: فإن كان في نهاره فعليه مع الجلد العقوبة

(1) غرب الشخص بالضم غرابة: بعد عن وطنه، فهو غريب، فعيل بمعنى فاعل. مجمع
البحرين 2: 131.
255

والكفارة، وإن زنا في ليله فعليه الحد والتعزير.
وكل من زنا في وقت شريف أو موضع شريف، أضيف إلى حده
التعزير.
ولا يقام حد في الحرم إلا على من انتهك حرمته.
ويجلد السكران إذا زنا والأعمى، فإن ادعى أنه التبس عليه وطء
المرأة بزوجته، لم يقبل ذلك منه، وجلد.
والعقود الفاسدة تدرأ الحدود.
ومن كان سقيما وزنا وهو غير محصن، جلد بشئ واحد فيه مائة
قضيب، إذا كان يخاف على نفسه من غير ذلك، فإن وجب عليه الرجم
رجم.
ولا يحد الصبيان في الزنا ولا في غيره إذا لم يبلغوا الحلم، فإن بلغوا
حدوا، وأما المكاتب: فإنه يجلد بقدر ما تحرر منه جلد الأحرار،
والباقي جلد العبيد.
واعلم: أن من تاب قبل أن تقوم البينة درئ عنه الحد، وإن تاب بعد
ذلك حد وعزر.
ومن زنا بميتة، وجب عليه ما يجب على من زنا بحية، وعزر أيضا.
فأما من زنا بأهل الذمة فالإمام مخير بين أن يقيم عليه الحد بما تقتضيه
شريعتنا أو شريعتهم.
ومن لاط منهم بمسلم قتل. وإن زنا بمسلمة قتل أيضا.
فأما ما هو دون المائة:
فالتعزير كله إذا بلغ غايته وحد القذف، وشارب الخمر.
والحد في القيادة: مائة.
256

وأما ما يجب فيه التعزير:
فأن يرى الرجل مع المرأة التي ليست تحل له في إزار واحد،
والرجل مع الصبي، أو الرجل مع الرجل عريانين في إزار واحد،
والصبيان إذا زنوا أو زني بهم أو لاطوا أو ليط بهم.
والأب إذا زنا بجارية ابنه عزر. وكل من زنا في وقت شريف أو موضع
شريف عزر مع الحد. ومن افتض جارية بإصبعه عزر من ثلاثين سوطا
إلى ثمانين، وألزم صداقها. وناكح البهيمة يعزر.
والبهائم على ضربين: ما تقع عليه الذكاة، وما لا تقع عليه الذكاة.
فما تقع عليه الذكاة، إذا نكحها ذبحت وأحرقت. وما لا تقع عليه
الذكاة يخرج من البلد. وإن كانت البهيمة لغير الفاعل ألزم قيمتها.
ومن استمنى بيده فعليه التعزير.
ومن قذف عبدا أو ذميا عزر.
ومن قذف - لا بالزنا - عزر.
ومن قذف صبيا عزر.
وإذا تقاذف العبيد والإماء فعليهم التعزير.
ويعزر آكل الجري، والمارماهي، ومسوخ السمك، وكل محرم من
طير أو دابة، حتى يتوب.
فأما الحد في القذفة، فإنا نقول: إنه ينقسم على أضرب:
منه: أن يرمي المسلم الحر البالغ مثله في كل الصفات.
ومنه: أن يرمي العبيد.
ومنه: أن يرمي أهل الذمة.
ومنه: أن يرمي الذمي مثله، أو المسلم الحر أو المسلم العبد.
257

ومنه: أن يرمي الصبيان مثلهم أو الرجال المسلمين أو العبيد أو أهل
الذمة.
ومنه: أن يرمي الذمي الصبيان.
ومنه: أن يرمي العبيد مثلهم أو الأحرار المسلمين أو الأحرار أهل
الذمة.
والرمي: لا يخلو أن يكون بالزنا فيه، أو فيمن هو وكيله، أو نسبه الذي
يرثه وقد مات، أو لا بالزنا.
فمتى رمي بالزنا، وشهد بذلك عدلان، وكان الرامي حرا مسلما أو
عبدا، والمرمي حرا مسلما أو عبدا، فعليه جلد ثمانين سوطا. وإن كان
الرامي للحر المسلم ذميا فدمه هدر. وما عدا ذلك لا يجب فيه الحد بل
التعزير.
فعلى هذا إذا قال: " يا زاني " قذف. وإن قال: " يا ابن الزانية أو الزاني "
قذفه. أو قال: " يا أخا الزانية " أو " يا أبا الزانية " إلى غير ذلك، وكان
المقذوف حيا، فالحق له، إن شاء طالب بالحد، وإن شاء عفى.
وما عدا الرمي بالزنا ففيه التعزير.
والنساء إذا قذفن جلدن ثمانين جلدة كالرجال.
ومن عرض بالقذف دون التصريح، يعزر، اللهم، إلا أن يورد من
الألفاظ ما ينبئ عن الزنا بين أهل تلك اللغة، ويكون عارفا بمعناه: كأن
يقول: " يا قرنان " أو " يا ديوث " فإنه يجلد ثمانين.
والسب والرمي بالضلال أو بشئ من بلاء الله أو بنبز بلقب - رجالا
كانوا أو صبيانا أو نساء - يوجب التعزير والتأديب.
ومن قذف جماعة بلفظ واحد، كأن يقول: " يا زناة " و " يا لاطة ". وجب
258

لكل واحد منهم حد في جنبه، فإن جاؤوا به مجتمعين حد حدا واحدا،
وإن جاؤوا به متفرقين حد لكل واحد منهم حدا، وكذلك فيما يوجب
التعزير.
ويجلد القاذف بثيابه، ولا تقبل شهادته حتى يتوب.
وكل من شهد بالزور، أو شهد وحده أو مع آخر أو مع اثنين بالزنا، أو
تفرقت شهادتهم، أو اختلفوا في الرؤية لذلك: فعليهم جلد ثمانين.
ذكر حد شرب المسكر والفقاع:
حد من شرب قليل الفقاع أو المسكر أو كثيرهما: ثمانون جلدة إذا
شهد عليه بذلك عدلان. ومن أكل طعاما صنع بشئ من المسكر جلد
ثمانين أيضا.
فأما من باع المسكر فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ويجلد أهل الذمة في شرب المسكر كحد المسلم. ولا يحد الشراب
على السكر ويجلدون عراة على ظهورهم وكتوفهم.
ذكر ما هو دون الثمانين:
وهو: حد القيادة.
يجلد القواد خمسا وسبعين سوطا. ثم هو على ضربين: رجل وامرأة.
فالرجل يحلق رأسه مع الجلد ويشهر، والمرأة تجلد حسب.
ثم لا يخلو: إما أن يعودوا أو لا يعودوا، فإن عادوا، نفوا عن المصر
بعد فعل ما استحقوه.
259

ذكر حد السرق:
السرقة على ضربين: من حرز، ومن غير حرز، فما سرق من حرز فهو
على ضربين: ما يبلغ النصاب وما لا يبلغه.
فأما السراق فعلى ضربين:
حر بالغ عاقل وغيره.
فالحر البالغ العاقل إذا سرق من حرز ما قدره ربع دينار قطع، رجلا
كان أو امرأة إذا سرق مال غير أبيه.
فأما الأب إذا سرق مال ابنه فلا يقطع خاصا هذا فيه.
وفي العبد إذا سرق مال سيده فإنه لا يقطع بل يؤدب.
وفي السيد إذا سرق مال عبده.
وفي المسلم إذا سرق من مال الغنيمة.
واعلم: أن هذا الفصل يشتمل على أقسام، وهي ذكر من يقطع ومن لا
يقطع، ومبلغ النصاب، وكيفية القطع، وما الحرز؟ وما حكم العود؟
وقد بينا الأول.
فأما الحرز: فمن سرق منه قطع، ومن سرق من غيره لم يقطع، فلهذا لا
يقطع لسرقة الثمار من البساتين. وإذا حرزت قطعوا.
ولا يقطع من سرق من الحمامات والخانات والمساجد إلا أن يحرز
بقفل أو غلق فيقطع.
ولا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمه من القميص الظاهر، بل
يعزر، وإن كان القميص باطنا: قطع.
والقبر عندنا حرز، ولهذا يقطع النباش إذا سرق النصاب، فإن أدمن
260

ذلك تاب عند السلطان 1 ثلاث مرات، فإن اختار قتله قتله، وإن اختار
قطعه قطعه أو عاقبه.
وأما كيفية القطع: فإنه تقطع يده اليمنى من أصول الأصابع، ويترك له
الراحة والابهام. ويؤخذ ما سرقه. وإن لم يؤخذ 2 أغرم قيمته. فإن سرقه
ثانية قطعت رجله اليسرى من أصل الساق. وترك له العقب، فإن سرق
ثالثة خلد الحبس إلى أن يموت أو يرى الإمام منه توبة وصلاحا
فيخليه. فإن سرق في الحبس من حرز نصابا ضربت عنقه.
والبينة شاهدان عدلان، وكل ما فيه بينة شاهدين من الحدود، فالاقرار
فيه مرتين.
ولا يقبل إقرار العبد على نفسه بالسوق، بل يقطع بالبينة.
فأما الذمي فحكمه حكم المسلم سواء.
وسارق الحيوان كسارق غيره إذا بلغ قيمته النصاب.
فأما المحتال على أموال الناس، والمدلس في السلع فإنه يغرم
ويعاقب ويشهر.

(1) في بعض النسخ: " وفات السلطان ".
(2) في نسخة: " يوجد ".
261

باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
وإقامة الحدود، والجهاد عن الدين
كل من أمكنه إنكار منكر وجب عليه.
والأمر بالمعروف ينقسم إلى واجب وندب.
فالواجب: كل أمر بواجب. والندب: كل أمر بندب.
فمن وجب عليه إنكار المنكر والأمر بالمعروف فحاله ينقسم إلى
ثلاثة أضرب: من يمكنه بيده، ومن يمكنه بلسانه، ومن يمكنه بقلبه. وهو
مرتب باليد أولا، فإن لم يمكن فباللسان، فإن لم يمكن فبالقلب.
ويجب عليه أيضا أن يفعله على الوجه الذي يعلم أو يظن أنه أدعى،
لا على الوجه المضر، فإن رفقا فرفقا وإن عسفا فعسفا.
وما به يسقط الوجوب ينقسم، فمنه: ما لم يندب إلى تحمله، ومنه:
ما ندب إلى تحمله. فما لم يندب إلى تحمله: كل ما يأتي على النفس،
أو ما يجري مجرى النفس، أو مؤمن، أو مال مؤمن، وما ندب إلى
تحمله: مثل السب في ذهاب بعض ماله، فالثواب يعطى بعظم المشقة.
ولا ينكر منكرا إلا بمنكر، ولا يأمر بمعروف إلا بمعروف.
فأما القتل والجراح في الانكار، فإلى السلطان أو من يأمره السلطان.
فإن تعذر الأمر لمانع، فقد فوضوا عليهم السلام إلى الفقهاء إقامة
263

الحدود والأحكام بين الناس بعد أن لا يتعدوا واجبا ولا يتجاوزوا حدا،
وأمروا عامة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة
ولم يحيدوا 1. فإن اضطرتهم تقية أجابوا داعيها، إلا في الدماء خاصة فلا
تقية فيها.
وقد روي: أن للإنسان أن يقيم على ولده وعبده الحدود إذا كان
فقيها، ولم يخف من ذلك على نفسه 2.
والأول أثبت.
ومن تولى من قبل ظالم، وكان قصده إقامة الحق 3 اضطر إلى التولي
فليتعمد تنفيذ الحق ما استطاع، وليقض حق الأخوان.
ولفقهاء الطائفة أن يصلوا بالناس في الأعياد والاستسقاء. وأما الجمع
فلا.
فأما الجهاد فإلى السلطان أو من يأمره السلطان، إلا أن يغشى
المؤمنين العدو، فليدفعوا عن نفوسهم وأموالهم وأهليهم، وهم في ذلك
مثابون، قاتلهم ومقتولهم، جارحهم ومجروحهم.
فعلى هذا، فليعمل العاملون، وليتمسك المتمسكون، وليستعينوا
بالله على العمل، وليستعيذوه من الزلل، وليحمدوه على ما منح من
الإسلام وهدى له من الايمان.
فلله الحمد الذي وفقنا للمراسم، ولطف بنا 4 بالأوامر، وجعلنا ممن
لا يتعدى طورا ولا يبتغي جورا.

(1) أنظر وسائل الشيعة 18: 98 - 100، باب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1 و 6.
(2) أنظر وسائل الشيعة 18: 339، باب 30 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة، ح 2.
(3) وفي نسخة: " الحد ".
(4) في نسخة: " لنا ".
264

فقد أتينا في هذا الكتاب على كتب الفقه مع الاختصار، وجنبنا
الإطالة والاكثار، وجعلناه تذكرة للعالمين، وإماما للدارسين ومقنعا
للطالبين، ورحمة للعالمين. مع قلة حجمه وصغر جسمه حاو للعبادات،
متضمن للشرعيات، لا يفوته إلا القليل، ولا يرجع البصر عن نظره وهو
كليل. فهو مليح المباني غزير المعاني.
ولم نصنفه لقصور الكتب المصنفات عما فيه، بل لأن أصحابنا
رضوان الله عليهم إذا اختصروا، أثبتوا العبادات، ولم يذكروا
المعاملات. ولأنه على طريقة من القسمة غير مألوفة، وملية غير
معروفة. فلذلك برز على الأقران ووجب بفضله الاقرار والاذعان.
ونقسم على تاليه ودارسه وقارئه أن يترحم علينا ما استفاد، وأن
يجعل ذلك له كالمعتاد، ويمدنا بالدعاء والشكر والثناء، وينسب ما
استفاد منه إليه، ويطوي شفقته عليه.
والله سبحانه وتعالى يوفقنا وإياكم للصالحات، ويجعل عاقبتنا
أجمعين إلى الجنات، إنه جواد كريم، بار رحيم.
إلى هنا بحمد الله وعونه وحسن توفيقه تم هذا الكتاب من هذه الطبعة
المزدانة بتعاليق نفيسة قيمة، وذلك في اليوم المبارك السعيد خامس
عشر من شهر شعبان 1412 هجرية.
قم المشرفة
السيد محسن الحسيني الأميني
265

مصادر التحقيق
1 - " القرآن الكريم ".
2 - إقبال الأعمال: لرضي الدين ابن طاووس.
3 - الانتصار: لعلم الهدى السيد المرتضى، منشورات الشريف
الرضي، إيران، قم، عام 1391 هج‍.
4 - التبيان في تفسير القرآن: لشيخ الطائفة الطوسي، ط. النجف
الأشرف.
5 - تهذيب الأحكام: لشيخ الطائفة الطوسي، ط. دار الكتب الإسلامية،
إيران، طهران، عام 1390 هج‍.
6 - جواهر الكلام: للشيخ محمد حسن النجفي، ط. دار الكتب
الإسلامية، إيران، طهران، عام 1398 هج‍.
7 - الصحاح: للجوهري، ط. دار الملايين، بيروت، عام 1407 هج‍.
8 - غنية النزوع المطبوع ضمن الجوامع الفقهية: لأبي المكارم ابن زهرة،
ط. مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، إيران، قم، عام 1404 هج‍.
9 - كتاب العين: للخليل الفراهيدي، ط. دار الهجرة، إيران، قم،
عام 1405 هج‍.
267

10 - لسان العرب: لابن منظور، ط. نشر أدب الحوزة، إيران، قم،
عام 1405 هج‍.
11 - المبسوط في الفقه الإمامية: لشيخ الطائفة الطوسي، ط. مكتبة
المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية، إيران، طهران، عام 1378 هج‍.
12 - مجمع البحرين: للشيخ فخر الدين الطريحي، ط. المكتبة
المرتضوية لاحياء الآثار الجعفرية، إيران، طهران.
13 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: للعلامة الحلي، ط. مكتبة
نينوى الحديثة، إيران، طهران.
14 - مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام: للشهيد الثاني، ط. دار
الهدى للطباعة والنشر، إيران، قم.
15 - المسائل الناصرية في ضمن الجوامع الفقهية: لعلم الهدى السيد
المرتضى، ط. مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، إيران، قم،
عام 1404 هج‍.
16 - مصباح المتهجد وسلاح المتعبد: لشيخ الطائفة الطوسي، ط. إيران،
قم.
17 - المصباح المنير: للفيومي، ط. دار الهجرة، إيران، قم،
عام 1405 هج‍.
18 - المغني: لابن قدامة، ط. دار الكتاب العربي، 1392.
19 - المفردات في غريب القرآن: للراغب الأصفهاني، ط. دفتر نشر
الكتاب، إيران، عام 1404 هج‍.
20 - المقنع: للشيخ الصدوق، ط. المكتبة الإسلامية، إيران، طهران،
عام 1377 هج‍.
268

21 - المقنعة: للشيخ المفيد، ط. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين بقم المشرفة، عام 1410 هج‍.
22 - الملل والنحل: ط. الرضي، إيران، قم، عام 1409 هج‍.
23 - من لا يحضره الفقيه: للشيخ الصدوق، ط. دار الكتب الإسلامية،
إيران، طهران، عام 1390 هج‍.
24 - المهذب: للقاضي عبد العزيز بن البراج، ط. مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، عام 1406 هج‍.
25 - النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: لشيخ الطائفة الطوسي، ط. قدس
محمدي، إيران، قم.
26 - وسائل الشيعة: للحر العاملي، ط. المكتبة الإسلامية، إيران،
طهران، عام 1398 هج‍.
27 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة: لابن حمزة الطوسي، ط. مكتبة آية الله
المرعشي النجفي، إيران، قم، عام 1408 هج‍.
28 - الهداية: للشيخ الصدوق، ط. المكتبة الإسلامية، إيران، طهران،
عام 1377 هج‍.
269