الكتاب: الخلاف
المؤلف: الشيخ الطوسي
الجزء: ٣
الوفاة: ٤٦٠
المجموعة: فقه الشيعة الى القرن الثامن
تحقيق: المحققون : السيد علي الخراساني ، السيد جواد الشهرستاني ، الشيخ مهدي طه نجف / المشرف : الشيخ مجتبى العراقي
الطبعة: الجديدة
سنة الطبع: ١٤١١
المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامى
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الخلاف
تأليف
شيخ الطائفة الإمام أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي
قدس سره
385 - 460 ه‍
الجزء الثالث
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة
لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

كتاب الخلاف
(ج 3)
* تأليف: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
* تحقيق: السيد علي الخراساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي طه نجف
* إشراف: الحاج الشيخ مجتبى العراقي
* الموضوع: فقه
* عدد الأجزاء 5 أجزاء
* طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الجديدة
المطبوع: 3000 نسخة
التاريخ: 1411 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

كتاب البيوع
3

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة 1: بيع خيار الرؤية صحيح، وصورته أن يقول: بعتك هذا الثوب
الذي في كمي، أو في الصندوق، فيذكر جنسه وصفته، وبه قال مالك (1)،
وهو أحد قولي الشافعي. قال في القديم، وفي الحديث في الصرف يصح (2).
وقال في الأم والبويطي: لا يصح (3).
والمسألة على قولين، والذي يختارونه أنه لا يصح (4).
وقال أبو حنيفة: يصح ذلك، وإن لم يذكر الجنس (5). مثل أن يقول:
بعتك ما في كمي، أو في صندوقي، أو ما في الجراب، أو الذي في البصرة وما
أشبه ذلك.
فلا يفتقر عنده إلى ذكر الجنس، وإنما يفتقر إلى تعيين المبيع من غيره.
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله وحرم الربوا " (6) فأباح ما يتناوله اسم
البيع، وهذا بيع.

(1) موطأ مالك 2: 667، والمجموع 9 / 288 و 301، وكفاية الأخيار 1: 148، والمحلى 8: 337.
(2) الأم 3: 3، ومختصر المزني: 75، والوجيز 1: 135، والمجموع 9: 288 - 290، وكفاية الأخيار
1: 148، والمحلى 8: 337، وفتح العزيز: 8: 146.
(3) الأم 3: 20، ومختصر الزني: 75، والوجيز 1: 135 - 136، والمجموع 9: 288 و 290، وكفاية الأخيار
1: 148، والمحلى 8: 337، وفتح العزيز 8: 146.
(4) أنظر المصادر المتقدمة.
(5) اللباب 1: 233 - 234، والمحلى 8: 337، والمجموع 9: 301، وكفاية الأخيار 1: 148.
(6) البقرة: 275.
5

وأيضا روي عنهم عليهم السلام أنهم سئلوا عن بيع الجرب الهروية؟
فقالوا: لا بأس به، إذا كان لها برنامج، فإن وجدها كما ذكرت وإلا
ردها (1).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من اشترى شيئا لم يره فهو
بالخيار إذا رآه " (2).
مسألة 2: إذا ثبت هذا العقد، فمتى رأى المشتري المبيع، لم يثبت له الخيار
إلا أن يجده بخلاف الجنس، أو الصفة، وأما إذا وجده كما عين ووصف
فليس له الخيار.
وقال الشافعي - على قوله أنه يصبح - أن له الخيار على كل حال (3).
دليلنا: أن جواز الخيار في ذلك يحتاج إلى دليل، والعقد قد صح، فمن
أبطله، أو أجاز الخيار مطلقا، فعليه الدلالة.
مسألة 3: إذا باع شيئا على أن يسلمه بعد شهر، صح العقد.
وقال الشافعي: لا يصح (4).
دليلنا: الآية (5)، والمنع من ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا اشترى شيئا لم يره حال العقد، وكان قد رآه قبل العقد، صح
الشراء وهو مذهب الشافعي (6)، وبه قال جميع الفقهاء (7).

(1) لم أقف على هذا الخبر في المصادر الحديثية المتوفرة.
(2) سنن الدارقطني 3 - 4 - 5 حديث 8 و 10، والسنن الكبرى 5: 268.
(3) الوجيز 1: 141 - 142، والمجموع 9: 288، والمحلى 8: 337.
(4) الوجيز 1: 155، والمجموع 9: 340، وكفاية الأخيار 1: 155 وعمدة القاري 11: 289
(5) قوله تعالى: " وأحل البيع وحرم الربا " (البقرة: 275).
(6) الوجيز 1: 135، وكفاية الأخيار 1: 148، والمجموع 9: 289.
(7) المجموع 9: 289، والمغني لابن قدامة 4: 89.
6

وقال الأنماطي من أصحاب الشافعي: لا يصح حتى يشاهد المبيع حال
العقد (1).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (2) وهذا بيع، والمنع يحتاج إلى
دليل.
وأيضا الأصل الإباحة.
مسألة 5: إذا اشترى شيئا كان رآه قبل العقد، ولم يره في حال العقد مما
يجوز أن يتلف ولا يتلف، صح بيعه، فإذا وجده كما اشتراه مضى، وإن خالفه
كان بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه. وبه قال أصحاب الشافعي (3).
وفيهم من قال: لا يصح البيع (4).
دليلنا: الآية (5)، والأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 6: البيع ينعقد بوجود الإيجاب من البائع، والقبول من المشتري.
لكنه لا يلزم المتبايعين بنفس العقد، بل يثبت لهما، ولكل واحد منهما خيار
الفسخ ما داما في المجلس، إلى أن يتفرقا أو يتراضيا بالتبايع في المجلس.
وروى هذا في الصحابة عن علي عليه السلام، وعبد الله بن عمر، وعبد الله
بن عباس، وأبي هريرة، وأبي برزة الأسلمي (6)، وبه قال الحسن البصري،

(1) المجموع 9: 289 و 296.
(2) البقرة: 275.
(3) الوجيز 1: 135 - 136، وكفاية الأخبار 1: 148، والمجموع 9: 289 و 296.
(4) هو قول عبد العزيز بن مقلاص، وأبو القاسم الأنماطي كما ذكره النووي في المجموع 9: 289 و 296،
وانظر كفاية الأخيار 1: 148.
(5) قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (البقرة: 275).
(6) أبو برزة، نضلة بن عبيد الأسلمي، صحب النبي صلى الله عليه وآله وروى عنه وروى عن أبي بكر،
وعنه ابنه المغيرة وبنت ابنه منية بنت عبيد بن أبي برزة وأبو المنهال الرياحي والأزرق بن قيس
وغيرهم. سكن المدينة ثم البصرة، وغزا خراسان، وقيل: إنه شهد مع علي عليه السلام قتال الخوارج
بالنهروان، مات بعد الستين من الهجرة، وقيل غير ذلك. انظر تهذيب التهذيب 10: 446، وأسد الغابة
5: 146.
7

وسعيد بن المسيب، والزهري، وعطاء، وفي الفقهاء الأوزاعي، وأحمد،
وإسحاق، والشافعي (1).
وذهبت طائفة إلى أن البيع يلزم بمجرد العقد، ولا يثبت فيه خيار المجلس
بحال. ذهب إليه في التابعين شريح، والنخعي، وفي الفقهاء مالك، وأبو حنيفة
وأصحابه (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالأصل أن لا بيع، وثبوته يحتاج إلى دليل، فمن
ادعى أن بنفس الإيجاب والقبول يلزم، فعليه الدلالة.
وأيضا روي عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار " (3).
فأثبت للمتبايعين الخيار بعد تسميتهما متبايعين، وكل اسم اشتق من فعل
فإنه يسمى به، بعد وجود ذلك الفعل، كالضارب، والقاتل وغير ذلك.
وكذلك المتبايعان، إنما يسميان بذلك بعد وجود التبايع بينهما، فالخبر يقتضي
إثبات الخيار لهما في تلك الحالة، وعند المخالف أنه لا يثبت.
مسألة 7: بيع الخيار عندنا على ثلاثة أضرب.

(1) المحلى 8: 354، والمجموع 9: 184، وبداية المجتهد 2: 169، والمغني لابن قدامة 4: 7، والشرح الكبير
4: 69، وسبل السلام 3: 838 - 839، وكفاية الأخيار 1: 154، والأم 3: 4، ومختصر المزني: 75،
وسنن الترمذي 3: 548.
(2) المحلى 8: 355، والمجموع 9: 184، وبداية المجتهد 2: 169، والمغني لابن قدامة 4: 7، والشرح الكبير
4: 69، وسبل السلام 3: 839، ومقدمات ابن رشد 2: 558.
(3) صحيح البخاري 3: 84، والأم 3: 4، ومختصر المزني: 75، والموطأ 2: 671 حديث 79، والسنن
الكبرى 5: 268، وترتيب مسند الشافعي 2: 154 حديث 532، وصحيح مسلم 3: 1163 حديث
43 وفيه " البيعان ".
8

أحدها: خيار المجلس: وهو أن يكون لكل واحد منهما الخيار وفسخ العقد
ما لم يتفرقا بالأبدان، فإن قال بعد انعقاد العقد أحدهما لصاحبه: إختر
الإمضاء، فإذا اختار ذلك انقطع الخيار، ولزم العقد، ولم يفتقر إلى التفرق
بالأبدان عن المكان.
والثاني: أن يشترط حال العقد لا يثبت بينهما خيار المجلس بعد انعقاد
البيع، فإذا تعاقدا بعد ذلك صح البيع، ويكون على ما شرطا.
والثالث: أن يشترطا في حال العقد مدة معلومة يكون لهما فيها الخيار
ما شاءا من الزمان، ثلاثا أو شهرا أو أكثر، فإنه ينعقد العقد، ويكون لهما الخيار
في تلك المدة إلا أن يوجباه بعد ذلك على أنفسهما، كما قلناه في البيع المطلق.
وقال أبو حنيفة ومالك: بيع الخيار هو ما يشترط فيه الخيار.
فيثبت في خيار الشرط، فعند أبي حنيفة ثلاثا (1)، وعند مالك ما تدعوا
الحاجة إليه (2) فعندهما بيع الخيار ما يثبت فيه الخيار.
وعند الشافعي بيع الخيار ما قطع فيه الخيار (3).
وأكثر أصحابه على ما اخترناه أولا في القسم الأول (4)، وفي أصحابه من
قال بالقسم الثاني أيضا (5)، وأما الثالث فلم يقل به أحد منهم، وهو ما زاد على
الثلاث.

(1) اللباب: 1: 230 وعمدة القاري 11: 235، الفتاوى الهندية 3: 38، والنتف 1: 446، والبحر
الزخار 4: 348، وبداية المجتهد 2: 207، والمجموع 9: 225.
(2) مقدمة ابن رشد 2: 558 و 560، وحاشية العدوي: 142 - 143، وبداية المجتهد 2: 207، وعمدة القاري 11: 234 - 235، والمحلى 8: 371.
(3) الأم 3: 4، ومختصر المزني: 75، والمجموع 9: 175، وكفاية الأخيار: 1: 155.
(4) المجموع 9: 175، وكفاية الأخيار: 1: 155، والمحلى 8: 370 - 371.
(5) المجموع 9: 178 - 179.
9

دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (1) هذا بيع، فمن خصه فعليه
الدلالة.
ويدل على خيار المجلس قول النبي صلى الله عليه وآله: " البيعان بالخيار
ما لم يفترقا إلا بيع الخيار " (2) فأثبت لهما الخيار قبل التفرق، ثم استثنى بيع
الخيار الذي لم يثبت فيه الخيار، وهو ما أشرنا إليه من شرط ارتفاعه عند العقد،
وإيجابه وإبطال الخيار بعد ثبوت العقد.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " المسلمون عند
شروطهم " (3) وهذا شرط صحيح في مدة الخيار، ولا حصر في الخبر للعقد،
فينبغي أن يكون جائزا بحسب الشرط.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " المتبايعان بالخيار ما لم
يفترقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب
البيع " (4) وهذا نص.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " المتبايعان
بالخيار ما لم يفترقا عن مكانهما، فإذا تفرقا فقد وجب البيع " (5).

(1) البقرة: 275.
(2) سنن ابن ماجة 2: 736 حديث 2182، ومسند أحمد بن حنبل 2: 9، والمصنف لعبد الرزاق 8: 50
حديث 14262، وسنن الترمذي 3: 547 حديث 1245، والموطأ 2: 671، والسنن الكبرى 5: 26
وفي بعضها اختلاف يسير في اللفظ.
(3) صحيح البخاري 3: 120، وسنن الدارقطني 3: 27 حديث 98 - 99، والمستدرك على الصحيحين
2: 49 - 50، والسنن الكبرى 7: 249، والتهذيب 7: 22 حديث 93 - 94.
(4) سنن النسائي 7: 248 وقد ورد في كثير من المصادر الحديثية بألفاظ مختلفة انظر: صحيح مسلم
3: 1163 حديث 45، والسنن الكبرى 5: 269، وترتيب مسند الشافعي 2: 154 حديث 534.
(5) روى البخاري في صحيحه: 3: 84 عن قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال: " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يفترقا وكانا جميعا أو
يخير أحدهما الأخير فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما
البيع فقد وجب البيع.
10

وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر " (1).
وروى عطاء ابن أبي رياح، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " من اشترى بيعا، فوجب له بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء تركه، ما لم
يفارقه صاحبه، فإن فارقه فلا خيار له " (2) فأثبت لهما الخيار بعد وجوب البيع.
وأبو حنيفة لا يثبت لهما الخيار (3).
والمذهب الذي اخترناه إجماع الصحابة، لأنه مروي عن علي عليه السلام،
وابن عباس، وابن عمر، وأبي برزة، وأبي هريرة (4).
أما علي عليه السلام فروي عنه أن جاريته اشترت لحما، ثم بدا لها، فأخذ
علي عليه السلام الدراهم فرده عليها (5).
وكان ابن عمر إذا أراد أن يجب البيع مشى قليلا ثم رجع (6)، وعن ابن
عباس مثل ذلك (7).

(1) صحيح البخاري 3: 84، وسنن النسائي 7: 249، والسنن الكبرى 5: 269، ومسند أحمد بن حنبل
2: 73.
(2) رواه البيهقي في سننه الكبرى 5: 270 باختلاف في بعض ألفاظه.
(3) اللباب 1: 222 والمجموع 9: 184، وفتح العزيز 8: 292.
(4) قال الترمذي في سننه 3: 547 آخر الباب ما لفظه: وفي الباب عن أبي برزة، وحكيم بن حزام،
وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وسمرة، وأبي هريرة.
(5) لم أقف على هذا الحديث في المصادر المتوفرة.
(6) صحيح مسلم 3: 164 ذيل الحديث 45، وسنن الترمذي 3: 548 ذيل الحديث 1245، وذكره
الشافعي في أمه 3: 4، والمزني في مختصره: 75، والنووي في مجموعه 9: 185.
(7) نيل الأوطار 5: 291.
11

وأبو برزة قال: ما أرى إلا تفرقهما (1)، وأبو هريرة مثل ذلك (2).
ولا مخالف لهم.
مسألة 8: يثبت في الحيوان الشرط ثلاثة أيام، شرط ذلك أو لم يشرط.
وقال جميع الفقهاء: حكم الحيوان، حكم سائر المبيعات (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم ذكرناها في الكتاب الكبير (4).
مسألة 9: السلم يدخله خيار الشرط.
وعند الشافعي لا يدخله (5).
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في جواز الشرط في العقود (6)، وهي عامة إلا
ما أخرجه الدليل من الصرف.
مسألة 10: الصلح إذا كان معاوضة، مثل أن يقر له بعين أو دين، ثم
صالحه على ذلك، لم يكن له بعد ذلك الرجوع فيه.
وقال الشافعي: هو مثل البيع، يدخله خيار الشرط وخيار المجلس، وإن
كان صرفا يدخله خيار المجلس وحده (7).
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام، واتفقنا عليه من جواز الشرط في

(1) المجموع 9: 185، وسنن الترمذي 3: 549، ونيل الأوطار 5: 291، والمحلى 8: 353.
(2) نيل الأوطار 5: 291.
(3) أنظر الأم 3: 75، وكفاية الأخيار 1: 154، والمجموع 9: 174، وتلخيص الحبير المطبوع بهامش المجموع
8: 293، والمغني لابن قدامة 4: 7، والشرح الكبير لابن قدامة 4: 69، وعمدة القاري 11: 225.
(4) التهذيب 7: 24 حديث 101 - 103 و 107. وانظر الكافي 5: 169 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه
3: 126 حديث 549.
(5) الوجيز 1: 141، والمجموع 9: 192، وكفاية الأخيار 1: 162، وفتح العزيز 8: 314 و 9: 224.
(6) أنظر ما رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 169 الحديث 1 - 5، والشيخ الصدوق في من لا يحضره
الفقيه 3: 126 الحديث 551 و 553، والمؤلف في التهذيب 7: 22 الحديث 93 - 98.
(7) كفاية الأخيار 1: 154، وفتح العزيز 8: 294.
12

ذلك (1). ومن ادعى دخول الخيار فيه، فعليه الدليل. وجعل ذلك بيعا يصح
وجود الشرط فيه، يحتاج إلى دليل.
مسألة 11: إذا أحال بمال عليه على غيره، فقبل المحتال الحوالة، جاز أن
يدخلها خيار الشرط، ولا خيار مجلس فيه.
وقال الشافعي: لا يدخله خيار الشرط، وفي خيار المجلس وجهان (2).
دليلنا على جواز خيار الشرط: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند
شروطهم " (3).
وما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: " كل شرط لا يخالف الكتاب
والسنة فإنه جائز " (4) وهذا لا ينافيهما.
فأما خيار المجلس فإنه يدخل في البيع، وهذا ليس ببيع، بل هو إبراء
محض، فمن أجراه مجرى البيع فعليه الدلالة.
مسألة 12: الوكالة، والعارية، والقراض، والجعالة، والوديعة لا خيار فيها في
المجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيها.
وقال الشافعي: لا يدخلها الخياران (5).

(1) وهي عموم الأخبار المتناولة جواز كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة، انظرها في الكافي 5: 169
حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 94 و ص 25
حديث 107.
(2) المجموع 9: 177 و 192، وفتح العزيز 8: 297، وكفاية الأخيار 1: 154.
(3) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 حديث 1195 و ص 44 حديث 1246، وكفاية
الأخيار 1: 193، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(4) الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 551 - 553، والتهذيب 7: 22
حديث 94 و 98 و ص 25 حديث 107.
(5) فتح العزيز 8: 294، وكفاية الأخيار 1: 154.
13

دليلنا على الأول: الإجماع، فإنه لا اختلاف أنه لا يدخلها خيار المجلس.
وأما الثاني: فعموم الأخبار الواردة في جواز كل شرط لا يخالف الكتاب
والسنة يتناول هذه المسائل (1)، فمن ادعى تخصيصها فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا ملك الشفيع الشقص بالثمن، وانتزع من يد المشتري، فليس
له خيار المجلس.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: له الخيار (2).
دليلنا: خيار المجلس يثبت في البيع، فعلى من ألحقه بالبيع، الدلالة
والقياس عندنا لا يجوز.
مسألة 14: المساقاة لا يدخلها خيار المجلس، ويدخلها خيار الشرط.
وقال أصحاب الشافعي: لا يدخلها الخياران (3).
وقال أبو حامد الأسفرايني: الذي يجئ على قوله أن يدخلها خيار
المجلس (4).
دليلنا على الأول: إنا قد بينا أن خيار المجلس يختص بالبيع، وهذا ليس
ببيع، فمن ألحقه به فعليه الدلالة.
وأما خيار الشرط، فعموم الأخبار المتناولة في جواز كل شرط لا يخالف
الكتاب (5) يتناول هذا المكان.

(1) أنظر الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث
94 و ص 25 حديث 107.
(2) المجموع 9: 177 و 199، وفتح العزيز 8: 297، وكفاية الأخيار 1: 154.
(3) المجموع 9: 178، وكفاية الأخيار 1: 154 - 155، وفتح العزيز 8: 300.
(4) المجموع 9: 178، وكفاية الأخيار 1: 154 - 155.
(5) الكافي: 1695 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 94
و ص 25 حديث 107.
14

مسألة 15: الإجارة على ضربين: معينة، وفي الذمة، وكلاهما لا يدخله خيار
المجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيه.
وقال الشافعي: الإجارة المعينة لا يدخلها خيار الشرط (1)، قولا واحدا.
وأما خيار المجلس فعلى وجهين، أحدهما: لا يدخلها، والآخر: يدخلها (2).
والإجارة في الذمة فيها ثلاثة أوجه:
فقال أبو إسحاق وابن خيران: لا يدخلها الخياران (3).
وقال الإصطخري: يدخلها الخياران معا، والمذهب أنه يدخلها خيار
المجلس دون خيار الشرط، عكس ما قلناه (4).
دليلنا على الأول: أنه لا دليل عليه، وعلى الثاني: أنه لا مانع يمنع منه، وجواز
الشرط بين المسلمين، وعموم الخبر به (5)، فمن منع منه فعليه الدلالة.
مسألة 16: الهبة للواهب الخيار والرجوع فيها، قبل القبض وبعد القبض،
إلا أن يتعوض منها، أو يتصرف فيها الموهوب له، أو تكون الهبة لولده الصغار.
وقال الشافعي: هو بالخيار قبل الإقباض، فإذا أقبض فهو مبني على أن
الهبة هل تقتضي الثواب أم لا؟ فإذا قال: يقتضي الثواب، فعلى وجهين،
أحدهما: يدخلها الخياران معا، والثاني: لا يدخلان معا (6).
دليلنا: إجماع الفرقة على التفصيل الذي ذكرناه، وأخبارهم ذكرناها في
الكتاب المتقدم ذكره (7).

(1) المجموع 9: 192، وكفاية الأخيار 1: 154، وفتح العزيز 8: 315.
(2) المجموع 9: 178 و 192، وفتح العزيز 8: 299، وكفاية الأخيار 1: 154.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) أنظر من لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 5، والتهذيب 7: 22 حديث 93 و 94.
(6) الوجيز 1: 249 - 250، والمجموع 9: 177 - 178، وكفاية الأخيار 1: 154.
(7) التهذيب 9: 154 و 157 حديث 632 و 646، والاستبصار 4: 106 و 108 حديث 402 و 413.
15

مسألة 17: إذا أصدقها وشرط الخيار ثلاثا، أو ما زاد عليه في النكاح، بطل
النكاح بلا خلاف. وإن شرط في الصداق الخيار وحده، كان بحسب ما يشرط.
وقال الشافعي - ونقله المزني عن الأم -: فسد المهر (1). وقال في الملاء:
بطل النكاح (2).
واختلفوا على طريقين:
فمنهم من قال: المسألة على اختلاف حالين، قوله في الأم: فسد المهر، إذا
كان الشرط في المهر، وقوله في الإملاء: بطل النكاح، إذا كان الشرط في
النكاح (3).
ومنهم من قال: إذا كان الشرط في المهر وحده فهل يبطل النكاح؟ على
قولين، أحدهما: يبطل، والآخر: لا يبطل (4).
فإذا قال: لا يبطل، ففي الصداق ثلاثة أوجه.
أحدهما: يصح الشرط والصداق فيهما (5)، مثل ما قلناه.
والثاني: يبطلان معا، ولها مهر المثل (6).
والثالث: يبطل الشرط والصداق بحاله (7).
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: " إن كل شرط لا يخالف
الكتاب والسنة فهو جائز " (8) فمن ادعى المنع، فعليه الدلالة.

(1) مختصر المزني: 182، المجموع 16: 338.
(2) المجموع 16: 335 و 338.
(3) المجموع 16: 335 و 338، ومغني المحتاج 3: 226.
(4) المجموع 16: 335 و 338، ومغني المحتاج 3: 226.
(5) المجموع 9: 178 و 16: 338.
(6) المجموع 16: 335 و 338.
(7) المجموع 9: 178 و 16: 338.
(8) الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 و 25 حديث 22 و 107.
16

مسألة 18: الخلع على ضربين: منجز، وخلع بصفة.
فالمنجز قولها: طلقني طلقة بألف، فقال: طلقتك بها طلقة، فليس له خيار
المجلس في الامتناع من قبض الألف ليكون الطلاق رجعيا.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: له الخيار (1).
دليلنا: إنا قد بينا أن خيار المجلس يختص البيع (2)، وإثباته في غيره يحتاج
إلى دليل.
مسألة 19: الخلع المعلق بصفة، إما أن يكون عاجلا أو آجلا:
فالعاجل أن يقول: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق.
والأجل أن يقول: متى أعطيتني ألفا فأنت طالق.
وعلى الوجهين جميعا لا يصح الخلع، ولا الشرط.
وقال الشافعي: العاجل على الفور، فإن أعطته ألفا وقع الطلاق، وإن لم
تعطه ارتفع العقد ولا خيار له، والمؤجل فالخيار إليها في الإعطاء والامتناع (3).
وهل يثبت له خيار المجلس في رفع ما أوجبه لها؟ على وجهين:
أحدهما: لا خيار له، وهو المذهب (4).
والثاني: له خيار المجلس، وليس بشئ (5).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الخلع بصفة لا يقع، سواء كان مبينا بنفسه، أو

(1) مختصر المزني: 188 - 189، والمجموع 9: 178، وفتح العزيز 8: 299.
(2) أنظر المسألة السادسة من هذا الكتاب.
(3) مختصر المزني 188 - 189، والمجموع 16: 18، والوجيز 2: 42، ومغني المحتاج 3: 269 - 270،
والسراج الوهاج: 404.
(4) مختصر المزني 189، والوجيز 1: 141 و 2: 42، والمجموع 9: 178، وفتح العزيز 8: 299، ومغني المحتاج
3: 269، والسراج الوهاج: 404.
(5) المجموع 9: 178، والوجيز: 2: 42، وفتح الغدير 8: 299، ومغني المحتاج 3: 270، والسراج الوهاج: 404.
17

يحتاج إلى أن يتبع بطلاق، لا يختلفون في ذلك، وعلى من أجاز ذلك الدلالة.
مسألة 20: القسمة إذا كان فيها رد، أو لم يكن فيها رد، لا يدخلها خيار
المجلس إذا وقعت القرعة، وعدلت السهام، سواء كان القاسم الحاكم أو
الشريكين أو غيرهما، ويدخلها خيار الشرط.
وقال الشافعي: إن كان فيها رد فهو كالبيع سواء، يدخلها الخياران، وإن
كان مما لا رد فيه، فعدلت السهام، ووقعت القرعة، فإن كان القاسم الحاكم
ووقعت القرعة، فلا خيار. وإن كان القاسم الشريكين، فإن قالا: القسمة
إفراز فلا يدخلها خيار المجلس، وإن قال: بيع دخله خيار المجلس، ولا يدخلها
خيار الشرط (1).
دليلنا: إنه لا دلالة على دخول خيار المجلس فيه، ولا يمنع من دخول خيار
الشرط فيه مانع، وكل شرط لم يمنع منه مانع فهو جائز، وخيار المجلس يختص
بالبيع، وهذا ليس ببيع، بل هو إفراز محض.
وأما خيار الشرط فعموم الأخبار الواردة في جواز كل شرط لا يخالف
الكتاب والسنة (2).
مسألة 21: الكتابة إن كانت مشروطة، لا يثبت للمولى خيار المجلس،
ولا يمتنع من دخول خيار الشرط. والعبد له الخيار، لأن له الفسخ، أو يعجز
نفسه فينفسخ العقد.
وإن كانت مطلقة، فإن أدى من مكاتبته شيئا فقد انعتق بحسابه، ولا خيار
لواحد منهما بحال.

(1) المجموع 9: 178، وفتح العزيز 8: 298، وكفاية الأخيار 1: 154.
(2) أنظر الكافي 5: 169 حديث 1، من لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 94
و ص 25 حديث 107.
18

وقال الشافعي: لا خيار للسيد في الكتابة، والعبد له الخيار، لأنه إذا امتنع
كان الفسخ إليه (1).
دليلنا إنه لا دليل على ثبوت خيار المجلس للمولى، وخيار الشرط لا مانع يمنع
منه، وعموم الأخبار في جواز الشرط دال على ذلك أيضا (2).
مسألة 22: يجوز عندنا البيع بشرط، مثل أن يقول: بعتك إلى شهر، فإن
رددت علي الثمن وإلا كان المبيع لي، فإن رد عليه وجب عليه رد الملك، وإن
جازت المدة ملك بالعقد الأول.
وقال جميع الفقهاء: إن ذلك باطل، يبطل به العقد (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: " الشرط جائز بين
المسلمين، ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة " (4) وعلى من ادعى المنع منه الدلالة.
مسألة 23: السبق والرماية لا يدخلهما خيار المجلس، ولا يمتنع من دخول خيار
الشرط فيه.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: إنه مثل الإجارة، فحكمه حكمه (5).
والثاني: إنه جعالة، فحكمه حكمه (6).
دليلنا على الأول: إنه لا دليل عليه، وعلى الثاني عموم الأخبار في جواز
الشرط بين المسلمين (7)، والمنع منه يحتاج إلى دلالة.

(1) المجموع 9: 175، وفتح العزيز 8: 294.
(2) الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553 والتهذيب 7: 22 حديث 94
و ص 25 حديث 107، و ص 371 حديث 1503.
(3) المجموع 9: 191، وعمدة القاري 11: 235، والنتف في الفتاوى: 1: 446، واللباب 1: 230،
والفتاوى الهندية 3: 38، وشرح فتح القدير 5: 219.
(4) من لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 5، والتهذيب 7: 22 حديث 93 - 94.
(5) الوجيز 2: 219، والمجموع 9: 178، وفتح العزيز 8: 301.
(6) المصادر السابقة.
(7) من لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 5، والتهذيب 7: 22 حديث 93 - 94.
19

مسألة 24: من ابتاع شيئا معينا، بثمن معين، ولم يقبضه، ولا قبض ثمنه،
وفارقه البائع، فالمبتاع أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام، فإن مضت لم يحضره
الثمن، كان البائع بالخيار بين فسخ البيع وبين مطالبته بالثمن.
وإن هلك المبيع في مدة الثلاثة كان من مال المبتاع، وإن هلك بعدها
كان من مال البائع. وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (1).
مسألة 25: من ابتاع شيئا بشرط الخيار، ولم يسم وقتا ولا أجلا، بل أطلقه،
كان له الخيار ثلاثة أيام، ولا خيار له بعد ذلك.
وقال أبو حنيفة: إن البيع فاسد، فإن أجازه في الثلاثة جاز عنده خاصة،
وإن لم يجز حتى مضت الثلاثة بطل البيع (2).
وقال أبو يوسف ومحمد: له أن يجيز بعد الثلاثة (3).
وقال مالك: إن لم يجعل للخيار وقتا جاز، وجعل له من الخيار مثل ما يكون
في تلك الساعة (4).
وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا لم يعين أجل الخيار، كان له الخيار أبدا (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (6).

(1) أنظر الكافي 5: 171 حديث 11 - 12، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 554، والتهذيب 7: 21
22 حديث 88 و 92، والاستبصار 3: 77 حديث 258 و 260.
(2) النتف في الفتاوى 1: 446، والفتاوى الهندية 3: 38 - 39 والبحر الزخار 4: 348، وبداية المجتهد
2: 208، والمجموع 9: 225.
(3) النتف 1: 446، والبحر الزخار 4: 348.
(4) بداية المجتهد 2: 208، والمجموع 9: 225، والمغني لابن قدامة 4: 125، وفتح العزيز 8: 312.
(5) المحلى 8: 373، وبداية المجتهد 2: 207 - 208، والبحر الزخار 4: 348.
(6) انظرها في الكافي 5: 171 - 172 حديث 11 و 16، ومن لا يحضره الفقيه 3: 126 - 127 حديث
552 و 554، والتهذيب 7: 21 حديث 88 و 90 و 92.
20

مسألة 26: أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة فصاعدا.
وقال الشافعي: يرجع في ذلك إلى العادة (1)، وقسم أقساما.
دليلنا: عموم الخبر الذي يتضمن أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا (2)، وإذا
مشى خطوة فقد افترقا، والزائد عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: إذا قال أحد المتبايعين لصاحبه في المجلس بعد العقد: إختر،
فإن اختار إمضاء العقد انقطع بينهما الخيار، وإن سكت أو لم يختر، كان الخيار
كما كان.
وقال الشافعي: يثبت في حيز الساكت (3)، وفي حيز الآخر وجهان:
أحدهما: يثبت، والآخر وهو المذهب: إنه ينقطع خياره وحده، ولصاحبه
الخيار (4).
دليلنا: إنا أجمعنا على أن لهما الخيار قبل هذا القول، فمن ادعى أن خيار
أحدهما قد زال، فعليه الدلالة.
مسألة 28: إذا شرطا قبل العقد، أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد، صح
الشرط، ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن ذلك لا يصح (5). وعلى ذلك أكثر أصحابه (6).

(1) المجموع 9: 180، وكفاية الأخيار 1: 155.
(2) الكافي 5: 170 حديث 4 و 9 ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 557، والتهذيب 7: 24
حديث 100.
(3) المجموع 9: 179 و 201، وكفاية الأخيار 1: 155.
(4) المجموع 9: 179 و 201، وكفاية الأخيار 1: 155.
(5) المجموع 9: 178 - 179، والوجيز 1: 139.
(6) الوجيز 1: 139، والمجموع 9: 178 و 179.
21

ومنهم من قال بصحته، مثل ما قلناه (1).
دليلنا: إنه لا مانع من هذا الشرط، والأصل جوازه، وعموم الأخبار في جواز
الشرط يتناول هذا الموضع (2).
مسألة 29: العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول، فإن كان مطلقا فإنه يلزم
بالافتراق بالأبدان، وإن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط
لهما أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، وإن كان الخيار
للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل إلى
المشتري حتى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ينتقل بنفس العقد (3).
والثاني: ينتقل بشرطين، العقد وقطع الخيار (4).
والثالث: مراعى، فإن تم البيع تبينا أن ملكه انتقل بنفس العقد، وإن
فسخ تبينا أن ملكه ما زال، سواء كان الخيار لهما أو للبائع وحده، أو للمشتري،
وخيار الشرط فيه وخيار المجلس سواء (5).
فأما أبو حنيفة فلا يثبت عنده خيار المجلس (6)، ويثبت خيار الثلاث
بالشرط، فإن كان البيع مطلقا انتقل بنفس العقد، وإن كان بخيار الشرط،
فإن كان الخيار لهما أو للبائع لم ينتقل الملك عن البائع، فإذا انقضى الخيار

(1) المجموع 9: 179.
(2) من لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 93 - 94.
(3) الوجيز 1: 141، والمجموع 9: 213، وفتح العزيز 8: 315، ومغني المحتاج 2: 48.
(4) المصادر السابقة.
(5) المصادر السابقة.
(6) النتف 1: 443، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 81، واللباب 1: 222، وشرح فتح
القدير 5: 81، وفتح العزيز 8: 317.
22

ملك المشتري وكان بعقد متقدم، وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك
البائع عن الملك بالعقد، لكنه لم ينتقل إلى المشتري، فلا يكون له مالك حتى
ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملكه المشتري الآن (1).
دليلنا على لزومه بعد انقضاء الشرط والافتراق: الإجماع، فإنه لا خلاف فيه
بين العلماء.
وأما الدليل على أن العقد يحصل بالإيجاب والقبول: قوله صلى الله عليه
وآله: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " (2) فأثبتهما بيعين، مع ثبوت الخيار لهما.
وأيضا خيار المجلس وخيار الشرط إنما هو لفسخ العقد، فلو كان العقد لم
يثبت لم يكن لفسخه معنى.
مسألة 30: إذا أعتق المشتري في مدة الخيار، ثم انقضت مدة الخيار، وثم
البيع، فإنه ينفذ عتقه. وبه قال أبو العباس بن سريج (3).
وقال باقي أصحاب الشافعي: لا ينفذ، لأن ملكه ما تم (4).
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام من أن المشتري إذا تصرف في المبيع
بطل خياره (5)، وهذا قد تصرف فيه، فينبغي أن يلزمه البيع، وإذا لزمه نفذ
عتقه عند تمام البيع.
مسألة 31: إذا وطأ المشتري في مدة الخيار، لم يكن مأثوما، ولحق به الولد،
وكان حرا، ولزم العقد من جهته.

(1) اللباب 1: 231.
(2) الكافي 5: 170 حديث 4 - 6، والتهذيب 7: 24 حديث 100، وسنن ابن ماجة 2: 736
حديث 2182، والمصنف لعبد الرزاق 8: 50 حديث 14262، وسنن الترمذي 3: 547 حديث 1245.
(3) المجموع 9: 215، وفتح العزيز 8: 318.
(4) المجموع 9: 215، وفتح العزيز 8: 318، ومغني المحتاج 2: 49.
(5) الكافي 5: 169 حديث 2، والتهذيب 7: 24 حديث 102 و ص 75 حديث 320.
23

وقال الشافعي: لا يجوز له وطؤها، فإن خالف ووطأها فلا حد عليه، وإن
علقت فالنسب لا حق به، والولد حر (1).
وفي لزوم العقد من جهته وجهان:
قال الإصطخري: يكون ذلك رضا بالبيع، وقطعا لخياره مثل ما قلناه،
وعليه أكثر أصحابه (2).
وقال أبو إسحاق: لا يكون ذلك قطعا لخياره، بل هو باق بحاله (3).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن المشتري متى تصرف في المبيع بطل خياره،
وأخبارهم معروفة وذكرناها في الكتاب المتقدم ذكره (4)، وهذا قد تصرف في
المبيع.
مسألة 32: إذا وطأ المشتري الجارية في مدة الخيار، ثم مضت مدة الخيار،
ولزم العقد، وجاءت بولد، كان لاحقا به، ولا يلزمه قيمته، ولا مهر عليه. فإن
فسخ البائع العقد لزمه قيمة الولد، وكانت الجارية أم ولده إذا انتقلت إليه فيما
بعده، ويلزمه لأجل الوطء عشر قيمتها إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا نصف
عشر قيمتها.
وقال الشافعي: إن أمضى البائع العقد، ففي لزوم المهر وقيمة الولد أقوال
ثلاثة:
فإذا قال: ينتقل بالعقد، أو قال: أنه مراعى، لا قيمة عليه، والأمة أم
ولده، ولا يجب عليه مهر (5)، مثل ما قلناه.

(1) المجموع 9: 216 و 218، وفتح العزيز 8: 319.
(2) المجموع 9: 201، وفتح العزيز 8: 323.
(3) المجموع 9: 201، وفتح العزيز 8: 323.
(4) الكافي 5: 169 حديث 2، والتهذيب 7: 24 حديث 102 و ص 75 حديث 320.
(5) المجموع 9: 216 و 218، وفتح العزيز 8: 319، وانظر مغني المحتاج 2: 49.
24

وإذا قال: ينتقل بشرطين، فعليه قيمة المثل، والأمة لا تصير في الحال أم
ولده، فإذا ملكها فيما بعد فعلى قولين:
قال في الحرملة: تصير أم ولده.
وقال في الأم: لا تصير أم ولده (1).
وأما قيمة الولد فالمذهب أن عليه قيمته (2)، وفي أصحابه من قال: لا قيمة
عليه وإن اختار البائع الفسخ (3).
فإن قال: مراعى، أو يثبت بشرطين، فعلى المشتري المهر، ولا تصير أم
ولده، فإن ملكها فيما بعد فعلى قولين، وعليه قيمة الولد قولا واحدا (4)، مثل
ما قلناه.
وإذا قال ينتقل بنفس العقد، فعلى قول أبي العباس: لا مهر عليه، وهي أم
ولده، ولا يجب عليه قيمة الولد (5).
وعلى قول الشافعي: عليه المهر، ولا تصير أم ولده في الحال، فإن ملكها فيما
بعد تصير أم ولده، قولا واحدا (6).
دليلنا على أنه لا يلزمه مع نفوذ البيع وتمامه، القيمة والمهر: أن الأصل براءة
الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
وأما مع الفسخ، فالدليل على وجوب ما قلناه من قيمة الولد، والمهر: إجماع
الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 33: إذا وطأ المشتري في مدة الخيار، لم يبطل خيار البائع، علم

(1) المجموع 9: 216 و 218.
(2) المجموع 9: 218، ومغني المحتاج 2: 49، وفتح العزيز 8: 319.
(3) المجموع 9: 218.
(4) المجموع 9: 218.
(5) المجموع 9: 218، وفتح العزيز 8: 319.
(6) المجموع 9: 218، وفتح العزيز 8: 319.
25

بوطئه، أو لم يعلم. وبه قال الشافعي وأصحابه (1).
وفي أصحابه من قال: إذا وطأ بعلمه، بطل اختياره (2).
دليلنا: إنا قد اتفقنا على أن له الخيار، فمن أبطله فعليه الدلالة، ولا دليل على
ذلك.
مسألة 34: خيار المجلس يورث إذا مات المتبايعان، أو أحدهما، وكذلك
خيار الشرط، ويقوم الوارث مقام من مات منهما، فإن كان أحد المتبايعين
مكاتبا، قام سيده مقامه. وبه قال الشافعي في خيار الشرط (3).
وقال في خيار المجلس: إن كان البائع مكاتبا فقد وجب البيع (4).
ولأصحابه فيه ثلاثة طرق:
منهم من قال: ينقطع الخيار، ويلزم البيع بموت المكاتب، ولا يلزم بموت
الحر (5).
دليلنا: أنه إذا كان الخيار حقا للمشتري، جرى مجرى سائر الحقوق التي
تورث بظاهر التنزيل، فمن منع من شئ منها فعليه الدلالة.
مسألة 35: إذا أكره المتبايعان، أو أحدهما على التفرق بالأبدان، على وجه
يتمكنان من الفسخ والتخاير، فلم يفعلا، بطل خيارهما، أو خيار من تمكن
من ذلك.
وللشافعي فيه وجهان (6)، فقال أبو إسحاق مثل ما قلناه (7)، وقال غيره:

(1) المهذب المطبوع في متن المجموع 9: 201، والمجموع 9: 204، والوجيز 1: 142.
(2) المهذب المطبوع في متن المجموع 9: 201، والمجموع 9: 204، وفتح العزيز 8: 323.
(3) الوجيز 1: 141، والمجموع 9: 206، وبداية المجتهد 2: 209.
(4) المجموع 9: 205 و 207.
(5) المجموع 9: 207.
(6) الوجيز 1: 141، والمجموع 9: 174 و 182 و 207.
(7) المجموع 9: 174 و 182 و 207، والوجيز 1: 141.
26

لا ينقطع الخيار (1).
دليلنا: أنه إذا كان متمكنا من الإمضاء والفسخ، فلم يفعل حتى وقع
التفرق بالأبدان، دل على الرضا بالإمضاء.
مسألة 36: خيار الثلاث موروث، سواء كان لهما أو لأحدهما، ويقوم
الوارث مقامه، ولا ينقطع الخيار بوفاته، وكذلك إذا مات الشفيع قبل الأخذ
بالشفعة، قام وارثه مقامه.
وهكذا في خيار الوصية إذا أوصى له بشئ ومات الموصي، كان الخيار في
القبول إليه، فإن مات قام وارثه مقامه، ولم ينقطع الخيار بوفاته. وبه قال مالك
والشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: كل هذا ينقطع بالموت، ولا يقوم الوارث مقامه. فقال في
البيع: يلزم البيع بموته، ولا خيار لوارثه فيه (3). وبه قال الثوري وأحمد (4).
دليلنا: إن هذا الخيار إذا كان حقا للميت يجب أن يرثه مثل سائر الحقوق،
لعموم الآية (5)، ومن أخرج شيئا منها فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا جن من له الخيار، أو أغمي عليه، صار الخيار إلى وليه.
وبه قال الشافعي (6).

(1) المجموع 9: 182.
(2) بداية المجتهد 2: 209، والمجموع 9: 206، والوجيز 1: 141، وفتح العزيز 8: 34، وشرح فتح القدير
5: 125، والمبسوط للسرخسي 13: 42، والشرح الكبير لابن قدامة 4: 86، والمغني لابن قدامة
4: 71 - 72.
(3) اللباب 1: 232، والمبسوط 13: 42، وبداية المجتهد 2: 210، وفتح العزيز 8: 308، وشرح فتح
القدير 5: 125، والبحر الزخار 4: 350 - 351.
(4) المغني لابن قدامة 4: 71، والشرح الكبير، وفتح العزيز 8: 308.
(5) قوله تعالى: " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " البقرة: 180.
(6) الوجيز 1: 141، والمجموع 9: 205 و 209، وفتح العزيز 8: 307، ومغني المحتاج 2: 45.
27

وقال أبو حنيفة: لا ينقطع بالجنون (1).
دليلنا: أن الجنون لا يثبت معه التكليف والاختيار الصحيح، فيجب أن
لا يثبت معه الاختيار كالموت سواء، ومن ادعى ثبوته على ما كان فعليه الدلالة.
وأيضا قوله عليه السلام: " رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق " (2)
يدل على أنه لا حكم لاختياره، وأنه قد زال.
مسألة 38: إذا ثبت أن خيار الشرط موروث، فإن كان قد مضى بعضه،
ورث الوارث ما بقي منه إذا كان حاضرا عند موت مورثه، فإن كان غائبا فبلغه
الخبر وقد مضى مدة الخيار بطل خياره، وإن بقي منه ورث ما بقي.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما أنه يبطل خياره. والثاني: له ما بقي من
الخيار (3).
دليلنا: أنه إذا كان ذلك حقا له معينا في أيام معينة، فإذا مضت وجب أن
يبطل الخيار فيما بعدها، ومن أوجب فيما بعد فعليه الدلالة، وكذلك من أبطل
الخيار في جميعه وقد بقي بعضه فعليه الدلالة، والأصل بقاء الحق فيها.
مسألة 39: إذا كان المبيع حاملا، فإن الحمل لا حكم له، ومعناه أن الثمن
لا يقسط عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (4).
والثاني: أن له حكما، والثمن يتقسط عليهما، كأنه اشترى ناقة وفصيلها (5).
دليلنا: أن العقد وقع على الأصل، فينبغي أن يكون الثمن متعلقا به دون

(1) الفتاوى الهندية 3: 43، والبحر الزخار 4: 351.
(2) الخصال 1: 93 حديث 40.
(3) المجموع 9: 208، وفتح العزيز 8: 305، ومغني المحتاج 2: 46.
(4) الوجيز 1: 139، والمجموع 9: 219 و 323، وبداية المجتهد 2: 181.
(5) المجموع 9: 219 و 323.
28

الحمل. ألا ترى أنه لو عقد على الفرع منفردا لم يصح، وعلى من ادعى أنه
يتقسط عليهما الدلالة.
مسألة 40: من باع بشرط شئ، صح البيع والشرط معا إذا لم يناف
الكتاب والسنة. وبه قال ابن شبرمة (1).
وقال ابن أبي ليلى: يصح البيع، ويبطل الشرط (2).
وقال أبو حنيفة والشافعي: يبطلان معا (3).
وفي هذا حكاية رواها محمد بن سليمان الذهلي (4)، قال: حدثنا
عبد الوارث بن سعيد (5)، قال: دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيين،
أحدهم أبو حنيفة، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة.
فصرت إلى أبي حنيفة فقلت: ما تقول فيمن باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال:
البيع فاسد، والشرط فاسد. فأتيت ابن أبي ليلى، فقلت ما تقول في رجل باع
بيعا وشرط شرطا؟ فقال: البيع جائز، والشرط باطل. فأتيت ابن شبرمة،
فقلت: ما تقول فيمن باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال: البيع جائز، والشرط جائز.
قال: فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت: إن صاحبيك خالفاك في البيع.

(1) المحلى 8: 415، وبداية المجتهد 2: 159، وعمدة القاري 11: 288.
(2) بداية المجتهد 2: 159 والمحلى 8: 415، وعمدة القاري 11: 288، والأم 3: 88.
(3) المحلى 8: 415، وبداية المجتهد 2: 159، وعمدة القاري 11: 288، والأم 3: 88.
(4) لم أقف على ترجمة سوى ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه 9: 413 في ترجمة عبد الله بن أيوب
بن زاذان أنه روى عن محمد بن سليمان الذهلي. وقال: مات عبد الله بن أيوب بن زاذان سنة اثنتين
وتسعين ومائتين.
(5) أبو عبيدة، عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري البصري التنوري، الحافظ المقرئ. حدث عن
يزيد الرشك وأيوب السختياني، وأيوب بن موسى وجماعة. وعنه ولده عبد الصمد وأبو معمر عبد الله
بن عمرو ومسدد وبشر بن هلال وغيرهم ولد سنة 102 ومات في المحرم سنة ثمانين ومائة. سير أعلام النبلاء 8: 300 - 304 والعبر 1: 276، وتذكرة الحفاظ 1: 257، وتهذيب التهذيب 6: 441.
29

فقال: لست أدري ما قالا؟ حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن بيع وشرط.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فقلت: إن صاحبيك خالفاك في البيع، فقال:
ما أدري ما قالا؟ حدثني هشام بن عروة (1)، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: لما
اشتريت بريرة جاريتي شرط علي مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها، فجاء
النبي صلى الله عليه وآله فقال: " الولاء لمن أعتق " (2) فأجاز البيع، وأفسد
الشرط.
فأتيت ابن شبرمة فقلت: إن صاحبيك قد خالفاك في البيع فقال:
لا أدري ما قالا؟ حدثني مسعر (3)، عن محارب بن دثار (4)، عن جابر بن
عبد الله قال: أبتاع النبي صلى الله عليه وآله مني بعيرا بمكة، فلما نقدني الثمن
شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة، فأجاز النبي صلى الله عليه وآله

(1) هشام بن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد المدني. ولد سنة إحدى وستين وسمع من أبيه وعمه
ابن الزبير وأخيه عبد الله بن عروة وعبد الله بن عثمان وغيرهم. ومات ببغداد سنة أربعين ومائة وقيل
غير ذلك. سير أعلام النبلاء 6: 34 - 47، وتاريخ بغداد 14: 47، ووفيات الأعيان 6: 580،
وميزان الاعتدال 4: 301، وتهذيب التهذيب 11: 48.
(2) صحيح البخاري 3: 251 و 259، والسنن الكبرى 10: 337، وتلخيص الحبير 4: 213 حديث 2150.
(3) مسعر بن كدام بن ظهير بن عبيدة بن الحارث، أبو سلمة الهلالي الكوفي الأحول الحافظ، روى عن
عدي بن ثابت وعمرو بن مرة والحكم بن عتيبة ومحارب بن دثار ومعبد بن خالد وجماعة، توفي في
رجب سنة خمس وخمسين ومائة. طبقات ابن سعد 6: 364 - 365، والتاريخ الكبير 8: 13، وحلية
الأولياء 7: 209 و 270، وتهذيب التهذيب 10: 113 - 115، وسير أعلام النبلاء 7: 163 و 173.
(4) محارب بن دثار بن كردوس بن قرواش السدوسي الكوفي - ولي قضاء الكوفة في إمرة خالد بن عبد الله
القسري وحدث عن ابن عمر وجابر وروى عنه شعبة ومسعر وعدة آخرين، مات سنة 116 للهجرة.
سير أعلام النبلاء 5: 217 - 219، وميزان الاعتدال 3: 441، وتهذيب التهذيب 10: 49، وشذرات
الذهب 1: 152.
30

البيع والشرط (1).
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " المؤمنون عند
شروطهم " (2) وهذا عام في كل شرط إلا ما أخرجه الدليل من شرط يخالف
الكتاب والسنة.
مسألة 41: إذا تبايعا مطلقا، فكان بينهما خيار المجلس. أو تبايعا بشرط
الخيار، فكان بينهما خيار الشرط، جاز أن يتقابضا في مدة الخيار، ويكون
الشرط قائما حتى ينقطع. وبه قال الشافعي (3).
وقال مالك: يكره قبض الثمن في مدة الخيار (4).
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 42: خيار الشرط يجوز بحسب ما يتفقان عليه من المدة وإن كثر وبه
قال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد (5).
وقال محمد ومالك: يجوز بقدر الحاجة، فإن كان المبيع ثوبا أو دارا أو نحو
هذا، جاز يوما ولا يزاد عليه. وإن كان قرية أو ما لا ينقلب إلا في مدة، جاز
الشهر والشهرين وقدر الحاجة (6).

(1) رواه الشيخ المؤلف قدس سره في أماليه 2: 4، وابن حزم في المحلى 8: 415 والعيني في عمدة القاري 11: 289، وابن رشد في بداية المجتهد 2: 158 - 159 باختلاف في ألفاظه فراجع.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 حديث 1195 و ص 44 حديث 1246، وكفاية
الأخيار 1: 193، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(3) المجموع 9: 223، والمغني لابن قدامة 4: 70، والشرح الكبير 4: 86.
(4) مقدمات ابن رشد 2: 562، والمجموع 9: 223، والبحر الزخار 4: 349، والمغني لابن قدامة 4: 70،
والشرح الكبير 4: 86.
(5) المحلى 8: 370 و 373، واللباب 1: 231، وبداية المجتهد 2: 207، وعمدة القاري 11: 234.
(6) بداية المجتهد 2: 207، وعمدة القاري 11: 234.
31

وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري: لا تجوز الزيادة على ثلاثة أيام، ويجوز
أقل من ذلك (1).
دليلنا: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (2) وهذا عام، والمنع
من ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا عليه إجماع الفرقة، وأخبارهم متواترة بها.
وأيضا قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا " (3) فأطلق البيع على كل حال.
مسألة 43: قد بينا أن ما زاد على الثلاث من الشرط صحيح (4). وحكينا
عن أبي حنيفة والشافعي أن ما زاد عليها باطل، قالا: فإن خالفا وشرطا أكثر من
ذلك كان البيع فاسدا عند الشافعي، سواء اتفقا على إسقاطه في مدة الخيار، أو
لم يتفقا على ذلك (5).
وهكذا إذا شرطا أجلا مجهولا كقوله: بعتك إلى الغلة، أو إلى الحصاد، أو
جذاذ النخل كان فاسدا، ولا يلحقه الصحة بعد هذا (6) وبه قال زفر (7).

(1) كفاية الأخيار 1: 155 والمجموع 9: 225، وبداية المجتهد 2: 208، واللباب 1: 230، والمحلى
8: 370، وعمدة القاري 11: 235.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384.
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمصنف لابن
أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(3) البقرة: 275.
(4) أنظر المسألة السابقة.
(5) اللباب 1: 230، وعمدة القاري 11: 235، والمجموع 9: 149 و 225، وكفاية الأخيار 1: 155،
والمبسوط 13: 62، والوجيز 1: 141.
(6) المجموع 9: 339، وكفاية الأخيار 1: 161، والمحلى 8: 444 - 445، وبداية المجتهد 2: 211،
والمبسوط 13: 62.
(7) اللباب 1: 246، والمبسوط 13: 62.
32

وقال أبو حنيفة وحده: إذا اتفقا على إسقاط ما زاد على الثلاث قبل انقضاء
الثلاث صح العقد، وإن سكتا حتى مضى بعد الثلاث جزء من الزمان، بطل
العقد، ولا سبيل إلى إسقاطه.
وهكذا الأجل إذا اتفقا على إسقاطه صح العقد، وإن لم يتفقا على ذلك
بطل (1).
هذه طريقة أهل العراق، وأصحابهم بخراسان يقولون: لا يقول العقد فاسد،
ولكنه مراعى، فإن أسقطا ما زاد على الثلاث قبل انقضاء الثلاث تبينا أن
العقد وقع صحيحا، وإن لم يتفقا على ذلك، تبينا أنه وقع فاسدا (2).
دليلنا على صحة المذهب: ما قدمناه في المسألة الأولى، فإذا ثبت ذلك، فهذا
الفرع يسقط عنا.
مسألة 44: مدة خيار الشرط من حين التفرق بالأبدان، لا من حين حصول
العقد.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: أنه من حين
العقد (3).
دليلنا: أن الخيار يثبت بعد ثبوت العقد، والعقد لا يثبت إلا بعد التفرق،
فوجب أن يكون الخيار ثابتا من ذلك الوقت.
مسألة 45: إذا ثبت أنه من حين التفرق، فشرطا أنه من حين الإيجاب
والقبول صح.
وقال الشافعي - على قوله أنه من حين العقد - متى شرطا من حين التفرق

(1) اللباب: 1: 246، والمجموع 9: 194، وبداية المجتهد 2: 211، والمبسوط 13: 62.
(2) اللباب 1: 246، وبداية المجتهد 2: 211، والمجموع 9: 149، والمبسوط 13: 62.
(3) المجموع 9: 198، وكفاية الأخيار 1: 155، ومغني المحتاج 2: 48، والمغني لابن قدامة 4: 112 -
116، والشرح الكبير 4: 76.
33

بطل العقد (1). وعلى قوله - أنه من حين التفرق - فشرطاه من حين العقد على
وجهين: أحدهما لا يصح. والثاني يصح (2).
دليلنا: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (3) وأيضا الأصل جواز
ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: إذا تبايعا نهارا، وشرطاه إلى الليل، انقطع بدخول الليل. وإن
تعاقدا ليلا، وشرطا إلى النهار، انقطع بطلوع الفجر الثاني. وبه قال
الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إن كان البيع نهارا كما قلناه. إن كان دليلا لم ينقطع
بوجود النهار، وكان الخيار باقيا إلى عند غروب الشمس (5).
وهكذا إن قال: إلى الزوال، أو إلى وقت العصر، اتصل إلى الليل (6).
دليلنا: إن ما قلناه متفق عليه، وما ادعاه ليس عليه دليل.
مسألة 47: إذا اختار من له الفسخ في مدة الخيار، كان ذلك له، ولم يفتقر
إلى حضور صاحبه. وهكذا فسخه بالعيب لا يفتقر إلى حضور صاحبه، وقبل
القبض وبعده سواء. والوكيل ليس له أن يفسخ بغير حضور موكله، وكذلك
الوصي ليس له أن يعزل نفسه. وبه قال أبو يوسف والشافعي، إلا أنهما قالا في

(1) المجموع 9: 198 - 199، ومغني المحتاج 2: 48، والمغني لابن قدامة 4: 112 - 116، والشرح الكبير 4: 76.
(2) المجموع 9: 198 - 199، والمغني لابن قدامة 4: 112 - 116، والشرح الكبير 4: 76.
(3) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(4) المجموع 9: 191، والمغني لابن قدامة 4: 117.
(5) الفتاوى الهندية 3: 40، والمجموع 9: 191، والمغني لابن قدامة 4: 117.
(6) المبسوط 13: 52، والفتاوى الهندية 3: 40، والمجموع 9: 191، والمغني لابن قدامة 4: 117.
34

الوكيل والوصي: لهما ذلك بنفوسهما من غير حكم حاكم (1).
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا اختار فسخ البيع في مدة خياره، لم يصح إلا
بحضور صاحبه، وإذا كان حاضرا لم يفتقر إلى رضاه، وهكذا فسخه بالعيب
قبل القبض كالفسخ بخيار الشرط، فإن كان ذلك بعد القبض، فلا يصح إلا
بتراضيهما أو حكم الحاكم.
وأما الوكيل فلا يصح حتى يفسخ موكله.
وأما الوصي فلا يملك أن يعزل نفسه، وإنما يعزله الحاكم بالخيانة، أو بأن
يقر بالعجز فيعزله الحاكم (2).
دليلنا على مسألة الخيار: أنه إذا ثبت الخيار، فمن ادعى أنه يحتاج إلى
حضور صاحبه فعليه الدلالة.
وأما الوكيل والوصي، فإن وكالته ووصيته قد ثبتت، ولا دليل على أن لهما
الفسخ، فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 48: إذا باع عينا بشرط الخيار لأجنبي، صح ذلك.
وقال محمد في الجامع الصغير، قال أبو حنيفة: لو قال بعتك على أن الخيار
لفلان، كان الخيار له ولفلان (3).
وقال أبو العباس: جملة الفقه في هذا، أنه إذا باعه وشرط الخيار لفلان،
نظرت، فإن جعل فلانا وكيلا له في الإمضاء والرد صح قولا واحدا.
وإن أطلق الخيار لفلان، أو قال: لفلان دوني فعلى قولين، أحدهما يصح

(1) المجموع 9: 200، وفتح العزيز 8: 314.
(2) اللباب 1: 232، والنتف في الفتاوى 1: 448، والفتاوى الهندية 3: 43، وشرح فتح القدير 5: 120
- 121، وفتح العزيز 8: 314.
(3) شرح فتح القدير 5: 126، وفتح العزيز 8: 315.
35

على ما شرط (1).
والثاني: لا يصح (2). وهو اختيار المزني.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم " (3) وهذا
عام في جميع المواضع.
وما روي عنهم عليهم السلام من أن كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة
فإنه جائز (4) يتناول هذا الموضع.
مسألة 49: إذا ثبت أن ذلك يصح، فالخيار يكون لمن شرط، فإن كان
للأجنبي وحده، كان له، وإن شرط لهم، كان لهما، وإن أطلق للأجنبي، كان له
دونه.
وللشافعي فيه - على قوله أنه يصح - إن ذلك للعاقد، على وجهين:
أحدهما: يكون له، فيكون لهما الخيار (5)، وهو قول أبي حنيفة (6).
والثاني: يكون على ما شرطاه، ولا يكون للموكل شئ من هذا (7).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى (8)، فلا وجه لإعادته.

(1) كفاية الأخيار 1: 155، والمجموع 9: 195 - 196.
(2) المجموع 9: 195 - 196، وكفاية الأخيار 1: 155.
(3) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(4) أنظر الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 94،
و ص 25 حديث 107.
(5) المجموع 9: 195 و 197، وفتح العزيز 8: 315.
(6) النتف 1: 448، وشرح فتح القدير 5: 127، وفتح العزيز 8: 315.
(7) المجموع 9: 195 و 197، وفتح العزيز 8: 315، والنتف 1: 448.
(8) أنظر المسألة المتقدمة.
36

مسألة 50: إذا باعه بشرط أن يستأمر فلانا، فليس له الرد حتى يستأمره.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما وهو ظاهر المذهب مثل ما قلناه (1).
والثاني: له الرد من غير استيمار (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء (3)، لأن الأخبار على عمومها.
مسألة 51: إذا صح الاستيمار، فليس له حد، إلا أن يشرط مدة معينة،
قلت أم كثرت.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح حتى يشرط (4).
والثاني: مثل ما قلناه، من أنه يمتد ذلك أبدا (5).
دليلنا: أنه قد ثبت صحة هذا الشرط مع الإطلاق، فتقييده بزمان مخصوص
يحتاج إلى دليل.
مسألة 52: إذا باع عبدين، وشرط مدة من الخيار في أحدهما، فإن أبهم ولم
يعين من باعه منهما بشرط الخيار، فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه مجهول. وإن
عين فقال: على أن لك الخيار في هذا العبد دون هذا، ثبت الخيار فيما عين
فيه.
وقال أبو العباس، على قولين: أحدهما يصح. والآخر لا يصح. مثل أن يجمع
بين بيع وصرف، فيقول بعتك هذا الثوب وهذا الدرهم بهذين الدينارين، فإنه

(1) المجموع 9: 197، والمغني لابن قدامة 4: 111، والشرح الكبير 4: 77.
(2) المجموع 9: 197.
(3) أنظر ما قدمه من القول في المسألة " 48 ".
(4) المجموع 9: 197.
(5) المجموع 9: 197.
37

على قولين (1).
دليلنا: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (2) وهذا شرط، فمن
أبطله فعليه الدلالة.
مسألة 53: إذا صح هذا البيع كان لكل واحد منهما بالقسط من الثمن،
وسواء قدر ثمن كل واحد منهما، فقال: هذا بألف وهذا بألف، أو أطلق فقال:
بعتكهما بألفين.
وقال الشافعي: الكل على قولين (3).
وقال أبو حنيفة: إن قدر ثمن كل واحد منهما صح، وإن أطلق بطل (4).
دليلنا: أنه إذا ثبت صحة البيع بما قدمناه، ولم يتعين بالتقدير، فلا بد من
التقسيط، وإلا أدى إلى بطلان العقد.
مسألة 54: روى أصحابنا أنه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن
للمشتري أن يختار أيهما شاء، إنه جائز (5). ولم يرووا في الثوبين شيئا.
وقال الشافعي: إذا اشترى ثوبا من ثوبين على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم
يصح البيع، وكذلك إذا اشترى ثوبا من ثلاثة أثواب على أنه بالخيار ثلاثا، أو
ثوبا من أربعة أثواب أو أكثر من ذلك لم يصح البيع (6).

(1) المجموع 9: 388 - 389، ومغني المحتاج 2: 42.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(3) المجموع 9: 389.
(4) المبسوط 13: 67، والهداية المطبوع بهامش الفتح القدير 5: 128، وشرح فتح القدير 5: 128.
(5) أنظر ما رواه الشيخ ا الكليني في الكافي 5: 217 حديث 1، والشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 88
حديث 330، والشيخ المصنف في التهذيب 7: 72 حديث 308.
(6) المجموع 9: 288، وفتح العزيز 8: 134، وكفاية الأخيار 1: 150، والوجيز 1: 134، وتبيين الحقائق 4: 21.
38

وقال أبو حنيفة: يصح أن يشتري ثوبا من ثوبين، على أنه بالخيار ثلاثا،
والقياس يدل عليه، ويجوز أن يشتري ثوبا من ثلاثة أثواب على أنه بالخيار
ثلاثا، والاستحسان يدل عليه، ولا يجوز أن يشتري ثوبا من أربعة أثواب
والقياس يدل على أنه لا يجوز (1).
وإن باع بثمن من ثلاثة أثمان، قال أبو بكر الرازي: لا يحفظ ذلك عن
أبي حنيفة، وينبغي أن يجوز، لأنه لا فرق بين الثمن والمثمن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (2).
مسألة 55: إذا هلك البيع في مدة الخيار بعد القبض، لم ينقطع الخيار. وبه
قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: ينقطع (4).
دليلنا: إن انقطاع الخيار يحتاج إلى دليل، والأصل ثبوته.
مسألة 56: إذا قال: بعنيه بألف، فقال: بعتك. لم يصح البيع حتى يقول
المشتري بعد ذلك: اشتريت، أو قبلت.
وقال الشافعي: يصح وإن لم يقل ذلك (5).
وقال أبو حنيفة: إن كان القبول بلفظ الخبر، كقوله: اشتريت منك، أو

(1) المبسوط 13: 55، وشرح فتح القدير 5: 130، والمحلى 8: 430، والمجموع 9: 288، وفتح العزيز
8: 134، والشرح الكبير 4: 33، والوجيز 1: 134، وتبيين الحقائق 4: 21، والفتاوى الهندية 3: 52
و 54، وحاشية رد المحتار 4: 585 - 586.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتخليص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(3) الأم 3: 5، والمجموع 9: 220، وبداية المجتهد 1: 209، والنتف 1: 447.
(4) اللباب 1: 231، والنتف 1: 447 والمبسوط 13: 44، وشرح فتح القدير 5: 116.
(5) الوجيز 1: 132، والمجموع 9: 168، وفتح العزيز 8: 101، ومغني المحتاج 3: 5.
39

ابتعت منك صح البيع. وإن كان بلفظ الأمر لم يصح، فإذا قال: بعني، فقال:
بعتك، لم ينعقد البيع حتى يقول المشتري بعد هذا قبلت (1).
دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به، وما ادعوه لا دلالة على
صحته، والأصل عدم العقد، ومن ادعى ثبوته فعليه الدلالة.
مسألة 57: إذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، فإن نقدتني
الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا، صح البيع. وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال الشافعي: البيع باطل (3).
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم " (4) مع
قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربوا " (5) وهذا بيع وشرط، فيجب أن
يصحا معا للآية والخبر.
مسألة 58: إذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذا العبد بألف، فقال أحدهما:
قبلت نصفه بحسابه، ورد الآخر، لم ينعقد العقد. وبه قال أبو حنيفة (6).
وقال الشافعي: ينعقد العقد في حقه، سواء قبل صاحبه أو رده (7).

(1) اللباب 1: 221، والمجموع 9: 168، والفتاوى الهندية 2: 4، وبدائع الصنائع 5: 133، وشرح فتح
القدير 5: 7، وفتح العزيز 8: 101.
(2) المبسوط 13: 50، وشرح العناية: 114، والمجموع 9: 379، وشرح فتح القدير 5: 114، والمغني لابن
قدامة 4: 129، والشرح الكبير 4: 67.
(3) المجموع 9: 279 ومغني المحتاج 2: 47، والمغني لابن قدامة 4: 129 والشرح الكبير 4: 67.
(4) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(5) البقرة: 275.
(6) المبسوط 13: 50، والمغني لابن قدامة 4: 268.
(7) المجموع 9: 337 والمبسوط 13: 50، والمغني لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير 4: 106.
40

دليلنا: إن قبوله غير مطابق للإيجاب، وإن العقد يحتاج إلى دلالة، ولا دليل
على ثبوت هذا العقد.
مسألة 59: إذا دفع قطعة إلى البقلي، أو إلى الشارب، وقال: أعطني بقلا أو
ماء، فأعطاه، فإنه لا يكون بيعا، وكذلك سائر المحقرات، وإنما يكون إباحة، له
أن يتصرف كل واحد منهما فيما أخذه، تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه.
وفائدة ذلك، أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، أو أراد صاحب القطعة
أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك، لأن الملك لم يحصل لهما. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يوجد الإيجاب والقبول، قال
ذلك في المحقرات دون غيرها (2).
دليلنا: إن العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده ها هنا،
فيجب أن لا يثبت. فأما الاستباحة بذلك فهو مجمع عليه، لا يختلف العلماء
فيها.
مسألة 60: إذا اشترى، فبان له الغبن فيه، كان له الخيار إذا كان مما لم
تجري العادة بمثله، إلا أن يكون عالما بذلك، فيكون العقد ماضيا، لا رجوع له
فيه.
وقال أبو حنيفة والشافعي معا: ليس له الخيار، سواء كان الغبن قليلا أو
كثيرا (3).

(1) المجموع 9: 163، وكفاية الأخيار 1: 147، وفتح العزيز 8: 99.
(2) النتف 1: 442، والمجموع 9: 162 و 163، وفتح العزيز 8: 101.
(3) عمدة القاري 11: 233، والوجيز 1: 143، والمحلى 8: 439، والمغني لابن قدامة 4: 92 - 93 والأم
3: 91، والشرح الكبير 4: 88، وفتح العزيز 8: 225، وفتح القدير 6: 431.
41

وقال مالك: إن كان الغبن دون الثلث فلا خيار له، وإن كان الثلث مما
فوقه كان له الخيار (1). وبه قال أبو يوسف وزفر (2).
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا ضرر
ولا ضرار " (3) وهذا ضرر، لأنه إذا اشترى ما يساوي عشرة بمائة فإن ذلك غاية
الضرر، وقول النبي صلى الله عليه وآله يبطله.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه نهى أن تلقى الركبان (4)، فمن تلقاها
فصاحبها بالخيار إذا دخل السوق، ومعلوم أنه إنما جعل له الخيار لأجل الغبن.
مسألة 61: بيع درهم بدرهمين، ودينار بدينارين نسية لا خلاف في تحريمه،
وبيعه كذلك نقدا وموازنة ربا محرم. وبه قال جميع الفقهاء والعلماء (5).
وروى مجاهد بن جبير قال: سمعت ثلاثة عشر نفسا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وآله يحرمون ذلك (6). وبه قال جميع التابعين، وجميع
الفقهاء المعروفين (7).
وذهب أربعة أنفس من الصحابة إلى جواز التفاضل في الجنس نقدا،
فأجازوا بيع الدرهم بدرهمين نقدا. ذهب إليه عبد الله بن عباس، وعبد الله بن

(1) المحلى 8: وعمدة القاري 11: 233، والمغني لابن قدامة 4: 92، والشرح الكبير 4: 88 - 89.
(2) المحلى 9: 438، وعمدة القاري 11: 235.
(3) موطأ مالك 2: 805، وسنن الدارقطني 4: 227، وفيض القدير 6: 431.
(4) أنظر ذلك في الكافي 5: 169 حديث 4، وصحيح البخاري 3: 92 و 95، وسنن الترمذي 3: 524
حديث 1221.
(5) المجموع 10: 26، والمغني لابن قدامة 4: 134، والمحلى 8: 479، وبداية المجتهد 2: 128، وكفاية
الأخيار 1: 153، والشرح الكبير 4: 134.
(6) المجموع 10: 40، والمغني لابن قدامة 4: 134، والشرح الكبير 4: 134، وشرح الأزهار 3: 69.
(7) المغني لابن قدامة 4: 135، وبداية المجتهد 2: 128 و 194، والشرح الكبير 4: 135.
42

الزبير، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، فإن هذا الخلاف قد انقرض،
وإجماع الأعصار حجة.
مسألة 62: إذا ثبت تحريم التفاضل في الجنس، فلا فضل بين المضروب
بالمضروب، والتبر بالتبر، والمصوغ بالمصوغ، فإن التفاضل فيه نقدا ربا. وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة (2).
وقال مالك: إذا كان وزن الخلخال مائة، وقيمته لأجل الصنعة مائة
وعشرة، فباعه بمائة وعشرة جاز. ويكون المائة بالمائة، والعشرة بالصنعة (3).
دليلنا إجماع الفرقة.
وأيضا عموم الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله مثل ما رواه
أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا تبيعوا الذهب بالذهب
إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل
ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بنا جز " (4).
مسألة 63: الربا عندنا في كل مكيل وموزون، سواء كان مطعوما أو غير
مطعوم.
وقال داود وأهل الظاهر: الربا في الأجناس الستة: الذهب، والفضة،

(1) المغني لابن قدامة 4: 134، والشرح الكبير 4: 134، وبداية المجتهد 2: 128 و 194.
(2) مختصر المزني: 76، والوجيز 1: 136، وكفاية الأخيار 1: 153، واللباب 1: 255 - 256، وبداية
المجتهد 2: 128.
(3) بلغة السالك 2: 21 - 22، وتفسير القرطبي 3: 351.
(4) صحيح البخاري 3: 97، وصحيح مسلم 3: 1208 حديث 75، والموطأ 2: 632 حديث 30، ورواه
النسائي في سننه 7: 278، والترمذي في جامعه 3: 542 حديث 1241 باختلاف يسير في اللفظ.
43

والحنطة والشعير، والتمر، والملح، وما عدا ذلك فلا ربا فيه (1).
وقال أهل القياس كلهم: إن الربا يثبت في غير الأجناس الستة، على
اختلاف بينهم أن الربا فيماذا يثبت (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم صريحة في ذلك ذكرناها في الكتاب
المتقدم ذكره (3)، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه. فأما الأجناس الستة فلا
خلاف فيها بين الأمة.
مسألة 64: ما يثبت فيه الربا إنما يثبت بالنص، لا لعلة من العلل. واختلف
أهل القياس في علة الربا في الدراهم والدنانير.
فقال الشافعي: علة الربا فيها إنها أثمان جنس، وربما قالوا: جنس
الأثمان، وعلى القولين غير متعدية إلى غيرهما (4).
وقال أبو حنيفة: العلة موزون جنس، فالعلة متعدية عنده إلى كل موزون
كالحديد، والصفر، والفضة، والقطن، والإبريسم وغير ذلك (5).
واختلفوا فيما عدا الأثمان:

(1) المجموع 9: 392 و 400، وسبل السلام 3: 845، وعمدة القاري 11: 252، وبداية المجتهد 2: 129،
والمحلى 8: 489.
(2) عمدة القاري 11: 252 - 253، والمجموع 9: 393 و 400 - 401، وفتح العزيز 8: 163، وسبل
السلام 3: 845.
(3) التهذيب 7: 19 حديث 81، وانظر تفسير العياشي 1: 152 حديث 504 والكافي 5: 146 حديث
10، من لا يحضره الفقيه 3: 175 حديث 6.
(4) الأم 3: 15، والمجموع 9: 393، والمحلى 8: 469، وعمدة القاري 11: 252، وفتح العزيز 8: 165،
وتفسير القرطبي 3: 353، ومغني المحتاج 2: 22، والسراج الوهاج: 177، والمغني لابن قدامة
4: 138.
(5) عمدة القاري 11: 252، والمجموع 9: 401، والمحلى 8: 472، وفتح العزيز 8: 163، واللباب
1: 255، والفتاوى الهندية 3: 117، وشرح فتح القدير 5: 274، وتفسير القرطبي 3: 353.
44

فقال الشافعي في القديم: علتها ذات أوصاف ثلاثة: مأكول، مكيل أو
موزون، جنس.
فعلى هذا كلما يؤكل مما لا يكال ولا يوزن كالقثاء، والبطيخ، والسفرجل،
والرمان، والموز، والبقول لا ربا فيها، لأنها لا تكال ولا توزن (1).
وقال مالك: العلة ذات أوصاف ثلاثة: مأكول، مقتات، جنس فكل
مأكول لا يقتات كالقثاء، والبطيخ، وحب الرشاد لا ربا فيه، لأنه
لا يقتات (2).
وقال الشافعي في الجديد: العلة ذات وصفين: مطعوم، جنس. فكل
مأكول ومطعوم فيه الربا، سواء كان مما يكال أو يوزن كالحبوب، والأدهان،
واللحمان. أو لا يكال ولا يوزن كالقثاء، والبطيخ، والرمان، والسفرجل ونحو
هذا فيه الربا (3).
وقال أبو حنيفة: العلة ذات وصفين أيضا: مكيل أو موزون، جنس. فكل
مكيل فيه الربا سواء أكل أو لم يؤكل كالحبوب والأدهان والجص والنورة
والأشنان، ومما يوزن ما أكل أو لم يؤكل كاللحم والسكر والصفر والنحاس
والقطن والصوف (4).

(1) المجموع 9: 397 و 401، وفتح العزيز 8: 163، وعمدة القاري 11: 252، وتفسير القرطبي 3: 353،
ومغني المحتاج 2: 22، والسراج الوهاج 177 والشرح الكبير 4: 137، والمغني لابن قدامة 4: 137.
(2) بلغة السالك 2: 24، والمجموع 9: 401، والمحلى 8: 469، وعمدة القاري 11: 252، وبداية المجتهد 2: 129، وفتح العزيز 8: 163، وتفسير القرطبي 2: 353، والشرح الكبير 4: 138، والمغني لابن قدامة 4: 138.
(3) المجموع 9: 395 و 397، وفتح العزيز 8: 163، وعمدة القاري 11: 252، والمحلى 8: 471، وبداية
المجتهد 2: 129، وتفسير القرطبي 2: 353.
(4) عمدة القاري 11: 252، والمحلى 8: 471، والمجموع 9: 401، وفتح العزيز 8: 163، وبداية المجتهد
2: 129، وتفسير القرطبي 2: 353، واللباب 1: 255، والفتاوى الهندية 3: 117، وشرح فتح القدير 5: 274
45

وقال ربيعة: العلة ذات وصفين: جنس، تجب فيه الزكاة، فأجرى الربا في
الحبوب التي تجب فيه الزكاة، وفي النعم أيضا (1).
وقال ابن سيرين: العلة ذات وصف واحد: وهو الجنس، فأجرى الربا في
الثياب والحيوان والخشب، وكل شئ هو جنس واحد (2).
وقال سعيد بن جبير: ذات وصف واحد: وهو تقارب المنفعة، فأجرى
الربا في الجنس الواحد لا تفاق المنفعة، وكل جنسين يقارب نفعهما كالتمر
والزبيب والجاورس والدهن (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (4)، وأيضا فإن هذا الخلاف بين القائلين
بالقياس، وعندنا أن القياس باطل، فما هو فرع على ثبوته ساقط عنا.
مسألة 65: إذا باع ما فيه الربا من المكيل والموزن، مختلف الجنس، مثل
الطعام والتمر، جاز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا.
ويجوز بيع الجنس بعضه ببعض متماثلا يدا بيد، ويكون نسيئة، فإن تفرقا
قبل القبض لم يبطل البيع. وبه قال أبو حنيفة (5).
وقال الشافعي: يبطل البيع إذا افترقا قبل القبض (6).

(1) عمدة القاري 11: 252 والمحلى 8: 469، والمجموع 9: 401، والشرح الكبير 4: 138، والمغني لابن
قدامة 4: 138.
(2) المجموع 9: 400، والمحلى 8: 469، وعمدة القاري 11: 252، والشرح الكبير 4: 138، والمغني لابن
قدامة 4: 138.
(3) المحلى 8: 469، وعمدة القاري 11: 252، والمجموع 9: 401.
(4) تفسير العياشي 1: 152 حديث 504، والكافي 5: 187 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 371 حديث
1751، والتهذيب 7: 17 حديث 74.
(5) اللباب 1: 257، وفتح العزيز 8: 165.
(6) الأم 3: 31، والمجموع 9: 404، وفتح العزيز 8: 165.
46

دليلنا: إن العقد صحيح بلا خلاف، فمن ادعى بطلانه بالتفرق قبل القبض
فعليه الدلالة.
مسألة 66: الحنطة والشعير جنس واحد في باب الربا، لا يجوز بيع بعضه
ببعض إلا مثلا بمثل، وبه قال مالك، والليث بن سعد، والحكم، وحماد (1).
وقال أبو حنيفة والشافعي: هما جنسان، يجوز بيعهما متفاضلا يدا بيد،
ولا يجوز نسية (2). وبه قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو برزة، وأبو ثور،
والنخعي، وعطاء (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا أجمعنا على جواز بيع بعضها ببعض متماثلا،
ولا دليل على جواز التفاضل فيهما.
وأيضا قوله تعالى: " اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا " (4) وقوله: " يمحق الله
الربوا " (5)، والربا هي الزيادة، والآية على عمومها إلا ما أخرجه الدليل.
وروي عن معمر بن عبد الله (6) أنه بعث غلاما ومعه صاع من قمح، فقال:
بعه واشتر به شعيرا، فجاءه بصاع وربع صاع، فقال: رده فإن النبي صلى الله

(1) المحلى 8: 492، تفسير القرطبي 3: 349، وبداية المجتهد 2: 134، وبلغة السالك 2: 24، وسبل
السلام 3: 848.
(2) الأم 3: 31، وكفاية الأخيار 1: 153، والمحلى 8: 492، وبداية المجتهد 2: 135، وتفسير القرطبي
3: 349.
(3) المحلى 8: 492.
(4) البقرة 278.
(5) البقرة: 276.
(6) معمر بن عبد الله بن نضلة، وقيل: معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن
عوف بن عبيد بن عدي العدوي، أسلم وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وتأخرت هجرته إلى
المدينة، وقدمها مع أصحاب السفينتين من الحبشة وعاش عمرا طويلا، روى عن سعيد بن المسيب
وبشر بن سعيد. قاله ابن الأثير في أسد الغابة 4: 400.
47

عليه وآله قال: " الطعام بالطعام مثلا بمثل " وطعامنا يومئذ الشعير (1)، فثبت أن
الطعام ينطلق عليهما، فلذلك رده. وبه قال عمر، وسعد بن أبي وقاص (2)،
ولا مخالف لهما.
مسألة 67: الثياب بالثياب، والحيوان بالحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض
نسية، متماثلا ولا متفاضلا، ويجوز ذلك نقدا، وبه قال أبو حنيفة (3).
وقال الشافعي: يجوز ذلك نقدا ونسية (4).
وقد روي ذلك أيضا في أخبارنا (5).
دليلنا: إنا أجمعنا على جواز ذلك نقدا، ولا دليل على جوازه نسية، وطريقة
الاحتياط تقتضي المنع منه.
وروى الحسن، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع
الحيوان بالحيوان نسية (6).
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الحيوان بالحيوان واحدا
باثنين لا بأس به نقدا، ولا يجوز نسية، ولا يجوز إلى أجل " (7).

(1) رواه مسلم في صحيحه 3: 1214 حديث 93، والدارقطني في سننه 3: 24، وأحمد بن حنبل في
مسنده 6: 400، والبيهقي في سننه الكبرى 5: 283، باختلاف يسير في اللفظ.
(2) المحلى 8: 491.
(3) عمدة القاري 12: 44، وشرح فتح القديرة: 290، والمجموع 9: 403، وبداية المجتهد 2: 133.
(4) المجموع 9: 402 - 403، وعمدة القاري 12: 44، وبداية المجتهد 2: 133، وسنن الترمذي 3: 539.
(5) انظرها في الكافي 5: 190 - 191 (باب المعارضة في الحيوان)، ومن لا يحضره الفقيه 3: 177 حديث 797
و 800، والتهذيب 7: 118 - 119 حديث 511 - 517.
(6) سنن ابن ماجة 2: 637 حديث 2270، وسنن أبي داود 3: 250 حديث 3356، وسنن الترمذي
3: 538 حديث 1237، ورواه البيهقي في سننه الكبرى 5: 288 باختلاف يسير في ألفاظه.
(7) سنن الترمذي 3: 539 حديث 1238، ورواه ابن ماجة في سننه 2: 763 حديث 2270 باختلاف
يسير في ألفاظه.
48

مسألة 68: بيع الحيوان بالحيوان جائز، متفاضلا ومتماثلا نقدا، سواء
كانا كسيرين أو صحيحين، أو أحدهما كسيرا والآخر صحيحا. وبه قال
الشافعي، وأجاز نقدا ونسيئة (1).
وقال مالك: إذا كانا كسيرين لا يصلحان لغير الذبح، وكان مما يؤكل
لحمه كالنعم، ولا ينتفع به بنتاج ولا ركوب، ولا يصلح لشئ غير اللحم، لم يجز
بيع بعضه ببعض (2).
دليلنا: الآية، وهي قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربوا " (3) فمن
خصصه فعليه الدليل.
مسألة 69: الطين الذي يأكله الناس حرام، لا يحل أكله ولا بيعه.
وقال الشافعي: يجوز ذلك، ولا ربا فيه (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (5).
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعائشة: " لا تأكليه
يا حميراء فإنه يصفر اللون " (6) وهذا نهي يقتضي التحريم.
مسألة 70: الماء لا ربا فيه.

(1) الأم 3: 37، والمجموع 9: 402، وسنن الترمذي 3: 538 ذيل حديث 1237، وبداية المجتهد 2: 133.
(2) بداية المجتهد 2: 133، والمجموع 9: 402.
(3) البقرة: 275.
(4) المجموع 9: 398.
(5) أنظر ما رواه الشيخ الكليني في الكافي 6: 265 حديث 1 - 9، والشيخ الصدوق في ثواب الأعمال:
293، وعلل الشرائع 2: 532 حديث 1 - 5، والبرقي في محاسنه 2: 565 باب أكل الطين.
(6) روي أيضا بلفظين آخرين نصهما: " يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يصفر اللون " و " يا حميراء لا تأكلي
الطين فإن فيه ثلاث خصال يورث الداء، ويعظم البطن، ويصفر اللون ". ذكر ذلك مصطفى
عبد القادر عطا، في تعليقته على أحاديث أكل الطين الواردة في كتاب " التذكرة في الأحاديث
المشتهرة " للزركشي صفحة: 155 - 156، والموضوعات لابن الجوزي 3: 33 فلاحظ.
49

وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: فيه الربا. والثاني: لا ربا فيه (1).
دليلنا: إنه ليس بمكيل ولا موزون فيدخل تحت الأخبار (2)، وقد بينا أنه
لا ربا إلا فيما يكال أو يوزن (3).
مسألة 71: يجوز بيع الخبز بعضه ببعض مثلا بمثل، إذا كانا من جنس
واحد، وإن كانا مختلفي الجنس جاز متفاضلا، سواء كان يابسا أو لينا.
وقال الشافعي: إن كان لينا لا يجوز بيع بعضه ببعض، لا متماثلا
ولا متفاضلا. وأما إذا جف ودق فالصحيح أنه لا يجوز، ذكره في الأم (4)، وقال
في الحرملة: يجوز (5).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربوا " (6) وهذا بيع، فمن منع منه
فعليه الدلالة.
مسألة 72: لا ربا في المعدودات، ويجوز بيع بعضها ببعض متماثلا
ومتفاضلا، نقدا ونسية.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم مثل ما قلناه (7).

(1) المجموع 9: 395 - 396 و 398.
(2) رواها الشيخ الكليني في الكافي 5: 146، حديث 10، والشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 175
حديث 786، والشيخ المؤلف في التهذيب 7: 19 حديث 81.
(3) أنظر إلى بيان المؤلف قدس سره في المسألة 63 المتقدمة.
(4) الأم 3: 79، والمجموع 11: 124، والشرح الكبير 4: 163.
(5) المجموع 11: 125، والشرح الكبير 4: 163.
(6) البقرة: 275.
(7) المجموع 9: 397، وفتح العزيز 8: 169.
50

وقال في الجديد: فيه الربا إذا كان مطعوما - مثل السفرجل والرمان
والبطيخ وما أشبه ذلك - فعلى هذا يجوز بيع جنس بجنس غيره متفاضلا يدا بيد،
مثل رمانة بسفرجلتين، وسفرجلة بخوختين، وما أشبه ذلك، لأن التفاضل
لا يحرم في جنسين، وإنما يحرم النسية والتفرق قبل القبض (1).
وأما الجنس الواحد فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلين، مثل رمانة
برمانتين، وسفرجلة بسفرجلتين، وخوخة بخوختين، وبطيخة ببطيختين.
وهل يجوز بيع بعضه ببعض متساويين؟ نظر فيه:
فإن كان مما ييبس ويبقى منفعته يابسا - مثل الخوخ والكمثرى - فإنه لا يجوز
بيع الرطب بالرطب حتى ييبس.
وإن كان مما لا ييبس مثل القثاء وما أشبه ذلك، أو كان رطبا لا يصير
تمرا، أو عنبا لا يصير زبيبا، ففيه قولان:
أحدهما: لا يجوز بيع بعضه ببعض، وإنما يباع بغير جنسه، وهو مذهبه
المشهور (2).
والقول الثاني: يجوز بيع بعضه ببعض (3).
دليلنا: الآية (4)، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع منه يحتاج إلى دليل، وأيضا
عليه إجماع الفرقة، وأخبارهم (5) تدل على ذلك.
مسألة 73: يجوز بيع الطعام بالدقيق إذا كان من جنسه، مثلا بمثل، يدا

(1) مختصر المزني: 77، والمجموع 9: 397، وفتح العزيز 8: 169.
(2) مختصر المزني 77، وبداية المجتهد 2: 138، والمغني لابن قدامة 4: 145، وفتح العزيز 8: 169.
(3) المغني لابن قدامة 4: 145، وفتح العزيز 8: 169.
(4) البقرة 275.
(5) الكافي 5: 191، حديث 8، والتهذيب 7: 117 - 119 حديث 510 و 513 و 515 و 517 و 518،
ومن لا يحضره الفقيه 3: 177 حديث 797 و ص 178 حديث 807.
51

بيد، ولا يجوز نسية. وإن كان من غير جنسه يجوز متفاضلا ومتماثلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل، ولا متفاضلا لا بالوزن
ولا بالكيل (1). وبه قال حماد بن أبي سليمان، والحكم، والحسن البصري،
ومكحول، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه (2).
وقال أبو الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي بجوازه (3).
وحكي عن الكرابيسي أنه قال، قال أبو عبد الله: يجوز بيع الحنطة
بدقيقها (4).
فقال ابن الوكيل: أراد بذلك الشافعي، فصار ذلك قولا آخر له (5).
وسائر أصحابه ذهبوا إلى الأول، وقالوا: إنه لم يرد به الشافعي، وإنما أراد به
أحمد أو مالكا، لأن كلاهما يكنى أبا عبد الله، وهما مخالفان في المسألة (6).
وذهب مالك، وابن شبرمة، وربيعة، والليث بن سعد، وقتادة، والنخعي
إلى أنه يجوز بيع الحنطة بدقيقها، كيلا بكيل متماثلا (7).
وقال أحمد وإسحاق والأوزاعي: يجوز بيع الحنطة بدقيقها، وزنا بوزن،
ولا يجوز كيلا بكيل متماثلا (8).

(1) الأم 3: 79، ومختصر المزني 1: 77، والمجموع 11: 113، وفتح العزيز 8: 180، والمغني لابن قدامة
4: 153، والشرح الكبير 4: 159.
(2) بداية المجتهد 2: 137، والمغني لابن قدامة 4: 153، والمجموع 11: 113، والشرح الكبير 4: 159،
وفتح العزيز 8: 180، والفتاوي الهندية 3: 118.
(3) المجموع 11: 109 و 113، وفتح العزيز 8: 180.
(4) المجموع 11: 111 وفتح العزيز 8: 180.
(5) المجموع 11: 114.
(6) المجموع 11: 114، وفتح العزيز 8: 180.
(7) الموطأ 2: 648، وبداية المجتهد 2: 136 - 137، والمجموع 11: 113، وفتح العزيز 8: 180، والمغني
لابن قدامة 4: 153، والشرح الكبير 4: 159.
(8) المغني لابن قدامة 4: 153، والشرح 4: 159، والمجموع 11: 113، وفتح العزيز 8: 181.
52

وقال أبو ثور: الحنطة والدقيق جنسان، يجوز بيع أحدهما بالآخر، متماثلا
ومتفاضلا (1).
دليلنا: إن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة. وأيضا قوله تعالى: " وأحل
الله البيع " (2) وهذا بيع، وتخصيصها يحتاج إلى دليل، ولا دلالة.
مسألة 74: يجوز بيع الحنطة بالسويق منه، وبالخبز، وبالفالوذج المتخذ من
النشأ مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، ولا بيع شئ منها بالآخر (3).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من الآية ودلالة الأصل، وإن المنع
والتخصيص يحتاج إلى دلالة.
مسألة 75: يجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة، ودقيق الشعير بدقيق
الشعير، مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز (4).
وروى المزني في المنثور أنه يجوز، كذلك كل جنس من المطعومات التي.
فيها الربا (5).
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك إذا تساويا في اللين والخشونة (6).

(1) المغني لابن قدامة 4: 153، والمجموع 11: 112، والشرح الكبير 4: 159.
(2) البقرة: 275.
(3) مختصر المزني: 77، والمجموع 11: 116 - 117، وفتح العزيز 8: 180 والمغني لابن قدامة 4: 152 - 154،
وشرح فتح القدير 4: 160، ومغني المحتاج 2: 26.
(4) المجموع 11: 117 - 118، والمغني لابن قدامة 4: 152. والشرح الكبير 4: 162، وشرح فتح القدير
5: 259.
(5) المجموع 11: 117 - 118، وفتح العزيز 8: 181.
(6) اللباب 1: 258، والمجموع 11: 119، والمغني لابن قدامة 4: 153، والشرح الكبير 4: 162، وبدائع
الصنائع 5: 187، وشرح فتح القدير 5: 289.
53

دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (1) والمنع منه يحتاج إلى دليل.
مسألة 76: يجوز بيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل. وبه قال أبو يوسف،
ومالك، إلا أنهما قالا: ويجوز أيضا متفاضلا (2).
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك (3). وبه قال أبو حنيفة (4)، إلا ما رواه
أبو يوسف عنه من جوازه في الأصول (5).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 77: يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب مثلا بمثل، ولا يجوز
متفاضلا، وبيع خل التمر بخل التمر.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك (6).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (7) والمنع منه يحتاج إلى دلالة.
مسألة 78: يجوز بيع خل الزبيب بخل العنب مثلا بمثل، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك (8).
دليلنا: الآية (9)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) البقرة: 279.
(2) الموطأ 2: 646، والمجموع 11: 121، والفتاوى الهندية 3: 119، والمغني لابن قدامة 4: 154، والشرح
الكبير 4: 162، وشرح فتح القدير 5: 290.
(3) مختصر المزني: 77، والمجموع 11: 121، واللباب 2: 40، والمغني لابن قدامة 4: 154، والشرح الكبير
4: 162.
(4) اللباب 1: 258، والمجموع 11: 121، والفتاوى الهندية 3: 119، وشرح فتح القدير 5: 289.
(5) المجموع 11: 121.
(6) الأم 3: 81، ومختصر المزني: 77، والوجيز 1: 137، والمجموع 11: 142 و 144، وفتح العزيز 8: 182.
(7) البقرة: 275.
(8) الأم 3: 81، والوجيز 1: 137، والمجموع 11: 142، وفتح العزيز 8: 182.
(9) البقرة: 275.
54

مسألة 79: يجوز بيع خل الزبيب بخل التمر، متماثلا ومتفاضلا.
وقال الشافعي فيه قولين:
أحدهما: يجوز إذا لم يعتبر الربا في الماء (1). والآخر: لا يجوز إذا اعتبر الربا في
الماء (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 80: لا يجوز بيع مكيل بمكيل جزافا، سواء كان ذلك في الحضر أو في
السفر. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة (4).
وقال مالك: إذا كان المبيع في البدو يجوز بيع الصبرة بالصبرة بالتخمين
والحرز (5).
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع
الغرر (6) (7)، وهذا غرر.

(1) الأم 3: 81، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 146 وفتح العزيز 8: 182.
(2) الأم 3: 81، والمجموع 11: 145 - 146، وفتح العزيز 8: 182.
(3) قوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا " البقرة: 275.
(4) الأم 3: 65، والمجموع 9: 211، والوجيز 1: 137، وفتح العزيز 8: 169، وبداية المجتهد 2: 145،
والمبسوط 12: 191، والسراج الوهاج: 178، ومغني المحتاج 2: 25.
(5) الموطأ 2: 647، وبداية المجتهد 2: 145، وفتح العزيز 8: 169 - 170، وفتح الرحيم 2: 110،
واللباب 1: 224.
(6) الغرر في اللغة: كل ماله ظاهر محبوب وباطن مكروه. وفي الاصطلاح: كل ما هو مجهول الحصول
ومجهول الصفة.
(7) سنن الترمذي 3: 532 حديث 1230، وسنن الدارقطني 3: 15 حديث 46 و 47، ومسند أحمد بن
حنبل 1: 302، وسنن الدارمي 2: 251، والموطأ 2: 664 حديث 75، وصحيح مسلم 3: 1153
حديث 1513، وسنن النسائي 7: 262، وسنن أبي داود 3: 254 حديث 3376، وسنن ابن ماجة
2: 739 حديث 2194 و 2195، والسنن الكبرى 5: 338، ودعائم الإسلام 2: 21 وعيون
أخبار الرضا 2: 45 حديث 168.
55

وما روي عن أئمتنا عليهم السلام من أنه نهى عن بيع الصبرة بالصبرة (1)،
ولا يدري ما كيل هذه من كيل هذه، وهذا نص.
مسألة 81: يجوز بيع الشيرج بعضه ببعض، متماثلا يدا بيد. وبه قال
جميع أصحاب الشافعي (2)، إلا ابن أبي هريرة فإنه منع منه (3).
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 82: يجوز بيع زيت الزيتون بزيت الفجل متفاضلا.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، لأنهما جنسان (4). والآخر. لا يجوز، لأنهما يجمعهما
اسم زيت (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 83: دهن البذر (7) والسمك فيه الربا.
وقال الشافعي: لا ربا فيه (8).

(1) لم أقف على ما نسبه الشيخ قدس سره إلى أئمتنا عليهم السلام من نهي النبي صلى الله عليه وآله
وباللفظ المذكور. نعم روى النسائي في سننه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تباع
الصبرة من الطعام بالصبرة من الطعام. انظر ذلك في 7: 270، وعنه أيضا قال: نهى رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر انظر 7: 269
وصحيح مسلم 3: 1162 حديث 42.
(2) الأم 3: 28، والمجموع 11: 139 و 141.
(3) المجموع 11: 139.
(4) الأم 3: 22 و 28 ومختصر المزني: 77، والمجموع 9: 398.
(5) المجموع 9: 398.
(6) البقرة: 275.
(7) أي بذر الكتان وغيره مما يستخرج منه الدهن.
(8) الأم 3: 23 و 28، ومختصر المزني: 77، والمجموع 9: 396 و 398.
56

وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه (1).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مكيل وموزون فيه الربا، وهذا إما أن
يكال أو يوزن بحسب عادة البلاد، فقد دخل تحته، وطريقة الاحتياط أيضا
تقتضي المنع منه.
مسألة 84: عصير العنب والسفرجل، والتفاح، والرمان، والقصب وغير
ذلك يجوز بيع جنس واحد منه بعضه ببعض، مثلا بمثل، نيئا كان أو مطبوخا،
ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: إن كان نيئا مثل ما قلناه. وإن كان مطبوخا لا يجوز (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 85: العسل الذي فيه الشمع - وهو الشهد - يجوز بيع بعضه ببعض،
مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، سواء كان الشمع فيهما أو في أحدهما (4).
دليلنا: الآية (5)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 86: العسل الذي صفي يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا، سواء صفي
بالشمس أو بالنار.
وقال الشافعي: إن صفي بالشمس يجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل، وإن
صفي بالنار نظر، فإن كان قد أذيب بالنار وأخذ أول ما ذاب قبل أن ينعقد
أجزاءه يجوز ذلك مثلا بمثل، وإن ترك حتى انعقد أجزاءه وثخن لم يجز بيع

(1) المجموع 9: 396 و 398.
(2) الأم 3: 23، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 137 - 138.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 24، ومختصر المزني: 77، وفتح العزيز 8: 184، والمجموع 11: 96.
(5) البقرة: 275.
57

بعضه ببعض (1).
دليلنا: الآية (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 87: يباع العسل بالعسل وزنا دون الكيل، مثلا بمثل. وبه قال
الشافعي نصا (3).
وقال أبو إسحاق المروزي: يباع كيلا، لأن أصله الكيل (4).
دليلنا: إنا قد أجمعنا على صحة بيعه وزنا، ولا دليل على جواز بيعه كيلا.
وأيضا فإنا لو بعناه كيلا لم نأمن فيه التفاضل، وإذا وزناه أمنا من ذلك فيه وأيضا
المرجع في ذلك إلى العادة، ولم تجر العادة ببيع العسل والسمن إلا بالوزن.
مسألة 88: يجوز بيع مد من طعام بمد من طعام وإن كان في أحدهما فضل،
وهو عقد التبن، أو زوان - وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين - (5) أو شيلم (6)
وهو معروف.
وقال الشافعي: لا يجوز (7).
دليلنا: الآية (8)، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 89: الألبان أجناس مختلفة، فلبن الغنم الأهلي جنس واحد وإن
اختلفت أنواعه، ولبن الغنم الوحشي - وهو الظباء - جنس آخر.

(1) المجموع 11: 100 - 101.
(2) البقرة: 275.
(3) الأم 3: 24، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 101.
(4) المجموع 11: 101.
(5) الزوان: بكسر الزاي مع الواو، نبات عشبي ينبت غالبا بين البر حبه يشبه حبه إلا أنه أصغر منه،
فيكسب البر رداءة.
(6) الشيلم: حب ينبت غالبا بين الحنطة فيكسبها رداءة.
(7) الأم 3: 24، ومختصر المزني: 77.
(8) البقرة: 275.
58

وكذلك لبن البقر الأهلي جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، والجواميس
منها، ولبن البقر الوحشي جنس آخر.
ولبن الإبل جنس بانفراده وإن اختلفت أنواعه، وليس في الإبل وحشي.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1). والثاني: أن الألبان كلها
جنس واحد (2).
دليلنا على اختلاف أجناسها: أن الاسم يتناول كل واحد منها ولا يتناول
الآخر، ولأن أصول هذه الألبان أجناس مختلفة، فوجب في الألبان مثله.
مسألة 90: يجوز بيع اللبن بالزبد متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز (3).
دليلنا: الآية (4)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 91: يجوز بيع اللبن الحليب بالدوغ - وهو المخيض - مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع عنه.
مسألة 92: يجوز بيع اللبن بالجبن، والمصل، والأقط مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز (7).
دليلنا: الآية (8)، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) الأم 3: 27، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 169 و 187.
(2) المجموع 11: 164 و 187.
(3) الأم 3: 27، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 171 - 172.
(4) البقرة: 275.
(5) المجموع 11: 175.
(6) البقرة: 275.
(7) المجموع 11: 193.
(8) البقرة: 275.
59

مسألة 93: بيع الزبد بالزبد يجوز متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض (1).
دليلنا: الآية (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 94: بيع الجبن بالجبن، والأقط بالأقط، والمصل بالمصل يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز (3).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 95: الجبن، والأقط، والسمن، والمصل كل واحد منها بالآخر يجوز
متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض على حال (4).
دليلنا: الآية (5)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأما التفاضل فلأنا قد بينا أن كل موزون ومكيل ففيه الربا إذا كان
الجنس واحدا (6)، وهذه جنس واحد.
مسألة 96: بيع الزبد بالسمن مثلا بمثل يجوز.
وقال الشافعي: بيع بعضه ببعض لا يجوز أصلا (7).
دليلنا: الآية (8) ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) المجموع 11: 183.
(2) البقرة: 275.
(3) المجموع 11: 193، وفتح العزيز 8: 183.
(4) المجموع 11: 187 - 188.
(5) البقرة: 275.
(6) أنظر ما بينه في المسألة " 63 " المتقدمة.
(7) الأم 3: 27، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 189 - 190، وفتح العزيز 8: 183.
(8) البقرة: 275.
60

مسألة 97: بيع الزبد بالمخيض يجوز مثل بمثل، ونص الشافعي على
جوازه (1).
وقال أصحابه: الذي يجئ على قياس مذهبه أنه لا يجوز (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 98: يجوز بيع مد من تمر ودرهم بمدي تمر، وبيع مد من حنطة
ودرهم بمدي حنطة، ومد من شعير ودرهم بمدي شعير. وهكذا إذا كان بدل
الدرهم في هذه المسائل ثوب أبو خشبة أو غير ذلك مما فيه الربا، أو ما لا ربا
فيه.
وهكذا يجوز بيع درهم وثوب بدرهمين، وبيع دينار وثوب بدينارين، وبيع
دينار قاساني ودينار ابريزي بدينارين نيسابوريين.
وجملته أنه يجوز بيع ما يجري فيه الربا بجنسه ومع أحدهما غيره مما فيه ربا أو
لا ربا فيه. وبه قال أبو حنيفة (4).
وقال الشافعي: إن جميع ذلك لا يجوز (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم التي ذكرناها (6)، وقوله تعالى: " وأحل الله
البيع " (7) وقال: " إلا أن تكون تجارة عن تراض " (8) وهذه الأشياء كلها بيع

(1) مختصر المزني: 77، والمجموع 11: 191.
(2) المجموع 11: 191.
(3) البقرة: 275.
(4) الفتاوى الهندية 3: 219 - 220، والمغني لابن قدامة 4: 170، والشرح الكبير 4: 170.
(5) الأم 3: 21، ومختصر المزني: 77، والمغني لابن قدامة 4: 169، والشرح الكبير 4: 170.
(6) انظرها في التهذيب 7: 104 حديث 445 و 448 وما بعدها، وانظر ما رواه الشيخ الكليني في الكافي
5: 246 حديث 9 و 11.
(7) البقرة: 275.
(8) النساء: 29.
61

وتجارة، فيجب أن يكون مباحا لعموم الآيتين، والتخصيص يحتاج إلى دليل.
مسألة 99: إذا باع شاة في ضرعها لبن بلبن كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز، لأن ذلك ربا (1).
دليلنا: الآية (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 100: إذا باع شاة مذبوحة في ضرعها لبن بلبن كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز إن كان في ضرعها لبن بيعها بلبن، وإن لم يكن في
ضرعها لبن كان جائزا (3).
دليلنا: الآية (4)، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 101: إذا باع شاة في ضرعها لبن، بشاة في ضرعها لبن، كان
جائزا.
وقال جميع أصحاب الشافعي: لا يجوز (5).
وقال أبو الطيب بن سلمة منهم: يجوز (6).
دليلنا: الآية (7)، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 102: القسمة تمييز الحقين، وليس ببيع.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والآخر أنه بيع (8).

(1) الأم 3: 27 - 28 و 81، ومختصر المزني: 77، والمجموع 11: 152، والمغني لابن قدامة 4: 172،
والشرح الكبير 4: 173.
(2) البقرة: 275.
(3) المجموع 11: 153 و 155، وفتح العزيز 8: 189.
(4) البقرة: 275.
(5) المجموع 11: 157، وفتح العزيز 8: 189.
(6) المجموع 11: 157.
(7) البقرة: 275.
(8) الوجيز 2: 249، والمجموع 20: 173، والسراج الوهاج: 602، ومغني المحتاج 4: 424.
62

دليلنا على أنه ليس ببيع: أن لفظ البيع من الإيجاب والقبول ليس بموجود
فيه، ولأنه لا خلاف أن القرعة تستعمل في ذلك، ولا تستعمل في شئ من
عقود البيع، فدل على أن ليس ببيع.
مسألة 103: إذا ثبت أنه تمييز الحقين، فإذا كان المال المشترك مكيلا أو
موزونا - مما يجري فيه الربا أو مما لا يجري صح بيع بعضه ببعض، مثل
الرطب، والعنب، وسائر الثمار وما أشبه ذلك - فإنه يصح القسمة فيه.
وللشافعي فيه قولان:
إذا قال: هو تمييز الحقين، قال مثل ما قلناه (1).
وإذا قال: هو بيع، فإن كان المشترك مكيلا أو موزونا لم يجز أن يقتسما
ما أصله الكيل إلا كيلا، ولا يجوز وزنا، وما أصله الوزن لا يجوز إلا وزنا (2)
ولا يجوز كيلا.
وعلى القول الآخر: يجوز القسمة كيلا ووزنا وعلى كل حال.
وقال: ما لا يجوز بيع بعضه ببعض مثل الرطب، والعنب، وسائر الثمار، فإن
قال إنه بيع لم يجز قسمته، وإذا قال تمييز حق جاز ذلك.
دليلنا: ما قد بينا أن ذلك تمييز الحقين، وليس بيع، فمن منع منه إنما يمنع
منه لما يؤدي إلى الربا، وهذا لا يتم مع ارتفاع البيع.
مسألة 104: إذا كانت الثمرة على أصولها مشتركة، يصح قسمتها
بالخرص، سواء كان فيها العشر أو لم يكن.
وللشافعي فيه قولان: إذا قال إن القسمة بيع لم يجز ذلك، لأنه لا يجوز بيع
ما على رؤس النخل بالتمر (3).

(1) المجموع 10: 438 - 439 و 20: 173، ومغني المحتاج 4: 424، والوجيز 2: 249 والسراج الوهاج: 602.
(2) المجموع 10: 438 - 439 و 20: 173، والوجيز 2: 249، ومغني المحتاج 4: 424، والسراج الوهاج 602.
(3) الوجيز 2: 249، والمجموع 10: 438 و 20: 173.
63

وإذا قال تمييز الحقين، فإن كان مما لا يجب فيه العشر لا يصح فيه
القسمة، لأن الخرص لا يجوز فيه، وإن كان مما يجب فيه العشر كالرطب
والعنب يجوز، لأنه يجوز فيه الخرص ليعرف مقدار حق الفقراء ويضمنه رب
المال (1).
دليلنا: إنا قد بينا القسمة تمييز حق، فإذا ثبت ذلك فالأصل جواز
القسمة، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 105: لا يجوز بيع الرطب بالتمر، فأما بيع العنب بالزبيب، أو ثمرة
رطبة بيابسها مثل التين الرطب بالجاف، والخوخ الرطب بالمقدد وما أشبه
ذلك، فلا نص لأصحابنا فيه، والأصل جوازه، لأن حملها على الرطب قياس،
ونحن لا نقول به.
وقال الشافعي: إن جميع ذلك لا يجوز (2). وبه قال سعيد بن المسيب،
ومالك، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد (3).
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك كله (4).
وأظن أبا ثور معه.
دليلنا على منع الرطب بالتمر: إجماع الفرقة وأخبارهم (5)، وعلى جواز

(1) المجموع 10: 438 و 20: 173، والوجيز 2: 249.
(2) الأم 3: 20 و 25، والمجموع 10: 440 و 450 و 11: 36، وبداية المجتهد 2: 138، والمحلى 8: 459،
والمغني لابن قدامة 4: 144، والشرح الكبير 4: 161، والسراج الوهاج: 178، ومغني المحتاج 2: 26.
(3) عمدة القاري 11: 290، وشرح فتح القدير 5: 292، والمغني لابن قدامة 4: 144، والمحلى 8: 459،
وبداية المجتهد 2: 138، والمدونة الكبرى 4: 102، والمجموع 10: 440، والشرح الكبير 4: 161.
(4) اللباب 1: 258، وشرح فتح القدير 5: 292 - 293، وعمدة القاري 11: 290، والمجموع 10: 440،
والمغني لابن قدامة 4: 144، وبداية المجتهد 2: 138، وفتح العزيز 8: 179، والوجيز 1: 137.
(5) الكافي 5: 189 - 190 حديث 12 و 16، والتهذيب 7: 94 و 97 حديث 398 و 417، والاستبصار
3: 92 - 93 حديث 313 - 314.
64

الباقي الآية (1) ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل، وحمله على الرطب
قياس، وهو عندنا فاسد.
مسألة 106: يجوز بيع الرطب بالرطب. وبه قال محمد، وأبو يوسف،
ومالك، والمزني (2).
وقال الشافعي: لا يجوز (3).
دليلنا: الآية (4)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 107: الرطب الذي لا يصير تمرا يجوز بيع بعضه ببعض، مثل الدقل،
والعمرى وغيره.
وقال الشافعي: لا يجوز (5)، وكذلك قال في الفواكه التي لا يمكن
إدخارها (6).
وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه (7).
دليلنا: الآية (8)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 108: الفجل المغروس في الأرض، والشلجم، والجزر إذا اشترى
ورقه بشرط القطع أو بغير شرطه، أو أصله بشرط القطع أو بشرط التبقية، فإنه يجوز.

(1) البقرة 275.
(2) فتح العزيز 8: 179، والوجيز 1: 137، وشرح فتح القدير 5: 294، والمدونة الكبرى 4: 102،
واللباب 1: 258.
(3) الأم 3: 20، ومختصر المزني: 77، والمجموع 10: 450 و 11: 36، وبداية المجتهد 2: 138، والوجيز
1: 137، وشرح فتح القدير 5: 294، ومغني المحتاج 2: 26، والسراج الوهاج: 178.
(4) البقرة: 275.
(5) الأم 3: 25، والمجموع 10: 445 - 446، ومغني المحتاج 2: 26، والسراج الوهاج: 178.
(6) المجموع 10: 446، والسراج الوهاج: 178، ومغني المحتاج 2: 26.
(7) المجموع 10: 446، والسراج الوهاج: 178.
(8) البقرة: 275.
65

وقال الشافعي: أنه إن اشترى ورقه بشرط القطع جاز، وإن لم يشرط ذلك
لم يصح (1)، وأما بيع أصله فإنه لا يجوز على حال (2).
دليلنا: الآية (3)، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 109: إذا اشترى سلعة من غيره ولم يقبضها، فهلكت في يد البائع،
فإنها تهلك من ضمانه، وينفسخ البيع، ولا يجب على المشتري تسليم ثمنها إليه.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي (4) إلا أنا نشترط أن يكون البائع لم يمكنه من
التسليم، ولم أجد لهم نصا في ذلك.
وقال مالك: لا ينفسخ البيع، ويتلف المبيع من ضمان المشتري، وعليه
تسليم الثمن إلى البائع، ولا شئ على البائع، إلا أن يكون طالبه المشتري
بتسليمه إليه. فلم يسلمه حتى يتلف، فيجب عليه قيمته للمشتري (5). وبه قال
أحمد وإسحاق (6).
دليلنا على أنه لا يلزمه الثمن: أنه لم يتمكن من العوض، فلا يلزمه لأنه في
مقابله، فمتى لم يحصل لم يجب عليه ذلك، والأصل براءة الذمة، وعلى المسألة
إجماع الفرقة، وعليها تدل أخبارهم (7).

(1) المجموع 9: 308، وفتح القدير 9: 83 - 84.
(2) المجموع 9: 308، وفتح العزيز 9: 83 - 84، والمغني لابن قدامة 4: 225، ومغني المحتاج 2: 82،
والشرح الكبير 4: 225 - 226.
(3) البقرة: 275.
(4) مختصر المزني: 77 - 78، وبدائع الصنائع 5: 289، وعمدة القاري 11: 255، والمغني لابن قدامة
4: 14 و 237، وإرشاد الساري 4: 59، والوجيز 1: 145، وفتح العزيز 8: 430، وشرح فتح القدير
5: 116، واللباب 1: 231، والسراج الوهاج: 191، ومغني المحتاج 2: 65 - 66.
(5) مقدمات ابن رشد 2: 563، والمدونة الكبرى 4: 192 - 193، وعمدة القاري 11: 255.
(6) المغني لابن قدامة 4: 14 و 237، وعمدة القاري 11: 255.
(7) انظرها في الكافي 5: 171 حديث 9 و 12، والتهذيب 7: 21 حديث 89 - 90.
66

مسألة 110: الدراهم والدنانير تتعينان بالعقد، فإذا اشترى سلعة بدراهم
أو دنانير بعينها لم يجز له أن يسلم غيرها. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يتعينان، ويجوز أن يسلم غير ما وقع عليه العقد (2).
دليلنا: إن ما وقع على العقد مجمع على جوازه، وإقامة البدل مقامه يحتاج إلى
دليل أو تراض، وليس ها هنا واحد منهما.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا تبيعوا الذهب
بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر،
ولا الملح بالملح إلا سواء، عينا بعين، يدا بيد " (3).
فقوله عليه السلام: " عينا بعين " يدل على أنهما يتعينان، ولو كانا
لا يتعينان لما كان عينا بعين.
مسألة 111: إذا ثبت أنهما يتعينان، فمتى باع دراهم بدنانير، أو دنانير
بدراهم، ثم خرج إحديهما زائفا، بأن يكون الدراهم رصاصا، أو الدنانير نحاسا
كان البيع باطلا، وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه (4).
وقال أبو علي الطبري في الإيضاح من أصحاب الشافعي: ومن أصحابنا من
قال البيع صحيح، ومخير فيه (5).

(1) المجموع 9: 332، وفتح العزيز 8: 430، والمغني لابن قدامة 4: 184، والشرح الكبير 4: 190.
(2) بدائع الصنائع 5: 236، والمجموع 9: 332، وفتح العزيز 8: 430، وشرح فتح القدير 5: 281 و
382، والمغني لابن قدامة 4: 184، والشرح الكبير 4: 190، والفتاوى الهندية 3: 218، والبحر
الزخار 4: 388، واللباب 1: 229.
(3) ترتيب مسند الشافعي 2: 157 حديث 545 - 546، والسنن المأثورة: 268 حديث 226، والسنن
الكبرى 5: 276.
(4) الأم 3: 31، والمجموع 9: 332، وفتح العزيز 8: 389، وبداية المجتهد 2: 196 و 197، والمغني لابن
قدامة 4: 179، والشرح الكبير 4: 182، والوجيز 1: 146.
(5) فتح العزيز 8: 391 - 389.
67

قال أبو علي الطبري: وفيه نظر، وأكثر أصحابه على الأول، وهو نص
للشافعي.
دليلنا على بطلان العقد: إن العقد وقع على شئ بعينه، وإذا لم يصح بطل،
والتخيير يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 112: إذا وجد بالدراهم عيبا من جنسه، مثل أن يكون فضة
خشنة، أو ذهبا خشينا، أو يكون سكة مضطربة مخالفة لسكة السلطان، فهو
بالخيار بين أن يرده ويسترجع ثمنه وليس له بدله.
فإن كان العيب في الجميع، كان بالخيار بين رد الجميع وبين الرضا به.
وإن كان العيب في البعض، كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة،
وليس له أن يرد البعض ويمسك الباقي.
وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: إذا وجد العيب في البعض فله أن يرد
المعيب دون الصحيح (1).
وله في المسألة قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: ما حكيناه (2).
وإذا قال: له إمساكه، فهل يمسكه بحصة من الثمن أو بجميع الثمن؟ فعلى
قولين (3).
دليلنا: أن العيب إذا وجد كان له رد الجميع بلا خلاف، وهل له رد
البعض دون الجمع؟ يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه وحمل على
تفريق الصفقة قياس، ونحن لا نقول به.

(1) الأم 3: 225، والمجموع 9: 329، و 12: 173، وفتح العزيز 8: 389، ومغني المحتاج 2: 60، والمغني
لابن قدامة 4: 181 - 182، والشرح الكبير 4: 182.
(2) الأم 3: 225، والمجموع 9: 329 و 12: 173، وفتح العزيز 8: 389، والمغني لابن قدامة 4: 181 -
182، والشرح الكبير 4: 182.
(3) فتح العزيز 8: 390، والمغني لابن قدامة 4: 181 - 182.
68

مسألة 113: إذا باع دراهم بدراهم، أو دنانير بدنانير بأعيانها، فوجد ببعضها
عيبا من جنسها، كان ذلك عيبا، له رده وفسخ العقد، وله الرضا به. وإن
كان العيب من غير جنسه، كان البيع باطلا.
وقال أبو الطيب الطبري من أصحاب الشافعي: الأمران سواء عندي، والبيع
باطل، فإنه باع جيدا ومعيبا بجنسه، فينقسم الثمن عليهما على قدر الثمن فيؤدي
إلى التفاضل، ويكون مثل أن يبيع دينارا جيدا ودينارا رديا بدينارين (1).
دليلنا على صحة البيع: الآية (2)، وإبطاله يحتاج إلى دليل، وردها بالعيب
وفسخ العقد به لا خلاف فيه.
مسألة 114: إذا باع دراهم بدنانير في الذمة، وتفرقا بعد أن تقابضا، ثم
وجد أحدهما بما صار إليه عيبا من جنسه في الكل، كان له رده واسترجاع ثمنه،
وكان له الرضا به، وإن أراد إبداله بغير معيب كان له ذلك. وبه قال
أبو يوسف، ومحمد، وأحمد (3)، وهو أحد قولي الشافعي (4)، وهو اختيار
المزني (5).
والقول الثاني: ليس له ذلك، ويبطل العقد (6).
دليلنا على أن له ذلك: أن ذلك عيب، والعيب لا يدل على بطلان العقد،
وإنما يجب للمشتري إما الرضا به أو الفسخ، وإن كان ذلك كذلك كان البيع
صحيحا، وله الرضا والفسخ، ومن حكم ببطلان العقد فعليه الدلالة.

(1) المجموع 10: 369.
(2) البقرة: 275.
(3) المغني لابن قدامة 4: 184، والشرح الكبير 4: 185، ومختصر المزني 1: 78، والمجموع 10: 98.
(4) مختصر المزني 1: 78، والمجموع 10: 98، والمغني لابن قدامة 4: 184 - 185، والشرح الكبير 4: 185.
(5) مختصر المزني 1: 78.
(6) المجموع 10: 98، والمغني لابن قدامة 4: 185، والشرح الكبير 4: 185.
69

مسألة 115: إذا باع مائة دينار جياد ومائة دينار ردية، بمائتي دينار وسط،
كان ذلك جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك (1)، لأن المائة الجيدة تأخذ من المائتين أكثر مما
تأخذ الردية فيؤدي إلى التفاضل، كما قال في مدي عجوة (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله عليه السلام: " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء " (4) وهذا
باعه سواء بسواء، فيجب أن يكون جائزا.
مسألة 116: يجوز بيع دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين،
وبدينارين قراضة، ويجوز بيع درهم صحيح ودرهم مكسر، بدرهمين صحيحين،
أو مكسرين.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك لمثل، تعليله في مدي عجوة بمدي عجوة (5).
وأما إذا باع دينارين جيدين أو صحيحين بدينارين ردين أو مكسرين،
جاز ذلك بلا خلاف بيننا وبين الشافعي، لأن أجزاء الدينارين الجيدين
متساوية القيمة، وأجزاء الدينارين الرديين متساوية القيمة، فإذا قسم أحدهما
على الآخر على قدر أجزاء المقسوم أخذ كل جزء مثل ما يأخذ الجزء الآخر من
عوضه، فلا يؤدي إلى التفاضل.
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الخبر المتناول في جواز بيع الذهب بالذهب سواء

(1) مختصر المزني 78، والوجيز 1: 137، والمجموع 10: 306 و 314 و 318، وفتح العزيز 8: 173.
(2) العجوة: وهو نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني يضرب إلى السواد من غرس النبي صلى الله عليه
وآله وسلم. النهاية 3: 188 مادة " عجا ".
(3) البقرة: 275.
(4) صحيح البخاري 3: 97.
(5) المجموع 10: 306 و 365 - 366، و 383 - 385.
(6) البقرة: 275.
70

بسواء (1) ولم يفصل، فمن فصل فعليه الدلالة، وما اعتبره ضرب من القياس،
وعندنا لا يجوز.
مسألة 117: إذا باع سيفا محلى بفضة بدراهم، أو كان محلى بذهب فباعه
بدنانير، وكان الثمن أكثر مما فيه من الذهب أو الفضة، كان ذلك جائزا وإن
كان مثله أو أقل منه لم يجز.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك على كل حال (2).
دليلنا على ذلك: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأنه
إذا كان الثمن أكثر، كان ما يقابله مثلا بمثل، والفاضل ثمن الفضل والغلافة
مثل ما قلناه فيما تقدم.
مسألة 118: فإن باع بالسيف بغير جنس حليته، مثل أن يكون محلى بفضة
فباعه بدنانير، أو يكون محلى بذهب فباعه بدراهم، كان ذلك صحيحا على
كل حال.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قلناه (4).
والثاني: لا يجوز، لأنه بيع وصرف، وهما عقدان مختلفان في الأحكام، فلم
يجز الجمع بينهما في عقد واحد (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة
وأخبارهم (7)، وكذلك المسألة الأولى.

(1) المتقدم في المسألة السابقة فلاحظ.
(2) الأم 3: 33، والمجموع 10: 364، وبداية المجتهد 2: 195.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 33، والمجموع 10: 364.
(5) الأم 3: 33، والمجموع 10: 364.
(6) البقرة: 275.
(7) الكافي 5: 249 حديث 23، والتهذيب 7: 112 حديث 485 و ص 114 حديث 492، والاستبصار
3: 97 حديث 335.
71

مسألة 119: إذا باع خاتما من فضة بدراهم أكثر مما فيه من الفضة، كان
ذلك جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز على كل حال (1).
دليلنا: الآية (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 120: فإن بيع الخاتم بذهب كان جائزا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: أنه لا يجوز، لأنه بيع
وصرف (3).
دليلنا: الآية (4)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 121: إذا كان مع إنسان دراهم صحاح يريد أن يشتري بها مكسرة
أكثر منها وزنا، فاشترى بالصحاح ذهبا، ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من
الصحاح، كان جائزا بعد أن يتقابضا ويتفرقا بالأبدان، ولا فرق بين أن يكون
ذلك مرة أو متكررا منه. وبه قال الشافعي (5).
وقال مالك: إن كان ذلك مرة جاز، وإن تكرر ذلك لم يجز، لأنه يضارع
الربا (6).
دليلنا: الآية (7)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله عليه السلام: " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " (8). وهذا

(1) الأم 3: 33، والمجموع 10: 364.
(2) البقرة: 275.
(3) الأم 3: 33، والمجموع 10: 364.
(4) البقرة: 275.
(5) فتح العزيز 8: 167.
(6) فتح العزيز 8: 167.
(7) البقرة: 275.
(8) رواه ابن قدامة في شرحه الكبير على متن المقنع 4: 165، وقد روي في مصادر حديثية كثيرة بألفاظ
مختلفة دالة على المعنى يطول بيانها.
72

بيع جنس بغيره، فوجب أن يكون جائزا.
مسألة 122: اللحمان أجناس مختلفة. وبه قال أبو حنيفة (1).
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختياره، والصحيح عند
أصحابه (2). والآخر: إنها جنس واحد (3).
دليلنا على أنها أجناس: أنها لحوم أجناس من الحيوان مختلفة، مثل الإبل
والبقر والغنم، وينفرد كل جنس منها باسم وحكم في الزكاة (4)، ولا يضم
بعضها لبعض، ولو كان جنسا واحدا لضم بعضها إلى بعض، وذلك باطل
بالإجماع.
مسألة 123: قد بينا أن اللحمان أجناس مختلفة، والسمك كلما يختص
باسم فهو جنس مخالف للجنس الآخر.
وعلى قول الشافعي الذي يقول: إنها جنس واحد (5)، اختلف قول أصحابه
في السمك، فنص الشافعي على أنها من جنس سائر اللحوم، لأن اسم اللحم
يجمعها (6). وبه قال أبو إسحاق في الشرح، وأبو حامد المروزي في جامعه (7).
وقال أبو علي الطبري في الإفصاح: من قال إن اللحمان صنف واحد

(1) اللباب 1: 259، وبداية المجتهد 2: 135، والمغني لابن قدامة 4: 155، والشرح الكبير 4: 155،
والمجموع 10: 202، وفتح العزيز 8: 185.
(2) الأم 3: 25 - 26، ومختصر المزني: 78، والمجموع 10: 192، وبداية المجتهد 2: 135، والمغني لابن
قدامة 4: 155، والشرح الكبير 4: 155، والسراج الوهاج: 177.
(3) الأم 3: 24 و 26، ومختصر المزني: 78، والمجموع 10: 193، والسراج الوهاج: 177، والمغني لابن
قدامة 4: 155، والشرح الكبير 4: 154، وبداية المجتهد 2: 135.
(4) تقدم في المسألة " 2 و 14 و 17 " من كتاب الزكاة فلاحظ.
(5) المجموع 10: 215، وفتح العزيز 8: 185، والسراج الوهاج: 177، وبداية المجتهد 2: 135.
(6) الأم 3: 26، والمجموع 10: 204، ومغني المحتاج 2: 29.
(7) أنظر المجموع 10: 204.
73

استثنى الحيتان منها، لأن لها اسما أخص من اللحم وهو السمك، فيكون
الحيتان على هذا القول جنسا واحدا، وتكون مثل الألبان جنسا واحدا،
ولا يدخل في اللحمان (1)، وهو اختيار أبي حامد الأسفرايني في التعليق (2)، وهو
قوي لما ذكره من تناول الاسم له.
دليلنا ما قلناه أولا في المسألة الأولى سواء، فلا معنى لإعادته.
مسألة 124: بيع اللحم صنف منه بعضه ببعض جائز مثلا بمثل، سواء
كان رطبا أو يابسا، ولا يجوز أن يباع الرطب باليابس.
وقال أصحاب الشافعي: إذا قلنا أن اللحوم صنف واحد، أو قلنا
أصناف، فباع من الصنف الواحد منها بعضه ببعض، إما أن يكون في حال
الرطوبة، أو في حال اليبس والجفاف:
فإن كان في حال الرطوبة، فالذي نص عليه الشافعي أنه لا يجوز (3).
وذكر أبو العباس بن سريج: أن فيه قولا آخر، أنه يجوز (4) قال: الباقون
وهذا ليس بمشهور (5).
وإن كان في حال اليبس، فلا يخلو أن يكون تناهي يبسه، أو بقيت فيه
رطوبة، فإن كانت بقيت فيه رطوبة ينقص باليبس، فإنه لا يجوز بيع بعضه
ببعض.
وإن تناهى يبسه فلا يخلو من أحد الأمرين: إما أن يكون منزوع العظم أو

(1) حكاه النووي في المجموع 10: 205، والرافعي في فتح العزيز المطبوع بهامش المجموع 10: 184 - 185.
(2) المجموع 10: 205.
(3) الأم 3: 25 و 26 و 80 - 81، ومختصر المزني: 78، والمجموع 11: 209 و 222، والسراج الوهاج:
177، والمغني لابن قدامة 4: 156.
(4) فتح العزيز 8: 183.
(5) أنظر ما ذكره النووي في المجموع 11: 221 - 223 من اختلاف في الأقوال.
74

فيه عظم، فإن كان منزوع العظم جاز قولا واحدا. وإن بيع مع العظم قال
أبو سعيد الإصطخري: يجوز ذلك (1). وحكي عن أبي إسحاق أنه لا يجوز (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 125: يجوز بيع لحم مطبوخ بعضه ببعض، وبيع المشوي بعضه
ببعض، وبيع المشوي بالمطبوخ، وبيع المطبوخ أو المشوي بالني.
وقال الشافعي: كل ذلك لا يجوز (4).
وقال: إذا يبس ثم أصابه الندى حتى ابتل لم يبع بعضه ببعض (5).
دليلنا الآية (6)، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع منه لأن بيع.
مسألة 126: لا يجوز بيع لحم الحيوان بالحيوان إذا كان من جنسه، مثل لحم
الشاة بالشاة، ولحم بقر ببقر، وإن اختلف لم يكن به بأس. وبه قال في
الصحابة أبو بكر (7)، وهو مذهب مالك، والشافعي، والفقهاء السبعة من أهل
المدينة (8)، إلا أن للشافعي في بيعه بغير جنسه قولين:
أحدهما: لا يجوز (9)، لعموم الخبر.

(1) المجموع 11: 221 و 223، وفتح العزيز 8: 184.
(2) المجموع 11: 223، وفتح العزيز 8: 184.
(3) البقرة: 257.
(4) الأم 3: 81، والمجموع 11: 91 - 92، وفتح العزيز 8: 184، والسراج الوهاج: 209.
(5) الأم 3: 26.
(6) البقرة: 275.
(7) مختصر المزني: 78، والمجموع 11: 195 و 199، وفتح العزيز 8: 188.
(8) مختصر المزني: 78، والمجموع 11: 199، والسراج الوهاج: 179، وكفاية الأخيار 1: 152، وبداية
المجتهد 2: 136، والمغني لابن قدامة 4: 159 - 160، والشرح الكبير 4: 159، والبحر الزخار
4: 337، وفتح العزيز 8: 188.
(9) الأم 3: 81، والمجموع 11: 209، والوجيز 1: 138، والسراج الوهاج: 179، وبداية المجتهد 2: 136،
والمغني لابن قدامة 4: 159 - 160، والشرح الكبير 4: 159، والبحر الزخار 4: 337.
75

والثاني: يجوز، لأنه يؤمن فيه الربا (1).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف، يجوز (2)، وهو اختيار المزني (3).
وقال محمد بن الحسن: يجوز، على اعتبار اللحم الذي في الحيوان، فإن كان
أقل من اللحم الذي في مقابلته يجوز، فيكون مبيعا بقدره من اللحم والزيادة في
مقابلة جلد الحيوان والسواقط، كما قال أبو حنيفة في بيع الشيرج بالسمسم،
والزيت بالزيتون (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5).
وروى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع اللحم
بالشاة الحية (6). وفي بعضها أنه نهى عن بيع الحي بالميت (7).
وروي عن هذا الحديث مسندا، عن سهل بن سعد الساعدي من جهة
الزهري، ومن جهة الحسن عن سمرة، ومن جهة عبد الله بن عمر عن النبي

(1) المجموع 11: 209، والوجيز 1: 138، وكفاية الأخيار 1: 152، والسراج الوهاج: 179، والمغني لابن
قدامة 4: 159 - 160، والشرح الكبير 4: 159، والبحر الزخار 4: 337، وبداية المجتهد 2: 136.
(2) اللباب 1: 258، وشرح فتح القدير 5: 290، والمجموع 11: 199، وبداية المجتهد 2: 136، ونيل
الأوطار 5: 314، والمغني لابن قدامة 4: 159 - 160، والشرح الكبير 4: 159، والبحر الزخار 4: 337.
(3) مختصر المزني: 79، والمجموع 11: 200.
(4) اللباب 1: 258، وشرح فتح القدير 5: 290 - 291، والفتاوى الهندية 3: 120، والمجموع 11: 199،
ونيل الأوطار 5: 314، والبحر الزخار 4: 337.
(5) الكافي 5: 191 حديث 7، ومن لا يحضره الفقيه 3: 176 حديث 794، وانظر عموم الأخبار الدالة عليه في
الكافي 5: 146 حديث 10، ومن لا يحضره الفقيه 3: 175 حديث 786، والتهذيب 7: 94 حديث 397،
والاستبصار 3: 101 حديث 350 - 351.
(6) المصنف لعبد الرزاق 8: 27 حديث 14162.
(7) الموطأ 2: 655 حديث 64 و 66، وسنن الدارقطني 3: 71 حديث 265 - 266، والسنن الكبرى
5: 296، والمستدرك على الصحيحين 2: 35.
76

صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان (1).
وأيضا إجماع الصحابة.
روي عن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر، فجاء رجل بعناق
فقال: اعطوني بهذه العناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا (2). ولا يعرف
له مخالف (3).
مسألة 127: إذا باع لحما مذكى بحيوان لا يؤكل لحمه، مثل الحمار
والبغل، والعبد، لم يكن به بأس. وللشافعي فيه قولان (4).
وكذلك إذا باع سمكة بلحم شاة، أو بقرة، أو جمل، أو باع حيوانا بلحم
سمك لم يكن به بأس. وللشافعي أيضا فيه قولان (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 128: يجوز المسلم أن يشتري من الحربي درهمين بدرهم، ولا يجوز أن
يبيعه درهمين بدرهم، بل ينبغي أن يأخذ الفضل ولا يعطيه، وكذلك جميع
الأجناس التي فيها الربا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، والربا في دار الحرب ودار الإسلام، في جميع
ما يجري فيه الربا سواء، ولا فرق فيه بين الدارين، ولا فرق بين المسلمين، وبين

(1) تلخيص لعبد الرزاق 8: 27 حديث 14165 ورواه النووي في المجموع 11: 195.
(2) تلخيص الحبير 3: 10 حديث 1143، ورواه ابن قدامة أيضا في المغني 4: 162، وفي الشرح الكبير
4: 159، وذكره الشافعي في أمه: 3: 81 بألفاظ أخرى فلاحظ.
(3) قال الشافعي: لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك. حكاه عنه ابن قدامة في المغني 4: 164، والشرح
الكبير 4: 159 في ذيل الحديث المتقدم.
(4) الأم 3: 81، والمجموع 11: 213 و 216، وكفاية الأخيار 1: 152، والسراج الوهاج: 179، والمحلى 8: 516
(5) الأم 3: 26، والمجموع 11: 211، وفتح العزيز 8: 188.
(6) البقرة: 275.
77

مسلم وحربي (1).
وقال أبو حنيفة: إذا باع حربي من مسلم في دار الحرب درهمين بدرهم، أو
قفيزين من طعام بقفيز جاز، ولم يكن ذلك ربا (2).
وحكي عنه أنه قال في رجلين أسلما في دار الحرب ولم يخرجا إلى دار
الإسلام، فتبايعا درهما بدرهمين: أنه يجوز، ولا يكون ذلك ربا (3).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: " ليس بيننا وبين أهل حربنا
ربا " (4).
وروى ذلك عمرو بن جميع (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا،
نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، ونأخذ منهم ولا نعطيهم " (6) وهذا نص فيما قلناه.
مسألة 129: من باع نخلا مطلعة، فإن كان أبر الطلعة، فالثمرة للبائع، إلا

(1) المجموع 11: 228، والمغني لابن قدامة 4: 176، والشرح الكبير 4: 199.
(2) النتف 1: 495، واللباب 1: 259، وشرح فتح القدير 5: 300، وبدائع الصنائع 5: 192، والفتاوى
الهندية 3: 248 - 249، والمجموع 13: 228، والمغني لابن قدامة 4: 176، والشرح الكبير 4: 199،
والبحر الزخار 4: 340 و 391.
(3) الفتاوى الهندية 3: 248، وبدائع الصنائع 5: 192 - 193، والمغني لابن قدامة 4: 176، والشرح
الكبير 4: 199 - 200، والبحر الزخار 4: 340.
(4) الكافي 5: 147 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 176 حديث 790، والتهذيب 7: 18 حديث 77.
(5) أبو عثمان، عمرو بن جميع الأزدي البصري، قاضي الري، ضعفه أكثر من ترجم له، ونسب إليه أنه
بثري، عده الشيخ الطوسي وغيره من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام. أنظر اختيار
معرفة الرجال: 390 / 733، رجال النجاشي: 205، رجال الشيخ الطوسي 131 و 249،
الفهرست: 111، الخلاصة: 241، وتنقيح المقال 2: 326.
(6) الكافي 5: 147 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 176 حديث 790، والتهذيب 7: 18 حديث 77.
78

أن يكون المشتري قد اشترطها وإن لم يكن أبرها فالثمرة للمشتري إلا أن يشترط
البائع أن تكون له، وبه قال الشافعي (1).
وقال ابن أبي ليلى: الثمرة للمشتري سواء أبرها أو لم يؤبرها (2).
وقال أبو حنيفة: الثمرة للبائع سواء أبرها أو لم يؤبرها (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4)، وأيضا فإن أصل النخل والثمرة للبائع
قبل البيع، وانتقل النخل إلى ملك المشتري بالإجماع، ولا دليل على انتقال
الثمرة.
وروى سالم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله:
أنه قال: " من باع نخلا من بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط
المبتاع " (5). وهذا نص.
وأخبارنا في هذا المعنى قد أوردناها في الكتاب الكبير (6).
مسألة 130: إذا أبر بعض ما في البستان مثل نخلة واحدة، لم يصر الباقي في

(1) الأم 3: 43 و 83، ومختصر المزني: 79 والمجموع 11: 339، ومغني المحتاج 2: 86، والسراج الوهاج:
198، وفتح العزيز 9: 42، وفتح الباري 4: 402، وشرح فتح القدير 5: 99، وبداية المجتهد
2: 188، وتلخيص الحبير 9: 40، والمغني لابن قدامة 4: 206، والشرح الكبير 4: 206.
(2) بداية المجتهد 2: 188، وفتح الباري 4: 402، والمجموع 11: 339، وشرح فتح القدير 5: 10، والمغني
لابن قدامة 4: 206، والشرح الكبير 4: 206.
(3) اللباب 1: 227، والفتاوى الهندية 3: 35، وفتح الباري 4: 402، والمجموع 11: 339، وشرح فتح
القدير 5: 99، وبداية المجتهد 2: 118، وفتح العزيز 9: 42، والمغني لابن قدامة 4: 206، والشرح
الكبير 4: 206.
(4) الكافي 5: 177 حديث 12 - 13، والتهذيب 7: 87 حديث 369 - 371.
(5) ترتيب مسند الشافعي 2: 148 حديث 504، وروى في الموطأ 2: 729، وصحيح مسلم 3: 1172 -
1173 حديث 77 و 80، وسنن الترمذي 3: 546 حديث 1244.
(6) التهذيب 7: 87 حديث 369 - 371.
79

حكم المؤبر، فإذا باع نخل البستان كانت ثمرة النخلة المؤبرة للبائع، وما لم يؤبر
يكون للمشتري.
وقال الشافعي: إذا كانت واحدة مؤبرة صار الجميع للبائع (1).
وقال جميع أصحابه: حكم جميع الثمار حكم النخل (2). إلا ابن خيران فإنه
قال: التأبير لا يكون إلا في النخل (3).
دليلنا: ظاهر الخبر الذي قدمناه من أنه إذا باع نخلا قد أبر فثمرته للبائع
وما لم يؤبر فللمشتري، وذلك يتناول عين المؤبرة دون غيرها، وما لم يؤبر يتناول
حكم المشتري (4)، كذلك أخبارنا (5).
مسألة 131: إذا باع نخلا مؤبرا، فقد قلنا أن الثمرة للبائع والأصل
للمشتري، فإذا ثبت هذا، فلا يجب على البائع نقل هذه الثمرة حتى يبلغ أبان
الجذاذ (6) في العرف والعادة.
وكذلك إذا باع ثمره منفردة بعد بدو الصلاح فيها، وجب على البائع تركها
حتى يبلغ أوان الجذاذ. وبه قال الشافعي (7).

(1) الأم 3: 83 - 84 والمجموع 11: 359، وفتح العزيز 9: 49، والسراج الوهاج: 199 ومغني المحتاج
2: 87، وفتح الباري 4: 403.
(2) المجموع 11: 358 - 359، ومغني المحتاج 2: 86، وفتح الباري 9: 50، والسراج الوهاج: 198، وفتح
الباري 4: 403.
(3) المجموع 11: 359، وفتح العزيز 9: 50.
(4) المتقدم في هامش رقم " 5 " من المسألة السابقة.
(5) انظرها في الكافي 5: 177 حديث 12 - 13، والتهذيب 7: 87 حديث 369 - 371.
(6) الجذاذ: الجذ، هو القطع.
(7) الأم 3: 43، ومختصر المزني: 79، والمجموع 11: 434 - 435، وفتح العزيز 9: 60، وكفاية الأخيار
1: 158، والسراج الوهاج: 199، وشرح فتح القدير 5: 100، والمغني لابن قدامة 4: 207، والشرح
الكبير 4: 206.
80

وقال أبو حنيفة: يلزمه قطعها، وتفريغ النخل منها (1).
دليلنا على وجوب تبقيته: أن المرجع في ذلك إلى العادة، والعادة جارية أن
الثمار لا تشترى إلا على أن تأخذ في أوانها، فأما قبل أوانها فإن ذلك لم تجر به
العادة.
ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا ضرر ولا ضرار " (2) وقطعها في غير
وقتها فيه ضرر.
مسألة 132: إذا قال بعتك هذه الأرض، ولم يقل بحقوقها، وفيها بناء
وشجر، لم يدخل في البيع البناء والشجر.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يدخل البناء والشجر في البيع (3). وفي الرهن، قال: لا يدخل فيه
إلا إذا قال بحقوقها (4).
والثاني: قال بعض أصحابه: لا فرق بين البيع والرهن، ولا يدخل البناء
والشجر فيها إلا أن يقول بحقوقها (5). مثل قولنا.
ومنهم من قال: لا يدخلان في الرهن إلا أن يقول بحقوقها، ويدخلان في

(1) اللباب 1: 228، وشرح فتح القدير 5: 100، والمجموع 11: 435، وفتح العزيز 9: 60، والنتف في
الفتاوى 1: 483، والمغني لابن قدامة 4: 207، والشرح الكبير 4: 206.
(2) الحديث وللفظه الآخر " لا ضرر ولا ضرار " طرق وأسانيد كثيرة لا يسعنا ذكرها، نكتفي بالإشارة إلى
بعضها: الكافي 5: 169 حديث 4، وصحيح البخاري 3: 93 و 95، وسنن الترمذي 3: 524
حديث 1221.
(3) المجموع 11: 247، وفتح العزيز 9: 18، ومغني المحتاج 2: 81، والسراج الوهاج: 196، والمغني لابن
قدامة 4: 215.
(4) المجموع 11: 247، ومغني المحتاج 2: 81، والمغني لابن قدامة 4: 215.
(5) المجموع 11: 247، وفتح العزيز 9: 18 - 19، ومغني المحتاج 2: 81، والمغني لابن قدامة 4: 215،
والسراج الوهاج: 196.
81

البيع بمطلق العقد (1).
دليلنا: أنه إذا أطلق البيع، فإنما تناول العقد، الأرض دون البناء والشجر،
فمن قال يدخل فيه البناء والشجر فعليه الدلالة، ولا يلزم مثل ذلك إذا قال
بحقوقها، فإن ذلك مجمع عليه، وهو داخل في حقوقها.
مسألة 133: إذا باع دارا وفيها رحى مبنية، وغلق منصوب، دخل الرحى
التحتاني والغلق في البيع بلا خلاف، وعندنا أن الرحى الفوقاني والمفتاح أيضا
يدخلان فيه.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (2).
والثاني: لا يدخلان فيه، لأنهما منفصلان (3).
دليلنا: أن ذلك من حقوق الدار، لأن هكذا ينتفع بالرحى، وكذلك
ينصب الإغلاق، وهما من حقوقها.
مسألة 134: الماء الذي في البئر مملوك لصاحب الدار.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (4)، وهو اختيار ابن
أبي هريرة (5).
والثاني: لا يملك، وهو اختيار المروزي أبي إسحاق (6).
دليلنا على أنه يملك: أنه في ملكه، وله منع الغير منه، ومن التصرف فيه،

(1) فتح العزيز 9: 18 - 19، والمجموع 11: 248، والمغني لابن قدامة 4: 215.
(2) المجموع 11: 265 - 271، وفتح العزيز 9: 32، ومغني المحتاج 2: 85، والمغني لابن قدامة 4: 116
والسراج الوهاج: 198.
(3) مغني المحتاج 2: 85، والمجموع 11: 265 - 271، وفتح العزيز 9: 32، والمغني لابن قدامة 4: 216،
والسراج الوهاج: 198.
(4) المجموع 11: 282، وفتح العزيز 9: 34، والمغني لابن قدامة 4: 217.
(5) حكاه النووي أيضا في المجموع 11: 282.
82

فدل على أنه ملكه، وقولهم: أنه ليس بمملوك لأنه للمستأجر أن يستبيح الماء
من غير أن يشتمل على عقد الإجارة باطل، لأن ذلك معلوم بالعادة، لأن
الإنسان لا يؤجر دارا إلا ويبيح التصرف في مائها، فبطل بذلك ما قالوه.
مسألة 135: معدن الذهب يجوز بيعه بالفضة، ومعدن الفضة يجوز بيعه
بالذهب.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: لا يجوز لأنه بيع وصرف (2).
دليلنا قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (3) والأصل أيضا الإباحة، والمنع من
ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 136: إذا باع أرضا وفيها حنطة أو شعير مطلقا من غير اشتراط
الزرع، فالزرع للبائع، ويلزم المشتري تبقيته في الأرض إلى وقت الحصاد. وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يلزمه نقله وتفريغ الأرض (5).
دليلنا: أن هذا إضرار، والنبي صلى الله عليه وآله قال: " لا ضرر
ولا ضرار " (6) ولا يلزم مثل ذلك المشتري، فإن عليه ضررا في التبقية، فإنه
اشترى مع علمه بدخول هذا الضرر عليه.

(1) المجموع 9: 307، وفتح العزيز 9: 35.
(2) الأم 3: 33، والمجموع 9: 307، وفتح العزيز 9: 34.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 44، والمجموع 11: 394، وفتح العزيز 9: 21، ومغني المحتاج 2: 82، والسراج الوهاج:
197، وشرح فتح القدير 5: 100.
- (5) اللباب 1: 288، وشرح فتح القدير 5: 100، والمجموع 11: 394، وفتح العزيز 9: 21.
(6) تقدمت الإشارة إلى بعض مصادر هذا الحديث بلفظيه في الهامش رقم " 4 " من المسألة " 131 " فراجع.
83

مسألة 137: يجوز بيع الحنطة في سنبلها منفردا من الأرض، ومع الأرض.
وبه قال الشافعي في القديم (1).
وقال في الجديد: لا يجوز (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 138: إذا باع أرضا فيها بذر مع البذر فالبيع صحيح.
وللشافعي وأصحابه فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (4)، والآخر أنه يبطل
البيع فيهما (5).
وله قول آخر وهو أنه يبطل في البذر دون الأرض، ويأخذها بجميع الثمن،
لأن البذر مجهول، لا يمكن أن يتقسط على الثمن (6).
دليلنا: الآية (7)، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 139: إذا باع ثمرة منفردة عن الأصل، مثل ثمرة النخل أو الكرم
أو سائر الثمار، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قبل بدو الصلاح، أو بعده،
فإن كان قبل بدو الصلاح، فلا يخلو البيع من أحد أمرين: إما أن يبيع سنتين
فصاعدا، أو سنة واحدة، فإن باع سنتين فصاعدا فإنه يجوز عندنا خاصة،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

(1) المجموع 9: 305، وفتح العزيز 9: 83، وشرح فتح القدير 5: 106، والسراج الوهاج: 200.
(2) الأم 3: 97، والمجموع 9: 305 و 309، ومغني المحتاج 2: 90، وفتح الباري 4: 404، وبداية المجتهد
2: 152، وفتح العزيز 9: 83، والسراج الوهاج: 200.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 45، والمجموع 9: 399، والسراج الوهاج: 197، وفتح العزيز 9: 85.
(5) المجموع 9: 399، ومغني المحتاج 2: 82، والسراج الوهاج: 197، وفتح العزيز 9: 85.
(6) مغني المحتاج 2: 82، والمجموع 9: 309، والسراج الوهاج: 197، وفتح العزيز 9: 85.
(7) البقرة: 275.
84

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (1)، ودلالة الأصل يدلان عليه.
مسألة 140: وإن باع سنة واحدة فلا يخلو البيع من ثلاثة أحوال: إما أن
يبيع بشرط القطع، أو مطلقا، أو بشرط التبقية.
فإن باع بشرط القطع في الحال، جاز بالإجماع، وإن باع مطلقا أو بشرط
التبقية لم يصح البيع. به قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق (2).
وقال أبو حنيفة: يجوز بشرط القطع، ويجوز مطلقا، ويجب عليه القطع في
الحال، ولا يجوز بشرط التبقية (3)، فحصل الخلاف في البيع المطلق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب المذكور (4).
وأيضا روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع
الثمار حتى يبدو صلاحها، ونهى البائع والمشتري (5).
وروى أيضا عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع
الثمار حتى يذهب العاهة، فقيل لعبد الله بن عمر: متى ذلك؟ قال: إذا اطلع الثريا (6)

(1) الكافي 5: 175، الحديث الثاني، ومن لا يحضره الفقيه 3: 157 حديث 69، والتهذيب 7: 85
حديث 364 و ص 87 حديث 372، والاستبصار 3: 86 - 87 حديث 293 و 299.
(2) الأم 3: 48، والمجموع 11: 414، وفتح العزيز 9: 61 و 63، والمغني لابن قدامة 4: 219، وعمدة القاري 11: 298، وشرح فتح القدير 5: 102، والسراج الوهاج: 199 - 200، والجمل على شرح
المنهج 3: 203، وبلغة السالك لأقرب المسالك 2: 84 - 85، والشرح الكبير 4: 231.
(3) اللباب 1: 228، وعمدة القاري 11: 229، وشرح فتح القدير 5: 102، والمجموع 11: 411، وفتح
العزيز 9: 63، والمغني لابن قدامة 4: 219، وسبل السلام 3: 816، والشرح الكبير 4: 231.
(4) انظرها في التهذيب 7: 84 باب بيع الثمار.
(5) صحيح البخاري 3: 95، والموطأ 2: 618 حديث 10، وسنن الدارمي 2: 252، والسنن المأثورة: 251
حديث 198 و 200، وترتيب مسند الشافعي 2: 148، حديث 507، وسنن أبي داود 3: 252
حديث 3367، ومنحة المعبود 1: 265 حديث 1330، ومسند أحمد بن حنبل 2: 80.
(6) السنن المأثورة: 251 حديث 199، وترتيب مسند الشافعي 2: 149 حديث 512 ورواه البيهقي في
سننه الكبرى 5: 300 باختلاف يسير في اللفظ.
85

وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار حتى
تزهي، قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: " حتى تحمر " (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ
أحدكم مال أخيه " (2).
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمرة
حتى تشقح، قيل: وما تقشح؟ قال: " تحمر وتصفر ويؤكل منها " (3).
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا تبايعوا
الثمرة حتى يبدو صلاحها " قيل: وما بدو صلاحها؟ قال: " يذهب عاهتها
ويخلص طيبها " (4).
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمرة حتى
تطعم (5).
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع العنب

(1) الموطأ 2: 618 حديث 11، وترتيب مسند الشافعي 2: 148 حديث 509، والسنن المأثورة: 252
حديث 201 - 202، وسنن النسائي 7: 264، والسنن الكبرى 5: 300، وفي صحيح البخاري
3: 95 نحوه.
(2) صحيح البخاري 3: 101 و 103، والموطأ 2: 618 حديث 11، وسنن النسائي 7: 264، والسنن
الكبرى 5: 300، ورواه مسلم في صحيحه 3: 1190 حديث 15 باختلاف يسير في ألفاظه، وترتيب
مسند الشافعي 2: 148 حديث 509.
(3) صحيح البخاري 3: 101، وسنن أبي داود 3: 283 حديث 3370، والسنن الكبرى 5: 301، ورواه
مسلم في صحيحه 3: 1175 حديث 84 باختلاف يسير في اللفظ، ومنحة المعبود 1: 265
حديث 1332.
(4) رواه أحمد بن حنبل في مسنده 2: 80 عن ابن عمر.
(5) المصنف لعبد الرزاق 8: 63 حديث 14318، ورواه الدارقطني 3: 14 حديث 42
باختلاف يسير في ألفاظه.
86

حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد (1).
مسألة 141: إذا كانت الأصول لرجل، والثمرة لآخر، فباع الثمرة من
صاحب الأصول، فلا يصح أيضا بيعها قبل بدو الصلاح.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو القياس عندهم (2)،
والثاني: أنه يجوز (3).
دليلنا: عموم الأخبار (4)، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 142: إذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح صح البيع، سواء كان مطلقا أو
بشرط التبقية، أو بشرط القطع. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: إذا باع مطلقا جاز واجبر على القطع، وإذا باع بشرط القطع
جاز، وإذا باع بشرط التبقية لم يجز ذلك (6).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (7).
والأخبار التي قدمناها من أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار

(1) سنن أبي داود 3: 253 حديث 3371، وسنن ابن ماجة 2: 747 حديث 2217، وسنن الدارقطني
3: 47 حديث 196، والسنن الكبرى 5: 301.
(2) المجموع 11: 401 و 423، وفتح العزيز 9: 65 - 67، ومغني المحتاج 2: 89، والمغني لابن قدامة 4: 219،
والشرح الكبير 4: 236.
(3) المجموع 11: 410 و 422، ومغني المحتاج 2: 89، وفتح العزيز 9: 65 - 67، والمغني لابن قدامة
4: 219، والشرح الكبير 4: 236.
(4) انظرها في الكافي 5: 174، ومن لا يحضره الفقيه 3: 157، والتهذيب 7: 84.
(5) المجموع 11: 414، وفتح العزيز 9: 60 والمغني لابن قدامة 4: 222، وبداية المجتهد 2: 150، والشرح
الكبير 4: 263، وكفاية الأخيار 1: 158، وعمدة القاري 12: 12.
(6) اللباب 1: 228، وشرح فتح القدير 5: 102، والمجموع 11: 414، والمغني لابن قدامة 4: 222،
والشرح الكبير 4: 264، وفتح العزيز 9: 60 و 63، وعمدة القاري 12: 12.
(7) أنظر في الكافي 5: 174، ومن لا يحضره الفقيه 3: 157، والتهذيب 7: 85.
87

حتى يبدو صلاحها (1)، يدل على أن بعد الصلاح يجوز بيعها.
مسألة 143: لا اعتبار بطلوع الثريا في بدو الصلاح في الثمار، بل المراعى منه
صلاحها بأنفسها بالبلوغ أو التلون. وقال الشافعي مثل ذلك (2).
وقال بعض الناس: إن الاعتبار بطلوع الثريا لما رواه ابن عمر (3).
دليلنا: الأخبار التي قدمناها من تقييد جواز ذلك حتى تزهي (4)، وهي
تعارض خبر ابن عمر (5)، ولأن عندما قلناه يجوز بيعه بلا خلاف عند من أجاز
بيعه، ولم يقم دليل على جواز بيعه عند طلوع الثريا إذا لم يبد صلاحه، على أن
قول ابن عمر: " إذا طلع الثريا " ليس من قول النبي صلى الله عليه وآله، وإنما
هو من قوله، ولا يجب اتباع قوله.
مسألة 144: إذا بدا الصلاح في بعض الجنس، جاز بيع الجميع مما في
البستان من ذلك الجنس وإن لم يبد صلاحه. وكذلك إذا بدا صلاح بعض
الثمار في بستان واحد ولم يبد صلاح نوع آخر فيه، فإنه يجوز بيع الجميع.
وإن كان ذلك في بستانين، أو في بساتين، فلا يجوز إلا أن يبدو الصلاح في
كل بستان، إما في جميعه، أو في بعضه.

(1) صحيح البخاري 3: 95، وسنن الدارمي 2: 252، والموطأ 2: 618 حديث 10، وترتيب مسند
الشافعي 2: 148 حديث 507، وسنن أبي داود 3: 252 حديث 3367، ومسند أحمد بن حنبل
2: 80، والسنن المأثورة: 251 حديث 198 و 200، ومنحة المعبود 1: 265 حديث 1330.
(2) الأم 3: 48 - 49، والمجموع 11: 44 - 441، والسراج الوهاج: 200، كفاية الأخيار 1: 158، وفتح العزيز
9: 73 - 75.
(3) وبه قال مالك وزيد بن ثابت، انظر بداية المجتهد 2: 15، وموطأ مالك 2: 619 حديث 13.
(4) أنظر ما تقدم من الأخبار في المسألة " 140 " من هذا الكتاب.
(5) حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار حتى يذهب العاهة. فقيل لعبد الله بن
عمر: متى ذلك؟ قال إذا طلع الثريا. وقد تقدمت الإشارة إلى الحديث ومصادر روايته في المسألة
" 140 " من هذا الكتاب فلاحظ.
88

وقال الشافعي: يعتبر في بعض الثمرة وإن قل، حتى لو وجد في بسرة واحدة،
لكان الباقي من ذلك النوع في ذلك البستان تابعا لها، وجاز بيع الجميع من غير
شرط القطع (1).
وهل يكون بدو الصلاح في نوع بدو الصلاح في نوع آخر من جنس واحد
في بستان واحد؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يكون بدو الصلاح فيه، ويجوز بيع الجميع (2).
والثاني: لا يكون بدو الصلاح فيه، ولا يكون نوعه تابعا لنوع آخر، وهو
الصحيح عندهم، ولا يختلف مذهبهم أن بدو الصلاح في جنس لا يكون بدو
الصلاح في جنس آخر (3).
هذا كله في بستان واحد، وأما في بساتين فلا يتبع أحدهما الآخر، فإذا
بدا الصلاح في نوع من الثمرة في بستان، لا يجوز بيع ذلك النوع في بستان آخر إذا
لم يبد فيه الصلاح (4).
وقال مالك: يجوز (5).

(1) الأم 3: 41 - 42 و 70 - 73، والسراج الوهاج: 199، ومغني المحتاج 2: 87، والمغني لابن قدامة
4: 222 - 223، والشرح الكبير 4: 290 - 297، وفتح الباري 4: 396، وعمدة القاري 12: 12،
وفتح العزيز 9: 49 - 51 و 70 - 73.
(2) الأم 3: 41 - 42، والسراج الوهاج: 199، وعمدة القاري 12: 12، وفتح الباري 4: 396، والمغني
لابن قدامة 4: 223، والشرح الكبير 4: 290 - 297.
(3) الأم 3: 41 - 42، والسراج الوهاج: 199، وفتح الباري 4: 396، والمغني لابن قدامة 4: 223،
وعمدة القاري 12: 12، والشرح الكبير 4: 290 - 297.
(4) الأم 3: 41، وفتح العزيز 9: 49 - 51، وعمدة القاري 12: 12، وفتح الباري 4: 396، والمغني لابن
قدامة 4: 223، والسراج الوهاج: 199.
(5) بداية المجتهد 2: 156، وبلغة السالك لأقرب المسالك 2: 84 - 85، وشرح الجمل 3: 204، ومختصر
العلامة خليل: 189، والمغني لابن قدامة 4: 223، وعمدة القاري 12: 12، وفتح العزيز 9: 71،
والشرح الكبير 4: 297، وفتح الباري 4: 396.
89

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1)، وأيضا نهي النبي صلى الله عليه وآله
عام في بيع الثمار قبل بدو صلاحها (2) إلا ما خصه الدليل.
مسألة 149: إذا باع من البطيخ، والباذنجان، والقثاء، وما أشبه ذلك
الحمل الموجود، وما يحدث بعده من الأحمال دون الأصول، كان البيع صحيحا.
وبه قال مالك (3).
وقال الشافعي: يبطل في الجميع (4).
دليلنا قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (5) ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى
دليل، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 146: يجوز بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأخضر الفوقاني، ويجوز
بيع الجوز واللوز وما أشبه ذلك في القشر الفوقاني الأخضر على الأرض، وعلى
الشجر منفردا عن الشجر، ومع الشجر. وبه قال أبو حنيفة (6).
وقال الشافعي: كل ذلك لا يجوز (7).
وقال أبو العباس بن القاص، وأبو سعيد الإصطخري من أصحابه: يجوز
ذلك (8)، مثل ما قلناه، إلا أنهما قالا: يجوز ذلك إذا كان رطبا، فإذا جف

(1) انظرها في الكافي 5: 174، ومن لا يحضره الفقيه 3: 157، والتهذيب 7: 85.
(2) تقدمت الإشارة إلى الحديث ومصادره في المسألة " 140 " فلاحظ.
(3) بداية المجتهد 2: 156، والمغني لابن قدامة 4: 225، والشرح الكبير 4: 219، بلغة السالك لأقرب
المسالك 2: 84، والمجموع 11: 462.
(4) الأم 3: 44 و 65، والمجموع 11: 461 - 462، ومغني المحتاج 2: 90، وبداية المجتهد 2: 156، والمغني
لابن قدامة 4: 225، والشرح الكبير 4: 219.
(5) البقرة: 275.
(6) اللباب 1: 229، وشرح فتح القدير 5: 106، والمغني لابن قدامة 4: 225، والبحر الزخار 4: 317.
(7) المجموع 9: 305 - 306، ومغني المحتاج 2: 90، وشرح فتح القدير 5: 106، والمغني لابن قدامة
4: 225، والسراج الوهاج: 200، والبحر الزخار 4: 317.
(8) المجموع 9: 305 - 306، وفتح العزيز 9: 82.
90

ذلك القشر فلا يجوز (1).
دليلنا: الآية (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 147: يجوز بيع الحنطة في سنبلها، وبه قال أبو حنيفة، ومالك،
والشافعي في القديم (3).
وقال في الجديد: لا يجوز بيع الحنطة في سنبلها (4).
دليلنا: الآية (5)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله " نهى عن بيع العنب
حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد " (6)، ولم يفصل.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع السنبل
حتى يبيض ويأمن العاهة (7).
وروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الحب حتى
يفرك (8) وهو أن يبلغ أوان الفرك، كما يقال: إحصد، إذا بلغ أوان الحصاد.
مسألة 148: إذا باع ثمرة بستان، جاز أن يستثنى أرطالا معلومة. وبه قال مالك (9)

(1) المجموع 9: 305 - 306، وفتح العزيز 9: 82.
(2) البقرة: 275.
(3) اللباب 1: 229، وشرح فتح القدير 5: 106، والمجموع 9: 305، وفتح العزيز 9: 83، والجوهر النقي
في هامش السنن الكبرى 5: 303، والأم 3: 67، والسراج الوهاج: 200، وبلغة السالك 2: 85.
(4) الأم 3: 67، والمجموع 9: 305، ومغني المحتاج 2: 90، وفتح العزيز 9: 83، والسراج الوهاج: 200.
(5) البقرة: 275.
(6) سنن أبي داود 3: 253 حديث 3371 وسنن ابن ماجة 2: 747 حديث 2217، وسنن الدارقطني
3: 47 حديث 196، والسنن الكبرى 5: 301.
(7) السنن الكبرى 5: 303.
(8) المصنف لعبد الرزاق 5: 64 حديث 14321، والسنن الكبرى 5: 303.
(9) الموطأ 2: 622، وشرح فتح القدير 5: 105، والمغني لابن قدامة 4: 231.
91

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز ذلك، لأن الثمرة مقدارها مجهول (1)
دليلنا: إن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 149: لا يجوز أن يبيع شاة ويستثنى رأسها أو جلدها، سواء كان
ذلك في سفر أو حضر، وعلى كل حال، ومتى باع كذلك كان شريكا له بمقدار
ما يستثنى منه من الثمن.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز ذلك على كل حال (2).
وقال مالك: إن كان في حضر لا يجوز، وإن كان ي سفر يجوز (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فاستثناء الرأس من الشاة استثناء من غير
جنسه، فمن أجازه فعليه الدلالة.
مسألة 150: إذا باع ثمرة وسلمها إلى المشتري، والتسليم أن يخلي بينها
وبينه، ثم أصابتها جايحة، فهلكت أو هلك بعضها، فإنه لا ينفسخ البيع.
وقال الشافعي في القديم: ينفسخ البيع (4). وقال في الأم: لا ينفسخ (5).
وذكر في الصرف قولين:
أحدهما: ينفسخ في التالف، وهو قوله في القديم.
والثاني: لا ينفسخ وهو قوله في الأم (6). وبه قال أبو حنيفة (7) وهو المشهور

(1) اللباب 1: 228، وشرح فتح القدير 5: 105، والأم 3: 84، والمغني لابن قدامة 4: 231.
(2) الفتاوى الهندية 3: 130، والمجموع 11: 447.
(3) المدونة الكبرى 4: 293، وبداية المجتهد 2: 162، والمجموع 11: 447.
(4) المجموع 11: 464، وفتح العزيز 9: 102، وعمدة القاري 12: 6، والمغني لابن قدامة 4: 234،
والشرح الكبير 4: 271.
(5) الأم 3: 43، والمجموع 11: 464، وعمدة القاري 12: 6.
(6) الأم 3: 43، والمجموع 11: 464.
(7) عمدة القاري 12: 6، والمغني لابن قدامة 4: 234، والشرح الكبير 4: 272، وفتح العزيز 9: 102.
92

من مذهب الشافعي.
وقال مالك: إن كان ذلك فيما دون الثلث فهو من ضمان المشتري، وإن
كان الثلث فصاعدا فهو من ضمان البائع (1).
دليلنا: إنه قد ثبت العقد، فمن فسخه في جميعه أو في بعضه فعليه الدلالة.
مسألة 151: القبض في الثمرة رؤوس النخل، هو التخلية بينها وبين
المشتري.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو قوله الجديد (2).
والثاني: قوله القديم، وهو أن القبض فيها النقل، مثل أن يكون على وجه
الأرض (3).
دليلنا على ما قلناه: إن العادة في الشجرة أنها لا تنقل ولا تحول، والثمرة
ما دامت متصلة بها كانت بمنزلتها، فيكون القبض فيها التخلية.
مسألة 152: لا يجوز المحاقلة، وهو بيع السنابل التي انعقد فيها الحب واشتد،
بحب من جنسه ومن ذلك السنبل.
وروى أصحابنا أنه إن باع بحب من جنسه من غير ذلك السنبل فإنه
يجوز (4).
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها بحب من جنسها على كل حال (5).

(1) الموطأ 2: 621، وبلغة السالك 2: 87، وعمدة القاري 12: 6، والمغني لابن قدامة 4: 234، وفتح
العزيز 9: 103، والشرح 4: 271 و 282.
(2) المجموع 9: 276 - 277، ومغني المحتاج 2: 72، وفتح العزيز 8: 441 - 444.
(3) المجموع 9: 276 - و 283، وفتح العزيز 8: 441 - 444، والسراج الوهاج: 193، ومغني المحتاج
2: 72.
(4) الكافي 5: 274 حديث 1.
(5) الأم 3: 63، والسراج الوهاج: 201، والمجموع 9: 309، ومغني المحتاج 2: 93، وبداية المجتهد 2: 151.
93

وإليه ذهب قوم من أصحابنا (1).
وحكي عن مالك أنه قال: المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحب (2).
دليلنا: أخبار أصحابنا (3) وإجماعهم على أن ما قلناه لا يجوز، وإن اختلفوا فيما
عداه، فالأصل فيما عداه الإباحة.
وأيضا روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المحاقلة
والمزابنة (4).
والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة.
والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق تمرا.
مسألة 153: المزابنة: بيع الثمر على رؤوس الشجر، بثمر موضوع على
الأرض، وهو محرم بلا خلاف.
ومن أصحابنا من قال: إن المحرم أن يبيع ما على الرؤوس من النخل بتمر
منه (5).
فأما بتمر آخر فلا بأس به، والخبر الذي قدمناه يدل على ذلك (6).
وأيضا روى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن
المزابنة، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا، وبيع العنب بالزبيب كيلا (7).

(1) منهم الشيخ المفيد قدس سره في المقنعة: 93.
(2) الموطأ 2: 625 حديث 24 و 25.
(3) الكافي 5: 275 حديث 5، والتهذيب 7: 143 حديث 633 و 635، والاستبصار 3: 91 حديث 308 - 309
(4) السنن الكبرى 5: 307، ورواه الشافعي في أمه 3: 63، والمزني في مختصره: 81، وتلخيص الحبير
المطبوع في ذيل المجموع 9: 87.
(5) لم أعثر على هذا القول في الكتب المتوفرة.
(6) تقدم في الهامش رقم " 1 " من المسألة " 152 " فلاحظ.
(7) المصنف لعبد الرزاق 8: 104 حديث 14489 وصحيح البخاري 3: 98 وصحيح مسلم 3: 1171 حديث 72.
94

مسألة 154: يجوز بيع الربا - وهو جمع عرية - وهو أن يكون لرجل نخلة في
بستان لغيره أو دار، فشق دخوله بالبستان، فيشتريها منه بخرصها تمرا بتمر
ويعجله له. وبه قال مالك (1).
وقال الشافعي: يجوز بيع العرايا - وهو بيع التمر على رؤوس النخل - خرصا
بمثله من التمر كيلا، ويجوز فيما دون خمسة أوسق قولا واحدا (2)، وفي خمسة أوسق
على قولين (3)، وفيما زاد على خمسة أوسق لا يجوز (4).
واختلف قوله، فقال في الأم: الغني والفقير المحتاج سواء (5). وقال في
اختلاف الأحاديث والإملاء: لا يجوز إلا للفقير (6)، وهو اختيار المزني (7).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك في القليل والكثير، وهو ربا (8).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (9).
وأيضا روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع
الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرا، يأكلها أهلها

(1) المدونة الكبرى 4: 258، وشرح معاني الآثار 4: 30، وشرح فتح القدير 5: 195، والمحلى 8: 462،
وفتح الباري 4: 390، والمجموع 11: 10، وسبل السلام 3: 859.
(2) الأم 3: 56، ومختصر المزني: 81، والوجيز 1: 150، والسراج الوهاج: 201 والمحلى 8: 462، وفتح
الباري 4: 308، وسبل السلام 3: 859، والمجموع 11: 6، وشرح فتح القدير 5: 195.
(3) الأم 3: 54 و 56، ومختصر المزني: 81، والوجيز 1: 150، والمجموع 11: 61، وفتح الباري 4: 308،
والمغني لابن قدامة 4: 197، وشرح فتح القدير 5: 196.
(4) الأم 3: 54 - 55، ومختصر المزني 81، والمجموع 11: 44، والمغني لابن قدامة 4: 197، وسبل السلام 3: 859.
(5) الأم 3: 56.
(6) مختصر المزني: 81، والمجموع 11: 25.
(7) مختصر المزني: 81، والمجموع 11: 25.
(8) المغني لابن قدامة 4: 197.
(9) التهذيب 7: 143 حديث 634، والاستبصار 3: 91 حديث 310 - 311.
95

رطبا (1)، وهذا نص.
وما ذكرناه من تفسير العرية قول أبي عبيدة من أهل اللغة.
مسألة 155: إذا كان لرجل نخلة عليها تمر، ولآخر نخلة عليها تمر،
فخرصاهما تمرين، فإنه لا يجوز بيع أحديهما بالأخرى، إلا أن يكون عريتين.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجوز. ذهب إليه ابن خيران أبو علي (2).
والثاني: إن كان نوعا واحدا لا يجوز، وإن كانا نوعين يجوز ذلك. حكي
عن أبي إسحاق (3).
والثالث: لا يجوز بحال، وإنما يجوز بيعه بالتمر الموضوع على الأرض كيلا.
حكي عن أبي سعيد الإصطخري (4).
دليلنا: على ما قلناه: عموم الأخبار في النهي عن بيع المزابنة (5)، وإنما
استثنى من جملتها العرايا.
مسألة 156: إذا فسرنا العرايا بما تقدم ذكره، فلا يجوز لأحد أن يبيع تمرة
بستانه نخلة نخلة بيع العرية.
وقال الشافعي: يجوز أن يبيع نخلة نخلة، أو نخلتين إذا كان ذلك دون
الخمسة أوساق (6).

(1) السنن الكبرى 5: 310، ورواه الشافعي في أمه 3: 54، والمزني في مختصره: 81، ورواه البخاري
في صحيحه 3: 99 باختلاف يسير في ألفاظه.
(2) المجموع 11: 32، وفتح العزيز 9: 97، وفتح الباري 4: 385.
(3) فتح الباري 4: 385، والمجموع 11: 33، وفتح العزيز 9: 97.
(4) المجموع 11: 33، وفتح الباري 4: 385، وفتح العزيز 9: 97.
(5) تقدمت الإشارة إليها في المسألة " 152 " فلاحظ.
(6) الأم 3: 55 - 56.
96

دليلنا: أنا قد بينا حقيقة العرية، وذلك لا يتأتى في نخل البستان كله.
مسألة 157: العرية لا تكون إلا في النخل خاصة، فأما الكرم وشجر
الفواكه فلا عرية فيها، ولا يمكن أن يقاس على ذلك لبطلان القياس عندنا.
وقال الشافعي: في العنب عرية مثل ما في النخل قولا واحدا (1).
وفي سائر الأشجار له فيها قولان، أحدهما: إن فيها عرية (2)، والثاني:
لا عرية فيها (3).
دليلنا: أنا أجمعنا على ثبوت العرية في النخل، ولا دليل على ثبوتها في غيرها
من الكرم والأشجار، وإلحاق غيرها بالنخل قياس، وذلك لا يجوز عندنا.
مسألة 158: يجوز بيع ما عدا الطعام قبل أن يقبض، ولا فرق بين الطعام وبين
غيره (5). وبه قال عبد الله بن عباس (6).
وقال أحمد بن حنبل: إن كان مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل القبض،
ويجوز في غيرهما (7). وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب (8).

(1) الأم 3: 55 - 56، ومختصر المزني: 81، والمجموع 11: 71، والسراج الوهاج: 201، والمغني لابن
قدامة 4: 201، والشرح الكبير 4: 169، وعمدة القاري 11: 304.
(2) الأم 3: 55، والمجموع 11: 71، وفتح العزيز 9: 94.
(3) المجموع 11: 71، وفتح العزز 9: 94.
(4) بداية المجتهد 2: 143، والمحلى 8: 521، والمجموع 9: 270.
(5) الأم 3: 69، ومختصر المزني: 82، والوجيز 1: 146، وكفاية الأخيار 1: 152، والمجموع 9: 264 و
270، والمحلى 8: 521، وبداية المجتهد 2: 143، والسراج الوهاج: 191، والمغني لابن قدامة
4: 239، ومغني المحتاج 2: 68، وبدائع الصنائع 5: 181.
(6) صحيح البخاري 3: 89، والمحلى 8: 521، ومختصر المزني: 82، والمجموع 9: 270، وبداية المجتهد
2: 143، والمغني لابن قدامة
4: 239، ومغني المحتاج 2: 68، وبدائع الصنائع 5: 181.
(6) صحيح البخاري 3: 89، والمحلى 8: 521، ومختصر المزني: 82، والمجموع 9: 270، وبداية المجتهد
2: 143، والمغني لابن قدامة 4: 239، ومغني المحتاج 2: 68، والأم 3: 69، والنتف 1: 469.
(7) المغني لابن قدامة 4: 239، والمجموع 9: 270، وبداية المجتهد 2: 143، والنتف 1: 469.
(8) المجموع 9: 270، والمغني لابن قدامة 4: 239.
97

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان مما ينقل ويحول لم يجز بيعه قبل
القبض، وإن كان مما لا ينقل ويحول من العقار جاز بيعه قبل القبض (1).
دليلنا على ما قلناه: إن الطعام مجمع عليه، ولا دليل على ما عداه، وظاهر
الآية (2) يقتضي جوازه.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: " من أبتاع طعاما فلا يبعه حتى
يستوفيه " (3).
فخص الطعام بذلك، ولو كان حكم غيره حكمه لبينه.
مسألة 159: القبض فيما عدا العقار والأرضين نقل المبيع إلى مكان آخر.
وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: القبض هو التخلية في جميع الأشياء (5).
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف في أنه قبض، وما ادعوه لا دليل على ثبوته
قبضا.
مسألة 160: يجوز بيع الصداق قبل القبض، ويجوز بيع مال الخلع قبل
قبضه. وبه قال أبو حنيفة (6).

(1) اللباب 1: 253، والفتاوى الهندية 3: 13، وشرح فتح القدير 5: 265، وشرح العناية على الهداية
المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 265، والمجموع 9: 270، وبداية المجتهد 2: 143، والمغني لابن
قدامة 4: 239، وبدائع الصنائع 5: 181.
(2) البقرة: 275.
(3) صحيح البخاري 3: 90، وسنن ابن ماجة 2: 749 حديث 2226، وسنن النسائي 7: 285، والنتف 1: 469.
(4) الوجيز 1: 146، والمجموع 9: 276 و 283، والسراج الوهاج: 193، ومغني المحتاج 2: 72، والبحر
الزخار 4: 369، والمغني لابن قدامة 4: 238.
(5) الفتاوى الهندية 3: 16، وبداية المجتهد 2: 144، والمجموع 9: 283، والبحر الزخار 4: 369، والمغني
لابن قدامة 4: 238.
(6) الفتاوى الهندية 3: 13، وشرح فتح القدير 5: 265، وبداية المجتهد 2: 145.
98

وقال الشافعي: لا يجوز (1).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (2)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى
دليل.
مسألة 161: الثمن إذا كان معينا يجوز بيعه قبل قبضه ما لم يكن صرفا، وإن
كان في الذمة أيضا يجوز.
وقال الشافعي في المعين لا يجوز قولا واحدا (3)، وفيما في الذمة قولان (4).
دليلنا: الآية (5)، ودلالة الأصل، وجواز التصرف، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع،
فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع الدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من
هذه، وأعطى هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا بأس أن
تأخذها ما لم تفترقا وبينكما شئ (6).
مسألة 162: إذا قال لمن أسلم إليه: اذهب إلى من أسلمت إليه واكتل
منه الطعام لنفسك، فذهب واكتاله، لم يصح قبضه بلا خلاف.
وإذا قال: إحضر اكتيالي منه حتى أكتاله لك، فحضر معه واكتاله، لم يجز
أيضا بلا خلاف.
وإن قال: إحضر معي حتى أكتاله لنفسي، ثم تأخذه أنت من غير كيل،

(1) المجموع 9: 264، والوجيز 1: 145، والمحلى 8: 521، وبداية المجتهد 2: 145، وفتح العزيز 8: 425،
والأشباه والنظائر: 546.
(2) البقرة: 275.
(3) المجموع 9: 269 و 271، ومغني المحتاج 2: 69، والسراج الوهاج: 191.
(4) المجموع 9: 272 و 274.
(5) البقرة: 275.
(6) سنن أبي داود 3: 250 حديث 3354، ومسند الطيالسي: 255 حديث 1868، ومنحة المعبود
1: 270 حديث 1362، ورواه النسائي في سننه 7: 281 - 282 باختلاف في بعض ألفاظه.
99

فإن رضي باكتياله لنفسه كان عندنا جائزا، ولا يجوز ذلك عند الشافعي (1).
وإذا اكتاله لنفسه، ويتركه ولا يفرغه، ويكون ما عليه مكيالا واحدا،
فكاله عليه، جاز عندنا، وللشافعي فيه وجهان (2).
وإن اكتاله المشتري منه وفرغه، ثم كاله مستأنفا على من باع منه،
كان القبضان جميعا صحيحين بلا خلاف.
دليلنا على المسألتين: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل على أن قبضه عنه
صحيح (3)، ثم يحتسب لنفسه.
مسألة 163: إذا كان لرجل على غيره قفيز طعام من جهة السلم، والذي
عليه الطعام من جهة السلم له على غيره طعام من جهة القرض، فجاء المسلم
فطالب المسلم إليه بالطعام، فأحاله على من له عليه من جهة القرض، كان
جائزا. وكذلك إن كان الطعام الذي له قرضا والذي عليه سلما كان جائزا.
وقال الشافعي في المسألتين: لا يجوز (4).
دليلنا: إن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإن هذه حوالة ليست بيعا، فلا وجه للمنع منه، فمن قال إنه بيع
فعليه الدلالة.
مسألة 164: إذا كان الطعامان قرضين، يجوز الحوالة بلا خلاف. وإن كانا
سلمين يجوز أيضا عندنا.
وعند الشافعي لا يجوز (5).

(1) مختصر المزني: 82.
(2) مختصر المزني: 82، والمجموع 9: 279.
(3) انظرها في التهذيب 7: 35 - 36 حديث 146 و 152.
(4) مختصر المزني: 82، والوجيز 1: 146، والمجموع 9: 279، وفتح العزيز 8: 433.
(5) المجموع 13: 107 و 295 و 446، والوجيز 1: 146، وكفاية الأخيار 1: 162 و 170، وفتح العزيز 8: 213 و 433
100

وفي أصحابه من قال: لا يجوز أيضا إذا كان قرضين، وهو ضعيف
عندهم (1).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 165: إذا انقطع المسلم فيه لم ينفسخ البيع، ويبقى في الذمة.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: أنه ينفسخ السلم (2).
والآخر: له الخيار، إن شاء رضي بتأخيره إلى قابل، وإن شاء فسخه (3).
دليلنا: أن هذا عقد ثابت، وفسخه يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
مسألة 166: إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل أخذ
بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله، فإن زاد عليه لم يجز.
وقال الشافعي: يجوز على القول المشهور، ولم يفصل (4). وبه قال بعض
أصحابنا.
وقال مالك: لا يجوز، ولم يفصل (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (6)، ولأن ذلك يؤدي إلى بيع طعام بطعام،
فالتفاضل فيه لا يجوز.
والقول الآخر الذي لأصحابنا قوي، لأنه بيع طعام بدرهم في القفيزين
معا، لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج إلى اعتبار المثلية.

(1) المجموع 13: 426 و 429.
(2) فتح العزيز 9: 245، وكفاية الأخيار 1: 161.
(3) فتح العزيز 9: 245، وكفاية الأخيار 1: 161.
(4) المجموع 9: 275، وبداية المجتهد 2: 142.
(5) بداية المجتهد 2: 142، والمجموع 9: 275.
(6) عموم الأخبار المروية في الكافي 5: 187، والتهذيب 7: 94 حديث 399 - 411.
101

مسألة 167: التصرية تدليس يثبت به الخيار للمشتري بين الرد وفسخ
البيع وبين الإمساك، وبه قال مالك، والليث، وابن أبي ليلى، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق (1)، وهو مذهب عبد الله بن مسعود ذكره البخاري في
صحيحه (2). وبه قال ابن عمر، وأبو هريرة، وأنس بن مالك (3).
وقال أبو حنيفة: لا خيار له (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5).
وأيضا روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا تصروا
الإبل والغنم للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن
رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " (6).
وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها

(1) مختصر المزني: 82، والمحلى 9: 66 - 67، وبداية المجتهد 2: 174، وإرشاد الساري 4: 68، وفتح
الباري 4: 361، وعمدة القاري 11: 270، وسبل السلام 3: 827، والسراج الوهاج: 190،
والمغني لابن قدامة 4: 253، ونيل الأوطار 5: 329، وشرح معاني الآثار 4: 19، وفتح العزيز 8: 333.
(2) صحيح البخاري 3: 92، وانظر المحلى 9: 67، والمغني لابن قدامة 4: 253، وفتح الباري 4: 361.
(3) المحلى 9: 67، وفتح الباري 4: 361، وعمدة القاري 11: 270 و 272، والمغني لابن قدامة
4: 253.
(4) عمدة القاري 11: 270، وبداية المجتهد 2: 174، والمحلى 9: 67، وإرشاد الساري 4: 68، وفتح
الباري 4: 364، والمغني لابن قدامة 4: 253، والبحر الزخار 4: 353، ونيل الأوطار 5: 329، وفتح
العزيز 8: 333.
(5) انظرها في الكافي 5: 173 حديث 1، والتهذيب 7: 25 حديث 107، ومعاني الأخبار 282 (باب
معنى المحاقلة والمزابنة...).
(6) ترتيب مسند الشافعي 2: 141 - 142 حديث 467 - 468، وصحيح البخاري 3: 93، وصحيح
مسلم 3: 1155 حديث 11، والسنن الكبرى 5: 318، وسنن أبي داود 3: 270 حديث 3443.
102

وصاعا من تمر " (1) وفي بعضها " سمر " (2) يريد به حنطة.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من ابتاع محفلة
فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل لبنها، أو مثلي لبنها قمحا " (3).
مسألة 168: مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام مثل مدة الخيار في سائر
الحيوان.
واختلف أصحاب الشافعي فيها.
فقال أبو إسحاق: قدر الثلاثة للوقوف على التدليس، ومعرفة عيب
التصرية (4).
وقال ابن أبي هريرة أبو علي: الثلاثة إذا شرط الخيار فيه، وخيار التصرية
على الفور (5).
ومنهم من قال: إذا وقف على خيار التصرية فيما دون الثلاث كان له
الخيار في بقية الثلاث للسنة، ذهب إليه أبو حامد المروزي في جامعه، وعليه
نص الشافعي في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى (6).

(1) شرح معاني الآثار 4: 19، وسنن الدارقطني 3: 74 حديث 279، وترتيب مسند الشافعي 2: 142
حديث 468، وروي نحوه في الموطأ 2: 683 حديث 96.
(2) كذا في النسخ المعتمدة، أما ما ورد في مصادر الحديث وقد أشرنا إلى البعض منها في الهامش المتقدم
وغيره " لا سمراء ". وانظر تفصيل ذلك أيضا في السنن الكبرى 5: 318 - 320 (باب الحكم فيمن
اشترى مصراة).
(3) سنن أبي داود 3: 271 حديث 3446، وسنن ابن ماجة 2: 753 حديث 2240، والسنن الكبرى
5: 319، وتلخيص الحبير 3: 23 حديث 1194.
(4) المجموع 12: 33، وإرشاد الساري 4: 66.
(5) المجموع 12: 32 - 33، والسراج الوهاج: 190، وفتح الباري 4: 362، وفتح العزيز 8: 334.
(6) الأم 7: 100، والمجموع 12: 31، والمغني لابن قدامة 4: 255، وفتح الباري 4: 362 - 363، وفتح
العزيز 8: 334.
103

دليلنا: إجماع الفرقة على ثبوت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم
يشرط، وقد تقدم (1)، وهذا داخل في ذلك، والخبر الذي رويناه عن أبي هريرة
وابن عمر صريح بذلك (2).
مسألة 169: عوض اللبن الذي يحلبه صاع من تمر، أو صاع من بر على
ما نص النبي صلى الله عليه وآله (3).
واختلف أصحاب الشافعي:
فقال أبو العباس بن سريج: يرد في كل بلد من غالب قوته (4).
وقال أبو إسحاق المروزي: الصاع من التمر هو الأصل، فينظر في الحنطة فإن
كانت أغلى منه وأكثر ثمنا جاز، وإن كانت دونه لم يجز، وإن كان في موضع
لا يوجد فيه التمر وجبت قيمة الصاع من التمر بالمدينة، وإن كان في بلد يوجد إلا
أن ثمنه كثير يأتي على ثمن الشاة أو على أكثره قوم بقيمة المدينة (5).
ومنهم من قال: التمر هو الواجب وإن أتى على ثمن الشاة للسنة، وهو
الصحيح، أو البر الذي ثبت أنه عوض عنه (6).

(1) تقدم في المسألة " 8 " من هذا الكتاب فلاحظ.
(2) أنظر السنن الكبرى 5: 319، وسنن ابن ماجة 2: 753 حديث 2240، وسنن الترمذي 3: 553
حديث 1251 - 1252، والمصنف لعبد الرزاق 8: 197 حديث 14859 - 14860، وصحيح
البخاري 3: 92.
(3) صحيح البخاري 3: 92 - 93، وسنن أبي داود 3: 270 حديث 3443 - 3447 وسنن ابن ماجة
2: 753 حديث 2239 - 2241، وشرح معاني الآثار 4: 17 - 18، والمصنف لعبد الرزاق 9: 197 -
198 حديث 14858 - 14866. وحكى العسقلاني في فتح الباري 4: 364 عن البزار بلفظ: إن ردها
ردها ومعها صاع من بر.
(4) المجموع 12: 48، وفتح العزيز 8: 335.
(5) المجموع 12: 48، والمغني لابن قدامة، والشرح الكبير 4: 91، وفتح العزيز 8: 335.
(6) المجموع 12: 49، وفتح العزيز 8: 335.
104

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1)، وأيضا الأخبار التي قدمناها تضمن التمر
أو البر (2)، فمن قال غيره يقوم مقامه فعليه الدلالة.
مسألة 170: التصرية في البقرة مثل التصرية في الناقة والشاة. وبه قال
الشافعي (3).
وقال داود: لا يجوز له رد البقر (4).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا خبر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من
اشترى محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام " (5) وذلك يتناول البقرة، والناقة، والشاة
على حد سواء.
مسألة 171: إذا صرى جارية وباعها، لم يثبت له الخيار لمكان التصرية.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أن ذلك بمنزلة التصرية في الإبل والبقر والغنم، وهو الأصح
عندهم (6).
والثاني أنه يردها ولا يرد معها صاعا من تمر (7).

(1) انظرها في الكافي 5: 173 حديث 1، والتهذيب 7: 25 حديث 107، ومعاني الأخبار: 282 (باب
معنى المحاقلة والمزابنة...).
(2) تقدمت الإشارة إليها في الهامش رقم " 1 " من هذه المسألة فلاحظ.
(3) مختصر المزني: 82، والمجموع 12: 2 و 84 و 88، ومغني المحتاج 2: 64، والسراج الوهاج: 190،
وسبل السلام 3: 826.
(4) المغني لابن قدامة 4: 256، والشرح الكبير 4: 92، والبحر الزخار 4: 353.
(5) السنن الكبرى 5: 319، وسنن ابن ماجة 2: 753 حديث 2240.
(6) المجموع 12: 85، وفتح العزيز 8: 336، ومغني المحتاج 6: 64، والسراج الوهاج: 190، والمغني لابن
قدامة 4: 256.
(7) المجموع 12: 87 و 91، والسراج الوهاج: 190، وفتح العزيز 8: 336 - 337، ومغني المحتاج 2: 64،
وفتح الباري 4: 361.
105

والثالث: لا يردها أصلا (1).
دليلنا: أن ثبوت ذلك عيبا في النعم مقطوع به عليه دلالة قاطعة، ولا دليل
على ثبوت مثله في الجارية، فمن ادعى الجمع بينهما فعليه الدلالة.
مسألة 172: إذا صرى أتانا (2) فلا يثبت فيه حكم التصرية.
وقال أصحاب الشافعي: له ردها (3).
وأما رد التمر فمبنى على طهارة لبنها.
فقال أبو سعيد الإصطخري: لبنها طاهر (4).
وقال باقي أصحابه: لبنها نجس (5).
فمن قال: طاهر رد بدله صاعا من تمر، ومن قال: نجس لا يرد شيئا.
دليلنا: إن ثبوت ذلك عيبا في النعم مجمع عليه، ولا دليل على ثبوت ذلك
عيبا في الأتان، فأما لبنها فإنه طاهر عندنا، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 173: إذا اشتراها مصراة، ثم زال تصريتها، وصار اللبن عادة لجودة
المرعى، لم يثبت الخيار.
وللشافعي وأصحابه فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو الأقوى عندهم، مثل العيب إذا زال عنه (6).
والآخر: إن الخيار لا يسقط، لأنه تدليس، وهو ضعيف (7).

(1) المجموع 12: 87، وفتح العزيز 8: 336.
(2) الأتان: الحمارة الأنثى خاصة.
(3) المجموع 12: 88 - 89، وفتح العزيز 8: 336، وفتح الباري 4: 361.
(4) المجموع 12: 88 و 569، وفتح العزيز 8: 336.
(5) المجموع 12: 88 و 569، وفتح العزيز 8: 336.
(6) المجموع 12: 47، وفتح العزيز 8: 337، وفتح الباري 4: 367.
(7) المجموع 12: 47، وفتح الباري 4: 367، وفتح العزيز 8: 337.
106

وعندي أن هذا الوجه قوي لمكان الخبر.
دليلنا على أن ليس له الرد: هو أنه إنما كان له الرد لمكان العيب، فلما زال
العيب زال خيار الرد، لأنه تابع له. وإذا قلنا له الرد، فلمكان الخبر، لأنه لم
يفصل بين أن تزول التصرية وأن لا تزول.
مسألة 174: إذا حصل من المبيع فائدة من نتاج أو ثمرة بعد القبض، ثم
ظهر به عيب كان فيه قبل العقد، كان ذلك للمشتري. وبه قال الشافعي (1).
وقال مالك: الولد يرده مع الأم، ولا يرد الثمرة مع الأصول (2).
وقال أبو حنيفة: يسقط رد الأصل بالعيب (3).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قضى أن الخراج بالضمان (4).
ولم يفرق بين الكسب والولد والثمرة، فهو على عمومه.
مسألة 175: إذا اشترى حيوانا حاملا، فولد في ملك المشتري بعد القبض،
ثم وجد به عيبا كان به قبل البيع، ردها ورد الولد معها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، إذا قال للولد قسط من الثمن (5).

(1) مختصر المزني 83، وفتح العزيز 8: 389، وبداية المجتهد 2: 181، وسبل السلام 3: 832.
(2) بداية المجتهد 2: 181، وبلغة السالك 2: 66، وفتح العزيز 8: 379، وسبل السلام 3: 832.
(3) اللباب 1: 239، وبداية المجتهد 2: 181، وفتح العزيز 8: 379، وسبل السلام 3: 832، ومقدمات
ابن رشد 2: 572.
(4) سنن ابن ماجة 2: 754 حديث 2243، وسنن الترمذي 3: 582 حديث 1285 - 1286، وسنن
النسائي 7: 255، وترتيب مسند الشافعي 2: 143 حديث 379، ومنحة المعبود 1: 267
حديث 1347.
(5) فتح العزيز 8: 381.
107

والآخر: لا يرد الولد، لأن الولد ليس له قسط من الثمن (1).
دليلنا: أن عقد البيع قد اشتمل على جارية حاملة، والحمل داخل في الثمن،
فإذا أراد الرد، وجب أن يرد جميع المبيع.
مسألة 176: إذا اشترى جارية حاملا، فولدت في ملك المشتري عبدا
مملوكا. ثم وجد بالأم عيبا، فإنه يرد الأم دون الولد.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (2).
والثاني: له أن يردهما معا، لأنه لا يجوز أن يفرق بين الأم وولدها فيما دون
سبع سنين. والأول أصح عندهم (3).
دليلنا: عموم قوله عليه السلام: " الخراج بالضمان " (4).
مسألة 177: من اشترى جارية فوطأها، ثم علم بعد الوطء أن بها عيبا، لم
يكن له ردها وله الأرش. وبه قال أبو حنيفة، وسفيان الثوري (5)، وهو المروي
عن علي عليه السلام (6).
وقال الشافعي، ومالك، وأبو ثور، وعثمان البتي: له ردها، ولا يجب عليه
مهرها إن كانت ثيبا، وإن كانت بكرا لم يكن له ردها (7).

(1) مختصر المزني 83، وفتح العزيز 8: 381.
(2) مختصر المزني: 83، والمجموع 12: 215، وفتح العزيز 8: 381 - 382.
(3) المجموع 12: 215، وفتح العزيز 8: 382.
(4) سنن النسائي 7: 255، وسنن الترمذي 3: 582 حديث 1285 - 1286، وسنن ابن ماجة 2: 754،
حديث 2243، وترتيب مسند الشافعي 2: 143 حديث 379، ومنحة المعبود 1: 267 حديث 1347.
(5) الفتاوى الهندية 3: 75 - 76، والمحلى 9: 77، وبداية المجتهد 2: 180، والمغني لابن قدامة 4: 259 -
260، والمجموع 12: 222، وسبل السلام 3: 832.
(6) السنن الكبرى 5: 322، والمحلى 9: 77، والمغني لابن قدامة 4: 259، والمجموع 12: 222.
(7) مختصر المزني: 83، وبداية المجتهد 2: 181، والمجموع 12: 222، والمحلى 9: 77، والمغني لابن قدامة
4: 259 - 260.
108

وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها مهر مثلها (1). وروي ذلك عن عمر
بن الخطاب (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب المتقدم ذكره (3).
وأيضا فيه إجماع الصحابة، لأنهم بين قائلين: قائل يقول بما قلناه (4).
والثاني: يردها ويرد معها مهر نسائها (5). وقول الشافعي خارج عن إجماع
الصحابة، وذلك لا يجوز، لأنه لا يجوز إحداث قول ثالث إذا أجمعوا على قولين،
كما لا يجوز إحداث قول ثان إذا أجمعوا على قول واحد.
مسألة 178: إذا حدث بالمبيع عيب في يد البائع، كان للمشتري الرد
والإمساك، وليس له إجازة البيع مع الأرش، ولا يجبر البائع على بذل الأرش
بلا خلاف، فإن تراضيا على الأرش كان جائزا. وبه قال ابن سريج (6).
وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يجوز (7).
دليلنا: قوله عليه السلام: " الصلح جائز بين المسلمين، إلا ما حرم حلالا أو
أحل حراما " (8).

(1) المحلى 9: 77، وبداية المجتهد 2: 181، والمجموع 12: 222، والمغني لابن قدامة 4: 259 - 260،
والفتاوى الهندية 3: 75 - 76.
(2) المحلى 9: 76، والمغني لابن قدامة 4: 259، والمجموع 12: 222.
(3) التهذيب 7: 61 حديث 261 - 272، والكافي 5: 214 حديث 2 - 5.
(4) السنن الكبرى 5: 322، والمحلى 9: 77، والمغني لابن قدامة 4: 259، والمجموع 12: 222.
(5) السنن الكبرى 5: 322، والمحلى 9: 76، والمغني لابن قدامة 4: 259.
(6) المجموع 12: 132 - 133 و 168.
(7) المجموع 12: 132، وبداية المجتهد 2: 177، والمغني لابن قدامة 4: 259، والشرح الكبير 4: 97.
(8) سنن الدارقطني 3: 27، وسنن ابن ماجة 2: 788 حديث 2353، وسنن الترمذي 3: 634
حديث 1352، وسنن ابن داود 3: 304 حديث 3594، ومسند أحمد 2: 366، ومن لا يحضره الفقيه
3: 20 حديث 52.
109

مسألة 179: إذا اشترى نفسان من إنسان عبدا أو جارية وقبضاها، ثم
وجدا بها عيبا، كان لهما الرد بالعيب إجماعا. وإن أراد أحدهما أن يرد نصيبه
وأراد ا لآخر إمساكه، لم يكن لمن أراد الرد أن يرد نصيبه حتى يتفقا. وبه قال
أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: له أن يرد نصيبه (2).
دليلنا: إنا أجمعنا أن لهما الخيار عند الاجتماع، ولا دليل على أن لهما الرد
عند الانفراد، وإن قلنا له الرد لعموم الأخبار، لأنه عليه السلام لم يفصل (3)،
كان قويا.
مسألة 180: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا، لم يجز
له أن يرد المعيب دون الصحيح، وله أن يردهما. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: له أن يرد المعيب دون الآخر (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (6).

(1) المبسوط 13: 50، وشرح القدير 9: 367، والمغني لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير 4: 106،
وبداية المجتهد 2: 178.
(2) مختصر المزني 83، وفتح العزيز 8: 367، والمغني لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير 4: 106،
وبداية المجتهد 2: 178، والمبسوط 13: 50.
(3) أنظر ما رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 213، والشيخ المصنف - قدس سره - في التهذيب 7: 60
باب العيوب الموجبة للرد.
(4) مختصر المزني: 86، وفتح العزيز 8: 242 و 368، ومغني المحتاج 2: 60، والنتف 1: 450، والمغني
لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير 4: 106، والمحلى 9: 76، والمبسوط 13: 50، وبداية المجتهد
2: 177، والمجموع 12: 173 - 174.
(5) النتف 1: 451، والمبسوط 13: 5 و 102، وشرح فتح القدير 5: 175، والمغني لابن قدامة
4: 268، والشرح الكبير 4: 106، وبداية المجتهد 2: 177، والمحلى 9: 76، وفتح العزيز 8: 243 -
244 و 368.
(6) أنظر دعائم الإسلام 2: 47 حديث 116.
110

وأيضا فإن الصفقة اشتملت عليهما، فمن أجاز التبعيض فيهما فعليه الدلالة،
فأما رد الكل فعليه إجماع الفرقة على ما قلناه.
مسألة 181: إذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذا العبد بألف، فقال
أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة، ورد الآخر، لم ينعقد العقد. وبه قال
أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: ينعقد العقد في حقه، سواء قبل صاحبه أو رد (2).
دليلنا: أنه لا دليل على ثبوت هذا العقد في حصته، وقبوله غير مطابق
للإيجاب، فوجب أن لا يثبت العقد.
مسألة 182: إذا اشترى جارية رأى شعرها جعدا، ثم وجده سبطا، لم يكن
له الخيار. وبه قال أبو حنيفة (3).
وقال الشافعي: له الخيار (4).
دليلنا: أنه قد ثبت العقد وإثبات الرد بذلك وجعله عيبا يحتاج إلى دليل.
مسألة 183: إذا بيض وجهها بالطلاء، ثم أسمر أو احمر خديها بالدمام
- وهو الكلكون - ثم اصفر، لم يكن له الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار (5).

(1) الفتاوى الهندية 3: 15، وبدائع الصنائع 5: 284.
(2) المجموع 9: 337.
(3) لعل المقصود من قول المؤلف قدس سره " وبه قال أبو حنيفة " إشارة إلى أنه لم ير جعد الشعر وسبطه
عيبا موجبا للرد، لا القول به صراحة، فما عده السرخسي في المبسوط وغيره خال من التصريح
بما تقدم، بل عد جملة من العيوب الموجبة للرد وليس منها ما ذكر، والله أعلم بالمراد.
(4) الأم 3: 119، ومختصر المزني: 83، والمجموع 12: 95 و 96، والوجيز 1: 142، وفتح المعين في شرح
قرة العين: 70، والسراج الوهاج: 190، وفتح العزيز 8: 326.
(5) المجموع 12: 97 - 98، والسراج الوهاج: 190.
111

دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 184: إذا اشترى جارية على أنها بكر فكانت ثيبا، روى أصحابنا
أنه ليس له الرد.
وقال الشافعي: له الرد (1).
دليلنا: أخبارهم التي رويناها (2).
وأيضا إثبات ذلك عيبا يرد منه يحتاج إلى دليل.
مسألة 185: إذا اشترى عبدا على أنه كافر فخرج مسلما لم يكن له الخيار.
وبه قال المزني (3).
وقال باقي أصحاب الشافعي: له الخيار (4).
دليلنا: إن إثبات الخيار في ذلك يحتاج إلى شرع، والأصل صحة العقد.
مسألة 186: إذا اشترى عبدا أو أمة، فوجدهما زانيين، لم يكن له الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار (5).
وقال أبو حنيفة: في الجارية له الخيار، وفي العبد لا خيار له (6).

(1) المجموع 12: 333، وفتح العزيز 9: 329، وبداية المجتهد 2: 181.
(2) الكافي 5: 215 حديث 11، والتهذيب 7: 65 حديث 279، والاستبصار 3: 82 حديث 277.
(3) فتح العزيز 8: 325.
(4) المجموع 9: 356 و 358، ومغني المحتاج 2: 54.
(5) المجموع 12: 314، والسراج الوهاج: 186، وفتح العزيز 8: 327، ومغني المحتاج 2: 50، وكفاية
الأخيار 1: 155، وبداية المجتهد 2: 173، وعمدة القاري 11: 278، والمغني لابن قدامة 4: 263،
والمبسوط 13: 106.
(6) اللباب 1: 239، وعمدة القاري 11: 277 - 278، والفتاوى الهندية 3: 67، وشرح فتح القدير
5: 155، والمجموع 12: 314، وفتح العزيز 8: 327، وبداية المجتهد 2: 173، والبحر الزخار
4: 356، والمغني لابن قدامة 4: 263، والمبسوط 13: 106، وفتح المعين في شرح قرة العين: 70.
وبدائع الصنائع 5: 274.
112

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 187: إذا اشترى عبدا فوجده أبخر، أو الجارية كذلك، لم يكن له
الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار فيهما (1).
وقال أبو حنيفة: يثبت الخيار في الجارية دون العبد (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 188: إذا كان العبد يبول في الفراش لا يثبت فيه الخيار، سواء كان
صغيرا أو كبيرا.
وقال الشافعي: يثبت الخيار في الكبير دون الصغير (3).
وقال أبو حنيفة: يثبت في الجارية دون العبد (4).
دليلنا: ما قلناه من أنه لا دليل على أن ذلك يوجب الرد.
مسألة 189: إذا كان العبد غير مختون، فلا خيار فيه، صغيرا كان أو كبيرا.
وقال الشافعي: يثبت الخيار في الكبير دون الصغير، لأنه لا يخاف عليه من
قطعه (5).

(1) المجموع 12: 314، والسراج الوهاج: 186، ومغني المحتاج 2: 50، وكفاية الأخيار 1: 155، وفتح
العزيز 8: 327، والبحر الزخار 4: 357، والمغني لابن قدامة 4: 263، والأشباه والنظائر: 455.
(2) اللباب 1: 239، والفتاوى الهندية 3: 67، وشرح فتح القدير 5: 155، وفتح العزيز 8: 327،
والبحر الزخار 4: 357، والمغني لابن قدامة 4: 263، وفتح المعين في شرح قرة العين: 70، وبدائع
الصنائع 5: 274.
(3) المجموع 12: 321، وفتح العزيز 8: 327، ومغني المحتاج 2: 50، والسراج الوهاج: 186، وبداية
المجتهد 2: 174، وفتح المعين في شرح قرة العين: 70، والأشباه والنظائر: 455.
(4) اللباب 1: 238، والفتاوى الهندية 3: 69، والوجيز 1: 142، وفتح العزيز 8: 327، والمجموع
12: 321، وبداية المجتهد 2: 174، والبحر الزخار 4: 357، وبدائع الصنائع 5: 275.
(5) المجموع 12: 322، وفتح العزيز 8: 329، والمغني لابن قدامة 4: 264، والأشباه والنظائر: 456.
113

فأما الجارية فلا خلاف أنه لا خيار فيها.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 190: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية لم يكن له الخيار. وبه قال
الشافعي (1).
وقال مالك: له الخيار (2).
دليلنا: ما قلناه من أن إثبات ذلك عيبا يرد به يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإن العلم بالغناء ليس بمحرم، وإنما صنعته واستعماله حرام،
فلا يثبت بالعلم الرد.
مسألة 191: إذا اشترى عبدا فقتله، ثم علم أنه كان به عيب، كان له
الرجوع بالأرش. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك (4).
دليلنا: أنه إذا ثبت أن ذلك العيب مما يوجب الأرش، فمن أسقطه فعليه
الدلالة.
مسألة 192: إذا اشترى شيئا وقبضه، ثم وجد به عيبا كان عند البائع
وحدث عنده عيب آخر، لم يكن له رده إلا أن يرضى البائع بأن يقبله ناقصا،
فيكون له رده ويكون له الأرش إذا امتنع البائع من قبوله معيبا. وبه قال
الشافعي (5).

(1) المجموع 12: 322.
(2) المغني لابن قدامة 4: 264، والشرح الكبير 4: 96، والمجموع 12: 322.
(3) مختصر المزني 83، والوجيز 1: 143، والمجموع، ومغني المحتاج 2: 54، وفتح العزيز 8: 342، وشرح
فتح القدير 5: 163.
(4) اللباب 1: 240، والفتاوى الهندية 3: 83، وشرح فتح القدير 5: 162 - 163، وفتح العزيز
8: 342، والبحر الزخار 4: 367.
(5) الوجيز 1: 143، والمغني لابن قدامة 4: 26، وبداية المجتهد 2: 180، والشرح الكبير 4: 99.
114

وقال أبو ثور، وحماد بن أبي سليمان: إذا حدث عند المشتري عيب ووجد
عيبا قديما كان عند البائع، رده ورد معه أرش العيب (1).
وقال مالك وأحمد: المشتري بالخيار بين أن يرده مع أرش العيب الحادث،
وبين أن يمسكه ويرجع على البائع بأرش العيب القديم (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
مسألة 193: إذا اشترى رجل من غيره عبدين، أو ثوبين، أو درهمين،
فوجد بأحدهما عيبا، لم يكن له أن يرد المعيب منهما، وكان بالخيار بين رد
الجميع أو يأخذ أرش المعيب.
والشافعي فيه قولان: أحدهما - وهو الظاهر من مذهبه - مثل ما قلناه أنه:
ليس له رده (4).
وقال أبو حنيفة: يجوز له رده وفسخ البيع في المعيب منهما (5).
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (6).
وأيضا فإنا أجمعنا أن له الخيار في رد الجميع، ولا دليل على أن له الخيار في
رد المعيب دون غيره، فمن ادعى أن له ذلك فعليه الدلالة.

(1) المغني لابن قدامة 4: 260 - 261، والشرح الكبير 4: 99.
(2) المغني لابن قدامة 4: 260، والشرح الكبير 4: 99، وبداية المجتهد 2: 180.
(3) انظرها في الكافي 5: 207 حديث 2 - 3، و ص 214 حديث 4 - 5، والتهذيب 7: 60 حديث 257 و 260.
(4) الأم 3: 255، ومختصر المزني: 86، والمجموع 12: 173، ومغني المحتاج 2: 60، وفتح العزيز 8: 242،
وبداية المجتهد 2: 178، والمغني لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير 4: 107.
(5) الفتاوى الهندية 3: 81، وشرح فتح القدير 5، 175، والمغني لابن قدامة 4: 268، والشرح الكبير
4: 107، والمجموع 12: 177، وفتح العزيز 8: 243، وبداية المجتهد 2: 178، وتبيين الحقائق 4: 41.
(6) لم أقف على أخبار بخصوص هذه المسألة سوى ما تقدم في مسألة " 180 " عن دعائم الإسلام 2: 47
حديث 116، ولعل المصنف قدس سره أشار إلى الأخبار الموجبة بالعيب أيضا، لأن خيار تفرق
الصفقة بمنزلة خيار العيب، والله أعلم بالمراد.
115

مسألة 194: إذا اشترى عبدين، ووجد بهما عيبا، ثم مات أحدهما، لم
يثبت له الخيار في الباقي وكان له الأرش.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: له رده إذا قال بتفريق الصفقة، ويرده بحصته من الثمن (2).
وقال بعض أهل خراسان: يفسخ العقد على هذا القول فيهما جميعا، ثم يرد
الباقي وقيمة التالف، ويسترجع الثمن (3).
دليلنا: إنا قد بينا أنه إذا حدث عند المشتري عيب آخر لم يكن له الرد، وله
الأرش، والموت في أحدهما من أكبر العيوب، فوجب أن لا يثبت له الخيار.
مسألة 195: إذا أراد أن يرد المعيب بالعيب، جاز له فسخ البيع في غيبة
البائع وحضرته، قبل القبض وبعده. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إن كان قبل القبض يجوز له فسخه بحضرة البائع وفي
غيبته، وإن كان بعد القبض فلا يجوز إلا بحضوره ورضاه أو بحكم الحاكم (5).
دليلنا: أن الرد إذا كان حقا للمشتري كان له رده أي وقت شاء، ومن
قال أن له ذلك في حال دون حال فعليه الدلالة.
مسألة 196: إذا باع ما يكون مأكوله في جوفه وبعد كسره، مثل البيض
واللوز والجوز وغير ذلك، فليس للمشتري رده، وله الأرش ما بين قيمته صحيحا
ومعيبا.

(1) المجموع 12: 180، والشرح الكبير 4: 107.
(2) مختصر المزني: 86، والمجموع 9: 221 و 12: 180 - 181، وفتح العزيز 8: 246.
(3) المجموع 12: 181، وفتح العزيز 8: 248.
(4) المجموع 9: 200، وفتح العزيز 8: 314، والمغني لابن قدامة 4: 266.
(5) اللباب 1: 232، والنتف 1: 448، والفتاوى الهندية 3: 43، وشرح فتح القدير 5: 120 - 121،
والمجموع 9: 200، والمغني لابن قدامة 4: 266، وفتح العزيز 8: 314.
116

وللشافعي فيه ثلاثة أقوال على ما قاله أبو إسحاق في الشرح:
أحدها: أنه لا يرده. مثل ما قلناه.
والثاني: يرده ولا يرد معه شيئا.
والثالث: يرده ويرد معه أرش النقص الذي حدث في يده (1).
دليلنا: أنه قد تصرف بالمبيع، فليس له رده لعموم الأخبار الواردة في
ذلك (2).
مسألة 197: إذا اشترى ثوبا، ونشره فوجد به عيبا، فإن كان النشر ينقص
من ثمنه - مثل الشاهجاني المطوي على طاقين - لم يكن له رده.
وقال أصحاب الشافعي: إن كان مما لا يمكن الوقوف عليه إلا بالنشر
فعلى الخلاف الذي بينهم، وفيه الأقوال الثلاثة التي في المسألة الأولى (3).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 198: إذا كان لرجل عبد فجنى، فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه،
فإن كانت جناية توجب القصاص فلا يصح البيع، وإن كانت جناية توجب
الأرش صح إذا التزم مولاه الأرش.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يصح بيعه. وهو اختيار المزني، وأبي حنيفة ولم يفصلوا (4).
والثاني: لا يصح. ولم يفصل (5).

(1) مختصر المزني: 83، والمجموع 12: 279، والشرح الكبير 4: 105، والمغني لابن قدامة 4: 272 - 273،
فتح العزيز 8: 360 - 361، مغني المحتاج 3: 59 - 60.
(2) أنظر الكافي 5: 206 حديث 2 و 3.
ومن لا يحضره الفقيه 3: 136 حديث 592، والتهذيب 7: 60 حديث 257 - 258.
(3) المجموع 12: 280، ومختصر المزني: 83، والمغني لابن قدامة 4: 272 - 273، والشرح الكبير 4: 105،
وفتح العزيز 8: 363 - 364.
(4) مختصر المزني: 83، والمجموع 12: 344، والمغني لابن قدامة 4: 274، والشرح الكبير 4: 12.
(5) مختصر المزني: 83، والمجموع 12: 344، والمغني لابن قدامة 4: 274، والشرح الكبير 4: 12.
117

إلا أن أصحاب الشافعي قالوا فيه ثلاث طرق:
أحدها: أن في العمد الذي يوجب القصاص، وفي الخطأ الذي يوجب المال
قولين، فلا فرق بينهما (1).
وفيهم من قال: القولان فيما يوجب المال، وأما ما يوجب القصاص فلا يمنع
من صحة البيع قولا واحدا (2).
ومنهم من قال: القولان في العمد الذي يوجب القصاص، فأما ما يوجب
المال فيمنع من صحة بيعه كما يمنع الدهن (3).
دليلنا: أنه إذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه، لأنه قد باع منه ما لا يملك،
لأن ذلك حق للمجني عليه.
وأما إذا وجب عليه الأرش فإنه يصح بيعه، لأن رقبته سليمة من العيب،
والجناية أرشها فقد التزمها السيد، فلا وجه يفسد البيع.
مسألة 199: إذا باع ذهبا بفضة، ومع أحدهما عرض، مثل أن باع دراهم
وثوبا بذهب، أو ذهبا وثوبا بفضة، فهو بيع وصرف، فإنهما يصحان معا. وبه
قال أبو حنيفة (4).
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: يصحان (5). والآخر: يبطلان (6).
دليلنا: الآية (7)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) المجموع 12: 346 - 347.
(2) المجموع 12: 346.
(3) المجموع 12: 344 و 346.
(4) اللباب 1: 266، وشرح فتح القدير 5: 373.
(5) الأم 3: 31 و 33، والمجموع 10: 364.
(6) الأم 3: 35، والمجموع 10: 364.
(7) البقرة: 275.
118

مسألة 200: إذا باع ثوبا وذهبا، بذهب أو فضة، وثوبا بدراهم، فإن كان
الثوب مع أقلهما وزنا صح، وإن تساوى النقدان في الوزن لم يصح.
وقال الشافعي: يبطلان قولا واحدا (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 201: إذا قال لعبده: بعتك عبدي هذا وكاتبتك بألف إلى نجمين،
فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه لا يصح بيع عبده من عبده.
وهل تصح الكتابة؟ فعندنا تصح.
وللشافعي فيه قولان بناء على تفريق الصفقة (2).
دليلنا: ما قدمناه من الآية (3)، ودلالة الأصل، وقوله تعالى: " فكاتبوهم إن
علمتم فيهم خيرا " (4) وهذا كتابة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 202: إذا قال: بعني هذا الثوب وتخيطه لي بألف، أو قال: بعني
هذه الحنطة وتطحنها بألف، أو: بعني هذه القلعة وتحذوها لي جميعا بدينار، فهو
كالكتابة يصح جميع ذلك.
وللشافعي فيه قولان (5).
دليلنا: ما قلناه في المسائل الأولة سواء، وإجماع الفرقة، وأخبارهم وردت
بمثل هذا (6).

(1) الأم 3: 33، وبداية المجتهد 2: 195.
(2) المجموع 9: 336 و 388 - 389، وفتح العزيز 8: 282 و 283، والسراج الوهاج: 636، ومغني
المحتاج 4: 519.
(3) البقرة: 275.
(4) النور: 33.
(5) المجموع 9: 389، والسراج الوهاج: 180، ومغني المحتاج 2: 31، وفتح العزيز 8: 196.
(6) انظرها في التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835 وغيرهما.
119

مسألة 203: إذا قال له: زوجتك بنتي هذه وبعتك عبدها هذا جميعا
بألف، فهذا بيع ونكاح، فإنهما يصحان، ويقسط العوض عليهما بالحصة.
وللشافعي فيهما قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1). والثاني: يبطلان (2).
دليلنا: ما تقدم في المسائل الأولة سواء.
مسألة 204: إذا قال أبوها لزوجها: زوجتك بنتي هذه ولك هذا الألف
بعبدك هذا، فالعبد بعضه مبيع وبعضه مهر، فعندنا يصحان.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، ويقسط العبد على مهر المثل،
والألف بالحساب (3).
والآخر: يبطلان (4).
دليلنا: ما تقدم في المسألة الأولى سواء.
مسألة 205: إذا قال لرجل: زوجتك بنتي هذه ولك هذا الألف معا
بهذين الألفين من عندك، صح البيع والمهر معا، ويكون صرفا ونكاحا.
وقال الشافعي: يبطل - قولا واحدا - وذلك أنه فضة وبضع بفضة، فهو كما
لو باعه ثوبا وفضة بفضة (5).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، ولأنا بينا أن الأصل الذي بني عليه
غير صحيح عندنا.

(1) الأم 5: 65، والمجموع 9: 389، وفتح العزيز 8: 281 - 282، والسراج الوهاج: 183، ومغني المحتاج
2: 42، والمغني لابن قدامة 4: 315، وبداية المجتهد 2: 27، والشرح الكبير 4: 45.
(2) الأم 5: 65، والوجيز 1: 140، والمجموع 9: 389، ومغني المحتاج 2: 42، والسراج الوهاج: 183،
وفتح العزيز 8: 281 - 282، والمغني لابن قدامة 4: 314، والشرح الكبير 4: 44 - 45.
(3) الأم 5: 67، والمجموع 9: 389، والوجيز 1: 140، وفتح العزيز 8: 281 - 282.
(4) الأم 5: 67، والمجموع 9: 389، وفتح العزيز 8: 281 - 282.
(5) الأم 3: 35، والمجموع 9: 388 و 389.
120

مسألة 206: إذا قال زوجتك بنتي هذه ولك هذا الألف درهم بهذا
الألف دينار، كان صحيحا، ويكون نكاحا وصرفا مع اختلاف الجنس.
وللشافعي فيه قولان (1).
دليلنا: ما تقدم في المسألة الأولى سواء.
مسألة 207: إذا ملك العبد سيده شيئا، ملك التصرف فيه، ولا يملكه.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القدم: يملك إذا ملكه سيده (2). وبه قال مالك، وعثمان البتي،
وداود، وأهل الظاهر (3)، وزاد مالك فقال: يملك وإن لم يملكه سيده (4).
وقال في الجديد: لا يملك (5). وبه قال أكثر أهل العلم أهل العراق، وأحمد،
وإسحاق (6).
دليلنا على أنه لا يملك قوله تعالى: " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ " (7).
وفيه دليلان:
أحدهما: أنه قال: " لا يقدر على شئ " (8)، ونحن نعلم أنه ما نفي القدرة

(1) المجموع 9: 389، والمغني لابن قدامة 4: 314.
(2) المجموع 14: 397، وفتح العزيز 9: 147، والسراج الوهاج: 204، ومغني المحتاج 2: 102، والمغني
لابن قدامة 4: 277 و 12: 290، والبحر الزخار 4: 292، ونيل الأوطار 5: 274، وفتح الرحيم 3: 32
(3) المغني لابن قدامة 4: 277، وفتح العزيز 9: 147، والبحر الزخار 4: 303، وأحكام القرآن
للجصاص 3: 187، ونيل الأوطار 5: 274.
(4) أشار إلى ذلك في الموطأ 2: 611 فلاحظ.
(5) المجموع 14: 397، وفتح العزيز 9: 141 و 147، والسراج الوهاج: 204، ومغني المحتاج 2: 102،
والمغني لابن قدامة 4: 277، ونيل الأوطار 5: 274، وأحكام القرآن للجصاص 3: 187.
(6) المغني لابن قدامة 4: 277، وفتح العزيز 9: 147، ونيل الأوطار 5: 274.
(7) النحل: 75.
(8) النحل: 75.
121

على الفعل، لأنه قادر على الأفعال، فبقي أن يكون أراد أنه لا يملكه.
الثاني: أنه نفي عنه القدرة على كل حال، فوجب حمل الآية على عمومها
إلا ما أخرجه الدليل.
وأيضا قوله تعالى: " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت
أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء " (1) فنفى أن يشاركه أحد في
ملكه، وجعل الأصل العبد مع مولاه، فقال: إذا لم يشارك عبد أحدكم مولاه
في ملكه فيساويه، فكذلك لا يشاركني أحد في ملكي فيساويني فيه، ثبت أن
العبد لا يملك أبدا.
وأيضا فلو ملك العبد لأدى إلى تناقض الأحكام، لأنه إذا ملك السيد
عبده مالا، واشترى العبد بذلك المال عبدا، ثم ملكه مالا، فمضى عبد العبد إلى
سيد سيده فاشترى سيده منه، فيصير كل واحد منهما عبدا لصاحبه، وهذا
تناقض، وليس لأحدهما أن يسافر بصاحبه إلا وله أن يقول بل أسافر بك،
فإنك عبدي، وإذا أفضى إلى هذا بطل في نفسه.
واستدل من خالف بما روى سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " من باع عبدا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشرط المبتاع " (2).
وروي هذا الخبر عن علي عليه السلام، وعمر، وجابر، وعائشة (3). وفيه
دليلان:
أحدهما: أنه أضاف المال إلى العبد بلام الملك، فقال: " وله مال "

(1) الروم: 28.
(2) السنن المأثورة: 249، والسنن الكبرى 5: 324، وفي سنن ابن ماجة 2: 746 حديث 2211،
وصحيح مسلم 3: 1173 حديث 80 نحوه.
(3) صحيح مسلم 3: 1173 حديث 80، وسنن الترمذي 3: 546 حديث 1244، والسنن الكبرى
5: 324 و 326، ورواه مالك في الموطأ 2: 611 حديث 2 عن عمر.
122

وحقيقته يقتضي صحة الملك.
والثاني: قال: " فماله للبائع " فلولا أن هناك ما يوهم أن يكون بالبيع للعبد
فيبقى على ملكه لما قال فهو للبائع.
وأيضا روى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من
أعتق عبدا وله مال، فماله للعبد إلا أن يستثنيه السيد " (1).
وروي أن سلمان كان عبدا، فأتى النبي صلى الله عليه وآله بشئ،
فقال: " هو صدقة فرده " فأتاه ثانيا، فقال: " هو هدية فقبله " (2).
فلولا أنه كان يملكه لما قبله.
وأيضا قوله تعالى: " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " (3) فبين أنه يغنيهم بعد فقر، فلو
لم يكن يملك لما كان الأمر كذلك، ولما تصور فيه الغنى.
والجواب عن الآية أولا: أن معناه يغنيهم بالعتق، بدليل أن من كان في
يده مال للغير لا يملك منعه منه فليس بغني، وهذه صفة العبد، فثبت أنه أراد
ما قلناه.
والجواب عن الخبر الأول: أن إضافة المال إلى العبد إضافة محل، لا إضافة
ملك، أو إضافة جواز التصرف فيه، لأنا قد أجزنا ذلك، بدلالة أنه أضاف
الملك إلى العبد بعد البيع، فقال: " من باع عبدا وله مال ".
وأيضا فإنه قال: " فماله للبائع " ولا يجوز أن يكون هذا المال لكل واحد
منهما، ثبت أنه أضاف إلى العبد مجازا لا حقيقة.

(1) سنن الدارقطني 4: 133 حديث 31، وفي سنن أبي داود 4: 28 حديث 3962 نحوه.
(2) أشار إلى هذا الحديث ابن حزم في المحلى 8: 322 فلاحظه أيضا.
(3) النور: 32.
123

وأيضا ذكر أنه " للبائع " لأن هناك ما يوهم، لأن العادة أن أحدا لا يبيع
عبده وعليه ثياب إلا والثياب يأخذها المشتري، فأراد أن يزيل هذا الظاهر
لئلا يظن أنه ليس للبائع أخذ ثيابه.
وأما الحديث الثاني فإنه ضعيف.
وقال أحمد: من أعتق عبدا وله مال، فماله لسيده إلا أنه يصح حديث
عبد الله بن أبي حفص (1).
وأيضا فقد رووا أنه قال: " مال العبد له " (2).
ورووا أيضا أنه قال: فماله لسيده إلا أن يجعله له، فتعارضا.
وأما حديث سلمان ففيه جوابان:
أحدهما: ما كان سلمان عبدا، وإنما كان مغلوبا على نفسه، مسترقا بغير
حق، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: " سلهم أن يكاتبوك "
فلما فعلوا قال النبي صلى الله عليه وآله: " استنقذوه " وإنما يقال هذا فيمن كان
مقهورا بغير حق.
والثاني: أنه لو كان مملوكا لا حجة فيه، لأنه لا خلاف أن هدايا المملوك
لا تقبل بغير إذن سيده، فلما قبلها النبي صلى الله عليه وآله ثبت أنه كان بإذن سيده.
مسألة 208: إذا كان مع العبد مائة درهم، فباعه بمائة درهم لم يصح
البيع، فإن باعه بمائة درهم ودرهم صح. وبه قال أبو حنيفة (3).
وللشافعي فيه قولان (4).

(1) المغني لابن قدامة 12: 29، والشرح الكبير 12: 247.
(2) وسنن ابن ماجة 2: 845 حديث 2529، والسنن الكبرى 5: 325.
(3) بدائع الصنائع 5: 217، والفتاوى الهندية 3: 222، وتبيين الحقائق 4: 136 - 137، وبداية المجتهد
2: 195.
(4) المجموع 9: 388 و 10: 364، وبداية المجتهد 2: 195.
124

دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (1) والمنع منه يحتاج إلى دليل.
مسألة 209: إذا كان ماله دينا، فباعه وماله صح البيع.
وقال الشافعي: باطل، لأن بيع الديون لا يصح (2).
دليلنا قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (3) والمنع يحتاج إلى دليل، وأيضا فإن
بيع الدين عندنا صحيح، فما بنى عليه من الأصل غير مسلم.
مسألة 210: إذا باع عبده ومالا، ثم علم بالعيب، وما حدث به عنده
عيب، ولا نقص، كان له رده والمال معه. وبه قال الشافعي (4).
وقال داود: يرده دون المال (5).
دليلنا: على أن له ردهما: أنه اشترى عبدا ذا مال، فلا يجوز له رد عبد بالعيب
غير ذي مال، لأنه يرده بغير الصفة فلا يقبل منه.
مسألة 211: من باع شيئا وبه عيب لم يبينه، فعل فعلا محظورا، وكان
للمشتري الخيار بين إمضاء العقد والرضا بالعيب وبين فسخه. وبه قال
الشافعي (6).
وقال داود: البيع باطل (7).

(1) البقرة: 275.
(2) المجموع 10: 107، والوجيز 1: 146، وفتح العزيز 8: 439 و 440، ومغني المحتاج 2: 71، وبداية
المجتهد 2: 198.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 224.
(5) المغني لابن قدامة 4: 276، والمحلى 8: 422، والشرح الكبير 4: 323.
(6) المجموع 12: 122 - 123، ومغني المحتاج 2: 50، وكفاية الأخيار 1: 155، والسراج الوهاج: 186،
وفتح العزيز 8: 326 - 327.
(7) البحر الزخار 4: 356.
125

دليلنا: الآية (1)، ودلالة الأصل، وإبطاله يحتاج إلى دليل.
وأيضا روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا تصروا الإبل
والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها
أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " (2).
فنهى عن التدليس وجعل المشتري بالخيار بين الإمساك والرد، فلو كان
البيع باطلا ما جعله بالخيار فيه.
مسألة 212: من اختلط ماله الحلال بالحرام، فالشراء مكروه منه، وليس
بحرام إذا لم يكن ذلك الحرام بعينه، سواء كان الحرام أقل أو أكثر أو متساويا.
وبه قال الشافعي (3).
وقال مالك: إن كان الحرام أكثر حرم كله، وإن كان الحلال أكثر فهو
حلال (4).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (5) ومن حكم بتحريم الكل فعليه
الدلالة.
وأيضا روى النعمان بن بشير قال (6): سمعت رسول الله يقول: " الحلال

(1) البقرة 275.
(2) صحيح مسلم 3: 1155 حديث 11، وشرح معاني الآثار 4: 19، وسنن الدارقطني 3: 74 حديث
279. وترتيب مسند الشافعي 2: 142 حديث 468، وفي صحيح البخاري 3: 92، والموطأ 2: 683
حديث 96 باختلاف يسير في اللفظ.
(3) المجموع 9: 353، والمغني لابن قدامة 4: 334، والشرح الكبير 4: 25. مختصر المزني: 87.
(4) المحلى 9: 16.
(5) البقرة: 275.
(6) أبو عبد الله، النعمان بن بشير بن ثعلبة بن سعد بن خلاس الخزرجي ولد قبل وفاة رسول الله بثماني
سنين وسبعة أشهر، وقيل بست سنين، روى عنه ابناه محمد وبشير والشعبي وحميد بن عبد الرحمن
وغيرهم. استعمله معاوية على حمص ثم على الكوفة، وكان هواه مع معاوية وميله إليه وإلى ابنه يزيد،
فلما مات معاوية بن يزيد دعا الناس إلى بيعة عبد الله بن الزبير بالشام فخالفه أهل حمص فخرج منها
فاتبعوه وقتلوه وذلك سنة أربع وستين في ذي الحجة. قاله ابن الأثير في أسد الغابة 5: 22 - 24.
126

بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس أمن الحلال
هي أم من الحرام، فمن تركها استبرأ لدينه وعرضه فقد سلم، ومن واقع شيئا
منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أنه من يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه،
ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه " (1).
مسألة 213: إذا باع عبدا، أو حيوانا، أو غيرهما من المتاع بالبراءة من
العيوب، صح البيع، وبرء من كل عيب ظاهرا كان أو باطنا، علمه أو لم
يعلمه. وبه قال أبو حنيفة (2).
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه (3).
والثاني: أنه لا يبرء من عيب بحال، علمه أو لم يعلمه، بحيوان كان أو
بغيره (4). وهو مذهب الإصطخري، وبه قال أحمد، وإسحاق (5).
والثالث: أنه لا يبرء من عيب بحال علمه أو لم يعلمه، إلا من عيب واحد
وهو عيب بباطن الحيوان لم يعلمه البائع، فأما غير هذا فلا يبرء منه، سواء كان

(1) سنن الترمذي 3: 511، والمدونة الكبرى 3: 441، ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 5: 23 عند ترجمة
النعمان بن بشير ورواه أيضا مسلم في صحيحه 3: 1219 حديث 107 والبخاري في صحيحه
3: 69 - 70، وابن ماجة في سننه 2: 1318 حديث 3984، وأبو داود في سننه 3: 243
حديث 3329 - 3330 بالألفاظ مختلفة.
(2) المبسوط 13: 91، والفتاوى الهندية 3: 67 و 95، واللباب 1: 241، وشرح فتح القدير 5: 182،
والمحلى 9: 41، والأم 3: 70، والمجموع 12: 357، وفتح العزيز 8: 339، وبداية المجتهد 2: 182.
(3) الأم 3: 70، والمحلى 9: 41، والوجيز: 143، والسراج الوهاج: 187، وفتح العزيز 8: 339، وكفاية
الأخيار 1: 156، وبداية المجتهد 2: 183، والمبسوط 13: 91 - 92، ومغني المحتاج 2: 53، وشرح فتح
القدير 5: 182.
(4) المجموع 12: 355 - 357، والسراج الوهاج: 187، وفتح العزيز 8: 339 340.
(5) المجموع 12: 355، والسراج الوهاج: 187، وفتح العزيز 8: 339 - 340.
127

بباطن الحيوان يعلمه أو بظاهر الحيوان، أو في غير الحيوان علمه أو لم يعلمه (1).
وبه قال مالك (2)، وهو الأظهر عندهم.
فإن كان المبيع غير حيوان كالثياب والخشب والعقار ففيها قولان:
أحدهما: يبرء بكل حال (3).
والثاني: لا يبرء من عيب بحال (4).
والثالث: يسقط، لأنه لا باطن لغير الحيوان إلا ويمكن معرفته، ولا يمكن
ذلك في الحيوان (5).
وقال غيره من أصحاب الشافعي: المسألة على قول واحد، فإنه لا يبرء إلا
من عيب واحد، وهو عيب بباطن الحيوان لم يعلمه، ولا يبرء من عيب سواه.
وهذا هو المذهب (6).
وقال ابن أبي ليلى: يبرء من كل عيب يعده على المشتري، فإن وجد به عيبا
غير الذي عده البائع عليه كان له رده، ولا يرده بما عده عليه (7).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن البراءة من العيوب صحيح، وأخبارهم عامة في
ذلك (8)، فوجب حملها على ظاهرها، وتخصيصها بعيب دون عيب يحتاج إلى
دليل.

(1) المجموع 12: 357، وفتح العزيز 8: 339، والمحلى 9: 41.
(2) المدونة الكبرى 4: 349، وبداية المجتهد 2: 183، والمجموع 12: 357، وفتح العزيز 8: 339، والمحلى
9: 41، وشرح فتح القدير 5: 182.
(3) المجموع 12: 355.
(4) المجموع 12: 355، والسراج الوهاج: 187، ومغني المحتاج 2: 53.
(5) المجموع 12: 355.
(6) المجموع 12: 357، والسراج الوهاج: 187، وبداية المجتهد 2: 183، ومغني المحتاج 2: 53.
(7) الأم 3: 70، والمجموع 12: 357.
(8) أنظر دعائم الإسلام 2: 47 حديث 117.
128

وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " المؤمنون عند
شروطهم " (1). فينبغي أن يكون على ما شرطاه.
مسألة 214: إذا اشترى ثوبا فصبغه، ثم علم أن به عيبا، كان له الرجوع
بأرش العيب، ولم يكن له رده إلا أن يشاء البائع أن يقبله مصبوغا، ويضمن
قيمة الصبغ، ويكون المشتري بالخيار بين إمساكه بغير أرش أو يرده ويأخذ
قيمة الصبغ، وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: المشتري بالخيار بين إمساكه ويطالب بالأرش، وبين دفعه
إلى البائع ويأخذ قيمة الصبغ (3).
دليلنا: أنا قد بينا أن من اشترى شيئا فتصرف فيه، ثم علم أن به عيبا لم
يكن له رده، وإنما له أرشه، وهذا قد تصرف فيه بالصبغ. وأما إذا قبل البائع
الثوب مصبوغا فلا بد أن يرد على المشتري ثمن صبغه، لأنه عين ماله، إلا أن
يتبرع بتركه.
مسألة 215: إذا اشترى ثوبا فقطعه وباعه أو صبغه، ثم باعه، ثم علم
بالعيب، فليس له إلا المطالبة بالأرش. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إن كان قد قطع الثوب ثم باعه كما قلناه، وإن كان صبغه

(1) التهذيب 7: 371، حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 124، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(2) المجموع 12: 242، والوجيز: 144، وفتح العزيز 8: 357 - 358، والمغني لابن قدامة 4: 273 - 274،
والشرح الكبير 4: 104، والمحلى 9: 78.
(3) اللباب 1: 239، والفتاوى الهندية 3: 83، وشرح فتح القدير 5: 160 - 161، والمجموع 12: 242،
والمغني لابن قدامة 4: 273، والشرح الكبير 4: 104، والبحر الزخار 4: 365، والمحلى 9: 78.
(4) المجموع 12: 242، والمحلى 9: 78، وفتح العزيز 8: 342 والوجيز 1: 143.
129

ثم باعه كان له الرجوع (1).
وهذه المسألة مبنية على الأولى، وقد بينا ما فيها.
مسألة 216: إذا وكل وكيلا لبيع عبد له فباعه، فظهر عيب عند المشتري،
فطالب الوكيل فأنكر أن يكون العيب به قبل القبض فالقول قوله، فإن حلف
سقط الرد، وإن نكل رددنا اليمين على المشتري، فإن حلف رده على الوكيل،
فإذا رده عليه لم يكن له رده على الموكل لأنه عاد إليه باختياره. وبه قال
الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: القول قول الوكيل، فإن حلف سقط الرد، وإن لم يحلف
حكمنا عليه بالنكول ورد عليه العبد بذلك، وكان له رده على موكله (3).
دليلنا: ما أشرنا إلى من أنه عاد إليه باختياره، ونكوله عن اليمين فيه إيجاب
على الغير لا يقبل منه.
مسألة 217: إذا ادعى عمرو عبدا في يد زيد، وأقام البينة أنه له اشتراه
من زيد، وأقام زيد البينة أنه له وأنه هو اشتراه من عمرو، فالبينة بينة الخارج
وهو عمرو. وبه قال محمد (4).
وقال أبو حنيفة والشافعي: البينة بينة الداخل (5).

(1) المبسوط 13: 98، وشرح فتح القدير 5: 160، واللباب 1: 239، والبحر الزخار 4: 365، والمحلى
9: 78، والفتاوى الهندية 3: 55.
(2) المجموع 12: 152.
(3) الفتاوى الهندية 3: 99. بدائع الصنائع 5: 281، والمبسوط 19: 33.
(4) بدائع الصنائع 6: 233، والفتاوى الهندية 4: 74، والمغني لابن قدامة 12: 173، والشرح الكبير
12: 186. وحاشية رد المختار 5: 576.
(5) المجموع 20: 189، والسراج الوهاج: 620، ومغني المحتاج 4: 480 - 481، والفتاوى الهندية 4: 74،
وبدائع الصنائع 6: 233، وحاشية رد المحتار 5: 576.
130

دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: " البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه " (1).
والمدعى عليه هاهنا زيد، لأن العبد في يده.
مسألة 218: إذا اشترى رجلان من رجل عبدا صفقة واحدة، ثم غاب أحد
المشترين قبل القبض وقبل دفع الثمن، فللحاضر أن يقبض قدر حقه ويعطي
ما يخصه من الثمن، وله أن يعطي كل الثمن نصفه عنه، ونصفه عن شريكه، فإذا
فعل فإنما له قبض نصيبه دون نصيب شريكه، فإذا عاد شريكه كان له قبض
نصيبه من البائع، وليس لشريكه الرجوع عليه بما قضى عنه من الثمن. وبه قال
الشافعي وأصحابه (2).
وخالف أبو حنيفة في المسائل الثلاث فقال: ليس للحاضر أن ينفرد بقبض
نصيبه بدفع نصيبه من الثمن، وقال: للحاضر أن يدفع جميع الثمن عن نفسه وعن
شريكه، فإذا دفع كان له قبض كل العبد نصيبه ونصيب شريكه، قال: وإذا
حضر الغائب كان للحاضر أن يرجع عليه بما قضى عنه من الثمن (3).
دليلنا على أن له قبض نصيبه: أنه حقه فله قبضه، ومن منع منه احتاج إلى
دليل، وقبض نصيب الغير يحتاج إلى دليل في صحته، والرجوع عليه بما دفع عنه
من الثمن مثل ذلك، لأن قضى دينه بغير إذنه، فيحتاج إلى دليل في صحة
رجوعه عليه.
مسألة 219: الاستبراء واجب على البائع في الجارية، وعلى المشتري معا.

(1) الكافي 7: 415 حديث 1، والتهذيب: 229 حديث 553، ومن لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 1،
والسنن الكبرى 10: 252، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 175 حديث 840.
(2) فتح العزيز 8: 286.
(3) شرح فتح القدير 5: 364، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 364، وتبيين
الحقائق 4: 129، والمغني لابن قدامة 4: 336، وحاشية رد المحتار 5: 231.
131

وبه قال الثوري، والحسن البصري، والنخعي، وابن سيرين (1).
وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: الاستبراء مستحب للبائع،
واجب على المشتري (2). وبه قال أكثر الفقهاء (3).
وقال عثمان البتي: الاستبراء واجب على البائع، مستحب للمشتري (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ظاهرها الوجوب (5)، وطريقة الاحتياط
تقتضيه، لأن بعد استبراءها يحل وطؤها بلا خلاف، وقبل ذلك فيها خلاف.
مسألة 220: إذا حاضت الجارية في مدة الخيار عند المشتري، جاز أن يعتد
به في الاستبراء، ويكفيه ذلك.
وقال الشافعي: إن كان الخيار للبائع أو لهما لا يعتد به، وإن كان
للمشتري وحده فمبني على أقواله الثلاثة في انتقال الملك، فإذا قال أنه ينتقل
بنفس العقد أو مراعى فقد كفاه في الاستبراء، وإذا قال بمجموعهما لم يعتد
بذلك (6).
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام أنه " إذا اشترى جارية وهي حائض،
جاز أن يعتد بذلك في الاستبراء " (7) وهو إجماع بينهم لا أعرف فيه خلافا.

(1) المحلى 10: 318، والمغني لابن قدامة 9: 159 و 165.
(2) المبسوط 13: 146 و 151 و 18: 203، وبدائع الصنائع 5: 253، والمغني لابن قدامة 9: 159 و
165، ومختصر المزني: 236، والمجموع 18: 203، وكفاية الأخيار 2: 80، والمدونة الكبرى 3: 126،
ومقدمات ابن رشد 2: 603، والمحلى 10: 318، والشيخ الكبير 9: 173 و 183.
(3) المجموع 18: 203، والمحلى 10: 318، والمغني لابن قدامة 9: 159 و 165، والشرح الكبير 9: 173، و 183.
(4) المغني لابن قدامة 9: 159، والشرح الكبير 9: 173.
(5) انظرها في الكافي 5: 472 (باب استبراء الأمة)، ومن لا يحضره الفقيه 3: 283 (باب استبراء
الإماء)، والتهذيب 8: 170 حديث 593 - 594 والاستبصار 3: 358 - 359 حديث 1284 و 1287.
(6) أنظر الأم 5: 97، والمجموع 18: 202.
(7) الكافي 5: 473 حديث 6 و 8، والتهذيب 8: 174 حديث 606، والاستبصار 3: 357 و 359
حديث 1278 و 1286.
132

مسألة 221: الاستبراء يكون عند المشتري سواء كانت جميلة أو قبيحة،
ولا يجب المواضعة - وهو جعلها عند عدل حتى تستبرء - وبه قال أبو حنيفة
والشافعي (1).
وقال مالك: إن كانت وخشة (2) مثل ما قلناه، وإن كانت جميلة رايعة
وجبت المواضعة عند عدل حتى تستبرء، ثم يقبضها المشتري (3).
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب الاستبراء على المشتري ومنع
من وطئها (4)، ولا يكون ذلك إلا مع تمكنه من ذلك، ومع المواضعة لا يتم
ذلك.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى
تحيض " (5).
مسألة 222: إذا اشترى جارية في حال حيضها، احتسب بقية الحيض
وكفاه.
وقال الشافعي: لا يحتسب ببقيته، وعليه أن يستأنف للاستبراء حيضة
أخرى (6). وبه قال أبو حنيفة (7).

(1) الأم 3: 87 و 5: 96 - 97، والمجموع 8: 427، وكفاية الأخيار 2: 80، والمحلى 8: 427، والمبسوط
13: 146 - 147.
(2) وخش الشئ، بالضم وخوشة: أي صار رديئا. والوخش من الناس: الرذل، يستوي فيه المذكر
والمؤنث، والواحد والجمع، قاله ابن الأثير في النهاية 5: 164.
(3) المدونة الكبرى 3: 124، والمحلى 8: 427.
(4) أنظر ما تقدم من مسائل الإماء والاستبراء من هذا الكتاب.
(5) السنن الكبرى 9: 124، وقد روي الحديث بألفاظ مختلفة أيضا انظرها في السنن الكبرى 9: 124
أيضا والمصنف لعبد الرزاق 7: 227، وسنن أبي داود 2: 248، ومسند أحمد بن حنبل 2: 87 وغيرها.
(6) الأم 5: 97، ومختصر المزني: 226، والمجموع 18: 202.
(7) المبسوط 13: 147.
133

وقال مالك: إن مضى الأقل وبقي الأكثر يحتسب به (1).
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
مسألة 223: يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال، وصورته أن يقول:
بعتك برأس مالي وربح درهم على كل عشرة، وليس ذلك بمفسد للبيع. وبه
قال ابن عمر، وابن عباس (3).
قال ابن عباس: أكره أن أبيع ده يازده وده دوازده، لأنه بيع
الأعاجم (4).
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأكثر الفقهاء: أنه غير مكروه، والبيع
صحيح طلق (5)، وروي ذلك عن ابن مسعود وعمر (6).
وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: بيع المرابحة باطل (7).
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، ومثل قول ابن عباس رووه
في أخبارهم وهي كثيرة ذكرناها في الكتاب الكبير (8).

(1) المدونة الكبرى 3: 123 - 124، ومقدمات ابن رشد 2: 610.
(2) انظرها في الكافي 5: 473 حديث 6 و 8، والتهذيب 8: 171 و 174 حديث 595 و 606،
والاستبصار 3: 357 و 359 حديث 1278 و 1286.
(3) المجموع 13: 11، والمغني لابن قدامة 4: 280، والبحر الزخار 4: 377، والشرح الكبير 4: 111.
(4) المصنف لعبد الرزاق 8: 232 حديث 15011، والسنن الكبرى 5: 330.
(5) اللباب 1: 251، والمبسوط 13: 91، والفتاوى الهندية 3: 160، والبحر الزخار 4: 377، والمجموع
13: 4 و 11، والموطأ 2: 668، وبلغة السالك 2: 77، والشرح الكبير 4: 112، والمدونة الكبرى
4: 227، ومقدمات ابن رشد 2: 591، والوجيز 1: 147، والسراج الوهاج: 195، ومغني المحتاج
2: 77، وشرح فتح القدير 5: 253، وفتح العزيز 9: 5.
(6) المجموع 13: 3، والشرح الكبير 4: 112،
(7) المجموع 13: 4 و 11، والمغني لابن قدامة 4: 280، والشرح الكبير 4: 112، والبحر الزخار 4: 377.
(8) التهذيب 7: 47 و 54 و 59 حديث 203 و 236 و 254. وانظرها أيضا في الكافي 5: 197 حديث
3 - 4 و 5: 208 حديث 3.
134

مسألة 224: إذا اشترى سلعة بمائة إلى سنة، ثم باعها في الحال مرابحة،
وأخبر أن ثمنها مائة، فالبيع صحيح بلا خلاف، فإذا علم المشتري بذلك كان
بالخيار بين أن يقبضه بالثمن حالا أو يرده بالعيب، لأنه تدليس. وبه قال
أصحاب الشافعي (1)، وقالوا: لا نص لنا في المسألة، والذي يجئ على المذهب
هذا.
وقال أبو حنيفة: يلزم البيع بما تعاقدا عليه، ويكون الثمن حالا لأنه قد صدق
فيما أخبر (2).
وقال الأوزاعي: يلزم العقد، ويكون الثمن في ذمة المشتري على الوجه الذي
هو في ذمة البائع إلى أجل (3).
دليلنا على أن له الخيار: إن هذا تدليس وعيب، لأن ما يباع بثمن إلى أجل
لا بد أن يكون زائدا في ثمنه على ما يباع حالا، فلما لم يبين كان ذلك تدليسا،
وله رده به.
مسألة 225: إذا قال: بعتك هذه السلعة بمائة ووضيعة درهم من كل
عشرة، كان الثمن تسعين. وإن كان قال: بوضيعة درهم من كل أحد عشر
درهما، كان الثمن تسعين درهما ودرهما إلا جزء من أحد عشر جزء من درهم.
وحكى أبو الطيب الطبري (4) أن هذه المسألة التي يقول بها أبو ثور، ومحمد

(1) الوجيز 1: 147، والمغني لابن قدامة 4: 285.
(2) المبسوط 13: 78، والمغني لابن قدامة 4: 285.
(3) المجموع 13: 4.
(4) أبو الطيب، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري البغدادي، فقيه، أصولي، ولد بآمل طبرستان
سنة 348، وسمع الحديث بجرجان ونيسابور وبغداد وتولى القضاء، وتوفي ببغداد في العشرين من
شهر ربيع الآخر سنة 450 هجرية. أنظر طبقات الشافعية الكبرى 3: 176 - 197، وطبقات
الشافعية للشيرازي: 106، وطبقات الشافعية: 15.
135

بن الحسن دون الأخرى التي حكاها البندنيجي (1) في تعليقته.
وقال أبو الطيب الطبري: وهكذا إذا قال: بعتك بوضيعة عشر أحد عشرة
كان مثل ذلك، وإن قال: بعتكها بمائة مواضعة العشرة درهما اختلف الناس
فيها.
فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي: يكون مبلغ الثمن الذي وقع به البيع،
ووجب للبائع على المشتري تسعين درهما ودرهم إلا جزء من أحد عشر جزء من
درهم (2).
وقال أبو ثور: الثمن تسعون درهما (3)، وبه قال أبو الطيب الطبري في تعليقته.
وخطأ أبا حامد الأسفرايني فيها لأنه لو باعه مرابحة ربح درهم على كل عشرة
كان قدر الربح عشرة، وكان مبلغ الثمن مائة وعشر، فإذا قال: مواضعة درهم
من كل عشرة كانت الوضيعة عشرة، فيكون المبلغ تسعين.
دليلنا: ما ذكره حذاق العلماء، وهو أن البيع مرابحة ومواضعة، فإذا باعه
مرابحة ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ الثمن مائة وعشرة، وكان قدر الربح
جزء من أحد عشر جزء من الثمن، وجب أن يكون المواضعة حط جزء من أحد
عشر جزء من الثمن، فإذا كان الثمن مائة حططت منه جزءا، من أحد عشر جزءا
ينحط.

(1) أبو علي، الحسن بن عبد الله (عبيد الله) البندنيجي - نسبة إلى البندنيجين وهي بلدة مشهورة آنذاك في
طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد - الشافعي، من أصحاب أبي حامد، وله عنه تعليقة
مشهورة، فقيه، تولى القضاء، وتوفي ببندنيجين في جمادى الأول من سنة 425 هجرية. أنظر طبقات
الشافعية: 46، وطبقات الشافعية الكبرى 3: 133 - 134، ومعجم البلدان 1: 499، وتاريخ بغداد
7: 343.
(2) المبسوط 13: 91، وبدائع الصنائع 5: 228، والفتاوى الهندية 3: 165، والمجموع 3: 8 - 9، وفتح
العزيز 10: 5 - 6، والسراج الوهاج: 195، والشرح الكبير 4: 112، والمغني لابن قدامة 4: 287.
(3) المجموع 13: 9، والشرح الكبير 4: 112، والمغني لابن قدامة 4: 287.
136

تسعة من تسعة وتسعين، لأنها جزء من أحد عشر جزء من تسع وتسعين
فيكون تسعين، ويبقى هناك واحد يحط به جزء من أحد عشر جزء من الثمن،
فيكون المبلغ ما ذكرناه.
وقيل فيه أيضا، قوله: وضيعة درهم من كل عشرة، معناه يوضع من كل
عشرة يبقى له درهم من أصل رأس المال.
وتقديره: وضيعة درهم بعد كل عشرة، فإذا حصل له تسعون من المائة،
ووضعت لكل عشرة درهما، فتضع تسعة ويبقى درهم تضع منه جزء من أحد
عشر جزء، فيكون الثمن تسعين ودرهما إلا جزء من أحد عشر جزء من درهم،
وعلى هذا أبدا.
قالوا: إذا أردت مبلغ الثمن في ذلك، فعقد الباب فيه أن تضيف الوضيعة
إلى رأس المال للمقابلة، ثم تنظركم قدرهما؟ فما اجتمع فاسقط ذلك القدر من
رأس المال وهو الثمن.
وبابه إذا قال: رأس مالي عشرون بعتكها برأس مالي مواضعة للعشرة
درهمين ونصف، فتضيف إلى العشرين قدر الوضيعة وهو خمسة دراهم، فيصير
خمسا وعشرين، فتنظركم خمسة من خمسة وعشرين، فإذا هو خمسها فاسقط من
رأس المال وهو عشرون الخمس، وهو أربعة، يكون الثمن ستة عشر درهما، وعلى
هذه أبدا.
وقول أبي ثور أقوى عندي، لأنه إذا قال: مواضعة عشرة واحدة أضاف
المواضعة إلى رأس ماله، ورأس ماله مائة، فيجب فيه عشرة، فيبقى تسعين ولم
يضفه إلى ما يبقى في يده. ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قالوه، فأما حمل
الوضيعة على الربح وإضافة ذلك إلى أصله فهو قياس، ونحن لا نقول به.
مسألة 226: إذا قال: هذا علي بمائة، بعتك بربح كل عشرة درهم،
فقال: اشتريت، ثم قال: غلطت، اشتريته بتسعين، كان البيع صحيحا. وبه
137

قال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وابن أبي ليلى، والشافعي قولا واحدا (1).
وحكى أبو حامد المروزي في جامعه وجها آخر أنه لا يجوز (2).
وقال مالك: البيع باطل (3).
دليلنا: أن المشتري إذا بان له نقصان في الثمن، فقد بان ما ليس له، وذلك
لا يفسد البيع، ولأن الأصل صحته، وبطلانه يحتاج إلى دليل.
مسألة 227: إذا ثبت أن البيع صحيح، فلم يلزمه عندنا، إنه بالخيار بين
أن يأخذه بمائة وعشرة أو يرد، والخيار إليه. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد، وأحد
قولي الشافعي (4).
وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف: يلزمه تسعة وتسعون درهما (5)، وهو قول
الشافعي الثاني (6)، وهو قوي، لأنه باعه مرابحة.
دليلنا على الأول: أن العقد وقع على مائة وعشرة، فإذا تبين نقصانا في الثمن
كان ذلك عيبا له رده به أو الرضا به فالخيار إليه في ذلك، ومن ألزمه بدون
ذلك فعليه الدلالة، ولو قال له: بعتك برأس مالي وزيادة العشرة واحدا كان
القول قول أبي يوسف.
مسألة 228: إذا باع سلعة، ثم حط من ثمنه بعد لزوم العقد، وأراد بيعه

(1) مختصر المزني: 84، والمجموع 13: 9 و 11، والسراج الوهاج: 195 - 196، ومغني المحتاج 2: 79،
النتف 1: 440.
(2) المجموع 13: 9، وفتح العزيز 9: 13.
(3) مقدمات ابن رشد 2: 592، وفتح العزيز 9: 13.
(4) المبسوط 13: 86، والأم 3: 93، والمجموع 13: 11، وفتح العزيز 9: 13 - 14، ومغني المحتاج 2: 79،
والسراج الوهاج: 195 - 196، وبداية المجتهد 2: 213.
(5) المبسوط 13: 86، والمجموع 13: 11، وبداية المجتهد 2 213.
(6) الأم 3: 93، والمجموع 13: 11، وفتح العزيز 9: 13.
138

مرابحة لم يلزمه حطه، وكان الثمن ما عقد عليه قبل الحط، وكان الحط هبة
للمشتري. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يلحق ذلك بالعقد، ويكون الثمن ما بعد العقد (2).
دليلنا: أن الثمن قد استقر، فمن قال إن الحط بعد اللزوم يلحق به، فعليه
الدلالة.
مسألة 229: إذا اشترى ثوبا بعشرة وباعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة،
فقد ربح خمسة، فإذا أراد بيعه مرابحة أخبر بالثمن الثاني وهو عشرة، ولم يجب عليه
أن يخبر بدونه. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: عليه أن يخبر بما قد قام عليه، وهو أن يحط الخمسة التي قد
ربحها (4).
دليلنا: أنه قد ملك بالثمن الثاني، فوجب أن يجوز له أن يخبر به، ولا يبنى عقد
على عقد، لأنه لا دليل عليه.
مسألة 230: إذا باع عبدا أو سلعة، وقبض المشتري المبيع، ولم يقبض
البائع الثمن، يجوز للبائع أن يشتريه منه بأي ثمن شاء، نقدا ونسية، وعلى كل

(1) المجموع 13: 12، وفتح العزيز 9: 10، والمبسوط 13: 84، وشرح فتح القدير 5: 270، وشرح العناية
على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 270.
(2) المبسوط 13: 84، وبدائع الصنائع 5: 222، والمجموع 13: 12، وفتح العزيز 9: 10، والبحر الزخار
4: 378، وشرح فتح القدير 5: 270، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 270.
(3) المجموع 13: 6، والمغني لابن قدامة 4: 284، وفتح العزيز 9: 10، والشرح الكبير 4: 116، وشرح
فتح القدير 5: 257.
(4) المبسوط 13: 82، والفتاوى الهندية 3: 163 - 164، وبدائع الصنائع 5: 224، والمغني لابن قدامة
4: 284، والشرح الكبير 4: 117، وفتح العزيز 9: 10، والمجموع 13: 6، وشرح العناية على الهداية في
هامش شرح فتح القدير 5: 257 وشرح فتح القدير 5: 257.
139

حال. وبه قال الشافعي (1)، وبه قال في الصحابة ابن عمر، وزيد بن أرقم (2)
وإليه ذهب أبو ثور (3).
وفي أصحابنا من روى أن ذلك لا يجوز (4)، وذهب إليه عائشة، وابن
عباس (5) وفي الفقهاء مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه (6).
وتفصيل مذهب أبي حنيفة: أن له أن يشتريه منه بمثل ذلك الثمن، أو أكثر
منه، فإن اشتريه بأقل منه لم يخل من أحد أمرين.
إما أن يكون الثمنان معا مما فيه الربا، أو مما لا ربا فيه:
فإن لم يكن فيهما الربا، اشتراه كيف شاء، فلو باعه بثوبين واشتراه بثوب
واحد جاز.
وإن كان الثمنان فيهما الربا نظرت، فإن كان الثمنان جنسا واحدا
كالطعامين، أو دراهم، أو دنانير لم يجز أن يشتريه بأقل من ذلك الثمن كيلا
ولا وزنا ولا حكما.
فإن كان النقص كيلا مثل أن باعه بمائة قفيز، واشتراه بخمسين قفيزا لم يجز.

(1) مختصر المزني: 85، والمجموع 13: 4، والمغني لابن قدامة 4: 277، والمبسوط 13: 122، وشرح فتح
القدير 5: 208، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 208، وتبيين الحقائق
4: 53، والعقود الدرية 1: 245، والمحلى 9: 47.
(2) المغني لابن قدامة 4: 277، والسنن الكبرى 5: 331، والمحلى 9: 48.
(3) بداية المجتهد 2: 141.
(4) رواه الشيخ الكليني في الكافي 5: 195 حديث 1.
(5) المغني لابن قدامة 4: 277.
(6) المجموع 13: 4، والمغني لابن قدامة 4: 277، والجوهر النقي المطبوع في هامش السنن الكبرى
5: 330، والمبسوط 13: 125، ومقدمات ابن رشد 2: 535، وشرح فتح القدير 5: 207، وشرح
العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 207، وتبيين الحقائق 4: 53، والعقود الدرية
1: 245، والمحلى 9: 48.
140

وإن كان النقص وزنا، مثل أن باعه بمائة درهم، واشتراه بخمسين لم يجز.
والحكم أن يبيعه نقدا ويشتريه بذلك إلى سنة، أو إلى سنة ويشتريه إلى
سنتين، كل هذا لا يجوز.
قال: وإن كان جنسين جاز أن يشتريه بأقل إلا في الذهب والورق، فإن
القياس يقتضي أنه جائز، لكن لا يجوز استحسانا، وهذا إنما يتصور في القيمة،
فإذا باعه بمائة درهم لم يجز أن يشتريه بدينار قيمته أقل من مائة.
قال: وكل موضع قلنا لا يجوز أن يشتريه البائع من المشتري، فكذلك عبد
البائع المأذون له في التجارة، وكذلك مكاتبه ومدبره ومضاربه، وكذلك شريكه
إن دفع الثمن من مال الشركة (1). وبه قال أبو يوسف ومحمد (2).
قال أبو حنيفة: وكذلك لا يجوز أن يشتريه أبو البائع ولا ولده، وخالفه
أبو يوسف ومحمد ها هنا (3).
قال: فإن عاب العبد في يد المشتري، جاز أن يشتريه منه بأي ثمن شاء.
قال: فإن خرج العبد عن ملك المشتري نظرت:
فإن خرج عن ملكه ببيع أو هبة، جاز له أن يشتريه ممن انتقل الملك إليه
كيف شاء.
وإن خرج عن ملكه بالموت إلى وارثه لم يجز له أن يشتريه من وارثه (4).
والخلاف معه في فصل واحد، وهو إذا كان الجنس واحدا، فأراد أن
يشتريه بأقل من ذلك الثمن كيلا أو وزنا أو حكما على ما فصلناه.
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (5) وهذا بيع، وقوله: " إلا أن

(1) المبسوط 13: 122 - 123، والمحلى 9: 48.
(2) المبسوط 13: 123.
(3) المبسوط 13: 124.
(4) المبسوط 13: 124.
(5) البقرة: 275.
141

تكون تجارة عن تراض منكم " (1) وهذه تجارة عن تراض، ومن منع منه فعليه
الدلالة، وأكثر أخبارنا تدل على ما قلناه (2).
واحتجوا بما روي: أن رجلا باع من رجل حريرة بمائة، ثم اشتراه بخمسين،
فسأل ابن عباس عن ذلك فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما
حريرة (3).
وروى يونس بن أبي إسحاق السبيعي (4) عن أمه عالية بنت أيفع (5)
قالت: خرجت إلى الحج أنا وأم محبة (6) فدخلنا على عائشة فسلمنا عليها،
فقالت: من أين أنتن؟ فقلنا: من الكوفة - وكأنها أعرضت -، فقالت لها أم محبة:
يا أم المؤمنين كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه
- وفي بعضها إلى العطاء - فأراد أن يبيعها، فاشتريتها منه بستمائة نقدا، فقالت:
بئس ما شريت وبئس ما بعت، أخبري زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع
رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن يتوب، فقالت: أرأيت أن أخذت رأس

(1) النساء: 29.
(2) انظرها في الكافي 5: 197 حديث 1 - 8 (باب بيع المرابحة)، والتهذيب 7: 47 - 60 (باب بيع
النقد والنسيئة).
(3) لم أقف على هذا الحديث في المصادر المتوفرة.
(4) أبو إسرائيل، يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، روى عن أبيه، وأنس،
وأبي بردة، وأبي موسى الأشعري وغيرهم وعنه ابنه عيسى والثوري وابن المبارك وآخرون. مات
سنة 152 هجرية، وقيل غير ذلك. تهذيب التهذيب 11: 433.
(5) العالية بنت أيفع بن شراحيل (شرحبيل)، ذكرها ابن سعد في طبقاته الكبرى 8: 487 قائلا:
دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها. أخبرنا يحيى بن عباد، حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن
أمه العالية بنت أيفع بن شراحيل إنها حجت مع أم محبة، فدخلتا على عائشة فسلمتا عليها،
وسألتاها، وسمعنا منها.
(6) قال ابن سعد في طبقاته الكبرى 8: 488: أم محبة سألت ابن عباس وسمعت منه، وروى عنها
أبو إسحاق السبيعي.
142

مالي؟ قالت: قوله تعالى: " فمن جاء موعظة من ربه فانتهى فله
ما سلف " (1) (2).
ورواه أبو إسحاق السبيعي (3) عن امرأته قالت: حججت أنا وأم ولد زيد
بن أرقم، فدخلنا على عائشة، الحديث (4).
والجواب عن خبر عائشة أن راويه عالية بنت أيفع وأم محبة.
قال الشافعي: هما امرأتان مجهولتان، والمجهول، أضعف من الضعيف
المعروف.
وقال الطحاوي: عالية بنت أيفع امرأة معروفة زوجة أبي إسحاق
السبيعي، ولها ولدان فقيهان.
قلنا ليس الكلام على أولادها، وإنما الكلام عليها، فإذا كانت مجهولة لم
تتعرف بأولادها.
قال الشافعي: وأصل الخبر لا يصح من وجه آخر، وذلك أنه لا يخلو زيد أن
يكون قال ذلك اجتهادا أو سمع من النبي صلى الله عليه وآله شيئا وخالفه،

(1) البقرة: 275.
(2) اختلفت ألفاظ الحديث حسب اختلاف طرقه وأسانيده وقد ذكر جملة منها البيهقي في سننه الكبرى
5: 331، وقد استدلوا فيه في كتب الفقه كثيرا انظر مثلا كتاب المغني لابن قدامة 4: 277،
والمبسوط 13: 122، ومقدمات ابن رشد 2: 535 وغيرها.
(3) عمرو بن عبد الله بن عبيد ويقال: علي، ويقال: ابن أبي شعيرة، أبو إسحاق السبيعي الكوفي،
والسبيع بن همدان، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، روى عن خلق كثير من حملة الحديث
منهم: سليمان بن صرد، وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وجابر بن سمرة وغيرهم وروى عنه جماعة
كثيرة منهم ابنه يونس وابن ابنه إسرائيل بن يونس وابن ابنه الآخر يوسف بن إسحاق وقتادة
وسليمان التميمي وغيرهم قيل إنه مات سنة ست وعشرين ومائة وقيل: سبع وقيل: ثمان وقيل:
تسع وعشرين ومائة. تهذيب التهذيب 8: 63 - 67.
(4) السنن الكبرى 5: 331، وشرح فتح القدير 5: 209.
143

فإن كان الثاني فهذا طعن على الصحابي ولا يقولون به.
والقول الأول لا يحبط الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه صادر
عن اجتهاد، فعلم بذلك بطلان الخبر، ولو صح، فابن عمر، وزيد بن أرقم
يخالفان فيه (1)، فالمسألة خلاف من الصحابة.
على أنه لو سلم الخبر من كل طعن، لم يكن فيه دلالة، لأن المرأة أخبرت
أن زيدا اشترى الجارية إلى العطاء، ثم باعها، والشراء إلى العطاء باطل، لأنه
أجل مجهول، والشراء بعد البيع الفاسد باطل، وكذلك نقول.
وكلامنا إذا كان البيع صحيحا، يدل على ذلك قولها: (بئس ما شريت
وبئس ما بعت) يعني بئس الشراء والبيع معا.
مسألة 231: إذا اشترى سلعتين بثمن واحد، فإنه لا يجوز أن يبيع أحدهما
مرابحة، ويقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما. وبه قال أبو حنيفة في السلعتين،
وأجاز في القفيزين (2).
وقال الشافعي: يجوز في الكل (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4)، وأيضا فإن تقويمه ليس هو الذي انعقد
البيع عليه، فلا يجوز أن يخبر بذلك شراء، لأنه كذب.
مسألة 232: إذا باع شيئين صفقة واحدة، أحدهما ينفذ فيه البيع والآخر
لا ينفذ فيه البيع، بطل فيما لا ينفذ البيع فيه، وصح فيما ينفذ فيه، سواء كان
أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال، مثل أن باع خلا وخمرا أو

(1) تقدم ذلك في أول هذه المسألة فراجع.
(2) المبسوط 3: 81، والفتاوى الهندية 3: 161، وشرح فتح القدير 5: 263 - 264. وفتح العزيز 9: 11،
والشرح الكبير 4: 114.
(3) المجموع 13: 14، وفتح العزيز 9: 11، والمغني لابن قدامة 4: 283، والشرح الكبير 4: 114.
(4) الكافي 5: 198 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 136 حديث 590، والتهذيب 7: 55 حديث 139.
144

حرا وعبدا، أو شاة وخنزيرا.
وما يكون أحدهما مالا والآخر في حكم المال، مثل أن باع أمته وأم ولده،
أو عبده وعبدا موقوفا، أو كان أحدهما ماله والآخر مالا لكنه ملك الغير، الباب
واحد.
وقال الشافعي: يبطل فيما لا ينفذ فيه البيع قولا واحدا. وهل يبطل في
الآخر؟ على قولين: أصحهما عندهم أن البيع يصح في أحدهما (1).
وقال أبو حنيفة: إن كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال،
بطل في المال. وإن كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال، صح في المال.
وإن كان أحدهما مالا له والآخر لغيره، نفذ في ماله وكان في ماله الغير
موقوفا (2).
وقال مالك وداود: يبطل فيهما (3).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (4) وهذا بيع فيما يصح أن ينفذ بيعه،
فوجب أن يكون صحيحا، فمن أبطله فعليه الدلالة، وعليه إجماع الفرقة،
ولا يختلفون فيه.
مسألة 233: إذا باع حرا وعبدا، بطل البيع في الحر وصح البيع في العبد.
وقال أبو حنيفة: بطل البيع في العبد قولا واحدا (5).

(1) المجموع 9: 381 و 388، والوجيز 1: 140، وفتح العزيز 8: 233 و 237، والمغني لابن قدامة
4: 316، والشرح الكبير 4: 43.
(2) اللباب 1: 247، وشرح فتح القدير 5: 225 - 226، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح
القدير 5: 225، والمجموع 9: 388، وفتح العزيز 8: 237، والمغني لابن قدامة 4: 316، وتبيين
الحقائق 4: 60، والشرح الكبير 4: 44.
(3) المجموع 9: 388، والمغني لابن قدامة 4: 316، والمحلى 9: 16، والشرح الكبير 4: 43.
(4) البقرة: 275.
(5) اللباب 1: 247، وشرح فتح القدير 5: 225 - 226، والمجموع 9: 388، وتبيين الحقائق 4: 60.
145

وعند الشافعي لا يبطل في أحد القولين (1).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (2) وهذا بيع، وقوله تعالى: " إلا أن
تكون تجارة عن تراض " (3) وهذه تجارة عن تراض، فمن أبطله فعليه الدلالة.
مسألة 234: قد قلنا أنه إذا جمع في الصفقة ما يصح بيعه وما لا يصح، فإنه
ينفذ فيما يصح، ويبطل فيما لا يصح. وللشافعي فيه قولان على ما مضى (4).
فللمشتري الخيار بين أن يرد أو يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن
الذي يتقسط عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (5).
والآخر: أن له أن يمسكه بجميع الثمن أو يرد (6).
دليلنا: أن جميع الثمن إنما كان في مقابلتهما، ويقسط على الشيئين معا، فإذا
بطل بيع أحدهما سقط عنه بحسابه، فمن أوجب الجميع فعليه الدلالة.
مسألة 235: إذا اختار إمساكه بكل الثمن، فلا خيار للبائع، وإن اختار
إمساكه بما يخصه من الثمن، فلا خيار له أيضا عندنا.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والآخر: له الخيار (7).
دليلنا: أن البيع صح من جهته، فمن أثبت له الخيار فعليه الدلالة، ولأنه قد
دخل مع العلم بأنه لا يسلم له إلا بعض الثمن، وهو ما قابل العبد دون الحر،

(1) المجموع 9: 388 - 389، وفتح العزيز 8: 334.
(2) البقرة: 275.
(3) النساء: 29.
(4) لقد مضى الحديث عنها في المسألة " 232 " فلاحظ.
(5) المجموع 9: 379 - 380، والوجيز 1: 140، وفتح العزيز 8: 225 - 226، والشرح الكبير 4: 44.
(6) المجموع 9: 380، والوجيز 1: 140، وفتح العزيز 8: 254، والشرح الكبير 4: 44.
(7) المجموع 9: 380، وفتح العزيز 8: 258.
146

فلهذا لم يكن له الخيار.
مسألة 236: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، فقال البائع: بعتكه
بألف، وقال المشتري: بخمسمائة، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت
السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه.
وقال الشافعي: يتحالفان وينفسخ البيع بينهما أو يفسخ، وسواء كانت
السلعة قائمة أو تالفة، وإنما يتصور الخلاف إذا هلكت في يد المشتري، فأما إذا
هلكت في يد البائع يبطل البيع (بلا خلاف) (1).
وقال الشافعي: رجع محمد بن الحسن إلى قولنا وخالف صاحبه (2).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة تحالفا، وإن كانت
تالفة فالقول قول المشتري لأنه غارم (3).
وقال مالك: إن كانت تالفة فالقول قول المشتري، وإن كانت قائمة فعنه
روايتان:
إحداهما: القول قول المشتري أيضا (4).
والثانية: القول قول من في يده السلعة والآخر مدعى عليه، فإن كانت في
يد البائع فالقول قوله، وإن كانت في يد المشتري فالقول قوله والبائع مدعي (5).

(1) في بعض النسخ المعتمدة: (ولا تحالف).
(2) الأم 3: 90، ومختصر المزني: 86 - 87، والمجموع 13: 71 و 76، وفتح العزيز 9: 154، ومغني المحتاج
2: 95، والمحلى 8: 368، والمبسوط 13: 30، وبداية المجتهد 2: 190، والمغني لابن قدامة 4: 288 -
289، والبحر الزخار 4: 412، وتبيين الحقائق 4: 307.
(3) المبسوط 13: 30، والمحلى 8: 368، والمغني لابن قدامة 4: 288 - 289، والمجموع 13: 71 و 76،
وبداية المجتهد 2: 190، وفتح العزيز 9: 154، والبحر الزخار 4: 412، وتبيين الحقائق 4: 307.
(4) بداية المجتهد 2: 190، وبلغة السالك 2: 90، والمحلى 8: 368، وفتح العزيز 9: 154، والبحر الزخار 4: 412.
(5) بداية المجتهد 2: 190، وبلغة السالك 2: 90 - 91، وفتح العزيز 9: 154، والمغني لابن قدامة 4: 288 - 289.
147

وقال زفر وأبو ثور: القول قول المشتري، سواء كانت السلعة سالمة أو
تالفة (1).
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
وأيضا روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " البينة على
المدعي واليمين على من أنكر " (3).
والمشتري مدعى عليه وهو المنكر، لأنهما قد اتفقا على العقد وانتقال الملك،
والمشتري معترف بذلك ويذكران الثمن خمسمائة والبائع يدعي عليه خمسمائة،
فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة أن القول
قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.
ولكن روي عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قالوا: " القول قول البائع " (4)
فحملناه على أنه مع بقاء السلعة.
فأما ما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إذا اختلف
المتبايعان ولا بينة مع واحد منهما والسلعة قائمة تحالفا أو ترادا " (5) فهو خبر واحد

(1) المحلى 8: 360، وبداية المجتهد 2: 190، والبحر الزخار 4: 412.
(2) انظرها في الكافي 5: 174 حديث 1 - 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 171 حديث 765، والتهذيب
7: 26 حديث 109 - 110 و 7: 229 حديث 1001.
(3) الكافي 7: 415 حديث 1، والتهذيب 6: 229 حديث 553، ومن لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 1،
والسنن الكبرى 10: 252، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 175 حديث 840.
(4) أشرنا إلى مصادرها في الهامش رقم " 7 " المتقدم من هذه المسألة.
(5) رواه البيهقي في سننه 5: 333 باختلاف يسير في اللفظ فلاحظ. وقال العسقلاني في تلخيص الحبير
3: 31 ما لفظه: " وفي رواية إذا اختلف المتبايعان تحالفا وفي رواية أخرى (تحالفا أو ترادا) أما رواية
التحالف فاعترف الرافعي في التذنيب أنه لا ذكر لها في شئ من كتب الحديث، وإنما توجد في
كتب الفقه، وكأنه عنى الغزالي فإنه ذكرها في الوسيط، وهو تبع إمامه في الأساليب، وأما رواية
التراد فرواها مالك بلاغا عن ابن مسعود ورواها أحمد والترمذي وابن ماجة بإسناد منقطع.. إلى آخره ".
148

لا نعرفه، ولا يلزمنا العمل به.
وهو معارض بما رواه سفيان بن عيينة (1)، عن محمد بن عجلان (2)، عن
عون بن عبد الله (3)، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار " (4).
مسألة 237: إذا اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف لأجله الثمن، مثل أن
قال: بعتكه نقدا، فقال: بل إلى سنة. أو قال: إلى سنة، فقال: إلى سنتين،
فلا فصل بين أن يختلفا في أصل الأجل أو في قدره.
وكذلك في العين إذا اختلفا في أصله، وكذلك الشهادة.
وهكذا في ضمان العهدة، وهو أن يضمن عن البائع الثمن متى وقع

(1) سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمن الهلالي، أبو محمد الكوفي سكن مكة، وقيل: إن أباه عيينة هو
المكي أبا عمران، روى عن عبد الملك بن عمير وأبي إسحاق السبيعي وزياد بن علاقة وابن عجلان
وجمع كثير غيرهم، وروى عنه الأعمش وابن جريح وشعبة والثوري والحسن بن حي وهمام وغيرهم
الكثير. ولد سنة (107) وانتقل من الكوفة إلى مكة سنة (163) ومات سنة (198). أنظر تهذيب
التهذيب 4: 117 - 122.
(2) أبو عبد الله، محمد بن عجلان المدني القرشي مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. روى عن
أبيه وأنس بن مالك وعون بن عبد الله وغيرهم وعنه صالح بن كيسان وعبد الوهاب بن بخت
وإبراهيم بن أبي عبلة والسفيانان وغيرهم. مات سنة (148 - أو - 149) ه‍. أنظر تهذيب التهذيب
9: 341.
(3) عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله الكوفي، روى عن أبيه وعمه ويوسف بن
عبد الله بن سلام والشعبي وغيرهم، وعنه المسعودي وأبو العميس ومحمد بن عجلان والزهري
وغيرهم. ذكره البخاري فيمن مات بين عشر ومائة إلى عشرين ومائة. أنظر تهذيب التهذيب
8: 171 - 173.
(4) تلخيص الحبير 3: 30 حديث 1221، وروي الخبر بألفاظ وطرق مختلفة أيضا انظرها في مسند أحمد
بن حنبل 1: 466، والسنن الكبرى 5: 332، وسنن أبي داود 3: 285، ومستدرك الصحيحين
2: 45، وسنن الدارقطني 3: 18 - 21.
149

الاختلاف في شئ من هذا، فالقول قول البائع مع يمينه.
وقال الشافعي: يتحالفان (1).
وقال أبو حنيفة: لا يتحالفان، ويكون القول قول من ينفي الشرط (2).
دليلنا: عموم الأخبار، وإنه متى اختلف المتبايعان فالقول قول البائع (3).
وحديث ابن مسعود المقدم ذكره أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إذا
اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار " (4) وهو على عمومه في
كل شئ.
مسألة 238: إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، فقال البائع: بعتك إلى أجل
معلوم، وقال المشتري: إلى أجل مجهول. أو قال: بعتك بدراهم أو دنانير، فقال:
اشتريته بخمر أو خنزير، كان القول قول من يدعي الصحة، وعلى من ادعى
الفساد البينة. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو علي ابن أبي هريرة من أصحابه في الإفصاح: فيه وجهان، وصوبه
أبو الطيب الطبري (6).
دليلنا: أن الأصل في العقد الصحة، فمن ادعى الفساد فعليه الدلالة.

(1) المجموع 13: 81، والوجيز 1: 153، وفتح العزيز 9: 157، وتبيين الحقائق 4: 307، والمغني لابن
قدامة 4: 291.
(2) المبسوط 13: 35، والمجموع 13: 81، وتبيين الحقائق 4: 306، والمغني لابن قدامة 4: 291.
(3) انظرها في الكافي 5: 174 حديث 1 - 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 171 حديث 765. والتهذيب
7: 26 حديث 109 - 110.
(4) تلخيص الحبير 3: 30 حديث 1221، وروي بألفاظ وطرق مختلفة أيضا أنظر ذلك في: مسند أحمد بن
حنبل 1: 466، السنن الكبرى 5: 332، وسنن أبي داود 3: 285، ومستدرك الصحيحين 2: 45،
وسنن الدارقطني 3: 18 - 21.
(5) المجموع 13: 79، وفتح العزيز 9: 162 و 165.
(6) المجموع 13: 79، وفتح العزيز 9: 165.
150

مسألة 239: إذا باع شيئا بثمن في الذمة، فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى
أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع، فعلى الحاكم أن
يجبر البائع على تسليم المبيع أولا، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن بعد ذلك، بعد
أن يحضر الثمن والمبيع.
وقال الشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يجبر البائع، وهو ظاهر كلامه.
والثاني: يجبر كل واحد منهما، مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم.
والثالث: لا يجبر واحد منهما (1).
وقال أبو حنيفة ومالك: يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا (2).
دليلنا: على ما قلناه: إن الثمن إنما يستحق على المبيع، فيجب أولا تسليم المبيع
فيستحق الثمن، فإذا سلم المبيع استحق الثمن، فوجب حينئذ إجباره على
تسليمه، فلا بد إذا مما قلناه.
مسألة 240: إذا كان البيع عينا بعين، فالحكم فيه كالحكم في المسألة
الأولى سواء.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يجبر كل واحد منهما على إحضار ما عليه.
والثاني: لا يجبر واحد منهما، وأيهما تطوع بالدفع أجبر الآخر على التسليم.
والثالث: يجبر الحاكم أيهما شاء على التسليم، فإذا سلم أجبر الآخر على

(1) أنظر الأقوال الثلاثة في الأم 3: 87، ومختصر المزني: 87، والمجموع 13: 84 و 86 و 87، ومغني المحتاج
2: 74، والسراج الوهاج: 193 - 194، والمغني لابن قدامة 4: 292.
(2) الفتاوى الهندية 3: 16، وشرح فتح القدير 5: 108، وشرح العناية على الهداية المطبوع في هامش فتح
القدير 5: 109، والمجموع 13: 86، والمغني لابن قدامة 4: 292.
151

التسليم (1).
وقال أبو حنيفة: إن كان الثمن دراهم أو دنانير فالحكم فيه كما لو كان في
الذمة، لأن الأثمان عنده لا تتعين، وإن كان من غيرها فالحاكم يجبر من
شاء منهما أولا، فإذا دفع دفع الآخر ما عليه (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 241: إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال
المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان
القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه
ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منهما الجمع بين النفي والإثبات.
ولا يكون هذا تحالفا وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف
البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف
فيها.
وأما المشتري فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن
كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدعيه. وإن كان
في يد البائع فإنه لا يجوز له التصرف فيه، لأنه معترف بأنه للمشتري وإن ثمنه
في ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن. وبه قال أبو حامد الأسفرايني (3).
وقال أبو الطيب الطبري: ذكر أبو بكر ابن الحداد (4) في كتاب الصداق

(1) الأم 3: 87، والمجموع 13: 86 - 87، والسراج الوهاج: 194، ومغني المحتاج 2: 74 - 75، والمغني
لابن قدامة 4: 292.
(2) المجموع 13: 86، ومغني المحتاج 2: 74، والسراج الوهاج: 194، والمغني لابن قدامة 4: 292.
(3) المجموع 13: 78، وفتح العزيز 9: 156.
(4) محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أبو بكر، ابن الحداد المصري البغدادي، ولد يوم موت المزني وأخذ
الفقه عن أبي سعيد محمد بن عقيل الفريابي وبشر بن نصر وإسماعيل الضرير ويعد من كبار علماء الشافعية، تولى قضاء مصر ودخل بغداد سنة عشر وثلاثمائة واجتمع بالصيرفي والإصطخري، صنف
كتاب الفروع وغيره، توفي يوم الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة خمس وأربعين وقيل سنة أربع
وأربعين وثلثمائة وعاش تسعا وسبعين سنة وشهورا. أنظر طبقات الشافعية الكبرى 2: 112 - 125.
152

نظير هذه المسألة وقال: يتحالفان، فقال: إذا اختلف الزوجان فقال الزوج:
مهرتك أباك، وقالت: مهرتني أمي تحالفا.
وقال: وكذلك إذا قال: مهرتك أباك ونصف أمك، وقالت: بل مهرتني
أمي ونصف أبي تحالفا، قال: ولا يختلف أصحابنا في ذلك، فسقط ما قال
أبو حامد (1).
دليلنا على ما قلناه: أن ها هنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا
عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادعى ابتياع العبد كان عليه البينة،
فإذا عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادعى المشتري أنه
اشترى الجارية كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين، ولا وجه
للتحالف في شئ واحد، ولا دليل عليه.
مسألة 242: إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو
المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع في
الثمن مع اليمين.
وقال الشافعي: يتحالفان (2).
وقال أبو حنيفة: إن كان المبيع في يد وارث البائع تحالفا، وإن كان في يد
وارث المشتري كان القول قوله مع يمينه (3).
دليلنا: على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن: أنهما قد اتفقا على

(1) فتح العزيز 9: 155 - 156.
(2) المجموع 13: 77 - 78، وفتح العزيز 9: 154 - 155، ومغني المحتاج 2: 97.
(3) فتح العزيز 9: 155.
153

البيع، وادعى ورثة البائع ثمنا أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعليه البينة، فإذا
عدمت كان على ورثة المشتري اليمين.
ودليلنا على أن القول قول ورثة البائع في المثمن: أن الأصل أن لا بيع، فمن
ادعى البيع في شئ بعينه فعليه الدلالة، والأصل بقاء ملك البائع على ورثته.
مسألة 243: إذا تلف المبيع قبل القبض للسلعة، بطل العقد. وبه قال
أبو حنيفة والشافعي (1).
وقال مالك: لا يبطل (2).
دليلنا: أنه إذا باع، فإنما يستحق الثمن إذا قبض المبيع، فإذا تلف، تعذر
عليه التسليم، فلا يستحق العوض.
مسألة 244: إذا كان الثمن معينا، فتلف قبل القبض، سواء كان من
الأثمان أو غيرها، بطل العقد. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إن كان من غير الأثمان (4) كقولنا، وإن كان من
الأثمان دراهم أو دنانير لم يبطل (5)، بناء على أصله أن الثمن لا يتعين بالعقد.
دليلنا: أنه إذا عين الثمن وعقد عليه العقد، كان مثل السلعة الباقية في
تعينه، وإنما لم يتعين إذا كان بثمن بالذمة، فالأصل الذي بنى عليه غير مسلم.

(1) اللباب 1: 231، وعمدة القاري 11: 255، وشرح فتح القدير 5: 116، والمجموع 9: 220 و
13: 89، والوجيز 1: 145، وفتح العزيز 8: 398، والسراج الوهاج: 191، ومغني المحتاج 2: 65 -
66، والمحلى 8: 379، والبحر الزخار 4: 368، والمغني لابن قدامة 4: 237.
(2) المدونة الكبرى 4: 181، ومقدمات ابن رشد 2: 563، والمحلى 8: 379، والوجيز 1: 145، وفتح
العزيز 9: 398، وعمدة القاري 11: 255، والبحر الزخار 4: 368.
(3) الوجيز 1: 146، وفتح العزيز 8: 430.
(4) اللباب 1: 254، وشرح فتح القدير 5: 270، وفتح العزيز 8: 430، وبدائع الصنائع 5: 181.
(5) اللباب 1: 254 وشرح فتح القدير 5: 270، وفتح العزيز 8: 430، وبدائع الصنائع 5: 181.
154

مسألة 245: إذا كانت له أجمة يحبس فيها السمك، فحبس فيها سمكا
وباعه، لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون الماء قليلا صافيا يشاهد فيه السمك، ويمكن تناوله من غير
مؤنة، فالبيع جائز بلا خلاف، فإنه مبيع مقدور على تسليمه، وإن كان الماء
كدرا بطل البيع، لأنه مجهول.
والأمر الآخر: أن يكون الماء كثيرا صافيا والسمك مشاهدا إلا أنه لا يمكن
أخذه إلا بمؤنة وتعب حتى يصطاد، فعندنا أنه لا يصح بيعه، إلا بأن يبيعه مع
ما فيه من القصب، أو يصطاد شيئا منه ويبيعه مع ما يبقى فيه، فمتى لم يفعل ذلك
بطل البيع.
وقال أبو حنيفة والشافعي والنخعي: البيع باطل (1)، ولم يفصلوا.
وقال ابن أبي ليلى جائز (2)، وبه قال عمر بن عبد العزيز (3).
دليلنا على جواز بيعه مع شئ آخر: إجماع الفرقة، وعلى بطلانه منفردا أيضا
ذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الغرر (4).
وهذا غرر، ولأن صحة بيعه تحتاج إلى دليل شرعي.

(1) مختصر المزني: 87، وعمدة القاري 11: 264، وفتح العزيز 8: 126، والمغني لابن قدامة 4: 294،
وشرح فتح القدير 5: 191، وتبيين الحقائق 4: 45، وحاشية رد المختار 5: 60.
(2) المغني لابن قدامة 4: 294.
(3) المغني لابن قدامة 4: 294.
(4) صحيح مسلم 3: 1153 حديث 1513، وسنن الترمذي 3: 532 حديث 1230، وسنن الدارقطني
3: 15 حديث 46 و 47، ومسند أحمد بن حنبل 1: 302، وسنن الدارمي 2: 251، وسنن النسائي
7: 262 والموطأ 2: 664 حديث 75، وسنن أبي داود 3: 254 حديث 3376، وسنن ابن ماجة
2: 739 حديث 2194 و 2195، والسنن الكبرى 5: 338، ودعائم الإسلام 2: 21، وعيون أخبار
الرضا 2: 45 حديث 168.
155

مسألة 246: إذا باع عبدا بيعا فاسدا وتقابضا، فأكل البائع الثمن وفلس،
كان على المشتري رد العبد على البائع، وكان أسوة للغرماء. وبه قال أبو العباس
بن سريج (1).
وقال أبو حنيفة أحق بعين العبد - يعني له إمساكه على قبض الثمن،
ويكون ثمنه مقدما على الغرماء - (2).
دليلنا: أنه إنما قبضه على أنه ملكه، فإذا لم يكن ملكا له فعليه رده إلى
مالكه، فمن قال له إمساكه فعليه الدلالة.
مسألة 247: إذا قال لرجل: بع عبدك هذا من فلان بخمسمائة، على أن
علي خمسمائة، قال أبو العباس: بن سريج يحتمل معنيين، أحدهما: البيع باطل،
والثاني: يصح ويكون على الضامن (3).
والذي عندي أن هذا بيع صحيح، لأنه شرط لا ينافي الكتاب والسنة،
والنبي صلى الله عليه وآله قال: " المؤمنون عند شروطهم " (4).
مسألة 248: إذا قال له: بع عبدك منه بألف، على أن على فلان
خمسمائة، فيه مسألتان.
إن سبق الشرط العقد، وعقد البيع مطلقا عن الشرط، لزم البيع ولم يلزم
الضامن شئ.
وإن قارن العقد فقال: بعتك بألف على أن فلانا ضامن خمسمائة، صح

(1) المجموع 9: 377، والشرح الكبير 4: 65، والمغني لابن قدامة 4: 312.
(2) المغني لابن قدامة 4: 312، والمجموع 9: 377، والشرح الكبير 4: 65، والبحر الزخار 4: 384.
(3) المجموع 9: 375، وفتح العزيز 8: 210.
(4) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1146، وكفاية الأخيار
1: 193، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
156

البيع بشرط الضمان، فإن ضمن فلان ذلك مضى، وإن لم يضمن كان البائع
بالخيار، لأنه لم يصح له الضمان. وبه قال أبو العباس (1) وأبو الحسن (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 249: إذا اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه إذا باعها، أو
بشرط أن لا يبيعها، أو لا يعتقها، أو لا يطأها، ونحو هذا كان العقد صحيحا،
والشرط باطلا. وبه قال ابن أبي ليلى، والنخعي، والحسن البصري (3).
وقال أبو حنيفة والشافعي: الشرط والبيع باطلان (4).
وقال ابن شبرمة: البيع جائز، والشرط جائز (5).
دليلنا على صحة البيع: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (6) وهذا بيع.
وعلى بطلان الشرط: إنه مخالف للكتاب والسنة، وكل شرط يخالفهما فهو
باطل.
وأيضا روي أن عائشة اشتريت بريرة بشرط العتق، ويكون ولائها لمواليها،

(1) حكى الصيدلاني لأبي العباس بن سريج في مسألة بنحو ما ذكرها المصنف رحمه الله قائلا: فهل
يصح العقد؟ فيه وجهان انظر المجمع 14: 20 - 21.
(2) الظاهر هو أبو الحسن علي بن مسلم بن محمد بن الفتح بن علي السلمي الدمشقي الشافعي.
(3) عمدة القاري 11: 288، وشرح فتح القدير 5: 214، وبدائع الصنائع 5: 175، والمجموع 9: 376،
وبداية المجتهد 2: 159، والشرح الكبير 4: 61، ومقدمات ابن رشد 2: 545.
(4) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 368 و 376، وفتح العزيز 8: 205، وشرح معاني الآثار 4: 48،
وشرح فتح القدير 5: 214، و 217، وعمدة القاري 11: 289، وبداية المجتهد 2: 159، وبدائع
الصنائع 5: 175، والأشباه والنظائر للسيوطي: 449 و 453، والشرح الكبير 4: 61، ومقدمات ابن
رشد 2: 544.
(5) عمدة القاري 11: 288 - 289، والمجموع 9: 376، وبدائع الصنائع 5: 175، وشرح فتح القدير
5: 214، وبداية المجتهد 2: 159، ومقدمات ابن رشد 2: 545.
(6) البقرة: 275.
157

فأجاز النبي صلى الله عليه وآله البيع وأبطل الشرط، فإنه صعد المنبر وقال:
" ما بال أقوام يشرطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب
الله فهو باطل، كتاب الله أحق، وشروطه أوثق " (1).
مسألة 250: إذا اشترى جارية شراء فاسدا، ثم قبضها فاعتقها، لم يملك
بالقبض ولم ينفذ عتقها، ولا يصح شئ من تصرفه فيها، مثل البيع والهبة
والوقف وغير ذلك، ويجب على ردها على البائع بجميع نمائها المنفصل منها. وبه
قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يملك بالقبض، ويصح تصرفه فيها، ويجب كل واحد
منهما فسخ الملك ورد المبيع على صاحبه (3).
دليلنا على ذلك: أنه إذا كان البيع فاسدا فملك الأول باق لم يزل، وإذا
لم يزل فكل من تصرف في ملكه بغير إذنه يجب أن لا يصح تصرفه، لأنه لا دليل
على صحته.
مسألة 251: إذا اشترى جارية بيعا فاسدا فوطأها، فإنه لا يملكها ووجب
عليه ردها، وعليه إن كانت بكرا عشر قيمتها، وإن كانت ثيبا نصف عشر
قيمتها.
وقال الشافعي: إن كانت ثيبا فمهر مثلها الثيب، وإن كانت بكرا مهر

(1) روي الحديث بألفاظ مختلفة انظرها في صحيح البخاري 3: 95 - 96، وصحيح مسلم 2: 1141
حديث 6، والموطأ 2: 780 حديث 17، والسنن الكبرى 5: 338 وسنن الدارقطني 3: 22 حديث 77.
(2) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 377، وفتح العزيز 8: 212، وشرح فتح القدير 5: 227، وشرح
العناية على الهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 227، وتبيين الحقائق 4: 62.
(3) اللباب 1: 246 - 247، وشرح فتح القدير 5: 227 - 233، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح
فتح القدير 5: 227 و 233، والمجموع 9: 377، وفتح العزيز 8: 212، وتبيين الحقائق 4: 61،
والمحلى 8: 421.
158

البكر وأرش الافتضاض (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم رووا ذلك منصوصا عن الأئمة عليهم
السلام (2)، وإجماعهم حجة.
مسألة 252: إذا حبلت وأتت بولد، كان الولد حرا بالإجماع، وعلى الواطئ
قيمة الولد يوم سقط حيا. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يوم التحاكم (4).
دليلنا على ذلك: أنا أجمعنا على وجوب قيمته يوم سقط حيا، ولا دليل على
وجوب قيمته يوم المحاكمة، والأصل براءة الذمة، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة.
مسألة 253: إذا ملك هذه الجارية فيما بعد بعقد صحيح، وكانت ولدت
منه بالعقد الفاسد، فإنها تكون أم ولده.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه (5).
والثاني: إنها لا تصير أم ولده (6).
دليلنا: أن له ولدا منها، وثبت له نسب إليه نسبا شرعيا، فوجب أن تكون
أم ولده، ولأن ظاهر اللغة والشرع يقتضيه، ومن نفاه فعليه الدلالة.

(1) المجموع 9: 368 و 371، وفتح العزيز 8: 213.
(2) انظرها في الكافي 5: 214 حديث 2 و 3 و 5: 468 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 289 حديث
1377، والتهذيب 7: 61 - 62 حديث 266 و 278، و 7: 244 حديث 1064، والاستبصار 3: 80
حديث 270 و 272.
(3) مختصر المزني: 75 و 87، والمجموع 9: 218 و 368 و 371، وفتح العزيز 8: 213.
(4) النتف 2: 737، واللباب 2: 137، والمبسوط 13: 26، وبدائع الصنائع 5: 302 و 7: 151، وشرح
فتح القدير 7: 364، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 364، والشرح الكبير 5: 431.
(5) المجموع 9: 371، وفتح العزيز 8: 213. (6) المجموع 9: 371 - 372، وفتح العزيز 8: 213.
159

مسألة 254: إذا اشترى من رجل عبدا، وشرط البائع على المشتري أن
يعتقه، كان العقد صحيا والشرط صحيحا. وهو الذي نص عليه الشافعي في
كتبه (1).
وروى أبو ثور عنه أنه قال: الشرط فاسد والبيع صحيح. حكاه القاضي
أبو حامد عنه، والأول هو المشهور (2).
وقال أبو حنيفة: الشرط فاسد والبيع فاسد (3).
دليلنا: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (4). ولأنه لا مانع يمنع
من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
مسألة 255: إذا باع دارا واستثنى سكناها لنفسه مدة معلومة جاز البيع
وثبت الشطر، وكذلك إذا باع دابة واستثنى ركوبها مدة أو مسافة معلومة صح
البيع والشرط. وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق بن خزيمة (5).
وقال مالك: يجوز في مدة يسيرة كاليوم واليومين (6).
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح البيع في جميع ذلك (7).

(1) الأم 3: 88، والمجموع 9: 364 و 366، ومغني المحتاج 2: 33، والسراج الوهاج: 181، والمغني لابن
قدامة 4: 309، والشرح الكبير 4: 62، وعمدة القاري 11: 289، وشرح فتح القدير 5: 214.
(2) المجموع 9: 369، وعمدة القاري 11: 289، وفتح العزيز 8: 211.
(3) اللباب 1: 244، وعمدة القاري 11: 289، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير
5: 214، وشرح فتح القدير 5: 214، والأم 3: 88، والمجموع 9: 366، وفتح العزيز 8: 212، والمغني
لابن قدامة 4: 309، والشرح الكبير 4: 62، وبداية المجتهد 2: 159، وتبيين الحقائق 4: 57.
(4) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(5) المجموع 9: 369 و 378، وفتح العزيز 8: 209، وعمدة القاري 11: 289.
(6) المجموع 9: 378، وعمدة القاري 11: 289.
(7) اللباب 1: 244 - 245، وعمدة القاري 11: 289، وشرح فتح القدير 5: 217، والمجموع 9: 369 و
378، وفتح العزيز 8: 209.
160

دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله " المؤمنون عند شروطهم " (1) وهذا
شرط، ولأنه لا مانع يمنع منه في الشرع من كتاب أو سنة أو إجماع، والأصل
جوازه.
وروى جابر بن عبد الله أنه باع من رسول الله صلى الله عليه وآله جملا
واشترط حملانه إلى أهله بالمدينة (2)، وهذا يدل على جوازه.
مسألة 256: إذا قال: بعتك هذه الدار وأجرتك هذه الدار الأخرى،
فجمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة كان صحيحا، وثبت البيع
والإجارة وهو أصح قولي الشافعي (3).
والقول الآخر: أنهما يبطلان (4).
دليلنا: أن البيع والإجارة مباحان، فمن أبطلهما في حال الاجتماع فعليه
الدلالة.
مسألة 257: إذا باع زرعا بشرط أن يحصده، وكان الزرع مما يجوز بيعه،
إما أن يكون قصيلا أو يكون قد عقد الجب واشتد وهو شعير، لأن بيع سنبل
الشعير جائز، ولا يجوز بيع سنبل لأنه في غلاف، كان البيع صحيحا،
ووجب عليه أن يحصده له.

(1) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(2) روى الشيخ أيضا في أماليه 2: 4 نحوه، وأبو داود في سننه 3: 283 حديث 3503 بألفاظ أخرى.
(3) المجموع 9: 388، والسراج الوهاج: 183، ومغني المحتاج 2: 41 - 42، والمغني لابن قدامة 4: 314 -
315، والشرح الكبير 4: 45.
(4) المجموع 9: 388، والسراج الوهاج: 183، ومغني المحتاج 2: 42، وبداية المجتهد 2: 163، والمغني لابن
قدامة 3: 315، والشرح الكبير 4: 45.
161

وقال أبو إسحاق المروزي: فيه قولان، أحدهما: يبطلان. والثاني: يصحان،
لأنه بيع وإجارة في صفقة واحدة (1).
وقال غيره: لا يصح هذا قولا واحدا (2).
دليلنا: أنه لا مانع منه في الشرع، والأصل جوازه.
وأيضا قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (3) وهذا شرط.
مسألة 258: ما يباع كيلا لا يصح بيعه جزافا وإن شوهد.
وقال الشافعي: إذا قال: بعتك هذه الصبرة، وقد شاهدها، بثمن معلوم
كان صحيحا (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5)، ولأنا أجمعنا على أنه إذا باعه كيلا صح
البيع، ولم يدل دليل على أنه إذا باعه جزافا كان صحيحا.
مسألة 259: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع. وبه
قال الشافعي (6).
وقال أبو حنيفة: لا يصح (7).

(1) المجموع 9: 373، وفتح العزيز 8: 195، والمغني لابن قدامة 4: 227.
(2) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 373، ومغني المحتاج 2: 31، والسراج الوهاج: 180، وفتح العزيز
8: 195، والمغني لابن قدامة 4: 227.
(3) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064 وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(4) المجموع 9: 312، وفتح العزيز 8: 151.
(5) من لا يحضره الفقيه 3: 141 حديث 618، والتهذيب 7: 122 حديث 530 و 531، والاستبصار
3: 102 حديث 355 و 356.
(6) المجموع 9: 313، والوجيز 1: 135، ومغني المحتاج 2: 17، والسراج الوهاج: 175، وفتح العزيز
8: 139 - 140، والبحر الزخار 4: 327.
(7) المبسوط 13: 5، وفتح العزيز 8: 139، والبحر الزخار 4: 327.
162

دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (1) والأصل أيضا جوازه، والمنع
يحتاج إلى دليل.
مسألة 260: إذا قال: بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة بكذا، صح
البيع. وبه قال الشافعي (2).
وقال داود: لا يصح (3).
دليلنا: الآية (4)، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 261: إذا قال: بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع،
إذا لم يرد بمن التبعيض، فإن أراد التبعيض لم يصح، لأن البعض مجهول.
وقال الشافعي: لا يجوز، ولم يفصل (5).
دليلنا على جواز ما قلناه: أن الأصل جوازه، والآية (6) تدل عليه، والمنع
يحتاج إلى دليل.
مسألة 262: إذا قال: بعتك نصف هذه الصبرة، أو ثلثها، أو ربعها،
لا يصح البيع.
وقال الشافعي: يصح (7).
دليلنا: ما قدمناه من أن ما يباع كيلا لا يصح بيعه جزافا، وهذا بيع في غير
كيل، فوجب أن لا يصح.
مسألة 263: إذا قال: بعتك هذه الدار كل ذراع بدينار، كان جائزا. وبه

(1) البقرة: 275.
(2) المجموع 9: 313.
(3) المحلى 9: 20، والمغني لابن قدامة 4: 249، والبحر الزخار 4: 327.
(4) البقرة: 275.
(5) المجموع 9: 313، وكفاية الأخيار 1: 150، وفتح العزيز 8: 143.
(6) البقرة: 275.
(7) المجموع 9: 312، وفتح العزيز 8: 135 و 143.
163

قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز (2).
دليلنا: الآية (3)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 264: إذا قال: هذه الدار مائة ذراع، وقد بعتك عشرة أذرع منها
بكذا، كان جائزا. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع منه. ولا ن عشرة أذرع من
مائة عشرها، فلا فرق بين أن يقول: بعتك عشرها، وبين أن يقول: عشرة أذرع
من مائة.
مسألة 265: إذا قال: بعتك من هذه الدار عشرة أذرع، من موضع معين
إلى حيث ينتهي، كان البيع صحيحا.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه (7). والثاني: أنه لا يصح (8).

(1) المجموع 9: 316، وفتح العزيز 8: 143، والمغني لابن قدامة 4: 249 - 250.
(2) المبسوط 13: 6، وبدائع الصنائع 5: 159، وفتح العزيز 8: 143، والمغني لابن قدامة 4: 250،
واللباب 1: 225 - 226، وشرح فتح القدير 5: 90.
(3) البقرة: 275.
(4) المجموع 9: 316، وفتح العزيز 8: 136 و 143، والمغني لابن قدامة 4: 249 - 250، وشرح فتح
القدير 5: 93.
(5) المبسوط 13: 6، وبدائع الصنائع 5: 159، وفتح العزيز 8: 136 و 143 والمجموع 9: 316، والمغني
لابن قدامة 4: 250، والبحر الزخار 4: 328، وشرح فتح القدير 5: 93، وشرح العناية على الهداية المطبوع
بهامش شرح فتح القدير 5: 93.
(6) البقرة: 275.
(7) المجموع 9: 317، وفتح العزيز 8: 136.
(8) المجموع 9: 316 - 317، وفتح العزيز 8: 136.
164

دليلنا: أنه باعه جزء معلوما من موضع معين، فيجب أن لا يمنع منه مانع،
لأنه ليس بمجهول.
مسألة 266: إذا باع ذراعا معينا من ثوب، كان البيع صحيحا، مثل
ما قلناه في الدار.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال بعضهم مثل ما قلناه (1)، وإليه ذهب
ابن القفال (2) في التقريب، واختاره أبو الطيب الطبري (3).
وقال بعضهم: لا يجوز، ذكره أبو العباس بن القاص (4).
دليلنا: الآية (5)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 267: إذا قال: بعتك هذا السمن مع الظرف كل رطل بدرهم،
كان جائزا.
وقال الشافعي: إن كان وزن كل واحد منهما معلوما، بأن يكون الظرف
ربعا أو سدسا أو غير ذلك كان جائزا، وإن لم يكن كذلك بطل العقد، لأنه إذا
باع موازنة يجب أن يكون مقدار المبيع من كل جنس الذي جعل الثمن في
مقابلته معلوما، وهذا مجهول (6).
دليلنا: الآية (7)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) المجموع 9: 317، وفتح العزيز 8: 137.
(2) أبو الحسن، القاسم بن محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي، فقيه، توفي في حدود
سنة 400 هجرية، انظر طبقات الشافعية الكبرى 2: 314، وطبقات الشافعية لابن هداية الله: 38،
ومعجم المؤلفين 8: 119.
(3) المجموع 9: 317، وفتح العزيز 8: 137.
(4) فتح العزيز 8: 137 - 138 و 144.
(5) البقرة: 275.
(6) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 318 و 319.
(7) البقرة: 275.
165

مسألة 268: إذا اشترى من رجل عشرة أقفزة من صبرة، فكالها على
المشتري وقبضها، ثم ادعى المشتري أنه كان تسعة، كان القول قول البائع مع
يمينه.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما وهو الصحيح مثل ما قلناه (1).
والثاني: إن القول قول المشتري مع يمينه (2).
دليلنا: أن المشتري قد قبض حقه في الظاهر، وإنما يدعي الخطأ في الكيل،
فعليه البينة.
مسألة 269: إجارة الفحل للضراب مكروه، وليس بمحظور، وعقد الإجارة
عليه غير فاسد.
وقال مالك: يجوز. ولم يكرهه (3).
وقال أبو حنيفة والشافعي: إن الإجارة فاسدة، والأجرة محظورة (4).
دليلنا: إن الأصل الإباحة، فمن ادعى الحظر والمنع فعليه الدلالة. فأما
كراهية ما قلناه فعليه إجماع الفرقة وأخبارهم (5).
مسألة 270: بيض ما لا يؤكل لحمه لا يجوز أكله ولا بيعه، وكذلك مني
ما لا يؤكل لحمه. وللشافعي فيه وجهان (6).

(1) المجموع 13: 80، وفتح العزيز 9: 171.
(2) المجموع 13: 79، وفتح العزيز 9: 170.
(3) المدونة الكبرى 4: 427، وفتح العزيز 8: 192، وفتح الباري 4: 461.
(4) المجموع 15: 3 - 4، وفتح العزيز 8: 191، والسراج الوهاج: 179، ومغني المحتاج 2: 30، وفتح
الباري 4: 461.
(5) الكافي 5: 115 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 105 حديث 433، والتهذيب 6: 354
حديث 1009، والاستبصار 3: 58 حديث 190.
(6) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 253.
166

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1)، فإنها تتضمن ذكر البيض، فأما المني
فإنه نجس عندنا، وما كان نجسا لا يجوز بيعه ولا أكله بلا خلاف.
مسألة 271: بيض ما يؤكل لحمه، إذا وجد في جوف الدجاجة الميتة
واكتسى الجلد الفوقاني، فإنه يجوز أكله وبيعه.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: لا يجوز (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، ودلالة الأصل، وقوله تعالى: " وأحل الله
البيع " (4) والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 272: بذر دود القز يجوز بيعه.
وللشافعي فيه وجهان (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 273: يجوز بيع دود القز، وبيع النحل إذا رآها، ثم اجتمعت في بيتها
وحبسها فيه حتى لا يمكنها أن تطير، ثم يعقد البيع عليها. وبه قال الشافعي (7).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيع دود القز، ولا بيع النحل (8).

(1) يستفاد من عموم الأخبار التي رواها الشيخ الكليني في الكافي 5: 124 (باب المكاسب المحرمة) وفي
6: 348 (باب ما يعرف به البيض)، وما رواه السيد المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه: 57، وابن
شعبة في تحف العقول: 333، وما رواه أيضا الشيخ المؤلف قدس سره في التهذيب 6: 369 (باب
أخبار ما لا يجوز التكسب به) حديث 1067 و 1068 وغيرها.
(2) المجموع 2: 570، والمغني لابن قدامة 1: 91، والشرح الكبير 1: 102.
(3) الكافي 6: 258 حديث 3 و 5 والتهذيب 9: 76 و 78 حديث 322 و 324 و 332.
(4) البقرة: 275.
(5) المجموع 9: 253.
(6) البقرة: 275.
(7) المجموع 9: 253، وبدائع الصنائع 5: 144، وفتح العزيز 8: 118، وشرح فتح القدير 5: 198.
(8) بدائع الصنائع 5: 144، والمجموع 9: 253، والمحلى 9: 31، والبحر الزخار 4: 321، والشرح الكبير
4: 9، وشرح فتح القدير 5: 198، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 198،
وحاشية رد المحتار 5: 58.
167

دليلنا: الآية (1)، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 274: لا يجوز بيع العبد الآبق منفردا، ويجوز بيعه مع سلعة أخرى.
وقال الفقهاء بأسرهم: لا يجوز بيعه (2)، ولم يفصلوا.
وحكي عن ابن عمر أنه أجازه (3)، وعن محمد بن سيرين أنه قال: إن لم
يعلم موضعه لم يجز وإن علم موضعه جاز (4).
دليلنا على منع بيعه منفردا: إجماع الفرقة، ولأنه لا يقدر على تسليمه، ولأنه
بيع الغرر، فأما جوازه مع السلعة الأخرى فإجماع الفرقة، ودلالة الأصل، والمنع
يحتاج إلى دليل.
مسألة 275: إذا باع إنسان ملك غيره بغير إذنه، كان البيع باطلا. وبه
قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: ينعقد البيع، ويقف على إجازة صاحبه (6). وبه قال قوم
من أصحابنا (7).
دليلنا: إجماع الفرقة، ومن خالف منهم لا يعتد بقوله، ولأنه لا خلاف أنه
ممنوع من التصرف في ملك غيره، والبيع تصرف.

(1) البقرة: 275.
(2) المجموع 9: 284، والمبسوط 13: 10، والمحلى 8: 391، وبداية المجتهد 2: 156، والمغني لابن قدامة
4: 293، والوجيز 1: 134، وعمدة القاري 11: 264، وفتح الباري 4: 284، وشرح فتح القدير
5: 199.
(3) المجموع 9: 285، والمحلى 8: 391، والمغني لابن قدامة 4: 293.
(4) المحلى 8: 391، والمغني لابن قدامة 4: 293.
(5) المجموع 9: 225 و 261، والوجيز 1: 134، وفتح العزيز 8: 121.
(6) المجموع 9: 261، والوجيز 1: 134.
(7) منهم الشيخ المفيد قدس سره في المقنعة: 94، وابن حمزة في الوسيلة: 707.
168

وأيضا روى حكيم (1)، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع
ما ليس عنده (2)، وهذا نص.
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: " لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما
يملك " (3). فنفى عليه السلام البيع في غير الملك، ولم يفصل.
مسألة 276: لا يجوز بيع الصوف على ظهور الغنم منفردا. وبه قال أبو حنيفة
والشافعي (4).
وقال مالك والليث بن سعد: يجوز (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه بيع الغرر.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يباع الثمرة حتى
يتبين صلاحها، أو يباع صوف على ظهر (6).

(1) حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، كان مولده قبل الفيل بثلاث
عشرة سنة على اختلاف في ذلك، وعاش مائة وعشرين سنة وتوفي سنة أربع وخمسين أيام معاوية،
وشهد بدرا مع الكفار ونجا منهزما، أسد الغابة 2: 40 - 42.
(2) أنظر سنن الترمذي 3: 534 حديث 1232 و 1233 وسنن أبي داود 3: 283 حديث 3503، وترتيب
مسند الشافعي 2: 143 حديث 478، ومسند أحمد بن حنبل 3: 402 و 434، والسنن الكبرى
5: 267، ولفظ الحديث " لا تبع ما ليس عندك " و " نهاني رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم أن
أبيع ما ليس عندي ".
(3) المصنف لعبد الرزاق 6: 417 حديث 11456، وسنن الترمذي 3: 486 حديث 1181، ومسند أحمد
بن حنبل 2: 207، والسنن الكبرى 7: 318، وسنن الدارقطني 4: 14 حديث 42 باختلاف في
الألفاظ.
(4) اللباب 1: 243، وتبيين الحقائق 4: 46، وشرح فتح القدير 5: 192، والمجموع 9: 327 - 328،
والبحر الزخار 4: 321، وحاشية رد المحتار 5: 63.
(5) المجموع 9: 328، والبحر الزخار 4: 321 - 322.
(6) سنن الدارقطني 3: 14 حديث 40، والسنن الكبرى 5: 340.
169

والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
مسألة 277: المسك طاهر يجوز بيعه وشراؤه. وبه قال أكثر الفقهاء (1)،
وفي الناس من قال: نجس لا يجوز بيعه، لأن دم (2).
دليلنا: إن النجاسة حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على نجاسة المسك.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أطيب
الطيب المسك " (3) ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتطيب به، ولم
يكن يتطيب بالنجاسات.
مسألة 278: يجوز بيع المسك في فأرة، والأحوط أن يفتح ويشاهد، وبه
قال ابن سريج (4).
وقال باقي أصحاب الشافعي: لا يجوز بيعه في فأرة حتى يفتح (5).
دليلنا: الآية (6)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 279: يجوز بيع الأعمى وشراؤه، سواء ولد أعمى أو عمي بعد
صحته. وبه قال أبو حنيفة (7).
وقال الشافعي: إن كان ولد أعمى فلا يجوز بيعه وشراؤه في الأعيان، بل
يوكل. وإن كان بصيرا ثم عمى، فإن باع شيئا أو اشتراه ولم يكن رآه فلا يجوز

(1) المجموع 2: 573 و 9: 306، وعمدة القاري 11: 221، وإرشاد الساري 4: 39، وفتح الباري 4: 324.
(2) عمدة القاري 11: 221، والمجموع 9: 306.
(3) أنظر ما روي في صحيح مسلم 2: 849 حديث 45، وسنن النسائي 5: 138، ومسند أحمد بن حنبل
3: 36 و 40 و 62 و 6: 186.
(4) المجموع 9: 306.
(5) مختصر المزني: 87، والمجموع 9: 306، وكفاية الأخيار 1: 154، وإرشاد الساري 4: 63.
(6) البقرة: 275.
(7) اللباب 1: 235، وتبيين الحقائق 4: 28، وشرح فتح القدير 5: 146، وشرح العناية على الهداية
المطبوع في هامش شرح فتح القدير 5: 146، والمجموع 9: 303.
170

بيعه وشراؤه، وإن كان قد رآه فإن كان الزمان يسيرا لا يتغير في العادة، أو كان
الشئ مما لا يفسد في الزمان الطويل مثل الحديد والرصاص جاز بيعه، فإن
وجد على ما رآه فلا خيار له، وإن وجد متغيرا كان بالخيار.
وإن كان الزمان تطاول والشئ مما يتغير، مثل أن يكون عبدا صغيرا
فكبر، أو شجرة صغيرة فكبرت، فإن بيعه لا يجوز، لأن المبيع مجهول الصفة.
هذا إذا قال: إن بيع خيار الرؤية لا يجوز، وإذا قال: أنه يجوز بيع خيار
الرؤية، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأن بيع خيار الرؤية يتعلق برؤيته، وهذا لا يصح في
الأعمى.
والثاني: يجوز ويوكل من يصفه، فإن رضيه قبضه، وإن كرهه فسخ
البيع (1).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (2) ولم يخص. وقوله: " واشهدوا إذا
تبايعتم " (3) ولم يفرق.
وأيضا فإن جماعة من الصحابة كفوا ولم يقل أحد أنهم منعوا من البيع، ولو
منعوا لنقل ذلك.
مسألة 280، إذا نجش بأمر البائع ومواطاته، وهو أن يزيد في السلعة،
ليقتدي به المشتري فيشتريه، يصح البيع بلا خلاف، ولكن للمشتري الخيار.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فقال أبو إسحاق المروزي مثل ما قلناه (4).

(1) مختصر المزني 1: 88، والمجموع 9: 302 - 302 وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 5: 147.
(2) البقرة: 275.
(3) البقرة: 282.
(4) فتح العزيز 8: 225، والمغني لابن قدامة 4: 301.
171

ومنهم من قال: لا خيار له، وهو قول ابن أبي هريرة وظاره قول الشافعي (1).
دليلنا: أن هذا تدليس، وعيب وجب أن يثبت الخيار مثل سائر العيوب.
وإن قلنا: أنه لا خيار له كان قويا، لأن العيب ما يكون بالمبيع، وهذا ليس
كذلك، وللبائع والمشتري حكم نفسه فيما يشتريه دون حكم غيره، فإذا اشترى
مضى شراؤه.
مسألة 281: لا يجوز أن يبيع حاضر لباد، سواء كان بالناس حاجة إلى
ما معهم، أو لم يكن لهم حاجة، فإن خالف أثم، وهو الظاهر من مذهب
الشافعي (2).
وفي أصحابه من قال: إذا لم يكن بهم حاجة إلى ما معهم جاز أن يبيع
لهم (3).
دليلنا: عموم الخبر في النهي عن ذلك من قوله عليه السلام: " لا يبيعن
حاضر لباد " (4).
مسألة 282: تلقي الركبان لا يجوز، فإن تلقى واشترى كان البائع بالخيار
إذا ورد السوق، إلا أن ذلك محدود بأربعة فراسخ، فإن زاد على ذلك كان
جلبا، ولم يكن به بأس.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: لا يجوز، ولم يحده (5).

(1) الأم 3: 91، والمجموع 13: 15، وفتح العزيز 8: 225، ومغني المحتاج 2: 37، والسراج الوهاج:
182، والمغني لابن قدامة 4: 301.
(2) الأم 3: 92، والمجموع 13: 20 و 22، وفتح العزيز 8: 218، ومغني المجازي 2: 36، والسراج الوهاج:
181، وفتح الباري 4: 372.
(3) المجموع 13: 20، وفتح العزيز 8: 218، وفتح الباري 4: 372.
(4) صحيح البخاري 3: 95، والكافي 5: 177 حديث 15.
(5) الأم 3: 93، والمجموع 13: 23، وفتح العزيز 8: 219، ومغني المحتاج 2: 36، والسراج الوهاج:
182، وفتح الباري 4: 374، والمغني لابن قدامة 4: 305.
172

والثاني: ليس له الخيار (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن تلقي الجلب، فإن
تلقى متلق فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق (3). وهذا نص.
مسألة 283: يكره البيع والسلف في عقد واحد، وليس بمحظور ولا فاسد،
وهو أن يبيع دارا على أن يقرض المشتري ألف درهم، أو يقرضه البائع ألف
درهم، وليس ذلك بمحظور.
وقال الشافعي: ذلك حرام (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5). وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
وأيضا البيع صحيح بالانفراد، والقرض صحيح مثله، فمن ادعى أن الجمع
بينهما فاسد فعليه الدلالة.
مسألة 284: من أقرض غيره مالا على أن يأخذه في بلد آخر، ويكتب له
به نسخة كان جائزا.
وقال الشافعي: إذا شرط ذلك كان حراما (6).

(1) الأم 3: 93، والمجموع 13: 23، وفتح العزيز 8: 219، والمغني لابن قدامة 4: 305.
(2) أنظر ذلك في الكافي 5: 169 حديث 4.
(3) سنن أبي داود 3: 269 حديث 3437، وسنن الترمذي 3: 524 حديث 1221.
(4) مختصر المزني: 89، والمجموع 13: 171، وبداية المجتهد 2: 160، وفتح العزيز 9: 384، والمغني لابن
قدامة 4: 314.
(5) الكافي 5: 205 حديث 9 و 12، والتهذيب 7: 52 حديث 226 و 228.
(6) المجموع 13: 170 و 172، والوجيز 1: 158، وفتح العزيز 9: 375، ومغني المحتاج 2: 120، والمغني
لابن قدامة 4: 390، والشرح الكبير 4: 392.
173

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1). وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
مسألة 285: يجوز أن يقرض غيره مالا ويرد عليه بدله خيرا منه من غير
شرط، سواء كان ذلك عادة، أو لم يكن. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي (2).
ومنهم من قال: إذا كان ذلك عادة لا يجوز (3).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة
وأخبارهم (4).
مسألة 286: إذا شرط في القرض أن يرد عليه أكثر منه أو أجود منه فيما
لا يصح فيه الربا، مثلا أن يقول أقرضتك ثوبا بثوبين كان حراما. وهو مذهب
أكثر أصحاب الشافعي (5).
وقال أبو علي في الإفصاح: يجوز ذلك كما يجوز في البيع (6).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله عليه السلام: " كل قرض جر منفعة فهو
ربا " (7).

(1) الكافي 5: 255 - 256 حديث 1 و 2.
(2) المجموع 13: 172 - 173، ومغني المحتاج 2: 119، والسراج الوهاج: 211، والمغني لابن قدامة
4: 392، والشرح الكبير 4: 392.
(3) المجموع 13: 173، وفتح العزيز 9: 376 - 377.
(4) الكافي 5: 253 حديث 1 - 6، ومن لا يحضره الفقيه 3: 180 حديث 815 - 816، والتهذيب 6: 200 حديث
447 - 450.
(5) المجموع 13: 172، والوجيز 1: 158، وفتح العزيز 9: 373 - 374، والسراج الوهاج: 211، ومغني
المحتاج 2: 119.
(6) ذكره النووي في المجموع 13: 172، من دون نسبة.
(7) السنن الكبرى 5: 350، والمطالب العالية 1: 411 حديث 1373، وتلخيص الحبير 3: 34
حديث 1227، وسبل السلام 3: 872.
174

مسألة 287: إذا لم يجد مال القرض بعينه، وجب عليه مثله. وعليه أكثر
أصحاب الشافعي (1).
وفيهم من قال: يجب عليه قيمته كالمتلف (2).
دليلنا: أنه إذا قضى مثله برئت ذمته، وإذا رد قيمته لم يدل دليل على
براءتها.
وأيضا فالذي أخذه عين مخصوصة، فمن نقل إلى قيمتها فعليه الدلالة.
مسألة 288: كلما يضبط بالوصف أو يصح السلم فيه يجوز إقراضه من
المكيل، والموزون، والمذروع، والحيوان وغيره. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز القرض في الثياب، ولا في الحيوان، ولا يجوز إلا فيما
له مثل من المكيل والموزون (4).
دليلنا: عموم الأخبار في جواز القرض، والحث على فعله (5)، والتخصيص
يحتاج إلى دلالة، وأيضا الأصل الإباحة، والحضر يحتاج إلى دليل.
مسألة 289: يجوز استقراض الخبز. وبه قال الشافعي (6).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز (7).

(1) المجموع 13: 174، وفتح العزيز 9: 345 - 346.
(2) المجموع 13: 174.
(3) المجموع 13: 168، والوجيز 1: 158، وفتح العزيز 9: 358، ومغني المحتاج 2: 118، والسراج الوهاج:
211، والمبسوط 14: 32.
(4) المبسوط 14: 31 - 32، والمغني لابن قدامة 4: 385.
(5) انظرها في الكافي 3: 558 حديث 3 وغيره. ومن لا يحضره الفقيه 3: 116 حديث 494، وثواب
الأعمال: 166 حديث 1 - 5.
(6) المجموع 13: 175، وفتح العزيز 9: 365، والسراج الوهاج: 211 والبحر الزخار 4: 393.
(7) المبسوط 14: 31، والمجموع 13: 175، وفتح العزيز 9: 365، والمغني لابن قدامة 4: 389، والشرح
الكبير 4: 389، والبحر الزخار 4: 393.
175

وقال أبو يوسف: يجوز وزنا (1).
وقال محمد يجوز عددا (2).
دليلنا: عموم الأخبار في جواز القرض (3)، ودلالة الأصل.
وأيضا هو إجماع، فإن الناس يستقرضون من عهد النبي صلى الله عليه وآله
إلى يومنا الخبز. من غير تناكر بينهم، فمن خالف خالف الإجماع.
مسألة 290: ليس لأصحابنا نص في جواز إقراض الجواري، ولا أعرف لهم
فيه فتيا، والذي يقتضيه الأصول أنه على الإباحة، ويجوز ذلك سواء كان ذلك
من أجنبي أو من ذي رحم لها، ومتى أقرضها ملكها المستقرض بالقرض، ويجوز
له وطؤها إن لم تكن ذات رحم محرمة. وبه قال داود، ومحمد بن جرير
الطبري (4).
وقال الشافعي: يجوز إقراضها من ذي رحمها، مثل أبيها أو أخيها أو عمها أو
خالها، لأنه لا يجوز لهم وطؤها، فأما الأجنبي ومن يجوز له وطؤها من القرابة
فلا يجوز قولا واحدا (5).
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والحظر يحتاج إلى دليل.
وأيضا الأخبار التي رويت في جواز القرض والحث عليه عامة في جميع
الأشياء (6)، إلا ما أخرجه الدليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الناس مسلطون على

(1) المبسوط 14: 31.
(2) المبسوط 14: 31.
(3) انظرها في الكافي 3: 558 حديث 3، ومن لا يحضره الفقيه 3: 116 حديث 494، وثواب الأعمال: 166
حديث 1 - 5.
(4) المجموع 13: 169، والبحر الزخار 4: 393.
(5) المجموع 13: 169، والوجيز 1: 158، وفتح العزيز 9: 363، والبحر الزخار 4: 393.
(6) تقدمت الإشارة إليها في هامش المسألتين السابقتين فلاحظ.
176

أموالهم " (1). وقال: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه " (2).
وقال الله تعالى: " أوفوا بالعقود " (3) والقرض عقد بلا خلاف.
مسألة 291: المستقرض يملك القرض بالقبض.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فمنهم من قال مثل ما قلناه (4). ومنهم
من قال: يملك بالتصرف فيه (5).
دليلنا على أنه يملك بالقبض: أنه إذا قبض، جاز له التصرف فيه، فلو لم
يملكه لم يجز له التصرف فيه.
مسألة 292: يجوز للمستقرض أن يرد مال القرض على المقرض بلا خلاف،
وأما المقرض فعندنا أن له الرجوع فيه.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه (6).
ومنهم من قال: إن قلنا يملك بالقبض، فليس له الرجوع، وإن قلنا: يملك
بالتصرف، فليس له الرجوع بعد التصرف (7).
دليلنا: أنه عين ماله، فكان له الرجوع فيه، لأن المنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 293: من كان له على غيره دين من ثمن متاع حالا، أو أجرة، أو
صداقا، فحط منه شيئا، أو حط جميعه، كان جائزا، وإن أجله لم يصر مؤجلا
ويستحب له الوفاء به، سواء كان ذلك ثمنا، أو أجرة، أو صداقا، أو كان

(1) السنن الكبرى 6: 100، وسنن الدارقطني 3: 26 حديث 91.
(2) لم أقف على مصدر هذا الحديث في الوقت الحاضر سوى ما رواه مرسلا العلامة الحلي في التذكرة
1: 489، وما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي فلاحظ.
(3) المائدة: 1.
(4) المجموع 13: 166، والوجيز 1: 159، وفتح العزيز 9: 388، ومغني المحتاج 2: 120، والسراج الوهاج: 211
(5) الوجيز 1: 159، والمجموع 13: 166، ومغني المحتاج 2: 120، وفتح العزيز 9: 388، والسراج الوهاج: 211
(6) المجموع 13: 167، وفتح العزيز 9: 398، والسراج الوهاج: 311، ومغني المحتاج 2: 120.
(7) المجموع 13: 167، وفتح العزيز 9: 398، ومغني المحتاج 2: 120.
177

قرضا، أو أرش جناية، وإن اتفقا على الزيادة لم يصح ولم يثبت، وإن حط من
الثمن شيئا أو حط جميعه كان ذلك إبراء ولا يلحق بالعقد، ويكون إبراء في
الوقت الذي أبرأه فيه. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: التأجيل يثبت في الثمن والأجرة والصداق، ويلحق
بالعقد، وكذلك الزيادة. وأما الحط فينظر فيه، فإن كان لبعض الثمن لحق
بالعقد، وإن كان لجميع الثمن لم يلحق بالعقد، وكان إبراء من الوقت الذي
أبرأه منه.
قال: وأما في الدين من جهة القرض أو أرش الجناية فإنه لا يثبت فيهما
التأجيل ولا الزيادة بحال (2).
وقال مالك: يثبت التأجيل في الجميع من الثمن، والأجرة والصداق
والقرض وأرش الجناية، وقال في الزيادة مثل قول أبي حنيفة (3).
دليلنا: أنه إذا ثبت الحق بأحد الأسباب المتفق عليه، فالزيادة عليه،
وإلحاقها به يحتاج إلى دلالة، والأصل عدمها.
مسألة 294: لا يصح بيع الصبي وشراؤه، سواء أذن له فيه الولي أو لم يأذن.
وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إن كان بإذن الولي صح، وإن كان بغير إذنه وقف على
إجازة الولي (5).
دليلنا: إن البيع والشراء حكم شرعي، ولا يثبت إلا بشرع، وليس فيه
ما يدل على أن بيع الصبي وشراؤه صحيحان.

(1) المجموع 13: 165، والمغني لابن قدامة 4: 384، والشرح الكبير 4: 387.
(2) المجموع 13: 165، والمغني لابن قدامة 4: 384، والشرح الكبير 4: 387.
(3) المجموع 13: 165، والمغني لابن قدامة 4: 384، والشرح الكبير 4: 387.
(4) المجموع 9: 158، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 106، وكفاية الأخيار 1: 147.
(5) الفتاوى الهندية 3: 154، وحاشية رد المختار 5: 102، والمجموع 9: 158، وفتح العزيز 8: 106،
وبدائع الصنائع 5: 150.
178

وأيضا قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: " عن المجنون حتى يفيق،
وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ " (1).
مسألة 295: الولي إذا كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقل
الأمرين من كفايته، أو أجرة مثله ولا يجب عليه القضاء.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني أن عليه القضاء (2).
دليلنا: قوله تعالى: " ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف " (3) ولم يوجب
القضاء.
مسألة 296: لا يصح شراء العبد بغير إذن مولاه بثمن في ذمته. وبه قال
أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي (4).
وقال ابن أبي هريرة: يصح (5).
دليلنا: قوله تعالى: " عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " (6) والبيع من جملة
الأشياء، فوجب أن لا يكون قادرا عليه.
مسألة 297: إذا أذن المولى للعبد في التجارة، فركبه دين، فإن كان أذن له
في الاستدانة قضى مما في يده من المال، وإن لم يكن في يده مال كان على المولى
القضاء عنه، وإن لم يكن أذن له في الاستدانة كان ذلك في ذمته، يطالب به

(1) اختلفت ألفاظ الحديث، وأسانيده كثيرة، والمعنى واحد، انظر ما روي في سنن أبي داود 4: 141
حديث 4403، وسنن ابن ماجة 1: 658 حديث 2041، ومسند أحمد بن حنبل 6: 100، والخصال:
93 حديث 40، وتكملة المجموع 20: 290.
(2) المجموع 13: 357، والوجيز 1: 177، وفتح العزيز 10: 293، والمغني لابن قدامة 4: 319.
(3) النساء: 6.
(4) المجموع 14: 396، وفتح العزيز 9: 143.
(5) المجموع 14: 396، وفتح العزيز 9: 142 - 143.
(6) النحل: 75.
179

إذا أعتق.
وقال الشافعي: متى أذن له في التجارة، فركبه دين، فإن كان في يده مال
قضى عنه، وإن لم يكن في يده مال يقضى منه كان في ذمته يتبع به إذا أعتق،
ولا يباع فيه (1).
وقال أبو حنيفة: يباع العبد فيه إذا طالبه الغرماء ببيعه (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها (3).
وأيضا فقد ثبت أن العبد لا يملك، فإذا أذن له في التجارة فركبه الدين
فلا يجوز أن يباع فيه، لأن ملك الغير، وإيجاب بيعه والقضاء به يحتاج إلى دلالة،
والشرع خال منه، والأصل براءة الذمة.
مسألة 298: إذا أقر العبد على نفسه بجناية توجب القصاص عليه، أو
الحد، لا يقبل إقراره في حق المولى، ولا يقتص منه ما دام مملوكا. وبه قال زفر،
والمزني، وداود، وابن جرير (4).
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يقبل إقراره ويقتص منه (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إقراره على نفسه يتضمن إقرارا على الغير،
لأنه ملك الغير، فإذا أقر بما يوجب القصاص كان ذلك إقرارا بإتلاف مال
الغير، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 299: إذا أقر العبد بسرقة توجب القطع، لا يقبل إقراره.

(1) المجموع 14: 396، والوجيز 1: 152، وفتح العزيز 9: 137 - 138.
(2) الوجيز: 152.
(3) التهذيب 6: 200 حديث 445. وانظرها في الكافي 5: 303 حديث 3، والاستبصار 3: 11 حديث 31.
(4) فتح العزيز 11: 93.
(5) الأم 6: 217، والمجموع 20: 290، وفتح العزيز 11: 93، والسراج الوهاج: 255، ومغني المحتاج
2: 239.
180

وقال الشافعي: يقبل إقراره قولا واحدا، وتقطع يده (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 300: إذا أقر العبد بمال وقد تلف المال، لا يقبل إقراره.
وقال الشافعي: إن كان تالفا فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه، وهو
الصحيح عندهم. والثاني: يقبل إقراره (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 301: إذا أقر العبد بمال في يده لغير سيده، لا يقبل إقراره.
وقال ابن سريج: فيه قولان (3).
وفي أصحابه من قال: لا يقبل إقراره قولا واحدا (4).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 302: يجوز بيع كلاب الصيد، ويجب على قاتلها قيمتها إذا كانت
معلمة، ولا يجوز بيع غير الكلب المعلم على حال.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز بيع الكلاب مطلقا، إلا أنه مكروه. فإن باعه
صح البيع ووجب الثمن، وإن أتلفه متلف لزمته قيمته (5).

(1) المجموع 20: 290، والوجيز 1: 195، وفتح العزيز 11: 92 - 93، والسراج الوهاج: 255، ومغني
المحتاج 2: 239.
(2) المجموع 20: 291، والوجيز 1: 195، وفتح العزيز 11: 93، ومغني المحتاج 2: 239.
(3) فتح العزيز 11: 93.
(4) مختصر المزني: 89، المجموع 20: 291، وفتح العزيز 11: 93.
(5) تبيين الحقائق 4: 125 - 126، وشرح فتح القدير 5: 357، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح
فتح القدير 5: 357، والفتاوى الهندية 3: 114، وبداية المجتهد 2: 126، والأم 13: 11، والمجموع
9: 228، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 113، وكفاية الأخيار 1: 148، ومغني المحتاج 2: 11،
والمغني لابن قدامة 4: 324، والشرح الكبير 4: 15، والسراج الوهاج: 173، والبحر الزخار
4: 307، وبدائع الصنائع 5: 142 - 143.
181

وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلاب معلمة كانت أو غير معلمة، ولا يجب
على قاتلها القيمة (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى:
" وأحل الله البيع " (2) وقوله: " إلا أن تكون تجارة عن تراض " (3) ولم يفصل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا
كلب الصيد (4). وهذا نص.
مسألة 303: يجوز إجارة كلب الصيد.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال: لا يجوز إجارته مطلقا، وهو
الصحيح عندهم (5).
ومنهم من قال: يجوز إجارته، ذهب إليه أبو العباس بن القاص في
التلخيص (6).
دليلنا: إنا قد دللنا على جواز بيعه، وكل من قال بجواز بيعه قال بجواز
إجارته.

(1) الأم 3: 11 - 12، والمجموع 9: 225 و 228، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 112 - 113، وبداية
المجتهد 2: 126، والمغني لابن قدامة 4: 324، والشرح الكبير 4: 15، وتبيين الحقائق 4: 125، وشرح
فتح القدير 5: 358، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 358، والبحر الزخار
4: 307، وبدائع الصنائع 5: 142 - 143.
(2) البقرة: 275.
(3) النساء: 29.
(4) سنن الدارقطني 3: 73 حديث 276 و 277، وسنن النسائي 7: 309، والدراية في تخريج أحاديث
الهداية 2: 161 حديث 807، والمصنف لعبد الرزاق 4: 280.
(5) المجموع 9: 231 و 15: 3، والوجيز 1: 230، وفتح العزيز 12: 232، ومغني المحتاج 2: 335، والسراج
الوهاج: 288، والمغني لابن قدامة 4: 325.
(6) لعدم وجود كتاب التلخيص في أيدينا انظر قوله في المجموع 9: 231 و 15: 3، والوجيز 1: 230، وفتح
العزيز 12: 232، والمغني لابن قدامة 4: 325.
182

مسألة 304: يجوز اقتناء الكلب لحفظ البيوت.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه. وهو الصحيح عند محصليهم (1).
ومنهم من قال لا يجوز، لأن السنة خصت كلب الصيد، والماشية،
والزرع (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (3).
مسألة 305: يجوز اقتناء الكلب لحفظ الماشية، أو الحرث، أو الصيد إن
احتاج إليه، وإن لم يكن له في الحال ماشية ولا حرث.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (4). والثاني: أنه لا يجوز (5).
وقالوا في تربية الجرو - وهو فرخ الكلب - أيضا وجهان (6).
دليلنا: ظواهر الأخبار (7)، ولأن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 306: القرد لا يجوز بيعه.
وقال الشافعي: يجوز بيعه (8).

(1) المجموع 9: 234، ومغني المحتاج 2: 11، والمغني لابن قدامة 4: 326، والشرح الكبير 4: 16.
(2) الأم 3: 11، ومختصر المزني: 90، والمجموع 9: 234، ومغني المحتاج 2: 11، وسبل السلام 4: 1399.
(3) أنظر الكافي 5: 126 حديث 2 و 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 105 حديث 434 و 435، والتهذيب
6: 356 حديث 1016 و 1017 و 7: 135 حديث 599 و 9: 80 حديث 340 و 342 و 344.
(4) مختصر المزني: 90 والمجموع 9: 234، ومغني المحتاج 2: 11، والمغني لابن قدامة 4: 326.
(5) الأم 3: 11، والمجموع 9: 234، ومغني المحتاج 2: 11.
(6) المجموع 9: 234، ومغني المحتاج 2: 11.
(7) تقدمت الإشارة إلى عموم الأخبار في المسألة المتقدمة " 304 " فلاحظ.
(8) المجموع 9: 240، وفتح العزيز 8: 118، والمغني لابن قدامة 4: 328، والشرح الكبير 4: 11.
183

دليلنا: إجماع الفرقة على أنه مسخ نجس، وما كان كذلك لا يجوز بيعه
بالاتفاق.
مسألة 307: لا يجوز بيع الغراب الأبقع إجماعا، والأسود عندنا مثل ذلك،
سواء كانت كبارا أو صغارا.
وقال الشافعي: الصغار منها على وجهين (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم فإنها عامة (2).
مسألة 308: لا يجوز بيع شئ من المسوخ مثل القرد، والخنزير، والدب،
والثعلب، والأرنب، والذئب، والفيل وغير ذلك مما سنبينه.
وقال الشافعي: كلما ينتفع به يجوز بيعه مثل القرد، والفيل، وغير ذلك (3).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا قوله عليه السلام: " إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه " (4).
وهذه الأشياء محرمة اللحم بلا خلاف إلا الثعلب، فإن فيه خلافا، وهذا نص.
مسألة 309: الزيت النجس لا يمكن تطهيره بالغسل.
واختلف أصحاب الشافعي فيه:
فقال أبو إسحاق المروزي، وأبو العباس بن سريج: يمكن غسله وتنظيفه،
وهل يجوز بيعه؟ فيه وجهان، والصحيح عندهم أنه لا يجوز (5).

(1) المجموع 9: 18، وفيه التفصيل في حرمة أكله، وما حرم أكله حرم بيعه فلاحظ.
(2) يستفاد ذلك مما رواه السيد المرتضى في رسالته المحكم والمتشابه: 57، والشيخ الصدوق في الخصال:
297 حديث 66.
(3) الأم 3: 11 - 12، والمجموع 9: 240، والوجيز 1: 134، وكفاية الأخيار 1: 148، وفتح العزيز
8: 118، والمغني لابن قدامة 4: 328، والشرح الكبير 4: 10.
(4) سنن الدارقطني 3: 7 حديث 20.
(5) المجموع 9: 237 - 238، وفتح العزيز 8: 114، وبداية المجتهد 2: 126.
184

وقال أبو علي ابن أبي هريرة في الإفصاح: من أصحابنا من قال: لا يصح
غسله كالسمن (1).
دليلنا: إنا قد علمنا نجاسته بالاتفاق، وطريق تطهيره الشرع، وليس في
الشرع ما يدل عليه.
مسألة 310: سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه.
وقال أبو حنيفة: يجوز بيع السراجين (2).
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها. ولم يفصلا (3).
دليلنا: على جواز ذلك أنه طاهر عندنا، ومن منع منه فإنما منع لنجاسته،
ويدل على ذلك بيع أهل الأمصار في جميع الأعصار لزروعهم وثمارهم، ولم نجد
أحدا كره ذلك، ولا خلاف فيه، فوجب أن يكون جائزا.
وأما النجس منه، فلدلالة إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إن الله تعالى إذا حرم شيئا
حرم ثمنه " (4). وهذا محرم بالإجماع، فوجب أن يكون بيعه محرما.
مسألة 311: لا يجوز بيع الخمر. وبه قال الشافعي (5).

(1) أشار إلى هذا القول النووي في مجموعه 9: 238 فلاحظ.
(2) بدائع الصنائع 5: 144، وشرح فتح القدير 5: 203 و 357، والفتاوى الهندية 3: 116، وحاشية رد
المحتار 5: 58، والمجموع 9: 230، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 113، والمغني لابن قدامة
4: 327، والشرح الكبير 4: 16.
(3) المجموع 9: 230، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 113، والمغني لابن قدامة 4: 327، والشرح
الكبير 4: 16.
(4) سنن الدارقطني 3: 7 حديث 20.
(5) المجموع 9: 227، وفتح العزيز 8: 113، وكفاية الأخيار 1: 148، والمغني لابن قدامة 4: 307، وشرح
فتح القدير 5: 213.
185

وقال أبو حنيفة: يجوز أن يوكل ذميا ببيعها وشرائها (1).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روي عن عائشة أنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وآله حرم
التجارة في الخمر (2).
وروي عنه أنه قال: " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " (3).
وروى ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبريل
فقال: يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه
وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها (4).
وروى جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفتح بمكة يقول:
" إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " فقيل: يا رسول الله
أفرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها
الناس؟ فقال: " لا، هو حرام " ثم قال: " قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم
عليهم شحومها، جملوها (5)، ثم باعوها فأكلوا ثمنها " (6).

(1) شرح فتح القدير 5: 213، وتبيين الحقائق 4: 56، والفتاوى الهندية 3: 115، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 213، والمجموع 9: 227، والمغني لابن قدامة 4: 307، والبحر
الزخار 4: 308 - 309.
(2) أنظر ما رواه مسلم في صحيحه 3: 1206 حديث 70، والدارمي في سننه 2: 255، وابن ماجة في
سننه 2: 1122 حديث 3382، والنسائي في سننه 6: 308، وأبو داود في سننه 3: 280 حديث 3490.
(3) صحيح مسلم 3: 1206 ذيل الحديث 68، والموطأ 2: 846 حديث 12، وسنن الدارمي 2: 115 و
256، وسنن النسائي 7: 308.
(4) مسند أحمد بن حنبل 1: 316، ورواه الترمذي في سننه 3: 589 حديث 1295 عن أنس باختلاف
يسير في اللفظ.
(5) جملت الشحم وأجملته: إذا أذبته واستخرجت دهنه. وجملت أفصح
من أجملت. قاله ابن الأثير في النهاية 1: 298 مادة (جمل).
وفي بعض النسخ المعتمدة وكذا في بعض ألفاظ الأحاديث " حملوها " بدلا من " جملوها ".
(6) صحيح مسلم 3: 1207 حديث 71، وسنن الترمذي 2: 591 حديث 1297، ورواه النسائي في سننه
7: 309، وأبو داود في سننه 3: 279 حديث 3486 باختلاف يسير في ألفاظه.
186

مسألة 312: يجوز بيع الزيت النجس لمن يستصبح به تحت السماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه مطلقا (1).
وقال مالك والشافعي: لا يجوز بيعه بحال (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، وأيضا قوله تعالى: " وأحل الله البيع
وحرم الربا " (4) وقوله: " إلا أن تكون تجارة عن تراض " (5) وهذا بيع وتجارة.
وأيضا دلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى أبو علي ابن أبي هريرة في الإفصاح أن النبي صلى الله عليه وآله أذن
في الاستصباح بالزيت النجس (6)، وهذا يدل على جواز بيعه للاستصباح، وأن
لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب.
مسألة 313: يجوز بيع لبن الآدميات، وبه قال الشافعي وأحمد (7).
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز (8).

(1) شرح فتح القدير 5: 357، وحاشية رد المختار 5: 73، والفتاوى الهندية 3: 116، وأحكام القرآن
للجصاص 1: 118، والمجموع 9: 238، وفتح العزيز 8: 116 - 117، وبداية المجتهد 2: 126.
(2) المجموع 2: 599، و 9: 38 و 9: 238، والوجيز 1: 133، وفتح العزيز 8: 117، وأحكام القرآن
للجصاص 1: 118، وبداية المجتهد 2: 126.
(3) التهذيب 7: 129 حديث 562 و 563.
(4) البقرة: 275.
(5) النساء: 29.
(6) أقول: لم يكن كتاب الإفصاح من الكتب المتوفرة بأيدينا، ولكن يدل على ذلك أيضا ما روي عن
أئمة الهدى عليهم أفضل التحية والسلام الجواز في بيعه، انظر قرب الإسناد: 60، والكافي 6: 261
حديث 1 و 2، والتهذيب 9: 85 حديث 360 و 362.
(7) المجموع 9: 254، وفتح العزيز 8: 121، والمغني لابن قدامة 4: 330، والشرح الكبير 4: 14، وبدائع
الصنائع 5: 145، وشرح فتح القدير 5: 201، وتبيين الحقائق 4: 50، وبداية المجتهد 2: 127.
(8) بدائع الصنائع 5: 145، وشرح فتح القدير 5: 201، وحاشية رد المحتار 5: 71، والفتاوى الهندية
3: 116، وتبيين الحقائق 4: 50، والمجموع 9: 254، وفتح العزيز 8: 121، والمغني لابن قدامة
4: 330، والشرح الكبير 4: 14.
187

دليلنا: الآية (1)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 314: يجوز بيع لبن الأتن (2).
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد ثبت عندنا أن لحم الحمار غير محرم، بل هو
مباح، وكل من قال بإباحته قال بجواز بيع لبنه.
مسألة 315: إذا اشترى كافرا عبدا مسلما، لا ينعقد الشراء، ولا يملكه
الكافر. وبه قال الشافعي في الإملاء (3).
وقال في الأم: يصح الشراء ويملكه، ويجبر على بيعه (4). وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه (5).
دليلنا: قوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " (6) وهذا
عام في جميع الأحكام.
مسألة 316: لا يجوز بيع رباع مكة وإجارتها، وبه قال أبو حنيفة ومالك (7).
وقال الشافعي: يجوز (8).

(1) البقرة: 275.
(2) الأتان: الحمارة الأنثى خاصة. النهاية: 1: 21 مادة (أتن).
(3) المجموع 9: 355، وفتح العزيز 8: 108، والمغني لابن قدامة 4: 332، والشرح الكبير 4: 47.
(4) حكي في المجموع 9: 355، وفتح العزيز 8: 107 عن الأم أيضا.
(5) الفتاوى الهندية 3: 115، والمغني لابن قدامة 4: 332، والشرح الكبير 4: 47، وفتح العزيز 8: 108،
والبحر الزخار 4: 301.
(6) النساء: 141.
(7) بدائع الصنائع 5: 146، والفتاوى الهندية 3: 114، وأحكام القرآن للجصاص 3: 229، والمغني
لابن قدامة 4: 330، والشرح الكبير 4: 22، والمجموع 9: 248.
(8) المجموع 9: 248، والمغني لابن قدامة 4: 330، والشرح الكبير 4: 23، وبدائع الصنائع.
188

دليلنا: قوله تعالى: " إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد
الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد " (1).
والمسجد الحرام، اسم لجميع الحرم بدلالة قوله تعالى: " سبحان الذي
أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " (2)، وإنما أسرى به
من بيت خديجة (3)، وروي من شعب أبي طالب (4)، فسماه مسجدا، فدل على
ما قلناه.
وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: الحرم كله مسجد.
ويدل على أن بيعها وإجارتها لا يجوز: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام
أجرة بيوتها " (5) وهذا نص.
وروي عن علقمة بن نضلة الكندي (6) أنه قال: كانت تدعى بيوت مكة
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر: السوائب لا تباع من
احتاج سكن، ومن استغنى أسكن (7).

(1) الحج: 25.
(2) الإسراء: 1.
(3) رواه القطب الراوندي في الخرائج والجرائح: 15 (الطبعة الحجرية)، وحكاه عنه الشيخ المجلسي في
البحار 18: 378 حديث 84 عنه. وحكى أيضا في ص 380 عن السدي والواقدي أنه كان في بيت خديجة.
(4) رواه ابن سعد في طبقاته الكبرى 1: 214، والسيوطي في الدر المنثور 4: 149.
(5) سنن الدارقطني 3: 57 حديث 223، والمستدرك على الصحيحين 2: 53.
(6) علقمة بن نضلة بن عبد الرحمن بن علقمة الكناني، ويقال: الكندي، سكن مكة، روى عثمان بن
أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وأبو بكر وعمر وما
تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن. وقال ابن مندة ذكر في
الصحابة وهو من التابعين. قال ابن الأثير الجزري في أسد الغابة 4: 13 - 15.
(7) سنن الدارقطني 3: 58 حديث 230، وسنن ابن ماجة 2: 1037 حديث 3107، وأحكام القرآن
للجصاص 3: 229.
189

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " منى مناخ من سبق " (1).
وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم، وهي كثيرة أوردناها في الكتاب
الكبير (2)، ولا أعرف خلافا بينهم في ذلك.
مسألة 317: إذا وكل مسلم كافرا في شراء عبد مسلم، لم يصح ذلك.
وللشافعي فيه قولان (3).
دليلنا: قوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " (4).
وهذا عام في جميع الأحكام.
مسألة 318: إذا قال كافر لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي، فأعتقه، لم
يصح إذا كان مسلما، وإن كان كافرا يصح.
وقال الشافعي: يصح على كل حال، ويدخل في ملكه، ويخرج منه
بالعتق (5)، ولم يفصل.
دليلنا: أنا قد بينا أن الكافر لا يصح أن يملك المسلم، والعتق فرع على
الملك، فإذا لم يصح ملكه لم يصح عتقه.
وإذا كان كافرا جاز أن يملكه، فيصح عتقه، فينتقل إليه بالملك ثم ينعتق.
مسألة 319: إذا استأجر كافر مسلما العمل في الذمة، صح بلا خلاف.
وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل له عملا، صح أيضا عندنا.
واختلف أصحاب الشافعي، ففيهم من قال: فيه قولان كالشراء (6).

(1) المستدرك على الصحيحين 1: 467.
(2) لم نقف عليها في موارد مظانها في كتاب التهذيب، وانظر ما روي في قرب الإسناد: 52 و 65.
(3) المجموع 9: 356، وفتح العزيز 8: 110.
(4) النساء: 141.
(5) المجموع 9: 358، وفتح العزيز 8: 108.
(6) المجموع 9: 359، وفتح العزيز 8: 108.
190

ومنهم من قال: لا يصح قولا واحدا (1).
دليلنا: إن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 320: إذا اشترى رجل من غيره عبدا فقبضه، ثم ظهر به عيب، فإنه
يرده بكل عيب يظهر فيه في مدة الثلاثة أيام من حين العقد.
وما يظهر بعد الثلاث فإنه لا يرده منه إلا بثلاثة عيوب: الجنون، والجذام،
والبرص فإنه يرده بها إلى سنة، ولا يرده بعد سنة بشئ من العيوب.
وقال الشافعي: لا يرده بشئ من العيوب التي تحدث بعد القبض (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وأيضا فقد بينا فيما تقدم أن الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط،
وإذا ثبت ذلك فكل عيب يحدث في مدة الثلاثة للمشتري الخيار فيه.
وأيضا روى الحسن البصري، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه
وآله قال: " عهدة الرقيق ثلاثة أيام " (4).
مسألة 321: إذا رهن المبيع قبل قبضه من البائع صح رهنه.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو نص الشافعي في التلخيص (5).
والآخر: لا يصح إلا بعد القبض (6).
دليلنا: إنا قد بينا أنه يملك بالعقد، فإذا ثبت ذلك فلا مانع يمنع من إرهانه
ما يملكه، ولا دليل عليه.

(1) المجموع 9: 359.
(2) الأم 3: 69، والمجموع 12: 127، وفتح العزيز 8: 331.
(3) انظرها في الكافي 5: 170 حديث 4 و 6، ومن لا يحضره الفقيه 3: 126 حديث 549، والتهذيب
7: 23 - 24 حديث 99 و 103.
(4) سنن الدارمي 2: 251، وسنن أبي داود 3: 284 حديث 3506، ومسند أحمد بن حنبل 4: 152.
(5) المجموع 13: 205.
(6) المجموع 13: 205.
191

كتاب السلم
193

مسألة 1: يجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت المحل.
وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق (1).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، إلا أن يكون جنسه موجودا في حال العقد والمحل
وما بينهما (2). وبه قال الثوري والأوزاعي (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وروى عبد الله بن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة
وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
" من سلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم " (5).

(1) المدونة الكبرى 4: 29، ومقدمات ابن رشد 2: 513، وبداية المجتهد 2: 202، والمجموع 13: 98 و
109، ومغني المحتاج 2: 106، والوجيز 1: 155، وكفاية الأخيار 1: 161، والمغني لابن قدامة
4: 361، والشرح الكبير 4: 361، والمحلى 9: 114، وشرح فتح القدير 5: 331 و 335، وتبيين
الحقائق 4: 113، وعمدة القاري 12: 67، وبدائع الصنائع 5: 211.
(2) اللباب 1: 260، وبدائع الصنائع 5: 211، وتبيين الحقائق 4: 113، والفتاوى الهندية 3: 180،
وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 331، والمبسوط 12: 124، والمجموع 3: 98
و 109، وبداية المجتهد 2: 202 والمحلى 9: 114، والمغني لابن قدامة 4: 361، والشرح الكبير 4: 361.
(3) المحلى 9: 114، وبداية المجتهد 2: 202، والمغني لابن قدامة 4: 361، والشرح الكبير 4: 361،
وعمدة القاري 12: 67، وشرح فتح القدير 5: 331.
(4) أنظر الكافي 5: 184، ومن لا يحضره الفقيه 3: 168، والتهذيب 7: 27، والاستبصار 3: 75.
(5) سنن الترمذي 3: 602، وروي في صحيح البخاري 3: 111، وصحيح مسلم 3: 1227، وسنن
أبي داود 3: 275 حديث 3463، وسنن النسائي 7: 290، وسنن ابن ماجة 2: 765 حديث 2280،
والسنن الكبرى 6: 24 باختلاف يسير في ألفاظها.
195

وأقرهم على ما كانوا عليه من السلف في التمر سنتين، ونحن نعلم أن التمر ينقطع
في خلال هذه المدة.
مسألة 2: إذا أسلم في رطب إلى أجل، فلما حل الأجل لم يتمكن من
مطالبته لغيبة المسلم إليه، أو لغيبته، أو هرب منه، أو توارى من سلطان،
وما أشبه ذلك ثم قدر عليه وقد انقطع الرطب، كان المسلف بالخيار بين أن
يفسخ العقد وبين أن يصبر إلى العام القابل.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم (1).
والآخر: أن العقد ينفسخ (2).
دليلنا: أن هذا العقد كان ثابتا بلا خلاف، فمن حكم بانفساخه فعليه
الدلالة.
مسألة 3: السلم لا يكون إلا مؤجلا، ولا يصح أن يكون حالا، قصر الأجل
أم طال. وبه قال أبو حنيفة (3).
وقال الشافعي: يصح أن يكون حالا إذا اشترط ذلك، أو يطلق فيكون
حالا (4).

(1) الأم 3: 137 - 138، ومختصر المزني: 90، والمجموع 13: 158، والوجيز 1: 155، وكفاية الأخيار.
1: 161، وبداية المجتهد 2: 203، والمغني لابن قدامة 4: 361، والشرح الكبير 4: 361، وفتح العزيز
9: 245.
(2) مختصر المزني 90، والمجموع 13: 158، وكفاية الأخيار 1: 161، وفتح العزيز 9: 245.
(3) المبسوط 12: 125، واللباب 1: 261، والفتاوى الهندية 3: 180، وبدائع الصنائع 5: 212، وعمدة
القاري 12: 63، وشرح فتح القدير 5: 335، والمغني لابن قدامة 4: 355، والشرح الكبير 4: 354،
وبداية المجتهد 2: 201، وفتح القدير 9: 226.
(4) الأم 3: 97، والمجموع 13: 107 - 108 و 140، والوجيز 1: 154، وفتح العزيز 9: 226، وكفاية
الأخيار 1: 158، والسراج الوهاج: 206، ومغني المحتاج 2: 105، وبداية المجتهد 2: 201، والمغني
لابن قدامة 4: 355، والشرح الكبير 4: 354، وبدائع الصنائع 5: 212، وعمدة القاري 12: 63،
وشرح فتح القدير 5: 335.
196

ومنهم من قال: من شرطه أن يكون حالا، ويكون السلم في الموجود.
فأما إذا أسلم في المعدوم، فلا يجوز حالا ولا مؤجلا إلى حين لا يوجد فيه،
وإنما يجوز إلى حين يوجد فيه غالبا (1). وبه قال عطاء، وأبو ثور (2)، وهو اختيار
أبو بكر بن المنذر (3).
وعن مالك روايتان: إحديهما مثل ما قلناه، روى عنه ابن عبد الحكم (4).
والأخرى: لا بد فيه من أيام يتغير فيه الأسواق، روى عنه ابن القاسم (5).
وقال الأوزاعي: إن سميت أجلا ثلاثة أيام فهو بيع السلف، فجعل أقل
الأجل ثلاثة أيام (6).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف في صحة ما اعتبرناه، وما قاله
المخالف ليس عليه دليل.
وروى ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من سلف
فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، وأجل معلوم " (7) وروي " إلى أجل
معلوم " والأمر يقتضي الوجوب.

(1) عمدة القاري 12: 67.
(2) عمدة القاري 12: 67، والمجموع 13: 140، وشرح فتح القدير 5: 335.
(3) شرح فتح القدير 5: 335، والمجموع 13: 140.
(4) مقدمات ابن رشد 2: 517، وبداية المجتهد 2: 201 - 202، وفتح العزيز 9: 226.
(5) مقدمات ابن رشد 2: 517، وبداية المجتهد 2: 201 - 202، والشرح الصغير المطبوع بهامش بلغة
السالك 2: 94.
(6) المغني لابن قدامة 4: 357، والشرح الكبير 4: 355.
(7) تقدمت الإشارة إلى مصادر الحديث في المسألة الأولى فلاحظ.
197

مسألة 4: رأس المال إن كان معينا في حال العقد، ونظر إليه، فإنه لا يكفي
إلا بعد أن يذكر مقداره، سواء كان مكيلا أو موزونا أو مذروعا، ولا يجوز
جزافا، وإن كان مما يباع كذلك مثل الجوهر، واللؤلؤ، فإنه يغني المشاهدة عن
وصفه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه (1)، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي في الشرح (2).
والثاني لا يصح (3)، وهو اختيار المزني (4)، وهو الصحيح عند سائر
أصحابه.
وقال أبو حنيفة: إن كان رأس المال من جنس المكيل أو الموزون، لا بد من
بيان مقداره، وضبطه بصفاته، ولا يجوز أن يكون جزافا.
وإن كان من جنس المذروع مثل الثياب، فلا يجب ذلك، ويكفي تعيينه
ومشاهدته (5).
وقال أصحاب مالك: لا نعرف لمالك نصا (6).
دليلنا: إن ما اعتبرناه لا خلاف أنه يصح معه السلم، ولا دليل على صحة
ما قالوه، فوجب اعتبار ما قلناه.

(1) المجموع 13: 144، وفتح العزيز 9: 217، ومغني المحتاج 2: 104، والسراج الوهاج: 205.
(2) فتح العزيز 9: 218، والمجموع 13: 144.
(3) الأم 3: 116، ومختصر المزني: 90، والمجموع 13: 144، وفتح العزيز 9: 218، وبداية المجتهد
2: 203، ومغني المحتاج 2: 104، والسراج الوهاج: 205.
(4) مختصر المزني: 90، والوجيز 1: 154، والمجموع 13: 145، ومغني المحتاج 2: 104، والسراج الوهاج:
205، وفتح العزيز 9: 218.
(5) المبسوط 12: 131 و 133، واللباب 1: 261، والفتاوى الهندية 3: 178، وشرح فتح القدير
5: 338، وتبيين الحقائق 4: 116، وبداية المجتهد 2: 203.
(6) بداية المجتهد 2: 203.
198

مسألة 5: كل حيوان يجوز بيعه يجوز السلم فيه، من الرقيق، والإبل،
والبقر، والغنم، والحمر، والدواب، والبغال. وبه قال مالك، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق (1).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في الحيوان (2). وبه قال الثوري،
والأوزاعي (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير (4).
وأيضا قال الله تعالى: " وأحل الله البيع " (5) وهذا بيع.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله
عليه وآله أن أجهز جيشا، وليس عندنا ظهر، فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن
يبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدق (6)، وهو نص.

(1) الأم 3: 118، ومختصر المزني: 91، والمجموع 13: 114، والوجيز 1: 156، وفتح العزيز 9: 285،
وبداية المجتهد 2: 200، ومقدمات ابن رشد 2: 512، والسراج الوهاج: 208، ومغني المحتاج
2: 110 - 111، والشرح الكبير 4: 339 - 340، وشرح فتح القدير 5: 327، والمبسوط 12: 131،
والمحلى 9: 107، وتبيين الحقائق 4: 112، والشرح الصغير في هامش أقرب المسالك 2: 96، وبلغة
السالك 2: 96، جواهر الإكليل 2: 68.
(2) المبسوط 12: 131، واللباب 1: 260، وشرح فتح القدير 5: 327، والفتاوى الهندية 3: 180، وشرح
العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 328، وتبيين الحقائق 4: 112، والمحلى 9: 107،
وبداية المجتهد 2: 200، والمجموع 13: 114، وفتح العزيز 9: 285، والمغني لابن قدامة 4: 340،
والشرح الكبير 4: 339، والوجيز 1: 156.
(3) المجموع 13: 114، وبداية المجتهد 2: 200 والمغني لابن قدامة 4: 340، وشرح فتح القدير 5: 327،
والشرح الكبير 4: 339.
(4) انظرها في التهذيب 7: 41 - 42 حديث 173 و 179، والكافي 5: 220 حديث 1 و 3 و 6، ومن
لا يحضره الفقيه 3: 166 حديث 733، والاستبصار 3: 74 - 75 حديث 248 و 249.
(5) البقرة: 275.
(6) رواه الدارقطني في سننه 3: 69 - 70، والبيهقي في سننه الكبرى 5: 287، وأبو داود في سننه 3: 250
حديث 3357 والمصنف لعبد الرزاق 8: 22، وتلخيص الحبير 3: 33 بمعناه وبألفاظ مختلفة فلاحظ.
199

وروي أن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب (1) عليهم السلام باع
(علي) جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل (2).
وروى نافع، أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة (مضمونة
عليه) يوفيها صاحبها بالربذة (3).
وروى القاسم بن محمد، أن عبد الله بن مسعود أسلم في وصائف أحدهم
أبو زائدة مولاه (4).
وروي عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن السلم في الوصائف؟ فقال:
لا بأس.
وروى عطاء عن عبد الله بن عباس أنه لم ير بذلك بأسا (5).
وهذا يدل على إجماع الصحابة، لأنه لمن يرو عن أحد النكير في ذلك.
مسألة 6: من شرط صحة السلم، قبض رأس المال قبل التفرق. وبه قال

(1) الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، روى عن أبيه محمد بن الحنفية
وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم وعنه عمرو بن دينار، وعاصم بن عمر بن قتادة، والزهري
وأبان بن صالح وغيرهم، توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز وليس له عقب، وقيل سنة (99)
وقيل: سنة مائة للهجرة.
تهذيب التهذيب 2: 320.
(2) الموطأ 2: 652، والسنن الكبرى 6: 22، المصنف لعبد الرزاق 8: 22 حديث 14142، وتلخيص
الحبير 3: 33، والمغني لابن قدامة 4: 341، الأم 3: 118.
(3) صحيح البخاري 3: 108 والموطأ 2: 652، والسنن الكبرى 6: 22، وتلخيص الحبير 3: 33، وترتيب
مسند الشافعي 2: 161 حديث 556.
(4) ذكره الشافعي في أمه 3: 121، وجاء في السنن الكبرى 6: 23 ما لفظه: عن المسعودي عن القاسم
بن عبد الرحمن قال: أسلم لعبد الله بن مسعود في وصفاء أحدهم أبو زيادة أو أبو زائدة مولانا.
(5) السنن الكبرى 6: 22، والأم 3: 121.
200

أبو حنيفة، والشافعي (1).
وقال مالك: إن تفرقا قبل القبض من غير أن يكون تأخير القبض شرطا،
كان جائزا، وإن لم يقبضه أبدا، وإن كانا شرطا تأخير القبض، فإن كان ذلك
اليوم واليومين جاز، وإن كان أكثر من ذلك لم يجز (2).
دليلنا: أنا أجمعنا على أنه متى قبض الثمن صح العقد، ولم يدل دليل على
صحته قبل قبض الثمن، فوجب اعتبار ما قلناه.
مسألة 7: لا يجوز أن يؤجل السلم إلى الحصاد، والدياس، والجذاذ،
والصرام (3). وبه قال أبو حنيفة والشافعي (4).
وقال مالك: ذلك جائز (5).

(1) الأم 3: 95، ومختصر المزني: 90، والمجموع 13: 106 و 144، والوجيز 1: 154، وكفاية الأخيار
1: 162، وفتح العزيز 9: 208 - 209، والسراج الوهاج: 205، ومغني المحتاج 2: 102، والمبسوط
12: 144، واللباب 1: 262، وشرح فتح القدير 5: 342، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح
فتح القدير 5: 342، والفتاوى الهندية 3: 179، وحاشية رد المحتار 5: 216، وتبيين الحقائق
4: 117، والمغني لابن قدامة 4: 362، والشرح الكبير 4: 363، والمحلى 9: 110، وبداية المجتهد 2: 201
(2) بداية المجتهد 2: 201، والمحلى 9: 110، والمبسوط 12: 144، وفتح العزيز 9: 208 - 209، والمغني
لابن قدامة 4: 362، والشرح الكبير 4: 363، ومقدمات ابن رشد 2: 215، وجواهر الإكليل
2: 66، وبلغة السالك 2: 94، والشرح الصغير في هامش أقرب المسالك 2: 95.
(3) الصرام: الصرم: القطع.
(4) الأم 3: 96، ومختصر المزني: 90، والوجيز 1: 155، والمجموع 9: 340 و 13: 136، وفتح العزيز
9: 231، والمغني لابن قدامة 4: 356، والشرح الكبير 4: 358، وبداية المجتهد 2: 201 - 202،
والمبسوط 12: 125، واللباب 1: 261، وشرح فتح القدير 5: 338، وتبيين الحقائق 4: 115،
وكفاية الأخيار 1: 161، وفتح الباري 4: 435.
(5) بداية المجتهد 2: 201 - 202، والوجيز 1: 155، وفتح العزيز 9: 231، والمغني لابن قدامة 4: 356،
والشرح الكبير 4: 358، وفتح الباري 4: 435. والمجموع 9: 340، وجواهر الإكليل 2: 69، وأقرب
المسالك 2: 98، والشرح الصغير 2: 98.
201

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وأيضا فإذا عين أجلا معلوما، فلا خلاف في صحة العقد، ولا دليل على
صحته إذا ذكر ما قاله المخالف.
وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد ولا إلى
الدياس، ولكن إلى شهر معلوم (2) وهذا نص.
مسألة 8: إذا جعل محله في يوم كذا، أو في شهر كذا، أو في سنة كذا،
جاز، ولزمه بدخول الشهر واليوم والسنة. وبه قال ابن أبي هريرة من أصحاب
الشافعي نصا (3)، وباقي أصحابه لا يجوزونه (4)، لأنه جعل اليوم ظرفا لحلوله،
ولم يبين، فيصير تقديره يحل في ساعة من ساعاته، ووقت من أوقاته، وذلك
لا يجوز.
دليلنا: أن هذا معلوم، وليس بمجهول، لأنه إذا كان اليوم معلوما، وأوله
معلوما وهو طلوع الفجر، وجب بطلوعه، فصار الوقت والساعة معلومين.
وكذلك إذا كان الشهر معلوما، وأوله معلوما، فليس ذلك بمجهول، فبطل
قول المخالف.
مسألة 9: إذا كان السلم مؤجلا، فلا بد من ذكر موضع التسليم، فإن كان
في حمله مؤنة، فلا بد من ذكره أيضا.
وللشافعي في ذكر الموضع قولان:

(1) الكافي 5: 184 حديث 1، والتهذيب 7: 27 حديث 116، ومن لا يحضره الفقيه 3: 167
حديث 740.
(2) رواه الشافعي في أمه 3: 96، وابن قدامة في المغني 4: 356، والشرح الكبير 4: 359.
(3) المجموع 13: 136، والوجيز 1: 155، وفتح العزيز 9: 238.
(4) مختصر المزني: 90 - 91، ومغني المحتاج 2: 106، والمجموع 13: 136، والوجيز 1: 155، وفتح العزيز
9: 238.
202

أحدهما: يجب ذكره (1)، وإليه ذهب أبو إسحاق في الشرح، قال: فإذا أخل
به بطل السلم (2).
والثاني: لا يجب ذكره (3)، وإليه ذهب القاضي أبو حامد في جامعه، وقال:
أولى القولين أنه يجب ذكره (4)، وهكذا ذكر أبو علي في الإفصاح.
وأما المؤنة إن كانت، وجب ذكرها، ذكره ابن القاص (5).
وقال أبو الطيب الطبري: الصحيح أنه يجب ذكر الموضع والمؤنة (6).
دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا ذكر الموضع والمؤنة صح السلم
بلا خلاف، وإذا لم يذكرهما فلا دليل على صحته.
مسألة 10: يجوز السلم في الأثمان، مثل الدراهم والدنانير إذا كان رأس
المال من غير جنسهما، مثل الثياب، والحيوان أو غيرهما. وبه قال الشافعي (7).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في الأثمان (8).
دليلنا: عموم الأخبار المتضمنة لذكر السلم، مثل قوله عليه السلام: " من

(1) المجموع 13: 143، والسراج الوهاج: 206، وكفاية الأخيار 1: 161، وفتح العزيز 9: 252، والمحلى
9: 110، والمغني لابن قدامة 4: 368، والشرح الكبير 4: 369.
(2) فتح العزيز 9: 253.
(3) المجموع 13: 143، وفتح العزيز 9: 252، والمغني لابن قدامة 4: 367، والشرح الكبير 4: 369.
(4) فتح العزيز 9: 252.
(5) المجموع 13: 143، وفتح العزيز 9: 252.
(6) فتح العزيز 9: 252.
(7) الأم 3: 98، وفتح العزيز 9: 316 - 317، وعمدة القاري 12: 62، والمغني لابن قدامة 4: 367،
والشرح الكبير 4: 367، والبحر الزخار 4: 406.
(8) المبسوط 12: 182، وعمدة القاري 12: 62، وشرح فتح القدير 5: 325، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 5: 325، وحاشية رد المحتار 5: 209، وتبيين الحقائق 4: 111، وفتح العزيز
9: 316، والفتاوى الهندية 3: 180، والبحر الزخار 4: 406.
203

سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " (1) ولم يفرق، وهي
على عمومها.
وقوله تعالى: " وأحل الله البيع " (2) وهذا بيع.
وأيضا دلالة الأصل.
مسألة 11: إذا سلف دراهم في دراهم، أو في دنانير مطلقا، كان باطلا.
وقال الشافعي: إذا أطلق كان حالا، فإن قبضه في المجلس وقبضه رأس المال جاز (3). وهو اختيار أبي الطيب الطبري (4).
وفي أصحابه من قال:: لا يجوز (5).
دليلنا: ما قدمناه من أن السلم لا يصح إلا مؤجلا (6)، فإذا ثبت ذلك
لا يصح في الدراهم مع الدنانير، والدراهم مع الدراهم، لأن الصرف لا يجوز فيه
التأخير أصلا بالإجماع.
مسألة 12: لا يجوز السلم في اللحوم.
وقال الشافعي: يجوز في اختلافها إذا ذكر أوصافها (7).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (8)، ولأن ذلك لا يمكن ضبطه بالصفة من

(1) تقدمت الإشارة إلى بعض مصادر الحديث في المسألة الأولى من هذا الكتاب فلاحظ.
(2) البقرة: 275.
(3) المجموع 13: 106 - 107، وفتح العزيز 9: 210 و 212، وعمدة القاري 12: 62، والبحر الزخار 4: 406
(4) المجموع 13: 106.
(5) عمدة القاري 12: 62، وفتح العزيز 9: 212.
(6) تقدم في المسألة " 3 " من هذا الكتاب فراجع.
(7) الأم 3: 110 و 138، والسراج الوهاج: 208، والوجيز 1: 157، ومختصر المزني: 91، والمجموع
13: 113، وفتح العزيز 9: 297، وبداية المجتهد 2: 200، والمغني لابن قدامة 4: 342، والشرح
الكبير 4: 342.
(8) الكافي 5: 222 حديث 12، ومن لا يحضره الفقيه 3: 167 حديث 738، والتهذيب 7: 45 حديث 193.
204

السمن والهزال، لأنه لا ينحصر، وذلك يؤدي إلى كونه مجهولا.
مسألة 13: الإقالة فسخ في حق المتعاقدين، سواء كان قبل القبض أو
بعده، وفي حق غيرهما. وبه قال الشافعي (1).
وقال مالك: الإقالة بيع (2).
وقال أبو حنيفة: في حق المتعاقدين فسخ، وفي حق غيرهما بيع (3).
وفائدته في وجوب الشفعة بالإقالة، فعند أبي حنيفة يجب الشفعة بالإقالة،
وعندنا وعند الشافعي لا تجب.
وقال أبو يوسف: الإقالة فسخ قبل القبض، وبيع بعده، إلا في العقار، فإن
الإقالة بيع فيها، سواء كان قبل القبض أو بعده (4)، لأن بيع العقار جائز قبل
القبض وبعده عنده.
دليلنا: ما روى أبو صالح (5) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: من أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة (6).
وإقالة نفسه هي العفو والترك، فوجب أن يكون الإقالة في البيع هي
الترك والعفو.
وأيضا فلو كان الإقالة بيعا، لوجب أن يكون إلى المتبايعين نقصان الثمن

(1) الأم 3: 93 و 133، ومختصر المزني: 92، والمجموع 13: 160.
(2) المدونة الكبرى 4: 69 و 76، والمجموع 13: 160.
(3) اللباب 1: 250، وشرح فتح القدير 5: 246، وبدائع الصنائع 5: 215، والفتاوى الهندية 3: 156،
وشرح العناية بهامش شرح فتح القدير 5: 246، والمجموع 13: 160، وتبيين الحقائق 4: 119.
(4) بدائع الصنائع 5: 215، و 218، وشرح فتح القدير 5: 247 و 250، وشرح العناية على الهداية
5: 247، والمجموع 13: 160.
(5) مشترك بين عدة، ولا يمكن التحديد منهما.
(6) السنن الكبرى 6: 27، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 243 باختلاف يسير في اللفظ.
205

وزيادته، والتأجيل والتعجيل، فلما أجمعنا على أن الإقالة لا يصح فيها شئ من
ذلك، دل على أنها ليست ببيع.
وأيضا لو كانت الإقالة بيعا لم يصح الإقالة في السلم، لأن البيع في السلم
لا يجوز قبل القبض، فلما صحت الإقالة فيه إجماعا، دل على أنها ليست ببيع.
وأيضا فقد أجمعنا على أن رجلا لو اشترى عبدين، فمات أحدهما، ثم تقايلا،
صحت الإقالة. فلو كانت بيعا وجب أن لا يصح، لأن بيع الميت مع الحي
لا يصح.
مسألة 14: إذا أقاله بأكثر من الثمن، أو بأقل، أو بجنس غيره، كانت
الإقالة فاسدة، والمبيع على ملك المشتري كما كان. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يصح الإقالة، ويبطل الشرط (2).
دليلنا: أن كل من قال بأن الإقالة فسخ على كل حال، قال بهذه المسألة،
فالفرق بين الأمرين خارج عن الإجماع.
مسألة 15: تصح الإقالة في بعض السلم، كما تصح في جميعه. وبه قال
الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وبه قال عطاء، وطاوس، وعمرو بن
دينار، والحكم بن عيينة، وفي الصحاب عبد الله بن عباس، وقال: لا بأس به،
وهو من المعروف، وهو اختيار أبي بكر بن المنذر (3).
وقال مالك، وربيعة، والليث بن سعد، وابن أبي ليلى: لا يجوز ذلك (4).

(1) المجموع 13: 160، والبحر الزخار 4: 409.
(2) شرح فتح القدير 5: 248 - 249، والفتاوى الهندية 3: 156، وشرح العناية بهامش شرح فتح القدير 5: 249،
والمجموع 13: 160، والبحر الزخار 4: 409.
(3) مختصر المزني: 92، والمجموع 13: 160، وشرح فتح القدير 5: 353، وبدائع الصنائع 5: 215،
والمغني لابن قدامة 4: 372، والشرح الكبير 4: 272، وبداية المجتهد 2: 204.
(4) بداية المجتهد 2: 204، والمجموع 13: 160، والمغني لابن قدامة 4: 372، والشرح الكبير 4: 372،
والمدونة الكبرى 4: 78.
206

وكره أحمد بن حنبل ذلك (1)، وقال أبو بكر بن المنذر: هو قول ابن عمر،
والحسن البصري، وابن سيرين، والنخعي (2).
دليلنا: ما رويناه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من
أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة " (3) وهذا إقالة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس بذلك، وهو من المعروف (4)،
ولا مخالف له.
مسألة 16: إذا أقاله جاز أن يأخذ مثل ما أعطاه من غير جنسه، مثل أن
يكون أعطاه دنانير، فيأخذ دراهم أو عرضا، فيأخذ دراهم وما أشبه ذلك. وبه
قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ بدله شيئا آخر استحسانا (6).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (7) وقوله: " أوفوا بالعقود " (8) وهذا
عام.

(1) المغني لابن قدامة 4: 372، والشرح الكبير 4: 372.
(2) المغني لابن قدامة 4: 372، والشرح الكبير 4: 372.
(3) السنن الكبرى 6: 27، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 243 حديث 5007 باختلاف يسير
في اللفظ.
(4) المغني لابن قدامة 4: 372، والشرح الكبير 4: 372، وقال الشافعي في أمه 7: 108 (أن أبا حنيفة
كان يقول هو جائز، بلغنا عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك المعروف الحسن الجميل) وقال
الشافعي أيضا: (وقد سئل عن هذا ابن عباس فلم ير به بأسا وقال هذا المعروف الحسن الجميل).
(5) الأم 3: 132، والمجموع 13: 161، والمغني لابن قدامة 4: 373، والشرح الكبير 4: 373، وتبيين
الحقائق 4: 119.
(6) شرح فتح القدير 5: 249 - 250، وبدائع الصنائع 5: 214، وتبيين الحقائق 4: 119، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 249 - 250، والمغني لابن قدامة 4: 373، والشرح الكبير 4: 373.
(7) البقرة: 275.
(8) المائدة: 1.
207

وقول النبي صلى الله عليه وآله: " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف
شئتم " (1). ولم يفرق، فهو على عمومه.
مسألة 17: إذا أسلف في شئ، فلا يجوز أن يشرك فيه غيره، ولا أن يوليه
بالشركة، وهو أن يقول له رجل: شاركني في نصفه بنصف الثمن.
والتولية أن يقول: ولني جميعه بجميع الثمن، أو ولني نصفه بنصف الثمن،
فلا يجوز. وبه قال أبو حنيفة والشافعي (2).
وقال مالك: يجوز ذلك (3).
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع ما لم يقبض (4).
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ابتاع طعاما
فلا يبيعه حتى يستوفيه (5).
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من أسلم في
شئ فلا يصرفه إلى غيره " (6).

(1) ذكره ابن قدامة في الشرح الكبير 4: 165، وقد ورد في أكثر كتب الحديث بلفظ آخر نصه: " إذا
اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ". انظر على سبيل المثال صحيح مسلم 3: 1211
حديث 81، والسنن الكبرى 5: 284، وغيرهما الكثير.
(2) الأم 3: 77 و 93، والمجموع 13: 156، واللباب 1: 263، وشرح فتح القدير 5: 345، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 345، وتبيين الحقائق 4: 118، والمغني لابن قدامة 4: 241 و 370،
والشرح الكبير 4: 370.
(3) المغني لابن قدامة 4: 241 و 370، والشرح الكبير 4: 370، والبحر الزخار 4: 400.
(4) سنن الترمذي 3: 586 حديث 1291، والسنن الكبرى 5: 312، وسنن الدارقطني 3: 8 حديث 25.
(5) صحيح البخاري 3: 90، وصحيح مسلم 3: 1160 حديث 32، وسنن أبي داود 3: 281 حديث
3492، وسنن النسائي 7: 285، وسنن ابن ماجة 2: 749، والموطأ 2: 640 حديث 2226،
ومسند أحمد بن حنبل 2: 63 - 64، والسنن الكبرى 5: 312.
(6) سنن الدارقطني 3: 45 حديث 187، والسنن الكبرى 6: 30 وفيه من أسلف.
208

والتولية، والشركة بيع قبل القبض، وصرف للمسلم فيه قبل قبضه،
فوجب أن لا يصح لعموم الخبر.
مسألة 18: إذا قال المسلم للمسلم إليه: عجل لي حقي وأنا آخذ دون
ما أستحقه، أو أدلي منه بطيبة من نفسه، كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز (1).
دليلنا: أن الصلح والتراضي بين المسلمين جائز، والمنع منه يحتاج إلى
دليل.
مسألة 19: لا يجوز السلم في الجوز، والبيض إلا وزنا. وبه قال
الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يجوز عددا (3).
دليلنا: أن ذلك يختلف بالصغر والكبر، ويختلف ثمنه بذلك، فلا يضبط
بالصفة، فوجب أن لا يصح السلف فيه لذلك.
فأما البطيخ فلا يجوز السلم فيه إجماعا.
مسألة 20: لا يصح السلم في الرؤوس سواء كانت مشوية أو نيئة.
أما المشوية فلا خلاف فيها، مثل اللحم المطبوخ، فإنه لا خلاف أنه لا يجوز
السلم فيه.
وأما النيئة فللشافعي فيه قولان:

(1) المجموع 13: 150.
(2) الأم 3: 127، مختصر المزني: 92، والمجموع 13: 135، والوجيز 1: 155، وفتح العزيز 9: 260،
وعمدة القاري 12: 62، والمغني لابن قدامة 4: 341 و 354، والشرح الكبير 4: 341 و 354،
وعمدة القاري 12: 62.
(3) المبسوط 12: 136، واللباب 1: 260، وعمدة القاري 12: 62، وبدائع الصنائع 5: 208، وشرح
فتح القدير 5: 326، والفتاوى الهندية 3: 183، والمجموع 13: 135، وفتح العزيز 9: 261، والمغني
لابن قدامة 4: 354، والشرح الكبير 4: 354.
209

أحدهما: يجوز (1). وبه قال مالك (2).
والثاني لا يجوز (3). وبه قال أبو حنيفة (4).
دليلنا: أن ذلك يختلف، ولا يمكن ضبطه بالصفة، فيجب أن لا يجوز.
مسألة 21: اختلف روايات أصحابنا في السلم في الجلود، فروي أنه
لا بأس به إذا شاهد الغنم (5)، وروي أنه لا يجوز (6).
وقال الشافعي: لا يجوز (7)، ولم يفصل.
دليلنا على جوازه: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (8) ولم يفصل والأخبار
المروية في هذا المعنى مؤكدة له.
وأيضا الأصل الجواز، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 22: إذا أسلم مائة درهم في كر من طعام، وشرط خمسين نقدا
وخمسين دينا له في ذمة المسلم إليه، صح السلم فيما نقده بحصته من المسلم فيه،

(1) المجموع 13: 121، والوجيز 1: 157، وكفاية الأخيار 1: 159، وفتح العزيز 9: 303، والمغني لابن
قدامة 4: 341، والشرح الكبير 4: 341 - 342، والبحر الزخار 4: 405.
(2) بداية المجتهد 2: 200، والمغني لابن قدامة 14: 341، والشرح الكبير 4: 342، والمجموع 13: 121،
وفتح العزيز 9: 303، والبحر الزخار 4: 405.
(3) الأم 3: 112، والمجموع 13: 121، والوجيز 1: 157، وفتح العزيز 9: 304، وكفاية الأخيار 1: 159،
والمغني لابن قدامة 4: 342، والبحر الزخار 4: 405.
(4) المبسوط 12: 131، وشرح فتح القدير 5: 330، وبدائع الصنائع 5: 209، والفتاوى الهندية
3: 184، وتبيين الحقائق 4: 112، والمجموع 13: 121، وفتح العزيز 9: 304، وبداية المجتهد
2: 200، والمغني لابن قدامة 4: 342، والشرح الكبير 4: 342.
(5) الكافي 5: 221 حديث 10، ومن لا يحضره الفقيه 3: 165 حديث 730، والتهذيب 7: 28 حديث 19 و 120.
(6) الكافي 5: 293 حديث 4، والتهذيب 7: 79 حديث 341.
(7) الأم 3: 123، ومختصر المزني: 92، والمجموع 13: 118، ومغني المحتاج 2: 114، والسراج الوهاج:
209، وفتح العزيز 9: 318، والمغني لابن قدامة 4: 342، والشرح الكبير 342.
(8) البقرة: 275.
210

ولا يصح في الدين. وبه قال أبو حنيفة (1).
وقال أصحاب الشافعي: لا يصح في الدين (2)، كما قلناه. وهل يصح في
النقد؟ قولان بناء على تفريق الصفقة (3).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (4)، وأيضا أجمعنا على فساد العقد في
الدين، ومن ادعى فساده في النقد فعليه الدلالة.
مسألة 23: إذا أسلم في جنسين مختلفين، في حنطة وشعير صفقة واحدة، أو
أسلم في جنس واحد إلى أجلين، أو آجال، فإن السلم صحيح.
وهو الأظهر من قولي الشافعي (5)، وله قول آخر أنه لا يصح (6).
دليلنا: الآية (7)، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 24: إذا اختلفا في قدر المبيع، أو قدر الأجل، كان القول قول البائع
مع يمينه، وإن اختلفا في قدر الثمن، كان القول قول المشتري مع يمينه، إذا لم
يكن مع أحدهما بينة.
وقال الشافعي: يتحالفان في جميع ذلك (8).

(1) المبسوط 12: 142 - 143، وحاشية رد المحتار 5: 218، وتبيين الحقائق 4: 118، والمجموع
13: 145، والمغني لابن قدامة 4: 364، والشرح الكبير 4: 365.
(2) المجموع 9: 403 و 13: 145، وكفاية الأخيار 1: 162، والبحر الزخار 4: 398، والمغني لابن قدامة
4: 363 - 364، والشرح الكبير 4: 363 - 365.
(3) المجموع 9: 387، والمغني لابن قدامة 4: 363، والشرح الكبير 363.
(4) البقرة: 275.
(5) الأم 3: 101، والمجموع 13: 140 - 141، وفتح العزيز 9: 241، والمغني لابن قدامة 4: 374.
(6) المجموع 13: 140، والأم 3: 101، وفتح العزيز 9: 240، والمغني لابن قدامة 4: 374.
(7) البقرة 275.
(8) الأم 3: 136، ومختصر المزني: 86، ومغني المحتاج 2: 95، والوجيز 1: 152، وفتح العزيز 9: 152 -
155، والسراج الوهاج: 202، وبداية المجتهد 2: 190، والشرح الكبير 4: 366، وحاشية إعانة
الطالبين 3: 44 - 45.
211

دليلنا: أن كل واحد منهما مدعى عليه فيما أوجبنا عليه فيمن اليمين، فيجب أن
يكون صحيحا مع فقد البينة.
مسألة 25: إذا خالف إنسان أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه،
فلا اعتراض لأحد عليه. وبه قال الفقهاء أجمع، إلا مالكا فإنه قال: يقال له:
إما أن تبيع بسعر أهل السوق وإما تنعزل (1).
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله امتنع من التسعير (2) بلا خلاف فيه،
ولم يسئل عن السعر هل هو من الجماعة من أهل السوق، أو من بعضهم، بل
أخبر أن ذلك من جهة الله تعالى.
وأيضا فإنه مالك، لا يجوز لأحد الاعتراض عليه إلا بدليل، ولا دلالة في
الشرع على ذلك.
مسألة 26: إذا أسلم في تمر، فأتاه بزبيب، أو أسلم في ثوب قطن، فأتاه
بكتان وتراضيا به كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز (3).
دليلنا: قوله عليه السلام: " الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا، أو
حلل حراما " (4).

(1) الموطأ 2: 651، والمجموع 13: 33 - 34، والمغني لابن قدامة 4: 303، والشرح الكبير 4: 50، ومختصر
المزني: 92.
(2) سنن الترمذي 3: 605 حديث 1314، وسنن أبي داود 3: 272 حديث 3450 - 3451، وسنن
الدارمي 2: 249، وسنن ابن ماجة 2: 741 حديث 2199 - 2200، ومسند أحمد بن حنبل
3: 156.
(3) الأم 3: 104 و 134، والمجموع 13: 148، وفتح العزيز 9: 326 - 327، ومغني المحتاج 2: 115،
والوجيز 1: 157، والسراج الوهاج: 209 - 210.
(4) من لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والسنن الكبرى 6: 65.
212

وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: إذا أسلم في زبيب رازقي مثلا، فأتاه بزبيب خراساني، أو أسلم
في ماعز، فأتاه بضأن وتراضيا به، كان جائزا.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز. وبه قال أبو إسحاق (1).
والثاني: يجوز. وبه قال ابن أبي هريرة (2).
ومنهم من قال: في الزبيب خلاف هذا، وإنما هو في الإجبار على فعله
وجهان، ويجوز التراضي وجها واحدا (3).
دليلنا: قوله عليه السلام: " الصلح جائز بين المسلمين " (4).
مسألة 28: من كان له عند غيره سلم لا يخلف عليه، ولا هو مما يحتاج إلى
موضع كبير يحفظه فيه، فأتاه به قبل محله، لم يلزمه قبوله، ولا يجبر عليه.
وقال الشافعي: يجبر عليه، وذلك مثل الحديد والرصاص وما أشبه
ذلك (5).
دليلنا: أنه يجوز أن يكون له غرض في تأخيره وأخذه في محله، وإن لم يظهر
لنا ذلك، وكان إجباره على ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة، فإنها

(1) الأم 3: 104، والمجموع 13: 146، والوجيز 1: 157، وفتح العزيز 9: 329، والسراج الوهاج: 209 -
210، والمغني لابن قدامة 4: 376.
(2) المجموع 13: 14، والوجيز 1: 157، وفتح العزيز 9: 329، والمغني لابن قدامة 4: 376.
(3) المجموع 13: 149، والسراج الوهاج: 209 - 210، والمغني لابن قدامة 4: 375 - 376.
(4) الكافي 5: 259 حديث 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والتهذيب 6: 208 حديث 479، وسنن
الدارقطني 3: 27 حديث 96 و 97، والسنن الكبرى 6: 65 وغير ذلك الكثير من المصادر.
(5) الأم 3: 137، ومختصر المزني: 93، والمجموع 13: 146، و 149، وفتح العزيز 9: 334، ومغني المحتاج
2: 116، وكفاية الأخيار 1: 162، وبداية المجتهد 2: 205.
213

منصوصة لهم (1).
مسألة 29: إذا شرط عليه مكان التسليم، وأعطاه في غيره، وبذل له أجرة
الحمل، وتراضيا به كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يأخذ العوض عن ذلك (2).
دليلنا: أنه لا مانع منه، والأصل الإباحة.
مسألة 30: إذا أخذ المسلم السلم، وحدث عنده فيه عيب، ثم وجد به عيبا
كان قبل القبض، لم يكن له رده، وكان له المطالبة بالأرش. وبه قال
الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع بالأرش (4).
دليلنا: أنه إذا ثبت أنه إنما يستحقه بريئا من العيب، فإذا أخذه معيبا كان
له أرش عيبه، فأما الرد فليس له إجماعا.
مسألة 31: إذا جاء المسلم إليه بالمسلم فيه أجود مما شرط من الصفة،
وقال: خذ هذا، وأعطني بدل الجودة دراهم. لم يجز. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: يجوز (6).
دليلنا: أن الجودة صفة لا يمكن إفرادها بالبيع، ولا دليل على صحة ذلك.
مسألة 32: إذا أسلم جارية صغيرة في جارية كبيرة كان جائزا.

(1) أنظر سنن الدارقطني 4: 122 حديث 3.
(2) المجموع 13: 150، والسراج الوهاج: 209، ومغني المحتاج 2: 115، وحاشية إعانة الطالبين 3: 19
(3) المجموع 13: 157، والوجيز 1: 144، وفتح العزيز 8: 350 - 351.
(4) اللباب 1: 240، والفتاوى الهندية 3: 80 و 198، وشرح فتح القدير 5: 159 - 160، والمجموع
13: 157 - 158.
(5) المجموع 13: 14 و 148.
(6) شرح فتح القدير 5: 353، والفتاوى الهندية 3: 186، والشرح الكبير 4: 351، والمبسوط 2: 153،
والمغني لابن قدامة 4: 376.
214

وقال أبو إسحاق المروزي: لا يجوز (1).
وقال باقي أصحاب الشافعي: يجوز (2)، مثل ما قلناه.
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (3) ودلالة الأصل، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 33: استصناع الخفاف، والنعال، والأواني من الخشب والصفر
والرصاص والحديد، لا يجوز. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يجوز، لأن الناس قد اتفقوا على ذلك (5).
دليلنا على بطلانه: أنا أجمعنا على أنه لا يجب تسليمها، وأنه بالخيار بين
التسليم ورد الثمن، والمشتري لا يلزمه قبضه، فلو كان العقد صحيحا لما جاز
ذلك، ولأن ذلك مجهول غير معلوم بالمعاينة، ولا موصوف بالصفة في الذمة،
فيجب المنع منه.
مسألة 34: يجوز أن يشتري قلعة (6) بدراهم، على أن يجعلها مشتركة. وبه

(1) فتح العزيز 9: 293، والمغني 4: 367، والشرح الكبير 4: 367، والمجموع 13: 169.
(2) فتح العزيز 9: 294، والمغني لابن قدامة 4: 367، والشرح الكبير 4: 367، والمجموع 13: 169.
(3) البقرة: 275.
(4) الأم 3: 131، وشرح فتح القدير 5: 355.
(5) شرح فتح القدير 5: 354 - 355، وتبيين الحقائق 4: 123، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح
فتح القدير 5: 354، والفتاوى الهندية 3: 207، وحاشية رد المحتار 5: 224.
(6) كذا في جميع النسخ المعتمدة، وتأتي في المسألة التالية أيضا، ولم أقف على معنا مناسبا لهذه الكلمة في
المسألتين المذكورتين في كتب اللغة، ولم ترد في كتب الفقه على اختلاف مذاهبها بهذا النحو. نعم
وردت في كتاب المغني لابن قدامة ما لفظه: " في الرجل يشتري البغلة على أن يحذوها جائز إذا أراد
الشراك ".
وذكر المسألة أيضا المرغيناني في الهداية وشرحها ابن الهمام في شرح فتح القدير 5: 221 وقال: من
اشترى نعلا على أن يحذوها البائع، والمراد اشترى أديما على أن يجعله البائع نعلا له... إلى آخر
حديثه فتأمل.
215

قال أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: لا يجوز (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل عليه (3).
وأيضا فالأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
وأيضا فالناس يفعلون هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا، وما أنكر ذلك أحد عليهم.
مسألة 35: إذا قال: اشتريت منك هذه القلعة، واستأجرت على أن
تشركها أو تحذوها كان جائزا.
واختلف أصحاب الشافعي:
فمنهم من قال: فيه قولان، لأنه بيع في عقد إجارة (4).
ومنهم من قال: لا يجوز قولا واحدا، لأنه استأجره في العمل فيما لا يملك (5).
دليلنا: أن البيع والإجارة جميعا جائزان على الانفراد بلا خلاف، فمن منع
الجمع بينهما وحكم بفساده فعليه الدلالة.
مسألة 36: إذا أذن لمملوك غيره أن يشتري نفسه له من مولاه بكذا،
فاشتراه به لا يصح ذلك.
ولأصحاب الشافعي فيه وجهان: أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أنه يجوز (6).

(1) المبسوط 13: 14، والفتاوى الهندية 3: 133 وتبيين الحقائق 4: 57 و 59، وشرح فتح القدير
5: 211، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 5: 221، والشرح الكبير 4: 85.
(2) المجموع 13: 156 والشرح الكبير لابن قدامة 4: 130، ومغني المحتاج 2: 31، والسراج الوهاج:
180، وفتح العزيز 8: 196.
(3) أنظر التهذيب 7: 185 - 187 حديث 817 و 822 و 824 و 825.
(4) المجموع 9: 389، وفتح القدير 8: 190 و 195 و 279 - 280، ومغني المحتاج 2: 31، والسراج الوهاج: 180.
(5) المجموع 9: 389، وفتح العزيز 8: 195 - 279، ومغني المحتاج 2: 31، والسراج الوهاج: 180.
(6) المجموع 14: 122، وفتح العزيز 11: 72، ومغني المحتاج 2: 128.
216

دليلنا: ما ثبت أن العبد لا يملك شيئا، وليس له التصرف في نفسه، وإذا
ثبت ذلك لم يجز أن يكون وكيلا لغيره إلا إذا أذن له مولاه فيه.
مسألة 37: إذا اشترى العبد نفسه من مولاه لغيره، فصدقه ذلك الغير، أو لم
يصدقه، لم يكن البيع صحيحا. ولا يلزمه شئ.
وقال الشافعي على قوله بصحة ذلك: إن صدقه لزمه الشراء، وإن كذبه
حلفه وبرء، وكان الشراء للعبد فيملك نفسه وينعتق، ويكون الثمن في ذمته
يتبعه السيد فيطالبه (1).
دليلنا: أنا قد بينا أن بيعه فاسد، وإذا كان كذلك فالتفريع عليه فاسد.
مسألة 38: إذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا، أو أحد
هؤلاء العبيد الثلاثة بكذا، لم يصح الشراء. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز، لأن هذا غرر يسير،
وأما في الأربعة فما زاد عليها فلا يجوز (3).
دليلنا: أن هذا بيع مجهول، فيجب أن لا يصح، ولأنه بيع غرر لاختلاف قيم
العبيد، ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع.
وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع، وقلنا: أن أصحابنا رووا جواز ذلك في
العبدين (4)، فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية، ولم نقس غيرها عليها.

(1) المجموع 14: 122 و 123، والمغني لابن قدامة 5: 240، والشرح الكبير 5: 211 - 212.
(2) الوجيز 1: 134، وفتح العزيز 8: 134، والمجموع 9: 288، وكفاية الأخيار 1: 150، وإرشاد الساري
6: 358، وتبيين الحقائق 4: 21.
(3) المبسوط 13: 55، وشرح فتح القدير 5: 130، والمحلى 8: 430، والوجيز 1: 134، وفتح العزيز
8: 134، والمجموع 9: 288، والشرح الكبير 4: 33، والفتاوى الهندية 3: 52 و 54، وحاشية رد
المحتار 4: 585 - 586، وتبيين الحقائق 4: 21.
(4) أنظر المسألة " 54 " من الكتاب المتقدم.
217

كتاب الرهن
219

مسألة 1: يجوز الرهن في السفر والحضر. وبه قال جميع الفقهاء (1).
وقال مجاهد: لا يجوز إلا في السفر (2). وحكي ذلك عن داود (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (4).
وأيضا روى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله رهن درعا له بالمدينة عند
يهودي وأخذ منه شعيرا (5)، وهذا نص.
مسألة 2: يجوز أخذ الرهن في كل حق ثابت في الذمة. وبه قال جميع الفقهاء (6).

(1) الأم 3: 138، والمجموع 13: 177، والمبسوط 21: 64، وأحكام القرآن للجصاص 1: 523،
والفتاوى الهندية 5: 432، وفتح الباري 5: 140، والمغني لابن قدامة 4: 398، والشرح الكبير
4: 398، والإقناع 2: 150، ونيل الأوطار 5: 352، وبداية المجتهد 2: 271.
(2) أحكام القرآن 1: 523، وفتح الباري 5: 140، والمجموع 13: 178، والمغني لابن قدامة 4: 398،
والشرح الكبير 4: 398، والبحر الزخار 5: 110، والمحلى 8: 87، ونيل الأوطار 5: 352، وبداية
المجتهد 2: 271.
(3) المحلى 8: 87، وفتح الباري 5: 140، والمجموع 13: 178، وبداية المجتهد 2: 271، وعمدة القاري
13: 67 ونيل الأوطار: 5: 352، والبحر الزخار 5: 110.
(4) انظرها في الكافي 5: 233 (باب الرهن) ومن لا يحضره الفقيه 3: 165 - 168، والتهذيب 7: 42 و
7: 168 (باب الرهون).
(5) صحيح البخاري 3: 74، وسنن ابن ماجة 2: 815 حديث 2437، وأحكام القرآن للجصاص
1: 523، ورواه النسائي 7: 288 باختلاف يسير في اللفظ.
(6) الأم 3: 139، ومختصر المزني: 93، والوجيز 1: 159 و 161، والمجموع 13: 180، وكفاية الأخيار
1: 162 - 163، وفتح الباري 5: 140، وبداية المجتهد 2: 271، والمغني لابن قدامة 4: 399،
والشرح الكبير 4: 399، وسبل السلام 3: 869.
221

وحكي عن بعضهم - ولم يذكر اسمه لندوره - أنه قال: لا يجوز الرهن إلا في
السلم (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن هذا الخلاف قد انقرض،
ولأن النبي صلى الله عليه وآله رهن درعا عند يهودي في المدينة وأخذ شعيرا لأهله (2).
وأيضا قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل - إلى قوله -
فرهان مقبوضة " (3) وكان أول الآية عاما في جميع الأحوال، وكذلك آخرها.
مسألة 3: إذا قال إنسان لغيره: من رد عبدي فله دينار، لم يجز له أخذ
الرهن عليه إلا بعد رد العبد. وبه قال ابن أبي ليلى، وابن أبي هريرة من
أصحاب الشافعي في الإفصاح، واختاره أبو الطيب الطبري، وقال: وهو
الصحيح عندي (4).
وفي أصحابه من قال: يجوز ذلك، لأن يؤل إلى اللزوم (5).
دليلنا: أنه لم يستحق قبل الرد شيئا، فلا يجوز له أخذ الرهن على
ما لا يستحقه.
مسألة 4: لا يجوز شرط الرهن، ولا عقده قبل الحق. وبه قال الشافعي (6).
وقال أبو حنيفة: يجوز عقده، وقال: إذا دفع إليه ثوبا وقال: رهنتك هذا
الثوب على عشرة دراهم تقرضنيها، وسلم إليه، ثم أقرضه من الغد، جاز ولزم (7).

(1) المجموع 13: 180، وبداية المجتهد 2: 269 و 271.
(2) تقدم في المسألة السابقة الإشارة إلى الحديث فلاحظ.
(3) البقرة: 282 - 283.
(4) المجموع 13: 181، والوجيز 1: 161، وفتح العزيز 10: 34.
(5) المجموع 13: 181، والوجيز 1: 161، وفتح العزيز 10: 34، ومغني المحتاج 2: 127.
(6) الأم 3: 139، ومختصر المزني: 93، والمجموع 13: 182، والسراج الوهاج: 212، وكفاية الأخيار
1: 163، والمغني لابن قدامة 4: 399، والشرح الكبير 4: 399، وفتح العزيز 10: 42، والبحر الزخار 5: 120.
(7) الفتاوى الهندية 5: 434، وتبيين الحقائق 6: 77، وحاشية رد المحتار 6: 497، والمجموع 13: 182،
والمغني لابن قدامة 4: 399، والشرح الكبير 4: 399، وفتح العزيز 1: 43، والبحر الزخار 5: 120.
222

دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع على جوازه، وما ذكروه ليس على جوازه دليل.
مسألة 5: يلزم الرهن بالإيجاب والقبول. وبه قال أبو ثور، ومالك (1).
وقال أبو حنيفة، والشافعي: عقد الرهن ليس بلازم، ولا يجبر الراهن على
تسليم الرهن، فإن سلم باختياره، لزم بالتسليم (2).
دليلنا: قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (3) وهذا عقد مأمور به، والأمر يقتضي
الوجوب.
وقوله تعالى: " فرهان مقبوضة " (4) لا يدل على أن قبل القبض لا يلزم، لأن
ذلك دليل الخطاب، وقد تركناه أيضا بالآية الأولى.
مسألة 6: إذا عقد الرهن وهو جائز التصرف، ثم جن الراهن، أو أغمي
عليه، أو مات، لم يبطل الرهن. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي (5).
وقال أبو إسحاق المروزي في الشرح: يبطل الرهن (6).
دليلنا: أن الرهن قد ثبت صحته، وإبطاله يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع

(1) بداية المجتهد 2: 270 - 271، وأسهل المدارك في شرح إرشاد السالك 2: 368، والشرح الصغير
المطبوع بهامش بلغة السالك 2: 112، والمجموع 13: 185، والمغني لابن قدامة 4: 400، والشرح
الكبير 4: 420.
(2) اللباب 2: 4، وتبيين الحقائق 6: 63، والمبسوط 21: 68، وشرح فتح القدير 8: 193، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 193، والمجموع 13: 185، وكفاية الأخيار 1: 163، وفتح
العزيز 10: 66، والمغني لابن قدامة 4: 399، والشرح الكبير 4: 420، وأسهل المدارك 2: 368،
وحاشية إعانة الطالبين 3: 58.
(3) المائدة: 1.
(4) البقرة: 283.
(5) المجموع 13: 192، والوجيز 1: 163، ومغني المحتاج 2: 129، والسراج الوهاج: 215، وفتح العزيز
10: 76 و 78، وحاشية إعانة الطالبين 3: 58.
(6) المجموع 13: 192، وفتح العزيز 10: 76 و 78، والبحر الزخار 5: 113.
223

ما يدل عليه.
مسألة 7: رهن المشاع جائز. وبه قال الشافعي، ومالك، والأوزاعي، وابن
أبي ليلى، وعثمان البتي (1)، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وسوار (2)،
وداود (3). وقال أبو حنيفة: رهن المشاع غير جائز (4).
دليلنا: قوله تعالى: " فرهان مقبوضة " (5)، ولم يفصل، وأيضا الأخبار على
عمومها.

(1) عثمان بن مسلم بن جرموز وقيل: هرمز البتي، أبو عمرو البصري، روى عن أنس والشعبي
وعبد الحميد بن سلمة، وعنه شعبة والثوري وحماد بن سلمة وغيرهم. كان صاحب رأي وفقه،
مات سنة 143 ه‍. تهذيب التهذيب 7: 153، والأنساب للسمعاني: 66 / أ.
(2) سوار بن عبد الله بن قدامة بن عنزة بن نقب بن عمرو بن الحارث العنبري البصري. قال ابن حبان:
كان فقيها، ولاه أبو جعفر القضاء بالبصرة سنة 138 ه‍ وبقي على القضاء إلى أن مات وهو أمير
البصرة وقاضيها سنة 156 ه‍، تهذيب التهذيب 4: 269.
(3) مختصر المزني 93، والأم 3: 193، والمجموع 13: 198، والوجيز 1: 159، وكفاية الأخيار 1: 164،
ومغني المحتاج: 2: 122، والسراج الوهاج: 212، وبداية المجتهد 2: 269، وبلغة السالك 2: 10،
وأسهل المدارك: 371، والمدونة الكبرى 5: 296 و 299، والمغني لابن قدامة 4: 407، والشرح
الكبير 4: 405، والإقناع 2: 152، والمحلى 8: 88، والمبسوط 21: 69، وأحكام القرآن للجصاص
1: 524، وتبيين الحقائق 6: 68، وشرح فتح القدير 8: 204، وبدائع الصنائع 6: 138، والبحر
الزخار 5: 115.
(4) اللباب 2: 5. والمبسوط 21: 69، وأحكام القرآن للجصاص 1: 524، وبدائع الصنائع 6: 138،
وشرح فتح القدير 8: 203، وتبيين الحقائق 6: 68، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح
القدير 6: 68، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 203، وحاشية رد المحتار
6: 489، والمحلى 8: 88، وبداية المجتهد 2: 269، وبلغة السالك 2: 110، وأسهل المدارك
2: 371، والمجموع 13: 198، و 203، والمغني لابن قدامة 4: 407، والشرح الكبير 4: 405، والبحر
الزخار 5: 115.
(5) البقرة: 283.
224

وأيضا على المسألة إجماع الفرقة، وأخبارهم (1) تدل عليها.
مسألة 8: استدامة القبض ليس بشرط في الرهن. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: ذلك شرط (3).
دليلنا: قوله تعالى " فرهان مقبوضة " (4)، فشرط القبض ولم يشرط
الاستدامة.
وأيضا فإنا قد بينا أن بنفس العقد يثبت الرهن، فهذا الفرع يسقط عنا.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه قال: " الرهن محلوب ومركوب " (5).
فلا يخلو من أن يكون ركوبها للراهن أو للمرتهن، وقد أجمعنا على أنه لا يحل
للمرتهن ذلك، فدل على أنه مركوب للراهن، وذلك يدل على أن استدامة
القبض ليس بشرط، وأخبار الفرقة دالة على ذلك (6).
مسألة 9: إذا مات الراهن لا ينفسخ الرهن. وإليه ذهب أكثر أصحاب
الشافعي (7).

(1) أنظر الكافي 5: 233 (باب الرهن)، ومن لا يحضره الفقيه 3: 195 (باب 95)، والتهذيب 7: 167 (باب 15)
(2) المجموع 13: 192، والمغني لابن قدامة 4: 402، والشرح الكبير 4: 421، وبداية المجتهد 2: 271،
وبدائع الصنائع 6: 142، والبحر الزخار 5: 112.
(3) بدائع الصنائع 6: 142، وتبيين الحقائق 6: 67، والمجموع 13: 192، والمغني لابن قدامة 4: 402،
والشرح الكبير 4: 420، والبحر الزخار 5: 112.
(4) البقرة: 283.
(5) سنن الدارقطني 3: 34 حديث 136، والمصنف لعبد الرزاق 8: 245، حديث 15070، والسنن
الكبرى 6: 38.
(6) يستفاد من عموم الأخبار الواردة في باب الرهن من كتاب الكافي 5: 233، ومن لا يحضره الفقيه
3: 195، والتهذيب 7: 168، والاستبصار 3: 118.
(7) المجموع 13: 192، والوجيز 1: 163، وفتح العزيز 10: 76، ومغني المحتاج 2: 129، والسراج الوهاج:
225، وحاشية إعانة الطالبين 3: 58، والبحر الزخار 5: 112 - 113.
225

وقال أبو إسحاق: ينفسخ مثل الوكالة (1).
دليلنا: أن الرهن كان صحيحا. ولا دلالة على أن الموت يبطله، فمن ادعاه
فعليه الدلالة.
مسألة 10: إذا غلب على عقل المرتهن، فولى الحاكم عليه رجلا، لزم
الراهن تسليم الرهن إليه، ولا ينفسخ الرهن.
وقال الشافعي: يكون الراهن بالخيار (2).
دليلنا: أنا قد بينا أن الرهن يجب إقباضه بالإيجاب والقبول، فمن قال
بذلك قال بما قلناه.
مسألة 11: إذا أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن، ثم رجع عن الإذن
ومنعه، لم يكن له ذلك.
وقال الشافعي: له ذلك (3).
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى، لأن هذا فرع عليها.
مسألة 12: إذا أذن له في قبض الرهن، ثم جن، أو أغمي عليه، جاز
للمرتهن قبضه.
وقال الشافعي: ليس له ذلك (4).
دليلنا: أنه قد ثبت أن إذنه صحيح قبل جنونه وإغمائه، فمن أبطله فيما بعد
فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا رهنه وديعة عنده في يده، وأذن له في قبضه، ثم جن، فقد

(1) المجموع 13: 192، وفتح العزيز 10: 76، والبحر الزخار 5: 113.
(2) الأم 3: 140، ومختصر المزني: 93، وفتح العزيز 10: 78، وبداية المجتهد 2: 270 - 271.
(3) الأم 3: 139، والمجموع 13: 191، والوجيز 1: 160، وكفاية الأخيار 1: 163، وفتح العزيز 10: 75،
والسراج الوهاج: 215، ومغني المحتاج 2: 129.
(4) الأم 3: 139، والمجموع 13: 191، وفتح العزيز 10: 78.
226

صار مقبوضا.
وقال الشافعي: إذا لم يأت عليه زمان يمكن فيه قبضه، لم يصر مقبوضا بعد
جنونه (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 14: إذا رهنه شيئا، ثم تصرف فيه الراهن بالبيع، أو الهبة، أو
الرهن عند آخر قبضه أو لم يقبضه، أو قبضه البائع أو لم يقبضه، أو أصدقه
امرأته، لم يصح جميع ذلك، وكان باطلا.
وقال الشافعي: يكون ذلك فسخا للرهن، وإن زوجها لم ينفسخ
الرهن (2).
دليلنا: أن القول بفسخ الرهن بذلك يحتاج إلى دليل، والأصل صحته.
مسألة 15: لا يجوز للوصي أن يشتري من مال اليتيم لنفسه، وإن اشتراه
بزيادة. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك (4).
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإنه متهم في ذلك، فيجب أن لا يجوز.
مسألة 16: إذا كان له في يد رجل مال وديعة، أو إعارة، أو غصبا، فجعله

(1) الأم 3: 141، ومختصر المزني: 93، والمجموع 13: 186، والوجيز 1: 163، وفتح العزيز 10: 69 و
71، والسراج الوهاج: 215، ومغني المحتاج 2: 128.
(2) الأم 3: 140، والوجيز 1: 163، والمجموع 13: 191، وكفاية الأخيار 1: 163، وفتح العزيز 10: 75،
ومغني المحتاج 2: 129، والسراج الوهاج: 215، وحاشية إعانة الطالبين 3: 63.
(3) المجموع 13: 357، ومغني المحتاج 2: 176، وفتح العزيز 10: 292، والشرح الكبير 4: 563.
(4) المبسوط 14: 46، والفتاوى الهندية 3: 175، وتبيين الحقائق 6: 211، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 8: 499، وحاشية رد المحتار 6: 709.
227

رهنا عنده بدين له عليه، كان الرهن صحيحا بلا خلاف، ويصير الرهن
مقبوضا بإذنه فيه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: يصير مقبوضا وإن لم يأذن له فيه (2).
دليلنا: إن الشئ إذا كان في يده، فأذن له في قبضه عن الرهن، كان ذلك
قبضا، وأغنى عن النقل. وأيضا إذا أذن له صار قبضا بالإجماع، وإن لم يأذن
له، فليس على كونه قبضا دليل.
مسألة 17: إذا غصب رجل من غيره عينا من الأعيان، ثم جعلها المغصوب منه
رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل أن يقبضها منه، فالرهن صحيح
بالإجماع، ولا يزول ضمان الغصب. وبه قال الشافعي، ومالك، وأبو ثور (3).
وقال أبو حنيفة والمزني: ليس عليه ضمان الغصب (4).
دليلنا: أنا أجمعنا على أن عليه ضمانه قبل الرهن، فمن ادعى براءته منه بعد
الرهن فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " على اليد ما أخذت حتى
تؤديه " أو " حتى تؤدي " (5).

(1) الأم 3: 141 - 142، ومختصر المزني: 93 - 94، والمجموع 13: 189، والوجيز 1: 162، ومغني المحتاج
2: 128، والسراج الوهاج: 215، وفتح العزيز 10: 65.
(2) المجموع 13: 189، ومغني المحتاج 2: 128، والسراج الوهاج: 215، وفتح العزيز 10: 65.
(3) الأم 3: 142، ومختصر المزني: 94، والوجيز 1: 163، والمجموع 13: 189، والسراج الوهاج: 215،
ومغني المحتاج 2: 128، وفتح العزيز 10: 71 - 72، والمغني لابن قدامة 4: 405، والشرح الكبير
4: 427، والبحر الزخار 5: 117، وحاشية إعانة الطالبين 3: 59.
(4) مختصر المزني: 94، والوجيز 1: 163، والمجموع 13: 189، وفتح العزيز 10: 72، والمغني لابن قدامة
4: 405، والشرح الكبير 4: 427.
(5) سنن ابن ماجة 2: 802 حديث 2400، وسنن الترمذي 3: 566 حديث 1266، وسنن أبي داود
3: 296 حديث 3561، ومسند أحمد بن حنبل 5: 8 و 12 و 13، والسنن الكبرى 6: 95.
228

مسألة 18: إذا رهن جارية وقد أقر بوطئها، فولدت لستة أشهر من وقت
الوطء فصاعدا إلى تمام تسعة أشهر، فالولد لاحق به. وعند الشافعي إلى أربع
سنين (1).
ولا ينفسخ الرهن في الأم عندنا.
وقال الشافعي في الجارية: لها ثلاثة أحوال:
إما أن يكون أقر بالوطء في حال العقد، أو بعد العقد وقبل القبض، أو بعد
القبض.
فإن كان في حال العقد، فإن المرتهن إذا علم بإقراره، ودخل فيه، فقد
رضي بحكم الوطء، وما يؤدي إليه، فعلى هذا يخرج من الرهن، ولا خيار
للمرتهن إن كان ذلك شرطا في عقد البيع.
وإن كان أقر بذلك بعد عقد الرهن، وقبل القبض، فكذلك، لأنه لما علم
بإقرار الراهن بوطئها، وقبضها مع العلم بذلك، كان راضيا به.
وإن كان أقر بذلك بعد القبض، فهل يخرج من الرهن؟ فيه قولان:
أحدهما يقبل إقراره. والثاني: لا يصح إقراره (2).
دليلنا: ما ثبت عندنا من أن أم الولد مملوكة يجوز بيعها، على ما ستدل عليه
فيما بعد، فإذا ثبت ذلك لم ينفسخ الرهن، سواء كان الإقرار بالوطء قبل العقد
أو بعده، وقبل القبض أو بعده، وعلى كل حال.
مسألة 19: إذا وطأ الراهن جاريته المرهونة، وحملت، وولدت، فإنها تصير
أم ولده، ولا يبطل الرهن، فإن كان موسرا ألزم قيمة الرهن من غيرها لحرمة

(1) الأم 3: 157 - 158، والوجيز 1: 164، وفتح العزيز 10: 187.
(2) الأم 3: 158، والوجيز 1: 164، وفتح العزيز 10: 187، والمغني لابن قدامة 4: 438 - 439، والشرح
الكبير 4: 438.
229

ولدها، ويكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا كان الدين باقيا، وجاز بيعها
فيه.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يفرق بين الموسر والمعسر، فإن كان موسرا صارت أم ولده، فإن
أعتقها عتقت، ووجب عليه قيمتها، يكون رهنا مكانها، أو قضاها من حقه.
وإن كان معسرا، لم تخرج من الرهن، وتباع في حق المرتهن، هذا نقله
المزني (1).
والثاني: تصير أم ولده، وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا، ولكنه يوجب
قيمتها على الموسر يكون رهنا مكانها (2).
والثالث: لا تخرج من الرهن، وتباع في دين المرتهن، سواء كان موسرا أو
معسرا (3).
وقال أبو حنيفة: تصير أم ولده، وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا، فإن
كان موسرا لزمه قيمتها، يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا تستسعي الجارية
في قيمتها، إن كانت دون الحق، ويرجع بها على الراهن (4).
دليلنا: ما ثبت من كونها مملوكة. وإذا ثبت ذلك جاز بيعها إلا أنا نمنع من

(1) الأم 3: 144، ومختصر المزني: 94، والمجموع 13: 236 - 237، والمحلى 8: 94، وعمدة القاري
13: 73 - 74، وتبيين الحقائق 6: 85.
(2) الأم 3: 144، ومختصر المزني: 94، والمجموع 13: 236 - 237، وعمدة القاري 13: 73 - 74، وتبيين
الحقائق 6: 85.
(3) المجموع 13: 236 - 237، والمحلى 8: 94، وعمدة القاري 13: 73 - 74، والنتف 2: 609 وتبيين
الحقائق 6: 85.
(4) النتف 2: 609، والفتاوى الهندية 5: 462 - 463، وعمدة القاري 13: 74، وشرح فتح القدير
8: 277، وتبيين الحقائق 6: 85 و 87، وحاشية رد المحتار 6: 509 - 510، والمحلى 8: 95.
230

بيعها إذا كان موسرا، لمكان ولدها ما دام ولدها حيا، وإن مات جاز بيعها على
كل حال، وسندل على ذلك فيما بعد، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم (1) تدل
عليه.
مسألة 20: لا يجوز للراهن أن يطأ الجارية المرهونة، سواء كانت ممن تحبل
أو لا تحبل.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال ابن أبي هريرة مثل ما قلناه (2).
وقال المروزي: يجوز له وطؤها (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل على ذلك، لأنها عامة في المنع من
وطئها (4)، ولم يفرقوا.
مسألة 21: إذا وطأ الراهن الجارية المرهونة بإذن المرتهن، لم ينفسخ الرهن،
سواء حملت أو لم تحمل - لأن عندنا لا يزول ملكه بالحمل - فإن أعتقها بإذنه
انفسخ.
وقال الشافعي: إذا وطأ الراهن الجارية المرهونة بإذن المرتهن، فأحبلها،
فإنها تخرج من الرهن، ولا يجب على الواطئ قيمتها، لأنه أذن في فعل ينافي
الرهن، وبطل الرهن، كما إذا أذن في البيع فباعها أو أذن في الأكل فيما
يؤكل (5).

(1) أنظر الكافي 6: 192 حديث 4 و 5، والتهذيب 7: 80 حديث 344.
(2) المجموع 13: 231، وفتح العزيز 10: 97.
(3) المجموع 13: 231، وفتح العزيز 10: 97، والمغني لابن قدامة 4: 436، والشرح الكبير 4: 436،
وعمدة القاري 13: 73، والبحر الزخار 5: 120.
(4) الكافي 5: 235 حديث 15 و 20 ومن لا يحضره الفقيه 3: 201 حديث 901، والتهذيب 7: 169
حديث 752 و 753.
(5) الأم 3: 143، ومختصر المزني: 94، وفتح العزيز 10: 111، ومغني المحتاج 2: 132، والسراج الوهاج:
216، والمغني لابن قدامة 4: 437 - 438، والشرح الكبير 4: 437 - 438.
231

دليلنا: ما ثبت عندنا من أن ملكه باق لم يزل، وإذا ثبت فالرهن بحاله، فمن
ادعى زواله فعليه الدلالة.
مسألة 22: إذا وطأ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن، مع العلم بتحريم
ذلك، لم يجب عليه المهر.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1). والآخر: يجب (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس في الشرع ما يدل على وجوبه عليه.
مسألة 23: إذا أتت هذه الجارية الموطوءة بإذن الراهن بولد، كان حرا
لاحقا بالمرتهن بالإجماع، ولا يلزمه عندنا قيمته.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يجب عليه قيمته. وبه قال المروزي (3).
والآخر: لا يجب (4).
دليلنا: ما قدمناه من أن الأصل براءة الذمة، ووجوب القيمة يحتاج إلى
دليل.
مسألة 24: إذا بيعت هذه الجارية، ثم اشتراها المرتهن، فإنها تكون أم
ولده.

(1) الأم 3: 145 - 146، ومختصر المزني: 94، والوجيز 1: 166، والمجموع 9: 218، وفتح العزيز
10: 143، والمغني لابن قدامة 4: 441 - 442، والشرح الكبير 4: 490، وحاشية إعانة الطالبين
(2) الأم 3: 145 - 146 ومختصر المزني: 94، والوجيز 1: 166، والمجموع 9: 218، وفتح العزيز 3: 64.
10: 143، ومغني المحتاج 2: 138، والسراج الوهاج: 219، والمغني لابن قدامة 4: 441 - 442،
والشرح الكبير 4: 490.
(3) الأم 3: 145 - 146، ومختصر المزني: 94، والمجموع 9: 218، وفتح العزيز 10: 143، ومغني المحتاج
2: 138، والسراج الوهاج: 219، والمغني لابن قدامة 4: 441 - 442، والشرح الكبير 4: 490،
والوجيز 1: 166.
(4) مختصر المزني: 94، والمجموع 9: 218، والوجيز 1: 166، وفتح العزيز 10: 143، والمغني لابن قدامة
4: 441 - 442، والشرح الكبير 4: 490.
232

وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1). والثاني: لا تصير أم
ولده (2).
دليلنا: أن الاشتقاق يقتضي ذلك، لأن الولد إذا كان لاحقا به، وهذه
أمه، فينبغي أن تسمى أم ولده.
مسألة 25: إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمن
الرهن رهنا، كان صحيحا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (3). والثاني: يبطل البيع (4).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (5).
وأيضا قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (6).
مسألة 26: إذا قال المرتهن للراهن: بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني
قبل محله، فإذا باع الراهن صح البيع، ويكون الثمن رهنا إلى وقت حلوله،
ولا يلزمه الوفاء بتقديم الحق قبل الأجل، لأنه لا دليل على ذلك.
وللشافعي فيه قولان:

(1) مختصر المزني: 94، والمجموع 9: 218 و 13: 238، وفتح العزيز 10: 143.
(2) الأم 3: 146، ومختصر المزني: 94، والمجموع 9: 218، والسراج الوهاج: 219، ومغني المحتاج
2: 138، وفتح العزيز 10: 143.
(3) المجموع 13: 240، والوجيز 1: 165، وفتح العزيز 10: 114، والسراج الوهاج: 217، ومغني المحتاج
2: 133، والمغني لابن قدامة 4: 487 - 488.
(4) الأم 3: 145، والوجيز 1: 165، ومختصر المزني: 94 - 95، والمجموع 13: 240، والسراج الوهاج
217، ومغني المحتاج 2: 133، وفتح العزيز 10: 114، والبحر الزخار 5: 120.
(5) البقرة: 275.
(6) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064 وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
233

أحدهما: أن البيع باطل، وهو المنصوص عليه (1).
وقال المزني: يصح، ويكون ثمنه رهنا مكانه (2).
دليلنا: قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (3)، ودلالة الأصل أيضا، والمنع
يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: رهن أرض الخراج - وهي أرض سواد العراق وحده، من
القادسية إلى حلوان عرضا، ومن الموصل إلى عبادان طولا - باطل.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن عمر قسم بين الغانمين، فاشتغلوا بها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى
من المصلحة أن يشتريها منهم لبيت المال، فاستنزلهم عنها، فمنهم من نزل عنها
بعوض، ومنهم من ترك حقه، فلما حصلت لبيت المال لا مالك لها معين، وقفها
على المسلمين، ثم أجرها منهم بأجرة ضربها على الجربان، فجعل على كل
جريب نخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب كرم ثمانية دراهم، وعلى كل جريب
شجر ستة دراهم، وعلى جريب الحنطة أربعة، وعلى الشعير درهمين (4). وبه قال
الإصطخري (5) والمأخوذ من القوم أجرة باسم الخراج.
وقال أبو العباس: ما وقفها، ولكن باعها من المسلمين بثمن مضروب على
الجربان، فالمأخوذ من القوم ثمن (6).

(1) الأم 3: 145، ومختصر المزني 94 - 95، والوجيز 1: 165، والمجموع 13: 240، وفتح العزيز
10: 115، وكفاية الأخيار 1: 164، والسراج الوهاج: 217، ومغني المحتاج 2: 133.
(2) مختصر المزني: 95، والمجموع 13: 240، وفتح العزيز 10: 115.
(3) البقرة: 275.
(4) المجموع 13: 209، والوجيز 1: 159، وفتح العزيز 10: 7، والأحكام السلطانية 1: 148.
(5) المجموع 13: 209.
(6) المجموع 13: 209، والوجيز 1: 159 - 160، والبحر الزخار 5: 114.
234

فعلى قول أبي العباس: الرهن والبيع فيها صحيح.
وعلى قول الشافعي والإصطخري: باطل (1).
وقال أبو حنيفة: أن عمر أقر هذه الأرضين في يد أربابها المشركين، وضرب
عليهم الجزية هذا القدر، فمن باع منهم حقه على مسلم أو أسلم كان المأخوذ منه
خراجا، ولا يسقط ذلك الجزية بإسلامه، فهي طلق تباع، وتورث، وترهن (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أرض الخراج لا يصح بيعها، ولا رهنها، لأنها
أرض المسلمين قاطبة، لا يتعين ملاكها، ومن ادعى أحد الأحكام التي ذكرنا،
فعليه الدلالة.
وكونها أرض الخراج، وإنها لجميع المسلمين على ما نقوله، أو ملك الغانمين
على ما يقول المخالف، لا خلاف فيه، فمن ادعى انتقالها عنهم، فعليه الدلالة.
مسألة 28: إذا جنى العبد جناية، ثم رهنه، بطل الرهن، سواء كانت
الجناية عمدا أو خطأ، أو توجب القصاص أو لا توجبه
ولأصحاب الشافعي فيه ثلاث طرق:
فقال أبو إسحاق: المسألة على قولين عمدا كانت أو خطأ، أحدهما: يصح
والآخر: لا يصح (3).
ومنهم من قال: إن كانت عمدا صح، قولا واحدا. وإن كانت خطأ فعلى
قولين (4).
ومنهم من قال إن كانت خطأ بطل، قولا واحدا وإن كانت عمدا فعلى

(1) المغني لابن قدامة 4: 416، والشرح الكبير 4: 415، والوجيز 1: 159، والبحر الزخار 5: 114.
(2) أنظر الخراج لأبي يوسف: 38، والأحكام السلطانية 1: 151 - 152.
(3) المجموع 13: 207 - 208، والمغني لابن قدامة 4: 408، والبحر الزخار 5 124.
(4) المجموع 13: 207 - 208، والبحر الزخار 5: 124.
235

قولين (1).
قالوا: وهذا القول الأخير هو المذهب (2).
دليلنا: على بطلانه: أنه إذا كان عمدا فقد استحق المجني عليه العبد، وإن
كان خطأ تعلق الأرش برقبته، فلا يصح رهنه.
مسألة 29: إذا رهن عبده رهنا على ألف، وقبضه الراهن، ثم اقترض ألفا
آخر على ذلك الرهن بعينه، كان ذلك صحيحا، ويكون الرهن بالألفين ألف
متقدمة وألف متأخرة. وبه قال الشافعي في القديم (3)، وهو اختيار المزني (4)،
وإليه ذهب أبو يوسف (5).
وقال في الجديد: لا يجوز (6). وبه قال أبو حنيفة ومحمد (7).
دليلنا قوله تعالى: " فرهان مقبوضة " (8) ولم يفرق.
والأخبار المروية في جواز الرهن تدل عليه من غير تفصيل.
مسألة 30: إذا أقر أن عبده جنى على غيره، ثم رهنه، وأنكر المرتهن ذلك.

(1) المجموع 13: 207 - 208.
(2) الوجيز 1: 160، وفتح العزيز 10: 13.
(3) مختصر المزني: 95، والمجموع 13: 207، ومغني المحتاج 2: 127 - 128، وفتح العزيز 10: 52 - 53،
والسراج الوهاج: 214، والبحر الزخار 5: 116.
(4) مختصر المزني: 95، والمجموع 13: 207، والبحر الزخار 5: 116.
(5) شرح فتح القدير 8: 241، وبدائع الصنائع 6: 139، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح
القدير 8: 214، والمجموع 13: 207، والبحر الزخار 5: 116.
(6) الأم 3: 154، ومختصر المزني: 95 و 100، والمجموع 13: 207، والسراج الوهاج: 214، ومغني
المحتاج 2: 127 - 128، وكفاية الأخيار 1: 164، وشرح فتح القدير 8: 241، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 241، وفتح العزيز 10: 52 - 53، والبحر الزخار 5: 116.
(7) شرح فتح القدير 8: 241، شرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 241، وبدائع
الصنائع 6: 139، وتبيين الحقائق 6: 95، والمجموع 13: 207، والبحر الزخار 5: 116.
(8) البقرة: 283.
236

أو أقر أنه كان غصبه من فلان، ثم رهنه أو باعه منه، ثم رهنه.
أو أنه أعتقه، ثم رهنه، وأنكر ذلك المرتهن، كان إقراره لمن أقر له به
صحيحا في حقه، ويلزمه، ولا يلزم ذلك في حق المرتهن.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: لا ينفذ إقراره، وهو أصح القولين (1)، وبه قال أبو حنيفة (2).
والثاني: ينفذ (3).
دليلنا: أن إقرار العاقل على نفسه جائز، فمن منع منه في موضع فعليه
الدلالة.
مسألة 31: إذا دبر عبده، ثم رهنه، بطل التدبير، وصح الرهن إن قصد
بذلك فسخ التدبير، وإن لم يقصد بذلك فسخ التدبير لم يصح الرهن.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه، إذا قال أنه وصية (4).
والثاني: أن التدبير عتق بصفة، فينفذ التدبير ويبطل الرهن، لأنه لا يصح
الرجوع فيه إلا بالبيع والهبة، فأما بالقول فلا يصح بأن يقول قد فسخت
التدبير (5).

(1) الأم 3: 157 - 158، ومختصر المزني: 95، والمجموع 13: 263، والوجيز 1: 169، وفتح العزيز
10: 183، ومغني المحتاج 2: 143، والسراج الوهاج: 221، والبحر الزخار 5: 125.
(2) تبيين الحقائق 6: 90، والأم 3: 157 - 158، وفتح العزيز 10: 183، والبحر الزخار 5: 125.
(3) الأم 3: 157، ومختصر المزني: 95، والوجيز 1: 169، وفتح العزيز 10: 183، ومغني المحتاج 2: 143،
والسراج الوهاج: 221، والبحر الزخار 5: 125.
(4) الأم 3: 158، ومختصر المزني: 96، والمجموع 13: 201 - 202، ومغني المحتاج 2: 123، والسراج
الوهاج: 213، وفتح العزيز 10: 13 - 14 والأشباه والنظائر: 457.
(5) الأم 3: 158، ومختصر المزني: 96، ومغني المحتاج 2: 123، والمجموع 13: 201 - 202، وفتح العزيز
10: 13 - 14، والمغني لابن قدامة 4: 408، والشرح الكبير 4: 408.
237

ومنهم من قال: الرهن باطل، سواء قلنا التدبير وصية، أو عتق بصفة (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أن التدبير بمنزلة الوصية (2)، والوصية
له الرجوع فيها بلا خلاف، فكذلك التدبير.
فأما إذا لم يقصد الرجوع، فلا دلالة على بطلانه، ولا دلالة على صحة
الرهن، فينبغي أن يكون باطلا.
وإن قلنا أنه يصح التدبير والرهن معا، لأنه لا دلالة على بطلان واحد منهما،
كان قويا. وبه قال قوم من أصحاب الشافعي، واختاروه، وهو المذهب
عندهم (3)، لأن ما جاز بيعه جاز رهنه، وبيع المدبر جائز بلا خلاف عندنا،
وكذلك عندهم، وهذا قوي.
مسألة 32: إذا علق عتق عبده بصفة، ثم رهنه، كان الرهن صحيحا
والعتق باطل، سواء كان حلول الحق قبل حلول الشرط أو بعده، أو لا يدري
أيهما سبق.
وقال الشافعي وأصحابه فيها: ثلاث مسائل:
إحداهما: يحل الحق قبل العتق، مثل أن علق عتقه بصفة إلى سنة، ثم رهنه
بحق يحل بعد شهرين، فالرهن صحيح (4).
والثانية: يوجد الصفة قبل محل الحق، مثل أن قال: أنت حر بعد شهر، ثم

(1) مختصر المزني: 96، والمجموع 13: 201 - 202، ومغني المحتاج 2: 123، والوجيز 1: 160، وفتح العزيز
10: 13 - 14.
(2) الكافي 6: 183 حديث 1 و 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 72 حديث 248، والتهذيب 8: 258 حديث
938 و 939، والاستبصار 4: 30 حديث 101 و 105.
(3) المغني لابن قدامة 12: 316، والشرح الكبير 12: 316 - 317.
(4) المجموع 13: 200، والوجيز 1: 160، ومغني المحتاج 2: 123، والسراج الوهاج: 213 و 215، وفتح العزيز 10: 16 - 17.
238

رهنه بحق يحل إلى سنة، فالرهن باطل (1).
والثالثة: إذا لم يعلم أيهما السابق، مثل أن يقول: إذا قدم زيد فأنت حر، ثم
رهنه، بحق يحل إلى سنة، ولا يعلم متى يقدم زيد.
فهذه على قولين: أحدهما يصح (2). والثاني: باطل (3).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن العتق بصفة لا يصح، وإذا لم يصح ذلك، كان
الملك باقيا، وصح رهنه.
مسألة 33: إذا رهنه عبدا، ثم دبره، كان التدبير باطلا. وبه قال الشافعي
وأصحابه (4).
وحكى الربيع فيها قولا آخر: إن الرهن صحيح، والتدبير صحيح (5).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الراهن لا يجوز له التصرف في الرهن بغير إذن
المرتهن، والتدبير تصرف، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 34: إذا كان الرهن شاة فماتت، زال ملك الراهن عنها، وانفسخ
الرهن إجماعا، فإن أخذ الراهن جلدها، فدبغه، لم يعد ملكه.
وقال الشافعي: يعود ملكه، قولا واحدا (6).

(1) الأم 3: 159، والمجموع 13: 200، والوجيز 1: 160، ومغني المحتاج 2: 123، وفتح العزيز 10: 17،
والأشباه والنظائر: 457، والمغني لابن قدامة 4: 409، والشرح الكبير 4: 402.
(2) المجموع 13: 200، ومغني المحتاج 2: 123 و 130، والسراج الوهاج: 213 و 216، وفتح العزيز
10: 17، والمغني لابن قدامة 4: 409، والشرح الكبير 4: 402.
(3) المجموع 13: 200، والمغني لابن قدامة 4: 409، ومغني المحتاج 2: 123، والسراج الوهاج: 215 -
216، وفتح العزيز 10: 17، والشرح الكبير 4: 402.
(4) الأم 3: 158، ومختصر المزني: 96، والمجموع 13: 203 والسراج الوهاج: 215، ومغني المحتاج 2: 129.
(5) مختصر المزني: 96، والمجموع 13: 203، والسراج الوهاج: 215، ومغني المحتاج 2: 129، والبحر
الزخار 5: 119.
(6) المجموع 13: 248.
239

وهل يعود الرهن؟ على وجهين.
قال ابن خيران: يعود الرهن (1).
وقال أبو إسحاق: لا يعود (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وإذا ثبت ذلك لم
يعد الملك إجماعا، لأن من خالف في ذلك خالف في طهارته.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: " حرمت عليكم الميتة " (3) وذلك على
عمومه.
مسألة 35: إذا اشترى عبدا بألف، ورهن به عصيرا، وقبضه، واختلفا،
فقال الراهن: أقبضتك عصيرا، وقال المرتهن: أقبضتنيه خمرا، فلي الخيار، كان
القول قول المرتهن مع يمينه. وبه قال أبو حنيفة والمزني (4)، وهو أحد قولي
الشافعي (5).
والثاني: القول قول الراهن، وهو اختيار الأسفرايني (6).
دليلنا: أن هذا اختلاف في القبض، لأنه إذا ادعى المرتهن أنه قبضه خمرا،
وقبض الخمر كلا قبض، فصار كأنه اختلاف في القبض، وفي اختلاف
القبض القول قول المرتهن، لأنه يكون فائدته أن المرتهن يقول ما قبضت رهنا،
والراهن يقول قبضت رهنا، فمن يدعي القبض فعليه البينة، وعلى من ينكره
اليمين.
والقول الآخر أيضا قوي، لأنهما اتفقا على القبض، وإنما يدعي المرتهن أنه
قبض فاسد، فعليه البينة، والأصل الصحة.

(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(3) المائدة: 3.
(4) مختصر المزني: 96، والمجموع 13: 259، وفتح العزيز 10: 194.
(5) مختصر المزني: 96، والمجموع 13: 259، وفتح العزيز 10: 194.
(6) مختصر المزني: 96، والوجيز 1: 168، والمجموع 13: 259، وفتح العزيز 10: 194.
240

مسألة 36: الخمر ليست بمملوكة، ويجوز إمساكها للتخلل، وللتخليل.
وقال الشافعي: ليست مملوكة، ولا يحل إمساكها، ويجب إراقتها (1).
وقال أبو حنيفة: هي مملوكة كالعصير، ولا يجب عليه إراقتها، ويجوز له
إمساكها للتخلل أو التخليل (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على نجاسة الخمر، وعلى تحريمها الإجماع، فمن ادعى
صحة أنه يملكها، فعليه الدلالة.
وأما التخلل والتخليل فلا خلاف بين الطائفة فيه، فلأجل ذلك لم نتشاغل
به، ولأنه لو صار خلا، تناولته الظواهر المتناولة لإباحة الخل، فمن خصص
ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا رهن نخلا مطلعا، ولم يشرط أن يكون الطلع رهنا، لم يدخل
الطلع في الرهن.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو قوله الجديد (3).
والثاني يدخل فيه، وهو قوله القديم (4).
دليلنا: أن الأصل عدم كونه رهنا، فمن ادعى دخوله في الرهن لدخول
النخل فيه، فعليه الدلالة.
مسألة 38: إذا رهن ما يسرع إليه الفساد، ولم يشرط أنه إذا خيف هلاكه
بعه، كان الرهن فاسدا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (5).

(1) الأم 3: 159، والمجموع 2: 577 و 13: 247، وفتح العزيز 10: 82 و 85.
(2) الفتاوى الهندية 5: 437، وتبيين الحقائق 6: 93، والمجموع 13: 247، وفتح العزيز 10: 82.
(3) مختصر المزني: 96 و 99، والمجموع 13: 210 - 211، والوجيز 1: 162، وفتح العزيز 10: 55.
(4) المجموع 13: 210 - 211، والوجيز 1: 162.
(5) المجموع 13: 199، والوجيز 1: 160، والسراج الوهاج: 213، ومغني المحتاج 2: 124، وفتح العزيز
10: 11، والمغني لابن قدامة 4: 410، والشرح الكبير 4: 403.
241

والثاني: يصح الرهن، ويجبر على بيعه (1).
دليلنا: أنه لا دليل على أنه يجبر على بيعه، وإذا لم يكن عليه دلالة لم ينتفع
المرتهن بهذا الرهن أصلا، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 39: إذا رهن عند غيره شيئا، وشرط للمرتهن إذا حل الحق أن
يبيعه، صح شرطه، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن. وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال الشافعي: لا يصح شرطه، ولا توكيله إلا بحضرة الراهن، فإن حضره
الراهن صح بيعه (3).
ومنهم من قال: لا يجوز على كل حال (4).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، فمن منع منه فعليه الدلالة.
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم " (5) وذلك
عام.
مسألة 40: إذا رهن عند غيره شيئا، وشرط أن يكون موضوعا على يد

(1) مختصر المزني: 96، والمجموع 13: 199، والوجيز 1: 160، والسراج الوهاج: 213، ومغني المحتاج
2: 124، وفتح العزيز 10: 11، والمغني لابن قدامة 4: 410، والشرح الكبير 4: 403.
(2) اللباب 2: 8، وبدائع الصنائع 6: 146، والمجموع 13: 225، والمغني لابن قدامة 4: 464، وفتح
العزيز 10: 129.
(3) المجموع 13: 225، ومغني المحتاج 2: 135، والسراج الوهاج: 217، وفتح العزيز 10: 129، والمغني
لابن قدامة 4: 464.
(4) ممن قال به الطبري، انظر المجموع 13: 226، ومغني المحتاج 2: 135، والسراج الوهاج: 217، وفتح
العزيز 10: 129.
(5) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
242

عدل، صح شرطه، فإذا قبضه العدل، لزم الرهن. وبه قال جميع الفقهاء (1)،
إلا ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا يصح قبضه (2).
دليلنا إجماع الأمة، وخلاف ابن أبي ليلى قد انقرض.
وأيضا: قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (3).
مسألة 41: إذا عزل الراهن عن البيع، لم تنفسخ وكالته، وجاز له
بيع الرهن.
وقال الشافعي: تنفسخ وكالته، ولا يجوز له بيعه (4).
دليلنا: أنه قد ثبت وكالته بالإجماع، فمن ادعى انفساخها، فعليه الدلالة.
مسألة 42: إذا عزل المرتهن العدل لم ينعزل أيضا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (5).
وفي أصحابه من قال: ينعزل (6).
دليلنا: أن الأصل ثبوت الوكالة، وثبوت العزل بعدها يحتاج إلى دليل.

(1) المبسوط 21: 77، وبدائع الصنائع 6: 137، وشرح فتح القدير 8: 220، والفتاوى الهندية 5: 440،
وتبيين الحقائق 6: 80، والمجموع 13: 221، والوجيز 1: 165، ومغني المحتاج 2: 133، والسراج
الوهاج: 217، وفتح العزيز 10: 121، والمغني لابن قدامة 4: 419، والشرح الكبير 4: 448.
(2) المجموع 13: 221، والمغني لابن قدامة 4: 419، والشرح الكبير 4: 449، والمبسوط 21: 77، وتبيين
الحقائق 6: 80، وبدائع الصنائع 6: 137.
(3) تقدمت الإشارة إلى مصادر الحديث في المسألة السابقة فلاحظ.
(4) الأم 3: 169، والمجموع 13: 224، ومغني المحتاج 2: 135، وفتح العزيز 10: 130، والمغني لابن
قدامة 4: 423، والشرح الكبير 4: 454، والبحر الزخار 5: 122.
(5) المجموع 13: 224، ومغني المحتاج 2: 135، وفتح العزيز 10: 130، والمغني لابن قدامة 4: 423 -
424، والشرح الكبير 4: 454 - 455، والبحر الزخار 5: 122.
(6) المجموع 13: 224، وفتح العزيز 10: 130، والمغني لابن قدامة 4: 423 - 424، والشرح الكبير
4: 454 - 455.
243

مسألة 43: إذا أراد العدل بيع الرهن، فلا بد من إذن المرتهن، ولا يلزم إذن
الراهن.
وللشافعي في إذن الراهن وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: لا بد من إذنه (2).
دليلنا: أنه قد أذن له في بيعه في حال التوكيل، فهو يملك الإذن فيه،
فلا يحتاج إلى تجديده، ولأنه لا دلالة عليه، ولأنه يؤدي إلى أن لا يباع الرهن
أصلا، إن امتنع من الإذن أبدا.
مسألة 44: لا يجوز للعدل أن يبيع الرهن إلا بثمن مثله حالا، ويكون من
نقد البلد، إذا أطلق له الإذن، فإن شرط له جواز ذلك كان جائزا. وبه قال
الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يجوز له بيعه بأقل من ثمن مثله، وبنسية، حتى قال: لو
وكله في بيع ضيعة تساوي مائة ألف دينار، فباعها بدانق نسية إلى ثلاثين سنة
كان جائزا (4).
دليلنا: أنا قد اتفقنا أنه إذا باعه بما قلناه كان البيع ماضيا، ولا دليل على
أن ما قاله صحيح.

(1) المجموع 13: 223، ومغني المحتاج 2: 135، وفتح العزيز 10: 129 - 130، والسراج الوهاج: 217،
وحاشية إعانة الطالبين 3: 62، والمغني لابن قدامة 4: 423 - 424.
(2) المجموع 13: 223، ومغني المحتاج 2: 135، والسراج الوهاج: 217، وفتح العزيز 10: 129 - 130،
والمغني لابن قدامة 4: 423 - 424.
(3) الوجيز 1: 165، والسراج الوهاج: 218، ومغني المحتاج 2: 135، وفتح العزيز 10: 132، والمغني
لابن قدامة 4: 426، والشرح الكبير 4: 452.
(4) المبسوط 21: 84، والفتاوى الهندية 5: 443، وبدائع الصنائع 6: 149، وتبيين الحقائق 6: 81،
والمغني لابن قدامة 4: 426، والشرح الكبير 4: 452.
244

مسألة 45: إذا باعه بثمن مثله، أو بما يتغابن الناس في مثله، ثم جاءه
الزيادة للراهن في حال خيار المجلس، أو خيار الشرط، فإن قبلها كان له فسخ
العقد، وإن لم يقبلها لم ينفسخ البيع.
وللشافعي فيه قولان: فالذي نص عليه أنه ينفسخ البيع على كل حال (1).
والثاني: لا ينفسخ لمكان الزيادة إذا لم يفسخ (2).
دليلنا: أن العقد ثبت بلا خلاف، وانفساخه على كل حال يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: الرهن غير مضمون. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: مضمون بأقل الأمرين (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (5)، ولأنه لا دلالة على كونه مضمونا،
والأصل براءة الذمة.
مسألة 47: إذا باع العدل الرهن، وقبض ثمنه، فهو من ضمان الراهن حتى
يقبضه المرتهن، لأنه بدل الرهن، فإذا تلف الثمن لم يسقط من دين المرتهن

(1) مغني المحتاج 2: 136، والسراج الوهاج: 218، وفتح العزيز 10: 123.
(2) مغني المحتاج 2: 136، وفتح العزيز 10: 123، والسراج الوهاج: 218.
(3) الأم 3: 168 و 198، ومختصر المزني: 101، والوجيز 1: 166، وفتح العزيز: 10: 138، والمجموع
13: 249، والسراج الوهاج: 218، ومغني المحتاج 2: 136، وكفاية الأخيار 1: 163، والمبسوط
21: 65، وشرح فتح القدير 8: 194، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 194،
وتبيين الحقائق 6: 64، والمغني لابن قدامة 4: 478، والشرح الكبير 4: 444.
(4) اللباب 2: 5، والمبسوط 21: 64 - 65، وشرح فتح القدير 8: 198، وشرح العناية على الهداية بهامش
شرح فتح القدير 8: 198، وتبيين الحقائق 6: 63 - 64، والمجموع 13: 249، وفتح العزيز
10: 138، والمغني لابن قدامة 4: 479، والشرح الكبير 4: 445.
(5) أنظر الكافي 5: 234 حديث 8، ومن لا يحضره الفقيه 3: 196، حديث 893، والتهذيب 7: 172
حديث 762 و 765، والاستبصار 3: 120 حديث 427 و 428.
245

شئ. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يسقط من دين المرتهن إذا تلف ثمن الرهن (2).
دليلنا: أنا قد بينا أن الرهن نفسه غير مضمون، وإذا كان كذلك، فضمان
قيمته أولى بذلك.
وأيضا الأصل براءة الذمة، ومن جعله مضمونا فعليه الدلالة.
وأيضا ثبت الدين في ذمة الراهن، ولا دليل على براءة ذمته بهلاك ثمن
الرهن، فيجب أن يكون باقيا على أصله.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الرهن من صاحبه
الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه " (3) يعني ضمانه من صاحبه الذي رهنه.
مسألة 48: إذا باع العدل الرهن بتوكيل الراهن، وقبض الثمن، وضاع في
يده، واستحق المبيع من يد المشتري، فإن المشتري يرجع على الوكيل، والوكيل
يرجع على الراهن.
وكذلك كل وكيل باع شيئا فاستحق وضاع الثمن في يد الوكيل، فإن
المشتري يرجع على الوكيل، والوكيل يرجع على الموكل. وبه قال أبو حنيفة (4).

(1) الأم 3: 192 و 198، والمجموع 13: 225، والسراج الوهاج: 218، ومغني المحتاج 2: 135، وفتح
العزيز 10: 131، والوجيز 1: 165، والنتف 1: 612، والمغني لابن قدامة 4: 427، والشرح الكبير 4: 452.
(2) المبسوط 21: 81، والفتاوى الهندية 5: 441، والنتف 1: 612، واللباب 2: 6، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 221، والمجموع 13: 225، والأم 3: 198، وفتح العزيز
10: 131، والمغني لابن قدامة 4: 427، والشرح الكبير 4: 452.
(3) سنن الدارقطني 3: 33 حديث 130 و 133، وترتيب مسند الشافعي 2: 163 - 164، والسنن
الكبرى 6: 39، ونيل الأوطار 5: 354.
(4) بدائع الصنائع 6: 149، والفتاوى الهندية 5: 440، وشرح فتح القدير 8: 221، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 221، وتبيين الحقائق 6: 82 - 83، والمغني لابن قدامة 4: 427 -
428، والشرح الكبير 4: 452.
246

وقال الشافعي في جميع هذه المسائل: يرجع على الموكل دون الوكيل (1).
فأما إذا كان الوكيل صبيا، أو باع الحاكم على اليتيم، أو أمين الحاكم،
فإنه يرجع على الموكل إجماعا.
دليلنا: أن الوكيل إذا كان هو العاقد للبيع، فيجب أن يكون هو الضامن
للدرك، ومن قال: أن الموكل ضامن من غير واسطة، فعليه الدلالة.
مسألة 49: إذا غاب المتراهنان، وأراد العدل رد الرهن لغير عذر به، لم يجز
له رده إلى الحاكم، ومتى رده إلى الحاكم كانا ضامنين.
وقال الشافعي: إن كان سفرهما بحيث يجب فيه التقصير - وهي ستة عشر
فرسخا عنده - جاز له أن يرده إلى الحاكم، وجاز له أن يقبضه منه. وإن نقص
عن هذا المقدار كانا بحكم الحاضرين (2).
دليلنا: أنه قد ثبت الرهن عنده بقبوله باختياره، ولا دليل على جواز دفعه
إلى الحاكم، فيجب أن لا يجوز ذلك له.
مسألة 50: إذا شرطا أن يكون الرهن عند عدلين، فأراد أحدهما أن يسلم
إلى الآخر حتى ينفرد بحفظه، لم يكن له ذلك.
وللشافعي فيه قولان:
قال أبو العباس بن سريج: فيه وجهان، أحدهما: لا يكون له ذلك (3).
والثاني يجوز (4).

(1) المجموع 13: 225، وفتح العزيز 10: 13، والمغني لابن قدامة 427 - 428، والشرح الكبير 4: 452.
(2) المجموع 13: 222.
(3) المجموع 13: 220 و 222، ومغني المحتاج 2: 134، وفتح العزيز 10: 119، والسراج الوهاج: 217،
والمغني لابن قدامة 4: 419 - 420، والشرح الكبير 4: 449.
(4) مغني المحتاج 2: 134، والمجموع 13: 220 و 222، وفتح العزيز 10: 119، والسراج الوهاج: 217،
والمغني لابن قدامة 4: 42، والشرح الكبير 4: 449.
247

دليلنا: أنه لا دليل على جواز ذلك، والأصل كون الرهن عندهما.
وأيضا فإن الراهن لم يرض بأمانة أحدهما، وإنما رضي بأمانتهما جميعا،
فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بحفظه.
مسألة 51: لا يجوز للعدلين أن يقتسما بالرهن إذا كان مما يصح قسمته من
غير ضرر، مثل الطعام والشيرج وغير ذلك.
وللشافعي فيه وجهان (1)، مثل المسألة الأولى سواء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 52: إذا استقرض ذمي من مسلم مالا، ورهن عنده بذلك خمرا يكون
على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق، فباعها وأتى بثمنها، جاز له أن يأخذه
ولا يجبر عليه.
ولأصحاب الشافعي في الإجبار عليه وجهان:
أحدهما: مثل ما قلناه (2). والثاني يجبر عليه (3).
دليلنا: أنه لا دليل على إجباره عليه، وله أن يطالب بما لا يكون من ثمن
محرم، فلا وجه للإجبار.
مسألة 53: إذا أقر العبد المرهون بجناية توجب القصاص، أو جناية الخطأ،
فإقراره باطل في الحالين.
وقال الشافعي: إن أقر بما يوجب القصاص قبل إقراره، لأنه لا يتهم بها
نفسه، وإن أقر بجنايتها خطأ لم يقبل إقراره، لأنه إقرار على المولى (4).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن إقرار العبد لا يقبل على نفسه بجناية، ولأن في

(1) أنظر المجموع 13: 223، وفتح العزيز 10: 120.
(2) المجموع 13: 224.
(3) المجموع 13: 224.
(4) الأم 3: 178 - 179، والمجموع 20: 290، وفتح العزيز 11: 93، والمغني لابن قدامة 4: 323 - 324.
248

الحالين يتضمن إقرارا على الغير، لأنه أقر بجناية العمد، فلو وجب عليه القصاص
كان في ذلك إتلاف مال السيد، فهو إقرار عليه.
مسألة 54: إذا أكره المولى عبده المرهون على جناية توجب القصاص،
فلا قصاص على المكره، وإنما القصاص على المكره.
وقال الشافعي: المكره يلزمه القصاص (1).
وفي المكره قولان:
أحدهما: يجب القصاص (2).
والآخر: لا يجب للشبهة (3).
دليلنا: قوله تعالى: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " (4) الآية، ونحن
نعلم أنه أراد النفس القاتلة، فمن أوجب على غير القاتلة القصاص فعليه
الدلالة.
مسألة 55: إذا عفى على مال عن هذا العبد المكره، فإن المال يتعلق برقبة
العبد جميعه، لأنه الجاني.
وقال الشافعي: يتعلق نصفه برقبة السيد، ونصفه برقبة العبد، يباع منه
بقدر نصف الأرش، ويقدم على حق المرتهن (5).
دليلنا: أن العبد هو الجاني، فيجب أن يلزمه المال في رقبته دون المولى، لأنه

(1) الأم 6: 42، والمجموع 18: 390 و 394، ومغني المحتاج 4: 9، والوجيز 2: 123، والسراج الوهاج:
479، والمغني لابن قدامة 9: 331 - 332.
(2) المجموع 18: 391 و 394، والوجيز 2: 123، ومغني المحتاج 4: 9، والسراج الوهاج: 479.
(3) مختصر المزني: 97، ومغني المحتاج 4: 9، والوجيز 2: 123، والسراج الوهاج: 479، والمجموع
18: 391 و 394.
(4) المائدة: 45.
(5) المجموع 18: 394، ومغني المحتاج 4: 10.
249

لا دليل عليه، والأصل براءة الذمة.
وأيضا فقد بينا أن القصاص يجب على المكره، وكل من قال بذلك، قال
بما قلناه.
مسألة 56: إذا باع شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم، وشرط رهنا مجهولا،
فإن الرهن فاسد. وبه قال الشافعي (1).
وقال مالك: يصح، ويجبر على أن يأتي برهن قيمته بقدر الدين (2).
دليلنا: أنه لا دلالة على صحته، فمن ادعى صحته فعليه الدلالة.
مسألة 57: إذا اختلف المتراهنان في عبدين، فقال المرتهن: رهنتني عبدين.
وقال الراهن: رهنتك أحدهما.
وكذلك إن اختلفا في مقدار الحق، فقال الراهن: رهنتك بخمسمائة.
وقال المرتهن: بألف، كان القول قول الراهن مع يمينه، وبه قال الشافعي (3).
وقال مالك: القول قول من شهد له قيمة الرهن، فإن كان الحق ألفا،
وقيمة كل واحد من العبدين ألفا، كان القول قول الراهن مع يمينه، لأن
الظاهر أن أحد العبدين رهن. وإن كان قيمتهما جميعا ألفا، وقيمة أحدهما
خمسمائة كان القول قول المرتهن، لأن الظاهر أن العبدين رهن.

(1) الأم 3: 161، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 208، وفتح العزيز 10: 57، والمغني لابن قدامة
4: 460، والشرح الكبير 4: 460.
(2) بلغة السالك 2: 111، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 111، والمغني لابن قدامة
4: 460، والشرح الكبير 4: 459 - 460.
(3) الأم 3: 192، ومغني المحتاج 2: 142، والسراج الوهاج: 220، وكفاية الأخيار 1: 164، والمجموع
13: 253 - 254، وفتح العزيز 10: 169 - 170، وعمدة القاري 13: 74، وحاشية إعانة الطالبين
3: 64، والمغني لابن قدامة 4: 482، والشرح الكبير 4: 465 - 466، وبداية المجتهد 2: 274 - 275،
وإرشاد الساري في شرح صحيح البخاري 4: 299.
250

وكذلك إذا كان الخلاف في قدر الحق الذي فيه الرهن، إذا كانت قيمة
الرهن تشهد لقول أحدهما، كان القول قوله (1).
دليلنا: أن الأصل عدم الرهن، وما أقر له الراهن فقد اتفقا عليه، وما زاد
عليه فالمرتهن مدع فعليه البينة، وإلا فعلى الراهن اليمين.
وكذلك القول في مقدار الحق، لأن الأصل براءة الذمة، وما أقر به وجب
عليه، وما زاد عليه يحتاج إلى بينة، وإلا فعليه الدلالة.
مسألة 58: منفعة الرهن للراهن دون المرتهن، وذلك مثل: سكنى الدار،
وخدمة العبد، وركوب الدابة، وزراعة الأرض.
وكذلك نماء الرهن المنفصل عن الرهن لا يدخل في الرهن مثل: الثمرة،
والصوف، والولد، واللبن. وبه قال الشافعي (2).
وقال أو حنيفة: منفعة الرهن تبطل، فلا تحصل للراهن ولا للمرتهن.
وأما النماء المنفصل، فإنه يدخل في الرهن مثل الثمرة، والولد، والصوف،
واللبن وما أشبه ذلك، ويكون حكمه حكم الأصل (3).
وقال مالك: يدخل الولد، ولا يدخل الثمرة، لأن الولد يشبه الأصل، والثمرة

(1) المدونة الكبرى 5: 312، وبداية المجتهد 2: 274 - 275، وأسهل المدارك في شرح إرشاد السالك
2: 369، والمغني لابن قدامة 4: 482، والشرح الكبير 4: 465 - 466، وفتح العزيز 10: 170.
(2) الأم 3: 155 و 163، ومختصر المزني: 98، والمجموع 13: 229، ومغني المحتاج 2: 131، وفتح العزيز
10: 148، والوجيز 1: 164، والسراج الوهاج: 216، والمحلى 8: 91، والنتف 1: 604، والمبسوط
21: 75، وعمدة القاري 13: 73، وبدائع الصنائع 6: 139، وبداية المجتهد 2: 272، والمغني لابن
قدامة 4: 471، والشرح الكبير 4: 440.
(3) النتف 1: 604، واللباب 2: 11، والمبسوط 21: 75، وبدائع الصنائع 6: 139، وعمدة القاري
13: 73، وتبيين الحقائق 6: 94، والمجموع 13: 329، وفتح العزيز 10: 148، والمحلى 8: 91،
والمغني لابن قدامة 4: 471، والشرح الكبير 4: 440، وبداية المجتهد 2: 272.
251

لا تشبهه (1).
دليلنا: أنه لا دليل على بطلان هذه المنفعة، ولا على دخوله في الرهن، فيجب
أن يكون للراهن، لأن الأصل له.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الرهن محلوب
ومركوب " (2) فأثبت للرهن منفعة الحلب والركوب، ولا خلاف أنه ليس ذلك
للمرتهن، ثبت أنه للراهن.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الرهن من صاحبه
الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه " (3) ونماؤه غنمه، فيجب أن يكون له، فمن
ادعى خلافه فعليه الدلالة.
مسألة 59: ليس للراهن أن يكري داره المرهونة، أو يسكنها غيره إلا بإذن
المرتهن، فإن أكراها وحصلت أجرتها كانت له.
وقال الشافعي: له أن يؤجرها ويسكنها غيره (4).
وهل له أن يسكنها بنفسه؟ لهم فيه وجهان (5).

(1) المدونة الكبرى 5: 301، وبداية المجتهد 2: 272، وجواهر الإكليل في شرح مختصر الشيخ خليل
2: 82، وأسهل المدارك في شرح إرشاد السالك 2: 374، والنتف 1: 604، والمجموع 13: 229،
وعمدة القاري 14: 73، والمغني لابن قدامة 4: 471، والشرح الكبير 4: 440، وفتح العزيز
110: 148.
(2) سنن الدارقطني 3: 34 حديث 136، والسنن الكبرى 6: 38، والأم 3: 155.
(3) سنن الدارقطني 3: 33 حديث 123، وترتيب مسند الشافعي 2: 163 حديث 567، والمستدرك
على الصحيحين 2: 51، والسنن الكبرى 6: 39، ورواه ابن حبان في صحيحه باختلاف يسير في
اللفظ، انظر الإحسان بترتيب بن حبان 7: 570 حديث 5904.
(4) المجموع 13: 230 - 231، والمغني لابن قدامة 4: 472 - 473، والشرح الكبير 4: 431.
(5) النتف 1: 606، والمجموع 13: 230 - 231، والوجيز 1: 164، ومغني المحتاج 2: 131، والسراج
الوهاج: 216، وإرشاد الساري 4: 298.
252

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (1)، ولأنه لا دليل على جواز ذلك.
مسألة 60: إذا زوج الراهن عبده المرهون، أو جاريته المرهونة، كان تزويجه
صحيحا. وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال الشافعي: لا يصح تزويجه (3).
دليلنا قوله تعالى: " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم " (4)، ولم يفصل، فمن ادعى التخصيص فعليه الدلالة.
مسألة 61: إذا شرط في حال عقد الرهن شروطا فاسدة، كانت الشروط
فاسدة، لم يبطل الرهن، ولا البيع الذي كان الرهن شرطا فيه.
وقال الشافعي: إن كان الشرط ينقص من حق المرتهن، فإنه يفسد الرهن
قولا واحدا (5)، وإن زاد في حق المرتهن ففيه قولان:
أحدهما: يفسده (6). والآخر: لا يفسده (7).
فإذا قال: يفسد الرهن، فهل يبطل البيع؟ فيه قولان:

(1) أنظر الكافي 5: 232 (باب الرهن)، ومن لا يحضره الفقيه 3: 195 (باب 95)، والتهذيب 7: 168
(باب 15)، والاستبصار 3: 118 (باب 79).
(2) الفتاوى الهندية 5: 437، والمغني لابن قدامة 4: 435، والشرح الكبير 4: 436، وفتح العزيز 10: 88
89، والبحر الزخار 5: 119.
(3) الأم 3: 140، والمجموع 13: 231، والوجيز 1: 164، وفتح العزيز 10: 88، وكفاية الأخيار 1: 163،
والسراج الوهاج: 216، ومغني المحتاج 2: 131، والمغني لابن قدامة 4: 435، والشرح الكبير
4: 435، وحاشية إعانة الطالبين 3: 63، والبحر الزخار 5: 119.
(4) النور: 32.
(5) الأم 3: 155 - 156، والمجموع 13: 216، وفتح العزيز 10: 46 - 47، والمغني لابن قدامة 4: 465،
والشرح الكبير 4: 457.
(6) الأم 3: 155 - 156، والمجموع 13: 216، وفتح العزيز 10: 43، والمغني لابن قدامة 4: 465،
والشرح الكبير 4: 457.
(7) المصادر السابقة.
253

أحدهما: يبطل، وهو الصحيح عندهم (1).
والثاني: لا يفسد البيع (2).
وإذا قال البيع صحيح، كان البائع بالخيار بين أن يجيزه بلا رهن، وبين أن
يفسخه، لأنه لم يسلم له الرهن.
دليلنا: إن فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد الرهن، ولا إلى فساد البيع، لأن
تعديه إليهما يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك.
مسألة 62: إذا كان له على غيره ألف فقال: أقرضني ألفا آخر حتى أرهن
عندك هذه الضيعة بالألفين، صح ذلك، ولم يمنع منه مانع.
وقال الشافعي: لا يصح الرهن، ولا القرض الثاني (3).
دليلنا: إن فساد ذلك يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 63: إذا كانت المسألة بحالها إلا أن من عليه الألف قال الذي له
الألف: بعني عبدك هذا بألف درهم، على أن أرهنك داري هذه بهذا الألف،
وبالألف الآخر الذي علي، فباعه، صح البيع.
وقال الشافعي: لا يصح (4).
دليلنا: إن البيع والرهن جميعا جائزان على الانفراد، فمن حكم بفسادهما
عند الاجتماع فعليه الدلالة.
مسألة 64: إذا رهن نخلا، أو ماشية، على أن ما أثمرت أو نتجت يكون

(1) الأم 3: 155 - 156، والمجموع 13: 216، وفتح العزيز 10: 43 - 44.
(2) المصادر السابقة.
(3) الأم 3: 155، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 218، وكفاية الأخيار 1: 164، وفتح العزيز
10: 52، والمغني لابن قدامة 4: 466، والشرح الكبير 4: 458.
(4) الأم 3: 155، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 217، وفتح العزيز 10: 52، والشرح الكبير
4: 458 - 459.
254

رهنا معه، كان الشرط صحيحا، والرهن صحيحا، والبيع الذي يكون هذا
شرطا فيه صحيحا.
وللشافعي فيه أربعة أقوال: أولها مثل ما قلناه (1).
والثاني: أن الثلاثة فاسدة (2).
والثالث: أن الشرط فاسد، والرهن والبيع صحيحان، ويكون البائع
بالخيار (3).
والرابع يكون الرهن والشرط فاسدين، والبيع صحيحا (4).
دليلنا: أنه لا دلالة على فساد ذلك، والأصل جوازه.
وأيضا قوله: " كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة فهو جائز " (5).
وقوله: " المؤمنون عند شروطهم " (6).
مسألة 65: إذا قال رهنتك هذا الحق بما فيه، لا يصح الرهن فيما فيه
بلا خلاف، للجهل بما فيه، ويصح عندنا في الحق.
وللشافعي في الحق قولان، بناء على تفريق الصفقة (7).
دليلنا: أنه لا دلالة على بطلانه في الحق، فوجب أن يصح.

(1) الأم 3: 195، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 218 - 219، وفتح العزيز 10: 49 و 51 - 52.
(2) الأم 3: 156 و 195، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 218 - 219، وفتح العزيز 10: 52.
(3) الأم 3: 156 و 161 - 162، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 218 - 219، وفتح العزيز 10: 52.
(4) مختصر المزني: 100، والمجموع 13: 218 - 219، وفتح العزيز 10: 52.
(5) الكافي 5: 169 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 127 حديث 553، والتهذيب 7: 22 حديث 94
و 7: 25 حديث 107.
(6) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44 حديث 1195 و 1246، والمغني لابن قدامة
4: 384، والشرح الكبير 4: 386.
(7) الأم 3: 161، ومختصر المزني: 100، والمجموع 13: 208، وفتح العزيز 10: 57.
255

مسألة 66: الرهن غير مضمون عندنا، فإن تلف من غير تفريط فلا ضمان
على المرتهن، ولا يسقط دينه عن الراهن. وبه قال علي عليه السلام.
فإنه روي عنه أنه قال: " الرهن أمانة " (1).
وروي أنه قال: " إذا تلف الرهن بالجائحة فلا ضمان على المرتهن " (2).
وهو مذهب عطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل،
والأوزاعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وهو اختيار أبو بكر ابن المنذر (3).
وذهب أبو حنيفة، وسفيان الثوري إلى: أن الرهن مضمون بأقل الأمرين
من قيمته، أو الدين (4)، وبه قال عمر بن الخطاب (5).
وذهب شريح، والشعبي، والنخعي، والحسن البصري إلى: أن الرهن
مضمون بجميع الدين، فإذا تلف الرهن في يد المرتهن سقط جميع الدين، وإن
كان أضعاف قيمته. وقالوا: الرهن بما فيه (6).

(1) لم أقف على لفظ الرواية ولكن يستفاد ذلك مما رواه البيهقي في السنن الكبرى 6: 43.
(2) أنظر المصدر السابق.
(3) مختصر المزني: 101، والمجموع 13: 249، وكفاية الأخيار 1: 163، ومغني المحتاج 2: 137، وفتح
العزيز 10: 138، والنتف 1: 607، والمغني لابن قدامة 4: 478، والإقناع 2: 160 و 162، والشرح
الكبير 4: 444، وأحكام القرآن للجصاص 1: 526 - 527، وبداية المجتهد 2: 273، والمبسوط
21: 65، والبحر الزخار 5: 113.
(4) أحكام القرآن للجصاص 1: 526، والنتف 1: 608، واللباب 2: 5، والمبسوط 21: 64 - 65،
وبدائع الصنائع 6: 154 و 160، والمغني لابن قدامة 4: 479، والشرح الكبير 4: 445، والمجموع
13: 249، وفتح العزيز 10: 138، وبداية المجتهد 2: 273، والبحر الزخار 5: 113.
(5) أحكام القرآن للجصاص 1: 527، وسنن الدارقطني 3: 31 حديث 119 - 120، والمبسوط
21: 64، وبدائع الصنائع 6: 160، والمجموع 13: 249، والمغني لابن قدامة 4: 478 - 479،
والشرح الكبير 4: 445، والبحر الزخار 5: 113.
(6) أحكام القرآن للجصاص 1: 527، والنتف 1: 608، والمبسوط 21: 65، وبدائع الصنائع 6: 160،
والمغني لابن قدامة 4: 478 - 479، والشرح الكبير 4: 444 - 445، والمجموع 13: 250.
256

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم ذكرناها في الكتاب المذكور (1)، وما روينا
عن علي عليه السلام دليل عليه، لأن قوله حجة.
وروى سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: " لا يغلق الرهن والرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه " (2).
وفيه دليلان:
أحدهما: أنه قال: " له غنمه وعليه غرمه ".
والثاني: " أنه قال: " الرهن من صاحبه " يعني من ضمان صاحبه.
ومعنى قوله: " لا يغلق الرهن " أي لا يملكه المرتهن.
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله: " الخراج بالضمان " (3).
وخراجه للراهن بلا خلاف، فوجب أن يكون من ضمانه.
مسألة 67: إذا ادعى المرتهن هلاك الرهن قبل قوله مع يمينه، سواء ادعى
هلاكه بأمر ظاهر مثل: الغرق، والحرق، والنهب. أو بأمر خفي مثل: التلصص،
والسرقة الخفية، والضياع، وبه قال الشافعي (4).
وقال مالك: إن ادعى هلاكه بأمر ظاهر قبل قوله مع يمينه، وإذا حلف

(1) الكافي 5: 234 حديث 8، ومن لا يحضره الفقيه 3: 166 حديث 893، والتهذيب 7: 765 حديث
762، والاستبصار 3: 120 حديث 427 - 428.
(2) سنن الدارقطني 3: 33 حديث 123، وترتيب مسند الشافعي 2: 163 حديث 567، والسنن
الكبرى 6: 39، والمستدرك على الصحيحين 2: 51، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 570
حديث 5904.
(3) سنن ابن ماجة 2: 754 حديث 2243، وسنن الترمذي 3: 582 حديث 1285 - 1286، وسنن
النسائي 7: 255، وترتيب مسند الشافعي 2: 143 حديث 379، ومنحة المعبود 1: 267
حديث 1347.
(4) الأم 3: 167، وكفاية الأخيار 1: 163، وفتح العزيز 10: 139، والمغني لابن قدامة 4: 478،
والشرح الكبير 4: 444 - 445، وبداية المجتهد 2: 273.
257

لا ضمان عليه، وإذا ادعى هلاكه بأمر خفي لم يقبل قوله إلا ببينة، فإن لم يكن
له بينة وجب عليه الضمان (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، وعموم الأخبار التي أوردناها (2)، فمن ادعى
تخصيصها فعليه الدلالة.
مسألة 68: إذا كاتب عبده على نجمين، وأخذ به رهنا، صح الرهن. وبه
قال أبو حنيفة (3).
وقال الشافعي: لا يصح (4).
دليلنا قوله تعالى: " فرهان مقبوضة " (5) ولم يفرق، فهو على عمومه.

(1) بداية المجتهد 2: 273، والمغني لابن قدامة 4: 479، والمجموع 13: 250، وفتح العزيز 10: 139،
والشرح الكبير 4: 445.
(2) أنظر ما تقدمت الإشارة إليه في المسألة السابقة من الأخبار.
(3) المبسوط 21: 134 - 135، وتبيين الحقائق 6: 66، وفتح العزيز 10: 34.
(4) الأم 3: 160، ومغني المحتاج 2: 127، والوجيز 1: 161، والسراج الوهاج: 214، وفتح العزيز
10: 33 - 34، والمغني لابن قدامة 4: 409، والشرح الكبير 4: 400.
(5) البقرة: 283.
258

كتاب التفليس
259

مسألة 1: المفلس في الشرع: من ركبته الديون، وماله لا يفي بقضائها، فإذا
جاء غرماؤه إلى الحاكم، وسألوه الحجر عليه، فإنه يجب على الحاكم أن يحجر
عليه إلا مقدار نفقته إذا ثبت عنده دينهم، وأنه حال غير مؤجل، وإن صاحبهم
مفلس لا يفي ماله بقضاء دينهم، فإذا ثبت جميع ذلك عنده، فلسه وحجر عليه.
وتعلق بحجره ثلاثة أحكام:
أحدها: أنه يتعلق ديونهم بعين المال الذي في يده.
والثاني: أنه يمنع من التصرف في ماله، وإن تصرف لم يصح تصرفه.
والثالث: أن كل من وجد من غرمائه عين ماله عنده، كان أحق به من
غيره.
وقد روي: أنه يكون أسوة للغرماء، ويتعلق دينه بذمته (1).
والصحيح الأول.
وإن مات هذا المديون قبل أن يحجر الحاكم عليه، فهو بمنزلة ما لو حجر عليه
في حال الحياة، يتعلق بماله الأحكام الثلاثة التي ذكرناها. وبه قال علي
عليه السلام، وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وفي الفقهاء أحمد، وإسحاق،
والشافعي (2).

(1) التهذيب 6: 193 حديث 421، والاستبصار 3: 8 حديث 20.
(2) الأم 3: 199، والمجموع 13: 279 و 298، ومغني المحتاج 2: 146 - 147، والوجيز 1: 170 و 172،
وفتح العزيز 10: 196، وكفاية الأخيار 1: 166، والمحلى 8: 176، والمغني لابن قدامة 4: 493 -
494، والشرح الكبير 4: 500 و 503، وعمدة القاري 12: 238 و 240.
261

وقال أبو حنيفة: لا يجوز للغرماء أن يسألوا الحاكم الحجر عليه، فإن سألوه
وأدى اجتهاده إلى الحجر عليه، فإن ديونه لا تتعلق بعين ماله، بل تكون في
ذمته، ويمنع من التصرف في ماله كما قلناه، لأن حجر الحاكم عنده صحيح،
ولا يجوز لمن وجد من الغرماء عين ماله أن يفسخ البيع، وإنما يكون أسوة للغرماء
كما رويناه في بعض الأخبار (1)، وكذا الحكم إذا مات (2).
وقال مالك مثل قولنا إذا حجر عليه الحاكم، فأما بعد الموت فإنه قال:
يكون أسوة للغرماء، ولا يكون صاحب العين أحق بها من غيره (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها في الكتابين، وبينا الوجه في
الرواية التي تخالفها (4).
وروى أبو هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله أيما رجل مات
أو أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه (5).
وروى غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا كان

(1) تقدمت الإشارة إليه في الهامش رقم " 1 " من هذه المسألة.
(2) اللباب 2: 23، والمبسوط 24: 163، والنتف 2: 752، وعمدة القاري 2: 240، والهداية المطبوع مع
شرح فتح القدير 7: 330 و 500، وتبيين الحقائق 5: 199 و 201، والفتاوى الهندية 5: 61 و 64،
وبداية المجتهد 2: 283، والمجموع 13: 279، وفتح العزيز 10: 196، والمغني لابن قدامة 4: 494،
والشرح الكبير 4: 503.
(3) المدونة الكبرى 5: 237، وبداية المجتهد 2: 283 - 284، والموطأ 2: 678، وفتح الرحيم 2: 142،
وأقرب المسالك 2: 137، والمحلى 8: 177، والمغني لابن قدامة 4: 494، والشرح الكبير 4: 503،
والمجموع 13: 279، وفتح العزيز 10: 196.
(4) أنظر التهذيب 6: 193 حديث 421، والاستبصار 3: 8 حديث 20.
(5) سنن ابن ماجة 2: 791 حديث 2359 و 2361، والمستدرك على الصحيحين 2: 51، وترتيب مسند
الشافعي 2: 163 حديث 564، وسنن الدارقطني 3: 29 حديث 107.
262

يفلس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر به فيقسم ماله بينهم بالحصص،
فإن أبى، باعه فقسمه بينهم (1)، يعني: ماله.
وروى إسحاق بن عمار (2)، عن جعفر، عن أبيه: أن عليا عليه السلام
كان يفلس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص،
فإن أبى باعه فيقسم بينهم (3). يعني: ماله.
فأما المسألة الثالثة يدل عليها ما رواه حماد بن عيس، عن عمر بن
يزيد (4)، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يركبه الدين،
فيوجد متاع رجل عنده؟ قال: لا يحاصه الغرماء (5).
مسألة 2: إذا مات المديون عليه، فكل من وجد من غرمائه عين ماله كان أحق
بها إذا كان خلف وفاء للباقين، وإن لم يخلف إلا الشئ بعينه كانوا سواء، ولم
يكن واحد منهم أحق من غيره بعين ماله.
وقال أبو سعيد الإصطخري: كل من وجد من غرمائه عين ماله فهو أحق
بها، سواء خلف وفاء أو لم يخلف (6).
وقال الباقون من أصحاب الشافعي: إذا خلف وفاء للديون، لم يكن لأحد

(1) التهذيب 6: 299 حديث 833.
(2) إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي، ممن روى عن الإمام الصادق عليه السلام، قيل: إنه فطحي
ثقة، له أصل، وأصله معتمد عليه. انظر تنقيح المقال 1: 115.
(3) الكافي 5: 103 حديث 1، والتهذيب 6: 299 حديث 835، والاستبصار 3: 7 حديث 15.
(4) عمر بن محمد بن يزيد، أبو الأسود، بياع السابري، مولى ثقيف، كوفي، ثقة جليل، أحد من كان
يفد في كل سنة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام. أنظر رجال النجاشي: 201،
وتنقيح المقال 2: 347.
(5) التهذيب 6: 193 حديث 420، والاستبصار 3: 8 حديث 19.
(6) المجموع 13: 341، وفتح العزيز 10: 199، والشرح الكبير 4: 508.
263

أن يأخذ عين ماله، وإنما له ذلك إذا لم يخلف غيره، عكس ما قلناه (1).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى محمد بن علي بن محبوب (2)، عن أحمد بن محمد (3)، عن
الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد (4) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل باع من رجل متاعا إلى سنة، فمات المشتري قبل أن يحل ماله، وأصاب
البائع متاعه بعينه، أله أن يأخذه إذا تحقق له؟، قال: فقال: إن كان عليه دين
وترك نحوا من مقدار ما عليه، فليأخذ إن تحقق له، فإن ذلك حلال له، وإن لم
يترك نحوا من دينه، فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شئ، يأخذ
بحصته، ولا سبيل له على المتاع (5).
مسألة 3: إذا باع شقصا من أرض، أو دار، ولم يعلم شريكه بالبيع حتى
فلس المشتري، فلما سمع جاء يطالبه بالشفعة، فإنه يستحق الشفعة، ويؤخذ
ثمن الشقص منه، فيكون بينه وبين الغرماء الباقين.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:

(1) المجموع 13: 341، والوجيز 1: 172، وفتح العزيز 10: 199، وفتح الباري 5: 64.
(2) أبو جعفر، محمد بن علي بن محبوب الأشعري القمي، شيخ القميين في زمانه، ثقة، عين، فقيه،
صحيح المذهب، له كتب، روى عنه أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار وغيرهما. تنقيح المقال
3: 160.
(3) أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي أبو جعفر، شيخ القميين
ووجههم وفقيههم، لقي الإمام الرضا والجواد والعسكري عليهم السلام وروى عنهم، وثقه رجل من
ترجم له، روى عن الحسن بن محبوب. تنقيح المقال 1: 90 - 92.
(4) أبو ولاد حفص بن سالم الحناط، مولى، جعفى، وقيل: حفص بن يونس، مخزومي. من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، ثقة، من أصحاب الأصول، روى أصله الحسن بن محبوب. انظر رجال
النجاشي: 98، وتنقيح المقال 1: 353.
(5) التهذيب 6: 193 حديث 421، والاستبصار 3: 8 حديث 20.
264

أحدها: وهو الصحيح عند أصحابه، مثل ما قلناه (1).
والثاني: أن البائع أحق بعين ماله، ولا حق للشفيع ولا لسائر الغرماء (2).
والثالث: أن الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة، ويؤخذ منه الثمن، فيخص به
شريكه البائع، ولا حق للغرماء فيه (3).
دليلنا: أن المشتري إذا فلس، انتقل الملك عنه إلى حق الغرماء، فلم يكن
عين المبيع قائما، فلا يكون البائع أحق به، لأن حق الشفيع ثابت على المشتري
حين العقد، فيؤخذ ثمنه منه، فيكون أسوة للغرماء، ولا يكون أحق بالثمن، لأن
الحق إنما يثبت له في عين ماله، فأما في ثمنه فلا دلالة على ذلك.
مسألة 4: إذا اختار عين ماله في الموضوع الذي له ذلك، فقال له الغرماء:
نحن نعطيك ثمنه، ونسقط حقك من العين، لم يجب عليه قبوله، وله أخذ
العين، ويكون فائدته أن ثمن العين ربما كان أكثر، فيرتفق الغرماء بذلك. وبه
قال الشافعي (4).
وقال مالك: يجبر على قبض الثمن، وسقط حقه من العين (5).
دليلنا: عموم الأخبار في أنه أحق بعين ماله (6)، فمن خصصها فعليه
الدلالة.
مسألة 5: إذا باع رجل من رجل عبدين قيمتهما سواء بثمن، وأفلس

(1) المجموع 13: 306، والمغني لابن قدامة 4: 522، والشرح الكبير 4: 514 - 515.
(2) المصادر المتقدمة.
(3) نفس المصادر المتقدمة.
(4) الأم 3: 200، والمجموع 13: 301، والمغني لابن قدامة 4: 496، والشرح الكبير 4: 505، وعمدة
القاري 12: 238.
(5) المدونة الكبرى 4: 352 - 353، والمغني لابن قدامة 4: 496، والمجموع 13: 301، وعمدة القاري
12: 238، والشرح الكبير 4: 505
(6) أنظر التهذيب 6: 193، حديث 420 و 421، والاستبصار 3: 8، حديث 19 و 20.
265

المشتري بالثمن، وكان قد قبض منه قبل الإفلاس نصف ثمنهما، فإن حقه يثبت
في العين. وبه قال الشافعي في الجديد (1).
وقال في القديم: إذا قبض بعض ثمن العين، لم يكن له فيها حق إذا
وجدها (2). وبه قال مالك (3).
دليلنا: قوله عليه السلام: " فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده
بعينه ".
وهذا وجد عين متاعه، فيجب أن يكون أحق.
مسألة 6: إذا باع زيتا، فخلطه المشتري بأجود منه، ثم أفلس المشتري
بالثمن، سقط حق البائع من عين الزيت، وبه قال الشافعي (4).
وقال المزني: لا يسقط حقه من عينه (5).
دليلنا: أن عين زيته نافذة، بدلالة أنها ليست موجودة مشاهدة، لأنا
لا نشاهدها، ولا من طريق الحكم، لأنه ليس له أن يطالب بقسمته. وإذا لم
تكن موجودة من الوجهين، كانت بمنزلة التالفة، فسقط حقه من عينها.
مسألة 7: إذا باع رجل ثوبا من رجل وكان خاما، فقصره أو قطعه قميصا،
وخاط بخيوط منه، أو باعه حنطة فطحنها، أو غزلا فنسجه، ثم أفلس بالثمن، ثم

(1) مختصر المزني: 103، والمجموع 13: 303، وفتح العزيز 10: 248، وعمدة القاري 12: 238 - 239،
وبداية المجتهد 2: 284.
(2) الأم 3: 202، والمجموع 13: 303، وفتح العزيز 10: 248، وعمدة القاري 12: 238 - 239.
(3) الموطأ 2: 679، وبداية المجتهد 2: 284، وجواهر الإكليل 2: 95، والشرح الصغير بهامش بلغة
السالك 2: 136، وعمدة القاري 12: 238، والمجموع 13: 303.
(4) الأم 3: 203، ومختصر المزني: 103، وفتح العزيز 10: 265، والمغني لابن قدامة 4: 501، والشرح
الكبير 4: 519.
(5) الأم 3: 203، ومختصر المزني: 103، وفتح العزيز 10: 265.
266

وجد البائع عين ماله، فالبائع أحق بعين ماله، ويشاركه المفلس فيها، ويستحق
أجرة المثل في العمل عليه. وهو اختيار الشافعي (1).
وقال المزني: لا يشاركه فيها، ويختص البائع بها (2).
دليلنا: أن هذه الصنائع إذا كان لها أجرة، والعمل غير منفصل من العين،
فيجب أن يشاركه صاحب العين فيها بصنعته، وإلا أدى إلى بطلان حقه،
وذلك لا يجوز.
مسألة 8: إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه، ثم ظهر غريم آخر، فإن
الحاكم ينقض القسمة، ويشاركهم هذا الغريم فيما أخذوه. وبه قال
الشافعي (3).
وقال مالك: لا ينقض الحاكم القسمة، وإنما يكون دين هذا الغريم فيما
يظهر للمفلس من المال بعد ذلك (4).
دليلنا: عموم الأخبار التي رويناها في أن المال يقسم بين الغرماء (5)،
وذلك عام فيمن حضر ومن لم يحضر، فينبغي أن يكون مستحقا للقسمة، وإذا
قسم في غيره لم يبطل قسمته، لأنه لا دليل عليه.

(1) الأم 3: 203 و 204، ومختصر المزني: 103، والمجموع 13: 322 - 323، وفتح العزيز 10: 267،
والمغني لابن قدامة 4: 503، والشرح الكبير 4: 520.
(2) الأم 3: 203، ومختصر المزني: 103، والمجموع 13: 322، وفتح العزيز 10: 267، والمغني لابن قدامة
4: 503، والشرح الكبير 4: 521.
(3) مختصر المزني: 104، والمجموع 13: 342، ومغني المحتاج 2: 152، والوجيز 1: 171، وفتح العزيز
10: 219، والمغني لابن قدامة 4: 532، والشرح الكبير 4: 546.
(4) جواهر الإكليل 2: 89، والمجموع 13: 342، والمغني لابن قدامة 4: 532، والشرح الكبير 4: 546.
(5) الكافي 5: 102 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 19 حديث 43 والتهذيب 6: 60 حديث 444،
والاستبصار 3: 7 حديث 15.
267

مسألة 9: عندنا أن للحاكم أن يحجر على من عليه الدين. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الحجر عليه بحال، بل يحبسه أبدا إلى أن
يقضيه (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، وقد أوردناها فيما مضى.
مسألة 10: يجوز للحاكم أن يبيع مال المفلس، ويقسمه بين الغرماء. وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: ليس له بيعه، وإنما يجبره على بيعه، فإن باعه وإلا حبسه
إلى أن يبيعه، ولا يتولاه من غير اختياره (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها فيما مضى (6).

(1) مختصر المزني: 104 - 105، والمجموع 13: 278، والوجيز 1: 171، وفتح العزيز 10: 196 و 216،
ومغني المحتاج 2: 146، والأشباه والنظائر للسيوطي: 460، والمغني لابن قدامة 4: 529، والشرح
الكبير 4: 500، وتبيين الحقائق 5: 192 و 199.
(2) اللباب 2: 20، والمبسوط 24: 163، وتبيين الحقائق 5: 192 و 199، والهداية المطبوع مع شرح فتح
القدير 7: 324 و 327، والمغني لابن قدامة 4: 529، والشرح الكبير 4: 500، وفتح العزيز 10: 196
و 216، والمجموع 13: 279.
(3) أنظر التهذيب 6: 299 حديث 833 و 835.
(4) الأم 3: 212، والمجموع 13: 272، والوجيز 1: 171، وفتح العزيز 10: 216، ومغني المحتاج 2: 150،
والسراج الوهاج: 224، والمغني لابن قدامة 4: 529، وبداية المجتهد 2: 280.
(5) المبسوط 24: 164 و 165، وشرح فتح القدير 7: 328، والفتاوى الهندية 3: 419، وتبيين الحقائق
5: 199 - 200، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 328، والمجموع 13: 272،
وفتح العزيز 10: 216، والمغني لابن قدامة 4: 529 - 530، وبداية المجتهد 2: 280، واللباب 2: 20.
(6) أنظر الكافي 5: 102 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 19 حديث 1، والتهذيب 6: 191 حديث
412 و 6: 299 حديث 833، والاستبصار 3: 7 حديث 15.
268

وأيضا روى كعب بن مالك (1): أن النبي صلى الله عليه وآله حجر على
معاذ، وباع عليه ماله في دينه (2). وهذا يقتضي أنه باعه بغير اختياره.
وأيضا روي عن عمر بن الخطاب، أنه خطب الناس وقال: ألا إن
الاسيفع (3) اسيفع جهينة، قد رضى من دينه وأمانته بأن يقال: قد سبق
الحاج، فأدان معرضا، فأصبح وقد رين (4) به، فمن كان عليه دين، فليحضر
غدا، فإنا بائعوا ماله، وقاسموه بين غرمائه (5).
ولا يعرف له مخالف.
مسألة 11: إذا أفلس الرجل، وحجر عليه الحاكم، ثم تصرف في ماله إما
بالهبة، أو البيع، أو الإجارة، أو العتق، أو الكتابة، أو الوقف كان تصرفه
باطلا.
وللشافعي فيه قولان:

(1) كعب بن مالك بن أبي كعب واسمه عمرو بن ألقين بن كعب بن سواد، أبو عبد الله السلمي، وقيل
في كنيته غير هذا، شاعر، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أسيد بن حضير، وعنه أولاده
وعبد الله بن عباس وجابر وغيرهم، قيل إنه مات قبل الأربعين وقيل إحدى وخمسين، وقيل
غير ذلك. أنظر تهذيب التهذيب 8: 440، وأسد الغابة 4: 247.
(2) روى قصة الحجر على معاذ عبد الرزاق بن همام في مصنفه 8: 268 حديث 15177، والبيهقي في
سننه 6: 48، والحاكم في المستدرك 2: 58، والذهبي في تلخيصه المطبوع في ذيل المستدرك على
الصحيحين 2: 58، وابن قدامة في المغني 4: 493، والعسقلاني في تلخيص الحبير 3: 37، بألفاظ
مختلفة، فلاحظ.
(3) الاسيفع رجل من جهينة كان يشتري الرواحل فيغالي بها ثم يسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس، فرفع
أمره إلى عمر بن الخطاب.
أما قوله (أدان معرضا) أي استقرض ممن أمكنه.
(4) في أكثر النسخ " دين به " أما كلمة " رين به " معناها: وقع فيما لا يستطيع الخروج منه.
(5) رواه العسقلاني أيضا في تلخيص الحبير 3: 40 - 41 ذيل حديث 1239، والرافعي في فتح العزيز
10: 217 فلاحظ.
269

أحدهما: مثل ما قلناه، وهو اختيار المزني (1)، وهو الصحيح عندهم (2).
والثاني: أن تصرفه موقوف، ويقسم ماله سوى ما تصرف فيه بين غرمائه،
فإن كان وفا لهم صح تصرفه، وإن لم يف بطل تصرفه (3).
دليلنا: ظاهر الخبر أنه كان يفلس الرجل (4)، فإذا ثبت ذلك، فمن خالف
أمر الإمام أو النائب عنه كان تصرفه باطلا، ولأنه كان يؤدي إلى أنه لا فائدة
للحجر متى فرضنا أن تصرفه يكون صحيحا.
مسألة 12: إذا أقر المحجور عليه بدين لغيره، وزعم أنه كان عليه قبل الحجر
قبل إقراره، وشارك الغرماء. وهو اختيار الشافعي، وقال: وبه أقول (5).
وله قول آخر: وهو أن يكون في ذمته، يقضى من الفاضل من دين
غرمائه (6).
دليلنا: أن إقراره صحيح، وإذا ثبت صحته، فالخبر على عمومه في قسمة
ماله بين غرمائه (7)، فمن خصصه فعليه الدلالة.

(1) مختصر المزني: 104.
(2) الأم 3: 210، ومختصر المزني: 104، والمجموع 13: 282، ومغني المحتاج 2: 148، والسراج الوهاج:
223، وفتح العزيز 10: 204، والمغني لابن قدامة 4: 530، والشرح الكبير 4: 501.
(3) الأم 3: 210 و 211، ومختصر المزني: 104، ومغني المحتاج 2: 148، والسراج الوهاج: 223،
والمجموع 13: 282، وفتح العزيز 10: 204، والمغني لابن قدامة 4: 530، والشرح الكبير 4: 501.
(4) انظره في الكافي 5: 102 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 19 ذيل الحديث الأول، والتهذيب
6: 299 حديث 835، والاستبصار 3: 7 حديث 15.
(5) الأم 3: 210، ومختصر المزني: 104، والمجموع 13: 285 - 286، ومغني المحتاج 2: 148، والسراج
الوهاج: 223، وفتح العزيز 10: 206.
(6) الأم 3: 210، ومختصر المزني: 104، ومغني المحتاج 2: 148، والسراج الوهاج: 223، والمجموع
13: 285 - 286، وفتح العزيز 10: 206.
(7) أنظر الكافي 5: 102 حديث 1، والتهذيب 6: 191 حديث 412، والاستبصار 3: 7 حديث 15.
270

مسألة 13: من كان عليه ديون حالة ومؤجلة، وحجر عليه الحاكم بسبب
الديون الحالة، لا تصير المؤجلة حالة. وبه قال المزني، وهو الصحيح من أحد
قولي الشافعي عند أصحابه (1).
وقوله الآخر: أنها تصير حالة (2). وبه قال مالك (3).
دليلنا: أن الأصل كونها مؤجلة، ولا دليل على أنها تصير غير مؤجلة، فمن
ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 14: من مات وعليه دين مؤجل، حل عليه بموته. وبه قال
أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، وأكثر الفقهاء (4). إلا الحسن البصري، فإنه
قال: لا تصير المؤجلة حالة بالموت (5).
فأما إذا كانت له ديون مؤجلة، فلا تحل بموته بلا خلاف، إلا رواية شاذة
رواها أصحابنا أنها تصير حالة (6).

(1) الأم 3: 212، ومغني المحتاج 2: 147، والسراج الوهاج: 223، والوجيز 1: 173 والمجموع 13: 289،
وفتح العزيز 10: 201، والمغني لابن قدامة 4: 525، والشرح الكبير 4: 543.
(2) المجموع 13: 289، والسراج الوهاج: 223، ومغني المحتاج 2: 147، وفتح العزيز 10: 201، والمغني
لابن قدامة 4: 525، والشرح الكبير 4: 543.
(3) المدونة الكبرى 5: 235، وبلغة السالك 2: 127، وبداية المجتهد 2: 282، وجواهر الإكليل 2: 88،
والشرح الصغير بهامش بلغة السالك 2: 127، وفتح الرحيم 2: 143، والمجموع 13: 289، وفتح
العزيز 10: 201، والمغني لابن قدامة 4: 525، والشرح الكبير 4: 543.
(4) الأم 3: 212، والمجموع 13: 338، وفتح العزيز 10: 201، والسراج الوهاج: 222، وبداية المجتهد
2: 282، وجواهر الإكليل 2: 88، والشرح الصغير المطبوع بهامش أقرب المسالك 2: 127، والمغني
لابن قدامة 4: 526، والشرح الكبير 4: 545.
(5) المغني لابن قدامة 4: 526.
(6) أنظر الكافي 5: 99 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 116 حديث 496، والتهذيب 6: 190
حديث 407.
271

دليلنا على بطلان مذهب الحسن: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن
خلافه قد انقرض، ولأنه واحد لا يعتد به لشذوذه.
مسألة 15: إذا أفلس من عليه الدين، وكان ما في يده لا يفي بقضاء ديونه،
لا يؤاجر ليكتسب، ويدفع إلى الغرماء. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، ومالك،
وأكثر الفقهاء (1).
وقال أحمد، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وعبيد الله بن الحسن العنبري،
وسوار بن عبد الله القاضي: أنه يؤاجر، ويؤخذ أجرته، فتقسم بين غرمائه (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على وجوب إجارته وتكسبه.
وأيضا قوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " (3) ولم يأمر
بالكسب.
مسألة 16: المفلس إذا ماتت زوجته، وجب أن يجهزها من ماله.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه تجهيزها ونفقتها (4).
والثاني: لا يجب ذلك عليه (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أن كفن المرأة على زوجها (6)، وذلك
عام في كل موضع.

(1) الأم 3: 202، ومختصر المزني: 104، ومغني المحتاج 2: 154، والسراج الوهاج: 225، والمجموع 13: 272،
وفتح العزيز 10: 223، والمدونة الكبرى 5: 206، والمغني لابن قدامة 4: 539، والشرح الكبير 4: 547،
والنتف 2: 753، والمبسوط 24: 164، وتبيين الحقائق 5: 199، وفتاوى قاضيخان 5: 224.
(2) المجموع 13: 272، وفتح العزيز 10: 223، والمغني لابن قدامة 4: 540، والشرح الكبير 4: 548.
(3) البقرة: 280.
(4) مختصر المزني: 104، والمجموع 13: 291.
(5) المجموع 13: 291، والمغني لابن قدامة 4: 534 - 535، والشرح الكبير 4: 539.
(6) من لا يحضره الفقيه 4: 143 حديث 491.
272

مسألة 17: لا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها، ولا خادمه الذي
يخدمه.
وقال الشافعي: يجب عليه ذلك (1). وبه قال باقي الفقهاء (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، ولأنه لا دليل على وجوب بيع ذلك
عليه.
مسألة 18: المفلس إذا ادعى على غيره مالا، ولم تقم له بينة، فرد عليه
اليمين فلم يحلف، لا يرد على الغرماء اليمين.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: قاله في الجديد مثل قولنا.
والثاني: قاله في القديم: أنه يرد على الغرماء، فإذا حلفوا استحقوا المال
وقسموه بينهم (4).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من الإيمان، وإيجاب رد اليمين على الغرماء
يحتاج إلى الدلالة.
مسألة 19: إذا باع الوكيل على رجل ماله، أو الولي مثل: الأب، والجد،
والحاكم، وأمينه، والوصي ثم استحق المال على المشتري، فإن ضمان العهدة
يجب على من يبيع عليه ماله، فإن كان حيا كان في ذمته، وإن كان ميتا
كانت العهدة في تركته. وبه قال الشافعي (5).

(1) الأم 3: 202، والمجموع 13: 291، ومغني المحتاج 2: 154، والسراج الوهاج: 225، وفتح العزيز
10: 221، والمغني لابن قدامة 4: 537، والشرح الكبير 4: 536.
(2) فتح العزيز 10: 222، والمغني لابن قدامة 4: 537، والشرح الكبير 4: 536.
(3) الكافي 5: 96 حديث 3، والتهذيب 6: 186 حديث 387، والاستبصار 3: 6 حديث 12.
(4) الأم 3: 203، والمجموع 13: 287، والمغني لابن قدامة 4: 524، والشرح الكبير 4: 551.
(5) الأم 3: 209، ومختصر المزني: 104، والسراج الوهاج: 225، والمجموع 13: 296، وفتح العزيز
10: 220، والمغني لابن قدامة 4: 539، والشرح الكبير 4: 539.
273

وقال أبو حنيفة: يجب على الوكيل (1).
وقال في الحاكم وأمينه: أنهما لا يضمنان (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على لزوم ذلك للوكيل أو هؤلاء،
فيجب أن يلزم الموكل، وإلا لم يكن من يستحق عليه.
مسألة 20: إذا كان للمفلس دار، فبيعت في دينه، وباعها أمين القاضي،
وقبض الثمن، فهلك في يده، واستحقت الدار، فإن العهدة تكون من مال
المفلس، فيوفى المشتري جميع الثمن الذي وزنه في ثمن الدار. وبه قال الشافعي
على ما نقله المزني (3).
وروى حرملة عنه أنه قال: يكون المشتري كأحد الغرماء، فيضرب معهم
بما وزن من الثمن، ويأخذ ما يخصه من المال (4).
وقال أصحابه: هذه المسألة على قولين.
ومنهم من قال: على طريقين (5).
دليلنا: أن المال أخذ منه ببيع لم يسلم له، فوجب أن يرد على الثمن، وليس
هذا دينا له على المفلس، فيكون كأحد الغرماء، ومن ألحقه بهم فعليه الدلالة.
مسألة 21: تقبل البينة على إعسار الإنسان. وبه قال أبو حنيفة،
والشافعي (6).

(1) تبيين الحقائق 5: 221.
(2) المبسوط 19: 29، والمجموع 13: 296.
(3) الأم 3: 209، ومختصر المزني: 104، والمجموع 13: 297، وفتح العزيز 10: 221، والشرح الكبير
4: 541.
(4) المجموع 13: 297، وفتح العزيز 10: 221.
(5) المجموع 13: 297، وفتح العزيز 10: 221.
(6) الأم 3: 212، ومختصر المزني: 104، والمجموع 13: 274 - 275، واللباب 2: 22، ومغني المحتاج
2: 156، والمغني لابن قدامة 4: 545، والشرح الكبير 4: 497 - 498، وبداية المجتهد 2: 289،
وبدائع الصنائع 7: 173.
274

وقال مالك: لا تقبل الشهادة على الإعسار، سواء كان الشهود من أهل
المعرفة الباطنة به، أو لم يكونوا (1).
دليلنا: أن هذه الشهادة ليست على مجرد النفي، وإنما يتضمن إثبات صفة في
الحال وهي الإعسار، فوجب أن تكون مقبولة مثل سائر الحقوق والصفات.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لقبيصة بن مخارق (2):
" المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل يحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم
يمسك، ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى يشهد أو يحكم ثلاثة من قومه من ذوي
الحجى أن به فاقة وحاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو
قواما من عيش " (3).
وهذا نص في إثبات الفقر بالبينة.
مسألة 22: إذا قامت البينة على الإعسار وجب سماعها في الحال. وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يحبس المفلس شهرين (5). هذا رواية الأصل.

(1) المغني لابن قدامة 4: 545، والشرح الكبير 4: 498، والمجموع 13: 274، وفتح العزيز 10: 229.
(2) قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن ربيعة العامري الهلالي، أبو بشر، وفد على النبي صلى الله
عليه وآله وروى عنه، وروى عنه أبو عثمان النهدي وأبو قلابة وابنه قطن بن قبيصة. تهذيب التهذيب
8: 350، وأسد الغابة 4: 192.
(3) صحيح مسلم 2: 722 حديث 109، وسنن أبي داود 2: 120 حديث 1640، وسنن الدارقطني
2: 120 حديث 2، والسنن الكبرى 6: 73 و 7: 21 باختلاف يسير في بعض ألفاظها.
(4) الأم 3: 212، والمجموع 3: 275، والوجيز 1: 172، ومغني المحتاج 2: 156، والسراج الوهاج: 226،
وفتح العزيز 10: 227، والمغني لابن قدامة 4: 546، والشرح الكبير 4: 498.
(5) اللباب 2: 22، والفتاوى الهندية 3: 415، والمجموع 13: 275، وفتح العزيز 10: 275، والمغني لابن
قدامة 4: 546، والشرح الكبير 4: 498، وفتاوى قاضيخان 5: 226، وتبيين الحقائق 4: 181.
275

وقال الطحاوي: يحبس شهرا (1)، وروي أربعة أشهر ثم يسمع البينة (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، مثل ما روي عن علي عليه السلام أنه كان
يحبس في الدين، فإذا تبين إفلاسه خلى سبيله (3).
مسألة 23: إذا أقام البينة من عليه الدين على إعساره، وسأل الغرماء يمينه،
كان لهم ذلك. وللشافعي فيه قولان:
روى الربيع أن هذه اليمين استظهار (4).
والظاهر من رواية حرملة أنها إيجاب (5).
دليلنا: أن الشاهدين يشهد أن على ظاهر الحال، ويجوز أن يكون له مال
لا يقف عليه أحد، فيتوجه عليه اليمين، والاحتياط يقتضيه، ولا يؤدي إلى
تكذيب الشهود، لأن الشهود يشهدون على ظاهر الحال دون الباطن.
مسألة 24: إذا ثبت إعساره، وخلاه الحاكم، لم يجز للغرماء ملازمته إلى أن
يستفيد مالا. وبه قال الشافعي (6).
وقال أبو حنيفة: يجوز لهم ملازمته، فيمشون معه ولا يمنعونه من التكسب
والتصرف، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول معه دخلوا، وإن لم يأذن
لهم منعوه من دخوله، وبيتوه برا معهم (7).

(1) الفتاوى الهندية 3: 415.
(2) الفتاوى الهندية 3: 415، والمجموع 13: 275، والمغني لابن قدامة 4: 546، والشرح الكبير 4: 498.
(3) التهذيب 6: 196 حديث 433 و 6: 299 حديث 834، والاستبصار 3: 47 حديث 156.
(4) المجموع 13: 275، وفتح العزيز 10: 231.
(5) المجموع 13: 275، وفتح العزيز 10: 231.
(6) مختصر المزني: 104 - 105، ومغني المحتاج 2: 156، والسراج الوهاج: 226، وفتح العزيز
10: 228، والمغني لابن قدامة 4: 543، والشرح الكبير 4: 500.
(7) النتف 2: 753، واللباب 2: 22 - 23، وفتاوى قاضيخان 5: 227، والفتاوى الهندية 3: 415 -
416، وتبيين الحقائق 4: 181، والمغني لابن قدامة 4: 543، والشرح الكبير 4: 500، وحاشية رد
المحتار 5: 387، وفتح العزيز 10: 228.
276

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من ذلك، والمنع منه، ومن أوجب ذلك
فعليه الدلالة.
وأيضا قوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " (1) ولم يذكر
الملازمة.
وروى أبو سعيد الخدري أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: " تصدقوا عليه " فلم يبلغ وفاء دينه، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: " خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " (2).
وهذا يدل على أنه ليس لهم ملازمته، وليس لهم إلا ما وجدوه.
مسألة 25: إذا فك حجره، فادعى الغرماء أن له مالا، سأله الحاكم، فإن
أقر به ولم يكن المال وفاء لديونهم، وحدث ديان آخر بعد فك الحجر، سوى في
قسمته بين الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر عنه وبين الأولين. وبه قال
الشافعي (3).
وقال مالك: يختص به الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر (4).
دليلنا: أن هذه ديون تساوت في الثبوت، والذمة خالية من الحجر، فيجب
أن تتساوى في القسمة، لأن تخصيص قوم دون قوم يحتاج إلى دليل.
مسألة 26: من كان له على غيره مال مؤجل إلى شهر، وأراد من عليه
الدين السفر إلى موضع بعيد مدة سنة، لم يكن لصاحب الدين منعه منه ولا

(1) البقرة: 280.
(2) سنن ابن ماجة 2: 789 حديث 2356، ومسند أحمد 3: 36 و 58، وسنن الترمذي 3: 44 حديث 655،
والسنن الكبرى 6: 50 باختلاف يسير في بعض ألفاظها.
(3) المجموع 13: 342.
(4) جواهر الإكليل 2: 89، والمجموع 13: 342.
277

مطالبته بالكفيل. وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة (1).
وقال مالك: له مطالبته بالكفيل (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من المطالبة بالكفيل، فمن أوجب عليه فعليه
الدلالة.
مسألة 27: إذا كان سفره إلى الجهاد، فليس له أيضا منعه منه. وهو ظاهر
قول الشافعي (3)، وبه قال المزني من أصحابه (4).
وفي أصحابه من قال: له المطالبة بالوثيقة، أو منعه من الجهاد (5).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
ويدل على المسألتين أيضا: أن هذا المدعي لا يستحق على صاحبه شيئا في
الحال، فكيف يطالبه بإقامة كفيل في الحال.

(1) مختصر المزني: 105، والمجموع 13: 272، ومغني المحتاج 2: 157، والوجيز 1: 171، وفتح العزيز
10: 215، واللباب 2: 22 - 23، وحاشية رد المحتار 5: 384، والهداية 7: 329، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 329، والمغني لابن قدامة 4: 549، وبدائع الصنائع 7: 173.
(2) المجموع 13: 272، وفتح العزيز 10: 215.
(3) المجموع 13: 272 - 273، وفتح العزيز 10: 216.
(4) لم أقف عليه في مظانه من الكتب المتوفرة.
(5) وهو قول الإصطخري والقاضي الروياني، انظر المجموع 13: 273، وفتح العزيز 10: 216.
278

كتاب الحجر
279

مسألة 1: الإنبات دلالة على بلوغ المسلمين والمشركين.
وقال أبو حنيفة: الإنبات ليس بدلالة على بلوغ المسلمين، ولا المشركين،
ولا يحكم به بحال (1).
وقال الشافعي: هو دلالة على بلوغ المشركين (2)، وفي دلالته على بلوغ
المسلمين قولان (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (4) من غير تفصيل.
وأيضا ما حكم به سعد بن معاذ (5) في بني قريظة، فإنه قال: حكمت بأن
يقتل مقاتلهم، ويسبي ذراريهم، وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو
من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذراري، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله

(1) عمدة القاري 13: 239، وحاشية رد المحتار 6: 153، والمجموع 13: 364، والمغني لابن قدامة
4: 556، والشرح الكبير 4: 557، وفتح العزيز 10: 279.
(2) المجموع 13: 364، والوجيز 1: 176، ومغني المحتاج 2: 167 والمغني لابن قدامة 4: 556، والشرح
الكبير 4: 557، وعمدة القاري 13: 239، وفتح العزيز 10: 277.
(3) المجموع 13: 34، والوجيز 1: 176، والمغني لابن قدامة 4: 556، والشرح الكبير 4: 556، وفتح
العزيز 10: 277.
(4) الكافي 7: 197 حديث 1.
(5) سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري، الأوسي ثم الأشهلي، أبو عمرو، أسلم على يد
مصعب بن عمير لما أرسله النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة يعلم المسلمين شهد بدرا واحدا
والخندق ومات سنة خمس من الهجرة النبوية. تهذيب التهذيب 3: 481، وأسد الغابة 2: 296 - 299.
281

فقال: " لقد حكم سعد بحكم الله من فوق سبع سماوات " (1) وروي " سبعة
أرقعة " (2) (3).
مسألة 2: يراعى في حد البلوغ في الذكور، بالسن خمس عشرة سنة. وبه قال
الشافعي (4).
وفي الإناث تسع سنين. وقال الشافعي: خمس عشرة سنة مثل الذكور (5).
وقال أبو حنيفة: الأنثى تبلغ باستكمال سبع عشرة سنة (6).
وفي الذكور عنه روايتان.
إحداهما: يبلغ باستكمال تسع عشرة سنة، وهي رواية الأصل.
والأخرى: ثمان عشرة سنة (8)، وهي رواية الحسن بن زياد اللؤلؤي.

(1) السنن الكبرى 9: 63، والمغني لابن قدامة 4: 556، وانظر شرح معاني الآثار 3: 216.
(2) أرقعة: جمع رقيع، كل سماء يقال لها رقيع، وقيل الرقيع اسم سماء الدنيا. أنظر النهاية 2: 251 مادة رقع.
(3) رواه الأربلي في كشف الغمة 1: 208 وابن الأثير في النهاية 2: 251 بألفاظ مختلفة قريبة لما ذكر أعلاه.
(4) الأم 3: 215، ومختصر المزني: 105، والمجموع 13: 361، والوجيز 1: 176، ومغني المحتاج 2: 166،
وبدائع الصنائع 7: 172، والمغني لابن قدامة 4: 557، وعمدة القاري 13: 239، وفتح العزيز
10: 277.
(5) الأم 3: 215، ومختصر المزني: 105، والوجيز 1: 176، والمجموع 13: 361 و 363، ومغني المحتاج
2: 166، وبدائع الصنائع 7: 172، وفتح العزيز 10: 277.
(6) اللباب 2: 19، وعمدة القاري 13: 239، وبدائع الصنائع 7: 172، والفتاوى الهندية 5: 61،
وحاشية رد المحتار 6: 153 وشرح فتح القدير 5: 323، والمجموع 13: 362، والمغني لابن قدامة
4: 557، والشرح الكبير 4: 556، وشرح معاني الأخبار 3: 218.
(7) الفتاوى الهندية 5: 61، وعمدة القاري 13: 239، والمجموع 13: 363، والمغني لابن قدامة 4: 557،
والشرح الكبير 4: 556.
(8) اللباب 2: 19، وعمدة القاري 13: 239، وبدائع الصنائع 7: 172، والمبسوط 24: 162، والفتاوى
الهندية 5: 61، وحاشية رد المحتار 6: 153، وشرح فتح القدير 5: 323، والمغني لابن قدامة 4: 557،
والشرح الكبير 4: 556، والتفسير 9: 189، والمجموع 13: 363، وشرح معاني الآثار 3: 218.
282

وحكي عن مالك أنه قال: البلوغ بأن يغلظ الصوت، وأن ينشق
الغضروف - وهو رأس الأنف -، وأما السن فلا يتعلق به البلوغ (1).
وقال داود: لا يحكم بالبلوغ بالسن (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم قد أوردناها في الكتاب الكبير (3).
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " إذا استكمل المولود
خمس عشرة سنة كتب ماله، وما عليه، وأخذت منه الحدود " (4).
وروى عبد الله بن عمر أنه قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله
عام بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني، ولم يرني بلغت، وعرضت عام أحد
وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، ولم يرني بلغت، وعرضت عام الخندق وأنا ابن
خمس عشرة سنة، فأجازني في المقاتلة (5).
فنقل الحكم وهو الرد والإجازة، وسببه وهو السن.
مسألة 3: لا يدفع المال إلى الصبي، ولا يفك حجره حتى يبلغ بأحد ما قدمنا
ذكره، ويكون رشيدا وحده: أن يكون مصلحا لماله، عدلا في دينه، فإذا كان
مصلحا لماله غير عدل في دينه، أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله، فإنه

(1) المجموع 13: 362.
(2) المجموع 13: 362.
(3) الكافي 7: 197 (باب حد الغلام والجارية..) الحديث 1 و 2، والتهذيب 9: 183 - 184 حديث
739 و 742، ومن لا يحضره الفقيه 4: 163 حديث 570 و 575.
(4) حكاه ابن حجر العسقلاني في تلخيص الحبير 3: 42 حديث 1241 عن البيهقي في الخلافيات. وقال
أيضا: وقال الغزالي في الوسيط تبعا للإمام في النهاية رواه الدارقطني بإسناده فلعله في الإفراد وغيرها
فإنه ليس في السنن مذكورا، وذكره البيهقي في السنن الكبرى عن قتادة عن أنس، ورواه الرافعي
الكبير في فتح العزيز 10: 278.
(5) السنن الكبرى 6: 55، وتلخيص الحبير 3: 41 حديث 1240. ورواه أكثر أرباب كتب الحديث
من دون ذكر القسم الأول من الحديث فلاحظ.
283

لا يدفع إليه ماله. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: إذا كان مصلحا لماله، ومدبرا له، وجب فك الحجر عنه،
سواء كان عدلا في دينه، مصلحا له، أو لم يكن (2).
دليلنا: قوله تعالى " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " (3)
فاشترط الرشد، ومن كان فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي، ومن وصف
بالغي لا يوصف بالرشد، لأن الغي والرشد صفتان متنافيتان، لا يجوز
اجتماعهما.
ولأنه إذا كان عدلا في دينه، مصلحا لماله، فلا خلاف في جواز دفع المال
إليه، وليس على جواز الدفع مع انفراد إحدى الصفتين دليل.
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا " (4)
هو أن يبلغ ذا وقار، وحلم، وعقل (5).
ويدل أيضا على ذلك ذلك قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي
جعل الله لكم قياما " (6) والفاسق سفيه.

(1) الأم 3: 215، ومختصر المزني: 105، والمجموع 13: 368، والوجيز 1: 176، وفتح العزيز 10: 286،
والمغني لابن قدام 4: 566، ومغني المحتاج 2: 168، وبداية المجتهد 2: 278، وبلغة السالك
2: 138، والشرح الكبير 4: 559، والتفسير الكبير للرازي 9: 188، وشرح العناية على الهداية
5: 315، والمبسوط 24: 157.
(2) اللباب 2: 17، والمبسوط 24: 157، وبدائع الصنائع 7: 170، وشرح فتح القدير 5: 321 - 322،
7: 314 و 315، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 315، والفتاوى الهندية
5: 56، وحاشية رد المحتار 6: 150، والمغني لابن قدامة 4: 566، والشرح الكبير 4: 559، والمجموع
13: 368، والتفسير الكبير للرازي 9: 188، وفتح العزيز 10: 286.
(3) النساء: 6.
(4) النساء: 6.
(5) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 121 في تفسير الآية الكريمة، والنووي في المجموع 13: 368.
(6) النساء: 5.
284

والأخبار التي نتفرد بروايتها كثيرة في هذا المعنى ذكرناها في كتابنا
الكبير (1).
مسألة 4: إذا بلغ من وجد فيه الرشد فك حجره، وإن لم يؤنس منه الرشد لم
يفك حجره إلى أن يصير شيخا كبيرا. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة، فك حجره على كل حال، ولو
تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة صح تصرفه بالبيع والشراء
والإقرار (3).
دليلنا: قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " (4) وهذا
لم يؤنس منه الرشد، وقوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " (5) وهذا
سفيه فيجب أن لا يؤتى المال.
مسألة 5: إذا بلغت المرأة وهي رشيدة، دفع إليها مالها، وجاز لها أن
تتصرف فيه، سواء كان لها زوج أو لم يكن. وبه قال الشافعي (6).
وقال مالك: إن لم يكن لها زوج، لم يدفع إليها مالها، وإن كان لها زوج

(1) أنظر ما رواه في التهذيب 9: 181 (باب وصية الصبي والمحجور عليه).
(2) الأم 3: 218، ومختصر المزني: 105، والمجموع 13: 368، والوجيز 1: 176، والتفسير الكبير 9: 189،
وبدائع الصنائع 7: 170، وسبل السلام 3: 879، وتفسير القرطبي 5: 30.
(3) اللباب 2: 17، والمبسوط 4: 161، والفتاوى الهندية 5: 56، وشرح فتح القدير 5: 318، وحاشية رد
المحتار 6: 150، والعقود الدرية 2: 147 و 148، وبدائع الصنائع 7: 169 و 170، والمحلى
8: 280، وبداية المجتهد 2: 276، والمجموع 13: 368، والتفسير الكبير 9: 189، وسبل السلام
3: 879، وتفسير القرطبي 5: 30.
(4) النساء: 6.
(5) النساء: 5.
(6) الأم 3: 216، ومختصر المزني: 105، والمجموع 13: 372، وفتح العزيز 10: 286، والمغني لابن قدامة
4: 560، والشرح الكبير 4: 560.
285

دفع إليها، لكن لا يجوز لها أن تتصرف فيه إلا بإذن زوجها (1).
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: " حتى إذا بلغوا النكاح " (2) وإنما المعنى
وقت النكاح، وأيضا قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم " (3) ولم يشرط الزوج، فمن ادعى فعليه الدلالة.
مسألة 6: إذا كان لها زوج فتصرفها لا يفتقر إلى إذن زوجها، وروي أن
ذلك يستحب لها. وبه قال الشافعي (4).
وقال مالك: لا يجوز لها التصرف إلا بإذن زوجها (5).
دليلنا: قوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " (6) ولم
يشرط الزوج، ولا إذنه، فمن ادعاه فعليه الدلالة.
وروي أن أم الفضل أرسلت إلى رسول الله قدحا من لبن، وهو واقف
بعرفة، فشربه (7)، ولم يسأل عن إذنها زوجها.
وروي أن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله أتتني أمي راغبة
أأصلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: " نعم " (8) ولم يعتبر إذن زوجها
الزبير.
مسألة 7: إذا بلغ الصبي، وأونس منه الرشد، ودفع إليه ماله، ثم صار مبذرا

(1) بداية المجتهد 2: 277 و 278، وبلغة السالك 2: 138، والمغني لابن قدامة 4: 560، والشرح الكبير
4: 561، والمجموع 13: 372، وفتح العزيز 10: 286.
(2) النساء: 6.
(3) النساء: 6.
(4) الأم 3: 216 و 217، والمجموع 13: 372.
(5) بداية المجتهد 2: 277، وبلغة السالك 2: 137 و 146، والمجموع 13: 372، والمغني لابن قدامة
4: 561، وسبل السلام 3: 882، وفتح العزيز 10: 286.
(6) النساء: 6.
(7) رواه أحمد بن حنبل 6: 338 و 340 باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
(8) رواه أحمد بن حنبل بأسانيد وطرق وألفاظه مختلفة، منها ورواه في مسنده 6: 344 فلاحظ.
286

مضيعا لماله في المعاصي، حجر عليه. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد
وإسحاق، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد وغيرهم (1)، وهو مذهب أبي يوسف،
ومحمد (2).
وقال أبو حنيفة وزفر: لا يحجر عليه وتصرفه نافذ في ماله (3).
وحكي ذلك عن النخعي وابن سيرين (4).
دليلنا قوله تعالى: " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع
أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " (5).
وقيل: السفيه المبذر، والصغير، والشيخ الكبير، والذي لا يستطيع أن يمل
المغلوب على عقله (6).
فدل هذا على أن المبذر يحجر عليه.
وأيضا قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم
قياما " (7) والمبذر سفيه، فوجب أن لا يدفع إليه المال.

(1) الأم 3: 219، ومختصر المزني: 105، والمجموع 13: 377، والمغني لابن قدامة 4: 568، والشرح الكبير
4: 570، وبداية المجتهد 2: 276، والوجيز 1: 176، والتفسير الكبير 9: 190، وفتح العزيز
10: 285، ونيل الأوطار 5: 368، وتفسير القرطبي 5: 30.
(2) المجموع 13: 377، والمغني لابن قدامة 4: 568، والشرح الكبير 4: 570، ونيل الأوطار 5: 368،
وتفسير القرطبي 5: 30.
(3) شرح فتح القدير 7: 317، والمجموع 13: 377، وبداية المجتهد 2: 276، والمغني لابن قدامة 4: 568،
والشرح الكبير 4: 570، والتفسير الكبير 9: 190، وفتح العزيز 10: 285، ونيل الأوطار 5: 368،
وتفسير القرطبي 5: 30.
(4) المجموع 13: 377، وبداية المجتهد 2: 276، والمغني لابن قدامة 4: 568 والشرح الكبير 4: 570،
ونيل الأوطار 5: 368.
(5) البقرة: 282.
(6) أنظر المغني لابن قدامة 4: 569 - 570.
(7) النساء: 5.
287

وروي تفسير هذه الآية عن ابن عباس: أن لا يدفع الإنسان ماله إلى
امرأته، وإلى من يلزمه نفقته، ولكن يحفظه بنفسه، وينفق منه بالمعروف (1).
وأيضا قال الله تعالى: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " (2) فذم
المبذر، فوجب المنع، ولا يصح المنع إلا بالحجر.
وروى عن النبي عليه السلام أنه قال: " اقبضوا على أيدي سفهائكم " (3)
ولا يصح القبض إلا بالحجر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إن الله كره لكم ثلاثا
- قيل: وما هي؟ قال: - كثرة السؤال، وإضاعة المال " (4) وما يكرهه الله تعالى
لا يكون إلا محرما، ويجب المنع منه.
وروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا، فأتى الزبير، فقال
له: إني قد ابتعت بيعا، وأن عليا يريد أن يأتي عثمان ويسأله الحجر علي،
فقال الزبير: أنا شريكك في البيع، ثم أتى علي عثمان، فقال له: إن ابن جعفر
ابتاع بيع كذا، فاحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع، فقال عثمان:
كيف احجر على رجل شريكه الزبير (5).

(1) ذكر السيوطي في الدر المنثور 2: 120، والقرطبي في تفسيره 5: 29 نحوه فلاحظ.
(2) الإسراء: 27.
(3) لم أقف لهذا الحديث في المصادر المتوفرة مكانا.
(4) رواه مسلم في صحيحه 3: 1341 حديث 13 وفيه: إن الله كره لكم ثلاثا القيل والقال، وكثرة
السؤال، وإضاعة المال والبيهقي في سننه 6: 63 مثله، وروى نحوه مسلم أيضا وبأسانيد أخرى في
نفس الباب حديث 10 و 12 و 14 فلاحظ، وكذلك رواه مالك في موطأ 2: 990 حديث 20، وأحمد
بن حنبل في مسنده 2: 327 و 4: 246 و 249.
(5) اختلفت ألفاظ حملة الحديث ورواته في حكاية هذه القصة وبألفاظ مختلفة، نحو ما تقدم انظر على
سبيل المثال ما رواه البيهقي في سننه الكبرى 6: 61، والقرطبي في تفسيره 5: 30 - 31، والنووي في
المجموع 13: 376، والرافعي الكبير في تلخيص الحبير 3: 43 حديث 1245، وابن حزم في المحلى
8: 291 - 292. وانظر أيضا ترتيب مسند الشافعي 2: 160 - 161.
288

ولم يقل عثمان، ولا أحد: أن الحجر على العاقل لا يجوز.
وروى أبو بكر بن المنذر أن عثمان مر بسبخة، فسأل عنها، فقالوا لفلان،
اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفا، فقال: ما يسرني أنها لي بنعلي هذه، ثم لقي
عليا، فقال له: ألا تأخذ على يد ابن أخيك، اشترى سبخة بستين ألفا،
ما يسرني أنها بنعلي (1).
وهذا يدل على أن الحجر جائز بإجماع الصحابة، لأن أحدا منهم لم ينكره،
وإنما دفعه الزبير بالمشاركة، وامتنع عثمان لكون الزبير شريكا فيه.
مسألة 8: إذا صار فاسقا إلا أنه غير مبذر، فالأحوط أن يحجر عليه.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختيار أبي العباس بن سريج (2).
والثاني: لا يحجر عليه وهو اختيار المزني (3).
دليلنا قوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " (4) وروي عنهم عليهم
السلام أنهم قالوا: " شارب الخمر سفيه " (5) فوجب أن يمنع دفع المال إليه.
مسألة 9: المحجور عليه إذا كان بالغا يقع طلاقه. وبه قال جميع الفقهاء (6)

(1) دعائم الإسلام 2: 67 حديث 186، وتلخيص الحبير 3: 43 - 44 حديث 1245. أقول: ممن تقدم
ذكره في الهامش المتقدم أشار إلى الحديثين معا بقصة واحدة فلاحظ.
(2) المجموع 13: 368 و 374 و 377، والوجيز 1: 176، وفتح العزيز 10: 286.
(3) المجموع 13: 368 و 374 و 377، والوجيز 1: 176، وفتح العزيز 10: 286.
(4) النساء: 5.
(5) تفسير العياشي 1: 220 حديث 22، في تفسير الآية المتقدمة.
(6) المدونة الكبرى 5: 221، وبداية المجتهد 2: 279، والمغني لابن قدامة 4: 571، وبلغة السالك
2: 139، ومغني المحتاج 2: 172، والشرح الكبير 4: 574، والمجموع 3: 375 و 380، والفتاوى
الهندية 5: 56، وكفاية الأخيار 1: 165، والوجيز 1: 176.
289

إلا ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا يملك طلاقه (1).
دليلنا: قوله تعالى: " الطلاق مرتان - إلى قوله - فإن طلقها فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره " (2) ولم يخص. وآيات الطلاق كلها كذلك.
وأيضا فهي مسألة إجماع، وابن أبي ليلى لا يعتد به إذا كان الإجماع بخلافه.

(1) المجموع 3: 380، وبداية المجتهد 2: 279، والمغني لابن قدامة 4: 571، والشرح الكبير 4: 574.
(2) البقرة: 229 - 230.
290

كتاب الصلح
291

مسألة 1: الصلح على الإنكار جائز. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وقالا:
لا يكون الصلح إلا مع الإنكار (1).
وقال الشافعي: لا يجوز الصلح على الإنكار، قال: وصورة المسألة أن يدعي
رجل على غيره عينا في يده، أو دينا في ذمته، فأنكر المدعى عليه، ثم صالحه منه
على مال يتفقان عليه، لم يصح الصلح، ولم يملك المدعي المال الذي قبضه من
المدعى عليه، وله أن يرجع فيطالبه به، ووجب على المدعي رده عليه، وكان
على دعواه كما كان قبل الصلح، وإن كان قد صرح بإبرائه مما ادعاه عليه،
وإسقاط حقه عنه، لأنه أبرأه ليسلم له ما قبضه، فإذا لم يسلم ماله، لم يلزمه
ما عليه (2).
وعندنا، وعند أبي حنيفة، ومالك يملك المدعي المال، وليس للمدعى عليه
مطالبته به.

(1) اللباب 2: 111، والنتف 1: 504، والمبسوط 20: 139 و 143 - 144، وبدائع الصنائع 6: 40،
وشرح فتح القدير 7: 24، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 24، وتبيين الحقائق
5: 30، والمدونة الكبرى 4: 374 - 375، وبلغة السالك 2: 146، وبداية المجتهد 2: 290، والأم
3: 228، والمجموع 13: 388، والمغني لابن قدامة 5: 10، والشرح الكبير 5: 10، والبحر الزخار 6: 95.
(2) الأم 3: 221 و 228، والمجموع 13: 388، ومغني المحتاج 2: 179 - 180، والسراج الوهاج: 234،
وكفاية الأخيار 1: 167، والمغني لابن قدامة 5: 10، والشرح الكبير 5: 10، وبداية المجتهد 2: 290،
والنتف 1: 504، والمبسوط 20: 139، وبدائع الصنائع 6: 40، وشرح فتح القدير 7: 26 وتبيين
الحقائق 5: 31، والبحر الزخار 6: 95.
293

دليلنا: قوله تعالى: " والصلح خير " (1) ولم يفرق بين الإقرار والإنكار.
وقوله عليه السلام: " الصلح جائز بين المسلمين " (2) ولم يفرق.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " كل مال وقى الرجل به عرضه فهو
صدقة " (3) فيجب أن يكون ما بذله المدعى عليه جائزا، ويكون صدقة، لأنه
قصد به وقاية عرضه.
مسألة 2: إذا أخرج من داره روشنا (4) إلى طريق المسلمين، وكان عاليا
لا يضر بالمارة، ترك ما لم يعارضه فيه واحد من المسلمين، فإن عارض فيه واحد
منهم وجب قلعه. وبه قال أبو حنيفة (5).
وقال الشافعي: لا يجب قلعه إذا لم يضر بالمارة، وترك (6). وبه قال مالك،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد (7).

(1) النساء: 128.
(2) من لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والتهذيب 6: 226 حديث 541، وسنن الدارقطني 3: 27
حديث 97، وسنن أبي داود 3: 304 حديث 3594، وسنن الترمذي 3: 635 حديث 1352،
والسنن الكبرى 6: 63 و 65، والمستدرك على الصحيحين 2: 49، ومسند أحمد بن حنبل 2: 366،
وسنن ابن ماجة 2: 788.
(3) لم أعثر على هذا الحديث بنفس اللفظ في المصادر المتوفرة، وقد ورد بلفظ آخر نصه: " كل معروف
صدقة، وما أنفق الرجل على أهله وماله كتبت له صدقه، وما وقى به عرضه فهو له صدقة.. " انظر
ذلك في سنن الدارقطني 3: 100 حديث 101، والسنن الكبرى 10: 242، والمستدرك على
الصحيحين 2: 50، ومجمع الزوائد 3: 136.
(4) الروشن: وهي أن تخرج أخشابا إلى الدرب وتبني عليها، وتجعل لها قوائم من أسفل. قاله الطريحي في
مجمع البحرين 6: 255 مادة (رشن).
(5) المبسوط 20: 144، والمجموع 13: 396، والمغني لابن قدامة 5: 34، والشرح الكبير 5: 27 - 28.
(6) الأم 3: 221 - 222، والمجموع 13: 396 و 402 - 403، ومختصر المزني: 106، ومغني المحتاج
2: 182، والسراج الوهاج: 235، وكفاية الأخيار 1: 168.
(7) المبسوط 20: 144، والمجموع 13: 39 و 402 - 403 والمغني لابن قدامة 5: 34، والشرح الكبير
5: 27 - 28، ومغني المحتاج 2: 182.
294

دليلنا: أن طريق المسلمين حق لجميعهم، فإذا أنكر واحد منهم ذلك لم يجز
أن يغصب على حقه، ومتى طالبه بقلعه كان له ذلك كسائر الحقوق.
وأيضا لا خلاف أنه لا يجوز أن يملك شيئا من القرار والهواء تابع للقرار.
وأيضا فلو سقط ذلك، فوقع على إنسان فقتله، أو على مال فأتلفه، لزمه
الضمان بلا خلاف، فلو كان ذلك جائزا لم يلزمه ضمان.
مسألة 3: معاقد القمط - وهي: مشاد الخيوط من الخص (1) - إذا كان إلى
أحد الجانبين، وكان الخلف في الخص، قدم دعوى من العقد تليه. وبه قال
أبو يوسف، وزاد: بخوارج الحائط، وأنصاف اللبن، ويقدم بهما (2).
وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يقدم بشئ من ذلك (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، لأن الخبر الذي رووه مجمع عليه، لا يدفعه أحد منهم.
وروى نمران بن جارية اليمامي (4)، عن أبيه (5): أن قوما اختصموا إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله في خص كان بينهم، فبعث حذيفة بن اليمان
ليحكم بينهم، فحكم به لمن تليه القمط، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله فأخبره بذلك، فقال: " أصبت " أو " أحسنت " (6).
مسألة 4: إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما، وهو غير متصل ببناء أحدهما،

(1) الخص: البيت الذي يعمل من القصب. سمي به لما فيه من الخصاص وهي الفرج والانقاب.
(2) المغني لابن قدامة 5: 44، والشرح الكبير 12: 169.
(3) الأم 3: 225، ومختصر المزني: 106، والوجيز 1: 180، ومغني المحتاج 2: 192، وفتح العزيز
10: 332 - 333، والمغني لابن قدامة 5: 44، والشرح الكبير 12: 169.
(4) نمران بن جارية بن ظفر اليمامي الحنفي، عده ابن حبان في الثقات، روى عن أبيه وعنه دهثم بن
قران. أسد الغابة 1: 262، وتهذيب التهذيب 10: 475.
(5) جارية بن ظفر اليمامي الحنفي، أبو نمران، يعد في الكوفيين، حديثه عند ابنه نمران ومولاه عقيل بن
دينار، وروى عنه من الصحابة زيد بن معبد. قاله ابن الأثير في أسد الغابة.
(6) سنن ابن ماجة 2: 785 حديث 2343، والسنن الكبرى 6: 67 - 68، وأسد الغابة 1: 262.
295

وإنما هو مطلق ولأحدهما عليه جذوع، فإنه لا يحكم بالحائط لمن الجذوع له. وبه
قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يحكم بالحائط لصاحب الجذوع إذا كان أكثر من جذع
واحد، فإن كان واحدا فلا يقدم به، بلا خلاف (2).
دليلنا: قوله عليه السلام: " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " (3)
ولم يفرق.
وأيضا فإن هذا الحائط قبل طرح الجذوع عليه كان بينهما نصفين
بلا خلاف، فمن قال بطرح الجذوع يتغير الحكم، فعليه الدلالة، بل يقال
لصاحب الجذوع: أقم البينة على أنك وضعت هذه الجذوع فيه بحق، فإن أقامها
وإلا كان على حاله قبل وضعها فيه.
وأيضا فإن وضع الجذع يجوز أن يكون عارية، لأن في الناس من يوجب
إعارة ذلك وهو مالك، فإنه قال: يجبر على ذلك لقوله عليه السلام: " لا يمنعن
أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره " (4).
مسألة 5: إذا تنازع اثنان دابة، أحدهما راكبها، والآخر آخذ بلجامها، ولم
يكن مع أحدهما بينة، جعلت بينهما نصفين. وبه قال أبو إسحاق المروزي (5).

(1) الأم 3: 225، ومختصر المزني: 106، ومغني المحتاج 2: 19، والسراج الوهاج: 238، والوجيز
1: 180، وفتح العزيز 10: 333 والمغني لابن قدامة 5: 43، والشرح الكبير 12: 168.
(2) المبسوط 20: 157، والفتاوى الهندية 4: 98، والمغني لابن قدامة 5: 43 - 44، والشرح الكبير
12: 169، وفتح العزيز 10: 333 - 334.
(3) الكافي 7: 415 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والتهذيب 6: 229 حديث 553،
وصحيح البخاري 3: 187، وسنن الدارقطني 4: 157 حديث 8 و 4: 218 حديث 53.
(4) مسند أحمد بن حنبل 2: 274 و 447، والسنن الكبرى 6: 68، وتلخيص الحبير 3: 45، وحكاه المتقي
الهندي في كنز العمال 9: 61 حديث 24946 من الخرائطي في مساوئ الأخلاق.
(5) فتح العزيز 10: 334.
296

وقال أبو حنيفة وباقي الفقهاء: يحكم بذلك للراكب (1).
دليلنا: أنه لا دلالة على وجوب تقديمه على الآخر، فمن ادعى تقديمه فعليه
الدلالة.
مسألة 6: إذا كان حائط مشترك بين نفسين، لم يجز لأحدهما أن يدخل فيه
خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن صاحبه. وبه قال الشافعي
في الجديد (2)
وقال في القديم: يجوز ذلك (3). وبه قال مالك (4).
دليلنا: أنه قد ثبت أن الحائط مشترك بينهما، فلا يجوز له مع ذلك التصرف
فيه إلا بإذن صاحبه وشريكه، فمن ادعى جواز ذلك فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا
بطيب نفس منه " (5) وهذا الحائط فيه ملك لشريكه، فلم يحل لأحدهما إلا
بطيب نفس من الآخر على ظاهر الخبر.
مسألة 7: إذا كان حائط مشترك بين نفسين، فأذن أحدهما لصاحبه أن
يضع عليه خشبا يبني عليه، فبنى عليه، ثم انهدم السقف أو قلع، فليس له أن
يعيدها إلا بإذن مجدد. وهو أحد قولي الشافعي، ومالك (6).

(1) الفتاوى الهندية 4: 95، ورد المحتار 5: 578، والوجيز 1: 181، وفتح العزيز 10: 334.
(2) المجموع 13: 405، والوجيز 1: 176 و 179، ومغني المحتاج 2: 189، والسراج الوهاج: 237، والمغني
لابن قدامة 5: 37 - 38، والشرح الكبير 5: 37 وفتح العزيز 10: 316.
(3) مغني المحتاج 2: 189، والسراج الوهاج: 237، والمجموع 13: 405، والوجيز 1: 179، وفتح العزيز
10: 316، والمغني لابن قدامة 5: 37 - 38، والشرح الكبير 5: 37.
(4) المغني لابن قدامة 5: 37 - 38، والشرح الكبير 5: 37، وفتح العزيز 10: 315.
(5) سنن الدارقطني 3: 26، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72، والسنن الكبرى 6: 100، وتلخيص الحبير
3: 45.
(6) المجموع 13: 409، ومغني المحتاج 2: 189، والسراج الوهاج: 236، والمغني لابن قدامة 5: 40 - 41.
297

والقول الآخر: أنه يجوز ذلك له (1).
دليلنا: أن إعادته يحتاج إلى دليل. والأصل أن لا يجوز له أن يضع إلا بإذنه،
وليس الإذن في الأول إذنا في الثاني.
مسألة 8: إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر، وتنازعا في سقف البيت
الذي عليه الغرفة، ولم يكن لأحدهما بينة، اقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف
لصاحبه، وحكم له به.
وإن قلنا: أنه يقسم بينهما نصفين، كان جائزا.
وقال الشافعي: يحلف كل واحد منهما، فإذا حلفا معا جعل بينهما نصفين (2).
وقال أبو حنيفة: القول قول صاحب السفل، وعلى صاحب العلو البينة (3).
وقال مالك: القول قول صاحب العلو، وعلى صاحب السفل البينة (4).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول يستعمل فيه القرعة، وهذا من الأمر
المشتبه.
مسألة 9: إذا كان بين رجلين حائط مشترك وانهدم، وأراد أحدهما أن
يبنيه، وطالب الآخر بالإنفاق معه، فإنه لا يجبر على ذلك.
وكذلك إن كان بينهما نهر أو بئر، فطالب أحدهما بالنفقة، لا يجبر عليها.
وكذلك إن كان بينهما دولاب يحتاج إلى العمارة، وطالب شريكه بالنفقة،
لا يجبر عليه.
وكذلك إن كان السفل لواحد والعلو لآخر فانهدم، فلا يجبر صاحب السفل

(1) مغني المحتاج 2: 189، والمجموع 13: 409، والسراج الوهاج: 236، وفتح العزيز 10: 317، والمغني
لابن قدامة 5: 40.
(2) الأم 3: 226، ومختصر المزني: 106، وفتح العزيز 10: 334، والشرح الكبير 12: 171.
(3) المبسوط 20: 158، والفتاوى الهندية 4: 103، والشرح الكبير 12: 171، وفتح العزيز 10: 334.
(4) الشرح الكبير 12: 171، وفتح العزيز 10: 334 - 335.
298

على إعادة الحيطان التي تكون عليها الغرفة.
وللشافعي في هذه المسائل قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو قوله في الجديد (1). وبه قال أبو حنيفة (2).
والآخر: قوله في القديم، يجبر عليه (3). وبه قال مالك (4).
وقال في مسألة الغرفة أنه يجبر صاحب السفل على النفقة منفردا، ولا يلزم
صاحب العلو شيئا.
والثاني: لا يجبر عليه (5).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب إجباره على النفقة فعليه الدلالة.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه " (6) فيجب أن لا يجبر شريكه على الإنفاق إلا بطيب نفس منه.
مسألة 10: إذا أتلف رجل على غيره ثوبا يساوي دينارا، فأقر له به وصالحه
على دينارين، لم يصح ذلك. وبه قال الشافعي (7).
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك (8).

(1) الأم 3: 226، مختصر المزني: 106، والمجموع 13: 415، ومغني المحتاج 2: 190، والسراج الوهاج:
237، والوجيز 1: 179 وفتح العزيز 10: 320، والمغني لابن قدامة 5: 49، والشرح الكبير 5: 47.
(2) 20: 159، والفتاوى الهندية 4: 103، والمغني لابن قدامة 5: 48 - 49، والشرح الكبير
5: 47، وفتح العزيز 10: 320.
(3) المجموع 13: 414، والسراج الوهاج: 237، ومغني المحتاج 2: 190، وفتح العزيز 10: 321، والمغني
لابن قدامة 5: 48، والشرح الكبير 5: 47.
(4) المغني لابن قدامة 5: 48، والشرح الكبير 5: 47، وفتح العزيز 10: 320.
(5) فتح العزيز 10: 321.
(6) سنن الدارقطني 3: 26، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72، والسنن الكبرى 6: 100، وتلخيص الحبير 3: 45.
(7) المجموع 13: 388.
(8) شرح فتح القدير 7: 36، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 36، والمجموع
13: 388.
299

دليلنا: أنه إذا أتلف عليه الثوب، وجب في ذمته قيمته، بدلالة أن له
مطالبته بقيمته، ويجبر صاحب الثوب على أخذها، فإذا ثبت أن القيمة هي
الواجبة في ذمته، فالقيمة هاهنا دينار واحد، فلو أجزنا أن يصالحه على أكثر من
دينار كان بيعا للدينار بأكثر منه، وذلك ربا لا يجوز.
مسألة 11: إذا ادعى عليه مالا مجهولا، فأقر له به وصالحه منه على مال
معلوم صح الصلح. وبه قال أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: لا يصح (2).
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: " الصلح جائز بين المسلمين إلا
ما أحل حراما أو حرم حلالا " (3) ولم يفرق. وقوله تعالى: " والصلح خير " (4) ولم
يفرق.
مسألة 12: إذا كان لرجل داران في زقاقين غير نافذين، وظهر كل واحدة
منهما إلى الأخرى، فأراد أن يفتح بين الدارين بابا حتى ينفذ كل واحدة منهما
إلى الأخرى، كان له ذلك. وبه قال أبو الطيب الطبري من أصحاب
الشافعي (5).
وقال باقي أصحابه: ليس له ذلك (6).

(1) النتف 1: 505، والفتاوى الهندية 4: 254 و 257، والمجموع 13: 388، والبحر الزخار 6: 95.
(2) الأم 3: 223، والمجموع 13: 388، والمغني لابن قدامة 5: 25 - 26، والشرح الكبير 5: 9، والبحر
الزخار 6: 95.
(3) من لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والسنن الكبرى 6: 65، وسنن الترمذي 3: 635 حديث
1352، وسنن أبي داود 3: 304 حديث 3594، والتهذيب 6: 226 حديث 541.
(4) النساء: 128.
(5) المجموع 13: 413، ومغني المحتاج 2: 186، والسراج الوهاج: 236.
(6) المجموع 13: 413، ومغني المحتاج 2: 186، والسراج الوهاج: 236.
300

قال أبو الطيب: ولا أعرف خلافا فيه.
دليلنا: أنه لا يمنع من التصرف في ملكه إلا بدليل، ولا دليل على ذلك.
وأيضا فلا خلاف أنه يجوز أن يجعل الدارين دارا واحدة، فيرفع الحاجز
بينهما، ويكون البابان في الزقاقين على حالهما. وهذا يدل على صحة ما قلناه.
301

كتاب الحوالة
303

مسألة 1: المحتال هو الذي يقبل الحوالة، فلا بد من اعتبار رضاه. وبه قال
جميع الفقهاء (1) إلا داود، فإنه قال: لا يعتبر رضاه، ومتى ما أحاله من عليه
الحق على غيره لزمه ذلك (2).
دليلنا: أنا أجمعنا على أنه إذا رضي صحت الحوالة، وليس على صحتها مع
عدم رضاه دليل.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: " إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل " (3)
المراد به الاستحباب، لأنه إذا أراد أن يحيله على غيره، استحب له أن يجيبه
إليه، لما فيه من قضاء حاجة أخيه، وإجابته إلى ما يبتغيه.
مسألة 2: المحال عليه يعتبر رضاه. وبه قال المزني في اختياره (4)، وإليه
ذهب أبو سعيد الإصطخري (5).
وذكر ابن سريج في التلخيص أن الشافعي ذكر ذلك في الإملاء

(1) اللباب 2: 108، وبداية المجتهد 1: 295، وكفاية الأخيار 1: 170، والمجموع 13: 432، وفتح العزيز
10: 338، وإرشاد الساري 4: 143، وفتح الباري 4: 364، والمغني لابن قدامة 5: 58، والسراج
الوهاج: 238، وحاشية إعانة الطالبين 3: 75، والشرح الكبير 5: 61، ومغني المحتاج 2: 193،
والبحر الزخار 6: 67.
(2) المجموع 13: 432، وبداية المجتهد 1: 295، والبحر الزخار 6: 67.
(3) السنن الكبرى 6: 70، وتلخيص الحبير 3: 46.
(4) المجموع 13: 432.
(5) المجموع 13: 432، وفتح العزيز 10: 339، والبحر الزخار 6: 67.
305

والمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يعتبر رضاه (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من إجماع الأمة على أنه إذا رضي
صحت الحوالة، ولم يدل على صحتها من غير رضاه دليل.
مسألة 3: إذا أحاله على من ليس له عليه دين، وقبل الحوالة، صحت
الحوالة.
وقال الشافعي: إذا أحال على من ليس له عليه دين، فالمذهب أن ذلك
لا يصح، لأنه إذا لم تجز الحوالة عليه بجنس آخر غير الذي عليه، فالأولى أن
لا تجوز إذا لم يكن عليه الحق (2).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا أحال رجلا على رجل بالحق، وقبل الحوالة، صح تحول الحق
من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبه قال جميع الفقهاء (3)، إلا زفر بن
الهذيل، فإنه قال: لا يتحول الحق عن ذمته، كما لا يتحول عن ذمة المضمون
عنه (4).
دليلنا: أن الحوالة مشتقة من التحويل، فينبغي أن يعطي اللفظ حقه من
الاشتقاق والمعنى إذا حكم الشرع بصحته، فإذا أعطيناه حقه، وجب أن ينتقل
الحق من المحيل إلى المحال عليه.

(1) الوجيز 1: 181، والمجموع 13: 432 و 433 وفتح العزيز 10: 339، وكفاية الأخيار 1: 170،
والسراج الوهاج: 238، ومغني المحتاج 2: 194، والبحر الزخار 6: 67.
(2) المجموع 3: 430، والسراج الوهاج: 238، وإرشاد الساري 4: 143، وحاشية إعانة الطالبين 3: 75،
ومغني المحتاج 2: 194، وفتح العزيز 10: 339، والبحر الزخار 6: 69.
(3) مختصر المزني: 107، والمجموع 13: 434، وكفاية الأخيار 1: 170، واللباب 2: 109 وحاشية إعانة
الطالبين 3: 75، ومغني المحتاج 2: 195، وفتح العزيز 10: 343، والمغني لابن قدامة 5: 58 - 59،
والشرح الكبير 5: 55، والبحر الزخار 6: 68.
(4) المجموع 13: 434، والمغني لابن قدامة 5: 58 - 59، والبحر الزخار 6: 68، والشرح الكبير 5: 55.
306

مسألة 5: إذا انتقل الحق من ذمة المحيل إلى المحال عليه بحوالة صحيحة،
فإنه لا يعود عليه، سواء بقي المحال عليه على غناه حتى أداه، أو جحده حقه
وحلف عند الحاكم أو مات مفلسا، أو أفلس وحجر عليه الحاكم. وبه قال
الشافعي (1)، وهو المروي عن علي عليه السلام (2).
وقال أبو حنيفة: له الرجوع عليه بالحق إذا جحده المحال عليه، أو مات
مفلسا (3).
وقال أبو يوسف ومحمد ويرجع عليه في هذين الموضعين، وإذا أفلس وحجر
عليه الحاكم (4). وبه قال عثمان (5).
دليلنا: أنه قد ثبت انتقال الحق عن ذمته، ولا دليل على انتقاله ثانيا إليه،
فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة، فينبغي أن يلزمه الاحتيال، ولا يكون له الرجوع،
ولأنه شرط الملاءة في الحوالة، فلو كان له الرجوع عند الإعسار لم يكن لشرط
الملاءة فائدة.
مسألة 6: إذا شرط المحتال في الحوالة ملاءة المحال عليه، فوجده معسرا، لم
تصح الحوالة.

(1) الأم 3: 228، ومختصر المزني: 107، والمجموع 13: 435، وإرشاد الساري 4: 143، وفتح العزيز
10: 344، والسراج الوهاج: 239، وعمدة القاري 12: 109، والمحلى 8: 109، ومغني المحتاج
2: 195 - 196، والوجيز 1: 182، والبحر الزخار 6: 68.
(2) المجموع 13: 436، والمغني لابن قدامة 5: 59، والبحر الزخار 6: 68.
(3) اللباب 2: 109، وفتح الباري 4: 464، وعمدة القاري 12: 109، والمحلى 8: 109، والمجموع
3: 435، وفتح العزيز 1: 344، والمغني لابن قدامة 5: 59، وبداية المجتهد 2: 296، وإرشاد الساري
4: 143، والبحر الزخار 6: 68.
(4) الأم 3: 229، ومختصر المزني: 107، واللباب 2: 109، والمحلى 8: 109، والمجموع 13: 435، والمغني
لابن قدامة 5: 59، وإرشاد الساري 4: 143، والبحر الزخار 6: 68.
(5) عمدة القاري 12: 109، والمغني لابن قدامة 5: 59، وفتح الباري 4: 464، وبداية المجتهد 2: 296.
307

وقال الشافعي: إذا شرط المحتال ملاءة المحال عليه، فوجده معسرا، أو لم
يشرط فوجده معسرا، صحت الحوالة (1).
وقال أبو العباس بن سريج: الذي يقتضيه أصول الشافعي أن يكون له
الرجوع إذا شرط الملاءة فوجده بخلافه (2)، والأول قول المزني، وهو الذي
صححه باقي أصحابه (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم يعتبرون الملاءة.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: " إذا أحيل أحدكم على ملي
فليحتل " (4) فأمر بالاحتيال إذا كان مليا، دون أن يكون معسرا.
مسألة 7: إذا اشترى رجل من غيره عبدا بألف درهم، ثم أحال البائع
المشتري بألف على رجل للمشتري عليه ألف درهم، وقبل البائع الحوالة،
صحت الحوالة، ثم إن المشتري وجد بالعبد عيبا فرده به، وفسخ البيع، فهل
تبطل أم لا؟ الصحيح أنها تبطل. وبه قال المزني، وأبو إسحاق (5).
وقال أبو علي الطبري: ذكر المزني في الجامع الكبير: أن الحوالة صحيحة،
واختاره هو (6).
قال أبو حامد المروزي: طلبت في عدة نسخ من الجامع الكبير فلم

(1) الأم 3: 229، والمجموع 13: 437، ومغني المحتاج 2: 196، وفتح العزيز 10: 344، والمغني لابن
قدامة 5: 60، والشرح الكبير 5: 62.
(2) المجموع 13: 437، ومغني المحتاج 2: 196، وفتح العزيز 10: 344، والمغني لابن قدامة 5: 60،
والشرح الكبير 5: 62.
(3) المجموع 13: 437، ومغني المحتاج 2: 196، وفتح العزيز 10: 344، والمغني لابن قدامة 5: 60،
والشرح الكبير 5: 62.
(4) السنن الكبرى 6: 70، وتلخيص الحبير 3: 46.
(5) مختصر المزني: 107، والمجموع 13: 438، وفتح العزيز 10: 346.
(6) المجموع 13: 439، وفتح العزيز 10: 346.
308

أجده (1).
دليلنا: أن الحوالة إنما صحت عن ثمن العبد، فإذا انفسخ العقد سقط ثمن
العبد، فيجب أن تبطل الحوالة.
مسألة 8: إذا أحال رجل على رجل بحق له عليه، واختلفا، فقال المحيل:
أنت وكيلي في ذلك، وقال المحتال: إنما أحلتني لأخذ ذلك لنفسي على وجه
الحوالة بما لي عليك، واتفقا على أن القدر الذي جرى بينهما من اللفظ أنه قال:
أحلتك عليه بمالي عليه من الحق، وقبل المحتال ذلك، كان القول قول المحيل.
وبه قال المزني، وأكثر أصحاب الشافعي (2).
وقال ابن سريج: القول قول المحتال (3).
دليلنا: إنهما قد اتفقا على أن الحق كان للمحيل على المحال عليه، وانتقاله
إلى المحتال يحتاج إلى دليل، لأنه ليس في إحالة المحيل بذلك دليل على أنه أقر
له به، وأحاله بحق له عليه.
وإن شئت قلت: الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه، وبقاء حق
المحتال على المحيل، والمحتال يدعي زوال ذلك، والمحيل ينكره، فكان القول قوله
مع يمينه.
مسألة 9: الحوالة عند الشافعي بيع (4)، وليس لأصحابنا في ذلك نص،
والذي يقتضيه المذهب أن نقول: أنه عقد قائم بنفسه، لأنه لا دليل على أنه بيع،

(1) فتح العزيز 10: 346.
(2) مختصر المزني: 107، والمجموع 13: 441 - 443، وفتح العزيز 10: 351، ومغني المحتاج 2: 197،
والوجيز 1: 182.
(3) المجموع 13: 441، وفتح العزيز 10: 351.
(4) المجموع 13: 426، وكفاية الأخيار 1: 169، والأشباه والنظائر: 461، وحاشية إعانة الطالبين
3: 74، والوجيز 1: 181، وفتح العزيز 10: 338، ومغني المحتاج 2: 193.
309

وليس من ألفاظ البيع، وإلحاقه به قياس لا يجوز عندنا، لبطلان القول
بالقياس.
مسألة 10: يجوز الحوالة بما لا مثل له من الثياب والحيوان إذا ثبت تفي الذمة
بالقرض، ويجوز إذا كان في ذمته حيوان وجب عليه بالجناية، مثل أرش
الموضحة وغيرها، يصح الحوالة فيها، وكذلك يصح أن يجعلها صداقا لامرأة.
واختلف أصحاب الشافعي فيه:
فقال بعضهم: لا يجوز، وإنما يجوز فيما له مثل (1).
وقال ابن سريج: يجوز فيما يثبت في الذمة، وهو معلوم (2)، وإذا كان في
ذمته حيوان فهل يصح الحوالة بها فيه وجهان (3).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، ومن منع منه فعليه الدلالة.
ومن قال: لا يجوز قال: لأنه مجهول، وليس الأمر على ذلك، لأنه لا بد أن
يكون معلوما بوصفه وسنه وجنسه، فإن لم يكن كذلك لم تصح الحوالة به.
مسألة 11: إذا أحال زيد على عمرو بألف درهم، فقبله عمرو، صحت
الحوالة في ذلك.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (4).
والثاني: لا يجوز، لأن الحوالة بيع، والمعدوم لا يجوز بيعه (5).
دليلنا: أنه إذا قبله فقد أقر بلزوم ذلك المال في ذمته، فيجب عليه الوفاء
به، ومن قال: لا يصح، فعليه الدلالة، على أن قد بينا أن الحوالة ليست ببيع،
فالأصل الذي بنى عليه غير مسلم.

(1) المجموع 13: 427، وفتح العزيز 10: 342.
(2) المجموع 13: 427، وفتح العزيز 10: 342.
(3) المجموع 13: 428، وفتح العزيز 10: 342.
(4) المجموع 13: 430، وفتح العزيز 10: 339.
(5) المجموع 13: 430، وفتح العزيز 10: 339.
310

كتاب الضمان
311

مسألة 1: ليس من شرط الضمان أن يعرف المضمون له، أو المضمون عنه.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه، أحدها: مثل ما قلناه (1).
والثاني: أن من شرطه معرفتهما (2).
والثالث: أن من شرطه معرفة المضمون له دون المضمون عنه (3).
دليلنا: ما روي أن عليا عليه السلام وأبا قتادة لما ضمنا الدين عن الميت (4)
لم يسألهما النبي صلى الله عليه وآله عن معرفتهما لصاحب الدين، ولا الميت،
فدل على أنه ليس من شرطه معرفتهما.
مسألة 2: ليس من شرط صحة الضمان رضاهما أيضا، وإن قيل: إن من
شرطه رضا المضمون له كان أولى.
وقال الشافعي: المضمون عنه لا يعتبر رضاه (5)، والمضمون له فيه قولان:

(1) المجموع 14: 5، أحكام القرآن لابن العربي 3: 1086، ومغني المحتاج 2: 200، والسراج الوهاج:
240، وفتح العزيز 10: 358 - 359، والمغني لابن قدامة 5: 71 - 72، والشرح الكبير 5: 79.
(2) المجموع 14: 5، وفتح العزيز 10: 358، وأحكام القرآن لابن العربي 3: 1086 والمغني لابن قدامة
5: 71 - 72، والشرح الكبير 5: 79.
(3) المجموع 14: 5، ومغني المحتاج 2: 200، والسراج الوهاج: 240، وكفاية الأخيار 1: 171، وفتح
العزيز 10: 359، والمغني لابن قدامة 5: 71 - 72، والشرح الكبير 5: 79.
(4) سنن الدارقطني 3: 78 حديث 291 و 292، والسنن الكبرى 6: 73.
(5) المجموع 14: 13، والوجيز 1: 183، والسراج الوهاج: 240، ومغني المحتاج 2: 200، وكفاية
الأخيار 1: 171، وفتح العزيز 10: 358.
313

فقال أبو علي الطبري: من شرطه رضاه مثل الثمن في المبايعات (1).
وقال ابن سريج: ليس ذلك من شرطه، لأن عليا عليه السلام وأبا قتادة لم
يسألا المضمون له (2).
دليلنا: ضمان علي عليه السلام وأبي قتادة (3)، فإن النبي صلى الله عليه
وآله لم يسأل عن رضا المضمون له، وأما رضا المضمون عنه فكان غير ممكن،
لأنه كان ميتا يدل على أنه لا اعتبار برضاهما، وإذا اعتبرنا رضا المضمون له،
فلأنه إثبات حق في الذمة، فلا بد من اعتبار رضاه كسائر الحقوق، والأول أليق
بالمذهب، لأن الثاني قياس، ونحن لا نقول به.
مسألة 3: إذا صح الضمان، فإنه ينتقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى
ذمة الضامن، ولا يكون له أن يطالب أحدا غير الضامن. وبه قال أبو ثور، وابن
أبي ليلى، وابن شبرمة، وداود (4).
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إن المضمون له مخير في أن يطالب أيهما شاء،
والضمان لا ينقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن (5).
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام لما ضمن
الدرهمين عن الميت: " جزاك الله عن الإسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت

(1) الوجيز 1: 183، ومغني المحتاج 2: 200، والمجموع 14: 13 - 14، والمغني لابن قدامة 5: 71، والشرح
الكبير 5: 79.
(2) المجموع 14: 14، والمغني لابن قدامة 5: 71، والشرح الكبير 5: 79، والبحر الزخار 6: 76.
(3) سنن الدارقطني 3: 78 - 79 حديث 291 و 293، وسنن أبي داود 3: 247 حديث 3343، وسنن
النسائي 4: 65، والمستدرك على الصحيحين 2: 58، ومختصر المزني: 108.
(4) المحلى 8: 113، والمجموع 14: 24، والمغني لابن قدامة 5: 82، وبداية المجتهد 2: 292، والبحر الزخار 6: 77.
(5) مختصر المزني: 108، والمجموع 14: 24 - 25، وكفاية الأخيار 1: 171، ومغني المحتاج 2: 208،
والسراج الوهاج: 243، والإقناع 2: 176، والمحلى 8: 113، والمغني لابن قدامة 5: 81 - 82،
وبداية المجتهد 2: 292، والبحر الزخار 6: 77.
314

رهان أخيك " (1) فدل على أن الميت قد انتقل الحق من ذمته.
وقال عليه السلام لأبي قتادة لما ضمن الدينارين: " هما عليك والميت منهما
برئ، قال: نعم " (2). فدل على أن المضمون عنه يبرأ من الدين بالضمان.
مسألة 4: ليس للمضمون له أن يطالب إلا الضامن.
وقال مالك: لا يجوز له أن يطالب الضامن إلا عند تعذر المطالبة من
المضمون عنه، إما بغيبته، أو بإفلاسه، أو بجحوده (3).
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: هو بالخيار في مطالبته أيهما شاء (4).
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى سواء، من أن الضمان ينقل المال من
ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فإذا ثبت ذلك، فليس له أن يطالب إلا
من ثبت المال في ذمته.
مسألة 5: إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه، وأدى بغير أمره، فإنه يكون
متبرعا، ولا يرجع به عليه. وبه قال الشافعي (5).
وقال مالك وأحمد: يرجع به عليه (6).

(1) سنن الدارقطني 3: 78 حديث 291 - 292، والسنن الكبرى 6: 73، ومختصر المزني: 108.
(2) سنن الدارقطني 3: 79 حديث 293، وسنن النسائي 4: 65، وسنن أبي داود 3: 247 حديث
3343، والسنن الكبرى 6: 74.
(3) بداية المجتهد 2: 292، وبلغة السالك 2: 158، وفتح الرحيم 2: 124 - 125، والمجموع 14: 24، والمحلى
8: 113، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 233، والمغني لابن قدامة 5: 83، والبحر الزخار 6: 77.
(4) المجموع 14: 24، وكفاية الأخيار 1: 171، والسراج الوهاج: 243، ومغني المحتاج 2: 208، والإقناع
2: 176، والمغني لابن قدامة 5: 81 و 83، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1: 233، وبداية المجتهد
2: 292، والمحلى 8: 113، والبحر الزخار 6: 77.
(5) المجموع 14: 29، وكفاية الأخيار 1: 172، والوجيز 1: 185، ومغني المحتاج 2: 210، والسراج
الوهاج: 43 - 44، وفتح العزيز 10: 389، والمغني لابن قدامة 5: 88، والشرح الكبير 5: 89.
(6) المغني لابن قدامة: 5: 88، والشرح الكبير 5: 89، والمحلى 8: 116، ومختصر المزني: 108، والمجموع
14: 29، وفتح العزيز 10: 389.
315

دليلنا: أن عليا عليه السلام وأبا قتادة ضمنا الدينين عن الميتين (1) بغير إذن
أحد فلو كان لهما أن يرجعا عليهما إذا أديا الدينين لم يكن لضمانهما فائدة،
ولكان الدين باقيا على الميت كما كان.
مسألة 6: إذا ضمن عنه بإذنه، وأدى بغير إذنه، فإنه يرجع عليه واختلف
أصحاب الشافعي في ذلك.
فقال أبو علي بن أبي هريرة بمثل ما قلناه، وهو اختيار أبي الطيب
الطبري (2).
وقال أبو إسحاق: إن أدى عنه مع إمكان الوصول إليه واستئذانه لم يرجع
عليه، وإن أدى مع تعذر ذلك رجع عليه (3).
دليلنا: إنا قد بينا أن بنفس الضمان انتقل المال إلى ذمته، فإذا انتقل إلى
ذمته فلا اعتبار باستئذانه في القضاء، ومن قال بالخيار ونصر ما قلناه قال: إذنه
له في الضمان إذن له في القضاء، فلا يحتاج إلى استئذانه ثانيا.
مسألة 7: يصح ضمان مال الجعالة إذا فعل ما شرط الجعالة له.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (4).
والثاني: لا يصح ضمانه (5).

(1) سنن الدارقطني 3: 78 - 79 حديث 291 و 293، وسنن النسائي 4: 65، وسنن أبي داود 3: 247
حديث 3343، والسنن الكبرى 6: 72 - 74، والمستدرك على الصحيحين 2: 58.
(2) المجموع 14: 28 و 30، والمغني لابن قدامة 5: 87، والشرح الكبير 5: 88.
(3) المجموع 14: 30، وفتح العزيز 10: 39، والمغني لابن قدامة 87، والشرح الكبير 5: 88.
(4) المجموع 14: 18، والوجيز 1: 184، ومغني المحتاج 2: 202، وكفاية الأخيار 1: 171، والسراج
الوهاج: 241، وفتح العزيز 1: 184، والمغني لابن قدامة 5: 74، والشرح الكبير 5: 87.
(5) المجموع 14: 18، وكفاية الأخيار 1: 171، والسراج الوهاج: 241، ومغني المحتاج 2: 202، وفتح
العزيز 10: 369، والمغني لابن قدامة 5: 74، والشرح الكبير 5: 87.
316

دليلنا: قوله تعالى " ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " (1) وهذا نص.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " (2) وهذا عام إلا ما أخرجه
الدليل.
مسألة 8: يصح ضمان مال المسابقة.
وقال الشافعي: إن جعلناه مثل الإجارة صح ضمان ذلك (3)، وإن جعلناه
مثل الجعالة فعلى وجهين (4).
دليلنا: قوله عليه السلام: " الزعيم غارم " (5) وهو على عمومه.
مسألة 9: إذا جنى على حر، فاستحق بالجناية إبلا، صح ضمانها.
وللشافعي فيه قولان، بناء على القولين في بيعها وإصداقها (6).
دليلنا: قوله عليه السلام: " الزعيم غارم " (7) وهذا زعيم.
ولأنه لا مانع يمنع من صحة ذلك، والأصل جوازه.
مسألة 10: نفقة الزوجة إذا كانت مستقبلة لا يصح ضمانها.
وللشافعي فيه قولان:

(1) يوسف: 72.
(2) سنن الترمذي 3: 565 حديث 1265 و 4: 433 حديث 2120، ومسند أحمد بن حنبل 5: 267 و
293، وسنن ابن ماجة 2: 804 حديث 2405، والسنن الكبرى 6: 72.
(3) المجموع 14: 16 - 17، وفتح العزيز 10: 369.
(4) المجموع 14: 16، وفتح العزيز 10: 369، والمغني لابن قدامة 5: 74، والشرح الكبير 5: 87.
(5) سنن الترمذي 3: 565 حديث 1265 و 4: 433 حديث 2120، ومسند أحمد بن حنبل 5: 267 و
293، وسنن ابن ماجة 2: 804، حديث 2405، والسنن الكبرى 6: 72.
(6) المجموع 14: 18، والوجيز 1: 184، والسراج الوهاج: 241، ومغني المحتاج 2: 202 - 203، وفتح
العزيز 10: 371.
(7) سنن ابن ماجة 2: 804 حديث 2405، وسنن الترمذي 3: 565 حديث 1265 و 4: 433 حديث
2120، ومسند أحمد بن حنبل 5: 267 و 293، والسنن الكبرى 6: 72.
317

إذا قال: يلزم النفقة بنفس العقد، صح ضمانها (1).
وإن قال: تجب بالتمكين من الاستمتاع قال: لا يصح (2).
دليلنا: أن النفقة إنما تلزم بالتمكين من الاستمتاع، بدلالة أنها متى نشزت
سقط نفقتها، فإذا ثبت ذلك فالتمكين من ذلك لم يحصل في المستقبل، فلا يجب
به النفقة.
مسألة 11: يصح ضمان الثمن مدة الخيار.
وللشافعي فيه طريقان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم (3).
والثاني: لا يصح، لأنه مثل مال الجعالة، وهو على قولين (4).
دليلنا: أن هذا مال يؤل إلى اللزوم، فيصح ضمانه.
وأيضا قوله عليه السلام: " الزعيم غارم " (5).
مسألة 12: يصح ضمان عهدة الثمن إذا خرج المبيع مستحقا، إذا كان قد
سلم الثمن إلى البائع. وبه قال أكثر الفقهاء، والمشهور من مذهب الشافعي (6).
وقال أبو العباس بن سريج، وأبو العباس بن القاص: لا يجوز ذلك (7).

(1) الوجيز 1: 183، والمجموع 14: 18، وفتح العزيز 10: 363 - 364.
(2) المجموع 14: 18، والوجيز 1: 183، وفتح العزيز 10: 363 - 364، وحاشية إعانة الطالبين 3: 78.
(3) المجموع 14: 17، والوجيز 1: 184، والسراج الوهاج: 241، ومغني المحتاج 2: 202، وكفاية الأخيار
1: 171، وفتح العزيز 10: 369.
(4) الوجيز 1: 184، وكفاية الأخيار 1: 171، والمجموع 14: 17، والسراج الوهاج: 241، ومغني المحتاج
2: 202، وفتح العزيز 10: 369.
(5) سنن الترمذي 3: 565 حديث 1265 و 4: 433 حديث 2120، ومسند أحمد بن حنبل 5: 267 و
293، وسنن ابن ماجة 2: 804 حديث 2405، والسنن الكبرى 6: 72.
(6) الأم 3: 230، والوجيز 1: 183، والمجموع 14: 37، والسراج الوهاج: 241، ومغني المحتاج 2: 201،
وكفاية الأخيار 1: 173، وفتح العزيز 10: 365، وحاشية إعانة الطالبين 3: 77، والمغني لابن قدامة
5: 76، والشرح الكبير 5: 84 - 85، والإقناع 2: 179.
(7) المجموع 14: 37، وفتح العزيز 10: 365، والمغني 5: 76، والشرح الكبير 5: 84.
318

دليلنا: قوله عليه السلام: " الزعيم غارم " (1) ولم يفصل، والأصل جواز
ذلك، والمنع منه يحتاج إلى دلالة.
وأيضا فإن الاستيثاق من الحقوق جائز، فلا يخلو من أن يكون بالشهادة أو
بالرهن أو الضمان، ولا فائدة في الشهادة لأنها ليست وثيقة، والرهن لا يجوز في
هذا الموضع بلا خلاف، لأنه كان يؤدي إلى أن يتعطل الرهن أبدا، فلم يبق بعد
هذا إلا الضمان، وإلا خلا المال من الوثيقة.
مسألة 13: لا يصح ضمان المجهول، سواء كان واجبا أو غير واجب،
ولا يصح ضمان ما لا يجب، سواء كان معلوما أو مجهولا. وبه قال الشافعي،
وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل (2).
وقال أبو حنيفة، ومالك: يصح ضمان ذلك (3).
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الغرر (4).

(1) سنن ابن ماجة 2: 804 حديث 2405، وسنن الترمذي 3: 565 حديث 1265 و 4: 433 حديث
2120، ومسند أحمد بن حنبل 5: 267 و 293، والسنن الكبرى 6: 72.
(2) الأم 7: 118، والمجموع 14: 19، والوجيز 1: 184، وكفاية الأخيار 1: 172، والسراج الوهاج
1: 241، ومغني المحتاج 2: 202، وفتح العزيز 10: 370، وحاشية إعانة الطالبين 3: 77، وبداية
المجتهد 2: 294.
(3) المجموع 14: 19، وفتح العزيز 10: 370، وبداية المجتهد 2: 294، والبحر الزخار 6: 76.
(4) في المصادر الآتية الذكر نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر. ولم أقف بشمولية الحديث لكل
غرر في المصادر المتوفرة، ولعل سقوط كلمة " البيع " هنا في موضع من كتاب الشركة من سهو
النساخ، والله أعلم بالصواب. انظر بعض مصادر نهي بيع الغرر: صحيح مسلم 3: 1153 حديث
1513، وسنن أبي داود 3: 254 حديث 3376، وسنن الترمذي 3: 532 حديث 1230، وسنن
الدارقطني 3: 15 حديث 46 و 47، وسنن الدارقطني 2: 251، وسنن ابن ماجة 2: 739 حديث
2194 و 2195، وسنن النسائي 7: 262، والموطأ 2: 664 حديث 75، ومسند أحمد بن حنبل
1: 302، والسنن الكبرى 5: 338، ودعائم الإسلام 2: 21، وعيون أخبار الرضا 2: 45 حديث
168.
319

وضمان المجهول غرر، لأنه لا يدري كم قدرا من المال عليه.
وأيضا فلا دليل على صحة ذلك، فمن ادعى صحته فعليه الدلالة.
مسألة 14: يصح الضمان عن الميت، سواء خلف وفاء أو لم يخلف. وبه
قال الشافعي، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد (1).
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف
وفاء بمال، أو ضمان ضامن. وإن خلف وفاء بمال، أو ضمان صح الضمان
عنه (2).
دليلنا: خبر علي عليه السلام وأبي قتادة وضمانهما عن الميت (3)، وإجازة
النبي صلى الله عليه وآله ذلك مطلقا من غير فصل، فدل على أن الحكم
لا يختلف.
وروي عن أنس بن مالك أنه قال: من استطاع منكم أن يموت وليس
عليه دين فليفعل، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أتى بجنازة
يصلى عليها، فقال: " هل عليه دين "؟ فقالوا: نعم، فقال: " ما تنفعه صلاتي
وهو مرتهن، بدينه، فلو قام أحدكم فضمن عنه فصليت عليه كانت تنفعه
صلاتي " (4).

(1) الأم 3: 229 و 231، المجموع 14: 8، والوجيز 1: 183، وفتح العزيز 10: 358، والمحلى 8: 112،
وبداية المجتهد 2: 294، والشرح الكبير 5: 83، وبدائع الصنائع 6: 6، ونيل الأوطار 5: 358،
والبحر الزخار 6: 76.
(2) الأم 7: 118، والمجموع 14: 8، وفتح العزيز 10: 358، والمحلى 8: 112، والمغني لابن قدامة 5: 73،
وبداية المجتهد 2: 294، ونيل الأوطار 5: 358، وبدائع الصنائع 6: 6، والشرح الكبير 5: 83.
(3) سنن الدارقطني 3: 78 - 79 حديث 291 و 293، وسنن أبي داود 3: 247 حديث 3343، وسنن
النسائي 4: 65، والسنن الكبرى 6: 72 و 74، والمستدرك على الصحيحين 2: 58.
(4) السنن الكبرى 6: 75.
320

وهذا صريح في جواز ابتداء الضمان بعد موت المضمون عنه.
مسألة 15: إذا ضمن العبد الذي لم يؤذن له في التجارة بغير إذن سيده، لم
يصح ضمانه. وبه قال أبو سعيد الإصطخري، وحكى ذلك عن ابن
سريج (1).
وقال ابن أبي هريرة في تعليقته: يصح. وحكى ذلك عن أبي إسحاق
المروزي (2).
دليلنا: قوله تعالى: " عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " (3) والضمان شئ،
فوجب أن لا يصح، لأنه تعالى إنما نفى حكم ذلك، لا نفس القدرة عليه.
مسألة 16: كفالة الأبدان تصح. وبه قال من الفقهاء أبو حنيفة وغيره،
وهو المشهور من مذهب الشافعي (4).
وله قول آخر ذكره المروزي في تعليقته: أنها لا تصح (5).
دليلنا: قوله تعالى: " لتأتنني به إلا أن يحاط بكم " (6) فطلب يعقوب منهم
كفيلا ببدنه، وقال إخوة يوسف ليوسف: " إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا

(1) الوجيز 1: 183، والمجموع 14: 9، وفتح العزيز 10: 361، ومغني المحتاج 2: 199، والسراج الوهاج: 240.
(2) المجموع 14: 9، والوجيز 1: 183، وفتح العزيز 10: 361 وإعانة الطالبين 3: 78، والسراج الوهاج:
240، ومغني المحتاج 2: 199.
(3) النحل: 75.
(4) المجموع 14: 41 و 45، والوجيز 1: 184، وكفاية الأخيار 1: 173، ومغني المحتاج 2: 203، والسراج
الوهاج: 241، وحاشية إعانة الطالبين 3: 78، والنتف 2: 758، واللباب 2: 100، والفتاوى
الهندية 3: 258، وحاشية رد المحتار 5: 286، وبداية المجتهد 2: 291، وبلغة السالك 2: 164،
والمغني لابن قدامة 5: 95، والشرح الكبير 5: 98، وفتح العزيز 10: 372.
(5) المجموع 14: 44، وكفاية الأخيار 1: 173، وفتح العزيز 10: 373، والمغني لابن قدامة 5: 95،
والشرح الكبير 5: 98، والنتف 2: 758، وبداية المجتهد 2: 291.
(6) يوسف: 66.
321

مكانه " (1) وذلك كفالة بالبدن.
وروى أبو إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب (2) أنه قال: صليت مع
عبد الله بن مسعود الغداة فلما سلم، قام رجل، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما
بعد فوالله لقد بت البارحة - إلى آخر الخطبة (3) فقال -: استتبهم وكفلهم
عشائرهم، فاستتابهم فتابوا، وكفلهم عشائرهم (4).
وهذا يدل على إجماعهم على أن الكفالة بالبدن صحيح.
وروى المخالفون لنا: أن عبد الله بن عمر كان له دين على علي
عليه السلام، فكفلت به أم كلثوم ابنته زوجة عمر بن الخطاب (5).

(1) يوسف: 78.
(2) حارثة بن مضرب العبدي الكوفي، روى عن علي عليه السلام وعمر وابن مسعود وخباب بن
الأرت، وسلمان الفارسي وغيرهم وعنه أبو إسحاق السبيعي. أنظر تهذيب التهذيب 2: 166 -
167، وتقريب التهذيب 1: 145.
(3) ذكرها في المجموع 14: 41، والنص فيه: " أما بعد فوالله لقد بت البارحة وما في نفسي على أحد
احنة، وإني كنت استطرقت رجلا من بني حنيفة وكان أمرني أن آتيه بغلس فانتهيت إلى مسجد بني
حنيفة، مسجد عبد الله بن النواحة فسمعت مؤذنهم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن مسيلمة رسول الله،
فكذبت سمعي، وكففت فرسي، حتى سمعت أهل المسجد قد تواطأوا على ذلك، فقال عبد الله بن
مسعود: علي بعبد الله بن النواحة، فحضر واعترف، فقال له عبد الله: أين ما كنت تقرأ من القرآن،
قال: كنت أتقيكم به، فقال له: تب، فأبى، فأمر به فأخرج إلى السوق، فجز رأسه، ثم شاور
أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بقية القوم، فقال عدي بن حاتم: تؤلول كفر قد أطلع
رأسه فاحسمه ".
وقال جرير بن عبد الله، والأشعث بن قيس: استتبهم فإن تابوا كفلهم عشائرهم، فاستتابهم
فتابوا، وكفلهم عشائرهم.
(4) قال في المجموع 14: 42 الحديث أخرجه أبو داود من طريق حارثة بن مضرب العبدي الكوفي.
أقول: وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى 6: 77 باختلاف يسير في بعض الألفاظ.
(5) ذكر السرخسي في المبسوط 19: 163 كفالة أم كلثوم أمير المؤمنين عليه السلام فلاحظ.
322

مسألة 17: إذا تكفل ببدن رجل، فغاب المكفول به غيبة يعرف موضعه،
ألزم الكفيل إحضاره، ويمهل مقدار زمان ذهابه ومجيئه لإحضاره، فإن لم يحضره
بعد انقضاء هذه المدة المذكورة حبس أبدا حتى يحضره أو يموت. وبه قال جميع
من أجاز الكفالة بالبدن (1).
وقال ابن شبرمة: يحبس في الحال ولا يمهل، لأن الحق قد حل عليه (2).
دليلنا: أن من شرط الكفالة إمكان تسليمه، والغائب لا يمكن تسليمه في
الحال، فوجب أن يمهل حتى يمضي زمان الإمكان.
مسألة 18: إذا تكفل ببدن رجل، فمات المكفول به، زالت الكفالة وبرأ
الكفيل، ولا يلزمه المال الذي كان عليه. وبه قال جميع الفقهاء الذين أجازوا
كفالة الأبدان (3).
وقال مالك: يلزمه ما عليه، وإليه ذهب ابن سريج (4).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
وأيضا فإنه تكفل ببدنه دون ما في ذمته، فلا يلزمه تسليم ما لم يتكفل به، ولم

(1) اللباب 2: 101، والفتاوى الهندية 3: 258، والمجموع 14: 52، والسراج الوهاج: 242، ومغني
المحتاج 2: 205، وفتح العزيز 10: 377 - 378، والوجيز 1: 184، وبداية المجتهد 2: 291، والمغني
لابن قدامة 5: 98 - 99، والشرح الكبير 5: 105 - 106، والإقناع 2: 185، وكفاية الأخيار
1: 173، والبحر الزخار 6: 74.
(2) المجموع 14: 52، والمغني لابن قدامة 5: 98، والشرح الكبير 5: 106، والبحر الزخار 6: 74.
(3) المجموع 14: 46 و 54، والوجيز 1: 184، وكفاية الأخيار 1: 173، ومغني المحتاج 2: 205، والسراج
الوهاج 2: 242، واللباب 2: 102، والنتف 2: 759، والفتاوى الهندية 3: 262، والمغني لابن
قدامة 5: 105، والشرح الكبير 5: 104، والإقناع 2: 185، والبحر الزخار 6: 73، والجامع لأحكام
القرآن القرطبي 10: 233.
(4) المدونة الكبرى 5: 257، والمجموع 14: 46 و 54، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 233،
والمغني لابن قدامة 5: 105، والشرح الكبير 5: 104، والبحر الزخار 6: 73.
323

يضمنه.
مسألة 19: إذا رهن شيئا ولم يسلمه، فتكفل رجل بهذا التسليم صح.
وقال الشافعي: لا يصح (1).
دليلنا: إنا قد بينا أن الراهن يجب عليه تسليم الرهن، فصحت الكفالة
عنه، والشافعي بناه على أنه لا يجب عليه تسليمه، وقد بينا خلافه.

(1) أنظر الأم 3: 140 - 141، وفتح العزيز 10: 375.
324

كتاب الشركة
325

مسألة 1: شركة المسلم لليهودي والنصراني وسائر الكفار مكروهة. وبه قال
جميع الفقهاء (1).
وقال الحسن البصري: إن كان المتصرف المسلم لا يكره، وإن كان
المتصرف الكافر أوهما، كره (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، لأن خلاف الحسن لا يعتد به، ومع
ذلك قد انقرض.
وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي أو
النصراني (3). ولا يعرف له مخالف.
مسألة 2: لا تنعقد الشركة إلا في مالين مثلين في جميع صفاتهما، ويخلطان،
ويأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه. وبه قال
الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: تنعقد للشركة بالقول وإن لم يخالطاهما، بأن يعينا المال

(1) المحلى 8: 125، واللباب 2: 70، والمجموع 14: 64، وعمدة القاري 13: 61، وفتح العزيز
10: 405، والمغني لابن قدامة 5: 110، والشرح الكبير 5: 110، والبحر الزخار 5: 92 - 93.
(2) المجموع 14: 64، والمغني لابن قدامة 5: 109 - 110، والشرح الكبير 5: 110، والبحر الزخار 5: 93.
(3) المجموع 14: 64، والمغني لابن قدامة 5: 110، والشرح الكبير 5: 110، والبحر الزخار 5: 93.
(4) المجموع 14: 66، وكفاية الأخيار 1: 174، ومغني المحتاج 2: 213، والسراج الوهاج: 245، والمبسوط
11: 156، وبداية المجتهد 2: 250، والمغني لابن قدامة 5: 127 و 128، وفتح العزيز 10: 405.
327

ويحضراه، ويقولا: قد تشاركنا في ذلك، صحت الشركة (1).
وقيل: هذه شركة العنان.
وإذا أخرج أحدهما دراهم، والآخر دنانير، انعقد الشركة بينهما (2).
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد الشركة به، وليس على انعقادها بما قاله
دليل، فوجب بطلانه.
مسألة 3: العروض التي لها أمثال، مثل: المكيلات، والموزونات تصح
الشركة فيها. واختلف أصحاب الشافعي فيه:
فقال أبو إسحاق المروزي مثل ما قلناه (3).
وقال غيره: لا تصح (4).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، ولا دليل في الشرع.
مسألة 4: إذا أخرج أحدهما دراهم، والآخر دنانير، لم تنعقد الشركة. وبه
قال الشافعي. (5).
وقال أبو حنيفة: تصح (6).
دليلنا: أنهما مالان متميزان، ولا يختلطان، ومن حق الشركة اختلاط
المالين، فوجب أن تبطل، ولأن ما اعتبرناه لا خلاف في عقد الشركة به، وما
ذكروه لا دليل على صحته.

(1) اللباب 2: 74، والمبسوط 11: 156، وفتاوى قاضيخان 3: 612، والمجموع 14: 69، وبداية المجتهد 2: 250،
والمغني لابن قدامة 5: 128، وفتح العزيز 10: 406.
(2) اللباب 2: 73 - 74، وفتاوى قاضيخان 3: 612، والمجموع 14: 69، والمغني لابن قدامة 5: 128.
(3) المجموع 14: 66، وفتح العزيز 10: 407.
(4) المجموع 14: 65 و 66، وفتح العزيز 10: 407.
(5) المجموع 14: 68، ومغني المحتاج 2: 213، والسراج الوهاج: 245، وفتح العزيز 10: 408، والمبسوط
11: 153.
(6) اللباب 2: 73 - 74، والمبسوط 11: 152 - 153، والمجموع 14: 69.
328

مسألة 5: شركة المعاوضة باطلة. وبه قال الشافعي (1)، قال: ولها حكم في
اللغة دون الشرع.
قال صاحب إصلاح المنطق (2): شركة المفاوضة: أن يكون مالهما من كل
شئ يملكانه بينهما. ووافقه على ذلك مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور (3).
وقال أبو حنيفة: هي صحيحة إذا صحت شرائطها وموجباتها.
فشرائطها أن يكون الشريكان مسلمين حرين، فإذا كان أحدهما مسلما
والآخر كافرا، أو كان أحدهما حرا والآخر مكاتبا، لم تجز الشركة.
ومن شروطها أن يتفق قدر المال الذي تنعقد الشركة في جنسه، وهو
الدراهم والدنانير، فإذا كان مال أحدهما أكثر لم تصح هذه الشركة، أو أخرج
أحدهما من الشركة من ذلك المال أكثر مما أخرجه الآخر لم يصخ.
وأما موجباتها فهو أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكتسبه، قل ذلك
أو كثر، وفيما يلزمه من غراماته بغصب وكفالة بمال، فهذه جملة ما يشترطونه من

(1) الأم 3: 231 و 6: 224، ومختصر المزني: 109، والمجموع 14: 74، ومغني المحتاج 2: 212، والسراج
الوهاج: 244 - 245، والمبسوط 11: 153، وفتح العزيز 10: 415، وبداية المجتهد 2: 251، والمغني
لابن قدامة 5: 139، والشرح الكبير 5: 198، والوجيز 1: 187، وبدائع الصنائع 6: 57، والبحر
الزخار 5: 91.
(2) للشيخ الأديب يعقوب بن إسحاق الشهير بابن السكيت. كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن
واللغة والشعر، راوية ثقة، أخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبي عمرو الشيباني والأثرم وابن
الأعرابي، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين الشعر. وكان مؤدبا لأولاد
المتوكل العباسي، قتله المتوكل بعد أن سأله: يا يعقوب من أحب إليك ابناي هذان أم الحسن
والحسين؟ قال: والله إن قنبر خادم علي خير منك ومن ابنيك، فأمر الأتراك فسلوا لسانه من قفاه،
فمات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين. أنظر بغية الوعاة: 418 -
419.
(3) المبسوط 11: 153، والمغني لابن قدامة 5: 139، والشرح الكبير 5: 198.
329

الشرائط والموجبات (1). وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي (2).
دليلنا: أنه لا دليل على صحة ذلك، وانعقاد الشركة حكم شرعي يحتاج إلى
دلالة شرعية.
وأيضا هذه الشرائط التي ذكروها من اكتساب المال والغرامة باطلة،
فلا يصح معها الشركة.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه " نهى عن الغرر " (3) وهذا غرر، لأنه
يدخل في العقد على أن يشاركه في جميع ما يكسبه وما يضمنه بعد، من غصب
وضمان وكفالة، وقد يلزمه غرامة، فيحتاج أن يشاركه فيها على حسب ما دخل
عليه في العقد، وهذا غرر عظيم.
مسألة 6: شركة الأبدان عندنا باطلة - وهي أن يشترك الصانعان على أن
ما يرتفع لهما من كسبهما فهو بينهما على حسب شرطهما، سواء كان متفقي الصنعة
كالنجارين والخبازين، أو مختلفي الصنعة كالنجار والخباز - وبه قال
الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة يجوز مع اتفاق الصنعة واختلافها، ولا يجوز في الاحتطاب

(1) النتف 1: 531 واللباب 2: 70، وفتاوى قاضيخان 3: 618، والمبسوط 11: 153، والمجموع 14: 74،
وفتح العزيز 10: 415، وبداية المجتهد 2: 251، والمغني لابن قدامة 5: 139، والشرح الكبير
5: 198، والفتاوى الهندية 2: 207 - 208، وبدائع الصنائع 6: 57، والبحر الزخار 5: 91.
(2) المجموع 14: 74، والمغني لابن قدامة 5: 139، والشرح الكبير 5: 198، والبحر الزخار 5: 91.
(3) أنظر تعليقتنا حول الحديث في المسألة " 13 " من كتاب الضمان المتقدم.
(4) المجموع 14: 72، والوجيز 1: 187، وكفاية الأخيار 1: 173، ومغني المحتاج 2: 212، والسراج
الوهاج: 244 - 245، وفتح العزيز 10: 414، والمغني لابن قدامة 5: 111، والشرح الكبير
5: 186، وبداية المجتهد 2: 252، والمبسوط 11: 154، والمحلى 8: 123، والبحر الزخار 5: 94،
وسبل السلام 3: 893.
330

والاحتشاش، والاصطياد والاغتنام (1).
وقال مالك: يجوز الاشتراك مع اتفاق الصنعة، ولا يجوز مع اختلافها (2).
وقال أحمد: يجوز الاشتراك في جميع الصنائع، وفي الاحتشاش
والاحتطاب، والاصطياد والاغتنام (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وأيضا العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية، وليس في الشرع ما يدل على
صحة هذه الشركة.
وأيضا نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر (5)، وهذا غرر، بدلالة
أن كل واحد منهما لا يدري أيكسب صاحبه شيئا أم لا يكسب، وكم مقدار
ما يكسبه.
مسألة 7: شركة الوجوه باطلة - وصورتها: أن يكون رجلان وجيهان في
السوق، وليس لهما مال، فيعقدان الشركة على أن يتصرف كل واحد منهما
بجاهه في ذمته، ويكون ما يرتفع بينهما - وبه قال الشافعي (6).

(1) اللباب 2: 75 - 76، والنتف 1: 535، والمبسوط 11: 154 و 216، وفتاوى قاضيخان 2: 623 - 624،
والمغني لابن قدامة 5: 111، والشرح الكبير 5: 185، والمحلى 8: 123، وبداية المجتهد 2: 252، وكفاية
الأخيار 1: 173، وسبل السلام 3: 893، وفتح العزيز 10: 414 - 415، والبحر الزخار 5: 94.
(2) بداية المجتهد 2: 252، وكفاية الأخيار 1: 173، والمحلى 8: 123، والمغني لابن قدامة 5: 113،
والشرح الكبير 5: 187، وفتح العزيز 10: 414، والبحر الزخار 5: 94.
(3) المغني لابن قدامة 5: 111، والشرح الكبير 5: 185 و 187، وفتح العزيز 10: 415.
(4) انظرها في عيون أخبار الرضا 2: 86 حديث 168، وصحيح مسلم 3: 1153، وسنن أبي داود
3: 254، وسنن الترمذي 3: 532، وسنن الدارقطني 3: 15 - 16.
(5) تقدمت الإشارة إلى مصادر النهي عن المسألة " 5 " من هذا الكتاب فلاحظ.
(6) المجموع 14: 75، ومغني المحتاج 2: 212، والسراج الوهاج: 244 - 245، والمبسوط 11: 154،
وبداية المجتهد 2: 252، والوجيز: 187، وفتح العزيز 1: 416، والشرح الكبير 5: 184، والبحر الزخار 5: 94.
331

وقال أبو حنيفة: أنها تصح، فإذا عقداها كان ما يرتفع لهما على حسب
ما شرطاه بينهما (1).
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى من أن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة
شرعية، وليس في الشرع ما يدل على صحة هذه الشركة، فيجب أن تكون
باطلة.
مسألة 8: لا فرق بين أن يتفق المالان في المقدار، أو يختلفا فيخرج أحدهما
أكثر مما أخرجه الآخر، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي (2).
وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابه: إذا اختلف مقدار المالين، بطلت
الشركة (3).
دليلنا:
أنه لا دلالة على بطلان هذه الشركة، والأصل جوازها.
وقوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (4).
مسألة 9: لا يجوز أن يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال، ولا
أن يتساويا فيه مع التفاضل في المال، ومتى شرطا خلاف ذلك كانت الشركة
باطلة. وبه قال الشافعي (5).

(1) اللباب 2: 76، والمبسوط 11: 154، وفتاوى قاضيخان 6: 623، والمجموع 14: 75، وبداية المجتهد
2: 252، والفتاوى الهندية 2: 327، والشرح الكبير 5: 184، وفتح العزيز 10: 416 - 417،
والبحر الزخار 5: 94.
(2) مغني المحتاج 2: 214، والمجموع 14: 67، والسراج الوهاج: 245، وفتح العزيز 1: 410.
(3) المجموع 14: 67 و 69، وفتح العزيز 10: 410، والوجيز 1: 187.
(4) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44.
(5) المجموع 14: 69، ومغني المحتاج 2: 215، وفتح العزيز 10: 425، والمبسوط 11: 157، وبداية المجتهد
2: 250، والوجيز 1: 187، وكفاية الأخيار 1: 174، والسراج الوهاج: 246، والنتف 1: 533،
والبحر الزخار 5: 92.
332

وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك (1).
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جوازه، وليس على جواز ما ذكره دليل.
مسألة 10: إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة، ثم أصابا به عيبا،
كان لهما أن يرداه، وكان لهما إمساكه، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الإمساك
كان لهما ذلك. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إذا امتنع أحدهما من الرد، لم يكن للآخر أن يرده (3).
دليلنا: أن المنع من الرد بالعيب يحتاج إلى دليل، والأصل جوازه، وليس
ها هنا ما يدل على المنع منه.
مسألة 11: إذا باع أحد الشريكين عبدا بألف، فأقر البائع على شريكه
بالقبض، وادعى ذلك المشتري وأنكره الشريك الآخر الذي لم يبع، لم يبرء
المشتري من الثمن. وبه قال الشافعي (4).
وله في إقرار الوكيل على موكله بقبض ما وكله فيه قولان:
أحدهما: يقبل (5). وبه قال أبو حنيفة، ومحمد (6).
والآخر: لا يقبل (7).

(1) المبسوط 11: 156 - 157، واللباب 2: 73، وفتاوى قاضيخان 3: 613 وفتح العزيز 10: 426،
والنتف 1: 533، والفتاوى الهندية 2: 319 - 320، والبحر الزخار 5: 92.
(2) مختصر المزني: 83 و 109، والمجموع 14: 79، وبداية المجتهد 2: 178، والمغني لابن قدامة 4: 268،
والشرح الكبير 4: 106، وشرح فتح القدير 8: 367، وشرح فتح العزيز 8: 367.
(3) المبسوط 13: 50، وبدائع الصنائع 5: 283، وشرح فتح القدير 8: 367، والمغني لابن قدامة
4: 268، والشرح الكبير 4: 106، وشرح فتح العزيز 8: 367.
(4) المجموع 11: 87، وفتح العزيز 10: 448 و 454.
(5) المجموع 14: 87 و 163، وفتح العزيز 10: 452.
(6) المبسوط 19: 69 و 75 و 103، والمجموع 14: 88.
(7) المجموع 14: 163، وفتح العزيز 10: 442 و 454.
333

وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: إن إقرار الشريك مقبول على شريكه،
بناء منهما على أن إقرار الوكيل مقبول على موكله بقبض ما وكله فيه (1).
دليلنا على ذلك: أن الخمسمائة التي للبائع لا يبرأ منها، لأنه يقول
ما أعطيتني ولا أعطيت من وكلته في قبضها، وإنما أعطيتها أجنبيا، ولا تبرأ من
حقي بذلك، وأما الخمسمائة التي للذي لم يبع فلا يبرأ منها أيضا، لأنه يزعم أنها
على المشتري لم يقبضها بعد، وإنما البائع هو الذي يقر بقبضه، وهو وكيل الذي
لم يبع في قبض حقه.
والوكيل إذا أقر على موكله الحق الذي وكله في استيفائه لم يقبل
قوله، إلا أنه إن شهد مع البائع شاهد آخر، أو امرأتان، أو يمين المشتري، فإنه
يحكم على الشريك الذي لم يبع بقبض حقه، وإن لم يكن توجهت عليه اليمين
لا غير.
مسألة 12: إذا كان مال بين شريكين، فغصب غاصب أحد الشريكين
نصيبه، وباع مع ما لشريكه، مضى العقد يفيما للشريك، ويبطل فيما للغاصب.
ولأصحاب الشافعي فيه طريقان:
منهم من قال: المسألة مبنية عليل تفريق الصفقة، فيبطل البيع في القدر
المغصوب، وهل يبطل في حصة الشريك البائع؟ على قولين:
إذا قال: لا تفرق الصفقة، بطل في الجميع.
وإذا قال: تفرق، يصح في حصة الشريك البائع، ويبطل في الباقي (2).
ومنهم من قال: المسألة على قول واحد كما قال الشافعي، لأن هذا البيع
صفقتان، لأن في طرفيه عاقدين، فإذا جمع بين الصفقتين في العقد فبطلت

(1) المبسوط 19: 103.
(2) مختصر المزني 1: 109، والمجموع 14: 82، وفتح العزيز 10: 456.
334

إحداهما لم تبطل الأخرى، وإنما تبنى المسألة على تفريق الصفقة إذا كانت
الصفقة واحدة (1)، وهو الصحيح عندهم.
فأما إذا غضب أحد الشريكين من الآخر، وباع الجميع، بطل في نصيب
شريكه، وفي نصيبه قولان (2):
وإذا وكل الشريك الذي لم يغصب الغاصب في بيع حصته، فباع الغاصب
جميع المال، وأطلق البيع، بطل في القدر المغصوب، وهل يبطل في حصة
الموكل؟ على قولين (3)، بناء على تفريق الصفقة، ولا خلاف بينهم إذا أطلق
ذلك البيع، وإن لم يطلق وأخبر المشتري أنه وكيل، فهو على الخلاف الذي
مضى.
دليلنا على أنه لا يبطل في الجميع قوله تعالى: " وأحل الله البيع " (4) وهذا
بيع صادف ملكا، وأما ما لا يملك فلا خلاف في أنه لا يمضى البيع فيه.
مسألة 13: إذا كان لرجلين عبدان، لكل واحد منهما عبد بانفراده،
فباعاهما من رجل واحد بثمن واحد، لا يصح البيع.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يصح (5).
والآخر: لا يصح (6)، وهو الأصح عندهم.
دليلنا: أن هذا العقد بمنزلة العقدين، لأنه لعاقدين، وثمن كل واحد منهما
مجهول، لأن ثمنهما يتقسط على قدر قيمتهما وذلك مجهول، والثمن إذا كان مجهولا

(1) المجموع 14: 82.
(2) المجموع 14: 83.
(3) المجموع 14: 82 - 83.
(4) البقرة: 275.
(5) فتح العزيز 8: 252 - 253.
(6) فتح العزيز 8: 252 - 253.
335

بطل العقد، ولا يلزم إذا كانا جميعا لواحد فباعهما بثمن معلوم، لأن ذلك يكون
عقدا واحدا، وإنما يبطل الأول من حيث كانا عقدين.
مسألة 14: إذا عقدا شركة فاسدة، إما بأن يتفاضل المالان ويتساوى
الربح، أو يتساوى المالان ويتفاضل الربح، وتصرفا، وارتفع الربح، ثم
تفاضلا، كان الربح بينهما على قدر المالين، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه
بأجرة مثل عمله، بعد إسقاط القدر الذي يقابل عمله في ماله. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يرجع واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل علمه، لأن هذه
الأجرة لما لم تثبت في الشركة الصحيحة، فكذلك في الفاسدة (2).
دليلنا: أن كل واحد منهما قد شرط في قابلة عمله جزء من الربح، ولم يسلم
له لفساد العقد، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل، فكان له الرجوع إلى قيمته،
كما لو باع منه سلعة بيعا فاسدا وسلمها إليه وتلفت في يد المشتري رجع عليه
بقيمتها، لأن المسمى لم يسلم له، وقد تعذر عليه الرجوع في السلعة بتلفها،
فكان له الرجوع في قيمتها.
ويفارق ذلك الشركة الصحيحة، لأن المسمى قد سلم له فيها، وفي الفاسدة
لم يسلم له المسمى، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل، فيرجع إلى عوض المثل.
مسألة 15: إذا كان بينهما شئ، فباعاه بثمن معلوم، كان لكل واحد منهما
أن يطالب المشتري بحقه. فإذا أخذ قدر حقه، شاركه فيه صاحبه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (3).

(1) المجموع 14: 72، ومغني المحتاج 2: 215 - 216، والسراج الوهاج: 246.
(2) الفتاوى الهندية 2: 320، واللباب 2: 73، والمجموع 14: 72.
(3) المجموع 14: 88، وفتح العزيز 10: 250 و 254.
336

والآخر هو الأظهر عندهم: أنه لا يشاركه فيه (1).
دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه المسألة منصوصة لهم (2)، ورواياتهم واردة
بها (3).
وأيضا فإن المال الذي في ذمة المشتري غير متميز فكل جزء يحصل من جهته
فهو بينهما.

(1) المجموع 14: 88، وفتح العزيز 10: 250 و 254.
(2) حكاه العلامة الحلي في المختلف 2: 22 عن ابن الجنيد من متقدمي علمائنا السابقين على الشيخين
وعن ابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة من المتأخرين.
(3) استدل العلامة أيضا في مقام الرد على ابن إدريس في هذه المسألة التي ذكرها أيضا في المختلف
2: 21 - 22 بما رواه الشيخ في التهذيب 7: 185 - 186 حديث 818 و 821.
337

كتاب الوكالة
339

مسألة 1: يجوز وكالة الحاضر، ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل، وله أن يوكل
أيضا كذلك. وبه قال الشافعي، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد (1).
وقال أبو حنيفة: وكان الحاضر تصح، غير أنها لا تلزم خصمه، إلا أن
يرضى بها، ومتى أبى ذلك كان على خصمه أن يخاصمه بنفسه، وأجبر على
ذلك إن امتنع (2).
دليلنا: أن الأخبار الواردة في جواز التوكيل عامة في الحاضر والغائب (3)،
فمن خصص فعليه الدلالة.
وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 2: ليس من شرط سماع البينة على الوكالة من الوكيل إحضار خصم
من خصومه، أو غريم من غرمائه. وبه قال الشافعي (4).

(1) المجموع 14: 100، والوجيز 1: 188، وفتح العزيز 11: 9، وبداية المجتهد 2: 298، واللباب 2: 87،
وبدائع الصنائع 6: 22، وعمدة القاري 12: 134، وتبيين الحقائق 4: 255، والمغني لابن قدامة
5: 204، والشرح الكبير 5: 206 و 207، والبحر الزخار 6: 65.
(2) النتف 2: 598، واللباب 2: 87، وبدائع الصنائع 6: 22، وعمدة القاري 12: 134، وتبيين
الحقائق 4: 255، والمجموع 14: 100، والمغني لابن قدامة 5: 204، والشرح الكبير 5: 207، وفتح
العزيز 11: 9، والبحر الزخار 6: 66.
(3) أنظر الكافي 6: 129 (باب الوكالة في الطلاق) ومن لا يحضره الفقيه 3: 47 (باب 37)، والتهذيب
6: 213 (باب 86) والاستبصار 3: 278 (باب 166).
(4) فتح العزيز 11: 55، والمغني لابن قدامة 5: 267 و 270، والشرح الكبير 5: 267 و 270، وبداية
المجتهد 2: 298.
341

وقال أبو حنيفة: من شرطه ذلك، فإذا أحضره وادعى حق الموكل على
خصمه أو غريمه، وتوجه الجواب على المدعى عليه، فحينئذ يسمع الحاكم بينة
الوكيل (1)
فجوز سماع الدعوى قبل ثبوت الوكالة، وألزم الخصم الجواب، وجعل
تقديم الدعوى شرطا في سماع البينة بناء منه على أصله، لأن عنده لا يلزم وكالة
الحاضر إلا برضا الخصم، ولا يجوز القضاء على الغائب.
وهذا عندنا جائز على ما بيناه، لأنا لا نعتبر رضا الخصم، ويجوز القضاء على
الغائب، وقد مضى الكلام في جواز وكالة الحاضر وإن لم يرض الخصم،
وسيجئ الكلام في القضاء على الغائب في موضعه.
مسألة 3: إذا عزل الموكل وكيله عن الوكالة في غيبة من الوكيل، فلا صحابنا
فيه روايتان:
إحداهما: أنه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل، وكل تصرف يتصرف فيه
الوكيل بعد ذلك يكون باطلا (2). وهو أحد قولي الشافعي، أو أحد وجهيه (3).
والثانية: أنه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك، وكلما يتصرف فيه يكون
واقعا موقعه إلى أن يعلم (4)، وهو قول الشافعي الآخر (5). وبه قال

(1) الفتاوى الهندية 4: 111، والشرح الكبير 5: 267 و 270، والمغني لابن قدامة 5: 267 و 270،
وبداية المجتهد 2: 298، وفتح العزيز 11: 55.
(2) لم أظفر على رواية تدل على خلاف العلم والله العالم.
(3) الوجيز 1: 193، والمجموع 14: 155، ومغني المحتاج 2: 232، والسراج الوهاج: 252، وفتح العزيز
11: 67، والمغني لابن قدامة 5: 243، والشرح الكبير 5: 217 - 218، وتبيين الحقائق 4: 287.
(4) أنظر الكافي 6: 129 حديث 4، ومن لا يحضره الفقيه 3: 47 و 51 حديث 166 و 171، والتهذيب
6: 213 - 214 حديث 502 و 503، و 505.
(5) المجموع 14: 155، والوجيز 1: 193، ومغني المحتاج 2: 232، والسراج الوهاج: 252، وفتح العزيز
11: 67، والمغني لابن قدامة 5: 243، والشرح الكبير 5: 218.
342

أبو حنيفة (1).
دليلنا على ذلك: أخبار الطائفة، وهي مختلفة، وقد ذكرناها في الكتابين
المتقدم ذكرهما (2).
ومن راعى العلم، استدل على ذلك، بأن قال: أن النهي لا يتعلق به حكم
في حق المنهي، إلا بعد حصول العلم به.
وهكذا أبواب نواهي الشرع كلها، ولهذا لما بلغ أهل قبا أن القبلة قد
حولت إلى الكعبة وهم في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم، ولم يؤمروا
بالإعادة، فكذلك نهى الموكل وكيله عن التصرف ينبغي أن لا يتعلق به حكم
في حق الوكيل إلا بعد العلم، وهذا القول أقوى من الأول، وقد رجحناه في
الكتابين (3).
مسألة 4: إذا وكل رجل رجلا في الخصومة عنه، ولم يأذن له في الإقرار، فأقر
على موكله بقبض الحق الذي وكل في المخاصمة فيه، لم يلزمه إقراره عليه بذلك،
سواء كان في مجلس الحكم أو في غيره. وبه قال مالك، والشافعي وابن أبي
ليلى، وزفر (4).
وقال أبو حنيفة ومحمد: يصح إقراره على موكله في مجلس الحكم، ولا يصح

(1) اللباب 2: 93، والمبسوط 19: 16، والنتف 2: 602، وبدائع الصنائع 6: 37 وحاشية رد المحتار
5: 537، والمغني لابن قدامة 5: 243، والشرح الكبير 5: 218، وفتح العزيز 11: 67.
(2) التهذيب 6: 213 و 216 حديث 502 و 508 و 6: 214 حديث 504 و 506، والاستبصار 3: 278
حديث 986 و 988.
(3) التهذيب 6: 213 حديث 502، والاستبصار 3: 278 حديث 986 - 988.
(4) الأم 3: 232، ومختصر المزني: 110، والمجموع 14: 115، وفتح العزيز 11: 53، والنتف 2: 599،
وبدائع الصنائع 6: 24، والمبسوط 19: 4، وتبيين الحقائق 4: 278 و 280، والمغني لابن قدامة
5: 218، والشرح الكبير 5: 243، وبداية المجتهد 2: 297.
343

في غيره (1).
وقال أبو يوسف: يصح في مجلس الحكم وفي غيره (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن ألزمه بإقرار وكيله فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا أذن له في الإقرار صح إقراره، ولزم الموكل ما أقر به، فإن
كان معلوما لزمه ذلك، وإن كان مجهولا رجع في تفسيره إلى الموكل دون
الوكيل.
وللشافعي فيه قولان (3)، وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه (4).
وقال ابن سريج: لا يصح من الوكيل الإقرار على الموكل بحال، ولا يصح
الوكالة في ذلك (5).
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك، والأصل جوازه.
وأيضا قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " (6) وهذا شرط إن يلزمه
ما يقر به الوكيل، فيجب أن يكون ذلك جائزا.
مسألة 6: إذا وكل رجل رجلا في تثبيت حد القذف، أو القصاص عند

(1) اللباب 2: 99، والنتف 2: 599، والمبسوط 19: 5، وبدائع الصنائع 6: 24، والمغني لابن قدامة
5: 218، والشرح الكبير 5: 243، والمجموع 14: 115، وفتح العزيز 11: 53، وتبيين الحقائق
4: 279.
(2) النتف 2: 598، واللباب 2: 99، وبدائع الصنائع 6: 24، وتبيين الحقائق 4: 279 - 280، والمغني
لابن قدامة 5: 218، والشرح الكبير 5: 243.
(3) مغني المحتاج 2: 221، والسراج الوهاج: 248، وفتح العزيز 11: 8، وحاشية رد المحتار 5: 515.
(4) السراج الوهاج: 248، ومغني المحتاج 2: 221، وفتح العزيز 11: 8، وحاشية رد المحتار 5: 515.
(5) فتح العزيز 11: 8، وحاشية رد المحتار 5: 515.
(6) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمصنف لابن أبي شيبة
6: 568 حديث 2064، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44، والمغني لابن قدامة 4: 384، والشرح الكبير
4: 386.
344

الحاكم، أو إقامة البينة عليه، فالتوكيل صحيح. وبه قال جميع الفقهاء (1)، إلا
أبا يوسف، فإنه قال: لا يصح التوكيل في تثبيت الحد بحال (2).
دليلنا: عموم الأخبار في جواز التوكيل (3)، والأصل أيضا جوازه، والمنع
يحتاج إلى دلالة.
مسألة 7: يصح التوكيل في استيفاء الحدود التي للآدميين وإن لم يحضر
الموكل.
واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة طرق:
فذهب أبو إسحاق المروزي، أن الصحيح حما ذكره في كتاب الجنايات من:
أن التوكيل صحيح مع غيبة الموكل (4).
ومنهم من قال: أن الصحيح ما ذكره ها هنا من: اعتبار حضور الموكل (5).
ومنهم من قال: المسألة على قولين.
واختار أبو الطيب قول المروزي (6).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل (7).

(1) الأم 3: 232، وبدائع الصنائع 6: 21، وبداية المجتهد 2: 297، وتبيين الحقائق 4: 255، والبحر
الزخار 6: 62 - 63.
(2) بدائع الصنائع 6: 21، وتبيين الحقائق 4: 255، والبحر الزخار 6: 62 - 63.
(3) أنظر الكافي 6: 129 (باب الوكالة في الطلاق)، ومن لا يحضره الفقيه 3: 47 (باب 37 من الوكالة)،
والتهذيب 6: 213 (باب 86 الوكالة)، والاستبصار 3: 278 (باب 166 الوكالة).
(4) الوجيز 1: 188، والسراج الوهاج: 248، وفتح العزيز 11: 10، وعمدة القاري 12: 151، والمبسوط
19: 9، وتبيين الحقائق 4: 255، والبحر الزخار 6: 63.
(5) السراج الوهاج: 248، والوجيز 1: 188، وفتح العزيز 11: 10، والمغني لابن قدامة 5: 208، والشرح
الكبير 5: 208، والبحر الزخار 6: 63.
(6) البحر الزخار 6: 36، والوجيز 1: 188.
(7) المبسوط 19: 9 و 106 - 107، وعمدة القاري 12: 151، وبدائع الصنائع 6: 21، وتبيين الحقائق
4: 255، وحاشية رد المحتار 5: 513، والمغني لابن قدامة 5: 207 - 208، والشرح الكبير 5: 208،
وفتح العزيز 11: 10، والبحر الزخار 6: 63.
345

دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دلالة، ومن قال: لا يجوز إلا
مع حضور الموكل استدل بقول النبي صلى الله عليه وآله: " إدرأوا الحدود
بالشبهات " (1) قال: وفي استيفاء هذا الحد شبهة، لأنه لا يدري الوكيل هل عفى
عن هذا القصاص الموكل فيه أو لم يعف؟ وما ذكرناه أولى.
مسألة 8: إذا وكله في تصرف سماه له، ثم قال: (وقد أذنت لك أن
تصنع ما شئت) كان ذلك إذنا في التوكيل.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه (2).
والثاني: ليس له ذلك، لأنه ما صرح بالإذن فيه (3).
دليلنا: أنه إذا قال: (أذنت لك أن تعمل ما شئت) دخل فيه التوكيل، لأنه
من جملة ما يشاء، فحمل قوله على عمومه أولى.
مسألة 9: جميع من يبيع مال غيره، ستة أنفس: الأب، والجد، ووصيهما،
والحاكم، وأمين الحاكم، والوكيل. لا يصح لأحد منهم أن يبيع المال الذي في
يده من نفسه إلا لاثنين: الأب، والجد، ولا يصح لغيرهما. وبه قال مالك،
والشافعي (4).

(1) من لا يحضره الفقيه 4: 53 حديث 190، ونقله السيوطي في الجامع الصغير 1: 52 حديث 314 عن
ابن عدي في جزء له من حديث أهل مصر والجزيرة، وعن أبي مسلم الكجي وابن السمعاني. أنظر
تفصيل ذلك في فيض القدير للمناوي 1: 227.
(2) المجموع 14: 111، والمغني لابن قدامة 5: 215، والشرح الكبير 5: 209.
(3) مغني المحتاج 2: 226، والمجموع 14: 111، والمغني لابن قدامة 5: 215، والشرح الكبير 5: 209.
(4) المجموع 14: 123 - 124، ومغني المحتاج 2: 224، والسراج الوهاج: 249، والوجيز 1: 19، وكفاية
الأخيار 1: 177، وبداية المجتهد 2: 298، والمغني لابن قدامة 5: 237، والشرح الكبير 5: 221،
وفتح العزيز 11: 29، وتبيين الحقائق 4: 270.
346

وقال الأوزاعي: يجوز ذلك للجميع (1).
وقال زفر: لا يجوز لأحد منهم أن يبيع من نفسه شيئا (2).
وقال أبو حنيفة: يجوز للأب، والجد، والوصي إلا أنه اعتبر في الوصي أن
يشتريه بزيادة ظاهرة، مثل أن يشتري ما يساوي عشرة بخمس عشرة، فإن
اشتراه بزيادة درهم لم يمض ذلك البيع. قاله استحسانا (3)
. دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم أنه يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه الصغير
على نفسه، ويستبيح وطؤها بعد ذلك (4).
وأيضا روي أن رجلا أوصى إلى رجل في بيع فرس له، فاشتراه الوصي
لنفسه، واستفتى عبد الله بن مسعود، فقال: ليس له ذلك (5)، ولا يعرف له
مخالف.
وإن قيل: عندكم أن البيع من صحة انعقاده التفرق بالأبدان، ولا يتصور
ذلك بين الإنسان وبين نفسه.
قيل: أجيب عن ذلك بجوابين:
أحدهما: أن البيع قد يلزم من غير التفرق، وهو أن يقول بعد العقد:
(أجزت (6) هذا البيع، أو أمضيته) فإنه يلزم ولا يحتاج إلى التفرق.
والثاني: أنه إلا عقد الأب أو الجد هذا العقد، فإنه يقوم من موضعه حتى
يلزم العقد ويمضي، فيكون ذلك بمنزلة افتراق المتبايعين.

(1) المجموع 14: 123، والمغني لابن قدامة 5: 237، والشرح الكبير 5: 221، وتبيين الحقائق 4: 270.
(2) المجموع 14: 124.
(3) تبيين الحقائق 4: 271، والمغني لابن قدامة 5: 237، والشرح الكبير 5: 222.
(4) الكافي 7: 67 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 4: 161 حديث 564، والتهذيب 9: 239 حديث 928.
(5) روي في المجموع 14: 124، والمغني لابن قدامة 5: 238 مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.
(6) في بعض النسخ " اخترت ".
347

مسألة 10: إذا أطلق الوكالة في البيع، فإطلاقها يقتضي أن يبيع بنقد ذلك
البلد، بثمن المثل حالا، فإن خالف في ذلك، كان البيع باطلا. وبه قال
مالك، والشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يقتضي الإطلاق الحلول، ولا نقد البلد، ولا عوض المثل.
فإذا باعه بخلاف ذلك صح، حتى قال: لو أن السلعة تساوي ألوفا، فباعها
بدانق إلى أجل، صح البيع (2).
دليلنا: أنه إذا باع بما وصفناه صح بيعه بلا خلاف، وإذا خالف لم يدل
دليل على جواز بيه، فوجب المنع منه.
مسألة 11: إذا اختلف الخياط وصاحب الثوب، فقال صاحب الثوب:
أذنت لك في قطعه قميصا، وقال الخياط: أذنت لي في قطعه قباء، وقد فعلت.
فالقول قول الخياط.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (3).
والثاني: القول قول صاحب الثوب (4). وبه قال ابن أبي ليلى (5).

(1) بداية المجتهد 2: 298، والمجموع 14: 130، وكفاية الأخيار 1: 177، والوجيز 1: 190، ومغني المحتاج
2: 223 - 224، والسراج الوهاج: 249، وفتح العزيز 11: 26، والمغني لابن قدامة 5: 254 -
255، وبدائع الصنائع 6: 27، وتبيين الحقائق 4: 270، والبحر الزخار 6: 59.
(2) النتف 2: 597، واللباب 2 95، وبدائع الصنائع 6: 27، وفتاوى قاضيخان 2: 293، وتبيين
الحقائق 4: 270، وحاشية رد المحتار 5: 522، والمغني لابن قدامة 5: 254 - 255، والشرح الكبير
5: 226، والمجموع 14: 130، وفتح العزيز 11: 26، وبداية المجتهد 2: 298، والبحر الزخار 6: 59.
(3) المجموع 15: 105 - 106، ومغني المحتاج 2: 354، والسراج الوهاج: 295، والوجيز 1: 238، وفتح
العزيز 11: 74، والمغني لابن قدامة 6: 125.
(4) الأم 4: 40، والوجيز 1: 238، والمجموع 15: 105 - 106، والسراج الوهاج: 295، ومغني المحتاج
2: 354، وفتح العزيز 11: 74، والمغني لابن قدامة 6: 125.
(5) المجموع 15: 107.
348

دليلنا: على ما ذهبنا إليه: أن صاحب الثوب مدع بذلك أرش القطع على
الخياط، فعليه البينة، وإلا فعلى الخياط اليمين.
مسألة 12: إذا كان لرجل على غيره دين، فجاء آخر فادعى أنه وكيله في
المطالبة، وأنكر ذلك عليه الدين، فإن كان مع الوكيل بينة أقامها
وحكم له بها، وإن لم يكن معه بينة، وطالب من عليه الدين باليمين لا يجب
عليه، فإن ادعى عليه علمه بذلك لم يلزمه أيضا اليمين. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يلزمه اليمين، بناء منه على أصله أنه لو صدقه، أجبر على
التسليم إليه (2).
ونحن نبني على أصلنا أنه لو صدقه من عليه الدين في توكيله، لم يجبر على
التسليم إليه.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وإيجاب اليمين عليه يحتاج إلى دليل شرعي،
ولا دليل في الشرع يدل عليه.
مسألة 13: إذا صدقه من عليه الدين في توكيله، لم يجبر على التسليم إليه.
وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك دينا، أجبر على الدفع إليه، وإن كان عينا
فالمشهور من مذهبه أنه لا يجبر عليه (4).

(1) المجموع 14: 151 و 153، وفتح العزيز 11: 85، والشرح الكبير 5: 261.
(2) اللباب 2: 99، والمبسوط 19: 76، وبدائع الصنائع 6: 26، وتبيين الحقائق 4: 284، والمجموع
14: 153، والشرح الكبير 5: 261.
(3) المجموع 14: 151، والسراج الوهاج: 254، ومغني المحتاج 2: 237، والشرح الكبير 5: 261، وفتح
العزيز 11: 86.
(4) المبسوط 18: 20، وبدائع الصنائع 6: 26، وتبيين الحقائق 4: 281 و 284، والشرح الكبير
5: 261، والمجموع 14: 152.
349

وعنه رواية أخرى شادة: أنه يجبر عليه (1).
دليلنا: أنه لا دليل على إجباره على ذلك، ولأن ذمته مرتهنة بالوديعة والدين
وغيره، ولا يقطع على براءتها بالدفع إلى الوكيل المدعى له ذلك، وتصديقه إياه،
لأن لصاحبه أن يكذبهما، فيجب أن لا يجب عليه التسليم.
مسألة 14: إذا وكل رجلا في كل قليل وكثير، لم يصح حذلك، وبه قال جميع
الفقهاء (2)، إلا ابن أبي ليلى، فإن قال: يصح ذلك (3).
دليلنا: أن في ذلك غررا عظيما، لأنه ربما ألزمه بالعقود مالا يمكنه الوفاء به،
وما يؤدي إلى ذهاب ماله، مثل أن يزوجه بأربع حرائر، ثم يطلقهن قبل
الدخول، فيلزمه نصف مهورهن، ثم يتزوج بأربع أخر، وعلى هذا أبدا. ويشتري
له من الأرضين والعقارات وغيرها مالا يحتاج إليه، وفي ذلك غرر عظيم، فما
يؤدي إليه فهو باطل.
وأيضا فإنه لا دليل على صحة هذه الوكالة في الشرع.
مسألة 15: يكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم.
ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، لأنه لا دليل على جوازه.
مسألة 16: إذا وكل رجلا في بيع ماله، فباعه، كان للوكيل والموكل
المطالبة بالثمن. وبه قال الشافعي (4).

(1) تبيين الحقائق 4: 284.
(2) الأم 3: 233، والمجموع 14: 106 - 107، وكفاية الأخيار 1: 176، ومغني المحتاج 2: 221، والسراج
الوهاج: 248، والوجيز 1: 188، والمبسوط 9: 70، وفتح العزيز 11: 11، والمغني لابن قدامة
5: 211، والشرح الكبير 5: 241، وبداية المجتهد 2: 297.
(3) المبسوط 19: 70، المغني لابن قدامة 5: 211، والشرح الكبير 5: 241.
(4) الوجيز 1: 192، وفتح العزيز 11: 60 و 64، وبدائع الصنائع 6: 33، والمغني لابن قدامة 5: 262 و
264، والشرح الكبير 5: 237 - 238.
350

وقال أبو حنيفة: للوكيل المطالبة به، وليس ذلك للموكل (1).
دليلنا: أن الثمن قد ثبت أنه للموكل دون الوكيل، ويدخل في ملكه في
مقابلة المبيع الذي زال ملكه بالعقد، وإذا كان الثمن ملكا له كان له المطالبة
به، ولأن المطالبة بالثمن من حقوق العقد لا من شرائطه - مثل خيار المجلس
والتفرق بالأبدان، فإن ذلك من شرط العقد - فلأجل ذلك يتعلق بالعاقد دون
الموكل.
مسألة 17: لا يصح إبراء الوكيل من دون الموكل، من الثمن الذي على
المشتري. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يصح إبراء الوكيل بغير إذن موكله (3).
دليلنا: أن الإبراء تابع للملك، وإذا كان الوكيل لا يملك الثمن، فلا يصح منه
الإبراء، وإنما قلنا أنه لا يملك، لأنه لا يملك هبته بلا خلاف، فلو ملكه لصحح منه
هبته.
مسألة 18: إذا وكل رجلا في شراء سلعة، فاشتراها بثمن مثلها، فإن
ملكها يقع للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يدخل أولا في ملك الوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل (5).

(1) اللباب 2: 89، وبدائع الصنائع 6: 33، وتبيين الحقائق 4: 257، والمغني لابن قدامة 5: 264،
والشرح الكبير 5: 238.
(2) المجموع 14: 116، وفتح العزيز 11: 14، وتبيين الحقائق 4: 256.
(3) المبسوط 19: 35، وتبيين الحقائق 4: 258، وحاشية رد المحتار 5: 521 و 523، والمجموع 14: 116.
(4) المجموع 14: 146، وبداية المجتهد 2: 298، والمغني لابن قدامة 5: 263، والشرح الكبير 5: 237،
وتبيين الحقائق 4: 256.
(5) تبيين الحقائق 4: 256، والمجموع 4: 147، وبداية المجتهد 2: 298، والمغني لابن قدامة 5: 263،
والشرح الكبير 5: 237، وفتح العزيز 1: 76.
351

دليلنا: أنه لو وكله في شراء من يعتق عليه لم ينعتق عليه، فلو كان الملك قد
انتقل إليه لوجب أن ينعتق عليه، فلما أجمعنا أنه لا ينعتق على الوكيل لو اشترى
من ينعتق عليه إذا اشتراه لنفسه، دل ذلك على أنه لا ينتقل الملك إلى الوكيل.
مسألة 19: إذا وكل مسلم ذميا في شراء خمر، لم يصح الوكالة، فإن ابتاعه
الذمي له، لم يصح البيع. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يصح التوكيل، ويصح البيع، وعنده أن المسلم لا يملك
الخمر إذا تولى الشراء بنفسه، ولا يصح ذلك، ويملكه بشراء الوكيل الذمي (2).
دليلنا: أن عقود البيع تحتاج إلى دلالة شرعية، ولا دليل في الشرع على صحة
هذا العقد، فوجب أن يكون باطلا. على أنه بينا في المسألة الأولى: أن شراء
الوكيل يقع لموكله. فإذا كان كذلك، فوجب أن لا يصح شراؤه، كما لو اشتراه
بنفسه.
مسألة 20: إذا وكله في بيع فاسد، مثل أن يوكله في البيع والشراء إلى أجل
مجهول مثل قدوم الحاج، وإدراك الثمار، لم يلك بذلك التوكيل البيع الصحيح
وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يملك بذلك البيع الصحيح، فإذا باع أو اشترى إلى أجل
معلوم صح البيع والشراء (4).
دليلنا: أنه لو لم يوكله في هذا العقد، فيجب أن لا يصح، وإنما وكله في غيره،

(1) المغني لابن قدامة 5: 263، والشرح الكبير 5: 237.
(2) المبسوط 19: 8، وتبيين الحقائق 4: 254، وحاشية رد المحتار 5: 511، والمغني لابن قدامة 5: 263،
والشرح الكبير 5: 237.
(3) المجموع 14: 138، والوجيز 1: 192، وفتح العزيز 11: 57، والمغني لابن قدامة 5: 252، والشرح
الكبير 5: 240، والبحر الزخار 6: 60.
(4) المغني لابن قدامة 5: 252، والشرح الكبير 5: 240، والمجموع 14: 138، وفتح العزيز 11: 57،
والبحر الزخار 6: 60.
352

فإذا فسد، فيجب فساد الوكالة.
مسألة 21: إذا وكل صبيا في بيع أو شراء أو غيرهما، لم يصح التوكيل. وإن
تصرف، لم يصح تصرفه. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يصح توكيله، وإذا تصرف صح تصرفه إذا كان يعقل
ما يقول، ولا يفتقر ذلك إلى إذن وليه (2).
دليلنا: قوله عليه السلام: " رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم،
وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ " (3).
ورفع القلم يقتضي أن لا يكون لكلامه حكم.
وأنه لا دلالة على صحة هذه الوكالة، فيجب بطلانها.
مسألة 22: إذا وكله في شراء شاة بدينار أعطاه، فاشترى به شاتين يساوي
كل واحدة منهما دينارا، فإن الشراء يلزم الموكل، فيكون الشاتان له. وبه قال
أكثر أصحاب الشافعي (4).
وقال الشافعي في كتاب الإجارات: إن إحداهما نلزمه بنصف دينار، وهو
بالخيار في الأخرى، إن شاء أمسكها بالنصف الآخر، وإن شاء ردها، ويرجع
على الوكيل بنصف دينار (5).

(1) الوجيز 1: 189، والسراج الوهاج: 247، ومغني المحتاج 2: 218، وكفاية الأخيار 1: 175، وفتح
العزيز 11: 15 - 16، وبدائع الصنائع 6: 20، وبداية المجتهد 2: 297.
(2) اللباب 2: 88، وبدائع الصنائع 6: 20، وتبيين الحقائق 4: 254، وحاشية رد المحتار 15: 511، وفتح
العزيز 11: 16.
(3) اختلفت ألفاظ حديث الرفع في المصادر الحديثية، انظر فيها: الخصال 1: 93 و 175 حديث 40 و
233، والسنن الكبرى 6: 84 و 206، والمستدرك على الصحيحين 2: 59.
(4) المجموع 14: 95 - 96، ومغني المحتاج 2: 229، والسراج الوهاج: 251، والوجيز 1: 191، وفتح
العزيز 11: 49 - 50، والمغني لابن قدامة 5: 259، والشرح الكبير 5: 231.
(5) الأم 3: 16، و 4: 32 - 33.
353

وقال الطبري لا وجه لهذا القول، إلا أن يكون بناء على ما حكي عنه من
أنه يجوز بيع الموقوف.
وحكى المروزي في الجامع عن الشافعي أنه قال: إذا وكله في بيع سلعة
فباعها بما لا يتغابن الناس بمثله، كان له أن يرد.
وهذا أيضا بناء على ما ذكرناه من ذلك القول.
قال أبو الطيب الطبري: والمذهب الصحيح الأول.
وقال أبو حنيفة: يلزم الوكيل البيع في إحدى الشاتين بنصف دينار، ولا يلزم
الموكل في الأخرى بنصف دينار، ويرجع الموكل عليه بنصف دينار (1).
دليلنا: أن شراء الشاتين وقع للموكل بماله، وقد بينا أن عقد الوكيل
للموكل، فيجب أن يكون شراءهما له.
وأيضا روي عن النبي عليه السلام أنه عرض له جلب، فأعطى عروة
البارقي (2) دينارا ليشتري به شاة للأضحية، فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما
بدينار، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بشاة ودينار، فقال: هذه الشاة
وهذا ديناركم، فقال النبي كيف صنعت؟ فذكر له ما صنع، فقال له النبي:
" بارك الله لك في صفقة يمينك " (3).
مسألة 23: إذا قال: إن قدم الحاج، أو جاء رأس الشهر، فقد وكلتك في

(1) المغني لابن قدامة 5: 295، والشرح الكبير 5: 231، والمجموع 14: 96.
(2) عروة بن الجعد ويقال: ابن أبي الجعد، ويقال: عروة بن عياض بن أبي الجعد الأزدي البارقي، سكن
الكوفة. وبارق: جبل نزله سعد بن عدي بن مازن روى عن النبي وعن عمر وسعد بن أبي وقاص.
وعنه شبيب بن غرقدة والشعبي وأبو إسحاق السبيعي وغيرهم: انظر تهذيب التهذيب 7: 178.
(3) رواه البخاري في صحيحه 4: 252، والدارقطني في سننه 3: 10 حديث 29 و 30، والترمذي في
سننه 3: 559 حديث 1258، وأبو داود في سننه 3: 256، وأحمد بن حنبل في مسنده 4: 375 -
376، وفي بعضها باختلاف يسير في الألفاظ ومنهم من عزى الحديث لحكيم بن حزام فلاحظ.
354

البيع، فإن ذلك لا يصح. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يصح (2).
دليلنا: أنه لا دليل على صحة هذا العقد، وعقد الوكالة يحتاج إلى دليل.

(1) المجموع 14: 108 - 109، وفتح العزيز 11: 21 - 22، ومغني المحتاج 2: 223، والسراج الوهاج:
248، والمغني لابن قدامة 5: 210.
(2) المغني لابن قدامة 5: 210، وفتح العزيز 11: 22.
355

كتاب الإقرار
357

مسألة 1: إذا قال: له عندي مال جليل، أو عظيم، أو نفيس، أو خطير، لم
يتقدر ذلك بمقدار، وأي مقدار فسره به كان مقبولا، قليلا كان أو كثيرا، وبه
قال الشافعي (1).
وإن قال: له عندي مال كثير، فإنه يكون إقرارا بثمانين على الرواية التي
تضمنت بأن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين (2).
ولم يعرف تفسير " كثير " بما قلناه أحد من الفقهاء.
واختلف أصحاب أبي حنيفة في الألفاظ الأولة:
فمنهم من قال: لا يقبل منه بأقل من عشرة دراهم، وهي مقدار نصاب
القطع عندهم (3).
ومنهم من قال: لا يقبل منه أقل من مائتي درهم، وهو مقدار نصاب

(1) الأم 3: 237، والمجموع 20: 31 و 317، والسراج الوهاج: 257، ومغني المحتاج 2: 248، وفتح
العزيز 11: 124، والمبسوط 18: 98، والشرح الكبير 5: 339، والمغني لابن قدامة 5: 316، والبحر
الزخار 6: 8.
(2) تفسير العياشي 2: 84 حديث 37، والكافي 7: 463 حديث 21، والتهذيب 8: 309 حديث 1147،
و 8: 317 حديث 1180، ومعاني الأخبار: 218 حديث 1.
(3) المبسوط 18: 98، واللباب 2: 25، وبدائع الصنائع 7: 220، والفتاوى الهندية 4: 174، وتبيين
الحقائق 5: 5، والمغني لابن قدامة 5: 316، والشرح الكبير 5: 339، وفتح العزيز 11: 124، والبحر
الزخار 6: 8.
359

الزكاة (1).
وكان أبو عبد الله الجرجاني (2) من أصحاب أبي حنيفة يقول: نص أبو حنيفة
على ذلك، وقال: إذا أقر بأموال عظيمة يلزمه ستمائة درهم (3).
وقال مالك: يقبل منه ثلاثة دراهم فما فوقها، وهي نصاب القطع
عنده (4).
وقال الليث بن سعد: يلزمه اثنان وسبعون درهما (5).
دليلنا على ذلك: أنه لا دليل على مقدار مقطوع به، وما يفسره به مقطوع به،
فوجب الرجوع إليه، وأن الأصل براءة الذمة.
وأما تفسير " الكثير " فعليه إجماع الطائفة.
وروي في تفسير قوله تعالى: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " (6) أنها
كانت ثمانين موطنا (7)، وهذه الآية دليل الليث بن سعد، غير أنه قال: اثنين
وسبعين، فإنه ذكر أنها كانت اثنين وسبعين موطنا (8).

(1) اللباب 2: 25، والمبسوط 18: 98، وبدائع الصنائع 7: 220، والفتاوى الهندية 4: 173 - 174،
وتبيين الحقائق 5: 5، والشرح الكبير 5: 339، والمغني لابن قدامة 5: 316، والبحر الزخار 6: 8.
(2) محمد بن يحيى بن مهدي أبو عبد الله الجرجاني، الفقيه، أحد الأعلام، تفقه على أبي بكر أحمد بن علي
الرازي، وتفقه عليه أبو الحسين القدوري وأحمد بن محمد الناطفي، مات سنة 398 ه‍. أنظر الجواهر
المضية 2: 143، وطبقات الفقهاء للشيرازي: 123.
(3) بدائع الصنائع 7: 220، والفتاوى الهندية 4: 174، وتبيين الحقائق 5: 5، والمغني لابن قدامة
5: 316، والشرح الكبير 5: 339، وفتح العزيز 11: 124.
(4) المغني لابن قدامة 5: 316، والشرح الكبير 5: 339، والبحر الزخار 6: 8، وفتح العزيز 11: 124،
والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 193، والخرشي 6: 94 - 95.
(5) المغني لابن قدامة 5: 316، والشرح الكبير 5: 339، والبحر الزخار 6: 8.
(6) التوبة: 25.
(7) التبيان: 5: 197، ومجمع البيان 3: 17.
(8) المغني لابن قدامة 5: 316، والشرح الكبير 5: 329.
360

وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه " (1) وهذا المقر إذا فسر إقراره بمقدار ما، وجب أن لا يطالب بأكثر
منه، لظاهر الخبر، وليس لأحد أن يقول بأن دانقا لا يسمى عظيما، وذلك أنه
قد يكون عظيما في حال الضرورة.
ويحتمل أن يكون أراد عظيما بالإضافة إلى ما هو دونه.
ويحتمل أن يكون أراد عظيما عند الله، لأنه يستحق العقاب بجحوده، قال
تعالى: " وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " (2) وقوله تعالى: " وإن كان مثقال
حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " (3).
وروي عن عايشة أنها قالت: كان رسول الله ينهانا عن المحقرات، ويقول:
" إن لها من الله طالبا " (4).
وروي عن ابن عباس أنه قال: كلما عصي الله به كان عظيما (5).
وإذا احتمل هذه الوجوه وجب الرجوع إلى تفسيره بما أراد.
مسألة 2: إذا قال: لفلان علي. مال أكثر من مال فلان، ألزم مقدار مال
الذي سماه، وقبل منه تفسيره في الزيادة قليلا كان أو كثيرا، وإن فسر الكل
بمثل ما له لم يقبل ذلك منه.

(1) سنن الدارقطني 3: 25 حديث 87 و 89 و 91، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72 و 113، والسنن
الكبرى 6: 100، و 8: 182.
(2) النور: 15.
(3) الأنبياء: 47.
(4) أخرج الدارمي في سننه 2: 303 حديثا عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه (وآله)
وسلم: " يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا " وكذلك أخرجه أحمد بن حنبل في
مسنده 6: 70 و 151.
(5) الدر المنثور 2: 144 أخرجه هكذا: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.
361

وقال الشافعي: يقبل منه إذا فسره بمثل ماله من غير زيادة (1).
دليلنا: أن هذه اللفظة موضوعة في اللغة للزيادة، لأن أمثلة " أفعل من
كذا " تفيد مساواته له، والزيادة عليه، وأما من غير زيادة لا يقال أنه أكثر منه،
والرجوع في مثل ذلك يجب أن يكون إلى اللغة.
فأما حمل أكثر على أن المراد به أنفع، أو أبرك، فإنه ترك للظاهر.
مسألة 3: إذا قال: له علي دراهم، فإنه يلزمه ثلاثة دراهم.
وإن قال: دراهم عظيمة، أو كثيرة، أو خطيرة، فعلى ما مضى من
الخلاف.
وقال الشافعي: يلزمه ثلاثة على الأحوال كلها (2).
وفي الناس من قال: يلزمه درهمان (3).
دليلنا: إن أقل الجمع ثلاثة على ما بيناه في أصول الفقه، وأبطلنا قول من
يقول أن أقله اثنان (4).
مسألة 4: إذا قال: له علي ألف ودرهم، لزمه درهم، ويرجع في تفسير
الألف إليه.
وكذلك إن قال: مائة ودرهم، أو عشرة ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف
وعبد، فإن جميع ذلك كالألف. وبه قال الشافعي (5).

(1) الأم 3: 238، والمجموع 20: 311، وفتح العزيز 11: 125 - 126، والمغني لابن قدامة 5: 317،
والشرح الكبير 5: 348.
(2) الأم 6: 217 و 220، والمجموع 20: 313، وفتح العزيز 11: 133، والمغني لابن قدامة 5: 299،
والشرح الكبير 5: 341، والبحر الزخار 6: 9.
(3) أنظر فتح العزيز 11: 133.
(4) عدة الأصول: 116 (طبعة بمبي).
(5) 6: 223، والمجموع 20: 314، ومغني المحتاج 2: 249، والسراج الوهاج: 258، والوجيز
1: 198، وفتح العزيز 11: 130، والمبسوط 18: 99، والشرح الكبير 5: 346.
362

وقال أبو حنيفة: إن عطف على الألف من المكيل أو الموزون كان ذلك
تفسيرا للألف، وإن عطف عليها غير المكيل والموزون لم يكن تفسيرا لها (1).
دليلنا: أنه صريح فيما زاد على الألف، والألف مبهم، فيجب أن يرجع إليه
في تفسيره.
ولأن الأصل براءة الذمة، وما يفسره مقطوع به، وما لم يصرح به يحتاج إلى
دليل.
فأما إذا قال: له عندي مائة وخمسون درهما، فإنه يكون الكل دراهم، لأن
الخمسين أفادت الزيادة ولم تفسد التفسير والتمييز.
وقوله: درهما في آخر الكلام يفيد تفسيرا وتمييزا، فوجب أن يكون تمييزا
وتفسيرا لجميع العدد.
ومن الناس من قال:: أن المائة تكون مبهمة، وقوله: " وخمسون درهما "
يكون قوله درهما تفسيرا للخمسين دون المائة، لأنها جملة أخرى.
والصحيح هو الأول. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وبالثاني قال أبو علي بن خيران، وأبو سعيد الإصطخري (2).
وقوله: ألف ودرهم مفارق لذلك، لأن قوله ودرهم لا يكون مفسرا
للألف، لأن فيه واو العطف، والمفسر لا يكون بواو العطف.
مسألة 5: إذا قال: لفلان علي ألف ودرهمان، كان مثل قوله: ألف
ودرهم، وقد مضى.
وإن قال: ألف وثلاثة دراهم، كان ذلك مفسرا للألف، لأن فيه واو
العطف.

(1) المبسوط 18: 99، والمغني لابن قدامة 5: 307، والشرح الكبير 5: 344، وفتح العزيز 11: 130.
(2) فتح العزيز 11: 130، ومغني المحتاج 2: 249.
363

وكذلك إذا قال: له ألف وخمسون درهما، أو ألف ومائة درهم، أو مائة
وثلاثة دراهم، أو مائة وخمسون درهما، أو مائة وخمسة عشر درهما، أو خمسون
وألف درهم، أو خمسون ومائة درهم، أو خمسة وعشرون درهما في كل ذلك
يكون مفسرا للجميع وبه قال أبو إسحاق المروزي، وأكثر أصحاب
الشافعي (1).
وقال أبو علي بن خيران، وأبو سعيد الإصطخري: أن التفسير يرجع إلى
ما وليه، والأول على إبهامه (2).
وعلى هذا قالوا: لو قال: بعتك بمائة وخمسين درهما، كان البيع باطلا، لأن
بعض الثمن مجهول.
وعلى قول أبي إسحاق: يصح البيع (3)، لأن الجميع معلوم، وهذا هو
الصحيح.
دليلنا: أن الزيادة الثانية معطوفة بالواو على الأولة، فصارت بمنزلة جملة
واحدة، فإذا جاء بعد ذلك التفسير والتمييز وجب أن يكون راجعا إلى الجميع،
ويفارق ما قلناه في ألف ودرهم، وألف ودرهمان، لأن تلك زيادة، وليس
بتفسير، فلا يجوز أن يجعل الزيادة في العدد تفسيرا على أنا بينا أن التفسير
لا يكون بواو العطف، فلا يصح ذلك فيه.
مسألة 6: إذا قال: لفلان علي درهم ودرهم إلا درهما، فإنه يلزم درهم
واحد.

(1) المجموع 20: 314، والسراج الوهاج: 258، ومغني المحتاج 2: 249، والوجيز 1: 198، وفتح العزيز
11: 130.
(2) المجموع 20: 314، وفتح العزيز 11: 130.
(3) فتح العزيز 11: 128.
364

وقال الشافعي نصا: أنه يلزمه درهمان (1).
وفي أصحابه من قال: أنه يصح الاستثناء، ويلزمه درهم واحد.
وكذلك إذا قال: أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة، يقع طلقة واحدة،
وعلى قول الشافعي يقع طلقتان.
دليلنا: أن الجملتين إذا كان بينهما حرف العطف كانتا بمنزلة الجملة
الواحدة، فهو بمنزلة أن يقول: لفلان علي درهمان إلا درهم، أو أنت طالق
طلقتين إلا طلقة، فإنه يكون إقرارا بدرهم، وتقع طلقة واحدة فكذا ها هنا.
مسألة 7: إذا قال غصبتك ثوبا في منديل كان إقرارا بغصب الثوب دون
المنديل. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يكون إقرارا بهما (3).
دليلنا: إنه يحتمل أن يكون أراد (في منديل لي) فلا يلزمه إلا الثوب، كما لو
قال: له عندي ثوب في منديل، أو تمر في جراب.
أو قال غصبتك دابة في إصطبل، أو نخلا في بستان، أو غنم في ضيعة
ولا فرق بينهما.
مسألة 8: إذا قال: لفلان عندي كذا درهما، فإنه يكون إقرارا بعشرين
درهما. وبه قال محمد بن الحسن (4).

(1) الأم 6: 221، والمجموع 20: 312، و 314، والشرح الكبير 5: 307.
(2) الأم 3: 240، والمجموع 20: 319، ومغني المحتاج 2: 251، والسراج الوهاج: 258، والوجيز
1: 198، وبدائع الصنائع 7: 221، والمغني لابن قدامة 5: 300 - 301، والشرح الكبير 5: 352،
والبحر الزخار 6: 10.
(3) اللباب 2: 28، وبدائع الصنائع 7: 221، وتبيين الحقائق 5: 9 - 10، والمغني لابن قدامة 5: 301،
والشرح الكبير 5: 352 - 353، والبحر الزخار 6: 10، والمجموع 20: 321.
(4) المغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343.
365

وقال الشافعي: يكون إقرارا بدرهم واحد (1).
دليلنا: أن ذلك أقل عدد ينصب الدرهم بعده فيجب حمله عليه.
مسألة 9: إذا قال: له عندي كذا كذا درهما، يلزمه أحد عشر درهما. وبه
قال محمد بن الحسن (2).
وقال الشافعي: يلزمه درهم واحد، وإنما كرر (3).
دليلنا: أن ذلك أقل عددين ركبا ونصب بعدهما الدرهم، فوجب حمله
عليه.
مسألة 10: إذا قال: له عندي كذا وكذا درهما، لزمه أحد وعشرون
درهما. وبه قال محمد بن الحسن (4).
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه يلزمه درهم واحد (5).
والثاني: أنه يلزمه درهمان (6).
دليلنا: أن ذلك أقل عددين عطف أحدهما على صاحبه، ونصب بعدهما

(1) المجموع 20: 314، ومغني المحتاج 2: 248، والسراج الوهاج: 257، وفتح العزيز 11: 127، والمغني
لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343، والبحر الزخار 6: 9.
(2) المغني لابن قدامة 5: 319 - 320، والشرح الكبير 5: 343.
(3) الأم 6: 223، والمجموع 20: 314، والسراج الوهاج: 257، ومغني المحتاج 2: 248، والوجيز
1: 198، وفتح العزيز 11: 127، والمغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343، والبحر
الزخار 6: 9.
(4) المغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343.
(5) الأم 3: 223، ومختصر المزني: 112، والمجموع 20: 314، والسراج الوهاج: 257، ومغني المحتاج
2: 249، والوجيز 1: 198، وفتح العزيز 11: 128، والمغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير
5: 343.
(6) أنظر المصادر المتقدمة.
366

الدرهم.
مسألة 11: إذا قال: له علي كذا درهم، لزمه مائة درهم. وبه قال محمد
بن الحسن (1).
وقال الشافعي: يلزمه أقل من درهم واحد، ويفسره بما شاء (2).
وفي أصحابه من قال: يلزمه درهم واحد، وهو غلط عندهم (3).
دليلنا: أن ذلك أقل عدد يخفض بعده الدرهم، فوجب حمله عليه.
مسألة 12: إذا أقر بدين في حال صحته، ثم مرض، فأقر بدين آخر في حال
مرضه، نظر، فإن اتسع المال لهما استوفيا معا، وإن عجز المال قسم الموجود على
قدر الدينين. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إذا ضاق المال، قدم دين الصحة على دين المرض، فإن
فضل شئ صرف إلى دين المرض (5).
دليلنا: قوله تعالى: " من بعد وصية يوصي بها أو دين " (6) ولم يفضل أحد
الدينين على الآخر، فوجب أن يتساويا فيه.
وأيضا فإنهما دينان ثبتا في الذمة، فوجب أن يتساويا في الاستيفاء، لأن

(1) المغني لابن قدامة 5: 319 - 320، والشرح الكبير 5: 343 - 344، وفتح العزيز 11: 127.
(2) الأم 6: 223، والوجيز 1: 197، والمغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343.
(3) مختصر المزني: 112، والمجموع 20: 313، والوجيز 11: 127، ومغني المحتاج 2: 248، وفتح العزيز
11: 127، والمغني لابن قدامة 5: 319، والشرح الكبير 5: 343.
(4) المجموع 20: 295، وكفاية الأخيار 1: 180، وفتح العزيز 11: 97، والمحلى 8: 255، والمبسوط
18: 26، وبدائع الصنائع 7: 225، وتبيين الحقائق 5: 23، والمغني لابن قدامة 5: 343، والشرح
الكبير 5: 275.
(5) اللباب 2: 32 - 33، والمبسوط 18: 26، وبدائع الصنائع 7: 225، وتبيين الحقائق 5: 23، والمحلى
8: 255، والمغني لابن قدامة 5: 343، والشرح الكبير 5: 275، وفتح العزيز 11: 97.
(6) النساء: 11.
367

تقديم أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل.
مسألة 13: يصح الإقرار للوارث في حال المرض. وبه قال أبو عبيد،
وأبو ثور، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري (1)، وهو أحد قولي الشافعي (2).
والقول الآخر: أنه لا يصح. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري،
وأحمد (3).
وقال أبو إسحاق المروزي: المسألة على قول واحد، وهو أنه يصح إقراره (4).
دليلنا: أنه لا مانع يمنع منه، والأصل جوازه.
وأيضا قوله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو
الوالدين والأقربين " (5) والشهادة على النفس هو الإقرار، وذلك عام في جميع
الأحوال، لكل أحد، والتخصيص يحتاج إلى دلالة.
وأيضا قوله تعالى: " قالوا أقررنا قال فاشهدوا " (6) وهذه أيضا عامة.
وعلى المسألة إجماع الفرقة.
مسألة 14: إنا قد بينا أن الإقرار للوارث يصح، وعلى هذا لا فرق بين حال
الإقرار وبين حال الوفاء، فإنه يثبت الإقرار. وكل من قال: لا يصح الإقرار
للوارث، فإنما اعتبر حال الوفاة كونه وارثا لا حال الإقرار، حتى قالوا: لو أقر

(1) المغني لابن قدامة 5: 344.
(2) المجموع 20: 293، وكفاية الأخيار 1: 180، وفتح العزيز 11: 96، والمبسوط 18: 31، وبدائع
الصنائع 7: 224، وتبيين الحقائق 5: 25، والمغني لابن قدامة 5: 344.
(3) المبسوط 18: 31، وبدائع الصنائع 7: 224، والفتاوى الهندية 4: 176، وتبيين الحقائق 5: 25،
والمغني لابن قدامة 5: 344 و 347، والشرح الكبير 5: 279، والمجموع 20: 293 - 294، وكفاية
الأخيار 1: 180، وفتح العزيز 11: 96 - 97، والمحلى 8: 255.
(4) المجموع 20: 294، وفتح العزيز 11: 101.
(5) النساء: 135.
(6) آل عمران: 81.
368

لأخيه وله ابن، ثم مات الابن ومات هو بعده، لا يصح إقراره لأخيه. ولو أقر
لأخيه وليس له ولد، ثم رزق ولدا، صح إقراره له، لأنه حال الموت ليس
بوارث (1).
وقال عثمان البتي: الاعتبار بحال الإقرار، فإن أقر لأخيه وليس له ابن لم
يصح إقراره وإن رزق ولدا بعد ذلك ثم مات، لأنه كان في التقدير وارثا حال
الإقرار. وإن أقر لأخيه وله ابن صح الإقرار له وإن مات ابنه قبله ثم مات
هو (2).
وهذا الفرع ساقط عنا، لما قدمناه من أن الإقرار للوارث يصح على كل
حال، بل الوصية للوارث عندنا صحيحة على ما سنبينه فيما بعد، وعلى ذلك
إجماع الطائفة.
مسألة 15: إذا كانت له جارية، ولها ولد، فأقر في حال مرضه بأن ولدها
ولد له منها، وليس له مال غيرها قبل إقراره والحق الولد به، سواء أطلق ذلك
أو بين كيفية الاستيلاد لها في ملكه، أو في ملك الغير، بعقد أو شبهة.
وأما الجارية فإنها تصير أم ولده على كل حال أيضا، إلا أنها تباع في الدين
إذا لم يخلف غيرها، فإن خلف غيرها شيئا قضى منه الدين وانعتقت هي على
الولد، وإن بقي شئ من الدين استسعيت فيما بقي من الدين.
وقال الشافعي: لا يخلو إما أن يبين كيفية الاستيلاد أو يطلق.
فإن بين ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يقول: استولدتها في ملكي. فعلى هذا القول يكون الولد حر
الأصل، ولا يكون عليه ولاء، ويثبت نسبه، وتصير الجارية أم ولده، وتعتق بموته

(1) فتح العزيز 11: 97، والشرح الكبير 5: 278، والفتاوى الهندية 4: 176، وتبيين الحقائق 5: 26.
(2) فتح العزيز 11: 97، والشرح الكبير 5: 278.
369

من رأس المال، فإن كان هناك دين قدم عليه، لأنه لو ثبت بالبينة لقدم عليه
فكذلك إذا ثبت بالإقرار (1).
وإن قال: استولدتها في ملك الغير بشبهة، فإن الولد حر الأصل، وهل تصير
الجارية أم ولده؟ على قولين (2).
وإن قال: استولدتها بنكاح. فإن الولد قد انعقد مملوكا، وعتق عليه لما
ملكه، ويثبت عليه الولاء، والجارية لا تصير أم ولده، خلافا لأبي حنيفة (3).
وإن أطلق، ولم يعين حتى مات، فالولد حر في جميع الأحوال، ولا ولاء
عليه (4).
والجارية فيها خلاف بين أصحابه:
منهم من قال: لا تصير أم ولده، وتباع في ديون الغرماء.
ومنهم من قال: تصير أم ولده (5).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن إقراره جائز، وأن الولد يلحق بالحرية على كل
حال، وعلى أنها تباع في الدين، وأنها تنعتق على الولد إذا ملكها، وذلك يأتي
على التفصيل الذي ذكرناه.
مسألة 16: إذا أقر بحمل وأطلق، فإن إقراره باطل على ما قاله الشافعي في
كتاب الإقرار والمواهب (6)، وهو قول أبي يوسف (7).
وذكر في كتاب الإقرار: أن بالحكم الظاهر أنه يصح (8). وبه قال

(1) المجموع: 20: 333 - 334، وفتح العزيز 11: 190 و 197.
(2) المجموع: 20: 333 - 334، وفتح العزيز 11: 190 و 197.
(3) نفس المصادر.
(4) نفس المصادر.
(5) نفس المصادر.
(6) الأم 6: 219 - 220، ومختصر المزني: 112، والوجيز 1: 195 - 196، وفتح العزيز 11: 100 - 101،
والمغني لابن قدامة 5: 276، والشرح الكبير 5: 292.
(7) اللباب 2: 31، وتبيين الحقائق 5: 12، والفتاوى الهندية 4: 169.
(8) الأم 3: 240، والوجيز 1: 195 - 196، وفتح العزيز 11: 101، والمغني لابن قدامة 5: 276، والشرح
الكبير 5: 292.
370

محمد (1)، وأصحاب أبي حنيفة ينصرون قول أبي يوسف (2).
فالمسألة على قولين على مذهب الشافعي.
والأولى أن نقول: أنه يصح إقراره، لأنه يحتمل أن يكون إقراره من جهة
صحيحة مثل ميراث أو وصية، ويحتمل أن يكون من جهة فاسدة، والظاهر من
الإقرار الصحة، فوجب حمله عليه.
مسألة 17: إذا أقر العبد بما يجب عليه به الحد - مثل القصاص والقطع
والجلد - لم يقبل إقراره.
وقال جميع الفقهاء: يقبل إقراره (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم قد ذكرناها في الكتاب الكبير (4).
مسألة 18: إذا أقر العبد بالسرقة، لا يقبل إقراره، ولا يقطع. وعند الفقهاء
يقبل ويقطع (5).
ولا يباع في المال المسروق.
وعند الشافعي فيه قولان (6).
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء (7).

(1) اللباب 2: 31، والفتاوى الهندية 4: 169، وتبيين الحقائق 5: 12.
(2) اللباب 2: 32، والفتاوى الهندية 4: 169، وتبيين الحقائق 5: 11 - 12.
(3) الأم 3: 234، والمجموع 20: 290، والفتاوى الهندية 4: 170، والمغني لابن قدامة 5: 273 - 274،
وفتح العزيز 11: 93.
(4) الكافي 7: 305 حديث 10، ومن لا يحضره الفقيه 4: 50 حديث 174، و 95 حديث 314، والتهذيب
10: 112 حديث 440 و 194 حديث 768، والاستبصار 4: 243 حديث 920.
(5) الأم 3: 234، والمجموع 20: 290 - 291، وفتح العزيز 11: 93، والمغني لابن قدامة 5: 274،
والفتاوى الهندية 4: 170.
(6) الأم 3: 234، والمجموع 20: 291، والمغني لابن قدامة 5: 274.
(7) تقدم في المسألة " 17 " فلاحظ.
371

مسألة 19: إذا قال: لفلان علي ألف درهم. فجاء بألف، فقال: هذه
التي أقررت لك بها كانت لك عندي وديعة، كان القول قوله. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يكون ذلك للمقر له، وله أن يطالبه بالألف التي أقر
بها (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يعلق عليها شئ إلا بدليل.
وأيضا قوله: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه " (3) يدل عليه.
فإن قيل: لفظة " علي " تقتضي الإيجاب في الذمة بدلالة أنه إذا قال:
الألف الذي على فلان علي. كان ذلك ضمانا، فدل على أنها تقتضي
الإيجاب في الذمة، فإذا كان كذلك فقد ألزم نفسه في الذمة مالا، فجاء بمال
آخر، فلم يسقط ما ألزم في الذمة، كما لو أقر بثوب، فأتاه بعبد، فإن العبد يكون
له، وله المطالبة بالثوب.
قيل لهم: لفظة " علي " وإن كانت تقتضي الإيجاب، فقد يكون الحق في
الذمة، فيجب عليه تسليمه بإقراره، وقد يكون في يده، فيجب عليه رده وتسليمه
إلى المقر له بإقراره، فبأيهما فسره كان مقبولا، كما إذا قال: علي ثوب لفلان.
كان عليه أن يعينه من أي نوع شاء، فإذا عينه كان القول قوله فيه.

(1) الأم 6: 221، والمجموع 20: 320 و 322، والوجيز 1: 200، ومغني المحتاج 2: 256، والسراج
الوهاج: 259، وفتح العزيز 11: 164 و 170، والشرح الكبير 5: 320، ومغني المحتاج 5: 309 -
310.
(2) بدائع الصنائع 7: 209، وفتح العزيز 11: 170، والمغني لابن قدامة 5: 309 - 310، والشرح
الكبير 5: 320.
(3) سنن الدارقطني 3: 25 حديث 87 و 89 و 91، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72 و 113، والسنن
الكبرى 6: 100 و 8: 182.
372

ألا ترى أنا أجمعنا على أنه إذا قال: لفلان علي ألف درهم وديعة. قبل
ذلك منه، فلو كان قوله: لفلان علي ألف. يقتضي الذمة، لوجب أن لا يقبل
تفسيره بالوديعة، لأن أقر بألف ثم عقبه بما يسقطه، فلما أجمعنا على قبول تفسيره
بذلك، دل ذلك على ما ذكرناه.
على أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، بدلالة قوله تعالى:
" ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " (1) يعني: عندي. وقوله: " ولأصلبنكم
في جذوع النخل " (2) يعني: على جدوع النخل. فيجوز أن يكون قوله: " علي "
يريد به عندي.
وأما قول القائل: الألف التي على فلان علي. فإنما جعلناه ضمانا في
الذمة، لأنه يقصد به إثبات المال في ذمته على نفسه، وذلك لا يثبت إلا على
وجه الضمان،
فكان ذلك دليلا على أنه قصد به الالتزام في الذمة، وليس في
مسألتنا قرينة تدل على ذلك.
مسألة 20: إذا قال: لفلان علي قفيز، لا بل قفيزان، أو درهم، لا بل
درهمان. لزمه قفيزان ودرهمان. وبه قال الشافعي (3).
وقال زفر وداود: يلزمه ثلاثة أقفزة وثلاثة دراهم (4).
دليلنا: أن قوله. (لا بل) للإضراب عن الأول، والاقتصار على الثاني،
واستدراك للزيادة على الأول، فإن كان من جنسه لم يلزمه إلا ما استدركه.
كما لو قال: لفلان علي درهم لا بل أكثر، فإنه لا يلزمه إلا درهم بزيادة،

(1) الشعراء: 14.
(2) طه: 71.
(3) الأم 6: 221، والمجموع 20: 313، والوجيز 1: 199، وفتح العزيز 11: 152 - 153، والمغني لابن
قدامة 5: 297، والشرح الكبير 5: 351.
(4) المغني لابن قدامة 5: 297، والشرح الكبير 5: 351، وتبيين الحقائق 5: 23.
373

ولا يلزمه درهم ودرهم بزيادة. ويفارق إذا قال: قفيز حنطة لا بل قفيز شعير،
لأنه استدرك جنسا آخر، فلم يسقط الجنس الذي أقر به أولا.
مسألة 21: إذا أقر لرجل يوم السبت بدرهم، ثم قال يوم الأحد: له علي
درهم. لم يلزمه إلا درهم واحد، ويرجع إليه في التفسير. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يلزمه درهمان (2).
دليلنا: أنه يحتمل أن يكون ذلك تكرارا وإخبارا عن الدرهم المتقدم،
والأصل براءة الذمة، فلا يلزم ما لا دليل عليه.
ولأن هذا يؤدي إلى أن يكلف المقر على نفسه بمال، إذا أراد أن يشهد على
نفسه، أن يجمع الشهود، فيقر دفعة واحدة، لأنه إذا أشهد دفعتين لم تتفق
الشهادة على مقدار واحد، لأن الإقرار كلما تكرر عند شاهد أوجب الزيادة على
ما تقدم، وهذا يدل على بطلان قولهم.
مسألة 22: إذا قال: له علي من درهم إلى عشرة. لزمه تسعة. وبه قال
بعض أصحاب الشافعي (3).
ومنهم من قال: يلزمه ثمانية. وبه قال زفر، قالا: لأنه جعل الأول والعاشر
حدا، والحد لا يدخل في المحدود (4).

(1) الأم 6: 221، ومختصر المزني: 113، والمجموع 20: 312، والسراج الوهاج: 259، ومغني المحتاج
2: 254، والوجيز 1: 119 - 120، وفتح العزيز 11: 151، والمغني لابن قدامة 5: 295، والشرح
الكبير 5: 330، والبحر الزخار 6: 12.
(2) الفتاوى الهندية 4: 166 و 168، والمغني لابن قدامة 5: 295، والشرح الكبير 5: 330، والبحر
الزخار 6: 12.
(3) المجموع 20: 313، ومغني المحتاج 2: 250، والسراج الوهاج: 258، والوجيز 1: 198، وفتح العزيز
11: 134.
(4) المجموع 20: 313، وفتح العزيز 11: 134، والسراج الوهاج: 258، ومغني المحتاج 2: 250، واللباب
2 - 29، وبدائع الصنائع 7: 220 - 221، وتبيين الحقائق 5: 11.
374

ومنهم من قال: يلزمه العشرة، لأن " من " للابتداء، وهو داخل، والعاشر
حد، وهو داخل في الحدود (1).
دليلنا: أن " من " للابتداء كما إذا قال: سرت من الكوفة إلى البصرة.
والحد هو العشرة، ويحتمل أن تكون داخلة فيه، ويحتمل أن لا يكون كذلك،
فلا يلزم إلا اليقين، لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 23: إذا قال: له عندي ما بين الواحد إلى العشرة. لزمته ثمانية. وبه
قال أكثر أصحاب الشافعي (2).
وقال أبو العباس بن القاص: يلزمه تسعة. وبه قال محمد بن الحسن، لأن
عندهما أن الحد يدخل في المحدود (3).
وقد قلنا: أن ذلك محتمل، ولا يلزم مع الاحتمال.
مسألة 24: إذا قال: له علي ألف درهم من ثمن مبيع، ثم قال: لم أقبضه.
لم يلزمه عين المبيع إن لم يعينه. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إذا عينه قبل منه، وصل أو فصل. وإن أطلقه لم يقبل منه،
ولزمه الألف، لأنه مبيع مجهول. والمبيع إذا كان مجهولا لم يثبت الثمن في
مقابلته، كما لا يثبت في مقابلة الخمر والخنزيز، فإذا ثبت ذلك فقد فسر إقراره
بما لم يقبل، فلم يصح (5).

(1) السراج الوهاج: 258، ومغني المحتاج 2: 250، وفتح العزيز 11: 134، واللباب 2: 29، وبدائع
الصنائع 7: 220 - 221، وتبيين الحقائق 5: 11.
(2) المجموع 20: 313، ومغني المحتاج 2: 251، وفتح العزيز 11: 134.
(3) أنظر المجموع 20: 313، وفتح العزيز 11: 134.
(4) المجموع 20: 323، والسراج الوهاج: 259، ومغني المحتاج 2: 255، وفتح العزيز 11: 167، والمغني
لابن قدامة 5: 321.
(5) اللباب 2: 30، وبدائع الصنائع 7: 216 - 217، وتبيين الحقائق 5: 18، وحاشية رد المحتار
5: 608، وفتح العزيز 11: 167، والمجموع 20: 325.
375

دليلنا: أنه أقر بحق في مقابلة حق لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا لم يسلم
ما له لم يلزمه ما عليه كما لو عين المبيع، هذا دليل الشافعي.
ودليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أنه يلزمه.
مسألة 25: إذا شهد له رجل بألف، وشهد آخر بألفين، ولم يضيفاه إلى
سببين مختلفين، أو أضافاه إلى سبب متفق، أو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق
الآخر، مثل أن يقول أحدهما: ألف من ثمن عبده. ويقول الآخر: بألفين. ففي
هذه المسائل الثلاث تتفق الشهادة على ألف، فيحكم له بألف بشهادتهما،
ويحصل له بالألف الآخر شاهد واحد، فيحلف معه، ويستحق به. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا يكون ذلك اتفاق شهادة على شئ من الألوف،
ولا يحكم له بألف (2).
دليلنا: أن هذه الشهادة متفقة، فيثبت له الألف بشهادة الشهود، لأن من
شهد بألفين شهد بألف وزيادة، فقد اتفقا. ويستحق الألف الثاني إذا حلف،
" لأن النبي صلى الله عليه وآله حكم بشاهد ويمين " (3) وعليه إجماع الفرقة
المحقة (4).
مسألة 26: قد مضى لنا أن شرط الخيار يصح في الكفالة والضمان (5)،

(1) الأم 7: 123، وفتح العزيز 11: 158.
(2) الفتاوى الهندية 4: 168، والأم 7: 122، وفتح العزيز 11: 158.
(3) أنظر التهذيب 6: 272 - 273 حديث 741 و 745.
(4) جاء لفظ الدليل في بعض النسخ المعتمدة كما يلي: أن الألف الذي شهد به أحدهما داخلة في
الألفين فلا اختلاف بينهما، فيثبت الشاهدان على ألف ويبقي شاهد الألفين منفردا بالألف، فوجب
أن يحكم له به.
(5) تقدم في المسألة " 11 " فلاحظ.
376

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح (1).
فإن شرط، اختلفا، فقال الشافعي: يبطل العقد والشرط (2).
وقال أبو حنيفة: يبطل الشرط، ويصح العقد (3).
دليلنا: ما قدمناه من أنه لا مانع من ذلك في الشرع، فوجب أن يصح.
مسألة 27: إذا أقر بكفالة أو ضمان بشرط الخيار، صح إقراره، ولا يقبل
دعواه في شرط الخيار، ويحتاج إلى بينة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يقبل إقراره، ولا يلزمه شئ، وهو اختيار المزني وأبي إسحاق (4).
والثاني: يبعض إقراره، فيلزمه العقد، ويسقط الشرط الذي ادعاه (5).
دليلنا: أنه أقر بالكفالة والضمان، وادعى شرط الخيار، فلا يقبل إلا
ببينة.
مسألة 28: إذا قال: له علي ألف درهم إلى وقت كذا، لزمه الألف،
ويحتاج في ثبوت التأجيل إلى بينة. وبه قال أبو حنيفة (6).
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (7).

(1) المجموع 14: 22.
(2) المجموع 14: 22، والوجيز 1: 185، وفتح العزيز 10: 380.
(3) اللباب 2: 27، والمجموع 14: 22، وفتح العزيز 10: 380.
(4) الأم 3: 230، ومختصر المزني: 114.
(5) الأم 3: 230، ومختصر المزني: 114.
(6) اللباب 2: 26، وبدائع الصنائع 7: 217، وتبيين الحقائق 5: 8، والشرح الكبير 5: 315، وفتح
العزيز 11: 14 و 169.
(7) المجموع 20: 324، والوجيز 1: 200، وفتح العزيز 11: 164 و 169، والشرح الكبير 5: 315.
377

والآخر: يثبت التأجيل فيلزمه الألف مؤجلا (1).
ومنهم من قال فيها قول واحد في ثبوت التأجيل (2).
دليلنا: أنه أقر بألف، وادعى ثبوت التأجيل، فكان عليه البينة فيما ادعاه.
مسألة 29: إذا مات رجل وله إبنان، فأقر أحدهما بأخ ثالث، فأنكره
الآخر، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه، وإنما الخلاف في أنه يشاركه في المال أم لا؟
فعندنا أنه يشاركه ويلزمه أن يرد عليه ثلث ما في يده. وبه قال مالك، وابن
أبي ليلى (3).
وقال أبو حنيفة: يشاركه بالنصف مما في يده، لأنه يقر أنه يستحق من المال
مثل ما يستحقه. فيجب أن يقاسمه المال (4).
وقال الشافعي: لا يشاركه في شئ مما في يده (5).
وقال أبو الطيب الطبري: هذا في حكم الظاهر، فأما فيما بينه وبين الله فإن
كان سمع الأب يقر به أو بأنه ولد على فراشه فإنه يلزمه تسليم حقه إليه، كما
قال مالك (6).
وحكي ذلك عن قوم من أصحابه. وبه قال محمد بن سيرين (7).

(1) المجموع 20: 324، والوجيز 1: 200، وفتح العزيز 11: 164 و 169.
(2) المجموع 20: 324، والوجيز 1: 200، وفتح العزيز 11: 164 و 169.
(3) بداية المجتهد 2: 350، وفتح العزيز 11: 203، والمغني لابن قدامة 5: 326، والبحر الزخار 6: 13.
(4) شرح فتح القدير 7: 19، والمغني لابن قدامة 5: 325 - 326، وفتح العزيز 11: 201 و 203، وبداية
المجتهد 2: 350، والبحر الزخار 6: 13.
(5) الأم 6: 225، ومختصر المزني: 114، والوجيز 1: 203، والسراج الوهاج: 262، والمجموع 20: 328،
وفتح العزيز 11: 202، وبداية المجتهد 2: 350، والمغني لابن قدامة 5: 325، وشرح فتح القدير
7: 19، والبحر الزخار 6: 13.
(6) لم أعثر على هذا القول في مظانه من الكتب المتوفرة.
(7) شرح فتح القدير 7: 19 - 20.
378

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه يقر بأنه يستحق من التركة ثلثها، وهو ثلث
ما في يده، وما زاد عليه فللذي أقر له به، فوجب تسليمه إليه.
ولأن الإقرار قائم مقام البينة، ولو قامت البينة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في
يده.
مسألة 30: إذا كان الوارث جماعة، فأقر اثنان رجلان أو رجل وامرأتان
بنسب، وكانوا عدولا، يثبت النسب ويقاسمهم الميراث. وبه قال أبو حنيفة إلا
أنه لم يعتبر العدالة في المقرين (1).
وقال الشافعي: إذا أقر جميع الورثة بنسب، مثل أن يكونوا بنين، فيقروا
بنسب أخ، فإنه يثبت نسبه ويثبت له المال، ولا فرق بين أن يكون من يرث
المال جماعة أو واحدا، ذكرا كان أو أنثى (2).
وفي الناس من قال: لا يثبت النسب بإقرار الورثة (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وأيضا فإن إقرار الشاهدين على نفوسهما جائز، وشهادتهما على غيرها لا مانع
منه.
وقوله تعالى: " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " (5) يدل عليه
أيضا، لأن هذه شهادة فيما يتعلق بحق الغير.
مسألة 31: إذا أقر ببنوة صبي، لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه، سواء

(1) المغني لابن قدامة 5: 327 و 333، وفتح العزيز 11: 206.
(2) مختصر المزني: 114، والمجموع 20: 335، وفتح العزيز 11: 199، والمغني لابن قدامة 5: 326 - 327.
(3) فتح العزيز 11: 199 و 201 - 202، والمغني لابن قدامة 5: 328 - 333.
(4) قرب الإسناد: 25، ومن لا يحضره الفقيه 3: 117 حديث 500، والتهذيب 6: 198، حديث 442، و
9: 163 حديث 670، والاستبصار 4: 114 حديث 435.
(5) البقرة: 283.
379

كانت مشهورة الحرية أو لم تكن. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: إن كانت معروفة الحرية كان ذلك إقرارا بزوجيتها، وإن لم
تكن معروفة الحرية لم يثبت زوجيتها.
قال: لأن أنساب المسلمين وأحوالهم ينبغي أن تحمل على الصحة، فإذا أقر
ببنوة الصبي، فوجه الصحة أن يكون ذلك الولد بنكاح، وإذا كان بنكاح
يثبت زوجية أمه (2).
دليلنا: أنه يحتمل أن يكون الولد من نكاح صحيح كما قال، ويحتمل أن
يكون من نكاح فاسد، أو من وطء شبهة، فإذا احتمل الوجوه لم يحمل على
الصحيح دون غيره، وقوله باطل ببنوة أخيه.
مسألة 32: إذا دخلت امرأة من دار الحرب إلى دار الإسلام ومعها ولد، فأقر
رجل في دار الإسلام أنه ولده، ويمكن أن يكون كما قال - بأن يجوز دخوله إلى
دار الحرب، أو مجئ المرأة إلى دار الإسلام - ألحق به.
وإن علم أنه لم يخرج إلى دار الحرب، ولا المرأة دخلت إلى بلد الإسلام،
لا يلحق به.
وقال الشافعي: يلحق به إذا أمكن ذلك، وإن كان الظاهر أنه ما دخل
إلى بلد الكفر ولا المرأة دخلت إلى بلد الإسلام، لأنه يجوز أن يكون أنفذ إليها
بمائه في قارورة فاستدخلته فخلق منه الولد (3).
وهذا بعيد جدا.

(1) المجموع 20: 334، والمغني لابن قدامة 5: 335، والشرح الكبير 5: 286، والبحر الزخار 6: 15.
(2) المبسوط 18: 162، والمغني لابن قدامة 5: 335 - 336، والشرح الكبير 5: 286، والمجموع
20: 334.
(3) أنظر المجموع 16: 349.
380

دليلنا: إن الذي اعتبرناه لا خلاف أنه يلحق به الولد، وما ادعوه لا دليل
عليه.
مسألة 33: إذا كان لرجل جاريتان، ولهما ولدان، فأقر أن أحد الولدين
ابنه ولم يعين، ومات ولم يعين الوارث استخرجناه بالقرعة، فمن خرج اسمه
ألحقناه به وورثناه.
وقال الشافعي: يعرض على الفاقة كما يعرض الولد الواحد إذا تنازعه
اثنان، غير أنه قال: يلحق النسب لأجل الحرية، ولا يورث عليه (1).
وأما الميراث له فيه قولان:
أحدهما: يوقف الميراث. وبه قال المزني (2).
وقال باقي أصحابه: لا يوقف ويقسم المال الورثة، لأنه لا طريق إلى
تعيينه (3).
وقال أبو حنيفة: يعتق من كل واحد منهما نصفه (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير (5).
مسألة 34: إذا كان له جارية، ولها ثلاثة أولاد، فأقر أن أحدهم ابنه،
يسأل التعيين، فإن عين ألحق به، ويكون الاثنان مملوكين، سواء كان الذي

(1) الأم 7: 131، والمجموع 20: 332، وفتح العزيز 11: 192 - 193.
(2) مختصر المزني: 115، والمجموع 20: 332، وفتح العزيز 11: 193، والمغني لابن قدامة 5: 338،
والشرح الكبير 5: 288.
(3) المجموع 20: 332، وفتح العزيز 11: 193، والمغني لابن قدامة 5: 338 والشرح الكبير 5: 288،
والوجيز 1: 202.
(4) المبسوط 17: 144، والمغني لابن قدامة 5: 337 - 338، والشرح الكبير 5: 288، والأم 7: 131.
(5) التهذيب 9: 361 - 363 حديث 1290 و 1298، وانظر الكافي 7: 137 - 138 حديث 4 و 7،
ومن لا يحضره الفقيه 4: 226 حديث 717.
381

عينه الأكبر، أو الأوسط، أو الأصغر.
فإن لم يعين، سئل الورثة، فإن عينوا كان مثل ذلك سواء، وإن لم يعينوا أو
لا ورثة له ومات، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه ألحق به، ويثبت حريته وورث،
ويكون الاثنان مملوكين له، سواء كان من خرج اسمه الأكبر، أو الأوسط، أو
الأصغر على كل حال.
وقال الشافعي: إن عين هو أو الورثة الأصغر ثبتت حريته، ويكون
الأوسط والأكبر مملوكين، وإن عين الأوسط كان حرا وكان الأكبر رقيقا، وفي
الأصغر وجهان.
وإن عين الأكبر كان حرا، والاثنان على وجهين.
وإن مات ولم يعين، ولا عين الورثة، عرض على القافة، فإن عينوا واحدا
كان حكمه حكم من عينه الوالد أو الورثة، وحكم الباقين مثل ذلك سواء.
وإن لم يكن قافة، أو اختلفوا، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه حرر
ولا يورث (1).
وهل يوقف أم لا؟ على قولين:
قال المزني: يوقف (2).
وقال الباقون: لا يوقف (3). وحكم الباقين على ما رتبناه فيمن تعين بتعيين
المقر أو الورثة سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).

(1) المجموع 20: 332 - 333، والوجيز 1: 202، وفتح العزيز 11: 194 و 197، والمغني لابن قدامة
5: 336، والشرح الكبير 5: 286 - 287.
(2) مختصر المزني: 115، والمجموع 20: 333، وفتح العزيز 11: 196، والمغني لابن قدامة 5: 338.
(3) المجموع 20: 333، وفتح العزيز 11: 194 و 196، والمغني لابن قدامة 5: 338، والشرح الكبير 5: 288.
(4) تدل عليه الأخبار التي ذكرها الشيخ قدس سره في التهذيب 9: 361 و 363 ديث 1290 و 1298 فلاحظ.
382

وقال المزني: قول الشافعي يقرع بين الثلاثة خطأ، لأن الأصغر حر على
كل حال، لأنه إن خرج اسمه فهو حر، وإن خرج اسم الأوسط فالأصغر حر
أيضا، لأنها صارت فراشا بالأوسط وألحق الأصغر به، وإن خرج الأكبر ألحق
الأوسط والأصغر به، لأنها صارت فراشا بالأول، وهذا لازم له، غير أنه لا يصح
على مذهبنا، لأن الأمة ليست فراشا عندنا بحال، وإنما القول قول المالك في
إلحاق من يلحق به، وإنكار من ينكره (1).
مسألة 35: إذا شهد شاهدان على نسب لميت يستحق به ميراثا، وقالا:
لا نعرف له وارثا غيره، قبلت شهادتهما. وبه قال الشافعي (2).
وقال ابن أبي ليلى: لا يحكم بها حتى يقولا: لا وارث له غيره. لأنهما إذا قالا
لا نعلم له وارثا غيره، فما نفيا أن يكون له وارث، لأنه يجوز أن يكون له وارث
ولا يعلمانه، فعدم علمهما لا يخرجه من أن يكون له وارث (3).
دليلنا: أن ذلك لا يمكن العلم به، لأنه لا طريق إليه، وما لا طريق إليه
لا يجوز إقامة الشهادة عليه.

(1) مختصر المزني: 115، وبلغة السالك 2: 197.
(2) الأم 7: 123، والبحر الزخار 6: 13.
(3) الأم 7: 123.
383

كتاب العارية
385

مسألة 1: العارية أمانة غير مضمونة، إلا أن يشرط صاحبها الضمان، فإن
شرط ذلك كانت مضمونة، وإلا فلا، إلا أن يتعدى فيها، فيجب عليه حينئذ
ضمانها. وبه قال قتادة وعبيد الله بن الحسن العنبري، وأبو حنيفة، ومالك
والنخعي، والشعبي، والحسن البصري، إلا أنهم لم يضمنوها بالشرط (1).
وقال ربيعة: العواري مضمونة إلا موت الحيوان، فإنه إذا استعاره، ثم مات
في يده، لم يضمنه (2).
وقال الشافعي: هي مضمونة شرط ضمانها أو لم يشرط، تعدى فيها أو لم
يتعد. وبه قال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وأحمد، وإسحاق (3).
دليلنا: إجماع الطائفة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك (4).
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي عليه السلام قال:

(1) المجموع 14: 205، وفتح العزيز 11: 218، والمحلى 9: 170، واللباب 2: 151، والمغني لابن قدامة
5: 356، والشرح الكبير 5: 366، والنتف 2: 583، وشرح فتح القدير 7: 103، وسبل السلام
3: 898، والمصنف لعبد الرزاق 8: 180.
(2) المحلى 9: 170.
(3) الأم 3: 244، والمجموع 14: 204 - 205، وفتح العزيز 11: 217، والنتف 2: 583، وشرح فتح
القدير 7: 103، وسبل السلام 3: 898، والمصنف لعبد الرزاق 8: 180، والمغني لابن قدامة
5: 356، والشرح الكبير 5: 366.
(4) الكافي 5: 238 حديث 1، والتهذيب 7: 183 حديث 805، والاستبصار 3: 126 حديث 449.
387

" ليس على المستعير غير المغل ضمان " (1) وهذا نص.
مسألة 2: إذا رد العارية إلى صاحبها أو وكيله، برئ من الضمان، وإن
ردها إلى ملكه - مثل أن تكون دابة فردها إلى اصطبل صاحبها، وشدها فيه - لم
يبرأ من الضمان. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يبرأ، لأن العادة هكذا جرت في رد العواري إلى
الأملاك، فيكون بمنزلة المأذون من طريق العادة (3).
دليلنا: إن كون ذلك ردا أو إبراء الذمة به من العارية يحتاج إلى دليل،
ولا دليل على ذلك، والأصل شغل ذمته بالعارية.
مسألة 3: إذا اختلف صاحب الدابة والراكب، فقال الراكب: أعرتنيها.
وقال صاحب الدابة: أكريتكها بكذا. كان القول قول الراكب مع يمينه، وعلى
صاحبها البينة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (4).
والثاني: أن القول قول صاحبها (5).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وصاحب الدابة مدعي الكراء، فعليه
البينة.

(1) سنن الدارقطني 3: 41 حديث 168، والمصنف لعبد الرزاق 8: 178 حديث 14782، والسنن
الكبرى 6: 91.
(2) الأم 3: 245، والمجموع 14: 209، والمغني لابن قدامة 5: 358.
(3) اللباب 2: 153، وشرح فتح القدير 7: 111، والمبسوط 11: 144، والمغني لابن قدامة 5: 358.
(4) الأم 3: 245، والمجموع 14: 222، والوجيز 1: 232، والمغني لابن قدامة 5: 372، والشرح الكبير
5: 371 و 373.
(5) المجموع 14: 220 و 222، ومغني المحتاج 2: 273 - 274، والوجيز 1: 266، وفتح العزيز 11: 232.
388

مسألة 4: إذا اختلف الزارع وصاحب الأرض، فقال الزارع: أعرتنيها.
وقال صاحبها: أكريتكها. كان القول قول الزارع مع يمينه.
وللشافعي فيه قولان مثل المسألة الأولى سواء (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، واختار المزني في المسألتين قولنا (2).
مسألة 5: إذا اختلفا، فقال صاحب الدابة: غصبتها. وقال الراكب: بل
أعرتنيها. فالقول قول الراكب. وبه قال المزني (3).
وقال أصحاب الشافعي: هذه المسألة والتي قبلها سواء على قولين: ومنهم
من قال: على طريقين (4)، ومنهم من قال: على قول واحد، وهو أن القول قول
المستعير (5).
وذهب أبو إسحاق إلى أن الجواب في هذه المسألة مرجوع عنه، والقول في
ذلك قول صاحبها قولا واحدا (6).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من أن الأصل براءة الذمة، والمدعي
للغصب يحتاج إلى بينة، لأنه يدعي ضمان الدابة ولزوم الأجرة إن كان ركبها.
مسألة 6: إذا تعدى المودع في إخراج الوديعة من حرزها، فانتفع بها، ثم
ردها إلى موضعها، فإن الضمان لا يزول بذلك. وبه قال الشافعي (7).

(1) المجموع 14: 220، والوجيز 1: 205، وفتح العزيز 11: 232.
(2) أنظر مختصر المزني: 116.
(3) مختصر المزني: 116، وفتح العزيز 11: 235، والمغني لابن قدامة 5: 373، والشرح الكبير 5: 374.
(4) المجموع 14: 221 - 222، وفتح العزيز 11: 233 و 235.
(5) الأم 3: 245، والمجموع 14: 221، وفتح العزيز 11: 235.
(6) المجموع 14: 224، ومغني المحتاج 2: 274، والوجيز 1: 266، وفتح العزيز 11: 236، والمغني لابن
قدامة 5: 373، والشرح الكبير 5: 373.
(7) الأم 3: 245، ومختصر المزني: 116، والمجموع 14: 194 و 209، والوجيز 1: 285، وكفاية الأخيار
2: 9، وبداية المجتهد 2: 307، والمبسوط 11: 114.
389

وقال أبو حنيفة: يزول، لأنه مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات، فإذا
خالف في جهة منها، ثم رجع وعاد إلى الحفظ، كان متمسكا به على الوجه
المأمور به، فينبغي أن يزول عنه الضمان (1).
دليلنا: أن بالتعدي قد ثبت عليه الضمان بلا خلاف، فمن أزال ضمانه
بالرد إلى موضعه فعليه الدلالة.
مسألة 7: إذا أبرأه صاحبها من الوديعة بعد تعديه فيها، من غير أن يردها إليه
أو إلى وكيله، فقد سقط عنه الضمان.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: يبرأ، وهو ظاهر قوله (2).
والثاني: لا يبرأ. قال: لأن الإبراء لا يصح عن القيمة، لأنها لم تجب بعد،
ولا يصح الإبراء من العين لأنها في يده باقية، فكيف يصح الإبراء منها (3).
دليلنا: أن الضمان إذا كان من حقه، فله التصرف فيه بالإبراء والمطالبة،
وإذا أسقط وجب سقوطه، ومن منع من ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 8: إذا أعاره أرضا ليبني فيها، أو ليغرس فيها، فلا يجوز له أن يخالف
فيغرس في أرض البناء، ولا أن يبني في أرض الغراس.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (4).
والثاني: له ذلك، لأن ضررهما متقارب (5).

(1) اللباب 2: 147، والمبسوط 11: 114، وبداية المجتهد 2: 307، والمجموع 14: 209.
(2) المجموع 14: 194.
(3) المصدر السابق.
(4) المجموع 14: 208، ومغني المحتاج 2: 269، والوجيز 1: 204 و 364، وفتح العزيز 11: 224.
(5) مغني المحتاج 2: 269، والمجموع 14: 208 و 210، والوجيز 1: 204، وفتح العزيز 11: 223.
390

دليلنا: أن ما قلناه متفق على جوازه، وتجويز خلافه يحتاج إلى دلالة،
ولا دليل.
مسألة 9: إذا طالب المعير المستعير بقلع ما أذن له في غراسه من غير أن
يضمن له أرش النقصان، وأبى ذلك صاحب الغراس، لم يجبر عليه. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يجبر على ذلك. وإن لم يضمن (2).
دليلنا: قول النبي عليه السلام: " ليس لعرق ظالم حق " (3). وهذا ليس
بظالم، فيجب أن يكون له حق.
وروت عائشة أن النبي عليه السلام قال: " من بنى في رباع قوم بإذنهم فله
قيمته " (4).
وعند أبي حنيفة يجبر على القلع، ولا يجعل له قيمة بنائه.
ولأن مع ضمان النقصان أجمعنا أن له قلعه، وليس على جواز قلعه مع عدم
ذلك دليل.

(1) المجموع 14: 211 - 212، وبداية المجتهد 2: 309، والشرح الكبير 5: 360.
(2) المبسوط 11: 141، والنتف 2: 582، واللباب 2: 152، وشرح فتح القدير: 109، والمجموع
14: 213، وفتح العزيز 11: 227 و 231، والشرح الكبير 5: 360.
(3) صحيح البخاري 3: 140، وسنن أبي داود 3: 178 حديث 3073.
(4) سنن الدارقطني 4: 243 حديث 142، والسنن الكبرى 6: 91، وفردوس الأخبار 3: 551
حديث 5723.
391

كتاب الغصب
393

مسألة 1: من غصب شيئا يضمن بالمثلية، فإن أعوز المثل ضمن بالقيمة،
فإن لم يقبض القيمة بعد الإعواز حتى مضت مدة يختلف فيها القيمة، كان له
المطالبة بقيمته حين القبض لا حين الإعواز، إن حكم الحاكم بالقيمة عند
الإعواز، لم يؤثر حكمه فيه، وكان له المطالبة بقيمته يوم القبض، ولا يلتفت إلى
حكم الحاكم به. وبه قال أبو حنيفة (1) والشافعي (2).
وقال محمد وزفر: عليه قيمته يوم الإعواز (3).
دليلنا: أن الذي ثبت في ذمته هو المثل، وحكم الحاكم عليه بالقيمة
لا ينقل المثلة إلى القيمة، بدلالة أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل،
وإذا كان الذي ثبت في الذمة هو المثل اعتبر بدل مثله حين قبض البدل،
ولا ينظر إلى اختلاف قيمته بعد الإعواز ولا قبل الإعواز.

(1) عند مراجعة كتب القوم المتوفرة لدينا ظهر أنه يقول: " ترد القيمة يوم المحاكمة والخصومة " ولعل
الشيخ المؤلف قدس سره اعتمد في قوله هذا إلى بعض المصادر التي لم نتوصل إليها. أنظر: النتف
2: 737، والمبسوط 11: 50، والفتاوى الهندية 5: 119، وبدائع الصنائع 7: 151، واللباب
2: 137، وحاشية رد المحتار 6: 183، وتبيين الحقائق 5: 223، والمغني لابن قدامة 5: 421، والشرح
الكبير 5: 428، والمجموع 14: 229، وفتح العزيز 11: 274، والبحر الزخار 5: 175.
(2) الأم 3: 248، والمجموع 14: 229، والمبسوط 11: 50، وفتح العزيز 11: 275، والمغني لابن قدامة
5: 421، والشرح الكبير 5: 428.
(3) النتف 2: 737، والمبسوط 11: 50، وبدائع الصنائع 7: 151، والفتاوى الهندية 5: 119، وتبيين
الحقائق 5: 223، وحاشية رد المحتار 6: 183، والبحر الزخار 5: 175.
395

مسألة 2: إذا غصب مالا مثل له، ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه من غير
جنس الأثمان - كالثياب، والحطب، والخشب، والحديد، والصفر،
والرصاص، والعقار، وغير ذلك من الأواني وغيرها - فإنها تكون مضمونة
بالقيمة. وبه قال جميع الفقهاء (1).
وقال عبيد الله بن الحسن العنبري البصري: يضمن كل هذا بالمثل (2).
دليلنا: ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من أعتق
شقصا له من عبد قوم عليه " (3) فأوجب صلى الله عليه وآله عليه الضمان
بالقيمة دون المثل.
ولأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل، لأنه إن ساواه في العدد خالفه في
الثقل، وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية
كان الاعتبار بالقيمة.
مسألة 3: إذا جنى على حمار القاضي، كان مثل جنايته على حمار الشوكي،
سواء في أن الجناية إذا لم يسر إلى نفسه يلزمه أرش العيب. وبه قال أبو حنيفة
والشافعي (4).
وقال مالك: إن كان حمار القاضي، فقطع ذنبه، ففيه كمال قيمته، لأنه إذا

(1) الأم 3: 254 - 255، والمجموع 14: 227 و 234، وكفاية الأخيار 1: 183، واللباب 2: 137،
والمبسوط 11: 50 - 51، وبدائع الصنائع 7: 148، والمحلى 8: 142، وبداية المجتهد 2: 316،
وأسهل المدارك 3: 62، والشرح الكبير 5: 429، وفتح العزيز 11: 283، وتبيين الحقائق 5: 223.
(2) المجموع 14: 234، والشرح الكبير 5: 429.
(3) رواه ابن رشد في بداية المجتهد 2: 312 بنفس اللفظ، وقد ورد في أكثر الكتب الحديثية بتبديل
" شقصا " ب‍ " شركا " وهما بمعنى الحصة والنصيب في العين المشتركة من كل شئ. لاحظ النهاية
2: 467 و 490.
(4) اللباب 2: 139، والمجموع 14: 245، والمبسوط 11: 51، وفتح العزيز 11: 258، والمغني لابن
قدامة 4: 385.
396

قطع ذنبه فقد أتلفه عليه، لأنه لا يمكنه ركوبه، لأن القاضي لا يركب حمارا
مقطوع الذنب. ويفارق حمار الشوكي، لأنه يمكنه حمل الشوك على حمار مقطوع
الذنب، ولم يقل هذا في غير ما يركبه من بهائم القاضي - مثل الثور وغيره -
وكذلك لو قطع يد حماره (1).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وقدر ما أوجبناه مجمع على لزومه، والزائد
عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا قلع عين دابة، كان عليه نصف قيمتها، وفي العينين جميع
القيمة. وكذلك كل ما في البدن منه اثنان، ففي الاثنين جميع القيمة، وفي
الواحد نصفها.
وقال أبو حنيفة: في العين الواحدة ربع القيمة، وفي العينين نصف القيمة،
وكذلك في كل ما ينتفع بظهره ولحمه (2).
وقال الشافعي ومالك: عليه الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).

(1) مختصر العلامة خليل: 228، وحاشية الخرشي 5: 149، وجواهر الإكليل 2: 153، والمجموع
14: 245، وفتح العزيز 11: 258، والمغني لابن قدامة 5: 385 - 386، والبحر الزخار 5: 175.
(2) النتف 2: 676، وشرح فتح القدير 8: 351، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير
8: 351، والمجموع 14: 245، وفتح العزيز 11: 258، والمحلى 10: 429.
(3) الأم 3: 245، ومختصر المزني: 117، والمجموع 14: 245، والسراج الوهاج: 268، ومغني المحتاج
2: 281، والوجيز 1: 208، وفتح العزيز 11: 258، والمحلى 10: 429، وشرح فتح القدير 8: 351،
وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 351.
(4) لم أقف في كتب الحديث المتوفرة على نص يؤيد قول المصنف قدس سره من الأخبار الذي أشار
إليها، علما أنه قدس سره قال في كتابه " النهاية في مجرد الفقه والفتاوى " ص 781 ما لفظه: (وفي
عين البهيمة إذا فقئت ربع قيمتها على ما جاءت به الآثار). وانظر التهذيب 10: 309 حديث 1149
و 1152.
397

وروي عن عمر أنه قضى في عين الدابة بربع قيمتها (1).
ورووا ذلك عن علي عليه السلام (2)، وهذا يدل على بطلان قول من
يدعي الأرش.
فأما قولنا فدليله: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 5: إذا قتل عبدا كان عليه قيمته ما لم تتجاوز قيمته دية الحر عشرة
آلاف درهم، وكذلك إن كانت أمة ما لم تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم دية
الحرة، وإن كان دون الدية لم يلزمه أكثر من ذلك. وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه
قال: إن كان قيمته عشرة آلاف نقص منه عشرة دراهم، وكذلك في دية
المملوكة (3).
وقال الشافعي: يلزمه قيمته بالغا ما بلغ (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (5)، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وما قلناه لازم له بالإجماع، والزائد يحتاج إلى
دليل.
مسألة 6: إذا مثل بمملوك غيره، لزمه قيمته، وانعتق. وبه قال مالك (6).

(1) المصنف لعبد الرزاق 10: 77 حديث 18418 و 18419 و 18423.
(2) المصنف لعبد الرزاق 10: 77 حديث 18421.
(3) المبسوط 11: 72 و 26: 21، والمحلى 8: 151 و 154، والنتف 2: 671، والشرح الكبير 9: 526.
(4) الأم 3: 246، ومختصر المزني 117 و 237، والسراج الوهاج: 268، والوجيز 1: 207، والمحلى
8: 151 - 152 و 154 - 155، والشرح الكبير 9: 526، وفتح العزيز 11: 256.
(5) الكافي 7: 304 (باب الرجل الحر يقتل مملوك غيره...) حديث 15 و 11، ومن لا يحضره الفقيه
4: 96 حديث 318، والتهذيب 10: 192 - 193 حديث 760 و 762، والاستبصار 4: 274 حديث
1038 و 1039.
(6) جواهر الإكليل 2: 153، وحاشية الخرشي 5: 150، والمحلى 8: 152، والمغني لابن قدامة 5: 389.
398

وقال الشافعي: لا ينعتق (1).
والتمثيل: أن يقطع أنفه أو أذنه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (2).
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " من مثل بعبده عتق عليه " (3).
مسألة 7: كل جناية مقدرة من الحر بحساب ديته، فهي مقدرة من العبد
بقيمته مثل اليد، والرجل، والأنف، والعين، والموضحة، والمنقلة وغير ذلك.
وبه قال الشافعي (4).
وقال مالك: في ذلك أرش ما نقص، إلا في أربعة مواضع: الموضحة،
والمنقلة، والمأمومة، والجائفة فإن فيها المقدر (5) كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم (6).
مسألة 8: الحارصة (7) والباضعة مقدرة في الحر، وكذلك في العبد

(1) المغني لابن قدامة 5: 389.
(2) أنظر الكافي 7: 303 حديث 7 و 8 و 307 حديث 21، والتهذيب 10: 261 حديث 1032.
(3) لم أقف لهذا الحديث في المصادر المتوفرة ذكرا، إلا أنه روى الحاكم النيسابوري في مستدركه 4: 368
والهيثمي في مجمع الزوائد 4: 239 عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من
مثل بعبده أو حرقه بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله ".
(4) الأم 6: 49، ومختصر المزني: 117، والوجيز 1: 207، وفتح العزيز 11: 256 - 257، والسراج
الوهاج: 268، ومغني المحتاج 2: 280 - 281.
(5) المدونة الكبرى 6: 316 و 450، والأم 3: 246.
(6) أنظر الكافي 7: 306 حديث 14، ومن لا يحضره الفقيه 4: 94 - 95 حديث 310 و 313، والتهذيب
10: 193 و 196 حديث 764 و 778، و 293 حديث 1141 و 295 حديث 1147.
(7) الحارصة: هي التي تخدش ولا تجري الدم.
(8) الباضعة: هي التي تبضع اللحم وتقطعه. قاله الشيخ الكليني في الكافي 7: 329.
399

بحساب قيمته.
وقال جميع الفقهاء: فيهما الأرش، لأنهما غير مقدرة في الحر (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2)، وسنبين ذلك في الجنايات.
مسألة 9: إذا جنى على ملك غيره جناية لها أرش.
قال الشافعي: فالمالك يمسكه، لأنه ملكه، ويطالب الجاني بأرشها بكل
حال، قليلا كان أرش الجناية أو كثيرا، سواء ذهب بالجناية منفعة مقصودة أو
غير مقصودة، وسواء وجب بالمقصودة كمال قيمة المجني أو دون ذلك (3).
وقال أبو حنيفة: ينظر فيه:
إن لم يذهب بالجناية منفعة مقصودة - مثل أن يخرق يسيرا من الثوب، أو
قطع إصبعا من العبد - أو جنى عليه حارصة أو دامية أو باضعة فإنه يمسك ملكه،
ويطالب بالأرش على ما قال الشافعي.
وإن ذهب بها منفعة مقصودة، مثل أن خرق الثوب بطوله، أو قطع يدا
واحدة من العبد، فالسيد بالخيار بين أن يمسك العبد ويطالب بأرش الجناية،
وبين أن يسلم العبد برمته ويأخذ منه كمال قيمته.
وقال: وإن وجب بالجناية كمال قيمة الملك - وهذا إنما يكون في الرقيق
خاصة مثل أن يقطع يديه، أو رجليه، أو يقلع عينيه، أو يقطع لسانه، أو أنفه -
فالمالك بالخيار بين أن يمسكه ولا شئ له على الجاني، وبين أن يسلمه إلى

(1) المحلى 8: 149، ومغني المحتاج 2: 281، والسراج الوهاج: 268، والوجيز 1: 207، وفتح العزيز
11: 260، والمجموع 19: 69، والنتف 2: 677، وبدائع الصنائع 7: 298، وتبيين الحقائق
6: 133، والمغني لابن قدامة 9: 658، والشرح الكبير 5: 399 و 9: 620.
(2) أنظر إلى ما أشرنا إليه من الأحاديث في الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب في المسألة المتقدمة.
(3) المجموع 14: 232، وفتح العزيز 11: 294 و 297، والمحلى 8: 151.
400

الجاني ويأخذ كمال قيمته (1).
وقال أبو يوسف ومحمد: في هذا الفصل السيد بالخيار من أن يسلمه ويأخذ
كمال قيمته، وبين أن يمسكه ويأخذ من الجاني ما نقص بالقطع، ويسقط
التخيير (2).
والذي تقتضيه أخبارنا ومذهبنا: أنه إذا جنى على عبد جناية تحيط بقيمة
العبد، كان بالخيار بين أن يسلمه ويأخذ قيمته، وبين أن يمسكه ولا شئ له،
وما عدا ذلك فله الأرش إما مقدرا أو حكومة على ما مضى القول فيه.
وما عدا المملوك من الأملاك إذا جنى عليه فليس لصاحبه إلا أرش
الجناية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير المقدم
ذكره (3).
مسألة 10: إذا غصب جارية، فزادت في يده بسمن، أو صنعة، أو تعليم
قرآن فزاد بذلك ثمنها، ثم ذهب عنها ذلك في يده حتى عادت إلى الصفة التي
كانت عليها حين الغصب، كان عليه ضمان ما نقص في يده.
وهكذا لو غصب حاملا، أو حائلا، فحملت في يده ضمنها وحملها في
الموضعين معا. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: لا يضمن شيئا من هذا أصلا، ويكون ما حدث في يده

(1) اللباب 2: 139، وتبيين الحقائق 5: 228 - 229، وشرح فتح القدير 7: 382، والفتاوى الهندية
5: 122 - 123، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 382.
(2) المحلى 8: 151، وفتح العزيز 11: 294 - 295.
(3) انظرها في التهذيب 10: 193 و 194 و 196 و 293 حديث 764 و 765 و 778 و 1141.
(4) الأم 3: 246، ومختصر المزني: 117، والمجموع 14: 248، وفتح العزيز 11: 248 و 308، والمغني
لابن قدامة 5: 397، و 400، وبداية المجتهد 2: 321، والمبسوط 11: 54.
401

أمانة، فإن تلف بغير تفريط فلا ضمان، وإن فرط في ذلك - مثل أن جحد ثم
اعترف أو منع ثم بذل - فعليه ضمان ذلك (1).
دليلنا: أن هذا النماء إنما حدث في ملك المغصوب منه، لأن ملكه لم يزل
عنه، وإذا حدث في ملكه لزم الغاصب ضمانه إذا حال بينه وبين ملكه.
مسألة 11: المنافع تضمن بالغصب كالأعيان مثل: منافع الدار، والدابة،
والعبيد، والثياب. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: لا تضمن المنافع بالغصب بحال، فإن غصب أرضا فزرعها
ببذره، كانت الغلة له، ولا أجرة عليه إلا أن تنقص الأرض بذلك، فيكون
عليه نقصان ما نقص.
وزاد على هذا، لو آجرها وأخذ أجرتها، ملك الأجرة دون
مالكها (3).
دليلنا: قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم " (4). والمثل مثلان، مثل من حيث الصورة، ومثل من حيث القيمة،

(1) اللباب 2: 143، والمبسوط 11: 54، والفتاوى الهندية 5: 127، والمغني لابن قدامة 5: 397 و
400، والمجموع 14: 245 - 246، وفتح العزيز 11: 248.
(2) الأم 3: 249 و 253، ومختصر المزني: 117، والمجموع 14: 227، والوجيز 1: 208، وفتح العزيز
11: 262، والمغني لابن قدامة 5: 413 و 435، والشرح الكبير 5: 438، والمبسوط 11: 78،
والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 394، وشرح العناية بهامش شرح فتح
القدير 7: 394.
(3) اللباب 2: 144، وبدائع الصنائع 7: 145، والمبسوط 11: 78، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح
القدير 7: 394، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 394، وحاشية رد
المحتار 6: 204، والمغني لابن قدامة 5: 413 - 414 و 435، والشرح الكبير 5: 438، والمحلى
8: 139، وبداية المجتهد 2: 318، وفتح العزيز 11: 262.
(4) البقرة: 194.
402

فما لم يكن للمنافع مثل من حين الصورة، وجب أن يلزمه من حيث القيمة،
وعلى المسألة إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل عليها.
مسألة 12: المقبوض ببيع فاسد لا يملك بالعقد، ولا بالقبض. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يملك بالقبض (2).
دليلنا: أنه لا دليل على أنه يملك بهذا القبض، فمن ادعى ذلك كان عليه
الدلالة، لأن الأصل أنه على ملك مالكه.
مسألة 13: إذا غصب جارية حاملا ضمنها، وضمن ولدها. وبه قال
الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يضمنها وحدها دون حملها (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5).
ولأن ذمته قد اشتغلت بالغصب، ولا تبرأ قطعا إلا بضمان الجارية
وولدها، فوجب عليه ذلك لتبرأ ذمته بيقين.
مسألة 14: إذا غصب ثوبا قيمته عشرة، فبلغت عشرين لزيادة السوق، ثم
عاد إلى عشرة أو دونها، ثم هلك قبل الرد، كان عليه قيمته أكثر ما كانت من
حين الغصب إلى حين التلف. وبه قال الشافعي (6).

(1) المجموع 14: 269، وفتح العزيز 11: 321.
(2) بدائع الصنائع 5: 248 و 7: 146، والأم 3: 247، والمحلى 8: 421.
(3) المجموع 14: 249، والوجيز 1: 206، وفتح العزيز 11: 248، وبدائع الصنائع 7: 158.
(4) اللباب 2: 143، وبدائع الصنائع 7: 158، والمبسوط 11: 54، والفتاوى الهندية 5: 127، والمحلى
8: 139، والمجموع 14: 249، وفتح العزيز 11: 248.
(5) أنظر دعائم الإسلام 2: 485 حديث 1732 و 1733، والتهذيب 7: 482 حديث 1936.
(6) المجموع 14: 295، والوجيز 1: 209، والسراج الوهاج: 270، وكفاية الأخيار: 1: 183، وفتح العزيز
11: 283، وبداية المجتهد 2: 313.
403

وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم الغصب (1).
دليلنا: أنه إذا أدى ما قلناه برئت ذمته بلا خلاف، وإذا أدى ما قاله لم يدل
دليل على براءتها، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
مسألة 15: إذا لم يتلف الثوب وكان قائما بحاله رده، ولا يرد ما نقص من
القيمة. وبه قال جميع الفقهاء (2)، إلا أبا ثور، فإنه قال: يرده، وما نقص من
قيمته، فإن كانت قيمته يوم الغصب عشرة، ثم بلغت عشرين، ثم عاد إلى
عشرة، رده ومعه عشرة (3).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
مسألة 16: إذا أكره امرأة على الزنا، وجب عليه الحد، ولا حد عليها.
ولو كانت هي زانية، وهو واطئ بشبهة كان عليها الحد، ولم يكن عليه
الحد، ولا يلزمه المهر في الموضعين.
وقال الشافعي: متى وجب عليه الحد دونها لزمه المهر (4).
وقال أبو حنيفة: متى سقط عنه الحد دونها لزمه المهر (5).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها المهر فعليه الدلالة.
وقول النبي صلى الله عليه وآله ونهيه عن مهر البغي (6)، دليل على أبي حنيفة.

(1) بدائع الصنائع 7: 151، والمجموع 14: 228 و 295، وبداية المجتهد 2: 313، وفتح العزيز 11: 284.
(2) الأم 3: 248، والمحلى 8: 142، والوجيز 1: 209، وفتح العزيز 11: 291.
(3) فتح العزيز 11: 291.
(4) الأم 3: 248 و 258، ومختصر المزني: 117، والوجيز 1: 213، ومغني المحتاج 2: 293 - 294،
والسراج الوهاج: 273، وفتح العزيز 11: 332، والمبسوط 24: 90، وبداية المجتهد 2: 319، والمغني
لابن قدامة 5: 407 و 412.
(5) النتف 2: 639، والمبسوط 24: 90، والمغني لابن قدامة 5: 413، وبداية المجتهد 2: 324، وفتح
العزيز 11: 332 و 334.
(6) سنن أبي داود 3: 279 حديث 3481، ومسند أحمد بن حنبل 1: 235 و 356 و 2: 500، والسنن
الكبرى 6: و 8، والتهذيب 7: 135 حديث 599.
404

واستدل الشافعي على ما قاله بقوله عليه السلام: " أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها، فنكاحها باطل، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها " (1).
فأوجب المهر وهذا ليس بصحيح، لأن ذلك يتناول العقد دون الإكراه.
مسألة 17: السارق يقطع ويغرم ما يسرقه. وبه قال الشافعي (2). وقال
أبو حنيفة: الغرم والقطع لا يجتمعان، فإن غرم لم يقطع، وإن قطع لم يغرم (3).
دليلنا: قوله تعالى: " السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (4) ولم يفرق.
مسألة 18: يصح غصب العقار، ويضمن بالغصب. وبه قال الشافعي
ومحمد بن الحسن (5).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح غصب العقار ولا يضمن بالغصب (6).

(1) مسند أحمد بن حنبل 6: 66، وترتيب مسند الشافعي 2: 11، وسنن الترمذي 3: 408، حديث
102، والسنن الكبرى 7: 105، ومجمع الزوائد 4: 285، وسنن الدارقطني 3: 221، حديث 1، وفي
البعض مما ذكرناه اختلاف يسير في اللفظ فلاحظ.
(2) الأم 6: 151، ومختصر المزني: 118، والمجموع 20: 102، والمغني لابن قدامة 10: 274، والشرح
الكبير 10: 294، والمبسوط 9: 156، وبدائع الصنائع 7: 84، وبداية المجتهد 2: 442.
(3) النتف 2: 639، والمبسوط 9: 156، وبدائع الصنائع 7: 84، والمجموع 20: 102، وبداية المجتهد
2: 442، والمغني لابن قدامة 10: 274، والشرح الكبير 10: 294.
(4) المائدة: 38.
(5) المجموع 14: 232 و 258، وفتح العزيز 11: 251، وكفاية الأخيار 1: 182، والوجيز 1: 206،
والمبسوط 11: 73، والنتف 2: 733 - 734، وعمدة القاري 12: 298 - 299، وبدائع الصنائع
7: 146 و 165 وشرح فتح القدير 7: 368 و 385، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح
القدير 7: 368 وحاشية رد المحتار 6: 186، وتبيين الحقائق 5: 224، وبداية المجتهد 2: 311، والمغني
لابن قدامة 5: 379، والشرح الكبير 5: 375، وسبل السلام 3: 903، والبحر الزخار 5: 176.
(6) النتف 2: 733، واللباب 2: 138، والمبسوط 11: 73، وعمدة القاري 12: 298، وبدائع الصنائع
7: 146، و 165، وشرح فتح القدير 7: 368 و 385، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح
القدير 7: 368، وتبيين الحقائق 5: 224، وحاشية رد المحتار 6: 186، وبداية المجتهد 2: 311،
والمغني لابن قدامة 5: 387، والشرح الكبير 5: 375، والمحلى 8: 144، والمجموع 14: 232 و 258،
وفتح العزيز 1: 251، والبحر الزخار 5: 176.
405

دليلنا: قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم " (1).
والمثل مثلان، مثل من حيث الصورة، ومثل من حيث القيمة، فلما لم يكن
للعقار مثل من طريق الصورة، وجب أن يكون له مثل من طريق القيمة.
مسألة 19: إذا غصب ثوبا فصبغه، كان للغاصب قلع الصبغ بشرط أن
يضمن ما ينقص من قيمة الثوب. وبه قال الشافعي وأصحابه (2).
وقال المزني: ليس للغاصب قلع الصبغ، لأنه لا منفعة له فيه، سواء كان
الصبغ أسود أو أبيض (3).
وقال أبو حنيفة: إن كان مصبوغا بغير سواد فرب الثوب بالخيار بين أن
يسلمه إلى الغاصب ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يأخذ الثوب هو ويعطيه
قيمة صبغه.
وإن كان مصبوغا بالأسود فرب الثوب بالخيار بين أن يسلمه إلى الغاصب
ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يمسكه مصبوغا، ولا شئ عليه للغاصب (4).
قال الطحاوي: فإن نقص الثوب بالصبغ قال أبو حنيفة: لا ضمان على
الغاصب. قال الطحاوي: والذي يجئ على قوله أن عليه ما نقص.

(1) البقرة: 194.
(2) الأم 3: 254، ومختصر المزني: 118، والمجموع 14: 264، والوجيز 1: 212، وفتح العزيز 11: 312 و
316، والسراج الوهاج: 273، والشرح الكبير 5: 413، وتبيين الحقائق 5: 230.
(3) مختصر المزني: 118.
(4) اللباب 2: 142، والمبسوط 11: 84 - 85، وبدائع الصنائع 7: 160 - 161، والفتاوى الهندية
5: 121، وتبيين الحقائق 5: 229 - 230، والمجموع 14: 265.
406

وقال أبو يوسف: الصبغ بالسواد وغيره سواء (1).
دليلنا: أن الصبغ عين مال الغاصب فله قلعه، ويلزمه قيمة ما نقص من
الثوب، لأنه بجنايته حصل.
مسألة 20: إذا غصب شيئا، ثم غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره
مثل إن كانت نقرة فضربها دراهم، أو حنطة فطحنها، أو دقيقا فعجنه وخبزه،
أو شاة فذبحها وقطعها لحما وشواها أو طبخها، لم يملكه. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة
بفعله ملكه. فاعتبر ثلاث شرائط: أن يزول الاسم، والمنفعة المقصودة، وأن
يكون ذلك بفعله، فإذا فعل هذا ملك، لكن يكره له التصرف فيه قبل دفع
قيمة الشئ (3).
وحكى ابن جرير عن أبي حنيفة أنه قال: لو أن لصا نقب، فدخل دكان
رجل، فوجد فيه بغلا وطعاما ورحى، فصمد (4) البغل، وطحن الطعام ملك
الدقيق، فإن انتبه صاحب الدكان كان للص قتاله ودفعه عن دقيقه، فإن أتى
الدفع عليه، فلا ضمان على اللص (5).
دليلنا: أنه ثبت أن هذا الشئ قبل التغيير كان ملكه، فمن ادعى أنه زال

(1) المبسوط 11: 85، وبدائع الصنائع 7: 161، والفتاوى الهندية 5: 121، وتبيين الحقائق 5: 230.
(2) الأم 3: 257، والمجموع 14: 243 و 251، والوجيز 1: 21، وفتح العزيز 11: 295 و 311، والمغني
لابن قدامة 5: 403، وبدائع الصنائع 7: 148، الهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 375،
وتبيين الحقائق 5: 226.
(3) اللباب 2: 140، وبدائع الصنائع 7: 148، وشرح فتح القدير 7: 375، والهداية المطبوع في هامش
شرح فتح القدير 7: 375، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 375، والفتاوى
الهندية 5: 121، وتبيين الحقائق 5: 266، والمجموع 243 - 244 و 251، وفتح العزيز 11: 295 و 311.
(4) الصمد: القصد. أنظر مجمع البحرين 3: 89 مادة " صمد ".
(5) أنظر فتاوى قاضيخان 3: 255 و 257، والفتاوى الهندية 5: 151.
407

ملكه بعد التغيير فعليه الدلالة.
وروى قتادة، عن الحسن، عن سمرة عن النبي عليه السلام قال: " على اليد
ما أخذت حتى تؤديه " (1).
وقال النبي صلى الله عليه وآله: " لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس
منه " (2).
وما طابت نفس صاحب الحنطة بطحنها، فوجب أن لا يحل ولا يملكها.
مسألة 21: إذا غصب منه عصيرا فاستحال خمرا، ثم صار خلا، رده إلى
صاحبه. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إذا صار خلا ملكه، وعليه قيمته (4).
فأما إذا غصب منه خمرا، فاستحال خلا، يرد الخل بلا خلاف.
دليلنا: أن زوال ملكه يحتاج إلى دلالة، وهذا عين ماله التي كان يملكها،
وإنما تغيرت صفته.
مسألة 22: إذا غصب ساجة، فبنى عليها أو في مجنبها، أو لوحا فأدخله في
سفينة، كان عليه رده. سواء كان فيه قلع ما بناه في ملكه، أو لم يكن فيه قلع
ما قد بناه في ملكه. وبه قال الشافعي (5).

(1) سنن ابن ماجة 2: 802 حديث 2400، وسنن الترمذي 3: 566 حديث 1266، وسنن أبي داود
3: 296 حديث 3561، ومسند أحمد بن حنبل 5: 8 و 12 و 13، وسنن الترمذي 2: 264 حديث 3،
والمستدرك على الصحيحين 2: 47، والسنن الكبرى 6: 90 و 95.
(2) سنن الدارقطني 3: 26 حديث 91، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72، والسنن الكبرى 6: 100 و
8: 182، وتلخيص الحبير 3: 45.
(3) المجموع 14: 249 و 298، والوجيز 1: 211، والسراج الوهاج: 272، وبدائع الصنائع 7: 148،
وفتح العزيز 11: 310.
(4) المبسوط 11: 96، وبدائع الصنائع 7: 162، والفتاوى الهندية 5: 126.
(5) مختصر المزني: 118، والوجيز 1: 213، والسراج الوهاج: 273، ومغني المحتاج 2: 293، والمجموع
14: 270، وفتح العزيز 11: 326، وبداية المجتهد 2: 319، والمبسوط 11: 93، والمغني لابن قدامة
5: 429، وتبيين الحقائق 5: 228.
408

وحكى محمد في الأصول: أنه متى كان عليه ضرر في ردها لم يلزمه ردها.
وظاهر هذا أنه لا يلزمه ردها متى كان عليه في ردها ضرر، سواء بنى عليها أو في
مجنبها (1).
وقال الكرخي: أن مذهب أبي حنيفة: أنه إن لم يكن في ردها قلع ما بناه
في حقه - مثل أن بناها على بدن الساجة - فقد لزمه.
وإن كان في ردها قلع ما بناه في حقه - مثل أن كان البناء مع طرفيها
ولا يمكنه ردها إلا بقلع هذا - لم يلزمه ردها (2). والمناظرة على ما حكاه محمد.
وتحقيق الكلام معهم: هل ملكها بذلك أم لا؟ فعنده قد ملكها، كما قال:
إذا غصب شاة، فذبحها وشواها، أو حنطة فطحنها (3). وعندنا وعند الشافعي
ما ملكها (4).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من أن الساجة في ملكه قبل البناء
عليها، فمن ادعى زواله بالبناء فعليه الدلالة.
وروى سمرة أن النبي عليه السلام قال: " على اليد ما أخذت حتى
تؤديه " (5).

(1) الفتاوى الهندية 5: 125.
(2) اللباب 2: 141، وبدائع الصنائع 7: 149، وشرح فتح القدير 7: 381، وتبيين الحقائق 5: 228،
وحاشية رد المحتار 6: 192، والمبسوط 11: 94، والمجموع 14: 270، وفتح العزيز 11: 326،
والفتاوى الهندية 5: 124 - 125.
(3) المبسوط 11: 94، وبدائع الصنائع 7: 148، وشرح فتح القدير 7: 379، واللباب 2: 140، وحاشية
رد المحتار 6: 192، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 379، وفتح العزيز 11: 311 و 326.
(4) الوجيز 1: 211، وفتح العزيز 11: 311، وبدائع الصنائع 7: 148.
(5) سنن ابن ماجة 2: 802 حديث 2400، وسنن الترمذي 3: 566 حديث 1266، وسنن أبي داود
3: 296 حديث 3561، ومسند أحمد بن حنبل 5: 8 و 12 و 13، وسنن الدارمي 2: 264 حديث 3،
والمستدرك على الصحيحين 2: 47، والسنن الكبرى 6: 90 و 95.
409

وهذه يد قد أخذت ساجة، فعليها أن تؤديها.
وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: " لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس
منه " (1) يدل عليه، لأنه ما طابت نفسه بالبناء على ساجته.
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه
جادا ولا لاعبا، من أخذ عصا أحد فليردها " (2).
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " ليس لعرق ظالم حق " (3) ولم يرد
حقيقة العرق، وإنما أراد به كل شئ وضع عليه ظلما، وهذا داخل فيه
مسألة 23: إذا غصب طعاما، فأطعم مالكه فأكله مع الجهل بأنه ملكه،
فإنه لا تبرأ ذمة الغاصب بذلك. وهو المنصوص للشافعي (4).
قال الربيع: وفيها قول آخر: أن ذمته تبرأ. وبه قال أهل العراق (5).
دليلنا: أنه ثبت اشتغال ذمته بالغصب، فمن ادعى براءتها بعد ذلك فعليه
الدلالة، وليس ها هنا دليل على أنه إذا أطعمه برئت ذمته.

(1) سنن الدارقطني 3: 26، وتلخيص الحبير 3: 45، ومسند أحمد بن حنبل 5: 72، والسنن الكبرى
6: 100 و 8: 182.
(2) سنن الترمذي 4: 462 حديث 2160، ومسند أحمد بن حنبل 4: 221، والسنن الكبرى 6: 100.
(3) الموطأ 2: 743 حديث 26، والسنن الكبرى 6: 99، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 201
حديث 887.
(4) الأم 3: 255، والمجموع 14: 256، ومغني المحتاج 2: 280، وفتح العزيز 11: 255، وبدائع الصنائع
7: 150، والمغني لابن قدامة 5: 436 - 437، والشرح الكبير 5: 424 - 425، وتبيين الحقائق
5: 222.
(5) الأم 3: 255، والسراج الوهاج: 268، والمجموع 14: 256، وفتح العزيز 254 - 255، وبدائع
الصنائع 7: 150، وتبيين الحقائق 5: 222.
410

مسألة 24: إذا حل دابة، أو فتح قفصا وفيه طائر، ووقفا ثم ذهبا، كان
عليه الضمان. وبه قال مالك (1).
وقال أبو حنيفة، وظاهر قول الشافعي - نص عليه في اللفظ وهو قوله - في
القديم: أنه لا ضمان عليه قولا واحدا (2).
دليلنا: هذا كالسبب في ذهابهما، لأنه لو لم يحل، أو لم يفتح القفص لما
أمكنهما الذهاب، فوجب عليه ضمانهما.
مسألة 25: إذا حل الدابة، أو فتح القفص، فذهبا عقيب الفتح، والحل
من غير وقوف، كان عليه الضمان. وبه قال المالك (3)، وهو أحد قولي
الشافعي (4).
وقال في القديم وهو الأصح عندهم: أنه لا ضمان عليه (5). وبه قال
أبو حنيفة (6).

(1) بداية المجتهد 2: 311، وأسهل المدارك 3: 67، وجواهر الإكليل 2: 148، والمجموع 14: 288، وفتح
العزيز 11: 245 - 246، والمغني لابن قدامة 5: 449، والشرح الكبير 5: 444.
(2) بدائع الصنائع 7: 166، ومختصر المزني: 118، والمجموع 14: 288، والوجيز 1: 206، والسراج
الوهاج: 267، وكفاية الأخيار 1: 183، وفتح العزيز 11: 243 و 245 - 246، ومغني المحتاج
2: 278، وبداية المجتهد 2: 311، والمغني لابن قدامة 5: 449، والشرح الكبير 5: 444.
(3) أسهل المدارك 3: 67، وجواهر الإكليل 2: 148، وبداية المجتهد 2: 311، والمجموع 14: 288، وفتح
العزيز 11: 246.
(4) المجموع 14: 288، وكفاية الأخيار 1: 183، والوجيز 1: 206، ومغني المحتاج 2: 278، والسراج
الوهاج: 267، وفتح العزيز 11: 245، والمغني لابن قدامة 5: 449، والشرح الكبير 5: 444،
وبداية المجتهد 2: 311.
(5) المجموع 14: 288، وكفاية الأخيار 1: 183، ومغني المحتاج 2: 278، والسراج الوهاج: 267، وبداية
المجتهد 2: 311، وفتح العزيز 11: 245، والمغني لابن قدامة 5: 449، والشرح الكبير 5: 444.
(6) فتاوى قاضيخان 3: 246، وبدائع الصنائع 7: 166، وبداية المجتهد 2: 311، والمغني لابن قدامة
5: 449، والشرح الكبير 5: 444.
411

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 26: إذا غصب دابة أو عبدا أو فرسا، فأبق العبد أو شرد الفرس أو
ند البعير، كان عليه القيمة، فإذا أخذها صاحبها ملك القيمة بلا خلاف،
ولا يملك هو المقوم، فإن رد انفسخ ملك المالك عن القيمة، وعليه ردها إلى
الغاصب، ويسلم العين منه. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: إذا ملك صاحب العين قيمتها ملكها الغاصب بها،
وكانت القيمة عوضا عنها، فإن عادت العين إلى يد الغاصب نظرت، فإن كان
المالك أخذ القيمة بتراضيهما، أو بينة تثبت عند الحاكم، وحكم الحاكم بها، لم
يكن للمالك سبيل إلى العين.
وإن كان المالك قد أخذ القيمة بقول الغاصب مع يمينه، لأنه هو الغارم
نظرت، فإن كانت القيمة قيمة مثلها أو أكثر فلا سبيل للمالك عليها، وإن
كان أقل من قيمتها فللمالك رد القيمة واسترجاع العين، لأن الغاصب ظلم
المالك في قدر ما أخبره به من القيمة.
فالخلاف في فصلين:
أحدهما: أن الغاصب بدفع القيمة ملك أم لا؟ عندنا ما مالك، وعندهم قد
ملك.
والثاني: إذا ظهرت العين، صاحبها أحق بها، ترد عليه، وعند أبي حنيفة
لا ترد (2).
دليلنا: أنه قد ثبت أن العين كان ملكها لمالكها، فمن ادعى زواله إلى ملك

(1) المجموع 14: 238 - 239، وفتح العزيز 11: 275 - 276، وبدائع الصنائع 7: 152، والشرح الكبير
5: 436، والبحر الزخار 5: 187.
(2) بدائع الصنائع 7: 152، والفتاوى الهندية 5: 145 - 146، والمجموع 14: 239، والشرح الكبير
5: 436، والبحر الزخار 5: 187.
412

غيره فعليه الدلالة.
وأيضا أخذ القيمة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك عوضا عن
العين، أو لأجل الحيلولة كما قلناه.
فبطل أن يقال عوضا يملكها به الغاصب، من وجوه ثلاثة:
أحدها: لو كانت عوضا يملك به، لكان بيعا يتعلق به خيار الشرط
والشفعة.
والثاني: لو كان بيعا لم يصح أن ينجز للمالك تلك القيمة بدلا عن العين
الفائتة بالإتلاف، لأن البيع عندنا باطل، وعندهم يقف، حتى إذا عاد العبد
تسلمه المشتري، وإن لم يعد يرد البائع الثمن، فلما ثبت أن ملكا يتعجل للمالك
ها هنا والعبد أبق بطل أن يكون بيعا، أو عوضا.
والثالث: لو كان بيعا، لوجب أن يكون للغاصب الرجوع بالقيمة متى تعذر
عليه الوصول إلى العبد، فلما ثبت أن الغاصب لا يرجع بالقيمة على المالك وإن
تعذر عليه أن يصل إلى العبد الآبق بطل أن يكون هذا عوضا عنه، وثبت أن
الأخذ لأجل الحيلولة.
مسألة 27: إذا باع عبدا، وقبضه المشتري أو لم يقبضه، فادعى مدع أن
العبد له، وصدقه البائع، وكذبه المشتري، فإنه لا يقبل إقرار البائع على
المشتري، لأنه إقرار على الغير، وللمدعي أن يرجع على البائع بقيمة العبد.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه (1).
والآخر: أنه لا ضمان عليه (2).

(1) مختصر المزني: 119، وفتح العزيز 11: 289.
(2) فتح العزيز 11: 289.
413

ومنهم من قال: يلزمه القيمة، قولا واحدا (1) كما قلناه.
دليلنا: أنه إذا صدقه البائع، فقد أقر بأنه باع مالا يملك، وأتلف ملك الغير ببيعه
إياه، فيلزمه قيمته.
مسألة 28: إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير، فاتلفه متلف، فلا ضمان
عليه بلا خلاف، مسلما كان المتلف أو مشركا.
وإن كان ذلك في يد ذمي، فاتلفه متلف مسلما كان أو ذميا، فعليه
ضمانه، وهو قيمته عند مستحليه. وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال الشافعي: لا ضمان عليه (3).
دليلنا إجماع الفرقة، وأخبارهم (4).
وقال أبو حنيفة: ثم ينظر: فإن كان المتلف مسلما، فعليه قيمة ذلك خمرا
كان أو خنزيرا، ولا يضمن المسلم الخمر بالمثل. وإن كان المتلف ذميا، فعليه
قيمة الخنزير ومثل الخمر (5).

(1) فتح العزيز 11: 289 - 290.
(2) المبسوط 11: 102، وبدائع الصنائع 7: 147 و 167، واللباب 2: 144 - 145، وشرح فتح القدير
7: 397، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 397، وشرح العناية على الهداية بهامش
شرح فتح القدير 7: 397، وتبيين الحقائق 5: 234، والمغني لابن قدامة 5: 443، ومغني المحتاج
2: 285، والمجموع 14: 282، وفتح العزيز: 11: 258، والمحلى 8: 147.
(3) مختصر المزني: 119، والمجموع 14: 282، والسراج الوهاج: 269، ومغني المحتاج 2: 285، والمبسوط
11: 102، وبدائع الصنائع 7: 167، وشرح فتح القدير 7: 397، والهداية المطبوع في هامش شرح
فتح القدير 7: 397، وتبيين الحقائق 5: 234 - 235 وفتح العزيز 11: 259، والمغني لابن قدامة 5: 443.
(4) الكافي 7: 368 حديث 4، ومن لا يحضره الفقيه 3: 163 حديث 717، والتهذيب 10: 224 حديث
880 و 10: 309 حديث 1153.
(5) اللباب 2: 144، والمبسوط 11: 102 و 104، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 397،
وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 397، وتبيين الحقائق 5: 234 - 235، وفتح
العزيز 11: 258.
414

قال الطحاوي: وإن أسلم المتلف وكان ذميا قبل أن يأخذ منه مثل الخمر
سقط عن ذمته، وإن أسلم قبل أن يأخذ منه قيمة الخنزير لم يسقط عن ذمته
بإسلامه (1).
وعندنا يضمن الخمر والخنزير بقيمتهما عند مستحليهما بدليل أخبارنا وإجماع
الفرقة على ذلك.
مسألة 29: إذا غصب ماله مثل - كالحبوب والأدهان - فعليه مثل ما تلف
في يديه، يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف.
وإن كان مما لا مثل له - كالثياب والحيوان - فعليه أكثر ما كانت قيمته من
حين الغصب إلى حين التلف. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: عليه قيمة يوم الغصب، ولا اعتبار بما زاد بعد هذا أو
نقص (3).
دليلنا: أن كل زمان يأتي عليه وهو في يده، فإنه مأمور برده على مالكه،
وكل حال كان مأمورا يرد الغصب فيها، لزمته قيمته في تلك الحال، مثل حال
الغصب.
مسألة 30: إذا غصب ما لا يبقى، كالفواكه الرطبة - مثل التفاح،
والكمثرى، والموز، والرطب ونحوها - فتلف في يده، وتأخرت المطالبة بقيمته،
فعليه أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، ولا يراعى ما وراء
ذلك. وبه قال الشافعي (4).

(1) المبسوط 11: 104، واللباب 2: 145، وتبيين الحقائق 5: 235.
(2) المجموع 14: 234 و 254 و 295، وفتح العزيز 11: 283، والمغني لابن قدامة 5: 422.
(3) المبسوط 11: 50، وبدائع الصنائع 7: 165، وتبيين الحقائق 5: 223، والمغني لابن قدامة 5: 422،
والمجموع 14: 295، وفتح العزيز 11: 284.
(4) الأم 3: 253، وفتح العزيز 11: 342.
415

وقال أبو يوسف: عليه قيمته يوم الغصب، فجرى على ذلك القياس في غير
الأشياء الرطبة (1).
وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم المحاكمة (2).
وقال محمد: عليه قيمته في الوقت الذي انقطع عن أيدي الناس (3).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، فأما بعد التلف قبل المحاكمة فليس
بمأمور برده بعينه، وإنما هو مأمور برد قيمته، فلا اعتبار إلا برد قيمته حين توجه
الأمر إليه بالرد دون حال المحاكمة.
مسألة 31: إن غصب ما يجري فيه الربا - مثل الأثمان، والمكيل،
والموزون - فجنى عليه جناية استقر أرشها، مثل إن كان الغصب دنانير وسبكها
أو طعاما فبله، فاستقر نقصه، فعليه رده بعينه، وعليه ما نقص. وبه قال
الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: المالك بالخيار بين أن يسلم العين المجني عليه إلى
الغاصب، ويطالبه بالبدل، وبين أن يمسكها ولا شئ عليه له، فإن أراد
الإمساك والمطالبة بأرش النقصان لم يكن له (5).
دليلنا: أن الخيار الذي أثبته أبو حنيفة يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع

(1) اللباب 2: 137، وبدائع الصنائع 7: 151، وشرح فتح القدير 7: 364، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 7: 364، والنتف 2: 737، والشرح الكبير 5: 428.
(2) اللباب 2: 137، وبدائع الصنائع 7: 151، والنتف 2: 737، وشرح فتح القدير 7: 363، وشرح
العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 364، والمغني لابن قدامة 5: 421، والشرح الكبير
5: 228.
(3) بدائع الصنائع 7: 151، واللباب 2: 137، وشرح فتح القدير 7: 364، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 7: 364.
(4) المجموع 14: 256.
(5) اللباب 2: 139، وبدائع الصنائع 7: 166، والمجموع 14: 256.
416

ما يدل عليه، والأصل بقاء عين ملكه وحصول الجناية عليها.
مسألة 32: إذا غصب جارية، فأتت بولد مملوك، ونقصت قيمتها بالولادة،
فعليه ردها وأرش نقصها، فإن كان الولد قائما رده، وإن كان تالفا رد قيمته.
وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: إن كان الولد تالفا عليه أرش النقص، وإن كان الولد
باقيا جبرت الأرش بقيمة الولد، فإن كان الأرش مائة وقيمة الولد مائة فلا
شئ عليه، وإن كان قيمة الولد أقل - مثل إن كانت قيمة الولد خمسين وأرش
النقص مائة - يرد الولد ويضمن خمسين درهما باقي الأرش (2).
دليلنا: أن هذا النقص حصل في يد الغاصب، فوجب عليه ضمانه كما لو
مات الولد، ولأنه إذا ضمن ما قلناه برئت ذمته بلا خلاف، فالأحوط ضمانه.
مسألة 33: إذا غصب مملوكا أمرد فنبتت لحيته، فنقص ثمنه، أو جارية
ناهدا، فسقطت ثدياها، أو رجلا شابا فابيضت لحيته، فعليه ما نقص في هذه
المسائل كلها. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: في الناهد والشاب (4) مثل ما قلناه.
وقال في الصبي: إذا نبتت لحيته فلا ضمان عليه (5).

(1) الأم 3: 247، ومختصر المزني: 117، والمجموع 14: 250، وفتح العزيز 11: 355، والمغني لابن قدامة
5: 449، وتبيين الحقائق 5: 232، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 390.
(2) اللباب 2: 144، بدائع الصنائع 7: 158، والمبسوط 11: 58، 60، والهداية المطبوع بهامش شرح
فتح القدير 7: 390، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 390، والفتاوى الهندية
5: 145، وتبيين الحقائق 5: 232 - 233، وفتح العزيز 11: 355.
(3) الأم 3: 248، وفتح العزيز 11: 357، والمغني لابن قدامة 5: 391، والشرح الكبير 5: 399.
(4) المبسوط 11: 90، وبدائع الصنائع 7: 155 - 156، والفتاوى الهندية 5: 123، والمغني لابن قدامة
5: 391، والشرح الكبير 5: 399، وفتح العزيز 11: 357.
(5) بدائع الصنائع 7: 156، والمبسوط 11: 90، والفتاوى الهندية 5: 123، والمغني لابن قدامة 5: 391،
والشرح الكبير 5: 399، وفتح العزيز 11: 357.
417

دليلنا: أن هذا نقصان حصل في يد الغاصب، فوجب عليه الضمان، ولأن
بالتزام ذلك تبرأ ذمته بيقين، فالأحوط التزامه.
مسألة 34: إذا غصب عبدا، ومات العبد، واختلفا، فقال الغاصب: رددته
حيا ومات في يدك أيها المالك. وقال المالك: بل مات في يدك أيها الغاصب.
وأقام كل واحد منهما البينة بما ادعاه سقطتا، وعدنا إلى الأصل وهو بقاء العبد
عند الغاصب حتى يعلم أنه رده. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو يوسف: تقدم بينة المالك، ويأخذ البدل، لأن الأصل
الغصب (2).
وقال محمد: تقدم بينة الغاصب، لأن الأصل براءة ذمته (3).
دليلنا: أن كل واحد منهما مدع موت العبد عند صاحبه، وتكافئا،
ولا ترجيح، فسقطتا وبقي الأصل، وهو بقاء العبد عند الغاصب حتى يعلم أنه
رده.
وإن عملنا في هذه المسألة على القرعة كان أيضا جائزا.
مسألة 35: إذا غصب ماله مثل - مثل الأدهان، والحبوب، والأثمان،
ونحوها - فجنى عليه جناية واستقر أرشها، فعليه رد العين ناقصة وعليه أرش
النقصان لا غير. وبه قال الشافعي (4).

(1) المجموع 14: 158.
(2) تبيين الحقائق 5: 224، وحاشية رد المحتار 6: 185، وبدائع الصنائع 7: 164، وفتاوى قاضيخان في
هامش الفتاوى الهندية 3: 255.
(3) المبسوط 11: 81، وتبيين الحقائق 6: 185، وحاشية رد المحتار 6: 185، والفتاوى الهندية 5: 139،
وفتاوى قاضيخان في هامش الفتاوى الهندية 3: 255.
(4) الأم 3: 253 - 254.
418

وقال أبو حنيفة: نظر فيه، فإن كان الأرش في يد مالكه - مثل إن كان في
يده زيت فصب غيره الماء فيه، أو كان في يده دينار فكسره غيره وهو في يده -
فرب المال بالخيار بين أن يمسك ماله ناقصا ولا شئ له، وبين أن يسلمه إلى
الجاني ويأخذ منه كمال قيمته (1).
قال: فإن غصب الزيت أولا وصب فيه الماء فنقص، فالمالك بالخيار بين
أن يأخذ عين ماله ولا شئ له لأجل النقص، وبين أن يترك ماله على
الغاصب ويأخذ منه مثل زيته، ففرق بين أن يغصب أولا فيصب فيه الماء
عنده، وبين أن يصب فيه الماء وهو في يد مالكه، فأوجب المثل إذا غصب،
والقيمة إذا لم يغصب (2).
دليلنا على أنه ليس عليه غير الأرش قد مضى.
ودليلنا على أنه لا يضمن بالقيمة: هو أن العين إذا كان لها مثل فلا معنى
لإيجاب القيمة مع القدرة على مثلها.
مسألة 36: إذا غصب عبدا قيمته ألف، فزاد في يده فبلغ ألفين، فقتله
قاتل في يد الغاصب، فللسيد أن يرجع بالألفين على من شاء منهما، فإن رجع
على القاتل بهما لم يرجع القاتل على الغاصب، لأن الضمان استقر عليه، وإن
رجع على الغاصب رجع الغاصب على القاتل، لأن الضمان استقر عليه، وبه
قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إن رجع على القاتل فالحكم على ما قلناه، وإن ضمن
الغاصب فليس له أن يضمنه أكثر من ألف، وهو قيمة العبد حين الغصب، ثم

(1) بدائع الصنائع 7: 166.
(2) بدائع الصنائع 7: 166.
(3) المغني لابن قدامة 5: 397.
419

يأخذ الغاصب من القاتل ألفين، ألف منهما لنفسه بدل ما أخذ السيد منه،
والألف الآخر يتصدق بها (1).
دليلنا على أن له مطالبة الغاصب: أنه قتل العبد في يديه، وقيمته ألفان،
وهو مأمور برده على مالكه، فإذا هلك في يده استقر ضمانه عليه.
مسألة 37: إذا غصب ألف درهم من رجل، وألفا من آخر، فخلط
الألفين، فالألفان شركة بين المالكين بردهما عليهما. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: يملك الغاصب الألفين معا، ويضمن لكل واحد منهما بدل
ألفه، بناه على أصله في تغيير الغصب في يد الغاصب (3).
دليلنا: ما تقدم من أن انتقال ذلك إلى ملكه وزواله عن ملك مالكه يحتاج
إلى دلالة.
مسألة 38: إذا غصب حبا فزرعه، أو بيضة فاحتضنتها الدجاجة، فالزرع
والفروخ للغاصب. وبه قال أبو حنيفة (4).
وقال الشافعي: هما معا للمغصوب منه (5).
وقال المزني: الفروخ للمغصوب منه، والزرع للغاصب (6).
دليلنا: أن عين الغصب قد تلفت، وإذا تلفت فلا يلزم غير القيمة، ومن

(1) المبسوط 11: 72، وبدائع الصنائع 7: 165، والفتاوى الهندية 5: 127 - 128، والمغني لابن قدامة
5: 397.
(2) مغني المحتاج 2: 293، وفتح العزيز 11: 322 - 323.
(3) بدائع الصنائع 7: 165، والمغني لابن قدامة 5: 406، والفتاوى الهندية 5: 132 - 133.
(4) المبسوط 11: 94 - 95، وفتاوى قاضيخان المطبوع في هامش شرح فتح القدير 3: 234، وبدائع
الصنائع 7: 148، والفتاوى الهندية 5: 140، والمغني لابن قدامة 5: 405، وفتح العزيز 11: 310.
(5) المجموع 14: 248، والمبسوط 11: 95، وبدائع الصنائع 14: 248، والمغني لابن قدامة 5: 405،
والشرح الكبير 5: 398 - 399، وفتح العزيز 11: 310.
(6) فتح العزيز 11: 310.
420

يقول: أن الفروخ هو عين البيض. وإن الزرع هو عين الحب مكابر، بل المعلوم خلافه.
مسألة 39: إذا غصب عبدا، فمات في يده، فعليه قيمته، سواء كان قنا أو
مدبرا أو أم ولد، وسواء مات بسبب، أو مات حتف أنفه. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة في غير أم الولد بقولنا (2).
وأما أم الولد فإن ماتت بسبب - مثل أن لدغتها عقرب، أو سقط عليها
حائط - كقولنا، وإن ماتت حتف أنفها فلا ضمان عليه (3).
دليلنا: أنه مضمون بالقيمة، فإذا تلف في يد الغاصب فعليه ضمانه،
كالعبد القن. هذا دليل الشافعي.
ودليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا ضمنها برئت ذمته بيقين، وإن لم
يضمنها فليس على براءة ذمته دليل.
مسألة 40: إذا غصب حرا صغيرا، فتلف في يده، فلا ضمان عليه. وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة إن مات حتف أنفه كقولنا (5)، وإن مات بسبب - مثل أن
لدغته عقرب أو حية أو أكله سبع أو سقط عليه حائط - فعليه الضمان (6).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها فعليه الدلالة.
وإن قلنا بقول أبي حنيفة كان قويا، ودليله طريقة الاحتياط على ما بيناه.

(1) الأم 3: 248 - 249.
(2) النتف 2: 733، وبدائع الصنائع 6: 146 و 167، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير
7: 405، والفتاوى الهندية 5: 149.
(3) بدائع الصنائع 6: 146، و 167، والفتاوى الهندية 5: 149، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح
القدير 7: 405.
(4) المجموع 14: 274، والوجيز 1: 206، وفتح العزيز 11: 247 - 248، والشرح الكبير 5: 379.
(5) بدائع الصنائع 7: 146 و 166، والفتاوى الهندية 5: 148 - 149، وفتح العزيز 11: 248.
(6) بدائع الصنائع 7: 146، والنتف 2: 733، والفتاوى الهندية 5: 148 - 149.
421

كتاب الشفعة
423

مسألة 1: لا شفعة في السفينة، وكل ما يمكن تحويله من الثياب، والحبوب،
والسفن، والحيوان وغير ذلك عند أكثر أصحابنا، وعلى الظاهر من رواياتهم (1).
وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة (2).
وقال مالك: إذا باع سهما من سفينة، كان لشريكه فيها الشفعة. فأجراها
مجرى الدار (3).
وحكي عنه: أن الشفعة في كل شئ من الأموال والثياب والطعام
والحبوب والحيوان (4).
وفي أصحابنا من قال بذلك (5)، وهو اختيار المرتضى رضي الله عنه (6).

(1) أنظر سنن أبي داود 3: 285 باب الشفعة، والسنن الكبرى 6: 109 باب لا شفعة فيما ينقل ويحول.
(2) المجموع 14: 299، وكفاية الأخيار 1: 184، والوجيز 1: 215، وفتح العزيز 11: 364، والسراج
الوهاج: 274، ومغني المحتاج 2: 296، واللباب 2: 57، وشرح فتح القدير 7: 435، وبدائع
الصنائع 5: 12، والفتاوى الهندية 5: 160، وتبيين الحقائق 5: 252، والمبسوط 14: 92، والمغني
لابن قدامة 5: 464، والشرح الكبير 5: 472.
(3) بداية المجتهد 2: 254، وبدائع الصنائع 5: 12، وشرح فتح القدير 7: 405، وتبيين الحقائق 5: 252،
وفتح العزيز 11: 364.
(4) بداية المجتهد 2: 254، والمغني لابن قدامة 5: 464، والشرح الكبير 5: 472، والمجموع 14: 308،
وفتح العزيز 11: 364، ونيل الأوطار 6: 81.
(5) وبه قال ابن الجنيد وأبو الصلاح - في الكافي: 362 - وابن البراج - المهذب 1: 458 - كما حكاه عنهم
العلامة في المختلف: 124 كتاب الشفعة.
(6) الإنتصار: 215.
425

دليلنا: الأخبار المعتمدة التي ذكرناها في تهذيب الأحكام (1).
وأيضا روى جابر قال: " إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة
في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " (2).
ولفظة " إنما " موضوعة لاشتمال ما تناوله اللفظ ونفي ما عداه، فكان الظاهر
أنه لا شفعة إلا فيما يقع فيه الحدود، وتصرف له الطرق، فمن أوجبها في غير هذا
فقد خالف في ذلك.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا شفعة إلا في ربع أو
حائط " (3).
ولأن إيجاب الشفعة حكم شرعي، وما ذكرناه مجمع عليه، وليس على
ما قالوه دليل.
مسألة 2: إذا باع زرعا أو ثمرة مع الأصل بالشرط، كانت الشفعة ثابتة في
الأصل دون الزرع والثمرة. وبه قال الشافعي (4).

(1) من لا يحضره الفقيه 3: 46 حديث 159، والتهذيب 7: 166 حديث 738، والاستبصار 3: 118
حديث 420.
(2) سنن أبي داود 3: 285 حديث 3514، وسنن الدارقطني 4: 232 حديث 99، والمصنف لعبد الرزاق
8: 79 حديث 14391، وسنن ابن ماجة 2: 35 حديث 2499، وصحيح البخاري 3: 114،
والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 310 حديث 5161، والسنن الكبرى 6: 102، ومسند
أحمد بن حنبل 3: 296، وتلخيص الحبير 3: 55 حديث 1274 و 1275 والدراية في تخريج أحاديث
الهداية 2: 203 حديث 895 وفي البعض منها اختلاف يسير في لفظ الحديث.
(3) صحيح مسلم 3: 1229 حديث 134 و 135، وسنن الدارقطني 4: 224 حديث 76، والسنن
الكبرى 6: 104، وفي الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 202 حديث 888 باختلاف يسير في
اللفظ.
(4) المجموع 14: 308، وكفاية الأخيار: 184، والسراج الوهاج: 274 ومغني المحتاج 2: 297، وفتح
العزيز 11: 367 و 370، والمغني لابن قدامة 5: 464، والشرح الكبير 5: 471.
426

وقال أبو حنيفة: تجب في الزرع والثمار مع الأصل (1).
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه وليس على ما قالوه دليل.
وأيضا روى جابر قال: " إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة في
كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " (2).
فالظاهر أنها تجب فيما يقع فيه الحدود وتصرف له الطرق، فمن أوجبها في
غيرها فقد ترك الخبر المذكور.
مسألة 3: لا تثبت الشفعة بالجوار، وإنما تثبت للشريك المخالط. وبه قال في
الصحابة عمر، وعثمان، وفي التابعين عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب،
وسليمان بن يسار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وفي الفقهاء ربيعة، ومالك،
والشافعي، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأهل الشام، وأحمد، وإسحاق،
وأبو ثور (3).
وتثبت عندنا زائدا على الخلطة بالاشتراك في الطريق. وبه قال سوار بن

(1) اللباب 2: 67، وبدائع الصنائع 5: 28، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 434،
والفتاوى الهندية 5: 180، والمجموع 14: 308، وفتح العزيز 11: 367 و 370، والمغني لابن قدامة
5: 464، والشرح الكبير 5: 471.
(2) سنن أبي داود 3: 285 حديث 3514، وسنن الدارقطني 4: 232 حديث 99، والمصنف لعبد الرزاق
8: 79 حديث 14391، وسنن ابن ماجة 2: 35 حديث 2499، وصحيح البخاري 3: 114،
والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 310 حديث 5161، والسنن الكبرى 6: 102، ومسند
أحمد بن حنبل 3: 296، وتلخيص الحبير 3: 55 حديث 1274 و 1275، والدراية في تخريج أحاديث
الهداية 2: 203 حديث 895 وفي البعض منها اختلاف يسير في اللفظ لا يضر.
(3) الأم 4: 5، والمجموع 14: 305، والوجيز 1: 215، وفتح العزيز 11: 293، والمغني لابن قدامة
5: 461، والشرح الكبير 5: 466، وبداية المجتهد 2: 253، وبلغة السالك 2: 228، والشرح الصغير
بهامش بلغة السالك 2: 288، وجواهر الإكليل 2: 157، وأسهل المدارك 3: 37، وفتح الرحيم
2: 122، والبحر الزخار 5: 9، وتبيين الحقائق 5: 240، ونيل الأوطار 6: 81.
427

عبد الله القاضي، وعبيد الله بن الحسن العنبري، فإنهما أوجباها بالشركة في المبيع
والطريق دون الجوار (1). كما نقوله نحن.
وذهب أهل الكوفة إلى أنها تثبت بالشركة والجوار، لكن الشريك أحق، فإن
ترك فالجار أحق. ذهب إليه ابن شبرمة، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه،
وعبد الله بن مبارك (2).
ولأبي حنيفة تفصيل قال: الشفعة تجب بأحد أسباب ثلاثة:
الشركة في المبيع، والشركة في الطريق، وإن شريكا في الطريق أولى من
الجار اللازق.
ثم بالجوار بيان هذا: إن كان شريكا في المبيع فهو أحق من الشريك في
الطريق، وإن كان شريكا في الطريق فهو أحق وإن لم يكن شريكا في المبيع.
مثل: إن كان الدرب لا ينفذ وفيه دور كثيرة، فإن الطريق مشترك بين
أهله، فإن باع صاحب الصدر داره - وذلك في آخر الدرب - فالشفعة للذي يليه،
فإن ترك فللذي يليه ابدأ من الجانبين كذلك إلى آخر الدرب.
فإن لم يبق في أهل الدرب من يريد الشفعة كانت للجار اللزيق الذي
ليس بشريك في الطريق - وهو الذي في ظهر داره إلى درب غير هذا الدرب -
فإن ترك هذا الشفيع الشفعة فلا شفيع هناك.
وإن كان الدرب نافذا، فالشفعة للجار اللزيق فقط، سواء كان باب داره
في هذا الدرب أو في غيره، فإذا كان محاذيا في درب نافذ وعرض الطريق ذراع
فلا شفعة (3). وها هنا قال الشافعي: منعت من بينك وبينه ذراع وأعطيت من

(1) المجموع 14: 305، والمغني لابن قدامة 5: 461، والشرح الكبير 5: 466.
(2) المبسوط 14: 94، وبدائع الصنائع 5: 8، والمجموع 14: 303، والمغني لابن قدامة 5: 461، والشرح
الكبير 5: 466، والبحر الزخار 5: 8، ونيل الأوطار 6: 81.
(3) اللباب 2: 54، والمبسوط 14: 94 - 95، وبدائع الصنائع 5: 8، والفتاوى الهندية 5: 166، وعمدة
القاري 2: 72، والهداية في هامش فتح القدير 7: 406، وتبيين الحقائق 5: 240، والمغني لابن
قدامة 5: 461، والشرح الكبير 5: 466، وفتح العزيز 11: 393 و 396.
428

هو منك على ألف ذراع (1)، وهذا التفصيل يبين فيه مواضع المعاني.
دليلنا: أخبارنا التي ذكرناها في كتابنا الكبير (2)، وإجماع الفرقة عليها.
وأيضا فما قلناه مجمع على ثبوت الشفعة فيه، وما قالوه ليس عليه دليل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الشفعة فيما لم يقسم فإذا
وقعت الحدود فلا شفعة " (3).
وروى أبو هريرة قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة فيما لم
يقسم " (4). " وأي مال اقتسم وأرف عليه فلا شفعة فيه " (5).
ومعنى أرف عليه: أي أعلم عليه. قال أبو عبيد: يقال أرفتها تأريفا: أي
أعلمت عليها علامات، وهي لغة أهل الحجاز (6).
وأما الذي يدل على أن الشفعة بالطريق تثبت فإجماع الفرقة.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الجار أحق بشفعة جاره،

(1) الأم 4: 9 و 7: 111، ومختصر المزني: 119، والبحر الزخار 5: 8.
(2) أنظر التهذيب 7: 164 حديث 725 و 726.
(3) سنن أبي داود 3: 285 حديث 3514، وسنن الدارقطني 4: 232 حديث 99، والمصنف لعبد الرزاق
8: 79 حديث 14391، وسنن ابن ماجة 2: 35 حديث 2499، وصحيح البخاري 3: 114،
والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 310 حديث 5161، والسنن الكبرى 6: 102، ومسند
أحمد بن حنبل 3: 296، وتلخيص الحبير 3: 55 حديث 4: 127 و 1275، والدراية في تخريج
أحاديث الهداية 2: 203 حديث 895، وفي البعض منها اختلاف يسير في اللفظ لا يضر بالمعنى.
(4) السنن الكبرى 6: 103.
(5) استشهد به ابن الأثير في النهاية 1: 39، وابن منظور في لسان العرب 9: 6، والزبيدي في تاج
العروس 6: 39، ولم أقف عليه في الكتب المتوفرة لدي.
(6) لسان العرب 9: 6، وتاج العروس 6: 39 مادة " أرف ".
429

ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا " (1).
مسألة 4: مطالبة الشفيع على الفور فإن تركها مع القدرة عليها بطلت شفعته
وبه قال أبو حنيفة (2).
وهو أصح أقوال الشافعي، وهو الذي نقله المزني (3)، وله ثلاثة أقوال أخر
غير هذا.
أحدها: الذي يرويه الطحاوي عن المزني عنه، أن الشفيع بالخيار ثلاثا،
فإن مضت ثلاثة بطل خياره. وبه قال ابن أبي ليلى والثوري (4).
ونص في القديم على قولين:
أحدهما: خياره على التراخي لا يسقط إلا بصريح العفو، فيقول: عفوت أو
يلوح به بأن يقول للمشتري: بعني الشقص أو هبه لي فإن فعل شيئا من هذا
وإلا كان للمشتري أن يرافعه إلى الحاكم، فيقول: إما أن تأخذ أو تدع.
وهو ظاهر قول مالك، لأنه قال: له الخيار ما لم يتطاول الوقت. فقيل له:
إذا مضت سنة فقد تطاول الوقت، فقال: ما أظنه تطاول (5).

(1) سنن أبي داود 3: 286 حديث 3518، وسنن ابن ماجة 2: 833 حديث 2494، والسنن الكبرى
6: 106، وسنن الترمذي 3: 651 حديث 1369، والمصنف لعبد الرزاق 8: 81، وشرح معاني الآثار
4: 120، وتلخيص الحبير 3: 56 حديث 1277، وفي البعض منها اختلاف يسير في اللفظ فلاحظ.
(2) اللباب 2: 56، وعمدة القاري 12: 73، وبدائع الصنائع 5: 21، والفتاوى الهندية 5: 162، وتبيين
الحقائق 5: 242 - 243 و 249، والأم 4: 7 و 7: 109، والمجموع 14: 313، والمغني لابن قدامة
5: 477، وبداية المجتهد 2: 259، والشرح الكبير 5: 473، والبحر الزخار 5: 12.
(3) مختصر المزني: 120، والوجيز 1: 220، والمجموع 14: 313، ومغني المحتاج 2: 307، والسراج الوهاج:
278، وفتح العزيز 11: 490، والمغني لابن قدامة 5: 477، والشرح الكبير 5: 473، وبداية المجتهد 2: 260.
(4) الأم 4: 7 و 7: 109، والمجموع 14: 313، والوجيز 1: 220، وفتح العزيز 11: 490، والمغني لابن
قدامة 5: 478، والشرح الكبير 5: 473، وبداية المجتهد 2: 260.
(5) الموطأ 2: 715، والمدونة الكبرى 5: 404، وفتح الرحيم 2: 123، وأسهل المدارك 3: 41، وبداية
المجتهد 2: 259 - 260، والمغني لابن قدامة 5: 477، والشرح الكبير 5: 473، وعمدة القاري
12: 73، وفتح العزيز 11: 491، والبحر الزخار 5: 12.
430

والثاني أنه على التأبيد كالقصاص، حتى قال: لا يملك المشتري مرافعته إلى
الحاكم، بل الخيار إليه، ولا اعتراض عليه (1).
قال ابن المنذر: وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم، فيكون على القول
الثالث يملك مطالبة الشفيع بالشفعة، أو الأخذ، وعلى الرابع لا يملك.
دليلنا على ما قلناه: إجماع الفرقة أنه يملك فيه المطالبة، وما عداه ليس عليه
دليل.
مسألة 5: الشفعة لا تبطل بالغيبوبة، بل للغائب شفعة. وبه قال جميع
الفقهاء (2).
وحكي عن النخعي أنه قال: الشفعة تبطل بالغيبة (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4)، ولأن إبطالها بالغيبة يحتاج إلى دلالة،
وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 6: إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن، ومع كل واحد منهما بينة،
قبلت بينة المشتري. وبه قال الشافعي وأبو يوسف (5).

(1) الأم 7: 109، والمجموع 14: 313، والوجيز 1: 220، وفتح العزيز 491، والبحر الزخار 5: 12.
(2) الموطأ 2: 715، والمدونة الكبرى 5: 418، والمجموع 14: 427، والوجيز 1: 220، والسراج الوهاج:
279، ومغني المحتاج 2: 307، وفتح العزيز 11: 493، والمغني لابن قدامة 5: 485، والشرح الكبير
5: 477، وبداية المجتهد 2: 259، وأسهل المدارك 3: 41 و 44، وعمدة القاري 12: 75، وتبيين
الحقائق 5: 244.
(3) المغني لابن قدامة 5: 485، والشرح الكبير 5: 477.
(4) الكافي 5: 281 حديث 6، ومن لا يحضره الفقيه 3: 46 حديث 160، والتهذيب 7: 166 حديث 737.
(5) مختصر المزني: 121، والمجموع 14: 349، واللباب 2: 63، وعمدة القاري 12: 75، والفتاوى
الهندية 5: 185، وبدائع الصنائع 5: 31، والهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 425، وتبيين
الحقائق 5: 247، والمغني لابن قدامة 5: 515، والشرح الكبير 5: 525، والبحر الزخار 5: 27.
431

وقال أبو حنيفة ومحمد: البينة بينة الشفيع لأنه الخارج (1).
دليلنا: أن المشتري هو المدعي للثمن، والشفيع ينكره، والبينة على
المدعي (2).
مسألة 7: إذا كان الشراء بثمن له مثل كالحبوب والأثمان، كان للشفيع
الشفعة بلا خلاف. وإن كان بثمن لا مثل له كالثياب والحيوان ونحو ذلك فلا
شفعة له. وبه قال الحسن البصري وسوار القاضي (3).
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: له الشفعة، ويأخذها بقيمة الثمن،
والاعتبار بقيمته حين العقد لا حين الأخذ بالشفعة على قول الشافعي (4)، وعلى
قول مالك: بقيمته حين المحاكمة (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (6)، ولأن إيجاب الشفعة في مثل هذا يحتاج

(1) اللباب 2: 63، وعمدة القاري 12: 75، وبدائع الصنائع 5: 31 - 32، والفتاوى الهندية 5: 185،
وتبيين الحقائق 5: 247، والهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 424، وشرح العناية على الهداية في هامش
شرح فتح القدير 7: 424، والمغني لابن قدامة 5: 515، والشرح الكبير 5: 525، والمجموع 14: 349،
والبحر الزخار 5: 27.
(2) إشارة إلى الحديث المتقدم في المسألة 217 من كتاب البيع " البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه " فلاحظ.
(3) المغني لابن قدامة 5: 505، والشرح الكبير 5: 524.
(4) بدائع الصنائع 5: 26، وتبيين الحقائق 5: 249، وبداية المجتهد 2: 256، والمجموع
14: 318، والوجيز 1: 217، ومغني المحتاج 2: 301، والسراج الوهاج: 276، وفتح العزيز
11: 448، والمغني لابن قدامة 5: 505، والشرح الكبير 5: 524.
(5) المجموع 14: 320، والسراج الوهاج: 276، ومغني المحتاج 2: 301، والوجيز 1: 217، وفتح العزيز
11: 448، والمغني لابن قدامة 5: 505، والشرح الكبير 5: 524.
(6) التهذيب 167 حديث 740، ومن لا يحضره الفقيه 3: 47 حديث 164، ويدل على ذلك أيضا عموم
الأخبار الواردة في باب الشفعة من كتاب الكافي 5: 280، ومن لا يحضره الفقيه 3: 45، والتهذيب
7: 163 فلاحظ.
432

إلى دليل.
مسألة 8: إذا تزوج امرأة وأمهرها شقصا، لا يستحق الشفعة عليها. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه (1).
وقال الشافعي: الشفعة تجب بمهر المثل. وبه قال الحارث العكلي (2) (3).
وقال مالك وابن أبي ليلى: تجب الشفعة، لكنه يأخذ بقيمة الشقص لا بمهر
المثل (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5)، ولأن إثبات الشفعة في مثل هذا يحتاج
إلى دلالة.
مسألة 9: إذا اشترى شقصا بمائة إلى سنة، كان للشفيع المطالبة بالشفعة،
وهو مخير بين أن يأخذه في الحال ويعطي ثمنه حالا، وبين أن يصبر إلى سنة
ويطالب بالثمن الواجب عندها.

(1) اللباب 2: 58، وبدائع الصنائع 5: 12، والمبسوط 4: 145، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح
القدير 7: 436، والمغني لابن قدامة 5: 469، والشرح الكبير 5: 465 و 533، والأم 4: 7، والمجموع
14: 321، وفتح العزيز 11: 429.
(2) أبو الحسن، الحارث بن يزيد العكلي التيمي. كان فقيها من أصحاب إبراهيم، من عليتهم، قديم
الموت، لم يرو عنه إلا الشيوخ، روى عن أبي زرعة بن عمرو، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعبد الله
ابن يحيى الحضرمي، تهذيب التهذيب 2: 163.
(3) الأم 4: 3 و 7، والسراج الوهاج: 275، والمجموع 14: 321، ومغني المحتاج 2: 298، وفتح العزيز
11: 449، والمغني لابن قدامة 5: 469، والشرح الكبير 5: 465 و 533، وبدائع الصنائع 5: 12،
والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 436.
(4) أسهل المدارك 3: 39 - 40، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 229، والمغني لابن قدامة
5: 469، والشرح الكبير 5: 465 و 533، والمجموع 14: 322، وفتح العزيز 11: 449.
(5) أنظر ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في من لا يحضره الفقيه 3: 47 حديث 165 والشيخ المؤلف
قدس سره في التهذيب 7: 167 حديث 742.
433

وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه (1).
والثاني: أنه يأخذه بمائة إلى سنة كما اشتراه (2). وبه قال مالك، غير أن
مالكا قال: إن كان الشفيع غير ملى، كان للمشتري مطالبته بضمين ثقة
يضمن له الثمن إلى محله (3).
وهذا قوي أيضا، ذكرناه في النهاية (4)، وإليه ذهب قوم من أصحابنا (5).
والثالث: قال في الشروط: يأخذه بسلعة تساوي مائة إلى سنة (6).
دليلنا: أن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء، والذمم لا تتساوى، فوجب
عليه الثمن حالا أو يصبر إلى وقت الحلول، فيطالبه بالشفعة مع الثمن.
مسألة 10: إذا مات وخلف ابنين ودارا فهي بينهما نصفين، فإن مات
أحدهما وخلف ابنين كان نصف أبيهما بينهما نصفين، ولعمهما النصف، ولكل
واحد منهما الربع، فإن باع أحدهما نصيبه من أجنبي فلا شفعة لأحد.
وللشافعي في أن الشفعة لأخيه وحده أم لا؟ قولان:

(1) الأم 4: 3، والمجموع 14: 311، والسراج الوهاج: 276 - 277، ومغني المحتاج 2: 301، وفتح العزيز
11: 450، والمغني لابن قدامة 5: 507، والشرح الكبير 5: 523، وبداية المجتهد 2: 256، والمحلى
9: 95، والبحر الزخار 5: 15.
(2) المجموع 14: 311، ومغني المحتاج 2: 301، وفتح العزيز 450، والمغني لابن قدامة 5: 507، والشرح
الكبير 5: 523، وبداية المجتهد 2: 256، والمحلى 9: 95.
(3) الموطأ 2: 715، وبداية المجتهد 2: 256، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 229، والمحلى
9: 95، والمجموع 14: 314، والمغني لابن قدامة 5: 507، والشرح الكبير 5: 523، ومغني المحتاج
2: 301.
(4) النهاية: 425.
(5) ممن ذهب إليه الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قدس سره في المقنعة: 96.
(6) المجموع 14: 311، وفتح العزيز 11: 450، والبحر الزخار 5: 15.
434

أحدهما لأخيه وحده دون عمه. وبه قال مالك (1).
والثاني: لأخيه وعمه سواء. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو اختيار
المزني (2).
ومن قال من أصحابنا: أن الشفعة على عدد الرؤوس (3)، كذا يجب أن
يقول به.
دليلنا: الأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير (4).
ولأن الشريك إذا كان واحدا فالشفعة ثابتة بلا خلاف، وإن كانوا أكثر
فليس على ثبوتها دلالة، وهذه فرع على ذلك.
مسألة 11: عندنا أن الشريك إذا كان أكثر من واحد بطلت الشفعة،
فلا يتصور الخلاف في أن الشفعة على قدر الرؤوس، أو على قدر الأنصباء (5)،
وهو انفراد. ذهب قوم من أصحابنا إلى أنها تستحق وإن كانوا أكثر من واحد،
وقالوا: على قدر الرؤوس (6). وبه قال أهل الكوفة: النخعي، والشعبي،
والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، وهو اختيار المزني (7).

(1) الأم 4: 3، والمجموع 14: 327 و 333، وفتح العزيز 11: 478، والموطأ 2: 715، والشرح الصغير في
هامش بلغة السالك 2: 234، والمغني لابن قدامة 5: 524، والشرح الكبير 5: 543.
(2) الأم 4: 3، والمجموع 14: 326 و 333، وفتح العزيز 11: 477 و 478، ومغني المحتاج 2: 305،
والمغني لابن قدامة 5: 524، والشرح الكبير 5: 543.
(3) ذهب إليه الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 46 ذيل حديث 162، وابن الجنيد على ما حكاه
عنه العلامة الحلي في المختلف: 125 من كتاب الشفعة.
(4) الكافي 5: 281 حديث 7 و 8، والفقيه 3: 46 حديث 162، والتهذيب 7: 164 حديث 729 و
730، والاستبصار 3: 116 حديث 412 و 413.
(5) الأنصباء: العلائم. أنظر مجمع البحرين 2: 174 مادة " نصب ".
(6) ذهب إليه ابن الجنيد على ما حكاه عنه العلامة في مختلف الشيعة: 125 من كتاب الشفعة، والشيخ
الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 46 ذيل الحديث 162 فلاحظ.
(7) مختصر المزني: 120، والمجموع 14: 326 و 345، ومغني المحتاج 2: 305، والسراج الوهاج:
278، وفتح العزيز 11: 477، والمغني لابن قدامة 5: 523، والشرح الكبير 5: 490، والهداية في
هامش شرح فتح القدير 7: 414، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير أيضا
7: 414، والبحر الزخار 5: 9.
435

والقول الآخر: أنه على قدر الأنصباء، وهو الأصح عندهم، واختاره
أبو حامد الأسفرايني، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء،
ومالك، وهو قول أهل الحجاز، وبه قال أحمد وإسحاق (1).
دليلنا على المسألة الأولى: أنه إذا كان الشريك واحدا فلا خلاف في ثبوت
الشفعة، وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل على ثبوت الشفعة لهم، وأخبار
أصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير (2).
ونصرة القول الآخر أخبار رويت في هذا المعنى (3)، والأقوى عندي الأول.
مسألة 12: المنصوص لأصحابنا أن الشفعة لا تورث (4). وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه (5).
وقال قوم من أصحابنا: أنها تورث مثل سائر الحقوق، وهو اختيار المرتضى

(1) الموطأ 2: 715، وبداية المجتهد 2: 257، والمدونة الكبرى 5: 401، وفتح الرحيم 2: 122 - 123،
ومختصر المزني: 120، والمجموع 14: 326 و 345، وفتح العزيز 11: 477، والسراج الوهاج: 278،
ومغني المحتاج 2: 305، والوجيز 1: 219، والمغني لابن قدامة 5: 523، والشرح الكبير 5: 490،
والبحر الزخار 5: 9، والهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 414، وشرح العناية بهامش شرح فتح
القدير أيضا 7: 414.
(2) التهذيب 7: 164 حديث 729 و 730، والاستبصار 3: 116 حديث 412 و 413، والكافي 5: 281
حديث 7 و 8.
(3) من لا يحضره الفقيه 3: 45 حديث 154 و 156، والتهذيب 7: 165 حديث 726 و 731، و ص 166 حديث
736، والاستبصار 3: 116 حديث 416 و 417.
(4) أنظر من لا يحضره الفقيه 3: 45 حديث 158، والتهذيب 7: 167 حديث 741.
(5) بدائع الصنائع 5: 14 و 22، وعمدة القاري 12: 75، وبداية المجتهد 2: 260، والمغني لابن قدامة
5: 536، والشرح الكبير 5: 516، وفتح العزيز 11: 477.
436

رضي الله عنه (1). وبه قال الشافعي، ومالك، وعبيد الله بن الحسن العنبري
البصري (2).
دليلنا على أنها لا تورث: أن كونها ميراثا يحتاج إلى دليل، ولا دليل في
الشرع، وأخبارنا في ذلك ذكرناها في الكتاب الكبير (3).
ومن نصر ما حكيناه من أنها تورث قال: إذا كان ذلك حقا للحي، ثابتا
له، يملك المطالبة به، فورثته يقومون مقامه في جميع أملاكه وهذا من جملة ذلك.
ودليل الأول أيضا أنه لا يخلو إما أن يكون ملكوها بما تجدد لهم من الملك أو
بملك المورث، فبطل أن تكون ملكوها بما تجدد لهم من الملك، لأن ذلك لا يملك
به شئ مضى، وبطل أن يكون ملكوها بملك المورث، لأن الإنسان لا يستحق
الشفعة بملك غيره، وبطل أن يكون للشفيع لأن ملكه زال عنه، فلم يبق إلا
أنها بطلت.
والقول الآخر استدل على صحته بقول الله تعالى: " ولكم نصف ما ترك
أزواجكم " (4) وهذا من جملة ما ترك.
وطعن على هذا بأنا لا نسلم، أنها تركت لأن حقها بطل بالموت.
مسألة 13: إذا اشترى دارا، ووجب للشفيع فيها الشفعة، فأصابها هدم أو
غرق أو ما أشبه ذلك، فإن كان ذلك بأمر سماوي، فالشفيع بالخيار بين أن

(1) ممن قاله الشيخ المفيد في المقنعة: 6، وابن الجنيد والسيد المرتضى على ما حكاه عنهم العلامة الحلي في
المختلف: 128 من كتاب الشفعة فلاحظ.
(2) مختصر المزني: 120، والمجموع 14: 344 - 345، ومغني المحتاج 2: 305، وفتح العزيز 11: 477،
وعمدة القاري 12: 75، وبدائع الصنائع 5: 22، والمغني لابن قدامة 5: 537، والشرح الكبير
5: 516، وبداية المجتهد 2: 260.
(3) أنظر التهذيب 7: 167 حديث 741، ومن لا يحضره الفقيه 3: 45 حديث 158.
(4) النساء: 12.
437

يأخذها بجميع الثمن، أو يترك. وإن كان بفعل آدمي، كان له أن يأخذ
العرصة بحصتها من الثمن، وبه قال أبو حنيفة (1).
وللشافعي فيه قولان (2).
وأصحابه على خمس طرق:
أحدها: مثل ما قلناه، وهو أضعفها عندهم (3).
والثانية: إذا انتقض البناء وانفصل، فالشفيع يأخذ العرصة بالشفعة، وما
اتصل بها من البناء دون المنفصل عنها على قولين:
أحدهما: يأخذ المتصل بكل الثمن أو يتركه.
والقول الآخر: أنه يأخذه بحصته من الثمن أو يدع، وهو أصح القولين
عندهم (4).
وثالثها: إن كان البعض الذي لحقه عيب، مثل شق الحيطان، وتغير
السقف، وميل الحائط، فإن المشتري بالخيار بين أن يأخذه بكل الثمن أو يرده.
وإن كان النقصان انتقاض البناء والآلة، لم يدخل النقص في الشفعة.
وبكم يأخذ الشفيع ما عداه على القولين، وما انفصل لا يدخل في الشفعة
كما قال الأول، ويأخذ ما عداه بالحصة من الثمن قولا واحدا، وهو ما نص عليه
في القديم (5).
ورابعها: أنه إذا انتقض البناء، وكانت الأعيان المنهدمة موجودة، دخلت

(1) اللباب 2: 67، وتبيين الحقائق 5: 251، والمغني لابن قدامة 5: 504، والشرح الكبير 5: 503، وفتح
العزيز 11: 453.
(2) فتح العزيز 11: 453 - 454، والمغني لابن قدامة 5: 503 - 504، والشرح الكبير 5: 503.
(3) فتح العزيز 11: 453، والمغني لابن قدامة 5: 504، والشرح الكبير 5: 503.
(4) فتح العزيز 11: 453 - 454.
(5) فتح العزيز 11: 453 - 454، والمغني لابن قدامة 5: 503.
438

في الشفعة. وإن كانت منفصلة عن العرصة، لأن يتسلمها بالثمن الذي وقع
البيع به، والاستحقاق وجب له حين البيع، وإن كانت الأعيان مفقودة يأخذ
بحصته من الثمن (1).
وخامسها: إنه إذا كانت العرصة قائمة بحالها أخذه بجميع الثمن، سواء
كانت الأعيان المنفصلة موجودة أو مفقودة، وإن كان بعض العرصة هلك
بالغرق أخذ بالحصة من الثمن (2).
دليلنا: ما رواه جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الشفعة في كل
مشترك ربع أو حائط، ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، فإن باعه
فشريكه أحق به بالثمن " (3) فثبت أنه يأخذه بذلك الثمن، فمن قال ببعضه فقد
ترك الخبر.
مسألة 14: إذا اشترى شيئا وقاسم، وغرس فيه، وبنى، ثم طالب الشفيع
بالشفعة، ولم يكن قبل ذلك عالما بالشراء، كان له إجباره على قلع الغراس
والبناء إذا رد عليه ما نقص من الغراس والبناء بالقلع. وبه قال الشافعي،
ومالك، والنخعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق (4).
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: له مطالبته بالقلع، ولا يعطيه ما نقص

(1) فتح العزيز 11: 453 - 454.
(2) فتح العزيز 11: 453 - 454.
(3) صحيح مسلم 3: 1229 حديث 134 و 135، وسنن الدارقطني 4: 224 حديث 76، والسنن
الكبرى 6: 104، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 202 حديث 888 مع اختلاف يسير في
اللفظ.
(4) الأم 4: 7 و 7: 109، ومختصر المزني: 120، والمجموع 14: 337 و 339 - 340، وفتح العزيز
11: 463، والمغني لابن قدامة 5: 501، والشرح الكبير 5: 513، وبداية المجتهد 2: 260، وبدائع
الصنائع 5: 29، وتبيين الحقائق 5: 250.
439

بالقلع (1).
دليلنا: أن المشتري غرس ملكه في ملكه، فلم يكن متعديا، وإذا لم يكن
متعديا وجب أن يرد عليه ما نقص من غرسه بالقلع.
ولأنه إذا رد عليه ما نقص به من الغرس فلا خلاف أنه له مطالبته بالقلع،
وإن لم يرد فليس على وجوب القلع دليل.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " (2).
يدل على ذلك، لأنه متى لم يرد عليه قيمة ما نقص دخل عليه في ذلك الضرر.
مسألة 15: إذا اشترى النخل والأرض، وشرط الثمرة، كان للشفيع أن
يأخذ الكل بالشفعة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك (3).
وقال الشافعي: له أن يأخذ الكل دون الثمرة. وبه قال عبيد الله بن الحسن
العنبري (4).
دليلنا: عموم الأخبار التي رويناها في وجوب الشفعة في المبيع (5)، والمنع
يحتاج إلى دليل، وأبو حنيفة ومالك ادعيا أن هذه مسألة إجماع.

(1) اللباب 2: 66 - 67، وبدائع الصنائع 5: 29 - 30، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 430،
وتبيين الحقائق 5: 250، والمجموع 14: 340، والأم 4: 7 و 7: 109، وفتح العزيز 11: 463، والمغني
لابن قدامة 5: 501، وبداية المجتهد 2: 260.
(2) سنن الدارقطني 4: 227 حديث 83 ومسند أحمد بن حنبل 5: 327، وسنن ابن ماجة 2: 784
حديث 2340 و 2341، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 282 حديث 1041.
(3) المدونة الكبرى 5: 427 - 428، وبدائع الصنائع 5: 28، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير
7: 434، والفتاوى الهندية 5: 165 و 180، وتبيين الحقائق 5: 251، والمجموع 14: 341، وفتح
العزيز 11: 367، والمغني لابن قدامة 5: 464، والشرح الكبير 5: 471 - 472.
(4) المجموع 14: 340، وفتح العزيز 11: 367، والمغني لابن قدامة 5: 464، والشرح الكبير 5: 471 - 472.
(5) أنظر الكافي 5: 280 حديث 2 و 5 و 8، والتهذيب 7: 164 - 165 و 167 حديث 728 و 731 و
742، والاستبصار 3: 117 حديث 417 و 418.
440

مسألة 16: إذا باع شقصا من مشاع، لا يجوز قسمته شرعا - كالحمام،
والأرحية (1)، والدور الضيقة، والعضائد (2) الضيقة - فلا شفعة فيها. وبه قال
أهل الحجاز: ربيعة، ومالك، والشافعي، وهو قول عثمان بن عفان (3).
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وأبو العباس بن سريج: تجب الشفعة
فيها (4).
دليلنا ما رواه أبو هريرة وجابر، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " (5).
وقال جابر: " إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة في كل ما لم
يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " (6).

(1) الأرحية: جمع. " والرحى " معروفة مؤنثة مقصورة، والأصل فيها - على ما قالوه - " رحى " قلبت ألفا
وحذفت لالتقاء الساكنين بين الألف والتنوين، والمنقلبة عن الياء تكتب بصورة الياء فرقا بينها
وبين المنقلبة عن الواو. وكل من مد قال: " رحاء ورحيان وأرحية " جعلها منقلبة عن الواو.
(2) العضائد: جمع، وعضادة الطريق ناحيته.
(3) المدونة الكبرى 5: 432، وبداية المجتهد 2: 258، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 228،
وجواهر الإكليل 2: 158، ومختصر المزني: 120، والمجموع 14: 300، والوجيز 1: 215، والسراج
الوهاج: 275، وفتح العزيز 11: 382، ومغني المحتاج 2: 297، والمغني لابن قدامة 5: 465،
والشرح الكبير 5: 468، وتبيين الحقائق 5: 252، والبحر الزخار 5: 5.
(4) الفتاوى الهندية 5: 160 و 165، وتبيين الحقائق 5: 252، والمغني لابن قدامة 5: 465، والشرح
الكبير 5: 469، والوجيز 1: 215، وفتح العزيز 11: 382، والبحر الزخار 5: 5.
(5) شرح معاني الآثار 4: 122، والسنن الكبرى 6: 102 - 103 و 105، وتلخيص الحبير 3: 56 حديث
1277، وترتيب مسند الشافعي 2: 164 حديث 571.
(6) سنن أبي داود 3: 285 حديث 3514، وسنن الدارقطني 4: 232 حديث 99، والمصنف لعبد الرزاق
8: 79 حديث 14391، وسنن ابن ماجة 2: 835 حديث 2499، ومسند أحمد بن حنبل 3: 296،
والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 310 حديث 5161، والسنن الكبرى 6: 102، وتلخيص
الحبير 3: 55 حديث 1274 - 1275، والدراية 2: 203 حديث 895.
441

فوجه الدلالة أنه ذكر الشفعة بالألف واللام وهما للجنس، فكان تقديرا
لكلمة جنس الشفعة فيما لم يقسم، يعني ما يصح قسمته وما لا يصح قسمته
لا يدخل تحته، ولأن إيجاب الشفعة حكم يحتاج إلى دلالة شرعية.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: " إنما الشفعة في كل ما لم يقسم ".
ولفظة " إنما " تفيد معنى " لا " فكأنه قال " لا شفعة في كل ما لم يقسم "
فإذا ثبت هذا فإن تقدير الدلالة أن قوله: " ما لم يقسم " إنما تفيد ما يقسم، إلا
أنه لم يفعل فيه القسمة، لأنه لا يقال فيما لا يقسم ما لم يقسم، وإنما يقال فيما
يقسم، فلما قال: " ما لم يقسم " دل على ما قلناه.
يؤيد ذلك قوله: " فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " فقد تقدر أنه لا شفعة فيما
لا يقسم شرعا.
وروى أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: " لا شفعة في نخل (1)
ولا بئر، والارف يقطع كل الشفعة " (2).
وأراد آبار الحجاز، فإن اعتمادهم بالسقي عليها، ولا مخالف له في الصحابة.
مسألة 17: إذا لم ينقص القيمة ولا الانتفاع بالقسمة، قسم بلا خلاف.
وإذا نقص الانتفاع والقيمة بالقسمة فلا يقسم بلا خلاف.
وما فيه الخلاف قال أبو حنيفة: كل قسمة لا ينتفع الشريك بحصته، أيهما
كان، فهي قسمة ضرر، ولا يقسم (3)، وهو ظاهر مذهب الشافعي (4)، وهو

(1) في الموطأ " فحل " موضحا مراده بالفحل هو: فحل النخل. أنظر الموطأ 2: 717.
(2) الموطأ 2: 717، والسنن الكبرى 6: 105.
(3) الفتاوى الهندية 5: 205 و 208، وتبيين الحقائق 5: 268، والمجموع 20: 182، وفتح العزيز
11: 382، وبداية المجتهد 2: 263.
(4) المجموع 20: 174 - 175 و 182، والسراج الوهاج: 275 و 600. وكفاية الأخيار 2: 167، ومغني
المحتاج 2: 297 و 4: 420، والوجيز 2: 248، وفتح العزيز 11: 383، وبداية المجتهد 2: 263.
442

الصحيح عندي.
وقال أصحاب الشافعي كلهم، واختاره أبو حامد الأسفرايني: أن القسمة
إذا نقصت القيمة دون الانتفاع فإنها غير جائزة (1).
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، وإنما ادعوا أن ما فيه نقصان القيمة يمنع من
القسمة، فعلى من ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 18: الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه لهم الشفعة، ولوليهم أن
يأخذ لهم الشفعة - والولي الأب، أو الجد، أو الوصي من قبل واحد منهما، أو
أمين الحاكم إذا لم يكن أب - وللولي أن يأخذ بالشفعة ولا يجب أن ينتظر بلوغ
الصبي ورشاده. وبه قال جميع الفقهاء (2).
وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة للمحجور عليه (3).
وقال الأوزاعي: ليس للولي الأخذ، لكنه يصبر حتى إذا بلغ ورشد كان له
الأخذ أو الترك (4).
دليلنا خبر جابر، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " (5) ولم يفصل وعليه إجماع الفرقة
المحقة.

(1) المجموع 20: 174، والوجيز 2: 248، ومغني المحتاج 4: 420، والسراج الوهاج: 600، وكفاية الأخيار
2: 167.
(2) الأم 4: 8، ومختصر المزني: 120، وبدائع الصنائع 5: 16، وفتح العزيز 11: 434، والمغني لابن
قدامة 5: 495 - 496، والشرح الكبير 5: 485، والفتاوى الهندية 5: 191 - 192.
(3) المحلى 9: 94، والمغني لابن قدامة 5: 495، والشرح الكبير 5: 485، والأم 4: 7، وعمدة القاري
12: 75.
(4) المغني لابن قدامة 5: 496، والشرح الكبير 5: 487.
(5) تقدمت مصادر الحديث في المسألة " 16 " فلا حاجة للتكرار فلاحظ.
443

مسألة 19: إذا كان للصبي شفعة، وله في أخذها الحظ، ولم يأخذ الولي عنه
بالشفعة، لم يسقط حقه، وكان إذا بلغ له المطالبة بها أو تركها. وبه قال
الشافعي، ومحمد بن الحسن، وزفر (1).
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تسقط شفعته، وليس له أخذها (2).
دليلنا: أنه قد ثبت أنها حقه، وليس على سقوطها دلالة، وترك الولي الأخذ
ليس بمؤثر في إسقاط حقه، كما لا يسقط ديونه كلها وحقوقه.
مسألة 20: إذا كان للصبي شفعة الحظ له تركها، فتركها الولي، وبلغ
الصبي ورشد، فإن له المطالبة بالأخذ وله تركه. وبه قال محمد وزفر، وهو أحد
قولي الشافعي (3)، وهو ضعيف عندهم.
وله قول آخر وعليه أكثر أصحابه أنه: ليس له المطالبة، وسقط حقه. وبه
قال أبو حنيفة وأبو يوسف (4).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.

(1) الأم 4: 8، ومختصر المزني: 120، والمغني لابن قدامة 5: 495، والشرح الكبير 5: 486، وبدائع
الصنائع 5: 16، وتبين الحقائق 5: 263، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 451، وشرح
العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 451.
(2) بدائع الصنائع 5: 16، والهداية المطبوع في هامش شرح القدير 7: 451، وشرح العناية على الهداية في
هامش شرح القدير 7: 451، والفتاوى الهندية 5: 192، وتبيين الحقائق 5: 263، والأم 4: 7،
والمغني لابن قدامة 5: 496، والشرح الكبير 5: 486.
(3) الأم 4: 8، ومختصر المزني: 120، والمغني لابن قدامة 5: 495، والشرح الكبير 5: 486، وبدائع
الصنائع 5: 16، وتبيين الحقائق 5: 263. والهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 451، وشرح
العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 451.
(4) بدائع الصنائع 5: 16، والفتاوى الهندية 5: 192، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير
7: 451، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 451، والأم 4: 7 و 8.
444

وأيضا جميع الأخبار التي وردت في وجوب الشفعة يتناول هذا الموضع (1)،
ولا دلالة على إسقاطها بترك الولي.
مسألة 21: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار للبائع أو لهما فلا
شفعة للشفيع، وإن كان الخيار للمشتري فإنه يجب الشفعة للشفيع، وله
المطالبة بها قبل انقضاء الخيار. وبه قال أبو حنيفة (2)، وهو المنصوص
للشافعي (3).
وقال الربيع فيها قول آخر أنه: ليس له الأخذ قبل انقضاء الخيار (4). وبه
قال مالك (5)، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي (6).
دليلنا: أن الملك قد ثبت بالعقد وانتقل، فوجبت الشفعة للشفيع على
المشتري لأنه ملكه، فمن قال لا شفعة له فعليه الدلالة.
فإن قالوا: لا نسلم أنه ملك بالعقد، بل يملك بهما، أو هو مراعى فقد دللنا
على بطلان ذلك في البيوع.
مسألة 22: إذا اشترى شقصا وسيفا، أو شقصا وعبدا، أو شقصا وعرضا

(1) أنظر الكافي 5: 280، ومن لا يحضره الفقيه 3: 45 (باب 36)، والتهذيب 7: 163 (باب 14)
والاستبصار 3: 116 (باب 78).
(2) بدائع الصنائع 5: 13، وشرح فتح القدير 7: 438، والفتاوى الهندية 5: 161، وتبيين الحقائق
5: 254، والمجموع 14: 343، والمغني لابن قدامة 5: 471، والشرح الكبير 5: 534، وفتح العزيز
11: 410، والمجموع 14: 343.
(3) الأم 4: 4، ومختصر المزني: 120، والمجموع 14: 309 و 343، والسراج الوهاج: 275، ومغني المحتاج
2: 299، وبداية المجتهد 2: 256، والمغني لابن قدامة 5: 471، والشرح الكبير 5: 534.
(4) الأم 4: 4، والمجموع 14: 343، وفتح العزيز 11: 409، والمغني لابن قدامة 5: 471، والشرح الكبير
5: 534.
(5) الموطأ 2: 717، والمدونة الكبرى 5: 441، وفتح العزيز 11: 409.
(6) فتح العزيز 11: 409.
445

من العروض، كان للشفيع الشفعة بحصته من الثمن، ولا حق له فيما بيع معه.
وبه قال أبو حنيفة، والشافعي (1).
ولأبي حنيفة رواية شاذة أنه يأخذ الشقص والسيف معا بالشفعة (2).
وقال مالك: لو باع شقصا من أرض فيها غلمان يعملون له، كان له أخذ
الشقص والغلمان معا بالشفعة (3).
دليلنا: أن ما أوجبناه مجمع عليه، وما ادعوه ليس عليه دليل.
مسألة 23: إذا أخذ الشفيع الشقص من المشتري أو البائع - قبض المشتري
أو لم يقبض - فإن دركه وعهدته على المشتري دون البائع. وبه قال مالك،
والشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: إن أخذها من البائع فالعهدة على البائع، وإن أخذها من
المشتري (5) فكما قلناه.
وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: عهدة المبيع على البائع دون المشتري،
سواء أخذها من يد البائع أو يد المشتري، لأن المشتري كالسفير (6).

(1) مختصر المزني: 120، والوجيز 1: 217، وفتح العزيز 11: 452، والمحلى 9: 97، والمغني لابن قدامة
5 508، والشرح الكبير 5: 502.
(2) المحلى 9: 97.
(3) المحلى 9: 97، والمغني لابن قدامة 5: 508، والشرح الكبير 5: 502، والوجيز 1: 217، وفتح العزيز
11: 452.
(4) الأم 4: 7، ومختصر المزني: 120، والمجموع 14: 353، وفتح العزيز 11: 499، والمدونة الكبرى
5: 405، وبداية المجتهد 2: 260، وأسهل المدارك 3: 42، والمغني لابن قدامة 5: 534، والشرح
الكبير 5: 540.
(5) بدائع الصنائع 5: 24 و 30، والفتاوى الهندية 5: 176، والأم 4: 7، والمجموع 14: 353 - 354،
وفتح العزيز 11: 499، والمغني لابن قدامة 5: 534، والشرح الكبير 5: 540.
(6) الأم 4: 7، والمجموع 14: 353، وبداية المجتهد 2: 260، والمغني لابن قدامة 5: 534، والشرح الكبير 5: 540.
446

دليلنا: أن المشتري ملك، وإذا ملك فإنما يأخذ الشفيع منه ملكه بحق
الشفعة فيلزمه دركه كما لو باعه.
مسألة 24: لا يأخذ الشفيع الشفعة من البائع أبدا. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: له أخذها منه قبل القبض (2).
دليلنا: أن الشفيع إنما يستحق الأخذ بعد تمام العقد ولزومه، بدليل أنه لو
كان الخيار للبائع أو لهما لم يستحق الشفعة، فإذا كان الاستحقاق بعد تمام
العقد ولزومه، فالملك للمشتري، فوجب أن يكون الأخذ من مالكه لا من غيره.
مسألة 25: إذا تبايعا شقصا، فضمن الشفيع الدرك للبائع عن المشتري،
أو للمشتري عن البائع في نفس العقد، أو تبايعا بشرط الخيار على أن الخيار
للشفيع، فإنه يصح شرط الأجنبي، وأيهما، كان لا تسقط شفعته. وبه قال
الشافعي (3).
وقال أهل العراق: تسقط الشفعة، لأن العقد ما تم إلا به، كما إذا باع
بعض حقه لم يجب له الشفعة على المشتري (4).
دليلنا: أنه لا مانع من جواز شرط الأجنبي، ولا دليل على إسقاط حق
الشفيع.
مسألة 26: إذا كان دار بين ثلاثة، فباع أحدهم نصيبه، واشتراه أحد
الآخرين، استحق الشفعة الذي لم يشتر - على قول من يقول الشفعة على عدد

(1) المجموع 14: 355، والمغني لابن قدامة 5: 475 - 476.
(2) بدائع الصنائع 5: 24 - 25، والفتاوى الهندية 5: 176، والمغني لابن قدامة 5: 475، والشرح الكبير
5: 542، وفتح العزيز 11: 499.
(3) فتح العزيز 11: 500، والمغني لابن قدامة 5: 543.
(4) اللباب 2: 62، وبدائع الصنائع 5: 13 و 116، وتبيين الحقائق 5: 259، والفتاوى الهندية
5: 163، والمغني لابن قدامة 5: 543.
447

الرؤوس - وهو أحد وجهي الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة وأحد وجهي الشافعي: يستحق الشفعة الذي اشتراه مع
الذي لم يشتر بينهما نصفين (2).
دليلنا: هو أنه لا يستحق الإنسان الشفعة على نفسه، وقد بينا أن الشفعة
تستحق على المشتري.
مسألة 27: إذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحق بالشفعة،
لم تسقط بذلك شفعته، سواء كان وكيل البائع في البيع، أو وكيل المشتري في
الشراء. وبه قال الشافعي (3).
وقال أهل العراق: إن كان وكيل البائع لم تسقط شفعته، وإن كان وكيل
المشتري سقطت شفعته - بناء على أصله أن الوكيل في الشراء ينتقل الملك عن
البائع إليه، ثم عنه إلى الموكل - فلو أخذ بالشفعة استحق على نفسه (4)، وقد دللنا
نحن على فساد ذلك، وبينا أن شراء الوكيل يقع عن الموكل، وينتقل الملك إلى
الموكل دون الوكيل.
وأما دليلنا في هذه المسألة هو: أنه لا مانع من وكالته، ولا دلالة على سقوط
حقه من الشفعة.
مسألة 28: إذا حط البائع من الثمن شيئا بعد لزوم العقد واستقرار الثمن، لم
يلحق ذلك بالعقد، ولا يثبت للشفيع، بل هو هبة مجددة للمشتري من البائع.

(1) الأم 3: 3، والوجيز 1: 219، والمجموع 14 326، والسراج الوهاج: 278، ومغني المحتاج 2: 305،
وفتح العزيز 11: 435 و 477، والمغني لابن قدامة 5: 523 و 525، والشرح الكبير 5: 490.
(2) الأم 3: 3، والمجموع 14: 326، وفتح العزيز 11: 435 و 477، والشرح الكبير 5: 490.
(3) فتح العزيز 11: 434 - 435، والمغني لابن قدامة 5: 543، والبحر الزخار 5: 25.
(4) تبيين الحقائق 5: 259، والمغني لابن قدامة 5: 542، والبحر الزخار 5: 25.
448

وبه قال الشافعي (1)، سواء كان الحط الكل أو البعض.
وقال أبو حنيفة: إن حط بعض الثمن لحق العقد وسقط عن الشفيع، وإن
حط كله لم يلحق العقد. وقد مضت في البيوع (2).
دليلنا: أن الثمن إذا استقر فالشفيع إنما يأخذ الشقص بذلك الثمن، فما حط
بعد ذلك فهو هبة مجددة لا دلالة على لحوقها بالعقد، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة.
مسألة 29: إذا زاد في الثمن زيادة بعد استقرار العقد فهي هبة من المشتري
للبائع، ولا يلزم الشفيع. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: هذه الزيادة تلحق العقد، ولا تلحق بالشفيع (4).
دليلنا: أنه لا دليل على لحوق هذه الزيادة بالعقد، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة ولا يجدها.
مسألة 30: إذا كانت دار بين نفسين، فادعى أجنبي على أحدهما ما في يده
من النصف، فصالحه على ألف، صح صلحه، سواء صالحه على إنكار، أو
صالحه على إقرار، ولا يستحق به الشفعة، لأنه ليس ببيع.
وقال الشافعي: إن كان الصلح على إقرار فهو بيع يستحق به الشفعة، وإن

(1) الوجيز 1: 217 - 218، وفتح العزيز 11: 456، والمغني لابن قدامة 5: 506، والشرح الكبير
5: 522.
(2) اللباب 2: 63 - 64، وبدائع الصنائع 5: 27، والفتاوى الهندية 5: 182 - 183، وتبيين الحقائق
5: 248، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 427، وشرح العناية على الهداية في هامش
شرح فتح القدير 7: 427، والمغني لابن قدامة 5: 506، وفتح العزيز 11: 456.
(3) المغني لابن قدامة 5: 506، والشرح الكبير 5: 522.
(4) اللباب 2: 64، وبدائع الصنائع 5: 27، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 427، وشرح
العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 427، وتبيين الحقائق 5: 248، والمغني لابن قدامة
5: 506، والشرح الكبير 5: 522.
449

كان على إنكار فالصلح باطل لا يستحق به الشفعة (1).
دليلنا: أن ما يستحق به الشفعة البيع، وهذا ليس ببيع، فمن ألحقه بالبيع
فعليه الدلالة.
مسألة 31: فإن كانت الدار بينهما نصفين، فادعى أجنبي على أحدهما ألف
درهم، فصالحه على نصفه من الدار، لا يستحق به الشفعة، سواء كان صلح
إقرار أو صلح إنكار.
وقال الشافعي: إن كان صلح إقرار فهو بيع يستحق به الشفعة، وإن كان
صلح إنكار فهو باطل لا يستحق به الشفعة (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 32: إذا أخذ الشفيع الشقص فلا خيار للبائع، وللمشتري خيار
المجلس بلا خلاف، وهل يثبت للشفيع خيار المجلس أم لا؟ عندنا أنه لا خيار
له.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، لأنه لا زالة الضرر، فهو مثل الرد بالعين (3).
والآخر: أن له الخيار مثل المشتري، نص عليه في اختلاف العراقين (4).
دليلنا: أنه لا دليل على أن له الخيار، ومن ألحقه بالبيع فعليه الدلالة، لأن
القياس عندنا باطل.

(1) المجموع 13: 421، والسراج الوهاج: 233 - 234، ومغني المحتاج 2: 177 و 179 - 180، وفتح
العزيز 10: 302 و 329 - 330.
(2) الأم 7: 112، وكفاية الأخيار 1: 167 - 168، والمجموع 13: 388 و 390، والسراج الوهاج: 233 -
234، ومغني المحتاج 2: 177 و 179 - 180.
(3) المجموع 14: 342 - 343، وفتح العزيز 11: 446.
(4) المجموع 14: 342، وفتح العزيز 11: 446.
450

مسألة 33: إذا وهب شقصا لغيره، سواء كان فوقه أو دونه أو نظيره، فإنه
لا يستحق به الشفعة.
وقال الشافعي: إن كانت الهبة لمن هو مثله أو لمن هو دونه فإنه لا يستحق
بها الشفعة (1)، لأن الهبة للنظير تودد، ولمن دونه استعطاف، فلا يستحق بهما
العوض.
وإن كانت لمن فوقه فهل يثاب عليها، على قولين.
قال في الجديد: لا ثواب فيه (2). وبه قال أبو حنيفة (3).
وقال في القديم: يقتضي الثواب (4). وبه قال في بعض كتبه الجديدة، وهو
قول مالك (5)، فإذا قال: لا يقتضي الثواب فلا شفعة، وإذا قال يقتضي الثواب
إما بشرط أو بغير شرط فإنه تثبت فيه الشفعة (6).
دليلنا: أنه لا دليل على ثبوت الشفعة بالهبة، ومن ادعى أنها تثبت بها فعليه
الدلالة، وأيضا عليها إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم.
مسألة 34: إذا كانت دار بين شريكين، فادعى أحدهما أنه باع نصيبه من
أجنبي، وأنكر الأجنبي أن يكون اشتراه، فإنه تثبت الشفعة للشريك. وبه قال
عامة أصحاب الشافعي، وهو تفريع المزني (7).

(1) المجموع 15: 385 - 386، و 390، والوجيز 1: 250، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج
2: 404، والمغني لابن قدامة 5: 467.
(2) مغني المحتاج 2: 404، والوجيز 1: 250، والمجموع 15: 386، والسراج الوهاج: 309.
(3) أنظر بدائع الصنائع 6: 133.
(4) المجموع 15: 386، والوجيز 1: 250، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج 2: 404.
(5) المدونة الكبرى 6: 140 و 439، والمغني لابن قدامة 5: 468، والشرح الكبير 5: 463.
(6) الأم 4: 9 و 7: 115، والمغني لابن قدامة 5: 468، والشرح الكبير 5: 463، والمجموع 15: 386 و
390، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج 2: 404 - 405، والوجيز 1: 250 - 251.
(7) المجموع 14: 352 و 355، والمغني لابن قدامة 5: 476، والشرح الكبير 5: 538.
451

وقال أبو العباس: لا شفعة، لأنه إنما تثبت بعد ثبوت المشتري (1).
دليلنا: أن البائع أقر بحقين.
أحدهما: حق المشتري.
والثاني: حق الشفيع.
فإذا رد المشتري، ثبت حق الشفيع، كما لو أقر بدار لرجلين فرده أحدهما،
يثبت للآخر حقه.
مسألة 35: على قول من قال من أصحابنا أن الشفعة على عدد الرؤوس (2)،
إذا كانت دار بين ثلاثة شركاء أثلاثا، فاشترى أحدهم نصيب أحد
الآخرين، استحق الشفعة المشتري مع الآخر بينهما نصفين، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه، ومالك، وعامة أصحاب الشافعي، وهو الذي نقله المزني (3).
ومن أصحابه من قال: يأخذ الشفيع بالشفعة، ولا حق للمشتري فيه. وبه
قال الحسن البصري، وعثمان البتي قالوا: لأنه مشتري، فلا يستحق الشفعة
على نفسه (4)، وهو الذي نصرناه فيما تقدم (5)، غير أن هذا القول الآخر أقوى.
دليلنا: أنهما تساويا في الشركة الموجودة حين الشراء، فوجب أن لا ينفرد
أحدهما بالشفعة، لأنه لا دليل على ذلك إلا أنه يكون أحدهما ملك نصفه
بالعقد، والآخر بالشفعة يملك نصفه، فعلى هذا سقط دليلهم.
مسألة 36: إذا شج غيره موضحة عمدا أو خطأ، فصولح منها على شقص،

(1) المجموع 14: 352.
(2) أنظر المسألة رقم " 11 و 12 " من هذا الكتاب.
(3) مختصر المزني: 121، والمدونة الكبرى 5: 460 - 461، والمجموع 14: 326، وفتح العزيز 11: 435 و
477، وشرح العناية على الهداية في هامش شرح فتح القدير 7: 414.
(4) المجموع 14: 326، وفتح العزيز 11: 435، والمحلى 9: 97، والبحر الزخار 5: 25.
(5) أنظر ما تقدم في المسألة " 11 و 12 " من هذا الكتاب.
452

صح الصلح إذا كانا عالمين بأرش الموضحة، ولا يستحق الشفيع أخذها
بالشفعة.
وقال الشافعي وأصحابه: إن كانت الإبل موجودة، فهل يصح الصلح أم
لا؟ على قولين. وإن كانت معدومة، فعلى قولين في انتقال الأرش إلى القيمة أو
إلى مقدر، وعلى الوجهين جميعا يصح الصلح إذا علما القيمة أو المقدار.
فكل موضع يصح الصلح تجب الشفعة، وكل موضع لا يصح الصلح لا تجب
الشفعة.
دليلنا: أن الشفعة إنما تستحق بعقد الشراء، والصلح ليس بعقد الشراء،
فمن ألحقه به فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وتقابضا،
واستحق عليه الشفعة، أخذ الشفيع بمثل ثمن الخمر أو الخنزير عند أهله. وبه
قال أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: لا شفعة ها هنا، لأن الخمر ليس بمال (2).
دليلنا: أن عندهم ذلك مال، وقد أمرنا أن نقرهم على ما يرونه، وهم يرون
أن لذلك ثمنا، فوجب إقرارهم عليه.
وأيضا لا خلاف في صحة هذا البيع، وإذا كان البيع صحيحا تجب
الشفعة.
مسألة 38: لا يستحق الذمي الشفعة على المسلم، سواء اشتراه من مسلم أو

(1) اللباب 2: 62، وعمدة القاري 12: 75، والمبسوط 14: 168، وبدائع الصنائع 5: 16، وتبيين
الحقائق 5: 249، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 430، والمغني لابن قدامة 5: 552،
وفتح العزيز 11: 400، والشرح الكبير 5: 545.
(2) فتح العزيز 11: 400، وبدائع الصنائع 5: 16، والمغني لابن قدامة 5: 552.
453

ذمي، وعلى كل حال. وبه قال الشعبي، وأحمد بن حنبل (1).
وقال أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والشافعي، والأوزاعي: يستحق الذمي
الشفعة على المسلم مثل المسلم سواء (2).
وقال الحسن بن صالح بن حي: لا شفعة له عليه في الأمصار، وله الشفعة
في القرى (3).
دليلنا: قوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " (4) وذلك
عام في جميع الأحكام إلا ما خصه الدليل.
وروى أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا شفعة لذمي على
مسلم " (5) وهذا نص، وعليه إجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون فيه.
مسألة 39: إذا اشترى شقصا من دار، وبني مسجدا قبل أن يعلم الشفيع،
كان للشفيع إبطال تصرفه، ونقض المسجد، وأخذه بالشفعة، وبه قال
الشافعي، وجميع الفقهاء (6).

(1) مسائل أحمد بن حنبل: 203، والمحلى 9: 94، وعمدة القاري 12: 75، والمجموع 14: 314، والمغني
لابن قدامة 5: 551، والشرح الكبير 5: 543، وفتح العزيز 11: 400.
(2) اللباب 2: 58، وبدائع الصنائع 5: 16، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 436،
وتبيين الحقائق 5: 249، والمدونة الكبرى 5: 453، وبلغة السالك لأقرب المسالك 2: 227،
وجواهر الإكليل 2: 157، والمجموع 14: 310 و 314، والمغني لابن قدامة 5: 551، وفتح العزيز
11: 400.
(3) عمدة القاري 12: 75، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 436، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 436.
(4) النساء: 141.
(5) لم أقف لهذا الحديث في كتب الحديث المتوفرة لدينا. وقد روى البيهقي في سننه 6: 108 - 109 عن
أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا شفعة للنصراني، وعنه أيضا: ليس لليهودي
والنصراني شفعة.
(6) مغني المحتاج 2: 302، والسراج الوهاج: 277، والوجيز 1: 218، وفتح العزيز 11: 467، وتبيين
الحقائق 5: 250، والمغني لابن قدامة 5: 490، والشرح الكبير 5: 505، والشرح الصغير في هامش
بلغة السالك 2: 233.
454

ولأبي حنيفة روايتان: أحدهما مثل ما قلناه. وبه قال أبو يوسف (1).
والثانية: لا ينقض المسجد (2).
دليلنا: أن حق الشفيع سابق لتصرفه، لأنه يستحقه حين العقد، وإذا
تصرف بعد ذلك فيه فقد تصرف فيما يستحقه غيره، وذلك لا يصح.
مسألة 40: إذا باع في مرضه المخوف شقصا، وحابى فيه من وارث، صح
البيع ووجبت به الشفعة بالثمن الذي وقع عليه البيع.
وعند الفقهاء يبطل البيع (3)، لأن المحاباة هبة ووصية، ولا وصية لوارث،
ويبطل البيع في قدر المحاباة، ويكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذه أو يتركه
وارثا كان أو غير وارث.
دليلنا: أن هذا بيع صحيح، فمن جعل المحاباة فيه وصية فعليه الدلالة، ولو
صح أنها وصية لكانت الوصية عندنا تصح للوارث على ما سنبينه فيما بعد، فما
يبنى على فساده يجب أن لا يبطل على حال.
مسألة 41: إذا وجب له الشفعة، فصالحه المشتري على تركها بعوض، صح
وبطلت الشفعة.
وعند الشافعي لا يصح (4)، وهل تبطل الشفعة؟ على وجهين (5).

(1) بدائع الصنائع 5: 22، وتبيين الحقائق 5: 250، والمغني لابن قدامة 5: 490، والشرح الكبير
5: 505.
(2) بدائع الصنائع 5: 22.
(3) الوجيز 1: 216، وبدائع الصنائع 5: 14، والشرح الكبير 5: 535، وفتح العزيز 11: 438 - 439.
(4) الوجيز 1: 220، وفتح العزيز 11: 498.
(5) الوجيز 1: 221.
455

دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: " الصلح جائز بين المسلمين " (1) وهذا عام،
وتخصيصه يحتاج إلى دليل.
مسألة 42: إذا وجبت الشفعة، فسار إلى المطالبة، فلم يأت المشتري
فيطالبه، ولا إلى الحاكم، بل مضى إلى الشهود وأشهد على نفسه بأنه مطالب
بالشفعة، لم تبطل شفعته. وبه قال أبو حنيفة (2).
وقال الشافعي: تبطل (3).
دليلنا: أنه قد وجب له الشفعة، وإبطالها يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل
على ذلك.
مسألة 43: إذا بلغ الشفيع أن الثمن دنانير فعفى، فكانت دراهم، أو حنطة
فكانت شعيرا، لم تبطل شفعته. وبه قال جميع الفقهاء (4)، إلا زفر فإنه قال:
إن كان الثمن دنانير فبان دراهم سقطت شفعته، وإن كان حنطة فبان شعيرا لم
تسقط (5) كما قلناه.
دليلنا: أنه قد ثبتت شفعته، وبطلانها يحتاج إلى دلالة.

(1) سنن ابن ماجة 2: 788 حديث 2353، وسنن الترمذي 3: 634 حديث 1352، وسنن أبي داود
3: 304 حديث 3594، وسنن الدارقطني 3: 27 حديث 97.
(2) الفتاوى الهندية 5: 173، وتبيين الحقائق 5: 244، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير
7: 420، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 416 و 420، والشرح الكبير
5: 474.
(3) الشرح الكبير 5: 416 و 474.
(4) بدائع الصنائع 5: 19، والشرح الكبير 5: 479.
(5) الشرح الكبير 5: 479، وبدائع الصنائع 5: 19 - 20.
456

كتاب القراض
457

مسألة 1: لا يجوز القراض إلا بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير. وبه
قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي (1).
وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى: يجوز بكل شئ يتمول. فإن كان مما له
مثل كالحبوب والأدهان يرجع إلى مثله حين المفاصلة والربح حبعده بينهما
نصفين. وإن كان مما لا مثل له كالثياب والمتاع والحيوان كان رأس المال
قيمته والربح بعد بينهما (2).
دليلنا: إن ما اخترناه مجمع على جواز القراض به، وليس على جواز ما قالوه
دليل.
مسألة 2: القراض بالفلوس لا يجوز. وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف،
والشافعي (3).

(1) اللباب 2: 79، والمبسوط 22: 21، وبدائع الصنائع 6: 82، وتبيين الحقائق 5: 53، والمدونة الكبرى
5: 86، وجواهر الإكليل 2: 171، ومختصر المزني: 122، والمجموع 14: 357 و 361، والوجيز
1: 221، وكفاية الأخيار 1: 186، وفتح العزيز 12: 2، والسراج الوهاج: 280، ومغني المحتاج
2: 310، والفتاوى الهندية 4: 286، والمحلى 8: 247.
(2) المجموع 14: 361، والمبسوط 22: 33، والمغني لابن قدامة 5: 125، والشرح الكبير 5: 112 - 113،
وتبيين الحقائق 5: 53، والفتاوى الهندية 4: 285 - 286، وبداية المجتهد 2: 234.
(3) المبسوط 22: 21، وبدائع الصنائع 6: 82، والفتاوى الهندية 4: 286، وتبيين الحقائق 5: 53،
والمجموع 14: 357، وفتح العزيز 12: 2، والوجيز 1: 221، والسراج الوهاج: 280، ومغني المحتاج
2: 310، وبداية المجتهد 2: 235، والمغني لابن قدامة 5: 126، والشرح الكبير 5: 114، والبحر الزخار 5: 81.
459

وقال محمد: هو القياس، إلا أني أجيزه استحسانا، لأنها ثمن الأشياء في
بعض البلاد (1).
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جواز القراض به، وما ذكروه ليس عليه دليل،
والاستحسان عندنا باطل.
مسألة 3: لا يجوز القراض بالورق المغشوش، سواء كان الغش أقل أو أكثر
أو سواء، وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إن كانا سواء أو كان الغش أقل جاز، وإن كان الغش
أكثر لم يجز (3). بناه على أصله في الزكاة، وقد مضى الكلام عليه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 4: إذا كان القراض فاسدا، استحق العامل أجرة المثل على
ما يعمله، سواء كان في المال ربح أو لم يكن. وبه قال الشافعي (4).
وقال مالك: إن كان في المال ربح فله أجرة مثله، وإن لم يكن ربح فلا
شئ له (5).
دليلنا: أنه عمل بإذن صاحب المال، فإذا لم يصح له ما قارضه عليه كان له

(1) المبسوط 22: 21، وبدائع الصنائع 6: 82، والفتاوى الهندية 4: 286، وتبيين الحقائق 5: 53،
وبداية المجتهد 2: 235، والمغني لابن قدامة 5: 126، والشرح الكبير 5: 114، والبحر الزخار 5: 81.
(2) المجموع 14: 362، وكفاية الأخيار 1: 186، والوجيز 1: 221، وفتح العزيز 12: 2، والسراج الوهاج:
280، ومغني المحتاج 2: 310، والمغني لابن قدامة 5: 126، والشرح الكبير 5: 113، والبحر الزخار
5: 81.
(3) المجموع 14: 362، والمغني لابن قدامة 5: 126، والشرح الكبير 5: 113، والبحر الزخار 5: 81.
(4) الأم 6: 4، والمجموع 14: 368، وفتح العزيز 12: 29، والسراج الوهاج: 281، ومغني المحتاج
2: 315، والوجيز 1: 223، وفتح المعين: 80، وبداية المجتهد 2: 240، والشرح الكبير 5: 136.
(5) بداية المجتهد 2: 241، وبلغة السالك 2: 248، والخرشي 6: 207، والشرح الكبير 5: 137، وفتح
العزيز 12: 29.
460

أجرة المثل، لأنه دخل على أن يكون له المسمى في مقابلة عمله.
مسألة 5: ليس للعامل أن يسافر بمال القراض بغير إذن رب المال. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة ومالك: له ذلك (2).
وللشافعي في البويطي ما دل على ذلك (3).
قال أصحابه: لا يجئ ذلك على مذهبه (4).
وبنى أبو حنيفة ومالك ذلك على الوديعة، وأن له أن يسافر بها (5).
وعندنا أنه ليس له ذلك في الوديعة أيضا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل أنه ليس له ذلك، لأنه تصرف في مال
الغير، وإثبات ذلك وإجازته يحتاج إلى دليل، وإلى إذنه ولم يوجد.
مسألة 6: إذا سافر بإذن رب المال كان نفقة السفر من المأكول والمشروب
والملبوس من مال القراض.

(1) المجموع 14: 373 و 377، والسراج الوهاج: 282، والوجيز 1: 224، وكفاية الأخيار 1: 187، ومغني
المحتاج 2: 217، وفتح المعين: 80، وفتح العزيز 12: 50، والمغني لابن قدامة 5: 151، والشرح
الكبير 5: 146، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 93.
(2) اللباب 2: 80، والمبسوط 22: 20 و 39، وتبيين الحقائق 5: 57 و 70، والمدونة الكبرى 5: 119،
وجواهر الإكليل 2: 175، والخرشي 6: 210، وفتح الرحيم 2: 134، وبدائع الصنائع 6: 88،
وشرح فتح القدير 7: 63، والمغني لابن قدامة 5: 151، والشرح الكبير 5: 146، والمجموع 14: 373،
وفتح العزيز 12: 50، والبحر الزخار 5: 83.
(3) فتح العزيز 12: 50.
(4) السراج الوهاج: 282، وحاشية إعانة الطالبين 3: 102 وفتح العزيز 12: 50 - 51.
(5) اللباب 2: 147، وشرح فتح القدير 7: 93، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 93، وشرح
العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 93، والفتاوى الهندية 4: 341 - 342، وتبيين
الحقائق 5: 79، والمدونة الكبرى 6: 144 - 145، والمجموع 14: 187.
461

وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا ينفق كالحضر.
والثاني: ينفق كمال نفقته. كما قلناه.
والثالث: ينفق القدر الزائد على نفقة الحضر لأجل السفر (1).
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
مسألة 7: إذا أعطاه ألفين، وقال: ما رزق الله تعالى من الربح كان لي ربح
ألف ولك ربح ألف، كان جائزا. وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور (3).
وقال أبو العباس بن سريج: هذا غلط، لأنه شرط لنفسه ربح ألف
لا يشاركه العامل فيه، وكذلك العامل فكان باطلا، كما لو تميز الألفان (4).
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك، والأصل جوازه.
وقوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم " (5) يدل عليه.
وأيضا فلا فرق بين أن يقول: ربح الألفين بيننا. وبين أن يقول: ربح ألف
لي وربح ألف لك. لأنهما غير متميزين، ومن حمل لك على المتميزين كان
قايسا، وذلك لا يجوز عندنا.
مسألة 8: إذا دفع إليه مالا قراضا، وقال له: اتجر به، أو قال له: إصنع

(1) أنظر مختصر المزني: 122، والمجموع 14: 372 و 377، وكفاية الأخبار 1: 187، وفتح المعين: 80،
والوجيز 1: 224، وفتح العزيز 12: 53، ومغني المحتاج 2: 317، والسراج الوهاج: 282، وبداية
المجتهد 2: 238، والمحلى 8: 248، والشرح الكبير 5: 163 - 164.
(2) الكافي 5: 241 حديث 5 و 9، ومن لا يحضره الفقيه 3: 144 حديث 635، والتهذيب 7: 191
حديث 847.
(3) المبسوط 22: 32، وتبيين الحقائق 5: 65.
(4) فتح العزيز 12: 22.
(5) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44.
462

ما ترى، أو: تصرف كيف شئت. فإنه يقتضي أن يشتري بثمن مثله نقدا بنقد
البلد. وبه قال الشافعي (1).
وخالفه أبو حنيفة في الثلاثة، وقال: له أن يشتري بثمن مثله، وبأقل،
وبأكثر، ونقدا ونسية، وبغير نقد البلد (2).
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على جوازه، وما ذكروه ليس على جوازه دليل،
والأصل المنع منه، لأنه تصرف في ملك الغير.
مسألة 9: إذا اشترى العامل في القراض أباه بمال القراض، فإن كان في
المال ربح انعتق منه بقدر نصيبه من الربح، واستسعى في باقي ذلك لرب
المال، وينفسخ القراض إذا كان معسرا، وإن كان معسرا قوم عليه بقيمته لرب
المال، وسواء كان الربح ظاهرا أو يحتاج إلى أن يقوم ليعلم أن فيه ربحا.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، أنه ينعتق بمقدار نصيبه، ويلزم شراء الباقي إن كان
موسرا. قال: وإن كان معسرا يبقى بقيته رقا لرب المال.
والقول الثاني: إن الشراء باطل (3).
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة وأخبارهم (4).
مسألة 10: إذا فسخ رب المال القراض، وكان في المال نسئ، باعه
العامل بإذن رب المال نسية، لزمه أن يجبيه، سواء كان فيه ربح أو لم يكن فيه

(1) المجموع 14: 376، وفتح العزيز 12: 32، والشرح الكبير 5: 146.
(2) اللباب 2: 85، والمبسوط 22: 38، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 79، والهداية المطبوع في
هامش فتح القدير 7: 79، وبدائع الصنائع 6: 87، والفتاوى الهندية 4: 292، وتبيين الحقائق 5: 57، والشرح
الكبير 5: 144.
(3) المجموع 14: 378، والوجيز 1: 223، وفتح العزيز 12: 39 - 40، والبحر الزخار 5: 84.
(4) الكافي 5: 241 حديث 8، ومن لا يحضره الفقيه 3: 144 حديث 633، والتهذيب 7: 190، والتهذيب 7: 190 حديث 841.
463

ربح. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة إن كان فيه ربح كما قلناه. وإن لم يكن فيه ربح لم
يلزمه (2).
دليلنا: أن على العامل رد المال كما أخذه، وإذا أخذه ناضا (3) وجب عليه
أن يرده مثله.
مسألة 11: إذا أعطاه قراضا على أن يكون الربح بينهما، فحال الحول
وهو ألفان، فعند أكثر أصحابنا لا زكاة على واحد منهما، لأنه لا زكاة في مال
التجارة (4).
وفي أصحابنا من قال: يجب فيه الزكاة (5).
وعلى قول الأولين: فيه الزكاة استحبابا، فعلى القولين الفائدة لا تضم إلى
الأصل، بل يراعى الحول منفردا في الفائدة، كما يراعى في الأصل، فعلى هذا
لا زكاة في الفائدة على واحد منهما، وزكاة الأصل على رب المال.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك على ما مضى في كتاب الزكاة، وقالوا: في
مال التجارة الزكاة، والفائدة تضم إلى الأصل (6).

(1) المجموع 14: 385، والسراج الوهاج: 283، ومغني المحتاج 2: 320، وفتح العزيز 12: 73، والمغني
لابن قدامة 5: 180، والشرح الكبير 5: 172.
(2) اللباب 2: 84، والمبسوط 22: 70 - 71، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 77 - 78،
وتبيين الحقائق 5: 68، والمغني لابن قدامة 5: 180، والشرح الكبير 5: 172، وفتح العزيز 12: 73.
(3) نض المال ينض، إذا تحول نقدا بعد أن كان متاعا. أنظر النهاية لابن الأثير 5: 72 مادة " نضض ".
(4) حكى العلامة الحلي في المختلف - (كتاب الزكاة) ص: 8 - هذا القول عن الشيخ المفيد والسيد
المرتضى وابن عقيل وأبي الصلاح وابن البراج وسلار، لكن يستفاد من المقنعة: 40، والانتصار:
78، والكافي لأبي الصلاح: 165 أنهم قالوا بالاستحباب فلاحظ.
(5) وهو قول ابني بابويه كما في المختلف: 8 من كتاب الزكاة، والمقنع: 52 فلاحظ أيضا.
(6) تقدمت الإشارة إليه في الجزء الثاني من كتاب هذا ص 91، مسألة " 106 " فلاحظ.
464

وعلى من تجب الزكاة؟ للشافعي فيه قولان:
أحدهما: تجب زكاة الكل على رب المال إذا قال أن العامل لا يملك الربح
بالظهور، وإنما يملكه بالمقاسمة. وبه قال أكثر أهل العراق، واختاره المزني، وهو
أضعف القولين (1).
والقول الثاني: أن على رب المال زكاة الأصل، وزكاة حصته من الربح،
وعلى العامل زكاة ما يخصه من الربح (2).
دليلنا إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الزكاة في الذمة أو
المال يحتاج إلى دليل.
مسألة 12: إذا قال: خذ هذا المال قراضا على أن يكون الربح كله لي.
كان ذلك قراضا فاسدا، ولا يكون بضاعة. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: يكون هذا بضاعة (4).
دليلنا: أن لفظ القراض يقتضي أن يكون الربح بينهما، فإذا شرط الربح
لنفسه كان فاسدا، كما لو شرط الربح للعامل.
مسألة 13: إذا كان العامل نصرانيا، فاشترى بمال القراض خمرا أو
خنزير، أو باع خمرا، مثل أن كان عصيرا فاستحال خمرا فباعه، كان جميع
ذلك باطلا. وبه قال الشافعي (5).

(1) المجموع 6: 70 - 71، وفتح العزيز 6: 59 - 60 و 12: 56.
(2) الأم 2: 49، ومختصر المزني: 122 والمجموع 6: 70 - 71، وفتح العزيز 6: 60، والوجيز 1: 96 و 224.
(3) المجموع 14: 368، والوجيز 1: 223، وكفاية الأخبار 1: 187، ومغني المحتاج 2: 312، والسراج
الوهاج: 280، وفتح العزيز 12: 19، والشرح الكبير 5: 132، والحجر الزخار 5: 82.
(4) المبسوط 22: 24، والفتاوى الهندية 4: 288، والمغني لابن قدامة 5: 144 - 145، والشرح الكبير
5: 132.
(5) مختصر المزني: 123، والمغني لابن قدامة 5: 162، والشرح الكبير 5: 155.
465

وقال أبو حنيفة: البيع والشراء صحيحان (1).
وقال أبو يوسف ومحمد: الشراء صحيح والبيع باطل (2).
والفصل بينهما أن الوكيل يملك أولا عندهم، ثم ينتقل المال عنه إلى الموكل.
فإذا كان العامل نصرانيا صح أن يملك الخمر، فصح الشراء، وليس كذلك
البيع، لأن الملك ينتقل عن الموكل إلى المشتري، ولا يملك الوكيل شيئا في
الوسط، فلهذا لم يصح.
دليلنا أن هذه الأشياء محرمة بلا خلاف، وجواز التصرف في المحرمات يحتاج
إلى دلالة.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: " إن الله تعالى حرم الكلب وحرم
ثمنه، وحرم الخمر وحرم ثمنها " (3).
مسألة 14: إذا قال اثنان لواحد: خذ هذا المال قراضا ولك النصف من
الربح، ثلثه من مال هذا، وثلثاه من مال الآخر، والنصف الباقي بيننا نصفين.
قال الشافعي: القراض فاسد (4).
وقال أبو حنيفة وأبو ثور: يصح، ويكون على ما شرطاه، لأنهما قد جعلا له
نصف جميع المال، فكان الباقي بينهما على ما شرطاه (5).

(1) المبسوط 22: 60 و 125، والفتاوى الهندية 4: 333، والمغني لابن قدامة 5: 162، والشرح الكبير
5: 155.
(2) المبسوط 22: 60، والمغني لابن قدامة 5: 162، والشرح الكبير 5: 155.
(3) لم أقف لهذا الحديث باللفظ المذكور في الكتب المتوفرة لدي مكان، ولكن ورد التحريم في أحاديث
مختلفة الألفاظ والأسانيد راجع كنز العمال 4: 80 - 81، حديث 9622 و 9631.
(4) فتح العزيز 12: 28، والمغني لابن قدامة 5: 146، والشرح الكبير 5: 134 - 135.
(5) المبسوط 22: 30، والفتاوى الهندية 4: 289، والمغني لابن قدامة 5: 146، والشرح الكبير 5: 134 -
135، وفتح العزيز 12: 28.
466

وقال أصحاب الشافعي: هذا غلط، لأن أحدهما، إذا شرط الثلث والآخر
الثلثين بقي نصف الربح لهما وهو تسعة مثلا، وكان من سبيله أن يكون لأحدهما
منه ستة وللآخر ثلاثة، فإذا شرطاه نصفين أخذ أحدهما فضلا عن شريكه بحق
ماله سهما ونصف سهم، لأنه كان يستحق ثلاثة من تسعة فأخذ أربعة ونصف
سهم من تسعة، وهذا لا يجوز.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يمنع من صحة هذا الشرط مانع.
والنبي صلى الله عليه وآله قال: " المؤمنون عند شروطهم " (1).
ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: إذا دفع إليه ألفا للقراض، فاشترى به عبدا للقراض، فهلك
الألف قبل أن يدفعه في ثمنه، اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب.
فقال أبو حنيفة ومحمد: يكون المبيع لرب المال، وعليه أن يدفع إليه ألفا غير
الأول ليقضي به دينه، ويكون ألف الأول والثاني قراضا، وهما معا رأس
المال (2).
وقال مالك: رب المال بالخيار بين أن يعطيه ألفا غير الأول ليقضي به
الدين ويكون الألف الثاني رأس المال دون الأول، أو لا يدفع إليه شيئا فيكون
المبيع للعامل والثمن عليه (3).
ونقل البويطي عن الشافعي أن المبيع للعامل، والثمن عليه، ولا شئ على

(1) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44.
(2) المبسوط 22: 168 - 169، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 84، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 84، والفتاوى الهندية 4: 319، وتبيين الحقائق 5: 74، والمغني
لابن قدامة 5: 183، وبداية المجتهد 2: 239، وفتح العزيز 12: 70.
(3) المدونة الكبرى 5: 102، وبداية المجتهد 2: 239، وفتح العزيز 12: 70.
467

رب المال، وهو اختيار أبي العباس، وهو الذي يقوى في نفسي (1).
وفي أصحابه من قال بمثل قول أبي حنيفة، إلا أنه قال: كلما دفع إليه ألفا
وهلكت لزمه أن يدفع إليه ألفا آخر (2).
وأبو حنيفة: إذا هلكت الألف الثانية لم يلزمه شئ آخر (3).
دليلنا: أنه لا يخلو أن يكون الألف تلف قبل الشراء أو بعده، فإن كان
التلف قبل الشراء وقع الشراء للعامل، لأنه اشتراه بعد زوال القراض،
وإن كان التلف بعد الشراء فالبيع وقع لرب المال وعليه أن يدفع الثمن من
ماله الذي سلمه إليه، فإذا هلك المال تحول الملك إلى العامل، وكان الثمن
عليه، لأن رب المال إنما فسح للعامل في التصرف في ألف إما أن يشتريه به
بعينه أو في الذمة، وينقد منه ولم يدخل على أن يكون له في القراض أكثر منه.
مسألة 16: ليس للعامل أن يبيع بالدين إلا بإذن رب المال. وبه قال
الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: له ذلك (5).
دليلنا: أن الأصل أنه لا يجوز له ذلك، لأنه تصرف في مال الغير، فإجازته

(1) المجموع 14: 388، وفتح العزيز 12: 69.
(2) المجموع 14: 388 - 389، وفتح العزيز 12: 69، والمغني لابن قدامة 5: 183.
(3) أنظر المصادر التي أشرنا إليها في الهامش رقم " 1 ".
(4) مختصر المزني: 122، والوجيز 1: 223، والسراج الوهاج: 281، ومغني المحتاج 2: 315، وفتح العزيز
12: 32، وحاشية إعانة الطالبين 3: 102، والمغني لابن قدامة 5: 150، والشرح الكبير 5: 144،
وبداية المجتهد 2: 239، والبحر الزخار 5: 85.
(5) اللباب 2: 85، والمبسوط 22: 38، وبداية المجتهد 2: 239، وبدائع الصنائع 6: 87 - 88، وشرح فتح
القدير 7: 63 و 79، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 63 و 79 وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 63 و 79، والفتاوى الهندية 4: 294، وتبيين الحقائق 5: 57،
والأشباه والنظائر: 262، والمغني لابن قدامة 5: 150، والشرح الكبير 5: 144.
468

تحتاج إلى دليل.
مسألة 17: لا يصح القراض إذا كان رأس المال جزافا. وبه قال
الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: يصح القراض ويكون القول قول العامل حين المفاصلة،
وإن كان مع كل واحد منهما بينة قدمت بينة رب المال (2).
دليلنا: أن القراض عقد شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع
ما يدل على صحة هذا القراض، فوجب بطلانه.
مسألة 18: إذا قال خذ ألفا قراضا على أن لك نصف ربحها. صح
بلا خلاف. وإن قال: على أن لك ربح نصفها. كان باطلا. وبه قال الشافعي
وأصحابه (3).
وقال أبو ثور: هو جائز. وحكى ذلك أبو العباس عن أبي حنيفة (4).
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جوازه، ولا دليل على جواز ما قالوه. وإن قلنا
بقول أبي ثور كان قويا، لأنه لا فرق بين اللفظين.

(1) الأم 4: 8، والمجموع 358، والوجيز 1: 221، وفتح العزيز 12: 7، والمغني لابن قدامة 5: 191 والشرح
الكبير 15: 141، والبحر الزخار 5: 81.
(2) الفتاوى الهندية 4: 324، وتبيين الحقائق 5: 57، والمغني لابن قدامة 5: 191، والشرح الكبير
5: 141، وبداية المجتهد 2: 241، وفتح العزيز 12: 7، والبحر الزخار 5: 81.
(3) المغني لابن قدامة 5: 149، والشرح الكبير 5: 117.
(4) المبسوط 22: 23، والمغني لابن قدامة 5: 149، والشرح الكبير 5: 117.
469

كتاب المساقاة
471

مسألة 1: المساقاة جائزة وبه قال الصحابة أبو بكر، وعمر. وفي التابعين
سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، وفي الفقهاء مالك، والشافعي،
والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد، وإسحاق (1).
وانفرد أبو حنيفة بأن المساقاة لا تجوز، قياسا على المخابرة (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، ولأن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج
إلى دليل.
وروى أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد (4)، عن عبيد الله، عن نافع،

(1) المجموع 14: 402، وكفاية الأخيار 1: 189، والمغني لابن قدامة 5: 556، والشرح الكبير 5: 554،
وبداية المجتهد 2: 242، والمصنف لعبد الرزاق 8: 98 حديث 14468، وسبل السلام 3: 917،
والأم 4: 11، ومختصر المزني: 123، والمحلى 8: 229، واللباب 2: 182، وبدائع الصنائع 6: 185،
والفتاوى الهندية 5: 287، وفتح العزيز 12: 100 - 101، ونيل الأوطار 6: 8.
(2) اللباب 2: 182، والمبسوط 23: 17، والمحلى 8: 229، وبدائع الصنائع 6: 185، والفتاوى الهندية
5: 278، وتبيين الحقائق 5: 284، وبداية المجتهد 2: 242، والمجموع 14: 402، والمغني لابن قدامة
5: 556، والشرح الكبير 5: 554، وسبل السلام 3: 918.
(3) الكافي 5: 266 حديث 1 و 2 و 268 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 154 حديث 678،
والتهذيب 7: 198 حديث 876.
(4) أبو سعيد يحيى بن فروخ القطان التميمي البصري الأحول، روى عن عبيد الله بن عمر،
ويحيى بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وغيرهم وعنه جمع كثير منهم أبو بكر بن أبي شيبة وأبو خيثمة
وبشر بن الحكم وصدقة بن الفضل مات سنة 198 هجرية. تهذيب التهذيب 11: 216 - 220.
473

عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج
من ثمر أو زرع (1).
وروى محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبيه، قال: ساقى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهود خيبر على تلك الأموال، وذلك
بالشطر وسهامهم معلومة، قال: إذا شئنا أخرجناكم (2).
وروى ميمون بن مهران عن مقسم (3)، عن ابن عباس قال: افتتح
رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم خيبر واشترط عليهم أن له الأرض وكل صفراء
وبيضاء. فقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم، فاعطناها على أن لكم نصف
الثمرة ولنا النصف من ذلك، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم
النخل بعث إليهم عبد الله بن رواحة (4) فحرز عليهم النخل، وهو الذي يسميه
أهل المدينة الخرص، فقال في ذه كذا وكذا، فقالوا: أكترت علينا يا ابن
رواحة، قال: فأنا آتي جذاذ النخل وأعطيكم نصف الذي قلت، قالوا: هذا هو

(1) صحيح البخاري 3: 137 (باب المزارعة بالشطر ونحوه)، وصحيح مسلم 3: 1186 حديث 1 و 2،
وسنن ابن ماجة 2: 824، حديث 2467، وسنن أبي داود 3: 262، حديث 3408، وتلخيص الحبير
3: 59 حديث 1279، والسنن الكبرى 6: 133 و 115.
(2) سنن الدارقطني 3: 38 حديث 154.
(3) مقسم بن بجرة، ويقال: ابن نجدة، أبو القاسم، ويقال: أبو العباس، مولى عبد الله بن الحارث بن
نوفل، ويقال له مولى ابن عباس للزومه له. روى عن ابن عباس وعبد الله بن الحارث بن نوفل
وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم وعنه ميمون بن مهران والحكم بن عتيبة وخصيف وغيرهم
مات سنة إحدى ومائة. تهذيب التهذيب 10: 288.
(4) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن كعب
ابن الخزرج بن الحارث الخزرجي، أبو محمد، ويقال: أبو رواحة، ويقال: أبو عمرو المدني، شهد بدرا
والعقبة وهو أحد النقباء وأحد الأمراء في غزوة مؤتة وبها قتل. وكان موته في جمادى الأولى سنة
" 8 " للهجرة. روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن بلال المؤذن وروى عنه ابن أخته
النعمان بن بشير وأبو هريرة وابن عباس وغيرهم.
474

الحق وبه تقوم السماء والأرض، فقد رضينا أن نأخذه بالذي قلت (1).
وقال أبو الزبير (2): سمعت جابرا يقول: خرصها ابن رواحة أربعين ألف
وسق، وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة، أخذوا الثمر وعليهم عشرون ألف
وسق (3).
فدلت هذه الأخبار على جواز المساقاة، لأنه قال في الأول: عامل أهل خيبر
بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وفي الثاني قال: ساقى بشطر. وفي الثالث قال:
طلبوا منه أن يعطيهم ليكون بينهم نصفين فأجابهم إلى ذلك.
وروى نافع عن ابن عمر أنه قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر
إلى أهلها بالشطر، فلم تزل في أيديهم حياة رسول الله صلى الله عليه وآله،
وحياة أبي بكر، وحياة عمر، ثم بعث بي عمر إليهم لاقسم عليهم، فسحروني
فتكوعت يدي، فانتزعتها من أيديهم (4).
فثبت في هذا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وإجماع الصحابة، فإن
أبا بكر أقرها في أيديهم وكذا عمر، وإنما انتزعها من أيديهم بجناية كانت منهم،
فإن كانت مسألة يدعى فيها الإجماع فهذه.
مسألة 2: يجوز المساقاة في النخل والكرم. وبه قال كل من أجاز
المساقاة (5).

(1) سنن أبي داود 3: 263 حديث 3410 و 3412، والسنن الكبرى 6: 115.
(2) أبو الزبير، محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي. روى عن العبادلة الأربعة وعن عائشة
وجابر وأبي الطفيل وغيرهم وعنه عطاء والزهري والأعمش وابن جريج وغيره قيل أنه مات سنة
ست وعشرين ومائة.
(3) سنن أبي داود 3: 264 حديث 3415.
(4) روى عبد الرزاق في مصنفه 8: 98 حديث 14468 عن ابن المسيب بنحو ما تقدم فلاحظ.
(5) تقدمت الإشارة إلى القائلين بجواز المساقاة الأولى فلاحظ.
475

وخالف داود وقال: لا يجوز، إلا في النخل خاصة، لأن الخبر به ورد (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2)، ولأن الأمة بين قائلين، قائل أجازها في
الجميع ومانع منعها في الجميع، فمن فرق بينهما فقد خالف الإجماع.
مسألة 3: يجوز المساقاة فيما عدا النخل والكرم من الأشجار.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: يجوز ذلك. وبه قال أكثر من أجاز المساقاة: مالك،
وأبو يوسف، ومحمد. وزاد أبو يوسف فقال: تجوز المساقاة على البقل الذي يجز
جزة بعد جزة (3). وكذلك نقول.
وقال في الجديد: لا يجوز المساقاة على ما عدا النخل والكرم (4).
دليلنا إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى نافع، عن ابن عمر قال: عامل رسول الله صلى الله عليه وآله أهل
خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر (5). وهذا عام في سائر الأشجار.
مسألة 4: يجوز أن يعطي الأرض غيره ببعض ما يخرج منها، بأن يكون منه
الأرض والبذر، ومن المتقبل القيام بها بالزراعة والسقي ومراعاتها.

(1) المغني لابن قدامة 5: 556، والشرح الكبير 5: 554، وبداية المجتهد 2: 243، والمجموع 14: 400.
(2) الكافي 5: 268 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 154 حديث 678، ودعائم الإسلام 2: 73
حديث 202، والتهذيب 7: 198 حديث 876.
(3) المجموع 14: 399 و 402، وفتح العزيز 12: 105، وكفاية الأخيار 1: 189، والمبسوط 23: 17،
والمغني لابن قدامة 5: 556، والشرح الكبير 5: 554.
(4) الأم 4: 11، ومختصر المزني: 123 - 124، والمجموع 14: 399، وكفاية الأخبار 1: 189، والوجيز
1: 226 - 227، وفتح العزيز 12: 104 - 105، والمدونة الكبرى 5: 22، وفتح الرحيم 3: 3،
والمحلى 8: 229، والمغني لابن قدامة 5: 556، والشرح الكبير 5: 554، وبداية المجتهد 2: 245،
وتبيين الحقائق 5: 284.
(5) سنن الدارقطني 3: 37 - 38 حديث 153، وتلخيص الحبير 3: 59 حديث 1280.
476

وخالف جميع الفقهاء في ذلك. وأجاز الشافعي في الأرض اليسير إذا كان
بين ظهراني نخل كثير، فيساقي على النخل ويخابر على الأرض (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
ولأن الأصل جواز ذلك، والمنع من جوازه يحتاج إلى دليل.
وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: عامل رسول الله
صلى الله عليه وآله أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع (3).
وما روي من نهي النبي عليه السلام عن المخابرة (4)، نحمله على إجارة
الأرض ببعض ما يخرج منها. وذلك لا يجوز.
مسألة 5: إذا كانت نخل أنواعا مختلفة، معقلي، وبرني، وسكر، فساقي من
المعقلي على النصف، ومن البرني على الثلث، ومن السكر على الربع كان
جائزا. وبه قال الشافعي (5).
وقال مالك: لا يصح حتى يكون الحصص سواء في الكل (6).

(1) الأم 4: 12، ومختصر المزني: 124، والمجموع 14: 421، والوجيز 1: 227، والسراج الوهاج: 284،
ومغني المحتاج 2: 324، وكفاية الأخبار 1: 194 - 195، وفتح العزيز 12: 111 و 114، والمدونة
الكبرى 5: 20، والمبسوط 23: 17 - 18، والمغني لابن قدامة 5: 582 و 586 و 589، وبدائع
الصنائع 6: 179، وتبيين الحقائق 5: 278، وفتح الرحيم 3: 7 - 8 و 10.
(2) أنظر الكافي 5: 267 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 156 حديث 686، والتهذيب 7: 198
حديث 875.
(3) صحيح مسلم 3: 186 حديث 1 و 2، وصحيح البخاري 3: 137 (باب المزارعة بالشطر ونحوه)،
وسنن ابن ماجة 2: 824 حديث 2467، وسنن أبي داود: 3: 262 حديث 3408، وتلخيص الحبير
3: 59 حديث 1279.
(4) صحيح البخاري 3: 151، وصحيح مسلم 3: 21 حديث 81 و 85، وسنن الترمذي 3: 585 حديث
1290، وسنن النسائي 7: 37 و 40، وسنن أبي داود 3: 262 حديث 3404 و 3407.
(5) مختصر المزني: 125، ومغني المحتاج 2: 326، وفتح العزيز 12: 126.
(6) الخرشي 6: 228، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 2.
477

دليلنا: عموم الأخبار (1)، ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل،
وقوله: " المؤمنون عند شروطهم " (2) يدل عليه.
مسألة 6: إذا شرط في حال العقد على العامل ما يجب على رب النخل أو
بعضه، أو شرط على رب المال ما يجب على العامل عمله أو بعضه، لم يمنع ذلك
من صحته إذا بقي للعامل عمل ولو كان قليلا.
وقال الشافعي: يبطل ذلك العقد (3).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. وقوله: " المؤمنون عند
شروطهم " (4) وهذا عام في كل شرط.
مسألة 7: إذا ساقاه بعد ظهور الثمرة، كان جائزا إذا كان قد بقي للعامل
عمل وإن كان قليلا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز (5).
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولأن الأخبار عامة في جواز المساقاة (6)، ولم يفرقوا
بين حال ظهور الثمرة وعدم ظهورها، والمنع يحتاج إلى دليل.

(1) انظرها في الكافي 5: 267، ومن لا يحضره الفقيه 3: 154، والتهذيب 7: 193.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44.
(3) السراج الوهاج: 285، ومغني المحتاج 2: 326، وكفاية الأخيار 1: 190، والوجيز 1: 228، وفتح
العزيز 12: 132 و 152، والشرح الكبير 5: 572، وبداية المجتهد 2: 244.
(4) تقدمت الإشارة إلى بعض مصادر الحديث في المسألة السابقة فلاحظ.
(5) المجموع 14: 399، والسراج الوهاج: 285، ومغني المحتاج 2: 326، وفتح العزيز 12: 118، وبداية
المجتهد 2: 246، والمغني لابن قدامة 5: 558، والشرح الكبير 5: 558.
(6) يستفاد من عموم الأخبار المروية في الكافي 5: 268، ومن لا يحضره الفقيه 3: 154، والتهذيب
7: 198 في هذا الباب.
478

مسألة 8: يجوز أن يشرط المساقي على رب المال أن يعمل معه غلام لرب
المال.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجوز بلا أجر (1). والآخر: لا يجوز (2).
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 9: إذا ثبت أن ذلك جائز، فلا فرق بين أن يكون الغلام موسوما
بعمل هذا الحائط، أو بعمل غيره من حوائط صاحبه. وبه قال الشافعي على
قوله الذي يجوز ذلك (3).
وقال مالك: لا يجوز إلا الغلام الذي هو موسوم بهذا الحائط فحسب (4).
دليلنا: ما قدمنا في المسألة الأولى سواء.
مسألة 10: إذا شرط على المساقي نفقة الغلام جاز، ولا يلزم أن تكون
مقدرة، بل الكفاية على موجب العادة. وبه قال الشافعي (5).
وقال محمد: لا بد من أن تكون مقدرة لأنها كالأجرة (6).
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولا دليل على وجوب تقديرها.

(1) الأم 4: 12، والمجموع 14: 410، ومختصر المزني: 125، والوجيز 1: 228، وفتح العزيز 12: 132،
والمغني لابن قدامة 5: 567، والشرح الكبير 5: 572 - 573.
(2) المجموع 14: 410، والوجيز 1: 228، وفتح العزيز 12: 132، والمغني لابن قدامة 5: 567، والشرح
الكبير 5: 572 - 573.
(3) الأم 4: 12، ومختصر المزني: 125، وفتح العزيز 12: 133، وبداية المجتهد 2: 245.
(4) المدونة الكبرى 5: 4، وبداية المجتهد 2: 245، والخرشي 6: 233، والشرح الصغير في هامش بلغة
السالك 2: 261.
(5) مختصر المزني: 125، والمجموع 14: 410، وفتح العزيز 12: 133 - 134، والمغني لابن قدامة
5: 568، والشرح الكبير 5: 573.
(6) المغني لابن قدامة 5: 567 - 568، والشرح الكبير 5: 572 - 573.
479

مسألة 11: إذا اختلف رب النخل والعامل، فقال رب النخل شرطت
على أن لك ثلث الثمرة. وقال العامل: على أن لي نصف الثمرة، كان القول قول
رب النخل مع يمينه.
وقال المزني وأصحاب الشافعي: يتحالفان (1).
دليلنا: أن الثمرة كلها لصاحب النخل، لأنها نماء أصله، وإنما يثبت للعامل
بالشرط، فإذا ادعى شرطا فعليه البينة، فإذا عدمها كان القول رب النخل
مع يمينه.
مسألة 12: إذا كان مع كل واحد منهما بينة بما يدعيه، قدمنا بينة العامل
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يسقطان. والآخر: تستعملان.
فإذا استعملهما، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يوقف. والآخر: يقسم.
والثالث: يقرع. وليس ها هنا غير القرعة، فمن خرج اسمه قدمت بينته. وهل
يحلف معها؟ على قولين (2).
دليلنا: أنا قد بينا أن العامل هو المدعي، وإذا كان هو المدعي فبينته تقدم،
لأن النبي عليه السلام قال: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه " (3)
ورب المال مدعى عليه، كان عليه اليمين.
مسألة 13: إذا ظهرت الثمرة، وبلغت الأوسق التي يجب فيها الزكاة، كان
الزكاة على رب المال والعامل معا، فإذا بلغ نصيب كل واحد منهما خمسة أوسق

(1) مختصر المزني: 126، والمجموع 14: 411، وفتح العزيز 12: 171، والمغني لابن قدامة 5: 575،
والشرح الكبير 5: 561، وبداية المجتهد 2: 247.
(2) مختصر المزني 126، وفتح العزيز 12: 171.
(3) الكافي 7: 415 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 20 حديث 52، والتهذيب 6: 229 حديث 553،
وصحيح البخاري 3: 187، وسنن الدارقطني 4: 157 حديث 8 و 218 حديث 53.
480

وجبت فيه الزكاة، وإن نقص نصيب كل واحد منهما عن ذلك لم يجب على
واحد منهما الزكاة.
وإن بلغ نصيب أحدهما النصاب، ونقص نصيب الآخر، كان على من
تمت حصته الزكاة، ولا تلزم الآخر.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن الزكاة تجب على رب النخل دون العامل.
والآخر: أنها على كل واحد منهما.
فإذا قال: على رب النخل، وبلغ خمسة أوسق، كان عليه الزكاة. ومن أين
يخرج له، فيه وجهان:
أحدهما من ماله.
والثاني: من مالهما معا.
وإذا قال: تجب عليهما، نظرت، فإن كان نصيب كل واحد منهما النصاب
وجبت الزكاة، وإن لم يبلغ نصيب كل واحد نصابا، بل بلغ الحقان نصابا،
فهل فيه الزكاة؟ على قولين في الخلطة:
إن قال: لا خلطة في غير الماشية، فلا زكاة.
وإذا قال: تصح الخلطة في غير الماشية، وجبت الزكاة (1).
دليلنا: أنه إذا كانت الثمرة ملكا لهما، فوجبت الزكاة على كل واحد منهما،
فمن أوجب على أحدهما دون الآخر، كان عليه الدليل.
وأما الخلطة فقد بينا فسادها في كتاب الزكاة، وإنا لا نعتبرها، لا في الماشية
ولا في غيرها، لأن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أن مال الخلطة تجب فيه
الزكاة، فيجب أن يبقى على الأصل.

(1) مختصر المزني: 46، والمجموع 5: 450 و 14: 413، والوجيز 1: 83، وفتح العزيز 5: 404 - 405.
481

كتاب الإجارة
483

مسألة 1: كلما جاز أن يستباح بالعارية، جاز أن يستباح بعقد الإجارة.
وبه قال عامة الفقهاء (1)، إلا حكاية تحكى عن عبد الرحمن الأصم (2)، فإنه
قال: لا يجوز الإجارة أصلا (3).
دليلنا: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (4)
فالإجارة على الرضاع تجوز بلا خلاف.
ومن الناس من قال: العقد يتناول اللبن والخدمة، والحضانة تابعة (5).
ومنهم من قال: يكون العقد متناولا للخدمة والحضانة، واللبن تابع (6).
وأيضا قوله تعالى: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين،

(1) المغني لابن قدامة 6: 6، والشرح الكبير 6: 6، والمجموع 15: 5، والبحر الزخار 5: 29.
(2) عبد الرحمن الأصم، وقيل: عبد الرحمن بن الأصم، ويقال اسم الأصم: عبد الله، وقيل: عمرو، أبو بكر العبدي
ويقال الثقفي المدائني مؤذن الحاج، وأصله من البصرة، روى عن أبي هريرة وأنس، وعنه خلف أبو الربيع
والثوري وأبي عوانة وغيرهم. قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب 6: 141، وقيل في حقه في تكملة المجموع شرح
المهذب 15: 5 عبد الرحمن الأصم الذي قيل فيه: إنه عن الحق أصم.
(3) المغني لابن قدامة 6: 6، والشرح الكبير 6: 6، والمجموع 15: 5، والبحر الزخار 5: 29.
(4) الطلاق: 6.
(5) المغني لابن قدامة 6: 83 - 84، والشرح الكبير 6: 18 - 19.
(6) المغني لابن قدامة 6: 84، والشرح الكبير 6: 18 - 19.
485

قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج " (1).
وقوله تعالى: " لو شئت لا تخذت عليه أجرا " (2) لما استضافوهم فأبوا.
وأما السنة، فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " أعطوا
الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " (3).
وروى أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" من استأجر أجيرا فليعلمه أجره " (4).
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " ثلاثة أنا خصمهم يوم
القيامة: رجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا واستوفى منه ولم يوفه
أجره، ورجل أعطاني صفقته ثم غدر " (5).
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر استأجرا رجلا من قبيلة
الديل للهداية إلى المدينة (6).
ومن الإجماع هو قول علي عليه السلام، وابن عباس، وعبد الله بن عمر،

(1) القصص: 26 و 27.
(2) الكهف: 77.
(3) السنن الكبرى 2: 120، وتلخيص الحبير 3: 59 حديث 1384، ومجمع الزوائد 4: 97،
والفردوس 1: 106 حديث 354، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 186، وحلية الأولياء
7: 142، وفي سنن ابن ماجة 2: 817 حديث 2443 عن ابن عمر.
(4) السنن الكبرى 6: 120، وذكر في الدراية 2: 186 الحديث أشار إلى بعض مصادره فلاحظ.
(5) في صحيح البخاري 3: 118 باب إثم من منع أجر الأجير، وسنن ابن ماجة 2: 816 حديث
2442، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 9: 218 حديث 7295، والدراية في تخريج
أحاديث الهداية 2: 186 حديث 861 عن أبي هريرة وباختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث
فلاحظ
(6) صحيح البخاري 3: 116 باب استئجار المشركين عند الضرورة، والسنن الكبرى 6: 118.
486

وعبد الرحمن بن عوف (1)، ورافع بن خديج (2).
فأما علي عليه السلام فأجر نفسه من يهودي يسقي له الماء كل دلو بتمرة،
وجمع التمرات، وحملها إلى النبي صلى الله عليه وآله فأكله (3).
وعبد الله بن عباس وابن عمر، فروي عنهما أنهما قالا في تأويل قوله تعالى:
" ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " (4) قالا: معناه أن يحج
ويواجر نفسه (5).
وأما عبد الرحمن بن عوف، فإنه استأجر أرضا، فلما حضرته الوفاة أمر
ليعطي ما بقي عليه من الورق والذهب، فقال ابنه: كنت أراها أن تكون ملكا
له لطول ما مكثت في يده (6).

(1) عبد الرحمن بن عوف بن عبيد بن عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب. قيل كان اسمه في الجاهلية
عبد الحارث. عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أحد الأركان يوم
السقيفة في بيعة أبي بكر، وكان من إخصائه في الجاهلية، وهو أيضا أحد الستة الذين جعل ابن الخطاب الأمر
شورى بينهم، وهو الذي اختار عند الشورى عثمان فبايعه وترك عليا، ولما هلك أوصى أن يصلي عليه
عثمان. تنقيح المقال 2: 146 - 147.
(2) رافع بن خديج، عده الشيخ الطوسي تارة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأخرى من أصحاب
أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا فيه: إنه عرض نفسه يوم بدر للجهاد فرده النبي صلى الله عليه وآله لاستصغاره
إياه وأجازه يوم أحد، فشهد أحد والخندق فمات سنة أربع وسبعين، وهو ابن ست وثمانين سنة،
وقالوا أيضا: أنه شهد صفين مع علي بن أبي طالب عليه السلام. تنقيح المقال 1: 422.
(3) أنظر سنن ابن ماجة 2: 818 حديث 2446 و 2447، والسنن الكبرى 6: 119، والدراية في تخريج أحاديث
الهداية 2: 187 ذيل الحديث 862.
(4) البقرة: 198.
(5) سنن الدارقطني 2: 292 - 293 حديث 250 و 255، وسنن أبي داود 2: 142 حديث 1723 و 1734،
وأحكام القرآن للجصاص 1: 309، وتفسير القرطبي 2: 414.
(6) الموطأ 2: 712 حديث 4، والأم 4: 25، والبحر الزخار 5: 30.
487

وأما رافع بن خديج، فإنه قال: يجوز إجارة الأرض بالورق، والذهب (1).
وأجمع المسلمون على ذلك، وخلاف الأصم قد انقرض.
مسألة 2: عقد الإجارة من العقود اللازمة، متى حصل لم يكن لأحدهما
فسخ الإجارة إلا عند وجود عيب بالثمن، أو فلس المستأجر، فحينئذ يملك المؤجر
الفسخ. أو وجود عيب بالمستأجر مثل: غرق الدار، وانهدامها على وجه يمنع من
استيفاء المنفعة، فإنه يملك المستأجر الفسخ. فأما من غير ذلك فلا. وبه قال
الشافعي، ومالك، والثوري، وأبو ثور (2).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن الإجارة يجوز فسخها لعذر، قالوا: إذا اكترى
الرجل جملا ليحج به، ثم بدا له من الحج، أو مرض فلم يخرج، كان له أن
يفسخ الإجارة. وكذلك إذا اكترى دكانا ليتجر فيه ويبيع ويشتري، فذهب
ماله وأفلس، فإنه يجوز له أن يفسخ الإجارة.
قال: وبمثل هذه الأعذار لا يكون للمكري الفسخ، فإذا أكرى جماله من
إنسان ليحج بها ثم بدا له من ذلك لم يملك فسخ الإجارة وكذلك إذا آجره داره
أو دكانه، وأراد السفر، ثم بدا له من السفر لم يكن له فسخ الإجارة.
إلا أن أصحابه يقولون: للمكري فسخ الإجارة لعذر كالمكتري سواء.
ولا يبينون الموضع الذي يكون له الفسخ (3).

(1) صحيح مسلم 3: 1183 حديث 115، والموطأ 2: 711 ذيل حديث 1، وسنن النسائي 7: 43 -
44، والسنن الكبرى 6: 131 - 132.
(2) الأم 4: 25 - 26، والمجموع 15: 9 و 41، وكفاية الأخيار 1: 192، والهداية المطبوع في هامش فتح
القدير 8: 222، والنتف 2: 892، والمبسوط 16: 2، تبيين الحقائق 5: 145، والمغني لابن قدامة
6: 24، والشرح الكبير 6: 111 و 125 والأشباه والنظائر للسيوطي: 525، وبداية المجتهد 2: 227.
(3) اللباب 2: 53 - 54، والمبسوط 16: 2، والنتف 2: 892، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح
القدير 8: 222، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 222، والفتاوى الهندية
4: 458 - 459، وتبيين الحقائق 5: 145، والمغني لابن قدامة 6: 24، والشرح الكبير 6: 115
والمجموع 15: 41، وبداية المجتهد 1: 227.
488

دليلنا أن العقد قد ثبت، ومن ادعى أن لهما أو لأحدهما الفسخ فعليه
الدلالة.
وأيضا قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (1) فأمر بالوفاء بالعقود، والإجارة عقد،
فوجب الوفاء به.
مسألة 3: من استأجر دارا أو دابة أو عبدا فإن المستأجر يملك تلك المنفعة،
والمؤجر يملك الأجرة بنفس العقد، حتى أن المستأجر أحق عندنا بملك المنفعة
من مالكها. وبه قال الشافعي (2).
وذهب أبو حنيفة إلى أن المؤجر يملك الأجرة بنفس العقد، والمستأجر لا يملك
المنفعة، وإنما تحدث في ملك المكري، ثم يملك المكتري من المكري حين حدوثه
في ملكه، فعنده المنفعة غير مملوكة، وإنما المكري يملك حدوثها، والمكتري يملك
من المكري بعد ذلك (3).
وعلى مذهبنا المكتري يملك المنفعة بنفس العقد.
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
مسألة 4: إذا أطلقا عقد الإجارة ولم يشرطا تعجيل الأجرة، ولا تأجيله،
فإنه يلزم الأجرة عاجلا. وبه قال الشافعي (5).

(1) المائدة: 1.
(2) الأم 4: 25 و 17، ومختصر المزني: 126، ومغني المحتاج 2: 334، وكفاية الأخيار 1: 192، والأشباه
والنظائر: 525، وفتح العزيز 12: 197، والمبسوط 15: 108، وشرح فتح القدير 7: 153، والشرح
الكبير 6: 60.
(3) اللباب 2: 52، والفتاوى الهندية 4: 413، وشرح فتح القدير 7: 153 و 157 والمغني لابن قدامة
6: 17 - 18، والشرح الكبير 6: 60، وفتح العزيز 12: 197 - 198.
(4) يدل عليه ما رواه الصدوق في الفقيه 3: 155 حديث 681 - 682.
(5) الأم 4: 30، ومختصر المزني: 126، وكفاية الأخيار 1: 192، والمجموع 15: 17، والسراج الوهاج:
288، ومغني المحتاج 2: 334، وفتح العزيز 12: 197، الشرح الكبير 6: 155، وبداية المجتهد: 226.
489

وقال مالك: إنما يلزمه أن يسلم إليه الأجرة جزء فجزء، فكلما استوفى جزء
من المنفعة لزمه أن يوفيه ما في مقابله من الأجرة (1).
وقال أبو حنيفة وأصحابه: القياس ما قال مالك، ولكن يشق ذلك، فكلما
استوفى منفعة يوم فعليه تسليم ما في مقابله (2).
وقال الثوري: لا يلزمه تسليم شئ من الأجرة ما لم تنقض مدة الإجارة
كلها (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير (4).
وأيضا قوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (5) وإنما أراد: فإن
بذلن لكم الرضاع فآتوهن أجورهن. بدليل أنه قال في آخرها: " وإن تعاسرتم
فسترضع له أخرى " (6).
والتعاسر: أن لا ترضى المرضعة بأجرة مثلها فأخبر أنها متى لم ترض بأجرة
المثل، فإنه يواجر غيرها ليرضعه.
مسألة 5: إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، كانت إجارة
صحيحة. وبه قال أبو حنيفة (7)، وهو قول بعض أصحاب الشافعي (8).

(1) بداية المجتهد 2: 226، وجواهر الإكليل 2: 185، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 267
وفتح العزيز 12: 197 - 198.
(2) المبسوط 15: 111، وبداية المجتهد 2: 226، والمجموع 15: 17، وفتح العزيز 12: 197 - 198.
(3) بداية المجتهد 2: 226.
(4) أنظر التهذيب 7: 211 حديث 929 و 930 وغيرهما، وانظر أيضا الكافي 5: 289 حديث 2 و 3.
(5) الطلاق: 6.
(6) الطلاق: 6.
(7) المبسوط 15: 131، واللباب 2: 46، والفتاوى الهندية 4: 416، وشرح فتح القدير 7: 177، وشرح
العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 176، وتبيين الحقائق 5: 122، والمغني لابن قدامة
6: 22، والمجموع 15: 19، والبحر الزخار 5: 35.
(8) المجموع 15: 19، وفتح العزيز 12: 343، والبحر الزخار 5: 35.
490

وفي أصحابه من قال: هذه إجارة باطلة (1).
دليلنا: أنه لا دليل على بطلان ذلك، والأصل جوازه.
مسألة 6: إذا استأجر دارا أو عبدا سنة، فتلف المعقود عليه بعد القبض قبل
استيفاء المنفعة، فإنه تنفسخ الإجارة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك،
والشافعي (2).
وقال أبو ثور: لا تنفسخ الإجارة، والتلف من ضمان المكتري، قال: لأن
هذه المنفعة صارت في حكم المقبوض كالعين (3).
دليلنا: إن المعقود عليه المنفعة، فإذا تعذرت وجب أن ينفسخ الإجارة.
مسألة 7: الموت يبطل الإجارة، سواء كان موت المؤجر أو المستأجر. وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه، والليث بن سعد، والثوري (4).
وقال الشافعي: الموت لا ينفسخ الإجارة من أيهما كان. وبه قال عثمان
البتي، ومالك، وأحمد وإسحاق، وأبو ثور (5).

(1) المجموع 15: 12 و 19، وفتح العزيز 12: 343، وبحر الزخار 5: 35.
(2) المبسوط 16: 5 و 15: 137، واللباب 4: 104، والمجموع 15: 73 - 74، وكفاية الأخيار 1: 192،
ومغني المحتاج 2: 348، والسراج الوهاج: 293، والوجيز 1: 238، والمحلى 8: 187، وبداية المجتهد
2: 227، والمغني لابن قدامة 6: 30، والشرح الكبير 6: 119.
(3) المجموع 15: 74، والمحلى 8: 187، والمغني لابن قدامة 6: 30، والشرح الكبير 6: 119.
(4) اللباب 2: 53، والمبسوط 15: 137 و 16: 5، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 220،
وشرح فتح القدير 7: 220، وتبين الحقائق 5: 144، والعقود الدرية 2: 99، وفتح الباري 4: 462،
والأشباه والنظائر: 272، وبداية المجتهد 2: 228، والمحلى 8: 184، والمغني لابن قدامة 6: 48،
والشرح الكبير 6: 124، والمجموع 15: 90.
(5) الأم 4: 30، ومختصر المزني: 126، والمجموع 15: 88 و 90، وكفاية الأخيار 1: 192، والسراج
الوهاج: 295، ومغني المحتاج 2: 356، والوجيز 1: 238 - 239، والمدونة الكبرى 4: 477 و 542،
والمحلى 8: 184، والمغني لابن قدامة 6: 48، والشرح الكبير 6: 124، وبداية المجتهد 1: 228، وفتح
الباري 4: 462.
491

وفي أصحابنا من قال: موت المستأجر يبطلها، وموت المؤجر لا يبطلها (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2)، فإن ما حكيناه عن بعضهم شاذ لا معول
عليه.
وأيضا فإن المكتري دخل على أن يستوفي المنفعة من ملك المكري، فكيف
يستوفي من ملك غيره، وقد زال ملك المكري.
مسألة 8: إذا أكرى دابة من بغداد إلى حلوان، فركبها إلى همدان، فإنه
يلزمه أجرة المسمى من بغداد إلى حلوان، ومن حلوان إلى همدان أجرة المثل.
وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه أجرة التي تعدى فيها، بنى على أصله: أن المنافع
لا تضمن بالغصب (4).
وقال مالك: إن كان قد تجاوز بها شيئا يسيرا فإنه كما قلنا، وإن تعدى فيها
شيئا كثيرا، فإن المكري بالخيار، إن شاء أخذ منه أجرة المثل لذلك التعدي،
أو يأخذ منه الدابة (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (6) وأيضا فإن الاحتياط يقتضي ذلك، لأن

(1) قال القاضي ابن البراج في المهذب ج 1: 501 ما لفظه: " وعمل الأكثر من أصحابنا على أن موت
المستأجر هو الذي يفسخها ".
(2) أنظر الكافي 5: 270 حديث 2، والتهذيب 7: 207 حديث 912.
(3) الأم 4: 32 و 39 و 7: 139، ومختصر المزني: 126، والمجموع 15: 58 و 98، والمغني لابن قدامة
6: 89، وبداية المجتهد 2: 229.
(4) المبسوط 15: 172، والفتاوى الهندية 4: 493، والأم 4: 39، والمغني لابن قدامة 6: 89، وبداية
المجتهد 2: 229.
(5) المدونة الكبرى 4: 479، وبداية المجتهد 2: 229، وبلغة السالك 2: 286، والشرح الصغير في هامش
بلغة السالك 2: 286، والأم 7: 139، والمغني لابن قدامة 6: 89.
(6) الكافي 5: 290 حديث 6، والتهذيب 7: 215 حديث 943، والاستبصار 3: 134 حديث 483.
492

من أدى ما قلنا برئت ذمته بالإجماع، ومتى لم يفعل لم يبرأ ذمته بيقين، لأنه فيه
الخلاف.
مسألة 9: ويضمن الدابة بتعديه فيها من حلوان إلى همدان بلا خلاف إذا لم
يكن صاحبها معها، فإن ردها إلى حلوان فإنه لا يزول معه ضمانه عندنا، فإن
ردها إلى بغداد إلى يد صاحبها زال ضمانه، وعليه أجرة المثل فيما تعدى على
ما مضى، ويكون عليه ضمانها من وقت التعدي إلى حين التلف، لا من يوم
أكراها.
وقال الشافعي: لا يزول ضمانه إذا ردها إلى حلوان. وبه قال أبو حنيفة
وأبو يوسف (1).
قال أبو يوسف: وكان أبو حنيفة يقول: لا يزول الضمان بردها إلى هذا
المكان، ثم رجع فقال بزوال الضمان عنه (2).
وقال زفر ومحمد: إنه يزول الضمان عنه، كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها
إلى مكانها كما كانت (3).
دليلنا: أنه قد ثبت أنه ضمنها بالتعدي بلا خلاف، ومن قال: يزول ضمانه
بردها إلى موضع التعدي فعليه الدلالة، وعلى المسألة إجماع الفرقة، وأخبارهم (4)
تدل عليها.
مسألة 10: يجوز الإجارة إلى أي وقت شاء. وبه قال أهل العراق (5).

(1) الأم 4: 32 و 37 و 39، ومختصر المزني: 126، والمجموع 15: 94 و 96 و 98، والمبسوط 15: 173،
والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 170، والفتاوى الهندية 4: 493، وتبيين الحقائق
5: 119، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 170، والمغني لابن قدامة 6: 91.
(2) المبسوط 15: 173.
(3) المبسوط 15: 173، والمغني لابن قدامة 6: 91، والشرح الكبير 6: 102.
(4) الفروع 5: 289 حديث 3، والتهذيب 7: 214 حديث 939، ومن لا يحضره الفقيه 3: 162 حديث 709.
(5) اللباب 2: 36، والمجموع 15: 19، والمغني لابن قدامة 6: 11.
493

وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: لا تجوز المدة في الإجارة أكثر من سنة (1).
والثاني: مثل ما قلناه (2).
وله قول آخر أنه يجوز ثلاثين سنة (3).
وقال: يجوز المساقاة سنتين (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا قوله تعالى: " على أن تأجرني ثماني حجج، فإن أتممت عشرا فمن
عندك " (5) يدل على جواز الإجارة أكثر من سنة.
مسألة 11: إذا استأجر دارا أو غيرها من الأشياء، وأراد أن يوجرها بأقل
مما استأجرها، أو أكثر منه، أو مثله جاز ذلك إذا أحدث فيها حدثا كيف
ما أراد، وسواء أجرها من المؤجر أو من غيره، كل ذلك جائز. وبه قال
الشافعي، إلا أنه لم يراع إحداث الحدث (6).
وقال أبو حنيفة: إن أجرها من المكري بمثل الأجرة أو أقل منها فإنه يجوز،
وإن آجرها بأكثر منه فإنه لا يجوز - كما قال في البيع - وإن آجرها من غير

(1) المجموع 14: 405، و 15: 18، والوجيز 1: 232، ومغني المحتاج 2: 349، والسراج الوهاج: 293،
وفتح العزيز 12: 333 و 337، وبداية المجتهد 2: 224، والمغني لابن قدامة 6: 11، والشرح الكبير
6: 57.
(2) المجموع 15: 19.
(3) المجموع 14: 405، و 15: 18، ومغني المحتاج 2: 349، والسراج الوهاج: 293، وفتح العزيز
12: 334 - 335 و 337، والمغني لابن قدامة 6: 11، والشرح الكبير 6: 57.
(4) المجموع 14: 406، والسراج الوهاج: 286، ومغني المحتاج 2: 328.
(5) القصص: 27.
(6) المجموع 15: 58 - 59 و 61، والوجيز 1: 239، والمغني لابن قدامة 6: 62، والشرح الكبير 6: 51،
والمبسوط 15: 130، والبحر الزخار 5: 36.
494

المكري (1) كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2)، ولأن عند إحداث الحدث لا خلاف في
جوازه، وقبل ذلك لم يقم دليل على صحته.
مسألة 12: الإجارة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون معينة أو في الذمة.
فإن كانت معينة، مثل أن قال: استأجرت منك هذه الدار أو هذا العبد
سنة، فإنه لا يمتنع دخول خيار الشرط فيها، وإن كانت في الذمة فكذلك. وبه
قال أبو حنيفة، لأن عنده يجوز أن يستأجر أرضا أو دارا بعد شهور (3)
وقال الشافعي: إن كانت الإجارة معينة لا يجوز أن يدخلها خيار الشرط،
لأن من شرط الإجارة أن تكون المدة متصلة بالعقد، فيقول: آجرتك سنة من
هذا اليوم، فإن شرط خيار الثلاث بطلت، لأن هذه المدة لا يمكن أن ينتفع بها
المكتري، فلا يخلو أن تحتسب على المكري أو على المكتري.
ولا يجوز أن تحتسب على المكري، لأنه إنما آجر شهرا، فلو احتسبنا عليه هذه
المدة لزدنا عليه، ولا يجوز أن تحتسب على المكتري، لأنه استأجر شهرا،
فلا ينقص عن مدته، فدل ذلك على أنه لا يجوز (4).

(1) حاشية رد المحتار 6: 91، والمجموع 15: 60 - 61، والمغني لابن قدامة 6: 62، والشرح الكبير 6: 51،
والبحر الزخار 5: 36.
(2) الكافي 5: 272 حديث 4: و 8، والتهذيب 7: 204 و 223 حديث 899 و 979.
(3) اللباب 2: 53، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 221، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 7: 221، وتبيين الحقائق 5: 145 و 148، والمجموع 15: 41، وفتح العزيز
12: 257 - 258، والبحر الزخار 5: 36.
(4) المجموع 15: 41 و 43، وفتح العزيز 12: 257 - 258، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير
7: 221، وتبيين الحقائق 5: 145، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 221،
والبحر الزخار 5: 37.
495

وأما خيار المجلس فهل يثبت أم لا؟ فيه وجهان (1).
وعندنا أنه لا يمتنع ذلك إذا شرط، وإن لم يشرط فلا خيار للمجلس.
دليلنا: قوله: " المؤمنون عند شروطهم " (2).
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 13: إذا قال: آجرتك هذه الدار شهرا، ولم يقل من هذا الوقت
وأطلق، فإنه لا يجوز.
وكذلك إذا آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل، فإنه لا يجوز. وبه قال
الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: إذا أطلق الشهر جاز، ويرجع الإطلاق إلى الشهر الذي يلي
العقد ويتعقبه، وإذا آجره شهرا مستقبلا جاز ذلك (4).
دليلنا: أن عقد الإجارة حكم شرعي، ولا يثبت إلا بدلالة شرعية، وليس
على ثبوت ما قاله دليل، فوجب أن لا يكون صحيحا.
مسألة 14: إذا آجره شهرا من وقت العقد، ولم يسلمها إليه حتى مضت
أيام، إنفسخت الإجارة في مقدار ما مضى، وتصح في الذي بقي.
وقال الشافعي: تنفسخ فيما مضى، وفيما بقي على طريقين (5).

(1) المجموع 15: 41 و 43، والبحر الزخار 5: 36.
(2) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(3)
المجموع 15: 12 و 19 و 36، وفتح العزيز 12: 257 و 342، والوجيز 1: 231، ومغني المحتاج
2: 338، والمغني لابن قدامة 6: 10، وبداية المجتهد 2: 224، والمبسوط 15: 131.
(4) اللباب 2: 46، والمبسوط 15: 131، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 176، وتبيين
الحقائق 5: 122 - 123، والمغني لابن قدامة 6: 10، وفتح العزيز 12: 257 - 258 و 342.
(5) مغني المحتاج 2: 359، والسراج الوهاج: 296، والوجيز 1: 239.
496

ومن أصحابه من قال: على قولين (1).
ومنهم من قال: تصح قولا واحدا (2) مثل ما قلناه.
دليلنا: إن انفساخها فيما مضى مجمع عليه، وفيما بعد يحتاج إلى دلالة، وليس
على ذلك دلالة.
مسألة 15: إذا اكترى دابة ليركبها إلى النهروان مثلا، أو يقطع بها مسافة
معلومة، فسلمها المكرى إليه وأمسكها مدة يمكنه المسير إليها، فلم يفعل،
استقرت عليه الأجرة. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: لا تستقر عليه الأجرة حتى يسيرها في بقاع تلك
المسافة (4).
دليلنا: أنه عقد على بهيمة، ومكنه منها، فإذا لم يستوف المنفعة فقد ضيع
حقه، والأجرة لازمة له لأنها وجبت بالعقد، كما لو سيرها في بقاع السفر ولم
يركبها، فإنه يلزمه الأجرة بلا خلاف.
مسألة 16: إذا استأجر مرضعة مدة من الزمان بنفقتها وكسوتها، ولا يعين
المقدار، لم يصح العقد. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: يصح (6).

(1) المصادر السابقة.
(2) مغني المحتاج 2: 359، والسراج الوهاج: 296.
(3) مختصر المزني: 128، والمجموع 15: 33 - 34، والسراج الوهاج: 296، ومغني المحتاج 2: 358،
والوجيز 1: 237.
(4) المبسوط 15: 176 - 177 و 184، وشرح فتح القدير 7: 158، وشرح العناية على الهداية بهامش
شرح فتح القدير 7: 158.
(5) المجموع 15: 29 - 30، وفتح العزيز 12: 200، وبداية المجتهد 2: 225، والمبسوط 15: 119، وتبيين
الحقائق 5: 127، والمغني لابن قدامة 6: 78، والشرح الكبير 6: 14 - 15، والبحر الزخار 5: 47.
(6) اللباب 2: 49، والمبسوط 15: 119 و 16: 34، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 185،
وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 185، والفتاوى الهندية 4: 431، وتبيين
الحقائق 5: 127، وبداية المجتهد 2: 225، والمغني لابن قدامة 6: 77، والشرح الكبير 6: 14، وفتح
العزيز 12: 200، والبحر الزخار 5: 47.
497

دليلنا: أنه إذا عين مقدار الأجرة صحت الإجارة بلا خلاف، وليس على
قول من قال بصحته من غير تعيين الأجرة دليل.
مسألة 17: إذا استأجر امرأة لترضع ولده، فمات واحد من الثلاثة، بطلت
الإجارة.
وقال الشافعي: إن ماتت المرأة بطلت الإجارة، وإن مات الأب لا تبطل،
وإن مات الصبي ففيه قولان (1).
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن الإجارة تبطل بالموت (2)، وهي
تناول هذا الموضع.
مسألة 18: إذا آجرت نفسها للرضاع أو لغيره بإذن زوجها، صحت
الإجارة بلا خلاف. وإن آجرتها بغير إذنه، لم تصح الإجارة.
وللشافعي فيه جهان:
أحدهما: مثل ما قلناه (3).
والثاني: تصح الإجارة، غير أنه يثبت له الخيار، فله أن يفسخ الذي
عقدته (4).
دليلنا: أنه لا دليل على صحة هذه الإجارة. وأيضا فإن المرأة معقودة على
منافعها لزوجها بعقد النكاح، فلا يجوز لها أن تعقد لغيرها، فيخل ذلك بحقوق زوجها.

(1) المجموع 15: 80 و 82، والوجيز 1: 239، والمغني لابن قدامة 6: 87.
(2) أنظر الكافي 5: 270 حديث 2، والتهذيب 7: 207 حديث 912.
(3) المجموع 15: 29، ومغني المحتاج 2: 337، والسراج الوهاج: 289، وفتح العزيز 12: 273.
(4) المجموع 15: 29، والسراج الوهاج: 289، وفتح العزيز 12: 272 - 273، ومغني المحتاج 2: 337.
498

مسألة 19: إذا وجد الأب من يرضع ولده بدون أجرة المثل، أو وجد من
تتطوع برضاعه، وأم الصبي لا ترضى إلا بأجرة المثل، كان له أن ينتزع الصبي
منها ويسلمه إلى غيرها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (1).
والثاني: الأم أولى (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3)، ولأن كونها أولى مع زيادة الأجرة يحتاج
إلى دليل، ولا دليل.
مسألة 20: إذا باع الرقبة المستأجرة لم تبطل الإجارة، سواء باعها من
المستأجر أو من غيره. ثم ينظر، فإن علم المشتري بالإجارة لم يكن له الخيار،
وعليه أن يمسك حتى يمضي مدة الإجارة، وإن لم يعلم كان له الرد بالعيب،
والخيار إليه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: إن البيع باطل (4).
والثاني: صحيح (5).

(1) المجموع 18: 311 و 314، والوجيز 2: 116، والسراج الوهاج: 472، ومغني المحتاج 3: 450، والمغني
لابن قدامة 9: 313 - 314.
(2) نفس المصادر المتقدمة.
(3) الكافي 6: 44 حديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 3: 274 حديث 1302، والتهذيب 8: 104 حديث
352، والاستبصار 3، 320 حديث 1138.
(4) المجموع 15: 87 و 89، والوجيز 1: 239، ومغني المحتاج 2: 360، والسراج الوهاج: 297، والمغني
لابن قدامة 6: 53، والشرح الكبير 6: 129.
(5) المجموع 15: 87 و 89، والوجيز 1: 239، والسراج الوهاج: 297، ومغني المحتاج 2: 360، والمحلى
8: 186، والمغني لابن قدامة 6: 53، والشرح الكبير 6: 129.
499

ويقول مثل ما قلناه إذا كان على أجنبي. فأما إذا باعها من المستأجر،
فالبيع صحيح قولا واحدا.
وقال أبو حنيفة: يكون البيع موقوفا على رأي المستأجر، فإن رضي به بطلت
إجارته وصح البيع، وإن لم يرض به ورده بطل البيع وبقيت الإجارة (1).
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن البيع لا يبطل الإجارة (2)، وهي
مجمع عليها عند الطائفة المحقة، ولأن كون البيع مبطلا للإجارة التي ثبت
صحتها يحتاج إلى دليل شرعي.
مسألة 21: إذا آجر الأب أو الوصي الصبي أو شيئا من ماله مدة، صحت الإجارة
بلا خلاف، فإن بلغ الصبي قبل انقضاء المدة، كان له ما بقي، ولم يكن للصبي
فسخه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (3).
والثاني: له ذلك (4).
دليلنا: أن العقد على عين الصبي أو على ماله وقع صحيحا بلا خلاف، فمن
ادعى أن له الفسخ بعد بلوغه فعليه الدلالة.
مسألة 22: إذا استأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه، أو ليشتري له شيئا
موصوفا، فإن ذلك يجوز عندنا. وقال الشافعي مثل ما قلناه (5).

(1) المحلى 8: 187، والشرح الكبير 6: 129 - 130، والمغني لابن قدامة 6: 53 - 54.
(2) أنظر الكافي 5: 271 حديث 3، ومن لا يحضره الفقيه 3: 160 حديث 701، والتهذيب 7: 207
حديث 910.
(3) المجموع 15: 88 و 93، والوجيز 1: 239، والمغني لابن قدامة 6: 51 - 52، والشرح الكبير 6: 53 - 54.
(4) نفس المصادر المتقدمة.
(5) الأم 4: 32، والمغني لابن قدامة 6: 47، والشرح الكبير 6: 71، والبحر الزخار 5: 50.
500

وقال أبو حنيفة: لا يجوز (1).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع
ما يدل على المنع منه، فوجب جوازه.
مسألة 23: يجوز إجارة الدفاتر، سواء كان مصحفا أو غيره ما لم يكن به
كفر. وبه قال الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إجارة شئ من ذلك (3).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 24: لا يجوز إجارة حائط مزوق أو محكم، للنظر إليه، والتفرج به،
والتعلم منه. وبه قال أبو حنيفة (4).
وقال الشافعي: يجوز ذلك إذا كان فيه غرض من الفرجة أو التعلم
منه (5).
دليلنا: أن ذلك عبث، والتعلم منه قبيح، وإذا لم يجز التعلم منه فإجارته
قبيحة.
مسألة 25: إذا انفرد الأجير بالعمل في غير ملك المستأجر، فتلف الشئ
الذي استؤجر فيه بتقصير منه، أو بشئ من أفعاله، أو بنقصان من صنعته، فإنه
يلزمه ويكون ضامنا، سواء كان الأجير مشتركا أو منفردا.
وقال أبو حنيفة في الأجير المشترك مثل ما قلناه. وذلك مثل أن يدق القصار

(1) المغني لابن قدامة 6: 47، والشرح الكبير 6: 71، والبحر الزخار 5: 50.
(2) المحلى 8: 193 - 194، والمغني لابن قدامة 6: 153، والشرح الكبير 6: 39، والبحر الزخار 5: 33.
(3) المبسوط 16: 36 - 37، والفتاوى الهندية 4: 449، وتبيين الحقائق 5: 125، وحاشية رد المحتار
6: 55، والمغني لابن قدامة 6: 153، والشرح الكبير 6: 39، والبحر الزخار 5: 32.
(4) الفتاوى الهندية 4: 449، والمغني لابن قدامة 6: 153، والبحر الزخار 5: 32، والشرح الكبير 6: 39.
(5) يستفاد ذلك أيضا من قول السرخسي في المبسوط 16: 37 فلاحظ.
501

الثوب فينخرق، أو يقصره فيتمزق، فيكون عليه الضمان. وبه قال أحمد،
وإسحاق (1).
وقال أبو يوسف ومحمد: إن تلف بأمر ظاهر لا يمكن دفعه كالحريق المنتشر
واللهب الغالبة، فإنه لا يضمنه. وإن تلف بأمر يمكنه دفعه ضمنه (2).
وأما الأجير المنفرد فلا ضمان عليه عندهم (3)، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه إذا انفرد بالعمل في غير ملك المستأجر فإنه يكون ضامنا متى
تلف، بأي شئ تلف، بالسرقة أو بالحريق، أو شئ من فعله أو غير فعله، وهو
قول مالك، وابن أبي ليلى، والشعبي (4).
والآخر: أنه لا ضمان عليه، سواء كان منفردا أو مشتركا، وقبضه قبض
أمانة. وهو قول عطاء، وطاوس (5).
وقال الربيع: كان الشافعي يعتقد أنه لا ضمان على الصناع بته (6).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (7). وأيضا فإن الأصل براءة الذمة، وما

(1) اللباب 2: 41 و 43، والمبسوط 15: 80 - 81، والهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 7: 201،
وتبيين الحقائق 5: 135 و 138، والمغني لابن قدامة 6: 118، والشرح الكبير 6: 135، وبداية المجتهد
2: 229.
(2) اللباب 2: 41 و 43، والهداية 7: 207، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 207،
والمبسوط 15: 80 - 81، والفتاوى الهندية 4: 500، وتبيين الحقائق 5: 134 و 138.
(3) أنظر المصادر المتقدمة.
(4) مختصر المزني: 127، والمجموع 15: 95، وبداية المجتهد 2: 229، والمغني لابن قدامة 6: 118 و 129،
والشرح الكبير 6: 135.
(5) مختصر المزني: 127، والمجموع 15: 95 و 100، والمغني لابن قدامة 6: 118، والشرح الكبير 6: 136.
(6) الأم 4: 40، والمجموع 15: 96، والمغني لابن قدامة 6: 118، والشرح الكبير 6: 136.
(7) الكافي 5: 241 باب ضمان الصناع، والتهذيب 7: 218 - 221 حديث 952 و 955 و 957 و 958
و 960 و 963 و 967، والاستبصار 3: 131 - 133 حديث 470 و 472 و 743 و 475 و 476 و
480 و 481.
502

ذكرناه مجمع عليه.
وما روي عن علي عليه السلام أنه كان يضمن الأجير (1)، محمول على أنه إذا
كان بفعله.
مسألة 26: الختان، والبيطار، والحجام يضمنون ما يجنون بأفعالهم، ولم أجد
أحدا من الفقهاء ضمنهم (2)، بل حكى المزني أن أحدا لا يضمنهم (3).
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة.
مسألة 27: إذا حبس حرا أو عبدا مسلما، فسرقت ثيابه، لزمه ضمانها.
وقال الشافعي: إن حبس حرا فلا ضمان على حابسه إذا سرقت ثيابه،
وإن كان عبدا لزمه ضمانها (4).
دليلنا: أن الحبس كان سبب السرقة، بدلالة أنه لو لم يحبسه لم تسرق،
فوجب عليه الضمان.
مسألة 28: الراعي إذا أطلق له الرعي حيث شاء، فلا ضمان على ما يتلف
من الغنم، إلا إذا كان هو السبب فيه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه (5).
والآخر: عليه الضمان. مثل القول في الصناع سواء (6).

(1) الكافي 5: 242 - 243 حديث 4 و 5 و 9، ومن لا يحضره الفقيه 3: 162 - 163 حديث 714 و
716، والتهذيب 7: 216 - 220 حديث 945 و 956 و 959 و 961 و 962.
(2) أنظر مختصر المزني: 127، والمحلى 8: 202، والمغني لابن قدامة 6: 133 - 134، والشرح الكبير 8: 202.
(3) مختصر المزني: 127، والمحلى 8: 202.
(4) أنظر المجموع 14: 274.
(5) الأم 4: 37 و 40، ومختصر المزني: 127، والمجموع 15: 50 و 98 - 99.
(6) الأم 4: 37 و 40، ومختصر المزني: 127، والمجموع 15: 50 و 98 - 99.
503

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها فعليه الدلالة.
مسألة 29: إذا اكترى دابة فركبها أو حمل عليها، فضربها أو كبحها باللجام
على ما جرت به العادة في التسيير، فتلفت، فلا ضمان عليه، وإن كان ذلك
خارجا عن العادة لزمه الضمان. وهو قول الشافعي، وأبي يوسف، ومحمد (1).
وقال أبو حنيفة: عليه الضمان في الحالين (3).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها بشئ الدلالة.
مسألة 30: إذا سلم مملوكا إلى معلم، فمات حتف أنفه، أو وقع عليه شئ
من السقف فمات من غير تعد من المعلم، فلا ضمان عليه.
وللشافعي فيه قولان مثل ما قال في الوديعة (3).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
مسألة 31: إذا عزر الإمام رجلا فأدى إلى تلفه، لم يجب عليه الضمان.
وبه قال أبو حنيفة (4).
وقال الشافعي: يجب فيه الضمان (5).
وأين يجب؟ فيه قولان: أحدهما في بيت المال. والآخر على عاقلته.

(1) الأم 4: 37، ومختصر المزني: 127، والمجموع 15: 54 - 55 وكفاية الأخيار 1: 193، والسراج
الوهاج: 294، ومغني المحتاج 2: 353، واللباب 2: 40، والمبسوط 15: 174، والهداية المطبوع
بهامش شرح فتح القدير 7: 170، وتبيين الحقائق 5: 118.
(2) اللباب 2: 40، والمبسوط 15: 174، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 170، وشرح فتح
القدير 7: 170، والفتاوى الهندية 4: 493، وتبيين الحقائق 5: 118، وحاشية رد المحتار 6: 39،
والمجموع 15: 55.
(3) المجموع 14: 178 و 15: 95، والوجيز 1: 284 و 286، والمغني لابن قدامة 6: 130 - 131.
(4) الفتاوى البزازية في هامش الفتاوى الهندية 6: 430، ومختصر المزني: 128، والشرح الكبير
10: 131، والبحر الزخار 6: 212،.
(5) مختصر المزني: 128، والمجموع 20: 122، والوجيز 2: 183، والبحر الزخار 6: 196، و 212.
504

وإذا قال: على عاقلته فالكفارة في ماله (1).
وإذا قال: في بيت المال فالكفارة على قولين: أحدهما: في بيت المال أيضا.
والثاني: في ماله (2).
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فلا يعلق عليها شئ إلا بدليل.
وأيضا فإنه فعل من التعزيز ما أمره الله به، فلا يلزمه الضمان، كما أن
الحدود إذا أقامها فتلف المحدود لم يلزمه الضمان بلا خلاف.
مسألة 32: إذا أسلم الثوب إلى غسال، وقال له: إغسله. ولم يشرط
الأجرة، ولا عرض له بها، فغسله لزمته الأجرة. وإن لم يأمره بغسله، فغسله، لم تكن له
أجرة. وبه قال المزني (3).
والذي نص الشافعي عليه: أنه إذا لم يشرط، ولم يعرض، لا أجرة له (4).
وفي أصحابه من قال: إن كان الرجل معروفا بأخذ الأجرة على الغسل
وجبت له الأجرة، وإن لم يكن معروفا بأخذ الأجرة على الغسل، لم تجب له
الأجرة (5).
ومنهم من قال: إن كان صاحب الثوب هو الذي سأله أن يغسله لزمته
الأجرة، وإن كان الغسال هو الذي طلب منه الثوب ليغسله فلا أجرة له،
ومذهبهم ما نص عليه الشافعي أنه لا أجرة له (6).

(1) مختصر المزني: 128، والوجيز 2: 184، والبحر الزخار 6: 196.
(2) مختصر المزني: 128، والوجيز 2: 184.
(3) المجموع 15: 110 - 111.
(4) المجموع 15: 110 - 111، والسراج الوهاج: 294، والوجيز 1: 237، ومغني المحتاج 2: 352، والمغني
لابن قدامة 6: 562، والشرح الكبير 6: 22.
(5) المجموع 15: 110 - 111، والسراج الوهاج: 294، ومغني المحتاج 2: 352، وفتح المعين: 82 - 83،
والوجيز 1: 237.
(6) المجموع 15: 110 - 111، ومغني المحتاج 2: 352، والسراج الوهاج: 294، وفتح العين: 82 - 83،
والمغني لابن قدامة 6: 162، والشرح الكبير 6: 22.
505

دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا أعطاه الأجرة برئت ذمته بلا خلاف،
وإذا لم يعطه لم تبرأ ذمته بذلك.
مسألة 33: إجارة المشاع جائزة، وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا تجوز (2).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 34: إذا سلم إلى الخياط ثوبا، فقطعه الخياط قباء، ثم اختلفا، فقال
رب الثوب: أمرتك أن تقطعه قميصا فخالفت. وقال الخياط: بل قلت اقطع
قباء فقد فعلت ما أمرت، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه. وبه قال
أبو حنيفة (3). وهو الذي اختاره الشافعي على ما حكاه أبو إسحاق والقاضي
أبو حامد ونقله المزني في جامعه عن الشافعي حكاية قوليهما - يعني أبا حنيفة وابن
أبي ليلى - وقال: وكلاهما مدخول (4).
وقال أبو علي في الإفصاح: إن الشافعي ذكر في موضع من كتبه أنهما
يتحالفان (5).

(1) المجموع 15: 7، وفتح العزيز 12: 262، وبداية المجتهد 2: 225، والمحلى 8: 200، والشرح الكبير
6: 46، والبحر الزخار 5: 35.
(2) اللباب 2: 48، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 180، وشرح العناية على الهداية المطبوع
بهامش شرح فتح القدير 7: 180، وتبيين الحقائق 5: 125، وبداية المجتهد 2: 225، والمحلى
8: 201، والشرح الكبير 6: 46، وفتح العزيز 12: 262، والبحر الزخار 5: 35.
(3) اللباب 2: 50 - 51، والهداية المطبوع بهامش شرح الفتح القدير 7: 218، وشرح العناية على الهداية
7: 218، والفتاوى الهندية 4: 479، وتبيين الحقائق 5: 142، وحاشية رد المحتار 6: 75، والأم
4: 40، والمجموع 15: 105 و 109، ومختصر المزني: 128، والمغني لابن قدامة 6: 125، والشرح الكبير 6: 148.
(4) الأم 4: 40، ومختصر المزني: 128، والوجيز 1: 237 - 238، والمجموع 15: 105 - 106، والسراج
الوهاج: 295، ومغني المحتاج 2: 354، والمغني لابن قدامة 6: 125، والشرح الكبير 6: 148.
(5) المجموع 15: 107.
506

واختلف أصحابه في ترتيبهما:
فمنهم من قال: المسألة على قولين:
أخذهما: القول قول الخياط.
والآخر: القول قول رب الثوب.
والثاني: أنهما يتحالفان (1).
ومنهم من قال: يتحالفان قولا واحدا (2).
دليلنا: أن المالك رب الثوب، والخياط مدعي للإذن في قطع القباء فعليه
البينة، فإذا فقدها فعلى المالك اليمين.
ولأنهما لو اختلفا في أصل القطع لكان القول قول رب الثوب، فكذلك في
صفة القطع.
وكنا قلنا فيما تقدم في هذه المسألة: أن القول قول الخياط، لأنه غارم، وأن رب
الثوب يدعي عليه قطعا لم يأمره به، فيلزمه بذلك ضمان الثوب، فكان عليه
البينة، فإذا فقدها وجب على الخياط اليمين وهذا أيضا قوي.
مسألة 35: إذا اكترى منه بهيمة ليقطع بها مسافة، فامسكها قدر قطع
المسافة ولم يسيرها فيها، استقرت عليه الأجرة. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: لا تستقر عليه حتى يسيرها في بقاع تلك المسافة (4).

(1) المجموع 15: 106، ومغني المحتاج 2: 354 - 355، والسراج الوهاج: 295، والمغني لابن قدامة
6: 125، والشرح الكبير 6: 148، والوجيز 1: 238.
(2) المجموع 15: 106، والوجيز 1: 238، والمغني لابن قدامة 6: 125، والشرح الكبير 6: 148.
(3) مختصر المزني: 128، والسراج الوهاج: 296، ومغني المحتاج 2: 358، والوجيز 1: 237، والمغني لابن
قدامة 6: 20.
(4) المبسوط 15: 176 - 177 و 184، وشرح فتح القدير 7: 158، وشرح العناية المطبوع في هامش شرح
فتح القدير 7: 158، والأشباه والنظائر لابن نجيم: 267، والمغني لابن قدامة 6: 20 - 21.
507

دليلنا: ما دللنا عليه من أن مال الإجارة يلزم بنفس العقد، والتمكين من
التسيير قد حصل، فوجب عليه الأجرة، فمن أسقطها فعليه الدلالة.
مسألة 36: إذا استأجر دارا على أن يتخذها مسجدا يصلي فيه، صحت
الإجارة. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: لا تصح (2).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 37: إذا استأجر دارا ليتخذها ماخورا (3) يبيع فيها الخمر، أو
ليتخذها كنيسة، أو بيت نار، فإن ذلك لا يجوز والعقد باطل.
وقال أبو حنيفة: العقد صحيح، ويعمل فيه غير ذلك من الأعمال المباحة
دون ما استأجره له. وبه قال الشافعي (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5). وأيضا فهذه الأشياء محظورة بلا خلاف،
فلا يجوز الاستيجار لها.
مسألة 38: إذا استأجر رجلا لينقل له خمرا من موضع إلى موضع لم تصح
الإجارة. وبه قال الشافعي (6).

(1) المجموع 15: 39، وفتح العزيز 12: 356، والشرح الكبير 6: 42، والبحر الزخار 5: 31، والمغني لابن
قدامة 6: 146.
(2) الفتاوى الهندية 4: 450، والشرح الكبير 6: 42،
والبحر الزخار 5: 31، والمغني لابن قدامة 6: 146 - 147.
(3) قال ابن الأثير في النهاية 4: 306 ما لفظه: ماخور، وهو مجلس الريبة، ومجمع أهل الفسق والفساد،
وبيوت الخمارين.
(4) المبسوط 16: 38، والفتاوى الهندية 4: 450، والمغني لابن قدامة 6: 151، والشرح الكبير 6: 35،
والبحر الزخار 5: 37.
(5) الكافي 5: 227 حديث 6 و 8، والتهذيب 6: 371 - 372 حديث 1077 و 1078، والاستبصار
3: 55 حديث 179 و 180.
(6) كفاية الأخيار 1: 191، والمغني لابن قدامة 6: 159 - 150، والشرح الكبير 6: 36، والبحر الزخار 5: 31.
508

وقال أبو حنيفة: تصح كما لو استأجره لينقل الخمر إلى الصحراء ليريقه (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 39: إذا استأجره ليخيط له ثوبا بعينه، وقال: إن خطته اليوم فلك
درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم. صح العقد فيهما، فإن خاطه في اليوم
الأول كان له الدرهم، وإن خاطه في الغد كان له نصف درهم.
وقال أبو حنيفة: إن خاطه في اليوم الأول بمثل ما قلناه، وإن خاطه في الغد
له أجرة المثل، وهو ما بين النصف المسمى إلى الدرهم، فلا يبلغ درهما
ولا ينقص عن نصف ودرهم (2).
وقال الشافعي: هذا عقد باطل في اليوم والغد (3).
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند شروطهم " (4).
وفي أخبارهم ما يجري مثل هذه المسألة بعينها منصوصة، وهي أن يستأجر
منه دابة على أن يوافي به يوما بعينه على أجرة معينة، فإن لم يواف به ذلك اليوم
كان أجرتها أقل من ذلك، وإن هذا جائز (5)، وهذه بعينها سواء.

(1) النتف 2: 574، والمبسوط 16: 38 - 39، والفتاوى الهندية 4: 449، والبحر الزخار 5: 31، والمغني
لابن قدامة 6: 150، والشرح الكبير 6: 36.
(2) اللباب 2: 46، والمبسوط 15: 99 - 100، والفتاوى الهندية 4: 423، والهداية المطبوع بهامش شرح
فتح القدير 7: 208، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 208، وتبيين الحقائق
5: 139، والمغني لابن قدامة 6: 98، والشرح الكبير 6: 27، وفتح العزيز 12: 202.
(3) الوجيز 1: 232، وفتح العزيز 12: 202، والمبسوط 15: 100، والمغني لابن قدامة 6: 98، والشرح
الكبير 6: 26.
(4) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(5) الكافي 5: 290 حديث 4 و 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 21 - 22 حديث 57 و 58، والتهذيب
7: 214 حديث 940 و 941.
509

مسألة 40: إذا استأجره لخياطة ثوب، وقال: إن خطته روميا - وهو الذي
يكون بدرزين - فلك درهم، وإن خطته فارسيا - وهو الذي يكون بدرز واحد -
فلك نصف درهم، صح العقد. وبه قال أبو حنيفة (1).
وقال الشافعي: لا يصح (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 41: يجوز إجارة الدراهم والدنانير.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (3).
والآخر لا يجوز (4).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. ولأنه ينتفع بها مع بقاء
عينها، مثل أن ينثرها ويسترجعها، أو يضعها بين يديه ليتجمل بها وغير ذلك.
مسألة 42: إذا استأجر دراهم أو دنانير، وعين جهة الانتفاع بها، كان على
ما شرط، وصحت الإجارة. وإن لم يعين بطلت الإجارة، وكانت قرضا. وبه
قال أبو حنيفة (5).
وقال الشافعي: إن لم يعين جهة الانتفاع لم يصح العقد، ولا يكون

(1) اللباب 2: 45، والمبسوط 15: 100، والهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 208، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 208، والفتاوى الهندية 4: 422، وتبيين الحقائق 5: 138 و
140، والمغني لابن قدامة 6: 99، والشرح الكبير 6: 27، وفتح العزيز 12: 202.
(2) فتح العزيز 12: 202، والمبسوط 15: 100.
(3) المجموع 15: 4 و 6، وفتح العزيز 12: 224، والمغني لابن قدامة 6: 144، والشرح الكبير 6: 40.
(4) المجموع 15: 4 و 6، والسراج الوهاج: 288، وكفاية الأخيار 1: 191، والوجيز 1: 230، وفتح العزيز
12: 224، وفتح العين: 81، والمغني لابن قدامة 6: 144، والشرح الكبير 6: 40.
(5) المبسوط 16: 31 و 32، والمغني لابن قدامة 6: 144، والشرح الكبير 6: 40، وفتح العزيز 12: 225 -
226.
510

قرضا (1). دليلنا: أن العادة في دراهم الغير ودنانيره أن لا ينتفع بها إلا على وجه
القرض، فإذا أطلق له الانتفاع رجع الإطلاق إلى ما يقتضيه العرف.
مسألة 43: يصح إجارة كلب الصيد للصيد وحفظ الماشية والزرع.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه (2).
والآخر: أنه لا يجوز ذلك (3).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. ولأن بيع هذه الكلاب
يجوز عندنا، وما يصح بيعه يصح إجارته بلا خلاف.
مسألة 44: إذا استأجره لينقل له ميتة على أن يكون له جلدها، لم يصح
بلا خلاف. وإن استأجره ليسلخ له مذكى على أن يكون له جلده كان جائزا
عندنا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، لأنه مجهول (4).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. وأيضا فإنه ليس بمجهول.
لأنه مشاهد.
مسألة 45: إذا استأجره ليطحن له دقيقا على أن يكون له صاعا منه صح.
وقال الشافعي: لا يصح، لأنه مجهول، لأنه لا يدري هل يكون ناعما أو

(1) كفاية الأخيار 1: 191، وفتح العزيز 12: 225، والمغني لابن قدامة 6: 145، والشرح الكبير 6: 40.
(2) المجموع 15: 3، والوجيز 1: 23، وفتح العزيز 12: 221 و 232 والشرح الكبير 6: 38.
(3) المجموع 15: 3، ومغني المحتاج 2: 335، والسراج الوهاج: 288، والوجيز 1: 230، وفتح العزيز
12: 232، والشرح الكبير 6: 38.
(4) مغني المحتاج 2: 335، والسراج الوهاج: 288، وكفاية الأخيار 1: 193 - 194، وفتح العزيز
12: 203.
511

خشنا (1).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 46: إذا استأجر رجلان جملة للعقبة، صحت الإجارة، سواء كان في
الذمة أو معينا. وبه قال الشافعي (2).
وقال المزني: إن كان معينا لم يجز، لأنه إذا سلم إلى أحدهما تأخر التسليم
إلى الآخر، فيكون ذلك عقدا قد شرط فيه تأخير التسليم، وقد تناول عينا فلم
يجز (3).
دليلنا: هو أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، وليس فيه تأخر
التسليم، لأنه يسلم الجمل إليهما معا، يتناوبان بعد التسليم على ما يتفقان عليه.

(1) السراج الوهاج: 288 ومغني المحتاج 2: 335، وفتح العزيز 12: 211.
(2) المجموع 15: 39 - 40، ومغني المحتاج 2: 339، والسراج الوهاج: 289، وفتح العزيز 12: 261،
والمغني لابن قدامة 6: 110 - 111، والشرح الكبير 6: 110.
(3) المجموع 15: 39، والوجيز 1: 231، وفتح العزيز 12: 260 - 261.
512

كتاب المزارعة
513

مسألة 1: المزارعة بالثلث، والربع، والنصف، أو أقل، أو أكثر بعد أن
يكون بينهما مشاعا جائزة. وبه قال في الصحابة علي عليه السلام، وعبد الله بن
مسعود، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وخباب بن الأرت (1). وفي
الفقهاء ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد، وإسحاق (2).
وقال قوم: أنها لا تجوز. ذهب إليه ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو
هريرة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4)، فإنهم لا يختلفون في ذلك: وأيضا الأصل

(1) خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التميمي، وقيل: خزاعي، عده جمع من المؤرخين في
عداد الصحابة، مات سنة تسع وثلاثين بعد أن شهد صفين والنهروان مع أمير المؤمنين عليه السلام،
وكان عمره ثلاثا وسبعين سنة. وقف أمير المؤمنين عليه السلام على قبره وقال: رحم الله خبابا، أسلم
راغبا وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا وابتلى في جسمه أحوالا، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
انظر تنقيح المقال 1: 395.
(2) المبسوط 23: 17، واللباب 2: 177، وعمدة القاري 12: 167، وبدائع الصنائع 6: 175، والمجموع
14: 421، وكفاية الأخيار 1: 195، والإقناع 2: 280، والمغني لابن قدامة 5: 582 و 598،
والشرح الكبير 5: 581 - 582، ونيل الأوطار 6: 10، والبحر الزخار 5: 64.
(3) النتف 2: 548، والمبسوط 23: 15 و 17، واللباب 2: 177، وعمدة القاري 12: 164 و 167،
وبدائع الصنائع 6: 175، والفتاوى الهندية 5: 235، وتبيين الحقائق 5: 278، والأم 4: 12 و 15،
ومختصر المزني: 128، والمجموع 14: 420 - 421، ومغني المحتاج 2: 323، وكفاية الأخيار 1: 194،
والمحلى 8: 190، وفتح الرحيم 3: 14، ونيل الأوطار 6: 8، والبحر الزخار 5: 64.
(4) الكافي 5: 267 حديث 3 والتهذيب 7: 197 حديث 871، والاستبصار 3: 128 حديث 458 و 459.
515

جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
وأيضا روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشرط
ما يخرج من ثمر أو زرع (1).
وروى مقسم، عن ابن عباس: أن النبي دفع خيبر أرضها ونخلها إلى أهلها
مقاسمة على النصف (2).
وروى عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن
خديج (3)، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان من الأنصار اقتتلا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن كان هذا شأنكما فلا تكروا المزارع (4).
وهذا يدل على أن النهي ليس بنهي تحريم، لأنه قال على وجه المشورة
وطلب الصلاح.
مسألة 2: يجوز إجارة الأرضين للزراعة. وبه قال جميع الفقهاء (5).

(1) صحيح البخاري 3: 137 و 138، وصحيح مسلم 3: 1186 حديث 1551، وسنن ابن ماجة
2: 824 حديث 2467، وسنن أبي داود 3: 262 حديث 3408، وسنن الترمذي 3: 666 حديث
1383، وسنن الدارقطني 3: 37 حديث 151، ومعجم الطبراني الصغير 1: 28 و 73 باختلاف
يسير في بعض ألفاظه.
(2) سنن الدارقطني 3: 37 حديث 149، وسنن ابن ماجة 2: 824
حديث 2468 باختلاف يسير في لفظ الحديث.
(3) رافع بن خديج بن رافع بن عدي الخزرجي الأنصاري الحارثي، أبو عبد الله ويقال: أبو رافع، شهد
أحدا والخندق، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله مات سنة 73، وقيل إنه مات سنة 74 هجرية
تهذيب التهذيب 3: 229.
(4) سنن أبي داود 3: 257 حديث 3390، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 204 ذيل الحديث 898.
(5) النتف 2: 569، والمبسوط 23: 15 و 41، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 166، وشرح فتح القدير
7: 166، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 166، والأم 4: 12 و 13 ومختصر المزني:
128، وكفاية الأخيار 1: 191 و 194، واللباب 2: 37، والإقناع 2: 285، والمغني لابن قدامة 6: 67،
وتبيين الحقائق 5: 114.
516

وحكي عن الحسن وطاوس أنهما قالا: لا يجوز ذلك (1).
وحكى أبو بكر بن المنذر عنهما أنهما جوزا المزارعة (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن هذا الخلاف قد انقرض.
ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى سعد بن أبي وقاص قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي فنهانا
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة (3).
مسألة 3: يجوز إجارة الأرض بكل ما يصح أن يكون ثمنا من ذهب، أو
فضة، أو طعام. وبه قال الشافعي وغيره (4).
وقال مالك: لا يجوز إكراؤها بالطعام، وبكل ما يخرج منها (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، إلا أن يشرط الطعام منها فإن
ذلك لا يجوز، فأما بطعام في الذمة فإنه يجوز على كل حال.
مسألة 4: إذا أكراه أرضا ليزرع فيها طعاما، صح العقد، ولا يجوز له أن يزرع

(1) بداية المجتهد 2: 219، والمحلى 8: 190، وعمدة القاري 12: 164، والمغني لابن قدامة 5: 596،
والشرح الكبير 5: 595.
(2) أنظر المغني لابن قدامة 5: 596، والشرح الكبير 5: 595.
(3) روى أبو داود في سننه 3: 258 حديث 3391 بإسناده عن سعد قال: كنا نكري الأرض بما على
السواقي من الزرع وما سعد بالماء منها، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك وأمرنا أن نكريها
بذهب أو فضة، وروى نحوه الدارمي في سننه 2: 271 باب الرخصة في كراء الأرض بالذهب والفضة.
(4) الأم 4: 12 و 14 - 15، والمزني: 128، والمجموع 14: 420، وكفاية الأخيار 1: 194 - 195، ونيل
الأوطار 6: 10، وبداية المجتهد 2: 219، والمغني لابن قدامة 5: 596 - 597 و 598، والشرح الكبير
5: 595 - 596، وعمدة القاري 12: 164.
(5) بداية المجتهد 2: 219، ونيل الأوطار 6: 10، والمدونة الكبرى 4: 543 - 544، والموطأ 2: 712، وفتح
الرحيم 3: 10 - 11 و 15، والمغني لابن قدامة 5: 598، والشرح الكبير 5: 596 - 597، وعمدة
القاري 12: 164، والبحر الزخار 5: 38.
517

غيره. وبه قال داود (1).
وقال أبو حنيفة والشافعي وعامة الفقهاء: أنه إذا عين الطعام بطل الشرط
والعقد (2).
وللشافعي في بطلان الشرط قول واحد، وفي بطلان العقد وجهان (3).
دليلنا: قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (4) والإيفاء بالعقد أن يزرع ما سمى
وما تناوله العقد.
وقوله " المؤمنون عند شروطهم " (5) يدل عليه أيضا.
مسألة 5: إذا أكرى أرضا للزراعة ولم يعين ما يزرع فيها، صح العقد، وله أن
يزرع ما شاء وإن كان أبلغ ضررا وعليه أكثر أصحاب الشافعي (6).
وقال أبو العباس: لا يجوز ذلك، لأن أنواع الزرع تختلف وتتباين، فلا بد من
التعيين (7).
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأن الزراعة وإن اختلفت
فاختلافها متقارب، فيجري مجرى النوع الواحد.

(1) المحلى 8: 190، والمجموع 15: 62، والمغني لابن قدامة 6: 68، والشرح الكبير 6: 88.
(2) بدائع الصنائع 6: 178، والمجموع 15: 62 - 63، والمغني لابن قدامة 4: 16، ومختصر المزني:
129، والشرح الكبير 6: 89.
(3) الأم 4: 16، والمجموع 15: 63، ومختصر المزني: 129.
(4) المائدة: 1.
(5) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386.
(6) الأم 4: 17، والمجموع 15: 79، ومغني المحتاج 2: 342، والسراج الوهاج 1: 290، والمغني لابن قدامة
6: 67، ومختصر المزني: 129، والوجيز 12: 233، وفتح العزيز 12: 357، والشرح الكبير 6: 87.
(7) المغني لابن قدامة 6: 67، ومغني المحتاج 2: 343، والوجيز 1: 233، وفتح العزيز 12: 357، والشرح
الكبير 6: 87.
518

مسألة 6: إذا أكرى أرضا للغراس وأطلق جاز. وبه قال أكثر أصحاب
الشافعي (1).
وقال أبو العباس: لا يجوز ذلك، لأنه يختلف (2).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 7: إذا أكراه أرضا على أن يزرع فيها ويغرس، ولم يعين مقدار كل
واحد منهما، لم يجز. وبه قال المزني وأكثر أصحاب الشافعي (3).
وقال أبو الطيب بن سلمة: يجوز أن يزرع نصفه ويغرس نصفه (4).
وقال الشافعي: نصا أنه يجوز (5).
وقال أصحابه: إنما أراد بذلك التخيير بين أن يزرع كلها أو يغرس كلها،
فأما من النوعين بلا تعيين فلا يجوز (6).
دليلنا: أن ذلك مجهول، وضررهما مختلف، فإذا لم يعين بطل العقد.
مسألة 8: إذا أكراه أرضا سنة للغراس، فغرس في مدة السنة، ثم خرجت
السنة لم يكن للمكري المطالبة بقلع الغراس إلا بشرط أن يغرم قيمته، فإذا غرم
قيمته أجبر على أخذه وصار الأرض بما فيها له، أو يجبره على القلع، ويلزمه ما بين

(1) السراج الوهاج 1: 290، ومغني المحتاج 2: 342، والوجيز 1: 235، وفتح العزيز 12: 357، والمغني
لابن قدامة 6: 66.
(2) أنظر الوجيز 1: 235، وفتح العزيز 12: 357، والمغني لابن قدامة 6: 66.
(3) المجموع 15: 14 و 70، والوجيز 1: 233، وفتح العزيز 12: 358 - 359، والمغني لابن قدامة
6: 66، ومغني المحتاج 2: 342، ومختصر المزني: 129، والشرح الكبير 6: 87.
(4) الوجيز 1: 233، وفتح العزيز 12: 358، والمغني لابن قدامة 6: 66.
(5) الأم 4: 18، والوجيز 1: 233، وفتح العزيز 12: 358، والمغني لابن قدامة 6: 66، ومختصر المزني:
129، والشرح الكبير 6: 87.
(6) مغني المحتاج 2: 342، والسراج الوهاج 1: 290، والوجيز 1: 233، وفتح العزيز 12: 358 - 359،
والمغني لابن قدامة 6: 66، والشرح الكبير 6: 87.
519

قيمتها ثابتة ومقلوعة. وبه قال الشافعي وأصحابه (1).
وقال أبو حنيفة والمزني: له أن يجبره على القلع من غير أن يغرم له شيئا (2).
دليلنا: قوله عليه السلام: " ليس لعرق ظالم حق " (3) فدل على أن العرق
إذا كان لغير ظالم له حق.
وروت عائشة أن النبي عليه السلام قال: " من غرس في رباع قوم بإذنهم
فله القيمة " (4). ومثل هذا رواه أصحابنا (5)، وعليه إجماعهم.
مسألة 9: إذا استأجر دارا أو أرضا، إجارة صحيحة أو فاسدة مدة معلومة،
ومضت المدة، استقرت الأجرة على المستأجر، انتفع أو لم ينتفع. وبه قال
الشافعي (6).
وقال أبو حنيفة: إن كانت الإجارة صحيحة مثل ما قلنا، وإن كانت فاسدة
لم تستقر الأجرة عليه حتى ينتفع بالمستأجر. فأما إذا مضت المدة ولم ينتفع به،
فإن الأجرة تستقر عليه (7).

(1) الأم 4: 18، ومختصر المزني: 129، والمجموع 15: 65 و 70، والمغني لابن قدامة 6: 75، والوجيز
1: 235، والشرح الكبير 6: 158 - 159.
(2) اللباب 2: 38، ومختصر المزني: 130، والهداية المطبوع شرح فتح القدير 7: 167، وشرح فتح القدير
7: 167، والمجموع 15: 69 و 71، والمغني لابن قدامة 6: 75، والشرح الكبير 6: 159، وتبيين
الحقائق 5: 114.
(3) صحيح البخاري 3: 140، وسنن الترمذي 3: 662 حديث 1378، وسنن أبي داود حديث 3073.
(4) رواه البيهقي في سننه الكبرى 6: 91 مع إبدال كلمة " غرس " بكلمة " بنى ".
(5) أنظر الكافي 5: 297 حديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 3: 156 حديث 684، والتهذيب 7: 206 حديث 907.
(6) الأم 4: 18، والمجموع 15: 33 - 34، ومختصر المزني: 128، والوجيز 1: 237، والسراج الوهاج:
296، ومغني المحتاج 2: 358، والمغني لابن قدامة 6: 20، والشرح الكبير 6: 157.
(7) الهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 152، 153 و 157، و 158، وشرح فتح القدير 7: 152 و
153 و 157، والفتاوى الهندية 4: 413، والمبسوط 15: 176 - 177 و 184، واللباب 2: 44 و
52، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 158، وتبيين الحقائق 5: 109 و 121،
والمغني لابن قدامة 6: 20 - 21، والشرح الكبير 6: 157.
520

دليلنا: أن هذه المنافع تلفت في يده فلزمه ضمانها، وإن لم ينتفع كما لو
انتفع بها.
مسألة 10: إذا اختلف المكتري والمكري في قدر المنفعة أو الأجرة.
قال الشافعي: يتحالفان مثل المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو المثمن،
فإن كان لم يمض من المدة شئ، رجع كل واحد منهما إلى حقه، وإن كان بعد
مضي المدة في يد المكتري لزمه أجرة المثل (1).
ويجئ على مذهب أبي حنيفة أنه إذا كان قبل مضي المدة يتحالفان،
وإن كان بعد مضي المدة في يد المكتري لم يتحالفا، وكان القول قول المكتري
كما قال في البيع إن القول قول المشتري إذا كانت السلعة تالفة (2)
والذي يليق بمذهبنا أن يستعمل فيه القرعة، فمن خرج اسمه حلف،
وحكم له به، لإجماع الفرقة على أن كل مشتبه يرد إلى القرعة.
مسألة 11: إذا زرع أرض غيره، ثم اختلفا، فقال الزارع: أعرتنيها. وقال
رب الأرض: بل أكريتكها. وليس مع واحد منهما بينة، حكم بالقرعة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما وعليه أكثر أصحابه أن القول قول الزارع. وكذلك في الراكب إذا
ادعى أن صاحب الدابة أعاره إياها (3) وهو الذي يقوى في نفسي.

(1) الأم 4: 32 و 39، والمجموع 15: 105 و 108، وفتح العين في شرح قرة اللعين: 83، والمغني لابن
قدامة 6: 160 والشرح الكبير 6: 152.
(2) الأم 4: 39، والمجموع 15: 107 - 108، والمغني لابن قدامة 6: 160، والشرح الكبير 6: 152.
(3) المجموع 14: 220 و 222 - 223، والأم 3: 245، ومختصر المزني: 116، والسراج الوهاج: 266،
ومغني المحتاج 2: 273 - 274، والوجيز 1: 205، وفتح العزيز 11: 232 - 233 وفتح المعين في شرح
قرة العين: 84، والمغني لابن قدامة 5: 371، والشرح الكبير 5: 371.
521

والقول الثاني: أن القول قول رب الأرض، ورب الدابة (1).
وحكى أبو علي الطبري أن في أصحابه من حمل المسألتين على ظاهرهما،
وفرق بينهما بأن العادة جرت بإعارة الدواب، وفي الأرض بالإجارة دون
العارية (2).
دليلنا على ما قلناه أولا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول مشتبه فيه القرعة،
وهذا مثل ذلك.
وأما على ما قلناه ثانيا: هو أن الأصل براءة الذمة، وصاحب الدابة
والأرض يدعي الأجرة، فعليه البينة، فإذا عدمها كان على الراكب والزارع
اليمين.

(1) الأم 4: 21 - 22، ومختصر المزني: 130، والمجموع و 222 - 223، والسراج الوهاج: 266، ومغني
المحتاج 2: 273 - 274، والوجيز 1: 205، وفتح العزيز 11: 232 - 233.
(2) أنظر المجموع 14: 220 و 222 - 223.
522

كتاب إحياء الموات
523

مسألة 1: الأرضون العامرة في بلاد الإسلام التي لا يعرف لها صاحب معين
للإمام خاصة.
وقال أبو حنيفة: أنها تملك بالإحياء إذا أذن الإمام في ذلك (1).
وقال الشافعي: لا تملك (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أرض الموات للإمام خاصة، فإنها من جملة
الأنفال، ولم يفصلوا بين ما يكون في دار الإسلام وبين ما يكون في دار الحرب.
مسألة 2: الأرضون العامرة في بلد الشرك التي لم يجر عليها ملك أحد،
للإمام خاصة.
وقال الشافعي: كل من أحياها من مشرك ومسلم، فإنه يملك بذلك (3).
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 3: الأرضون الموات للإمام خاصة، لا يملكها أحد بالإحياء، إلا أن
يأذن له الإمام.

(1) اللباب 2: 168، وفتاوى قاضيخان 3: 219، والفتاوى الهندية 5: 386، والهداية المطبوع بهامش
شرح فتح القدير 8: 136، وتبيين الحقائق 6: 35، وحاشية رد المحتار 6: 432، والمجموع 15: 210،
والمغني لابن قدامة 6: 166، والشرح الكبير 6: 166.
(2) الأم 4: 46 و 7: 230، ومختصر المزني: 130، والمجموع 15: 204 و 210، والوجيز 1: 241.
(3) المجموع 15: 204، والوجيز 1: 241، والسراج الوهاج: 297، ومغني المحتاج 2: 362 - 363، وكفاية
الأخيار 1: 196.
525

وقال الشافعي: من أحياها ملكها، أذن له الإمام أو لم يأذن (1).
وقال أبو حنيفة: لا يملك إلا بإذن (2). وهو قول مالك (3) وهذا مثل
ما قلناه، إلا أنه لا يحفظ عنهم أنهم قالوا: هي للإمام خاصة، بل الظاهر أنهم
يقولون لا مالك لها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وهي كثيرة (4).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " ليس للمرء إلا ما طابت به
نفس إمامه " (5) وإنما تطيب نفسه إذا أذن فيه.
مسألة 4: إذا أذن الإمام للذمي في إحياء أرض الموات في بلاد الإسلام
فإنه يملك بالإذن. وبه قال أبو حنيفة (6).

(1) الأم 4: 45، و 7: 230، ومختصر المزني: 130، والمجموع 8: 233، والوجيز 1: 241، وكفاية الأخيار
1: 195، والسراج الوهاج: 297، ومغني المحتاج 2: 362، والمغني لابن قدامة 6: 164 و 204،
والمحلى 8: 233.
(2) اللباب 2: 168، وفتاوى قاضيخان 3: 219، والفتاوى الهندية 5: 386، وتبيين الحقائق 356،
والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 8: 136، وحاشية رد المحتار 6: 432، والمغني لابن قدامة
6: 204، والمبسوط 23: 167، والمحلى 8: 233.
(3) أسهل المدارك 3: 52 - 53، وجواهر الإكليل 2: 202، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك
2: 296، والخرشي 7: 70، والمحلى 8: 233.
(4) انظرها في الكافي 5: 279 باب إحياء الموات حديث 1 - 6، ومن لا يحضره الفقيه 3: 151 باب
إحياء الموات والأرضين حديث 665 وما بعده، والتهذيب 7: 152 حديث 671 - 674، والاستبصار
3: 107 حديث 379 - 383.
(5) الدراية 2: 244، ومجمع الزوائد 5: 331، وفيه رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والمحلى 8: 234،
وفيه: " إنما للمرء " بدلا من " ليس للمرء ".
(6) اللباب 2: 169، وتبيين الحقائق 6: 35، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 8: 138،
والفتاوى الهندية 5: 386، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 8: 138، والمجموع
15: 208.
526

وقال الشافعي: لا يجوز للإمام أن يأذن له فيه فإن أذن له فأحياها لم
يملك (1).
دليلنا قوله عليه السلام: " من أحيى ميتة فهي له " (2).
وقوله " من أحاط حائطا على الأرض فهي له " (3) وهذا عام في الجميع.
مسألة 5: إذا أحيى أرضا مواتا بقرب العامر الذي هو لغيره، بإذن الإمام،
ملك بالإحياء. وبه قال الشافعي، غير أنه لم يعتبر إذن الإمام (4).
وقال مالك: لا يملكه، لأن في ذلك ضررا على هذه العامر (5).
دليلنا: قوله عليه السلام: " من أحيى أرضا ميتة فهي له " (6).
وكذلك الأخبار الأخر تدل على ما قلناه لعمومها (7).
وروي أن النبي عليه السلام أقطع الدور بالمدينة، فقال: حي من بني زهرة

(1) المجموع 15: 205 و 208، والوجيز 1: 241، وكفاية الأخيار 1: 195.
(2) السنن الكبرى 6: 143، وسنن الترمذي 3: 662 حديث 1378 - 1379، وسنن أبي داود 3: 178
حديث 3073 - 3074، وترتيب مسند الشافعي 2: 134 حديث 439. ورواه الشيخ الطوسي
قدس سره في التهذيب 7: 152 حديث 673 بلفظ: من أحيى أرضا مواتا فهي له.
(3) مسند أحمد بن حنبل 5: 12 و 21، وسنن أبي داود: 3: 179 حديث 3077، والسنن الكبرى
6: 148.
(4) الأم 4: 41، ومختصر المزني: 130، والمجموع 15: 204، ومغني المحتاج 2: 361، والسراج الوهاج:
297، والمحلى 8: 232، والمغني لابن قدامة 6: 169 و 204، والشرح الكبير 6: 168 و 170
171.
(5) بلغة السالك 2: 296، وجواهر الإكليل 2: 202، والخرشي 7: 67، وأسهل المدارك 3: 52 - 53،
والمحلى 8: 233.
(6) سنن الترمذي 3: 662 حديث 1378 - 1379، وسنن أبي داود 3: 178 حديث 3073 - 3074،
وترتيب مسند الشافعي 2: 134 حديث 439، والسنن الكبرى 6: 143، ورواه المصنف قدس سره
في التهذيب 7: 152 حديث 673 بلفظ: من أحيى أرضا مواتا فهي له.
(7) انظرها في التهذيب 7: 152 حديث 671 و 674، والاستبصار 3: 107 حديث 308 و 383.
527

يقال لهم بنو عبد بن زهرة: نكب عنا ابن أم عبد، فقال النبي عليه السلام:
" فلم ابتعثني الله إذا، إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف منهم حقه " (1).
مسألة 6: للإمام المعصوم الذي نذهب إلى إمامته أن يحمي الكلاء لنفسه
ولعامة المسلمين.
وقال الشافعي: إن أراد لنفسه لم يكن له ذلك، وإن حماه لعامة المسلمين
فيه قولان: أحدهما ليس له ذلك (2).
والثاني أن له ذلك (3). وهو الصحيح عند أصحابه، وبه قال أبو حنيفة (4).
دليلنا: أنه قامت الدلالة على عصمته، فإذا ثبت ذلك، فكل ما يفعله
المعصوم يكون صوابا وحجة.
ولأنا قد بينا أن الموات ملك للإمام وإذا ثبت أنها ملك له فله أن يحميها،
لأن كل من له ملك له أن يحمي ما فيه بلا خلاف.
وروي أيضا أنه قال عليه السلام: " لا حمى إلا لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين " (5).
مسألة 7: للإمام أن يحمي للخيل المعدة في سبيل الله، ونعم الجزية، ونعم

(1) السنن الكبرى 6: 145، ورواه الشافعي في أمه 4: 50، والمزني في مختصره: 130.
(2) الأم 4: 47، ومختصر المزني: 131، والمجموع 15: 234 و 336، والسراج الوهاج: 299، ومغني
المحتاج 2: 369.
(3) الأم 4: 47، ومختصر المزني: 131، والمجموع 15: 234 و 336، ومغني المحتاج 2: 368 - 369،
والسراج الوهاج: 299، ونيل الأوطار 6: 53.
(4) عمدة القاري 12: 213 و 220، والفتاوى الهندية 5: 386.
(5) البحر الزخار 5: 77، وروي في مسند أحمد 4: 38 و 71 و 73، وسنن الدارقطني 4: 238 حديث
120 و 122، والسنن الكبرى 6: 146، وحكاه الهيثمي في مجمع الزوائد 4: 158 عن الطبراني في
الأوسط ولفظه: لا حمى إلا لله ولرسوله.
528

الصدقة، والضوال. وبه قال الشافعي، إذ قال: له أن يحمي (1).
وقال مالك: لا يحمي إلا للخيل التي للمجاهدين (2).
دليلنا: أنا قد بينا أن الموات ملك له، وإذا كان ملكه فله أن يحمى لما
يشاء.
ولأن ما ذكرناه مصلحة عامة للمسلمين، فيجب أن يجوز له الحمى.
مسألة 8: ما حماه رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لا يجوز حله، ولا نقضه
لأحد بعده.
وقال الشافعي: ينظر، فإن كان السبب الذي حماه له باقيا لم يجز نقضه،
وإن كان السبب قد زال فيه وجهان:
أحدهما يجوز، لأن المعنى الذي له حمى قد زال (3).
والثاني: - وهو الصحيح عندهم - أنه لا يجوز (4).
دليلنا: هو أنه قد ثبت أن فعل النبي صلى الله عليه وآله حجة في الشرع
يجب الاقتداء به فيها، فلا يجوز خلافه، مثل قوله.
ومقطوع أيضا أنه لمصلحة المسلمين، وما قطع بأنه لمصلحة المسلمين لا يجوز
نقضه.
مسألة 9: ما حماه الإمام يجري عندنا مجرى ما حماه النبي عليه السلام، فإن
غيره هو، أو غيره من الأئمة القائمين مقامه، أو غيره غير الإمام بإذنه جاز ذلك،
فأما غيرهم فلا يجوز له ذلك بحال.

(1) الأم 4: 47، ومختصر المزني: 130 - 131، والمجموع 15: 234 و 236، والسراج الوهاج: 299،
ومغني المحتاج 2: 368، والوجيز 1: 242.
(2) جواهر الإكليل 2: 202، والخرشي 7: 69، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 295.
(3) المجموع 15: 235، والوجيز 1: 242.
(4) المجموع 15: 235، والوجيز 1: 242، ومغني المحتاج 2: 369.
529

وقال الشافعي: ينظر، فإن غير ذلك هو أو غيره من الأئمة، أو أحياه رجل
من الرعية بإذن الإمام، صح ذلك، وملكه بالإحياء (1).
فأما إذا أحياه رجل من الرعية بغير إذنه، فهل يملك؟ فيه قولان. وقيل
وجهان:
أحدهما: لا يملك (2).
والثاني: يملك (3).
دليلنا: أنه قد ثبت أن فعله حجة. ومقطوع على صحته، وما كان كذلك
فلا يجوز خلافه.
مسألة 10: حريم البئر أربعون ذراعا، وحريم العين خمسمائة ذراع. وبه
قال أبو حنيفة (4).
وقال الشافعي: على قدر الحاجة إليه، ولم يحده، بل قال: على ما جرت به
العادة (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير (6).
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " حريم البئر أربعون
ذراعا " (7).

(1) المجموع 15: 231، ومغني المحتاج 2: 368 - 369.
(2) مختصر المزني: 131، والمجموع 15: 235 و 239، والوجيز 1: 242، ومغني المحتاج 2: 369.
(3) المجموع 15: 235، والوجيز 1: 242، ومغني المحتاج 2: 361.
(4) المبسوط 23: 162، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 8: 140، وشرح فتح القدير 8: 140،
والفتاوى الهندية 5: 378، وتبيين الحقائق 6: 36، واللباب 2: 170، والمحلى 8: 239.
(5) المجموع 15: 218، والوجيز 1: 242، ومغني المحتاج 2: 363، والسراج الوهاج: 297 - 298.
(6) التهذيب 7: 144 و 146 حديث 642 و 646. وانظرها في الكافي 5: 295 - 296 حديث 2 و 5 - 6 و 8.
(7) مسند أحمد بن حنبل 2: 494، والسنن الكبرى 6: 155، والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 245
حديث 985.
530

ومن قال أن ذلك ليس على جهة التحديد، فعليه الدلالة، لأن ظاهره التحديد.
مسألة 11: إذا سبق نفسان إلى المعادن الظاهرة، أقرع بينهما الإمام، فمن
خرج اسمه قدمه ليأخذ حاجته.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم (1).
والثاني: أنه مخير، يقدم من شاء منهما (2).
والثالث يقيم غيرهما في أخذ ما فيه، ويقسمه بينهما (3).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل أمر مجهول فيه القرعة، وهذا من المشتبه،
فوجب الرجوع فيه إليها.
مسألة 12: لا يجوز للإمام أن يقطع أحدا شيئا من الشوارع، والطرقات،
ولا رحاب الجوامع.
وقال الشافعي: للسلطان أن يقطع ذلك (4).
دليلنا: أن هذه المواضع لا يملكها أحد بعينه، بل الناس فيها مشتركون، وإذا
لم يملكها أحد فمن أثبت للسلطان أقطاعها فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا ملك البئر بالإحياء، وخرج ماؤها فهو أحق بمائها من غيره
بقدر حاجته وحاجة ماشيته، وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره، لحاجته
إليه للشرب له ولما شيته، ولا يجب عليه بذله لسقي زرعه، بل يستحب له ذلك.
وبه قال الشافعي (5).

(1) المجموع 15: 220 و 223، والوجيز 1: 243، والسراج الوهاج: 301، ومغني المحتاج 2: 372.
(2) نفس المصادر المتقدمة.
(3) المجموع 15: 220 و 223، ومغني المحتاج 2: 372.
(4) المجموع 15: 228، ومغني المحتاج 2: 369.
(5) الأم 4: 49، ومختصر المزني: 132، والمجموع 15: 241، والوجيز: 244، وفتح الباري 5: 32،
والسراج الوهاج: 301، وكفاية الأخيار 1: 196، ومغني المحتاج 2: 375.
531

وقال أبو عبيدة بن حربويه (1): يستحب له ذلك لسقي غيره، وسقي مواشيه،
وسقي زرعه، ولا يجب على حال (2).
وفي الناس من قال: يجب عليله بذله بال عوض لشرب الماشية، ولسقي
الزرع (3).
ومنهم من قال: يجب عليه بالعوض، وأما بلا عوض فلا (4).
دليلنا: ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من منع فضل
الماء ليمنع به الكلاء منعه الله فضل رحمته يوم القيامة " (5).
وفيه أدلة:
أحدها: أنه توعد على المنع، فدل على وجوب البذل.
والثاني: أنه يجب عليه البذل بلا عوض.
والثالث: دل على أن الفاضل هو الذي يجب بذله دون ما يحتاج إليه لنفسه
وماشيته وزرعه.
والرابع: أنه دل على أنه إنما يجب ذلك للماشية دون غيرها.

(1) أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب بن عيسى البغدادي المعروف بابن حربويه وقيل: جويرية، تفقه
على أبي ثور، وولي قضاء واسط ثم إقليم مصر، مات سنة تسع عشرة وقيل: سبع عشرة وثلاثمائة.
انظر تاريخ بغداد 11: 395 و 398، وشذرات الذهب 2: 282، وطبقات الشافعية لابن هداية
الله: 15.
(2) المجموع 15: 239.
(3) قاله أبو إسحاق كما في المجموع 15: 239، وهو قول أهل الظاهر كما في المحلى 8: 243.
(4) وبه قال مالك كما في جواهر الإكليل 2: 204، وأسهل المدارك 3: 54، والخرشي 7: 73.
(5) رواه الشافعي في أمه 4: 49، ورواه أحمد بن حنبل 2: 221، والنووي في المجموع 15: 239، وابن
حجر والعسقلاني في تلخيص الحبير 3: 66 حديث 1208 عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
رسول الله صلى الله عليه وآله.
532

وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " الناس شركاء في
ثلاث: الماء، والنار، والكلاء " (1).
وروى جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام نهى عن بيع فضل الماء (2)،
ولا يمكن حمل ذلك إلا على هذا الموضع.

(1) تلخيص الحبير 3: 65، ودرر اللآلي لابن جمهور الأحسائي 2: 96 كما في المستدرك للنووي 17: 114
والدراية في تخريج أحاديث الهداية 2: 246 حديث 987 وفيه أخرجه الطبراني عن ابن عمر. وروي
بلفظ المسلمون بدل الناس في سنن ابن ماجة 2: 826 حديث 2472.
(2) صحيح مسلم 3: 1197 حديث 1565، وسنن ابن ماجة 2: 828 حديث 2477، والسنن الكبرى
6: 15، والجامع الصغير للسيوطي 2: 684 حديث 9349.
533

كتاب الوقف
535

مسألة 1: إذا تلفظ بالوقف، فقال: وقفت، أو حبست، أو تصدقت، أو
سبلت وقبض الموقوف عليه أو من يتولى عنهم، لزم الوقف. وبه قال جميع
الفقهاء الشافعي وغيره (1)، وهو قول أبي يوسف ومحمد (2)، غير أنه لم يعتبر منهم
أحد القبض غيرنا وغير محمد (3).
وروى عيسى بن أبان (4) أن أبا يوسف لما قدم بغداد كان على قول
أبي حنيفة في بيع الوقف، فحدثه إسماعيل بن إبراهيم بن علية (5)، عن ابن

(1) المجموع 15: 340 و 343، والوجيز 1: 247، والسراج الوهاج: 303، ومغني المحتاج 2: 383، وكفاية
الأخيار 1: 199.
(2) اللباب 2: 129، والمبسوط 12: 27 - 28، وشرح فتح القدير 5: 45، وفتاوى قاضيخان في هامش
الفتاوى الهندية 3: 285، والفتاوى الهندية 2: 351، وتبيين الحقائق 3: 326، والهداية المطبوع
بهامش شرح فتح القدير 5: 45.
(3) المبسوط 12: 37، وعمدة القاري 14: 52، وبدائع الصنائع 6: 219 - 220، واللباب 2: 129 و
130، وشرح فتح القدير 5: 45، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 45، والفتاوى
الهندية 2: 285، وفتاوى قاضيخان في هامش الفتاوى الهندية 3: 285، وتبيين الحقائق 3: 325 - 326.
(4) أبو موسى، عيسى بن أبان بن صدقة، كان من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأي، تفقه على
محمد بن الحسن. تولى القضاء بالبصرة سنة (211 ه‍) حتى مات سنة إحدى وعشرين ومائتين
(220 ه‍) تاريخ بغداد 11: 157 - 160، وطبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي: 115.
(5) إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، مولاهم أبو بشر البصري المعروف بابن علية، روى عن
عبد العزيز بن صهيب وسليمان التيمي وحميد الطويل وابن عون، وروى عنه شعبة وابن جريح
وحماد بن زيد وغيرهم ولد سنة (110 ه‍) ومات سنة (193 ه‍) انظر تهذيب التهذيب 1: 275.
537

عون (1)، عن نافع، عن ابن عمر فقال: هذا لا يسع أحد خلافه، ولو تناهى إلى
أبي حنيفة لقال به، ومنع حينئذ من بيعه (2).
وقال أبو حنيفة: إن حكم الحاكم بالوقف لزم، وإن لم يحكم لم يلزم وكان
الوقف بالخيار إن شاء باعه وإن شاء وهبه، وإن مات ورثه، وإن أوصى
بالوقف لزم في الثلث (3).
فناقض لأنه جعل الوقف لازما في ثلثه إذا أوصى به، ولم يجعله لازما في
حال مرضه المخوف إذا نجزه ولم يؤجره، ولا لازما في جميع ماله في حال صحته.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه وإجماعهم حجة.
وروى نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر
إشتراها، فلما استجمعها قال: يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب قط مثله،
وقد أردت أن أتقرب به إلى الله، فقال النبي عليه السلام: " حبس الأصل
وسبل الثمرة " (4).
ويدل على ذلك إجماع الصحابة، لأن عليا عليه السلام، وأبا بكر، وعمر،
وعثمان، وطلحة، والزبير، وأنس بن مالك، وأبا الدحداح (5)، وعبد الرحمن

(1) في النسخ المعتمدة: ابن عوف، والصواب ما أثبتناه، وهو: عبد الله بن عون بن ارطبان المزني مولاهم
أبو عون الخزاز البصري الفقيه روى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ونافع مولى عبد الله بن عمر ومحمد
ابن سيرين وغيرهم وروى عنه ابن علية والأعمش والثوري وجمع غفير. مات ابن عون سنة إحدى
وخمسين ومائة (151 ه‍) تهذيب التهذيب 5: 246، وطبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي: 73.
(2) رواه في فتح الباري 5: 403، وأشار إليها في فتح المعين بشرح قرة العين: 87.
(3) اللباب 2: 129، وعمدة القاري 14: 24، وبدائع الصنائع 6: 218، والمبسوط 12: 27 وشرح معاني
الآثار 4: 97، وفتاوى قاضيخان 3: 286، والفتاوى الهندية 2: 350، وتبيين الحقائق 3: 326،
والمغني لابن قدامة 6: 207.
(4) السنن الكبرى 6: 162، ومختصر المزني: 133، وروي في مسند أحمد بن حنبل 2: 114، وسنن ابن
ماجة 2: 801 حديث 2397، وسنن النسائي 6: 232 باختلاف يسير في اللفظ.
(5) أبو الدحداح، وقيل: أبو الدحداحة بن الدحداحة الأنصاري، مذكور في الصحابة قال أبو عمر:
لا أقف على اسمه ولا نسبه أكثر من أنه من الأنصار، حليف لهم. أسد الغابة 5: 185، وتاريخ
الصحابة لابن حبان: 271.
538

بن عوف (1)، وفاطمة عليها السلام وغيرهم وقفوا دورا وآبارا وبساتين (2)،
ولم ينقل عن أحد أنه رجع في وقفه فباع منه شيئا، ولا عن أحد من ورثتهم مع
اختلاف هممهم، فلو كان ذلك جائزا لنقل عن أحد منهم الرجوع فيه.
مسألة 2: من شرط لزوم الوقف عندنا القبض. وبه قال محمد بن
الحسن (3).
وقال الشافعي والباقون: ليس من شرط لزومه القبض (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإذا قبضه فلا خلاف في لزوم الوقف، وليس
في لزومه قبل القبض دليل.
مسألة 3: إذا وقف دارا، أو أرضا، أو غيرهما، فإنه يزول ملك الواقف،
وعليه أكثر أصحاب الشافعي (5).

(1) أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث الزهري، ولد بعد الفيل بعشر
سنين، روى عن النبي صلى الله عليه وآله وعن عمر، وروى عنه أولاده وابن عباس وابن عمر
وغيرهم مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل سنة إحدى وقيل سنة ثلاثة. تهذيب التهذيب 6: 244.
(2) السنن الكبرى 6: 160 و 164، ومختصر المزني: 133، والمحلى 9: 180، والمبسوط 12: 28،
وبدائع الصنائع 6: 219.
(3) المبسوط 12: 37، وبدائع الصنائع 6: 220، والنتف 1: 513، وعمدة القاري 14: 50 و 52،
وفتاوى قاضيخان في هامش الفتاوى الهندية 3: 285، والفتاوى الهندية 2: 351، وتبيين الحقائق
3: 326، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 45، وشرح فتح القدير 5: 45، والمجموع
15: 327، والمغني لابن قدامة 6: 209، والشرح الكبير 6: 210.
(4) مختصر المزني 133، والمجموع 15: 324 و 327، والوجيز 1: 247، والسراج الوهاج: 305، وكفاية
الأخيار 1: 198، وبدائع الصنائع 6: 220، وعمدة القاري 14: 50 و 52، وشرح فتح القدير
5: 45، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 45، والمغني لابن قدامة 6: 310.
(5) المجموع 15: 324، وكفاية الأخيار 1: 199، والوجيز 1: 247، والسراج الوهاج: 305 - 306،
ومغني المحتاج 2: 389.
539

وخرج ابن سريج قولا آخر: أنه لا يزول ملكه، لقول النبي عليه السلام:
" حبس الأصل وسبل الثمرة " (1) وتحبيس الأصل يدل على بقاء الملك (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه لا خلاف أنه يقطع تصرف الواقف في الرقبة
والمنفعة، وهو المعني بزوال الملك مثل: البيع، والعتق، ومعنى التحبيس الذي
ذكره عمر في خبره هو: أنها صدقة، لا تباع ولا توهب ولا تورث، فرجع معنى
التحبيس إلى ذلك دون ما ذكره ابن سريج.
مسألة 4: تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد أبي طالب
العقيليين (3)، والجعافرة (4)، والعلويين (5)، وولد العباس بن عبد المطلب،
وولد أبي لهب، وولد الحارث بن عبد المطلب، ولا عقب لهاشم إلا من هؤلاء،
ولا يحرم على ولد المطلب، ونوفل، وعبد شمس بن عبد مناف.
وقال الشافعي: تحرم الصدقة المفروضة على هؤلاء كلهم، وهم جميع ولد
عبد مناف (6).
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، ولأن ما قلناه مجمع عليه، وما ذكروه ليس عليه
دليل.
مسألة 5: لا تحرم صدقة بني هاشم بعضهم على بعض، وإنما تحرم صدقة

(1) السنن الكبرى 6: 162، ومختصر المزني: 133، وروي في سنن النسائي 6: 232، وسنن ابن ماجة
2: 801 حديث 2397، ومسند أحمد بن حنبل 2: 114 باختلاف يسير في اللفظ فلاحظ.
(2) المجموع 15: 324 و 340 - 341، ومغني المحتاج 2: 389.
(3) أي: ولد عقيل بن أبي طالب.
(4) يعني: ولد جعفر بن أبي طالب.
(5) أي: ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
(6) الأم 2: 81، ومختصر المزني: 159، وكفاية الأخيار 1: 124، والمجموع 6: 226 - 227، والسراج
الوهاج: 356، ومغني المحتاج 3: 112.
540

غيرهم عليهم.
وأطلق الشافعي تحريم الصدقة المفروضة عليهم من غير تفصيل (1).
فأما صدقة التطوع فلا خلاف أنها تحل لهم (2).
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " (3)
وذلك عام في جميع الناس، وإنما أخرجنا من أخرجناه بدليل، وبقي الباقي على
عمومه.
مسألة 6: يجوز وقف الأرض، والعقار، والدور، والرقيق، والسلاح، وكل
شئ يبقى بقاء متصلا ويمكن الانتفاع به. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا في الأراضي، والدور، والكراع، والسلاح،
والغلمان تبعا للضيعة الموقوفة، فأما على الانفراد فلا (5).
دليلنا: عموم الأخبار في جواز الوقوف من قولهم عليهم السلام: " الوقف على
حسب ما يشرط الواقف " (6) وذلك على عمومه، فمن خصصه فعليه الدلالة.
وأيضا روي أن أم معقل (7) جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت:

(1) الأم 2: 81، ومختصر المزني: 133، والمجموع 6: 227، وكفاية الأخيار 1: 124، والسراج الوهاج
356، ومغني المحتاج 3: 112، وعمدة القاري 9: 81.
(2) الأم 2: 81، ومختصر المزني: 159، ومغني المحتاج 3: 112، والسراج الوهاج: 356، وعمدة القاري 9: 81.
(3) التوبة: 60.
(4) مختصر المزني: 133، والوجيز 1: 244، وكفاية الأخيار 1: 197، والمجموع 15: 320، والسراج الوهاج:
302، ومغني المحتاج 2: 377.
(5) اللباب 2: 131، وبدائع الصنائع 6: 220، وشرح فتح القدير 5: 49 - 50، والهداية المطبوع
بهامش شرح فتح القدير 5: 49، وتبيين الحقائق 3: 327.
(6) يدل عليه عموم الأخبار المذكورة في الكافي 7: 337، ومن لا يحضره الفقيه 4: 176، والتهذيب
9: 129. وقد ورد عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: " الوقف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله ".
(7) أم معقل الأسدية، ويقال: الأشجعية، ويقال الأنصارية، زوجة أبي معقل، روت عن النبي صلى
الله عليه وآله عمرة في رمضان تعدل حجه، وعنها الأسود بن يزيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن
الحارث ويوسف بن عبد الله بن سلام. قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب 12: 480.
541

يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناضحته في سبيل الله، وإني أريد الحج أفاركبه؟
فقال النبي عليه السلام: إركبيه، فإن الحج والعمرة من سبيل الله (1).
مسألة 7: يجوز وقف المشاع. وبه قال الشافعي (2).
وقال محمد: لا يجوز، لأن من شرط اللزوم القبض، والمشاع لا يصح
قبضه (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه يصح قبض المشاع كما يصح قبضه في
البيع، لأن القبض هو التمكين من التصرف فيه.
ولأن النبي عليه السلام قال: لعمر: " حبس الأصل، وسبل الثمرة " (4)،
وكان ذلك مشاعا، لأنه ملكه.
كذلك لأن النبي عليه السلام ما قسم خيبر، وإنما عدل السهام.
مسألة 8: ألفاظ الوقف التي يحكم بصريحها، قوله: " وقفت، وحبست،
وسبلت " وما عداها يعلم بدليل أو بإقراره أنه أراد به الوقف، وذلك مثل قوله:
" تصدقت، وحرمت، وأبدت "، ولا بد في جميع ذلك من اعتبار القصد والنية.
وقال الشافعي: ألفاظ الوقف ستة:

(1) السنن الكبرى 6: 274، وفيه " فإن الحج من سبيل الله ".
(2) المجموع 15: 323 و 327، وكفاية الأخيار 1: 197، والوجيز 1: 244، والسراج الوهاج: 302،
ومغني المحتاج: 377، وعمدة القاري 14: 52، والمغني لابن قدامة 6: 266.
(3) النتف 1: 528، واللباب 2: 130، وعمدة القاري 14: 52، والمبسوط 12: 37، وبدائع الصنائع
6: 220، والفتاوى الهندية 2: 365، وفتاوى قاضيخان المطبوع بهامش الفتاوى الهندية 3: 302،
والمغني لابن قدامة 6: 266، وتبيين الحقائق 3: 326، والمجموع 15: 327.
(4) السنن الكبرى 6: 162، ومختصر المزني: 133، وروي في سنن النسائي 6: 232، وسنن ابن ماجة
2: 801 حديث 2397، ومسند أحمد بن حنبل 2: 114 بفارق يسير في بعض الألفاظ فلاحظ.
542

" وقفت، وتصدقت، وسبلت، وحبست، وحرمت، وأبدت ". فالوقف
صريح، وتصدقت مشترك، وحبست صريحان. وحرمت وأبدت فيه
وجهان:
أحدهما: أنهما صريحان. والآخر: أنهما كنايتان (1).
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على أنه صريح، ينعقد به الوقف، وما ذكروه
ليس عليه دليل، ولأن هذه الألفاظ محتملة للوقف ولغيره، فلا يحمل على بعض
ما يحتمله إلا بدليل.
مسألة 9: إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة، مثل أن يقف على
ولده وسكت على ذلك:
فمن أصحابنا من قال: لا يصح الوقف (2).
ومنهم من قال: يصح، فإذا انقرض الموقوف عليه رجع إلى الواقف إن كان حيا،
وإن كان ميتا رجع إلى ورثته (3). وبه قال أبو يوسف (4).
وللشافعي فيه قولان. أحدهما: لا يصح (5).
والآخر: يصح، فإذا انقرضوا رجع إلى أبواب البر، ولا يعود إليه، ولا إلى

(1) المجموع 15: 340 و 343، والوجيز 1: 245، والسراج الوهاج: 303، ومغني المحتاج 2: 382.
(2) قال العاملي في مفتاح الكرامة 9: 18 ما لفظه: وأما القول بالبطلان، فقد حكاه في الخلاف والمبسوط
عن بعض أصحابنا ولم نجده، ويظهر من التذكرة أنه لم يظفر به أيضا، وليعلم أن جماعة قالوا إن في
المسألة قولين الصحة والبطلان... إلى آخره فلاحظ.
(3) ممن قال فيه ابن البراج في جواهر الفقه المطبوع ضمن الجوامع الفقيه: 501، وابن حمزة في الوسيلة:
370، وسلار في المراسم: 198، والعلامة في المختلف: 34.
(4) المبسوط 12: 47، والمغني لابن قدامة 6: 239، والبحر الزخار 5: 158.
(5) المجموع 15: 334 و 337، والسراج الوهاج: 304، وكفاية الأخيار 1: 197 - 198، والوجيز
1: 246، ومغني المحتاج 2: 384، والوجيز 1: 246، وفتح العين: 89، والبحر الزخار 5: 158.
543

ورثته (1).
دليلنا: أن عوده إلى البر بعد انقراض الموقوف عليهم يحتاج إلى دليل،، وليس
في الشرع ما يدل عليه، والأصل بقاء الملك عليه أو على ولده.
مسألة 10: إذا وقف على من لا يصح الوقف عليه مثل العبد، أو حمل لم
يوجد، أو رجل مجهول وما أشبه ذلك، ثم بعد ذلك على أولاده الموجودين في
الحال، وبعدهم على الفقراء والمساكين، بطل الوقف فيما بدأ بذكره، لأنه
لا يصح الوقف عليهم، وصح في حيز الباقين، لأنه يصح الوقف عليهم.
وللشافعي فيه قولان بناء على تفريق الصفقة، فإذا قال بتفريق الصفقة قال
مثل ما قلناه (2)، وإذا لم يقل بذلك أبطل الوقف في الجميع (3).
دليلنا: أنه ذكر نوعين: أحدهما: لا يصح الوقف عليه. والآخر: يصح، فإذا
بطل في حيز من لا يصح الوقف عليه، صح في حيز من يصح الوقف عليه، لأنه
لا دليل على إبطاله، ولا مانع يمنع منه فيه.
مسألة 11: إذا وقف مطلقا ولم يذكر الموقوف عليه، مثل أن يقول: وقفت
هذه الدار، أو هذه الضيعة، ثم يسكت ولا يبين على من وقفها عليه، لا يصح
الوقف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه (4).

(1) المجموع 15: 337 و 339، والوجيز 1: 246، ومغني المحتاج 2: 384، والسراج الوهاج: 304، وكفاية
الأخيار 1: 197 - 198، وفتح المعين بشرح قرة العين: 89، والمغني لابن قدامة 6: 239، والبحر
الزخار 5: 158.
(2) المجموع 15: 327 و 332، والوجيز 1: 245، وكفاية الأخيار 1: 197، والمغني لابن قدامة 6: 243.
(3) السراج الوهاج: 302 - 303، ومغني المحتاج 2: 379، وكفاية الأخيار 1: 197، والمجموع 15: 327
و 332، والمغني لابن قدامة 6: 243.
(4) المجموع 15: 336، والوجيز 1: 246، وكفاية الأخيار 1: 199، وفتح الباري 5: 385، وعمدة القاري
14: 51، والبحر الزخار 5: 152.
544

والثاني: أنه يصح، ويصرفه إلى الفقراء والمساكين، ويبدأ بفقراء أقاربه،
لأنه أولى (1).
دليلنا: إن صحة الوقف يحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل يدل على صحة
هذا الوقف.
ولأنه أيضا مجهول، ولو وقف على مجهول كان باطلا، فهذا آكد.
مسألة 12: إذا وقف وقفا، وشرط أن يصرف منفعته في سبيل الله، جعل
بعضه للغزاة المطوعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان، وبعضه في الحج
والعمرة لأنهما من سبيل الله، وبه قال أحمد بن حنبل (2).
وقال الشافعي: يصرف جميعه إلى الغزاة الذين ذكرناهم (3).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن سبيل الله عام في جميع ذلك، فوجب صرفه
إليهم، بدلالة ما قدمناه من خبر أم معقل، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لها: " اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله " (4).
مسألة 13: يجوز الوقف على أهل الذمة إذا كانوا أقاربه.
وقال الشافعي: يجوز ذلك مطلقا، ولم يخص (5).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن ما قلناه مجمع على جوازه، وما ذكروه لا دليل
عليه.

(1) المجموع 15: 339 - 340، والوجيز 1: 246، وكفاية الأخيار 1: 199، والمغني لابن قدامة 6: 242،
والشرح الكبير 6: 227، وفتح الباري 5: 385، وعمدة القاري 14: 51، والبحر الزخار 5: 152.
(2) المغني لابن قدامة 6: 237.
(3) المصدر السابق 6: 237 - 238.
(4) تقدم في المسألة " 6 " من هذا الكتاب من السنن الكبرى 6: 274 وما فيه من القصة الكاملة لهذا
الحديث فلاحظ.
(5) المجموع 15: 326 و 329، والوجيز 1: 245، وكفاية الأخيار 1: 198، والبحر الزخار 5: 153،
والسراج الوهاج: 303، ومغني المحتاج 2: 379.
545

مسألة 14: إذا وقف على مولاه، وله موليان، مولى من فوق، ومولى من
أسفل، ولم يبين، انصرف إليهما.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مثل ما قلناه. وهو الصحيح عندهم (1).
والثاني: ينصرف إلى المولى من فوق لأنه آكد، لأنه يرث (2).
والثالث: يبطل الوقف لأنه وقف على مجهول (3).
دليلنا: إن اسم المولى يتناولهما، فوجب صرفه إليهما، كما لو أطلق الوقف على
الأخوة انصرف إليهم وإن كانوا متفرقين، وليس ذلك بمجهول، كما أن الوقف
على الأخوة ليس بمجهول.
مسألة 15: إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده، دخل أولاد البنات فيه،
ويشتركون فيه مع أولاد البنين، الذكر والأنثى فيه سواء كلهم. وبه قال
الشافعي (4).
وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يدخل أولاد البنات فيه (5).
وحكي أن عيسى بن أبان قاضي البصرة، فأخرج من الوقف أولاد
البنات، وبلغ ذلك أبا خازم (6) وكان قاضيا ببغداد، فقال: أصاب في ذلك.

(1) المجموع 15: 355، والوجيز 1: 247، والشرح الكبير 6: 261، ومغني المحتاج 2: 388، والسراج
الوهاج: 305.
(2) الوجيز 1: 247، والمجموع 15: 355، والشرح الكبير 6: 261.
(3) المجموع 15: 355، والوجيز 1: 247، ومغني المحتاج 2: 388، والسراج الوهاج: 305، والشرح الكبير 6: 261.
(4) المجموع 15: 348 و 352، والوجيز 1: 247، والسراج الوهاج: 305، ومغني المحتاج 2: 388، وعمدة
القاري 15: 48، والمغني لابن قدامة 6: 229، والشرح الكبير 6: 246.
(5) المغني لابن قدامة 6: 229، والشرح الكبير 6: 246.
(6) أبو خازم - بالخاء - المعجمة، عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أصله من البصرة وأخذ العلم عن بكر
العمي من العم، ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ من مدينة السلام، تفقه عليه أبو جعفر
الطحاوي وأبو طاهر الدباس ولقيه أبو الحسن الكرخي مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين. الجواهر
المضية 296، والإكمال 2: 286.
546

وقد نص محمد بن الحسن على أنه إذا عقد الأمان لولده وولد ولده خل
فيه ولد ابنه دون ولد بنته (1).
(ومنهم من يقول) (2): إن أصحابنا يختلفون:
منهم من يقول: يدخل فيه أولاد البنات (3).
ومنهم من يقول: لا يدخل فيه (4).
دليلنا: إجماع المسلمين على أن عيسى بن مريم من ولد آدم (5)، وهو ولد
بنته، لأنه ولد من غير أب (6).
وأيضا دعا رسول الله عليه وآله الحسن ابنه، وهو ولد بنته، فقال:
" لا تزرموا ابني " (7) أي لا تقطعوا عليه بوله. وكان قد بال في حجره، فهموا
بأخذه، فقال لهم ذلك.
فأما استشهادهم بقول الشاعر (8):

(1) المجموع 15: 352.
(2) ما بين المعقوفين زيادة من بعض النسخ المعتمدة.
(3) وهو قول أبي يوسف كما أشار إليه ابن قدامة في المغني 6: 229، والشرح الكبير 6: 246.
(4) وهو قول محمد بن الحسن كما حكاه عنه ابن قدامة في المغني 6: 229، والشرح الكبير 6: 246.
(5) كما نطق به القرآن الكريم في سورة الأنعام: 83 - 86.
(6) إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: 59 " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم
قال له كن فيكون ".
(7) حكاه ابن الأثير في النهاية 2: 301 مادة " زرم ".
(8) الشاعر مجهول، وإن نسبه الكرماني في شرحه لشواهد شرح الكافية قائلا: لأبي فارس همام الفرزدق
ابن غالب إلا أن هذه النسبة أيضا غير ثابتة لخلو ديوانه منه، ولتوقف الآخرين من هذه النسبة له،
والله أعلم بحقائق الأمور.
547

بنونا بنو أبنائنا وبناتا بنوهن أبناء الرجال الأباعد (1)
فإنه مخالف لقول النبي عليه السلام، وإجماع الأمة، والمعقول، فوجب رده،
على أنه إنما أراد الشاعر بذلك الانتساب، لأن أولاد البنت لا ينتسبون إلى أمهم
وإنما ينتسبون إلى أبيهم، وكلامنا في غير الانتساب.
وأما قولهم: إن ولد الهاشمي من العامية هاشمي.
فالجواب عنه: أن ذلك في الانتساب، وليس كلامنا فيه، بل كلامنا في
الولادة، وهي متحققة من جهة الأم.
مسألة 16: إذا قال: وقفت على فلان سنة، بطل الوقف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (2).
والثاني: يصح فإذا مضت سنة صرف إلى الفقراء والمساكين، ويبدأ
بقراباته لأنهم أولى بصدقته (3).
دليلنا: أن من شرط صحة الوقف التأبيد، فإذا وقف سنة لم يجعله مؤبدا،
فوجب أن يبطل، لأنه لم يعلقه بما لا ينقرض، وعلى المسألة إجماع الفرقة
وأخبارهم (4).
مسألة 17: إذا وقف على بني تميم، أو بني هاشم صح التوقف.

(1) أنظر خزانة الأدب 1: 445. والمجموع 15: 353، والمغني لابن قدامة 6: 230، علما بأن بعض من
استشهد بهذا البيت أبدل كلمة " الأباعد " بكلمة " الأجانب ".
(2) المجموع 15: 333 - 334، والسراج الوهاج: 304، ومغني المحتاج 2: 383 - 384، وكفاية الأخيار
1: 198، والوجيز 1: 246، وفتح المعين بشرح قرة العين: 88، والمغني لابن قدامة 6: 239.
(3) المجموع 15: 334، والوجيز 1: 246، وكفاية الأخيار 1: 198، ومغني المحتاج 2: 383 - 384، والمغني
لابن قدامة 6: 239.
(4) أنظر الكافي 7: 36 حديث 31، ومن لا يحضره الفقيه 4: 176 حديث 620 - 622، والتهذيب 9: 132
حديث 561 - 562.
548

وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: لا يصح التوقف، لأنهم غير محصورين، فهو مجهول (2).
دليلنا: أنهم معينون، مثل الفقراء والمساكين، ولا خلاف أن الوقف على
الفقراء والمساكين يصح وإن كانوا غير محصورين.
وما روي عنهم عليهم السلام من: أن الوقف بحسب ما يقفه الواقف، يدل
عليه (3).
مسألة 18: إذا وقف على نفسه، ثم على أولاده، ثم على الفقراء والمساكين،
لم يصح الوقف على نفسه. وبه قال الشافعي (4).
وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى، وابن شبرمة: يصح وقفه على
نفسه (5). وبه قال ابن سريج، والزبيري (6) (7).
دليلنا: أن الوقف تمليك، ولا يصح أن يملك الإنسان نفسه ما هو ملك له

(1) المجموع 15: 339، والمغني لابن قدامة 6: 261، وشرح الكبير 6: 263.
(2) المجموع 15: 327 و 339، والمغني لابن قدامة 6: 261، والشرح الكبير 6: 263.
(3) أنظر من لا يحضره الفقيه 4: 176 (باب 128) حديث 620، والتهذيب 9: 129 حديث 555.
(4) المجموع 15: 327 و 329 - 330، والوجيز 1: 245، والسراج الوهاج: 303، ومغني المحتاج 2: 380،
والمغني لابن قدامة 6: 219، وكفاية الأخيار 1: 199، والشرح الكبير 6: 215، والهداية المطبوع في
هامش شرح فتح القدير 5: 56 والبحر الزخار 5: 153.
(5) النتف 1: 524، واللباب 2: 135، وفتح الباري 5: 403، والفتاوى الهندية 2: 371، وتبيين
الحقائق 3: 328، والمبسوط 12: 41 و 46، وشرح فتح القدير 5: 56، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح
القدير 5: 56، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3: 328، والمجموع 15: 330، والمغني لابن قدامة
6: 219، والشرح الكبير 6: 215، والبحر الزخار 5: 153.
(6) أبو عبد الله أحمد بن سليمان البصري المعروف بالزبيري من أولاد الزبير بن العوام، ويعرف أيضا
بصاحب الكافي. مات قبل العشرين وثلاثمائة. انظر طبقات الشافعية لابن هداية الله: 15.
(7) المجموع 15: 327 و 330، وكفاية الأخيار 1: 199، وشرح فتح القدير 5: 56، والبحر الزخار
5: 153، وفتح الباري 5: 403.
549

كالبيع، لأنه لا خلاف أنه لا يصح أن يبيع من نفسه.
وأيضا صحة الوقف، حكم شرعي، وليس في الشرع ما يدل على أن وقفه
على نفسه صحيح.
مسألة 19: إذا حكم الحاكم بصحة الوقف على نفسه، لم ينفذ الحكم،
ونقض حكمه.
وقال الشافعي: ينفذ حكمه، ولا يجوز نقضه، لأنها مسألة اجتهادية (1).
دليلنا: أن عندنا أن الحق في واحد، والاجتهاد باطل في الأحكام، فلا يصح
هذا الحكم بالاجتهاد الباطل، ووجب نقضه.
مسألة 20: إذا بنى مسجدا، وأذن للناس، فصلوا فيه، أو عمل مقبرة وأذن
في الدفن فيها، فدفنوا فيه، ولم يقل أنه وقف، لم يزل ملكه. وبه قال
الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: إذا صلوا فيه ودفنوا فيه زال ملكه (3).
دليلنا: أن الأصل بقاء الملك، وزواله يحتاج إلى دليل.
مسألة 21: إذا وقف مسجدا، ثم أنه خرب وخربت المحلة أو القرية، لم يعد
إلى ملكه. وبه قال الشافعي (4).

(1) لم أعثر على هذا القول في مظانه من كتب الشافعية وغيرها.
(2) المجموع 15: 340، والوجيز 1: 245، والسراج الوهاج: 303، ومغني المحتاج 2: 383، وشرح فتح
القدير 5: 62.
(3) اللباب 2: 135 - 136، والمبسوط 12: 34، وبدائع الصنائع 6: 219، والنتف 1: 524، وتبيين
الحقائق 3: 329، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 62 و 66 وشرح فتح القدير 5: 62،
وشرح العناية على الهداية المطبوع في هامش شرح فتح القدير 5: 62.
(4) المجموع 15: 360 - 361، والسراج الوهاج: 306، ومغني المحتاج 2: 392، وفتح المعين: 90، وشرح
فتح القدير 5: 64.
550

وقال محمد بن الحسن: يعود المسجد إلى ملكه كالكفن إذا ذهب الميت
بالسيل أو أكله السبع (1).
دليلنا: إن ملكه زال بلا خلاف، وعوده إلى ملكه يحتاج إلى دليل، وليس
في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 22: إذا خرب الوقف، ولا يرجى عوده، في أصحابنا من قال: يجوز
بيعه، وإذا لم يختل لم يجز (2). وبه قال أحمد بن حنبل (3).
وقال الشافعي: لا يجوز بيعه على حال (4).
دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة (5).
مسألة 23: إذا انقلعت نخلة من بستان وقف، أو انكسرت، جاز بيعها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه (6).
والثاني: لا يجوز، لأنه لو جاز بيعه بعد الاختلال لجاز قبل الاختلال،
وذلك لا يجوز (7).

(1) المبسوط 12: 42، وبدائع الصنائع 6: 221، وشرح فتح القدير 5: 64، والهداية المطبوع بهامش شرح
فتح القدير 5: 64، وشرح العناية على الهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 5: 64، وتبيين
الحقائق 3: 331، والمجموع 15: 362، والمغني لابن قدامة 6: 251.
(2) قاله الشيخ المفيد قدس سره في المقنعة: 99، والسيد المرتضى قدس سره في الإنتصار: 226.
(3) المغني لابن قدامة 6: 251، والشرح الكبير 6: 266 - 267.
(4) المجموع 15: 360 - 361، ومغني المحتاج 2: 392، والسراج الوهاج: 306، وكفاية الأخيار 1: 198،
والوجيز 1: 248 - 249، وفتح المعين بشرح قرة العين: 90، والمغني لابن قدامة 6: 251، والشرح
الكبير 6: 267.
(5) أنظر الإستبصار 4: 97 (كتاب الوقف والصدقات باب 61) حديث 377 - 382.
(6) المجموع 15: 347 و 360، والسراج الوهاج: 306، ومغني المحتاج 2: 392.
(7) المجموع 15: 347 و 360، والسراج الوهاج: 306، ومغني المحتاج 2: 392.
551

دليلنا: أنه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلا على هذا الوجه، لأن الوجه
الذي شرطه الواقف قد بطل، ولا يرجى عوده.
مسألة 24: إذا وقف على بطون، فأكرى البطن الأول الوقف عشر سنين،
فانقرضوا لخمس سنين، فإن الإجارة تبطل في حق البطن الثاني، ولا تبطل في
حق البطن الأول.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني: لا تبطل، لأن الموت لا تبطل الإجارة (2).
دليلنا: أنا قد دللنا أن الموت يبطل الإجارة. وأيضا فإنا نبين أنهم تصرفوا في
حق الغير، فيجب أن يكون تصرفهم باطلا.

(1) المجموع 15: 88، ومغني المحتاج 2: 356، والسراج الوهاج: 296، والمغني لابن قدامة 6: 50 - 51.
(2) المجموع 15: 88، والوجيز 1: 238 - 239، والسراج الوهاج: 296، وكفاية الأخيار 1: 192، ومغني
المحتاج 2: 356، والمغني لابن قدامة 6: 50 - 51.
552

كتاب الهبة
553

مسألة 1: الهبة لا تلزم إلا بالقبض، وقبل القبض للواهب الرجوع فيها،
وكذلك الرهن عندهم، والعارية، وكذلك الدين الحال إذا أجله لا يتأجل، وله
المطالبة به في الحال. وبه قال في الصحابة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر،
وابن عباس، ومعاذ القارى (1)، وأنس، وعائشة (2) ولا نعرف لهم مخالفا. وبه
قال الشافعي (3).
وقال مالك: يلزم ذلك كله بنفس العقد، ولا يفتقر إلى القبض، ويتأجل
الحق بالتأجيل، ويلزم الأجل (4).
وأما أبو حنيفة فقد وافقنا، إلا أنه قال: الأجل في الثمن يلزم ويلحق
بالعقد (5).

(1) هو معاذ بن جبل، تقدمت ترجمته فلاحظ.
(2) السنن الكبرى 6: 170، والمغني لابن قدامة 6: 275، والشرح الكبير 6: 277، والمجموع 15: 370 و
381، وبداية المجتهد 2: 324.
(3) مختصر المزني: 134، والمجموع 15: 370 و 379، ومغني المحتاج 2: 400 - 401، والسراج الوهاج:
308، وكفاية الأخيار 1: 200، وبداية المجتهد 2: 324، والمغني لابن قدامة 6: 274، والشرح الكبير
6: 276.
(4) بداية المجتهد 2: 324، وجواهر الإكليل 2: 211، والخرشي 7: 105، والمبسوط 12: 48، والمجموع
15: 370، والمغني لابن قدامة 6: 274، والشرح الكبير 6: 276، وبدائع الصنائع 6: 123.
(5) المبسوط 12: 48، والنتف 1: 512، واللباب 2: 120، وبدائع الصنائع 6: 123، والفتاوى الهندية
4: 377، والهداية المطبوع بهامش شرح القدير 7: 113، وتبيين الحقائق 5: 91، والمجموع
15: 370، وبداية المجتهد 2: 324، والمغني لابن قدامة 6: 274، والشرح الكبير 6: 276.
555

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1). وأيضا فإن ما قلناه مجمع على لزومه، وما
ذكروه ليس على صحته دليل.
وروى موسى بن عقبة (2)، عن أمه أم كلثوم (3) أن النبي عليه السلام قال
لأم سلمة: " إني أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة، وإني لا رآه يموت
قبل أن يصل إليه، وإني لا أرى الهدية إلا سترد إلي، فإن ردت على فهي
لي ". فكان كما قال عليه السلام، مات النجاشي قبل أن تصل إليه، فردت
الهدية إليه، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائره
أم سلمة، وأعطاها الحلة (4). وهذا نص.
مسألة 2: إذا قبض الموهوب له الهبة بغير إذن الواهب، كان القبض
فاسدا، ووجب عليه رده. وبه قال الشافعي (5).
وقال أبو حنيفة: إن قبضه في المجلس صح، وإن كان بغير إذنه، وإن قام من
مجلسه لم يكن له القبض، وإن قبض كان فاسدا ووجب عليه رده (6).

(1) انظرها في التهذيب 9: 152 (باب الهبة) من الحديث 624 و 654، والاستبصار 4: 107 من
الحديث 407 و 423.
(2) موسى بن عقبة، لم أقف له على شرح حال في كتب السير المتوفرة لدي سوى ما رواه عن أمه في الخبر
الآتي فلاحظ.
(3) أم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وآله، أمها أم سلمة.
أسد الغابة 5: 613.
(4) مسند أحمد بن حنبل 6: 404، والمستدرك على الصحيحين 2: 188، وتلخيص الحبير 3: 73 حديث
1329، والتلخيص للذهبي في ذيل المستدرك 2: 188، وأسد الغابة 5: 613، وفتح الباري 5: 222
وفيه عن أحمد والطبراني.
(5) المجموع 15: 379، والوجيز 1: 249، والسراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 400، وكفاية الأخيار
1: 201، والشرح الكبير 6: 278 - 279.
(6) اللباب 2: 120، والمبسوط 12: 57، والفتاوى الهندية 4: 377، وبدائع الصنائع 6: 124، والهداية
المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 115، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 115، والمجموع
15: 379.
556

دليلنا: أنه إذا قبض بإذنه صح القبض بلا خلاف، وليس على قول من قال
بصحته بغير إذنه دليل.
مسألة 3: هبة المشاع جائزة، سواء كان ذلك مما يمكن قسمته أو لا يمكن.
وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وسائر
الفقهاء (1).
وقال أبو حنيفة: هبة المشاع فيما لا يمكن قسمته مثل: الحيوان، والجواهر،
والحمامات، والرحا، وغيرها يصح. فأما ما ينقسم فلا يجوز هبته (2).
والهبة بهذا التفصيل يختص على مذهبه، لأنه يسوي بين ما يقسم وما
لا يقسم في المواضع التي يمنع فيها العقد من المشاع، مثل الرهن وغيره.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في جواز الهبة (3).
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي عليه السلام أنه اشترى سراويل بأربعة دراهم، وقال
للوزان: " زن وأرجح " (4).

(1) النتف 1: 512، والمحلى 9: 149، وبداية المجتهد 2: 323، والمغني لابن قدامة 6: 285، والشرح
الكبير 6: 284، والمجموع 15: 374، والوجيز 1: 249، وتبيين الحقائق 5: 93.
(2) النتف 1: 513، وشرح فتح القدير 7: 122، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 121،
وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 7: 121، وتبيين الحقائق 5: 93، وكنز الدقائق
5: 93، والمحلى 9: 149، والمجموع 15: 375، واللباب 2: 121، والمغني لابن قدامة 6: 285،
والشرح الكبير 6: 284.
(3) الكافي 7: 30 حديث 24، والتهذيب 9: 152 حديث 624 و 654، والاستبصار 4: 107 حديث
407 و 423.
(4) سنن أبي داود 3: 245 حديث 3336، وسنن النسائي 7: 284، وسنن الدارمي 2: 260، ومسند
أحمد 4: 352، والسنن الكبرى 6: 32 - 33، مع اختلاف يسير بينهما.
557

قوله عليه السلام: " وأرجح " هبة، وهو مشاع، فدل على صحة هبة المشاع.
وروى جابر أن النبي عليه السلام اشترى من رجل بعيرا، فوزن له
وأرجح (1).
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال يوم خيبر: " ما لي مما أفاء الله عليكم
إلا الخمس، والخمس مردود فيكم، فردوا الخيط والمخيط، فإن الغلول يكون
على أهله عارا يوم القيامة، ونارا وشنارا "، فقام رجل في يده كبة من شعر،
فقال: أخذت هذه لأصلح بردعة بعيري، فقال: " أما ما كان لي ولبني
عبد المطلب فهو لك " فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها (2).
وكانت حصة النبي عليه السلام في الكبة مشاعا، فدل على جوازها مشاعا.
مسألة 4: العمرى عندنا جائزة، ومعناها إذا قال الرجل لغيره: أعمرتك
هذه الدار مدة حياتك، أو مدة حياتي، أو أسكنتك، أو جعلت لك هذه الدار
في حياتك، فإن هذه الألفاظ إذا أتى بواحدة منها وأقبضه فقد لزم العمرى،
ولهذا سمي عمرى، وتسمى عندنا أيضا سكنى، وبه قال جميع الفقهاء (3).
وحكي عن قوم أنهم قالوا: العمرى غير جائزة (4).
دليلنا على ما ذكرناه: إجماع الفرقة وأخبارهم (5).

(1) السنن الكبرى 6: 32 وفيه اختلاف يسير في اللفظ.
(2) مسند أحمد بن حنبل 2: 184، ومجمع الزوائد 6: 188.
(3) الأم 4: 63، والمجموع 15: 393 - 394، وكفاية الأخيار 1: 202، وبداية المجتهد 2: 329، والمحلى
9: 164، وبلغة السالك 2: 320، وعمدة القاري 13: 178، والمغني لابن قدامة 6: 336، والشرح
الكبير 6: 288، وفتح الباري 5: 238.
(4) المجموع 15: 393 - 394، وفتح الباري 5: 238، وعمدة القاري 13: 178، والبحر الزخار
5: 142.
(5) التهذيب 9: 139 - 140 حديث 587 و 591، والاستبصار 4: 103 حديث 396 و 400.
558

وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال: " العمرى جائزة " (1).
وروى عبد الله بن محمد بن عقيل (2)، عن محمد بن علي - ابن الحنفية -،
عن معاوية بن أبي سفيان، عن النبي عليه السلام أنه قال: " العمرى جائزة
لأهلها " (3).
وروى جابر أن النبي عليه السلام قال: " العمرى لمن وهبت له " (4).
وروى عروة، عن جابر أن النبي عليه السلام قال: " من أعمر عمري فهي
له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه " (5)، وهذا نص.
مسألة 5: إذا قال: أعمرتك ولعقبك. فإن هذه عمرى صحيحة، ويملك
المعمر له المنفعة دون الرقبة.
فإن قال: أعمرتك. فإذا مات هو يعود إليه، وإن قال: ولعقبك. فإذا
مات عقبه عاد إليه. وبه قال مالك، والشافعي في القديم على قول
أبي إسحاق (6)

(1) صحيح البخاري 3: 216، وصحيح مسلم 3: 1248 حديث 32 وسنن النسائي 6: 277، ومسند
أحمد بن حنبل 2: 347، وسنن أبي داود 3: 293 حديث 3548، وشرح معاني الآثار 4: 92،
والسنن الكبرى 6: 174.
(2) أبو محمد عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي المدني، أمه زينب الصغرى بنت
أمير المؤمنين عليه السلام، روى عن أبيه وخاله محمد بن الحنفية، وعبد الله بن جعفر وجابر وغيرهم.
عده الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام. انظر رجال الشيخ الطوسي: 265،
وتنقيح المقال 2: 214، وتهذيب التهذيب 6: 13.
(3) سنن الترمذي 3: 632 حديث 1349، وشرح معاني الآثار 4: 91.
(4) صحيح البخاري 3: 216، وصحيح مسلم 3: 1246 حديث 25، وسنن النسائي 6: 277، وسنن
أبي داود 3: 294 حديث 3550، وشرح معاني الآثار 4: 92.
(5) صحيح مسلم 3: 1245، وسنن النسائي 6: 275، والسنن الكبرى 6: 173، والمحلى 9: 167.
(6) بداية المجتهد 2: 326، والمدونة الكبرى 6: 91، وبلغة السالك 2: 320، وأسهل المدارك 3: 97،
وجواهر الإكليل 2: 214، والمجموع 15: 395 - 396، وكفاية الأخيار 1: 202، والمغني لابن قدامة
6: 336 و 338، وفتح الباري 5: 239، وعمدة القاري 13: 178.
559

وعندنا إن قال: أعمرتك مدة حياتي. فإنها له مدة حياته، فإن مات المعمر
أولا كان لورثته إلى أن يموت المعمر، فإذا مات عاد إلى ورثته، وإن مات المعمر
أولا بطل العمرى.
وقال الشافعي في الجديد: إذا جعلها عمري لا تعود إليه، ولا إلى ورثته
بحال. وبه قال أبو حنيفة (1).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (2).
وقال أبو الطيب: قوله القديم أشبه بالنسبة. وقوله الجديد أقيس.
مسألة 6: إذا قال: أعمرتك. وأطلق، لم تصح العمرى، وكان باطلا.
وقال الشافعي في الجديد: يكون عمري صحيحة، ويكون له. فإذا مات
يكون لورثته (3).
وقال في القديم: أن العمرى تبطل. كما قلناه (4). وبه قال أبو حنيفة (5).

(1) مختصر المزني: 134، والمجموع 15: 396، وكفاية الأخيار 1: 202، ومغني المحتاج 2: 398، والسراج
الوهاج: 308، وعمدة القاري 13: 178، وفتح الباري 5: 239، والوجيز 1: 249، والمغني لابن
قدامة 6: 339، واللباب 2: 127، وبدائع الصنائع 6: 116، والفتاوى الهندية 4: 375، وتبيين
الحقائق 5: 104، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 143، والبحر الزخار 5: 144.
(2) من لا يحضره الفقيه 4: 186 (باب العمرى والسكنى) حديث 651 و 653، والتهذيب 9: 139 -
140، حديث 587 و 589، والاستبصار 4: 103 حديث 396 و 398.
(3) مختصر المزني: 134، والمجموع 15: 391 و 396، وكفاية الأخيار 1: 202، ومغني المحتاج 2: 398،
والسراج الوهاج: 308، والوجيز 1: 249، وعمدة القاري 13: 178، وفتح الباري 5: 239، والمغني
لابن قدامة 6: 339، والبحر الزخار 5: 144.
(4) المجموع 15: 391، والوجيز 1: 249، والسراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 398، وعمدة القاري
13: 178، وفتح الباري 5: 239.
(5) يظهر من المصادر المشار إليها سابقا ولما أشار إليه المصنف قدس سره في المسألة السابقة برقم " 5 "
أن قوله بالصحة لا في البطلان فلاحظه.
560

وقال مالك: العمرى صحيحة، ويكون المنفعة له، فإذا مات رجع (1).
وقال أبو إسحاق في الشرح مثل قول مالك (2).
فصارت المسألة على قولين:
أحدهما: تبطل كما قلناه. والآخر تصح.
دليلنا: أن هذه اللفظة مجملة، لأنه يجوز أن يراد بها تمليك الرقبة، ويجوز أن
يراد بها مدة حياته، وإذا احتملت ولم يعلم المراد وجب بطلانها، لأن الأصل
بقاء الملك.
مسألة 7: إذا قال: أعمرتك على أنك إن أنت رجع إلي. كان هذا
صحيحا عندنا، فإذا مات عاد إليه.
وللشافعي فيه قولان مثل المسألة الأولى سواء.
قال في الجديد: هي عمري صحيحة. وقوله: " على أنك إن مت أنت "
يلغى هذا القول، ويكون كما لو أطلق.
والثاني: يبطل (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وروي عن جابر أنه قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله أن يقول: هي

(1) بداية المجتهد 2: 326، والمدونة الكبرى 6: 91، وأسهل المدارك 3: 97، وأقرب المسالك في هامش
بلغة السالك 2: 320، وجواهر الإكليل 2: 214، والمجموع 15: 395، وعمدة القاري 13: 178.
(2) أشار في فتح الباري 5: 239، والمجموع 15: 394 - 395 إلى القول من دون نسبته.
(3) أنظر القولين في المجموع 15: 391 - 392 و 396، والسراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 398، والوجيز
1: 249، وعمدة القاري 13: 178 والمغني لابن قدامة 6: 338 - 339، والشرح الكبير 6: 289 -
290، وكفاية الأخيار 1: 202.
(4) الكافي 7: 33 حديث 21 و 24 و 38 و 39، ومن لا يحضره الفقيه 4: 185 - 186 حديث 649 و
652 - 653، والتهذيب 9: 129 حديث 587 و 594، والاستبصار 4: 103 حديث 396 و 400.
561

لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت. فإنها ترجع إليه (1).
ففسر جابر ما قال النبي عليه السلام، وتفسير الراوي للخبر أولى من تفسير
غيره، لأنه أعرف بمراد النبي عليه السلام.
مسألة 8: الرقبى جائزة، وهي والعمرى سواء، وإنما تخالفها في اللفظ، فإنه
يقول: أرقبتك هذه الدار مدة حياتك، أو مدة حياتي.
وقال الشافعي: حكمها حكم العمرى، ومعناه إذا قال: أعمرتك على إن
مت أنا فهي لك ولورثتك، وإن مت أنت رجع إلي (2).
قال المزني: الرقبى إذا جعل لمن يتأخر موته، ولهذا سمي رقبى، لأن كل
واحد منهما يترقب موت صاحبه (3).
وقال أبو حنيفة: العمرى جائزة، والرقبى باطلة، لأن صورتها أن يقول:
أرقبتك هذه الدار، فإن مت قبلك كانت الدار لك، وإن مت قبلي كانت
راجعة إلى وباقية على ملكي كما كانت. وهذا تمليك بصفة، كما قال: إذا
جاء رأس الشهر فقد وهبت لك داري. فإن ذلك لا يصح (4).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (5).

(1) صحيح مسلم 3: 1246، والسنن الكبرى 6: 172، وتلخيص الحبير 3: 71 حديث 1322.
(2) المجموع 15: 392، وكفاية الأخيار 1: 102، والسراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 399 والوجيز
1: 249، وعمدة القاري 13: 179، وفتح الباري 5: 240، والنتف 1: 523، والمحلى 9: 164.
(3) مختصر المزني: 134، والمجموع 15: 392.
(4) اللباب 2: 127، والنتف 1: 523، والمبسوط 12: 89، وعمدة القاري 13: 178 - 179، وشرح
فتح القدير 7: 144، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 143، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 7: 143، وتبيين الحقائق 5: 104، والمجموع 15: 396، والمغني لابن قدامة
6: 341.
(5) الكافي 7: 33 حديث 21 و 24 و 38 و 39، والتهذيب 9: 129 حديث 687 إلى 594، والاستبصار
4: 103 حديث 396 و 400.
562

وأيضا خبر جابر، فإنه روى أن النبي عليه السلام قال: " يا معشر الأنصار
امسكوا عليكم أموالكم، لا تعمروها ولا ترقبوها، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له
ولورثته " (1). فجمع بين العمرى والرقبى وجوزهما معا.
وروى جابر أن النبي عليه السلام قال: " العمرى جائزة لأهلها، والرقبى
جائزة لأهلها " (2).
وقولهم: إنه تمليك بصفة ليس كذلك، وإنما هو تمليك في الحال، لأنه
يملك الدار في الحال على أنه إذا مات قبله رجعت إليه، وإن مات هو فهي
للمرقب، وهذا تمليك في الحال.
مسألة 9: إذا أعطى الإنسان ولده، يستحب له أن لا يفضل بعضهم على
بعض، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، وعلى كل حال. وبه قال أبو حنيفة،
ومالك، والشافعي، وأبو يوسف (3).
وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق، ومحمد بن الحسن: يفضل الذكور على
الإناث على حسب التفضيل في الميراث. وبه قال شريح (4).
دليلنا: الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة

(1) سنن النسائي 6: 374، ومسند أحمد 3: 302 و 374، والسنن الكبرى 6: 173 باختلاف يسير في
بعض ألفاظه.
(2) سنن أبي داود 3: 295 حديث 3558، وسنن النسائي 6: 274، وسنن الترمذي 3: 634 حديث
1351.
(3) المبسوط 12: 56، وبداية المجتهد 2: 322، ومختصر المزني: 134، والمجموع 15: 371، والسراج
الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 401، والمغني لابن قدامة 6: 302، والمحلى 9: 143، ونيل الأوطار
6: 110 و 112.
(4) المغني لابن قدامة 6: 301 - 302، والمحلى 9: 143، والمحلى 9: 143، وعمدة القاري 13: 146، ونيل الأوطار
6: 112.
563

عليهم السلام (1).
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " سووا بين أولادكم
في العطية، ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت الإناث " (2) وهذا نص.
وروى الشعبي، عن النعمان بن بشير، أنه قال: نحلني أبي نخلا - وروي
غلاما - فقالت أمي عمرة بنت رواحة (3): إئت رسول الله صلى الله عليه وآله،
فأتى النبي صلى الله عليه وآله، فذكر ذلك له، فقال: " ألك ولد سواه؟ "
فقال: نعم. قال: " أفكلهم أعطيته مثل ما أعطيت النعمان؟ " فقال: لا،
فقال: " هذا جور " (4).
وروي: فاشهد على هذا غيري (5).
وروي: " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟ " قال: نعم.
قال: " فاشهد على هذا غيري (6).
وروي: " أن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من
الحق أن يبروك " (7).
وفي رواية الشافعي أنه قال: " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر إليك

(1) تفسير العياشي 2: 166 حديث 2.
(2) السنن الكبرى 6: 177، ومجمع الزوائد 4: 153.
(3) عمرة بنت رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجية، قال ابن الأثير: هي التي سألت زوجها بشير
أن يهب ابنها النعمان هبة دون إخوته ففعل، فقالت له: أشهد على هذا رسول الله صلى الله عليه
(وآله) وسلم ففعل... إلى آخر القصة. أنظر أسد الغابة 3: 509.
(4) سنن النسائي 6: 260، وسنن أبي داود 3: 292 حديث 3542، والسنن الكبرى 6: 177، وفتح
الباري 5: 213، وفي بعضها اختلاف يسير في اللفظ.
(5) صحيح مسلم 3: 1243 حديث 17، وسنن أبي داود 3: 292 حديث 3542.
(6) سنن ابن ماجة 2: 795 حديث 2375، وسنن أبي داود 3: 292 حديث 3592.
(7) سنن أبي داود 2: 292 حديث 3542.
564

سواء؟ " قال: نعم. قال: " فارجعه " (1)، وروي " فاردده " (2).
ووجه الدلالة من ذلك أن النبي عليه السلام أمره بالتسوية بين أولاده في
العطية، فدل على أنه هو السنة.
مسألة 10: إذا خالف المستحب، ففضل بعضهم على بعض، وقعت العطية
موقعها، وجاز له أن يسترجعها ويسوي بينهم إذا كانوا كبارا.
وقال الشافعي: يصح استرجاعها على كل حال، ولو لم يسترجعها فلا
شئ عليه (3).
وقال طاوس، وإسحاق، ومجاهد: لا يصح تلك العطية، وتكون باطلة،
فيكون ميراثا بينهم على فرائض الله تعالى إذا مات (4).
وقال أحمد بن حنبل، وداود بن علي: يجب عليه أن يسترجعها إذا خالف
المستحب (5).
دليلنا: أنه لا دليل على وجوب استرجاعها، ولا على بطلان العطية، وإجماع
الفرقة دليل يقطع به، وكذلك أخبارهم (6).

(1) رواه في مختصر المزني: 134.
(2) صحيح مسلم 3: 1242 حديث 10، وسنن أبي داود 3: 292 حديث 3543، وشرح معاني الآثار
4: 84، والسنن الكبرى 6: 176.
(3) السراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 401، والمغني لابن قدامة 6: 298، والشرح الكبير 6: 294،
وعمدة القاري 13: 142 و 146.
(4) المجموع 15: 371، وعمدة القاري 13: 142 و 146، وفتح الباري 5: 163، والمغني لابن قدامة
6: 298، والشرح الكبير 6: 294.
(5) المجموع 15: 371 و 396، وعمدة القاري 13: 142 و 146، والمحلى 9: 142، والمغني لابن قدامة
6: 298، والشرح الكبير 6: 294.
(6) الكافي 7: 10 حديث 6، ومن لا يحضره الفقيه 4: 144 حديث 495، والتهذيب 9: 188 حديث
795 و 796.
565

مسألة 11: إذا وهب الوالد لولده وإن علا الوالد، أو الأم لولدها وإن
علت، وقبضوا إن كانوا كبارا، أو كانوا صغارا لم يكن لهما الرجوع فيه. وبه
قال أبو حنيفة (1).
وقال أيضا مثل ذلك في كل ذي رحم محرم بالنسب، ليس له الرجوع فيما
وهب له (2). وكذلك في كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز
لأحدهما أن يتزوج بالآخر. وذلك مثل عم الرجل، وخاله، وأخيه، وأبيه (3).
وهذا عندنا مستحب، والواجب للولد فقط.
وقال الشافعي: للوالد والوالدة أن يسترجعا هبتهما على كل حال من الولد
وذي الرحم، ذكرا كان أو أنثى (4).
وقال مالك: إن كان الولد قد انتفع بالهبة، مثل أن يكون قد زوج الرجل
بالمال الذي وهب له، لم يجز له الرجوع فيه. وإن كان لم ينتفع بعد، كان له
الرجوع فيه (5).

(1) اللباب 2: 122، والمبسوط 12: 49 و 54 - 55، وعمدة القاري 13: 143، وتبيين الحقائق 5: 95،
والمحلى 9: 127.
(2) اللباب 2: 124، والمبسوط 12: 49، وبدائع الصنائع 6: 132، وعمدة القاري 13: 143، والهداية
7: 134، وتبيين الحقائق 5: 101، والمجموع 15: 383.
(3) اللباب 2: 124، والمبسوط 12: 60، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 7: 134، وعمدة
القاري 13: 143، والفتاوى الهندية 4: 386 - 387، وتبيين الحقائق 5: 101.
(4) مختصر المزني: 134، والوجيز 1: 249 - 250، وكفاية الأخيار 1: 201، والمجموع 15: 382 و 384،
والسراج الوهاج: 308، ومغني المحتاج 2: 401، وعمدة القاري 13: 143، وبدائع الصنائع
6: 132، وفتح الباري 5: 215.
(5) بداية المجتهد 2: 327، وبلغة السالك 2: 317، والمحلى 9: 127، وأسهل المدارك 3: 89، وفتح
الرحيم 2: 157، والخرشي 7: 113 - 114، وجواهر الإكليل 2: 215، وعمدة القاري 13: 143،
وفتح الباري 5: 215.
566

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (1).
وأيضا قوله - عليه السلام -: " العائد في هبته كالعائد في قيئه " ((2) يدل عليه
أيضا، لأن القئ حراما بلا خلاف.
مسألة 12: إذا وهب لأجنبي وقبضه، أو لذي رحم غير الولد، كان له
الرجوع فيه، ويكره الرجوع في الهبة لذي رحم.
وقال أبو حنيفة: يجوز له الرجوع فيما يهب لأجنبي، ولكل قريب إذا لم يك ذا
رحم محرم منه بالنسب، - على ما مضى من تفسيره - وأجرى الزوجية مجرى
الرحم المحرم بالنسب، وقال: إذا وهب أحد الزوجين للآخر، لم يكن للواهب
الرجوع فيها (3).
وقد روى ذلك قوم من أصحابنا في الزوجين (4).
وقال الشافعي: إذا وهب لغير الولد وقبض لزم، ولا رجوع له بعد ذلك
فيها (5).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (6).

(1) التهذيب 9: 157 حديث 646، والاستبصار 4: 106 حديث 402 وغيرها مما يستفاد من عمومه في
باب الهبة فلاحظ.
(2) صحيح مسلم 3: 1241 حديث 7، وصحيح البخاري 3: 207، وسنن النسائي 6: 266، وسنن أبي
داود 3: 291 حديث 3538، وسنن ابن ماجة 2: 797 حديث 2385، والسنن الكبرى 6: 180.
(3) اللباب 2: 124 - 125 وعمدة القاري 13: 143، وفتح الباري 5: 216، وشرح فتح القدير
7: 130، والفتاوى الهندية 4: 386 - 387، والهداية 7: 130 و 134، وشرح العناية على الهداية
بهامش شرح فتح القدير 7: 130، وتبيين الحقائق 5: 98 و 101، والمحلى 9: 127.
(4) الكافي 7: 30 حديث 3، والتهذيب 9: 152 حديث 624 والاستبصار 4: 110 حديث 423.
(5) المجموع 15: 381 - 382، وكفاية الأخيار 1: 201، والوجيز 1: 249، والسراج الوهاج: 309،
ومغني المحتاج 2: 404، والمغني لابن قدامة 6: 328.
(6) انظرها في التهذيب 9: 152 (باب النحل والهبة) حديث 635 و 643 وغيرها، والاستبصار 4: 107
(باب الهبة المقبوضة) حديث 414 وغيرها.
567

وروى أبو هريرة، عن النبي عليه السلام أنه قال: " الواهب أحق بهبته ما لم
يثبت منها " (1).
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: " الرجل أحق بهبته ما لم يثب
منها " (2).
وروي مثل ذلك عن عمر (3)، وفضالة بن عبيد (4) (5).
مسألة 13: الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن فوقه، وهبة لمن دونه، وهبة
لمن هو مثله. وكلها يقتضي عندنا الثواب.
وقال جميع الفقهاء: إنها إذا كانت لمن فوقه، أو لمن هو مثله لا تقتضي
الثواب (6)، وإذا كانت لمن هو دونه اختلفوا، فقال أبو حنيفة: لا تقتضي
الثواب (7)، وبه قال الشافعي في أحد قوليه في الجديد (8)، ونص عليه في
الشفعة (9)، وقال في القول الآخر - وهو قوله القديم -: أنها تقتضي الثواب (10)

(1) سنن ابن ماجة 2: 798 حديث 2387، وسنن الدارقطني 3: 44 حديث 181.
(2) سنن الدارقطني 3: 44 حديث 183، وشرح معاني الآثار 4: 82، والمحلى 9: 129.
(3) شرح معاني الآثار 4: 81 - 82، والمحلى 9: 129.
(4) فضالة بن عبيد بن ناقذ بن صهيبة، أبو محمد الأنصاري ولاه معاوية الغزو وقضاء دمشق
واستخلفه على دمشق لما غاب عنها قيل مات سنة (53)، وقيل: (67). أنظر تهذيب التهذيب 8: 267 - 268.
(5) شرح معاني الآثار 4: 82، والمحلى 9: 129.
(6) المغني لابن قدامة 6: 331، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج 2: 404، والوجيز 1: 250، وفتح
الباري 5: 210، وعمدة القاري 13: 141.
(7) المبسوط 12: 54، وعمدة القاري 13: 141، وفتح الباري 5: 210، والمغني لابن قدامة 6: 331.
(8) الوجيز 1: 250، ومغني المحتاج 2: 404، والسراج الوهاج: 309، والمغني لابن قدامة 6: 331،
وعمدة القاري 13: 141، وفتح الباري 5: 210.
(9) أنظر الأم 4: 3 و 63.
(10) الوجيز 1: 250، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج 2: 404، والمغني لابن قدامة 6: 331، وفتح
الباري 5: 210، وعمدة القاري 13: 141.
568

وبه قال مالك (1).
دليلنا: عموم الأخبار التي رواها أصحابنا " أن الهبة تقتضي الثواب " (2)
ولم يخصوا فيها نوعا دون نوع، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
وروى أبو هريرة، عن النبي عليه السلام، أنه قال: " الواهب أحق بهبته ما لم
يثبت منها " (3)، فأثبت للواهب حق الرجوع قبل أن يثاب، وأسقط حقه من
الرجوع بالثواب، وجعله ثوابا على الحقيقة.
وروي عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل
الهدية ويثيب عليها (4).
وهو قول علي عليه السلام، وعمر، وفضالة بن عبيد.
فروي عن علي عليه السلام أنه قال: " من وهب هبة يرجوا ثوابها فهي رد
على صاحبها ما لم يثبت عليها " (5).
وروي مثله عن عمر (6).
وروي: أن رجلين اختصما إلى فضالة بن عبيد، فقال أحدهما: وهبت لهذا
بازي فلم يثبني عليه. فقال: رد عليه بازه أو أثبه عنه (7). ولا يعرف لهم مخالف.

(1) الموطأ 2: 754، وفتح الرحيم 2: 157، والخرشي 7: 117، والمغني لابن قدامة 6: 331، وعمدة
القاري 13: 141.
(2) انظرها في التهذيب 9: 152 (باب النحل والهبة).
(3) سنن ابن ماجة 2: 798 حديث 2387، وسنن الدارقطني 3: 44 حديث 181.
(4) صحيح البخاري 3: 206، والسنن الكبرى 6: 180.
(5) أنظر بدائع الصنائع 6: 128.
(6) المصنف لعبد الرزاق 9: 105 حديث 16519، والموطأ 2: 754 حديث 42، وشرح معاني الآثار
4: 81، والسنن الكبرى 6: 181 - 182، ورواه الشافعي في أمه 4: 61، وابن قدامة في المغني
6: 331، والكاساني في بدائع الصنائع 6: 128.
(7) شرح معاني الآثار 4: 82، وانظر المحلى 9: 129، والمبسوط 12: 52، وبدائع الصنائع 6: 128.
569

مسألة 14: إذا ثبت أن الهبة تقتضي الثواب، فلا يخلو إما أن يطلق، أو
يشترط الثواب، فإن أطلق فأي ثواب يقتضي منه، فإنه يعتبر ثواب مثله على
ما جر به العادة.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال، على قوله أنها تقتضي الثواب.
أحدهما: مثل ما قلناه (1)، والثاني يثيبه حتى يرضى الواهب (2).
والثالث: يثيبه بقدر قيمة الهبة أو مثلها (3).
دليلنا: أن أصل الثواب إنما أثبتناه في الهبة بالعادة، فكذلك مقدارها وإن
قلنا أنه لا مقدار فيها أصلا، وإنما هي ما يثاب عنها قليلا كان أو كثيرا كان
قويا، لعموم الأخبار وإطلاقها (4).
مسألة 15: إذا شرط الثواب، فإن كان مجهولا صح، لأنه وافق ما يقتضيه
الإطلاق. وإن كان معلوما كان أيضا صحيحا، لأنه لا مانع يمنع منه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يصح، لأنه إذا صح مع الجهل، فمع العلم أولى.
والثاني: لا يصح (5).

(1) المجموع 15: 389، والسراج الوهاج: 309، ومغني المحتاج 2: 404، والوجيز 1: 250.
(2) المجموع 15: 389، الوجيز 1: 250.
(3) المجموع 15: 389 والوجيز 1: 250، ومغني المحتاج 2: 404، والسراج الوهاج: 309، وفتح الباري
5: 210.
(4) الكافي 7: 32 حديث 3 و 13، والتهذيب 9: 152 (باب النحل والهبة)، والاستبصار 4: 107 (باب
الهبة المقبوضة).
(5) الأم 14: 10 و 63، والمجموع 15: 386 و 389، والوجيز 1: 250، والسراج الوهاج: 309 - 310،
ومغني المحتاج 2: 404 - 405، والمغني لابن قدامة 6: 332 و 333 و 336، وفتح الباري 5: 210
والمحلى 9: 119، وسبل السلام 3: 940.
570

دليلنا: قوله عليه السلام " المؤمنون عند شروطهم " (1) ولم يفصل.
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 16: إذا تلف الموهوب في يد الموهوب له، بطل الثواب، ولا يرجع
عليه بمثله، ولا قيمته.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: مثل ما قلناه. والآخر: يرجع عليه بقيمته (2).
دليلنا: أن التلف والنقصان وجدا في ملك الموهوب له، وما حصل في ملكه
لا يرجع به عليه.
وأيضا: الأصل براءة الذمة، وإيجاب القيمة يحتاج إلى دليل.
مسألة 17: إذا وهب ثوبا خاما لمن له الرجوع في هبته - كالأجنبي على
مذهبنا، والولد على مذهب الشافعي (3) - فقصره الموهوب له، لم يكن للواهب
الرجوع فيه.
وللشافعي فيه قولان: إن قال القصارة بمنزلة الزيادة المتميزة، كان الواهب
شريكا للموهوب له بقدر القصارة. وإن قال القصارة بمنزلة الزيادة المتصلة،
فالثوب للواهب بقصارته، ولا حق للموهوب له فيه (4).
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أنه إذا تصرف الموهوب له في الهبة لم

(1) التهذيب 7: 371 حديث 1503، والاستبصار 3: 232 حديث 835، والمغني لابن قدامة 4: 384،
والشرح الكبير 4: 386، وتلخيص الحبير 3: 23 و 44، والمصنف لابن أبي شيبة 6: 568 حديث 2064.
(2) المجموع 15: 386، والوجيز 1: 250، ومغني المحتاج 2: 404، والمغني لابن قدامة 6: 332 - 333.
(3) مختصر المزني: 134، والمجموع 15: 382، وكفاية الأخيار 1: 201، ومغني المحتاج 2: 401، والسراج
الوهاج: 308.
(4) المجموع 15: 375، ومغني المحتاج 2: 403، والسراج الوهاج: 309، والمغني لابن قدامة 6: 312،
والشرح الكبير 6: 306.
571

يكن للواهب الرجوع فيها (1). وهذا قد تصرف. ولأن إثبات الرجوع في هذا
يحتاج إلى دليل.
مسألة 18: الدار المستأجرة يصح هبتها وبيعها لغير المستأجر.
وللشافعي في صحة بيعها وهبتها قولان:
أحدهما: يصحان. والآخر: يبطلان (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن بيع المستأجر يصح، وكل من قال بصحة بيعها
قال بصحة هبتها.
والشافعي بنى صحة الهبة وفسادها على صحة البيع وفساده. وقد بينا أن
ذلك صحيح.
مسألة 19: إذا وهب له شيئا من حلي ذهبا أو فضة، فأثابه في المجلس قبل
التفرق أو بعد التفرق بجنسه من النقود، أو بغيره بمثله، أو بما زاد عليه، أو نقص
قبل التصرف أو بعده، كان ذلك جائزا ولا يفسد.
وقال الشافعي: حكم ذلك حكم الصرف، فما صح في الصرف صح
هاهنا، وما أفسده الصرف أفسد ها هنا (3).
دليلنا: أن أحكام الصرف مراعى في الصرف والبيع، وليس الهبة بيعا
ولا صرفا، فمن قال: أنها لا حقة بالبيع فعليه الدلالة.
مسألة 20: إذا كان له على غيره حق، جاز له بيعه، ويكون مضمونا.

(1) الكافي 7: 32 حديث 11، والتهذيب 9: 152 حديث 4، والاستبصار 4: 107 حديث 412،
ويستفاد فيها أيضا من عموم الأخبار المذكورة في هذا الباب فلاحظ.
(2) المجموع 15: 87 و 89 و 373، والوجيز 1: 239 و 249، ومغني المحتاج 2: 360، والسراج الوهاج:
297 و 308، وكفاية الأخيار 1: 200، والمغني لابن قدامة 6: 53.
(3) لم أعثر على هذا القول في مظانه من كتب الشافعية وغيرها.
572

ويجوز هبته ورهنه، ولا يلزمان إلا بالقبض.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يصح بيعه من غيره، ويصح هبته وتلزم الهبة بنفس العقد،
ولا يشترط القبض في لزومها، ولا يصح رهنه، لأنه لا يزيل الملك (1).
والثاني: أنه يصح البيع والهبة ولا يلزم الهبة إلا بالقبض، ويصح
الرهن ولا يلزم إلا بالقبض (2). وهذا مثل قولنا.
والثالث: لا يصح بيعه ولا هبته، ولا رهنه لأنه غير مقدور على
تسليمه، فهو كالطير في الهواء (3).
دليلنا: إجماع الفرقة على جواز الديون، ولا مانع يمنع من هبته ولا رهنه،
وعموم الأخبار يقتضي جوازهما (4).
مسألة 21: إذا وهب في مرضه المخوف شيئا وأقبضه، ثم مات، فمن
أصحابنا من قال: لزمت الهبة في جميع الموهوب، ولم يكن للورثة فيها شئ (5).
ومنهم من قال: يلزم في الثلث، ويبطل فيما زاد عليه (6)، وبه قال جميع

(1) المجموع 13: 206، وكفاية الأخيار 1: 201، والسراج الوهاج: 212 و 308، ومغني المحتاج 2: 71 و
400، والمغني لابن قدامة 6: 290، وعمدة القاري 13: 160، وفتح الباري 5: 224.
(2) المجموع 13: 206 و 15: 370 و 380، وكفاية الأخيار 1: 200، والسراج الوهاج: 308، وعمدة
القاري 13: 160، وفتح الباري 5: 224، والمغني لابن قدامة 6: 290.
(3) المجموع 13: 205 - 206، والسراج الوهاج: 212 و 308، والوجيز 1: 159 و 249، وكفاية الأخيار
1: 200، وعمدة القاري 13: 160، فتح الباري 5: 224، والمغني لابن قدامة 6: 290.
(4) أنظر الكافي 7: 37، والتهذيب 9: 152 (باب النحل والهبة).
(5) ممن قال بهذه المقالة الشيخ المفيد في المقنعة: 101، والسيد المرتضى علم الهدى في الإنتصار: 224،
وابن زهرة في الغنية المطبوع ضمن الجوامع الفقهية: 603، ومن المتأخرين عن عصر المؤلف ابن
إدريس الحلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في السرائر: 382.
(6) قاله ابن الجنيد كما حكاه عنه العلامة الحلي في المختلف: 29 من كتاب الهبة فراجع.
573

الفقهاء (1).
دليلنا على الأول: أخبار الطائفة المروية في هذا الباب (2)، والرجوع إليها
هو الحجة في هذه المسألة.

(1) المجموع 15: 441، وبداية المجتهد 2: 322، والمغني لابن قدامة 6: 524، والشرح الكبير 6: 315 -
316، والمبسوط 12: 102.
(2) انظرها في الكافي 7: 7 " باب إن صاحب المال أحق بماله ما دام حيا "، ومن لا يحضره الفقيه 4: 138
حديث 481، والتهذيب 9: 190 حديث 864، والاستبصار 4: 121 حديث 461.
574

كتاب اللقطة
575

مسألة 1: اللقطة على ضربين: لقطة الحرم، ولقطة غير الحرم. فلقطة الحرم
سيجئ الخلاف فيها، ولقطة غير الحرم يعرفها سنة، ثم هو مخير بعد السنة بين
ثلاثة أشياء:
بين أن يحفظها على صاحبها.
وبين أن يتصدق عنه، ويكون ضامنا إن لم يرض صاحبها.
وبين أن يتملكها، ويتصرف فيها، وعليه ضمانها إذا جاء صاحبها، سواء
كان غنيا أو فقيرا، أو ممن تحل له الصدقة، أو ممن لا تحل له الصدقة.
وقال الشافعي: إذا كان بعد السنة هو بالخيار بين أن يحفظها على
صاحبها، وبين أن يتملكها ويأكلها، ويضمن ثمنها بالمثل إن كان له مثل، أو
القيمة إن لم يكن له مثل، سواء كان غنيا أو فقيرا، أو ممن تحل له الصدقة، أو
ممن لا تحل له الصدقة (1).
وقال أبو حنيفة، في الفقير وقبل حول الحول مثل قول الشافعي. وإن كان
بعد الحول، فإنه لا يخلو إما أن يكون فقيرا أو غنيا، فإن كان فقيرا، فهو مخير بين
الثلاثة الأشياء التي ذكرناها نحن، سواء من الحفظ على صاحبها، أو أكلها، أو

(1) الأم 4: 65 - 66 - 67، ومختصر المزني: 135، و المجموع 15: 263، والسراج الوهاج: 313، وكفاية
الأخيار 2: 4 - 5، والمبسوط 11: 5 و 7، والنتف 2: 585، وبدائع الصنائع 6: 202، والمغني لابن
قدامة 6: 392، وبداية المجتهد 2: 301.
577

التصدق بها مع شرط الضمان إن لم يرض. وإن كان غنيا فهو مخير بين شيئين:
بين أن يحفظها على صاحبها، وبين أن يتصدق بها على صاحبه بشرط الضمان،
وليس له أن يأكلها على كل حال (1).
وقال مالك: يجوز للغني أن يأكلها، ولا يجوز للفقير أكلها (2)، بعكس
ما قاله أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وهي أكثر من أن تحصى (3).
وروى أبو هريرة: أن النبي عليه السلام قال: " لا تحل اللقطة، فمن التقطها
فليتصدق بها " (4).
وهذا أمر يدل على بطلان قوله: أن الصدقة لا تجوز.
وروى أبي بن كعب، قال: وجدت صرة فيها مائة دينار - وروي ثمانون -
فأتيت النبي عليه السلام بها، فقال: " اعرف عددها ووكائها، ثم عرفها سنة ".
قال فجئت إليه السنة الثانية فقال: " عرفها "، فجئت إليه السنة الثالثة،
فقال: " استمتع بها " (5).

(1) النتف 2: 586، واللباب 2: 157 و 160، والمبسوط 11: 6 - 7، وعمدة القاري 12: 267،
والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 432، وتبيين الحقائق 3: 307، وبداية المجتهد 2: 301،
والمجموع 15: 263، والمغني لابن قدامة 6: 392.
(2) بداية المجتهد 2: 301، وفتح الرحيم 2: 172، بلغة السالك 2: 325، وأسهل المدارك 3: 57، والمغني
لابن قدامة 6: 392، والنتف 2: 585.
(3) انظرها في الكافي 5: 137 (باب اللقطة والضالة)، والتهذيب 6: 389 (باب 94 اللقطة والضالة)،
والاستبصار 3: 67 (باب 41 اللقطة).
(4) روى ابن الحزم في المحلى 8: 266 عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن
اللقطة فقال: " لا تحل اللقطة فمن التقط شيئا فليعرفه سنة فإن جاء صاحبه فليرده إليه وإن لم يأت
فليتصدق به فإن جاء فليخيروه بين الأجير وبين الذي له ".
أقول: ولم نعثر على ما حكاه الشيخ المصنف قدس سره بلفظ الحديث في الكتب المتوفرة لدينا.
(5) صحيح البخاري 3: 166، وصحيح مسلم 3: 1350، حديث 1723، وسنن أبي داود 2: 134
حديث 1701، وسنن ابن ماجة 2: 837 حديث 2506، ومصنف عبد الرزاق 10: 134 حديث
18615، وفي الجميع باختلاف يسير في اللفظ.
578

وهذا يدل على جواز الاستمتاع بالأكل والبيع والهبة، بخلاف ما يقول
أبو حنيفة في الغني لأن أبيا كان غنيا.
مسألة 2: كلما يمتنع من الإبل، والبقر، والبغال، والحمير فليس لأحد
أخذه. وبه قال الشافعي (1).
وقال أبو حنيفة: من وجده له أخذه، مثل سائر الضوال من الغنم (2).
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا: روي عن النبي عليه السلام: أنه قال - حين سأله السائل عن
الإبل الضوال - فقال: " مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها " (3) يعني خفها
وكرشها.
مسألة 3: روى أصحابنا أن أخذ اللقطة مكروه (4). وبه قال
مالك (5).

(1) الأم 4: 68، ومختصر المزني: 135، والمجموع 15: 274، والوجيز 1: 252، وكفاية الأخيار 2: 7،
والمحلى 8: 272، والمغني لابن قدامة 6: 396، والشرح الكبير 6: 349 - 350، وعمدة القاري
12: 270.
(2) المبسوط 11: 11، وعمدة القاري 12: 270، وفتاوى قاضيخان في هامش الفتاوى الهندية 3: 389،
والفتاوى الهندية 2: 289، واللباب 2: 158، وشرح فتح القدير 4: 428، والمغني لابن قدامة
6: 396، والمحلى 8: 272، والشرح الكبير 6: 350.
(3) صحيح البخاري 3: 166، وصحيح مسلم 3: 1348 حديث 2، وموطأ مالك 2: 757 حديث 46،
وسنن الترمذي 3: 656 حديث 1372، والمصنف لعبد الرزاق 10: 129 حديث 18601 و
18602، والسنن الكبرى 6: 189، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 196 حديث 4869.
(4) التهذيب 6: 390، حديث 1165 و 1166، والاستبصار 3: 68 حديث 229.
(5) بداية المجتهد 2: 299 - 300، وجواهر الإكليل 2: 218، وعمدة القاري 12: 180، والمحلى
8: 261، والبحر الزخار 5: 278، وسبل السلام 3: 948 - 949.
579

وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه أخذها إذا كان أمينا، ويخاف ضياعها.
والآخر: لا يجب، غير أنه يستحب (1). وإن كان غير أمين لا يجوز له أخذها
على حال، لأنها أمانة، ولا يؤتمن غير أمين.
دليلنا: الأخبار التي رواها أصحابنا، فإنهم رووا: " أن الناس كلهم لو
تركوها لجاء صاحبها وأخذها " (2).
وروي عن ابن عمر أنه قال: " دع خيرها بشرها " (3).
وأيضا فإنها ملك الغير، وأخذها لا يجوز إلا بإذن.
مسألة 4: يستحب لمن وجد اللقطة أن يشهد عليها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والآخر: أنه يجب عليه الإشهاد (4).
وقال أبو حنيفة: إن أشهد فإنه يكون أمانة، وإن لم يشهد يكون مضمونا
عليه في يده (5).

(1) المجموع 15: 250 و 265، ومختصر المزني: 135، والوجيز 1: 25، ومغني المحتاج 2: 406 - 407،
والسراج الوهاج: 310، وكفاية الأخيار 2: 3، وكفاية الأخيار 2: 3، وبداية المجتهد 2: 290، والمحلى 8: 261، والمغني
لابن قدامة 6: 347، وعمدة القاري 12: 180، والبحر الزخار 5: 278، وسبل السلام 3: 948.
(2) روى الشيخ المؤلف قدس سره في التهذيب 6: 390 الحديث 1166 بسنده عن الصادق عليه السلام
قال: لا تعرض لها فإن الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتى يأخذها.
(3) لم أقف على الحديث في الكتب المتوفرة لدينا.
(4) مختصر المزني: 135، والمجموع 15: 258، والوجيز 1: 251، ومغني المحتاج 2: 407، والسراج الوهاج:
310، وكفاية الأخيار 2: 3، وبداية المجتهد 2: 302، والشرح الكبير 6: 387، والبحر الزخار
5: 280، وسبل السلام 3: 951.
(5) اللباب 1: 156، والمبسوط 11: 11 - 12، وعمدة القاري 12: 268، وبدائع الصنائع 6: 201،
وتبيين الحقائق 3: 302، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 423 - 424، وبداية المجتهد
2: 303، والمجموع 15: 258، والفتاوى الهندية 2: 291، والشرح الكبير 6: 387.
580

دليلنا: أنه لا دليل على كونه مضمونا عليه، والأصل براءة الذمة، ولا دليل
أيضا على وجوب الإشهاد، واستحبابه مجمع عليه.
مسألة 5: إذا عرفها سنة، وأكلها بعد ذلك كان ضامنا، إن كان لها مثل
يضمن مثلا، وإن لم يكن لها مثل فبالقيمة، وبه قال جميع الفقهاء، وأهل
العلم (1).
وذهب قوم من أهل الظاهر: داود وغيره. إلى أنه إن أكلها بعد الحلول
لا يضمن، ولا يلزمه رد المثل، ولا القيمة (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وروى عطاء بن يسار، عن علي عليه السلام أنه وجد دينارا فأمره النبي
عليه السلام أن يأكله، ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه (4)، وهذا نص.
وروى عمر بن شعيب عن أبيه أن النبي عليه السلام: " قال اعرف
عفاصها (5) ووكائها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك - ثم قال -:
فإن جاء صاحبها يوما من الدهر فأدها " (6). وهذا نص.

(1) المجموع 15: 266، وكفاية الأخيار 2: 5، وبداية المجتهد 2: 301، واللباب 2: 157، وفتح الباري
5: 84، وعمدة القاري 12: 272 - 273 والمغني لابن قدامة 6: 367، والشرح الكبير 6: 391.
(2) المحلى 8: 257، والمجموع 15: 266 و 275، والمغني لابن قدامة 6: 367، والشرح الكبير 6: 391،
وعمدة القاري 12: 273، وفتح الباري 5: 84، وبداية المجتهد 2: 301.
(3) التهذيب 6: 396 حديث 1190 و 1191 و 1194.
(4) السنن الكبرى 6: 187، وذكر عبد الرزاق الحديث بطوله في المصنف 10: 142 برقم 18637.
(5) العفاص: الوعاء الذي يكون فيه النفقة، من جلد كان أو غيره. والعفاص أيضا الجلد الذي يكون
على رأس القارورة.
(6) صحيح البخاري 3: 163، والسنن الكبرى 6: 192، وصحيح مسلم 3: 1347 و 1349 حديث
1722 وحديث 5، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 196 حديث 4869 وفي البعض
اختلاف يسير في اللفظ فلاحظ.
581

مسألة 6: إذا وجد كلبا للصيد، وجب أن يعرفه سنة، فإذا مضت سنة،
جاز له يصطاد به، فإن تلف كان ضامنا.
وقال الشافعي: لا يضمن بناء منه على قوله أن الكلب لا قيمة له (1).
وعندنا أن كلب الصيد له قيمة، وقد مضت هذه المسألة.
مسألة 7: اللقطة إذا كان قيمتها درهما فصاعدا وجب تعريفها، وإن كان
دون ذلك لا يجب تعريفها.
وقال الشافعي: يجب تعريفها قليلا كان أو كثيرا، إلا ما لا يهبه الناس (2).
وقال الطبري: سمعت الماسرجسي يقول: من أصحابنا من قدر ذلك
بدينار.
وقال أبو حنيفة: إن كان قيمتها ما يقطع فيه وجب تعريفها، وإن كان دون
ذلك لا يجب تعريفها. وبه قال مالك (3)، غير أن أبا حنيفة قال: لا يجب القطع
إلا في عشرة دراهم قيمتها دينار (4).
وعند مالك يجب في ربع دينار (5).

(1) المجموع 9: 228، والوجيز 1: 133، والسراج الوهاج: 173، ومغني المحتاج 2: 11، وفتح العزيز
8: 112 - 113.
(2) المجموع 15: 262 و 268، والوجيز 1: 253، وكفاية الأخيار 2: 4، وعمدة القاري 12: 266، وفتح
الباري 5: 85، وتبيين الحقائق 3: 303، والمغني لابن قدامة 6: 351 - 352، والشرح الكبير 6: 348.
(3) المدونة الكبرى 6: 173 و 266، وبداية المجتهد 2: 303، والخرشي 7: 124، والمغني لابن قدامة 6: 351.
(4) المبسوط 11: 3، واللباب 2: 157، والنتف 2: 586، وبدائع الصنائع 6: 202، وعمدة القاري
12: 266، وفتح الباري 5: 92، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 425، وتبيين الحقائق
3: 302 - 303، والمحلى 8: 264، والمغني لابن قدامة 6: 351، والشرح الكبير 6: 348.
(5) موطأ مالك 2: 832 حديث 24، وبداية المجتهد 2: 437.
582

ومالك يقول: لا يعرفها أصلا (1).
وأبو حنيفة يقول: يعرفها أقل من سنة (2).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وروى جابر بن عبد الله: أن النبي عليه السلام رخص في العصا، والسوط،
والحبل وأشباهها يلتقطها وينتفع بها (4).
وروي: أن ابن عمر رأى كسرة في الطريق، وكان معه غلام، فأخذها
ومسحها وأكلها، فقال: ما صنعت بها؟ فأخبره بما صنع، فقال: أنت حر، إني
أستحي أن أستعبد من هو مغفور له، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: من رأى كسرة فأخذها، وأكرمها ومسحها، وأكلها غفر الله له ما تقدم
من ذنبه (5).
وروي عن عائشة أنها قالت: لا بأس بما دون الدرهم أن ينتفع به (6).
مسألة 8: العبد إذا وجد لقطة، جاز له أن يلتقطها.
وللشافعي فيه قولان:

(1) بداية المجتهد 2: 303، والمدونة الكبرى 6: 266، والخرشي 7: 124، والمغني لابن قدامة 6: 351،
والشرح الكبير 6: 348.
(2) النتف 2: 586، واللباب 2: 157، والمبسوط 11: 3، وبدائع الصنائع 6: 202، وعمدة القاري
12: 266، وتبيين الحقائق 3: 302 - 303، وفتح الباري 5: 92، والمحلى 8: 264، والمغني لابن قدامة ج 6: 351، والشرح الكبير 6: 348، والمجموع 15: 262.
(3) انظرها في التهذيب 6: 389 حديث 1162، والاستبصار 3: 68 حديث 226، ويدل عليه عموم أكثر
أحاديث باب اللقطة فلاحظ.
(4) سنن أبي داود 2: 138 حديث 1717، والسنن الكبرى 6: 195.
(5) لم أقف على هذا الحديث في الكتب المتوفرة.
(6) رواه العيني في عمدة القاري 12: 272، ولم أعثر عليه في الكتب الحديثية المتوفرة.
583

أحدهما مثل ما قلناه (1).
والثاني ليس له أن يلتقطها (2).
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في هذا الباب (3)، وتخصيصها بالأحرار يحتاج
إلى دليل.
مسألة 9: من أخذ لقطة ثم ردها إلى مكانها، لم يجز له، وكان ضامنا. وبه
قال الشافعي (4).
وقال أبو حنيفة: يزول ضمانه (5).
دليلنا: أنه ضمن بلا خلاف، فمن ادعى زواله فعليه الدلالة.
مسألة 10: إذا عرفها سنة، لا تدخل في ملكه إلا باختياره، بأن يقول: هذا
قد اخترت ملكها.
وللشافعي فيه أربعة أوجه:
أحدها: وهو أصحها مثل ما قلناه.
والثاني: أنه بمضي السنة يملكها بغير اختياره.
والثالث: بمجرد القصد دون التصرف.

(1) الأم 4: 68، والمجموع 15: 278، ومغني المحتاج 2: 408، والسراج الوهاج: 311، والوجيز 1: 251،
وكفاية الأخيار 2: 3.
(2) المجموع 15: 278، والسراج الوهاج: 311، ومغني المحتاج 2: 408، والوجيز 1: 251، والمغني لابن
قدامة 6: 387، والشرح الكبير 6: 400، والبحر الزخار 5: 279.
(3) انظرها في الكافي 5: 137 (باب اللقطة والضالة)، والتهذيب 6: 389، والاستبصار 3: 67 بنفس
الباب المذكور.
(4) الأم 4: 66 و 68، ومختصر المزني: 136، والمجموع 15: 274، والمغني لابن قدامة 6: 368، والشرح
الكبير 6: 360 - 361.
(5) المبسوط 11: 13، والفتاوى الهندية 2: 292، وتبيين الحقائق 3: 302، والمجموع 15: 274.
584

والرابع: بالقول والتصرف (1).
دليلنا: أنه قد ثبت أنه ملك الغير، وما قلناه مجمع على تملكه به، وما قاله
ليس عليه دليل.
مسألة 11: يكره للفاسق أخذ اللقطة، فإن أخذها فعل ما يفعله الأمين،
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: ينترع من يده ويدفع إلى أمين الحاكم.
والثاني: تضام إلى يده يد أخرى (2).
دليلنا عموم الأخبار الواردة في أحكام اللقطة (3)، فمن خصصها بأمين دون
فاسق فعليه الدلالة، وكراهة أخذها له مجمع عليه، ووجوب انتزاعها من يده
يحتاج إلى دليل.
مسألة 12: لقطة الحرم يجوز أخذها، ويجب تعريفها سنة، ثم بعد ذلك
يكون مخيرا إذا لم يجئ صاحبها بين أن يتصدق بها بشرط الضمان، أو يحفظها
على صاحبها وليس له أن يتملكها.
وقال الشافعي: من وجد بمكة لقطة، فلا يخلو إما أن يكون أخذها ليعرفها
ويحفظها على صاحبها، أو أخذها ليتملكها. فإن أخذها ليعرفها ويحفظ على
صاحبها كان جائزا بلا خلاف في هذا.
وإن أخذها ليتملكها، فعنده أنه ليس له أن يلتقطها ليتملك لقطة مكة.

(1) المجموع 15: 262 و 267، والسراج الوهاج: 312، ومغني المحتاج 2: 415، والوجيز 1: 253، وكفاية
الأخيار 2: 4، وعمدة القاري 12: 268، وفتح الباري 5: 84، والبحر الزخار 5: 285.
(2) مختصر المزني: 135، والمجموع 15: 281، والسراج الوهاج: 310، ومغني المحتاج 2: 407، والوجيز
1: 254، وكفاية الأخيار 2: 6، والمغني لابن قدامة 6: 390، والشرح الكبير 6: 398.
(3) انظرها في الكافي 5: 137، والتهذيب 6: 389، والاستبصار 3: 67 (باب اللقطة والضالة).
585

وإليه ذهب عامة أهل العلم (1).
وذهب بعض الناس: إلى أنه يجوز التقاط لقطة مكة وإليه ذهب بعض
أصحاب الشافعي (2).
وقال أبو حنيفة: لقطة الحرم حكمها حكم لقطة غير الحرم (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وأيضا روي عن النبي عليه السلام أنه قال - في مكة -: " لا ينفر صيدها،
ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا يحل لقطتها إلا لمنشد " (5). يعني
لمعرف.
وروي عنه عليه السلام أنه نهى عن لقطة الحاج (6).
وأيضا قوله تعالى " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من
حولهم أفبالباطل يؤمنون " (7). فإذا وصفه تعالى بأنه حرم فلا يجوز التقاط
ما يسقط فيه.

(1) المجموع 15: 253، والوجيز 1: 253، والمغني لابن قدامة 6: 360، والشرح الكبير 6: 385، وشرح
فتح القدير 4: 430، وفتح الباري 5: 88، وعمدة القاري 12: 275، وبلغة السالك 2: 324، ونيل
الأوطار 6: 97.
(2) المجموع 15: 253، والوجيز 1: 253، وشرح فتح القدير 4: 430، وعمدة القاري 12: 275، وفتح
الباري 5: 88، والمغني لابن قدامة 6: 360، والشرح الكبير 6: 385، ونيل الأوطار 6: 97.
(3) اللباب 2: 159، وشرح فتح القدير 4: 430، وعمدة القاري 12: 275، والفتاوى الهندية 2: 289،
والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 430، والمغني لابن قدامة 6: 360، والشرح الكبير
6: 385، ونيل الأوطار 6: 97.
(4) دعائم الإسلام 2: 495 حديث 1766، والتهذيب 6: 395 حديث 1190.
(5) سنن أبي داود 2: 212 حديث 2017 و 2018، وصحيح البخاري 3: 18، والسنن الكبرى
5: 195، ومجموع الزوائد 3: 283، وفي البعض منها اختلاف يسير في اللفظ.
(6) صحيح مسلم 3: 1351 حديث 1724، وسنن أبي داود 2: 139 حديث 1719، وشرح معاني
الآثار 4: 140، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 7: 196.
(7) العنكبوت: 67.
586

مسألة 13: يجوز للمكاتب أخذ اللقطة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: أنه مثل العبد (1)، وله في العبد قولان (2).
دليلنا: عموم الأخبار (3)، وقد بينا أن العبد أيضا يجوز له أخذها بمثل
ذلك (4).
مسألة 14: العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه مملوكا جاز له أخذ اللقطة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما - وهو الذي نص عليه - مثل ما قلناه.
وقال بعض أصحابه تخريجا. ليس له أخذه (5).
دليلنا عموم الأخبار (6)، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: من وجد لقطة، فجاء رجل آخر فوصف عقاصها ووكائها،
ووزنها وعددها، وجنسها وحليتها، وغلب في ظنه أنه صادق، جاز له أن
يعطيها، ولا يجب عليه ذلك إلا ببينة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه،

(1) الأم 4: 68، ومختصر المزني: 136، والوجيز 1: 251، والمجموع 15: 280، والسراج الوهاج: 311،
ومغني المحتاج 2: 408.
(2) الأم 4: 68، ومختصر المزني: 135، والمجموع 15: 278، والوجيز 1: 251، والسراج الوهاج: 311،
ومغني المحتاج 2: 408، وكفاية الأخيار 2: 3، والمغني لابن قدامة 6: 387، والشرح الكبير 6: 400.
(3) الكافي 5: 137، والتهذيب 6: 389، والتهذيب 6: 389، والاستبصار 3: 67 (باب اللقطة والضالة).
(4) تقدم البيان فيه في المسألة " 8 " فلاحظ.
(5) الأم 4: 68، ومختصر المزني: 136، والمجموع 15: 280، والوجيز 1: 251، والسراج الوهاج: 311،
مغني المحتاج 2: 409.
(6) الكافي 5: 137، والتهذيب 6: 389، والاستبصار 3: 67 (باب اللقطة والضالة).
587

والشافعي (1).
وقال أحمد بن حنبل، وأهل الظاهر: أنه يجب عليه دفعها إليه (2)، وبه قال
مالك، على ما حكاه الأسفرايني، عمن رواه من أصحاب مالك (3)، يقول
ذلك.
دليلنا: أنه ليس ها هنا ما يدل على وجوب الدفع إليه، والخبر المروي عن
النبي عليه السلام أنه قال: " إن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " (4) يدل على
ذلك، لأنه لا يعلم بوصفه أنه صاحبها.
مسألة 16: الذمي إذا وجد لقطة في دار الإسلام جاز له أخذها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه (5).
والثاني: ليس له ذلك. لأنه ليس بموضع أمانة (6).

(1) المبسوط 11: 8، وعمدة القاري 12: 267، والأم 4: 67، والمجموع 15: 269، ومغني المحتاج
2: 416، والسراج الوهاج: 313، والمغني لابن قدامة 6: 363، والشرح الكبير 6: 388، والمحلى
8: 264، وبداية المجتهد 2: 302.
(2) المغني لابن قدامة 6: 363، والشرح الكبير 6: 388، والمحلى 8: 364، والمجموع 15: 269، وعمدة
القاري 12: 267، وسبل السلام 3: 948.
(3) بداية المجتهد 2: 302، وأسهل المدارك 3: 75، وفتح الرحيم 2: 172، وبلغة السالك 2: 322،
والمبسوط 11: 8، وعمدة القاري 12: 267، والمجموع 15: 269، والمغني لابن قدامة 6: 363،
والشرح الكبير 6: 388، وسبل السلام 3: 948.
(4) صحيح البخاري 3: 163، وصحيح مسلم 3: 1347 حديث 1722، موطأ مالك 2: 757 حديث
46، وسنن أبي داود 2: 135 حديث 1705، وشرح معاني الآثار 4: 134، والإحسان بترتيب
صحيح ابن حبان 7: 196، حديث 4869. وفي البعض منها اختلاف يسير في اللفظ.
(5) المجموع 15: 283، ومغني المحتاج 2: 407، والسراج الوهاج: 310.
(6) المجموع 15: 283، والمغني لابن قدامة 6: 389، والشرح الكبير 6: 397.
588

دليلنا: عموم الأخبار (1)، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 17: لم ينص أصحابنا على شئ من جعل اللقط والضوال إلا على
إباق العبد، فإنهم رووا أنه إن رده من خارج البدل استحق الأجرة أربعين
درهما، قيمتها أربعة دنانير، وإن كان من البدل فعشرة دراهم قيمتها دينار،
وما عدا ذلك يستحق الأجرة بحسب العادة (2).
وقال الشافعي: لا يستحق شيئا من الأجرة على شئ من ذلك، إلا أن
يجعله له الجاعل، سواء كانت قيمته قليلا أو كثيرا، معروفا كان برد الضوال أو
لم يكن، من بعيد رده أو من قريب (3).
وقال مالك: إن كان معروفا برد الضوال، وممن يستأجر لذلك، فإنه
يستحق الجعل. وإن لم يكن معروفا، فلا يستحق الجعل (4).
وقال أبو حنيفة: إن كان ضوالا أو لقطة فإنه لا يستحق شيئا. وإن كان
آبقا فرده من مسيرة ثلاثة أيام، وكان ثمنه أربعين درهما وزيادة استحق أربعين
درهما، وإن نقص أحد الشرطين، فإن جاء به من مسيرة أقل من ثلاثة أيام
فبحسابه، فإن كان من مسيرة يوم ثلث الأربعين، وإن كان من مسيرة يومين
ثلثي الأربعين.
وإن كان قيمته أقل من أربعين، فقال أبو حنيفة، ومحمد: ينقص من قيمته
درهم ويستحق الباقي، إن كان قيمته أربعين، فيستحق تسعة وثلاثين، وإن

(1) الكافي 5: 137، والتهذيب 6: 389، والاستبصار 3: 67 (باب اللقطة والضالة).
(2) التهذيب 6: 398 حديث 1203.
(3) الأم 4: 71، والمجموع 15: 114 و 118، وكفاية الأخيار 1: 193، والوجيز 1: 240، ومختصر المزني:
136، والسراج الوهاج: 318، ومغني المحتاج 2: 429، والمغني لابن قدامة 6: 381.
(4) جواهر الإكليل 2: 200، والخرشي 7: 64، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 292 - 293،
والمحلى 8: 206.
589

كان قيمته ثلاثين يستحق تسعة وعشرين (1).
وقال أبو يوسف: يستحق أربعين، وإن سوى عشرة دراهم، والقياس أنه
لا يستحق شيئا، لكن أعطيناه استحسانا (2)، هكذا حكاه الساجي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (3).
وروى ابن أبي مليكة: أن النبي عليه السلام جعل في جعل الآبق يوجد
خارج الحرم عشرة دراهم (4).
وروي عن عمر أنه قال: من رد آبقا فله دينار (5).
وروي عن ابن مسعود أنه سئل: هل يستحق من رد آبقا الأجرة؟ فقال:
له من كل رأس أربعون درهما (6).
مسألة 18: إذا اختلفا، فقال صاحب العبد الآبق: شارطتك على رده
بنصف دينار. وقال الذي رد: شارطتني على دينار، فالقول قول الجاعل مع يمينه
إنه لم يجعل له دينارا، ثم يستحق عليه أجرة المثل.
وقال الشافعي: يتحالفان، ويستحق أجرة المثل (7).

(1) المبسوط 11: 21، والنتف 2: 594، واللباب 2: 166 - 167، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح
القدير 4: 435، وشرح فتح القدير 4: 435، وبدائع الصنائع 6: 205، والفتاوى الهندية 2: 298،
وتبيين الحقائق 3: 308، والمغني لابن قدامة 6: 382، والمحلى 8: 206،
(2) النتف 2: 594، والمبسوط 11: 32، وبدائع الصنائع 6: 205، والفتاوى الهندية 2: 296، وشرح
فتح القدير 4: 436، وتبيين الحقائق 3: 308، والمحلى 8: 206، والمغني لابن قدامة 6: 382 - 383.
(3) أنظر التهذيب 6: 398 حديث 1203.
(4) السنن الكبرى 6: 200.
(5) أشار إلى هذا الحديث في شرح فتح القدير 4: 435، وتبيين الحقائق 3: 308.
(6) المصنف لعبد الرزاق 8: 208، والسنن الكبرى 6: 200، والمغني لابن قدامة 6: 382، وبدائع
الصنائع 6: 204، والجوهر النقي في ذيل السنن الكبرى 6: 200 وفي البعض اختلاف يسير في اللفظ.
(7) المجموع 15: 124، والوجيز 1: 241، والسراج الوهاج: 319، ومغني المحتاج 2: 434.
590

دليلنا: أنه مدعى عليه، فكان عليه اليمين، ولزمه أجرة المثل لأنه رد عليه ما
أبق منه.
مسألة 19: إذا أسلمت الأم وهي حبلى من مشرك، أو كان لها منه ولد
غير بالغ، فإنه يحكم للولد والحمل بالإسلام ويتبعانها. وبه قال أهل
العراق (1). والشافعي (2).
وقال مالك: الحمل يتبعها، والولد لا يتبعها (3).
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم (4).
وقوله تعالى: " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " (5)
فحكم بأن ذرية المؤمنين يلحقون بهم، والولد ذرية مثل الحمل سواء.
وأيضا قول النبي عليه السلام: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه
وينصرانه، ويمجسانه (6).
مسألة 20: المراهق إذا أسلم، حكم بإسلامه، فإن ارتد بعد ذلك، حكم
بارتداده، وإن لم يتب قتل، ولا يعتبر إسلامه بإسلام أبويه. وبه قال أبو حنيفة،
وأبو يوسف، ومحمد غير أنه قال: لا يقتل إن ارتد، لأن هذا الوقت ليس بوقت

(1) النتف 2: 589، والمبسوط 10: 216، وبدائع الصنائع 6: 199، وشرح فتح القدير 4: 420،
والفتاوى الهندية 2: 288، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 420، وتبيين الحقائق 3: 299.
(2) المجموع 15: 316، والسراج الوهاج: 316، ومغني المحتاج 2: 423، والمغني لابن قدامة 10: 91،
وبداية المجتهد 2: 305.
(3) بداية المجتهد 2: 305، والمغني لابن قدامة 10: 91.
(4) التهذيب 10: 140 حديث 553 و 554 وأحاديث أخرى.
(5) الطور: 21.
(6) صحيح مسلم 4: 2047 حديث 2658، والموطأ 1: 241 حديث 52، ومسند أحمد بن حنبل 2: 233
و 275 و 282، والسنن الكبرى 6: 203، ومجمع الزوائد 7: 218 وفي بعض المصادر " ما من
مولود ".
591

التعذيب حتى يبلغ (1).
وقال الشافعي: لا يحكم بإسلامه ولا بارتداده، ويكون تبعا لأبويه، غير أنه
يفرق بينه وبينها لكيلا يفتناه. وبه قال زفر (2).
وفي أصحابه من قال: يحكم بإسلامه ظاهرا، فإذا بلغ ووصف الإسلام
يكون مسلما من هذا الوقت (3).
دليلنا: ما رواه أصحابنا " أن الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود
التامة، واقتص منه، ونفذت وصيته وعتقه " (4). وذلك عام في جميع الحدود.
وأيضا قوله عليه السلام " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه
ويمجسانه، حتى يعرب عنه لسانه فأما شاكرا أو كفورا " (5). وهذا عام، إلا من
أخرجه الدليل.
واستدل أصحاب أبي حنيفة بإسلام علي عليه السلام وكان غير بالغ،

(1) المبسوط 10: 120 و 122 و 124، وبدائع الصنائع 7: 134 - 135، وشرح فتح القدير 4: 404،
والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 404، وتبيين الحقائق 3: 292، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 4: 404، والمجموع 19: 223، والمغني لابن قدامة 10: 85 و 88،
والشرح الكبير 10: 81 و 84.
(2) الأم 6: 159، والمجموع 19: 223، والوجيز 1: 255، والسراج الوهاج: 316، ومغني المحتاج
2: 424، والمبسوط 10: 120، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 404، وتبيين الحقائق
3: 292، والمغني لابن قدامة 10: 85 و 88.
(3) المجموع 19: 227، والسراج الوهاج: 316، ومغني المحتاج 2: 424، والوجيز 1: 256، وشرح العناية
على الهداية بهامش شرح فتح القدير 4: 404.
(4) الكافي 7: 28 حديث 3 (باب وصية الغلام) ومن لا يحضره الفقيه 4: 145 حديث 501 (باب
92)، والتهذيب 9: 181 حديث 726 (باب وصية الصبي).
(5) صحيح مسلم 3: 2047 حديث 22، ومسند أحمد بن حنبل 2: 233، و 3: 353، ومجمع الزوائد
7: 218 والسنن الكبرى 6: 202 - 203، وفي البعض اختلاف يسير في اللفظ.
592

وحكم بإسلامه بلا خلاف (1).
وأجاب أصحاب الشافعي عن ذلك بأن قالوا: حكمنا بإسلامه لأنه يجوز
أن يكون بالغا، لأن أقل البلوغ عند الشافعي تسع سنين (2)، وعند أبي حنيفة
إحدى عشرة سنة.
واختلف الناس في إسلام علي عليه السلام، فمنهم من قال: أسلم وله عشر
سنين (3)، ومنهم من قال: تسع سنين (4)، ومنهم من قال: إحدى عشرة
سنة (5).
وقال الواقدي (6) وأصل ما قيل أنه ابن إحدى عشرة سنة.
وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: قتل علي عليه السلام في السابع
والعشرين من شهر رمضان، وكان له ثلاث وستون سنة (7).
ولا خلاف أنه قتل سنة أربعين من الهجرة، فلما هاجر النبي عليه السلام إلى
المدينة كان لعلي عليه السلام ثلاث وعشرون سنة، وأقام النبي عليه السلام بمكة

(1) شرح فتح القدير 4: 404، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير 4: 404، وشرح العناية على
الهداية بهامش شرح فتح القدير 4: 404، وتبيين الحقائق 3: 292.
(2) مغني المحتاج 2: 167، والسراج الوهاج: 229.
(3) رواه الحاكم في المستدرك 3: 111، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4: 121.
(4) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية 1: 431، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 17، وابن أبي الحديد في
شرح نهج البلاغة 4: 121.
(5) وهو قول الواقدي الآتي.
(6) أبو عبد الله، محمد بن عمر بن واقد الواقدي. ولد سنة 130 هجرية في آخر خلافة مروان بن محمد،
وقيل قبل سنة ذلك بسنة. كما اختلفوا في وفاته فقيل: أنه توفي سنة 206 هجرية، وقيل: أنه توفى في
ذي الحجة سنة 207 ه‍ وقال الخطيب: أنه الواقدي توفي سنة 209 ه‍. تاريخ بغداد 3: 20، وفيات
الأعيان 12: 641.
(7) رواه الحاكم في المستدرك 3: 145، وابن عساكر في تاريخ دمشق 3: 387 - 388، والطبري في
تاريخه 4: 117، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 4: 120.
593

دون ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، فبان بهذا أنه كان لعلي عليه السلام
إحدى عشرة سنة.
قال أبو الطيب الطبري: وجدت في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل أن
قتادة روى عن الحسن أن عليا عليه السلام أسلم وله خمس عشرة سنة (1).
قال: وأما البيت الذي ينسب إليه من قوله:
........... * غلاما ما بلغت أوان حلمي (2)
فليس بثابت عنه، ويحتمل أن يكون قال: " غلاما قد بلغت أوان
حلمي ".
مسألة 21: إذا مات اللقيط ولم يخلف وارثا، فميراثه لبيت المال. وبه قال
جميع الفقهاء (3).
وقال قوم: ميراثه لملتقطه (4).
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا قوله عليه السالم: " الولاء لمن أعتق " (5). وهذا لم يعتق، ودليله أن
من لم يعتق لا ولاء له.

(1) رواه أيضا الحاكم في مستدركه 3: 111.
(2) سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي
(3) الأم 4: 70، ومختصر المزني: 137، والمجموع 15: 286 و 291، والمغني لابن قدامة 6: 411، والشرح
الكبير 6: 417، والمدونة الكبير 3: 368، وبداية المجتهد 2: 305، والمحلى 8: 274، والمبسوط
10: 210، وبدائع الصنائع 6: 199، وتبيين الحقائق 3: 297، والخرشي 7: 132.
(4) منهم شريح وإسحاق حكاه عنهما ابن قدامة في المغني 6: 411، والشرح الكبير 6: 417، وابن حزم في
المحلى 8: 274.
(5) صحيح البخاري 3: 96، والموطأ 2: 782 و 870، وصحيح مسلم 2: 1141 حديث 1504، وسنن
أبي داود 4: 21 حديث 3929 و 3930، ومسند أحمد بن حنبل 1: 281، والسنن الكبرى
10: 338.
594

مسألة 22: إذا ادعى أجنبيان بأنه ولدهما، وكان مع كل واحد منهما بينة،
فتعارضتا، أولا بينة معها أصلا، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به.
وللشافعي: إذا تعارضت بينتاهما قولان.
أحدهما: مثل ما قلناه من القرعة (1).
والثاني: أنهما يسقطان، كأنه ليس هناك بينة وأري القافة، فإن قالت:
هو ابن لأحدهما ألحق به، وإن لم يكن قافة، أو أشكل عليهم، أو قالوا: هو ابنهما
أوليس بابن لهما، فالأربع مسائل واحدة، يوقف حتى يبلغ ويختار أيهما شاء (2).
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول فيه القرعة، وهذا داخل فيه.
مسألة 23: إذا ادعى نفسان لقيطا ويدهما عليه، وأقاما جميعا البينة، حكم
بالقرعة.
وقال الشافعي: تعارضت البينتان، وقد مضى قوله فيهما (3).
وقال أبو حنيفة: إن وصفه أحدهما بشئ على بدله، فإنه يحكم له، لأنه إذا
وصفه دل على يد سابقة (4).
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، والوصف لا يحكم به، لأنه يجوز أن
يكون شاهده أو سمعه، ولأن من وصف لقطة لم يجب دفعها إليه، كذلك
اللقيط.

(1) المجموع 15: 296 و 298 و 305 - 306، والوجيز 1: 258.
(2) مختصر المزني: 136 - 137، والسراج الوهاج: 314 و 317، ومغني المحتاج 2: 419 و 428، والوجيز
1: 257 - 258، والمغني لابن قدامة 6: 419 و 425، والشرح الكبير 6: 416 و 432، والبحر
الزخار 5: 289، وبدائع الصنائع 6: 199.
(3) تقدم في المسألة " 22 ".
(4) بدائع الصنائع 6: 199، وشرح فتح القدير 4: 419، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير
4: 419، والفتاوى الهندية 2: 286، وتبيين الحقائق 3: 299، والمغني لابن قدامة 6: 419، والشرح
الكبير 6: 416.
595

مسألة 24: إذا ادعى ذمي لقيطا، وقال: هذا ولدي، قبل إقراره، فإن أقام
بينة على قوله ألحق به، وحكم بكفره، وإن لم يقم بينة قبل دعواه وألحق به
أيضا.
وللشافعي فيه قولان إذا أقام البينة.
أحدهما: يقبل قوله في النسب، ولا يحكم بكفره.
والثاني: يحكم بكفره، وإن لم يقم البينة ألحق النسب. وهل يحكم
بكفره؟ على قولين (1).
دليلنا: قوله تعالى: " ألحقنا بهم ذريتهم " (2) وإذا ثبت نسبه بلا خلاف
حكمنا بكفره، لأن ولد الكافر يكون كافرا، والحكم بإسلامه يحتاج إلى شرع.
مسألة 25: الحر، والعبد، والمسلم، والكافر في دعوى النسب سواء، لا مزية
لأحدهم على الآخر. وبه قال الشافعي (3).
وقال أبو حنيفة: الحر أولى من العبد، والمسلم أولى من الكافر (4).
دليلنا: عموم الأخبار فيمن ادعى النسب (5)، ولم يخصوا كافرا من مسلم،
ولا عبدا من حر.

(1) مختصر المزني: 137، والسراج الوهاج: 316، ومغني المحتاج 2: 422، والمجموع 15: 302، والوجيز
1: 257.
(2) الطور: 21.
(3) مختصر المزني: 137، والوجيز 1: 257، ومغني المحتاج 2: 428، والسراج الوهاج: 317، والمجموع
15: 301، والمغني لابن قدامة: 423، والشرح الكبير 6: 431.
(4) بدائع الصنائع 6: 199، والفتاوى الهندية 2: 288، والهداية المطبوع بهامش شرح فتح القدير
4: 421، وشرح فتح القدير 4: 421، وشرح العناية على الهداية بهامش شرح فتح القدير 4: 421،
والمجموع 15: 301، والمغني لابن قدامة 6: 423 - 424، والشرح الكبير 6: 431.
(5) دعائم الإسلام 2: 518، والتهذيب 8: 166 (باب لحوق الأولاد بالآباء وثبوت الأنساب..)،
والاستبصار 3: 367 (باب 215).
596

مسألة 26: إذا ادعت امرأة لقيطا بأنه ولدها، فأقامت بينة بذلك، ألحق
بها وبالزوج بلا خلاف. وإن ادعته ولم تقم بينة، فإنه يقبل إقرارها عندنا على
نفسها، سواء كان معها زوج أو لم يكن.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يرد قولها، ولا يقبل إلا ببينة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك (1)،
وسواء كان معها زوج أو لم يكن (2).
والثاني: أنه يقبل قولها، ويلحق بها، سواء كان معها زوج أو لم يكن ولا
يلحق بالزوج إلا بالبينة، أو بإقراره (3).
والثالث: أنه إن كان لها زوج لا يقبل إقرارها، وإن لم يكن لها زوج يقبل
إقرارها (4). والخلاف في الأمة مثل الخلاف في الحرة سواء.
دليلنا: الأخبار المروية في أن إقرار العاقل على نفسه جائز (5). وهي على
عمومها في الرجل، والمرأة، والعبد، والحر، والحرة، والكافر، والمسلم.
وتخصيصها يحتاج إلى دليل.

(1) شرح فتح القدير 4: 419، وبدائع الصنائع 6: 200، والفتاوى الهندية 2: 286، وجواهر الإكليل
2: 220، والشرح الصغير في هامش بلغة السالك 2: 327، والمغني لابن قدامة 6: 423.
(2) مختصر المزني: 137، والسراج الوهاج: 317، ومغني المحتاج 2: 427، والوجيز 1: 257، والمجموع
15: 300 و 303 - 304، والمغني لابن قدامة 6: 422.
(3) المجموع 15: 300 و 303، والسراج الوهاج: 317، والوجيز 1: 257، ومغني المحتاج 2: 427، والمغني
لابن قدامة 6: 422.
(4) المجموع 15: 300 و 304 - 305، ومغني المحتاج 2: 427، والوجيز 1: 257، والمغني لابن قدامة
6: 422 - 423.
(5) لم أعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ في الكتب المتوفرة من الفريقين مع اشتهاره. ويمكن القول بأن
الشيخ قدس سره انفرد بنقله في هذا الكتاب. نعم روى ابن أبي جمهور في ثلاث موارد من كتاب
عوالي اللآلي بلفظ " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " من دون إشارة إلى مصدر للحديث فلاحظ
عوالي اللآلي 3: 442 حديث 5.
597